ايصال الطالب الي المكاسب

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: الحسيني الشيرازي، محمد، 1380 - 1305، شارح

عنوان واسم المؤلف: ايصال الطالب الي المكاسب: شرح واف بغرض الكتاب، تيعرض لحل مشكلاته و ابداآ مقاصد في ايجاز و توضيح/ محمد الحسيني الشيرازي

تفاصيل المنشور: تهران : موسسة كتابسراي اعلمي ، 1385.

خصائص المظهر: ج 16

شابك : 964-94017-6-8(دوره): ؛ 964-7860-59-5(ج. 1): ؛ 964-7860-58-7(ج. 2): ؛ 964-7860-57-9(ج. 3): ؛ 964-7860-56-0(ج. 4): ؛ 964-7860-54-4(ج. 6): ؛ 964-7860-53-6(ج. 7): ؛ 964-7860-55-2(ج. 8): ؛ 964-7860-52-8(ج. 9): ؛ 964-7860-51-X(ج. 10): ؛ 964-7860-50-1(ج. 11): ؛ 964-7860-49-8(ج. 12): ؛ 964-7860-45-X(ج. 13): ؛ 964-7860-47-1(ج. 15):

لسان : العربية

ملحوظة : الفهرسة على أساس المعلومات فيپا

ملحوظة : هذا الكتاب هو وصف"المكاسب مرتضي بن محمد امين انصاري" يكون

عنوان آخر: المكاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1281 - 1214ق. المكاسب -- نقد و تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

المعرف المضاف: انصاري، مرتضي بن محمدامين ، 1281 - 1214ق. المكاسب. شرح

ترتيب الكونجرس: BP190/1/الف8م702133 1385

تصنيف ديوي: 297/372

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 85-16816

ص: 1

المجلد 1

اشارة

ص: 2

مقدمة المؤلف

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على محمد و آله الطيبين الطاهرين و لعنة اللّه على اعدائهم اجمعين.

و بعد: يقول محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي: هذا كتاب (ايصال الطالب) في شرح كتاب (المكاسب) للعالم العامل التقي الزاهد آية اللّه الحاج الشيخ المرتضى الانصاري قدس اللّه سره و اجزل اجره، كتبته تبصرة للمبتدئين، و اللّه المسئول ان يوفقني للاتمام، و يجعله مبينا لمنهج الاسلام، و خالصا لوجهه الكريم، و هو المستعان.

كربلاء المقدسة محمد

ص: 3

في المكاسب المحرمة

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين، و لعنة اللّه على اعدائهم اجمعين الى يوم الدين «في المكاسب»

و ينبغي أوّلا التيمن بذكر بعض الاخبار الواردة على سبيل الضابطة للمكاسب

اشارة

من حيث الحل و الحرمة.

______________________________

(بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ) (الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين، و لعنة اللّه على اعدائهم اجمعين الى يوم الدين) الكلام في هذا الكتاب (في المكاسب) جمع مكسب نحو مطالب جمع مطلب، و هذا إما مصدر ميمي بمعنى الكسب و الاكتساب، او المراد به ما يكتسب به، الصادق على العوض و المعوض بل ما له شأنية الاكتساب و ان لم يدخل بعد في المعاوضة (و ينبغي أوّلا التيمن بذكر بعض الاخبار الواردة على سبيل الضابطة للمكاسب من حيث الحل و الحرمة) و المراد بالحل مقابل الحرمة فهو اعم من الواجب و المستحب و المكروه و المباح، و هذا هو المراد ب «حلال محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم حلال الى يوم القيامة» لا ان المراد قسم خاص من الاقسام الخمسة.

ثم ان المراد بالتيمن جعل الكتاب ميمونا و مباركا بافتتاحه بالاخبار، لانه يأتي في كل مورد من المسائل الجزئية الروايات الواردة في تلك المسألة فذكر هذه الروايات هنا لمجرد التيمن و البركة.

ص: 4

حديث تحف العقول في أنواع المكاسب

فنقول- مستعينا باللّه تعالى-: روى في الوسائل و الحدائق عن الحسن ابن علي بن شعبة في كتاب «تحف العقول» عن مولانا الصادق صلوات اللّه و سلامه عليه حيث سئل عن معايش العباد؟ فقال: جميع المعايش كلها من وجوه المعاملات فيما بينهم

______________________________

(فنقول مستعينا باللّه تعالى: روى في الوسائل و الحدائق عن الحسن ابن علي بن شعبة في كتاب تحف العقول) هذه الرواية الآتية بزيادة في الالفاظ، و كأن صاحب الوسائل و الحدائق هذباها، او اخذ الحدائق عن الوسائل، و الظاهر ان مثل هذا التهذيب جائز لانه من اقسام النقل بالمعنى، كما ان الظاهر ان الراوي عن الامام عليه السلام نقل الحديث بالمعنى، و لذا ورد في الفاظه الاضطراب نوعا ما، و قد اشكل جمع على هذه الرواية باشكالات لكن الجميع مخدوشة بعد مطابقة مضمونها لسائر الادلة. نعم يشكل العمل بها فيما لو فرض مورد عارضت العمومات نحو «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» و «تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ» و ما اشبه. و كيف كان فهي مروية (عن مولانا الصادق صلوات اللّه و سلامه عليه حيث) انه (سئل عن معايش العباد) و المراد ما يعيش به العباد سواء كان سببا قريبا للعيش كالمأكول و الملبوس، او السبب البعيد كالنكاح و الامارة و ما اشبه. و الظاهر ان السؤال عن المحلل و المحرم من اسباب العيش و وسائل الحياة (فقال) الصادق عليه السلام (: جميع المعايش كلها من وجوه المعاملات) و اضافة الوجوه الى المعاملة اما بيانية و اما باعتبار امكان ان تتصف معاملة واحدة بوجوه متعددة مثلا يتصف التسليط بمقابل بالبيع تارة، و الهبة المعوضة اخرى، و الصلح ثالثة و هكذا (فيما بينهم) اي

ص: 5

مما يكون لهم فيه المكاسب اربع جهات، و يكون فيها حلال من جهة و حرام من جهة.

فاول هذه الجهات الاربع: الولاية ثم التجارة ثم الصناعات ثم الاجارات

______________________________

بين العباد (مما يكون لهم فيه) اي في ذلك الجميع (المكاسب) في مقابل المعايش التي لا كسب لهم فيها كالتنفس و الاستفادة من ضياء الشمس و حرها و نحو ذلك (اربع جهات) اما سائر الجهات التي لم تذكر في هذه الرواية فالظاهر اندراجها في الجهات الاربع المذكورة، فلا يقال: كيف لم يذكر الامام عليه السلام بعض الجهات في هذه الرواية؟ كما لا يقال كيف عد المعايش في هذه الرواية أربعة و في رواية المحكم و المتشابه خمسة؟ (و يكون فيها) اي في تلك الجهات الاربع (حلال من جهة و حرام من جهة) بمعنى ان فردا من افراد تلك المعاملة حرام و فرد اخر حلال، او بمعنى ان الفرد الواحد ان اتصف بصفة كان حلالا و ان اتصف بصفة اخرى كان حراما.

(فاول هذه الجهات الاربع: الولاية) و هي بمعنى تولي الامور و ارتكابها و كون الولاية معاملة بمعناها اللغوي اذ ليست الولاية معاملة اصطلاحية، و كذلك الصناعة ليست معاملة اصطلاحية (ثم التجارة ثم الصناعات ثم الاجارات) و لعل افراد لفظ «الولاية و التجارة» بخلاف «الصناعات و الاجارات» للتفنن في العبارة و لا يخفى الفرق بين (الولاية) و (الاجارة) فان الاجارة تحتاج الى رضاية الطرفين، بخلاف (الولاية) فاذا امر الوالي العادل لزم قبول ولايته. فلا يقال ان (الولاية) قسم من اقسام الاجارة فكيف تعد في قبالها؟ ثم ان المواريث و الاخماس و الزكوات و ما اشبه ليست

ص: 6

و الفرض من اللّه تعالى على العباد في هذه المعاملات: الدخول في جهات الحلال و العمل بذلك و اجتناب جهات الحرام منها، فاحدى الجهتين من الولاية: ولاية ولاة العدل الذين امر اللّه بولايتهم على الناس. و الجهة الاخرى ولاية ولاة الجور.

فوجه الحلال من الولاية ولاية الوالي العادل و ولاية ولاته

______________________________

داخلة في الامور الاربع المذكورة لانها امور قهرية و الكلام في الحديث حول المكاسب كما عرفت (و الفرض من اللّه تعالى) اي الذي كتبه مباحا جائزا لا ان المراد بالفرض الواجب (على العباد في هذه المعاملات) الاربع (الدخول في جهات الحلال و العمل بذلك) الحلال (و اجتناب جهات الحرام منها) اي من هذه المعاملات و (الدخول) مقدمة (للعمل) مثلا (التولي) من قبل السلطان دخول اما العمل بمقتضى الرواية فهو عمل (فاحدى الجهتين) اي جهتي الحلال و الحرام (من الولاية ولاية ولاة العدل الذين امر اللّه بولايتهم على الناس) فان الولاية أولا و بالذات للّه سبحانه ثم جعلها للنبي و الائمة ثم لولاتهم، و هذه هي الولاية المحللة (و الجهة الاخرى) و هي الجهة المحرمة من الولاية (ولاية ولاة الجور) و حيث اجمل الامام عليه السلام جهتي الولاية شرع في التفصيل فقال:

(فوجه الحلال من الولاية ولاية الوالي العادل) اي النبي و الامام و لا يخفى ان المراد بالولاية هنا تصرفهم (ع) في الامور فان التصرف هو الذي يتصف بالحل و الحرمة، اما ولايتهم عليهم السلام من قبل اللّه تعالى فذلك امر قهري لا يتصف بالحلية و الحرمة (و ولاية ولاته) الذين ينصبهم

ص: 7

بجهة ما امر به الوالي العادل بلا زيادة او نقيصة، فالولاية له و العمل معه و معونته و تقويته حلال محلل.

و اما وجه الحرام من الولاية فولاية الوالي الجائر

______________________________

للامور (بجهة ما امر اللّه به الوالي العادل) «بجهة» متعلق بقوله «ولاية» و «الباء» بمعنى «في» اي تولي الولاة للامور انما يكون حلالا اذا كان توليا بالنسبة الى ما امر اللّه (بلا زيادة او نقيصة) اما اذا خان الولاة و ما اشبه كان ذلك من الولاية المحرمة، مثلا اذا امر الرسول صلى اللّه عليه و آله خالد بن الوليد بعدم محاربة من اظهر الاسلام فاذا حاربهم و قتلهم كان ذلك حراما و ان كان خالد في نفسه واليا من قبل الرسول صلى اللّه عليه و آله او اذا امر الامام عليه السلام ابن عباس بولاية البصرة فخان في بيت مال المسلمين كانت الخيانة محرمة و ان كان ابن عباس في نفسه واليا للامام عليه السلام (فالولاية له) اي للوالي العادل بان يقبل الانسان ان يكون متوليا للامور عن قبل الوالي العادل (و العمل معه) بان يعمل تحت حكومة الوالي العادل (و معونته) بان يعين الانسان الوالي العادل في جلب المال و الرجال من اجله (و تقويته) بان يعمل بما يقوى سلطان الوالي العادل- و الظاهر انه عطف تفسيري لمعونته- (حلال) اي ليس بحرام و ان كان في بعض الاحيان واجبا (محلل) من قبيل «ليل الليل» فهو تاكيد لقوله عليه السلام «حلال» و ان كان فرق بينهما فهو اعتباري.

(و اما وجه الحرام من الولاية فولاية الوالي الجائر) اي تولي الشخص الذي لم يأذن له اللّه سبحانه للامور، فان نفس التولي جوروان كان لم يجر

ص: 8

و ولاية ولاته فالعمل لهم و الكسب لهم بجهة الولاية معهم حرام، معذب فاعل ذلك على قليل من فعله او كثير، لان كل شي ء من جهة المعونة له معصية كبيرة من الكبائر. و ذلك ان في ولاية والي الجائر دروس الحق كله و احياء الباطل كله و اظهار الظلم و الجور و الفساد و ابطال الكتب

______________________________

في اعماله، مثلا قتال الكفار ليس بجور في نفسه، نعم لو تولاه غير النبي و الامام أو المأذون من قبلهما كان توليه لذلك جورا و ظلما لانه تصرف في حق الوالي العادل بلا اذنه (و ولاية ولاته) و المراد ان تقمصهم لهذا المنصب حرام و كذلك توليهم للامور بعد اصل التقمص (ف) كذلك يحرم (العمل لهم و الكسب لهم بجهة الولاية) اما العمل و الكسب لهم لا بجهة الولاية كما لو بنى لهم دارا لاجل السكنى او كتب لهم كتابا غير مربوط بولايتهم فحال ذلك حال العمل لغيرهم. اما الاعمال المرتبطة بالولاية (معهم) ف (حرام محرم معذب فاعل ذلك على قليل من فعله او كثير لان كل شي ء من جهة المعونة له معصية كبيرة من الكبائر) و ان كان هناك اختلاف بين اقسام الاعانة فبعضها محرمة من جهتين جهة ذاتية وجهة عرضية و بعضها محرمة من جهة عرضية (و ذلك) الحرام انما هو بسبب (ان في ولاية والي الجائر دروس الحق كله) لفظة «كل» باعتبار الانواع لا الافراد لوضوح ان بعض افراد الحق مما يمكن الاتيان به تحت لواء الجائر (و احياء الباطل كله) و التلازم واضح فان شرط الولاية العدالة و اذا انتفت العدالة قامت الهوى مقامها، و في اتباع الهوى احياء لكل انواع الباطل، و لا ادل على ذلك من التاريخ الذي يشهد بان ولاة الجور ارتكبوا كل حرام و تركوا كل واجب (و اظهار الظلم و الجور و الفساد و ابطال الكتب) بترك العمل

ص: 9

و قتل الأنبياء و هدم المساجد، و تبديل سنة اللّه و شرائعه، فلذلك حرم العمل معهم و معونتهم و الكسب معهم الا بجهة الضرورة نظير الضرورة الى الدم و الميتة.

و اما تفسير التجارات في جميع البيوع و وجوه الحلال من وجه التجارات التي يجوز للبائع أن يبيع مما لا يجوز له، و كذلك المشتري الذي يجوز له شراؤه مما لا يجوز

______________________________

بمحتوياتها و احكامها (و قتل الأنبياء و هدم المساجد) عنادا او لاجل اغراض باطلة (و تبديل سنة اللّه و شرائعه) الى قوانين و أنظمة وضعها البشر، او الى الفوضى و الاضطراب (فلذلك) الفساد المترتب على ولاية الجائر (حرم العمل معهم و معونتهم و الكسب معهم الا بجهة الضرورة) بان اضطر الانسان الى العمل معهم لتهديدهم بانه اذا لم يعمل معهم الحقوا به ضررا او لانه كان مضطرا لبقائه في العمل معهم كما لو انه مات جوعا اذا لم يعمل معهم او ما اشبه ذلك من انحاء الاضطرار المبيح لارتكاب الحرام. نعم لو دار الامر بين ارتكاب هذا الحرام او حرام اخف كان اللازم تقديم الحرام الاخف كما هو القاعدة في دوران الامر بين المحذورين. فالاضطرار هنا (نظير الضرورة الى الدم و الميتة) فكما يباحان عند الضرورة كذلك تباح الولاية عند الضرورة فقط.

(و اما تفسير التجارات في جميع) انواع (البيوع و وجوه الحلال) عطف على «التجارات» (من وجه التجارات التي يجوز للبائع أن يبيع مما لا يجوز له) متعلق «بتفسير» لتضمنه معنى التميز اي تميز ما يجوز مما لا يجوز (و كذلك المشتري الذي يجوز له شراؤه مما لا يجوز) اي تميز

ص: 10

فكل مأمور به مما هو غذاء للعباد و قوامهم به، في امورهم في وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره مما يأكلون و يشربون و يلبسون و ينكحون و يملكون و يستعملون من جميع المنافع التي لا يقيمهم غيرها و كل شي ء

______________________________

ما يجوز للمشتري شراؤه مما لا يجوز، و لعل ذكر المشتري من باب انه ربما يجوز للبائع بيع الشي ء بينما لا يجوز للمشتري اشتراؤه او بالعكس لاجتماع، الشرائط في احدهما. لكن الظاهر ان ذلك من باب التأكيد و يحتمل قراءة «المشترى» بصيغة المفعول، و المراد به المبيع (فكل ما هو مأمور به مما هو غذاء للعباد و قوامهم به في امورهم) المختلفة و شئونهم المتنوعة، و المراد بالمأمور به الاعم من الواجب (في وجوه الصلاح) المراد بالصلاح ما يقابل الفساد فيشمل ما لا يكون فيه الصلاح بالمعنى الاخص (الذي لا يقيمهم غيره) هذا بيان للصلاح، و ليس المراد عدم امكان القيام للناس الا بكل فرد بل المراد ان هذه المجموعة من الامور الصالحة هي التي تقيم الاجتماع. فمثلا المسكن و الملبس و المأكل و ما اشبه هي التي تقيم الناس حتى انه لو لا هذه الكليات لم يمكن للانسان القيام. و لعل الاتيان بهذا الوصف لافادة وجه تجويز اللّه سبحانه هذه الامور الصالحة دون غيرها (مما يأكلون و يشربون و يلبسون و ينكحون) ادخال النكاح في ضمن «التجارات» اما من جهة اخذ التجارة بالمعنى الاعم، فان النكاح أيضا تبديل البضع بالمال او من باب ادخال المثل في المثل لوحدتهما حكما، او المراد به النكاح بالنسبة. للاماء و الاول اقرب (و يملكون) بالتجارة (و يستعملون من جميع) انواع (المنافع التي لا يقيمهم غيرها و كل شي ء) عطف على قوله «فكل ما هو مأمور به»

ص: 11

يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات، فهذا كله حلال بيعه و شراؤه و امساكه و استعماله و هبته و عاريته.

و اما وجوه الحرام من البيع و الشراء فكل امر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه

______________________________

(يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات) و هذا اما عطف بيان لقوله أو لا «فكل ما هو» او المراد «بكل ما» الصنف الواجب و المراد بهذا غير الواجب. و المراد ب «جهة» وجود صلاح ما في الشي ء، لا ان المراد وجود الصلاح و الفساد، اذ ما يأتي منه الفساد لا يجوز تجارته و ان كان فيه جهة صلاح. و الحاصل ان ما ليس فيه الفساد قد يكون صالحا من كل الجهات، و قد يكون صالحا من بعض الجهات (فهذا كله) خبر لقوله «كل ما هو مأمور به» و يجوز دخول (الفاء) في الخبر- كما في كتاب المطول- (حلال بيعه و شراؤه و امساكه) ذكر الامساك، لان امساك بعض المحرمات- كالمغصوب- ليس بجائز (و استعماله و هبته و عاريته) و سائر انواع التقلب فيه غير التقلب المنهي عنه، مثل اتلافه مثلا، فانه غير جائز فيما اذا كان مالا معتدا به، او نحوه.

(و اما وجوه الحرام من البيع و الشراء ف) تفصيل الكلام فيه ان (كل امر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه) القيد اما لاخراج الفساد القليل كاستعمال بعض المضرات التي ليست اضرارها بحد الحرمة، و اما لبيان ان ما فيه الفساد اذا كان فيه جهة صلاح غير منهى عنه، لا يكون جهة صلاحه داخلا في هذه الكلية، مثلا يجوز استعمال الماء النجس في سقي

ص: 12

من جهة اكله او شربه او كسبه او نكاحه او ملكه او امساكه او هبته او عاريته، او شي ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد، نظير البيع بالربا او بيع الميتة او الدم او لحم الخنزير او لحوم السباع من صنوف سباع الوحش او الطير او جلودها

______________________________

الشجر، و لا يجوز استعماله في الادواء (من جهة اكله او شربه او كسبه) بان منع الشارع الاكتساب به كالاكتساب- بالغناء (و انكاحه) تذكير الضمير اما باعتبار المنكوح المحرم كالغلام او باعتبار عود الضمير الى «ما» (او ملكه) بان منع الشارع عن تملكه كالخنزير (او امساكه) كتحريم الشارع لامساك جارية الغير مثلا (او هبته او عاريته) كالملك المحجور، او المراد بيان امثلة للاستعمال (او شي ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد) المراد به وجود «فساد ما» فيه. لا ان المراد وجود فساد و وجود صلاح حتى يقال بالتعارض بين هذه الفقرة و الفقرة السابقة اي قوله «الصلاح من جهة من الجهات» اما ما فيه الصلاح و الفساد معا فاللازم ترجيح الاهم بنظر الشارع و اعمال قواعد التزاحم (نظير البيع بالربا او بيع الميتة او) بيع (الدم او) بيع (لحم الخنزير او لحوم السباع من) مختلف (صنوف سباع الوحش او الطير) لقد مثل الامام عليه السلام بما تكون حرمة البيع لأجل حرمة المبيع كالدم و لحم الخنزير، و ربما تكون حرمة البيع لاجل نفس البيع كالربا فان ذات المبيع ليس محرما (او جلودها) هذا ظاهر في حرمة بيع الجلود للسباع مطلقا، و ربما يقال بان المراد بيع الجلود فيما اذا لم يذك الحيوان بناء على ان الذين يحصلون على هذه الجلود خصوصا في زمن صدور الروايات هم الذين لا يعتقدون

ص: 13

او الخمر او شي ء من وجوه النجس. فهذا كله حرام محرم، لان ذلك كله منهي عن اكله و شربه و لبسه و ملكه و امساكه و التقلب فيه. فجميع تقلبه في ذلك حرام و كذلك كل مبيع ملهو به و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير اللّه عز و جل او يقوى به الكفر و الشرك من جميع وجوه المعاصي او باب يوهن به الحق

______________________________

بالتذكية و هذا ليس ببعيد. و قيل في وجه التحريم بمحامل اخر (او) بيع (الخمر او شي ء من وجوه النجس) كالبول و الغائط و المني و ما اشبه (فهذا كله حرام محرم) هذا خبر قوله «فكل امر يكون» (لان ذلك كله منهي عن اكله و شربه و لبسه و ملكه و امساكه و التقلب فيه) بالنقل و الانتقال و العارية و الصلح و الوديعة و ما اشبه و ما ليس فيه جهة حلال لا يجوز انحاء التصرف فيه (فجميع تقلبه في ذلك) الذي ذكرنا مما فيه الفساد (حرام) غير جائز. و الكلام و ان كان في البيع لكن ذكر غيره للمماثلة في الحرمة (و كذلك) يحرم البيع و الشراء بالنسبة الى (كل مبيع ملهو به) كالطنبور و المزمار و القانون و ما اشبه من سائر آلات اللهو (و كل) شي ء (منهي عنه مما يتقرب به لغير اللّه عز و جل) كالاصنام و الاوثان (او) الشي ء الذي (يقوى به الكفر و الشرك) و ان لم يكن بالذات محرما، و ذلك كبيع السلاح من اعداء الاسلام (من جميع وجوه المعاصي) لعله بيان لما سبق اي كل منهي عنه او مقرب لغير اللّه من جميع انحاء المعاصي فان كل معصية فانما هي تقرب الى الشيطان (أو) من (باب يوهن به الحق) و ان لم يكن حراما بالذات. و الحاصل ان كل شي ء محرم ذاتا، او

ص: 14

فهو حرام محرم بيعه و شراؤه و امساكه و ملكه و هبته و عاريته و جميع التقلب فيه الا في حال تدعو الضرورة فيه الى ذلك.

و اما تفسير الاجارات فاجارة الانسان نفسه او ما يملك او يلي امره من قرابته او دابته او ثوبه، فوجه الحلال من جهات الاجارات ان يوجر نفسه او داره او ارضه او شيئا يملكه فيما ينتفع به من وجوه المنافع

______________________________

عرضه عنوان حرام لانه باب يوهن به الحق (فهو حرام محرم بيعه و شراؤه و امساكه و ملكه و هبته و عاريته و جميع التقلب فيه) كل بالنسبة الى الوجه المحرم، اذ ربما لا يكون الامساك محرما و انما البيع محرم كالكلب الذي يجوز امساكه و لا يجوز بيعه، او بالعكس بان جاز بيعه و لم يجز امساكه كالعبد المسلم عند الكافر (الا في حال تدعو الضرورة فيه) اي في ذلك الحال (الى ذلك) التقلب و التصرف في ذلك الشي ء المحرم، فانه ما من شي ء حرمه اللّه الا و قد احله لمن اضطر إليه.

(و اما تفسير الاجارات فاجارة الانسان نفسه) ليعمل عملا (او ما يملك) كاجارة داره و اجارة عبده (اويلي امره) ولاية شرعية ثم بين بعض وجوه الولاية بقوله: (من قرابته) كاجارة ولده (او دابته او ثوبه) هذا بيان لكل الاجارات من غير تعرض للحلال او الحرام، ثم بين المحلل من المحرم بقوله: (فوجه الحلال من جهات الاجارات ان يوجر) الانسان (نفسه او داره او ارضه او شيئا يملكه) كدكّانه و دابته و سائر ممتلكاته (فيما ينتفع به من وجوه المنافع) المحللة كايجار الدار للسكنى، لا لبيع

ص: 15

او العمل بنفسه و ولده و مملوكه و اجيره من غير ان يكون وكيلا للوالي او واليا للوالي، فلا بأس ان يكون اجيرا يوجر نفسه او ولده او قرابته او ملكه او وكيله في اجارته، لانهم وكلاء

______________________________

الخمر مثلا (او العمل) بمجرد الاذن دون الاجارة بالصيغة (بنفسه و ولده و مملوكه و اجيره) فانه سواء آجر الانسان نفسه او عمل عملا للغير بدون اجراء صيغة الاجارة يكون في الحقيقة اجيرا لانه يبذل نفسه في مقابل اجرة (من غير ان يكون) هذا الانسان الموجر لنفسه (وكيلا للوالي) فانه اذا كان وكيلا للوالي لا يجوز له ان يوجر نفسه لغير الوالي لمنافاة حق الوالي مع حق الشخص الذي يستأجره (او واليا للوالي) بحيث يلزم عليه صرف نفسه في مصالح الوالي، و من المحتمل ان يكون الاستثناء باعتبار ان والي الوالي و وكيله عملهما محرم، فالمعنى ان وجه الحلال من وجوه الاجارة اجارة الانسان لنفسه لعمل محلل لا الاجارة للوالي الجائر فانها محرمة- و المراد بالاجارة للوالي الولاية من قبله- ثم وضح الامام عليه السلام ما ذكره من وجه الاجارة المحللة بقوله: (فلا بأس) للانسان (ان يكون اجيرا يوجر نفسه او) يكون يوجر (ولده او قرابته) إما المراد بالولد الصبي و بالقرابة اولاد الاولاد، او المراد بالقرابة كل قريب له سلطة عليه سلطة عرفية مع اذن ذلك القريب، و انما ذكر القريب لتعارف اذن الاقرباء بعضهم لبعض في اجارتهم (او) يوجر (ملكه) كداره (او) يوجر (وكيله في اجارته) كما لو و كلني زيد في ان اوجره فآجرته لعمرو، و انما يصح اجارة الانسان لولده و قرابته و ملكه- كالعبد- و وكيله (لانهم) اي هؤلاء الاربعة (و كلاء

ص: 16

الأجير من عنده ليس هم بولاة الوالي، نظير الحمال الذي يحمل شيئا معلوما بشي ء معلوم فيحمل ذلك الشي ء الذي يجوز له حمله بنفسه او بملكه او دابته او يوجر نفسه في عمل يعمل ذلك العمل حلالا، لمن كان من الناس، ملكا او سوقة او كافرا او مؤمنا فحلال اجارته، و حلال كسبه من هذه الوجوه.

فاما وجوه الحرام من وجوه الاجارة، نظير ان يؤاجر

______________________________

الأجير) الذي آجر نفسه بمن يتعلق به لعمل ما، مثلا: آجر زيد نفسه بمن يتعلق به لبناء دار عمرو، فاذا عمل بنفسه و ولده و عبده و وكيله في بناء الدار كان عملهم حلالا، لانهم وكلاء لزيد (من عنده) اي انه من عند نفسه فعمله حلال، و اذا حل عمل زيد حل عملهم. (ليس هم) اي هؤلاء الاربعة الاصناف (بولاة الوالي) حتى يكون عملهم حراما، و ذلك (نظير الحمال الذي) يوجر نفسه لان (يحمل شيئا معلوما) كمن من حنطة (بشي ء معلوم) كدرهم، (فيحمل ذلك الشي ء الذي يجوز له حمله) كالمن من الحنطة (بنفسه او بملكه) اي يحمله من يملك امره كولده و قرابته و عبده و وكيله (او دابته) فان كل ذلك حلال محلل له و لهم. (او يوجر نفسه في عمل يعمل ذلك العمل) كالخياطة، فان كل هذه الانحاء من الاجارة يكون (حلالا) محللا (لمن كان من الناس ملكا، او سوقة او كافرا او مؤمنا) فان العمل الشخصي للكافر و الجائر جائز في نفسه اذا لم يكن على وجه المعونة للكفر و الظلم، كأن يخيط الانسان ثوب الكافر او الجائر (فحلال اجارته و حلال كسبه من هذه الوجوه) التي ذكرناها.

(فاما وجوه الحرام من وجوه الاجارة) فهو: (نظير ان يؤاجر

ص: 17

نفسه على حمل ما يحرم اكله او شربه، او يؤاجر نفسه في صنعة ذلك الشي ء او حفظه، او يؤاجر نفسه في هدم المساجد ضرارا، او قتل النفس بغير حق، او عمل التصاوير و الاصنام و المزامير و البرابط و الخمر، و الخنازير و الميتة و الدم او شي ء من وجوه الفساد الذي كان محرما عليه من غير جهة الاجارة فيه.

و كل امر منهي عنه من جهة من الجهات فمحرم

______________________________

نفسه على حمل ما يحرم اكله) كلحم الخنزير (او شربه) كالخمر فيما اذا لم يكن الحمل لاجل الافناء و التلف، (او يؤاجر نفسه في صنعة ذلك الشي ء) كصنع الخمر، او ذبح الخنزير لاجل الاكل، او ما اشبه ذلك (او حفظه) لاجل الانتفاع به، اما حفظه لاجل الشهادة على مرتكبه ليعزر او ما اشبه ذلك فليس ذلك حراما (او يؤاجر نفسه في هدم المساجد ضرارا) مقابل هدم المسجد لاجل مصلحة المسجد توسعة و تعميرا او ما اشبه (او قتل النفس بغير حق) لا مثل قتل النفس حدا او قصاصا (او عمل التصاوير) المحرمة (و الاصنام و المزامير و البرابط) و سائر آلات اللهو (و) عمل (الخمر و) تولي شئون (الخنازير) رعيا او ذبحا او حفظا لاجل اكله او ما اشبه ذلك (و الميتة و الدم او) عمل (شي ء من وجوه الفساد الذي كان محرما عليه) بالذات (من غير جهة الاجارة فيه) كأن يوجر نفسه لمحاربة اهل الدين او للقيادة او الدياثة او لاصلاح آلات اللهو او ما اشبه ذلك.

(و) كذلك اجارة نفسه لتولي (كل امر منهي عنه من جهة من الجهات) كاجارة نفسه للسحر او القاء الفتنة بين الناس، او التجسس او ما اشبه ذلك. و قوله: «و كل» عطف تفسير لقوله «او شي ء» (فمحرم

ص: 18

على الانسان اجارة نفسه فيه اوله، او شي ء منه اوله.

الا لمنفعة من استأجرته، كالذي يستأجر له الاجير ليحمل الميتة ينحيها عن اذاه او اذى غيره و ما اشبه ذلك.

الى ان قال: و كل من آجر نفسه او

______________________________

على الانسان اجارة نفسه فيه) اي في ذلك الحرام بان يباشر الحرام (اوله) اي لاجل ذلك الحرام بان يهيئ المقدمات، مثلا- قد يوجر الانسان نفسه لحمل الخمر، و قد يوجر نفسه لتهيئة الحمالين لنقلها (او شي ء منه) اي اجارته لنفسه بان يعمل جزءا من اجزاء الحرام بنفسه (او له) بان يوجر نفسه لتهيئة مقدمات جزء من الحرام، فلا فرق في الحرمة بين ان يكون العمل للحرام بالمباشرة او بتهيئة المقدمات، كما لا فرق بين ان يكون العمل للحرام او مقدماته، عملا كاملا منتجا للمحرم، او لبعض المحرم.

(الا) اذا كان العمل المربوط بالحرام (لمنفعة من استأجرته) اي طلبت منه ان تكون اجيرا له، و المعنى: لمنفعة الموجر (كالذي يستأجر له الاجير ليحمل الميتة) لا للاكل و الاستعمال المحرم بل ل (ينحيها عن اذاه) فلا يتأذى بالميتة (او) ينحيها عن (اذى غيره) فلا يتأذى الغير برائحة الميتة المنتنة (و ما اشبه ذلك) كأن يؤجر نفسه لإراقة الخمر او كسر الاصنام او ما اشبه ذلك مما لا يكون العمل لاجل الحرام، بل لنفي الحرام، فانه جائز، بل أحيانا يكون مستحبا، لانه حينئذ من التعاون على الخير.

(الى ان قال) الامام عليه السلام: (و كل من آجر نفسه او

ص: 19

ما يملك او يلي امره من كافر او مؤمن او ملك او سوقة، على ما فسرنا مما يجوز الاجارة فيه فحلال محلل فعله و كسبه.

و اما تفسير الصناعات فكل ما يتعلم العباد او يعلمون غيرهم، من اصناف الصناعات مثل الكتابة و الحساب و النجارة و الصياغة و البناء و الحياكة و السراجة و القصارة و الخياطة و صنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثل الروحاني و انواع صنوف الآلات التي يحتاج إليها العباد، منها منافعهم

______________________________

ما يملك) كالدابة و الدار (او يلي امره) كالولد و القرابة (من كافر او مؤمن، او ملك او سوقة على ما فسرنا) و ذكرنا من اقسام الاجارة المحللة (مما يجوز الاجارة فيه فحلال محلل فعله) بنفسه (و كسبه) اي الثمن الذي حصله.

(و اما تفسير الصناعات) و بيان المحلل و المحرم منها: (فكل ما يتعلم العباد او يعلمون غيرهم، من اصناف الصناعات مثل الكتابة و الحساب و النجارة) للخشب (و الصياغة و البناء و الحياكة و السراجة و القصارة) اي تنظيف الثياب، و يقال للمنظف: القصار. (و الخياطة و صنعة صنوف التصاوير) سواء كانت مجسمة او غير مجسمة. (ما لم يكن مثل الروحاني) مثل: جمع مثال، و الروحاني- بضم الراء- منسوب الى الروح. و المراد تصوير ذوات الارواح. و هل المراد بالصورة المجسمة او الاعم؟ احتمالان (و) من (انواع صنوف الآلات التي يحتاج إليها العباد) كآلات الحياكة و النجارة و ما اشبه (منها) اي من تلك الصناعات و الآلات (منافعهم

ص: 20

و بها قوامهم و فيها بلغة جميع حوائجهم، فحلال فعله و تعليمه و العمل به و فيه لنفسه او لغيره.

و ان كانت تلك الصناعة و تلك الآلة قد يستعان بها على وجوه الفساد و وجوه المعاصي و تكون معونة على الحق و الباطل، فلا بأس بصناعته و تقلبه نظير الكتابة التي هي على وجه من وجوه الفساد تقوية و معونة لولاة الجور، و كذلك السكين و السيف و الرمح و القوس

______________________________

و بها قوامهم) اذ لو لا تلك لا يقوم الانسان في حضارة و مدنية. (و فيها بلغة) اي البلوغ الى (جميع حوائجهم) و قوله «فكل ما يتعلم» مبتدأ خبره قوله: (فحلال فعله) بان يصنع الانسان تلك الصناعات (و تعليمه) للغير (و العمل به) بالمباشرة في ذلك العمل (و فيه) اي في امر ذلك الشي ء مقدمة كانت او جزءا، فبناء الدار عمل بالدار، و تهيئة الجص و ما اشبه عمل في امر الدار، سواء كان العمل في الصناعة (لنفسه او لغيره).

ثم ان الصناعة او الآلة ان اتى منها الحلال المحض فلا اشكال (و) اما (ان كانت تلك الصناعة و تلك الآلة قد يستعان بها على وجوه الفساد و وجوه المعاصي) كالسلاح التي يستعان بها للحق تارة و للباطل اخرى (و تكون معونة) و سبب اعانة (على الحق) تارة (و) على (الباطل) اخرى (فلا بأس بصناعته و تقلبه) اي تقلب الانسان فيه (نظير الكتابة التي هي) تارة تستعمل للصلاح و اخرى (على وجه من وجوه الفساد) فانها حينئذ (تقوية و معونة لولاة الجور، و كذلك السكين و السيف و الرمح و القوس) و لا يخفى ان الكتابة مثال للصنعة، و السكين و غيرها مثال للآلة.

ص: 21

و غير ذلك من وجوه الآلات التي تصرف الى وجوه الصلاح و جهات الفساد و تكون آلة و معونة عليها، فلا بأس بتعليمه و تعلمه و اخذ الاجر عليه و العمل به و فيه، لمن كان له فيه جهات الصلاح من جميع الخلائق و محرم عليهم تصريفه الى جهات الفساد و المضار فليس على العالم و لا المعلم اثم و لا وزر لما فيه من الرجحان في منافع جهات صلاحهم و قوامهم و بقائهم

______________________________

(و غير ذلك من وجوه الآلات التي تصرف الى وجوه الصلاح) تارة (و جهات الفساد) اخرى (و تكون آلة و معونة عليها) اي على جهات الفساد (فلا بأس بتعليمه و تعلمه و اخذ الاجر عليه) بخلاف الحرام الذي لا يجوز للانسان اخذ الاجرة عليه، فان اللّه اذا حرم شيئا حرم اجرته و ثمنه (و العمل به) بان يعمله الانسان مباشرة (و فيه) بان يعمل الانسان في مقدماته و اجزائه- فلفظة «في» ظرفية توسعا- (لمن كان له فيه جهات الصلاح من جميع الخلائق) لا فرق في جواز عمله للعادل و الجائر كما لا فرق في من عمل العامل لاجله ان يكون عادلا او جائرا (و محرم عليهم تصريفه الى جهات الفساد و المضار) فتصريف الصنعة كالكتابة و تصريف الآلة كالسيف في الفساد حرام، اما اصل الكتابة و أصل صنع السيف و استعماله فليس بحرام. (فليس على العالم و لا المعلم) لغيره (اثم و لا وزر) عطف بيان للاثم في الصنع و استعمال الآلة (لما فيه من الرجحان في منافع جهات صلاحهم) المراد بالصلاح ضد الفساد فيشمل المباح (و قوامهم و بقائهم) لان الانسان يقوم بالصناعة و الآلة، و يبقى مستمرا في الحياة

ص: 22

و انما الاثم و الوزر على المتصرف بها في جهات الفساد و الحرام.

و ذلك انما حرم اللّه الصناعة التي هي حرام كلها التي يجي ء منها الفساد محضا، نظير البرابط و المزامير و الشطرنج و كل ملهو به و الصلبان و الاصنام و ما اشبه ذلك من صناعات الاشربة المحرمة.

و ما يكون منه و فيه الفساد محضا، و لا يكون منه و لا فيه شي ء من وجوه الصلاح

______________________________

السعيدة بهما (و انما الاثم و الوزر على المتصرف بها في جهات الفساد و الحرام).

(و ذلك) انما نقول بعدم الحرمة في الصناعة و الآلة المشتركة بين الحلال و الحرام لانه (انما حرم اللّه الصناعة التي هي حرام كلها التي يجي ء منها الفساد محضا نظير البرابط) جمع بربط: اسم لآلة لهو شبيهة بصدر البط و «بر» كلمة فارسية (و المزامير و الشطرنج) فان صنع هذه الآلات و تعليمها و تعلمها كلها حرام (و كل ملهو به) لهوا محرما من قبيل آلات الغناء و القمار، اما مطلق اللهو فليس بمحرم كما حقق في محله (و الصلبان): جمع صليب فانه شعار النصارى (و الأصنام و ما اشبه ذلك من صناعات الاشربة المحرمة) كالخمر و نحوها فان صنعها، و تعليم الصنع و تعلمه حرام، لانه يأتي منه الفساد محضا و ليس له وجه محلل.

(و) الحاصل (ما يكون منه و فيه الفساد محضا) المراد ما يأتي الفساد منه بالنتيجة بأن يكون سببا للفساد، او ان يكون في ذاته الفساد. مثلا الخمر في ذاتها الفساد، اما بيع السلاح لاهل الحرب فيأتي منه الفساد بالنتيجة (و لا يكون منه و لا فيه شي ء من وجوه الصلاح) بان لم يكن

ص: 23

فحرام تعليمه و تعلمه و العمل به و اخذ الاجرة عليه و جميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات كلها.

الا ان يكون صناعة قد تصرف الى جهة المنافع و ان كان قد يتصرف فيها و يتناول بها وجه من وجوه المعاصي، فلعلة ما فيه من الصلاح حل تعلمه و تعليمه و العمل به، و يحرم على من صرفه الى غير وجه الحق و الصلاح.

فهذا تفسير بيان وجوه اكتساب معايش العباد و تعلمهم في وجوه اكتسابهم

______________________________

مشتركا بين الصلاح و الفساد، اما اصلا كالصليب، او لامر عارض كبيع السلاح لاعداء الدين (فحرام تعليمه و تعلمه و العمل به و اخذ الاجرة عليه) بان يعمله للغير لقاء الاجر (و جميع) انحاء (التقلب فيه من جميع وجوه الحركات) المحرمة (كلها) اما مثل كسر الصليب او احراقه او ما اشبه فليس من الانتفاع المحرم حتى يشمله قوله عليه السلام «التقلب فيه».

(الا ان يكون) الصنع (صناعة قد تصرف الى جهة المنافع) المحللة (و ان كان قد يتصرف فيها) اي في تلك الصناعة (و يتناول بها وجه من وجوه المعاصي) فكل شأن من شئون ذلك الشي ء حلال الا صرفه في الحرام، و اشار عليه السلام الى علة الحلية بقوله: (فلعلة ما فيه من الصلاح حل تعلمه و تعليمه و العمل به. و يحرم) ذلك الشي ء صناعة او آلة (على من صرفه الى غير وجه الحق و الصلاح).

و هذا الحديث و ان لم يتعرض الى بعض وجوه المعايش كما عرفت الا انها تعرف بالمقايسة الى ما ذكر عليه السلام. ثم قال عليه السلام: (فهذا تفسير بيان وجوه اكتساب معايش العباد و تعلمهم في) مختلف (وجوه اكتسابهم) الى اخر

ص: 24

الحديث.

و حكاه غير واحد عن رسالة المحكم و المتشابه للسيد «قدس سره».

حديث فقه الرضا في أنواع المكاسب

و في الفقه المنسوب الى مولانا الرضا صلوات اللّه و سلامه عليه: اعلم رحمك اللّه، ان كل ما هو مأمور به على العباد و قوام لهم في امورهم من وجوه الصلاح، الذي لا يقيمهم غيره مما يأكلون و يشربون و يلبسون و ينكحون و يملكون و يستعملون. فهذا كله حلال بيعه و شراؤه و هبته و عاريته.

______________________________

(الحديث) و هو طويل من اراده فليرجع الى الاصل.

(و حكاه غير واحد عن رسالة المحكم و المتشابه للسيد «قدس سره») نقلا عن تفسير النعماني، و لكن هناك اختلاف في الجملة بين عبارة تحف العقول و بين عبارة المحكم و المتشابه.

(و في الفقه المنسوب الى مولانا الرضا صلوات اللّه و سلامه عليه) و قد تعرض لاحوال هذا الكتاب الحاج النوري «قدس سره» في خاتمة المستدرك، كما ان الوالد «رحمه اللّه» فصل حوله في رسالة مستقلة (: اعلم رحمك اللّه ان كل ما هو مأمور به على العباد) المراد بالامر الجواز، الشامل للاباحة في مقابل الحرام (و) كل ما فيه (قوام لهم في امورهم من وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره) اي لا يقيم حضارتهم. و الا فمن الممكن ان يعيش الانسان عيش الحيوان، (مما يأكلون و يشربون و يلبسون و ينكحون و يملكون و يستعملون) بسائر انحاء الاستعمال.

(فهذا كله حلال بيعه و شراؤه و هبته و عاريته) قد عرفت سابقا

ص: 25

و كل امر يكون فيه الفساد مما قد نهي عنه من جهة اكله و شربه و لبسه و نكاحه و امساكه بوجه الفساد، مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير و الربا و جميع الفواحش و لحوم السباع و الخمر و ما اشبه ذلك فحرام ضار للجسم.

حديث دعائم الإسلام في أنواع المكاسب

و عن دعائم الاسلام للقاضي نعمان المصري عن مولانا الصادق عليه السلام:

ان الحلال من البيوع كلما كان حلالا من المأكول و المشروب و غير ذلك

______________________________

ان هذه الامور من باب المثال، و المراد جميع انحاء التصرفات.

(و كل امر يكون فيه الفساد مما قد نهي عنه) لعل القيد من جهة اخراج ما فيه فساد جزئي مما لم ينه عنه، اذ الضرر اذا لم يكن بالغا لا ينهى عنه الشارع، كالاكل و الشرب الكثير الذي لا يوجب ضررا كثيرا (من جهة اكله و شربه و لبسه و نكاحه و امساكه بوجه الفساد) في مقابل الامساك لا بوجه الفساد، مثل حفظ كتب الضلال بقصد الرد عليها (مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير و الربا و جميع الفواحش): جمع فاحشة صفة لمقدر و هو «صنعة» او «معصية» او ما اشبه. و سمي بذلك لانه خارج عن الحق المعتدل، من فحش: اذا تعدى (و لحوم السباع و الخمر و ما اشبه ذلك فحرام) خبر قوله «و كل امر» (ضار للجسم) في الغالب و قد يكون الضرر للاجتماع او للروح او ما اشبه و انما ذكر «الجسم» لانه الغالب في اضرار المحرمات، خصها بالنسبة الى الامثلة المذكورة في الحديث.

(و عن دعائم الاسلام للقاضي نعمان المصري) المذكور احواله و احوال مؤلفه في تتمة المستدرك أيضا (عن مولانا الصادق عليه السلام: ان الحلال من البيوع كلما كان حلالا من المأكول و المشروب و غير ذلك) فاذا جاز اكله او

ص: 26

مما هو قوام للناس، و يباح لهم الانتفاع، و ما كان محرما اصله منهيا عنه لم يجز بيعه و لا شراؤه.

حديث نبوي كقاعدة كلية

و في النبوي المشهور: ان اللّه اذا حرم شيئا حرم شيئا حرم ثمنه.

«اذا عرفت» ما تلوناه و جعلته في بالك متدبرا لمدلولاته فنقول: قد جرت عادة غير واحد على تقسيم

______________________________

شربه و سائر استعمالاته جاز بيعه، و اذا لم تكن له منفعة محللة لم يجز بيعه (مما هو قوام للناس و يباح لهم الانتفاع) به (و ما كان محرما اصله) كالخمر و الخنزير (منهيا عنه لم يجز بيعه و لا شراؤه) و الظاهر ان البيع و الشراء من باب المثال و الا فالصلح و الاجارة و ما اشبه أيضا محكوم بالمنع.

(و في النبوي المشهور: ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه)، و المراد تحريم الشي ء بقول مطلق، لا التحريم من جهة دون جهة.

ثم ان من الفقهاء من لم يعتبر شيئا من هذه الاحاديث، لضعف السند في الجميع، و منهم من اعتبر الجميع لانجبار بعضها بالعمل و حجية سند البعض، و المراجع لتتمة المستدرك و لكتب الفقه الاستدلالية يعرف ان كلا من الامرين خارج عن الاعتدال، و انما ينبغي التوسط و لا اقل من التأييد كما هو شأن غالب كتب الاستدلال، و حيث ان تفصيل المقام خارج عن وظيفة هذا الشرح نكله إلى مظانه.

(اذا عرفت ما تلوناه و جعلته في بالك متدبرا لمدلولاته) التي هي عبارة عن جملة من القواعد الكلية، مما جمع جملة منها الفقيه اليزدي في حاشيته (فنقول: قد جرت عادة غير واحد) من الفقهاء (على تقسيم

ص: 27

المكاسب الى محرم. و مكروه. و مباح. مهملين للمستحب و الواجب بناء على عدم وجودهما في المكاسب، مع امكان التمثيل للمستحب بمثل الزراعة و الرعي مما ندب إليه الشرع. و للواجب بالصناعة الواجبة كفاية خصوصا اذا تعذر قيام الغير به فتأمل.

______________________________

المكاسب الى) ثلاثة اقسام: (محرم) كالربا (و مكروه) كبيع الاكفان (و مباح) كبيع الخبز مثلا، في حال كونهم (مهملين للمستحب و الواجب) فلم يذكروهما (بناء) منهم (على عدم وجودهما في المكاسب، مع امكان التمثيل للمستحب) من المكاسب (بمثل الزراعة و الرعي) للماشية (مما ندب إليه الشرع)، فالاكتساب بهما مستحب و ان كان الاتيان بهما لغير الاكتساب أيضا مستحبا (و) إمكان التمثيل (للواجب بالصناعة الواجبة كفاية) او عينا فيما اذا لم يكن قائم بها غيره فقول المصنف: (خصوصا اذا تعذر قيام الغير به)، بيان لتأكيد الوجوب، لا انه قسم من الواجب الكفائي فعلا (فتامل) لعله اشارة الى أن المستحب و الواجب في المثالين نفس العمل، لا الاكتساب، فالزراعة مستحبة، و الصناعة واجبة، و لو اتى بهما المكلف مجانا فليس هناك شي ء من الاكتساب مستحبا او واجبا.

ثم ان كون الاكتساب محرما لما كان محتملا لان يراد بالحرمة فيه حرمة النقل و الانتقال، و لان يراد بها حرمة اكل المال في مقابل الشي ء المحرم، اراد المصنف ان يبين ان المراد بالحرمة هو المعنى الاول، فقولهم:

الاكتساب محرم، معناه ان ينقل الانسان الشي ء المحرم نقله، و لذا قال:

ص: 28

و معنى حرمة الاكتساب: حرمة النقل و الانتقال بقصد ترتب الاثر.

و اما حرمة اكل المال في مقابلها فهو متفرع على فساد البيع، لانه مال الغير وقع في يده بلا سبب شرعي، و ان قلنا بعدم التحريم.

______________________________

(و معنى حرمة الاكتساب حرمة النقل) من الناقل (و الانتقال) الى المنقول إليه (بقصد ترتب الاثر) بان تصير الخمر- مثلا- ملكا للمشتري بعد ما كانت تحت حيازة البائع، فان الخمر و ان لم تكن ملكا في نظر الشارع، لكن مجرد اجراء البيع عليها بقصد ان تنتقل محرم (و اما حرمة اكل المال في مقابلها) اي في مقابل المعاملة المحرمة كأكل بائع الخمر ثمنها (فهو متفرع على فساد البيع) شرعا، و قوله «هو» راجع الى «اكل المال» (لانه مال الغير وقع في يده بلا سبب شرعي) فاذا قلنا حرم الاكتساب بالخمر كان معناه: حرم اجراء المعاملة على الخمر، و ليس معناه: حرم اكل ثمن الخمر، نعم اكل ثمن الخمر حرام لانه مال الغير و لا يجوز اكل مال الغير بدون رضاه.

ان قلت: المشتري راض بان يأكل البائع ماله. قلت: الرضا رضا معاملي فاذا بطلت المعاملة- شرعا- لم يكن رضى في البين، و الحاصل ان حرمة اكل الثمن لانه مال الغير (و ان قلنا بعدم التحريم) في الاكتساب، بان الغى الشارع المعاملة و لم يحرمها، كما لو قال الشارع: المعاملة على حشرات الارض ملغاة في نظري فان المعاملة عليها ليست محرمة حينئذ، و مع ذلك كان اكل الثمن حراما، لانه مال الغير لا يجوز اكله الا برضاه

ص: 29

لان ظاهر ادلة تحريم بيع مثل الخمر منصرف الى ما لو اراد ترتيب الآثار المحرمة.

اما لو قصد الاثر المحلل فلا دليل على تحريم المعاملة الا من حيث التشريع.

«و كيف كان» فالاكتساب المحرم انواع، نذكر كلا منها في طي مسائل:

النوع الأول الاكتساب بالاعيان النجسة عدا ما استثني

اشارة

«الاولى»: الاكتساب بالاعيان النجسة.

______________________________

و انما قلنا بان «معنى حرمة الاكتساب حرمة النقل» (لان ظاهر ادلة تحريم بيع مثل الخمر منصرف الى ما لو اراد ترتيب الآثار المحرمة) كما هو المتعارف في معنى «تحريم بيع الشي ء الفلاني».

و حيث بين المصنف «رحمه اللّه» معنى «تحريم الاكتساب» نبه على شي ء آخر و هو: انه لو لم يرد المتبايعان الاثر المحرم، كما لو باع الخمر بقصد شربها للاضطرار المبيح للشرب، او بقصد اسقاء الشجر او ما اشبه ذلك مما ليس بمحرم شرعا، فالمعاملة ليست محرمة ذاتا، و انما تحرم تشريعا، فقال:

(اما لو قصد) المكتسب بالخمر (الاثر المحلل فلا دليل على تحريم المعاملة الا من حيث التشريع) بمعنى انه يوقع المعاملة على شي ء لم يأذن الشارع في ايقاع المعاملة عليه، فالبطلان من حيث عدم الاذن لا من حيث النهي.

(و كيف كان) معنى «تحريم المعاملة» (ف) ليس ذلك بمهم و انما المهم صرف عنان الكلام الى بيان ان (الاكتساب المحرم انواع) و (نذكر كلا منها) اي من تلك الانواع (في طي مسائل):

المسألة (الاولى: الاكتساب بالاعيان النجسة) فان ذلك محرم

ص: 30

عدا ما استثنى،

و فيه مسائل ثمان:
«الأولى» تحرم المعاوضة على بول غير مأكول اللحم بلا خلاف ظاهر.
اشارة

لحرمته و نجاسته، و عدم الانتفاع به منفعة محللة مقصودة. فيما عدا بعض افراده كبول الابل الجلالة و الموطوءة

______________________________

(عدا ما استثني) كالاكتساب بالعبد الكافر و الكلب الصيود و ما اشبه (و فيه مسائل ثمان):

المسألة (الاولى: تحرم المعاوضة على بول غير مأكول اللحم) مثل المعاوضة على بول الهرة (بلا خلاف ظاهر) بين الفقهاء، (لحرمته) شربا (و نجاسته، و عدم الانتفاع به منفعة محللة مقصودة).

فهذه ادلة أربعة على عدم الجواز:

الاول: الاجماع.

الثاني: حرمة البول، فيشمله النبوي المتقدم «ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه».

الثالث: نجاسة البول، فيشمله قوله عليه السلام في رواية تحف العقول: «او شي ء من وجوه النجس».

الرابع: عدم الانتفاع به، و من المعلوم ان ما ليس فيه نفع حرام بيعه، لان بذل المال في مقابل ما ليس بمال لا يوجب انعقاد المعاملة.

و لا يخفى ان مقتضى الدليل الرابع عدم انعقاد البيع وضعا لا حرمة المعاملة تكليفا (فيما عدا بعض افراده) هذا استثناء من قوله: «و عدم الانتفاع» (كبول الابل الجلالة او الموطوءة) فانهما ينفعان بعض الامراض

ص: 31

فرعان:
«الاول»: ما عدا بول الابل من ابوال ما يوكل لحمه المحكوم بطهارتها عند المشهور

- ان قلنا بجواز شربها اختيارا كما عليه جماعة من القدماء و المتاخرين، بل عن المرتضى: دعوى الاجماع عليه- فالظاهر جواز بيعها.

______________________________

كما ذكر في الطب، فالدليل الرابع غير آت فى بول الابل الجلالة نعم الادلة الثلاثة السابقة جارية فيه.

(فرعان: «الاول»: ما عدا بول الابل من ابوال ما يؤكل لحمه) كبول الغنم و البقر و الغزال و ما اشبه (المحكوم بطهارتها عند المشهور) خلافا لغير المشهور، فانهم قالوا بنجاسة بعض الابوال كبول الحمار مثلا (ان قلنا بجواز شربها اختيارا، كما عليه جماعة من القدماء و المتاخرين، بل عن) السيد (المرتضى: دعوى الاجماع عليه)، و ذلك لعدم الدليل على تحريمه، فيشمله قوله عليه السلام: «كل شي ء حلال» بل قوله سبحانه «احل لكم ما في الارض جميعا» الى غيرهما من الادلة المذكورة في كتاب الاطعمة و الاشربة. (فالظاهر جواز بيعها) لشمول ادلة «أوفوا بالعقود» و «تجارة من تراض» و ما اشبه، لمثل هذه الابوال الطاهرة اذ لا اجماع على عدم جواز البيع، و لا حرمة، و لا نجاسة، و لا عدم انتفاع، فلا مخصص لادلة وجوب الوفاء بالعقد، و انما قال المصنف:

«فالظاهر» و لم يجزم بالحكم؟ لاحتمال ان تنفر طباع العامة يسقط ماليته فاذا لم تكن له مالية لم يصح البيع.

ص: 32

و ان قلنا بحرمة شربها- كما هو مذهب جماعة اخرى، لاستخباثها- ففي جواز بيعها قولان:

من عدم المنفعة المحللة المقصودة فيها.

و المنفعة النادرة لو جوزت المعاوضة لزم منه جواز المعاوضة على كل شي ء.

______________________________

(و ان قلنا بحرمة شربها، كما هو مذهب جماعة اخرى،) و ذلك (لاستخباثها) فان البول يعد عرفا من الخبائث، فيشمله قوله سبحانه:

«و يحرم عليهم الخبائث».

و قد اشكل على هذا الدليل، بان معنى الآية: ان الخبيث الواقعي يحرم عليهم و ان لم يستخبثه الطبع- كلبن الغزال او الشاة الموطوءة- لا ان المعنى ان ما يستخبثه الطبع يحرم عليهم، و ان لم يكن خبيثا واقعيا، و الا فالطبع يستخبث بعض الادوية. و على كل حال (ففي جواز بيعها قولان):

قول بالعدم (من) جهة (عدم المنفعة المحللة المقصودة فيها) فلا يصح ايقاع المعاملة عليها.

(و) ان قلت: للبول منفعة نادرة لانه قد يكون دواء و قد يضطر الانسان الى شربه.

قلت: ليس المعيار في المالية المنفعة النادرة، اذ (المنفعة النادرة لو جوزت المعاوضة لزم منه جواز المعاوضة على كل شي ء) لان كل شي ء له منفعة نادرة قطعا.

وجه الاستدلال: ان ما فيه منفعة نادرة لا يشمله دليل جواز المعاوضة

ص: 33

و التداوي بها لبعض الاوجاع لا يوجب قياسها على الادوية و العقاقير لانه يوجب قياس كل شي ء عليها للانتفاع به في بعض الاوقات.

و من ان المنفعة الظاهرة- و لو عند الضرورة المسوغة للشرب- كافية في جواز البيع.

______________________________

فقوله سبحانه: «تجارة عن تراض» و ما اشبه لا يشمل الا ما فيه منفعة متعارفة، فما ليس فيه نفع متعارف خارج عن الادلة.

(و) ان قلت: سلمنا ان الابوال لا نفع متعارف فيها لكنها قد يستشفى بها فتكون كسائر العقاقير الطبية.

قلت: (التداوي بها لبعض الاوجاع لا يوجب قياسها على الادوية و العقاقير): جمع «عقار» كشداد: الدواء (لانه) لو كانت المنفعة النادرة الدوائية توجب الالحاق بالادوية المتعارفة، كان (يوجب قياس كل شي ء عليها) اي على الادوية (للانتفاع به في بعض الاوقات) لكن من البديهي ان كل شي ء ليس يعد دواء، فليس كلما فيه نفع دوائي نادر يكون مثل سائر الادوية في جواز المعاملة، و الحاصل: ان «البول» ليس من الادوية، فلا يحكم بحكم الادوية في جواز البيع، و ان كان البول في نفسه طاهرا حلالا.

(و) في البول قول آخر بجواز البيع، و ذلك (من) جهة (ان المنفعة الظاهرة) عند الناس (- و لو عند الضرورة المسوغة للشرب- كافية في جواز البيع) فالبول له منفعة، و كل ما فيه منفعة جاز بيعه، اما الصغرى: فلان نفع البول رفع العطش- و لو عند الضرورة، و اما الكبرى:

ص: 34

و الفرق بينها و بين ذي المنفعة غير المقصودة حكم العرف بانه لا منفعة فيه. و سيجي ء الكلام في ضابطة المنفعة المسوغة للبيع.

نعم يمكن ان يقال: ان قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: «ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه» و كذلك الخبر المتقدم عن دعائم الاسلام يدل على ان ضابطة المنع: تحريم الشي ء اختيارا

______________________________

فلان ما فيه المنفعة داخل في عموم «تجارة عن تراض».

(و) ان قلت: فعلى هذا كل شي ء له منفعة ما فكيف تمنعون بيع بعض الاشياء بحجة انه لا نفع فيه؟.

قلت: (الفرق بينها) اي الابوال الطاهرة (و بين ذي المنفعة غير المقصودة حكم العرف) بان في الابوال نفع، فيشمله: «تجارة عن تراض» و (بانه) اي ذو المنفعة غير المقصودة (لا منفعة فيه) فلا تشمله الآية (و سيجي ء الكلام في ضابطة المنفعة المسوغة للبيع) حتى يعرف الفرق بين نفع مثل البول و نفع غيره، مما ليس بمقصود لدى العقلاء.

(نعم) لقائل ان يقول: سلمنا ان للابوال منفعة عند الضرورة، اما مثل هذه المنفعة لا تجوز البيع، اذ الظاهر من «تجارة عن تراض» كون الشي ء له منفعة في حال الاختيار، و الى هذا اشار المصنف «رحمه اللّه» بقوله: (يمكن ان يقال: ان قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم «ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه» و كذلك الخبر المتقدم عن دعائم الاسلام) بقوله عليه السلام: و ما كان محرما اصله ... (يدل على ان ضابطة المنع: تحريم الشي ء اختيارا) فكل شي ء حرام في حال الاختيار يصدق عليه «حرم شيئا» و «محرما اصله»

ص: 35

- و الا، فلا حرام و هو محلل عند الضرورة- و المفروض حرمة شرب الابوال اختيارا.

و المنافع الاخر غير الشرب لا يعبأ بها جدا، فلا ينتقض بالطين المحرم اكله، فان المنافع الاخر للطين اهم و اعم من منفعة الاكل المحرم، بل لا يعد الاكل من منافع الطين.

______________________________

لا يجوز المعاملة عليه (- و الا، فلا حرام الا و هو محلل عند الضرورة-) و اذا كان الميزان لجواز المعاملة هي حالة الضرورة لم يبق شي ء محرما، لان كل حرام حلال عند الضرورة، فلا يبقى مورد للروايتين (و المفروض حرمة شرب الابوال) الطاهرة (اختيارا).

(و) ان قلت: سلمنا حرمة شرب الابوال الطاهرة لكونها من الخبائث، لكن للابوال منافع اخر غير الشرب، لانها تصلح لصنع الطين بدل الماء او لانها ادوية لبعض الامراض، فليكن حال الابوال حال الطين الذي يجوز بيعه و ان لم يجز اكله.

قلت: (المنافع الاخر غير الشرب لا يعبأ بها جدا) فمن الذي يصنع الطين بالبول او يستعمل البول دواء؟! و منه يظهر الفرق بين البول و بين الطين. (فلا ينتقض بالطين المحرم اكله) مع انه يجوز بيعه، و انما لا ينتقض بالطين (فان المنافع الاخر للطين) كالتطيين به و صنعه فخارا او آجرا او حصبا و ما اشبه (اهم و اعم من منفعة الاكل) للطين (المحرم بل لا يعد الاكل من منافع الطين) اصلا. و الحاصل ان منفعة البول:

الشرب، فاذا حرمت هذه المنفعة لم يجز بيعه.

ص: 36

فالنبوي دال على انه اذا حرم اللّه شيئا- بقول مطلق- بان قال:

يحرم الشي ء الفلاني، حرم بيعه.

لان تحريم عينه اما راجع الى تحريم جميع منافعه او الى تحريم اهم منافعه التي تتبادر عند الاطلاق بحيث يكون غيره غير مقصود منه.

و على التقديرين يدخل

______________________________

(فالنبوي دال على انه اذا حرم اللّه شيئا- بقول مطلق-) في مقابل ما اذا حرم بعض منافعه، و ذلك مثل الطين الذي لم يحرمه اللّه بقول مطلق، و انما حرم اكله (بان قال) سبحانه: (يحرم الشي ء الفلاني) اما بهذه اللفظة او بسائر الالفاظ المؤدية لهذا المعنى (حرم بيعه) لأنه يتشكل قياس هكذا: الشي ء الفلاني حرام، و اذا حرم شي ء حرم ثمنه.

و انما كان حرمة الشي ء موجبة لحرمة البيع، لأن حرمة الشي ء اما بمعنى حرمة جميع منافعه، او حرمة المنافع المتعارفة، و كلاهما موجب لالحاق الشي ء بما لا منفعة له، و اذا لم تكن هناك منفعة جاء التحريم، و الى هذا اشار بقوله: (لان تحريم عينه) المستفاد من قوله «يحرم البول» مثلا (اما راجع الى تحريم جميع منافعه) حتى منفعة كونه دواء نادرا و منفعة جعله بدل الماء لصنع الطين (او) راجع (الى تحريم اهم منافعه التي تتبادر) تلك المنافع (عند الاطلاق) فاذا قال: حرم البول تبادر الى الذهن حرمة شربه (بحيث يكون غيره) اي غير اهم المنافع (غير مقصود منه) اي من الاطلاق.

(و على التقديرين) سواء حرم جميع المنافع او المنافع المهمة (يدخل

ص: 37

الشي ء لاجل ذلك فيما لا ينتفع به منفعة محللة مقصودة.

و الطين لم يحرم كذلك بل لم يحرم الا بعض منافعه غير المقصودة منه و هو الاكل، بخلاف الابوال فانها حرمت كذلك، فيكون التحريم راجعا الى شربها. و غيره من المنافع في حكم العدم.

و بالجملة فالانتفاع بالشي ء حال الضرورة منفعة محرمة

______________________________

الشي ء) كالبول في المثال (لاجل ذلك) التحريم (فيما لا ينتفع به منفعة محللة مقصودة).

اذا عرفت ذلك، عرفت الفرق بين حرمة شرب البول و بين حرمة اكل الطين، و ان الاول موجب لعدم المالية- لان الشرب اهم منافعه- و ليس الثاني كذلك، اذ الاكل ليس اهم منافع الطين (و) ذلك لان (الطين لم يحرم كذلك) اي لا جميع منافعه و لا اهم منافعه (بل لم يحرم الا بعض منافعه غير المقصودة منه، و هو الاكل). لا يخفى ان دخول «ال» على «غير» في مثل المقامات خطأ على رأي كثير من اهل الادب (بخلاف الابوال فانها حرمت كذلك) اي اهم منافعها الذي هو الشرب (فيكون التحريم) في قوله: يحرم البول- مثلا- (راجعا إلى شربها).

و اذا حرم الشرب حرم البيع (و غيره) اي غير الشرب (من المنافع) المترتبة على البول (في حكم العدم). و جواز البيع تابع لاهم المنافع، لا المنافع النادرة. و الا فكل شي ء له منفعة نادرة كما عرفت.

(و بالجملة فالانتفاع بالشي ء) كالبول (حال الضرورة منفعة محرمة

ص: 38

في حال الاختيار لا يوجب جواز بيعه.

و لا ينتقض أيضا بالادوية المحرمة في غير حال المرض لاجل الاضرار!

لان حلية هذه في حال المرض ليست لاجل الضرورة، بل لاجل تبدل عنوان الاضرار بعنوان النفع.

______________________________

في حال الاختيار) كالشرب (لا يوجب جواز بيعه). و لا يخفى ان ان المصنف بين تارة حرمة بيع البول لعدم الانتفاع، و تارة لكونه حراما تكليفا، و كان الاولى فصل احد الوجهين عن الآخر.

(و لا ينتقض) ما ذكرناه من عدم جواز بيع بول الحيوان الطاهر بعلة: انه لا منفعة شائعة له (أيضا) كما لم ينتقض بالطين، (بالادوية المحرمة في غير حال المرض لاجل الاضرار!) «لاجل» علة ل «المحرمة» و ذلك مثل «الافيون» مثلا فانه محرم في غير حال المرض، لاجل انه مضر.

وجه الانتقاض: انه لو حل ذلك الدواء في حال المرض، فجاز بيعه مطلقا لاجل تلك المنفعة النادرة، فليكن البول أيضا كذلك، يجوز بيعه مطلقا، لمنفعة النادرة. و الحاصل: المنفعة النادرة ان لم تفد في جواز البيع، فلما ذا يجوز بيع الدواء الضار، و ان افادت المنفعة النادرة في جواز البيع فلما ذا لم تجوزوا بيع البول مع ان له منفعة نادرة؟

و الجواب: وجود الفرق (لان حلية هذه) اي الادوية المحرمة (في حال المرض ليست لاجل الضرورة)، حتى يقال: اذا جاز بيع المضر لنفع نادر جاز بيع الخبيث لنفع نادر أيضا (بل لاجل تبدل عنوان الاضرار بعنوان النفع) فليس بضار في وقت المرض، بخلاف البول فانه خبيث،

ص: 39

و مما ذكرنا يظهر ان قوله- عليه السلام في رواية تحف العقول المتقدمة-: و كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات، يراد به جهة الصلاح الثابتة حال الاختيار، دون الضرورة.

و مما ذكرنا يظهر حرمة بيع لحوم السباع

______________________________

حتى في حال الاضطرار، و انما يحلله الاضطرار، لا تبدل حالة الخبيث الى حالة الطيب.

و ربما يقال: ان جهة الاضطرار جهة صلاح، فتشمله رواية تحف العقول التي اباحت ما فيه جهة من جهات الصلاح. و الجواب: ان المراد جهة الصلاح الثابتة، لا الاتفاقية، و الا فكل شي ء فيه جهة صلاح اتفاقية. و الى هذا الجواب اشار بقوله:

(و مما ذكرنا) من ان الاضطرار الى الشي ء المحرم، لا يوجب جواز بيعه، حيث قلنا: «و بالجملة ...» (يظهر ان قوله- عليه السلام في رواية تحف العقول المتقدمة-: و كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات) لا يراد بالجهة حتى الجهة الاضطرارية، و الا لم يكن وجه لتحريم شي ء اذ كل شي ء فيه جهة صلاح و لو في حال الاضطرار بل (يراد به جهة الصلاح الثابتة حال الاختيار، دون الضرورة). و الحاصل: ان رواية تحف العقول لا تشمل الابوال الخبيثة التي لها نفع في حال الاضطرار

(و مما ذكرنا) من ان المنافع الجزئية الاضطرارية لا تسوغ جواز البيع (يظهر حرمة بيع لحوم السباع) لانها لا منفعة لها الا الاكل، و هو محرم، اما سائر المنافع النادرة او الاضطرارية فلا توجب ان تكون ذات

ص: 40

دون شحومها. فان الأول من قبيل الابوال. و الثاني من قبيل الطين، في عدم حرمة جميع منافعها المقصودة منها. و لا ينافيه النبوي: «لعن اللّه اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها و اكلوا ثمنها» لان الظاهر ان الشحوم كانت محرمة الانتفاع على اليهود بجميع الانتفاعات، لا كتحريم شحوم غير مأكول اللحم علينا.

______________________________

منفعة بقول مطلق، حتى يصح بيعها، و قد عرفت ان المعيار في جواز البيع اما حلية جميع المنافع، او حلية المنافع الغالبة، (دون شحومها) فانه يجوز بيعها، (فان الاول) اي لحوم السباع (من قبيل الابوال. و الثاني) اي الشحوم (من قبيل الطين، في عدم حرمة جميع منافعها المقصودة منها) فان منفعة الشحم: الاسراج و الصابون و التطلية و ما اشبه، و هي منافع غالبة، و لا تتوقف على الطهارة او الحلية، و منفعة الاكل اما مساوية لتلك المنافع، او اقل منها، فلا يوجب تحريم الاكل تحريم البيع. (و لا ينافيه) اي لا ينافي ما ذكرنا من جواز بيع الشحوم- و ان حرم اكلها- (النبوي:

«لعن اللّه اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها و اكلوا ثمنها») وجه المنافاة: انه اذا حرم الشحم حرم بيعه، كما يستفاد من هذا النص، فكيف تقولون بحرمة اكل شحم السباع و مع ذلك يجوز بيعها؟ و الجواب: عدم المنافاة (لان الظاهران الشحوم كانت محرمة الانتفاع على اليهود بجميع الانتفاعات لا كتحريم شحوم غير مأكول اللحم علينا) فان تحريم الشحوم علينا من جهة الاكل لا مطلقا، و الاستظهار المذكور من جهة اطلاق قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم:

«حرمت عليهم الشحوم» اذ لم يقل «حرم عليهم اكل الشحوم».

ص: 41

هذا، و لكن الموجود من النبوي في باب الاطعمة عن الخلاف: «أن اللّه اذا حرم اكل شي ء حرم ثمنه».

و الجواب عنه: ضعفه و عدم الجابر له سندا و دلالة، لقصورها بلزوم تخصيص الاكثر.

«الثاني»- بول الابل يجوز بيعه اجماعا،

على ما في جامع المقاصد و عن إيضاح النافع.

______________________________

(هذا) بعض الكلام حول الاستدلال لجواز بيع شحوم السباع، و أنه لا دليل على تحريم بيعها (و لكن) يمكن الاستدلال للحرمة بالنبوي فان (الموجود من النبوي في باب الاطعمة عن الخلاف) لشيخ الطائفة: (ان اللّه اذا حرم اكل شي ء حرم ثمنه) فاذا حرم اكل شحوم السباع حرم ثمنها.

(و الجواب عنه) أولا- بان الظاهر: تحريم الثمن اذا كان البيع للاكل، اذ هذا هو المستفاد عرفا من مثل هذه العبارة. و ثانيا- (ضعفه و عدم الجابر له سندا) فلا حجية فيه (و) ضعفه (دلالة لقصورها بلزوم تخصيص الاكثر) اذ كثير من الاشياء يحرم اكله و لا يحرم ثمنه كالطين و نحوه فتأمل.

( «الثاني»- بول الابل يجوز بيعه اجماعا) اذا لم يكن جلالا و لا موطوءا، اذ لو كان الابل احدهما كان بوله نجسا، فيأتي فيه الكلام السابق في الابوال النجسة. (على ما في جامع المقاصد و عن إيضاح النافع) حيث ادعيا الاجماع على ذلك.

ص: 42

إما لجواز شربه اختيارا، كما يدل عليه قوله- عليه السلام في رواية الجعفري-: «ابوال الابل خير من ألبانها».

و إما لاجل الاجماع المنقول- لو قلنا بعدم جواز شربها الا الضرورة الاستشفاء- كما يدل عليه رواية سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن بول الابل و البقر و الغنم ينتفع به من الوجع هل يجوز ان يشرب؟

قال: «نعم لا بأس»

______________________________

ثم ان جواز بيع بول الابل (اما لجواز شربه اختيارا، كما يدل عليه) اي على جواز الشرب اختيارا (قوله- عليه السلام في رواية الجعفري-: ابوال الابل خير من ألبانها) فان ظاهر لفظة «خير» كون البول جائز الشرب كما يجوز شرب اللبن. و تتمة الحديث: «و يجعل اللّه الشفاء في البانها».

(و إما لاجل الاجماع المنقول) الذي عرفته من الجامع و الايضاح (- لو قلنا بعدم جواز شربها الا لضرورة الاستشفاء-) اذ حينئذ لا وجه للجواز إلا الاجماع فان المنفعة في حال الضرورة لا تسوغ البيع على ما عرفت سابقا، و الا فلكل شي ء منفعة نادرة في حال المرض و ما اشبه. (كما يدل عليه) اي على جواز الشرب للضرورة (رواية سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن بول الابل و البقر و الغنم ينتفع به من الوجع هل يجوز ان يشرب؟ قال: «نعم لا بأس») فان ظاهر الجواب كون الجواز خاصا بصورة المرض، الا ان يقال: لا ظهور في الجواب الا من جهة كونه جوابا لكلام الراوي، و مثل هذا الظهور لا يعبأ به في تقييد الكلام

ص: 43

و موثقة عمار عن بول البقر يشربه الرجل؟ قال: «ان كان محتاجا إليه يتداوى بشربه فلا بأس، و كذلك بول الابل و الغنم».

لكن الانصاف أنه لو قلنا بحرمة شربه اختيارا اشكل الحكم بالجواز ان لم يكن اجماعا، كما يظهر من مخالفة العلامة في النهاية و ابن سعيد في النزهة قال في النهاية: و كذلك البول- يعني يحرم بيعه- و ان كان طاهرا، للاستخباث كابوال البقر و الابل، و ان انتفع به في شربه للدواء، لأنه منفعة جزئية نادرة فلا يعتد به. انتهى.

______________________________

اذا كان هناك دليل من الخارج على الجواز مطلقا. (و موثقة عمار) حيث سأل الامام عليه السلام (عن بول البقر يشربه الرجل؟) ف (قال) عليه السلام: (ان كان محتاجا إليه يتداوى بشربه فلا بأس، و كذلك بول الابل و الغنم.) فان الموثقة دلت على عدم جواز الشرب في صورة عدم الضرورة.

(لكن الانصاف أنه لو قلنا بحرمة شربه اختيارا) كما يستفاد من الروايتين (اشكل الحكم بالجواز) اي بجواز البيع (ان لم يكن اجماعا) في البين كما قد عرفت ادعاء الجامع و الايضاح- و ليس في المقام اجماع (كما يظهر من مخالفة العلامة في النهاية و ابن سعيد في النزهة) و مع مخالفتهما في جواز الشرب كيف ينعقد الاجماع على الجواز؟ (قال في النهاية: و كذلك البول يعني يحرم بيعه- و ان كان طاهرا، للاستخباث كابوال البقر و الابل، و ان انتفع به في شربه للدواء، لأنه منفعة جزئية نادرة فلا يعتد به. انتهى) كلام النهاية.

ص: 44

اقول: بل لأن المنفعة المحللة للاضطرار- و ان كانت كلية- لا تسوغ البيع كما عرفت.

«الثانية»- يحرم بيع العذرة النجسة من كل حيوان على المشهور
اشارة

بل في التذكرة- كما عن الخلاف- الاجماع على تحريم بيع السرجين النجس.

و يدل عليه- مضافا الى ما تقدم من الاخبار- رواية يعقوب بن شعيب: «ثمن العذرة سحت».

______________________________

(اقول): تعليل العلامة عدم جواز البيع بقوله: «لأنه منفعة جزئية» ليس تاما، اذ ليس المناط في جواز البيع و عدمه ذلك (بل لان المنفعة المحللة للاضطرار- و ان كانت كلية- لا تسوغ البيع) اذ المناط في جواز البيع، اما جواز مطلق المنافع، او جواز المنفعة الغالبة، (كما عرفت) و ليس شي ء منهما موجودا في المقام. اما بول البقر و الغنم فقد ورد عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم- كما في قرب الاسناد- انه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال: «لا بأس ببول ما اكل لحمه». الا ان في طريقه ضعفا.

المسألة (الثانية-) من المسائل الثمان: (يحرم بيع العذرة النجسة من كل حيوان)- و يأتي الكلام في العذرة الطاهرة- (على المشهور) بين الفقهاء، (بل في التذكرة- كما عن الخلاف- الاجماع على تحريم بيع السرجين النجس)- و السرجين هو العذرة- (و يدل عليه مضافا الى ما تقدم من الاخبار) اي رواية تحف العقول و غيرها (رواية يعقوب بن شعيب) عن الصادق عليه السلام: (ثمن العذرة سحت) و السحت هو اشد انواع الحرام.

ص: 45

نعم في رواية محمد بن المضارب: «لا بأس ببيع العذرة».

و جمع الشيخ بينهما بحمل الاول على عذرة الانسان، و الثاني على عذرة البهائم.

و لعله لان الأول نص في عذرة الانسان، ظاهر في غيرها، بعكس الخبر الثاني. فيطرح ظاهر كل منهما بنص الآخر.

و يقرب هذا الجمع رواية سماعة قال: سأل

______________________________

(نعم في رواية محمد بن المضارب) عن الصادق عليه السلام (: لا بأس ببيع العذرة) مما ينافي الخبر السابق.

(و جمع الشيخ بينهما بحمل) الخبر (الأول على عذرة الانسان) فلا يجوز بيعها (و) حمل الخبر (الثاني على عذرة البهائم). و اطلاق العذرة على عذرة البهائم موجود في صحيحة ابن بزيع في ماء البئر: «او يسقط فيها شي ء من عذرة كالبعرة و نحوها».

(و لعله) اي لعل هذا الجمع من الشيخ (لان) الخبر (الأول نص في عذرة الانسان، ظاهر في غيرها)، من سائر العذرات (بعكس الخبر الثاني) اي خبر مضارب فانه نص في عذرة غير الانسان ظاهر في عذرة الانسان، فان لفظة «العذرة» و ان كانت فيهما معا، الا ان بقرينة الحكم بالجواز في احدهما و المنع في الآخر يتصرف في اللفظ، و هذا ما يسمونه بقرينة الحكم و الموضوع (فيطرح ظاهر كل منهما بنص الآخر) فيكون مفاد ما دل على الجواز عذرة غير الانسان فقط، و ما دل على المنع عذرة الانسان.

(و يقرب هذا الجمع) الذي ذكره الشيخ (رواية سماعة قال: سأل

ص: 46

رجل أبا عبد اللّه عليه السلام- و انا حاضر- عن بيع العذرة: فقال:

اني رجل ابيع العذرة فما تقول؟ قال: «حرام بيعها و ثمنها». و قال: «لا بأس ببيع العذرة» فان الجمع بين الحكمين في كلام واحد لمخاطب واحد يدل على ان تعارض الاولين ليس الا من حيث الدلالة، فلا يرجع فيه الى المرجحات السندية او الخارجية.

______________________________

رجل أبا عبد اللّه عليه السلام- و انا حاضر- عن بيع العذرة: فقال:

اني رجل أبيع العذرة فما تقول؟ قال) عليه السلام: (حرام بيعها و ثمنها.

و قال) عليه السلام أيضا (: لا بأس ببيع العذرة) اما وجه كون هذه الرواية مما يشهد بصحة جمع الشيخ (فان الجمع بين الحكمين): الحرمة، و عدم البأس (في كلام واحد لمخاطب واحد يدل على ان تعارض) الخبرين (الاولين) ليعقوب و محمد (ليس الا من حيث الدلالة) بان كان لكل منهما نص و ظهور، و يعارض نص كل منهما ظاهر الآخر. و انما كان رواية سماعة شاهدا لان التعارض لو كان بالنصوصية كان كلام الامام عليه السلام في خبر سماعة تناقضا صريحا، و مثله مثار اشكال الراوي. و اذا كان التعارض في الدلالة الموجب للجمع العرفي بينهما (فلا يرجع فيه) اي في التعارض الدلالي (الى المرجحات السندية) كالاعدل و الاوثق (او الخارجية) ككون احدهما مطابقا لمذهب العامة، و انما المرجع التراجيح الدلالية، و هذا ما صنعه الشيخ في الجمع المتقدم. لكن لا يخفى ان الظاهر كون رواية سماعة روايتين لتكرر لفظة «قال».

ص: 47

و به يدفع ما يقال، من ان العلاج في الخبرين المتنافيين على وجه التباين الكلي هو الرجوع إلى المرجحات الخارجية ثم التخيير او التوقف، لا الغاء ظهور كل منهما. و لهذا طعن على من جمع بين الامر و النهي بحمل الامر على الاباحة و النهي على الكراهة.

و احتمل السبزواري حمل خبر المنع على الكراهة. و فيه: ما لا يخفى من البعد.

______________________________

(و) كيف كان (به) اي بما ذكرناه من ان لكل من الخبرين نصا و ظاهرا، مما يوجب الجمع الدلالي- على ما صنعه الشيخ- (يدفع ما يقال، من ان العلاج في الخبرين المتنافيين) تنافيا (على وجه التباين الكلي هو الرجوع الى المرجحات الخارجية) اي الخارجة عن مقام الدلالة كالمرجحات السندية او المطابقة للشهرة او العامة و ما اشبه (ثم التخيير) اذا لم يكن المرجح موجودا (او التوقف) على الاختلاف في ان المرجع بعد فقد المرجحات التخيير في الأخذ باي الخبرين او التوقف و الارجاء حتى يلقى الامام عليه السلام (لا) ان المرجع ما صنعه الشيخ في الجمع بين خبر يعقوب و محمد من (الغاء ظهور كل منهما) بجمع تبرعي. (و لهذا) اي للذي ذكرنا من أن إلغاء ظهور كل منهما لا وجه له (طعن على من جمع بين الامر و النهي بحمل الامر على الاباحة و النهي على الكراهة) فانه جمع بالتصرف في كل من الخبرين بلا شاهد عرفي.

(و احتمل السبزواري)- صاحب الكفاية و الذخيرة- (حمل خبر المنع على الكراهة.) و ابقاء خبر «لا بأس» على ظاهره من الجواز (و فيه:

ما لا يخفى من البعد) اذ لفظة «السحت» انما تطلق على اشد انواع الحرام

ص: 48

و ابعد منه ما عن المجلسي، من احتمال حمل خبر المنع على بلاد لا ينتفع به، و الجواز على غيرها.

و نحوه حمل خبر المنع على التقية، لكونه مذهب اكثر العامة.

و الأظهر: ما ذكره الشيخ- رحمه اللّه- لو اريد التبرع بالحمل، لكونه اولى من الطرح، و الا فرواية الجواز لا يجوز الاخذ بها من وجوه لا تخفى.

______________________________

فكيف تحمل على الكراهة؟!.

(و ابعد منه) اي من جمع السبزواري (ما عن المجلسي من احتمال حمل خبر المنع على بلاد لا ينتفع به) اي بالعذرة- و ارجاع الضمير المذكر على ضرب من التأويل- في تلك البلاد (و) حمل خبر (الجواز على غيرها) اي غير تلك البلاد من البلاد التي ينتفع بها في تلك البلاد، و انما كان هذا الحمل بعيدا لانه جمع تبرعي.

(و نحوه) اي نحو الحمل المذكور في البعد (حمل خبر المنع على التقية لكونه) اي كون المنع عن بيع العذرة (مذهب اكثر العامة) وجه البعد: ان المرجح الدلالي اذا كان موجودا لا تصل النوبة الى المرجحات الخارجية، كما حقق في الاصول.

(و الأظهر) في الجمع بين الخبرين (ما ذكره الشيخ رحمه اللّه لو اريد التبرع بالحمل لكونه) علة «اريد» (اولى من الطرح) كما قالوا:

«الجمع مهما امكن اولى من الطرح» (و الا فرواية الجواز) التي رواها محمد بن المضارب (لا يجوز الاخذ بها من وجوه لا تخفى): كاعتضاد خبر المنع برواية تحف العقول و غيرها. و اعراض المشهور عن خبر الجواز.

ص: 49

«ثم» ان لفظ «العذرة» في الروايات ان قلنا: إنه ظاهر في عذرة الانسان- كما حكي التصريح به عن بعض اهل اللغة- فثبوت الحكم في غيرها بالأخبار العامة المتقدمة، و بالاجماع المتقدم على السرجين النجس.

و استشكل في الكفاية في الحكم- تبعا للمقدس الاردبيلي رحمه اللّه- ان لم يثبت الاجماع، و هو حسن

______________________________

و كون لفظ السحت دالا على إلغاء الشارع لمالية العذرة فليست العذرة مالا حتى يجوز بيعها الى غير ذلك. لكن لا يخفى ان لفظ «السحت» اطلق في بعض الروايات على المكروه نحو اجرة الحجام اذا اشترط، و غيره.

(ثم ان لفظ «العذرة» في الروايات ان قلنا: إنه ظاهر في عذرة الانسان- كما حكي التصريح به عن بعض اهل اللغة- فثبوت الحكم) بحرمة البيع (في غيرها) من سائر العذرات النجسة، انما يكون (بالأخبار العامة المتقدمة) كخبر تحف العقول و غيره (و بالاجماع المتقدم) عن التذكرة و الخلاف (على السرجين النجس) فانهما كافيان في اثبات حرمة البيع، و اذا لم يجز البيع لم يجز سائر انحاء الانتقال، كالصلح و الهبة و نحوهما، اذ هو المستفاد عرفا من البيع بالإضافة الى شمول لفظ «و جميع التقلب فيه» في رواية التحف- لسائر انواع الانتقال.

(و استشكل في الكفاية) للسبزواري (في الحكم) بحرمة بيع سائر العذرات النجسة (- تبعا للمقدس الاردبيلي رحمه اللّه-) حيث استشكل هو أيضا (ان لم يثبت الاجماع. و هو) اي الاشكال (حسن) اذ الروايات العامة ضعيفة السند، بل و الدلالة، لأنها دلت على جواز بيع ما فيه

ص: 50

الا ان الاجماع المنقول هو الجابر لضعف سند الأخبار العامة السابقة.

و ربما يستظهر من عبارة الاستبصار: القول بجواز بيع عذرة ما عدا الانسان. لحمله اخبار المنع على عذرة الانسان. و فيه نظر.

«فرع»- الاقوى: جواز بيع الارواث الطاهرة

التي ينتفع بها منفعة محللة مقصودة، و عن الخلاف نفي الخلاف فيه. و حكي أيضا عن

______________________________

وجه من وجوه الصلاح. و لا يخفى ما في العذرة من نفع في التسميد و ما اشبه (. الا ان الاجماع المنقول) في الخلاف و التذكرة (هو الجابر لضعف سند الأخبار العامة السابقة) فتأمل.

(و ربما يستظهر من عبارة الاستبصار: القول بجواز بيع عذرة ما عدا الانسان) فليس في المقام اجماع، و لا للروايات العامة دلالة- كما تقدم، لوجود وجه الصلاح فيها- (لحمله اخبار المنع على عذرة الانسان. و فيه نظر) اذ لا وجه لهذا الحمل بعد تصريح اهل اللغة بإطلاق العذرة على عذرة غير الانسان. ثم انه لو شك في الجواز كانت اصالة الجواز محكمة.

( «فرع»- الاقوى: جواز بيع الأرواث الطاهرة التي ينتفع بها منفعة محللة مقصودة) فليست نجسة، حتى تشملها اخبار المنع عن بيع وجوه النجس، و لا انها بدون نفع حلال، حتى لا يصح بيعها من جهة عدم المالية المعتبرة في صحة البيع، و لا ان المنافع المحللة غير مقصودة، حتى يقال بان ميزان جواز المعاملة كون المنفعة المحللة الموجودة فيها يلزم ان تكون مقصودة للناس، و الا كانت من قسم ما لا مالية له عرفا. (و عن الخلاف نفي الخلاف فيه.) اي في جواز البيع (و حكي أيضا عن) السيد

ص: 51

المرتضى- رحمه اللّه- الاجماع عليه. و عن المفيد و سلار: حرمة بيع العذرة و الابوال كلها الابوال الابل.

و لا اعرف مستندا لذلك الا دعوى: ان تحريم الخبائث في قوله تعالى «و يحرم عليهم الخبائث» يشمل تحريم بيعها. و قوله صلى اللّه عليه و آله «ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه». و ما تقدم من رواية دعائم الاسلام و غيرها.

و يرد على الاول: ان المراد

______________________________

(المرتضى- رحمه اللّه- الاجماع عليه) فاطلاقات ادلة جواز البيع، بالإضافة الى الاجماع كافية في الحكم بالجواز (و) لكن مع ذلك حكي (عن المفيد و سلار حرمة بيع العذرة و الابوال كلها إلا بول الابل) فاطلاق كلامهما شامل للعذرة الطاهرة، الا ان يقال بان المراد بالعذرة: النجسة.

(و لا اعرف مستندا لذلك) التحريم (الا دعوى: ان تحريم الخبائث في قوله تعالى «و يحرم عليهم الخبائث» يشمل تحريم بيعها) بدعوى ان الروث خبيث، و ان كل خبيث محرم كل شأنه حتى بيعه لغير الاكل.

(و قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: «ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه») فاذا حرم الروث حرم ثمنه، خصوصا على «رواية ان اللّه اذا حرم اكل شي ء حرم ثمنه». (و ما تقدم من رواية دعائم الاسلام) اي قوله «و ما كان محرما اصله لم يجز بيعه» (و غيرها) كالرضوي الذي يظهر منه جواز البيع فيما يجوز اكله.

(و يرد على الاول) اي الاستدلال بالآية (ان المراد) بالخبائث

ص: 52

- بقرينة مقابلته لقوله تعالى «يحل لهم الطيبات»-: الاكل لا مطلق الانتفاع.

و في النبوي و غيره، ما عرفت، من ان الموجب لحرمة الثمن حرمة عين الشي ء، بحيث يدل على تحريم جميع منافعه او المنافع المقصودة الغالبة و منفعة الروث ليست هي الاكل المحرم، فهو كالطين المحرم كما عرفت سابقا.

«الثالثة»:- تحرم المعاوضة على الدم
اشارة

______________________________

(بقرينة مقابلته لقوله تعالى «يحل لهم الطيبات»: الاكل لا مطلق الانتفاع) فالمراد: تحريم اكل الخبيث.

اقول: لكن الظاهر من الآية تحليل الطيب من كل شي ء، اكلا او شربا او لبسا او نكاحا او سكنى، و كذلك تحريم الخبيث من كل شي ء و كل شي ء تحليله و تحريمه بالنسبة الى الامر المربوط به، فتحليل المرأة الطيبة بمعنى نكاحها لا شي ء آخر، و هكذا تحليل استعمال الروث في الاحتراق و ما اشبه، لأنه طيب من هذه الجهة.

(و في النبوي و غيره: ما عرفت، من ان الموجب لحرمة الثمن حرمة عين الشي ء، بحيث يدل على تحريم جميع منافعه). الاولى في العبارة «بحيث يحرم جميع منافعه» (او المنافع المقصودة الغالبة، و) من المعلوم ان (منفعة الروث ليست هي الاكل المحرم، فهو كالطين المحرم كما عرفت سابقا) اذ منفعة الروث الاحراق و ما اشبه اما منفعة الاكل في حال المجاعة و ما اشبه فذلك منفعة نادرة كأكل الطين الذي لا يعد منفعة له عرفا.

( «الثالثة»):- من المسائل الثمان (تحرم المعاوضة على الدم)

ص: 53

بلا خلاف، بل عن النهاية، و شرح الارشاد لفخر الدين، و التنقيح: الاجماع عليه. و يدل عليه الاخبار السابقة.

«فرع»- و اما الدم الطاهر- اذا فرضت له منفعة محللة كالصبغ لو قلنا بجوازه ففي جواز بيعه وجهان

، اقواهما الجواز. لانها

______________________________

النجس (بلا خلاف، بل عن النهاية و شرح الارشاد لفخر الدين و التنقيح الاجماع عليه. و يدل عليه الاخبار السابقة) المتعرضة لحرمة المعاوضة على وجوه النجس كخبر تحف العقول و غيره. لكن ربما يقال بان الدم النجس اذا فرض له منفعة محللة متعارفة مقصودة، كالتزريق في هذه الازمنة، او لتسميده سمادا كيمياويا، فالاصل جواز البيع، لان ظاهر الادلة السابقة التحريم لعدم المنفعة المحللة، اذ زمان صدور تلك الروايات كانت منفعة الدم منحصرة في الشرب، كما كانت عادة اهل الجاهلية من انهم كانوا يشربون الدم.

( «فرع»- و اما الدم الطاهر) كدم الاسماك و الذبيحة بعد خروج الدم المتعارف (اذا فرضت له منفعة محللة كالصبغ لو قلنا بجوازه) اي جواز الصبغ بالدم الطاهر، بان لم يمنع الشارع عن الصبغ به، اذ لو منع الشارع لم تكن له منفعة محللة مقصودة، حتى يجوز بيعه تبعا لتلك المنفعة (ففي جواز بيعه وجهان): المنع، لان تلك المنفعة نادرة، و قد عرفت ان جواز البيع تابع للمنفعة الغالبة، او كان كل المنافع محللة، و المفروض ان المنفعة الغالبة هي الشرب لا الصبغ. و الجواز. و (اقواهما الجواز، لانها

ص: 54

عين طاهرة ينتفع بها منفعة محللة.

و اما مرفوعة الواسطي المتضمنة لمرور امير المؤمنين عليه السلام بالقصابين و نهيهم عن بيع سبعة: بيع الدم، و الغدد، و آذان الفؤاد، و الطحال، الى آخرها. فالظاهر: إرادة حرمة البيع للاكل. و لا شك في تحريمه، لما سيجي ء من ان قصد المنفعة المحرمة في المبيع موجب لحرمة البيع بل بطلانه.

______________________________

عين طاهرة ينتفع بها منفعة محللة).

ثم انه انما خصص هذا بالدم الطاهر، مع ان الدم النجس أيضا قد يفرض له مثل هذا النفع؟ لان الدم النجس ليس الصبغ نفعا له، لانه لا يرغب الناس في ذلك، فان بقاء المصبوغ نجسا ينافي اغراض الناس بطهارة حوائجهم، و غسله موجب لذهابه. هذا بالإضافة الى ما تقدم من ان الدم النجس من وجوه النجس المشمول للاخبار السابقة.

(و اما مرفوعة الواسطي المتضمنة لمرور امير المؤمنين عليه السلام بالقصابين و نهيهم عن بيع سبعة) اشياء في الذبيحة: (بيع الدم، و الغدد و آذان الفؤاد، و الطحال، الى آخرها) مما يدل على حرمة بيع الدم مطلقا طاهرا كان أم نجسا، للأكل او غيره. (فالظاهر)- بقرينة كون المتعارف اكل الدم-: (إرادة حرمة البيع للاكل. و لا شك في تحريمه) اي في حرمة البيع بقصد الاكل (لما سيجي ء من ان قصد المنفعة المحرمة في المبيع موجب لحرمة البيع) تكليفا (بل بطلانه) وضعا. مضافا الى امكان كون النهي بمعنى الفساد لما تقرر في محلله من ان ظاهر النهي عن المعاملة الفساد، فالمراد ان بيع الدم لاجل شربه باطل. و هذا غير ما نحن فيه، من جواز بيعه

ص: 55

و صرح في التذكرة بعدم جواز بيع الدم الطاهر، لاستخباثه. و لعله لعدم المنفعة الظاهرة فيه غير الاكل المحرم

«الرابعة»:- لا اشكال في حرمة بيع المني

، لنجاسته، و عدم الانتفاع به اذا وقع في خارج الرحم. و لو وقع فيه فكذلك لا ينتفع به المشتري

______________________________

للانتفاع به منفعة محللة مقصودة.

(و) مع ذلك فقد (صرح في التذكرة بعدم جواز بيع الدم الطاهر لاستخباثه) فانه خبيث و كل خبيث لا يجوز بيعه لقوله سبحانه: يحرم عليهم الخبائث. و هو اعم من تحريم الاكل و سائر انواع التقلب التي منها البيع (و لعله) اي تحريم العلامة لعلة انه خبيث (لعدم المنفعة الظاهرة فيه غير الاكل المحرم) لكنك قد عرفت وجود المنفعة. و معنى تحريم الخبائث هو: التحريم المناسب للمنفعة المقصودة من ذلك الخبيث كما تقدم. و على هذا فاللازم هو القول بجواز بيع الدم الطاهر اذا كانت له منفعة محللة مقصودة.

( «الرابعة»)- من المسائل الثمانية (لا اشكال في حرمة بيع المني لنجاسته،) فيشمله: «وجوه النجس» في رواية تحف العقول و غيره.

(و) ل (عدم الانتفاع به اذا وقع في خارج الرحم.) و كلما لا منفعة فيه لا يصح بيعه، لانه ليس بمال فلا تشمله ادلة جواز البيع المنصرفة الى بيع المال، الا اذا فرض له منفعة و لو وقع خارج الرحم، كما في الحال الحاضر حيث يؤخذ للتلقيح الاصطناعي. (و لو وقع) المني (فيه) اي في الرحم (فكذلك لا ينتفع به المشتري) للمني أيضا، اذ لو لم يصر ولدا، فواضح عدم انتفاع المشتري به، و لو صار ولدا فالحيوان ان كان

ص: 56

لان الولد نماء الام في الحيوانات عرفا، و للاب في الإنسان شرعا.

لكن الظاهر: ان حكمهم بتبعية الام متفرع على عدم تملك المني، و الا لكان بمنزلة البذر المملوك يتبعه الزرع. فالمتعين: التعليل بالنجاسة.

______________________________

ملكا للمشتري كان الولد نماء له، فكأن المشتري اعطى الثمن بلا مقابل، اذ الولد لمالك الام قهرا، سواء اعطى مالا في مقابل المني أم لم يعط، و ان كان ملكا لغير المشتري لم يحصل المشتري في مقابل ثمنه شيئا، و الى هذا اشار بقوله: (لأن الولد نماء الام في الحيوانات عرفا، و) نماء (للاب في الإنسان شرعا) فقد قال صلى اللّه عليه و آله و سلم: انت و مالك لابيك.

(لكن الظاهر: ان) الاستدلال المذكور غير تام، لانا نقول:

أولا- كانت الام ملكا للمشتري، فالثمن كان في مقابل الولد، دقة و عرفا فليس الثمن بلا مقابل، كما في كلام المستدل. و ثانيا- كانت الام ملكا لغير المشتري لكن المني اذا كان ملكا للمشتري تبعه الولد، و لا يتبع الولد حينئذ الام، اذ (حكمهم بتبعية) الولد في الحيوانات (الام متفرع على عدم تملك المني) فحيث ان المني ليس ملكا لاحد- على ما قالوا- كان الولد للام، و ان كان المني حقا لغير صاحب الام، (و الا) فلو قال بتملك المني اي إنه قابل للملكية (لكان) المني على هذا القول (بمنزلة البذر المملوك يتبعه الزرع) منتهى الأمر: يكون لمالك الام حق على مالك المني. (فالمتعين) في مقام الاستدلال لعدم جواز بيع المني: (التعليل بالنجاسة) فيكون المني

ص: 57

لكن قد منع بعض عن نجاسته اذا دخل من الباطن الى الباطن.

و قد ذكر العلامة- رحمه اللّه- من المحرمات بيع عسيب الفحل، و هو ماؤه قبل الاستقرار في الرحم، كما ان الملاقيح هو ماؤه بعد الاستقرار. كما في جامع المقاصد، و عن غيره.

و علل في الغنية بطلان بيع ما في اصلاب الفحول: بالجهالة

______________________________

من وجوه النجس المندرج في رواية التحف و غيرها. (لكن قد منع بعض عن نجاسته اذا دخل) المني (من الباطن) للذكر (الى الباطن) للانثى، اذ ظاهر ادلة النجاسات انها اذا خرجت كانت نجسة، فالدم و البول و الغائط و المني في الباطن ليست بنجسة، و على هذا فلا وجه للقول بعدم جواز بيعه

(و) مما يؤيد ما ذكرناه، من ان المني قبل الاستقرار في الرحم بان لم يقع فيه، او وقع و لم يستقر- يحرم بيعه، ما (قد ذكر) ه (العلامة رحمه اللّه-) فانه عد (من المحرمات بيع عسيب الفحل، و هو ماؤه قبل الاستقرار في الرحم) و كأنه لبعض الروايات، كموثق الجعفريات عن علي عليه السلام: «السحت ثمن اللقاح و عسب الفحل و جلود السباع» (كما ان الملاقيح هو) اسم (مائه) اي مني الفحل (بعد الاستقرار) في الرحم (كما في جامع المقاصد. و) نقل (عن غيره). و قول المصنف «كما ان» لتتميم الكلام و ليس فيه شاهد على ما تقدم من حكم المني كما لا يخفى.

(و علل في الغنية بطلان بيع ما في اصلاب الفحول: بالجهالة) لأن

ص: 58

و عدم القدرة على التسليم.

«الخامسة»- تحرم المعاوضة على الميتة و اجزائها التي تحلها الحياة من ذي النفس السائلة،
اشارة

على المعروف من مذهب الاصحاب. و في التذكرة- كما عن المنتهى و التنقيح- الاجماع عليه. و عن رهن الخلاف الاجماع على عدم ملكيتها

______________________________

الطرفين لا يعلمان مقداره و سائر خصوصياته (و عدم القدرة على التسليم) اذ من الممكن عدم افراغ الفحل.

اذن كان المتحصل من ادلة عدم جواز بيع المني: النجاسة، و الرواية و الجهالة، و عدم القدرة على التسليم، و عدم المالية، لأن الولد تابع للام. و في الجميع نظر. و مما تقدم تعرف حكم التلقيح الاصطناعي، باشتراء مني الفحل، كما هو متعارف في هذه الازمنة.

( «الخامسة»-) من المسائل الثمان: (تحرم المعاوضة على الميتة و اجزائها التي تحلها الحياة) بخلاف الأجزاء التي لا تحلها الحياة، فانه يجوز بيعها، لعدم مجي ء الأدلة المانعة فيها. (من ذي النفس السائلة) اي الدم الدافق- و قد ذكرنا حول تسمية الدم الدافق بالنفس السائلة، في شرح العروة فراجع- و انما اشترط هذا الشرط لأن ميت غير ذي النفس السائلة ليس بنجس، كميتة السمك، كما حقق في مبحث نجاسة الميتة. (على المعروف من مذهب الاصحاب. و في) كتاب (التذكرة- كما عن المنتهى و التنقيح- الاجماع عليه. و عن رهن الخلاف الاجماع على عدم ملكيتها) فاذا لم تكن الميتة ملكا لم يجز بيعها، لعدم المالية المقومة لجواز البيع، و لأنه لا بيع الا

ص: 59

و يدل عليه- مضافا الى ما تقدم من الاخبار- ما دل على ان الميتة لا ينتفع بها.

منضما الى اشتراط وجود المنفعة المباحة في المبيع، لئلا يدخل في عموم «النهي عن اكل المال بالباطل».

و خصوص عد «ثمن الميتة من السحت» في رواية السكوني.

______________________________

في ملك. (و يدل عليه) اي على عدم جواز بيع الميتة (- مضافا الى ما تقدم من الاخبار) الدالة على حرمة المعاملة على وجوه النجس كخبر تحف العقول و غيره (- ما دل على ان الميتة لا ينتفع بها) كصحيحة علي ابن المغيرة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: جعلت فداك، الميتة لا ينتفع بها بشي ء؟ قال عليه السلام: لا. و مثله غيره. فان معنى نفي الانتفاع- مطلقا لأنه نكرة في سياق النفي فيفيد العموم-: نفي مطلق الانتفاع الذي منه البيع و الشراء.

و يمكن الاستدلال بهذه الروايات بوجه آخر، و هو ان ننظر الى خبر منع الانتفاع (منضما الى) ما هو واضح من (اشتراط وجود المنفعة المباحة في المبيع) و انما نشترط هذا الشرط (لئلا يدخل) البيع (في عموم «النهي عن اكل المال بالباطل») اذ لو لم يكن نفع في المثمن، كان اعطاء الثمن بإزائه داخلا في عموم قوله سبحانه «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ»* فالرواية بضميمة الآية تدل على عدم جواز بيع الميتة.

(و) مما يدل أيضا على عدم جواز بيع الميتة (خصوص عد ثمن الميتة من السحت في رواية السكوني) فقد روى عن الصادق عليه السلام انه قال: «السحت ثمن الميتة» و من المعلوم ان السحت: اشد انواع الحرام.

ص: 60

نعم قد ورد بعض ما يظهر منه الجواز، مثل رواية الصيقل قال:

كتبوا الى الرجل: جعلنا اللّه فداك، انا نعمل السيوف، و ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها، و نحن مضطرون إليها، و انما غلافها من جاود الميتة، من البغال و الحمير الاهلية، لا يجوز في اعمالنا غيرها، أ فيحل لنا عملها و شراؤها، و بيعها، و مسها بايدينا، و ثيابنا، و نحن نصلي في ثيابنا، و نحن محتاجون الى جوابك في هذه المسألة يا سيدنا، لضرورتنا إليها؟ فكتب عليه السلام:

«اجعلوا ثوبا للصلاة». الحديث.

______________________________

(نعم قد ورد بعض ما يظهر منه الجواز) من الروايات (مثل رواية الصيقل قال: كتبوا الى الرجل) و المراد به الامام عليه السلام و لم يذكر اسمه الشريف تقية (جعلنا اللّه فداك، انا نعمل السيوف، و ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها، و نحن مضطرون إليها) اي الى تجارة السيوف (و انما غلافها من جلود الميتة، من البغال و الحمير الاهلية) مقابل الحمر الوحشية (لا يجوز) اي لا يصح (في اعمالنا غيرها، أ فيحل لنا عملها) اي عمل جلود الميتة غلافا، (و شراؤها، و بيعها، و مسها، بايدينا، و ثيابنا، و نحن نصلي في ثيابنا، و نحن محتاجون الى جوابك في هذه المسألة، يا سيدنا لضرورتنا إليها؟) و انما كانت المحتاج إليها جلود الميتة، لان البغال و الحمير غالبا لا تذبح، للانتفاع بانفسها في السفر و العمل، فاذا ماتت كشطوا جلودها و باعوها، و اهل السيوف كانوا محتاجين الى جلودها، دون سائر الجلود لأنها اقوى و امتن، (فكتب عليه السلام: «اجعلوا ثوبا للصلاة». الحديث.)

فانه يدل على جواز البيع و الشراء و الانتفاع، و الا لزم على الامام (ع)

ص: 61

و نحوها رواية اخرى بهذا المضمون. و لذا قال في الكفاية و الحدائق:

ان الحكم لا يخلو عن اشكال.

______________________________

ان يبين عدم الجواز، و اما جعل ثوب آخر للصلاة غير الثوب الذي يباشر الجلود، فلان الميتة لا تجوز الصلاة فيها، و الغالب ان الثوب المباشر للعمل في الميتة يتلوث باجزاء صغار من الميتة مما يمنع الصلاة فيه.

(و نحوها رواية اخرى بهذا المضمون. و لذا) اي لما ذكرناه من وجود هذه الرواية المشعرة بالجواز في مقابل رواية المنع السالفة (قال في الكفاية و الحدائق: ان الحكم لا يخلو عن اشكال). للتعارض في الروايات الواردة في بيع الميتة.

و قد اشكل المصنف «رحمه اللّه» في الاستدلال برواية الصيقل على جواز بيع الميتة من وجهين: الاول- انها لا تدل على جواز البيع، لاحتمال كون الثمن في مقابل السيف فقط.

الثاني- ان الامام عليه السلام لم يجوز البيع، و انما سكت عن الجواب و مثله لا يكون تقريرا لكلام السائل.

اقول: و قد يضاف على ذلك، بان السائل قال «انا مضطرون» فالتقرير- على تقديره- خاص بصورة الاضطرار، مضافا الى ان البيع لو كان حراما كان سائر انواع التقلب أيضا حراما- كما في خبر التحف و غيره- فكيف لم ينبه الامام عليه السلام على ذلك. على انه ورد في جملة من الروايات جواز الانتفاع بجلد الميتة، كرواية زرارة و سماعة و جامع البزنطي و مرسل الصدوق و غيرها. و الكلام في المقام طويل نكتفي منه بهذا القدر.

ص: 62

و يمكن ان يقال: ان مورد السؤال عمل السيوف و بيعها و شراؤها، لا خصوص الغلاف مستقلا، و لا في ضمن السيف، على ان يكون جزء من الثمن في مقابل عين الجلد، فغاية ما يدل عليه جواز الانتفاع بجلد الميتة، بجعله غمدا للسيف، و هو لا ينافي عدم جواز معاوضته بالمال، و لذا جوز جماعة- منهم الفاضلان في النافع و الارشاد، على ما حكي عنهما- الاستقاء بجلد الميتة لغير الصلاة و الشرب، مع عدم قولهم بجواز بيعه.

______________________________

و كيف كان فقد اشار الشيخ «رحمه اللّه» الى الاشكال الاول بقوله:

(و يمكن ان يقال) في رد الاستدلال برواية الصيقل: (ان مورد السؤال عمل السيوف و بيعها و شراؤها، لا خصوص الغلاف مستقلا، و لا في ضمن السيف) بان يكون البيع متعلقا بالاثنين (على ان يكون جزء من الثمن، في مقابل عين الجلد) اذن (فغاية ما يدل عليه) خبر الصيقل (جواز الانتفاع بجلد الميتة، بجعله غمدا للسيف، و هو لا ينافي عدم جواز معاوضته بالمال) فلا ينافي قوله عليه السلام: «السحت ثمن الميتة». و الحاصل:

ان البيع ليس بجائز لخبر السحت، و الانتفاع جائز لخبر الصيقل. (و لذا) اي لما ذكرنا من عدم المنافاة بين جواز الانتفاع و بين جواز البيع (جوز جماعة- منهم الفاضلان): المحقق و العلامة (في النافع و الارشاد- على ما حكي عنهما- الاستقاء بجلد الميتة لغير الصلاة و الشرب، مع عدم قولهم بجواز بيعه) ففككوا بين الانتفاع و بين البيع.

و اشار الشيخ «رحمه اللّه» الى الاشكال الثاني في الاستدلال برواية

ص: 63

مع ان الجواب لا ظهور فيه في الجواز الا من حيث التقرير، غير الظاهر في الرضا، خصوصا في المكاتبات المحتملة للتقية.

هذا، و لكن الانصاف انه اذا قلنا بجواز الانتفاع بجلد الميتة، منفعة مقصودة، كالاستقاء بها للبساتين و الزرع، اذا فرض عده مالا عرفا، فمجرد النجاسة لا تصلح علة لمنع البيع- لو لا الاجماع على حرمة بيع الميتة بقول مطلق.

______________________________

الصيقل بقوله: (مع ان الجواب) الصادر عن الامام عليه السلام (لا ظهور فيه في الجواز) للبيع (الا من حيث التقرير) حيث ان السائل سأل عن البيع، و الامام سكت عن الجواب و لم يردعه، (غير الظاهر في الرضا) لاحتمال ان يكون هناك مانع يمنع عن الجواب، (خصوصا في المكاتبات المحتملة للتقية) فان الكتاب يحتمل ان يقع بايدي المخالفين. و لذا يتقى فيه اكثر مما يتقى في الكلام الشفوي.

(هذا) حاصل الكلام في رواية الصيقل استدلالا وردا (و لكن الانصاف انه اذا قلنا بجواز الانتفاع بجلد الميتة) كما عرفت من المحقق و العلامة (منفعة مقصودة) للعقلاء في مقابل النفع النادر (كالاستقاء بها للبساتين و الزرع) و ملإ الأحواض ثم تطهيرها بالاتصال بالكر (اذا فرض عده) اي عد الجلد بسبب هذه المنافع (مالا عرفا) حتى لا يكون اكل المال بإزائه اكلا للمال بالباطل (فمجرد النجاسة لا تصلح علة لمنع البيع لو لا الاجماع على حرمة بيع الميتة بقول مطلق) اي سواء كانت ذات نفع محلل مقصود أم لا، و منه يعلم ان الاجماع في الجملة أيضا غير كاف

ص: 64

لان المانع حرمة الانتفاع في المنافع المقصودة، لا مجرد النجاسة.

و ان قلنا: ان مقتضى الأدلة حرمة الانتفاع بكل نجس، فان هذا كلام آخر سيجي ء ما فيه، بعد ذكر حكم النجاسات. لكنا نقول: اذا قام الدليل الخاص على جواز الانتفاع، منفعة مقصودة، بشي ء من النجاسات فلا مانع من صحة

______________________________

لاحتمال كون الاجماع من جهة عدم المنفعة، فاذا فرضت لها منفعة لم يشملها معقد الاجماع.

و انما قلنا: ان النجاسة لا تصلح مانعا عن البيع (لان المانع) عن البيع (حرمة الانتفاع في المنافع المقصودة لا مجرد النجاسة) هذا بناء على ان نقول بان النجاسة لا تمنع عن البيع، اذ لا دليل على منع النجاسة عن ذلك الا رواية التحف و ما اشبه، و هي ضعيفة سندا و دلالة، لاحتمال كون المراد حرمة البيع لاجل الانتفاع بها فيما يشترط بالطهارة.

(و) اما (ان قلنا: ان مقتضى الأدلة حرمة الانتفاع بكل نجس) حتى مثل الاستقاء للزرع (فان هذا كلام آخر) غير ما كنا نقوله سابقا، اذ الكلام في السابق كان حول حرمة بيع النجس، و حرمة بيع ما لا نفع فيه، اما ان النجس لا يجوز الانتفاع به مطلقا، فهذا كلام جديد (سيجي ء ما فيه، بعد ذكر حكم النجاسات) بانه لا دليل على هذه الكلية (لكنا نقول) في وجه جواز بيع جلود الميتة: انه (اذا قام الدليل الخاص على جواز الانتفاع، منفعة مقصودة) لا نادرة (بشي ء من النجاسات) كما لو فرضنا دلالة رواية الصيقل و غيرها بالنسبة الى الجلود (فلا مانع من صحة

ص: 65

بيعه، لان ما دل على المنع عن بيع النجس من النص و الاجماع، ظاهر في كون المانع حرمة الانتفاع، فان رواية تحف العقول المتقدمة، قد علل فيها المنع عن شي ء من وجوه النجس، بكونه منهيا عن اكله و شربه. الى آخر ما ذكر فيها. و مقتضى رواية دعائم الاسلام المتقدمة أيضا إناطة جواز البيع و عدمه بجواز الانتفاع و عدمه.

و أدخل ابن زهرة في الغنية النجاسات فيما لا يجوز بيعه من جهة عدم حل

______________________________

بيعه) اي بيع ذلك الشي ء النجس الذي له نفع محلل (لان ما دل على المنع عن بيع النجس من النص) المتقدم في رواية تحف العقول (و الاجماع ظاهر في كون المانع) من البيع، انما هو (حرمة الانتفاع) فاذا لم يحرم الانتفاع لم يحرم البيع (فان رواية تحف العقول المتقدمة، قد علل فيها المنع عن شي ء من وجوه النجس، بكونه منهيا عن اكله و شربه. الى آخر ما ذكر فيها) و معنى ذلك عرفا التحريم لعدم الانتفاع، فاذا كان انتفاع لم يكن تحريم (و مقتضى رواية دعائم الاسلام المتقدمة أيضا إناطة جواز البيع و عدمه بجواز الانتفاع و عدمه) حيث علق جواز بيع الشي ء بجواز استعماله. هذا مضافا الى ان الجلد اذا كان فيه وجه من وجوه الصلاح- و المفروض ان الاستقاء للبساتين صلاح- اندرج تحت الرواية منطوقا.

(و) الذي يؤيد ما ذكرناه من ان عدم جواز البيع لعدم جواز الانتفاع، ما يظهر من بعض العلماء، من انهم فهموا نفس ما ذكرناه، فقد (ادخل ابن زهرة في الغنية النجاسات فيما لا يجوز بيعه من جهة عدم حل

ص: 66

الانتفاع بها. و استدل أيضا على جواز بيع الزيت النجس، بان النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أذن في الاستصباح به تحت السماء، قال: و هذا يدل على جواز بيعه لذلك. انتهى.

فقد ظهر من اوّل كلامه و آخره: ان المانع من البيع منحصر في حرمة الانتفاع، و انه يجوز مع عدمها.

و مثل ما ذكرناه عن الغنية من الاستدلال كلام الشيخ في الخلاف في باب البيع، حيث ذكر النبوي الدال على اذن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم في الاستصباح، ثم قال: و هذا يدل

______________________________

الانتفاع بها) و كلامه هذا يدل على انه ان جاز الانتفاع بالنجاسة جاز بيعها (و استدل أيضا) في الغنية (على جواز بيع الزيت النجس، بان النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم اذن في الاستصباح به تحت السماء، قال) ابن زهرة: (و هذا) الاذن من النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم (يدل على جواز بيعه) اي الزيت النجس (لذلك) الاذن في الانتفاع (انتهى) كلام الغنية.

(فقد ظهر من اوّل كلامه و آخره: ان المانع من البيع منحصر في حرمة الانتفاع، و انه يجوز) البيع (مع عدمها) اي عدم حرمة الانتفاع.

(و مثل ما ذكرناه عن الغنية من الاستدلال كلام الشيخ في الخلاف في باب البيع) فانه يظهر منه ان عدم جواز البيع انما هو لعدم جواز الانتفاع و انه اذا جاز الانتفاع جاز البيع (حيث ذكر) الشيخ: (النبوي الدال على اذن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم في الاستصباح، ثم قال: و هذا يدل

ص: 67

على جواز بيعه. و عن فخر الدين في شرح الارشاد، و الفاضل المقداد في التنقيح الاستدلال على المنع عن بيع النجس بانه محرم الانتفاع، و كلما كان كذلك لا يجوز بيعه. نعم ذكر في التذكرة شرط الانتفاع و حليته، بعد اشتراط الطهارة. و استدل للطهارة بما دل على وجوب الاجتناب عن النجاسات و حرمة الميتة.

و الإنصاف امكان ارجاعه الى ما ذكرنا فتامل.

______________________________

على جواز بيعه، و) هكذا غيرهما من سائر العلماء ف (عن فخر الدين في شرح الارشاد و الفاضل المقداد في التنقيح، الاستدلال على المنع عن بيع النجس بانه محرم الانتفاع، و كلما كان كذلك) اي محرم الانتفاع (لا يجوز بيعه. نعم ذكر) العلامة (في التذكرة شرط الانتفاع و حليته) اي حلية الانتفاع (بعد اشتراط الطهارة) مما يدل على ان الشرط امران: الأول الطهارة. الثاني حلية الانتفاع. و مفهومه انه اذا كان حلالا لكنه لم يكن طاهرا لم يجز بيعه، فليس جواز البيع دائرا مدار الانتفاع، بل مدار الطهارة و الانتفاع معا. (و استدل للطهارة) اي اشتراطها في جواز البيع (بما دل على وجوب الاجتناب عن النجاسات و حرمة الميتة) فان الاجتناب معناه:

عدم البيع. و كذلك حرمة الميتة معناها: تحريم بيعها.

(و) لكن (الانصاف امكان ارجاعه) اي كلام العلامة (الى ما ذكرنا) من ان الشرط امر واحد، و هو جواز الانتفاع و عدمه، بان نقول: ان اشتراط العلامة للطهارة انما هو بسبب ان النجس غالبا لا نفع فيه، فالشرط الأول من قبيل الخاص في مقابل شرط الانتفاع، الذي هو اعم. فان كل نجس لا ينتفع به، و بعض ما لا ينتفع به ليس نجسا كالحشرات الصغار (فتامل) فان كون الشرط الأول من باب ذكر الخاص قبل العام

ص: 68

و يؤيده: انهم اطبقوا على بيع العبد الكافر، و كلب الصيد. و علله في التذكرة بحل الانتفاع به، و رد من منع عن بيعه لنجاسته، بان النجاسة غير مانعة. و تعدى الى كلب الحائط و الماشية و الزرع، لأن المقتضي و هو النفع موجود فيها.

و مما ذكرنا من قوة جواز بيع جلد الميتة لو لا الإجماع- اذا جوزنا الانتفاع به في الاستقاء- يظهر حكم جواز المعاوضة على لبن اليهودية المرضعة

______________________________

خلاف الظاهر.

(و يؤيده) اي يؤيد ما ذكرناه من ان النجس اذا كان مما ينتفع به جاز بيعه: (انهم) اي الفقهاء (اطبقوا) و اجمعوا (على) جواز (بيع العبد الكافر و كلب الصيد) مع انهما نجسان، و انما جاز البيع للانتفاع بهما (و علله) اي العلامة علل جواز بيعهما (في التذكرة بحل الانتفاع به) اي بكل من الكافر و الكلب (ورد) العلامة (من منع عن بيعه) اي بيع الكافر و الكلب (ل) سبب (نجاسته، بان النجاسة غير مانعة) عن البيع (و تعدى) العلامة من جواز بيع كلب الصيد (الى كلب الحائط) اي البستان (و الماشية) اي الاغنام (و الزرع) الذي لا حائط له كالحنطة و الشعير (لان المقتضي) لجواز البيع (و هو النفع موجود فيها) اي في الاقسام الثلاثة للكلب، و قوله «لان» علة للتعدي.

(و مما ذكرنا من قوة جواز بيع جلد الميتة لو لا الاجماع- اذا جوزنا الانتفاع به في الاستقاء- يظهر حكم جواز المعاوضة على لبن اليهودية المرضعة)

ص: 69

بان يجعل تمام الأجرة او بعضها في مقابل اللبن، فان نجاسته لا تمنع عن جواز المعاوضة عليه.

«فرعان»:
«الأول»- انه كما لا يجوز بيع الميتة منفردة، كذلك لا يجوز بيعها منضمة الى مذكى.

و لو باعها، فان كان المذكى ممتازا صح البيع فيه و بطل في الميتة كما سيجي ء في محله.

______________________________

و النصرانية و سائر الكافرات (بان يجعل تمام الاجرة او بعضها في مقابل اللبن) قبال من يقول بان الأجرة يلزم ان تجعل قبال خدمتها للولد لأن اللبن نجس فلا يصح ان يقابل بالمال (فان نجاسته) اي اللبن (لا تمنع عن جواز المعاوضة عليه) بعد ان جاز الانتفاع به.

و مما تقدم يظهر ان كل شي ء من وجوه النجس انما لا يجوز ان يقابل بالمال اذا كانت منافعها محرمة، اما اذا كانت لها منافع محللة مقصودة غير نادرة جازت المعاملة عليها.

(فرعان: الأول) في بيان أنه كما لا يجوز بيع الميتة منفردة لا يجوز بيعها منضمة، للعلم الاجمالي. و هذا الحكم جار في كل ما لا يجوز بيعه، و (انه كما لا يجوز بيع الميتة منفردة كذلك لا يجوز بيعها منضمة الى مذكى) و ذلك لما حقق في محله من تنجيز العلم الاجمالي لأطرافه، سواء في الشبهة الوجوبية او التحريمية (و لو باعها) اي الميتة مع المذكى (فان كان المذكى ممتازا صح البيع فيه) لاجتماع شرائط الصحة في ذلك (و بطل) البيع (في الميتة) اي لم ينعقد (كما سيجي ء في محله).

و لكن لا يخفى: ان صحة البيع في المذكى انما تكون اذا لم تكن على

ص: 70

و ان كان مشتبها بالميتة لم يجز بيعه أيضا، لأنه لا ينتفع به منفعة محلله، بناء على وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين. فهو في حكم الميتة من حيث الانتفاع. فأكل المال بإزائه اكل المال بالباطل، كما ان اكل كل من المشتبهين في حكم اكل الميتة.

و من هنا

______________________________

وجه التقييد، و الا بطل البيع فيه، اذ لم يقصد البائع بيع المذكى الا منضما، و قد بطل ما قصده.

(و ان كان) المذكى (مشتبها بالميتة) بان لم يعلم ايهما المذكى، فان امكن التمييز و باع المذكى صح، لان الشرط موجود، و الا (لم يجز بيعه أيضا لأنه لا ينتفع به) اي بالمذكى في حال كونه مشتبها (منفعة محلله، بناء على وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين) كما هو المشهور في اطراف العلم الإجمالي، اما بناء على جواز ارتكاب احد المشتبهين فالبيع للمذكى جائز، لامكان الانتفاع باحدهما. و كذلك يجوز مطلقا فيما اذا اضطر الى اكل الميتة او المشتبهة بها، لأن المخالفة الاحتمالية مقدمة على المخالفة القطعية (فهو) اي المذكى المشتبهة بالميتة (في حكم الميتة من حيث) عدم (الانتفاع) به حين اشتباهه بالميتة (فاكل المال بإزائه اكل المال بالباطل) فيشمله قوله سبحانه: و «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» (كما ان اكل كل من المشتبهين في حكم اكل الميتة) من حيث انه لو طابق الواقع كان معاقبا على فعله، من حيث اكل الميتة واقعا، اما لو لم يصادف الميتة فالارتكاب تجر.

(و من هنا) اي من القاعدة التي ذكرناها في عدم جواز بيع المشتبهة

ص: 71

يعلم انه لا فرق في المشتري بين الكافر المستحل للميتة و غيره. لكن في صحيحة الحلبي و حسنته: «اذا اختلط المذكى بالميتة بيع ممن يستحل الميتة» و حكي نحوهما عن كتاب علي بن جعفر.

و استوجه العمل بهذه الاخبار في الكفاية. و هو مشكل مع ان المروي عن امير المؤمنين عليه السلام «انه يرمى بهما».

______________________________

(يعلم انه لا فرق في المشتري بين الكافر المستحل للميتة و غيره) اذ لا يجوز للبائع ان يبيع ما لا مالية له في نظر الشرع، و ان كان له مالية في نظر العرف (لكن في صحيحة الحلبي و حسنته) المرويتين عن الصادق عليه السلام ( «اذا اختلط المذكى بالميتة بيع ممن يستحل الميتة» و حكي نحوهما عن كتاب علي بن جعفر) عليهما السلام.

(و استوجه) اي قال: الاوجه (العمل بهذه الأخبار) السبزواري (في الكفاية) لان القاعدة على تقدير تماميتها مخصصة بهذه الأخبار (و هو) اي العمل بهذه الأخبار (مشكل) لاعراض الأصحاب عنها- كما قيل- لكن الإعراض غير ثابت بعد عمل جمع كثير كالشيخ و ابن حمزة و غيرهما بهذه الأخبار (مع ان المروي عن امير المؤمنين عليه السلام «انه يرمي بهما») اي بالميتة و المذكى، و هي رواية الجعفريات بسند الأئمة عليهم السلام عن علي عليه السلام انه سئل عن شاة مسلوخة، و اخرى مذبوحة، عمي على الراعي او على صاحبها، فلا يدري الذكية من الميتة؟ قال: «يرمي بهما جميعا الى الكلاب».

و ربما اورد على ذلك بعدم التعارض بين هذه الرواية و تلك الروايات

ص: 72

و جوز بعضهم البيع بقصد المذكى. و فيه: ان القصد لا ينفع بعد فرض عدم جواز الانتفاع بالمذكى، لاجل الاشتباه.

نعم لو قلنا بعدم وجوب الاجتناب في الشهبة المحصورة، و جواز ارتكاب احدهما، جاز البيع بالقصد المذكور. لكن لا ينبغي القول به في المقام.

______________________________

لان هذه تدل على عدم الانتفاع بها فيما يشترط بالحلية و الطهارة، و تلك تدل على جواز البيع لمن يستحل فلا منافاة اصلا. مضافا الى الأخبار الكثيرة المذكورة في كتاب الطلاق، من الزام كل قوم بما التزموا به، و كذلك في باب العول و التعصيب و ما اشبه.

(و جوز بعضهم البيع بقصد) بيع (المذكى. و فيه:) عدم فائدة مثل هذا القصد، ل (ان القصد لا ينفع بعد فرض عدم جواز الانتفاع بالمذكى، لاجل الاشتباه). فالمذكى باشتباهه بالميتة سقط عن المالية، فكيف يجوز بيعه!

(نعم لو قلنا بعدم وجوب الاجتناب) عن جميع الأطراف (في الشبهة المحصورة و) قلنا ب (جواز ارتكاب احدهما، جاز البيع) لهما (بالقصد المذكور.) اي قصد المذكى (لكن لا ينبغي القول به) اي بجواز ارتكاب احدهما (في المقام) الذي كان مقتضى الأصل فيهما عدم الحل، حتى و لو قلنا بجواز ذلك، فيما اذا كان الأصل فيهما الحل.

توضيح المقام: ان الأصل في المشتبهين قد يكون الحل، كما اذا كان هناك إناءان طاهران، فتنجس احدهما. و قد يكون الأصل الحرمة، كما اذا كان هناك إناءان نجسان فتطهر احدهما. و القائل بجواز ارتكاب

ص: 73

لان الاصل في كل واحد من المشتبهين: عدم التذكية. غاية الأمر العلم الاجمالي بتذكية احدهما، و هو غير قادح في العمل بالأصلين.

و انما يصح القول بجواز ارتكاب احدهما في المشتبهين، اذا كان الاصل في كل منهما الحل، و علم اجمالا بوجود الحرام. فقد يقال هنا بجواز ارتكاب احدهما، اتكالا على أصالة الحل و عدم جواز ارتكاب الآخر بعد ذلك حذرا عن

______________________________

احد المشتبهين انما يقول بالجواز فيما كان الأصل الحل، لا فيما اذا كان الأصل عدم الحل. و إليه اشار بقوله: (لان الأصل في كل واحد من المشتبهين عدم التذكية) اذ التذكية امر طارئ، فالأصل عدمها. (غاية الأمر) وجود (العلم الإجمالي بتذكية احدهما، و هو) اي العلم الإجمالي (غير قادح في العمل بالاصلين): اصل عدم التذكية في هذا، و اصل عدم التذكية في ذاك. و انما لا يقدح العلم الاجمالي بالعمل بالاصلين، لأن الأصل لا يلزم من العمل بهما مخالفه قطعية، بخلاف ما اذا كان الأصل الطهارة و الحل، فان العمل بالاصلين موجب للمخالفة القطعية.

(و انما يصح القول بجواز ارتكاب احدهما) اي احد الطرفين (في المشتبهين، اذا كان الأصل في كل منهما الحل، و علم اجمالا بوجود الحرام) بان حرم احدهما المردد، بعد حلية كليهما، كما عرفت في مثال الإناءين الطاهرين، الذين تنجس احدهما المردد. (فقد يقال هنا بجواز ارتكاب احدهما) فقط (اتكالا على اصالة الحل) الجارية في كل واحد منهما (و عدم جواز ارتكاب الآخر بعد ذلك) اي بعد ارتكاب احدهما (حذرا عن

ص: 74

ارتكاب الحرام الواقعي. و ان كان هذا الكلام مخدوشا في هذا المقام أيضا لكن القول به ممكن هنا، بخلاف ما نحن فيه، لما ذكرنا فافهم.

و عن العلامة حمل الخبرين على جواز استنقاذ مال المستحل للميتة بذلك برضاه.

و فيه: ان المستحل قد يكون ممن لا يجوز الاستنقاذ منه

______________________________

ارتكاب الحرام الواقعي) لاحتمال ان يكون الثاني هو الحرام واقعا (و ان كان هذا الكلام) اي جواز ارتكاب احدهما (مخدوشا في هذا المقام) اي مقام كون الاصل فيهما الحل (أيضا) لعدم جريان هذا الكلام فيما كان الاصل فيهما الحرمة. (لكن القول به) اي بجواز ارتكاب احدهما (ممكن هنا) فيما كان الاصل فيهما الحل (بخلاف ما نحن فيه) الذي يكون الاصل فيهما الحرمة (لما ذكرنا) من عدم جريان الاصل المجوز للارتكاب (فافهم) فان القائل بجواز ارتكاب احد طرفي العلم، لا يفرق بين كون الاصل فيهما الحل او الحرمة، مضافا الى سقوط الاصل بالعلم الاجمالي مطلقا، سواء لزم المخالفة القطعية أم لا، على ان كون الاصل في الحيوان الحرمة محل مناقشة، و حيث ان البسط في هذه المباحث خارج عن وضع الشرح اعرضنا عنها فمن ارادها فليرجع الى مظانها في الاصول.

(و عن العلامة حمل الخبرين) الدالين على جواز بيعهما ممن يستحل (على جواز استنقاذ مال المستحل للميتة بذلك) البيع (برضاه) فالمعاملة صورية لا واقعية.

(و فيه: ان المستحل للميتة قد يكون ممن لا يجوز الاستنقاذ منه)

ص: 75

الا بالاسباب الشرعية، كالذمي.

و يمكن حملهما على صورة قصد البائع المسلم اجزائها التي لا تحلها الحياة من الصوف، و العظم، و الشعر، و نحوها. و تخصيص المشتري بالمستحل لان الداعي له على الاشتراء اللحم أيضا، و لا يوجب ذلك فساد البيع ما لم يقع العقد عليه.

______________________________

اي اخذ ماله (الا بالاسباب الشرعية، كالذمي) فتخصيص الخبرين بالحربي خلاف اطلاقهما، و لعل الذي حمل العلامة على ذلك أولوية الحمل من الطرح بعد ان رأى عدم امكان العمل بهما بظاهرهما.

(و يمكن حملهما) اي الخبرين (على صورة قصد البائع المسلم اجزائها التي لا تحلها الحياة) مما يجوز بيعها حتى للمسلم (من الصوف، و العظم، و الشعر، و نحوها) كالظلف (و) وجه (تخصيص المشتري بالمستحل لان الداعي له على الاشتراء اللحم أيضا) بخلاف غير المستحل فانه لا يقصد اللحم، فيكون قليل الرغبة في اشتراء المشتبه (و لا يوجب ذلك) القصد من المشتري المستحل، للحم أيضا (فساد البيع ما لم يقع العقد عليه) اذ العقد وقع بإزاء المذكى، و اجزاء الميتة التي لا تحلها الحياة.

ان قلت: انتم ذكرتم قبل فرع بيع المذكى: انه لو جاز الانتفاع بالميتة جاز بيعها، مع ان رواية البزنطي تدل على جواز الانتفاع و عدم جواز البيع، ثم جئتم بشاهد لذلك، بان المشتبه لا يجوز بيعه، لعدم امكان الانتفاع به، و الحاصل انكم ادرتم جواز البيع بجواز الانتفاع فاذا جاز الانتفاع و لو في الميتة جاز البيع، و اذا لم يجز الانتفاع و لو في المذكى كالمشتبه- لم يجز البيع، و الحال ان الرواية تدل على التفكيك بين الأمرين

ص: 76

و في مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي صاحب الرضا عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون له الغنم يقطع من ألياتها و هي احياء، أ يصلح ان ينتفع بها؟ قال عليه السلام: «نعم يذيبها و يسرج بها، و لا يأكلها.

و لا يبيعها» و استوجه في الكفاية العمل بها، تبعا لما حكاه الشهيد عن العلامة- رحمه اللّه- في بعض اقواله. و الرواية شاذة. ذكر الحلي بعد ايرادها انها من نوادر الأخبار، و الاجماع منعقد على تحريم الميتة و التصرف فيها على كل حال، الا اكلها للمضطر.

______________________________

لاجازتها الانتفاع بإليات الغنم الميتة، و منعها عن البيع.

قلت: الرواية شاذة و معارضة، فلا تقوم في مقابل القاعدة التي ذكرناها. و الى هذا الاشكال و الجواب اشار المصنف بقوله:

(و في مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي صاحب) الامام (الرضا عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون له الغنم يقطع من ألياتها و هي احياء) فان قطع ألية الغنم متعارف في الاماكن التي تكبر فيها الأليات بما لا يتمكن الغنم من حملها، الى هذا اليوم (أ يصلح ان ينتفع بها؟ قال (ع):

نعم يذيبها و يسرج بها، و لا يأكلها، و لا يبيعها» و استوجه) السبزواري (في الكفاية العمل بها) اي بهذه الرواية (تبعا لما حكاه الشهيد عن العلامة- رحمه اللّه- في بعض اقواله) فقال بأنه يجوز الانتفاع و لا يجوز البيع (و) لكن (الرواية شاذة) معرض عنها (ذكر الحلي بعد ايرادها انها من نوادر الأخبار، و الاجماع منعقد على تحريم الميتة، و التصرف فيها على كل حال) اي كل انواع التصرف (الا اكلها للمضطر) انتهى كلام الحلي. اذن فالرواية مطروحة.

ص: 77

اقول: مع انها معارضة بما دل على المنع من موردها معللا بقوله عليه السلام: «أ ما علمت انه يصيب الثوب و اليد و هو حرام!».

و مع الاغماض عن المرجحات، يرجع الى عموم ما دل على المنع من الانتفاع بالميتة مطلقا. مع ان الصحيحة

______________________________

(اقول: مع انها) اي الرواية (معارضة بما دل على المنع من موردها معللا) المنع (بقوله عليه السلام: أ ما علمت انه يصيب الثوب و اليد) فان الاسراج ملازم لتلوث اليد و الثوب (و هو حرام؟) إما لأنه استعمال للميتة، و اما لأنه نجس، و ذلك يوجب بطلان الصلاة. لكن الاحتمال الثاني اقوى، اذ لو كان المنع عن جهة كون التلوث استعمالا، كان المنع من جهة الاستعمال اولى من المنع من جهة التلوث.

لكن لا يخفى: ان الظاهر من هذه الرواية كون الحرمة ليست ذاتية و انما هي من جهة اللوازم. هذا، و لا يذهب عليك ان سوق كلام المصنف من قوله: «و في مستطرفات ...» ليس في مقام الاشكال و الجواب- كما سقنا الشرح- بل في مقام تأييد ما ذكره أولا، من عدم جواز بيع الميتة مطلقا، فكأنه قال: لا يجوز بيع الميتة، حتى في صورة الاشتباه بالمذكى، و حتى في صورة الانتفاع بها، و رواية جواز بيع المشتبه، كرواية جواز الإسراج، مطروحتان، او محمولتان على بعض المحامل.

(و) كيف كان (مع الاغماض عن المرجحات) لخبر المستطرف او المعارض له (يرجع الى عموم ما دل على المنع عن الانتفاع بالميتة مطلقا) كان فيها نفع أم لا. كخبر التحف و غيره (مع ان الصحيحة) للبزنطي

ص: 78

صريحة في المنع عن البيع، الا ان يحمل على إرادة البيع من غير الاعلام بالنجاسة.

«الثاني»- ان الميتة من غير ذي النفس السائلة يجوز المعاوضة عليها اذا كانت مما ينتفع بها،

او ببعض اجزائها كدهن السمك الميتة للاسراج و التدهين لوجود المقتضي و عدم المانع، لان أدلة عدم الانتفاع بالميتة مختصة بالنجسة و صرح بما ذكرنا جماعة. و الظاهر انه مما لا خلاف فيه.

______________________________

(صريحة في المنع عن البيع) فلا دليل على انه اذا جاز الانتفاع جاز البيع (الا ان يحمل) صحيح البزنطي (على إرادة البيع من غير الإعلام بالنجاسة) فيكون المنع عن البيع من جهة ايقاع الغير في الحرام، لا من جهة حرمة البيع بنفسه.

( «الثاني»-) من الفرعين (ان الميتة من غير ذي النفس السائلة يجوز المعاوضة عليها، اذا كانت مما ينتفع بها، او ببعض اجزائها) لشمول ادلة جواز البيع لها، و لا يشملها دليل المنع، اذ هو منحصر في النجس و فيما لا نفع له، و المفروض طهارتها و الانتفاع بها (كدهن السمك الميتة للاسراج و التدهين) و صنع الصابون و ما اشبه (لوجود المقتضي) للبيع و هو عمومات جواز البيع (و عدم المانع، لان أدلة عدم الانتفاع بالميتة مختصة بالنجسة) منها (و صرح بما ذكرنا جماعة. و الظاهر انه مما لا خلاف فيه) فما دل على ان ثمن الميتة سحت، منصرف عن ميتة الطاهر، او يراد به البيع لاجل الأكل، فيجوز بيع الميتة النجسة لغير الاكل كما احتملنا سابقا.

ص: 79

«السادسة»- يحرم التكسب بالكلب الهراش و الخنزير البريين اجماعا

على الظاهر المصرح به في المحكي عن جماعة، و كذلك اجزاؤهما.

«نعم» لو قلنا بجواز استعمال شعر الخنزير و جلده

______________________________

( «السادسة»-) من المسائل الثمان (يحرم التكسب بالكلب الهراش) الذي يتهارش مع امثاله، و لا نفع فيه (و الخنزير البريين) في مقابل الكلب و الخنزير البحريين (اجماعا، على الظاهر المصرح به في المحكي عن جماعة) و ذلك للنجاسة، و عدم الانتفاع، فيشملهما دليل حرمة المعاملة على شي ء من وجوه النجس. و ما دل على لزوم النفع المحلل المقصود في المثمن (و كذلك) يحرم التكسب ب (اجزائهما) كالعظم و ما اشبه.

و يدل على الحكم- بالإضافة الى المطلقات- خبر السكوني عن الصادق عليه السلام قال: «السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب». و خبر الجعفريات عن علي عليه السلام: «من السحت ثمن الكلب». و خبر معاوية عن الرضا عليه السلام، عن نصراني أسلم و عنده خمر و خنازير، و عليه دين هل يبيع خمره و خنازيره، فيقضي دينه؟ قال عليه السلام: «لا».

الى غيرها من الروايات. نعم كلب الماشية و نحوه مستثنى من هذا الحكم بالنص و الاجماع. كما ان الظاهر ان كلب الاجرام المتعارف في هذه الازمنة أيضا كذلك مستثنى من حكم مطلق الكلب، الوارد في الاحاديث المتقدمة.

( «نعم» لو قلنا بجواز استعمال شعر الخنزير و جلده) لما دل من النصوص على ذلك، كرواية زرارة عن الباقر عليه السلام قال: قلت له: ان رجلا من مواليك يعمل الحمائل بشعر الخنزير. قال عليه السلام

ص: 80

جاء فيه ما تقدم في جلد الميتة.

«السابعة»- يحرم التكسب بالخمر، و كل مسكر مائع، و الفقاع. اجماعا نصا و فتوى.

______________________________

«اذا فرغ فليغسل يده». و غيرها من سائر الروايات المذكورة في كتاب الاطعمة و الاشربة و غيره. (جاء فيه ما تقدم في جلد الميتة) من الاحتمالين احتمال الجواز للانتفاع. و احتمال المنع، لانه من وجوه النجس، و الاحاديث و ان كانت في شعر الخنزير و جلده، لكن لا يبعد تعديها الى الكلب، لفهم وحدة المناط. و اللّه العالم.

( «السابعة»-) من المسائل الثمان (يحرم التكسب بالخمر، و كل مسكر مائع) فان المسكر المائع نجس، فيشمله ما دل على حرمة المعاملة بالنجس. اما غير المائع من المسكر كالحشيشة، فان فرض لها منفعة محللة مقصودة كانت جائزة المعاملة، و الا لم تجز المعاملة عليها من جهة عدم النفع المدرج لها في قوله سبحانه «وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ».

(و الفقاع) الذي هو قسم من الخمر، و انما ذكر على حدة للنص به في الاخبار و ذلك لاستصغار الناس له. (اجماعا، نصا و فتوى). و لو قال نصا و فتوى اجماعا كان اوجه. و يدل على ذلك من النصوص الخاصة: خبر المدائني عن الصادق عليه السلام: «من اكل السحت ثمن الخمر». و خبر محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام أيضا: «ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال: ان الذي حرم شربها حرم ثمنها» و خبر القمي عن الباقر عليه السلام «حرم اللّه الخمر قليلها، و كثيرها، و بيعها، و شراءها

ص: 81

و في بعض الاخبار: يكون لي على الرجل دراهم، فيعطيني خمرا؟ قال عليه السلام: «خذها و افسدها». قال ابن ابي عمير: يعني اجعلها خلا و المراد به إما اخذ الخمر مجانا ثم تخليلها، او اخذها و تخليلها لصاحبها، ثم اخذ الخل وفاء عن الدراهم.

«الثامنة»- تحرم المعاوضة على الاعيان المتنجسة غير القابلة للطهارة

اذا توقف

______________________________

و الانتفاع بها» الى غير ذلك.

(و في بعض الاخبار)- و هو موثق ابن ابي عمير عن جميل عن الصادق عليه السلام- قال: (يكون لي على الرجل دراهم فيعطيني خمرا؟ قال عليه السلام: «خذها و افسدها». قال ابن ابي عمير: يعني اجعلها خلا. و) هذا الخبر لا يدل على جواز بيع الخمر، كما ربما يتوهم من ان معنى خذها بدل الدراهم هو بيع صاحب الخمر لها في مقابل دراهم الرجل التي بذمته اذ (المراد به اما اخذ الخمر مجانا ثم تخليلها) و اسقاط حقه عن صاحبها (او اخذها و تخليلها لصاحبها، ثم اخذ الخل وفاء عن الدراهم) و من الممكن ان يكون بيع الخمر محرما من جهة الشرب و نحوه، لا من جهة المنفعة المحللة المقصودة التي منها التخليل، فيكون الخبر تخصصا لا تخصيصا اما سائر المسكرات فالحكم فيها كالحكم في الخمر، لصدق الخمر عليها عرفا و شرعا، و ان كان لكل منهما اسم خاص.

( «الثامنة»-) من المسائل الثمان (تحرم المعاوضة على الاعيان المتنجسة غير القابلة للطهارة) كعصير التمر مثلا اذا تنجس (اذا توقف

ص: 82

منافعها المحللة المعتد بها على الطهارة، لما تقدم من النبوي: «ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه» و نحوه المتقدم عن دعائم الاسلام.

و اما التمسك بعموم قوله عليه السلام- في رواية تحف العقول- «او شي ء من وجوه النجس» ففيه نظر، لان الظاهر من «وجوه النجس» العنوانات النجسة، لان ظاهر «الوجه» هو «العنوان».

«نعم» يمكن الاستدلال على ذلك بالتعليل المذكور بعد ذلك و هو قوله عليه السلام: «لان ذلك كله محرم اكله و شربه و لبسه ..» الى آخر ما ذكر.

______________________________

منافعها المحللة المعتد بها على الطهارة) اما المنافع النادرة فلا توجب المالية المجوزة للبيع (لما تقدم من النبوي «ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه») فالعصير في المثال محرم فيحرم ثمنه (و نحوه) الخبر (المتقدم عن دعائم الاسلام).

(و اما التمسك) لحرمة المعاملة في المقام (بعموم قوله عليه السلام في رواية تحف العقول- «او شي ء من وجوه النجس» ففيه نظر. لان الظاهر من) لفظة ( «وجوه النجس»: العنوانات النجسة) كالخمر، و العذرة، و الدم، و ما اشبه (لان ظاهر «الوجه» هو «العنوان») فالمتنجس غير مشمول لهذه الرواية.

( «نعم» يمكن الاستدلال على ذلك) التحريم في المتنجس (بالتعليل المذكور) في رواية التحف (بعد ذلك) الكلام (و هو) اي التعليل (قوله عليه السلام «لان ذلك كله محرم اكله و شربه و لبسه .. الى آخر ما ذكر) فان العلة شاملة للمتنجس، و من المعلوم ان العلة تعمم و تخصص

ص: 83

«ثم» اعلم انه قيل بعدم جواز بيع المسوخ، من اجل نجاستها. و لما كان الاقوى طهارتها لم يحتج الى التكلم في جواز بيعها هنا. «نعم» لو قيل بحرمة البيع لا من حيث النجاسة، كان محل التعرض له: ما سيجي ء من ان «كل طاهر له منفعة محللة مقصودة يجوز بيعه». و سيجي ء ذلك في ذيل القسم الثاني

______________________________

لانها هي مدار الحكم عرفا،

«ثم» ان الاعيان المتنجسة القابلة للطهارة، او المتنجسة التي لا يتوقف الانتفاع بها على الطهارة، لا بأس بالمعاوضة عليها، لعدم الدليل على الحرمة و البطلان، فيشملها عموم «تجارة عن تراض» و «احل اللّه البيع» و ما اشبه. اما لو تعارف تبديل الاعيان النجسة الى الطاهرة، بالاستحالة، كالعذرة للإحراق و ما اشبه فهل يجوز بيعها أم لا؟ احتمالان. و ان قلنا:

ان حرمة بيع النجس لعدم الانتفاع، او لان الظاهر من ادلة الحرمة كونها لاجل الانتفاع المحرم، قوي جواز البيع، لاجل التبديل الى الطاهر الحلال.

( «ثم اعلم انه قيل بعدم جواز بيع المسوخ) كالقردة (من اجل نجاستها) فيشملها خبر تحف العقول و غيره (و لما كان الاقوى طهارتها) كما حقق في كتاب الطهارة- (لم يحتج الى التكلم في جواز بيعها هنا) في باب حرمة بيع الاعيان النجسة ( «نعم» لو قيل بحرمة البيع لا من حيث النجاسة) بل من حيث عدم النفع (كان محل التعرض له: ما سيجي ء من ان «كل طاهر له منفعة محللة مقصودة) للعقلاء بان لم تكن المنفعة نادرة (يجوز بيعه». و سيجي ء) الكلام في (ذلك في ذيل القسم الثاني

ص: 84

مما لا يجوز الاكتساب به لاجل عدم المنفعة فيه.

و اما المستثنى من الأعيان المتقدمة فهي أربعة، تذكر في مسائل اربع:
«الأولى»- يجوز بيع المملوك الكافر،

اصليا كان أم مرتدا مليا بلا خلاف ظاهر، بل ادعي عليه الاجماع، و ليس ببعيد كما يظهر للمتتبع في المواضع المناسبة لهذه المسألة، كاسترقاق الكفار، و شراء بعضهم من بعض. و بيع العبد الكافر اذا اسلم

______________________________

مما لا يجوز الاكتساب به لاجل عدم المنفعة فيه) و مثل الكلام في المسوخ الكلام في كل شي ء قيل بنجاسته و لم يتحقق ذلك كالحديد و ما اشبه.

هذا تمام الكلام في بيع الاعيان النجسة.

(و اما المستثنى من الاعيان المتقدمة) مما هي نجسة و مع ذلك يجوز بيعها (فهي أربعة، تذكر في مسائل اربع):

المسألة (الاولى-) في بيع المملوك الكافر (يجوز بيع المملوك الكافر، اصليا كان) الكافر كتابيا او غير كتابي (أم مرتدا مليا) بان دخل في ملة الاسلام بعد ان كان كافرا ثم ارتد، مقابل المرتد الفطري الذي انعقد و أحد ابويه مسلم، فجرت عليه فطرة الاسلام ثم ارتد (بلا خلاف ظاهر، بل ادعي عليه الاجماع، و ليس) الاجماع (ببعيد كما يظهر للمتتبع في المواضع المناسبة لهذه المسألة ك) مسألة (استرقاق الكفار) فانها تدل على التملك الموجب لصحة المعاملة، لشمول «تجارة عن تراض» و نحوه للمقام. و الكافر المرتد عن ملة داخل في العموم، فلا وجه لاستثنائه (و) مسألة (شراء بعضهم من بعض. و) مسألة (بيع العبد الكافر اذا اسلم

ص: 85

على مولاه الكافر. و عتق الكافرة و بيع المرتد. و ظهور كفر العبد المشترى على ظاهر الاسلام. و غير ذلك.

و كذا الفطري على الاقوى، بل الظاهر: انه لا خلاف فيه من هذه الجهة، و ان كان فيه كلام من حيث كونه في معرض التلف، لوجوب قتله و لم نجد من تأمل فيه من جهة نجاسته، عدا ما يظهر

______________________________

على مولاه الكافر. و) مسألة (عتق الكافرة) و من المعلوم انه «لا عتق الا في ملك» و اذا كان ملك شمله «احل اللّه البيع» و نحوه (و) مسألة (بيع) العبد (المرتد. و) مسألة (ظهور كفر العبد المشترى على ظاهر الاسلام) بان اشتراه المشتري ظانا انه مسلم فظهر انه كافر، هل له خيار الرد أم لا؟ (و غير ذلك) من المسائل المربوطة بالعبيد، الدالة على جواز بيعهم. بل و الاخبار الخاصة الكثيرة الدالة على اشتراء النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و الأئمة للعبيد الكافرين، كخبر ابراهيم بن عبد الحميد عن ابي الحسن عليه السلام في شراء الروميات، قال عليه السلام «اشترهن و بعهن» و غيره.

(و كذا) يجوز بيع العبد المرتد (الفطري، على الاقوى) لشمول العمومات له (بل الظاهر) من تتبع كلمات الفقهاء: (انه لا خلاف فيه من هذه الجهة) اي جهة كونه كافرا نجسا (و ان كان فيه كلام من حيث كونه في معرض التلف، لوجوب قتله) فكأنه ليس بمال، و ما ليس بمال لا يجوز بيعه، لان اكل الثمن في مقابله اكل للمال بالباطل. (و لم نجد من تأمل فيه) اي في بيع العبد الكافر (من جهة نجاسته، عدا ما يظهر

ص: 86

من بعض الأساطين في شرحه على القواعد، حيث احترز بقول العلامة:

«ما لا يقبل التطهير من النجاسات» عما يقبله و لو بالاسلام، كالمرتد، و لو عن فطرة، على اصح القولين. فبنى جواز بيع المرتد على قبول توبته، بل بنى جواز بيع مطلق الكافر على قبوله للطهر بالاسلام.

و انت خبير بان حكم الاصحاب بجواز بيع الكافر، نظير حكمهم بجواز بيع الكلب، لا من حيث قابليته للتطهير

______________________________

من بعض الأساطين)- و هو الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء- (في شرحه على القواعد، حيث احترز بقول العلامة: «ما لا يقبل التطهير من النجاسات» عما يقبله) اي يقبل التطهير (و لو بالاسلام، كالمرتد و لو عن فطرة على اصح القولين) من ان المرتد الفطري يقبل الطهارة اذا اسلم في قبال من يقول بانه لا يقبل الطهارة. (ف) قد (بنى) كاشف الغطاء (جواز بيع المرتد) الفطري (على قبول توبته) لان ظاهر كلامه: انه انما يجوز بيعه لقبول توبته الموجبة للطهارة، و المفهوم من ذلك: انه اذا قلنا بعدم قبول توبته لم يجز بيعه، لانه ليس بطاهر الآن و لا في معرض الطهارة. (بل بنى جواز بيع مطلق الكافر) و لو كان اصليا (على قبوله للطهارة بالاسلام) فالكافر- لو لا قبوله للطهر- لم يجز بيعه في نظر كاشف الغطاء.

(و انت خبير بان) هذا البناء منه- رحمه اللّه- في كمال الإشكال، لان (حكم الاصحاب بجواز بيع الكافر) تبعا للنص الخاص و الاطلاقات.

انما هو (نظير حكمهم بجواز بيع الكلب، لا من حيث قابليته للتطهير)

ص: 87

نظير الماء المتنجس. و ان اشتراطهم قبول التطهير انما هو فيما يتوقف الانتفاع به على طهارته ليتصف بالملكية. لا مثل الكلب و الكافر المملوكين مع النجاسة اجماعا.

و بالغ تلميذه في مفتاح الكرامة فقال: أما المرتد عن فطرة فالقول بجواز بيعه ضعيف جدا، لعدم قبول توبته. فلا يقبل التطهير

______________________________

بل من حيث ان العموم و النص الخاص دلا على جواز البيع، فليس (نظير الماء المتنجس) الذي يجوز بيعه لقابليته للتطهير بالاتصال بالعاصم (و) ب (ان اشتراطهم) اي الاصحاب (قبول التطهير) في بعض الاشياء في جواز بيعه (انما هو) اي هذا الاشتراط (فيما يتوقف الانتفاع به على طهارته) كالمتنجسات التي لا ينتفع بها في حال النجاسة، و انما يشترطون قبوله للطهارة (ليتصف بالملكية) اذ لو كان الشي ء نجسا غير قابل للتطهير و كان نفعه متوقفا على الطهارة لم يكن مالا، فلا يشمله عموم البيع، و انما يشمله عموم «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» (لا) ان اشتراطهم لقبول الطهارة في (مثل الكلب و الكافر المملوكين)- القيد بالملكية في قبال كلب الهراش و الكافر غير المملوك، فلا يجوز بيعهما، لعدم المالية- (مع النجاسة) قيد للملكية (اجماعا) اى انهما مملوكان اجماعا و ان كانا نجسين.

(و بالغ تلميذه) السيد العاملي (في مفتاح الكرامة فقال: أما المرتد عن فطرة فالقول بجواز بيعه ضعيف جدا، لعدم قبول توبته، فلا يقبل التطهير) فهو كأستاده يرى دوران جواز البيع مدار الطهارة الفعلية او

ص: 88

«ثم» ذكر جماعة ممن جوز بيعه- الى ان قال-: و لعل من جوز بيعه بنى على قبول توبته. انتهى. و تبعه على ذلك شيخنا المعاصر.

اقول: لا اشكال و لا خلاف في كون المملوك المرتد عن فطرة ملكا و مالا لمالكه، و يجوز له الانتفاع به بالاستخدام، ما لم يقتل. و انما استشكل من استشكل في جواز بيعه من حيث كونه في معرض القتل بل واجب الاتلاف شرعا.

فكأن الاجماع منعقد على عدم المنع من بيعه، من جهة عدم قابليته للطهارة بالتوبة.

______________________________

الممكنة. (ثم ذكر جماعة ممن جوز بيعه- الى ان قال-: و لعل من جوز بيعه بنى على قبول توبته) ليكون قابلا للطهارة (انتهى) كلامه رحمه اللّه- (و تبعه على ذلك شيخنا المعاصر) صاحب الجواهر قدس سره-.

(اقول: لا اشكال و لا خلاف في كون المملوك المرتد عن فطرة ملكا و مالا لمالكه، و يجوز له) اي لمالكه (الانتفاع به بالاستخدام، ما لم يقتل) فاذا قتل انتفى الموضوع (و انما استشكل من استشكل في جواز بيعه من حيث كونه في معرض القتل، بل واجب الاتلاف شرعا) فليس بمال حتى يقابل بالمال، و يكون اكل المال بإزائه اكلا للمال بالباطل.

لكن هذا الاشكال غير تام، لامكان ان لا يكون حاكم الشرع مبسوط اليد فلا يمكن اجراء الحد عليه، و وجوب الاتلاف شرعا لا يسقط ماليته العرفية التي هي الميزان لصحة المعاملة (فكأن الاجماع منعقد على عدم المنع من بيعه من جهة عدم قابليته للطهارة بالتوبة) و قوله: «من جهة» وجه

ص: 89

قال في الشرائع: و يصح رهن المرتد و ان كان عن فطرة.

و استشكل في المسالك من جهة وجوب اتلافه، و كونه في معرض التلف، ثم اختار الجواز لبقاء ماليته الى زمان القتل.

و قال في القواعد: و يصح رهن المرتد، و ان كان عن فطرة، على اشكال.

و ذكر في جامع المقاصد: ان منشأ الاشكال انه يجوز بيعه فيجوز رهنه بطريق اولى. و من ان مقصود البيع حاصل، و اما مقصود الرهن فقد لا يحصل

______________________________

قوله: «المنع».

و أليك جملة من عبائر الفقهاء الدالة على كون الكلام في بيعه من جهة وجوب قتله، لا من جهة عدم قابليته للطهارة:

(قال في الشرائع: و يصح رهن المرتد و ان كان عن فطرة).

(و استشكل) الشهيد الثاني (في المسالك من جهة وجوب اتلافه، و كونه في معرض التلف) و من المعلوم ان ما يلزم اتلافه لا يكون مالا.

(ثم اختار) الشهيد (الجواز) لبيعه (لبقاء ماليته الى زمان القتل) فهو مال يصح ان يقابل بالمال.

(و قال) العلامة (في القواعد: و يصح رهن المرتد و ان كان عن فطرة على اشكال) في صحة رهنه.

(و ذكر في جامع المقاصد: ان منشأ الإشكال) اما جواز رهنه فل (انه يجوز بيعه فيجوز رهنه بطريق اولى) لأن البيع دليل كونه مالا و كل مال يصح رهنه (و) اما عدم جواز رهنه ف (من) جهة (ان مقصود البيع حاصل، و اما مقصود الرهن فقد لا يحصل) اذ مقصود الإنسان بالبيع

ص: 90

بقتل الفطري حتما. و الآخر قد لا يتوب ثم اختار الجواز.

و قال في التذكرة: المرتد ان كان عن فطرة ففي جواز بيعه نظر، ينشأ من تضاد الحكمين و من بقاء الملك فان كسبه لمولاه.

اما عن غير فطرة فالوجه صحة بيعه، لعدم تحتم قتله ثم ذكر المحارب الذي لا يقبل توبته، لوقوعها بعد القدرة عليه.

و استدل على جواز بيعه بما يظهر منه جواز بيع المرتد

______________________________

انتقال المال إليه، و ذلك يحصل بمجرد البيع. و اما مقصوده بالرهن فكونه وثيقة، و هي قد تفوت في المرتد (ب) سبب (قتل) المرتد (الفطري حتما) لأنه محكوم عليه شرعا بالقتل (و) المرتد (الآخر) الذي هو الملي (قد لا يتوب) فيقتل، فتفوت وثيقة الرهن (ثم اختار) جامع المقاصد (الجواز).

(و قال) العلامة (في التذكرة: المرتد ان كان عن فطرة ففي جواز بيعه نظر، ينشأ من تضاد الحكمين) يعنى وجوب القتل و جواز البيع. فان وجوب القتل معناه انه لا مالية له، و جواز البيع معناه ان له مالية. (و من بقاء الملك) فتضاد الحكمين يقتضي عدم صحة بيعه، و بقاء الملك يقتضي صحة بيعه.

و استدل لبقاء الملك بقوله: (فان كسبه لمولاه) و لو لا الملك لم يكن وجه لكون كسبه لمولاه (اما) المرتد (عن غير فطرة) اي المرتد الملي (فالوجه صحة بيعه لعدم تحتم قتله) لامكان توبته (ثم ذكر) العلامة حكم بيع (المحارب الذي لا يقبل توبته لوقوعها) اي التوبة (بعد القدرة عليه) و انه هل يصح بيعه أم لا؟

(و استدل على جواز بيعه) اي المحارب (بما يظهر منه جواز بيع المرتد

ص: 91

عن فطرة، و جعله نظير المريض المأيوس عن برئه.

«نعم» منع في التحرير و الدروس عن بيع المرتد عن فطرة، و المحارب اذا وجب قتلة، للوجه المتقدم و عن التذكرة، بل في الدروس: ان بيع المرتد عن ملة أيضا مراعى بالتوبة.

و كيف كان- فالمتتبع يقطع بان اشتراط قابلية الطهارة انما هو فيما يتوقف الانتفاع المعتد به على طهارته و لذا

______________________________

عن فطرة، و) ذلك بان (جعله) اي المحارب (نظير المريض المأيوس عن برئه) فكما يجوز بيعه مع انه مشرف على التلف، كذلك يجوز بيع المحارب و المرتد عن فطرة، و ان اشرفا على التلف بجريان حكم القتل في حقهما.

(نعم منع) العلامة و الشهيد (في التحرير و الدروس عن بيع المرتد عن فطرة، و المحارب اذا وجب قتله) بان قبض عليه و لم يتب بعد (للوجه المتقدم) و هو تضاد الحكمين (و عن التذكرة بل في الدروس) أيضا (ان بيع المرتد عن ملة أيضا مراعى بالتوبة) فان تاب صح بيعه و الا لم يصح، لأنه ليس بمال حتى يبذل في مقابله المال، فيشمله قوله تعالى «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» و كلام التذكرة و الدروس يؤيد ما ذكره مفتاح الكرامة من المنع عنه.

(و كيف كان) الأمر سواء جاز بيع المرتد، أم لم يجز لأنه مشرف على التلف (فالمتتبع يقطع بان اشتراطه قابلية الطهارة) في المبيع (انما هو فيما يتوقف الانتفاع المعتد به على طهارته) لا انه يشترط الطهارة تعبدا (و لذا) اي للذي ذكرناه من عدم اشتراط الطهارة في العبد الكافر و المرتد

ص: 92

قسم في المبسوط المبيع الى آدمي و غيره، ثم اشترط الطهارة في غير الآدمي نعم استثنى الكلب الصيود.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 1، ص: 93

«الثانية»- يجوز المعاوضة على غير كلب الهراش في الجملة

، بلا خلاف ظاهر، الا ما عن ظاهر إطلاق العماني. و لعله- كاطلاق كثير من الاخبار بان «ثمن الكلب سحت»- محمول على الهراش، لتواتر الاخبار و استفاضة نقل الاجماع على جواز بيع ما عدا كلب الهراش في الجملة.

______________________________

(قسم) الشيخ (في المبسوط المبيع الى آدمي و غيره، ثم اشترط الطهارة في غير الآدمي) بمعنى انه لا يشترط الطهارة في الآدمي (نعم استثنى) الشيخ من شرط الطهارة في غير الآدمي (الكلب الصيود) بفتح الصاد و هو كلب الصيد.

( «الثانية»-) من المسائل الاربع المستثناة من اشتراط الطهارة في المبيع، الكلب في الجملة فانه يجوز بيعه و ان لم يكن طاهرا، فانه (يجوز المعاوضة على غير كلب الهراش) و هو الكلب الذي لا عمل له فيتهارش مع امثاله (في الجملة) لما سيأتي من الاختلاف في بعض أقسام الكلاب (بلا خلاف ظاهر الا ما عن ظاهر إطلاق العماني) ابن ابي عقيل فانه منع عن المعاوضة بالنسبة الى الكلب مطلقا (و لعله) اي العماني لم يرد مطلقا و انما اراد كلب الهراش (كاطلاق كثير من الاخبار بان «ثمن الكلب سحت») و هذا الاطلاق في الرواية (محمول على الهراش، لتواتر الاخبار و استفاضة نقل الاجماع على جواز بيع ما عدا كلب الهراش في الجملة) و ان كان اختلاف في بعض اقسام ما عدا الهراش، كما سيأتي.

ص: 93

«ثم» ان ما عدا كلب الهراش على اقسام: «احدها»- كلب الصيد السلوقي. و هو المتيقن من الأخبار و معاقد الاجماعات الدالة على الجواز.

«الثاني»- كلب الصيد غير السلوقي، و بيعه جائز على المعروف من غير ظاهر اطلاق المقنعة و النهاية.

و يدل عليه- قبل الاجماع المحكي عن الخلاف و المنتهى و الايضاح و غيرها الاخبار المستفيضة:

«منها»- قوله عليه السلام- في رواية القاسم بن الوليد-

______________________________

( «ثم» ان ما عدا كلب الهراش على اقسام «احدها» كلب الصيد السلوقي) نسبة الى «سلوق» لغلبة تعلم كلابها للصيد، فكلب الصيد غير السلوقي، و كلب سلوق غير الصائد محل اشكال او منع (و) استثناء هذا الكلب (هو المتيقن من الأخبار) الواردة في جواز بيع كلب الصيد (و معاقد الاجماعات الدالة على الجواز) لما سيأتي من ان المطلقات يقرب ان تقيد بالسلوقي لاحتمال الانصراف.

( «الثاني»-) من اقسام الكلب غير الهراش (كلب الصيد غير السلوقي، و بيعه جائز على المعروف من غير ظاهر اطلاق المقنعة) للمفيد (و النهاية).

(و يدل عليه) اي على جواز بيعه (قبل الاجماع المحكي عن الخلاف و المنتهى و الايضاح) و انما قال «قبل» لان الاخبار متقدمة على الاجماع زمانا و حجية (و غيرها) اي غير تلك الكتب (الاخبار المستفيضة):

( «منها» قوله عليه السلام- في رواية القاسم بن الوليد-

ص: 94

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد؟ قال:

«سحت، و اما الصيود فلا بأس به».

«و منها»- الصحيح عن ابن فضال عن ابي جميلة عن ليث قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكلب الصيود يباع؟ قال عليه السلام «نعم و يؤكل ثمنه».

«و منها»- رواية ابي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن كلب الصيد؟ قال: «لا بأس به و اما الآخر فلا يحل ثمنه».

«و منها»- ما عن دعائم الاسلام للقاضي نعمان المصري عن امير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «لا بأس بثمن كلب الصيد».

______________________________

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد؟

قال: «سحت و اما الصيود فلا بأس به»). صيود كصبور: صيغة مبالغة او صفة مشبهة.

( «و منها»- الصحيح عن ابن فضال عن ابي جميلة عن ليث قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكلب الصيود) هل (يباع؟ قال عليه السلام «نعم) اي يباع (و يؤكل ثمنه») و هذا تأكيد لجواز البيع اذ لو لم يجز البيع كان اكل الثمن بالباطل.

( «و منها» رواية ابي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن كلب الصيد؟ قال: «لا بأس به و اما الآخر) اي الكلب الاخر الذي لا يصيد (فلا يحل ثمنه»).

( «و منها»- ما عن دعائم الاسلام للقاضي نعمان المصري عن امير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «لا بأس بثمن كلب الصيد».

ص: 95

«و منها»- مفهوم رواية ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله و سلم-: «ثمن الخمر و مهر البغي، و ثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت».

«و منها»- مفهوم رواية عبد الرحمن بن ابي عبد اللّه عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: «ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت، و لا بأس بثمن الهرة».

«و مرسلة الصدوق» رحمه اللّه- و فيها: «ثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت».

«ثم» ان دعوى انصراف هذه الاخبار- كمعاقد الاجماعات المتقدمة- الى السلوقي

______________________________

( «و منها»- مفهوم رواية ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال:

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: «ثمن الخمر و مهر البغي) اي الزانية (و ثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت») فان مفهومه جواز ثمن الكلب الذي يصطاد.

( «و منها»- مفهوم رواية عبد الرحمن بن ابي عبد اللّه عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: «ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت و لا بأس بثمن الهرة») فان مفهومه جواز ثمن الكلب الذي يصيد.

(و مرسلة «الصدوق» رحمه اللّه- و فيها: «ثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت») الى غيرها من الروايات.

(ثم ان دعوى انصراف هذه الاخبار) المطلقة في مطلق كلب الصيد (ك) انصراف (معاقد الاجماعات المتقدمة إلى السلوقي) من كلب الصيد

ص: 96

ضعيفة، لمنع الانصراف، لعدم الغلبة المعتد بها على فرض تسليم كون مجرد غلبة الوجود من دون غلبة الاستعمال منشأ للانصراف.

مع انه لا يصح في مثل قوله: «ثمن الكلب الذي لا يصيد» او «ليس بكلب الصيد»

______________________________

خاصة (ضعيفة، لمنع الانصراف) المذكور (لعدم الغلبة) في الوجود (المعتد بها) في الانصراف (على فرض تسليم كون مجرد غلبة الوجود من دون غلبة الاستعمال منشأ للانصراف).

و الحاصل: ان الانصراف قد ينشأ من أنس اللفظ بالمعنى، حتى اذا اطلق اللفظ ينسبق ذلك المعنى الى الذهن، فلا يكون اللفظ الا ظاهرا في ذلك المعنى، و هذا هو الانصراف الذي يعتمد عليه. و قد ينشأ من غلبة استعمال اللفظ في المعنى، و قد ينشأ من غلبة بعض افراد المعنى. و ليس السلوقي اكثر افراد كلب الصيد، و لا ان استعماله في السلوقي اكثر من استعماله في غيره. فانا لو فرضنا ان الغالب في كلاب الصيد السلوقية كان لمدعى الانصراف وجه معتد به، اما و ليس الغالب السلوقية فلا وجه للانصراف، اذ لا غلبة للاستعمال، و لا غلبة للوجود، فمن أين جاء الانصراف؟!.

(مع انه) لو سلم الانصراف في المنطوقات عن «ثمن كلب الصيد» فانه لا يسلم الانصراف في المفهومات ف (لا يصح) الانصراف (في مثل قوله: «ثمن الكلب الذي لا يصيد» او) قوله عليه السلام: «ثمن الكلب الذي (ليس بكلب الصيد») مما يفهم منه حكم كلب الصيد

ص: 97

لأن مرجع التقييد الى إرادة ما يصح عنه سلب صفة الاصطياد.

و كيف كان فلا مجال لدعوى الانصراف بل يمكن ان يكون مراد المقنعة و النهاية من السلوقي مطلق الصيود، على ما شهد به بعض الفحول من اطلاقه عليه أحيانا.

و يؤيد بما عن المنتهى حيث انه بعد ما

______________________________

بالمفهوم (لأن مرجع التقييد) في الروايتين، اي تقييد «الكلب» بوصف انه «لا يصيد» (الى إرادة ما) اي الكلب الذي (يصح عنه سلب صفة الاصطياد). و من المعلوم: ان «كلاب الصيد غير السلوقية» لا يصح ان يسلب عنها صفة الاصطياد.

و الحاصل: ان الروايتين قسمتا الكلب الى قسمين: «ما يتصف بالاصطياد» و «ما يتصف بانه لا يصطاد» و من المعلوم ان كل «كلب صيد- و لو كان غير سلوقي-» داخل في القسم الأول. فالممنوع عنه هو القسم الثاني فقط.

(و كيف كان) الأمر، سواء قلنا باستفادة الاطلاق من جميع الروايات او من هاتين الروايتين فقط (فلا مجال لدعوى الانصراف) الى خصوص السلوقي (بل يمكن ان يكون مراد المقنعة و النهاية من السلوقي) الذي خصصنا جواز المعاملة به (مطلق الصيود، على ما شهد به) اي بانهما ارادا الاطلاق من لفظ «السلوقي» (بعض الفحول من اطلاقه) اي السلوقي (عليه) اي على مطلق الصيود (أحيانا) من ذكر الخاص و إرادة العام.

(و يؤيد) كلام بعض الفحول (بما عن المنتهى، حيث انه بعد ما

ص: 98

حكى التخصيص بالسلوقي عن الشيخين قال: و عنى بالسلوقي كلب الصيد لأن «سلوق» قرية باليمن، اكثر كلابها معلمة فنسب الكلب إليها.

و ان كان هذا الكلام من المنتهى يحتمل لأن يكون مسوقا لاخراج غير كلب الصيد من الكلاب السلوقية، و ان المراد بالسلوقي خصوص الصيود لا كل سلوقي لكن الوجه الأول اظهر فتدبر.

«الثالث» كلب الماشية و الحائط- و هو البستان- و الزرع.

______________________________

حكى التخصيص) للجواز (بالسلوقي عن الشيخين) متعلق ب «حكى» (قال) اي العلامة: (و عنى بالسلوقي كلب الصيد) ففسر السلوقي بمطلق كلب الصيد (لأن «سلوق» قرية باليمن، اكثر كلابها معلمة) للاصطياد (فنسب الكلب) المعلم (إليها. و ان كان هذا الكلام من المنتهى يحتمل) وجها اخر، فليس مراده اطلاق السلوقي على كل كلب معلم، بل يحتمل (لأن يكون) كلامه (مسوقا لاخراج غير كلب الصيد من الكلاب السلوقية، و ان المراد بالسلوقي خصوص الصيود) من كلاب «سلوق» (لا كل سلوقي) و لو لم يكن صيودا (لكن الوجه الأول) بان اراد العلامة اطلاق «السلوقي» على كل كلب صيود (اظهر) من الوجه الثاني (فتدبر) حتى تعرف انه لا وجه للاستظهار المذكور، بعد احتمال حمل اللفظ على كل واحد من المعنيين.

( «الثالث»)- من اقسام الكلب غير الهراش (كلب الماشية) اي قطيع الغنم (و) كلب (الحائط- و هو البستان- و) كلب (الزرع) كالحنطة و الشعير و ما اشبه.

ص: 99

و الاشهر بين القدماء- على ما قيل- المنع. و لعله استظهر ذلك من الاخبار الحاصرة لما يجوز بيعه في الصيود المشتهرة بين المحدثين، كالكليني و الصدوقين، و من تقدمهم. بل و اهل الفتوى، كالمفيد، و القاضي، و ابن زهرة، و ابن سعيد، و المختلف. بل ظاهر الخلاف و الغنية الاجماع عليه.

نعم المشهور بين الشيخ و من تأخر عنه الجواز وفاقا للمحكي عن ابن الجنيد، حيث قال: لا بأس بشراء الكلب الصائد و الحارس للماشية و الزرع ثم قال لا خير في الكلب فيما عدا الصيود و الحارس. و ظاهر الفقرة الاخيرة

______________________________

(و الاشهر بين القدماء- على ما قيل- المنع) عن بيع هذه الكلاب (و لعله استظهر ذلك) المنع عن بيع هذه الكلاب (من الاخبار الحاصرة لما يجوز بيعه في) الكلب (الصيود) فلا يجوز ما عداه، لما دل على ان «ثمن الكلب سحت» (المشتهرة) تلك الاخبار الحاصرة (بين المحدثين، كالكليني، و الصدوقين، و من تقدمهم. بل و) بين (اهل الفتوى، كالمفيد، و القاضي، و ابن زهرة، و ابن سعيد، و المختلف. بل ظاهر الخلاف و الغنية الاجماع عليه) اي على المنع عن بيع ما عدا كلب الصيد.

(نعم المشهور بين الشيخ و من تأخر عنه الجواز) لبيعه (وفاقا للمحكي عن ابن الجنيد، حيث قال: لا بأس بشراء الكلب الصائد و الحارس للماشية و الزرع. ثم قال) ابن الجنيد: (لا خير في الكلب فيما عدا الصيود و الحارس. و ظاهر الفقرة الاخيرة) و هو قوله: «و الحارس» مطلقا بلا

ص: 100

- لو لم تحمل على الأولى-: جواز بيع الكلاب الثلاثة و غيرها كحارس الدور و الخيام.

و حكي الجواز أيضا عن الشيخ، و القاضي في كتاب الاجارة، و عن سلار، و ابي الصلاح، و ابن حمزة، و ابن ادريس، و اكثر المتاخرين، كالعلامة، و ولده السعيد، و الشهيدين، و المحقق الثاني و ابن القطان في المعالم و الصيمري، و ابن فهد، و غيرهم من متأخري المتأخرين.

عدا قليل وافق المحقق كالسبزواري، و التقي المجلسي، و صاحب

______________________________

قيد (لو لم تحمل على) الفقرة (الأولى جواز بيع الكلاب الثلاثة و غيرها كحارس الدور و الخيام) لأنه قد اطلق لفظ «الحارس». اللهم الا ان يقال: ان اللام للعهد الذكري، فالمراد بالحارس حارس الماشية و الزرع فقط.

(و حكي الجواز) لبيع كلب غير الصيد من الكلاب المذكورة (أيضا عن الشيخ، و القاضي في كتاب الاجارة، و عن سلار، و ابي الصلاح، و ابن حمزة، و ابن ادريس، و اكثر المتأخرين، كالعلامة، و ولده السعيد، و الشهيدين، و المحقق الثاني) صاحب جامع المقاصد، (و ابن القطان) الشيخ شمس الدين الحلي يروى عن الفاضل المقداد (في) كتابه (المعالم) و اسم الكتاب معالم الدين في فقه آل يس، (و الصيمري، و ابن فهد، و غيرهم من متأخري المتأخرين).

(عدا قليل) من المتأخرين (وافق المحقق) في عدم الجواز لغير الصائد (كالسبزواري) صاحب الكفاية، (و التقي المجلسي، و صاحب

ص: 101

الحدائق، و العلامة الطباطبائي في مصابيحه، و فقيه عصره في شرح القواعد و هو الاوفق بالعمومات المتقدمة المانعة اذ لم نجد مخصصا لها سوى. ما ارسله في المبسوط من «انه روى ذلك- يعني جواز البيع- في كلب الماشية و الحائط». المنجبر قصور سنده و دلالته- لكون المنقول مضمون الرواية لا معناها و لا ترجمتها-.

______________________________

الحدائق، و العلامة الطباطبائي في مصابيحه، و فقيه عصره) صاحب كشف الغطاء (في شرح القواعد. و هو) اي المنع (الاوفق بالعمومات المتقدمة المانعة) عن بيع الكلب (اذ لم نجد مخصصا لها) اي لتلك العمومات (سوى) امور خمسة:

الأول:- المناط.

و الثاني: خبر تحف العقول «و كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات» و من المعلوم وجود الصلاح في هذه الكلاب.

و الثالث-: (ما ارسله) الشيخ (في المبسوط من «انه روى ذلك يعني جواز البيع- في كلب الماشية و الحائط». المنجبر قصور سنده)- لكونه مرسلة- (و) قصور (دلالته- لكون المنقول مضمون الرواية لا معناها و لا ترجمتها-) فمن المحتمل ان كانت الرواية بحيث لا يفهم منها جواز البيع، بل جواز الانتفاع و ما اشبه، و من المعلوم ان فهم الفقيه ليس بحجة و الا لزم حجية الافهام المتناقضة للفقهاء.

و الفرق بين المعنى و الترجمة: ان الأول: هو الاتيان بخلاصة المستفاد من اللفظ بنفس اللغة. و الثاني: الاتيان بالمعنى تحت اللفظي جملة جملة في لغة اخرى

ص: 102

باشتهاره بين المتأخرين.

بل ظهور الاتفاق المستفاد من قول الشيخ- في كتاب الاجارة-:

ان احدا لم يفرق بين بيع هذه الكلاب و اجارتها بعد ملاحظة الاتفاق على صحة اجارتها و من قوله في التذكرة: يجوز بيع هذه الكلاب عندنا و من

______________________________

(باشتهاره) اي «الجواز» و الظرف متعلق بقوله: «المنجبر» (بين المتأخرين) من الفقهاء فيشمله قوله عليه السلام «خذ بما اشتهر بين اصحابك» للتعليل المذكور و هو قوله عليه السلام «فان المجمع عليه لا ريب فيه».

و قد روى في المستدرك عن غوالي اللئالي في حديث عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم «استثنى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم كلاب الصيد، و كلاب الماشية، و كلاب الحرث، و اذن في اتخاذها» و عن تفسير ابي الفتوح عن ابي رافع عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم في حديث «انه رخص في اقتناء كلب الصيد، و كل كلب فيه منفعة مثل كلب الماشية، و كلب الحائط، و الزرع. رخصهم في اقتنائه».

و الرابع-: (بل ظهور الاتفاق المستفاد من قول الشيخ- في كتاب الاجارة-: ان احدا لم يفرق بين بيع هذه الكلاب و اجارتها) فان هذه الدعوى (بعد ملاحظة الاتفاق على صحة اجارتها) تفيد الاتفاق على صحة البيع، بقياس المساواة (و) ظهور الاتفاق المستفاد (من) العلامة رحمه اللّه- من (قوله في التذكرة: يجوز بيع هذه الكلاب عندنا) فان معنى «عندنا»: الاجماع عليه (و) ظهور الاتفاق المستفاد (من

ص: 103

المحكي عن الشهيد في الحواشي: ان احدا لم يفرق بين الكلاب الاربعة.

فتكون هذه الدعاوي قرينة على حمل كلام من اقتصر على كلب الصيد، على المثال لمطلق ما ينتفع به منفعة محللة مقصودة.

كما يظهر ذلك من عبارة ابن زهرة في الغنية، حيث اعتبر أولا في المبيع ان يكون مما ينتفع به منفعة محللة مقصودة ثم قال: و احترزنا بقولنا «ينتفع به منفعة محللة» عما يحرم الانتفاع به، و يدخل في ذلك النجس الا ما خرج بالدليل من الكلب المعلم للصيد، و الزيت النجس لفائدة

______________________________

المحكي عن الشهيد في الحواشي: ان احدا لم يفرق بين الكلاب الاربعة):

الصيد و الماشية و الحائط و الزرع.

(ف) ان قلت: كيف و قد نقلتم قبل ذلك مخالفة جماعة من الفقهاء؟

قلت: (يكون هذه الدعاوي) للاتفاق في كلام الشيخ، و العلامة و الشهيد (قرينة على حمل كلام من اقتصر على كلب الصيد، على المثال لمطلق ما ينتفع به منفعة محللة مقصودة) و ان كان غير كلب الصيد. و على هذا فيشمل كل كلب نافع، ككلب الخيام، و الدار، و الدائرة، و كلب الاجرام، و سائر الكلاب النافعة.

(كما يظهر ذلك) اي كون ذكر كلب الصيد للمثال (من عبارة ابن زهرة في الغنية، حيث اعتبر أولا في المبيع ان يكون مما ينتفع به منفعة محللة مقصودة ثم قال) ابن زهرة: (و احترزنا بقولنا «ينتفع به منفعة محللة» عما يحرم الانتفاع به، و يدخل في ذلك) المحرم الانتفاع (النجس الا ما خرج بالدليل من الكلب المعلم للصيد، و الزيت النجس لفائدة

ص: 104

الاستصباح تحت السماء.

و من المعلوم- بالاجماع و السيرة- جواز الانتفاع بهذه الكلاب منفعة محللة مقصودة اهم من منفعة الصيد، فيجوز بيعها لوجود القيد الذي اعتبره فيها.

و ان المنع من بيع النجس منوط بحرمة الانتفاع فينتفي بانتفائها.

و يؤيد ذلك كله: ما في التذكرة من ان المقتضي لجواز بيع كلب الصيد- اعني المنفعة- موجود في هذه الكلاب.

و عنه- رحمه اللّه- في موضع آخر

______________________________

الاستصباح تحت السماء) انتهى كلام ابن زهرة.

(و من المعلوم- بالاجماع و السيرة- جواز الانتفاع بهذه الكلاب منفعة محللة مقصودة اهم من منفعة الصيد) لان الحفظ و الحراسة و ما اشبه الكثير الابتلاء، اهم من منفعة صيد الغزال و نحوه لجماعة من الملوك و المترفين و من اشبههم (فيجوز بيعها) اي هذه الكلاب (لوجود القيد الذي اعتبره) ابن زهرة و القيد هو الانتفاع (فيها) اي في هذه الكلاب الثلاثة.

(و) يظهر من كلامه- رحمه اللّه- (أن المنع من بيع النجس منوط بحرمة الانتفاع فينتفي) المنع (بانتفائها) اي بانتفاء حرمة الانتفاع.

(و يؤيد ذلك) الذي ذكرناه من جواز بيع هذه الكلاب (كله:

ما في التذكرة من ان المقتضي لجواز بيع كلب الصيد- اعني المنفعة- موجود في هذه الكلاب) فقد فهم العلامة من «كلب الصيد» المثال، لا الخصوصية.

(و عنه) اي عن العلامة (- رحمه اللّه- في موضع آخر) الاستدلال

ص: 105

ان تقدير الدية لها تدل على مقابلتها بالمال و ان ضعف الاول برجوعه الى القياس و الثاني بان الدية لو لم تدل على عدم التملك، و الا لكان الواجب القيمة كائنة ما كانت لم تدل على التملك لاحتمال كون الدية من باب تعيين غرامة معينة لتفويت شي ء ينتفع به، لا لاتلاف مال كما في اتلاف الحر.

______________________________

بدليل آخر هو «خامس الادلة»- التي اشرنا إليها في صدر المبحث- و هو: (ان تقدير الدية لها تدل على مقابلتها بالمال) اذ لو لا كونها مالا لم تكن لها دية، فالدية تدل على المالية، و المالية توجب جواز البيع.

(و ان ضعف الاول) اي كون المقتضي موجودا في هذه الكلاب (برجوعه الى القياس) لقياس الكلاب الثلاثة بكلب الصيد، و لكن الانصاف انه من باب كشف المناط القطعي، لا القياس (و) ضعف (الثاني) اي انكشاف جواز البيع من جعل الدية لهذه الكلاب (بان الدية لو لم تدل على عدم التملك) فلا يصح بيعه، لأنه ليس بملك (و الا) فلو كان ملكا (لكان الواجب) جعل (القيمة) على من اتلف الكلب (كائنة ما كانت) القيمة، سواء كانت اكثر من الدية أم مساوية أم اقل (لم تدل) الدية- و هذا مربوط بقوله: «لو لم تدل» (على التملك) لهذه الكلاب (لاحتمال كون الدية من باب تعيين غرامة معينة لتفويت شي ء ينتفع به، لا) ان الدية انما هي (لاتلاف مال) حتى يستدل بالدية على كون الكلب مالا، ليصح بيعه (كما في اتلاف الحر) فان الدية انما هي للجناية، لا لان الحر مال.

ص: 106

و نحوهما في الضعف دعوى انجبار المرسلة بدعوى الاتفاق المتقدم عن الشيخ، و العلامة، و الشهيد- قدس سرهم- لوهنها- بعد الاغماض عن معارضتها بظاهر عبارتي الخلاف و الغنية، من الاجماع على عدم جواز بيع غير المعلم من الكلاب- بوجدان الخلاف العظيم من اهل الرواية و الفتوى.

نعم لو ادعي الاجماع امكن منع وهنها بمجرد الخلاف و لو من الكثير بناء على ما سلكه بعض متأخري المتأخرين في الاجماع، من كونه منوطا بحصول الكشف

______________________________

(و نحوهما) اي نحو دليلي العلامة: اي المناط و الدية (في الضعف دعوى انجبار المرسلة) اي مرسلة المبسوط (بدعوى الاتفاق المتقدم عن الشيخ، و العلامة، و الشهيد- قدس سرهم- لوهنها) اي ضعف دعوى الاتفاق (- بعد الاغماض عن معارضتها بظاهر عبارتي الخلاف و الغنية، من الاجماع على عدم جواز بيع غير المعلم من الكلاب-) فكيف يمكن دعوى الاجماع على الجواز بعد الاجماع على عدم الجواز (بوجدان الخلاف العظيم من اهل الرواية و الفتوى) كما تقدمت الاشارة الى ذلك. و قوله «بوجدان» متعلق بقوله «لوهنها».

(نعم لو ادعي الاجماع) على الجواز لم يكن مخالفة كثير من الفقهاء موهنة للاجماع، و هذا بخلاف دعوى «الاتفاق» فان مخالفة جماعة، تدل على انه لا اتفاق في المقام، و ذلك لانه لو ادعي الاجماع (امكن منع وهنها) اي وهن دعوى الاجماع (بمجرد الخلاف) فيقال: وجود الخلاف لا يوهن دعوى الاجماع (و لو من الكثير) من الفقهاء (بناء على ما سلكه بعض متأخري المتأخرين في الاجماع، من كونه منوطا بحصول الكشف) عن

ص: 107

من اتفاق جماعة و لو خالفهم اكثر منهم.

مع ان دعوى الاجماع ممن لم يصطلح الاجماع على مثل هذا الاتفاق لا يعبأ بها عند وجدان الخلاف.

و اما شهرة الفتوى بين المتأخرين فلا تجبر الرواية خصوصا

______________________________

رأي المعصوم عليه السلام (من اتفاق جماعة و لو خالفهم اكثر منهم) اما دعوى الاتفاق فيوهنها و لو مخالفة جزئية، اذن فلا اتفاق في المسألة على جواز بيع الكلاب الثلاثة.

(مع ان دعوى الاجماع ممن لم يصطلح الاجماع على مثل هذا الاتفاق) الذي يخالفه جماعة كثيرة (لا يعبأ بها) اي بدعوى الاجماع (عند وجدان الخلاف).

و الحاصل: ان دعوى الشيخ و العلامة و الشهيد الاتفاق على جواز البيع يرد عليه: أولا- انه لا اتفاق. و ثانيا- سلمنا ان مرادهم الاجماع- من لفظة الاتفاق- لكن الاجماع الذي يخالفه كثير ليس لديهم حجة، و انما مثل هذا الاجماع حجة عند من يرى الكشف، و هؤلاء المشايخ الثلاثة رحمهم اللّه- لا يرون الكشف.

(و) ان قلت: سلمنا عدم الاتفاق و عدم الاجماع، و لكن المشهور بين المتأخرين جواز بيع الكلاب المذكورة. و بهذه الشهرة تنجبر مرسلة المبسوط!

قلت: (اما شهرة الفتوى بين المتأخرين فلا تجبر الرواية خصوصا

ص: 108

مع مخالفة كثير من القدماء و مع كثرة العمومات الواردة في مقام الحاجة و خلو كتب الرواية المشهورة عنها حتى ان الشيخ لم يذكرها في جامعيه.

و اما حمل كلمات القدماء على المثال ففي غاية البعد.

و اما كلام ابن زهرة المتقدم فهو مختل على كل حال

______________________________

مع مخالفة كثير من القدماء) فان الشهرة انما تكون جابرة اذا كانت بين القدماء. و هي انما تكون جابرة اذا كشفت عن حجية السند و المقام ليس كذلك، اذ أوّلا- الشهرة حاصلة بين المتأخرين. و ثانيا- مع مخالفة كثير من القدماء لا تكشف الشهرة عن حجية السند، اذ لو كان السند حجة لم يخالف الرواية اولئك الكثرة من الذين افتوا بالحرمة (و) على هذا فالمرسلة ليست بحجة خصوصا (مع كثرة العمومات) الناهية عن بيع الكلاب (الواردة في مقام الحاجة) بدون اشارة الى استثناء للكلاب الثلاثة (و) خصوصا مع (خلو كتب الرواية المشهورة عنها) اي عن هذه المرسلة (حتى ان الشيخ) المرسل لها في المبسوط (لم يذكرها) اي المرسلة (في جامعيه) للاخبار اي التهذيب و الاستبصار.

(و اما حمل كلمات القدماء) في استثنائهم كلب الصيد (على المثال) حتى يقال بانها لا تضر بالشهرة (ففي غاية البعد) اذ بناء الفقهاء على ذكر الجزئيات، فكيف يستثنون عن الكلب المحرم البيع كلب الصيد فقط دون غيره؟

(و اما كلام ابن زهرة المتقدم) الذي استشهد به على انه اراد من «كلب الصيد» المثال، لا الخصوصية (فهو مختل على كل حال) سواء

ص: 109

لانه استثنى الكلب المعلم عما يحرم الانتفاع به، مع ان الاجماع على جواز الانتفاع بالكافر. فحمل كلب الصيد على المثال لا يصحح كلامه.

الا ان يريد كونه مثالا و لو للكافر أيضا كما ان استثناء الزيت من باب المثال لسائر الادهان المتنجسة.

______________________________

كان مراده بكلب الصيد خصوص الصيود، او الاعم منه و من الكلاب المعلمة- بان يكون قصده المثال- و ذلك لأنه- رحمه اللّه- منع الانتفاع بالنجس، و استثنى: الصيود فقط، مع ان «العبد الكافر» أيضا مستثنى اللهم الا ان يقال: ان مراده بكلب الصيد اعم من العبد الكافر أيضا، و الى هذا اشار المصنف بقوله: (لانه استثنى الكلب المعلم عما يحرم الانتفاع به) لكونه نجسا، و معناه: عدم جواز الانتفاع بالعبد الكافر أيضا لانه نجس (مع ان الاجماع) اي مع تحقق الاجماع (على جواز الانتفاع بالكافر) و لو قال المصنف «مع وجود الاجماع .. الخ» كان الكلام اقرب الى الفهم. و على كل حال (فحمل كلب الصيد) في كلام ابن زهرة (على المثال) ليشمل الكلاب الثلاثة (لا يصحح كلامه) اذ فيه يبقى نقص آخر، و هو عدم استثناء العبد الكافر، مع أنه مستثنى اجماعا.

(الا ان يريد) ابن زهرة (كونه) اي الكلب المعلم (مثالا و لو للكافر أيضا) و هذا بعيد جدا (كما ان استثناء الزيت من باب المثال لسائر الادهان المتنجسة) هذا تمثيل لارادة ابن زهرة من «المعلم» المثال، حتى بالنسبة الى الكافر، فان الكلب و الكافر من قبيل الزيت و سائر الادهان، فكما ان استثناء الزيت معناه الاعم من سائر الادهان المتنجسة، كذلك

ص: 110

هذا و لكن الحاصل ممن شهرة الجواز بين المتأخرين بضميمة أمارات الملك في هذه الكلاب يوجب الظن بالجواز حتى في غير هذه الكلاب مثل كلاب الدور و الخيام، فالمسألة لا تخلو عن اشكال و ان كان الاقوى بحسب الادلة و الاحوط في العمل هو المنع. فافهم.

«الثالثة»- الاقوى جواز المعاوضة على العصير العنبي اذا غلا و لم يذهب ثلثاه و ان كان نجسا

______________________________

استثناء الكلب المعلم معناه الاعم منه و من الكلاب الثلاثة و من الكافر.

(هذا) تمام الكلام في وجه عدم استثناء الثلاثة (و لكن الحاصل من شهرة الجواز بين المتأخرين) لبيع الكلاب الثلاثة (بضميمة أمارات الملك في هذه الكلاب) كالدية، و حق الاختصاص، و الانتفاع الذي هو معيار الملك، و ما اشبه (يوجب الظن بالجواز) للمعاملة (حتى في غير هذه الكلاب) الثلاثة (مثل كلاب الدور، و الخيام) و الاجرام. و على كل حال (فالمسألة لا تخلو عن اشكال) لما عرفت (و ان كان الاقوى بحسب الادلة) المتقدمة (و الاحوط في العمل) من باب «اخوك دينك فاحتط لدينك» (هو المنع) عن بيع هذه الكلاب (فافهم) لان الجواز قريب جدا، بعد اختلاف القدماء، و ذهاب المشهور من المتأخرين، و وجود رواية التحف، و المرسلة، و المناط. و اللّه العالم.

( «الثالثة»-) من المسائل الاربع المستثناة من بيع الاعيان النجسة (الاقوى جواز المعاوضة على العصير العنبي اذا غلا و لم يذهب ثلثاه) اما بعد ذهاب الثلثين فطاهر حلال (و ان كان نجسا) على خلاف في ذلك،

ص: 111

لعمومات البيع و التجارة الصادقة عليها بناء على انه مال قابل للانتفاع به بعد طهارته بالنقص، لأصالة بقاء ماليته و عدم خروجه عنها بالنجاسة.

غاية الامر انه مال معيوب قابل لزوال عيبه و لذا لو غصب عصيرا فأغلاه حتى حرم و نجس لم يكن في حكم التالف بل وجب عليه رده

______________________________

فمنهم من يقول بالحرمة فقط، و منهم من يقول بالحرمة و النجاسة، و انما تجوز المعاوضة عليه (لعمومات البيع و التجارة) كقوله سبحانه «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» و قوله تعالى «تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ» (الصادقة) تلك العمومات (عليها) اي على معاوضة العصير و ان غلا و لم يذهب ثلثاه (بناء على انه) اي العصير (مال قابل للانتفاع به بعد طهارته بالنقص) اي بنقص ثلثيه.

نعم لو قلنا: انه بالنجاسة يخرج عن المالية، و انما يرجع إليها بعد ذهاب الثلثين، لم يجز بيعه، اذ لا بيع إلا في ملك. و انما نقول بانه مال قبل ذهاب الثلثين (لاصالة بقاء ماليته و عدم خروجه عنها) اي عن المالية (بالنجاسة) الطارئة.

(غاية الامر انه مال معيوب) لكونه نجسا (قابل لزوال عيبه) لانه قابل للطهارة (و لذا) الذي ذكرنا من انه يبقى على ماليته بعد النجاسة (لو غصب عصيرا فأغلاه حتى حرم و نجس) و لم يذهب ثلثاه (لم يكن في حكم التالف) و لو سقط عن المالية كان اللازم القول برد بدله (بل وجب عليه) اي على الغاصب (رده) بنفسه لانه عين مال المغصوب منه

ص: 112

و وجب عليه غرامة الثلثين و اجرة العمل فيه حتى يذهب الثلثان، كما صرح به في التذكرة معللا لغرامة الاجرة بانه رده معيبا و يحتاج زوال العيب الى خسارة، و العيب من فعله فكانت الخسارة عليه.

نعم ناقشه في جامع المقاصد في الفرق بين هذا و بين ما لو غصبه عصيرا فصار خمرا، حيث حكم فيه بوجوب غرامة مثل العصير، لان المالية قد فاتت تحت يده فكان عليه ضمانها كما لو تلفت.

لكن لا يخفى

______________________________

(و وجب عليه غرامة الثلثين) الذين يذهبان لاجل طهارته و حليته (و اجرة العمل فيه حتى يذهب الثلثان) لانه نقصه بهذا المقدار (كما صرح به في التذكرة) في حال كون العلامة (معللا لغرامة الاجرة بانه رده معيبا و يحتاج زوال العيب الى خسارة) المالك (و العيب) الحاصل (من فعله) اي فعل الغاصب (فكانت الخسارة عليه) نعم لو لم يحتج ذهاب الثلثين الى اجرة، و لم تنقص قيمته بالثلثين الذاهبين، لم يكن عليه شي ء، و انما يؤدب للغصب.

(نعم ناقشه) اي العلامة (في جامع المقاصد في الفرق) الذي ذكره العلامة (بين هذا) الذي ذكره في العصير (و بين ما لو غصبه عصيرا فصار خمرا، حيث حكم) العلامة (فيه بوجوب غرامة مثل العصير لان المالية) للعصير بصيرورته خمرا (قد فاتت تحت يده) اي يد الغاصب (فكان عليه ضمانها) اي ضمان المالية (كما لو تلفت) المالية اطلاقا.

(لكن لا يخفى) عدم ورود اشكال جامع المقاصد على العلامة لوجود

ص: 113

الفرق الواضح بين العصير اذا غلا، و بينه اذا صار خمرا، فان العصير بعد الغليان مال عرفا و شرعا، و النجاسة انما تمنع من المالية اذا لم تقبل التطهير كالخمر فانه لا يزول نجاستها الا بزوال موضوعها، بخلاف العصير فانه تزول نجاسته بنقصه، نظير طهارة ماء البئر بالنزح.

و بالجملة فالنجاسة فيه و حرمة الشرب عرضية تعرضانه في حال متوسط بين حالتي طهارته، فحكمه حكم النجس بالعرض القابل للتطهير.

فلا يشمله قوله عليه السلام في رواية تحف العقول «او شي ء من وجوه

______________________________

(الفرق الواضح بين العصير اذا غلا، و بينه) اي العصير (اذا صار خمرا) و ذلك (فان العصير بعد الغليان مال عرفا و شرعا، و النجاسة انما تمنع من المالية اذا لم تقبل التطهير) كنجاسة الدهن مثلا اذا لم يصلح لشي ء آخر (كالخمر فانه لا تزول نجاستها الا بزوال موضوعها) اي انعدام الخمر حقيقة او بالانقلاب (بخلاف العصير فانه تزول نجاسته بنقصه نظير طهارة ماء البئر بالنزح) بناء على نجاسة البئر.

(و بالجملة) الفرق ان العصير يبقى عصيرا لكنه نجس قابل للطهارة بخلاف الخمر فانها نجسة غير قابلة للطهارة، الا اذا زالت خمريتها (فالنجاسة فيه) اي في العصير (و حرمة الشرب) قبل ذهاب الثلثين (عرضية تعرضانه في حال متوسط بين حالتي طهارته) قبل الغليان و بعد ذهاب الثلثين (فحكمه) اي العصير (حكم النجس بالعرض القابل للتطهير).

(ف) ان قلت: اذا سلمتم نجاسته شمله رواية تحف العقول و غيرها: قلت:

كلا (لا يشمله قوله عليه السلام في رواية تحف العقول «او شي ء من وجوه

ص: 114

النجس» و لا يدخل تحت قوله عليه السلام: «اذا حرم اللّه شيئا حرم ثمنه» لأن الظاهر منهما العنوانات النجسة و المحرمة بقول مطلق، لا ما تعرضانه في حال دون حال، فيقال: يحرم في حال كذا و ينجس في حال كذا.

و بما ذكرنا يظهر عدم شمول معقد اجماع التذكرة على «فساد بيع نجس العين» للعصير، لان المراد بالعين هي الحقيقة و العصير ليس كذلك.

______________________________

النجس» و لا يدخل تحت قوله عليه السلام «اذا حرم اللّه شيئا حرم ثمنه») و انما لا يشمله الحديثان (لان الظاهر منهما العنوانات النجسة و المحرمة) نجاسة و حرمة (بقول مطلق) بان يكون نجسا و حراما، ما دام يصدق عليه العنوان الخاص، كالعذرة مثلا نجس حرام ما دام عذرة، اما اذا استحالت رمادا خرجت عن اسم العذرة مثلا (لا ما تعرضانه) اي النجاسة و الحرمة (في حال دون حال) مع بقاء نفس العنوان (فيقال) العصير (يحرم في حال كذا و ينجس في حال كذا) كالغليان قبل ذهاب الثلثين، و لا ينجس و لا يحرم بعد الذهاب، او قبل الغليان.

(و بما ذكرنا) من ان المراد بالوجوه العنوانات النجسة لا في مثل العصير (يظهر عدم شمول معقد اجماع التذكرة «على فساد بيع نجس العين» للعصير) المراد بمعقد الاجماع «لفظ الجملة التي ادعى الاجماع عليها» فان الاجماع قد يكون بلا معقد، فيما اذا قال المدعي مثلا «على المسألة اجماع» و قد يكون له معقد كما لو قال «يحرم العصير اجماعا» و انما قلنا بعدم شمول اجماع التذكرة (لان المراد بالعين) في كلام العلامة حيث قال «نجس العين» (هي الحقيقة) النجسة (و العصير ليس كذلك) اي

ص: 115

و يمكن ان ينسب جواز بيع العصير الى كل من قيد الاعيان النجسة المحرم بيعها- بعدم قابليتها للتطهير.

و لم اجد مصرحا بالخلاف، عدا ما في مفتاح الكرامة من ان الظاهر المنع، للعمومات المتقدمة و خصوص بعض الاخبار، مثل قوله عليه السلام «و ان غلا فلا يحل بيعه» و رواية ابي كهمس «اذا بعته قبل ان يكون خمرا و هو حلال فلا بأس» و مرسل ابن الهيثم «اذا تغير عن حاله و غلا فلا

______________________________

ليس من الحقائق النجسة- مثل الدم و المني- و انما تعرض النجاسة عليه في حالة متوسطة بين حالتي الطهارة كما عرفت.

(و يمكن أن ينسب جواز بيع العصير الى كل من قيد الاعيان النجسة المحرم بيعها بعدم قابليتها للتطهير) فان المفهوم من هذا القيد انه لو كان الشي ء قابلا للتطهير جاز بيعه، و من المعلوم ان العصير قابل للتطهير بالتثليث فيجوز بيعه.

(و لم اجد مصرحا بالخلاف) بان لا يجوز بيع العصير (عدا ما في مفتاح الكرامة من ان الظاهر) من الأدلة (المنع، للعمومات المتقدمة) كخبر تحف العقول «او شي ء من وجوه النجس» و غيره (و خصوص بعض الاخبار مثل قوله عليه السلام «و ان غلا) العصير (فلا يحل بيعه» و رواية ابي كهمس «اذا بعته قبل ان يكون خمرا و هو حلال فلا بأس») المفهوم منه البأس في بيعه اذا صار خمرا، و ذلك يكون فيما اذا غلا و لم يذهب ثلثاه (و مرسل ابن الهيثم «اذا تغير) العصير (عن حاله و غلا فلا

ص: 116

خير فيه»، بناء على ان الخير المنفي يشمل البيع.

و في الجميع نظر، اما في العمومات فلما تقدم.

و اما الادلة الخاصة فهي مسوقة للنهي عن بيعه بعد الغليان- نظير بيع الدبس و الخل- من غير اعتبار اعلام المكلف.

______________________________

خير فيه»، بناء على ان الخير المنفي يشمل البيع) و قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية حيث سأله عن البختج قال عليه السلام «خمر لا تشربه» و من المعلوم عدم جواز بيع الخمر. و قوله عليه السلام في صحيح ابن الحجاج «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم الخمر من خمسة: العصير من الكرم ...»، الى غير ذلك.

اذن فالمتحصل ان الادلة على تحريم بيع العصير خمسة:

«الاول»- العمومات.

«الثاني»- انه ليس بمال.

«الثالث»- انه نجس و لا يجوز بيع النجس.

«الرابع»- الروايات الخاصة المانعة عن بيعه.

«الخامس»- ما دل على انه خمر بضميمة وضوح حرمة بيع الخمر (و في الجميع نظر، اما في العمومات فلما تقدم) من ان «وجوه النجس» و نحوه لا يشمل العصير، لانه ليس من وجوه النجس.

(و اما الادلة الخاصة) التي تقدم بعضها في كلام المصنف (فهي مسوقة للنهي عن بيعه بعد الغليان) بيعا مطلقا (نظير بيع الدبس و الخل من غير اعتبار اعلام المكلف).

ص: 117

و في الحقيقة هذا النهي كناية عن عدم جواز الانتفاع ما لم يذهب ثلثاه، فلا يشمل بيعه بقصد التطهير مع اعلام المشتري، نظير بيع الماء النجس.

______________________________

و هذا انما نقول به لانصراف الاخبار إليه، و يؤيّده ما دل على جواز اخذ الخمر و تخليله كما في رواية ابن ابي عمير كما يؤيده ما دل من رواية التحف و نحوها من ان ما فيه وجها من وجوه الصلاح جاز المعاملة عليه فلا يستشكل على المتن بان ما ذكرتموه تقييد للنص المطلق بدون دليل!.

(و في الحقيقة هذا النهي كناية عن عدم جواز الانتفاع ما لم يذهب ثلثاه) انتفاعا محرما في الشريعة (فلا يشمل بيعه بقصد التطهير مع اعلام المشتري نظير بيع الماء النجس) فانه لا يجوز بدون الاعلام.

هذا مضافا الى دعوى ضعف السند في الاخبار الثلاثة المذكورة في المتن. و ان الظاهر من خبرين منها الغليان بنفسه او قبل الثلثين. فخبر ابي كهمس هكذا «سأل رجل أبا عبد اللّه عن العصير فقال: لي كرم و انما اعصره كل سنة، و اجعله في الدنان، و ابيعه قبل ان يغلي. قال لا بأس. و ان غلا فلا يحل بيعه» و خبر ابن الهيثم هكذا «سألته عن العصير يطبخ بالنار حتى يغلي من ساعته أ يشربه صاحبه؟ فقال عليه السلام: اذا تغير عن حاله و غلا فلا خير فيه».

و اما كونه نجسا، فقد عرفت سابقا انه لا دليل على ان كل نجس لا يجوز بيعه، بالإضافة الى الاشكال في نجاسته، كما يظهر لمن راجع كتاب الطهارة.

و اما انه ليس بمال، ففيه انه خلاف العرف و الاستصحاب.

و اما رواية البختج ففيه اضطراب المتن، اذ رويت الرواية في النسخ

ص: 118

و بالجملة فلو لم يكن الا استصحاب ماليته و جواز بيعه كفى.

و لم اعثر على من تعرض للمسألة صريحا، عدا جماعة من المعاصرين.

نعم قال المحقق الثاني- في حاشية الارشاد في ذيل قول المصنف «و لا بأس ببيع ما عرض له التنجيس مع قبولها التطهير» بعد الاستشكال بلزوم عدم جواز بيع الاصباغ المتنجسة بعدم قبولها التطهير، و دفع ذلك بقبولها له بعد الجفاف- قال: و لو تنجس العصير و نحوه فهل

______________________________

الصحيحة بدون لفظة «الخمر».

و اما رواية ابن الحجاج، ففيها ان المستفاد منها كون الخمر تؤخذ من الكرم، لا ان ما يؤخذ من الكرم يكون خمرا.

(و بالجملة فلو لم يكن الا استصحاب ماليته و جواز بيعه كفى) في المقام لشمول ادلة البيع و التجارة له و قد عرفت وهن أدلة القائل بالمنع.

(و لم اعثر على من تعرض للمسألة صريحا، عدا جماعة من المعاصرين).

(نعم) تعرض لها الكركي- قدس سره- فقد (قال المحقق الثاني في حاشية الارشاد) للعلامة «رحمه اللّه» (في ذيل قول المصنف «و لا بأس ببيع ما عرض له التنجيس مع قبولها التطهير»- بعد الاستشكال) من المحقق الثاني (بلزوم) كلام العلامة (عدم جواز بيع الاصباغ المتنجسة ب) سبب (عدم قبولها التطهير، و) بعد (دفع ذلك) الاشكال (بقبولها) اي الاصباغ المتنجسة (له) اي للتطهير (بعد الجفاف) فلا يستشكل بالأصباغ على كلام العلامة (قال) المحقق الثاني، بعد ذلك الكلام، و تكرار لفظة «قال» في كلام الماتن لبعد «قال» الاول، عن «المقول»: (و لو تنجس العصير و نحوه فهل

ص: 119

يجوز بيعه على من يستحله؟ فيه اشكال. ثم ذكر ان الاقوى العدم لعموم «و لا تعاونوا على الاثم و العدوان» انتهى.

و الظاهر انه اراد بيع العصير للشرب من غير التثليث، كما يظهر من ذكر المشتري و الدليل، فلا يظهر منه حكم بيعه على من يطهره.

«الرابعة» يجوز المعاوضة على الدهن المتنجس،
اشارة

______________________________

يجوز بيعه على من يستحله؟ فيه اشكال) من جهة الاستحلال، فلا بأس و من جهة انه ليس بمال فلا يجوز. (ثم ذكر ان الاقوى العدم) اي عدم جواز البيع (لعموم: و لا تعاونوا على الاثم و العدوان) فان بيع العصير للمستحل تعاون له على شربه، و الشرب حرام حتى على المستحل، لان الناس مكلفون بالفروع و ان كانوا منحرفين في العقيدة. (انتهى) كلام المحقق.

(و) لكن كلام المحقق لا يدل على حرمة البيع لمن يريد التطهير، ليكون منافيا لما ذكرناه اذ (الظاهر انه اراد بيع العصير للشرب من غير التثليث كما يظهر) ذلك (من ذكر) المحقق الثاني (المشتري) المستحل (و) من ذكر (الدليل) اذ لا تعاون على الاثم اذا طهره ثم شربه (فلا يظهر منه) اي من المحقق الثاني (حكم بيعه على من يطهره) و انه حرام او حلال، بل ربما يقال بظهور تجويزه له، اذ تخصيص المنع بتلك الصورة دليل على عدم قوله بالتحريم في صورة البيع بقصد التطهير.

( «الرابعة»)- من المسائل الاربع المستثناة من بيع النجس و المتنجس مسألة بيع الدهن المتنجس، فانه (يجوز المعاوضة على الدهن المتنجس،

ص: 120

على المعروف من مذهب الاصحاب.

و جعل هذا من المستثنى عن بيع الاعيان النجسة، مبني على المنع من الانتفاع بالمتنجس الا ما خرج بالدليل او على المنع من بيع المتنجس و ان جاز الانتفاع به نفعا مقصودا محللا.

______________________________

على المعروف من مذهب الاصحاب) بل عن الخلاف: دعوى الاجماع عليه. و ما دل على المنع من بيعه كقول علي عليه السلام- في خبر الجعفريات-: «ان كان ذائبا فلا يؤكل، يسرج به و لا يباع» و قول الكاظم عليه السلام- في خبر اخيه- «لا تدهن به و لا تبعه من مسلم» لا بد ان يحمل على البيع بدون الإعلام، جمعا بينه و بين ما دل على جواز البيع مع الاعلام، مما سيأتي من الاخبار.

(و) لا يخفى ان (جعل هذا) الدهن (من المستثنى عن بيع الاعيان النجسة مبني) على كون المراد في «المستثنى منه» بالاعيان:

الاعم من النجس و المتنجس. فكأنه قيل: «و كل نجس او متنجس لا ينتفع به منفعة محللة مقصودة- و لو كان له نفع محلل مقصود- لا يجوز بيعه، الا ما خرج بالدليل» و من المعلوم ان الدهن المتنجس حينئذ داخل في المستثنى منه، و يحتاج اخراجه الى الدليل.

و الحاصل ان هذا الاستثناء مبنى (على المنع من الانتفاع بالمتنجس) بجميع انحاء الانتفاع، بيعا او غير بيع (الا ما خرج بالدليل) فاذا جاز الانتفاع بشي ء، جاز بيعه، للتلازم بين الجوازين. (او) مبني (على المنع من بيع المتنجس، و ان جاز الانتفاع به نفعا مقصودا محللا).

ص: 121

و الا كان الاستثناء منقطعا، من حيث ان المستثنى منه «ما ليس فيه منفعة محللة مقصودة من النجاسات و المتنجسات».

و قد تقدم ان المنع عن بيع النجس فضلا عن المتنجس، ليس الا من حيث حرمة المنفعة المقصودة، فاذا فرض حلها فلا مانع من البيع.

و يظهر من الشهيد الثاني في المسالك خلاف ذلك، و ان جواز بيع الدهن

______________________________

و الحاصل: قد نقول «الانتفاع لا يجوز الا في الدهن» و قد نقول «البيع لا يجوز الا في الدهن».

(و الا) يكن المستثنى منه احد الامرين، بل كان هكذا «كل ما ليس له منفعة محللة مقصودة لا يجوز بيعه، الا الدهن» (كان الاستثناء منقطعا) اذ الدهن «فيه منفعة محللة مقصودة» فلا وجه لاستثنائه من «ما ليس فيه نفع» (من حيث ان المستثنى منه «ما ليس فيه منفعة محللة مقصودة من النجاسات و المتنجسات») و الدهن المستثنى ذو منفعة محللة مقصودة.

هذا (و) لكن المصنف يرى الاستثناء منقطعا، اذ (قد تقدم ان المنع عن بيع النجس فضلا عن المتنجس ليس الا من حيث حرمة المنفعة المقصودة فاذا فرض حلها) اي حلية المنفعة المقصودة، كالاستصباح بالدهن او صنعه صابونا او ما اشبه (فلا مانع من البيع).

(و) لكن (يظهر من الشهيد الثاني في المسالك خلاف ذلك) و أن الاستثناء متصل، لانه يرى عدم جواز بيع النجس و المتنجس مطلقا- اي و ان جاز الانتفاع بهما منفعة مقصودة- (و ان جواز بيع الدهن) المتنجس

ص: 122

للنص لا لجواز الانتفاع به، و الا لاطرد الجواز في غير الدهن أيضا.

و اما حرمة الانتفاع بالمتنجس الا ما خرج بالدليل، فسيجي ء الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى.

و كيف كان- فلا اشكال في جواز بيع الدهن المذكور. و عن جماعة الاجماع عليه في الجملة.

______________________________

في نظر الشهيد- رحمه اللّه- (للنص) الخاص الوارد بالجواز (لا لجواز الانتفاع به، و الا) فلو كان جواز بيع الدهن لجواز الانتفاع به (لاطرد الجواز في غير الدهن أيضا) كالخل النجس لبعض الامراض و ما اشبه، و حيث لا يطرد الجواز يتبين ان الجواز في الدهن للنص، لا لجواز الانتفاع.

(و اما حرمة الانتفاع بالمتنجس الا ما خرج بالدليل) و هي الكلية الاولى (فسيجي ء الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى).

و الحاصل: ان في المقام كليتين- ان صحت احداهما كان استثناء بيع الدهن متصلا-: الاولى:- «حرمة الانتفاع بالمتنجس الا ما خرج».

الثانية:- «حرمة بيع المتنجس الا ما خرج» و قد سبق منع الكلية الثانية اذ لا دليل على حرمة بيع المتنجس مطلقا، و سيأتي منع الكلية الاولى، اذ لا دليل على حرمة الانتفاع بالمتنجس، اذن فاستثناء الدهن منقطع، خلافا للمسالك الذي يراه متصلا، لانه يتسلم بالكلية الثانية.

(و كيف كان) الامر، سواء كان الاستثناء متصلا او منقطعا (فلا اشكال في جواز بيع الدهن المذكور. و عن جماعة الاجماع عليه في الجملة) بشرط الاستصباح تحت السماء او مطلقا مما سيأتي تفصيل الكلام فيه.

ص: 123

و الاخبار به مستفيضة.

«منها»- الصحيح عن معاوية بن وهب عن ابي عبد اللّه عليه السلام «قال: قلت له: جرذ مات في سمن او زيت او عسل؟ قال عليه السلام:

اما السمن و العسل فيؤخذ الجرذ و ما حوله، و الزيت يستصبح به- و زاد في المحكي عن التهذيب- انه يبيع ذلك الزيت، و يبينه لمن اشتراه ليستصبح به».

و لعل الفرق بين الزيت و أخويه من جهة كونه مائعا غالبا، بخلاف السمن و العسل. و في رواية اسماعيل الآتية اشعار بذلك.

______________________________

(و الاخبار به) اي بالجواز (مستفيضة).

( «منها»- الصحيح عن معاوية بن وهب عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: جرذ) و هي الفارة الكبيرة (مات في سمن او زيت او عسل) فما حكمها؟ قال عليه السلام: (اما السمن و العسل فيؤخذ الجرذ و ما حوله) و الباقي طاهر حلال، لانهما جامدان فلا تؤثر النجاسة الا فيما حول الجرذ (و) اما (الزيت) ف (يستصبح به) لانه مائع فتؤثر النجاسة في جميعه فلا يجوز اكله، و انما يجوز الانتفاع به بسائر انحاء الانتفاع التي منها الاستصباح. (و زاد في) الحديث (المحكي عن التهذيب انه يبيع ذلك الزيت، و يبينه لمن اشتراه، ليستصبح به).

(و) الى ما شرحنا من وجه الفرق اشار الماتن بقوله: (لعل الفرق بين الزيت و اخويه من جهة كونه مائعا غالبا، بخلاف السمن و العسل) و بذلك يقيد اطلاق جواز استعمال السمن و العسل بالجامد، كما يقيد اطلاق نجاسة الزيت بالمائع. (و في رواية اسماعيل الآتية اشعار بذلك) اي بوجه

ص: 124

«و منها»- الصحيح عن سعيد الاعرج عن ابي عبد اللّه عليه السلام في الفارة و الدابة تقع في الطعام و الشراب فتموت فيه؟ قال عليه السلام:

ان كان سمنا او عسلا او زيتا، فانه ربما يكون بعض هذا، فان كان الشتاء فانزع ما حوله و كله، و ان كان الصيف فادفعه حتى يسرج به.

«و منها»- ما عن أبي بصير في الموثق عن الفارة تقع في السمن او في الزيت فتموت فيه؟ قال عليه السلام: ان كان جامدا فاطرحها و ما حولها و يؤكل ما بقي، و ان كان ذائبا فاسرج به و اعلمهم

______________________________

الفرق بين الزيت و اخويه.

( «و منها»- الصحيح عن سعيد الاعرج عن ابي عبد اللّه عليه السلام في الفارة و الدابة) التي تتنجس بالموت (تقع في الطعام و الشراب فتموت فيه) فما حكم ذلك؟ (قال عليه السلام: ان كان) الطعام (سمنا او عسلا او زيتا، فانه ربما يكون) الطعام الذي مات فيه الحيوان (بعض هذا) الاقسام الثلاثة (فان كان الشتاء فانزع ما حوله) اي ما حول الحيوان الميت (و كله، و ان كان الصيف فادفعه حتى يسرج به) لانه ذائب و الذائب يتنجس بالحيوان، و يعرف حكم سائر اقسام الطعام و الشراب من هذه القاعدة التي ضربها الامام عليه السلام، فلا يكون جواب الامام عليه السلام ناقصا، كما ربما يزعم.

( «و منها»- ما عن ابي بصير في الموثق عن الفارة تقع في السمن او في الزيت فتموت فيه) فما حكمه؟ (قال عليه السلام: ان كان جامدا فاطرحها و ما حولها و يؤكل ما بقي، و ان كان ذائبا فاسرج به و اعلمهم) اي

ص: 125

اذا بعته.

«و منها»- رواية اسماعيل بن عبد الخالق، قال: سأله سعيد الاعرج السمان- و انا حاضر- عن السمن و الزيت و العسل تقع فيه الفارة فتموت كيف يصنع به؟ قال عليه السلام: اما الزيت فلا تبعه، الا ان تبين له فيبتاع للسراج، و اما الاكل فلا. و اما السمن فان كان ذائبا فكذلك، و ان كان جامدا- و الفارة في اعلاه- فيوخذ ما تحتها و ما حولها ثم لا بأس به، و العسل كذلك ان كان جامدا.

اذا عرفت هذا

فالاشكال يقع في مواضع:
اشارة

______________________________

المشترين (اذا بعته) و سيأتي الكلام في وجوب الاعلام.

( «و منها»- رواية اسماعيل بن عبد الخالق قال سأله) اي الامام عليه السلام (سعيد الاعرج السمان- و انا حاضر- عن السمن و الزيت و العسل تقع فيه الفارة فتموت كيف يصنع به؟) اي بما مات فيه الفارة (قال عليه السلام: اما الزيت فلا تبعه، الا ان تبين له) اي للمشتري (فيبتاع للسراج، و اما الاكل فلا) لانه نجس (و اما السمن فان كان ذائبا فكذلك) حاله حال الزيت (و ان كان جامدا- و الفارة في اعلاه) اذ لو كانت الفارة في الوسط او الاخير، اشكل الحكم بالطهارة، لظهور ذلك في كون السمن وقت وقوع الفارة كان ذائبا (فيوخذ ما تحتها و ما حولها) من الدهن (ثم لا بأس به، و العسل كذلك) كالسمن الجامد (ان كان جامدا) هذه جملة من النصوص الواردة في المسألة.

(اذا عرفت هذا فالاشكال) في بيع الدهن المتنجس (يقع في مواضع).

ص: 126

الأول- ان صحة- بيع هذا الدهن هل هي مشروطة باشتراط الاستصباح به صريحا، او يكفي قصدهما لذلك،

او لا يشترط احدهما؟ ظاهر الحلي في السرائر الاول، فانه- بعد ذكر جواز الاستصباح بالادهان المتنجسة جمع- قال: و يجوز بيعها بهذا الشرط عندنا. و ظاهر المحكي عن الخلاف الثاني حيث قال: جاز بيعه لمن يستصبح به تحت السماء، دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم و قال ابو حنيفة: يجوز مطلقا. انتهى.

و نحوه- مجردا عن دعوى الاجماع-

______________________________

(الاول-) من تلك المواضع (ان صحة بيع هذا الدهن) هل هي (مشروطة باشتراط الاستصباح به صريحا،) في كلام البائع (او يكفي قصدهما) اي البائع و المشتري (لذلك) الشرط (او لا يشترط احدهما؟) فيجوز بيعه مطلقا (ظاهر) ابن ادريس (الحلي في السرائر الاول) بان يشترط الاستصباح صريحا (فانه بعد ذكر جواز الاستصباح بالادهان المتنجسة جمع) اعم من الزيت و السمن (قال: و يجوز بيعها بهذا الشرط عندنا. و ظاهر المحكي عن الخلاف الثاني) اي يكفي القصد في جواز البيع (حيث قال: جاز بيعه لمن يستصبح به تحت السماء) و ظاهره: انه لو علم البائع ان المشتري يستصبح به و لو اتفاقا- لا من باب القصد الحالي- جاز البيع، ثم قال الشيخ: (دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم. و قال ابو حنيفة: يجوز) البيع (مطلقا)، و لو لمن لا يستصبح به (انتهى) كلام الشيخ في الخلاف.

(و نحوه) اي نحو هذا الكلام (- مجردا عن دعوى الاجماع-

ص: 127

عبارة المبسوط. و زاد انه لا يجوز بيعه الا لذلك. و ظاهره كفاية القصد.

و هو ظاهر غيره ممن عبر بقوله: جاز بيعه للاستصباح، كما في الشرائع و القواعد و غيرهما.

«نعم» ذكر المحقق الثاني ما حاصله: ان التعليل راجع الى الجواز يعني يجوز- لاجل تحقق فائدة الاستصباح- بيعه.

و كيف كان فقد صرح جماعة بعدم اعتبار قصد الاستصباح.

______________________________

عبارة المبسوط. و زاد) الشيخ في المبسوط (انه لا يجوز بيعه) اي الدهن المتنجس (الا لذلك) الاستصباح (و ظاهره كفاية القصد) و ان لم يشترط لفظا (و هو) اي انه يكفي القصد (ظاهر غيره) اي غير الشيخ (ممن عبر بقوله جاز بيعه للاستصباح، كما في الشرائع و القواعد) للعلامة.

(و غيرهما).

( «نعم» ذكر المحقق الثاني ما حاصله: ان التعليل) في قولهم «للاستصباح» (راجع الى الجواز) لا الى البيع (يعني يجوز) البيع (لاجل تحقق فائدة الاستصباح) في (بيعه) لا ان المعنى ان البيع اذا كان للاستصباح جاز. و معنى كلام المحقق الثاني: انه يجوز بيعه و لو لغير الاستصباح. و ذلك لوجود هذه الفائدة المحللة فيه، و ان صرفه المشتري في غير هذه الفائدة، كما انه يجوز بيع التمر لوجود فائدة الاكل فيه، و ان صرفه المشتري في الخمر.

(و كيف كان) الامر سواء كان «الاستصباح» علة لجواز البيع، او شرطا للبيع (فقد صرح جماعة بعدم اعتبار قصد الاستصباح) حين البيع.

ص: 128

و يمكن ان يقال باعتبار قصد الاستصباح اذا كانت المنفعة المحللة منحصرة فيه، و كان من منافعه النادرة التي لا تلاحظ في ماليته، كما في دهن اللوز و البنفسج و شبههما.

و وجهه: ان مالية الشي ء انما هي باعتبار منافعها المحللة المقصودة منه، لا باعتبار مطلق الفوائد غير الملحوظة في ماليته.

______________________________

(و يمكن ان يقال) بالتفصيل بين الادهان، باشتراط قصد الاستصباح في بعضها دون بعض، بان نقول (باعتبار قصد الاستصباح اذا كانت المنفعة المحللة منحصرة فيه) اي في الاستصباح (و كان) الاستصباح (من منافعه النادرة التي لا تلاحظ في ماليته، كما في دهن اللوز و البنفسج و شبههما) حيث ان الاستصباح بهذه الادهان منفعة نادرة لا تلاحظ في ماليتها، فان مالية هذه الادهان في الشرب و التمريخ و التقطير و ما اشبه، لا الاستصباح الذي هو اتلاف لها في نظر العرف.

(و وجهه) اي وجه اعتبار قصد الاستصباح- في صحة البيع- في هذه الادهان دون سواها: ان مالية الشي ء بمنافعه الغالبة، لا النادرة. فاذا ورد نص بجواز بيع ما له منافع نادرة، لا بد من حمل ذلك النص على صورة قصد تلك المنافع النادرة، و ذلك بخلاف الادهان التي منفعتها الغالبة الاستصباح فانها مال سواء قصد الاستصباح أم لا.

و الى هذا اشار الماتن بقوله: (ان مالية الشي ء انما هي باعتبار منافعها المحللة المقصودة منه) كالسمن للاكل.

(لا باعتبار مطلق الفوائد غير الملحوظة في ماليته) كالسمن لالقاء

ص: 129

و لا باعتبار الفوائد الملحوظة المحرمة. فاذا فرض ان لا فائدة في الشي ء محللة ملحوظة في ماليته فلا يجوز بيعه، لا على الاطلاق، لان الاطلاق ينصرف الى كون الثمن بإزاء المنافع المقصودة منه، و المفروض حرمتها فيكون اكلا للمال بالباطل.

و لا على قصد الفائدة النادرة المحللة، لان قصد الفائدة النادرة لا يوجب كون الشي ء مالا.

______________________________

العقرب فيه لتحصيل دهن العقرب مثلا.

(و لا باعتبار الفوائد الملحوظة المحرمة) كالدهن للافساد و اخذ الخمر مثلا (فاذا فرض ان لا فائدة في الشي ء) فائدة (محللة ملحوظة) عند العرف (في ماليته، فلا يجوز بيعه، لا) بيعا (على الاطلاق) بان يقول «بعتك الشي ء الفلاني» بدون تقييده باشتراط المنافع النادرة (لان الاطلاق ينصرف الى كون الثمن بإزاء المنافع المقصودة منه، و المفروض حرمتها) اي حرمة تلك المنافع، فلا يصح بيع دهن البنفسج النجس- بدون الاشتراط- إذ إطلاق البيع منصرف الى شرب هذا الدهن و المفروض حرمة شرب الدهن النجس (فيكون اكلا للمال بالباطل) فيشمله قوله تعالى: «وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ».

(و لا) يجوز أيضا بيعه (على قصد الفائدة النادرة المحللة) كقصد الاستصباح في دهن البنفسج (لان قصد الفائدة النادرة لا يوجب كون الشي ء مالا) و بدون ان يكون الشي ء مالا، يكون اكل المال بإزائه اكلا بالباطل.

ص: 130

«ثم» اذا فرض ورود النص الخاص على جواز بيعه- كما فيما نحن فيه- فلا بد من حمله على إرادة صورة قصد الفائدة النادرة، لان اكل المال حينئذ ليس بالباطل بحكم الشارع، بخلاف صورة عدم القصد، لان المال في هذه الصورة مبذول في مقابل المطلق المنصرف الى الفوائد المحرمة فافهم.

و حينئذ فلو لم يعلم المتبايعان جواز الاستصباح بهذا الدهن، و تعاملا من غير قصد الى هذه الفائدة، كانت المعاملة باطلة، لان المال مبذول مع الاطلاق

______________________________

( «ثم» اذا فرض ورود النص الخاص على جواز بيعه- كما فيما نحن فيه-) اي الدهن المتنجس (فلا بد من حمله) اي حمل النص (على إرادة صورة قصد الفائدة النادرة، لان اكل المال حينئذ) اي حين هذا القصد (ليس بالباطل بحكم الشارع) اي بسبب ان الشارع حكم بجواز بيعه (بخلاف صورة عدم القصد، لان المال في هذه الصورة) اي صورة عدم القصد (مبذول في مقابل) المثمن (المطلق المنصرف الى الفوائد المحرمة) هذا كله وجه قصد الاستصباح (فافهم) اذ بعد حكم الشارع بجواز البيع مطلقا، من دون تقييده بالقصد المذكور، لم يكن وجه لهذا التقييد، و الاعلام في الروايات ليس معناه القصد، فلو باع و أعلم- بناء على وجوب الاعلام- و لم يقصد كفى، بحكم الشارع بجواز ذلك.

(و حينئذ) اي حين كان اللازم القصد الى الفائدة النادرة المحللة (فلو لم يعلم المتبايعان جواز الاستصباح بهذا الدهن، و تعاملا من غير قصد الى هذه الفائدة) او علما بجواز الاستصباح، و لكن تعاملا من غير قصد لها، (كانت المعاملة باطلة لان المال) اي الثمن (مبذول مع الاطلاق)

ص: 131

في مقابل الشي ء باعتبار الفوائد المحرمة.

«ثم» لو علمنا عدم التفات المتعاملين الى المنافع اصلا امكن صحتها، لانه مال واقعي شرعا، قابل لبذل المال بإزائه و لم يقصد به ما لا يصح بذل المال بإزائه من المنافع المحرمة.

و مرجع هذا في الحقيقة، الى انه لا يشترط الا عدم قصد المنافع المحرمة فافهم

______________________________

في المعاملة- بدون قصد الاستصباح- (في مقابل الشي ء باعتبار الفوائد المحرمة) فيشمله «ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه».

( «ثم») هناك صورة ثالثة غير صورة المعاملة بقصد الاستصباح، او صورة المعاملة بقصد مطلق المنافع، و هي: ما (لو علمنا عدم التفات المتعاملين الى المنافع اصلا) لا المتعارفة المحرمة الموجبة للحرمة، و لا النادرة المحللة الموجبة للحلية (امكن) ان يقال ب (صحتها) اي صحة المعاملة (لانه مال واقعي شرعا، قابل لبذل المال بإزائه) و انما قال «شرعا» لانه ليس بمال عرفا، اذ المالية العرفية انما هي لاجل المنافع الغالبة، و المفروض انها محرمة، و انما اعتبره الشارع مالا لاجل تلك الفائدة النادرة، فهو مال شرعا (و لم يقصد به) حين المعاملة (ما لا يصح بذل المال بإزائه من المنافع المحرمة) لتكون المعاملة حراما، حيث ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه.

(و مرجع هذا) الذي ذكرنا من صحة البيع اذا قصدا المنافع النادرة او لم يلتفتا الى المنافع اصلا (في الحقيقة، الى انه لا يشترط الا عدم قصد المنافع المحرمة) سواء قصدا المنفعة النادرة، او لم يقصدا شيئا اصلا (فافهم) فان الشارع اذا أجاز البيع، بدون ان يقيد الجواز بقصد خاص او بعدم

ص: 132

و اما فيما كان الاستصباح منفعة غالبة، بحيث كان مالية الدهن باعتباره، كالادهان المعدة للاسراج، فلا يعتبر في صحة بيعه قصده اصلا، لان الشارع قد قرر ماليته العرفية بتجويز الاستصباح به، و ان فرض حرمة سائر منافعه، بناء.

______________________________

قصد خاص، لم يكن وجه للاشتراط، لا لاشتراط قصد المنافع النادرة، و لا لاشتراط عدم القصد الى شي ء، بل يصح البيع و ان قصد المنافع المحرمة و القصد و اللاقصد لا يوجبان كون شي ء مالا، او عدم مال. و ان شئت قلت: ان اطلاق اجازة الشارع في البيع يوجب عدم التقييد للجواز بقصد خاص او نحوه.

(و) هذا كله فيما اذا كان الاستصباح منفعة نادرة للدهن، كدهن البنفسج (اما فيما كان الاستصباح منفعة غالبة، بحيث كان مالية الدهن باعتباره) اي باعتبار الاستصباح، بان كان الناس يشترونه للاستصباح (كالادهان المعدة للاسراج، فلا يعتبر في صحة بيعه قصده) اي قصد الاستصباح (اصلا) و ان قلنا باشتراط القصد فيما كان الاستصباح منفعته النادرة. و انما نقول بعدم اعتبار قصد الاستصباح فيما المقام (لان الشارع قد قرر ماليته العرفية بتجويز الاستصباح به و ان فرض حرمة سائر منافعه) و ماله منفعة عرفية قررها الشارع يجوز بيعه مطلقا- بدون قصد خاص

«ثم» ان ما قلنا من «حرمة سائر المنافع» انما هو (بناء) على ان الاصل حرمة جميع منافع النجس الا ما خرج بالدليل، فلا يجوز

ص: 133

على اضعف الوجهين من وجوب الاقتصار في الانتفاع بالنجس على مورد النص.

و كذا- اذا كان الاستصباح منفعة مقصودة مساوية لمنفعة الاكل المحرم كالالية و الزيت و عصارة السمسم، فلا يعتبر قصد المنفعة المحللة فضلا عن اشتراطه، اذ يكفي في ماليته وجود المنفعة المقصودة المحللة.

غاية الامر كون حرمة منفعته الاخرى المقصودة

______________________________

جعل الدهن النجس صابونا، او التمريخ به او تدهين السفينة و نحوها. و هذا الوجه ضعيف، اما بناء على ان الاصل حلية جميع المنافع الا ما خرج بالدليل، فيجوز جميع منافع الدهن الا الاكل. و هذا الوجه هو الاقوى، فحرمة سائر منافع الدهن- غير الاستصباح- انما هي بناء (على اضعف الوجهين من وجوب الاقتصار في الانتفاع بالنجس على مورد النص) كالاستصباح في باب الدهن.

(و كذا-) عطف على قوله «فيما كان الاستصباح منفعة غالبة» اي لا يلزم قصد شي ء فيما (اذا كان الاستصباح منفعة مقصودة) من الدهن (مساوية لمنفعة الاكل المحرم، كالالية و الزيت و عصارة السمسم، فلا يعتبر) في بيع هذه الادهان (قصد المنفعة المحللة) في صحة البيع (فضلا عن اشتراطه) اي اشتراط ان يستصبح به، عند البيع، اشتراطا لفظيا (اذ يكفي في ماليته) اي مالية مثل هذا الدهن (وجود المنفعة المقصودة المحللة) و المفروض وجود مثل هذه المنفعة.

(غاية الامر كون حرمة منفعته الاخرى) اي الاكل (المقصودة)

ص: 134

نقصا فيه يوجب الخيار للجاهل.

«نعم» يشترط عدم اشتراط المنفعة المحرمة، بان يقول: بعتك بشرط ان تأكله و الا فسد العقد بفساد الشرط، بل يمكن الفساد و ان لم نقل بافساد الشرط الفاسد، لان مرجع الاشتراط في هذا الفرض الى تعيين المنفعة المحرمة عليه، فيكون اكل الثمن اكلا بالباطل

______________________________

أيضا للعرف (نقصا فيه يوجب الخيار للجاهل) بوجود هذا النقص، اذ الذي يصح ان ينتفع به نفعين، اذا سقط احد نفعيه شرعا او عرفا كان ذلك نقصا فيه. بل النجاسة بنفسها نقص حتى في الدهن المعد للاستصباح، اذ العرف لا يرغب في مثله لابتلائه بنجاسة الآلة و ما باشره.

و الحاصل: يصح اطلاق البيع ( «نعم» يشترط) في صحة البيع (عدم اشتراط المنفعة المحرمة، بان يقول: بعتك) هذا الدهن النجس (بشرط ان تأكله و الا فسد العقد، ب) سبب (فساد الشرط) بناء على ان الشرط الفاسد مفسد (بل يمكن الفساد و ان لم نقل بافساد الشرط الفاسد) للعقد (لان مرجع الاشتراط في هذا الفرض) اي بيع النجس بشرط أكله- مثلا- (الى تعيين لمنفعة المحرمة عليه، فيكون اكل الثمن) بإزائه (اكلا) للمال (بالباطل). و هذا بخلاف سائر الشرائط الفاسدة كأن يشترط في ضمن البيع شرب المشتري للخمر مثلا فانه شرط فاسد، و لكنه لا يوجب اندراج المعاملة تحت كلية «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» اذ الثمن في مقابل المال، و انما الشرط الخارجي باطل. بخلاف المقام، فان الشرط يوجب كون المال بإزاء الشي ء المحرم استعماله، فيشمله

ص: 135

لان حقيقة النفع العائد الى المشتري بإزاء ثمنه هو النفع المحرم فافهم.

بل يمكن القول بالبطلان بمجرد القصد و ان لم يشترط في متن العقد.

و بالجملة- فكل بيع قصد فيه منفعة محرمة بحيث قصد اكل الثمن او بعضه بإزاء المنفعة المحرمة، كان باطلا، كما يومي الى ذلك

______________________________

«إن اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه» (لان حقيقة النفع العائد الى المشتري) و هو نفع الدهن المتنجس- و المراد بنفعه اكله، حسب الشرط- فالاكل للنجس هو الشي ء العائد الى المشتري (بإزاء ثمنه) و (هو النفع المحرم) الذي لا يكون المال بإزائه (فافهم) بان الشرط لا يوجب عدم النفع المحلل في الدهن، و اذا لم يكن الثمن بإزاء المحرم، بل بإزاء المحلل، فالكلام في صحة العقد او بطلانه هو الكلام في كل شرط فاسد، فان قلنا بان الشرط الفاسد مفسد، قلنا به في المقام، و الا كان مقتضى القاعدة صحة المعاملة و فساد الشرط فقط.

(بل يمكن القول بالبطلان) للمعاملة (بمجرد القصد) من البائع، لكون البيع واقعا بملاحظة النفع المحرم- بأن قصد بيع الدهن المتنجس للاكل- (و ان لم يشترط) الاكل- مثلا- (في متن العقد) و ذلك لما عرفت من ان القصد يوجب ان يكون الثمن المأخوذ، بإزاء الشي ء المحرم، فيشمله «ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه» و «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ».

(و بالجملة) هذا القصد مبطل للمعاملة (فكل بيع قصد فيه منفعة محرمة بحيث قصد اكل الثمن، او بعضه بإزاء المنفعة المحرمة، كان) ذلك البيع (باطلا كما يومي الى ذلك) اي بطلان البيع المقصود فيه المحرم

ص: 136

ما ورد في تحريم شراء الجارية المغنية و بيعها.

و صرح في التذكرة بان الجارية المغنية اذا بيعت باكثر مما يرغب فيها لو لا الغناء- فالوجه التحريم. انتهى.

«ثم» ان الاخبار المتقدمة خالية عن اعتبار قصد الاستصباح، لان موردها مما يكون الاستصباح فيه منفعة مقصودة منها

______________________________

- و ان كان للمبيع منفعة محللة- (ما ورد في تحريم شراء الجارية المغنية و بيعها) مع ان المنافع المحللة للجارية كثيرة.

لكن حيث ان قصد الحرام- سواء كان قصدا كليا او قصدا ضمنيا- يحرم البيع، (و) لذا (صرح) العلامة (في التذكرة بان الجارية المغنية اذا بيعت باكثر مما يرغب فيها- لو لا الغناء- فالوجه التحريم. انتهى) لان بعض الثمن صار بإزاء الشي ء المحرم فاذا كان القصد الضمني للحرام موجبا للبطلان، فاولى بالبطلان اذا كان كل القصد هو المحرم، كما لو اشترى الدهن النجس بقصد الأكل، و لكن لا يخفى ما في هذا الكلام، كما تعرفه من قوله: «فافهم» سابقا.

( «ثم» ان) ما ذكرناه الى هنا كان مقتضى القواعد الاولية و اما (الاخبار المتقدمة) فانها (خالية عن اعتبار قصد الاستصباح) و ذلك لا ينافي ما ذكرنا من اعتبار قصد الاستصباح، فيما كانت منفعته النادرة الاستصباح، كدهن البنفسج و نحوه، و ذلك (لان موردها) اي مورد الروايات (مما يكون الاستصباح فيه منفعة مقصودة منها) اي

ص: 137

كافية في ماليتها العرفية.

و ربما يتوهم من قوله- عليه السلام في رواية الاعرج المتقدمة- «تبينه لمن يشتريه فيبتاع للسراج» اعتبار القصد.

و يدفعه ان الابتياع للسراج انما جعل غاية للاعلام، بمعنى ان المسلم اذا اطلع على نجاسته فيشتريه للاسراج، نظير قوله عليه السلام- في رواية معاوية

______________________________

من تلك الموارد، و انما جاء بضمير المؤنث، لانه يعود الى «ما» و مصداقه جنس الدهن، الذي هو مورد الروايات- و يجوز في ضمير «من و ما» مراعاة اللفظ و المعنى- و قوله «مما» خبر «ان». و هي (كافية في ماليتها العرفية). و هذا خبر بعد خبر او صفة قوله «منفعة» و لو قال «كاف» حتى يكون خبر «ان» و يكون «مما» بيانا للمورد، كان احسن. اللهم الا ان يقال ان «كافية» خبر باعتبار مصداق «المورد» الذي هو جنس «الدهن» و الجنس يعامل معه معاملة المؤنث و المذكر- على السواء-.

(و ربما يتوهم من قوله- عليه السلام في رواية الاعرج المتقدمة- «تبينه لمن يشتريه فيبتاع للسراج» اعتبار القصد) و هذا ينافي ما ذكر من عدم اعتبار القصد فيما كانت المنفعة الغالبة او المساوية محللة.

(و يدفعه ان الابتياع للسراج انما جعل) في الرواية (غاية للاعلام بمعنى ان المسلم اذا اطلع على نجاسته فيشتريه للاسراج) فليس غاية للبيع، كما توهم المتوهم. و الحاصل ان المعنى: يعلمه كي يسرج به، لا ان المعنى:

يبيعه لان يسرج به، حتى يكون الاسراج غاية للبيع. و يفهم منه حينئذ لزوم القصد للاسراج حال البيع (نظير قوله عليه السلام- في رواية معاوية

ص: 138

ابن وهب- «يبينه لمن اشتراه ليستصبح به».

«الثاني»- ان ظاهر بعض الاخبار وجوب الاعلام، فهل يجب مطلقا أم لا؟

و هل وجوبه نفسي أم شرطى؟- بمعنى اعتبار اشتراطه في صحة البيع-

______________________________

ابن وهب- «يبينه لمن اشتراه ليستصبح به») فانه صريح في ان الاستصباح غاية للتنبيه، لا انه غاية للاشتراء و البيع.

( «الثاني»-) من موارد الاشكال في مسألة بيع الدهن المتنجس في انه هل يجب الاعلام أم لا (ان ظاهر بعض الاخبار) كخبر الاعرج و معاوية (وجوب الاعلام، فهل يجب) الاعلام (مطلقا) سواء علم البائع بان المشتري يستعمله في الاستصباح او لم يعلم (أم لا) يجب الاعلام مطلقا، بل انما يجب فيما اذا لم يعلم بان المشتري ما ذا يصنع به، اما اذا علم بانه يستعمله للانارة، فلا يجب الاعلام. و ان شئت قلت: هل يجب الاعلام مطلقا، أم لا يجب فيما اذا علم البائع بان المشتري لا يستعمله فيما يشترط بالطهارة؟

(و) على تقدير وجوب الاعلام- اما مطلقا او في الجملة- ف (هل وجوبه) اي وجوب الاعلام (نفسي) لا يرتبط بالمعاملة (أم شرطي) حتى انه لو لا الاعلام لم يصح البيع، كسائر الشروط المعتبرة في المعاملة (بمعنى اعتبار اشتراطه في صحة البيع) فلو لم يعلم فسد البيع.

و قد ظهر- بما ذكر- الفرق بين «الاول» و «الثاني» فان موضوع البحث في الاول اعتبار «شرط الاستصباح» او اعتبار «قصد الاستصباح»

ص: 139

الذي ينبغي ان يقال: انه لا اشكال في وجوب الإعلام ان قلنا باعتبار اشتراط الاستصباح في العقد او تواطئهما عليه من الخارج، لتوقف القصد على العلم بالنجاسة.

و اما اذا لم نقل باعتبار اشتراط الاستصباح في العقد، فالظاهر:

______________________________

من غير نظر الى «الاعلام بالنجاسة، و عدم الاعلام» و موضوع البحث في الثاني «وجوب الاعلام نفسيا، او شرطيا، و عدم وجوب الاعلام» سواء شرط الاستصباح او قصده أم لا.

(الذي ينبغي ان يقال:) انه ان قلنا في المبحث السابق «باشتراط الاستصباح»، لزم ان نقول هنا باشتراط «الاعلام» لان البيع متوقف على القصد، و القصد متوقف على الاعلام. و ان قلنا في المبحث السابق «بعدم اشتراط الاستصباح» لزم ان نقول بوجوب «الاعلام» وجوبا نفسيا، أي تعبديا. و الى هذا اشار بقوله: (انه لا اشكال في وجوب الاعلام ان قلنا باعتبار اشتراط الاستصباح في العقد او تواطئهما عليه) اي على الاستصباح (من الخارج) اي خارج العقد، و قوله «او» عطف على «الاعلام» اي وجوب احد الامرين من الاعلام و التواطؤ (لتوقف القصد) بناء على اعتبار اشتراط الاستصباح (على العلم بالنجاسة).

و ربما يورد على ذلك بعدم التلازم بين اشتراط الاستصباح، و بين الاعلام، لامكان ان يعلم البائع ان المشتري يستصبح به، فلا وجه لما ذكر في المتن من التلازم.

(و اما اذا لم نقل باعتبار اشتراط الاستصباح في العقد، فالظاهر:

ص: 140

وجوب الاعلام، وجوبا نفسيا قبل العقد او بعده، لبعض الاخبار المتقدمة.

و في قوله عليه السلام «يبينه لمن اشتراه ليستصبح به» اشارة الى وجوب الاعلام، لئلا يأكله، فان الغاية للاعلام ليس هو تحقق الاستصباح اذ لا ترتّب بينهما

______________________________

وجوب الاعلام، وجوبا نفسيا) لا وجوبا شرطيا (قبل العقد او بعده) و انما نقول بالوجوب (لبعض الاخبار المتقدمة) المشتملة على الامر بالاعلام و ليس المراد بالوجوب النفسي وجوبا مطلقا كسائر الواجبات النفسية، بل النفسي المشروط بإرادة البيع، مقابل الوجوب الشرطي اي الذي تتوقف صحة البيع عليه و على هذا فلو لم يعلم كان البيع صحيحا، و لكنه فعل محرما، حيث لم ينبه.

و اذا عرفت ما تقدم، نقول: ربما يقال: ما هي فائدة الاعلام؟ فان الاعلام ان كان لاجل ان يستصبح المشتري بالزيت، فلا ترتب بين الاعلام و بين الاستصباح، لامكان ان لا يستصبح المشتري به حتى بعد الاعلام، و ان كان الاعلام لانه واجب بالذات، فهذا بعيد من الاوامر و النواهي المتعلقة بالمركبات، و العقود و الايقاعات!

و الجواب: ان فائدة الاعلام هي عدم ايقاع البائع المشتري في الحرام بتركه اعلام المشتري، فاذا اوقع نفسه في الحرام فليس ذلك مربوطا بالبائع.

و الى هذا الجواب اشار المصنف بقوله: (و في قوله عليه السلام «يبينه لمن اشتراه ليستصبح به» اشارة الى وجوب الاعلام، لئلا يأكله) اكلا بسبب جهله بالنجاسة، فالاعلام يرفع عذر المشتري (فان الغاية للاعلام ليس هو تحقق الاستصباح) خارجا (اذ لا ترتب بينهما) اي بين الاعلام

ص: 141

شرعا، و لا عقلا، و لا عادة. بل الفائدة حصر الانتفاع فيه، بمعنى عدم الانتفاع به في غيره. ففيه اشارة الى وجوب اعلام الجاهل بما يعطي اذا كان الانتفاع الغالب به محرما، بحيث يعلم عادة وقوعه في الحرام لو لا الاعلام، فكأنه قال: اعلمه لئلا يقع في الحرام الواقعي بتركك الاعلام.

و يشير الى هذه القاعدة

______________________________

و بين الاستصباح، لا (شرعا، و لا عقلا، و لا عادة) كما هو واضح (بل الفائدة) في الاعلام (حصر) البائع بسبب اعلامه (الانتفاع فيه) اي في الاستصباح (بمعنى عدم الانتفاع به في غيره) فكأنه يقول للمشتري:

لا تنتفع بهذا الدهن في غير الاستصباح- و هذا التنبيه يرفع جهله- و هذه هي فائدة الاعلام. اما ما ذا يصنع المشتري بعد ذلك؟ فذلك ليس من تكليف البائع.

(ففيه) اي في هذا الحديث المفيد لهذا المعنى- اي رفع جهل المشتري- (اشارة الى وجوب اعلام الجاهل بما يعطي) اي اعلامه بان ما يعطي له المعطي لا يجوز بعض استعمالاته (اذا كان الانتفاع الغالب به) او الانتفاع الذي في معرض الجاهل (محرما، بحيث يعلم) المعطي (عادة وقوعه) اي المعطى له (في الحرام لو لا الاعلام، فكأنه) عليه السلام (قال: اعلمه) اذا بعته الدهن النجس (لئلا يقع في الحرام الواقعي ب) سبب (تركك الاعلام) اما اذا فعل هو المحرم بعد ذلك، فليس ذلك بسببك.

(و يشير الى هذه القاعدة) اي قاعدة اعلام الجاهل المعرض للوقوع

ص: 142

كثير من الاخبار المتفرقة، الدالة على حرمه تغرير الجاهل بالحكم او الموضوع في المحرمات، مثل ما دل على «أن من افتى بغير علم لحقه وزر من عمل بفتياه» فان اثبات الوزر للمباشر من جهة فعل القبيح الواقعي. و حمله على المفتي من حيث التسبيب و التغرير.

______________________________

في الحرام بترك الاعلام (كثير من الاخبار المتفرقة، الدالة على حرمة تغرير الجاهل) اي ايقاعه في الغرر و الضرر الشرعي (بالحكم او الموضوع في المحرمات) التي منها ترك الواجبات، كمن يبين للآخر ان البول ليس بنجس، او ان هذا الشي ء ليس ببول، بما يوجب وقوع السامع في النجاسة و بطلان الصلاة و ما اشبه، بسبب قول هذا القائل. (مثل ما دل على «من افتى بغير علم لحقه وزر من عمل بفتياه» فان اثبات الوزر للمباشر) لذلك العمل، انما هو (من جهة فعل القبيح الواقعي) و الا فليس قبيحا فعليا بالنسبة الى المباشر، اذا كان سؤاله من المفتى حسب الموازين الشرعية، بل الظاهر انه لو كان بدون ميزان، كان لكل من المفتي و المباشر الوزر، كما دل على ان «من سن سنة سيئة فله وزرها، و وزر من عمل بها، من غير ان ينقص من اوزارهم شي ء» و من المعلوم شمول اطلاقه لمن جاز له ان يعمل بتلك السنة، حسب الموازين الظاهرية، و لمن لم يجز له.

(و حمله) اي الوزر (على المفتي) انما هو (من حيث التسبيب و التغرير) و الظاهر عموم «من افتى» لكل مبين للحكم، و فهم الموضوع منه من باب وحدة المناط.

ص: 143

و مثل قوله عليه السلام: «ما من امام صلى بقوم فيكون في صلاتهم تقصير، الا كان عليه اوزارهم» و في رواية اخرى «فيكون في صلاته و صلاتهم تقصير، الا كان اثم ذلك عليه» و في رواية اخرى «لا يضمن الامام صلاتهم الا ان يصلي بهم جنبا».

و مثل رواية ابي بصير المتضمنة لكراهة ان يسقى البهمة او يطعم ما لا يحل للمسلم اكله او شربه. فان في كراهة ذلك في البهائم اشعارا بحرمته بالنسبة الى المكلف.

______________________________

(و مثل قوله عليه السلام: «ما من امام صلى بقوم فيكون في صلاتهم تقصير، الا كان عليه اوزارهم») و معناه: التقصير الناشئ من تقصير الامام، و الا فمن المسلم انه «لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ»، و احتمال ان يكون المراد: كون التقصير في صلاتهم من جهة ان الامام لم يرشدهم الى مسائل الصلاة بعيد. (و في رواية اخرى «فيكون في صلاته و صلاتهم تقصير، الا كان اثم ذلك عليه» و) لعل المبين لما ذكرناه ما ورد (في رواية اخرى «لا يضمن الامام صلاتهم الا ان يصلي بهم جنبا») و «الجنب» من باب المثال، و الا فلو صلا بهم من غير وضوء عمدا، او ما اشبه ذلك كان أيضا ضامنا. و معنى «اوزارهم»: الوزر الواقعي، لا الفعلي، اذ لا وزر فعليا لهم، فيما اذا لم يكونوا عالمين او مقصرين، كما حقق في محله.

(و مثل رواية ابي بصير المتضمنة لكراهة ان يسقى البهمة او يطعم ما لا يحل للمسلم اكله او شربه) كالخمر و الخنزير (فان في كراهة ذلك في البهائم اشعارا بحرمته بالنسبة الى المكلف).

ص: 144

و يؤيده ان أكل الحرام و شربه من القبيح، و لو في حق الجاهل، و لذا يكون الاحتياط فيه مطلوبا مع الشك، اذ لو كان للعلم دخل في قبحه لم يحسن الاحتياط.

و حينئذ فيكون اعطاء النجس للجاهل المذكور اغراء بالقبيح، و هو قبيح

______________________________

لكن لا يخفى ان القاعدة الاولية- في مقام الإطاعة و المعصية-:

عدم ارتكاب الشخص للمنهي عنه، و عدم ايقاع غيره في المنهي عنه. و بعد هذه القاعدة لا نحتاج الى التشبث بهذه الامور التي ذكرها المصنف، حتى يستشكل على الكل بما هو مذكور في الحواشي و التعليقات، الا ترى انه لو قال المولى: لا يدخل احد عبيدي داري. فادخل أحد عبيده عبد آخر داره عد عند العقلاء عاصيا مستحقا للعقاب.

(و يؤيده ان اكل الحرام و شربه) و سائر انحاء استعمالاته، كزواج المرأة المحرمة و ما اشبه. (من القبيح، و لو في حق الجاهل) المعذور (و لذا يكون الاحتياط فيه) اي في المشتبه (مطلوبا مع الشك) بدليل إطلاقات ادلة الاحتياط، نحو قوله عليه السلام: «اخوك دينك فاحتط لدينك» و ما اشبهه (اذ لو كان للعلم دخل في قبحه لم يحسن الاحتياط) مع الجهل و الشك.

(و حينئذ) اي حين اذ ثبت قبح الحرام الواقعي و ان كان الانسان معذورا في ارتكابه (فيكون اعطاء النجس) او تزويجه بالمحرم عليه أو اغرائه بالتصرف في ارض مغصوبة او موقوفة او ما اشبه ذلك (للجاهل المذكور) الذي لا يعلم بالحكم او الموضوع (إغراء بالقبيح، و هو قبيح

ص: 145

عقلا.

بل قد يقال بوجوب الإعلام، و ان لم يكن منه تسبيب، كما لو رأى نجسا في يده يريد أكله. و هو الذي صرح به العلامة- رحمه اللّه- في «اجوبة المسائل المهنائية» حيث سأله السيد المهنّأ: عمن رأى في ثوب المصلي نجاسة؟

فاجاب بانه يجب الإعلام، لوجوب النهي عن المنكر.

لكن اثبات هذا مشكل.

______________________________

عقلا) و كلما حكم به العقل حكم به الشرع، اذا كان في سلسلة العلل، كما حقق في الاصول.

(بل قد يقال بوجوب الاعلام، و ان لم يكن منه تسبيب) للغير الى ارتكاب الحرام الواقعي (كما لو رأى نجسا في يده يريد أكله) او ذات محرم عليه يريد تزويجها- مثلا- (و) هذا (هو الذي صرح به العلامة- رحمه اللّه- في «اجوبة المسائل المهنائية» حيث سأله السيد المهنّأ عمن رأى في ثوب المصلي نجاسة) فهل يجب اعلامه أم لا؟ (فاجاب) العلامة (بانه يجب الاعلام، لوجوب النهي عن المنكر) و كأن العلامة اراد بالمنكر: المنكر واقعا، و ان لم يكن الآتي به مكلفا فعلا، كمن يريد شرب الخمر بزعم انها ماء- مثلا-.

(لكن اثبات هذا مشكل) لأنه اذا كان جاهلا جهلا عذرا، لم يكن منكرا في حقه، فلا موضوع للنهي عن المنكر، لكن بناء على ما ذكرنا من انه طريق العقلاء في الاطاعة و المعصية، يكون الحكم على القاعدة، الا ما خرج بالدليل.

ص: 146

و الحاصل: ان هنا امورا أربعة:

«احدها»- ان يكون فعل الشخص علة تامة لوقوع الحرام في الخارج، كما اذا أكره غيره على المحرم.

و لا اشكال في حرمته، و كون وزر الحرام عليه، بل اشد لظلمه.

«و ثانيها»- ان يكون فعله سببا للحرام، كما قدم الى غيره محرما.

و مثله ما نحن فيه

______________________________

(و الحاصل: ان هنا) في مسألة الإعلام (امورا أربعة):

( «احدها»:- ان يكون فعل الشخص علة تامة لوقوع الحرام في الخارج، كما اذا أكره غيره على المحرم) و ان كان الشي ء الصادر من المكره يكون مباحا بالنسبة إليه، لانه من الاكراه المرفوع.

(و لا اشكال في حرمته، و كون وزر الحرام عليه) اي على المكره بالكسر- (بل) عليه (اشد) من وزر الحرام (لظلمه) فالاكراه على الحلال، ليس بجائز، فكيف بالاكراه على الحرام! و ذلك لان اصل اكراه الغير خلاف قاعدة «الناس مسلطون على انفسهم» المستفادة من قوله تعالى «النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» اما ما ذكره المصنف من قوله «و كون وزر الحرام عليه» محل مناقشة، اذ لا دليل على ذلك الا طريق الاطاعة و المعصية العقلائية. و هذا لا يدل على ازيد من الحرمة.

( «و ثانيها»- ان يكون فعله سببا للحرام) بدون الإلجاء و الاكراه (كمن قدم الى غيره محرما) كما لو قدم إليه لحما مشويا حراما، لكونه لم يذبح على الطريقة الشرعية- مثلا- (و مثله ما نحن فيه) من بيع الدهن

ص: 147

و قد ذكرنا ان الاقوى فيه: التحريم، لان استناد الفعل الى السبب اقوى، فنسبة فعل الحرام إليه اولى، و لذا يستقر الضمان على السبب، دون المباشر الجاهل. بل قيل: انه لا ضمان ابتداء الا عليه.

«الثالث»- ان يكون شرطا لصدور الحرام، و هذا يكون على وجهين:

احدهما: ان يكون من قبيل ايجاد الداعي على

______________________________

النجس بدون اعلام (و قد ذكرنا أن الاقوى فيه: التحريم. لان) ذلك خلاف طريق الاطاعة و المعصية، فالفاعل له يعد في العرف عاصيا، فيشمله الادلة المطلقة الدالة على النهي عن العصيان، كقوله تعالى «وَ مَنْ يَعْصِ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ»* و قوله «وَ لٰا تَتَوَلَّوْا» و ما اشبه.

اما الاستدلال لذلك بأن (استناد الفعل الى السبب اقوى، فنسبة فعل الحرام إليه اولى) ان اراد ما ذكرناه فهو، و الا فلا دليل على ان أقوائية السبب في غير مورد القتل و ما اشبه موجبة لحرمة عمل الفاعل للسبب. (و لذا يستقر الضمان على السبب، دون المباشر الجاهل.) و لا يخفى ان هذا انما يتم في باب الضمان، دون غيره، الا بالقاعدة التي ذكرناها. (بل قيل انه لا ضمان ابتداءً الا عليه) و بهذا يعرف ان ما يستشكل به على حرمة ايقاع الغير في الحرام الواقعي، من انه ليس بحرام فعلي على المرتكب و لا على السبب، لعدم الدليل على عدم جواز إيقاع الغير في ذلك، مردود.

( «الثالث» ان يكون) فعل الشخص (شرطا لصدور الحرام) الواقعي، عن الغير (و هذا) القسم (يكون على وجهين):

(احدهما: ان يكون من قبيل ايجاد الداعي) في الغير (على

ص: 148

المعصية، إما لحصول الرغبة فيها، كترغيب الشخص على المعصية، و إما لحصول العناد من الشخص، حتى يقع في المعصية، كسب آلهة الكفار، الموجب لا لقائهم في سبب الحق عنادا. او سبب آباء الناس، الموقع لهم في سبب أبيه و الظاهر: حرمة القسمين. و قد ورد في ذلك عدة من الاخبار.

______________________________

المعصية، إما لحصول الرغبة فيها) اي في المعصية (كترغيب الشخص على المعصية) سواء علم بانها معصية، كترغيبه في شرب الخمر. فانه بالإضافة الى ما تقدم «تعاون على الاثم و العدوان». او لم يعلم، كترغيبه في زواج ذات محرم عليه. (و إما لحصول العناد من الشخص، حتى يقع في المعصية، كسب آلهة الكفار، الموجب لا لقائهم في سبب الحق عنادا) و قد قال سبحانه: «وَ لٰا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ فَيَسُبُّوا اللّٰهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ» (او سب آباء الناس، الموقع لهم في سب أبيه) و لو كان اولئك الآباء يستحقون السب، (و الظاهر: حرمة القسمين):

الترغيب في المعصية، و اثارة الشخص على المعصية. (و قد ورد في ذلك عدة من الاخبار).

و لا يخفى: ان تحريم القسم الثاني انما هو فيما اذا لم يكن وقوع الغير في العصيان مما يتأتى من اتيان الشخص بما هو واجب عليه، او راجح بالنسبة إليه، كما يسبب- احيانا- وعظ الناس و ارشادهم في اثارة العصاة و الفساق، فقد كان الأنبياء و الائمة و الصالحون يرشدون، و ان وقع الفساق و الكفار بسببهم في العصيان و الطغيان.

ص: 149

و ثانيهما: ان يكون بايجاد شرط آخر غير الداعي، كبيع العنب من يعلم انه يجعله خمرا، و سيأتي الكلام فيه.

«الرابع»- ان يكون من قبيل عدم المانع. و هذا يكون- تارة- مع الحرمة الفعلية في حق الفاعل، كسكوت الشخص عن المنع من المنكر و لا اشكال في الحرمة بشرائط النهي عن المنكر. و- اخرى- مع عدم الحرمة الفعلية بالنسبة الى الفاعل، كسكوت العالم عن اعلام الجاهل- كما فيما نحن فيه-

______________________________

(و ثانيهما: ان يكون بايجاد شرط آخر غير الداعي كبيع العنب من يعلم انه يجعله خمرا، و سيأتي الكلام فيه) و من هذا القبيل: بيع ما يجعله آلة للتخمير و ما اشبه، كالدنان و الاخشاب لمن يعلمه صنما او صليبا او مزمارا. الى غيرها من الامثلة.

( «الرابع» ان يكون) فعل الشخص (من قبيل عدم المانع) عن الحرام بان تمكن من الوقوف ضد الحرام فلم يقف حتى صدر الحرام عن المرتكب. (و هذا يكون- تارة- مع الحرمة الفعلية في حق الفاعل، كسكوت الشخص عن المنع من المنكر) فلم يوجد مانعا عن المنكر.

(و لا اشكال في الحرمة) في هذا القسم (بشرائط النهي عن المنكر) و الا توجد الشرائط فلا اشكال في عدم الحرمة. (و) يكون تارة (- اخرى- مع عدم الحرمة الفعلية بالنسبة الى الفاعل) لذلك المحرم الواقعي، (كسكوت العالم عن اعلام الجاهل) القاصر (- كما فيما نحن فيه-) من ارتكاب الجاهل القاصر للمنكر الواقعي، كشربه للخمر بدون

ص: 150

فان صدور الحرام منه مشروط بعدم اعلامه، فهل يجب دفع الحرام بترك السكوت أم لا؟ فيه اشكال.

______________________________

علمه انه خمر، او زواجه من ذات محرم له، و ما اشبه ذلك (فان صدور الحرام منه مشروط بعدم اعلامه) اذ لو اعلمه لكف عن الحرام (فهل يجب دفع الحرام بترك السكوت أم لا) يجب؟ (فيه) اي في وجوب الاعلام (اشكال).

فقد يقال بان مقتضى القاعدة الاولية: عدم وجوب الاعلام، من جهة أصالة البراءة، و ليس المقام داخلا في ارشاد الجاهل، لان المراد بارشاد الجاهل: ارشاده الى الحكم، لا الى الموضوع، فان الواجب: بيان الاحكام لا بيان الموضوعات- مثلا- الواجب على الفقيه ان يقول للناس: ان البول نجس، و ليس بواجب عليه ان يبين لهم أن هذا بول او ليس ببول. كما ان المقام ليس داخلا في النهي عن المنكر انما هو فيما اذا كان الآتي به يأتي به و هو يعلم انه منكر، اما اذا لم يعلم بانه منكر فليس اتيانه منكرا حتى يجب اعلامه.

و قد يقال بوجوب الاعلام، لانه طريقة الاطاعة و المعصية، فاذا قال المولى: من ضرب ابني عاقبته بكذا و كذا، ثم ان العبيد رأوا ان احدهم يضرب ولده بزعم انه عدوه فسكتوا و لم يتكلموا، كانوا مستحقين للعقاب بنظر العرف.

و لوجوب تحصيل غرض المولى، كما فصل في مسألة «المقدمة» في الاصول. و لذا قالوا بحرمة تعجيز الانسان نفسه عن أوامر المولى، و ان

ص: 151

الا اذا علمنا من الخارج وجوب دفع ذلك لكونه فسادا، قد امر

______________________________

كان قبل توجه التكليف إليه، فاذا غل يده و رجله في مكان خال من الماء قبل الوقت، ليكون فاقد الطهورين حين دخول الوقت فلم يصل كان معاقبا.

و لانه داخل في ارشاد الجاهل، لان الارشاد المستفاد عرفا من «ينذروا قومهم» و قوله عليه السلام «و ما اخذ اللّه على العلماء ان لا يقاروا على كظة ظالم و لا سغب مظلوم» و ما اشبه، شامل للحكم و للموضوع.

بل يشمله قوله «هلا تعلمت» الا ترى ان الانسان لو تعلم «ان الكلب نجس» ثم لم يذهب ليتعلم «ما هو الكلب» كان عرفا مشمولا لقوله «هلا تعلمت».

و لانه من النهي عن المنكر، لان الظاهر من المنكر في لسان الادلة المنكر الواقعي، لا المنكر المعلوم لمرتكبه.

و الحاصل: ان الفرق بين الحكم و الموضوع ليس مما يستفاد من الأدلة لدى القائها على العرف، و ما ذكر لا ينافي ما ورد من قول الباقر عليه السلام «ما كان عليك لو سكت» في حين كان يغتسل من الجنابة، فقيل له:

«قد ابقيت لمحة في ظهرك» لعدم معلومية صحة كلام القائل، فلعله كان مشتبها، و انما مسحها الامام، لئلا يظن ان غسل الامام باطل. و كيف كان- فتفصيل هذا الموضوع خارج عن وظيفة الشرح.

(الا اذا علمنا من الخارج) اي من ادلة خاصة، غير مطلقات التكليف، و غير ادلة ارشاد الجاهل، و ادلة الامر بالمعروف و النهي عن المنكر (وجوب دفع ذلك) المنكر الواقعي (لكونه فسادا، قد امر

ص: 152

بدفعه كل من قدر عليه، كما لو اطلع على عدم إباحة دم من يريد الجاهل قتله، او عدم إباحة عرضه له، او لزم من سكوته ضرر مالي قد امرنا بدفعه عن كل أحد.

______________________________

بدفعه كل من قدر عليه) اي على دفعه، و العلم بوجوب الدفع يحصل إما من الاجماع، و إما من دليل خاص، و إما لكونه من مرتكزات المتشرعة، و من السيرة و ما اشبه (كما لو اطلع) العالم (على عدم إباحة دم من يريد الجاهل) بالموضوع (قتله) مثلما كان يظنه صيدا و الحال انه انسان محترم (او عدم إباحة عرضه له) اي للجاهل المريد للارتكاب، كان يظنها زوجته و الحال انها زوجة الغير (او لزم من سكوته ضرر مالي) كبير بحيث (قد امرنا بدفعه عن كل أحد).

و الحاصل: الدماء، و الفروج. و الاموال التي لها خطر. يجب الارشاد فيها. اما لو ظن انه صلى و لم يصل، او زعم ان هذا اليوم ليس من شهر رمضان و الحال انه منه. او كان يظن انه ليس بمستطيع، او ما اشبه ذلك، فلا دليل على لزوم ارشاده، بناء على ان الاصل عدم اللزوم، الا ما خرج بالدليل.

لكن الظاهر من طريقة العقلاء- في باب الاطاعة و المعصية-: لزوم الارشاد مطلقا، و ان الكل- حكما كان او موضوعا- من شأن الفقيه، كما كان الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم و الائمة عليهم السلام يتداخلون في ذلك كله، و قد امرنا بالأسوة بهم. و ما اشتهر بين جماعة من المتأخرين محل نظر. و لو لم نقل بهذا اشكل الامر حتى في الدماء و الفروج و الاموال فمن اين يتمكن المفصل ان يثبت الدليل على لزوم الارشاد في الثلاثة دون

ص: 153

فانه يجب الاعلام و الردع لو لم يرتدع بالاعلام، بل الواجب هو الردع و لو بدون الاعلام، ففي الحقيقة الاعلام بنفسه غير واجب.

و اما فيما تعلق بغير الثلاثة من حقوق اللّه فوجوب دفع مثل هذا الحرام مشكل، لان الظاهر من ادلة النهي عن المنكر وجوب الردع عن المعصية.

______________________________

غيرها؟ و التشبث بانا علمنا من الشارع، ليس باكثر من انه دعوى قطع، و من المعلوم ان دعوى القطع ليست من الأدلة.

و كيف كان- (فانه يجب الاعلام، و الردع لو لم يرتدع بالاعلام) بان يأخذ على يد مريد القتل- مثلا- (بل الواجب هو الردع و لو بدون الإعلام) لان المكروه عند الشارع فعل ذلك المحرم، فالواجب الحيلولة دون وقوعه، سواء بالقول أم بالفعل، (ففي الحقيقة الاعلام بنفسه غير واجب) و انما الواجب الحيلولة دون وقوع الحرام، الذي يتحقق بالاعلام تارة، و بالردع العملي اخرى.

(و اما فيما تعلق بغير الثلاثة من حقوق اللّه) «من» بيان «ما» و الثلاثة هي: الدماء، و الاموال، و الفروج. (فوجوب دفع مثل هذا الحرام مشكل، لان الظاهر من ادلة النهي عن المنكر وجوب الردع عن المعصية) الفعلية، و الآتي به بدون ان يعلم انه عصيان ليس بفاعل للمنكر حتى يشمله دليل النهي عن المنكر.

اقول: قد عرفت ما فيه، بل تمثيل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم ذلك بمن يخرق السفينة، دليل على ان المناط هو المنكر الواقعي.

ص: 154

فلا يدل على وجوب اعلام الجاهل بكون فعله معصية.

نعم وجب ذلك فيما اذا كان الجهل بالحكم، لكنه من حيث وجوب تبليغ التكاليف ليستمر التكليف الى آخر الابد، بتبليغ الشاهد الغائب. فالعالم- في الحقيقة- مبلغ عن اللّه ليتم الحجة على الجاهل و يتحقق فيه قابلية الاطاعة و المعصية.

______________________________

(فلا يدل) دليل النهي عن المنكر (على وجوب اعلام الجاهل بكون فعله معصية) «بكون» متعلق ب «الجاهل» اي الذي يجهل ان ما يأتي به عصيان للّه تعالى.

(نعم وجب ذلك) الاعلام (فيما اذا كان) سبب عصيان الجاهل هو (الجهل بالحكم) كأن لم يعلم ان الخمر حرام فليشربها فانه يجب اعلامه بحرمة الخمر (لكنه) اي اعلام الجاهل بالحكم (من حيث وجوب تبليغ التكاليف ليستمر التكليف الى آخر الابد بتبليغ الشاهد الغائب) كما امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في حجة الوداع، و كما يستفاد من قوله تعالى: و لينذروا قومهم. و من قوله عليه السلام: ليت السياط على رءوس أصحابي حتى يتفقهوا و قوله: ما اخذ اللّه على الجهال ان يتعلموا حتى اخذ على العلماء ان يعلموا.

الى غيرها (فالعالم- في الحقيقة- مبلغ عن اللّه) و ان كان في الظاهر مبلغا عن النبي و الامام. لكن هؤلاء حيث ينقلون أوامر اللّه تعالى، كان تبليغ الناس لاوامرهم عليهم السلام تبليغا عن اللّه تعالى (ليتم الحجة على الجاهل) و اتمامها واجب «لئلا يكون للناس على اللّه حجة بعد الرسل» (و يتحقق فيه) اي في الجاهل (قابلية الاطاعة و المعصية) اذ لو لا العلم و التعليم لم يكن عليه حجة، و لم يكن قابلا للطاعة، بل يشمله قوله سبحانه:

ص: 155

«ثم» ان بعضهم استدل على وجوب الإعلام بان النجاسة عيب خفي فيجب اظهارها.

و فيه- مع ان وجوب الاعلام، على القول به، ليس مختصا بالمعاوضات بل يشمل مثل الاباحة و الهبة من المجانيات- ان كون النجاسة عيبا ليس الا لكونه منكرا واقعيا و قبيحا، فان ثبت ذلك حرم الإلقاء فيه مع قطع النظر عن مسألة وجوب اظهار العيب

______________________________

«وَ مٰا كُنّٰا مُعَذِّبِينَ حَتّٰى نَبْعَثَ رَسُولًا».

( «ثم» ان بعضهم استدل على وجوب الإعلام) بنجاسة الدهن على من يريد ان يبيعه (بان النجاسة عيب خفي، فيجب اظهارها) و الا كان داخلا في الغش المحرم

(و فيه- مع ان وجوب الاعلام، على القول به، ليس مختصا بالمعاوضات، بل يشمل) وجوب الاعلام في (مثل الاباحة، و الهبة من المجانيات) و من المعلوم عدم وجوب اظهار العيب الخفي في الموهوب و المباح لعدم دليل على حرمة مثل هذا الإخفاء في المجانيات، فالدليل اخص من المدعى- (ان كون النجاسة عيبا ليس الا لكونه منكرا واقعيا و قبيحا) ارتكابها (فان ثبت ذلك) اي القبح حتى لمن لم يعلم بها، بان كان اكل الدهن النجس قبيحا و ان لم يعلم الاكل بانه نجس (حرم) على البائع (الالقاء) للمشتري (فيه) اي في هذا القبيح (مع قطع النظر عن مسألة وجوب اظهار العيب) فسواء وجب اظهار العيب الخفي- كما في البيع- أم لا- كما في الهبة- يجب اظهار النجاسة، لان ايقاع الغير في ارتكابها

ص: 156

و الا لم يكن عيبا. فتأمل.

«الثالث»- المشهور بين الاصحاب وجوب كون الاستصباح تحت السماء،

بل في السرائر: ان الاستصباح به تحت الظلال محظور بغير خلاف.

و في المبسوط: انه روى اصحابنا انه يستصبح به تحت السماء، دون السقف.

لكن الاخبار المتقدمة- على كثرتها و ورودها في مقام البيان- ساكنة عن هذا القيد و لا مقيد لها من الخارج عدا ما يدعى من «مرسلة الشيخ»

______________________________

قبيح (و الا) يثبت كون ارتكاب الجاهل هذا قبيحا (لم يكن عيبا) فلم يجب اظهاره (فتامل) اذ النجاسة لا شك في كونها عيبا لدى اهل الشرع و لا منافاة بين عدم جواز الالقاء فيها في باب المجانيات من جهة القبح، و عدم جواز الإلقاء فيها في باب المعاوضات، من جهة الغش و من جهة القبح.

( «الثالث»-) من موارد الاشكال في بيع الدهن المتنجس ان (المشهور بين الاصحاب وجوب كون الاستصباح تحت السماء، بل في السرائر) للحلي: (ان الاستصباح به تحت الظلال محظور) محرم (بغير خلاف). فالمسألة مما ادعي فيها الاجماع (و في المبسوط: انه روى اصحابنا انه يستصبح به تحت السماء، دون السقف). فالمسألة مروية أيضا.

(لكن الاخبار المتقدمة) في جواز بيع الدهن المتنجس (على كثرتها و ورودها في مقام البيان) لا الاهمال و الاجمال، بقرينة ذكر شرط الإعلام و ما اشبه (ساكتة عن هذا القيد) الذي هو الاستصباح تحت السماء (و لا مقيد لها) لتلك الاخبار (من الخارج عدا ما يدعى من «مرسلة الشيخ»

ص: 157

المنجبرة بالشهرة المحققة، و الاتفاق المحكي، لكن لو سلم الانجبار فغاية الامر دورانه بين تقييد المطلقات المتقدمة، او حمل الجملة الخبرية على الاستحباب او الارشاد، لئلا يتأثر السقف بدخان النجس الذي هو نجس، بناء على ما ذكره الشيخ من دلالة المرسلة على نجاسة الدخان النجس، اذ قد لا يخلو من اجزاء لطيفة دهنية تتصاعد بواسطة الحرارة، و لا ريب

______________________________

المنجبرة بالشهرة المحققة، و الاتفاق المحكي) في كلام السرائر، (لكن لو سلم الانجبار) بان صارت المرسلة حجة لا نتمكن مع ذلك من تقييد المطلقات بالمرسلة: «أو لا» لإباء المطلقات عن التقييد، لكثرتها و كونها في مقام البيان.» و ثانيا» لان المرسلة غايتها الدلالة على عدم تنجيس السقف بالدخان، و من المعلوم عدم حرمة تنجيس السقف. بل دخان النجس لا دليل على نجاسته، اذ الاستحالة سببت الطهارة، كما قال عليه السلام:

«لان الماء و النار قد طهراه» اذن لا بد من حمل المرسلة على الاستحباب (فغاية الامر دورانه بين تقييد المطلقات المتقدمة) الدالة على جواز بيع الدهن النجس و استعماله مطلقا- تحت السماء او السقف- (او حمل الجملة الخبرية) في المرسلة (على الاستحباب او الارشاد) فلا يكون مستحبا أيضا- فضلا عن الوجوب- (لئلا يتأثر السقف بدخان النجس الذي هو) اي ذاك الدخان (نجس) أيضا (بناء على ما ذكره الشيخ من دلالة المرسلة على نجاسة الدخان النجس، اذ قد لا يخلو) دخان النجس (من اجزاء لطيفة دهنية تتصاعد بواسطة الحرارة، و) حيث دار الامر بين تقييد المطلقات بالمرسلة، او حمل المرسلة على الاستحباب ف (لا ريب

ص: 158

ان مخالفة الظاهر في المرسلة، خصوصا بالحمل على الارشاد دون الاستحباب اولى.

خصوصا مع ابتناء التقييد إما على ما ذكره «الشيخ» من دلالة الرواية على نجاسة الدخان، المخالفة للمشهور، و إما على كون الحكم تعبدا محضا و هو في غاية البعد.

و لعله لذلك افتى في المبسوط بالكراهة مع روايته للمرسلة.

و الانصاف ان المسألة

______________________________

ان مخالفة الظاهر في المرسلة، خصوصا بالحمل على الارشاد) فان ظاهرها الوجوب، (دون الاستحباب) اما الارشاد فمعناه انه ليس بحكم شرعي اصلا، و انما هو ارشاد الى مصلحة خارجية (اولى) من حمل المطلقات على المرسلة.

(خصوصا مع ابتناء التقييد) للمطلقات (إما على ما ذكره «الشيخ» من دلالة الرواية على نجاسة الدخان) فكان الجمع بين المطلقات و المرسلة ينتج: انه لا تستصبح تحت السقف، لان الدخان نجس، فيتأثر السقف به (المخالفة للمشهور) فانهم لا يقولون بان دخان النجس نجس. (و إما على كون الحكم) بعدم الاستصباح تحت السقف (تعبدا محضا) لو لم نقل بنجاسة الدخان (و هو) اي كون الحكم تعبدا محضا (في غاية البعد) عن الظاهر. اذن فالحمل على الاستحباب او الارشاد اولى من حمل المطلقات على المرسلة.

(و لعله لذلك) الذي ذكرنا من بعد تقيد المطلقات بالمرسلة (افتى) الشيخ (في المبسوط بالكراهة) للاستصباح تحت السقف (مع روايته) بنفسه (للمرسلة).

(و الانصاف: ان المسألة) بتقييد المطلقات، او حمل المرسلة على

ص: 159

لا تخلو عن اشكال، من حيث ظاهر الروايات البعيدة عن التقييد، لإبائها في انفسها عنه، و اباء المقيد عنه.

و من حيث الشهرة المحققة و الاتفاق المنقول. و لو رجع الى أصالة البراءة حينئذ لم يكن الا بعيدا عن الاحتياط، و جرأة على مخالفة المشهور.

«ثم» ان العلامة في المختلف فصل بين ما اذا علم بتصاعد شي ء من اجزاء الدهن، و ما اذا لم يعلم. فوافق المشهور

______________________________

الاستحباب، او الارشاد (لا تخلو عن اشكال، من حيث ظاهر الروايات) المطلقة (البعيدة عن التقييد، لإبائها في انفسها عنه) اي عن التقييد، حيث انها في مقام البيان و لم تتعرض لهذا الشرط (و) من جهة (اباء المقيد) اي المرسلة (عنه). اي عن ان يكون تقييدا لتلك المطلقات، اذ ظاهرها: نجاسة السقف، و كل من نجاسة الدخان و حرمة نجاسة السقف محل اشكال.

(و من حيث الشهرة المحققة) على لزوم كون الاستصباح تحت السماء (و الاتفاق المنقول) في كلام السرائر- و هذا وجه التقييد- كما ان قوله «من حيث ظاهر ... الخ» وجه عدم التقييد (و لو رجع الى أصالة البراءة) عن وجوب الاستصباح تحت السماء (حينئذ) اي حين وجود الاشكال من الطرفين (لم يكن الا بعيدا على الاحتياط و جرأة على مخالفة المشهور) فالبراءة- اذن- ليست مخالفة للادلة.

(ثم ان العلامة في المختلف فصل بين ما اذا علم بتصاعد شي ء من اجزاء الدهن، و) بين (ما اذا لم يعلم. فوافق المشهور) في

ص: 160

في الاول، و هو مبني على ثبوت حرمة تنجيس السقف، و لم يدل عليه دليل.

و ان كان ظاهر كل من حكم بكون الاستصباح تحت السماء تعبدا- لا لنجاسة الدخان، معللا بطهارة دخان النجس- التسالم على حرمة التنجيس، و الا لكان الاولى تعليل التعبد به لا بطهارة الدخان، كما لا يخفى.

______________________________

حظر الاستصباح تحت السقف (في الاول) حينما يعلم بتصاعد شي ء من اجزاء الدهن، و اجاز في الثاني. (و هو) اي حظره فيما اذا علم بالتصاعد (مبني على ثبوت حرمة تنجيس السقف، و) الحال انه (لم يدل عليه) اي على تحريم التنجيس (دليل. و ان كان ظاهر كل من حكم بكون الاستصباح تحت السماء تعبدا) من الشارع بدون ان نفهم وجهه (لا لنجاسة الدخان) في حال كون من يقول بكون الاستصباح تحت السماء تعبدا (معللا بطهارة دخان النجس، التسالم على حرمة التنجيس) «التسالم» خبر قوله «و ان كان ظاهر» و قوله «معللا» حال عن «كل من» (و الا) فلو كان من يقول بالتعبد، لا يرى حرمة التنجيس (لكان الاولى تعليل التعبد به) اي بانه لا يحرم التنجيس (لا) تعليل التعبد (بطهارة الدخان- كما لا يخفى).

و الحاصل: قد يقول القائل «تحت السماء تعبد، لان الدخان طاهر» و قد يقول «تحت السماء تعبد، لانه لا يحرم التنجيس» و مفهوم الاول «انه لو قلنا بان الدخان نجس، لم يكن تعبدا» فهو يسلم اذن «حرمة التنجيس» و الا فلو قلنا «الدخان نجس» يكون «تحت السماء» أيضا تعبدا اذ لا دليل على حرمة تنجيس السقف.

ص: 161

«الرابع»- هل يجوز الانتفاع بهذا الدهن في غير الاستصباح،

بان يعمل صابونا، او يطلى به الأجرب، او السفن؟ قولان، مبنيان على ان «الاصل في المتنجس جواز الانتفاع الا ما خرج بالدليل» كالاكل و الشرب، و الاستصباح تحت الظل. او ان القاعدة فيه «المنع عن التصرف الا ما خرج بالدليل» كالاستصباح تحت السماء، و بيعه ليعمل صابونا على رواية ضعيفة تأتي.

______________________________

( «الرابع»-) من مواضع وقوع الاشكال في بيع الدهن المتنجس في انه (هل يجوز الانتفاع بهذا الدهن) المتنجس (في غير الاستصباح، بان يعمل صابونا، او يطلى به الأجرب، او) يطلى به (السفن؟) أم لا يجوز الا الاستصباح (قولان، مبنيان على ان «الاصل في المتنجس جواز الانتفاع الا ما خرج بالدليل» كالاكل و الشرب، و الاستصباح تحت الظل) اذن فالصابون و التطلية و غيرهما جائز (او ان القاعدة فيه) اي في المتنجس ( «المنع عن التصرف الا ما خرج بالدليل» كالاستصباح تحت السماء) الذي قام الدليل على جوازه (و) ك (بيعه ليعمل صابونا على رواية ضعيفة) اجازت ذلك كما (تأتي).

فان قلنا بان الاصل: الجواز، كان جميع استعمالات الدهن المتنجس في غير الاكل و ما اشبه مما خرج عن الجواز بالدليل- جائزا. و ان قلنا بان الاصل: الحرمة، كان جميع الاستعمالات محرما، الا ما خرج بالدليل كالاستصباح تحت السماء و نحوه.

ص: 162

و الذي صرح به في مفتاح الكرامة هو الثاني، و وافقه بعض مشايخنا المعاصرين و هو ظاهر جماعة من القدماء كالشيخين و السيدين و الحلي و غيرهم.

قال في الانتصار: و مما انفردت به الامامية، ان كل طعام عالجه اهل الكتاب و من ثبت كفرهم بدليل قاطع لا يجوز اكله و لا الانتفاع به.

و اختلف باقي الفقهاء في ذلك، و قد دللنا على ذلك في كتاب الطهارة.

حيث دللنا على ان سؤر الكفار نجس.

و قال في المبسوط- في الماء المضاف-: انه مباح التصرف

______________________________

(و الذي صرح به في مفتاح الكرامة هو الثاني) اى ان الاصل المنع (و وافقه بعض مشايخنا المعاصرين، و هو ظاهر جماعة من القدماء، كالشيخين) المفيد و الطوسي (و السيدين): المرتضى و ابن زهرة (و) ابن ادريس (الحلي، و غيرهم).

(قال) المرتضى (في الانتصار: و مما انفردت به الامامية، ان كل طعام عالجه اهل الكتاب و من ثبت كفرهم بدليل قاطع) لا من يتهم بالكفر و ليس بكافر شرعا (لا يجوز اكله و لا الانتفاع به) فان الظاهر من قوله- رحمه اللّه- «و لا الانتفاع به»: اصالة عدم الانتفاع الا ما خرج بالدليل. ثم قال السيد: (و اختلف باقي الفقهاء في ذلك، و قد دللنا على ذلك) الذي ذكرنا من عدم الجواز (في كتاب الطهارة، حيث دللنا على ان سؤر الكفار نجس).

(و قال) الشيخ (في المبسوط- في الماء المضاف-: انه مباح التصرف

ص: 163

فيه بانواع التصرف، ما لم تقع فيه نجاسة، فان وقعت فيه نجاسة لم يجز استعماله على حال. و قال- في حكم الماء المتغير بالنجاسة-: انه لا يجوز استعماله الا عند الضرورة للشرب لا غير.

و قال- في النهاية-: و ان كان ما حصل فيه الميتة مائعا، لم يجز استعماله، و وجب اهراقه، انتهى. و قريب منه عبارة المقنعة.

و قال في الخلاف- في حكم السمن و البذر و الشيرج و الزيت اذا وقعت فيه فارة-: انه جاز الاستصباح به و لا يجوز اكله و لا الانتفاع به بغير الاستصباح. و به قال الشافعي. و قال قوم من اصحاب الحديث: لا ينتفع به بحال لا باستصباح

______________________________

فيه بانواع التصرف، ما لم تقع فيه نجاسة، فان وقعت فيه نجاسة لم يجز استعماله على حال) من الاحوال. و وجه الاستدلال بهذه العبارة كالاستدلال بكلام السيد (و قال) الشيخ (- في حكم الماء المتغير بالنجاسة-: انه لا يجوز استعماله الا عند الضرورة للشرب لا غير) فالاصل عدم جواز الاستعمال.

(و قال) الشيخ (- في النهاية-: و ان كان ما حصل فيه الميتة مائعا لم يجز استعماله، و وجب اهراقه. انتهى). فان قوله: «لم يجز استعماله» ظاهر في ان الاصل: المنع. (و قريب منه عبارة المقنعة) للمفيد- رحمه اللّه-.

(و قال في الخلاف- في حكم السمن و) دهن (البذر و الشيرج و الزيت اذا وقعت فيه فارة-: انه جاز الاستصباح به و لا يجوز اكله و لا الانتفاع به بغير الاستصباح. و به قال الشافعي. و قال قوم من اصحاب الحديث) من العامة: (لا ينتفع به بحال) من الاحوال (لا باستصباح

ص: 164

و لا غيره. بل يراق كالخمر. و قال ابو حنيفة: يستصبح به و يباع لذلك مطلقا. و قال داود: ان كان المائع سمنا لم ينتفع به، و ان كان غيره من الادهان لم ينجس بموت الفارة فيه و يحل اكله و شربه.

دليلنا: اجماع الفرقة، و اخبارهم.

و في السرائر- في حكم الدهن المتنجس-: انه لا يجوز الادهان به، و لا استعماله في شي ء من الاشياء، عدا الاستصباح تحت السماء. و ادعى في موضع آخر: ان الاستصباح به تحت الظلال محظور، بغير خلاف.

______________________________

و لا) ب (غيره. بل يراق كالخمر. و قال ابو حنيفة: يستصبح به و يباع لذلك) الاستصباح (مطلقا) بيعا من دون تقييد. (و قال داود:

ان كان المائع سمنا لم ينتفع به، و ان كان غيره من الادهان لم ينجس بموت الفارة فيه و يحل اكله و شربه).

ثم قال الشيخ- رحمه اللّه- (دليلنا) على ما ذكرناه: (اجماع الفرقة، و اخبارهم).

(و) قال الحلي (في السرائر- في حكم الدهن المتنجس-: انه لا يجوز الادهان به، و لا استعماله في شي ء من الاشياء، عدا الاستصباح تحت السماء) و من المعلوم انه اذا لم يجز الادهان- و هو لا يتوقف على الطهارة- كان معناه: عدم جواز سائر الاستعمالات أيضا. (و ادعى) الحلي (في موضع آخر) من السرائر: (ان الاستصباح به تحت الظلال) و السقوف (محظور، بغير خلاف) مما يدل على حرمة الاستعمال و لو فيما لا يشترط بالطهارة.

ص: 165

و قال ابن زهرة- بعد ان اشترط في المبيع ان يكون مما ينتفع به منفعة محللة- قال: و شرطنا في المنفعة ان تكون مباحة، تحفظا من المنافع المحرمة، و يدخل في ذلك كل نجس لا يمكن تطهيره عدا ما استثني من بيع الكلب المعلم للصيد، و الزيت النجس للاستصباح به تحت السماء، و هو اجماع الطائفة.

ثم استدل على جواز بيع الزيت- بعد الاجماع- بان النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أذن في الاستصباح به تحت السماء. قال: و هذا يدل على جواز بيعه لذلك. انتهى.

______________________________

(و قال ابن زهرة- بعد ان اشترط في المبيع ان يكون مما ينتفع به منفعة محللة- قال: و) انما (شرطنا في المنفعة ان تكون مباحة، تحفظا من المنافع المحرمة، و يدخل في ذلك) اي فيما لا منافع محللة له (كل نجس لا يمكن تطهيره عدا ما استثني من بيع الكلب المعلم للصيد، و الزيت النجس للاستصباح به تحت السماء، و هو) اي الحكم في المستثنى منه و المستثنى (اجماع الطائفة).

(ثم استدل) ابن زهرة (على جواز بيع الزيت- بعد الاجماع- بان النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أذن في الاستصباح به تحت السماء. قال:

و هذا) الاذن (يدل على جواز بيعه لذلك) الاستصباح تحت السماء.

و هذا صريح في ان الاصل المنع الا ما خرج. هذا تمام الكلام قولا و دليلا لمن يرى ان الاصل المنع الا ما خرج.

ص: 166

و لكن الاقوى- وفاقا لاكثر المتاخرين- جواز الانتفاع الا ما خرج بالدليل.

و يدل عليه أصالة الجواز، و قاعدة «حل الانتفاع بما في الارض».

و لا حاكم عليها سوى ما يتخيل من بعض الآيات و الاخبار، و دعوى الجماعة المتقدمة الاجماع على المنع.

و الكل غير قابل لذلك.

اما الآيات «فمنها» قوله تعالى «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ»

______________________________

(و لكن الاقوى- وفاقا لاكثر المتأخرين- جواز الانتفاع الا ما خرج بالدليل).

(و يدل عليه) اي على اصل الجواز (أصالة الجواز) لان «كل شي ء لك حلال» «و رفع ما لا يعلمون» و ما اشبه. (و قاعدة «حل الانتفاع بما في الارض») المنصوص عليها في الآية و الرواية.

(و لا حاكم عليها) اي على كل واحدة من الأصالة و القاعدة (سوى ما يتخيل من) دلالة (بعض الآيات و الاخبار) الآتية (و) سوى (دعوى الجماعة المتقدمة الاجماع على المنع).

(و) لكن (الكل غير قابل لذلك) الحكومة على الاصل و القاعدة (اما الآيات) التي استدل بها على اصالة المنع ( «فمنها» قوله تعالى: «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ»). الخمر: كل مسكر. و الميسر: القمار. و الانصاب- جمع نصب-: الصنم. و الازلام: جمع زلم بمعنى سهام القمار. و معنى الرجس:

ص: 167

دل- بمقتضى التفريع- على وجوب اجتناب كل رجس.

«و فيه»: ان الظاهر من الرجس: ما كان كذلك في ذاته، لا ما عرض له ذلك. فيختص بالعناوين النجسة، و هي النجاسات العشر. مع انه لو عم المتنجس لزم ان يخرج عنه اكثر الافراد، فان اكثر المتنجسات لا يجب الاجتناب عنه.

______________________________

الخبيث. و معنى من عمل الشيطان: ان الشيطان هو الآمر بعملها. (دل بمقتضى التفريع) حيث ان المعنى وجوب الاجتناب عن المذكورات لكونها رجسا (على وجوب اجتناب كل رجس) و حيث ان النجس رجس كان اللازم الاجتناب عنه، و الاجتناب شامل لجميع انواع المعاملة و المزاولة. فتفيد الآية اصالة المنع عن استعمال كل نجس الا ما خرج بالدليل.

( «و فيه»: ان الظاهر من الرجس: ما كان كذلك) رجسا (في ذاته، لا ما عرض له ذلك) الرجسية، (فيختص) الرجس (بالعناوين النجسة، و هي النجاسات العشر) و لا يشمل المتنجسات لانها ليست برجس (مع انه) اي الرجس (لو عم المتنجس لزم ان يخرج عنه) اي عن وجوب الاجتناب عن الرجس (اكثر الافراد) المتنجسة، و انما نقول بلزوم خروج اكثر المتنجسات (فان اكثر المتنجسات لا يجب الاجتناب عنه) فالملبس و المسكن و المركب و المنكح و غيرها اذا تنجس نجاسة عرضية لم يجب الاجتناب عنها في الاستعمال المربوط بها، و حيث ان تخصيص الاكثر مستهجن، دار الامر بين ان نقول: ان المراد بالرجس: النجس، فلا تخصيص للاكثر، و بين ان نقول ان المراد بالرجس الاعم من النجس

ص: 168

مع ان وجوب الاجتناب ثابت فيما كان رجسا من عمل الشيطان، يعني من مبتدعاته، فيختص وجوب الاجتناب المطلق بما كان من عمل الشيطان، سواء كان نجسا كالخمر، او قذرا معنويا مثل الميسر.

و من المعلوم ان المائعات المتنجسة كالدهن و الطين و الصبغ

______________________________

و المتنجس فيلزم تخصيص الاكثر المستهجن، لكن الثاني خلاف البلاغة، بل خلاف كلام الحكيم فتعين الاول.

(مع) ان هنا اشكالا ثالثا في الاستدلال بالآية لحرمة جميع الانتفاعات الا ما خرج. و هو: أن الواجب اجتنابه هو الرجس الذي من عمل الشيطان و المراد ب «عمل الشيطان» اما مخترعه، فليس مثل الدهن المتنجس من مخترعات الشيطان، و اما ما يحدث باغوائه ككل معصية، و هذا يكون فيما كان الاستعمال رجسا كشرب المتنجس، اما الصبغ بالدهن المتنجس مثلا ففي كونه رجسا من اغواء الشيطان اوّل الكلام.

و الى هذا اشار المصنف- رحمه اللّه- بقوله: (ان وجوب الاجتناب ثابت فيما كان رجسا من عمل الشيطان) بان يجمع فيه الرجسية و كونه من عمل الشيطان (يعني من مبتدعاته)- على احد التفسيرين في معنى «عمل الشيطان» (فيختص وجوب الاجتناب المطلق) عن كل انتفاع (بما كان من عمل الشيطان، سواء كان نجسا كالخمر) التي ورد في الاحاديث ان الشيطان هو الذي اخترعها (او قذرا معنويا مثل الميسر).

(و) على هذا فلا تدل الآية على وجوب الاجتناب عن استعمال المتنجس، اذ (من المعلوم ان المائعات المتنجسة كالدهن و الطين و الصبغ

ص: 169

و الدبس اذا تنجست ليست من أعمال الشيطان.

و ان اريد من عمل الشيطان: عمل المكلف المتحقق في الخارج باغوائه ليكون المراد بالمذكورات: استعمالها على النحو الخاص، فالمعنى: ان الانتفاع بهذه المذكورات رجس من عمل الشيطان، كما يقال في سائر المعاصي:

انها من عمل الشيطان. فلا تدل أيضا على وجوب الاجتناب عن استعمال المتنجس الا اذا ثبت كون

______________________________

و الدبس اذا تنجست ليست من اعمال الشيطان) و مخترعاته، هذا بناء على كون المراد ب «عمل الشيطان» مخترعاته.

(و ان اريد من عمل الشيطان: عمل المكلف المتحقق في الخارج باغوائه) كنسبة الاعمال الحسنة الى اللّه سبحانه، لكونها تصدر حسب امره و ارادته، نحو قوله تعالى «وَ مٰا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ رَمىٰ» و امثال هذه الآية (ليكون المراد بالمذكورات) في الآية اي الخمر و الميسر و الانصاب و الازلام (استعمالها على النحو الخاص) اي شربا و لعبا و عبادة و اخراجا للحصص (فالمعنى): استعمال هذه الامور انما يصدر باغواء الشيطان، و (ان الانتفاع بهذه المذكورات رجس من عمل الشيطان، كما يقال في سائر المعاصي: انها من عمل الشيطان) اي انها صادرة باغوائه و على هذا فكل عمل صادر من اغواء الشيطان يجب الاجتناب عنه (فلا تدل أيضا على وجوب الاجتناب عن استعمال المتنجس). قوله: «فلا» جواب «و ان اريد». و قوله: «أيضا» اي كما لا تدل الآية- على المعنى الاول- على لزوم الاجتناب عن استعمال كل متنجس (الا اذا ثبت كون

ص: 170

الاستعمال رجسا، و هو اوّل الكلام. و كيف كان فالآية لا تدل على المطلوب

و من بعض ما ذكرنا يظهر ضعف الاستدلال على ذلك بقوله تعالى:

«و الرجز فاهجر» بناء على ان الرجز هو الرجس.

و اضعف من الكل: الاستدلال بآية تحريم الخبائث، بناء على ان كل متنجس خبيث. و التحريم المطلق يفيد عموم الانتفاع.

______________________________

الاستعمال رجسا، و هو) اي كون استعمال المتنجس رجسا (اوّل الكلام) فلا يمكن اثباته بهذه الآية، فانه من قبيل اثبات الموضوع بالحكم (و كيف كان) المعنى في الآية الكريمة (فالآية لا تدل على المطلوب) للقائل بان كل استعمال للمتنجس غير جائز.

(و من بعض ما ذكرنا) في رد الاستدلال بآية «الرجس» (يظهر ضعف الاستدلال على ذلك) اي اصالة عدم جواز الاستعمال الا ما خرج (بقوله تعالى: «وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ» بناء على ان الرجز هو الرجس) وجه الاستدلال: ان الرجز هو النجس الاعم من المتنجس. و هجره: ترك استعماله مطلقا. و الجواب: ان الظاهر من الرجز هو عين النجس، لا الاعم من المتنجس.

(و اضعف من الكل: الاستدلال) لاصالة عدم جواز الاستعمال (بآية تحريم الخبائث) اي قوله تعالى: «وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبٰائِثَ» (بناء على ان كل متنجس خبيث. و) على ان (التحريم المطلق) في قوله تعالى: «يحرم» (يفيد عموم الانتفاع). فالآية في معنى «يمنعهم من كل انواع استعمال المتنجس».

ص: 171

اذ لا يخفى ان المراد هنا: حرمة الاكل، بقرينة مقابلته بحلية الطيبات و اما الاخبار «فمنها»- ما تقدم في رواية تحف العقول، حيث علّل النهي عن بيع «وجوه النجس» بان «ذلك كله محرم اكله و شربه و امساكه و جميع التقلب فيه» فجميع التقلب في ذلك حرام.

«و فيه»-

______________________________

(اذ لا يخفى) ان الظاهر من الآية: يحرم عليهم استعمال كل خبيث حسب ما يلائمه من الاستعمال، مثلا الخبيث من النكاح بالنسبة الى النساء يحرم، و الخبيث بالنسبة الى اللبس يحرم، و هكذا. و لم يدل دليل على ان استعمال المتنجس في غير الاكل و الشرب من جملة الخبائث. و هذا الجواب اولى مما ذكره المصنف- رحمه اللّه- بقوله: (ان المراد هنا: حرمة الاكل، بقرينة مقابلته بحلية الطيبات) اذ ان حلية الطيبات أيضا انما هو بالنسبة الى كل شي ء لا الاكل فقط، و هذا من قبيل قوله سبحانه «الْخَبِيثٰاتُ لِلْخَبِيثِينَ. وَ الطَّيِّبٰاتُ لِلطَّيِّبِينَ» و كيف كان فالآية لا تدل على حرمة استعمال كل متنجس،

(و اما الاخبار) التي استدل بها لاصالة حرمة كل استعمال الا ما خرج بالدليل ( «فمنها»- ما تقدم في رواية تحف العقول، حيث علل النهي عن بيع «وجوه النجس» بان «ذلك كله محرم اكله و شربه و امساكه و جميع التقلب فيه» فجميع التقلب في ذلك حرام) و الاستدلال تارة بلفظة «وجوه النجس» و اخرى بالتعليل.

( «و فيه»-) على تقدير الاستدلال ب «وجوه النجس»-:

ص: 172

ما تقدم من ان المراد بوجوه النجس: عنواناته المعهودة. لان الوجه هو العنوان و الدهن ليس عنوانا للنجاسة.

و الملاقي للنجس، و ان كان عنوانا للنجاسة، لكنه ليس وجها من وجوه النجاسة في مقابلة غيره، و لذا لم يعدوه عنوانا في مقابل العناوين النجسة.

مع ما عرفت من لزوم تخصيص الاكثر، لو اريد به

______________________________

(ما تقدم من ان المراد بوجوه النجس عنواناته المعهودة) كالبول و المنى مما هو نجس بعنوان كونه بولا او منيا. و الدهن ليس بنجس بعنوان كونه دهنا (لان الوجه هو العنوان) الذي يتوجه به الانسان بواسطته الى المعنون و الموجه (و الدهن ليس عنوانا للنجاسة) فلم يقل الشارع: «الدهن نجس» كما قال: «البول نجس».

(و) ان قلت: الشارع قال «الملاقي للنجس نجس» كما يستفاد من الاخبار، فالدهن حيث يصدق عليه «الملاقي للنجس» يكون من العنوانات النجسة.

قلت: (الملاقي للنجس، و ان كان عنوانا للنجاسة، لكنه ليس وجها من وجوه النجاسة، في مقابلة غيره) من سائر النجاسات. بل الملاقي للنجس احد مصاديق المتأثر بسائر النجاسات. (و لذا) الذي ذكرناه من ان الملاقي للنجس فرع، لا انه اصل برأسه كسائر النجاسات، كان الفقهاء (لم يعدوه) اي الملاقي للنجس (عنوانا) مستقلا (في مقابل العناوين النجسة).

و على تقدير الاستدلال بالعلة يرد عليه ما اشار إليه بقوله:

(مع ما عرفت من لزوم تخصيص الاكثر، لو اريد به) اي بالتعليل

ص: 173

المنع عن استعمال كل متنجس.

«و منها»- ما دل على الأمر بإهراق المائعات الملاقية للنجاسة و إلقاء ما حول الجامد من الدهن و شبهه و طرحه. و قد تقدم بعضها في مسألة الدهن و بعضها الآخر متفرقة، مثل قوله: «يهريق المرق» و نحو ذلك.

______________________________

(المنع عن استعمال كل متنجس) فان اللباس، و الفراش، و المسكن، و المركب يجوز استعمالها قطعا فيما لا يشترط بالطهارة. ثم ان من المحتمل ان يكون قوله: «لو اريد به» اي «بوجوه النجس» فيكون اشكالان على «إرادة الاعم من المتنجس» من لفظة: «وجوه النجس».

( «منها»-) اي من الاخبار التي استدل بها على اصالة الاجتناب عن كل متنجس الا ما خرج (ما دل على الأمر باهراق المائعات الملاقية للنجاسة) كما في باب الوضوء، من الامر باهراق المشتبه بالبنجس بين الإناءين، و كما في باب الاطعمة و الاشربة من الامر باهراق المرق النجس و لو جاز الانتفاع بهذه الامور و لو في اطعام الصبي او الحيوان لم يكن وجه للامر باهراقها. و يتم الحكم في سائر المتنجسات بعدم القول بالفصل (و) كذا ما دل على (القاء ما حول الجامد من الدهن و شبهه و طرحه) و لو جاز الاستعمال في الطلي و الصابون و ما اشبه، لم يكن وجه لالقائه.

(و قد تقدم بعضها) اي بعض هذه الاخبار (في مسألة الدهن) المتنجس (و بعضها الآخر متفرقة، مثل قوله: «يهريق المرق») في باب الاطعمة (و نحو ذلك) كيهريقهما و يتيمم، في باب الإناءين المشتبهين في مسألة الوضوء.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 1، ص: 175

ص: 174

«و فيه» ان طرحها كناية عن عدم الانتفاع بها في الاكل. فان ما امر بطرحه من جامد الدهن و الزيت يجوز الاستصباح به اجماعا. فالمراد اطراحه من ظرف الدهن و ترك الباقي للأكل.

و اما الاجماعات ففي دلالتها على المدعى نظر، يظهر من ملاحظتها.

فان الظاهر من كلام السيد المتقدم ان مورد الاجماع هو نجاسة ما باشره اهل الكتاب، و اما حرمة الاكل

______________________________

( «و فيه» ان طرحها) اي المائعات و الجامدات المتنجسة (كناية) عرفا (عن عدم الانتفاع بها في الأكل) و ما اشبه مما يشترط بالطهارة (فان ما امر بطرحه من جامد الدهن و الزيت يجوز الاستصباح به اجماعا) قوله «فان» دليل على ان «الطرح» في الرواية «كناية» و ليس المراد:

الطرح حقيقة، لانه لو وجب الطرح، كيف جاز الاستصباح؟ (فالمراد اطراحه من ظرف الدهن و ترك الباقي للاكل) لا اطراحه اطلاقا. و قد تقدم شبه ذلك في مسألة المذكى المشتبه بالميتة، و ان الطرح في مقابل الاكل، لا في مقابل البيع ممن يستحل، و الذي يؤيد ذلك: جواز الانتفاع بالأجزاء التي لم تحلها الحياة من الميتة.

(و اما) استدلال القائل باصالة عدم جواز استعمال المتنجس الا ما خرج بالدليل، ب (الاجماعات) التي تقدمت حكايتها (ففي دلالتها على المدعى) لهذا القائل (نظر، يظهر) وجه النظر (من ملاحظتها) بدقة و امعان، (فان الظاهر من كلام السيد) المرتضى (المتقدم) صفة «كلام» (ان مورد الاجماع، هو نجاسة ما باشره اهل الكتاب، و اما حرمة الاكل

ص: 175

و الانتفاع، فهي من فروعها المتفرعة على النجاسة، لا ان معقد الاجماع حرمة الانتفاع بالنجس. فان خلاف باقي الفقهاء في اصل النجاسة في اهل الكتاب لا في اصل النجس.

و اما اجماع الخلاف فالظاهر ان معقده ما وقع الخلاف فيه بينه و بين من ذكر من المخالفين، اذ فرق بين دعوى الاجماع على محل النزاع بعد تحريره و بين دعواه ابتداء على الاحكام المذكورات في عنوان المسألة، فان الثاني

______________________________

و الانتفاع) فليس مصب الاجماع (فهي) اي الحرمة (من فروعها) اي فروع النجاسة (المتفرعة على النجاسة، لا ان معقد الاجماع حرمة الانتفاع بالنجس) مطلقا، و الذي يدل على ان الاجماع للنجاسة، لا لحرمة الانتفاع ما اشار إليه المصنف- رحمه اللّه- بقوله: (فان خلاف باقي الفقهاء) من العامة (في اصل النجاسة في اهل الكتاب) فان المشهور بين علماء العامة طهارة اهل الكتاب (لا) باقي الفقهاء يختلفون معنا (في اصل النجس) حتى يكون دعوى السيد للاجماع في قبالهم.

(و اما اجماع الخلاف) للشيخ الطوسي (فالظاهر ان معقده) و مصبه (ما وقع الخلاف فيه بينه و بين من ذكر من المخالفين) اي جواز الاستصباح، لان دعواه الاجماع منصب على «عدم جواز جميع الاستعمالات» (اذ فرق بين دعوى الاجماع على محل النزاع بعد تحريره) فان مثل هذا الاجماع ينصب على محل النزاع فقط (و بين دعواه ابتداء على الاحكام المذكورات في عنوان المسألة) كأن يقول: البيع، و الاستعمال، و الاكل لا يجوز بالنسبة الى النجس، اجماعا- مثلا- (فان الثاني) اي الاجماع

ص: 176

يشمل الاحكام كلها، و الاول لا يشمل الا الحكم الواقع مورد الخلاف، لانه الظاهر من قوله: «دليلنا اجماع الفرقة». فافهم و اغتنم.

و اما اجماع السيد في الغنية فهو في اصل مسألة «تحريم بيع النجاسات و «استثناء الكلب المعلم» و «الزيت المتنجس». لا فيما ذكره من ان حرمة بيع المتنجس من حيث دخوله فيما يحرم الانتفاع. نعم هو قائل بذلك.

و بالجملة، فلا ينكر ظهور كلام السيد في حرمة

______________________________

الذي ادعى ابتداء (يشمل الاحكام) المذكورة في العنوان (كلها، و الاول) اي دعوى الاجماع على محل النزاع بعد تحريره (لا يشمل الا الحكم الواقع مورد الخلاف لانه) اي الحكم الواقع مورد الخلاف فقط- لا كل حكم ذكر في المسألة- هو (الظاهر من قوله: «دليلنا اجماع الفرقة» فافهم) هذه النكتة (و اغتنم) لكن اورد المجاهد الشيرازي «1» على قوله «فالظاهر ان معقده» ما لا يخلو من وجه فراجع.

(و اما اجماع السيد) ابن زهرة (في الغنية فهو في اصل مسألة «تحريم بيع النجاسات» و) في مسألة ( «استثناء الكلب المعلم» و «الزيت المتنجس». لا) ان الاجماع (فيما ذكره من ان حرمة بيع المتنجس) انما هو (من حيث دخوله) اي المتنجس (فيما يحرم الانتفاع. نعم هو) السيد (قائل بذلك) اي بان المتنجس داخل فيما يحرم الانتفاع به، لكن لم يدع على هذه الفتوى الاجماع.

(و بالجملة، فلا ينكر ظهور كلام السيد) ابن زهرة (في حرمة

______________________________

(1) هو المرحوم الشيخ ميرزا محمد تقي رحمه اللّه.

ص: 177

الانتفاع بالنجس الذاتي و العرضي، لكن دعواه الاجماع على ذلك بعيدة عن مدلول كلامه جدا، و كذلك لا ينكر كون السيد و الشيخ قائلين بحرمة الانتفاع بالمتنجس، كما هو ظاهر المفيد، و صريح الحلي. لكن دعواهما الاجماع على ذلك ممنوعة عند المتأمل المنصف.

«ثم» على تقدير تسليم دعواهم الاجماعات فلا ريب في وهنها بما يظهر من اكثر المتأخرين، من قصر حرمة الانتفاع على امور خاصة.

______________________________

الانتفاع بالنجس الذاتي) اي اعيان النجاسات (و العرضي) اي المتنجسات (لكن دعواه الاجماع على ذلك) اي على تحريم الانتفاع بالمتنجسات (بعيدة عن مدلول كلامه جدا) و لو شك في ان مصب اجماعه كل ما ذكره سابقا، او خصوص حرمة الانتفاع بالذاتي، كان غير المتيقن محل منع، فلا يتحقق الاجماع الذي هو حجة- على تقدير حجية اجماعه- في الانتفاع بالمتنجسات. (و كذلك لا ينكر كون السيد) المرتضى (و الشيخ) الطوسي (قائلين بحرمة الانتفاع بالمتنجس، كما هو ظاهر المفيد، و صريح الحلي) في السرائر. (لكن دعواهما): السيد و الشيخ (الاجماع) الذي في كلامهما (على ذلك) اي تحريم الانتفاع (ممنوعة عند المتأمل المنصف) فلا اجماع في المسألة.

( «ثم» على تقدير تسليم دعواهم) اي السيدين و الشيخ (الاجماعات) على حرمة كل انتفاع بالمتنجس عدا ما استثني (فلا ريب في وهنها بما يظهر من اكثر المتأخرين، من قصر حرمة الانتفاع على امور خاصة). و ليس مثل هذا الاجماع كاشفا عن قول المعصوم، و لا موجبا للحدس القطعي،

ص: 178

قال في المعتبر- في احكام الماء القليل المتنجس-: «و كل ماء حكم بنجاسته لم يجز استعماله- الى ان قال-: «و نريد بالمنع عن استعماله:

الاستعمال في الطهارة، و ازالة الخبث، و الاكل و الشرب، دون غيره، مثل بل الطين، و سقي الدابة» انتهى.

اقول: ان بل الصبغ، و الحناء بذلك الماء داخل في الغير، فلا يحرم الانتفاع بهما.

و اما العلامة فقد قصر حرمة استعمال الماء المتنجس في التحرير و القواعد و الارشاد، على الطهارة و الاكل و الشرب،

______________________________

فلا حجية فيه.

(قال) المحقق (في المعتبر- في احكام الماء القليل المتنجس-: «و كل ماء حكم بنجاسته لم يجز استعماله- الى ان قال-: «و نريد بالمنع عن استعماله: الاستعمال في الطهارة)، كالوضوء و الغسل (و) في (ازالة الخبث، و) في (الاكل و الشرب، دون) استعماله في (غيره) اي غير ما ذكر (مثل بل الطين و سقي الدابة انتهى).

(اقول): ليس مراد المحقق اختصاص الجواز ببل الطين و سقي الدابة، بل (ان بل الصبغ، و الحناء بذلك الماء) و تبريد الجسد و بل الجص، و سائر انحاء الاستعمالات (داخل في الغير). اي في لفظة «الغير» التي ذكرها المحقق في كلامه. (فلا يحرم الانتفاع بهما) و بسائر الاستعمالات.

(و اما العلامة فقد قصر حرمة استعمال الماء المتنجس في التحرير و القواعد و الارشاد على الطهارة و الاكل و الشرب) و معناه الجواز في

ص: 179

و جوز في المنتهى الانتفاع بالعجين النجس في علف الدواب، محتجا بان المحرم على المكلف تناوله، و بانه انتفاع فيكون سائغا، للاصل.

و لا يخفى- ان كلا دليليه صريح في حصر التحريم في اكل العجين المتنجس و قال الشهيد- في قواعده-: النجاسة ما حرم استعماله في الصلاة و الأغذية. ثم ذكر ما يؤيد المطلوب.

و قال في الذكرى- في احكام النجاسة-: «تجب ازالة النجاسة عن الثوب و البدن. ثم ذكر المساجد و غيرها-

______________________________

غير هذه الثلاثة (و جوز) العلامة (في المنتهى الانتفاع بالعجين النجس في علف الدواب، محتجا) لذلك (بان المحرم على المكلف تناوله) اي تناول العجين النجس (و بانه) اي تعليف الدابة بالعجين النجس (انتفاع فيكون سائغا) جائزا، (للاصل) لان كل شي ء لك حلال.

(و لا يخفى. ان كلا دليليه) و هو قوله «بان المحرم الخ» و قوله «للأصل» (صريح في حصر التحريم في اكل العجين المتنجس) اما سائر استعمالاته فجائز حلال.

(و قال الشهيد) الاول (- في قواعده-: النجاسة ما حرم استعماله في الصلاة و) في (الأغذية. ثم ذكر ما يؤيد المطلوب) من جواز استعمال المتنجس في سائر الامور.

(و قال في الذكرى- في احكام النجاسة-: تجب ازالة النجاسة عن الثوب و البدن. ثم ذكر) ازالة النجاسة عن (المساجد و غيرها-

ص: 180

الى ان قال-: و عن كل مستعمل في اكل او شرب أو ضوء تحت ظل.

للنهي عن النجس، و للنص. انتهى.

و مراده- بالنهي عن النجس-: النهي عن اكله. و مراده- بالنص-: ما ورد من المنع عن الاستصباح بالدهن المتنجس تحت السقف.

فانظر الى صراحة كلامه في ان المحرم من الدهن المتنجس بعد الاكل و الشرب خصوص الاستضاءة تحت الظل للنص.

و هو المطابق لما حكاه المحقق الثاني في حاشية الارشاد عنه- قدس سره- في بعض فوائده من جواز الانتفاع بالدهن المتنجس، في جميع ما يتصور من فوائده.

______________________________

الى ان قال-: و عن كل مستعمل في اكل او شرب او ضوء تحت ظل) في مقابل الاستصباح تحت السماء الذي يجوز بالدهن المتنجس (للنهي عن النجس و للنص انتهى) كلام الشهيد في الذكرى.

(و مراده- بالنهي عن النجس-: النهي عن اكله. و مراده- بالنص-:

ما ورد من المنع عن الاستصباح بالدهن المتنجس تحت السقف). كما تقدم ذلك. (فانظر الى صراحة كلامه) اي كلام الذكرى (في ان المحرم من الدهن المتنجس بعد الاكل و الشرب خصوص الاستضاءة تحت الظل) و السقف (للنص) لا ان الاصل هو المنع، بل الاصل الجواز الا ما خرج بالنص.

(و هو) اي هذا التصريح هو (المطابق لما حكاه المحقق الثاني في حاشية الارشاد عنه- قدس سره- في بعض فوائده) اي فوائد الشهيد الاول (من جواز الانتفاع بالدهن المتنجس، في جميع ما يتصور من فوائده) كالتطلية، و صنع الصابون

ص: 181

و قال المحقق و الشهيد الثانيان في المسالك، و حاشية الارشاد- عند قول المحقق و العلامة قدس سرهما: «تجب ازالة النجاسة عن الاواني»-:

ان هذا اذا استعملت فيما يتوقف استعماله على الطهارة، كالاكل و الشرب.

و سيأتي عن المحقق الثاني في حاشية الارشاد في مسألة الانتفاع بالاصباغ المتنجسة ما يدل على عدم توقف جواز الانتفاع بها على الطهارة.

و في المسالك- في ذيل كلام المحقق قدس سره «و كل مائع نجس عدا الادهان»- قال: لا فرق في عدم جواز بيعها،

______________________________

و التمريخ، و ما اشبه.

(و قال المحقق و الشهيد الثانيان) المراد بالمحقق «الكركي» قدس سره (في المسالك، و حاشية الارشاد،- عند قول المحقق) الاول (و العلامة قدس سرهما: «تجب ازالة النجاسة عن الاواني»-: ان هذا اذا استعملت) الاواني (فيما يتوقف استعماله على الطهارة، كالاكل و الشرب) و مفهومه جواز استعمال الأواني النجسة فيما لا يتوقف على الاكل و الشرب، كالتعجين للدابة، و التبليل للطين، و ما اشبه ذلك.

(و سيأتي عن المحقق الثاني في حاشية الارشاد في مسألة الانتفاع بالاصباغ المتنجسة ما يدل على عدم توقف جواز الانتفاع بها على الطهارة) فيجوز استعمالها في جميع الامور عدا ما استثني مما يتوقف على الطهارة.

(و في المسالك- في ذيل كلام المحقق قدس سره «و كل مائع نجس عدا الادهان»- قال) صاحب المسالك: (لا فرق في عدم جواز بيعها

ص: 182

على القول بعدم قبولها للطهارة، بين صلاحيتها للانتفاع على بعض الوجوه و عدمه، و لا بين الاعلام بحالها و عدمه، على ما نص عليه الاصحاب.

و اما الادهان المتنجسة بنجاسة عارضية كالزيت تقع فيه الفارة، فيجوز بيعها لفائدة الاستصباح بها. و انما خرج هذا الفرد بالنص و الا فكان ينبغي مساواتها لغيرها من المائعات المتنجسة التي يمكن الانتفاع بها في بعض الوجوه.

______________________________

على القول بعدم قبولها للطهارة بين صلاحيتها للانتفاع على بعض الوجوه و عدمه) اي عدم صلوحها للانتفاع، و المراد ببعض الوجوه: مثل بل الطين، و التعجين لعلف الدابة و ما اشبه. (و لا بين الاعلام بحالها) لمن يشتريها (و عدمه) اي عدم الاعلام (على ما نص عليه الاصحاب) من عدم الجواز مطلقا.

و قوله: «على القول بعدم قبولها للطهارة» اشارة الى ما اختاره العلامة في بعض كتبه من امكان تطهير الدهن المتنجس بإلقائه في كر حار فانه بفوران الماء تتقلب اجزاء الدهن فيه فيطهر، لكن المشهور عدم امكان طهارته، لعدم العلم بوصول الماء الى الأجزاء النجسة.

(و اما الادهان المتنجسة بنجاسة عارضية، كالزيت تقع فيه الفارة، فيجوز بيعها لفائدة الاستصباح بها) اي بتلك الادهان (و انما خرج هذا الفرد) من «عدم جواز بيع ما لا يقبل الطهارة» (بالنص) الذي تقدم (و الا فكان ينبغي مساواتها) اي الادهان المتنجسة (لغيرها من المائعات المتنجسة التي يمكن الانتفاع بها في بعض الوجوه) و مع ذلك لا يجوز

ص: 183

و قد ألحق بعض الاصحاب ببيعها للاستصباح بيعها ليعمل صابونا، او يطلى بها الاجرب و نحو ذلك.

و يشكل بانه خروج عن مورد النص المخالف للاصل، فإن جاز لتحقق المنفعة فينبغي مثله في المائعات النجسة التي ينتفع بها، كالدبس يطعم النحل و نحوه. انتهى.

و لا يخفى ظهوره في جواز الانتفاع

______________________________

بيعها. إلى هنا كان كلام الشهيد تفسيرا لكلام المحقق، و فيه شاهد لما يريده المصنف من جواز الانتفاع بالمتنجس مطلقا.

(و قد ألحق بعض الاصحاب ب) جواز (بيعها) اي الادهان المتنجسة (للاستصباح بيعها ليعمل صابونا او يطلى بها الاجرب و نحو ذلك) من سائر المنافع المحللة.

(و يشكل) هذا الالحاق (بانه خروج عن مورد النص المخالف للاصل) فانه على تقدير كون الأصل في المتنجسات عدم جواز البيع يكون البيع للاستصباح خروجا عن الاصل، للنص، فاذا لم يكن نص في التطلية و التصبين و ما اشبه، كانت القاعدة عدم الجواز. (فان) قيل بانه (جاز) البيع لسائر الانتفاعات (لتحقق المنفعة) المحللة المقصودة (فينبغي مثله في المائعات النجسة التي ينتفع بها) في غير الاكل و الشرب و ما اشبه- مما لا يجوز- (كالدبس يطعم النحل) به (و نحوه. انتهى).

(و لا يخفى ظهوره) اي ظهور كلام الشهيد (في جواز الانتفاع

ص: 184

بالمتنجس، و كون المنع من بيعه- لاجل النص- يقتصر على مورده.

و كيف كان- فالمتتبع في كلام المتأخرين يقطع بما استظهرناه من كلماتهم.

و الذي اظن- و ان كان الظن لا يغني لغيري شيئا- ان كلمات القدماء ترجع الى ما ذكره المتأخرون، و ان المراد بالانتفاع في كلمات القدماء الانتفاعات الراجعة الى الاكل و الشرب و اطعام الغير و بيعه على نحو بيع ما يحل اكله.

«ثم» لو فرضنا مخالفة القدماء كفى موافقة المتأخرين في دفع الوهن عن

______________________________

بالمتنجس، و كون المنع من بيعه- لاجل النص- يقتصر على مورده).

(و كيف كان) الامر سواء كان كلام الشهيد- هنا- ظاهرا فيما ذكرناه أم لا (فالمتتبع في كلام المتأخرين يقطع بما استظهرناه من كلماتهم) من انهم يرون ان الاصل جواز الانتفاع الا ما خرج، خلافا للقدماء الذين كانوا يرون الاصل عدم جواز الانتفاع الا ما خرج.

(و الذي اظن- و ان كان الظن لا يغني لغيرى شيئا-) و انما يغنيني لان ظني سبب استظهاري و هو حجة علي لا على غيري (ان كلمات القدماء) أيضا (ترجع الى ما ذكره المتأخرون، و ان المراد بالانتفاع) المحرم (في كلمات القدماء) ليس مطلق الانتفاعات، حتى يقال بان الاصل عندهم عدم جواز الانتفاع الا ما خرج، و انما (الانتفاعات الراجعة الى الاكل و الشرب و اطعام الغير و بيعه على نحو بيع ما يحل اكله) من دون تنبيه و لا اعلام.

( «ثم» لو فرضنا محالفة القدماء) لما ذكرناه من اصالة الجواز المستفادة من القواعد الشرعية (كفى موافقة المتأخرين في دفع الوهن عن

ص: 185

الاصل و القاعدة السالمين عما يرد عليهما.

«ثم» على تقدير جواز غير الاستصباح من الانتفاعات فالظاهر جواز بيعه لهذه الانتفاعات، وفاقا للشهيد و المحقق الثانى «قدس سرهما» قال الثانى- في حاشية الارشاد في ذيل قول العلامة «الا الدهن للاستصباح»-:

ان في بعض الحواشي المنسوبة الى شيخنا الشهيد «ان الفائدة لا تنحصر في ذلك، اذ مع فرض فائدة اخرى للدهن لا تتوقف على طهارته يمكن بيعه لها

______________________________

الاصل) المقتضي للبراءة عن الحرمة (و القاعدة) المقتضية لحل ما في الارض امساكا و انتفاعا و تقلبا الا ما خرج (السالمين عما يرد عليهما) مما استدل به المانع، من الآيات و الاخبار و الاجماعات، التي تقدمت و تقدم الايراد على دلالتها. هذا تمام الكلام في جواز الانتفاع بالمتنجسات.

( «ثم» على تقدير جواز غير الاستصباح من الانتفاعات) كما اخترناه (فالظاهر جواز بيعه) اي المتنجس (لهذه الانتفاعات) اي ان يكون البيع لاجل هذه المنافع، لا البيع مطلقا، و لا البيع لاجل المنافع المحرمة (وفاقا للشهيد) الاول (و المحقق الثاني «قدس سرهما» قال الثاني) اي المحقق الكركي (- في حاشية الارشاد في ذيل قول العلامة «الا الدهن للاستصباح»-: ان في بعض الحواشي المنسوبة الى شيخنا الشهيد) الاول ( «ان الفائدة) في الدهن المتنجس (لا تنحصر في ذلك،) الاستصباح (اذ مع فرض فائدة اخرى للدهن) المتنجس بحيث (لا تتوقف) تلك الفائدة (على طهارته) اي طهارة الدهن (يمكن) اي يجوز (بيعه لها)

ص: 186

كاتخاذ الصابون منه. قال و هو مروي و مثله طلي الدواب» اقول: لا بأس بالمصير الى ما ذكره شيخنا، و قد ذكر ان به رواية. انتهى.

اقول: و الرواية اشارة الى ما عن الراوندي في كتاب النوادر باسناده عن ابي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام، و فيه «سئل عليه السلام عن الشحم يقع فيه شي ء له دم فيموت؟ قال عليه السلام: تبيعه لن يعمله صابونا» الخبر.

______________________________

اي لتلك الفائدة (كاتخاذ الصابون منه) اي من الدهن المتنجس (قال) الشهيد «رحمه اللّه» (و هو مروي) اي جواز اتخاذ الصابون من الدهن المتنجس (و مثله) اي مثل اتخاذ الصابون (طلي الدواب») ثم قال الكركي (اقول: لا بأس بالمصير الى ما ذكره شيخنا) الشهيد على القاعدة (و قد ذكر ان به رواية) و هي تؤيد القاعدة (انتهى) كلام الكركي.

(اقول: و الرواية اشارة الى ما عن الراوندي في كتاب النوادر باسناده عن ابي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام، و فيه) اي في هذا الحديث ( «سئل عليه السلام عن الشحم يقع فيه شي ء له دم فيموت) يعني ما حكمه؟ (قال عليه السلام: تبيعه لمن يعلمه صابونا») الى آخر (الخبر) و هذا صريح في جواز البيع لغير الاستصباح. و مثله ما عن الجعفريات باسناده الى علي عليه السلام «انه سئل عن الزيت يقع فيه شي ء له دم فيموت، قال عليه السلام: الزيت خاصة يبيعه لمن يعمله صابونا» و في خبر الدعائم عن علي عليه السلام- في خبر- في الزيت يعمله صابونا ان شاء.

ص: 187

بيع غير الدهن من المتنجسات

ثم لو قلنا بجواز البيع في الدهن لغير المنصوص من الانتفاعات المباحة فهل يجوز بيع غيره من المتنجسات المنتفع بها في المنافع المقصودة المحللة كالصبغ و الطين و نحوهما، أم يقتصر على المتنجس المنصوص- و هو الدهن- غاية الامر التعدي من حيث غاية البيع الى غير الاستصباح؟ اشكال:

من ظهور استثناء الدهن- في كلام المشهور- في عدم جواز بيع ما عداه

______________________________

( «ثم» لو قلنا بجواز البيع في الدهن) النجس (لغير المنصوص) كالاسراج و التصبين و غيرهما (من الانتفاعات المباحة) كالتطلية و التمريخ (فهل يجوز بيع غيره) اي غير الدهن (من المتنجسات المنتفع بها في المنافع المقصودة المحللة كالصبغ و الطين و نحوهما أم يقتصر) في جواز البيع (على المتنجس المنصوص و هو الدهن) المتنجس (غاية الامر) في التعدي عن مورد النص (التعدي من حيث غاية البيع الى غير الاستصباح) و التصبين (اشكال). هذا جواب «هل».

و الحاصل: ان النص ورد في جواز بيع الدهن المتنجس للاستصباح و التصبين، و هناك تعديان عن مورد النص: الاول- بيع الدهن المتنجس لسائر الامور كالتطلية و نحوها. الثاني- بيع غير الدهن من سائر المتنجسات لاجل منفعة محللة، كبيع الصبغ النجس لاجل التصبيغ، و بيع الطين النجس لاجل التطيين، و بيع الدبس النجس لاجل تطعيم النحل، فان قلنا بصحة التعدي الاول فهل يصح التعدي الثاني أم لا؟ احتمالان:

الاحتمال الاول- عدم جواز التعدي (من) جهة (ظهور استثناء الدهن- في كلام المشهور- في عدم جواز بيع ما عداه) فانهم قالوا:

ص: 188

بل عرفت من المسالك: نسبة عدم الفرق بين ماله منفعة محللة، و ما ليست له- الى نص الاصحاب.

و مما تقدم في مسألة جلد الميتة: من ان الظاهر من كلمات جماعة من القدماء و المتأخرين- كالشيخ في الخلاف، و ابن زهرة، و العلامة، و ولده، و الفاضل المقداد، و المحقق الثاني و غيرهم- دوران المنع عن بيع النجس مدار جواز الانتفاع به و عدمه، الا ما خرج بالنص، كأليات الميتة مثلا، او مطلق نجس العين على

______________________________

لا يجوز البيع الا في الدهن، فمعناه عدم جواز بيع غير الدهن (بل عرفت من المسالك: نسبة عدم الفرق بين ماله منفعة محللة، و ما ليست له) منفعة محللة (الى نص الاصحاب) فوجود المنفعة المحللة لا تجوز البيع في غير الدهن.

(و) الاحتمال الثاني- جواز التعدي (من) جهة (ما تقدم في مسألة جلد الميتة: من ان الظاهر من كلمات جماعة من القدماء و المتأخرين كالشيخ في الخلاف، و ابن زهرة، و العلامة، و ولده، و الفاضل المقداد و المحقق الثاني) الكركي (و غيرهم، دوران المنع عن بيع النجس مدار جواز الانتفاع به و عدمه) فاذا جاز الانتفاع جاز البيع، و اذا لم يجز الانتفاع لم يجز البيع. (الا ما خرج بالنص) اي انه يجوز البيع كلما جاز الانتفاع الا ما خرج بالنص، فانه و ان جاز الانتفاع لم يجز البيع في أشياء مخصوصة، و ذلك للنص بعدم جواز البيع (كأليات الميتة مثلا، او مطلق نجس العين) كالعذرة ينتفع بها في التسميد، و مع ذلك لا يجوز بيعها (على

ص: 189

ما سيأتي من الكلام فيه.

و هذا هو الذي يقتضيه استصحاب الحكم قبل التنجس و هي القاعدة المستفادة من قوله عليه السلام- في رواية تحف العقول-: «ان كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات، فذلك كله حلال» و ما تقدم من رواية دعائم الاسلام، من «حل بيع كل ما يباح الانتفاع به».

و اما قوله تعالى: «فَاجْتَنِبُوهُ» و قوله تعالى: «وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ»

______________________________

ما سيأتي من الكلام فيه) اي في مطلق نجس العين.

(و هذا) الاحتمال الثاني- اي جواز بيع كل ما يجوز الانتفاع به، الا ما خرج بالنص- (هو الذي يقتضيه استصحاب الحكم) اي الحكم بجواز البيع (قبل التنجس) فان الصبغ قبل ان يتنجس كان جائز البيع، فكذلك اذا تنجس، للاستصحاب، و من المعلوم ان الموضوع قبل النجاسة و بعدها واحد، فلا يمكن ان يقال: ان النجاسة اوجبت تغير الموضوع، فلا مجال للاستصحاب. (و هي) اي جواز بيع كل ما يجوز الانتفاع به الا ما خرج بالنص- و تأنيث الضمير باعتبار الخبر- (القاعدة المستفادة من قوله عليه السلام- في رواية تحف العقول-: «ان كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات، فذلك كله حلال») فان الصبغ- مثلا- فيه جهة صلاح فيجوز بيعه و امساكه و سائر انحاء التقلب فيه. (و ما تقدم من رواية دعائم الاسلام، من «حل بيع كل ما يباح الانتفاع به») بل و مطلقات «تجارة عن تراض» «و احل اللّه البيع» و غيرهما.

(و اما قوله تعالى: «فَاجْتَنِبُوهُ» و قوله تعالى: «وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ»)

ص: 190

فقد عرفت انهما لا تدلان على حرمة الانتفاع بالمتنجس فضلا عن حرمة البيع على تقدير جواز الانتفاع.

و من ذلك يظهر عدم صحة الاستدلال فيما نحن فيه بالنهي في رواية تحف العقول «عن بيع شي ء من وجوه النجس» بعد ملاحظة تعليل المنع فيها بحرمة الانتفاع.

و يمكن حمل كلام من اطلق المنع من بيع النجس الا الدهن لفائدة الاستصباح، على إرادة المائعات النجسة التي لا ينتفع بها في غير الاكل

______________________________

و سائر ما دل على هجر النجس من الروايات (فقد عرفت انهمالا تدلان على حرمة الانتفاع بالمتنجس) انتفاعا محللا مقصودا (فضلا عن) دلالتهما على (حرمة البيع، على تقدير جواز الانتفاع) فلا يرد على اصالة جواز البيع و قاعدة جواز البيع شي ء من الآيات المذكورة، لتكون رافعة للاصل، و مخصصة للقاعدة.

(و من ذلك) الذي ذكرنا من عدم دلالة الآية (يظهر عدم صحة الاستدلال فيما نحن فيه) لعدم جواز بيع المتنجس (بالنهي في رواية تحف العقول، عن بيع شي ء من وجوه النجس، بعد ملاحظة تعليل المنع فيها) اي في الرواية المذكورة (بحرمة الانتفاع) اذ نفس الرواية تدل على انه اذا لم يحرم الانتفاع جاز البيع، فهي لنا لا علينا.

(و يمكن حمل كلام من اطلق المنع عن بيع النجس الا الدهن لفائدة الاستصباح، على إرادة المائعات النجسة التي لا ينتفع بها في غير الاكل

ص: 191

و الشرب، منفعة محللة مقصودة من امثالها.

و يؤيده تعليل استثناء الدهن بفائدة الاستصباح نظير استثناء بول الابل للاستشفاء

______________________________

و الشرب منفعة محللة مقصودة من امثالها) «من» متعلق ب «مقصودة» اي ان المنفعة المقصودة من امثال هذه المائعات النجسة، لا ينتفع بتلك المنفعة من هذه المائعات.

و الحاصل: ان مرادهم عدم جواز البيع في المائعات النجسة لانها لا فائدة فيها، بخلاف الدهن فانه يجوز بيعه لان فيه فائدة و هي الاستصباح فاللام في قولهم «للاستصباح» للعلية. فليس هناك من يمنع عن بيع ما فيه الفائدة من المتنجسات، و حينئذ يصح ما ذكرناه من اصل جواز بيع كل ما فيه فائدة الا ما خرج بالدليل.

(و يؤيده) اي ما ذكرنا من ان مرادهم بالمستثنى منه ما لا فائدة فيه (تعليل) هؤلاء الفقهاء (استثناء الدهن) المتنجس (ب) قولهم: ل (فائدة الاستصباح) فالاستثناء منقطع، فكأنهم قالوا: لا يصح بيع النجس الذي لا فائدة فيه. اما بيع الدهن النجس فانه جائز لوجود الفائدة فيه- و هو الاستصباح-، و انما قال: «يؤيده» لاحتمال ان يكون «اللام» في قولهم «للاستصباح» للغاية، لا للعلية، بمعنى انه «يجوز بيع ينتهي الى الاستصباح» لا ان المعنى «يجوز البيع لان فيه فائدة محللة هي الاستصباح» فيكون استثناء الدهن- على العلية- (نظير استثناء) الفقهاء (بول الابل) و تعليلهم الاستثناء بقولهم (للاستشفاء) فان «اللام» هنا للعلية، لا للغاية

ص: 192

و ان احتمل ان يكون ذكر الاستصباح لبيان ما يشترط ان يكون غاية للبيع:

قال في جامع المقاصد- في شرح قول العلامة: «الا الدهن لتحقق فائدة الاستصباح به تحت السماء خاصة» قال: و ليس المراد ب «خاصة» بيان حصر الفائدة في الاستصباح كما هو الظاهر. و قد ذكر شيخنا الشهيد في حواشيه: ان في رواية جواز اتخاذ الصابون من الدهن المتنجس. و صرح مع ذلك

______________________________

فالمعنى انما جاز بيع بول الابل لان فيه منفعة هي الاستشفاء (و ان احتمل ان يكون ذكر الاستصباح) في قولهم «للاستصباح» (لبيان ما يشترط ان يكون غاية للبيع) فاللام للغاية، لا للعلية.

«ثم» ان المصنف «رحمه اللّه» ذكر كلام جامع المقاصد شاهدا على ان مرادهم ب «للاستصباح» العلة. لا الغاية، حتى يستدل بانهم انما يمنعون بيع ما لا فائدة فيه من المتنجسات، لا انهم يمنعون بيع كل متنجس مطلقا، الا ما خرج بالدليل.

(قال في جامع المقاصد- في شرح قول العلامة «الا الدهن لتحقق فائدة الاستصباح به تحت السماء خاصة» قال) المحقق الكركي: (و ليس المراد ب «خاصة») في كلام العلامة (بيان حصر الفائدة) للدهن (في الاستصباح، كما هو الظاهر) اي يظهر من كلامه انه يريد عدم جواز استفادة اخرى من الدهن النجس غير الاستصباح (و) كيف يريد العلامة الحصر و الحال انه (قد ذكر شيخنا الشهيد) الاول (في حواشيه: ان في رواية جواز اتخاذ الصابون من الدهن المتنجس) و هذا يدل على ان «خاصة» في كلام العلامة لا يراد به الاستصباح فقط (و صرح) الشهيد (مع ذلك)

ص: 193

بجواز الانتفاع به فيما يتصور من فوائده كطلي الدواب.

ان قيل: ان العبارة تقتضي حصر الفائدة، لان الاستثناء في سياق النفي يفيد الحصر، فان المعنى في العبارة: الا الدهن النجس لهذه الفائدة.

قلنا: ليس المراد ذلك، لان الفائدة بيان لوجه الاستثناء اي الا الدهن لتحقق فائدة الاستصباح، و هذا لا يستلزم الحصر.

______________________________

اي مع تجويزه اتخاذ الصابون علاوة على الاستصباح (بجواز الانتفاع به) اي بالدهن المتنجس (فيما يتصور من فوائده) المحللة (كطلي الدواب)

ف (ان قيل: ان العبارة) اي عبارة العلامة (تقتضي حصر الفائدة) للدهن المتنجس في الاستصباح (لان الاستثناء في سياق النفي يفيد الحصر) لان العلامة قال «و لا يجوز ... الا الدهن للاستصباح» و ظاهره: عدم استعمال الدهن في سائر الامور (فان المعنى في العبارة) للعلامة (الا الدهن النجس لهذه الفائدة) الخاصة اي الاستصباح.

(قلنا: ليس المراد) من لفظة «خاصة» (ذلك) الذي ذكرتم من انه اراد بالخاصة عدم جواز سائر استعمالات الدهن (لان الفائدة) اي قوله: «لفائدة الاستصباح» (بيان لوجه الاستثناء) فالمعنى: أنه إنما نستثني الدهن من عموم عدم الجواز، لوجود فائدة فيه، فاللام للعلة، لا للغاية (اي) لا يجوز (الا الدهن لتحقق فائدة الاستصباح) و ليس المعنى «الا الدهن المنتهي الى الاستصباح» حتى لا يصح انتهاء الدهن الى «الصابون» او «الطلي» (و هذا) المعنى الذي ذكرناه من ان «الفائدة» في كلام العلامة بيان لوجه الاستثناء (لا يستلزم الحصر) بحيث لا يصح

ص: 194

و يكفي في صحة ما قلنا تطرق الاحتمال في العبارة المقتضي لعدم الحصر.

انتهى.

و كيف كان فالحكم بعموم كلمات هؤلاء لكل مائع متنجس مثل الطين و الجص المائعين و الصبغ و شبه ذلك محل تامل.

و ما نسبه في المسالك- من عدم فرقهم في المنع عن بيع المتنجس بين ما يصلح للانتفاع به و ما لا يصلح- فلم يثبت

______________________________

استعمال الدهن في سائر المنافع المحللة، و اذا لم يكن حصرا جاز سائر الاستعمالات المحللة.

(و يكفي في صحة ما قلنا) من ان «اللام» للعلة، لا للغاية (تطرق الاحتمال) اي احتمال العلية (في العبارة) للعلامة (المقتضي) هذا التطرق (لعدم الحصر) اذ مع تطرق هذا الاحتمال، لا ظهور «للام» في الغاية حتى يكون حصرا. (انتهى) كلام جامع المقاصد.

(و كيف كان) سواء كان «اللام» في كلام العلامة للعلة او للغاية (فالحكم بعموم كلمات هؤلاء) العلماء، بمعنى عموم عدم تجويزهم بيع كل نجس فيه فائدة بعدم التعدي عن الدهن الى غير الدهن، كما تعدوا من الاستصباح بالدهن الى سائر فوائد الدهن (لكل مائع متنجس مثل الطين و الجص المائعين و الصبغ و شبه ذلك محل تأمل) بل لا يبعد تعديهم و اجازتهم للبيع في كل مائع متنجس اذا كانت له فائدة محللة مقصودة.

(و ما نسبه في المسالك) إليهم (- من عدم فرقهم في المنع عن بيع المتنجس بين ما يصلح للانتفاع به و ما لا يصلح) للانتفاع به (- فلم يثبت

ص: 195

صحته، مع ما عرفت من كثير من الاصحاب من اناطة الحكم في كلامهم مدار الانتفاع.

و لاجل ذلك استشكل المحقق الثاني- في حاشية الارشاد- فيما ذكره العلامة بقوله: «و لا بأس ببيع ما عرض له التنجيس مع قبول الطهارة» حيث قال: مقتضاه انه لو لم يكن قابلا للطهارة لم يجز بيعه و هو مشكل، اذ الاصباغ المتنجسة لا تقبل التطهير عند الاكثر، و الظاهر جواز بيعها، لان منافعها لا تتوقف على الطهارة.

______________________________

صحته) اي صحة كلام المسالك و نسبته الى العلماء (مع ما عرفت من كثير من الاصحاب من اناطة الحكم في كلامهم مدار الانتفاع) فاذا جاز الانتفاع جاز البيع و اذا لم يجز الانتفاع لم يجز البيع.

(و لاجل ذلك) الذي ذكرناه من انه مع الانتفاع يجوز العلماء البيع (استشكل المحقق الثاني- في حاشية الارشاد- فيما ذكره العلامة بقوله) مما يظهر منه انه لا يجوز البيع مع وجود الفائدة، فان العلامة قال: (و لا بأس ببيع ما عرض له التنجيس مع قبول الطهارة، حيث قال) المحقق:

(مقتضاه) اي مقتضى قول العلامة «مع قبول الطهارة» (انه لو لم يكن قابلا للطهارة لم يجز بيعه) ثم قال المحقق: (و هو مشكل، إذ الاصباغ المتنجسة لا تقبل التطهير عند الاكثر، و) مع ذلك ف (الظاهر جواز بيعها لان منافعها لا تتوقف على الطهارة) فيشمل بيعها عمومات البيع، و الاستصحاب و الاصل.

ص: 196

اللهم الا ان يقال: انها تؤل الى حالة يقبل معها التطهير، لكن بعد جفافها. بل ذلك هو المقصود منها فاندفع الاشكال.

اقول: لو لم يعلم من مذهب العلامة دوران المنع من بيع المتنجس مدار حرمة الانتفاع لم يرد على عبارته اشكال، لان المفروض حينئذ التزامه بجواز الانتفاع بالاصباغ مع عدم جواز بيعها

______________________________

(اللهم الا ان يقال): ان جواز بيعها ل (انها تول الى حالة يقبل معها التطهير، لكن بعد جفافها) لانها حينئذ يصبح اجساما جامدة قابلة لنفوذ الماء فيها كسائر الجوامد (بل ذلك) الجفاف (هو المقصود منها) فهي اجسام يتأتى منها المقصود في حال طهارتها (فاندفع الاشكال) المذكور على العلامة، اذ كلام العلامة كان فيما لا يقبل التطهير، و الاصباغ النجسة قابلة للتطهير.

(اقول: لو لم يعلم من مذهب العلامة دوران المنع من بيع المتنجس مدار حرمة الانتفاع) بان يجوز البيع كلما يجوز الانتفاع و لا يجوز البيع كلما لا يجوز الانتفاع او لم يكن فيه نفع (لم يرد على عبارته اشكال) و هو الذي ذكره المحق الثاني (لان المفروض حينئذ) اي حين عدم العلم بمذهب العلامة- و انه هل يقول بالتلازم بين الانتفاع و البيع، أم لا (التزامه) اي العلامة «رحمه اللّه» (بجواز الانتفاع بالاصباغ) النجسة (مع عدم جواز بيعها) اما لو علمنا من مذهب العلامة انه يقول بالتلازم بين جواز الانتفاع و بين جواز البيع، اشكل عليه بما ذكره المحقق، من انه كيف

ص: 197

الا ان يرجع الاشكال الى حكم العلامة، و انه مشكل على مختار المحقق الثاني لا الى كلامه، و ان الحكم مشكل على مذهب المتكلم

______________________________

يمنع عن بيعها- للنجاسة- مع انه يجوز الانتفاع بها (الا ان يرجع الاشكال) اي اشكال المحقق على العلامة (الى حكم العلامة) فكأن المحقق يقول:

كيف يحكم العلامة بجواز الانتفاع، ثم يحكم بعدم جواز البيع (و انه) اي حكم العلامة بعدم جواز البيع مع جواز الانتفاع (مشكل على مختار المحقق الثاني) الذي يرى التلازم بين جواز البيع و جواز الانتفاع (لا) ان اشكال المحقق يرجع (الى كلامه) اي كلام العلامة (و ان الحكم) بعدم التلازم (مشكل على مذهب المتكلم) الذي هو العلامة «رحمه اللّه».

و الحاصل: انه قد نعلم ان العلامة «يرى التلازم بين جواز الانتفاع و بين جواز البيع» ثم يقول العلامة «و لا يجوز بيع الدهن، مع انه يجوز الانتفاع به» و على هذا يرد اشكال المحقق على العلامة بانه تناقض بين الرأيين فاشكال المحقق حينئذ: «ان حكم العلامة بعدم جواز بيع الأصباغ النجسة مشكل بناء على مذهب نفس العلامة».

و قد لا نعلم ان العلاقة هل «يرى التلازم بين جواز البيع و جواز الانتفاع أم لا»، ثم نرى ان العلامة يقول «بجواز الانتفاع بالاصباغ النجسة، و مع ذلك يقول بعدم جواز بيعها» و على هذا يرد اشكال المحقق على العلامة بانه كيف لا يرى التلازم؟ و على هذا فالاشكال على العلامة ليس اشكالا بانه تناقض في رأييه، و انما الاشكال عليه بانه كيف لا يرى التلازم- و عدم رؤية العلامة التلازم مخالف لما يراه المحقق الثاني من التلازم-

ص: 198

فافهم. «ثم» ان ما دفع به الاشكال من جعل الاصباغ قابلة للطهارة انما ينفع في خصوص الاصباغ. و اما مثل بيع الصابون المتنجس فلا يندفع الاشكال عنه بما ذكره. و قد تقدم منه سابقا جواز بيع الدهن المتنجس ليعمل صابونا، بناء على انه من فوائده المحللة، مع ان ما ذكره

______________________________

(فافهم) فانه كيف يمكن ان يستشكل المحقق على العلامة، مما يراه المحقق، كما هو مقتضى كلام المصنف حيث قال «الا ان يرجع الاشكال».

و حاصل «فافهم»: ان المحقق يريد الاشكال على العلامة بمناقضة رأيي العلامة، لا انه يريد الاشكال على العلامة و مناقضة رأي العلامة لرأي المحقق، اذ لا يرد اشكال على رأي احد بانه مخالف لرأي شخص آخر.

( «ثم» ان ما دفع به) المحقق (الاشكال) الوارد على كلام العلامة (من جعل) المحقق (الاصباغ) النجسة (قابلة للطهارة) بعد الجفاف (انما ينفع) هذا الدفع للاشكال (في خصوص الاصباغ) فانه يجوز بيعها لانها قابلة للطهارة (و اما مثل بيع الصابون المتنجس فلا يندفع الاشكال عنه بما ذكره) المحقق لانه غير قابل للطهارة. اقول: لكن جماعة من الفقهاء يرون امكان تطهير الصابون (و) كيف يستشكل المحقق في الصابون- حسب كلامه- و الحال انه (قد تقدم منه سابقا جواز بيع الدهن المتنجس ليعمل صابونا بناء) من المحقق (على انه) اي صنع الصابون (من فوائده) اي فوائد الدهن المتنجس (المحللة) فكيف يجتمع كلامه في الاصباغ مع كلامه في الصابون و كأن الشيخ «رحمه اللّه» اراد ايراد التناقض على المحقق كما اورد المحقق على العلامة (مع ان ما ذكره) المحقق

ص: 199

- من قبول الصبغ التطهير بعد الجفاف- محل نظر، لان المقصود من قبوله الطهارة قبولها قبل الانتفاع، و هو مفقود في الاصباغ، لان الانتفاع بها- و هو الصبغ- قبل الطهارة، و اما ما يبقى منها بعد الجفاف- و هو اللون- فهي نفس المنفعة، لا الانتفاع. مع أنه لا يقبل التطهير، و انما القابل هو الثوب.

بقي الكلام في حكم نجس العين من حيث اصالة حل الانتفاع به في غير ما ثبت حرمته،

______________________________

(من قبول الصبغ التطهير بعد الجفاف محل نظر، لان المقصود من قبوله الطهارة) في كلام العلامة، الموجب ذلك القبول لجواز البيع (قبولها) اي قبوله للطهارة (قبل الانتفاع، و هو) اي القبول قبل الانتفاع (مفقود في الاصباغ) النجسة (لان الانتفاع بها- و هو الصبغ-) انما يكون (قبل الطهارة) لان الانتفاع انما هو في حال الميعان لا حال الجفاف (و اما ما يبقى منها) اي من الاصباغ (بعد الجفاف- و هو اللون- فهي نفس المنفعة، لا الانتفاع).

و الحاصل: ان الصبغ حال كونه يمكن ان ينتفع به ليس قابلا للطهارة و حال كونه قابلا للطهارة ليس مما ينتفع به (مع انه) اي الصبغ بعد الجفاف أيضا (لا يقبل التطهير، و انما القابل) للتطهير (هو الثوب) و الباب و ما اشبه، المصبوغ بالصبغ النجس.

«ثم» ان الكلام الى هنا كان في جواز الانتفاع و جواز البيع بالنسبة الى المتنجس و (بقي الكلام في حكم نجس العين) كالدم و ما اشبه (من حيث اصالة حل الانتفاع به) اي بنجس العين (في غير ما ثبت حرمته

ص: 200

او اصالة العكس.

فاعلم: ان ظاهر الاكثر أصالة حرمة الانتفاع بنجس العين.

بل ظاهر فخر الدين في شرح الارشاد، و الفاضل المقداد: الاجماع على ذلك. حيث استدلا على عدم جواز بيع الاعيان النجسة بانها محرمة الانتفاع و كل ما هو كذلك لا يجوز بيعه. قالا: اما الصغرى فاجماعية. و يظهر من الحدائق- في مسألة الانتفاع بالدهن المتنجس في غير الاستصباح- نسبة ذلك الى الاصحاب.

و يدل عليه ظواهر الكتاب و السنة.

______________________________

أو اصالة العكس) و ان الاصل حرمة الانتفاع بنجس العين الا ما خرج بالدليل.

(فاعلم: ان ظاهر الاكثر أصالة حرمة الانتفاع بنجس العين).

الا ما خرج كالكلب و الكافر حيث يجوز الانتفاع بهما للنص (بل ظاهر فخر الدين في شرح الارشاد، و الفاضل المقداد: الاجماع على ذلك) اي على عدم جواز الانتفاع الا ما خرج (حيث استدلا على عدم جواز بيع الاعيان النجسة بانها محرمة الانتفاع، و كل ما هو كذلك) محرم الانتفاع (لا يجوز بيعه، قالا) اي الفخر و المقداد (اما الصغرى) اي «انها محرمة الانتفاع» (فاجماعية، و يظهر من الحدائق في مسألة الانتفاع بالدهن المتنجس في غير الاستصباح) كالتصبين و التطلية (نسبة ذلك) اي نسبة حرمة الانتفاع بنجس العين (الى الاصحاب).

(و يدل عليه) اي عدم جواز الانتفاع بنجس العين (ظواهر الكتاب و السنة)

ص: 201

مثل قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ» بناء على ما ذكره الشيخ و العلامة من إرادة جميع الانتفاعات.

و قوله تعالى: «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ» الدال على وجوب اجتناب كل رجس و هو نجس العين.

______________________________

قبل الاجماع المذكور (مثل قوله تعالى «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ) وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ مٰا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّٰهِ بِهِ» الى آخر الآية (بناء على ما ذكره الشيخ و العلامة من إرادة جميع الانتفاعات) من لفظ «حرم» لا خصوص الانتفاع المناسب، اي الاكل و الشرب.

(و قوله تعالى: «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ») فان قوله فاجتنبوه هو (الدال على وجوب اجتناب كل رجس و هو) اي الرجس (نجس العين) و الاجتناب المطلق شامل لجميع أنحاء الاستعمال.

«فائدة» الازلام: هي سهام القمار. و قد اختلفوا في تفصيل ذلك و من المحتمل أنها كانت مختلفة بالذات- و حاصل ما ذكره جمع: انهم في الجاهلية كانوا يعمدون الى الجزور فيجزّءونه اجزاء، ثم يجتمعون عليه فيخرجون السهام التي كانت مكتوبة عليها هذه الاسماء، كل اسم على سهم و الاسماء هي:

«قذ» و «توأم» و «رقيب» ثم «حلس» و «نافس» ثم «مسبل» و «المعلى» و «الرغد» ثم «سفيح» و «منيح» و ذى الثلاثة تهمل و لكل مما عداها نصيب حين عدت باول ثم اوّل

ص: 202

و قوله تعالى: «وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ» بناء على ان هجره لا يحصل الا بالاجتناب عنه مطلقا.

و تعليله عليه السلام- في رواية تحف العقول- حرمة بيع وجوه النجس بحرمة الاكل و الشرب و الإمساك و جميع التقلبات فيه.

و يدل عليه أيضا كلما دل من الاخبار و الاجماع

______________________________

فاذا خرج باسم رجل احدى الثلاثة الاخيرة: «الرغد، و السفيح، و المنيح» لم يكن له نصيب من الجزور. و كان عليه ان يدفع ثمن الجزور و اذا خرجت سائر الاسماء السبعة كان له من الجزور بعدد الاسماء. فللاسم الاول جزء، و للاسم الثاني جزءان، و هكذا للاسم السابع سبعة اجزاء، فالمجموع ثمانية و عشرون جزء.

(و قوله تعالى «وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ» و الرجز هو النجس، سواء كان نجسا ظاهريا كالدم. أم معنويا كالصنم، و هكذا «الرجس» في الآية المتقدمة. (بناء على ان هجره لا يحصل الا بالاجتناب عنه مطلقا) بجميع انحاء الاستعمال، حتى فيما لا يشترط بالطهارة كالتسميد و نحوه.

(و) مثل (تعليله عليه السلام في رواية تحف العقول حرمة بيع وجوه النجس بحرمة الاكل و الشرب و الامساك و جميع التقلبات فيه) فان الظاهر من العلة حرمة جميع انحاء الاستعمال حتى ما لا يتوقف على الطهارة.

(و يدل عليه) اي على تحريم جميع انواع استعمال نجس العين (أيضا) بالإضافة الى الآيات و رواية التحف (كلما دل من الاخبار و الاجماع

ص: 203

على عدم جواز بيع نجس العين، بناء على ان المنع من بيعه لا يكون الا مع حرمة الانتفاع به.

هذا و لكن التأمل يقضي بعدم جواز الاعتماد- في مقابلة اصالة الاباحة- على شي ء مما ذكر.

أما آيات التحريم و الاجتناب و الهجر، فلظهورها في الانتفاعات المقصودة في كل نجس بحسبه، و هي في مثل الميتة الاكل، و في الخمر الشرب و في الميسر اللعب به، و في الانصاب و الازلام مما يليق بحالهما.

______________________________

على عدم جواز بيع نجس العين، بناء على ان المنع من بيعه لا يكون الا مع حرمة الانتفاع به) اذ لو لا الحرمة لم يكن وجه لمنع البيع.

(هذا) تمام وجه الاستدلال على كون الاصل في نجس العين حرمة الانتفاع الا ما خرج بالدليل.

(و لكن التأمل يقضي بعدم جواز الاعتماد- في مقابلة اصالة الاباحة) و عمومات الحل (على شي ء مما ذكر) اذ لا دلالة للآيات و الاخبار و الاجماع على المدعى.

(أما آيات التحريم و الاجتناب و الهجر، ف) انها لا تدل على عدم جواز الانتفاع فيما لا يشترط بالطهارة (لظهورها في الانتفاعات المقصودة) المناسبة (في كل نجس بحسبه، و هي) اي الانتفاعات المقصودة (في مثل الميتة الاكل، و في الخمر الشرب، و في الميسر اللعب به، و في الانصاب) العبادة (و) في (الازلام) المقامرة من (مما يليق بحالهما) نظير قوله تعالى «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ» المراد بها المباشرة، فان المستفاد عرفا من

ص: 204

و اما رواية تحف العقول، فالمراد ب «الإمساك و التقلب فيه» ما يرجع الى الاكل و الشرب و الا فسيجي ء الاتفاق على جواز امساك نجس العين لبعض الفوائد.

و ما دل من الإجماع و الأخبار على حرمة بيع نجس العين قد يدعى اختصاصه بغير ما يحل الانتفاع المحلل المعتد به، او بمنع استلزامه لحرمة الانتفاع بناء على ان نجاسة العين

______________________________

نسبة التحريم و التحليل الى شي ء من الاعيان إرادة المنفعة المقصودة منها.

(و اما رواية تحف العقول، فالمراد ب «الامساك و التقلب فيه») اي في النجس (ما يرجع الى الاكل و الشرب) فانه هو الظاهر منه عرفا لا كل امساك و تقلب (و الا فسيجي ء الاتفاق) من الفقهاء (على جواز امساك نجس العين لبعض الفوائد) كالتسميد و نحوه، و الظهور المتقدم هو الذي سبب هذا الاتفاق، فلا يقال: الاتفاق المذكور قرينة على التخصيص بالنسبة الى ذلك الشي ء المتفق عليه.

(و ما دل من الاجماع و الأخبار على حرمة بيع نجس العين) الذي استدل به لكشفه عن عدم جواز الانتفاع، و الا لم يكن وجه لحرمة البيع (قد يدعى اختصاصه) اي اجماع و الاخبار و الضمير راجع الى «الدليل» (بغير ما يحل الانتفاع المحلل المعتد به) فالذي يجوز الانتفاع به انتفاعا محللا معتدا به يجوز بيعه (او ب) ان يدعي (منع استلزامه) اي المنع من بيع نجس العين (لحرمة الانتفاع) فمن الممكن جواز الانتفاع مع حرمة البيع (بناء على ان نجاسة العين) تمنع عن البيع بنفسها، لا بسبب ان

ص: 205

مانع مستقل عن جواز البيع، من غير حاجة الى ارجاعها الى عدم المنفعة المحللة.

و اما توهم الاجماع فمدفوع، بظهور كلمات كثير منهم في جواز الانتفاع في الجملة:-

قال في المبسوط: ان سرجين ما لا يؤكل لحمه و عذرة الانسان و خرء الكلاب لا يجوز بيعها، و يجوز الانتفاع بها في الزروع و الكروم

______________________________

النجاسة توجب عدم المنفعة، و عدم المنفعة سبب للمنع عن البيع، و إليه اشار بقوله: (مانع مستقل عن جواز البيع) و قوله «مانع» بالتذكير، بتأويل «الوصف» (من غير حاجة الى ارجاعها) اي نجاسة العين (الى عدم المنفعة المحللة) حتى يقال بالتلازم بين جواز البيع و جواز الانتفاع، فاذا لم يجز بيع نجس العين- بالاخبار و الاجماع- فلازم ذلك عدم جواز الانتفاع به!

(و اما توهم الاجماع) في نفس المسألة: اي الاجماع على عدم جواز الانتفاع بنجس العين- كما تقدم في كلام الفخر و المقداد- (فمدفوع، بظهور كلمات كثير منهم في جواز الانتفاع في الجملة) بدون ان يكون دليل خاص على الجواز، فالقول بان الاصل المنع الا ما خرج بالدليل، لا ينطبق على ما ذكروه من الاستثناء بدون وجود دليل، و ذلك يكشف عن انهم لا يسلمون اصالة منع استعمال نجس العين.

(قال) الشيخ (في المبسوط: ان سرجين ما لا يؤكل لحمه و عذرة الانسان و خرء الكلاب لا يجوز بيعها، و يجوز الانتفاع بها في الزروع و الكروم

ص: 206

و اصول الشجر، بلا خلاف. انتهى.

و قال العلامة في التذكرة: يجوز اقتناء الاعيان النجسة لفائدة.

و نحوها في القواعد.

و قرره على ذلك في جامع المقاصد، و زاد عليه قوله: لكن هذه لا تصيرها مالا، بحيث يقابل بالمال.

و قال في باب الاطعمة و الاشربة من المختلف: ان شعر الخنزير يجوز استعماله مطلقا، مستدلا بان نجاسته لا تمنع الانتفاع به، لما فيه من المنفعة الخالية عن ضرر عاجل و آجل.

______________________________

و اصول الشجر، بلا خلاف. انتهى) كلام المبسوط.

(و قال العلامة في التذكرة: يجوز اقتناء الاعيان النجسة لفائدة).

فانه يدل على جواز الاقتناء، و جواز الاستفادة المحللة (و نحوها) اي نحو عبارة العلامة في التذكرة عبارته (في القواعد).

(و قرره على ذلك) اي جواز اقتناء الاعيان النجسة لفائدة (في جامع المقاصد، و زاد عليه قوله: لكن هذه) الفائدة التي تقتنى عين النجاسة لاجلها (لا تصيرها) اي الاعيان النجسة (مالا، بحيث يقابل بالمال) و المراد: عدم المالية الشرعية و ان كانت فيها فائدة.

(و قال في باب الاطعمة و الاشربة من المختلف: ان شعر الخنزير يجوز استعماله مطلقا) اي جميع انحاء الاستعمالات غير المشروطة بالطهارة، في قبال من جعله حبلا فقط للاستقاء للبساتين (مستدلا بان نجاسته لا تمنع الانتفاع به، لما فيه من المنفعة الخالية عن ضرر عاجل و آجل). و قوله

ص: 207

و قال الشهيد في قواعده: النجاسة ما حرم استعماله في الصلاة و الاغذية الاستقذار و للتوصل بها الى الفرار. ثم ذكر: ان قيد الاغذية لبيان مورد الحكم. و فيه تنبيه على الاشربة. كما ان في الصلاة تنبيها على الطواف. انتهى.

و هو كالنص في جواز الانتفاع بالنجس في غير هذه الامور.

و قال الشهيد الثاني في الروضة،- عند قول المصنف- في عداد ما لا يجوز بيعه من النجاسات- «و الدم» قال:

______________________________

«لما» متعلق ب «الانتفاع».

(و قال الشهيد) الاول (في قواعده: النجاسة ما حرم استعماله في الصلاة و) في (الاغذية للاستقذار) هذا علة حرمة النجاسة في الاغذية (و للتوصل بها) اي بحرمة الاستعمال (الى الفرار) عن الصلاة في النجاسة و هذا علة حرمة النجاسة في الصلاة. (ثم ذكر) الشهيد: (ان قيد الاغذية) اي ذكر الاغذية فقط (لبيان مورد) من موارد (الحكم) لا للاختصاص. (و فيه) اي في ذكر الاغذية (تنبيه على) حرمة الاستعمال في (الاشربة) أيضا (كما ان في) ذكر (الصلاة) فقط (تنبيها على الطواف) لا ان في الاغذية و الصلاة خصوصية. (انتهى) كلام الشهيد (و هو كالنص في جواز الانتفاع بالنجس في غير هذه الامور) لانه لم يجوز هذه الامور فقط، المفهوم منه جواز سائر الامور.

(و قال الشهيد الثاني في الروضة،- عند قول المصنف في عداد ما لا يجوز بيعه من النجاسات-: «و الدم» قال) الشهيد الثاني:

ص: 208

و ان فرض له نفع حكمي، كالصبغ. «و ابوال و ارواث ما لا يوكل لحمه»:

و ان فرض لهما نفع. فان الظاهر: ان المراد بالنفع المفروض للدم و الابوال و الارواث، هو النفع المحلل.

و الا لم يحسن ذكر هذا القيد في خصوص هذه الاشياء دون سائر النجاسات، و لا

______________________________

(و ان فرض له نفع حكمي، كالصبغ. «و ابوال و ارواث ما لا يوكل لحمه»: و ان فرض لهما نفع). قد جعلنا عبارة اللمعة بين القوسين، و عبارة شرح اللمعة هي من «ان فرض»- الى- «نفع» و كأنه اراد ب «الحكمى» ما يئول الى النفع، في قبال ماله نفع فعلي، كاللحم الذي يؤكل بدون تعمل (فان الظاهر) من عبارة الشهيد الثاني: (ان المراد بالنفع المفروض للدم و الابوال و الارواث، هو النفع المحلل) فيدل كلامه على جواز الانتفاع بالنجاسات نفعا محللا، منتهى الامر لا يجوز بيعها.

(و الا) يكن مراده النفع المحلل، بان اراد الشهيد حرمة كل نفع كان مقتضى القاعدة- أولا- ان يذكر قيد «ان فرض له نفع» في سائر النجاسات، لان المنافع المحرمة موجودة في كل نجاسة.- و ثانيا- لم يكن وجه لذكر خصوص «الصبغ» من المنافع المحرمة، بل «الشرب» أيضا من المنافع المحرمة للدم. و الى هذا اشار المصنف- رحمه اللّه- بقوله: و الا (لم يحسن ذكر هذا القيد) اي قيد «و ان فرض له نفع» و «ان فرض لهما نفع» (في خصوص هذه الاشياء): الدم و البول و الروث (دون سائر النجاسات) اذ سائر النجاسات أيضا لها منافع محرمة (و لا) يحسن

ص: 209

ذكر خصوص الصبغ للدم، مع ان الاكل هي المنفعة المتعارفة، المنصرف إليها الاطلاق في قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ» و المسوق لها الكلام في قوله تعالى: «أَوْ دَماً مَسْفُوحاً».

و ما ذكرنا هو ظاهر المحقق الثاني، حيث حكى عن الشهيد انه حكى عن العلامة جواز الاستصباح بدهن الميتة، ثم قال: و هو بعيد، لعموم النهي عن الانتفاع بالميتة. فان عدوله عن التعليل بعموم المنع عن الانتفاع بالنجس

______________________________

أيضا (ذكر خصوص الصبغ للدم) من منافعه المحرمة (مع ان الاكل) اولى بالذكر، لانه (هي المنفعة المتعارفة، المنصرف إليها الاطلاق في قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ» و المسوق لها الكلام في قوله تعالى «أَوْ دَماً مَسْفُوحاً») فكيف يترك الشهيد المنفعة المحرمة الغالبة- و هي الاكل- و يذكر المنفعة النادرة- و هي الصبغ- فليس ذلك الا لان الشهيد يريد بيان النفع المحلل، فيدل كلامه على جواز الانتفاع بعين النجاسة منفعة محللة مقصودة.

(و ما ذكرنا) من جواز الانتفاع بالاعيان النجسة الا ما خرج بالدليل (هو ظاهر المحقق الثاني، حيث حكى عن الشهيد انه حكى عن العلامة جواز الاستصباح بدهن الميتة، ثم قال) المحقق الثاني: (و هو) اي جواز الاستصباح بدهن الميتة (بعيد، لعموم النهي عن الانتفاع بالميتة) فكيف يجوز الاستصباح بدهنه؟ و انما قلنا: ان ظاهر المحقق جواز الانتفاع بالاعيان النجسة (فان عدوله) اي المحقق (عن التعليل لعموم المنع عن الانتفاع بالنجس) اي انه لم يعلل «عدم جواز الاستصباح» بانه «لا يجوز الانتفاع

ص: 210

الى ذكر خصوص الميتة يدل على عدم العموم في النجس.

و كيف كان فلا يبقى- بملاحظة ما ذكرنا- وثوق بنقل الاجماع المتقدم عن شرح الارشاد و التنقيح، الجابر لرواية تحف العقول الناهية عن جميع التقلب في النجس، مع احتمال ان يراد من جميع التقلب: جميع انواع التعاطي لا الاستعمالات. و يراد من امساكه: امساكه للوجه المحرم.

______________________________

بالنجس» بل علله «بعدم الانتفاع بالميتة» (الى ذكر خصوص الميتة يدل على عدم العموم في النجس) اي انه لا يقول بعموم «عدم جواز الانتفاع بكل نجس» و الا لكان اللازم ان يقول «لعموم النهي عن الانتفاع بالنجس».

(و كيف كان) سواء كانت عبارة المحقق دالة أم لا (فلا يبقى بملاحظة ما ذكرنا-) من أقوال العلماء (وثوق بنقل الاجماع المتقدم عن شرح الارشاد و التنقيح، الجابر) هذا النقل (لرواية تحف العقول الناهية عن جميع) انواع (التقلب في النجس مع) انه على تقدير تمامية الجبر لا دلالة للرواية على حرمة استعمال النجس فيما لا يتوقف على الطهارة، ل (احتمال ان يراد من جميع التقلب: جميع انواع التعاطي) أكلا و شربا و استعمالا في الصلاة و الطواف بجميع انواع هذه الامور (لا) ان المراد بجميع انواع التقلب (الاستعمالات) حتى يشمل الاستعمال فيما لا يشترط بالطهارة أيضا كالاستصباح و التسميد و التدهين و التطلية و التصبيغ و غيرها.

(و يراد من امساكه) الذي ذكر في رواية تحف العقول و نهى عنه هو:

(امساكه للوجه المحرم) كان يحفظ الدم لان يشربه، لا ان يحفظه لان يزرق

ص: 211

و لعله للاحاطة بما ذكرنا اختار بعض الاساطين في شرحه على القواعد جواز الانتفاع بالنجس كالمتنجس، لكن مع تفصيل لا يرجع الى مخالفة في محل الكلام، فقال: «و يجوز الانتفاع بالاعيان النجسة و المتنجسة في غير ما ورد النص بمنعه، كالميتة النجسة التي لا يجوز الانتفاع بها فيما يسمى استعمالا عرفا للاخبار و الاجماع. و كذا الاستصباح بالدهن المتنجس تحت الظلال.

و ما دل على المنع من الانتفاع بالنجس و المتنجس

______________________________

به مريضا، او يجعله سمادا او صبغا مثلا، بل لعل ما ذكره المصنف رحمه اللّه- هو الظاهر من الرواية و لو بقرينة اجازة الشارع لاستعمال بعض النجاسات.

(و لعله للاحاطة بما ذكرنا) من عدم الدليل على عدم جواز استعمال النجس لا نصا و لا اجماعا (اختار بعض الاساطين) و هو كاشف الغطاء رحمه اللّه- (في شرحه على القواعد: جواز الانتفاع بالنجس ك) جواز الانتفاع ب (المتنجس، لكن مع تفصيل لا يرجع الى مخالفة في محل الكلام) الذي هو جواز الانتفاع بالنجس (فقال: «و يجوز الانتفاع بالاعيان النجسة و المتنجسة في غير ما ورد النص بمنعه) ثم مثل بما ورد المنع عنه بقوله: (كالميتة النجسة) لا مثل ميتة السمك (التي لا يجوز الانتفاع بها فيما يسمى استعمالا عرفا) و انما نقول بعدم الجواز في الميتة (للاخبار و الاجماع. و كذا) لا يجوز (الاستصباح بالدهن المتنجس تحت الظلال) اي السقف (و ما دل على المنع عن الانتفاع بالنجس و المتنجس

ص: 212

مخصوص او منزل على الانتفاع الدال على عدم الاكتراث بالدين و عدم المبالاة، و اما من استعمله ليغسله فغير مشمول للادلة و يبقى على حكم الاصل». انتهى.

و التقييد ب «ما يسمى استعمالا» في كلامه- رحمه اللّه-

______________________________

مخصوص) بالدليل (او منزل) بحسب القاعدة (على الانتفاع الدال على عدم الاكتراث بالدين و عدم المبالاة) بالشريعة (و اما من استعمله ليغسله) بعد تمام حاجته لئلا يبتلي بالنجاسة (فغير مشمول للادلة) المانعة (و يبقى على حكم الاصل») و هو الجواز. (انتهى). كلام كاشف الغطاء.

و قد عرفت انه- رحمه اللّه- لا يفرق في جواز الاستعمال بين النجس و المتنجس، و انما يفصل فيما لا يجوز بين استعمال يدل على عدم المبالاة بالدين فلا يجوزه، و بين استعمال مع التحفظ فيجوزه، مثلا استعمال الميتة في التسميد، و الزيت النجس في الاستصباح تحت الظلال، لا يجوز بالنص المانع عن استعمال الميتة، و عن الاستصباح تحت الظلال. لكن لا بد ان نقول: ان النص الدال على عدم الجواز، اما منصرف- و مخصوص- او منزل بالقرائن الخارجية، الى من يستعمل الميتة ثم لا يغسل يده و لباسه اللذين تلوثا بالميتة، و من يستصبح تحت السقف ثم لا يغسل السقف، و الا كان ذلك الاستعمال جائزا، و من المعلوم ان هذا التفصيل الذي ذكره كاشف الغطاء لا يرجع الى تفصيل في محل كلامنا، و هو جواز استعمال النجس كالمتنجس فيما لا يشترط بالطهارة.

(و التقييد ب «ما يسمى استعمالا» في كلامه- رحمه اللّه-) المتقدم

ص: 213

لعله لإخراج مثل الايقاد بالميتة، و سد ساقية الماء بها، و اطعامها لجوارح الطير. و مراده: سلب الاستعمال المضاف الى الميتة عن هذه الامور، لان استعمال كل شي ء: اعماله في العمل المقصود منه عرفا. فان ايقاد الباب و السرير لا يسمى استعمالا لهما.

لكن يشكل بان المنهي عنه في النصوص الانتفاع بالميتة، الشامل لغير الاستعمال المعهود المتعارف في الشي ء، و لذا

______________________________

(لعله لاخراج مثل الايقاد بالميتة و سد ساقية الماء بها، و اطعامها لجوارح الطير) فانها جائزة مطلقا، لان الشارع نهى عن الاستعمال، و الاستعمال منصرف عرفا الى الاستعمالات المتعارفة، كالاكل و نحوه، لا مثل هذه الاستعمالات. (و مراده: سلب الاستعمال المضاف الى الميتة) اي «استعمال الميتة» (عن هذه الامور) اي الايقاد و سد الساقية و اطعام جوارح الطير (لان استعمال كل شي ء) معناه عرفا (اعماله في العمل المقصود منه) اي من ذلك الشي ء (عرفا) فالنهي منصب على الاستعمالات المتعارفة (فان ايقاد الباب و السرير) كما (لا يسمى استعمالا لهما) اي للباب و السرير.

كذلك: ايقاد الميتة لا يسمى استعمالا لها، فالدليل الناهي عن ذلك محمول على الاستعمالات المتعارفة لا مثل الايقاد و نحوه.

(لكن يشكل) ما ذكره كاشف الغطاء من جواز مثل هذه الاستعمالات (بان المنهي عنه في النصوص) ليس لفظ «الاستعمال» حتى يقال: ان الايقاد- مثلا- ليس استعمالا، بل (الانتفاع بالميتة الشامل) لفظ الانتفاع (لغير الاستعمال المعهود المتعارف في الشي ء. و لذا) الذي ذكرناه من

ص: 214

قيد هو- رحمه اللّه- الانتفاع بما يسمى استعمالا.

نعم يمكن ان يقال: ان مثل هذه الاستعمالات لا تعد انتفاعا، تنزيلا لها منزلة المعدوم. و لذا يقال للشي ء: انه مما لا ينتفع به، مع قابليته للامور المذكورة. فالمنهي عنه هو الانتفاع بالميتة بالمنافع المقصودة التي تعد غرضا من تلك الميتة لو لا كونها ميتة، و ان كانت قد تملك لخصوص هذه الامور، كما قد يشترى اللحم لاطعام الطيور و السباع

______________________________

ان الموجود في النص «الانتفاع» (قيد هو- رحمه اللّه- الانتفاع بما يسمى استعمالا) ليتمكن من تقسيم الاستعمال الى متعارف و غير متعارف، و لم يتلفظ بلفظ «الانتفاع» المجرد ليشمل ما يريد اخراجه من مثل الايقاد و نحوه.

(نعم يمكن ان يقال: ان مثل هذه الاستعمالات) كايقاد الميتة و نحوه (لا تعد انتفاعا) فكلام كاشف الغطاء صحيح لا اشكال فيه، و انما لا يسمى انتفاعا (تنزيلا لها) اي لهذه الانتفاعات (منزلة المعدوم. و لذا) اي لان مثل هذه الانتفاعات لا تعد عرفا انتفاعا (يقال للشي ء: انه مما لا ينتفع به، مع قابليته للامور المذكورة) مثلا يقال للثوب الخلق: انه مما لا ينتفع به مع انه صالح للايقاد. و يقال للحم العفن انه لا ينتفع به مع انه صالح لاطعام الطير (فالمنهي عنه هو الانتفاع بالميتة بالمنافع المقصودة التي تعد غرضا) و غاية (من تلك الميتة لو لا كونها ميتة) مثلا الغرض و الغاية من لحم الغنم الاكل، لو لا كونها ميتة، فالمنهي عنه هو الاكل، لا التسميد و الاحراق و ما اشبه (و ان كانت) الميتة (قد تملك لخصوص هذه الامور كما قد يشترى اللحم لاطعام الطيور و السباع) خصوصا لمن كانت عنده

ص: 215

لكنها اغراض شخصية، كما قد يشترى الجلاب لاطفاء النار، و الباب للايقاد و التسخين به.

قال العلامة- في النهاية، في بيان ان الانتفاع ببول غير المأكول في الشرب للدواء، منفعة جزئية لا يعتد بها- قال: «اذ كل شي ء من المحرمات لا تخلو عن منفعة، كالخمر للتخليل، و العذرة للتسميد، و الميتة لأكل جوارح الطير، و لم يعتبرها الشارع» انتهى.

«ثم»

______________________________

حديقة الحيوانات (لكنها اغراض شخصية) لا نوعية، و بسبب هذه الاغراض لا يسمى الانتفاعات المذكورة انتفاعا عرفا (كما قد يشترى الجلاب لاطفاء النار، و) يشترى (الباب للايقاد و التسخين به) فلا يسبب ذلك تسمية الاطفاء و الايقاد انتفاعا بالجلاب و الباب.

و يشهد لعدم تسمية ذلك انتفاعا ما ذكره العلامة- رحمه اللّه- فقد (قال العلامة- في النهاية، في بيان ان الانتفاع ببول غير المأكول في الشرب للدواء، منفعة جزئية لا يعتد بها- قال: «اذ كل شي ء من المحرمات لا تخلو عن منفعة، كالخمر للتخليل، و العذرة للتسميد، و الميتة لا كل جوارح الطير، و) هذه المنافع الجزئية (لم يعتبرها الشارع») منفعة. فالنهي عن الانتفاع بالميتة لا يشمل هذه الامور (انتهى) كلام العلامة- رحمه اللّه-.

( «ثم») ان هذه الفوائد الجزئية، لا تسمى منافع- ادعاء و تنزيلا للفساد منزلة المعدوم- لا أنها مع كونها فائدة عرفية كان الدليل منصرفا عنها، حتى يقال: لا انصراف للدليل، بعد كونه نكرة في سياق

ص: 216

ان الانتفاع المنفي في الميتة و ان كان مطلقا في حيز النفي، الا ان اختصاصها بما ادعيناه من الاغراض المقصودة من الشي ء، دون الفوائد المترتبة عليه، من دون ان تعد مقاصد، ليس من جهة انصرافها الى المقاصد، حتى يمنع انصراف المطلق في حيز النفي، بل من جهة التسامح و الادعاء العرفي تنزيلا للموجود منزلة المعدوم.

______________________________

النفي، لانه قال: و جميع التقلب فيه حرام. ف (ان الانتفاع المنفي في الميتة و ان كان مطلقا في حيز النفي) و المطلق في حيز النفي يقتضي العموم فلازمه شمول المنع حتى عن الانتفاع بمثل الايقاد (الا ان اختصاصها) اي اختصاص «المنفعة المنفية» (بما ادعيناه) من المنافع الغالبة (من الاغراض المقصودة من الشي ء) غالبا (دون الفوائد المترتبة عليه) أحيانا (من دون ان تعد) تلك الفوائد النادرة (مقاصد) عقلائية (ليس من جهة انصرافها) اي المنافع المنفية (الى المقاصد، حتى يمنع انصراف المطلق في حيز النفي) و حتى يقال: المنافع المنفية شاملة حتى للمنافع النادرة (بل من جهة التسامح) العرفي الموجب لعدم الظهور للفظ المنافع الا في المنافع المقصودة (و الادعاء العرفي) بان هذه الفوائد النادرة ليست فوائد (تنزيلا للموجود منزلة المعدوم).

و فرق بين الانصراف مع قبول ان الفرد المنصرف عنه من افراد اللفظ، و بين ان يقال: الفرد ليس بفرد، و لذا لا يشمله اللفظ. مثلا اذا قال المولى «جئني بالماء» و هو عند دجلة، كان لفظ الماء منصرفا الى ماء دجلة، مع قبول كون ماء الفرات فردا لهذا المطلق المذكور في كلام المولى. أما عدم شمول لفظ الماء في كلامه لقطرة من الماء فمن جهة

ص: 217

فانه يقال للميتة- مع وجود تلك الفوائد فيها-: انها مما لا ينتفع به.

و مما ذكرنا ظهر الحال في البول و العذرة و المني، فانها مما لا ينتفع بها، و ان استفيد منها بعض الفوائد كالتسميد و الإحراق، كما هو سيرة بعض الجصاصين من العرب، كما يدل عليه وقوع السؤال في بعض الروايات عن الجص يوقد عليه العذرة و عظام الموتى و يجصص به المسجد؟ فقال الامام عليه السلام: «ان الماء و النار قد طهراه»

______________________________

ادعاء ان القطرة ليست بماء. و الحاصل: انه ربما يقول العرف: انه فرد و لكنه منصرف عنه، و قد يقول: انه ليس بفرد ادعاء (فانه يقال للميتة- مع وجود تلك الفوائد فيها- انها مما لا ينتفع به) تنزيلا لهذه المنافع منزلة المعدوم.

(و مما ذكرنا) في الميتة من جواز استعمالها فيما لا تعد منفعة لها (ظهر الحال في البول و العذرة و المني، فانها مما لا ينتفع بها و ان استفيد منها بعض الفوائد) النادرة (كالتسميد و الإحراق) فاذا نهي الشارع عن الانتفاع بها لم يشمل الانتفاع الذي لا يعد نفعا- عرفا- كالتسميد في العذرة و الاحراق (كما هو) اي الاحراق (سيرة بعض الجصاصين من العرب، كما يدل عليه) اي على السيرة- بتأويل «الاعتياد»- (وقوع السؤال في بعض الروايات عن الجص يوقد عليه العذرة و عظام الموتى) حتى يصبح التراب حصبا بالطبخ (و يجصص به المسجد) هل يجوز ذلك؟ (فقال الامام عليه السلام: «ان الماء و النار قد طهراه») فالنار مطهرة للعذرة و العظم بالاستحالة- فيما كان العظم نجسا ذاتا كعظم الكلب، او عرضا بمباشرته

ص: 218

بل في الرواية اشعار بالتقرير فتفطن.

و اما ما ذكره من تنزيل ما دل على المنع عن الانتفاع بالنجس على ما يؤذن بعدم الاكتراث بالدين و عدم المبالاة الا من استعمله ليغسله، فهو تنزيل بعيد.

«نعم» يمكن ان ينزل على الانتفاع به

______________________________

للميتة- و الماء مطهر للجص الذي تلوث بالنجس. و المراد بالماء ماء الإناء الذي يلقى فيه الجص، و هذا بناء على مطهرية الماء القليل، او عدم الفرق في التطهير بين الوارد و المورود، و في الحديث كلام طويل مذكور في محله (بل في الرواية) المذكورة (اشعار بالتقرير) من الامام عليه السلام لاستعمال العذرة في الاحراق (فتفطن) لانه ربما يقال: لا تقرير اذ مصب السؤال شي ء آخر. إن قلت: فاذا كان الاحراق و التسميد من المنافع النادرة في العذرة فما هي المنفعة الغالبة المنهي عنها؟ قلت: كونها بمنزلة سائر الاشياء المباحة في البيع و الشراء و الانتفاع بمختلف انحاء الانتفاعات الممكنة هو المنهي عنه.

(و اما ما ذكره) كاشف الغطاء (من تنزيل ما دل على المنع عن الانتفاع بالنجس على ما يؤذن بعدم الاكتراث بالدين و عدم المبالاة) قوله «عدم المبالاة» عطف تفسيري ل «عدم الاكتراث» (الا من استعمله ليغسله، فهو تنزيل بعيد) اذ الرواية في بيان مقام الحكم لا في مقام بيان شي ء آخر خارج عن الحكم.

( «نعم» يمكن ان ينزل) المنع عن الانتفاع بالنجس (على الانتفاع به

ص: 219

على وجه الانتفاع بالطاهر، بان يستعمله على وجه يوجب تلويث بدنه و ثيابه و سائر آلات الانتفاع- كالصبغ بالدم- و ان بنى على غسل الجميع عند الحاجة الى ما يشترط فيه الطهارة.

و في بعض الروايات اشارة الى ذلك، ففي الكافي- بسنده عن الوشاء- قال قلت لابي الحسن عليه السلام: «جعلت فداك، ان اهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها؟ فقال: حرام

______________________________

على وجه الانتفاع بالطاهر) فكأن الحديث قال: لا ينتفع بالنجس انتفاعا مطلقا كالانتفاع بالطاهر (بان يستعمله) اي النجس (على وجه يوجب تلويث بدنه و ثيابه و سائر آلات الانتفاع- كالصبغ بالدم- و ان بنى) المستعمل (على غسل الجميع) اي جميع ما تلوث (عند الحاجة الى ما يشترط فيه الطهارة) كالصلاة و الطواف، و على هذا يكون النهي تعبديا، او احتياطا لاجل ان من يستعمل النجس كالطاهر، لا بدّ ان يبتلي بالنجاسة في أكله او صلاته، او ما اشبه.

(و في بعض الروايات اشارة الى ذلك) الذي ذكرنا من ان النهي يراد به الاستعمال للنجس كالطاهر (ففي الكافي- بسنده عن الوشاء- قال قلت لابي الحسن عليه السلام) و ابو الحسن- بلا قيد- منصرف الى «موسى بن جعفر. عليه السلام» و اذا قيد ب «الثاني» كان المراد «الرضا عليه السلام» و اذا قيد ب «الثالث» كان المراد «الهادي عليه السلام»: (جعلت فداك، ان اهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها؟ فقال: حرام)

ص: 220

هي ميتة. فقلت: جعلت فداك، يستصبح بها؟ فقال: أ ما علمت انه يصيب اليد و الثوب و هو حرام» بحملها على حرمة الاستعمال على وجه يوجب تلويث البدن و الثياب.

و اما حمل الحرام على النجس كما في كلام بعض، فلا شاهد عليه. و الرواية في نجس العين فلا ينتقض

______________________________

الظاهر ان مراده عليه السلام حرمة اكلها (هي ميتة. فقلت: جعلت فداك، يستصبح بها؟) اي بتلك الأليات (فقال: أ ما علمت انه يصيب اليد و الثوب و هو حرام) فقد بين الامام عليه السلام ان الحرام اصابة اليد و الثوب، لا ان الحرام اصل استعمال الميتة، و المفهوم منه عدم الحرمة اذا لم يصب اليد و الثوب، و ذلك (بحملها) اي الرواية (على حرمة الاستعمال على وجه يوجب تلويث البدن و الثياب) و هذا ما ذكرناه من احتمال ان الشارع حرم استعمال الميتة، استعمالا كاستعمال الطاهر، لا انه حرم اصل الاستعمال.

(و اما حمل الحرام) في الرواية (على النجس كما في كلام بعض) و هو صاحب الحدائق- رحمه اللّه- (فلا شاهد عليه) اذ اطلاق الحرام على النجس مجاز يحتاج الى القرينة و هي مفقودة في المقام (و الرواية) المذكورة واردة (في نجس العين) لان الألية المقطوعة ميتة، و الميتة نجسة العين، و فرق بين نجس العين و بين المتنجس، فمن الممكن ان يجوز استعمال الدهن المتنجس في الاستصباح، و لا يجوز استعمال الدهن النجس عينا في الاستصباح (فلا ينتقض) المنع عن الاستصباح بالألية في هذه الرواية

ص: 221

بجواز الاستصباح بالدهن المتنجس، لاحتمال كون مزاولة نجس العين مبغوضا للشارع، كما يشير إليه قوله تعالى: «وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ».

«ثم» ان منفعة النجس المحللة- للاصل او للنص- قد تجعله مالا عرفا، الا انه منع الشرع عن بيعه، كجلد الميتة اذا قلنا بجواز الاستقاء به لغير الوضوء- كما هو مذهب جماعة- مع القول بعدم جواز بيعه،

______________________________

(بجواز الاستصباح بالدهن المتنجس، لاحتمال كون مزاولة نجس العين مبغوضا للشارع، كما يشير إليه) اي الى كونه مبغوضا (قوله تعالى: «وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ») بخلاف مزاولة المتنجس، بالإضافة الى ما عرفت من ان الحرام التلوث، و ذلك موجود في إذابة الألية و توابع الإذابة، بخلاف الاستصباح بالدهن المتنجس، فمعرضيته للتلويث اقل، بل معدوم الا نادرا، و لذا ورد في بعض الاحاديث: «جواز الاستصباح بالألية النجسة» و لا منافاة، فان الجواز ناظر الى اصل الاستصباح، و المنع ناظر الى التلويث و اصابة اليد و الثوب.

( «ثم» ان منفعة النجس) اي نجس العين (المحللة للاصل) اي اذا قلنا بأن الاصل جواز كل انتفاع الا ما خرج بالدليل (او للنص) اي اذا قلنا: ان الاصل عدم جواز كل انتفاع الا ما خرج بالدليل (قد تجعله ما لا عرفا، الا انه منع الشرع عن بيعه، كجلد الميتة اذا قلنا بجواز الاستقاء به لغير الوضوء- كما هو) اي جواز الاستقاء لغير الوضوء، و لغير ما يشترط بالطهارة، كسقي الزرع، و تبليل الجص و الطين، و رش الارض، و ما اشبه ذلك (مذهب جماعة) من الفقهاء (مع القول بعدم جواز بيعه،

ص: 222

لظاهر الاجماعات المحكية. و شعر الخنزير، اذا جوزنا استعماله اختيارا. او الكلاب الثلاثة اذا منعنا عن بيعها.

فمثل هذه اموال لا تجوز المعاوضة عليها، و لا يبعد جواز هبتها لعدم المانع، مع وجود المقتضي. فتامل.

و قد لا تجعله مالا عرفا لعدم ثبوت المنفعة المقصودة منه

______________________________

لظاهر الاجماعات المحكية)، المصرحة بعدم جواز بيع الميتة (و) ك (شعر الخنزير، اذا جوزنا استعماله اختيارا) في الخياطة و ما اشبه مما لا يشترط بالطهارة (او الكلاب الثلاثة): للحائط و الماشية و الزرع (اذا منعنا عن بيعها) كما هو مذهب جماعة.

و الحاصل: اذا كان هناك نجس العين يجوز الانتفاع به و لا يجوز بيعه و صار لجواز الانتفاع به مالا، لا بدّ ان يكون المنع لنص خاص، و الا فاطلاقات حلية البيع بعد كونه مالا لا بد ان يشمله.

(فمثل هذه) المذكورات (اموال) لكن (لا تجوز المعاوضة عليها) للدليل الخاص (و لا يبعد جواز هبتها) و لو هبة معوضة (لعدم المانع) اذ لم يقم دليل على عدم جواز الهبة، و انما قام الدليل على عدم جواز البيع (مع وجود المقتضي) لانها مال، فيشمله دليل الهبة (فتأمل) فان المستفاد من ادلة المنع عن بيعها إرادة الانتقال باي وجه كان لا خصوص البيع، و لذا فالهبة و الصلح و ما اشبه لا تجري بالنسبة إليه.

(و قد لا تجعله) المنفعة المحللة (مالا عرفا) عطف على قوله «قد تجعله» (لعدم ثبوت المنفعة المقصودة منه) اي من هذا الشي ء النجس

ص: 223

له، و ان تترتب عليه الفوائد، كالميتة التي يجوز اطعامها لجوارح الطير و الايقاد بها و العذرة للتسميد. فان الظاهر انها لا تعد اموالا عرفا- كما اعترف به في جامع المقاصد في شرح قول العلامة: «و يجوز اقتناء الاعيان النجسة لفائدة».

و الظاهر ثبوت حق الاختصاص في هذه الامور، الناشئ

______________________________

(له) اي لهذا الشي ء النجس، و «منه» متعلق ب «مقصودة» و «له» متعلق ب «ثبوت» اي لم يثبت له المنفعة المقصودة منه (و ان تترتب عليه الفوائد) النادرة «ان» وصلية. و ذلك (كالميتة التي يجوز اطعامها لجوارح الطير و الايقاد بها) للتسخين او الاصطلاء او احراق شي ء (و العذرة للتسميد) او احراق الجص و ما اشبه (فان) هذه المنافع النادرة لا تجعل الميتة و العذرة مالا اذ (الظاهر انها) بسبب هذه المنافع النادرة (لا تعد اموالا عرفا- كما اعترف به) اي بعدم كونها بسبب هذه المنافع اموالا عرفية (في جامع المقاصد في شرح قول العلامة: «و يجوز اقتناء الاعيان النجسة لفائدة») فاذا لم تكن مالا كان عدم صحة بيعها لاجل عدم الفائدة، لا لاجل النص على المنع، فتحصل ان ما لا يجوز بيعه من الاعيان النجسة، قد لا يجوز لاجل المانع، اي الدليل الدال على عدم جواز البيع، و قد لا يجوز لاجل عدم المقتضي، اي لكونه ليس بمال عرفا.

(و الظاهر) من ادلة الحقوق، مثل قوله عليه السلام «لا يزوى حق امرئ مسلم» بضميمة ان هذه الاشياء حقوق عرفية (ثبوت حق الاختصاص في هذه الامور) التي لا يجوز بيعها، مع وجود فائدة ما فيها (الناشئ)

ص: 224

إما عن الحيازة و إما عن كون اصلها مالا للمالك، كما لو مات حيوان له او فسد لحم اشتراه للأكل، على وجه خرج عن المالية.

و الظاهر جواز المصالحة على هذا الحق بلا عوض، بناء على صحة هذا الصلح، بل و مع العوض بناء على انه لا يعد ثمنا لنفس العين حتى يكون سحتا بمقتضى الاخبار.

______________________________

هذا الحق (إما عن الحيازة) كما لو حاز بدن سبع ميت في الصحراء (و اما عن كون اصلها مالا للمالك، كما لو مات حيوان له او فسد لحم اشتراه للاكل) و كان فساده (على وجه خرج عن المالية) او لانه تغوط او ما اشبه ذلك. و القول بانه لا وجه لكون هذه الامور متعلقة لحق المالك- نظرا الى انه حين الملك لم يكن حق حتى يستصحب، و بعد الخروج عن الملك لم يحدث حق جديد- مردود، بان الحق كان موجودا فيستصحب مضافا الى ان الحق عرفي و موجود الآن فيشمله ادلة الحق.

(و الظاهر) من اطلاق ادلة الصلح (جواز المصالحة على هذا الحق بلا عوض) لئلا يعوض بالمال ليتأتى فيه الاشكال السابق و هو انه لا خصوصية للبيع، اذ المناط المستفاد من النص المانع من البيع عدم وقوع النجس في مقابل المال شرعا (بناء على صحة هذا الصلح) مقابل احتمال عدم صحة هذا الصلح، من جهة ان المنع عن البيع معناه عدم تصحيح الشارع اجراء جميع انواع التعامل عليه، و لو كان التعامل بنحو الصلح. (بل و) تجوز المصالحة (مع العوض) أيضا (بناء على انه) اي العوض (لا يعد ثمنا لنفس العين حتى يكون سحتا بمقتضى الاخبار) حتى يشمله قوله عليه السلام

ص: 225

قال في التذكرة: و تصح الوصية بما يحل الانتفاع به من النجاسات كالكلب المعلم، و الزيت النجس لاشعاله تحت السماء، و الزبل للانتفاع باشعاله و التسميد به، و جلد الميتة ان سوغنا الانتفاع به، و الخمر المحترمة لثبوت الاختصاص فيها، و انتقالها من يد الى يد بالارث و غيره. انتهى.

و الظاهر ان مراده بغير الارث: الصلح الناقل.

______________________________

«ثمن الميتة سحت»، بل العوض في مقابل تنازل ذي الحق عن حقه، فالمال مقابل العمل، لا مقابل الشي ء النجس.

و يدل على صحة الصلح على هذه الامور باعتبار كونها متعلقة لحق المالك ما ذكره العلامة- رحمه اللّه- فقد (قال في التذكرة: و تصح الوصية بما يحل الانتفاع به من النجاسات، كالكلب المعلم) للصيد (و الزيت النجس لاشعاله تحت السماء، و الزبل) النجس (للانتفاع باشعاله، و) ب (التسميد به) للاشجار و الزروع (و جلد الميتة، ان سوغنا الانتفاع به، و الخمر المحترمة) لانها تصبح بعلاج او دون علاج خلا، فان النهي عن الخمر منصرف عن مثل هذه الخمر، مضافا الى قوله: «خذه و افسده» الدال على انه محترم، لاجل وقوع الإفساد- اي التخليل- عليه، و انما جوز التذكرة الوصية بهذه الامور (لثبوت الاختصاص فيها و) صحة (انتقالها من يد الى يد بالارث و غيره. انتهى) كلام العلامة- رحمه اللّه-.

(و الظاهر ان مراده بغير الارث: الصلح الناقل). مضافا الى ان الوصية و الصلح و الارث من واد واحد (و اما) من احتمل أن مراد العلامة ب «غيره» الانتقال بان يعرض ذو الحق الاول عنه ثم يأخذه انسان

ص: 226

و أما اليد الحادثة بعد اعراض اليد الاولى فليس انتقالا.

لكن الانصاف ان الحكم مشكل. نعم لو بذل ما لا على ان يرفع يده عنها ليحوزها الباذل كان حسنا، كما لو بذل الرجل المال على ان يرفع اليد عما في تصرفه من الامكنة المشتركة، كمكانه من المسجد و المدرسة و السوق.

______________________________

آخر. ففيه ان (اليد الحادثة بعد اعراض اليد الاولى) لا يسمى نقلا من اليد الاولى (فليس انتقالا) الى اليد الثانية، فلا يصدق عليه «الانتقال» المذكور في كلام العلامة- رحمه اللّه-.

(و لكن الانصاف ان الحكم) بجواز الصلح سواء في قبال العين او قبال العمل (مشكل) لان المناط الموجود في البيع موجود في الصلح أيضا، فما دل على عدم جواز البيع يدل على عدم جواز الصلح مع العوض (نعم لو بذل ما لا على ان يرفع) ذو الحق (يده عنها ليحوزها الباذل كان حسنا) الا ان يقال: ان المناط موجود في هذا أيضا، و انما قلنا بجواز مثل هذا البذل لانه (كما لو بدل الرجل المال على ان يرفع اليد عما في تصرفه من الامكنة المشتركة، كمكانه من المسجد و المدرسة و السوق) مما له حق الاختصاص بسبب السبق فانه و ان لم يجز بيعه و شراؤه، لكن يجوز دفع المال إليه بهذا العنوان. اللهم الا ان يقال: ان قوله عليه السلام «ثمن الميتة سحت» شامل لجميع اقسام الثمن المأخوذ في مقابل الميتة، بخلاف مثل حق السبق في الموارد المذكورة، فانه لم يدل دليل على الحرمة الا الاطلاقات، و هي منصرفة عن مثل اعطاء المال في مقابل رفع اليد.

ص: 227

و ذكر بعض الاساطين- بعد اثبات حق الاختصاص- ان دفع شي ء من المال لافتكاكه يشك في دخوله تحت الاكتساب المحظور، فيبقى على أصالة الجواز.

«ثم» انه يشترط في الاختصاص بالحيازة قصد الحائز للانتفاع، و لذا ذكروا: انه لو علم كون حيازة الشخص للماء و الكلاء لمجرد العبث لم يحصل له حق.

______________________________

(و) مما يؤيد جواز اعطاء المال في مقابل رفع ذى الحق يده عن عين النجس ما (ذكره بعض الاساطين) و هو كاشف الغطاء (- بعد اثبات حق الاختصاص-) من (ان دفع شي ء من المال لافتكاكه) اي فكه من يد ذي الحق، بمعنى ان يرفع يده عنه (يشك في دخوله تحت الاكتساب المحظور، فيبقى على أصالة الجواز) لقاعدة الحل، و لاصالة البراءة.

( «ثم» انه يشترط في الاختصاص بالحيازة قصد الحائز للانتفاع) و انما ذكر الاختصاص الناشئ من الحيازة، دون الاختصاص الناشئ من سبق الملك، اذ أن الحق موجود في صورة سبق الملك، و انما سقوطه يحتاج الى شي ء جديد، بخلاف الحق الناشئ من الحيازة، فان وجوده يحتاج الى شي ء جديد. (و لذا) الذي يشترط القصد (ذكروا: انه لو علم كون حيازة الشخص للماء و الكلاء لمجرد العبث) و قد انتهى عبثه. اذ لو بقي عبثه لم يحق للغير حيازته، كما لو قطع الحشيش و اخذ يعبث به (لم يحصل له حق) و يدل على عدم حصول الحق بذلك عدم صدق «من سبق الى ما لم يسبق إليه احد كان احق به» فالمباح يبقى على اباحته الاصلية الموجبة لجواز ان

ص: 228

و حينئذ فيشكل الامر فيما تعارف في بعض البلاد من جمع العذرات حتى اذا صارت من الكثرة بحيث ينتفع بها في البساتين و الزرع بذل له مال فاخذت منه. فان الظاهر بل المقطوع انه لم يحزها للانتفاع بها و انما حازها لاخذ المال عليها، و من المعلوم ان اخذ المال فرع ثبوت الاختصاص المتوقف على قصد الانتفاع المعلوم انتفاؤه في المقام. و كذا لو سبق الى مكان من الامكنة المذكورة من غير قصد الانتفاع منها بالسكنى.

______________________________

يحوزه كل احد.

(و حينئذ) اي حين اشتراط قصد الحيازة في حصول الحق (فيشكل الامر فيما تعارف في بعض البلاد من جمع العذرات) في مكان خاص (حتى اذا صارت من الكثرة بحيث ينتفع بها في البساتين و الزرع بذل له) اي لذلك المجموع، او لذلك الجامع (مال فاخذت) تلك العذرات (منه) و انما اشكلنا على اخذ المال في هذه الصورة (فان الظاهر بل المقطوع انه لم يحزها للانتفاع بها) في تسميد بستانه او نحوه (و انما حازها لاخذ المال عليها، و من المعلوم ان اخذ المال فرع ثبوت الاختصاص المتوقف) ذلك الاختصاص (على قصد الانتفاع المعلوم انتفاؤه) اي انتفاء قصد الانتفاع (في المقام) الذي يجمعه لاخذ المال في مقابله، لكن ربما يقال: ان قصده الحيازة كاف في صيرورته في حيازته، فاذا صار حقه جاز اخذ المال لرفع يده منه. (و كذا) يشكل الامر (لو سبق الى مكان من الامكنة المذكورة من غير قصد الانتفاع منها بالسكنى) فانه لا يحدث بذلك حق له حتى يجوز له ان يأخذ المال في مقابل رفع يده

ص: 229

«نعم» لو جمعها في مكانه المملوك فبذل له المال على ان يتصرف في ذلك المكان بالدخول لاخذها، كان حسنا، كما انه لو قلنا بكفاية مجرد قصد الحيازة في الاختصاص- و ان لم يقصد الانتفاع بعينه و قلنا بجواز المعاوضة على حق الاختصاص- كان اسهل.

______________________________

منه اللهم الا ان يقال ان معنى «من سبق» شامل لمثل هذا السبق أيضا.

( «نعم») في مسألة جمع العذرات (لو جمعها في مكانه المملوك فبذل) الباذل (له المال) لا في مقابل حقه المتعلق بتلك العذرات، بل (على ان يتصرف في ذلك المكان) اذ لا يجوز لاحد ان يتصرف في مال غيره الا باذنه (بالدخول لاخذها) اي تلك العذرات (كان) عمله ذلك (حسنا) لانه اخذ للمال في مقابل التصرف في ملكه الذي لا اشكال فيه (كما انه لو قلنا بكفاية مجرد قصد الحيازة في الاختصاص) لذلك الشي ء الذي حازه بالذي حاز (و ان لم يقصد) الحائز (الانتفاع بعينه) اي بعين ما حازه (و قلنا بجواز المعاوضة على حق الاختصاص كان) امر المعاملات التي تجرى على العذرات (اسهل) من حيث الجواز.

«ثم» انه بما يستشكل بانه اي فرق بين ان يجعل الثمن في مقابل العذرة او الكلب، او ان يجعل في مقابل حق الاختصاص، او حق الدخول في مكان زيد، الذي جمع فيه العذرة فان نتيجة الكل واحدة. و هي:

كون الثمن في مقابل الحصول على العذرة.

و الجواب: ان اهمية بقاء كليات الاحكام على حالها، و ان سبب انطباق كلي على شي ء لا ينطبق عليه كلي آخر بمكان من الخطورة شرعا

ص: 230

..........

______________________________

و عرفا، فلا مانع من ان يكون جزئي خاص على وجهين، وجه محرم لانه داخل تحت كلي خاص، و وجه محلل لانه داخل تحت كلي آخر، مثلا يجوز ايجار المشتري لدار اشتراها ببيع الشرط للمالك الاول، بينما انه لا يجوز ايجاز الراهن من المرتهن، مع ان بيع الشرط و الرهن قد يؤديان الى نتيجة واحدة.

هذا مضافا الى ان الحكم يختلف في انطباق احد الكليين عن الحكم في صورة انطباق الكلي الآخر، ففي المثال: الدخول في محل زيد لا يحتاج الى معرفة كمية العذرة و خصوصياتها، بينما يحتاج الى ذلك لو كانت العذرة مالا يراد بيعها، و في بيع الشرط يترتب اثر البيع، بينما لا يترتب هذا الأثر في الرهن، و هكذا.

«ثم» انه قد ذكرنا في اوّل الكتاب ان الاكتساب المحرم على انواع و قد انتهى النوع الاول منها، و هو: الاكتساب بالانواع النجسة و المتنجسة و فروع ذلك.

ص: 231

(النوع الثاني) مما يحرم التكسب به: ما يحرم لتحريم ما يقصد به، و هو على اقسام:

«الأول»- ما لا يقصد من وجوده على نحوه الخاص الا الحرام،
اشارة

و هي امور:

«منها»- هياكل العبادة المبتدعة كالصليب و الصنم.

بلا خلاف ظاهر بل الظاهر الاجماع عليه.

و يدل عليه مواضع من رواية تحف العقول

______________________________

(النوع الثاني- مما يحرم التكسب به- ما يحرم) الاكتساب به (لتحريم ما يقصد به، و هو على اقسام):

( «الاول»-) من تلك الاقسام (ما لا يقصد من وجوده على نحوه الخاص الا الحرام، و هي امور): و تأنيث ضمير «هي» باعتبار خبره.

( «منها»-) اي من تلك الامور (هياكل العبادة المبتدعة) هياكل جمع «هيكل» و هو: التمثال و ما اشبه، و اضافة الهيكل الى العبادة باعتبار تعلق العبادة بذلك الهيكل- و يكفي في الاضافة ادنى ملابسة- و «المبتدعة» اما صفة الهياكل، او صفة العبادة (كالصليب و الصنم بلا خلاف ظاهر) في كون الاكتساب بهياكل العبادة المبتدعة محرم (بل الظاهر) من تتبع اقوال الفقهاء (الاجماع عليه).

(و يدل عليه) اي على تحريمه (مواضع من رواية تحف العقول

ص: 232

المتقدمة، مثل قوله عليه السلام «و كل امر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه». و قوله عليه السلام «او شي ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد» و قوله عليه السلام «و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير اللّه». و قوله عليه السلام «انما حرم اللّه الصناعة التي هي حرام كلها، مما يجي ء منها الفساد محضا، نظير المزامير و البرابط، و كل ملهو به، و الصلبان و الاصنام- الى ان قال عليه السلام- فحرام تعليمه و تعلمه و العمل به و اخذ الاجرة عليه و جميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات».

هذا كله مضافا الى ان اكل المال

______________________________

المتقدمة، مثل قوله عليه السلام «و كل امر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه») و اي فساد اعظم من فساد عبادة غير اللّه سبحانه.

(و قوله عليه السلام «او شي ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد») و قد تقدم ان المراد به تأتي وجه من وجوه الفساد منه، لا ان له وجه صلاح و وجه فساد.

(و قوله عليه السلام «و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير اللّه») و من المعلوم التقرب بالصليب و الصنم يكون لغير اللّه تعالى. (و قوله عليه السلام «انما حرم اللّه الصناعة التي هي حرام كلها مما يجي ء منها الفساد محضا، نظير المزامير و البرابط، و كل ملهو به) اى سائر آلات اللهو (و الصلبان و الاصنام الى ان قال عليه السلام- فحرام تعليمه و تعلمه و العمل به و اخذ الاجرة عليه و جميع التقلب فيه) كالاقتناء و ما اشبه (من جميع وجوه الحركات») المربوطة بذلك الشي ء، لا مثل كسره و احراقه و ما اشبه مما هو تخلص منه.

(هذا كله) ادلة خاصة على التحريم (مضافا الى ان اكل المال

ص: 233

في مقابل هذه الاشياء اكل له بالباطل. و الى قوله صلى اللّه عليه و آله «ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه».

بناء على ان تحريم هذه الامور تحريم لمنافعها الغالبة بل الدائمة.

______________________________

في مقابل هذه الاشياء اكل له بالباطل) لان الشارع لم يمض مالية هذه الاشياء، كما لم يمض مالية الخمر، و كل ما يكون اكل المال في إزاءه اكلا بالباطل، فيشمله قوله تعالى «وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ»، (و الى قوله صلى اللّه عليه و آله «ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه») فحيث ان اللّه حرم الصليب و الصنم حرم ثمنهما.

«ثم» ان هيكل الصليب قد يكون نفعه الغالب او الدائم- الذي يسبب كونه مالا- هو العبادة. و هذا لا اشكال في حرمته و حرمة ثمنه.

و قد يكون نفعه مشتركا بين المحلل و المحرم، بان كان الهيكل مشتركا بين الحرام و الحلال، كالآجر الذي يصنع على هيكل الصليب، و الازرار التي تصنع على هيئة الاصنام، و ما اشبه. و هذا هو الذي اختار جمع جوازه بقصد المحلل. و الى هذا التقسيم اشار المصنف- رحمه اللّه- بقوله: «ان كون هذه الهياكل محرمة ليحرم ثمنها» (بناء على ان تحريم هذه الامور) المستفاد من النص و الاجماع، معناه (تحريم لمنافعها الغالبة بل الدائمة) التي هي العبادة.

و انما قال: «بناء» لانه اذا لم يحرم الا بعض منافعها لم يشملها قوله عليه السلام: «اذا حرم شيئا». و الحاصل ان قوله «بناء» انما سيق لبيان تحقق الموضوع، اي ان موضوع تحريم الثمن حرمة الشي ء،

ص: 234

فان الصليب من حيث انه خشب بهذه الهيئة لا ينتفع به الا في الحرام و ليس بهذه الهيئة مما ينتفع به في المحلل و المحرم. و لو فرض ذلك كان منفعة نادرة لا يقدح في تحريم العين بقول مطلق الذي هو المناط في تحريم الثمن.

«نعم» لو فرض هيئة خاصة مشتركة بين هيكل العبادة و آلة

______________________________

و حرمة الشي ء فيما اذا كان منافعه الغالبة او الدائمة حراما، و الصليب كذلك فهو حرام فثمنه حرام (فان الصليب من حيث انه خشب بهذه الهيئة) الخاصة (لا ينتفع به الا في الحرام) و لذا يكون صنعه و سائر انحاء التقلب فيه حراما (و ليس بهذه الهيئة) الخاصة (مما ينتفع به في المحلل و المحرم) حتى يشمله قوله عليه السلام «وجه من وجوه الصلاح» و حتى لا يصدق عليه «حرم شيئا» بقول مطلق (و لو فرض ذلك) اي الانتفاع به في المحلل كسد الساقية، و جعله درجا لتناول شي ء في الرف مثلا (كان) ذلك الوجه المحلل (منفعة نادرة لا يقدح) و لا يضر ذلك النفع المحلل النادر (في تحريم العين بقول مطلق) بحيث يقال: «انه حرام» بدون ان يقيد الحرمة بشي ء، كما ربما يقيد. مثلا يقال «استعمال السلاح في محاربة المسلمين حرام» (الذي) وصف «للتحريم بقول مطلق» (هو المناط في تحريم الثمن) لما عرفت من ان حرمة الثمن متوقف على حرمة العين، و حرمة العين انما تكون اذا صدق «انه حرام» بقول مطلق، بدون التقييد.

( «نعم» لو فرض هيئة خاصة مشتركة بين هيكل العبادة و آلة

ص: 235

اخرى لعمل محلل بحيث لا تعد منفعة نادرة، فالاقوى جواز البيع بقصد تلك المنفعة المحللة، كما اعترف به في المسالك.

فما ذكره بعض الاساطين من ان ظاهر الاجماع و الاخبار: انه لا فرق بين قصد الجهة المحللة و غيرها. فلعله محمول على الجهة المحللة التي لا دخل للهيئة فيها» او النادرة التي مما للهيئة دخل فيه «نعم» ذكر أيضا- وفاقا لظاهر غيره، بل الاكثر- انه لا فرق بين قصد المادة و الهيئة.

______________________________

اخرى لعمل محلل) كالمطرقة ذات رأسين التي تشبه الصليب (بحيث لا تعد) تلك المنفعة الاخرى المحللة (منفعة نادرة، فالاقوى جواز البيع بقصد تلك المنفعة المحللة) لشمول ادلة الجواز له (كما اعترف به في المسالك).

(فما ذكره بعض الاساطين) اي كاشف الغطاء- رحمه اللّه- (من ان ظاهر الاجماع و الاخبار: انه لا فرق بين قصد الجهة المحللة و غيرها، فلعله محمول على الجهة المحللة التي لا دخل للهيئة فيها) كما لو اشترى الصليب بقصد ان يجعله في السقف للبناء عليه فان هيئة الصليب لا دخل لها في البناء (او) الجهة (النادرة التي مما للهيئة دخل فيه) كجعل الصليب درجا مما هيأته تسبب يسر الصعود و ليس مراد كاشف الغطاء ما ذكرناه من الهيئة التي لها منفعتان بالاشتراك ( «نعم» ذكر) بعض الاساطين (أيضا وفاقا لظاهر غيره بل الاكثر انه لا فرق بين قصد المادة و الهيئة) فقد يبيع الصنم بقصد الذهب الموجود فيه، بلا ان يقصد هيأته، و قد يبيع الصنم بقصد هيأته بدون قصد المادة، كما انه قد يقصدهما معا.

ص: 236

اقول: ان اراد بقصد المادة: كونها هي الباعثة على بذل المال بإزاء ذلك الشي ء و ان كان عنوان المبيع المبذول بإزائه الثمن هو ذلك الشي ء فما استظهره من الاجماع و الاخبار حسن، لان بذل المال بإزاء هذا الجسم المتشكل بالشكل الخاص- من حيث كونه ما لا عرفا- بذل للمال على الباطل.

و ان اراد بقصد المادة: كون المبيع هي المادة، سواء

______________________________

(اقول): لا نسلم عدم الفرق بين قصد المادة و قصد الهيئة، بل قصد المادة في بعض الاحيان يكون سببا لصحة البيع، فإنه (ان اراد) كاشف الغطاء (بقصد المادة) الموجب للبطلان كما يوجب بطلان البيع قصد الهيئة: (كونها) اي المادة (هي الباعثة على بذل المال بإزاء ذلك الشي ء) كما نرى ذلك بالوجدان في ان الوثني الثري يشتري الصنم من الذهب، و الفقير يشتري الصنم من الخشب، فبذل مال الثري انما هو بإزاء الذهب (و ان كان عنوان المبيع المبذول بإزائه الثمن هو ذلك الشي ء) اي الصنم فهو يبذل عشرة دنانير- مثلا- في مقابل الصنم لكن الباعث له على بذل هذا المقدار من المال هو كونه ذهبا (فما استظهره) كاشف الغطاء رحمه اللّه- (من الاجماع و الاخبار) على البطلان و عدم الفرق بين قصد المادة و قصد الهيئة (حسن، لان بذل المال بإزاء هذا الجسم المتشكل بالشكل الخاص- من حيث كونه مالا عرفا- بذل للمال على الباطل) فان المشترى هو الصنم.

(و ان اراد بقصد المادة: كون المبيع هي المادة) فقط، (سواء

ص: 237

تعلق البيع بها بالخصوص- كأن يقول: بعتك خشب هذا الصنم- او في ضمن مجموع مركب- كما لو وزن له وزنة حطب فقال: بعتك فظهر فيه.

صنم او صليب- فالحكم ببطلان البيع في الاول، و في مقدار الصنم في الثاني مشكل، لمنع شمول الادلة لمثل هذا الفرد، لان المتيقن من الادلة المتقدمة:

حرمة المعاوضة على هذه الأمور نظير المعاوضة على غيره من الاموال العرفية و هو ملاحظة مطلق ما يتقوم به مالية الشي ء من المادة و الهيئة و الاوصاف.

______________________________

تعلق البيع بها بالخصوص- كأن يقول بعتك خشب هذا الصنم- او) تعلق البيع بها (في ضمن مجموع مركب- كما لو وزن له وزنة حطب فقال بعتك) هذه الوزنة (فظهر فيه صنم او صليب- فالحكم ببطلان البيع في الاول) اي بيع خشب الصنم (و في مقدار الصنم في الثاني) فيما باعه وزن حطب فظهر فيه صنم مثلا (مشكل، لمنع شمول الادلة) الدالة على حرمة بيع الصليب و الصنم (لمثل هذا الفرد) من البيع و هو ما لو باع الخشب لا الهيكل (لان المتيقن من الادلة المتقدمة: حرمة المعاوضة على هذه الأمور) الصليب و الصنم و المزامير و ما اشبه، معاوضة (نظير المعاوضة على غيره من الاموال العرفية، و هو) الضمير راجع الى النظير (ملاحظة مطلق ما يتقوم به مالية الشي ء من المادة و الهيئة و الاوصاف).

و لكن ربما يقال بعدم الفرق في شمول المطلقات بين قصد المادة او قصد الهيكل او قصدهما معا، فان القصد لا يغير من الواقع شيئا، ألا ترى انه لو نهى المولى عن بيع الدار ثم باع العبد مواد الدار، لم يكن معذورا عند العرف، و ما ذكره- رحمه اللّه- من انه «المتيقن» محل

ص: 238

و الحاصل ان الملحوظ في البيع قد يكون مادة الشي ء من غير مدخلية الشكل. الا ترى انه لو باعه وزنة نحاس فظهر فيها آنية مكسورة لم يكن له خيار العيب لان المبيع هي المادة.

و دعوى-: ان المال هي المادة بشرط عدم الهيئة- مدفوعة بما صرح به من انه لو اتلف الغاصب لهذه الامور ضمن موادها.

______________________________

تأمل، اذ لا اجمال حتى يؤخذ بالقدر المتيقن.

(و) كيف كان ف (الحاصل) مما ذكره الماتن (ان الملحوظ في البيع قد يكون مادة الشي ء من غير مدخلية الشكل) في بذل الثمن و الرغبة و القصد من جانب البائع و المشتري (الا ترى انه لو باعه وزنة نحاس فظهر فيها) اي في تلك الوزنة (آنية مكسورة لم يكن له خيار العيب) اذ المبيع مادة النحاس، لا الشكل حتى يكون الكسر موجبا لخيار العيب، بخلاف ما اذا باعه الآنية بالمادة و الشكل، فان الكسر في الهيكل كالمغشوش في المادة موجبان لخيار العيب (لان المبيع) في الاول (هي المادة) فقط و في الثاني المادة و الصورة.

(و دعوى-: ان المال) في مثل الصنم و الصليب (هي المادة بشرط عدم الهيئة) فوجود الهيئة يسقط مالية الصنم، حتى انه لا يجوز بذل المال بإزاء المادة المتلبسة بالهيئة (- مدفوعة بما صرح به) في كلام الفقهاء (من انه لو اتلف الغاصب لهذه الامور) التي لا يجوز بيعها كالصنم و الصليب و المزمار (ضمن موادها) و لو كان المال هو المادة بدون الهيئة كان اتلاف المادة في ضمن الهيئة غير موجب للضمان. و هذا التصريح منهم

ص: 239

و حمله على الإتلاف تدريجا تمحل.

و في محكي التذكرة: انه اذا كان لمكسورها قيمة و باعها صحيحة ليكسر و كان المشتري ممن يوثق بديانته فانه يجوز بيعها على الاقوى. انتهى.

و اختار ذلك صاحب الكفاية، و صاحب

______________________________

دليله «من اتلف مال الغير فهو له ضامن».

اللهم الا ان يقال: ان ذلك اوّل الكلام، فان عدم اعتبار مالية هذه الاشياء يدل على عدم شمول «من اتلف». و يؤيده ان المسلمين كانوا يكسرون الاصنام و يتلفونها، و كذلك آلات اللهو بدون ان يعطوا ثمن المواد فتأمل.

هذا مضافا الى ان كون المادة مالا لا تصحح البيع بعد النهي عن بيع الصنم المطلق لما قصد بيع المجموع او المادة فقط. (و حمله) اي حمل كلامهم في الضمان (على الاتلاف تدريجا) بمعنى انهم انما صرحوا بالضمان في صورة الاتلاف فيما اتلف الهيئة أولا حتى صار مالا ثم اتلف المادة، حتى يكون الغاصب متلفا للمال (تمحل) اي تكلف بدون وجه.

(و) يدل على جواز بيع هذه الامور بقصد المادة ما (في محكي التذكرة: انه اذا كان لمكسورها) اي مكسور آلات العبادة كالصنم و الصليب و نحوها (قيمة و باعها) في حال كونها (صحيحة) لكن (ليكسر) و ينتفع بموادها فقط (و كان المشتري ممن يوثق بديانته) و انه يكسرها (فانه يجوز بيعها على الاقوى. انتهى) كلام التذكرة.

(و اختار ذلك) الذي اختاره العلامة (صاحب الكفاية، و صاحب

ص: 240

الحدائق، و صاحب الرياض، نافيا عنه الريب.

و لعل التقييد- في كلام العلامة بكون المشتري ممن يوثق بديانته- لئلا يدخل في باب المساعدة على المحرم، فان دفع ما يقصد منه المعصية غالبا مع عدم وثوق بالمدفوع إليه، تقوية لوجه من وجوه المعاصي، فيكون باطلا كما في رواية تحف العقول-.

لكن فيه- مضافا الى التأمل في بطلان البيع لمجرد الاعانة على الاثم

______________________________

الحدائق، و صاحب الرياض، نافيا عنه الريب) فان فهم هؤلاء الفقهاء دليل على ان الظاهر من ادلة عدم جواز بيعها عدم جواز البيع مادة و هيئة لا عدم جواز البيع بقصد المادة فقط.

(و) ان قلت: ان كان المناط «قصد المادة و عدم قصدها» فما هو تأثير الوثاقة بدين المشتري الذي ذكره العلامة؟ قلت: (لعل التقييد في كلام العلامة بكون المشتري ممن يوثق بديانته لئلا يدخل) البيع بدون الوثاقة (في باب المساعدة على المحرم) فيما اذا لم يكسره المشتري (فان دفع ما يقصد منه المعصية غالبا مع عدم وثوق بالمدفوع إليه تقوية لوجه من وجوه المعاصي فيكون) البيع (باطلا، كما) صرح بذلك (في رواية تحف العقول) فالوثوق المذكور في كلامه طريقي لا موضوعي.

(لكن فيه) اي في تقييد العلامة (- مضافا الى التأمل في بطلان البيع لمجرد الاعانة على الاثم) فان في كثير من البيوع إعانة على الاثم، مع واسطة الفاعل المختار، و ليس ذلك محرما، فان النهي بأمر خارج عن المعاملة كالنهي عن البيع وقت النداء لا يوجب بطلانا، و خبر تحف العقول و ان

ص: 241

-: انه يمكن الاستغناء عن هذا القيد بكسره قبل ان يقبضه اياه، فان الهيئة غير محترمة في مثل هذه الامور- كما صرحوا به في باب الغصب- بل قد يقال بوجوب اتلافها فورا. و لا يبعد ان يثبت، لوجوب حسم مادة الفساد.

و في جامع المقاصد- بعد حكمه بالمنع عن بيع هذه الاشياء و ان امكن الانتفاع على حالها في غير المحرم

______________________________

دل على البطلان لكنه ضعيف غير مجبور في هذه الفقرة، فأصالة جواز البيع محكمة-: (انه يمكن الاستغناء عن هذا القيد) اي قيد وثوق البائع بكسر المشتري (بكسره) اي البائع للصنم الذي يبيعه- مثلا- (قبل ان يقبضه اياه) او يجبره على كسره او يكون هناك من يكسر او يجبر على الكسر من باب إتلاف مادة الفساد، الواجب شرعا، و لا يمكن ان يقال: كيف يكسره البائع و يتصرف في مال غيره بعد البيع؟ (فان الهيئة غير محترمة في مثل هذه الامور- كما صرحوا به في باب الغصب-) و التصرف في المادة الملازم للكسر جائز شرعا (بل قد يقال بوجوب اتلافها) اي الهيئة (فورا) فهو واجب و ليس بمجرد جواز (و لا يبعد ان يثبت) وجوب الكسر فورا (لوجوب حسم) و قطع (مادة الفساد) المستفاد من كسره- صلى اللّه عليه و آله- اصنام اهل مكة و الطائف و غيرهما بمجرد قدرته على ذلك.

(و) مثل كلام العلامة الدال على جواز البيع بقصد المادة ما (في جامع المقاصد) فانه- (بعد حكمه بالمنع عن بيع هذه الاشياء) كالصنم و الصليب (و ان امكن الانتفاع على حالها) و هيأتها (في غير المحرم)

ص: 242

منفعة لا تقصد منها- قال: و لا اثر لكون رضاضها الباقي بعد كسرها مما ينتفع به في المحلل، و يعد مالا، لان بذل المال في مقابلها- و هي على هيأتها- بذل له في المحرم الذي لا يعد ما لا عند الشارع. نعم لو باع رضاضها الباقي بعد كسرها- قبل ان يكسرها- و كان المشتري موثوقا به و انه يكسرها، امكن القول بصحة البيع. و مثله باقي الامور المحرمة كاواني النقدين و الصنم. انتهى.

______________________________

كجعلها الواحا للسقوف او درجا للصعود و ما اشبه (منفعة) محللة (لا تقصد منها) غالبا، فان المقصود من هيكل الصنم العبادة- عند اهله- لا جعله لوحا او درجا (- قال: و لا اثر لكون رضاضها) و اجزائها (الباقي بعد كسرها مما ينتفع به في المحلل و يعد مالا) أي لا اثر لذلك في جواز بيعها فعلا مع الهيئة، و انما قلنا «لا اثر» (لان بذل المال في مقابلها- و هي على هيأتها- بذل له في المحرم الذي لا يعد ما لا عند الشارع) اذ للهيكل قسط من الثمن (نعم لو باع رضاضها الباقي بعد كسرها- قبل ان يكسرها-) بان كان البيع قبل الكسر، لكن المبيع الرضاض و المادة فقط (و كان المشتري موثوقا به) دينا (و انه يكسرها، امكن القول بصحة البيع) لان المبيع المادة، و الدليل الدال على حرمة بيعها منصرف الى بيع المادة و الهيئة معا، كما هو متعارف عند اهلها (و مثله باقي الامور المحرمة) من جهة الهيئة (كاواني النقدين) الذهب و الفضة (و الصنم). و غيرها.

( «و منها»-) اي من الامور التي لا يقصد من وجوده على نحوه

ص: 243

«و منها»- آلات القمار بانواعه،

بلا خلاف ظاهرا.

و يدل عليه جميع ما تقدم في هياكل العبادة. و يقوى هنا أيضا جواز بيع المادة قبل تغيير الهيئة.

و في المسالك: انه لو كان لمكسورها قيمة و باعها صحيحة ليكسر و كان المشتري ممن يوثق بديانته ففي جواز بيعها وجهان

______________________________

الخاص الا الحرام، و هذا عطف على اوّل المسألة (آلات القمار بانواعه) اي بمختلف انواع القمار من النرد و الشطرنج و غيرهما، فانه يحرم التكسب به لتحريم ما يقصد به (بلا خلاف ظاهرا) اي حسب ما استظهرناه من كتبهم و كلامهم.

(و يدل عليه) اي على التحريم هنا (جميع ما تقدم في هياكل العبادة) من فقرات رواية التحف و النبوي بل و قوله تعالى «رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ» الى غير ذلك (و يقوى هنا) في آلات القمار (أيضا) مثل هياكل العبادة (جواز بيع المادة قبل تغيير الهيئة) لما ذكرناه هناك من الادلة فان النهي منصرف الى بيع المادة و الهيئة لا المادة فقط.

(و في المسالك) تأييد ما ذكرناه من جواز البيع، فانه قال: (انه لو كان لمكسورها) اي مكسور آلات القمار (قيمة و باعها صحيحة ليكسر) اما باشتراط الكسر في ضمن البيع او كون البيع لهذه الغاية (و كان المشتري ممن يوثق بديانته) و انه يكسرها بعد الاشتراء (ففي جواز بيعها وجهان) من اطلاق ادلة المنع. و من انصراف الادلة الى صورة البيع المتعارف و هي

ص: 244

و قوى في التذكرة الجواز مع زوال الصفة و هو حسن. و الاكثر اطلقوا المنع. انتهى.

اقول: ان اراد بزوال الصفة زوال الهيئة فلا ينبغي الاشكال في الجواز، و لا ينبغي جعله محلا للخلاف بين العلامة و بين الاكثر.

«ثم» ان المراد بالقمار: مطلق المراهنة بعوض. فكل ما اعد لها بحيث لا يقصد منه

______________________________

بيع المادة مع الهيئة (و قوى في التذكرة الجواز مع زوال الصفة) اي بشرط زوال الصفة (و هو) اي ما ذكره العلامة (حسن. و الاكثر اطلقوا المنع. انتهى) كلام المسالك.

(اقول): الظاهر ان العلامة اراد بزوال الصفة بيعها بشرط زوال الصفة لا البيع بعد زوال الصفة، لانه (ان اراد بزوال الصفة زوال الهيئة فلا ينبغي الاشكال في الجواز) اذ اتصاف المادة في وقت من الاوقات بصفة محرمة لا يوجب استصحاب الحرمة الى ما بعد زوال الصفة (و لا ينبغي جعله) اي الجواز بالشرط المذكور (محلا للخلاف بين العلامة و بين الاكثر) اذ الكل يقولون بالجواز بعد زوال الصفة، و بعض المعلقين قال: لعله اراد بزوال الصفة عدم مقامرة الناس به و تركهم له بحيث خرج عن كونه آلة القمار و ان كانت الهيئة باقية فتدبر.

( «ثم» ان المراد بالقمار: مطلق المراهنة بعوض ف) المراد بآلة القمار التي هي موضوع الكلام و انه لا يجوز اجراء المعاملة عليها (كل ما اعد لها) اي للمقامرة (بحيث لا يقصد منه) الضمير يرجع الى «ما»

ص: 245

على ما فيه من الخصوصيات غيرها حرمت المعاوضة عليه.

و أما المراهنة بغير عوض فسيجي ء انها ليست بقمار على الظاهر.

«نعم» لو قلنا بحرمتها لحق الآلة المعدة لها حكم آلات القمار، مثل ما يعملونه شبه الكرة يسمى عندنا التوبة و الصولجان.

«و منها»- آلات اللهو على اختلاف اصنافها

بلا خلاف، لجميع ما تقدم في المسألة السابقة

______________________________

(على ما فيه من الخصوصيات) بخلاف مادته المجردة (غيرها) اي غير المقامرة، فان ما يكون كذلك (حرمت المعاوضة عليه).

(و اما المراهنة بغير عوض) فهل الآلة المعدة لذلك حرام أم لا (فسيجي ء انها) اي المراهنة بغير عوض (ليس بقمار على الظاهر) الذي يستفاد من ادلة تحريم القمار. و على هذا فليست آلتها كآلة القمار في تحريم البيع.

( «نعم» لو قلنا بحرمتها) اي بحرمة المراهنة بغير عوض (لحق الآلة المعدة لها حكم آلات القمار، مثل ما يعملونه شبه الكرة يسمى عندنا التوبة و الصولجان) يضرب بالصولجان على التوبة- و هي جسم مدور شبه الكرة- فمن لم يتمكن من ارجاعها بان انفلتت تلك الكرة من صولجانه عد خاسرا. و الظاهر ان ذلك ليس من آلات القمار. و لا عمله يسمى قمارا. و سيأتي تفصيل الكلام فيه.

( «و منها»-) اي مما لا يقصد من وجوده على النحو الخاص الا الحرام (آلات اللهو على اختلاف اصنافها) كالقانون و المزمار و ما اشبه (بلا خلاف) في حرمة بيعها (لجميع ما تقدم في المسألة السابقة)

ص: 246

و الكلام في بيع المادة كما تقدم.

و حيث ان المراد بآلات اللهو ما اعد له توقف على تعيين معنى اللهو و حرمة مطلق اللهو، الا ان المتقين منه: ما كان من جنس المزامير و آلات الاغاني و من جنس الطبول، و سيأتي معنى اللهو و حكمه.

«و منها»- أواني الذهب و الفضة،

اذا قلنا بتحريم اقتنائها

______________________________

من الادلة، كرواية تحف العقول، و النبوي و غيرهما، بل و النبوي المروي عن تفسير ابي الفتوح قال صلى اللّه عليه و آله: «ان اللّه بعثنى هدى و رحمة للعالمين، و امرنى أن امحو المزامير و المعازف و الاوتار و الاوثان- الى ان قال صلى اللّه عليه و آله-: ان آلات المزامير شراؤها و بيعها و ثمنها و التجارة بها حرام». (و الكلام في بيع المادة كما تقدم) في مسألة هياكل العبادة.

(و حيث ان المراد بآلات اللهو ما اعد له) اي للهو (توقف) تنقيح الكلام في هذه المسألة (على تعيين معنى اللهو) ليعرف ما هي آلته المضافة إليه (و) كذلك توقف عليه الاستدلال على (حرمة مطلق اللهو) اذ لو كان بعض اقسام اللهو غير حرام لم تكن آلة تلك الاقسام محرمة (الا ان المتيقن منه) اي من المحرم من آلة اللهو (ما كان من جنس المزامير و آلات الاغاني و من جنس الطبول، و سيأتي معنى اللهو و حكمه) و هل انه مطلقا حرام اوان الحرام بعض اقسامه.

( «و منها»-) اي مما لا يقصد من وجوده على نحوه الخاص الا الحرام (أواني الذهب و الفضة، اذا قلنا بتحريم اقتنائها) و اما من لا يقول

ص: 247

او قصد المعاوضة على مجموع الهيئة و المادة، لا المادة فقط.

«و منها»- الدراهم الخارجة المعمولة لاجل غش الناس،

اذا لم يفرض على هيأتها الخاصة منفعة محللة معتد بها، مثل التزيين او الدفع الى الظالم الذي يريد مقدارا من المال كالعشار و نحوه، بناء على جواز ذلك و عدم وجوب اتلاف مثل هذه الدراهم- و لو بكسرها- من باب دفع مادة الفساد.

______________________________

بحرمة الاقتناء، و انما المحرم استعمالها فلا يقول بحرمة المعاوضة عليها، لان لها منفعة محللة مقصودة (او) قلنا بحرمة الاقتناء و (قصد) المتبايعان (المعاوضة على مجموع الهيئة و المادة، لا المادة فقط) و الا جاز ذلك لما تقدم في مسألة هياكل العبادة.

( «و منها»-) اي مما لا يقصد من وجوده على نحوه الخاص الا الحرام (الدراهم الخارجة) عن الدراهم المتعارفة (المعمولة لاجل غش الناس) اما الدراهم التي فيها الغش مما اعتبرها المعتبر مغشوشة بمعنى خلط الفضة بغيرها فليست من هذا الباب، و لذا قيدها المصنف «رحمه اللّه» بقوله:

المعمولة الخ (اذا لم يفرض لها على هيأتها الخاصة منفعة محللة معتد بها) بما يجعلها ما لا عرفا (مثل التزيين) بهذا النوع من الدراهم (او الدفع الى الظالم الذي يريد مقدارا من المال كالعشار و نحوه) من سائر الظلمة، (بناء على جواز ذلك) اي الدفع الى العشار، و ذلك لاحتمال ان لا يجوز حيث ان الواجب كسرها (و عدم وجوب اتلاف مثل هذه الدراهم) عطف على «جواز» (و لو) كان الاتلاف (بكسرها من باب دفع مادة الفساد) المستفاد من قوله سبحانه «ان اللّه لا يحب الفساد» و «لا يصلح

ص: 248

كما يدل عليه قوله- عليه السلام، في رواية الجعفي، مشيرا الى درهم-: «اكسر هذا، فانه لا يحل بيعه، و لا انفاقه» و في رواية موسى بن بكر «قطعه نصفين، ثم قال: ألقه في البالوعة، حتى لا يباع بشي ء فيه غش». و تمام الكلام فيه في باب الصرف إن شاء اللّه.

و لو وقعت المعاوضة عليها جهلا فتبين الحال لمن صارت إليه، فان وقع عنوان المعاوضة على

______________________________

عمل المفسدين»، و ما اشبه. اذا قلنا باستفادة دفع مادة الفساد من هذه النصوص.

(كما يدل عليه قوله- عليه السلام- في رواية) المفضل بن عمر (الجعفي- مشيرا الى درهم-: «اكسر هذا، فانه لا يحل بيعه، و لا انفاقه») الظاهر منه عدم الانفاق حتى للظلمة. (و في رواية موسى بن بكر) قال: كنا عند ابي الحسن عليه السلام فاذا دنانير مصبوبة بين يديه فنظر الى دينار فاخذه بيده ثم (قطعه نصفين، ثم قال) لي: ( «القه في البالوعة حتى لا يباع بشي ء فيه غش») و رواية دعائم الاسلام في الستوق يقطع و لا يحل ان ينفق. (و تمام الكلام فيه في باب الصرف إن شاء اللّه) تعالى.

«ثم» ان الكلام في الغش يقع تارة في صورة العلم بالغش، و قد تقدم الكلام فيه.

(و) اخرى في صورة الجهل بالغش ف (لو وقعت المعاوضة عليها) اي على الدراهم المغشوشة (جهلا) بالغش (فتبين الحال) بعد ذلك (لمن صارت) تلك الدراهم (إليه، فان وقع عنوان المعاوضة على)

ص: 249

الدرهم المنصرف اطلاقه الى المسكوك بسكة السلطان، بطل البيع.

و ان وقعت المعاوضة على شخصه من دون عنوان، فالظاهر صحة البيع مع خيار العيب ان كانت المادة مغشوشة. و ان كان الغش مجرد تفاوت السكة

______________________________

كلي (الدرهم المنصرف اطلاقه الى المسكوك بسكة السلطان) ثم اعطى الغش من باب الوفاء كان اللازم تبديل هذا الدرهم المعطى بفرد آخر ينطبق عليه الكلي، و البيع حينئذ صحيح، فهو مثل ان يبيعه فرسا كليا ثم يعطيه حمارا من باب الوفاء، فان الوفاء غير تام لا ان البيع غير تام، و ان وقعت المعاوضة على الشخص الخارجي لكن بعنوان الدرهم المنصرف الى السلطاني (بطل البيع) لانه من قبيل تخلف الاشارة و الوصف، كما لو اشار الى حمار و قال: بعتك هذا الفرس، فانه يبطل البيع، و ليس من قبيل بيع الكلي المتقدم. و هذا الفرد هو مراد المصنف كما في تعليقة المجاهد الشيرازي. فما ذكره السيد الطباطبائي من الاشكال على المتن ليس في محله.

(و ان وقعت المعاوضة على شخصه) اي شخص هذا الدرهم الموجود (من دون عنوان) كونه الدرهم المنصرف الى السلطاني- كالقسم الثاني- (فالظاهر صحة البيع، مع خيار العيب ان كانت المادة مغشوشة) لان الغش عيب و لا منافاة بين عدم الانصراف- الى السلطاني- من جهة الهيئة، و الانصراف- الى المادة الصحيحة- من جهة المادة فيأتي فيه خيار العيب (و ان كان الغش مجرد تفاوت السكة) كما كان ذلك متعارفا في القديم، حيث كانت سكك الدراهم و الدنانير مختلفة، كالليرة الحميدية و الرشادية

ص: 250

فهو خيار التدليس فتامل.

______________________________

و ما اشبه (ف) الظاهر ان الخيار الذي للمشتري (هو خيار التدليس) لان تفاوت السكة ليس عيبا و انما يكون الغش تدليسا. (فتامل) لاحتمال انه لا خيار له اصلا اذن ليس في البين تدليس بعد كون المبيع شخصيا فان البائع لم يظهر للمشتري الا نفس الواقع و زعم المشتري ان المبيع من قسم خاص لا يوجب خيار التدليس فان التدليس انما هو فيما اذا اظهر البائع خلاف الواقع.

فتحصل: انه قد يبيع الكلي و يعطي الفرد المخالف من باب الوفاء و قد يبيع الشخص، و الثاني على قسمين، لانه اما ان يبيع المعنون و يخالف العنوان و اما ان يبيع بدون عنوان لكن الانصراف يوجب مادة خالصة او سكة كذائية.

فالاول- من قبيل بيع الفرس الكلي و اعطاء الحمار، فانه لا بد من تبديل ما اعطاه.

و الثاني- من قبيل ان يقول: بعتك هذا الفرس. مشيرا الى حمار، فانه يبطل البيع لتخلف الوصف و الاشارة تخلفا يوجب اختلاف الحقيقة.

و الثالث- من قبيل ان يقول بعتك هذا الفرس. فيظهر معيبا فان له خيار العيب.

و الرابع- من قبيل ان يقول: بعتك هذا الفرس. و كان المنصرف من الفرس العراقي ثم ظهر غير العراقي، و يكون حينئذ من باب التدليس و انما كان هذا من باب خيار التدليس لانه لا نقص في المبيع من جهة اختلاف السكة بخلاف الصورة الثالثة فان الغش نقص.

ص: 251

..........

______________________________

و حيث يمكن ان يرد على المصنف سؤال الفرق بين «اختلاف السكة» الذي ذكر- قدس سره- صحة العاملة مع خيار التدليس. و بين «آلات العبادة كالصنم و نحوه» الذي ذكر- قدس سره- بطلان المعاملة- حتى في صورة الجهل-؟.

و حاصل الاشكال: ان الصورة الملغاة شرعا كالصنم، او غير المقصودة للمشتري كالدرهم المخالف سكته ان لم نعتبرها، بان قلنا المال بإزاء المادة، فيلزم صحة المعاملة في الموردين لفرض ان ذات الصنم كذات الدرهم- اي مادتهما- لها مالية عرفية يصح ان تقابل بالثمن. و ان اعتبرنا الصورة كان اللازم بطلان المعاملة في الموردين، فكيف قلتم بصحة المعاملة في الدرهم دون الصنم؟

اجاب عن ذلك بما حاصله الفرق بين الموردين، فان صورة الدرهم لا تقابل بالمال، و انما المال يكون في قبال فضة الدرهم- كما كان سابقا كذلك- فالبيع للمادة، و الثمن في قبال المادة، و لذا يصح البيع، منتهى الامر تدارك اختلاف السكة بخيار التدليس، بخلاف صورة الصنم فان لها دخلا في المالية، لوضوح ان ذات الذهب ارخص من الذهب الموجود في ضمن الصنم- فان لصورة الصنم مالية عند اهله- و لذا كان الثمن في قبال المادة المقيدة بالصورة. و حيث ان الشارع الغى مالية «المادة المقيدة بهذه الصورة» كان البيع باطلا. و ليس الثمن بإزاء جزءين: المادة و الهيئة، حتى يقال بصحة البيع بالنسبة الى احد الجزءين من قبيل خيار تبعض الصفقة. و الى هذا الجواب اشار بقوله:

ص: 252

و هذا بخلاف ما تقدم من الآلات، فان البيع الواقع عليها لا يمكن تصحيحه بامضائه من جهة المادة فقط و استرداد ما قابل الهيئة من الثمن المدفوع، كما لو جمع بين الخل و الخمر، لان كل جزء من الخل و الخمر مال لا بد ان يقابل في المعاوضة بجزء من المال، ففساد المعاملة باعتباره يوجب فساد مقابله من المال لا غير، بخلاف المادة و الهيئة، فان الهيئة من قبيل القيد للمادة

______________________________

(و هذا) الذي ذكرناه في صورة اختلاف السكة من صحة البيع مع خيار التدليس (بخلاف ما تقدم من) بطلان بيع (الآلات) للعبادة (فان البيع الواقع عليها) اي على آلات العبادة (لا يمكن تصحيحه) اي تصحيح ذلك البيع (بامضائه من جهة المادة فقط و استرداد) المشتري (ما قابل الهيئة من الثمن المدفوع) الى البائع، حتى يكون حال الصنم المبيوع (كما لو جمع بين الخل و الخمر) في البيع اي ليس حال المادة و الهيئة في الصنم حال الخل و الخمر فيما لو باعهما صفقة واحدة، فلا يمكن ان نقول ببطلان البيع بالنسبة الى الصورة و صحة البيع بالنسبة المادة، كما نقول في بيع الخل و الخمر ببطلان البيع بالنسبة الى الخمر و صحته بالنسبة الى الخل، و انما ليس حال الصنم حال الخل و الخمر (لان كل جزء من الخل و الخمر) اي الخل الذي هو جزء من المبيع و الخمر التي هي جزء أيضا (مال) عرفي (لا بد ان يقابل في المعاوضة بجزء من المال، ففساد المعاملة باعتباره) اي باعتبار احد الجزءين- كالخمر- (يوجب فساد مقابله من المال) اي الثمن (لا غير) فلا يوجب فساد المعاملة بالنسبة الى الجزء الآخر (بخلاف المادة و الهيئة) في الصنم (فان الهيئة من قبيل القيد للمادة

ص: 253

جزء عقلي لا خارجي يقابل بمال على حدة، ففساد المعاملة باعتباره فساد لمعاملة المادة حقيقة.

و هذا الكلام مطرد في كل قيد فاسد بذل الثمن الخاص لداعي وجوده.

______________________________

جزء عقلي لا خارجي) و المراد كونه عقليا في عدم كونه شيئا ملموسا، فليس مثل الخمر التي هي جزء خارجي ملموس، فلا ينافي كونه جزء عقليا و قبوله للانفكاك عن المادة عقلا، فتنبه- فلا (تقابل) الهيئة (بمال على حدة، ففساد المعاملة باعتباره) اي باعتبار هذا الجزء- اي الهيئة- (فساد لمعاملة المادة حقيقة) اذ المادة المقيدة كانت في مقابل الثمن، بخلاف الخل و الخمر فان الخل المصاحب للخمر كان في مقابل الثمن فاذا فسد احد الجزءين لا يوجب فساد الجزء الآخر.

(و هذا الكلام) الذي ذكرناه في الصنم من ان المعاملة فاسدة لان الثمن في قبال المادة المقيدة، فاذا فسد القيد افسد المعاملة (مطرد في كل قيد فاسد بذل الثمن الخاص) اي الثمن للمادة المقيدة، في قبال ما اذا بذل الثمن للمادة فقط (لداعي وجوده) اي وجود ذلك القيد.

فتحصل الفرق بين «اختلاف السكة» و بين «الصنم» بان السكة لا تقابل بالمال بخلاف هيئة الصنم، كما ظهر الفرق بين «هيئة الصنم» و بين «الخل و الخمر» فالهيئة قيد، و الخمر جزء.

و حيث تداخل هذان المبحثان «الهيئة و السكة» و «الخل و الخمر» اشكل فهم مراد المصنف على بعض المعلقين و اللّه العالم.

ص: 254

القسم الثاني ما يقصد منه المتعاملان المنفعة المحرمة.
اشارة

و هو تارة على وجه يرجع الى بذل المال في مقابل المنفعة المحرمة، كالمعاوضة على العنب مع التزامهما ان لا يتصرف فيه الا بالتخمير. و اخرى على وجه يكون الحرام هو الداعي الى المعاوضة لا غير، كالمعاوضة على العنب مع قصدهما تخميره.

و الاول- اما ان يكون الحرام مقصودا لا غير، كبيع العنب على ان

______________________________

(القسم الثاني) مما يحرم التكسب به لتحريم ما يقصد منه.

(ما يقصد منه المتعاملان المنفعة المحرمة) و ان كان له نفع محلل متعارف يجوز بيعه لاجل ذلك النفع.

(و هو تارة على وجه يرجع الى بذل المال في مقابل المنفعة المحرمة، كالمعاوضة على العنب مع التزامهما ان لا يتصرف فيه الا بالتخمير) بان يجعله خمرا (و) تارة (اخرى على وجه يكون الحرام هو الداعي الى المعاوضة لا غير) الحرام (كالمعاوضة على العنب مع قصدهما تخميره) بدون ان يشترطا ذلك في المعاوضة.

(و الاول) الذي هو بذل المال في مقابل المنفعة المحرمة على قسمين لانه (اما ان يكون الحرام مقصودا لا غير) الحرام (كبيع العنب على ان

ص: 255

يعمله خمرا و نحو ذلك. و اما ان يكون الحرام مقصودا مع الحلال، بحيث يكون بذل المال بإزائهما كبيع الجارية المغنية بثمن لوحظ فيه وقوع بعضه بإزاء صفة التغني.

فهنا مسائل ثلاث:-
«الأولى»- بيع العنب على ان يعمل خمرا،

و الخشب على ان يعمل صنما، او آلة لهو، او قمار، او اجارة المساكن ليباع او يحرز فيها الخمر و كذا اجارة السفن و الحمولة لحملها.

و لا اشكال في فساد المعاملة فضلا عن حرمته. و لا خلاف فيه

______________________________

يعمله خمرا و نحو ذلك). كبيع الخشب على ان يعمله صنما (و اما ان يكون الحرام مقصودا مع الحلال، بحيث يكون بذل المال) من المشتري (بإزائهما) معا (كبيع الجارية المغنية بثمن لوحظ فيه) اي في ذلك الثمن (وقوع بعضه بإزاء صفة التغني. فهنا مسائل ثلاث:-) المعاوضة بشرط الحرام فقط. المعاوضة فيما كان الثمن بإزاء الحرام و الحلال معا. المعاوضة على ان يكون الداعي هو الحرام.

المسألة ( «الاولى»- بيع العنب على ان يعمل خمرا، و الخشب على ان يعمل صنما، او آلة لهو، او قمار، او اجارة المساكن ليباع او يحرز) و يحفظ (فيها الخمر، و كذا اجارة السفن و الحمولة) كالدواب و السيارات (لحملها) اي الخمر.

(و لا اشكال في فساد المعاملة) وضعا (فضلا عن حرمته) اي التعامل تكليفا (و لا خلاف فيه) اي فساد المعاملة و الحرمة

ص: 256

و يدل عليه- مضافا الى كونها اعانة على الاثم، و الى ان الالزام و الالتزام بصرف المبيع في المنفعة المحرمة الساقطة في نظر الشارع اكل و ايكال للمال بالباطل- خبر جابر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر؟ قال- عليه السلام-: «حرام اجرته». فانه اما مقيد بما اذا استأجره لذلك او يدل عليه بالفحوى.

______________________________

(و يدل عليه- مضافا الى كونها) اي المعاملة لاجل التخمير و سائر المعاملات التي من هذا القبيل (اعانة على الاثم) فيشمله قوله سبحانه «وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ» (و) مضافا (الى ان الالزام و الالتزام بصرف المبيع في المنفعة المحرمة الساقطة) تلك المنفعة (في نظر الشارع اكل) من البائع (و ايكال) من المشتري (للمال بالباطل) فيشمله قوله سبحانه «وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» (- خبر جابر) فاعل لقوله «يدل» (قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر؟

قال- عليه السلام-: «حرام اجرته») و من المعلوم ان حرمة الاجرة تكليفا مستلزمة للحرمة الوضعية- في مثل المقام- (فانه) اي هذا الحديث (اما مقيد بما اذا استأجره لذلك) اي لبيع الخمر (او يدل) الحديث (عليه) اي على التحريم اذا استأجر بيته لبيع الخمر (بالفحوى) اي بالاولوية، فانه اذا كان مطلق الايجار المنتهي الى بيع الخمر فيه حراما كان التحريم آكد في ما اذا استأجره بهذا الشرط.

و القول بالتحريم مطلقا و لو بدون الاشتراط- الذي يفهم من قول

ص: 257

بناء على ما سيجي ء من حرمة العقد مع من يعلم انه يصرف المعقود عليه في الحرام.

«نعم» في مصححة ابن اذينة «قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن الرجل يؤاجر سفينته او دابته لمن يحمل فيها او عليها الخمر و الخنازير؟

قال عليه السلام: لا بأس».

لكنها محمولة على ما اذا اتفق الحمل من دون

______________________________

المصنف: بالفحوي- انما هو (بناء على ما سيجي ء من حرمة العقد مع من يعلم انه يصرف المعقود عليه في الحرام) فعلى هذا البناء نقول بإطلاق الحديث، و اذا لم نقل بهذا الاطلاق فنقيد حديث جابر بصورة الشرط.

( «نعم» في مصححة ابن اذينة) اي الرواية التي صححها بعض و ان لم يحقق المصنف من صحتها بنفسه ( «قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن الرجل يؤاجر سفينته او دابته لمن يحمل فيها) اي في السفينة (او عليها) اي على الدابة (الخمر و الخنازير؟ قال عليه السلام: لا بأس»).

فلكل واحد من الخبر و المصححة فردان: الاول- ما اذا شرط المحرم. الثاني- ما اذا اتفق المحرم. فيحمل الخبر على صورة الشرط.

و المصححة على صورة الاتفاق. و يطرح ظاهر كل من الخبرين بنص الخبر الاخر.

و الى هذا الجمع اشار بقوله: (لكنها) اي المصححة (محمولة على ما اذا اتفق الحمل) اي حمل الخمر في السفينة او على الدابة (من دون

ص: 258

ان يؤخذ ركنا او شرطا في العقد، بناء على ان خبر «جابر» نص فيما نحن فيه، و ظاهر في هذا، عكس الصحيحة، فيطرح ظاهر كل بنص الآخر فتأمل.

مع انه لو سلم التعارض كفى العمومات المتقدمة.

و قد يستدل أيضا فيما نحن فيه

______________________________

ان يؤخذ) الحمل (ركنا او شرطا في العقد) بان يقول: آجرتك لحمل الخمر، او آجرتك بشرط ان تحمل الخمر (بناء على ان خبر «جابر» نص فيما نحن فيه) و هو اخذ المحرم شرطا او ركنا (و ظاهر في هذا) اي ما اذا اتفق المحرم بدون الشرطية و الركنية للعقد (عكس الصحيحة) فهي نص في الاتفاق ظاهر في الاشتراط (فيطرح ظاهر كل) واحد من الخبرين (بنص) الخبر (. الآخر) فيختص خبر جابر بصورة الشرط و خبر ابن اذينة بصورة الاتفاق. و يتحصل من مجموع الخبرين: انه لو آجر داره بشرط بيع الخمر فيها بطل العقد. و لو آجر داره فاتفق بيع الخمر فيها صح العقد. و كذلك بالنسبة الى السفينة و الدابة و غيرهما. (فتامل) فان ما ذكر من الجمع ليس جمعا عرفيا، بل يرى العرف التعارض بين الخبرين، فيلزم اعمال المرجحات، فان النص و الظهور امران عرفيان، لا انهما يحصلان بتعمل العقل و تشقيق في الفكر.

(مع انه لو سلم) عدم الجمع العرفي بين الخبرين و (التعارض) بينهما (كفى العمومات المتقدمة) دليلا على الحرمة، كخبر تحف العقول، و آية الاثم، و آية الاكل بالباطل.

(و قد يستدل أيضا فيما نحن فيه) من بيع العنب لمن يعمله خمرا

ص: 259

بالاخبار المسئول فيها عن جواز بيع الخشب ممن يتخذه صلبانا او صنما، مثل مكاتبة ابن اذينة «عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا؟

فقال عليه السلام: لا».

و رواية عمرو بن الحريث «عن التوت ابيعه ممن يصنع الصليب او الصنم؟ قال: لا»

و فيه: ان حمل تلك الاخبار على صورة اشتراط البائع المسلم على المشتري او تواطئهما على التزام صرف المبيع في الصنم و الصليب بعيد في الغاية، و الفرق بين مؤاجرة البيت لبيع الخمر فيه و بيع الخشب على ان يعمل صليبا او صنما لا يكاد يخفى!

______________________________

(بالاخبار المسئول فيها عن جواز بيع الخشب ممن يتخذه صلبانا او صنما، مثل مكاتبة ابن اذينة «عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا؟) يعني هل يجوز هذا البيع؟ (فقال عليه السلام: لا») فانه يدل على التحريم و يؤيد خبر جابر المتقدم اذ موضوع الكلام فيهما من واد واحد.

(و رواية عمرو بن الحريث «عن التوث) اي خشب شجرته (ابيعه ممن يصنع الصليب او الصنم؟ قال عليه السلام: لا»).

(و فيه) اي في الاستدلال لما نحن فيه باخبار ابن اذينة و ابن حريث، نظر وجه النظر: (ان حمل تلك الاخبار) لابن اذينة و ابن حريث (على صورة اشتراط البائع المسلم على المشتري او) على صورة (تواطئهما) و تبانيهما (على التزام صرف المبيع في الصنم و الصليب بعيد في الغاية، و) عليه فهذا الحمل خلاف الظاهر، فلا ربط لهذه الاخبار بما نحن فيه بظهور (الفرق بين مؤاجرة البيت لبيع الخمر فيه و) بين (بيع الخشب على ان يعمل صليبا او صنما) فان الفارق بينهما (لا يكاد يخفى) بعد التأمل

ص: 260

فإن بيع الخمر في مكان و صيرورته دكانا لذلك منفعة عرفية تقع الاجارة عليها من المسلم كثيرا ما كما يوجرون البيوت لسائر المحرمات، بخلاف جعل العنب خمرا و الخشب صليبا فانه لا غرض للمسلم في ذلك غالبا يقصده في بيع عنبه او خشبه فلا يحمل عليه موارد السؤال.

«نعم» لو قيل في المسألة الآتية بحرمة بيع الخشب لمن يعلم انه يعمله صنما لظاهر هذه الاخبار، صح الاستدلال بفحواها على ما نحن فيه

______________________________

(فان بيع الخمر في مكان و صيرورته) اي ذلك المكان (دكانا لذلك) البيع (منفعة عرفية تقع الاجارة عليها من المسلم كثيرا ما) اذ الانسان يريد اجارة ماله، سواء جلس فيه الخمار او البزاز (كما يوجرون البيوت لسائر المحرمات) كالفواحش و ما اشبه (بخلاف) بيع العنب و الخشب ل (جعل العنب خمرا و الخشب صليبا فانه لا غرض للمسلم في ذلك) الشرط (غالبا) بحيث (يقصده) اي ذلك الشرط (في بيع عنبه او خشبه) فان الداعي بيع المال مطلقا، لا بيع المال لصنع الصنم و الخمر (فلا يحمل عليه) اي على هذا الشرط (موارد السؤال) في كلام الرواة، حتى يقال: ان الاخبار الناهية تحمل على هذه الصورة. و على هذا فاخبار بيع الخشب لمن يصنع صليبا او صنما غير مربوطة بما نحن فيه الذي هو ايجار المحل لصنع الخمر.

( «نعم» لو قيل في المسألة الآتية) المذكورة في طي المسألة الثالثة (بحرمة بيع الخشب لمن يعلم انه يعمله صنما، لظاهر هذه الاخبار) كمكاتبة ابن اذينة و خبر عمرو بن الحريث (صح الاستدلال بفحواها) اي بما يستفاد منها (على ما نحن فيه) من ان بيع العنب لمن يعمله خمرا فيه اشكال أيضا

ص: 261

لكن ظاهر هذه الاخبار معارض بمثله او باصرح منه كما سيجي ء.

«ثم» إنه يلحق بما ذكر من بيع العنب و الخشب على ان يعملا خمرا او صليبا، بيع كل ذي منفعة محللة على ان يصرف في الحرام، لان حصر الانتفاع بالبيع في الحرام يوجب كون اكل الثمن بإزائه اكلا للمال بالباطل

«ثم» انه لا فرق بين ذكر الشرط المذكور في متن العقد و بين التواطي عليه خارج العقد

______________________________

اذ كلتا المسألتين حينئذ تكونان من واد واحد، فانه لا فرق بين بيع العنب لمن يعلم انه يعمله خمرا، و بيع الخشب لمن يعلم انه يصنعه صليبا. (لكن ظاهر هذه الاخبار) الدالة على حرمة بيع الخشب لمن يعلم البائع انه يعمله صنما او صليبا (معارض بمثله او باصرح منه كما سيجي ء) إنشاء اللّه تعالى فلا يمكن الاستدلال بها للتحريم في موردها فكيف يمكن ان يستدل بها للتحريم في مورد آخر مشابه لها و هو بيع العنب لمن يعلم انه يصنعه خمرا.

( «ثم» انه يلحق بما ذكر من بيع العنب و الخشب على ان يعملا خمرا او صليبا، بيع كل ذي منفعة محللة على ان يصرف في الحرام) كبيع الارض على ان يبنى عليها كنيسة، و بيع الورق على ان يطبع فيه كتب الضلال، و بيع الفلزات على ان يصنع منها آلات اللهو (لان حصر الانتفاع بالبيع في الحرام يوجب كون اكل الثمن بإزائه اكلا للمال بالباطل) فيشمله قوله سبحانه «وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» و عليه فالمسألة لا تختص بالموارد المذكورة في الروايات السابقة.

( «ثم انه لا فرق بين ذكر الشرط المذكور في متن العقد) كأن يقول:

بعتك على ان تعمله خمرا (و بين التواطي عليه خارج العقد) كأن يتقاولا

ص: 262

و وقوع العقد عليه. و لو كان فرق فانما هو في لزوم الشرط و عدمه. لا فيما هو مناط الحكم هنا.

و من ذلك يظهر انه لا يبنى فساد هذا العقد على كون الشرط الفاسد مفسدا، بل الاظهر فساده و ان لم نقل بإفساد الشرط الفاسد.

لما عرفت من رجوعه في الحقيقة الى اكل المال في مقابل المنفعة المحرمة. و قد تقدم الحكم

______________________________

على ذلك ثم بيعه بناء على المقاولة السابقة (و وقوع العقد عليه) عطف على التواطي (و لو كان فرق) بين الشرط صريحا في العقد و بين التواطي خارجا. (فانما هو في لزوم الشرط) اذا كان في ضمن العقد (و عدمه) اذا كان خارج العقد و لكن (لا) فرق بين الشرط الداخل و الخارج (فيما هو مناط الحكم) بالبطلان للعقد و التحريم (هنا) اي فيما نحن فيه، اذ المناط هو كون اكل المال بالباطل، اذا شرط في العقد او بني العقد عليه.

(و من ذلك) الذي ذكرنا من بطلان مثل هذه المعاملة لاجل انه من اكل المال بالباطل اذا شرط هذا الشرط او بني عليه (يظهر انه لا يبنى فساد هذا العقد) اي بيع الخشب لصنع الصنم و نحوه (على كون الشرط الفاسد مفسدا، بل الاظهر فساده) اي هذا العقد (و ان لم نقل بافساد الشرط الفاسد).

و انما قلنا بالفساد هنا و ان لم نقل بافساد الشرط الفاسد (لما عرفت من رجوعه) اي هذا الشرط- سواء كان داخلا او خارجا- (في الحقيقة الى اكل المال في مقابل المنفعة المحرمة) فهو اكل للمال بالباطل (و قد تقدم الحكم

ص: 263

بفساد المعاوضة على آلات المحرم، مع كون موادها اموالا مشتملة على منافع محللة.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 1، ص: 264

مع ان الجزء اقبل للتفكيك بينه و بين الجزء الآخر، من الشرط و المشروط، و سيجي ء أيضا في المسألة الآتية ما يؤيد هذا أيضا إن شاء اللّه تعالى.

«المسألة الثانية»- تحرم المعاوضة على الجارية المغنية،

______________________________

بفساد المعاوضة على آلات المحرم) كالقمار و سائر آلات اللهو (مع كون موادها) كالخشب و الفلز و ما اشبه (اموالا مشتملة على منافع محللة) فاذا قلنا بالتحريم للمعاملة هناك كان التحريم هنا اولى لاطراد علة التحريم في المقامين.

و وجه الاولوية ما اشار إليه بقوله: (مع ان الجزء اقبل للتفكيك بينه و بين الجزء الآخر من الشرط و المشروط) فالمادة و الهيئة مع قبولهما للتفكيك اذا بطل بيعهما في مثل الصنم و نحوه، كان البطلان اولى فيما اذا باعه الخشب بشرط ان يصنعه صنما، اذ المادة ليست عدما عند عدم الهيئة الخاصة، و المشروط عدم عند عدم شرطه (و سيجي ء أيضا في المسألة الآتية) اي المسألة الثالثة (ما يؤيد هذا) الذي ذكرناه من بطلان بيع الخشب ليعمل صنما و العنب ليعمل خمرا (أيضا إن شاء اللّه تعالى) هذا تمام الكلام في المسألة الاولى من المسائل الثلاث.

( «المسألة الثانية»-) فيما كان الحرام و الحلال كلاهما مقصودا بالثمن، و هذا أيضا حرام فانه (تحرم المعاوضة على الجارية المغنية، و)

ص: 264

و كل عين مشتملة على صفة يقصد منها الحرام اذا قصد منها ذلك و قصد اعتبارها في البيع على وجه يكون دخيلا في زيادة الثمن، كالعبد الماهر في القمار او اللهو او السرقة اذا لوحظ فيه هذه الصفة، و بذل بإزائها شي ء من الثمن، لا ما كان على وجه الداعي.

و يدل عليه: ان بذل شي ء من الثمن بملاحظة الصفة المحرمة، اكل للمال بالباطل.

______________________________

على (كل عين مشتملة على صفة يقصد منها الحرام اذا قصد منها) اي من المعاوضة (ذلك) الحرام أيضا و لو في ضمن الحلال (و قصد اعتبارها في البيع على وجه يكون دخيلا في زيادة الثمن) في مقابل ما اذا كان الوصف الحرام داعيا، لا كونه دخيلا، كما اذا كانت الجواري كلها بقيمة واحدة، فاشترى المغنية لانها تشتمل على صفة الغناء، فان الثمن لم يقع بإزاء الحرام اصلا (كالعبد الماهر في القمار او اللهو او السرقة اذا) اشتراه و (لوحظ فيه هذه الصفة، و بذل بإزائها شي ء من الثمن) كما لو كان العبد غير المقامر عشرة و هذا خمسة عشر (لا ما كان) الوصف الذي فيه (على وجه الداعي) للاشتراء دون ان يقع في قبال ذلك الوصف شي ء من الثمن كما تقدم في مثال الجارية فان البيع ليس حراما و باطلا.

(و يدل عليه) اي على بطلان البيع اذا كان شي ء من الثمن في مقابل الوصف المحرم: (ان بذل شي ء من الثمن بملاحظة الصفة المحرمة، اكل للمال بالباطل) فتشمله آية «لا تأكلوا» و النبوي «ان اللّه اذا حرم شيئا».

ص: 265

و التفكيك بين القيد و المقيد، بصحة العقد في المقيد، و بطلانه في القيد بما قابله من الثمن غير معروف عرفا. لان القيد امر معنوي لا يوزع عليه شي ء من المال، و ان كان يبذل المال بملاحظة وجوده.

و غير واقع شرعا، على ما اشتهر من ان الثمن لا يوزع على الشروط.

فتعين بطلان العقد رأسا.

______________________________

(و) ان قلت: من الممكن ان نقول بان البيع صحيح بالنسبة الى الجارية، و باطل بالنسبة الى الزائد على قيمتها الاصلية، فاذا كانت قيمتها عشرين و اشتراها بثلاثين لاجل غنائها، كان البيع باطلا بالنسبة الى العشرة الزائدة فقط!

قلت: (التفكيك بين القيد و المقيد بصحة العقد في المقيد) كذات الجارية في المثال (و بطلانه في القيد) كصفة الغناء (بما قابله من الثمن) كالعشرة الزائدة في المثال (غير معروف عرفا). و ميزان صحة العقود هو العرف، لان الشارع حلل العقود العرفية الا ما خرج بالدليل، و انما كان غير معروف عرفا (لان القيد امر معنوي لا يوزع عليه شي ء من المال) فلا يقال عرفا: ان عشرين في قبال ذات الجارية، و عشرة في قبال صفة الغناء. (و ان كان يبذل المال بملاحظة وجوده) اي وجود القيد. «ان» وصلية.

(و غير واقع شرعا) عطف على «غير معروف» (على ما اشتهر) بين الفقهاء (من ان الثمن لا يوزع على الشروط).

و على ما ذكرنا من عدم صحة التفكيك (فتعين بطلان العقد رأسا.

ص: 266

و قد ورد النص بان ثمن الجارية المغنية سحت، و انه قد يكون للرجل الجارية تلهيه؟ و ما ثمنها الا كثمن الكلب.

«نعم» لو لم تلاحظ الصفة اصلا في كمية الثمن فلا اشكال في الصحة.

و لو لوحظت من حيث انها صفة كمال قد تصرف الى المحلل فيزيد لاجلها الثمن، فان كانت المنفعة المحللة لتلك الصفة مما يعتد بها فلا اشكال في الجواز، و ان كانت نادرة بالنسبة الى المنفعة المحرمة ففي إلحاقها بالعين

______________________________

و قد ورد النص) شاهدا على البطلان راسا (بان ثمن الجارية المغنية سحت و انه قد يكون للرجل الجارية تلهيه: و ما ثمنها الا كثمن الكلب) كما تأتي هذه الاخبار في باب الغناء إن شاء اللّه تعالى.

( «نعم» لو لم تلاحظ الصفة) كالغناء في المثال (اصلا في كمية الثمن) بان كان الثمن قدرا محدودا سواء كان ذا صفة محرمة أم لا (فلا اشكال في الصحة) اذ لم تقع المعاملة الا على الذات، و ادلة حرمة ثمن الجارية المغنية منصرفة الى المتعارف من كون الثمن بإزاء الموصوف و الوصف معا.

(و لو لوحظت) الصفة في زيادة الثمن، لكن (من حيث انها صفة كمال قد تصرف) هذه الصفة (الى المحلل فيزيد لاجلها الثمن) كما لو قلنا بان الغناء يحل في مثل القرآن و المواعظ، كما هو رأي بعض العلماء على ما سيجي ء- (فان كانت المنفعة المحللة لتلك الصفة) كمنفعة قراءة القرآن (مما يعتد بها) عرفا (فلا اشكال في الجواز، و ان كانت نادرة بالنسبة الى المنفعة المحرمة ففي إلحاقها) اي هذه الصفة (بالعين) على ما تقدم من ان «العين» اذا كانت ذات منافع محرمة و محللة- كالدم الذي

ص: 267

في عدم جواز بذل المال، الا لما اشتمل على منفعة محللة غير نادرة بالنسبة الى المحرمة. و عدمه لان المقابل بالمبذول هو الموصوف و لا ضير في زيادة ثمنه بملاحظة منفعة نادرة؟

وجهان: اقواهما: الثاني، اذ لا يعد اكلا للمال بالباطل، و النص بأن ثمن المغنية سحت

______________________________

له منفعة الشرب و منفعة الصبغ، و قد تقدم هناك ان منفعة الصبغ اذا كانت نادرة، فهل يصح بيع الدم بملاحظة هذه المنفعة النادرة أم لا؟

كما تقدم عدم صحة البيع هناك، لان المنفعة النادرة لا توجب كون الشي ء مالا عرفا، فهل الصفة في مقامنا هنا كالعين (في عدم جواز بذل المال الا لما اشتمل على منفعة محللة غير نادرة بالنسبة الى) المنفعة (المحرمة) فيبطل البيع (و عدمه) اي عدم الالحاق- عطف على قوله «ففي إلحاقها» (لان) الشي ء (المقابل بالثمن) ا (لمبذول هو الموصوف) اي ذات الجارية- في المثال- (و لا ضمير في زيادة ثمنه بملاحظة منفعة نادرة؟) بخلاف العين اذا كانت منفعتها المحللة نادرة فان الموصوف لا تكون له قيمة، بسبب هذه المنفعة المحللة النادرة- اذ المنفعة النادرة كالمعدومة عرفا-.

(وجهان: اقواهما: الثاني) اي الجواز و الصحة (اذ لا يعد) الثمن الذي بذل بإزاء العين المشتملة على صفة تصرف في الحرام كثيرا، و في الحلال قليلا (اكلا للمال بالباطل) حتى يشمله العموم.

(و النص) الخاص في المورد (بان ثمن المغنية سحت) لا يشمل المقام أيضا

ص: 268

مبني على الغالب.

«المسألة الثالثة»- يحرم بيع العنب ممن يعمله خمرا بقصد ان يعمله.

و كذا بيع الخشب بقصد ان يعمله صنما او صليبا.

لان فيه اعانة على الاثم و العدوان. و لا اشكال و لا خلاف في ذلك.

اما لو لم يقصد ذلك، فالاكثر على عدم التحريم، للاخبار المستفيضة:

«منها» خبر ابن اذينة: «قال: كتبت الى ابي عبد اللّه عليه السلام

______________________________

لانه (مبني على الغالب) من كون جزء الثمن في مقابل الغناء الذي يقصد منه المحرم و الباطل، و عليه فعمومات احل اللّه البيع و نحوه شاملة للمقام.

( «المسألة الثالثة»-) في ما لو كان الحرام داعيا، لا انه شرط الحرام في ضمن المعاوضة (يحرم بيع العنب ممن يعمله خمرا) بيعا (بقصد ان يعمله. و كذا بيع الخشب بقصد ان يعلمه) المشتري او المشتري من المشتري او ما اشبه (صنما او صليبا) و هكذا سائر المعاوضات بقصد الانتهاء الى الحرام.

(لان فيه اعانة على الاثم و العدوان) و قد قال سبحانه «وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ» و القول بان وساطة الفاعل المختار يخرج البيع عن كونه اعانة، خلاف المعلوم لدى العرف من صدق الاعانة. (و لا اشكال و لا خلاف في ذلك) التحريم تكليفا و البطلان وضعا.

(اما لو لم يقصد ذلك) العمل خمرا او صنما، و انما يعلم ان المشتري يعمله حراما (ف) في جواز البيع و عدمه خلاف (الاكثر على عدم التحريم، للاخبار المستفيضة) الدالة على عدم الحرمة.

( «منها» خبر ابن اذينة: «قال: كتبت الى ابي عبد اللّه عليه السلام

ص: 269

أسأله عن رجل له كرم ا يبيع العنب و التمر ممن يعلم انه يجعله خمرا او مسكرا؟ فقال عليه السلام: انما باعه حلالا في الإبان الذي يحل شربه او اكله فلا بأس ببيعه».

و رواية ابي كهمس «قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام- الى ان قال- هو ذا نحن نبيع تمرنا ممن نعلم انه يصنعه خمرا».

______________________________

أسأله عن رجل له كرم) هو شجر العنب (أ يبيع العنب و التمر ممن يعلم انه يجعله خمرا او مسكرا؟) لعل المسكر اعم من الخمر، و من الممكن ان يتخذ من العنب المسكر بدون ان يسمى خمرا، او ان المسكر بالنسبة الى التمر. و لعل العطف للبيان، و في بعض النسخ «سكرا» بدل «مسكرا» و المعنى واحد (فقال عليه السلام: انما باعه حلالا في الإبان الذي يحل شربه او اكله فلا بأس ببيعه) و مثله مصححة ابن اذينة السابق بناء على عدم الفرق بين الايجار و البيع.

(و رواية ابي كهمس «قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام- الى ان قال- هو ذا نحن نبيع تمرنا ممن نعلم انه يصنعه خمرا»).

من الممكن ان يكون «هو ذا» ضمير و اشارة، اي ان الامر كما تقول، مثل «كذلك».

و من الممكن ان يكون- كما ذكره صاحب الجواهر قال- رحمه اللّه- قيل: «هو ذا»- بفتح الهاء و سكون الواو-: كلمة مفردة، تستعمل للتأكيد و التحقيق و الاستمرار و التتابع و الاتصال، مرادفة كلمة «همى» في الفارسية. لا ان المراد منه الضمير و اسم الاشارة.

ص: 270

الى غير ذلك مما هو دونهما في الظهور.

و قد تعارض تلك بمكاتبة ابن اذينة «عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا؟ قال- عليه السلام-: لا» و رواية عمرو بن حريث «عن التوت ابيعه ممن يصنع الصليب او الصنم؟ قال عليه السلام: لا».

و قد يجمع بينها و بين الاخبار المجوزة بحمل المانعة على صورة اشتراط جعل

______________________________

(الى غير ذلك مما هو دونهما في الظهور) كصحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام عن بيع عصير العنب ممن يجعله خمرا؟ فقال عليه السلام لا بأس به يبيعه حلالا فيجعله حراما ابعده اللّه و اسحقه. و صحيح رفاعة قال سئل ابو عبد اللّه عليه السلام و انما حاضر عن بيع العصير ممن يخمره؟

فقال عليه السلام: حلال، ألسنا نبيع تمرنا ممن يجعله شرابا خبيثا. الى غيرهما.

(و قد تعارض تلك) الاخبار الدالة على الجواز (بمكاتبة ابن اذينة «عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا؟ قال- عليه السلام-:

لا» و) نحوها (رواية عمرو بن حريث «عن التوت ابيعه ممن يصنع الصليب او الصنم؟ قال عليه السلام: لا») فان كون المسألتين من واد واحد يوجب التعارض بينهما، و الا فبيع العنب غير بيع الخشب. خصوصا و العلة و هي «الاعانة على الاثم» في بيع الخشب، و العلة و هي «في الإبان الذي يحل» في بيع العنب، مطردة في الموضعين.

(و قد يجمع بينها) اي بين الاخبار المانعة (و بين الاخبار المجوزة) في مسألة بيع العنب (بحمل) الاخبار (المانعة على صورة اشتراط جعل

ص: 271

الخشب صليبا او صنما او تواطئهما عليه.

و فيه: ان هذا في غاية البعد، اذ لا داعي للمسلم على اشتراط صناعة الخشب صنما في متن بيعه او في خارجه ثم يجي ء و يسأل الامام- عليه السلام- عن جواز فعل هذا في المستقبل و حرمته.

و هل يحتمل ان يريد الراوي بقوله: «أبيع التوت ممن يصنع الصنم و الصليب»: ابيعه مشترطا عليه و ملزما في متن العقد او قبله ان لا يتصرف فيه الا بجعله صنما؟!

______________________________

الخشب صليبا او صنما او تواطئهما عليه) فذلك يوجب الحرمة، بخلاف الاخبار المجوزة، فانها فيما اذا وقعت المعاوضة بدون الاشتراط و التواطؤ

(و فيه) اي في هذا الجمع (ان هذا) الحمل (في غاية البعد، اذ لا داعي للمسلم على اشتراط صناعة الخشب صنما في ثمن بيعه او في خارجه) متواطئا عليه (ثم يجي ء و يسأل الامام- عليه السلام- عن جواز فعل هذا في المستقبل و حرمته) عطف على «جواز» بالإضافة الى ان هذا حمل تبرعي، كما تقدم، اذ ليس الطرفان نصا و ظاهرا- كما سبق في المسألة الاولى.

(و هل يحتمل ان يريد الراوي بقوله: «ابيع التوت ممن يصنع الصنم و الصليب»: ابيعه مشترطا عليه و ملزما في متن العقد او قبله) على سبيل التواطؤ (ان لا يتصرف فيه الا بجعله صنما؟) كلا انه لا يحتمل ذلك، و لذا كان حمل اخبار المنع على صورة الاشتراط خلاف الظاهر و بعيدا جدا في نفسه.

ص: 272

فالأولى حمل الاخبار المانعة على الكراهة، لشهادة غير واحد من الاخبار عليها، كما افتى بها جماعة.

و يشهد لها رواية رفاعة «عن بيع العصير ممن يصنعه حمرا؟

قال: بيعه ممن يطبخه او يصنعه خلا احب الي، و لا ارى به بأسا» و غيرها.

او التزام الحرمة في بيع الخشب ممن يعمله صليبا او صنما، لظاهر تلك الاخبار. و العمل في مسألة بيع العنب و شبهها على الاخبار المجوزة

______________________________

(فالأولى حمل الاخبار المانعة على الكراهة) لانها مشتملة على النهي و النهي اذا كانت هناك قرينة على الجواز يحمل على الكراهة (لشهادة غير واحد من الاخبار عليها) اي على كراهة البيع كذلك (كما افتى بها) اي بالكراهة (جماعة).

(و يشهد لها رواية رفاعة) و في بعض الحواشي انها رواية الحلبي لا رفاعة ( «عن بيع العصير ممن يصنعه خمرا؟ قال: بيعه ممن يطبخه) اي يصنعه دبسا (او يصنعه خلا احب الي، و لا ارى به) اي ببيعه ممن يصنعه خمرا (بأسا») فهذا يدل على كراهة البيع ممن يصرف المبيع في الحرام (و غيرها) من بعض الروايات الاخر.

(او التزام الحرمة في بيع الخشب ممن يعمله صليبا او صنما، لظاهر تلك الاخبار) المانعة. (و العمل في مسألة بيع العنب و شبهها على الاخبار المجوزة) لعدم جواز التعدي من مورد كل خبر الى غيره حتى يلزم الاشكال

ص: 273

و هذا الجمع قول فصل لو لم يكن قولا بالفصل.

و كيف كان فقد يستدل على حرمة البيع ممن يعلم انه يصرف المبيع في الحرام بعموم النهي عن التعاون على الاثم و العدوان.

و قد يستشكل في صدق الاعانة بل يمنع حيث لم يقع القصد الى وقوع الفعل من المعان، بناء على ان الإعانة هي فعل بعض مقدمات فعل الغير بقصد حصوله منه، لا مطلقا.

______________________________

(و هذا الجمع قول فصل) اي صحيح متين لانه من المحتمل اهتمام الشارع بالمنع عن مقدمات عبادة غير اللّه، قال اللّه تعالى «إِنَّ اللّٰهَ لٰا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِكَ لِمَنْ يَشٰاءُ»* (لو لم يكن قولا بالفصل) و مخالفا للاجماع، لان الفقهاء بين مجوز مطلقا، و مانع مطلقا، اما الجواز في بعض دون بعض فذلك خلاف اجماعهم.

(و كيف كان) الجمع بين الطائفتين (فقد يستدل على حرمة البيع ممن يعلم انه يصرف المبيع في الحرام بعموم النهي عن التعاون على الاثم و العدوان) في قوله سبحانه «وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ».

(و قد يستشكل) هذا الاستدلال (في صدق الاعانة بل يمنع) الصدق راسا (حيث لم يقع القصد) من البائع (الى وقوع الفعل) المحرم (من المعان) الفاعل للمعصية، و هذا الاستشكال انما هو (بناء على ان الاعانة هي فعل بعض مقدمات فعل الغير بقصد حصوله منه) اي حصول ذلك الفعل المحرم من فاعل المعصية (لا مطلقا) و لو كان فعل بعض المقدمات بدون قصد وقوع المعصية.

ص: 274

و اوّل من اشار الى هذا، المحقق الثاني في حاشية الارشاد في هذه المسألة حيث انه- بعد حكاية القول بالمنع مستندا الى الاخبار المانعة- قال:

و يؤيده قوله تعالى «وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ» و يشكل بلزوم عدم جواز بيع شي ء مما يعلم عادة التوصل به الى محرم- لو تم هذا الاستدلال- فيمنع معاملة اكثر الناس.

و الجواب عن الآية: المنع من كون محل النزاع

______________________________

(و اوّل من اشار الى هذا) الاشكال هو (المحقق الثاني في حاشية الارشاد في هذه المسألة، حيث انه- بعد حكاية القول بالمنع) عن البيع ممن يعلم انه يفعل بالمبيع الشي ء المحرم (مستندا) في المنع (الى الاخبار المانعة) التي تقدمت جملة منها- (قال: و يؤيده قوله تعالى «وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ») و انما جعله مؤيدا لان الآية ان دلت فانما تدل بالإطلاق لا بالنص و الخصوص، قال (و يشكل) هذا التأييد (بلزوم) اي لانه يلزم منه (عدم جواز بيع شي ء مما يعلم عادة التوصل به الى محرم- لو تم هذا الاستدلال-) و هذا شي ء بديهي البطلان و الا (ف) يلزم منه ان (يمنع معاملة اكثر الناس) لان اكثر الناس الفاعلين للمحرمات انما يتوصلون الى فعلهم المحرم بسبب مقدمات، من افعال الغير، مثلا التاجر و الحاج و المسافر كلهم يعاونون الظلمة. بل بيع اللحم و الخبز و ما اشبه اعانة للعصاة، باعتبار انهم يتقوون بالمآكل و المشارب على معصية اللّه تعالى.

ثم قال المحقق الثاني: (و الجواب) عن الاستدلال ب (الآية: المنع من كون محل النزاع) و هو بيع الشي ء لمن يعلم البائع انه يصرفه في الحرام

ص: 275

معاونة، مع ان الاصل الاباحة، و انما تظهر المعاونة مع بيعه مع ذلك القصد. انتهى.

و وافقه- في اعتبار القصد في مفهوم الاعانة- جماعة من متأخري المتأخرين، كصاحب الكفاية و غيره.

هذا و ربما زاد بعض المعاصرين على اعتبار القصد، اعتبار وقوع المعان عليه في تحقق مفهوم الاعانة في الخارج.

و تخيل انه لو فعل فعلا بقصد تحقق الاثم

______________________________

(معاونة) على الاثم (مع ان) الامر لو وصل الى الشك في صدق الاعانة ف (الاصل الاباحة) لقاعدة كل شي ء مطلق، و كل شي ء حلال (و انما تظهر المعاونة مع بيعه) اي بيع الشي ء ممن يعمل به المحرم (مع ذلك القصد) بان يقصد البائع اعانته على الحرام كأن يبيعه التمر بقصد ان يعمله خمرا (انتهى) كلام المحقق.

(و وافقه- في اعتبار القصد في مفهوم الاعانة- جماعة من متأخري المتأخرين، كصاحب الكفاية و غيره) فليست الاعانة على الاثم فعل بعض المقدمات فقط، بل فعل بعض المقدمات بقصد وقوع الحرام.

(هذا و ربما زاد بعض المعاصرين)- و هو النراقي في العوائد- قيدا ثالثا في صدق الاعانة (على اعتبار القصد) و فعل بعض المقدمات و هو (اعتبار وقوع المعان عليه) اي المعصية (في تحقق مفهوم الاعانة في الخارج).

(و) قد (تخيل) هذا المعاصر (انه لو فعل فعلا بقصد تحقق الاثم

ص: 276

الفلاني من الغير فلم يتحقق منه لم يحرم، من جهة صدق الاعانة، بل من جهة قصدها، بناء على ما حرره من حرمة الاشتغال بمقدمات الحرام بقصد تحققه و انه لو تحقق الفعل كان حراما من جهة القصد الى المحرم، و من جهة الاعانة.

و فيه تامل، فان حقيقة الاعانة على الشي ء هو الفعل بقصد حصول الشي ء، سواء حصل أم لا

______________________________

الفلاني من الغير فلم يتحقق منه لم يحرم) فعل هذا الآتي بالمقدمة (من جهة صدق الاعانة) لان الحرام لم يقع في الخارج، حتى يصدق الاعانة على الاثم، على من فعل مقدمته (بل) حرم فعله (من جهة قصدها) اي قصد الاعانة (بناء على ما حرره) هذا المعاصر (من حرمة الاشتغال بمقدمات الحرام بقصد تحققه) و ان لم يتحقق في الخارج (و انه لو تحقق الفعل) المحرم في الخارج (كان) فعل المقدمة (حراما من جهة القصد الى المحرم و من جهة) صدق (الاعانة) على الاثم.

(و فيه) اي فيما ذكره النراقي من اعتبار وقوع الفعل خارجا ليتصف فعل مقدماته باسم «الاعانة على الاثم» (تأمل، فان حقيقة الاعانة على الشي ء) سواء كان ذلك الشي ء اثما او غير اثم (هو الفعل) لبعض مقدماته (بقصد حصول الشي ء، سواء حصل) ذو المقدمة في الخارج (أم لا) فالذي يريد بناء داره فيأتي غيره بالآجر و الجص يصدق على فعل الغير انه اعانه على بناء الدار، سواء بنى ذلك الشخص الدار أم انصرف عنها و لم يبنها. و ليس الشرط في صدق الاعانة تحقق الدار في الخارج. و كذلك من اراد الزنا فجائه غيره بالمومسة صدق انه اعان على الاثم سواء صدر الزنا

ص: 277

و من اشتغل ببعض مقدمات الحرام الصادر عن الغير بقصد التوصل إليه فهو داخل في الاعانة على الإثم، و لو تحقق الحرام لم يتعدد العقاب.

و ما ابعد ما بين ما ذكره المعاصر، و بين ما يظهر من الاكثر من عدم اعتبار القصد!

فعن المبسوط: الاستدلال على وجوب بذل الطعام لمن يخاف تلفه بقوله- صلى اللّه عليه و آله-: «من اعان على قتل مسلم و لو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه: آيس من رحمة اللّه».

______________________________

من ذلك الشخص أم لا (و من اشتغل ببعض مقدمات الحرام المصادر عن الغير بقصد التوصل إليه فهو داخل في الاعانة على الاثم و لو تحقق الحرام لم يتعدد العقاب) كما قاله النراقي بانه حرام من جهة «القصد» و من جهة «الاعانة» و انما نقول بعدم التعدد للاصل و عدم دليل على التعدد، اذ ليس في المقام الا «الاعانة» الصادقة، سواء حصل الحرام أم لا.

(و ما ابعد ما بين ما ذكره) هذا (المعاصر، و بين ما يظهر من الاكثر من عدم اعتبار القصد)!

فالاقوال ثلاثة: «الاتيان بالمقدمة بدون اعتبار القصد» و «الاتيان بالمقدمة مع القصد» و «الاتيان بالمقدمة مع القصد و التحقق في الخارج».

(فعن المبسوط: الاستدلال على وجوب بذل الطعام لمن يخاف تلفه بقوله- صلى اللّه عليه و آله-: «من اعان على قتل مسلم و لو بشطر كلمة جاء يوم القيامة) في حال كونه (مكتوبا بين عينيه: آيس من رحمة اللّه») و من المعلوم ان عدم بذل الطعام ليس بقصد التلف، و انما يقع التلف من عدم البذل بنفسه، فليست «الاعانة» في هذا الحديث مقرونة بالقصد الى المحرم، و انما تحققت الاعانة لوقوع التلف بسبب عدم البذل.

ص: 278

و قد استدل في التذكرة- على حرمة بيع السلاح من اعداء الدين- بان فيه اعانة على الظلم.

و استدل المحقق الثاني- على حرمة بيع العصير المتنجس ممن يستحله- بان فيه اعانة على الاثم.

و قد استدل المحقق الاردبيلي- على ما حكى عنه من القول بالحرمة في مسألتنا- بان فيه اعانة على الاثم.

و قد قرره على ذلك في الحدائق، فقال: انه جيد في حد ذاته، لو سلم من المعارضة بأخبار الجواز.

______________________________

(و قد استدل) العلامة (في التذكرة على حرمة بيع السلاح من اعداء الدين بأن فيه إعانة على الظلم) مع ان البائع لا يقصد الاعانة على الظلم، و انما يريد المال، لكن حيث يقع الظلم في الخارج، يكون بيع السلاح- و لو بدون قصد البائع- اعانة.

(و استدل المحقق الثاني على حرمة بيع العصير المتنجس ممن يستحله بان فيه اعانة على الاثم) و ان لم يقصد البائع شرب المستحل له، لكن مجرد ان البيع مقدمة من مقدمات الشرب كان اعانة على الاثم و حراما.

(و قد استدل المحقق الاردبيلي- على ما حكى عنه: من القول بالحرمة في مسألتنا) اي مسألة بيع العنب من يعمله خمرا (- بان فيه اعانة على الاثم).

(و قد قرره) اي الاردبيلي (على ذلك) و انه اعانة على الاثم (في الحدائق، فقال: انه جيد في حد ذاته، لو سلم من المعارضة باخبار الجواز)

ص: 279

و في الرياض- بعد ذكر الاخبار السابقة الدالة على الجواز- قال:

و هذه النصوص و ان كثرت و اشتهرت و ظهرت دلالتها، بل ربما كان بعضها صريحا، لكن في مقابلتها للاصول و النصوص المعتضدة بالعقول اشكال. انتهى.

و الظاهر ان مراده بالاصول: قاعدة «حرمة الاعانة على الاثم»

______________________________

الدالة على جواز بيع العنب ممن يعمله خمرا، فالاخبار حيث كانت اخص لزم تقييد الآية بها.

(و في الرياض- بعد ذكر الاخبار السابقة الدالة على الجواز) لبيع العنب ممن يعمله خمرا- (قال: و هذه النصوص و ان كثرت و اشتهرت و ظهرت دلالتها، بل ربما كان بعضها صريحا، لكن في مقابلتها للاصول) اي اصل حرمة الاعانة على الاثم (و النصوص) الدالة على حرمة بيع الخشب لمن يعمله صنما (المعتضدة بالعقول) فان العقل يستقبح اعانة الانسان غيره على فعل القبيح (اشكال. انتهى) كلام الرياض.

(و الظاهر ان مراده بالاصول: قاعدة «حرمة الاعانة على الاثم») فترى الرياض انه يرى ان هذا اعانة، و لو كان بدون قصد البائع للحرام، و قوله «الاصول» المراد به «الجنس» لا «الجمع» فان كل واحد من الجنس و الجمع يأتي بمعنى الآخر، مثلا نقول «المفسرون» و نريد «صاحب مجمع البيان» يعني هذا الجنس، في مقابل جنس «المحدثين» و قد يؤتى بالجنس و يراد به الجمع، لان المراد به الحقيقة السارية في الافراد،

ص: 280

و من العقول: حكم العقل بوجوب التوصل الى دفع المنكر مهما امكن.

و يؤيد ما ذكروه- من صدق الاعانة بدون القصد- اطلاقها في غير واحد من الاخبار:

ففي النبوي- المروي في الكافي عن ابي عبد اللّه عليه السلام-:

«من اكل الطين فمات فقد أعان على نفسه».

و في العلوي- الوارد في الطين، المروي أيضا في الكافي عن ابي عبد اللّه عليه السلام-: «فان اكلته و مت فقد اعنت على نفسك».

______________________________

لا صرف الحقيقة الصادقة و لو في ضمن فرد (و من العقول: حكم العقل بوجوب التوصل الى دفع المنكر مهما امكن) و لو كان لعدم بيع شي ء لفاعل المنكر.

(و يؤيد ما ذكروه) اي هؤلاء العلماء (من صدق الاعانة بدون القصد) من الآتي بالمقدمة لفعل غيره المنكر (اطلاقها) اي الاعانة (في غير واحد من الاخبار) و عدم تقييدها بالقصد.

(ففي النبوي- المروي في الكافي عن ابي عبد اللّه عليه السلام) الذي رواه عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم-: (من اكل الطين فمات فقد اعان على نفسه») فاطلاقه شامل لمن قصد الموت بأكله الطين أم لا، بل المتعارف عدم القصد.

(و في العلوي) أي الخبر المروي عن امير المؤمنين عليه السلام (- الوارد في الطين المروي أيضا في الكافي عن ابي عبد اللّه عليه السلام-: «فان اكلته) اي الطين (و مت فقد اعنت على نفسك») اي قتل نفسك.

ص: 281

و يدل عليه غير واحد مما ورد في اعوان الظلمة، و سيأتي.

و حكي انه سئل بعض الاكابر و قيل له: اني رجل خياط اخيط للسلطان ثيابه فهل تراني داخلا بذلك في اعوان الظلمة؟ فقال له: المعين لهم من يبيعك الأبر و الخيوط، و أما انت فمن الظلمة انفسهم.

و قال المحقق الاردبيلي- في آيات احكامه في الكلام على الآية-: الظاهر أن المراد بالاعانة على المعاصي مع القصد او على الوجه الذي يصدق انها اعانة

______________________________

(و يدل عليه) اي على صدق الاعانة و لو بدون القصد الى حصول الاثم من الغير (غير واحد مما ورد) من الاخبار (في اعوان الظلمة).

(و حكي انه سئل بعض الاكابر) و هو عبد اللّه بن المبارك، و الاستشهاد بكلامه من جهة انه أحد العرف، فاذا فهم شيئا من لفظ «الاعانة» كان فهمه دليلا على ان هذا المعنى هو المتفاهم عرفا من اللفظ المذكور (و قيل له: اني رجل خياط اخيط للسلطان ثيابه فهل تراني داخلا بذلك) التخييط (في اعوان الظلمة؟ فقال له) ابن المبارك: (المعين لهم) اي للظلمة (من يبيعك الأبر و الخيوط، و أما انت فمن الظلمة انفسهم) مع ان بائع الابر و الخيوط لم يقصد ظلم السلطان و كأنه اراد بكون الخياط ظالما انه جزء من الهيئة الظالمة عرفا.

(و قال المحقق الاردبيلي- في آيات احكامه في) مبحث (الكلام على الآية-) اي آية «وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ»: (الظاهر ان المراد بالاعانة على المعاصي) الاتيان بالمقدمة (مع القصد) لصدور الحرام عن الغير (او على الوجه الذي يصدق انها اعانة) و ان لم يقصد

ص: 282

مثل ان يطلب الظالم العصى من شخص لضرب مظلوم فيعطيه اياها، او يطلب القلم لكتابة ظلم فيعطيه اياه و نحو ذلك مما يعد معونة عرفا، فلا تصدق على التاجر الذي يتجر لتحصيل غرضه، انه معاون للظالم العاشر في اخذ العشور، و لا على الحاج الذي يؤخذ منه المال ظلما و غير ذلك مما لا يحصى، فلا يعلم صدقها على بيع العنب ممن يعمله خمرا، او الخشب من يعمله صنما، و لذا ورد في الروايات الصحيحة جوازه، و عليه الاكثر و نحو ذلك مما لا يخفى انتهى

______________________________

(مثل ان يطلب الظالم العصى من شخص لضرب مظلوم فيعطيه اياها) عصى مؤنثة سماعا، و لذا جاء بضمير المؤنث لها (او يطلب القلم لكتابة ظلم فيعطيه اياه و نحو ذلك) كأن يبني له سجنا او يبيعه سيفا و هو يريد قتل بري ء او ما اشبه (مما يعد معونة عرفا) و ان لم يقصد الآتي بالمقدمة الاعانة، و على هذا (فلا تصدق) الاعانة على الاثم (على التاجر الذي يتجر لتحصيل غرضه) اذا اعطى العشر جبرا للظالم، فانه عرفا لا يقال له: (انه معاون للظالم العاشر في اخذ العشور، و لا على الحاج الذي يؤخذ منه المال ظلما) بعنوان الرسوم للحج، او بعنوان آخر من الحكومة، او من القبائل القاطنة في الطريق (و غير ذلك مما لا يحصى) مما لا قصد للدافع، و لا صدق عرفي عليه (فلا يعلم صدقها) اي الاعانة على الاثم (على بيع العنب ممن يعمله خمرا، او الخشب ممّن يعلمه صنما، و لذا) الذي ذكرنا من عدم صدق الاعانة على الموارد المذكورة (ورد في الروايات الصحيحة جوازه، و عليه الاكثر و نحو ذلك) من سائر الامثلة، فان كلها جائز (مما لا يخفى انتهى

ص: 283

كلامه رفع مقامه.

و لقد دقق النظر حيث لم يعلق صدق الاعانة على القصد، و لا اطلق القول بصدقها بدونه، بل علقه بالقصد، و بالصدق العرفي و ان لم يكن قصد.

لكن اقول: لا شك في انه اذا لم يكن مقصود الفاعل من الفعل وصول الغير الى مقصده و لا الى مقدمة من مقدماته، بل يترتب عليه الوصول من دون قصد الفاعل، فلا يسمى اعانة

______________________________

كلامه رفع مقامه).

(و لقد دقق) الاردبيلي (النظر حيث لم يعلق صدق الاعانة) على الاثم (على القصد) فقط (و لا اطلق القول بصدقها بدونه) اي لم يقل بان مجرد تحصيل المقدمة اعانة، كما لم يقل: انه بالقصد يصدق الاعانة بل علق الاعانة على احد الامرين، من القصد او الصدق العرفي (بل علقه) اي صدق الاعانة على الاثم (بالقصد) تارة (و بالصدق العرفي و ان لم يكن قصد) تارة اخرى.

(لكن اقول:) ان كلام الاردبيلي فيه مواقع للنظر اذ انه فرق بين اعطاء العصى للظالم و بين بيع العنب ممن يعلم انه يصنعه خمرا مع أن الحكم في الموضعين واحد فاللازم القول بصدق الاعانة فيهما، او القول بعدم صدق الاعانة فيها. اذ (لا شك في انه اذا لم يكن مقصود الفاعل من الفعل وصول الغير الى مقصده و لا) وصوله (الى مقدمة من مقدماته) اي مقدمات المقصد (بل يترتب عليه الوصول من دون قصد الفاعل فلا يسمى اعانة

ص: 284

كما في تجارة التاجر بالنسبة الى اخذ العشور، و مسير الحاج بالنسبة الى اخذ المال ظلما.

و كذلك لا اشكال فيما اذا قصد الفاعل بفعله و دعاه إليه وصول الغير الى مطلبه الخاص، فانه يقال: انه اعانه على ذلك المطلب. فان كان عدوانا مع علم المعين به صدق الاعانة على العدوان.

و انما الاشكال فيما اذا قصد الفاعل بفعله وصول الغير الى مقدمة مشتركة بين المعصية و غيرها، مع العلم بصرف الغير اياها الى المعصية، كما اذا باعه العنب،

______________________________

كما في تجارة التاجر بالنسبة الى اخذ العشور، و مسير الحاج بالنسبة الى اخذ المال ظلما) فان التاجر و الحاج لا يقصدان وصول الظالم الى ظلمه بالتجارة و الحج، و لذا لا يسمى فعلهما اعانة على الاثم.

(و كذلك لا اشكال فيما اذا قصد الفاعل بفعله و دعاه إليه) اي الى الفعل (وصول الغير الى مطلبه الخاص، فانه يقال: انه اعانه على ذلك المطلب فان كان) المطلب (عدوانا مع علم المعين به) اي بذلك العدوان (صدق الاعانة على العدوان) كما لو اراد زيد شرب الخمر، فاعطاه القارورة مع علمه بانها خمر و انه يريد شربها.

(و انما الاشكال فيما اذا قصد الفاعل بفعله وصول الغير الى مقدمة مشتركة بين المعصية و غيرها، مع العلم بصرف الغير اياها) اي هذه المقدمة (الى المعصية، كما اذا باعه العنب) مع علمه بانه يصرفه في الخمر

ص: 285

فإن مقصود البائع تملك المشتري له و انتفاعه به، فهي اعانة له بالنسبة الى اصل تملك العنب، و لذا لو فرض ورود النهي عن معاونة هذا المشتري الخاص في جميع اموره او في خصوص تملك العنب حرم بيع العنب عليه مطلقا.

فمسألة بيع العنب ممن يعلم انه يجعله خمرا نظير اعطاء السيف او العصى لمن يريد قتلا او ضربا، حيث ان الغرض من الإعطاء هو ثبوته بيده و التمكن منه، كما ان الغرض من بيع العنب تملكه له. فكل من البيع و الاعطاء بالنسبة الى اصل تملك الشخص و استقراره

______________________________

(فان مقصود البائع تملك المشتري له و انتفاعه به، فهي اعانة له بالنسبة الى اصل تملك العنب) فيقال: ان البائع اعان المشتري في تملك العنب (و لذا) الذي يصدق انه اعانه له في تملك العنب (لو فرض ورود النهي عن معاونة هذا المشتري الخاص في جميع اموره او في خصوص تملك العنب حرم بيع العنب عليه مطلقا) سواء اكله او اختمره، لان المفروض حرمة اعانته مطلقا، لا حرمة اعانته في خصوص فعل الحرام.

اذن (فمسألة بيع العنب ممن يعلم انه يجعله خمرا نظير اعطاء السيف او العصى لمن يريد قتلا او ضربا) اذ كل واحد منهما مقدمة مشتركة لفعل محرم و لفعل محلل، و لم يقصد البائع و المعطي الحرام (حيث ان الغرض من الإعطاء هو ثبوته بيده و التمكن منه) اي من السيف او العصى- و هذا بنفسه ليس حراما، بل قابلا لان يصرف في كل من المحرم و غير المحرم (كما ان الغرض من بيع العنب تملكه له) اي تملك المشتري للعنب (فكل من البيع و الاعطاء بالنسبة الى اصل تملك الشخص) للعنب (و استقراره

ص: 286

في يده اعانة.

الا ان الاشكال في ان العلم بصرف ما حصل باعانة البائع و المعطي في الحرام هل يوجب صدق الاعانة على الحرام أم لا؟

فحاصل محل الكلام هو: ان الاعانة على شرط الحرام مع العلم بصرفه في الحرام هل هي إعانة على الحرام أم لا؟

فظهر الفرق بين بيع العنب و بين تجارة التاجر و مسير الحاج

______________________________

في يده) للعصى و السيف (اعانة) بالنسبة الى الملك للعنب، و استقرار العصى في اليد.

(الا ان الاشكال في ان العلم بصرف ما حصل) عند المشتري، و الظالم (باعانة البائع) للعنب (و المعطي) للعصى (في الحرام) متعلق «بصرف» (هل يوجب صدق الاعانة على الحرام أم لا؟) فان اوجب كان اللازم القول بالحرمة فيهما، و ان لم يوجب كان اللازم القول بعدم الحرمة فيهما، فتفصيل الاردبيلي بالقول بالحرمة في مسألة اعطاء العصى، و القول بعدم الحرمة في بيع العنب لا وجه له.

(فحاصل محل الكلام هو: ان الاعانة على شرط الحرام) الذي هو تملك المشتري، و استقرار العصى في يد الظالم (مع العلم) من البائع و المعطي (بصرفه في الحرام هل هي اعانة على الحرام أم لا؟).

اذا عرفت هذا (فظهر) لك (الفرق بين بيع العنب) و انه محتمل لكونه حراما و لكونه غير حرام (و بين تجارة التاجر و مسير الحاج) و انهما

ص: 287

و ان الفرق بين اعطاء السوط للظالم و بين بيع العنب لا وجه له. و ان اعطاء السوط اذا كان اعانة- كما اعترف به فيما تقدم من آيات الاحكام- كان بيع العنب كذلك- كما اعترف به في شرح الارشاد- فاذا بنينا على ان شرط الحرام حرام مع فعله توصلا الى الحرام- كما جزم به بعض- دخل ما نحن فيه في الاعانة على المحرم، فيكون بيع العنب اعانة على تملك العنب المحرم مع قصد التوصل به الى التخمير و ان لم يكن اعانة على نفس

______________________________

ليسا بحرام، و ان استلزم ذلك اعطاء العشور و نحوه (و) ظهر (ان الفرق) الذي ذكره الاردبيلي (بين اعطاء السوط للظالم) و انه حرام قطعا (و بين بيع العنب) و انه ليس بحرام قطعا (لا وجه له. و ان اعطاء السوط اذا كان اعانة) محرمة (- كما اعترف به فيما تقدم من آيات الاحكام- كان بيع العنب كذلك) اعانة على الاثم (- كما اعترف به في شرح الارشاد- فاذا بنينا على) ان «الشراء» شرط الحرام، و شرط الحرام حرام، كان البيع اعانة على «الشراء» المحرم، فيكون اعانة على الحرام، بان قلنا (ان شرط الحرام حرام مع فعله) اي اتيان ذلك الشرط- كالشراء في مثالنا- (توصلا الى الحرام) فان المشتري يشتري العنب للتوصل الى الخمر المحرمة (- كما جزم به) اي بكون شرط الحرام حراما (بعض- دخل ما نحن فيه) اي مسألة بيع العنب لمن يعمله خمرا (في الاعانة على المحرم، فيكون بيع العنب اعانة) من البائع (على تملك) المشتري (العنب المحرم) ذلك التملك (مع قصد) المشتري (التوصل به الى التخمير) فالبيع حرام لانه اعانة على الاشتراء- المحرم- (و ان لم يكن) البيع (اعانة على نفس

ص: 288

التخمير او على شرب الخمر.

و ان شئت قلت: ان شراء العنب للتخمير حرام، كغرس العنب لاجل ذلك. فالبائع انما يعين على الشراء المحرم. «نعم» لو لم يعلم ان الشراء لاجل التخمير لم يحرم، و ان علم انه سيخمر العنب بإرادة جديدة منه. و كذا الكلام في بائع الطعام على من يرتكب المعاصي، فانه لو علم ارادته من الطعام المبيع التقوي به عند التملك على المعصية، حرم البيع منه. و اما العلم بانه يحصل من هذا الطعام قوة على المعصية يتوصل بها إليها فلا يوجب التحريم.

______________________________

التخمير او) اعانة (على شرب الخمر).

(و ان شئت قلت) في بيان حرمة بيع العنب لمن يعمله خمرا: (ان شراء) المشتري (العنب للتخمير حرام) لان الشراء شرط الحرام، و شرط الحرام حرام (كغرس العنب لاجل ذلك) التخمير (فالبائع انما يعين) المشتري (على الشراء المحرم. نعم لو لم يعلم) البائع (ان الشراء لاجل التخمير لم يحرم، و ان علم) البائع (انه) اي المشتري (سيخمر العنب بإرادة جديدة منه) تحصل له بعد البيع (و كذا الكلام في بائع الطعام على من يرتكب المعاصي، فانه لو علم ارادته من الطعام المبيع التقوي به عند التملك) لذلك الطعام (على المعصية) كأن يأكل الطعام فتقوى يده على القتل، او رجله على الذهاب الى دار البغية مثلا (حرم البيع منه) لصدق الاعانة على الاثم حينئذ (و اما العلم) من البائع (بانه يحصل من هذا الطعام قوة على المعصية يتوصل بها) بتلك القوة (إليها) اي الى المعصية (فلا يوجب التحريم) لانه لا تصدق الاعانة على الاثم.

ص: 289

هذا و لكن الحكم بحرمة الإتيان بشرط الحرام توصلا إليه قد يمنع، الا من حيث صدق التجري، و البيع ليس اعانة عليه، و ان كان اعانة على الشراء، الا انه في نفسه ليس تجريا، فان التجري يحصل بالفعل المتلبس بالقصد.

و توهم-

______________________________

(هذا) تمام الكلام في وجه حرمة بيع العنب ممن يعمله خمرا من جهة ان البيع اعانة على الشراء، الذي هو شرط الحرام (لكن الحكم بحرمة الإتيان بشرط الحرام) اي كون الاشتراء الذي هو شرط للحرام الذي هو التخمير حراما، حتى يكون البيع اعانة على الحرام (توصلا إليه) اي الى الحرام (قد يمنع، إلا من حيث صدق التجري) فشراء الخمار العنب لاجل التخمير تجر فقط، لا انه حرام (و البيع ليس اعانة عليه) اي على التجري (و ان كان) البيع (اعانة على الشراء)- «ان» وصلية- و ذلك لان التجري من المشتري انما يحصل بامرين: الاشتراء و قصد التخمير و من المعلوم ان البيع اعانة على الاشتراء فقط، و ليس اعانة على قصد المشتري، فالبيع اعانة على جزء من جزئي التجري (الا انه) اي الاشتراء (في نفسه ليس تجريا، فان التجري) انما (يحصل بالفعل) اي بالعمل كالاشتراء في المثال- (المتلبس بالقصد) و من المعلوم ان البيع ليس اعانة الا على الفعل فقط، دون القصد.

(و توهم) ان الفعل جزء من جزئي التجري- فالفعل مقدمة داخلية- و الاعانة على الجزء اعانة على الكل، فاعانة البائع للمشتري على الاشتراء الذي هو جزء من التجري، لازمه كونه اعانة على التجري،

ص: 290

ان الفعل مقدمة له فتحرم الاعانة- مدفوع بانه لم يوجد قصد الى التجري حتى تحرم، و الا لزم التسلسل.

______________________________

ف (ان الفعل مقدمة) داخلية (له) اي للتجري (فتحرم الاعانة) على الفعل (- مدفوع بانه لم يوجد قصد الى التجري حتى تحرم) الاعانة (و الا لزم التسلسل).

قال المجاهد الشيرازي- في شرح هذه العبارة ما لفظه-: حاصل الدفع ان المفروض في المقام عدم كفاية مجرد المقدمة في التحريم ما لم يصدق عنوان التجري على المقدمة، و الا لكان الشراء حراما باعتبار كونه مقدمة للتخمير، و لم يحتج الى صدق عنوان التجري عليه، فمقدمة الشراء للتجري لا ينفع في تحريمه، الا مع صدق عنوان التجري عليه، بان يأتي به بقصد التجري، و ذلك مستلزم للتسلسل، اذ ننقل الكلام حينئذ الى هذا الشراء بقصد التجري الذي هو مقدمة للتجري، فيقال: ان ذات الفعل فيه أيضا مقدمة للفعل بقصد التجري، فيحتاج الى قصد ثالث، فيحصل تجر ثالث و ينقل الكلام حينئذ الى كون ذات الفعل مقدمة لفعله بقصد التجري فتحتاج الى قصد رابع، فيحصل تجر رابع، و ينقل الكلام حينئذ الى مقدمية ذات الفعل لهذا التجري الرابع، فيحتاج الى قصد خامس و هكذا الى ما لا نهاية له، مضافا الى جريان الكلام في كل مرتبة، من ان البيع ليس اعانة على الشراء بقصد التجري، بل على ذات الشراء انتهى.

و ربما يقرر التسلسل بانه اذا كان القصد الى التجري تجريا- و المفروض

ص: 291

فافهم. «نعم» لو ورد النهي بالخصوص عن بعض شروط الحرام كالغرس للخمر دخل الاعانة عليه في الاعانة على الاثم.

كما انه لو استدللنا بفحوى ما دل على «لعن الغارس» على حرمة التملك للتخمير، حرم الاعانة عليه أيضا بالبيع.

______________________________

توقف التجري على القصد فلا بد ان يقصد القصد (فافهم) فانه فرق بين المقدمة الداخلية و المقدمة الخارجية، فقصد التوصل الى التجري لا يعتبر في حرمة المقدمة الداخلية، و انما يعتبر في حرمة المقدمة الخارجية.

فتحصل: ان شرط الحرام- و هو الشراء- ليس حراما حتى تحرم مقدمته التي هي البيع، لان البيع حينئذ ليس اعانة على الحرام.

( «نعم» لو ورد النهي بالخصوص) و النص، لا كالشراء الذي لم يرد عنه نهي بالخصوص (عن بعض شروط الحرام كالغرس للخمر) اي لشجرها، الذي لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم غارسها (دخل الاعانة عليه) اي على ذلك الشرط (في الاعانة على الاثم) فسقي الماء لشجرها و نحو ذلك اعانة على الاثم الذي هو الغرس.

(كما انه لو استدللنا بفحوى) و اولوية (ما دل على لعن الغارس على حرمة التملك) من المشتري (للتخمير) لان الغرس الذي هو مقدمة ابعد اذا كان حراما كان التملك الذي هو مقدمة اقرب حراما بطريق اولى (حرم الاعانة عليه) اي على الشراء (أيضا) كحرمة الاعانة على الغرس (بالبيع) متعلق ب «الإعانة».

ص: 292

فتحصل مما ذكرناه: ان قصد الغير لفعل الحرام معتبر قطعا في حرمة فعل المعين. و ان محل الكلام هي الاعانة على شرط الحرام بقصد تحقق الشرط دون المشروط، و انها هل تعد اعانة على المشروط فتحرم، أم لا فلا تحرم ما لم يثبت حرمة الشرط من غير جهة التجري، و ان مجرد بيع العنب ممن يعلم انه سيجعله خمرا و من دون العلم

______________________________

(فتحصل مما ذكرناه) من الدليل على ان الاعانة على الاثم لا تصدق مع عدم قصد الغير للحرام (ان قصد الغير لفعل الحرام معتبر قطعا في حرمة فعل المعين) فاذا قصد مشتري العنب التخمير حرم بيعه و اذا لم يقصده لم يحرم البيع منه، و ان تجدد له بعد ذلك إرادة التخمير (و ان محل الكلام) في كونه حراما أم لا (هي الاعانة على شرط الحرام) كالبيع الذي هو اعانة على التملك- و التملك شرط للتخمير الحرام- (بقصد) المعين (تحقق الشرط) فقط، كقصد البائع تملك المشتري فقط (دون) قصد المعين تحقق (المشروط) اي التخمير، فانه لو قصد البائع الاعانة على تملك المشتري ليحصل التخمير في الخارج حرم البيع (و انها) اي الاعانة على التملك بدون قصد البائع حصول التخمير، و لكن مع علمه بانه سيخمره (هل تعد اعانة على المشروط) الذي هو التخمير (فتحرم) الاعانة التي هي البيع (أم لا) تعد اعانة (فلا تحرم ما لم يثبت حرمة الشرط) كالغرس الذي ثبت حرمته (من غير جهة التجري) «من» متعلق ب «لا تحرم» (و ان مجرد بيع العنب ممن يعلم انه سيجعله خمرا) في المستقبل (و من دون العلم) للبائع

ص: 293

بقصده ذلك من الشراء ليس محرما اصلا، لا من جهة الشرط و لا من جهة المشروط.

و من ذلك يعلم ما فيما تقدم عن حاشية الارشاد، من انه لو كان بيع العنب ممن يعمله خمرا اعانة لزم المنع عن معاملة اكثر الناس.

«ثم» ان محل الكلام فيما

______________________________

(بقصده) اي المشتري (ذلك) التخمير، قصدا فعليا حال المبايعة (من الشراء) متعلق «بقصده» (ليس محرما اصلا، لا من جهة الشرط) لان الشراء الّذي هو شرط للحرام ليس بحرام اذا لم يقارنه القصد الفعلي الى التخمير (و لا من جهة المشروط) لانه ليس اعانة على التخمير.

و الحاصل، ان المتحصل مما تقدم هذه الامور الاربعة التي ذكرها المصنف بقوله «ان، و ان، و انها، و ان».

(و من ذلك) الذي ذكرناه، من ان الاشتراء للعنب اذا كان بقصد التخمير كان البيع اعانة، بخلاف ما اذا كان اشتراء الطعام من المشتري ليس بقصد التقوى على العصيان لم يكن البيع اعانة، (يعلم ما) اي الاشكال الذي يرد (فيما تقدم عن حاشية الارشاد، من انه لو كان بيع العنب من يعمله خمرا اعانة لزم المنع عن معاملة اكثر الناس) اذ لا تلازم بين الامرين لامكان كون بيع العنب اعانة على الاثم حيث يقصد المشتري التخمير، و لا يكون بيع الطعام اعانة على الاثم حيث لا يقصد المشتري التقوي به على العصيان.

( «ثم» ان محل الكلام) في الاعانة على الاثم (فيما) اي في الاعانة

ص: 294

يعد شرطا للمعصية الصادرة عن الغير. فما تقدم من المبسوط من حرمة ترك بذل الطعام لخائف التلف مستندا الى قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم «من اعان على قتل مسلم الخ» محل تامل، الا ان يريد الفحوى. و لذا استدل في المختلف بعد حكاية ذلك عن الشيخ، بوجوب حفظ النفس مع القدرة و عدم الضرر.

______________________________

التي (يعد شرطا للمعصية الصادرة عن الغير) بان يكون الامر الصادر عن الغير معصية و يكون ما يصدر عن المعين مقدمة لتلك المعصية، و عليه فالموت الذي يحصل للجائع بسبب عدم الطعام ليس معصية للميت حتى يكون عدم بذل الطعام له اعانة على المعصية (فما تقدم من المبسوط من حرمة ترك بذل الطعام لخائف التلف) في حال كون صاحب المبسوط (مستندا) لذلك (الى قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم «من اعان على قتل مسلم الخ» محل تامل) قوله «محل» خبر «فما» (الا ان يريد الفحوى) و الاولوية فان «عدم بذل الطعام» اقوى في كونه سببا لموت المسلم من «الكلمة» التي تسبب قتله (و لذا) اي للتأمل في استدلال المبسوط (استدل في المختلف بعد حكاية ذلك) الاستدلال (عن الشيخ ب) دليل آخر، غير دليل الاعانة، و هو (وجوب حفظ النفس مع القدرة) من الحافظ (و عدم الضرر) على الحافظ، فان توجه ضرر إليه، كما انه لو حفظ من يموت جوعا باعطائه طعامه مات المعطي بنفسه جوعا، لانحصار طعامه في ما يكفي احدهما- مثلا-.

ص: 295

«ثم» انه يمكن التفصيل في شروط الحرام المعان عليها بين ما تنحصر فائدته و منفعته عرفا في المشروط المحرم كحصول العصا في يد الظالم المستعير لها من غيره لضرب احد، فان ملكه للانتفاع بها في هذا الزمان تنحصر فائدته عرفا في الضرب. و كذا من استعار كأسا ليشرب الخمر فيها. و بين ما لم يكن كذلك كتمليك الخمار للعنب، فان منفعة التمليك و فائدته غير منحصرة- عرفا- في الخمر، حتى عند الخمار.

______________________________

( «ثم» انه يمكن التفصيل في شروط الحرام المعان عليها)- بخلاف ما ذكرنا سابقا من اطلاق عدم حرمة الاعانة على شرط الحرام- (بين ما) اي الشرط الذي (تنحصر فائدته و منفعته عرفا في المشروط المحرم) فان الاعانة على مثل هذا الشرط حرام (كحصول العصى في يد الظالم) الذي هو شرط في ضرب المظلوم (المستعير لها) اي للعصى (من غيره لضرب احد) من المظلومين (فان ملكه) اي واجدية الظالم (للانتفاع بها) اي بالعصى (في هذا الزمان) الذي فيه دولة الباطل- او المراد: في زمان إرادة الظالم ضرب مظلوم حاضر عنده- (تنحصر فائدته عرفا في الضرب) المحرم (و كذا من استعار كأسا) من غيره (ليشرب الخمر فيها) اي في تلك الكأس فان فائدة الكأس في حال إرادة المستعير شرب الخمر تنحصر في المحرم- عرفا- و لذا يحرم اعطاؤهما العصى و الكأس، لانه يصدق عليه الاعانة على الاثم فعلا (و بين ما لم يكن كذلك) بان لا تنحصر الفائدة في الحرام فعلا (كتمليك) البائع (الخمار للعنب، فان منفعة التمليك و فائدته غير منحصرة- عرفا- في الخمر» حتى عند الخمار) فان

ص: 296

فيعد الاول- عرفا- اعانة على المشروط المحرم، بخلاف الثاني.

و لعل من جعل بيع السلاح من اعداء الدين حال قيام الحرب من المساعدة على المحرم، و جوز بيع العنب ممن يعمله خمرا- كالفاضلين في الشرائع و التذكرة و غيرهما- نظر الى ذلك.

و كذلك المحقق الثاني، حيث منع من بيع العصير المتنجس على مستحله مستندا الى كونه من الاعانة على الاثم، و منع من كون بيع العنب ممن يعلم انه يجعله خمرا من الاعانة

______________________________

الخمار يتمكن من اكل العنب او تثليثه (فيعد الاول) اي اعطاء العصى و الكاس، للضارب و الشارب (عرفا اعانة على المشروط المحرم، بخلاف الثاني) الذي هو بيع العنب ممن يجعله خمرا.

(و لعل من جعل بيع السلاح من اعداء الدين حال قيام الحرب من المساعدة على المحرم) فافتى بحرمته (و جوز بيع العنب ممن يعمله خمرا) مع ان الذي يظهر ابتداء تساويهما في الحكم (- كالفاضلين): المحقق و العلامة (في الشرائع و التذكرة و غيرهما- نظر الى ذلك) التفصيل الذي ذكرنا من صدق الاعانة في بيع السلاح- كاعطاء العصى- و عدم الصدق في بيع العنب.

(و كذلك) لعله نظر الى التفصيل الذي ذكرنا (المحقق الثاني، حيث منع من بيع العصير المتنجس على مستحله) كالسنة و الكفار (مستندا الى كونه) اي البيع من المستحل (من الاعانة على الاثم، و منع من كون بيع العنب ممن يعلم انه يجعله خمرا من الاعانة) على الاثم، و انما قلنا: ان

ص: 297

فان تملك المستحل للعصير منحصر فائدته عرفا عنده في الانتفاع به حال النجاسة، بخلاف تملك العنب.

و كيف كان- فلو ثبت تميز موارد الاعانة من العرف فهو، و الا فالظاهر مدخلية قصد المعين. «نعم» يمكن الاستدلال على حرمة بيع الشي ء ممن يعلم انه يصرف المبيع في الحرام، بان دفع المنكر كرفعه واجب، و لا يتم الا بترك البيع

______________________________

نظر المحقق الى الوجه الذي ذكرناه في التفصيل بين الضارب و الشارب (فان تملك المستحل للعصير منحصر فائدته عرفا عنده) اي عند المستحل (في الانتفاع به حال النجاسة بخلاف تملك العنب) فلا تنحصر فائدته في التخمير حتى عند الخمار.

(و كيف كان فلو ثبت تميز موارد الاعانة) و ان ايها من الاعانة على الاثم و ايها ليس من الاعانة على الاثم (من العرف) الذي هو المخاطب بقوله «لا تعاونوا على الاثم» و فهمه حجة في المصاديق (فهو) المطلوب المتبع و الميزان في الحرمة و عدمها (و الا فالظاهر) من العرف (مدخلية قصد المعين) في كون فعله اعانة و مقدمة للحرام، فان باعه العنب ليخمره صدق عرفا انه اعانه على الاثم، و ان باعه العنب و لم يقصد ذلك- و ان علم بانه سيخمره- لم يصدق انه اعانه على الاثم ( «نعم» يمكن الاستدلال على حرمة بيع الشي ء ممن يعلم) اي البائع (انه يصرف المبيع في الحرام، بان دفع المنكر) بالصد عن وقوعه (كرفعه) اذا كان موجودا (واجب و لا يتم) دفع المنكر (الا بترك البيع) فان البائع من ناحيته صد المنكر

ص: 298

فيجب. و إليه اشار المحقق الاردبيلي رحمه اللّه- حيث استدل على حرمة بيع العنب في المسألة بعد عموم النهي عن الاعانة- بادلة النهي عن المنكر.

و يشهد بهذا ما ورد من «انه لو لا ان بني امية وجدوا من يكتب و يجبي لهم الفي ء، و يقاتل عنهم، و يشهد جماعتهم، لما سلبوا حقنا» دل على مذمة الناس في فعل ما لو تركوه لم تتحقق المعصية من بني امية، فدل على ثبوت الذم لكل ما لو ترك لم تتحقق المعصية من الغير.

______________________________

و ان امكن ان يوجد من ناحية شخص آخر (فيجب) عدم البيع، و عليه فيحرم البيع، لان ترك كل واجب حرام.

(و إليه) أي الى هذا الاستدلال (اشار المحقق الاردبيلي رحمه اللّه- حيث استدل على حرمة بيع العنب في المسألة) التي نحن فيها (بعد) الاستدلال ب (عموم النهي عن الاعانة) على الاثم و العدوان (- بادلة النهي عن المنكر) فان قوله سبحانه «كٰانُوا لٰا يَتَنٰاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ» يشمل مثل المقام.

(و يشهد بهذا) الاستدلال (ما ورد) عن ابي حمزة عن الصادق عليه السلام (من «أنه لو لا ان بني امية وجدوا من يكتب و يجبي لهم الفي ء، و يقاتل عنهم، و يشهد جماعتهم، لما سلبوا حقنا) نص الرواية ما ذكرنا و لعل المصنف وجد كما نقل في مكان آخر، او اراد النقل بالمعنى، لا بالالفاظ (دل) هذا الحديث (على مذمة الناس في فعل ما لو تركوه لم تتحقق المعصية من بني امية، فدل على ثبوت الذم لكل ما لو ترك لم تتحقق المعصية من الغير) فان تحقق المعصية من بني امية كان متوقفا على فعل الناس، فذم الامام- عليه السلام- الناس، و كذا تحقق المعصية من مشتري العنب

ص: 299

و هذا و ان دل بظاهره على حرمة بيع العنب و لو ممن يعلم انه سيجعله خمرا مع عدم قصد ذلك حين الشراء، الا انه لم يقم دليل على وجوب تعجيز من يعلم انه سيهم بالمعصية، و انما الثابت من النقل و العقل القاضي بوجوب اللطف وجوب ردع من هم بها و اشرف عليها بحيث لو لا الردع لفعلها او استمر عليها.

______________________________

يتوقف على بيع العنب منه، فالبيع المذكور مذموم.

(و هذا) الحديث (و ان دل بظاهره على حرمة بيع العنب و لو ممن يعلم انه سيجعله خمرا مع عدم قصد ذلك) التخمير منه (حين الشراء) لان الحديث يدل على لزوم ترك كل فعل يؤدي الى عصيان الغير (الا انه) ظهور بدوي لا يمكن الالتزام به، لانه (لم يقم دليل على وجوب تعجيز من يعلم) من حاله (انه سيهم بالمعصية) «يعلم» بالبناء للمجهول. و اما ان الحديث لا يدل على ذلك، فلان بني امية كانوا يهتمون بسلب الخلافة الذي هو من اعظم المعاصي و كانوا مشتغلين به، فغاية ما يدل هو ان اعانتهم حرام، و اين هذا من تعجيز من يتأتى منه المعصية بعدا، حتى في صورة عدم قصده الآن للعصيان. (و انما الثابت من النقل): ادلة النهي عن المنكر. (و العقل): الدال على الحيلولة دون وقوع القبيح (القاضي بوجوب اللطف) هذا بيان لدليل العقل و لعل المراد به ان كونه سبحانه «لطيفا» بمعنى تقريبه الناس الى الطاعة و تبعيدهم عن المعصية يقتضي ان يأمر بدفع المنكر، كما امر برفع المنكر (وجوب ردع من هم بها) اي بالمعصية (و اشرف عليها بحيث لو لا الردع لفعلها او استمر عليها) بعد الفعل،

ص: 300

«ثم» ان الاستدلال المذكور انما يحسن مع علم البائع بانه لو لم يبعه لم تحصل المعصية، لانه حينئذ قادر على الردع، اما لو لم يعلم ذلك او علم بانه تحصل منه المعصية بفعل الغير فلا يتحقق الارتداع بترك البيع، كمن يعلم عدم الانتهاء بنهيه عن المنكر.

______________________________

و لذا لم يحبس الامام امير المؤمنين عليه السلام ابن ملجم قبل قيامه بالجريمة فدليل النهي عن المنكر و دليل اللطف انما يدلان على الرفع للمنكر لا الدفع له.

( «ثم» ان الاستدلال المذكور) لحرمة بيع العنب ممن يعمله خمرا، بادلة دفع المنكر (انما يحسن) الاستدلال به للمقام (مع علم البائع بانه لو لم يبعه لم يحصل المعصية) في الخارج (لانه) اي البائع (حينئذ) اي حين علمه بانه لو لم يبع لم تحصل المعصية (قادر على الردع) بعدم البيع فيتحقق مفهوم الردع حينئذ بتركه البيع (اما لو لم يعلم ذلك) اي بأنه لو لم يبعه لم تحصل المعصية (او علم بانه تحصل منه المعصية بفعل الغير) اي ان سائر البائعين يبيعونه العنب فيصنع خمرا (فلا يتحقق الارتداع) من المشتري (بترك) البائع (البيع) له، فهو (كمن يعلم عدم الانتهاء) لفاعل المنكر (بنهيه عن المنكر) و الحاصل ان عدم البيع لو كان من جهة الارتداع- خارجا- فانه انما يتحقق اذا حصل الارتداع، اما اذا علم البائع بانه لا يحصل الارتداع، او لم يعلم هل يحصل الارتداع أم لا، فلا دليل على حرمة البيع.

(و) ان قلت: سواء علم البائع حصول الارتداع أم علم عدم حصول الارتداع أم شك في ذلك، فان تكليفه ان لا يبيع العنب لهذا المشتري.

ص: 301

و توهم ان البيع حرام على كل احد فلا يسوغ لهذا الشخص فعله معتذرا بانه لو تركه لفعله غيره- مدفوع بان ذلك فيما كان محرما على كل واحد على سبيل الاستقلال، فلا يجوز لواحد منهم الاعتذار بان هذا الفعل واقع لا محالة و لو من غيري، فلا ينفع تركي له، اما اذا وجب على جماعة شي ء واحد كحمل ثقيل مثلا بحيث يراد منهم الاجتماع عليه، فاذا علم واحد من حال الباقي عدم القيام به و الاتفاق معه في ايجاد الفعل

______________________________

قلت: (توهم ان البيع حرام على كل احد فلا يسوغ لهذا الشخص) البائع (فعله) اي البيع للمشتري (- معتذرا) في بيعه (بانه لو تركه) اي البيع (لفعله غيره-) فما الفائدة في ترك هذا البائع للبيع؟ (مدفوع بان ذلك) التحريم على هذا البائع، سواء حصل الارتداع أم لا (فيما كان) البيع (محرما على كل واحد على سبيل الاستقلال ف) حينئذ (لا يجوز لواحد منهم الاعتذار بان هذا الفعل) المحرم، كالتخمير في المثال (واقع لا محالة، و لو من غيري فلا ينفع تركي له) لان الحرمة على كل احد لا تلائم هذا الاعتذار، فهو حينئذ من قبيل ان يسرق زيد مال عمرو معتذرا بانه لو لم يسرقه لسرقه غيره، فان هذا العذر غير صحيح، لحرمة السرقة على كل احد، سواء سرق غيره أم لا. (اما اذا وجب على جماعة شي ء واحد كحمل) شي ء (ثقيل مثلا) مما لا يحمل الا بالاجتماع (بحيث يراد منهم الاجتماع عليه فاذا علم واحد) منهم (من حال الباقي عدم القيام به) اي بحمل هذا الثقيل (و) عدم (الاتفاق معه في ايجاد الفعل) في الخارج

ص: 302

كان قيامه بنفسه بذلك الفعل لغوا فلا يجب.

و ما نحن فيه من هذا القبيل، فان عدم تحقق المعصية من مشتري العنب موقوف على تحقق ترك البيع من كل بائع، فترك المجموع للبيع سبب واحد لترك المعصية، كما ان بيع واحد منهم على البدل شرط لتحققها، فاذا علم واحد منهم عدم اجتماع الباقي معه في تحصيل السبب- و المفروض ان قيامه منفردا لغو- سقط وجوبه.

______________________________

(كان قيامه بنفسه بذلك الفعل) بان يأخذ طرفا من الثقيل اعتباطا (لغوا) لا فائدة فيه لانه لا يحمل بهذا الواحد (فلا يجب) عليه القيام وحده.

(و ما نحن فيه) من عدم بيع العنب من هذا البائع الخاص، مع علمه بان غيره يبيعه للمشتري المخمر (من هذا القبيل)، اي قبيل حمل الثقيل، لا قبيل «السرقة» المحرمة على كل احد (فان) الواجب (عدم تحقق المعصية من مشتري العنب) و هذا الواجب (موقوف على تحقق ترك البيع من كل بائع) بان لا يبيعه احد (فترك المجموع للبيع سبب واحد لترك المعصية) في الخارج (كما ان بيع واحد منهم على البدل شرط لتحققها) فان ايا منهم باعه قام المشتري بالتخمير المحرم (فاذا علم واحد منهم عدم اجتماع الباقي معه في تحصيل السبب) لترك المعصية، اي انهم لا يساعدونه في ايجاد سبب ترك التخمير (- و المفروض ان قيامه) اي هذا البائع (منفردا) بترك البيع (لغو-) لانه يحصل السبب من شخص آخر (سقط وجوبه) هذا جواب «اذا».

ص: 303

و اما ما تقدم من الخبر في أتباع بني امية، فالذم فيه انما هو على اعانتهم بالامور المذكورة في الرواية.

و سيأتي تحريم كون الرجل من اعوان الظلمة، حتى في المباحات التي لا دخل لها برياستهم، فضلا عن مثل جباية الصدقات و حضور الجماعات و شبههما مما هو من اعظم المحرمات.

و قد تلخص مما ذكرنا: ان فعل ما هو من قبيل الشرط لتحقق المعصية من الغير من دون قصد توصل الغير به

______________________________

(و اما ما تقدم من الخبر في أتباع بني امية، فالذم فيه) ليس لاجل انه لو لم يعنهم هؤلاء لم يتحقق الظلم، حتى يدل على وجوب دفع المنكر بل الذم (انما هو على اعانتهم بالامور المذكورة في الرواية) من جباية الصدقة و حضور الجماعة و ما اشبه.

(و سيأتي تحريم كون الرجل من اعوان الظلمة حتى في المباحات التي لا دخل لها برياستهم فضلا عن) اعانتهم في (مثل جباية الصدقات و حضور الجماعات و شبههما مما هو من اعظم المحرمات) اذن فالقول بحرمة بيع العنب ممن يعمله خمرا، لقاعدة النهي عن المنكر، او قاعدة اللطف، او خصوص الرواية في اعوان بني امية، غير تام.

(و قد تلخص مما ذكرنا) من اوّل المبحث الى هنا: (ان فعل ما هو من قبيل الشرط لتحقق المعصية من الغير) «الفعل» كالبيع» و «الشرط» الشراء، و «المعصية من الغير» التخمير للعنب من المشتري (من دون قصد) البائع- في المثال- (توصل الغير) اي المشتري (به)

ص: 304

الى المعصية غير محرم، لعدم كونها- في العرف- اعانة مطلقا، او على التفصيل الذي احتملناه اخيرا.

و اما ترك هذا الفعل، فان كان سببا- يعني علة تامة- لعدم المعصية من الغير، كما اذا انحصر العنب عنده، وجب، لوجوب الردع عن المعصية عقلا و نقلا.

و اما لو لم يكن سببا بل كان السبب تركه منضما الى ترك غيره

______________________________

اي بهذا البيع (الى المعصية) كالتخمير (غير محرم لعدم كونها) اي الفعل، و تأنيث الضمير باعتبار «الاعانة» (- في العرف-) الذي هو المحكم في تشخيص موضوع «الاعانة» (اعانة) على الاثم (مطلقا) مقابل التفصيل الذي نذكره (او على التفصيل الذي احتملناه اخيرا) بقولنا «ثم انه يمكن التفصيل في شروط الحرام المعان عليها بين ما تنحصر الخ».

(و اما) الاستدلال لحرمة البيع من جهة «دفع المنكر» الذي تقدم الكلام فيه فحاصل ما اخترناه: ان (ترك هذا الفعل، فان كان سببا يعني علة تامة- لعدم المعصية من الغير) كالمشتري- في مثال العنب- (كما اذا انحصر العنب عنده وجب) ترك الفعل (لوجوب الردع عن المعصية عقلا) لقبح الاتيان بشي ء يوجب وقوع الغير في العصيان، كقبح الاتيان بشي ء يوجب مرض الغير او فقره او ما اشبه (و نقلا) لشمول ادلة النهي عن المنكر له بالمناط.

(و اما لو لم يكن سببا بل كان السبب) لترك الغير للعصيان (تركه) اي ترك هذا البائع لبيع العنب- مثلا- (منضما الى ترك غيره) بان كان

ص: 305

فان علم او ظن او احتمل قيام الغير بالترك وجب قيامه به أيضا.

و ان علم او ظن عدم قيام الغير سقط عنه وجوب الترك، لان تركه بنفسه ليس برادع حتى يجب.

«نعم» هو جزء للرادع المركب من مجموع تروك ارباب العنب، لكن يسقط وجوب الجزء اذا علم بعدم تحقق الكل في الخارج.

______________________________

السبب عدم بيع احد العنب لهذا المشتري (فان علم او ظن او احتمل قيام الغير بالترك) لبيع العنب له (وجب قيامه به) اي بالترك (أيضا).

(و ان علم او ظن عدم قيام الغير) بالترك، فان المشتري يشتري من غيره العنب (سقط عنه) اي عن هذا البائع (وجوب الترك) فلم يجب عدم البيع بل جاز له ان يبيع منه (لان تركه) اي هذا البائع (بنفسه) اي فقط (ليس برادع) للمنكر في الخارج (حتى يجب) هذا الترك.

(نعم هو) اي ترك هذا البائع لبيع العنب (جزء للرادع المركب) ذلك الرادع (من مجموع تروك) فانه انما يرتدع اذا لم يبعه احد من (ارباب العنب، لكن يسقط وجوب الجزء)- اي ترك هذا البائع الخاص لبيع الخمار العنب- (اذا علم بعدم تحقق الكل في الخارج) بان يقوم فرد آخر ببيعه للعنب لهذا الخمار.

و لا يخفى انه ربما يرد على المصنف أنه ذكر تارة عدم وجوب الترك اذا احتمل قيام الغير به. و تارة وجوبه و ان احتمل قيام الغير به. و مقتضى القاعدة: انه مع احتمال ترك الغير يحرم البيع لمناط وجوب النهي عن المنكر

ص: 306

فعلم مما ذكرناه في هذا المقام: ان فعل ما هو شرط للحرام الصادر من الغير يقع على وجوه:-

«احدها» ان يقع من الفاعل قصدا منه لتوصل الغير به الى الحرام.

و هذا لا اشكال في حرمته، لكونه اعانة.

«الثاني» ان يقع منه من دون قصد لحصول الحرام،

______________________________

مع احتمال التأثير. و معه لا مجال للبراءة، كما لا مجال للبراءة من النهي عن المنكر مع احتمال التأثير.

اقول: و ربما يصحح كلام الشيخ بتقييد بعضه ببعض، فيتحصل من مجموع كلامه، انه مع العلم بترك الغير او الظن بتركه، او الشك فيه يحرم البيع، و مع العلم ببيع الغير او الظن ببيعه، لا يحرم البيع له، و قد اطال المعلقون الكلام في المسألة اضربنا عنها مشيا مع ما بنيناه من توضيح المتن.

(فعلم مما ذكرناه في هذا المقام: ان فعل ما هو شرط للحرام) كالشراء الذي هو شرط التخمير (الصادر) ذلك الفعل كالبيع (من الغير يقع على وجوه:-).

( «احدها» ان يقع) الفعل كالبيع (من الفاعل قصدا منه لتوصل الغير) اي المشتري (به) اي بهذا الفعل (الى الحرام) كأن يبيعه بقصد ان يخمره.

(و هذا) القسم (لا اشكال في حرمته، لكونه اعانة) على الاثم.

( «الثاني» ان يقع منه) الفعل (من دون قصد لحصول الحرام،

ص: 307

و لا لحصول ما هو مقدمة له، مثل تجارة التاجر بالنسبة الى معصية العاشر فانه لم يقصد بها تسلط العاشر عليه الذي هو شرط لأخذ العشر. و هذا لا اشكال في عدم حرمته.

«الثالث» ان يقع منه بقصد حصول ما هو من مقدمات حصول الحرام عن الغير، لا لحصول نفس الحرام منه.

و هذا قد يكون من دون قصد الغير

______________________________

و لا لحصول ما هو مقدمة له) بان لا يقصد بالبيع الوصول الى التخمير و لا الوصول الى التملك الذي هو مقدمة للتخمير (مثل تجارة التاجر بالنسبة الى معصية العاشر) الآخذ للعشور. فان التاجر لا يقصد وصول العاشر الى العشور، و لا الى مقدمة اخذه للعشور.

و قد مثل المصنف لمقدمة اخذ العشور بقوله (فانه) اي التاجر (لم يقصد بها تسلط العاشر عليه) اي على نفسه (الذي) صفة التسلط (هو شرط لاخذ العشر) و انما اراد التاجر التجارة فقط.

(و هذا) القسم (لا اشكال في عدم حرمته) لعدم صدق «الاعانة على الاثم» عليه.

( «الثالث» ان يقع منه) الفعل (بقصد حصول ما هو من مقدمات حصول الحرام عن الغير) الذي هو المشتري- مثلا- (لا لحصول نفس الحرام منه) كما لو قصد البائع تملك الخمار- و التملك شرط الحرام- اذ لو لا التملك لم يتمكن الخمار من التخمير.

(و هذا) القسم (قد يكون من دون قصد الغير) الذي هو المشتري

ص: 308

التوصل بذلك الشرط الى الحرام، كبيع العنب من الخمار المقصود منه تملكه للعنب الذي هو شرط لتخميره، لا نفس التخمير، مع عدم قصد الغير أيضا التخمير حال الشراء. و هذا أيضا لا اشكال في عدم حرمته.

و قد يكون مع قصد الغير التوصل به الى الحرام- اعني التخمير- حال شراء العنب. و هذا أيضا على وجهين:

احدهما: ان يكون ترك هذا الفعل من الفاعل علة تامة لعدم تحقق الحرام من الغير

______________________________

(التوصل بذلك الشرط) اي الاشتراء (الى الحرام) و ذلك (كبيع العنب من الخمار المقصود منه) اي من البيع (تملكه للعنب) التملك (الذي هو شرط لتخميره، لا) المقصود منه- اي من البائع- (نفس التخمير مع عدم قصد الغير) الذي هو المشتري (أيضا) كعدم قصد البائع (التخمير حال الشراء. و هذا) القسم (أيضا) كالقسم الثاني (لا اشكال في عدم حرمته) لانه ليس اعانة على الاثم.

(و قد يكون) القسم الثالث (مع قصد الغير) اي المشتري (التوصل به الى الحرام اعني التخمير حال شراء العنب. و هذا) النوع الثاني من القسم الثالث (أيضا) كنفس القسم الثالث (على وجهين):

(احدهما: ان يكون ترك هذا الفعل من الفاعل علة تامة لعدم تحقق الحرام من الغير) لانحصار العنب مثلا عند هذا البائع، فاذا لم يبعه العنب لم يتمكن من التخمير- اصلا- لا ما اذا كان تمكن من التخمير باشتراء الحنطة او التمر او ما اشبه من غيره، او كان عنده مقدار من

ص: 309

و الأقوى- هنا- وجوب الترك و حرمة الفعل.

و الثاني: ان لا يكون كذلك، بل يعلم عادة او يظن بحصول الحرام من الغير. من غير تأثير لترك ذلك الفعل: و الظاهر عدم وجوب الترك حينئذ بناء على ما ذكرنا من اعتبار قصد الحرام في صدق الاعانة عليه مطلقا

______________________________

العنب اذا بعته له خمر عنب البائع، و اذا لم تبعه خمر عنب نفسه.

(و الاقوى هنا وجوب الترك) اي ترك بيع العنب له (و حرمة الفعل) و اطلاق قوله عليه السلام: «هو ذا نبيع تمرنا ممن يصنعه خمرا» منصرف الى المتعارف الذي هو وجود من يبيعه التمر، لو لم يبعه الامام عليه السلام.

(و الثاني ان لا يكون كذلك) اي لا يكون ترك الفعل من الفاعل علة تامة (بل يعلم) البائع (عادة) اي علما عاديا (او يظن بحصول الحرام من الغير) اي المشتري لانه يشتري العنب من بائع آخر (من غير تأثير) في عدم الحرام (لترك) البائع (ذلك الفعل) اي تركه للبيع لا يؤثر في عدم تخمير المشتري. (و الظاهر عدم وجوب الترك حينئذ) اي حين علم او ظن ان المشتري سيفعل الحرام سواء بائعه أم لم يبعه.

و انما قلنا بالحرمة في الصور المذكورة (بناء) على ان الحرمة تتوقف على احد شيئين: إما قصد الحرام، او صدق الاعانة، و ان لم يقصد الحرام. فكلما تحقق احد الامرين كان البيع حراما و الا كان حلالا و الى هذا اشار بقوله: بناء (على ما ذكرنا من اعتبار قصد الحرام في صدق الاعانة عليه) اي على الحرام (مطلقا) مقابل التفصيل

ص: 310

او على ما احتملنا من التفصيل.

«ثم» كل مورد حكم فيه بحرمة البيع من هذه الموارد الخمسة فالظاهر عدم فساد البيع، لتعلق النهي بما هو خارج عن المعاملة- اعني الإعانة على الاثم، او المسامحة في الردع عنه.

و يحتمل الفساد، لاشعار قوله

______________________________

(او) بناء (على ما احتملنا من التفصيل) عند قولنا «ثم انه يمكن التفصيل في شروط الحرام».

(ثم) اذا عرفت الكلام في الحكم التكليفي في البيع، ننقل الكلام الى الحكم الوضعي و انه اذا حرم البيع فهل يفسد أم لا؟ فنقول: (كل مورد حكم فيه بحرمة البيع من هذه الموارد الخمسة فالظاهر عدم فساد البيع) بل يصح البيع و إن كان البائع فعل حراما (لتعلق النهي بما هو خارج عن المعاملة) و الامر الخارج (- اعني الاعانة على الاثم-) في بعض الصور (او المسامحة) من البائع (في الردع عنه) اي عن الاثم، في صورة اخرى.

توضيحه: ان النهي قد يتعلق بنفس المعاملة، كأن يقول الشارع «لا تبع بيعا ربويا» و مثل هذا النهي موجب للفساد، لظهوره في كونه ارشادا الى الفساد. و قد يتعلق النهي بكلي خارجي عن المعاملة، لكنه انطبق على المعاملة كالنهي عن الاعانة او النهي عن المنكر، مما انطبق هذا الكلي في المقام على المعاملة، و حيث ان الحرمة لا تلازم الفساد، فلا يدل مثل هذا النهي على الفساد، فتكون المعاملة صحيحة و لكنها موجبة للعقاب (و يحتمل الفساد لاشعار قوله

ص: 311

عليه السلام- في رواية تحف العقول المتقدمة، بعد قوله: و كل مبيع ملهو به-: و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير اللّه او يقوى به الكفر و الشرك في جميع وجوه المعاصي او باب يوهن به الحق فهو حرام محرم بيعه و شراؤه و امساكه» بناء على ان التحريم مسوق لبيان الفساد في تلك الرواية، كما لا يخفى.

لكن في الدلالة تأمل،

______________________________

عليه السلام- في رواية تحف العقول المتقدمة، بعد قوله: و كل مبيع ملهو به-: و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير اللّه) فان الاعانة على الاثم مما يتقرب به الى الشيطان (او يقوى به الكفر و الشرك في جميع وجوه المعاصي) لان كل معصية يقوى بها الشرك و الكفر لمسانختها لهما (او باب يوهن به الحق) فان كل معصية باب يوهن به الحق (فهو حرام محرم بيعه و شراؤه و امساكه) فان هذه الفقرات الثلاث في الرواية دالة على فساد مثل بيع العنب لمن يعمله خمرا (بناء على ان التحريم) في الرواية (مسوق لبيان الفساد في تلك الرواية) اذ الظاهر هو سوق الرواية لبيان البيوع الصحيحة و الفاسدة فليس المقصود منها مجرد الحكم التكليفي (كما لا يخفى).

(لكن) مع ذلك (في الدلالة) للرواية على ما نحن فيه (تأمل) بمعنى ان الرواية لا تشمل بيع العنب لمن يعمله خمرا- و ان سلمنا انها على تقدير الشمول دالة على الفساد-.

و وجه التأمل: ان الظاهر من قوله عليه السلام «ما يتقرب به لغير

ص: 312

و لو تمت لثبت الفساد مع قصد المشتري خاصة للحرام، لان الفساد لا يتبعض.

______________________________

اللّه» ما يعبد به غير اللّه كالصنم، و الظاهر من قوله عليه السلام «او يقوى به الكفر و الشرك» قوة من جنس دين الامرين لا من جنس العصيان المناسب لهما، و الظاهر من قوله عليه السلام «باب يوهن به الحق»: وهن الدين و المذهب لا كل معصية.

هذا و لكن الانصاف الصدق في الجملة، و ان لم يسلم الصدق في كل مكان (و لو تمت) الدلالة (لثبت الفساد مع قصد المشتري خاصة للحرام) لا مطلقا سواء قصد المشتري أم لا، بان لم يكن وقت الاشتراء قصده التخمير ثم قصد ذلك، و انما نقول بان البيع في هذه الصورة فاسدة (لان الفساد لا يتبعض) فان قصد المشتري للحرام يوجب فساد اشتراءه و اذا فسد الشراء فسد البيع، اذ لا يمكن ان تكون معاملة نصفها فاسد و نصفها صحيح، حتى يقال: ان الفساد من ناحية المشتري فقط- لقصده الحرام- دون ناحية البائع، لانه لم يقصد الحرام.

فتحصل انه- أولا- لا نقول بشمول فقرات الرواية، لمثل بيع العنب، و هذا ما اشار إليه بقوله «لكن في الدلالة تأمل». و ثانيا- لو قلنا بشمول الرواية لما نحن فيه لا نقول بالفساد مطلقا، و انما نقول بالفساد في صورة قصد المشتري حين الاشتراء التخمير.

و ربما قيل في معنى قوله «و لو تمت الخ» معنى آخر، و لكن ما ذكرناه اقرب الى ظاهر العبارة.

ص: 313

القسم الثالث ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا»

بمعنى ان من شأنه ان يقصد منه الحرام.

و تحريم هذا مقصور على النص، اذ لا يدخل ذلك تحت الإعانة خصوصا مع عدم العلم بصرف الغير له في الحرام، كبيع السلاح من اعداء الدين مع عدم قصد تقويتهم، بل و عدم العلم

______________________________

(القسم الثالث) مما يحرم التكسب به لتحريم ما يقصد به- الذي ذكرنا في اوّل النوع الثاني- انه على اقسام-.

(ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا، بمعنى ان من شأنه ان يقصد منه الحرام) كبيع السلاح من اعداء الدين، فانه حرام لتحريم ما يقصد الاعداء من السلاح شأنا، فان السلاح له شأن قتل المسلمين.

(و تحريم هذا) القسم (مقصور على النص، اذ لا يدخل ذلك تحت) عنوان (الاعانة) على الاثم (خصوصا مع عدم العلم بصرف الغير) اي اعداء الدين (له) اي للسلاح (في الحرام) و ذلك (كبيع السلاح من اعداء الدين مع عدم قصد تقويتهم) بهذا السلاح (بل و عدم العلم

ص: 314

باستعمالهم لهذا المبيع الخاص في حرب المسلمين، الا ان المعروف بين الاصحاب حرمته، بل لا خلاف فيها

و الاخبار بها مستفيضة:

«منها»- رواية الحضرمي «قال: دخلنا على ابي عبد اللّه عليه السلام، فقال له حكم السراج: ما تقول فيمن يحمل الى الشام من السروج و اداتها؟

قال عليه السلام: لا بأس، انتم اليوم بمنزلة اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، انتم في هدنة فاذا كانت المباينة

______________________________

باستعمالهم لهذا المبيع الخاص في حرب المسلمين) فانه- و ان لم يصدق عليه الاعانة على الاثم- حرام للادلة الخاصة، (الا ان المعروف بين الاصحاب حرمته بل لا خلاف فيها) لدى الفقهاء و ان اختلفوا في انه حرام مطلقا، او في حال الحرب، او في حال المباينة، او غير ذلك من الاقوال المتعددة في المسألة.

(و الاخبار بها) اي بالحرمة (مستفيضة):

( «منها»- رواية الحضرمي «قال: دخلنا على ابي عبد اللّه (ع) فقال له حكم السراج: ما تقول فيمن يحمل الى الشام من السروج و اداتها) و المراد بيعه الى أهل السنة النواصب لان الشام كان في ذلك الوقت مركز الخلافة المنحرفة (قال عليه السلام: لا بأس) اي ببيع السلاح لهم (انتم اليوم بمنزلة اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم) اي الذين كانوا في هدنة حال عدم تشريع الحرب عليهم (انتم في هدنة) حيث لم يؤمروا في ذلك الوقت بمحاربة الخلفاء الجائرين (فاذا كانت المباينة) اي المحاربة

ص: 315

حرم عليكم ان تحملوا إليهم السلاح و السروج».

«و منها»- رواية هند السراج «قال: قلت لابي جعفر عليه السلام اصلحك اللّه اني كنت احمل السلاح الى اهل الشام فابيعه منهم، فلما عرفني اللّه هذا الامر ضقت بذلك، فقلت: لا احمل الى اعداء اللّه؟ فقال عليه السلام احمل إليهم و بعهم، فان اللّه يدفع بهم عدونا و عدوكم، يعني الروم، فاذا كان الحرب بيننا فلا تحملوا إليهم، فمن حمل الى عدونا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشرك»

______________________________

الموجبة للبينونة و الانفصال بين الجانبين (حرم عليكم ان تحملوا إليهم السلاح و السروج») و المراد بذلك المثال و الا فكل ادوات الحرب حرام، كما سيأتي تفصيله إن شاء اللّه.

( «و منها»- رواية هند السراج «قال: قلت لابي جعفر عليه السلام اصلحك اللّه اني كنت احمل السلاح الى اهل الشام فابيعه منهم فلما عرفني اللّه هذا الامر) اي ولايتكم اهل البيت و صرت من الشيعة (ضقت بذلك) الحمل للسلاح إليهم، كانه كان في توسعة ثم ضاق عليه الامر (فقلت لا احمل) اي السلاح (الى اعداء اللّه؟ فقال عليه السلام: احمل إليهم و بعهم فان اللّه يدفع بهم) اي باهل الشام (عدونا و عدوكم، يعني الروم) المسيحيين (فاذا كان الحرب بيننا) و بين اهل الشام (فلا تحملوا إليهم) السلاح (فمن حمل الى عدونا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشرك») و المراد بالشرك في هذا الخبر، و بالكافر في الخبر الآتي، الكفر و الشرك في العمل، لا في الاعتقاد، فان العمل بالحرام عمل الكافر و المشرك، و لذا

ص: 316

و صريح الروايتين: اختصاص الحكم بصورة قيام الحرب بينهم و بين المسلمين، بمعنى وجود المباينة، في مقابل الهدنة، و بهما تقيد المطلقات جوازا و منعا، مع امكان دعوى ظهور بعضها في ذلك.

مثل مكاتبة الصيقل «اشتري السيوف و ابيعها من السلطان، أ جائز لي بيعها؟ فكتب: لا بأس به».

و رواية علي بن جعفر عليه السلام عن اخيه

______________________________

يصح اطلاق الكفر و الشرك عليه، و ان كان صحيح الاعتقاد، و على هذا يحمل كلما ورد من اطلاق الكفر و الشرك على اتيان المحرمات.

(و صريح الروايتين اختصاص الحكم) بتحريم بيع السلاح (بصورة قيام الحرب بينهم و بين المسلمين) المراد ب «بينهم» بين الكفار و اهل الخلاف (بمعنى وجود المباينة في مقابل الهدنة) فان الروايتين تدلان على جواز البيع لهم في صورة الهدنة (و بهما) اي بهاتين الروايتين (تقيد المطلقات جوازا و منعا) اي ما دل على منع بيع السلاح لهم مطلقا، و ما دل على جواز بيع السلاح لهم مطلقا (مع امكان دعوى ظهور بعضها) اي بعض الاخبار المطلقة (في ذلك) التقييد.

(مثل مكاتبة الصيقل «اشتري السيوف و ابيعها من السلطان أ جائز لي بيعها؟ فكتب: لا بأس به») فانها من مطلقات الجواز، بالإضافة الى امكان تنزيلها بصورة السؤال، التي هي في حال الهدنة.

(و رواية علي بن جعفر عليه السلام عن اخيه) موسى عليه السلام

ص: 317

قال «سألته عن حمل المسلمين الى المشركين التجارة؟ قال: اذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس».

و مثله ما في وصية النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام «يا علي كفر باللّه العظيم من هذه الامة عشرة أصناف، و عد- صلى اللّه عليه و آله و سلم- منها: بائع السلاح من اهل الحرب.

فما عن حواشي الشهيد- من «ان المنقول ان بيع السلاح حرام مطلقا في حال الحرب

______________________________

(قال: «سألته عن حمل المسلمين الى المشركين التجارة؟ قال: اذا لم يحملوا) اي المشركون (سلاحا فلا بأس به») و هذا الخبر هو بنفسه مقيد، و عدم حملهم السلاح كناية عن حال الهدنة.

(و مثله ما في وصية النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام «يا علي كفر باللّه العظيم من هذه الامة عشرة اصناف) اي أقسام (و عد صلى اللّه عليه و آله و سلم منها) اي من اولئك العشرة: (بائع السلاح من اهل الحرب) فانها من مطلقات المنع، لكن لا يبعد ظهورها في حال قيام الحرب.

و قد تقدم ان المراد بالكفر في مثل هذه الاحاديث الكفر في العمل لا الكفر في العقيدة.

و اذ قد عرفت جواز البيع حال الهدنة بتلك الاخبار المتقدمة.

(فما عن حواشي الشهيد-) الاول (من) «ان المنقول في الروايات عن اهل البيت عليهم السلام (ان بيع السلاح حرام مطلقا في حال الحرب

ص: 318

و الصلح و الهدنة، لان فيه تقوية الكافر على المسلم، فلا يجوز على كل حال» شبه الاجتهاد في مقابل النص، مع ضعف دليله، كما لا يخفى.

«ثم» ان ظاهر الروايات شمول الحكم لما اذا لم يقصد البائع المعونة و المساعدة اصلا، بل صريح مورد السؤال في روايتي الحكم و الهند: هو صورة عدم قصد ذلك.

______________________________

و الصلح و الهدنة) الصلح اذا تصالح الطرفان على شي ء، و الهدنة اذا اوقفا الحرب لتعب او ما اشبه بدون التباني على شروط (لان فيه) اي في بيع السلاح لهم (تقوية الكافر على المسلم، فلا يجوز على كل حال») حربا او صلحا او هدنة (- شبه الاجتهاد في مقابل النص) و انما لم يقل «اجتهاد» تأدبا (مع ضعف دليله) الذي ذكره بقوله «لان فيه» اذ لا دليل على ان مطلق تقوية الكافر حرام، بالإضافة الى انه ليس تقوية الكافر على المسلم.

بل ربما كان تقوية الكافر للمسلم، كما اذا اراد الكافر بالسلاح اخماد نائرة كافر آخر عدو للمسلمين و للكفار معا. كما في تقوية اهل الشام في زمان الامام عليه السلام حيث ان بالسلاح كانوا يحاربون الروم الذين هم اعداء للمؤمن و المخالف (كما لا يخفى).

و في المسألة اقوال اخر جميعها مع ما تقدم ثمانية على ما ذكره السيد الطباطبائي.

( «ثم» ان ظاهر الروايات شمول الحكم) بالتحريم (لما اذا لم يقصد البائع المعونة و المساعدة) لهم (اصلا بل صريح مورد السؤال في روايتي الحكم و الهند: هو صورة عدم قصد ذلك) اي اعانه الكفار و مساعدتهم.

ص: 319

فالقول باختصاص حرمة البيع بصورة قصد المساعدة- كما يظهر من بعض العبائر- ضعيف جدا.

و كذلك ظاهرها: الشمول لما اذا لم يعلم باستعمال اهل الحرب للمبيع في الحرب، بل يكفي مظنة ذلك بحسب غلبة ذلك مع قيام الحرب، بحيث يصدق حصول التقوي لهم بالبيع، و حينئذ فالحكم مخالف للاصول صير إليه للاخبار المذكورة و عموم رواية تحف العقول المتقدمة.

______________________________

(فالقول باختصاص حرمة البيع بصورة قصد المساعدة) و الاعانة للكفار (- كما يظهر من بعض العبائر-) نسبه صاحب الجواهر الى بعض، و في حاشية السيد الطباطبائي يمكن استظهاره من عبارة الشرائع (ضعيف جدا).

(و كذلك ظاهرها) اي ظاهر الاخبار (الشمول لما اذا لم يعلم) البائع (باستعمال اهل الحرب للمبيع) من السلاح (في الحرب، بل يكفي مظنة ذلك) الاستعمال (بحسب غلبة ذلك) الظن باستعمالهم في حرب المسلمين (مع قيام الحرب، بحيث يصدق حصول التقوي لهم بالبيع، و حينئذ) اي حين اذ شمل الروايات صورة عدم العلم باستعمال اهل الحرب للسلاح في محاربة المسلمين (فالحكم مخالف للاصول) اذ الاصل و القاعدة جواز كل شي ء الا ما خرج بالدليل (صير إليه) اي الى هذا الحكم المخالف (للاخبار المذكورة) في بيع السلاح بالخصوص (و عموم رواية تحف العقول المتقدمة) فانه داخل في قوله عليه السلام «او يقوى به الكفر» و قوله عليه السلام «او باب يوهن به الحق».

ص: 320

فيقتصر فيه على مورد الدليل، و هو السلاح، دون ما لا يصدق عليه ذلك، كالمجن و الدرع و المغفر و سائر ما يكن. وفاقا للنهاية و ظاهر السرائر و اكثر كتب العلامة و الشهيدين و المحقق الثاني، للاصل.

و ما استدل به في التذكرة- من رواية محمد بن قيس «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفئتين من اهل الباطل تلتقيان ابيعهما السلاح؟

قال عليه السلام: بعهما ما يكنهما الدرع و الخفين و نحوهما»-.

لكن يمكن ان يقال:

______________________________

و حيث ان الحكم مخالف للاصل (فيقتصر فيه على مورد الدليل و هو السلاح دون ما لا يصدق عليه ذلك) اي السلاح (كالمجن و الدرع و المغفر و سائر ما يكن) و يحفظ به (وفاقا) في الجواز (للنهاية و ظاهر السرائر و اكثر كتب العلامة و الشهيدين و المحقق الثاني، للاصل) المستفاد من عمومات حل البيع، و البراءة، و غيرهما.

(و) ل (ما استدل به في التذكرة:- من رواية محمد بن قيس «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفئتين من اهل الباطل تلتقيان ابيعهما السلاح؟ قال عليه السلام: بعهما ما يكنهما) اي يحفظهما (الدرع و الخفين و نحوهما) كالسرج و المجنة و نحوهما بناء على ان بيع السلاح لاهل الباطل حرام مطلقا، سواء كان لمحاربة بعضهم مع بعض او بعضهم مع المسلمين، فتجويز الامام للاشياء الحافظة بالنسبة الى الفئتين من اهل الباطل يدل على تجويزه بالنسبة الى من يحارب المسلمين أيضا.

(لكن يمكن ان يقال) بان المحرم مطلق شامل للسلاح الوقائي

ص: 321

إن ظاهر رواية تحف العقول: اناطة الحكم على تقوي الكفر و وهن الحق و ظاهر قوله عليه السلام في رواية هند «من حمل الى عدونا سلاحا يستعينون به علينا»: ان الحكم منوط بالاستعانة، و الكل موجود فيما يكن أيضا- كما لا يخفى.

مضافا الى فحوى رواية «الحكم» المانعة عن بيع السروج.

و حملها على «السيوف السريجية» لا يناسبه صدر الرواية، مع كون الراوي سراجا.

______________________________

أيضا ف (ان ظاهر رواية تحف العقول اناطة الحكم) بالحرمة (على تقوي الكفر و وهن الحق) و ذلك كما يحصل بالسلاح الجارح كذلك يحصل بآلات الوقاية.

(و ظاهر قوله عليه السلام في رواية هند «من حمل الى عدونا سلاحا يستعينون به علينا»: ان الحكم) بالتحريم (منوط بالاستعانة، و الكل) من تقوي الكفر و وهن الحق و الاستعانة (موجود فيما يكن) و يحفظ (أيضا) كما انه موجود في السلاح الجارح (- كما لا يخفى).

(مضافا الى فحوى رواية الحكم المانعة عن بيع السروج) مع العلم ان السرج ليس آلة حرب- عرفا- بل هو اخف من آلة الوقاية، فاذا حرم بيعه حرم بيع آلة الوقاية بطريق اولى.

(و حملها) اي السروج المذكورة في رواية الحكم (على السيوف السريجية لا يناسبه صدر الرواية) اي قوله: و اداتها. فان السرج له اداة دون السيف (مع كون الراوي سراجا) فالمناسبة بين عمله و سؤاله تقتضي

ص: 322

و اما رواية محمد بن قيس، فلا دلالة لها على المطلوب، لان مدلولها بمقتضى ان التفصيل قاطع للشركة- الجواز فيما يكن، و التحريم في غيره، مع كون الفئتين من اهل الباطل.

فلا بد من حملها على فريقين محقوني الدماء، اذ لو كان كلاهما، او أحدهما مهدور الدم لم يكن وجه للمنع من بيع السلاح على صاحبه.

______________________________

أن يكون السؤال عن السرج لا السيف، بالإضافة الى ان في ذيل الرواية «السلاح و السروج» فقرينة المقابلة تقتضي ان يراد بالسروج غير السلاح.

(و اما رواية محمد بن قيس، فلا دلالة لها على المطلوب) اعني جواز بيع آلة الوقاية لاهل الحرب (لان مدلولها) اي الرواية (بمقتضى ان التفصيل) بين ما يكون و بين غيره (قاطع للشركة) في الحكم، و ان يكون حكم السلاح و حكم آلة الوقاية واحدا (الجواز) اي جواز البيع (فيما يكن) و يحفظ (و التحريم في غيره) من اقسام السلاح، و قوله «الجواز» خبر «ان» (مع كون الفئتين من اهل الباطل) يعني ان التفصيل إنما هو فيما اذا كان الفئتان من اهل الباطل، فلا ربط بما نحن فيه مما كان احد الفئتين من اهل الحق.

(فلا بد من حملها) اي الرواية (على فريقين محقوني الدماء اذ لو كان كلاهما او احدهما مهدور الدم لم يكن وجه للمنع من بيع السلاح على) كليهما في صورة كون كليهما مهدور الدم، او على (صاحبه) الذي ليس بمهدور الدم، فاطلاق تفصيل الامام بانه يجوز فيما يكن، و لا يجوز في غيره، لا يلائم الا كون كليهما محقوني الدم، فموضوع الرواية غير

ص: 323

فالمقصود من بيع ما يكن منهما: تحفظ كل منهما عن صاحبه و تترسه بما يكن، و هذا غير مقصود فيما نحن فيه، بل تحفظ اعداء الدين من بأس المسلمين خلاف مقصود الشارع، فالتعدي عن مورد الرواية الى ما نحن فيه يشبه القياس مع الفارق.

و لعله لما ذكر قيد الشهيد- فيما حكى عن حواشيه على القواعد- اطلاق العلامة «جواز بيع ما يكن» بصورة الهدنة و عدم قيام الحرب.

«ثم» ان مقتضى الاقتصار على مورد النص عدم التعدي الى غير

______________________________

ما نحن فيه، و لا يمكن الاستدلال بها على ما نحن فيه.

(فالمقصود) في الرواية (من بيع ما يكن منهما) اي من الفئتين (تحفظ كل منهما عن صاحبه و تترسه بما يكن، و هذا) اي حفظ طرف المحاربة ببيعه ما يكن به (غير مقصود فيما نحن فيه) اذ حفظ اهل الباطل الذين حقن دمهم مقصود للشارع، فيجوز بيع الترس لهم بخلاف حفظ اهل الحرب (بل تحفظ اعداء الدين من بأس المسلمين خلاف مقصود الشارع فالتعدي عن مورد الرواية) و هما الفئتان من اهل الباطل المحقون دمائهم (الى ما نحن فيه يشبه القياس مع الفارق).

(و لعله لما ذكر) من الفرق بين ما نحن فيه و بين مورد رواية محمد ابن قيس (قيد الشهيد- فيما حكي عن حواشيه على القواعد- اطلاق العلامة «جواز بيع ما يكن» بصورة الهدنة و عدم قيام الحرب) قوله «بصورة» متعلق ب «قيد».

( «ثم» ان مقتضى الاقتصار على مورد النص) الذي هو «اعداء الدين» اذ حكم النص بحرمة بيع السلاح منهم (عدم التعدي الى غير

ص: 324

اعداء الدين كقطاع الطريق، الا ان المستفاد من رواية تحف العقول: اناطة الحكم بتقوى الباطل و وهن الحق، فلعله يشمل ذلك، و فيه تأمل.

«ثم» ان النهي في هذه الاخبار لا يدل على الفساد، فلا مستند له سوى ظاهر خبر تحف العقول، الوارد في بيان المكاسب الصحيحة و الفاسدة و اللّه العالم.

______________________________

اعداء الدين كقطاع الطريق) فيجوز بيع السلاح لهم لاصالة الجواز (الا ان المستفاد من رواية تحف العقول اناطة الحكم) بحرمة البيع (بتقوى الباطل و وهن الحق) و من الواضح ان بيع السلاح من قاطع الطريق تقو للباطل و وهن للحق (فلعله) اي ما في حديث تحف العقول (يشمل ذلك) اي بيع السلاح من قاطع الطريق.

(و فيه تأمل) لما عرفت سابقا من ان الظاهر من الحديث تقوي الباطل المخالف للمذهب و الدين و وهن الحق الذي هو الدين و المذهب لا تقوية العصيان و العدوان، لكن لا يبعد صدق الاعانة على الاثم و شمول ادلة الفساد، كقوله تعالى «وَ اللّٰهُ لٰا يُحِبُّ الْفَسٰادَ» لمثل هذا البيع.

( «ثم» ان النهي) عن بيع السلاح من اعداء الدين (في هذه الاخبار) المتقدمة (لا يدل على الفساد) للمعاملة اذا خالف و باع (فلا مستند له) اي للفساد (سوى ظاهر خبر تحف العقول الوارد) هذا الخبر (في بيان المكاسب الصحيحة و الفاسدة) فالنهي في الخبر دال على الفساد (و اللّه العالم).

«ثم» ان الظاهر اطلاق التحريم لغير البيع من سائر المعاوضات،

ص: 325

..........

______________________________

كما ان الظاهر: ان مثل الهبة و العارية أيضا كذلك.

و لو باع في وقت الهدنة ثم قامت الحرب، لم يعطهم ما باع، لانهم حينئذ مهدورو الدم و المال، فلا يجب الوفاء بالنسبة إليهم.

و الظاهر: ان بيع غير السلاح لاهل الحرب اذا كان سببا في تقويهم أيضا محظور، فلا يجوز ان يبيعهم الطعام و نحوه.

ثم الظاهر: ان اللازم الحيلولة دون اشترائهم السلاح، و لو ممن كان مثلهم، من باب الردع عن المنكر، و وجوب تضعيف الكفر، المستفاد من قوله سبحانه «وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ».

و هل يجوز بيع السلاح لهم في حال الحرب ليسلم إليهم حال الهدنة؟

فيه احتمالان: من أنه من مصاديق بيع السلاح لاهل الحرب فيحرم. و من العلة المستفادة من النص و الفتوى فلا يحرم. و لعل الثاني هو الاقرب.

و من باعهم السلاح كذلك و هو عالم بالحكم و الموضوع يعزر حسب ما يراه الحاكم الشرعي صلاحا، اما مصادرة ثمنه فلا يبعد جوازه، لانه مال اهل الحرب و لم ينتقل الى احد بوجه صحيح، الا ان نقول بصحة المعاملة و تحريمها تكليفا فقط.

و لو علمنا ان المشتري للسلاح في حال الحرب لا يريد استعماله في الحرب، و انما يريد التجارة به مما لا يقوى به اهل الحرب، او شرطنا عليه عدم استعماله مع المسلمين، و علمنا انه يفي بالشرط، فهل يجوز أم لا؟ احتمالان: من اطلاق النص. و من العلة المنتفية في المقام.

و الظاهر ان اشتراء الطعام و نحوه منهم اذا كان في ذلك تقوية لهم

ص: 326

..........

______________________________

غير جائز أيضا، لا بادلة تحريم بيع السلاح، بل لرواية تحف العقول و غيرها.

و هل بيع السلاح من المسلم الذي يوافقهم في محاربة المسلمين و يقف في صفهم جائز أم لا؟ الظاهر العدم، لإطلاق رواية تحف العقول.

كما ان البيع لمسلم يبيع منهم أيضا محظور، بل لا يبعد شمول ادلة حرمة بيع السلاح لاهل الحرب للمقام بالمناط.

و الظاهر: ان البيع لهم بدون التسليم ليس مشمولا لهذه الروايات، لان المراد منها تقويتهم باعطائهم السلاح.

و في المقام فروع اخر نكتفي منها بهذا القدر، و لو كان ما ذكرناه أيضا خارجا عن الشرح، و اللّه المستعان.

ص: 327

النوع الثالث مما يحرم الاكتساب به: ما لا منفعة فيه محللة معتدا بها عند العقلاء.

و التحريم في هذا القسم ليس الا من حيث فساد المعاملة و عدم تملك الثمن، و ليس كالاكتساب بالخمر و الخنزير.

و الدليل على الفساد في هذا القسم-

______________________________

(النوع الثالث- مما يحرم الاكتساب به: ما لا منفعة فيه محللة معتدا بها عند العقلاء) و ان كان فيه منفعة نادرة جزئية، فان المنفعة النادرة الجزئية لا تكون سببا للمالية العرفية الموجبة للدخول في عموم «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» و «تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» و «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و ما اشبه.

(و التحريم في هذا القسم ليس الا من حيث فساد المعاملة و عدم تملك الثمن) لان الشارع لم يمض هذه المعاملة (و ليس) التحريم (كالاكتساب بالخمر و الخنزير) الذي هو حرام تكليفا بالإضافة الى فساده وضعا.

(و الدليل على الفساد في هذا القسم) امور:

الاول- انه اكل للمال بالباطل.

الثاني- انه ليس بمال، فلا يشمله تعريف المصباح من ان البيع مبادلة مال بمال.

الثالث- انه سفهي، و المعاملات السفهية غير جائزة.

الرابع- خبر تحف العقول «و كل شي ء فيه الصلاح من جهة من

ص: 328

على ما صرح به في الايضاح:- كون اكل المال بإزائه أكلا بالباطل.

و فيه تأمل، لان منافع كثير من الاشياء التي ذكروها في المقام يقابل عرفا- بمال، و لو قليلا، بحيث لا يكون بذل مقدار قليل من المال بإزائه سفها.

فالعمدة: ما يستفاد من الفتاوى و النصوص، من عدم اعتناء الشارع بالمنافع النادرة، و كونها في نظره كالمعدومة.

______________________________

الجهات» و المراد الجهة الشائعة، و الا لم يخل شي ء من نفع ما.

و الى هذه الامور اشار المصنف- رحمه اللّه- بقوله: الدليل عليه (على ما صرح به في الايضاح: كون اكل المال بإزائه) اي بإزاء ما لا منفعة فيه معتدا بها (اكلا بالباطل) فيشمله قوله تعالى «وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ».

(و فيه تأمل، لان منافع كثير من الاشياء التي ذكروها في المقام) مثالا لما لا منفعة فيه (يقابل- عرفا- بمال. و لو قليلا، بحيث لا يكون بذل مقدار قليل من المال بإزائه سفها) حتى يشمله ما دل على تحريم اكل المال بالباطل.

ان قلت: فليكن ما ذكروه من الامثلة غير صحيحة!

قلت: انهم ارادوا بالكلية ما هذه الامثلة مصاديقها، فالكلية غير تامة.

و اذا لم يصح هذا الدليل (فالعمدة) في دليل بطلان هذه المعاملة (ما يستفاد من الفتاوى و النصوص، من عدم اعتناء الشارع بالمنافع النادرة و كونها) اي المنافع النادرة (في نظره كالمعدومة) التي لا تقابل بالمال.

ص: 329

قال في المبسوط: «ان الحيوان الطاهر على ضربين: ضرب ينتفع به، و الآخر لا ينتفع به- الى ان قال-: و ان كان مما لا ينتفع به فلا يجوز بيعه، بلا خلاف، مثل الاسد و الذئب و سائر الحشرات مثل الحيات و العقارب و الفأر و الخنافس و الجعلان و الحداء و الرحمة و النسر و بغاث الطير و كذلك الغربان» انتهى.

______________________________

اما النص فكما في رواية تحف العقول من النهي عن بيع جلود السباع المحمول على الجلود التي لا ينتفع بها، اذ لا اشكال في الجلود التي هي محل المنفعة كما في النصوص و الفتاوى.

و اما الفتاوى فقد (قال في المبسوط: «ان الحيوان الطاهر على ضربين: ضرب ينتفع به، و الآخر لا ينتفع به- الى ان قال-: و ان كان مما لا ينتفع به فلا يجوز بيعه، بلا خلاف. مثل الاسد و الذئب و سائر الحشرات) التي تتخذ جحور الارض مأوى لها (مثل الحيات و العقارب و الفأر و الخنافس و الجعلان و) كذلك (الحداء) و هو قسم من الطير (و الرخمة و النسر) و هما قسمان من الطير (و بغاث الطير) اي صغارها التي لا ينتفع بها (كذلك الغربان») جمع غراب (انتهى).

اقول: حيث عرفت ان الميزان عدم الانتفاع، لا ان هناك دليلا خاصا، فالظاهر الجواز في كثير من المذكورات في الوقت الحاضر، لاعتياد الانتفاع بها منافع محللة مقصودة لحديقة الحيوانات، و للادوية المتعارفة التي يتخذ منها للاحتياج إليها حال الضرورة. و ما ورد من «انه لا شفاء في الحرام» انما يراد به الاستشفاء مع عدم الضرورة، او امكان دواء غيره،

ص: 330

و ظاهر الغنية: الاجماع على ذلك أيضا.

و يشعر به عبارة التذكرة، حيث استدل على ذلك بخسة تلك الاشياء و عدم نظر الشارع الى مثلها في التقويم، و لا يثبت يد لاحد عليها.

قال: «و لا اعتبار بما ورد في الخواص من منافعها، لأنها لا تعد مع ذلك مالا، و كذلك عند الشافعي» انتهى.

______________________________

و الا فالنص و الفتوى متطابقان على الجواز، كما في كتاب الاطعمة و الاشربة.

(و ظاهر الغنية: الاجماع على ذلك) الذي ذكره المبسوط (أيضا).

(و يشعر به) اي بالاجماع (عبارة التذكرة، حيث استدل على ذلك) اي عدم الجواز (بخسة تلك الاشياء) المذكورة مثالا لعدم الانتفاع بها (و عدم نظر الشارع الى مثلها في التقويم) اي جعل القيمة لها (و لا يثبت يد لاحد عليها) كي اذا اثبت احد يده عليها كانت له فيشمله قوله عليه السلام «على اليد ما اخذت»، و انما نكشف عدم نظر الشارع الى مثلها من قوله تعالى «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ»* و موضوع المال عرفي، فاذا لم ير العرف شيئا مالا، لم تشمله الآية، مما يدل على ان الشارع لم ينظر إليه نظر القيمة، و الا لم يخصص النهي ب «اموالكم».

(قال) التذكرة: ( «و لا اعتبار بما ورد في الخواص) اي خواص الاشياء المذكورة في الطب (من منافعها لأنها) اي هذه الاشياء (لا تعد مع ذلك) الذي ورد في الخواص من منافعها (مالا، و كذلك) الحكم (عند الشافعي) انتهى» كلام العلامة.

ص: 331

و ظاهره اتفاقنا عليه. و ما ذكره من عدم جواز بيع ما لا يعد مالا، مما لا اشكال فيه، و انما الكلام فيما عدوه من هذا.

قال في محكي إيضاح النافع- و نعم ما قال- «جرت عادة الاصحاب بعنوان هذا الباب و ذكر اشياء معينة على سبيل المثال، فان كان ذلك لان عدم النفع مفروض فيها فلا نزاع، و ان كان لان ما مثل به لا يصح بيعه لانه محكوم بعدم الانتفاع، فالمنع متوجه

______________________________

(و ظاهره) حيث اردف الشافعي (اتفاقنا) نحن معاشر الشيعة (عليه. و) كيف كان ف (ما ذكره) العلامة (من عدم جواز بيع ما لا يعد مالا مما لا اشكال فيه) لما عرفت من انه اذا لم يكن مالا لا يقابل بالمال، و لا يشمله دليل «لا تاكلوا اموالكم» و ما اشبه. (و انما الكلام فيما عدوه من هذا) الباب من الامثلة المتقدمة، اذ قد عرفت كون بعضها مالا عرفا.

(قال في محكي إيضاح النافع- و نعم ما قال- «جرت عادة الاصحاب بعنوان هذا الباب) بما لا مالية له (و ذكر اشياء معينة على سبيل المثال) كالامثلة التي عرفتها في كلام المبسوط (فان كان ذلك) اي ذكر تلك الامثلة (لان عدم النفع مفروض فيها) اي انهم يريدون ان يقولوا «على فرض عدم النفع في هذه الامثلة لا يصح بيعها» (فلا نزاع) اذ الفرض ممكن حتى فيما له مالية قطعية (و ان كان) ذكر تلك الامثلة (لان ما مثل به لا يصح بيعه لانه محكوم بعدم الانتفاع) و يريدون بيان انه لا نفع في هذه الاشياء- حقيقة- (فالمنع) من عدم النفع بما مثلوا (متوجه

ص: 332

في اشياء كثيرة» انتهى.

و بالجملة- فكون الحيوان من المسوخ او السباع او الحشرات لا دليل على كونه كالنجاسة مانعا، فالمتعين فيما اشتمل منها على منفعة مقصودة للعقلاء جواز البيع.

فكلما جازت الوصية به لكونه مقصودا بالانتفاع للعقلاء، فينبغي جواز بيعه، الا ما دل الدليل على المنع فيه تعبدا.

______________________________

في اشياء كثيرة») من امثلتهم (انتهى) كلام الايضاح.

(و بالجملة فكون الحيوان من المسوخ) كالقرد (او السباع) كالاسد (او الحشرات) كالجعل (لا دليل على كونه كالنجاسة مانعا) من البيع (فالمتعين فيما اشتمل منها) اي من هذه الحيوانات (على منفعة مقصودة للعقلاء) بحيث يكون ما لا عرفا (جواز البيع) سواء كان ذلك في جميع الازمنة و الامكنة او بعضها، مثلا اذا كانت الحية ذات نفع في بلاد الغرب لاستعمالهم لها في الدواء، و غير ذات نفع في الشرق لعدم استعمالهم، جاز بيعها هناك، لان لها منفعة محللة مقصودة هناك، و هكذا اذا كان للشي ء نفع في زمان دون زمان.

و الظاهر التلازم بين جواز الوصية و جواز البيع (فكلما جازت الوصية به لكونه مقصودا بالانتفاع للعقلاء) اذ لا تصح الوصية بما لا منفعة له اطلاقا (فينبغي جواز بيعه الا ما دل الدليل على المنع فيه تعبدا) و عليه فالاصل الجواز الا ما خرج، لا المنع الا ما خرج.

ص: 333

و قد صرح في التذكرة بجواز الوصية بمثل الفيل و الاسد و غيرهما من المسوخ و المؤذيات، و ان منعنا من بيعها.

و ظاهر هذا الكلام: ان المنع من بيعها على القول به للتعبد، لا لعدم المالية.

«ثم» ان ما تقدم منه- قدس سره- من انه لا اعتبار بما ورد في الخواص من منافعها، لانها لا تعد ما لا مع ذلك، يشكل بأنه اذا اطلع العرف على خاصية في احدى الحشرات معلومة بالتجربة او غيرها

______________________________

(و قد صرح في التذكرة بجواز الوصية ب) اعطاء (مثل الفيل و الاسد و غيرهما من المسوخ و المؤذيات، و ان منعنا من بيعها).

(و ظاهر هذا الكلام) من التذكرة (ان المنع من بيعها على القول به) اي بالمنع (للتعبد، لا لعدم المالية) اذ لو كان لعدم المالية لم تصح الوصية بها أيضا، و قد فرض- رحمه اللّه- صحة الوصية بها، و عليه فكلام التذكرة مؤيد لما ذكرناه من أصالة جواز البيع الا ما خرج، و التلازم بين الوصية و البيع.

( «ثم» ان ما تقدم منه) اي من العلامة (قدس سره من انه لا اعتبار بما ورد في الخواص من منافعها، لأنها لا تعد ما لا مع ذلك) اي مع وجود ما ورد من الخواص لها (يشكل ب) أن عدم كونه ما لا إنما هو لعدم اطلاع العرف، فاذا اطلع العرف كان مالا، كسائر الادوية، فلما ذا اطلق عدم جواز البيع ف (أنه اذا اطلع العرف على خاصية في احدى الحشرات معلومة بالتجربة او غيرها) كالموازين التي يعرف بها خواص الاشياء، كاللون، و الرائحة، و ما اشبه، من الموازين المذكورة في الكتب الطبية

ص: 334

فاي فرق بينها و بين نبات من الادوية علم فيه تلك الخاصية.

فعدم جواز بيعها و اخذ المال في مقابله بملاحظة تلك الخاصية يحتاج الى دليل، لانه حينئذ ليس اكلا للمال بالباطل.

و يؤيد ذلك ما تقدم في رواية التحف من «ان كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك حلال بيعه الخ».

و قد اجاد في الدروس حيث قال: «ما لا نفع فيه مقصود للعقلاء كالحشار

______________________________

(فاي فرق) في المالية و جواز التعامل (بينها) اي بين احدى الحشرات (و بين نبات من الادوية علم فيه تلك الخاصية) حتى تقولوا بجواز بيع ذلك الدواء، دون هذه الحشرة.

و على هذا (فعدم جواز بيعها) اي تلك الحشرة (و) عدم جواز (اخذ المال في مقابله) اخذا (بملاحظة تلك الخاصية يحتاج الى دليل) فاذا كان هناك دليل خاص على عدم الجواز نقول به و الا قلنا بجواز بيعه (لانه حينئذ) اي حين وجود الخاصية المذكورة (ليس اكلا للمال بالباطل).

(و يؤيد ذلك) الذي ذكرنا من الجواز حينئذ (ما تقدم في رواية التحف من «ان كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك حلال بيعه الخ») بل مطلقات «البيع» و «الحل» شاملة له اذ حاله حينئذ حال سائر الاشياء.

(و قد اجاد في الدروس حيث قال) في ميزان ما لا يجوز بيعه:

( «ما لا نفع فيه مقصود للعقلاء) «مقصود» صفة «نفع» (كالحشار)

ص: 335

و فضلات الانسان».

و عن التنقيح: «ما لا نفع فيه بوجه من الوجوه كالخنافس و الديدان».

و مما ذكرنا يظهر النظر فيما ذكره في التذكرة: من الاشكال في جواز بيع العلق الذي ينتفع به لامتصاص الدم، و ديدان القز التي يصاد بها السمك ثم استقرب المنع، قال: لندور الانتفاع، فيشبه ما لا منفعة فيه، اذ كل شي ء فله نفع ما. انتهى.

______________________________

جمع حشرة، و قد ذكروا ان هذا الجمع لم يثبت في اللغة، و انما الجمع حشرات (و فضلات الانسان»).

(و عن التنقيح) في ميزان ما لا يجوز بيعه قال: ( «ما لا نفع فيه بوجه من الوجوه كالخنافس و الديدان») و يفهم منهما جواز بيع ما فيه نفع مقصود للعقلاء.

(و مما ذكرنا) من انه اذا كان هناك نفع مقصود للعقلاء جاز البيع (يظهر النظر فيما ذكره في التذكرة من الاشكال في جواز بيع العلق الذي ينتفع به لامتصاص الدم، و ديدان القز) بعد موتها، اما قبل الموت فلا اشكال في انها مال لاخراجها القز (التي يصاد بها السمك) فان السمك يتطلبها كأنها تجد فيها لذة (ثم استقرب) العلامة (المنع) اي قال:

الاقرب المنع من بيع العلق و دود القز (قال) في وجه المنع: (لندور الانتفاع فيشبه ما لا منفعة فيه اذ) لو لوحظ النفع النادر كان اللازم جواز بيع كل شي ء (اذ كل شي ء فله نفع ما انتهى) كلام العلامة.

ص: 336

اقول: لا مانع من التزام جواز بيع كل ماله نفع ما. و لو فرض الشك في صدق المال على مثل هذه الاشياء، المستلزم للشك في صدق البيع، امكن الحكم بصحة المعاوضة عليها، لعمومات التجارة، و الصلح، و العقود. و الهبة المعوضة و غيرها. و عدم المانع، لانه ليس الا اكل المال بالباطل، و المفروض عدم تحققه هنا.

فالعمدة في المسألة: الاجماع على عدم الاعتناء بالمنافع النادرة.

______________________________

(اقول: لا مانع من التزام جواز بيع كل ماله نفع ما) لعموم ادلة البيع (و لو فرض الشك في صدق المال على مثل هذه الاشياء) النادر نفعها (المستلزم للشك في صدق البيع) إذ البيع لا يصدق الا بعد المالية (امكن الحكم بصحة المعاوضة عليها، لعمومات التجارة، و الصلح، و العقود) في قوله سبحانه «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (و الهبة المعوضة و غيرها) لان هذه المعاوضات لا تحتاج الى صدق المال، و ليست كالبيع مما نص على لزوم المالية في طرفيه، كما قال في المصباح: انه مبادلة مال بمال. (و عدم المانع) عطف على قوله «لعمومات» اي المقتضي لسائر المعاوضات موجود و المانع مفقود (لانه) اي المانع (ليس الا اكل المال بالباطل، و المفروض عدم تحققه هنا) لوجود منفعة نادرة، مما يسبب ان لا يسمى اكلا للمال بالباطل.

(فالعمدة في المسألة) و انه لا يجوز بيع ماله منافع نادرة (الاجماع على عدم الاعتناء) في مورد البيع (بالمنافع النادرة). لكن يرد عليه ان الاجماع محتمل الاستناد، و مثله ليس بحجة و ان قلنا بحجية الاجماع الحدسي.

ص: 337

و هو الظاهر من التأمل في الأخبار أيضا، مثل ما دل على تحريم بيع ما يحرم منفعته الغالبة مع اشتماله على منفعة نادرة محللة، مثل قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم «لعن اللّه اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها و اكلوا ثمنها» بناء على ان للشحوم منفعة نادرة محللة على اليهود. لان ظاهر تحريمها عليهم تحريم اكلها او سائر

______________________________

(و هو) اي عدم الاعتناء بالمنافع النادرة في المالية، و جواز البيع هو (الظاهر من التأمل في الاخبار أيضا، مثل ما دل على تحريم بيع ما يحرم منفعته الغالبة مع) وضوح (اشتماله) اي اشتمال ذلك المحرم البيع (على منفعة نادرة محللة، مثل قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم «لعن اللّه اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها و اكلوا ثمنها»).

الا ان يقال: ان الظاهر كون بيعهم و اكل ثمنها بقصد المنفعة المتعارفة المحرمة. و في المقام أيضا كذلك، فانه اذا بيع ما له منفعة محللة نادرة بقصد تلك المنفعة حرم البيع، و الا كان حلالا.

«ثم» ان الاستدلال بهذا الخبر لما نحن فيه (بناء على ان للشحوم منفعة نادرة محللة على اليهود) اذ لو لا المنفعة النادرة المحللة عليهم، كصنعها صابونا، لم يكن وجه للاستدلال بهذا الخبر لمقامنا، الذي فرض فيه منفعة نادرة محللة.

و انما نقول: ان تحريم الشحوم على اليهود لم يكن تحريم جميع منافعها ليكون دليلا لنا- (لان ظاهر تحريمها عليهم تحريم اكلها او سائر

ص: 338

منافعها المتعارفة.

فلولا ان النادر في نظر الشارع كالمعدوم لم يكن وجه للمنع، كما لم يمنع الشارع عن بيع ما له منفعة محللة مساوية للمحرمة في التعارف و الاعتداد الا ان يقال: المنع فيها تعبد للنجاسة، لا من حيث عدم المنفعة المتعارفة، فتأمل!

______________________________

منافعها المتعارفة) فللشحوم منافع نادرة محللة، و مع ذلك استحقوا اللعن باكل ثمنها و بيعها، فيدل على ان كل شي ء حرم منافعها الغالبة لم يجز بيعه و اكل ثمنه.

(فلولا ان النادر في نظر الشارع كالمعدوم) فلا يقابل بالمال (لم يكن وجه للمنع) من الشارع لبيع الشحوم على اليهود (كما لم يمنع الشارع عن بيع ماله منفعة محللة مساوية للمحرمة) اي للمنفعة المحرمة (في التعارف و الاعتداد) اي كان التساوي بين المنفعتين في العرف و العادة.

(الا ان يقال: المنع فيها) اي في الشحوم (تعبد للنجاسة، لا من حيث عدم المنفعة المتعارفة) فالشارع انما حرم عليهم بيع الشحوم لانها نجسة، و النجس لا يجوز بيعه بالدليل الخاص، فلا يمكن ان يستدل بهذا الحديث لما نحن فيه، الذي هو عدم جواز البيع لعدم المنفعة (فتأمل) حيث ان الظاهر من الحديث كون المنع عن بيع الشحوم لحرمة الاكل، لا للنجاسة، فانه خلاف ظاهر قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم «حرمت عليهم الشحوم».

ص: 339

و اوضح من ذلك قوله عليه السلام- في رواية تحف العقول، في ضابط ما يكتسب به-: «و كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك كله حلال بيعه و شراؤه» اذ لا يراد منه مجرد المنفعة، و الا لعم الاشياء كلها.

و قوله- عليه السلام في آخره-: «انما حرم اللّه الصناعة التي يجي ء منها الفساد محضا، نظير كذا و كذا» الى آخر ما ذكر.

فان كثيرا من الامثلة المذكورة هناك لها منافع محللة، فان الاشربة المحرمة

______________________________

(و اوضح من ذلك) الاستدلال بحديث «لعن اللّه» لعدم ايجاب المنافع النادرة المحللة صحة البيع (قوله عليه السلام- في رواية تحف العقول في ضابط ما يكتسب به- «و كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك كله حلال بيعه و شراؤه») حيث ان الظاهر من قوله «جهة من الجهات» الجهات المتعارفة (اذ لا يراد منه مجرد المنفعة، و الا لعم الاشياء كلها) اذ كل الاشياء لها منفعة محللة نادرة.

(و) كذا يستدل ب (قوله- عليه السلام- في آخره-: «انما حرم اللّه الصناعة التي يجي ء منها الفساد محضا، نظير كذا و كذا- الى آخر ما ذكرنا، فان) المراد كون المنافع المتعارفة يجي ء منها الفساد محضا، لا انه ليس فيه و لو منفعة محللة نادرة.

و يشهد لهذا ان (كثيرا من الامثلة المذكورة هناك) في رواية تحف العقول (لها منافع محللة) نادرة (فان الاشربة المحرمة) كالخمر و نحوها

ص: 340

كثيرا ما ينتفع بها في معالجة الدواب، بل المرضى. فجعلها مما يجي ء منه الفساد محضا، باعتبار عدم الاعتناء بهذه المصالح، لندرتها.

الا ان الاشكال في تعيين المنفعة النادرة و تميزها عن غيرها. فالواجب الرجوع- في مقام الشك- الى ادلة التجارة و نحوها مما ذكرنا.

و منه يظهر: ان الأقوى جواز بيع السباع، بناء على وقوع التذكية عليها.

______________________________

(كثيرا ما ينتفع بها في معالجة الدواب بل المرضى) و ذلك جائز بالنص و الفتوى (فجعلها) في الحديث (مما يجي ء منه الفساد محضا) انما هو (باعتبار عدم الاعتناء بهذه المصالح لندرتها) فالحديث يدل على حرمة البيع فيما منافعه المتعارفة محرمة، و ان كانت لها منافع محللة نادرة.

(الا ان الاشكال في تعيين المنفعة النادرة و تميزها عن غيرها) بعد تنقيح ان المنفعة النادرة لا توجب مالية تبيح البيع (فالواجب الرجوع- في مقام الشك-) في ان المنفعة الموجودة نادرة أم لا (الى ادلة التجارة و نحوها مما ذكرنا) كادلة الهبة و الصلح و ما اشبه لادلة البيع، لان البيع يتوقف على كون الشي ء مالا- حتى يصدق مبادلة مال بمال- فاذا شك في المالية لا يكون دليل البيع مرجعا فانه من الرجوع الى العام في الشبهات المصداقية، و بعبارة اخرى اثبات الموضوع بالحكم.

(و منه) اي مما ذكرنا من صحة بيع ماله مالية عرفية (يظهر ان الاقوى جواز بيع السباع) خلافا لمن ذكر انه لا يجوز بيع السباع (بناء على وقوع التذكية عليها) كما هو المشهور بل عن السرائر دعوى الاجماع عليه.

ص: 341

للانتفاع المبين بجلودها، و قد نص في الرواية على بعضها.

______________________________

و انما بنينا جواز البيع على وقوع التذكية (للانتفاع المبين) الواضح (بجلودها) بخلاف ما لو قلنا بعدم وقوع التذكية فان الجلد حينئذ نجس و حرام استعماله.

(و قد نص في الرواية على بعضها) كالسمور و النمر و الثعالب، بل في بعضها الاطلاق.

قال الراوي: «اني رجل سراج ابيع جلود النمر. فقال عليه السلام مدبوغة هي؟ قال: نعم. قال عليه السلام: ليس به بأس» فان تجويز البيع و نحوه دال على قبول التذكية. و الدبغ كناية عن التذكية.

و موثقة سماعة: «سألته عن لحوم السباع و جلودها؟ فقال عليه السلام اما لحوم السباع و السباع من الطير- فانا نكرهه، و اما الجلود فاركبوا عليها و لا تلبسوا شيئا منها تصلون فيه».

و موثقته الاخرى: «سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال (ع) اذا رميت و سميت فانتفع بجلده».

و في الصحيح «عن الفهود و سباع الطير هل يلتمس منها التجارة؟

قال عليه السلام: نعم».

و في المروي عن قرب الاسناد «عن جلود السباع و بيعها و ركوبها أ يصلح ذلك؟ قال عليه السلام: لا بأس ما لم يسجد عليه».

ص: 342

و كذا شحومها و عظامها.

و اما لحومها فالمصرح به في التذكرة: عدم الجواز، معللا بندور المنفعة المحللة المقصودة منه، كالطعام الكلاب المحترمة و جوارح الطير.

و يظهر أيضا: جواز بيع الهرة، و هو المنصوص في غير واحد من الروايات. و نسبه في موضوع من التذكرة الى علمائنا. بخلاف القرد، لان المصلحة المقصودة منه- و هو حفظ المتاع- نادر.

______________________________

(و كذا شحومها) تطلية و تصبينا و ما اشبه (و عظامها) استعمالا في المشط و المكحلة و غيرهما.

(و اما لحومها) بعد التذكية (فالمصرح به في التذكرة: عدم الجواز معللا بندور المنفعة المحللة المقصودة منه، كاطعام الكلاب المحترمة) كالصيد و الحائط و الماشية و نحوها (و جوارح الطير) التي ينتفع بها. بل مطلق الطيور كالبلابل و مطلق الدواجن كالدجاج و غيرهما.

لكن لا يخفى ان المنفعة لو كانت متعارفة لا بأس لو صدق انه مال فيشمله دليل البيع.

(و) مما ذكرنا من جواز بيع ماله مالية عرفية (يظهر أيضا جواز بيع الهرة، و هو المنصوص في غير واحد من الروايات) كقوله عليه السلام في الصحيح «لا بأس ببيع الهرة» (و نسبه في موضع من التذكرة الى علمائنا) فانها مال عرفا و ينتفع بها في صيد الفار و ما اشبه (بخلاف القرد، لان المصلحة المقصودة منه- و هو حفظ المتاع- نادر) و بالمنع رواية ضعيفة، الا ان مقتضى القاعدة جواز البيع، خصوصا و للقرد فوائد

ص: 343

«ثم» اعلم ان عدم المنفعة المعتد بها يستند تارة الى خسة الشي ء كما ذكر من الامثلة في عبارة المبسوط- و اخرى الى قلته، كجزء يسير من المال لا يبذل في مقابله مال، كحبة حنطة.

و الفرق: ان الاول لا يملك و لا يدخل تحت اليد- كما عرفت من التذكرة- بخلاف الثاني فانه يملك، و لو غصبه غاصب كان عليه مثله ان كان مثليا. خلافا للتذكرة فلم يوجب شيئا كغير المثلي.

______________________________

كثيرة، كما يعلم ذلك اهل الخبرة، و الرواية مع ضعفها منزلة على صورة عدم الانتفاع، او الاشتراء للهو و ما اشبه مما لا يعد ما لا شرعا.

( «ثم» اعلم ان عدم المنفعة المعتد بها) الموجب لعدم جواز البيع (يستند تارة الى خسة الشي ء- كما ذكره من الامثلة في عبارة المبسوط-) المتقدمة و «من» بيان «ما» في «كما» (و) تارة (اخرى) يستند (الى قلته، كجزء يسير من المال) بحيث (لا يبذل في مقابله مال، كحبة حنطة) فانها ليست بمنزلة الخنافس، و انما اسقط ماليتها قلتها.

(و الفرق ان الاول) اي الشي ء الخسيس (لا يملك و لا يدخل تحت اليد) فلا يصدق عليه «على اليد ما اخذت» (- كما عرفت من التذكرة بخلاف الثاني) كحبة الحنطة (فانه يملك، و لو غصبه غاصب كان عليه مثله ان كان مثليا) بخلاف ما لو كان قيميا فانه لا قيمة على الغاصب اذ المفروض انه لا قيمة له (خلافا للتذكرة فلم يوجب) بغصب مثل حبا الحنطة (شيئا كغير المثلي) الذي لا يوجب غصبه شيئا- كما عرفت-.

ص: 344

و ضعفه بعض، بان اللازم حينئذ عدم الغرامة فيما لو غصب صبرة تدريجا.

و يمكن ان يلتزم فيه بما يلتزم في غير المثلي، فافهم.

______________________________

(و ضعفه) اي كلام العلامة (بعض بان اللازم حينئذ) اي حين عدم الضمان في مثل الحنطة (عدم الغرامة فيما لو غصب صبرة تدريجا) الصبرة: ما جمع من الحنطة و الشعير و ما اشبه، و المراد الغصب مع الاتلاف تدريجا، و الا فلو اجتمعت عنده كان مالا للمالك.

(و يمكن ان) يجاب عن قبل العلامة بانه (يلتزم فيه) اي في المثلي (بما يلتزم في غير المثلي) اي القيمي الذي تقدم انه لا يوجب الضمان، إذ الضمان بمثله خلاف فرض انه ليس بمثلي، و الضمان بقيمته خلاف فرض انه ليس بمال يقابل بالمال (فافهم) لامكان الفرق بين حبة من الحنطة، و بين صبرة تدريجا، فيحكم بالضمان اذا صارت الحبات بمقدار يكون لها قيمة كما في القيمي.

هذا و لا يخفي ان الظاهر: الضمان في كلا المثلي و القيمي. لقاعدة «على اليد ما اخذت» و لفظة «ما» اعم من المال. و لا يضر عدم القيمة للجزء الصغير من القيمي، اذ العوض لا بدّ ان يكون بقدر المعوض و صالحا للعوضية، لا ان يسمى ما لا عرفا.

هذا مضافا الى ان القيمي يعوض بشي ء آخر اذا فقدت القيمة لصغره، او لانه لم يمكن القيمة، كما لو اتلف شاة زيد في صحراء لا قيمة عند المتلف، و انما عنده شاة شبيهة بها، و لا يريدون الذهاب الى مكان توجد فيه القيمة و النقود- كما اخترنا ذلك في مبحث المثلي و القيمي-.

ص: 345

«ثم» ان منع حق الاختصاص في القسم الاول مشكل، مع عموم قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: «من سبق الى ما لم يسبق إليه احد من المسلمين فهو احق به» مع عد اخذه- قهرا- ظلما عرفا.

______________________________

( «ثم» ان منع حق الاختصاص في القسم الاول) الذي ذكره صاحب التذكرة بانه لا يد لاحد عليها (مشكل) بل اللازم ان نقول بوجود حق الاختصاص (مع عموم قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم «من سبق الى ما لم يسبق إليه احد من المسلمين فهو احق به») كما عن المهذب لابن فهد روايته، فالحق ثابت و يتفرع على الحق الضمان (مع عد اخذه قهرا، ظلما عرفا) فيندرج في موضوع الغصب. و عليه فلا فرق بين غصب احد حب حنطة غيره او خنافسه التي وضع يدا عليها و يريدها، و ان لم تكن الخنافس ما لا اذ اليد و الغصب لا يدوران مدار المال.

*** الى هنا ينتهي الجزء الاول من شرحنا على المكاسب المحرمة لشيخ العلماء العلامة الانصاري- قدس سره- و قد انتهينا بذلك عن ثلاثة انواع مما كان يحرم التكسب به. و سنبدأ بحول اللّه و قوته في الجزء التالي بالنوع الرابع، و هو ما كان عملا محرما في نفسه. و نستمد التوفيق منه تعالى و هو المستعان.

كربلاء المقدسة محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي

ص: 346

(دليل الكتاب)

اشارة

الصفحة الموضوع 5 حديث تحف العقول في أنواع المكاسب

25 حديث فقه الرضا في انواع المكاسب

26 حديث دعائم الاسلام في انواع المكاسب

27 حديث نبوي كقاعدة كلية

28 تقسيم المكاسب الثلاثي و اشكال المصنف عليه

29 معنى حرمة الاكتساب

30 و الاكتساب المحرم على انواع:

النوع الاول

30 الاكتساب بالأعيان النجسة.

31 و فيه مسائل ثمان:

31 (المسألة الأولى)- تحرم المعاوضة على بول غير مأكول اللحم، بلا خلاف ظاهر.

32 فرعان: الاول- في الابوال الطاهرة ما عدا بول الابل

ص: 347

42 الثاني- في بول الابل

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 1، ص: 348

45 (المسألة الثانية)- يحرم بيع العذرة النجسة على المشهور

51 «فرع»- الاقوى جواز بيع الأرواث الطاهرة

53 (المسألة الثالثة)- تحرم المعاوضة على الدم النجس بلا خلاف

54 «فرع»- اما الدم الطاهر ففيه وجهان: اقواهما: الجواز

56 (المسألة الرابعة)- لا اشكال في حرمة بيع المني

59 (المسألة الخامسة)- تحرم المعاوضة على الميتة و أجزاؤها التي تحلها الحياة من ذي النفس السائلة، على المعروف من مذهب الاصحاب

70 «فرعان»: الاول- كما لا يجوز بيع الميتة منفردة كذلك لا يجوز بيعها منضمة الى المذكى.

79 الثاني- تجوز المعاوضة على ميتة غير ذي النفس السائلة

80 (المسألة السادسة)- يحرم التكسب بالكلب الهراش و الخنزير البريين إجماعا.

81 (المسألة السابعة)- يحرم التكسب بالخمر و كل مسكر مائع و الفقاع اجماعا نصا و فتوى.

82 (المسألة الثامنة)- تحرم المعاوضة على الاعيان المتنجسة غير القابلة للطهارة.

85 و يستثنى من الاعيان النجسة المحرم بيعها اشياء أربعة تذكر طي مسائل اربع:

ص: 348

85 المسألة الاولى- يجوز بيع المملوك الكافر.

93 المسألة الثانية- تجوز المعاوضة على غير كلب الهراش في الجملة، و هو على اقسام:

94 القسم الاول: كلب الصيد السلوقي- و هو المتيقن من الاخبار و معاقد الاجماعات الدالة على الجواز.

94 القسم الثاني: كلب الصيد غير السلوقي. و بيعه جائز على المعروف بين الاصحاب.

99 القسم الثالث: كلب الماشية و الحائط و الزرع، و الاشهر هو المنع لكن المشهور عن الشيخ و من تأخر عنه الجواز

*** 111 المسألة الثالثة- الاقوى جواز المعاوضة على العصير العني اذا غلى و لم يذهب ثلثاه.

120 المسألة الرابعة- تجوز المعاوضة على الدهن المتنجس

126 لكن يقع الاشكال في مواضع:

127 الموضع الاول: هل صحة هذا البيع مشروطة باشتراط الاستصباح به؟

139 الموضع الثاني: هل يحب اعلام المشتري؟

157 الموضع الثالث: هل يجب كون الاستصباح تحت السماء؟

162 الموضع الرابع: هل يجوز الانتفاع بهذا الدهن في غير الاستصباح؟

و يتطرق الكلام عن استعمال مطلق المتنجسات.

ص: 349

186 «ثم» على تقدير جواز الانتفاع بالدهن المذكور هل يجوز بيعه لذلك؟

188 و هل يجوز بيع غير الدهن من المتنجسات المنتفع بها؟

200 الكلام في حكم نجس العين: هل الاصل الاولي فيه هي الحلية الا ما خرج بالدليل او العكس؟

201 ظاهر الاكثر: أصالة حرمة الانتفاع بنجس العين و الادلة على ذلك.

204 الخدشة في هذه الادلة

212 صريح الشيخ الكبير: أصالة جواز الانتفاع بنجس العين و تقوية ذلك

222 ثم ان جواز الانتفاع بنجس العين يجعله مالا عرفا، لكنه ممنوع من البيع شرعا

225 و الظاهر جواز المصالحة عليها

***

النوع الثاني

ما يحرم التكسب به لتحريم ما يقصد به، و هو على اقسام:

232 (القسم الاول)- ما لا يقصد من وجوده الخاص الا الحرام و هي امور:

232 أ: هياكل العبادة المبتدعة.

ص: 350

244 ب: آلات القمار.

246 ج: آلات اللهو.

247 د: اواني الذهب و الفضة.

248 ه: الدراهم و الدنانير المغشوشة.

255 (القسم الثاني)- ما يقصد منه المتعاملان المنفعة المحرمة.

256 و هنا ثلاث مسائل:

256 المسألة الاولى- بيع العنب على ان يعمل خمرا. و الخشب على ان يعمل صنما او صليبا و ما اشبه

264 المسألة الثانية- تحرم المعاوضة على الجارية المغنية.

269 المسألة الثالثة- بيع العنب ممن يعمله خمرا، و يتطرق الكلام الى مطلق بيع الشي ء ممن يعلم انه يصرفه في الحرام.

314 (القسم الثالث)- ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا كبيع السلاح من اعداء الدين و ما اشبه

النوع الثالث

328 مما يحرم التكسب به:- الاكتساب بما لا منفعة فيه محللة معتدا بها عند العقلاء كالخنافس و الديدان و الحشرات.

341 جواز بيع جلود السباع.

344 عدم مالية الشي ء اما لخسته او لقلته

346 و لا يبعد ثبوت حق الاختصاص في القسم الأول

ص: 351

قريبا جدا يصدر الجزء الثانى بعونه تبارك و تعالى

ص: 352

المجلد 2

هویة الکتاب

سرشناسه : حسيني شيرازي، محمد، 1380 - 1305، شارح

عنوان و نام پديدآور : ايصال الطالب الي المكاسب: شرح واف بغرض الكتاب، تيعرض لحل مشكلاته و ابداآ مقاصد في ايجاز و توضيح/ محمد الحسيني الشيرازي

مشخصات نشر : تهران : موسسه كتابسراي اعلمي ، 1385.

مشخصات ظاهري : ج 16

شابك : 964-94017-6-8(دوره): ؛ 964-7860-59-5(ج. 1): ؛ 964-7860-58-7(ج. 2): ؛ 964-7860-57-9(ج. 3): ؛ 964-7860-56-0(ج. 4): ؛ 964-7860-54-4(ج. 6): ؛ 964-7860-53-6(ج. 7): ؛ 964-7860-55-2(ج. 8): ؛ 964-7860-52-8(ج. 9): ؛ 964-7860-51-X(ج. 10): ؛ 964-7860-50-1(ج. 11): ؛ 964-7860-49-8(ج. 12): ؛ 964-7860-45-X(ج. 13): ؛ 964-7860-47-1(ج. 15):

يادداشت : عربي

يادداشت : فهرست نويسي براساس اطلاعات فيپا

يادداشت : كتاب حاضر شرحي بر "المكاسب مرتضي بن محمد امين انصاري" است

عنوان ديگر : المكاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1281 - 1214ق. المكاسب -- نقد و تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

شناسه افزوده : انصاري، مرتضي بن محمدامين ، 1281 - 1214ق. المكاسب. شرح

رده بندي كنگره : BP190/1/الف8م702133 1385

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : م 85-16816

ص: 1

اشارة

مقدمة المؤلف

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على محمد و آله الطيبين الطاهرين، و لعنة الله على اعدائهم اجمعين من الآن الى يوم الدين

و بعد .. يقول محمد بن المهدى الحسينى الشيرازى: هذا هو الجزء الثاني من كتابنا (ايصال الطالب) في شرح (المكاسب) للعالم العامل التقى الزاهد آية اللّه الحاج الشيخ المرتضى الانصارى- قدس اللّه سره، و اجزل أجره-.

و يبتدئ بالنوع الرابع من انواع المكاسب المحرمة.

كتبته تبصرة للمبتدئين، و اللّه المسئول ان يوفقنى للاتمام، و يجعله مبينا لمنهج الاسلام، و خالصا لوجهه الكريم، و هو المستعان.

كربلاء المقدسة محمد بن المهدى الحسينى الشيرازى

ص: 2

تتمة المكاسب المحرمة

النوع الرابع ما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه.

اشارة

و هذا النوع و ان كان افراده هى جميع الاعمال المحرمة القابلة لمقابلة المال بها، في الاجارة، و الجعالة، و غيرهما، الا انه جرت عادة الاصحاب بذكر كثير مما من شأنه الاكتساب به من المحرمات، بل و غير ذلك مما لم يتعارف الاكتساب به، كالغيبة، و الكذب، و نحوهما.

______________________________

(النوع الرابع) من انواع المكاسب المحرمة: (ما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه).

(و هذا النوع و ان كان افراده هى جميع الاعمال المحرمة القابلة) عرفا (لمقابلة المال بها، في الاجارة، و الجعالة، و غيرهما، الا انه جرت عادة الاصحاب بذكر كثير مما من شأنه الاكتساب به من المحرمات، بل و) ذكر (غير ذلك مما لم يتعارف الاكتساب به، كالغيبة، و الكذب، و نحوهما).

و حيث ان الفقهاء- رضوان الله عليهم- لم يجد و امكانا مناسبا لذكر المحرمات ادرجوا جملة منها في العدالة، في باب صلاة الجماعة.

و جملة منها هنا في المكاسب المحرمة. و جملة في القضاء. و فرقوا جملا اخرى في الابواب المناسبة كباب الصوم، و الحج، و الحدود، و الديات، و القصاص، و ما اشبه.

و الانصاف ان الجدير ان يجمع كل المحرمات في كتاب مستقل، مفصلا دليلها و خصوصياتها، و قد ذكر المجلسى- رحمه الله- جملة

ص: 3

و كيف كان فنقتفى آثارهم بذكر اكثرها في مسائل مرتبة بترتيب حروف اوائل عنواناتها ان شاء الله تعالى. فنقول:

المسألة الأولى: تدليس الماشطة المرأة التى يراد تزويجها، او الامة التى يراد بيعها، حرام بلا خلاف-

كما عن الرياض- و عن مجمع الفائدة الاجماع عليه.

______________________________

منها في آخر كتابه «عين الحياة»، و ذكر الوالد جملة كبيرة منها في آخر رسالته العملية «بداية الاحكام».

لكن الامر بحاجة الى استدلال و تفصيل.

(و كيف كان) الامر، سواء كان ذكر المحرمات هنا حسنا أم لا (ف) نحن (نقتفى آثارهم بذكر اكثرها في مسائل مرتبة بترتيب حروف اوائل عنواناتها ان شاء الله تعالى) من غير مراعاة لمادة الكلمة، و انما اللفظ فنقدم «التدليس» على «حفظ كتب الضلال» مثلا، لكن نراعى الحرف الثاني في الترتيب أيضا بتقديم «التدليس» على «تزيين الرجل» (فنقول).

(المسألة الاولى: تدليس الماشطة) و هى المرأة المزينة للنساء و اللفظ مشتق من المشط لانها تمشط رأس النساء (المرأة التى يراد تزويجها او الامة التى يراد بيعها حرام) خبر قوله «تدليس» (بلا خلاف) بين الفقهاء (- كما عن الرياض- و عن مجمع الفائدة الاجماع عليه) و الاجماع اقوى من عدم الخلاف، اذ عدم الخلاف يلائم مع سكوت جماعة بعدم تعرضهم للمسألة اصلا، بخلاف الاجماع، فانه لا يكون الا بعد اتفاق الكل

ص: 4

و كذا فعل المرأة ذلك بنفسها و يحصل بوشم الخدود كما في المقنعة و السرائر و النهاية و عن جماعة.

قال في المقنعة: و كسب المواشط حلال اذا لم يغششن و لم يدلسن في عملهن فيصلن شعور النساء بشعور غيرهن من الناس و يشمن الخدود و يستعلمن ما لا يجوز في شريعة الاسلام فان وصلن شعرهن بشعر غير الناس فلا بأس، انتهى.

______________________________

(و كذا فعل المرأة ذلك) التدليس (بنفسها و يحصل بوشم الخدود كما في المقنعة و السرائر و النهاية و عن جماعة) تغريرا للزوج او المولى.

(قال) المفيد (في المقنعة: و كسب المواشط حلال اذا لم يغششن) النساء (و لم يدلسن في عملهن) تغريرا لمن يريد التزويج او الاشتراء (فيصلن شعور النساء بشعور غيرهن من الناس) بوضع الشعر عارية، فيظن من لا اطلاع له ان لها شعرا جميلا طويلا (و يشمن الخدود) او غير الخدود مما يزيد المرأة جمالا، و الوشم عبارة عن غرز الابرة في مكان مكررا ثم جعل النيل و نحوه في ذلك المكان لينفذ في الجسم و يبقى لونه بعد ذلك (و يستعملن ما لا يجوز) استعماله أو لا يجوز هيأته (في شريعة الاسلام) كاستعمال النجاسة في مكان الوشم، كاجزاء الميت، و مثل وشم الصليب في الجسم، و ما اشبه (فان وصلن شعرهن) اى النساء (بشعر غير الناس) كالصوف او شعر التيس او ما اشبه (فلا بأس) و لعل المراد من البأس في وصل شعرهن بشعر غيرهن من الناس، شعر غيرهن من النساء، و يكون البأس لنظر الرجل الاجنبى إليه، و الا فلا يخفى حصول التدليس بالوصل سواء كان بشعر انسان او شعر حيوان (انتهى).

ص: 5

و نحوه بعينه عبارة النهاية.

و قال في السرائر في عداد المحرمات: و عمل المواشط بالتدليس، بان يشمن الخدود، و يحمرنها، و ينقشن بالايدى، و الارجل، و يصلن شعر النساء بشعر غيرهن، و ما جرى مجرى ذلك، انتهى.

و حكى نحوه عن الدروس و حاشية الارشاد.

و في القواعد وشم الخدود من جملة التدليس تأمل لان الوشم في نفسه زينة

و كذا التأمل في التفصيل بين وصل الشعر بشعر الانسان و وصله بشعر غيره، فان ذلك لا مدخل له في التدليس و عدمه.

______________________________

(و نحوه بعينه عبارة النهاية).

(و قال في السرائر في عداد المحرمات: و عمل المواشط بالتدليس بان يشمن الخدود، و يحمرنها، و ينقشن بالايدى، و الارجل، و يصلن شعر النساء بشعر غيرهن، و ما جرى مجرى ذلك) من اقسام التدليس (انتهى).

(و حكى نحوه عن الدروس و حاشية الارشاد).

(و في القواعد وشم الخدود من جملة التدليس تأمل، لان الوشم في نفسه زينة) و ليس كل زينة تدليسا.

(و كذا التأمل في التفصيل بين وصل الشعر بشعر الانسان و وصله بشعر غيره، فان ذلك) اى كون الشعر للانسان او غيره (لا مدخل له في التدليس و عدمه).

ص: 6

الا ان يوجه الاول بانه قد يكون الغرض من الوشم ان يحدث في البدن نقطة خضراء حتى يتراءى بياض سائر البدن و صفاؤه اكثر مما كان يرى لو لا هذه النقطة.

و يوجه الثاني بان شعر غير المرأة لا يلتبس على الشعر الاصلى للمرأة فلا يحصل التدليس به، بخلاف شعر المرأة.

و كيف كان يظهر من بعض الاخبار: المنع عن الوشم و وصل الشعر بشعر الغير. و ظاهرها: المنع و لو في غير مقام

______________________________

(الا ان يوجه الاول) اى كون الوشم تدليسا (بانه قد يكون الغرض من الوشم ان يحدث في البدن نقطة خضراء حتى يتراءى بياض سائر البدن و صفاؤه اكثر مما كان يرى لو لا هذه النقطة) الخضراء، فيكون الوشم سببا لإراءة غير الواقع.

(و يوجه الثاني) اى وجه التفصيل بين شعر الانسان و غيره (بان شعر غير المرأة لا يلتبس على الشعر الاصلى للمرأة) للفرق بين شعر الانسان و شعر غيره في المنظر (فلا يحصل التدليس به، بخلاف شعر المرأة) او الرجل، اذا وصل بشعر المرأة فانه يحصل التدليس، و يظن الرجل الّذي لا خبرة له انه شعر اصلى، و الظاهران التدليس في ذلك انما هو لجواز نظر الّذي يريد التزويج او الاشتراء الى شعر المرأة، و الا فاصل وصل الشعر بعد الزواج و الاشتراء ليس تدليسا فلا يكون حراما.

(و كيف كان) مراد المقنعة و غيره (يظهر من بعض الاخبار: المنع عن الوشم و وصل الشعر بشعر الغير) مطلقا (و ظاهرها: المنع و لو في غير مقام

ص: 7

التدليس.

ففى مرسلة ابن ابى عمير عن رجل عن ابى عبد الله- عليه السلام- «قال- عليه السلام-: دخلت ماشطة على رسول اللّه- صلى الله عليه و آله- فقال لها: هل تركت عملك او اقمت عليه؟ فقالت: يا رسول اللّه، انا اعمله الآن الا ان تنهانى عنه فانتهى عنه فقال صلّى اللّه عليه و آله:

افعلى فاذا مشطت فلا تجلى الوجه بالخرقة فانها تذهب بماء الوجه و لا تصلى شعر المرأة بشعر امرأة غيرها» و اما شعر المعز فلا بأس بان يوصله بشعر المرأة.

______________________________

التدليس) لانها لم تقيد المنع بصورة التدليس.

(ففى مرسلة ابن ابى عمير عن رجل عن ابى عبد الله- عليه السلام- قال- عليه السلام- دخلت ماشطة على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقال لها: هل تركت عملك او اقمت) اى استمررت (عليه؟ فقالت: يا رسول الله، انا اعمله الآن) في الحال الحاضر (الا ان تنهانى عنه فانتهى عنه) فلا اعمله بعد (فقال- صلى اللّه عليه و آله-: افعلى) اى لا بأس ان تستمرى عليه (فإذا مشطت فلا تجلى الوجه بالخرقة) بذلك الوجه بها (فانها تذهب بماء الوجه) و رونقه، اذ دلك الشي ء، بالبدن يوجب كثرة جذب الدم الى الموضع المدلوك فيختلف لونه عن لون سائر الجسد بالإضافة الى حدوث نتو و انخفاض و امتقاع مما يسئ الهيئة و البريق الطبيعى الموجود (و لا تصلى شعر المرأة بشعر امرأة غيرها» و اما شعر المعز فلا بأس بان يوصله بشعر المرأة) قوله «و اما شعر المعز» من زيادة الفقيه و ليس في

ص: 8

و في مرسلة الفقيه: لا بأس بكسب الماشطة ما لم تشارط و قبلت ما تعطى و لا تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها و اما شعر المعز فلا بأس بان يوصله بشعر المرأة.

و عن معانى الاخبار بسنده عن على بن غراب عن جعفر بن محمد عن آبائه (ع) قال لعن رسول الله- صلى الله عليه و آله- النامصة و المنتمصة، و الواشرة، و الموتشرة، و الواصلة، و المستوصلة، و الواشمة، و المستوشمة، قال الصدوق- رحمه الله- قال على بن غراب:

النامصة: التى تنتف الشعر.

______________________________

الكافي. و يحتمل ان يكون توضيحا من الصدوق.

(و في مرسلة الفقيه: لا بأس بكسب الماشطة ما لم تشارط و قبلت ما تعطى) قوله «و قبلت» بيان لقوله «لم تشارط» (و لا تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها و اما شعر المعز فلا بأس بان يوصله بشعر المرأة).

(و عن معانى الاخبار) للصدوق- رحمه الله- (بسنده عن على ابن غراب عن جعفر بن محمد، عن آبائه (ع) قال لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله- النامصة و المنتمصة، و الواشرة، و الموتشرة، و الواصلة، و المستوصلة، و الواشمة و المستوشمة) و بعد هذا الحديث (قال الصدوق- رحمه الله-: قال على بن غراب):

(النامصة: التى تنتف الشعر) لتجميل المرأة بازالة الشعور الزائدة التى في خدها و جبهتها، بل يدها و رجلها، و جميع جسمها.

ص: 9

و المنتمصة: التى يفعل ذلك بها.

و الواشرة: التى تشر اسنان المرأة و تفلجها و تحددها.

و الموتشرة: التى يفعل ذلك بها.

و الواصلة: التى تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها.

و المستوصلة: التى يفعل ذلك بها.

و الواشمة التى تشم و شما في يد المرأة او في شي ء من بدنها، و هى ان تغرز بدنها او ظهر كفها بابرة حتى تؤثر فيه، ثم تحشوها بالكحل او بشي ء من النورة، فتخضر.

______________________________

(و المنتمصة: التى يفعل ذلك بها) لانها تعين على الاثم.

(و الواشرة: التى تشر اسنان المرأة و تفلجها و تحددها) و الوشر عبارة عن تحديد الاسنان و ترقيقها لتظهر جميلة لا كبيرة عريضة.

(و الموتشرة: التى يفعل ذلك بها)

(و الواصلة: التى تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها).

(و المستوصلة: التى يفعل ذلك بها).

(و الواشمة التى تشم و شما في يد المرأة او في شي ء من بدنها) و لعل ذلك لايهام ان الوشم خلقى فيظن الرجل انها شامة اصلية او ما ذكره المصنف فيما تقدم، او لكونه ايذاء لا يجوز حتى مع رضى المرأة بذلك (و هى ان تغرز بدنها او ظهر كفها) او ما اشبه (بابرة حتى تؤثر فيه، ثم تحشوها بالكحل او بشي ء من النورة، فتخضر) او تسود.

ص: 10

و المستوشمة: التى يفعل بها ذلك

و ظاهر بعض الاخبار: كراهة الوصل و لو بشعر غير المرأة.

مثل ما عن عبد الله بن الحسن قال «سألته عن القرامل. قال: و ما القرامل؟ قلت: صوف تجعله النساء في رءوسهن. قال:- عليه السلام- ان كان صوفا فلا بأس، و ان كان شعرا فلا خير فيه من الواصلة و المستوصلة

و ظاهر بعض الاخبار: الجواز مطلقا.

ففى رواية سعد الاسكاف قال «سئل ابو جعفر عليه السلام عن القرامل التى

______________________________

(و المستوشمة: التى يفعل بها ذلك) انتهى.

(و ظاهر بعض الاخبار: كراهة الوصل) بالشعر مطلقا (و لو بشعر غير المرأة).

(مثل ما عن عبد الله بن الحسن قال «سألته عن القرامل. قال: و ما القرامل؟ قلت: صوف تجعله النساء في رءوسهن. قال- عليه السلام- ان كان صوفا فلا بأس، و ان كان شعرا فلا خير فيه) فان ظاهر «لا خير فيه» الكراهة، مضافا الى ان التجويز في بعض الروايات السابقة يوجب حمل هذا على الكراهة، حتى و لو كان بلفظ النهى (من الواصلة و المستوصلة) هذا من تتمة الرواية، و معناه الكراهة لهما.

(و ظاهر بعض الاخبار: الجواز مطلقا) مما يشمل اطلاقها حتى الوصل بشعر النساء.

(ففى رواية سعد الاسكاف قال «سئل ابو جعفر عليه السلام عن القرامل التى

ص: 11

بضعها النساء في رءوسهن، يصلن بشعورهن، قال:- عليه السلام- لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها قال: قلت له: بلغنا ان رسول الله (ص) لعن الواصلة و المستوصلة! فقال: ليس هناك، انما لعن رسول الله الواصلة التى تزنى في شبابها فاذا كبرت قادت النساء الى الرجال، فتلك الواصلة و الموصولة.

______________________________

يضعها النساء في رءوسهن، يصلن بشعورهن، قال- عليه السلام- لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها قال: قلت له: بلغنا ان رسول الله (ص) لعن الواصلة و المستوصلة! فقال: ليس هناك) اى ليس الرسول- صلى الله عليه و آله- اراد ما فهمت، او ليس معنى حديث الرسول صلى الله عليه و آله هناك الّذي فهمت انت (انما لعن رسول الله الواصلة التى تزنى في شبابها، فاذا كبرت قادت النساء الى الرجال، فتلك الواصلة و الموصولة) فالواصلة من تصل الرجال بالزنا، و المستوصلة التى تطلب وصول النساء الى الرجال.

«ثم» لا يخفى انه لا يبعد إرادة النبي- صلى الله عليه و آله- للمعنيين، و انما ذكر الامام- عليه السلام- المعنى الّذي هو اهم، او اراد النبي- صلى الله عليه و آله- الكلى فبين الامام المصداق الاهم كما هو المتعارف في المحاورات، و منه ما ورد من السؤال عن قول «عورة المؤمن على المؤمن حرام» فقال- عليه السلام-: يعنى اذاعة سره، و هكذا غيره.

ص: 12

و يمكن الجمع بين الاخبار بالحكم بكراهة وصل مطلق الشعر كما في رواية عبد الله بن الحسن، و شدة الكراهة في الوصل بشعر المرأة.

و عن الخلاف و المنتهى: الاجماع على انه يكره وصل شعرها بشعر غيرها رجلا كان او امرأة.

و اما ما عدا الوصل مما ذكر في رواية معانى الاخبار فيمكن حملها أيضا على

______________________________

(و يمكن الجمع بين الاخبار) الدال بعضها على النهى المطلق، و بعضها على الاجازة مطلقا، و بعضها على التفصيل بين شعر الانسان و بين غير الانسان (بالحكم بكراهة وصل مطلق الشعر) حسب رواية النهى المطلق، و انما تحمل على الكراهة دون التحريم لمكان رواية الجواز المطلق (كما في رواية عبد اللّه بن الحسن، و شدة الكراهة في الوصل بشعر المرأة) كما في رواية ابن ابى عمير.

و انما نحمل هذه الرواية على الكراهة، مع انها اخص من الجواز المطلق، لقوة المطلق في الدلالة، و ضعف المقيد. و قد تقرر في الأصول ان العام او المطلق اذا كان قويا حمل الخاص و المقيد على الكراهة لا انه يتصرف في العام و المطلق بالتقييد و التخصيص.

(و) مما يؤيد حمل المقيد على الكراهة، لا تقييد المطلق به ما (عن الخلاف و المنتهى) من: (الاجماع على انه يكره وصل شعرها بشعر غيرها رجلا كان) ذلك الغير (او امرأة) هذا كله حكم الوصل.

(و اما ما عدا الوصل مما ذكر في رواية معانى الاخبار) اى النمص و الوشر و الوشم (فيمكن حملها أيضا على

ص: 13

الكراهة، لثبوت الرخصة من رواية سعد في مطلق الزينة.

خصوصا مع صرف الامام للنبوى الوارد في «الواصلة» عن ظاهره المتحد سياقا مع سائر ما ذكر في النبوى.

و لعله اولى من تخصيص عموم الرخصة بهذه الامور، مع انه لو لا الصرف لكان الجواب

______________________________

الكراهة، لثبوت الرخصة من رواية سعد في مطلق الزينة) و قد تقدم ان المطلق اذا كان اقوى دلالة حمل المقيد على الكراهة، لا ان المقيد يقيد المطلق.

(خصوصا) مع ان المستفاد من كلام الامام عليه السلام عدم حرمة الوصل بمعنى وصل الشعر، في رواية سعد الاسكاف، فيدل على ان الوصل بمعنى وصل الشعر ليس حراما، و حيث ان الوصل ذكر في سياق الوشم و الوشر و النمص، في النبوى- و السياق يفيد وحدة الحكم- كان اللازم حمل المذكورات أيضا على الكراهة و الى هذا اشار المصنف- رحمه الله- بقوله خصوصا (مع صرف الامام للنبوى الوارد في الواصلة عن ظاهره) الّذي هو وصل الشعر الى خلاف ظاهره الّذي هو الزنا و القيادة (المتحد) اى الواصلة و التذكير باعتبار اللفظ- (سياقا مع سائر ما ذكر في النبوى).

(و لعله) اى حمل ما ذكر في النبوى على الكراهة، بقرينة «الواصلة» (اولى من تخصيص عموم الرخصة) فى رواية سعد (بهذه الامور) المذكورة في النبوى، بان يقال: كل زينة حلال الا الوشم و الوشر و النص (مع انه لو لا الصرف) اى صرف الامام عليه السلام «الواصلة» عن ظاهرها، بان قلنا ان «الوصل» حرام كما يقتضيه ظاهر النبوى (لكان الجواب) تقييد حرمة

ص: 14

اما تخصيص الشعر بشعر المرأة، او تقييده بما اذا كان هو او احد اخواته في مقام التدليس.

فلا دليل على تحريمها في غير مقام التدليس، كفعل المرأة المزوجة ذلك لزوجها.

خصوصا بملاحظة ما في رواية على بن جعفر عن اخيه عليه السلام «عن المرأة تحف الشعر عن وجهها؟ قال: لا بأس».

______________________________

الواصلة باحد شيئين اما بما اذا كان بشعر المرأة- لما دل على جواز الوصل بغير شعر المرأة- و اما بما اذا كان الوصل و الوشر و النص و الوشم للتدليس- لما دل على جواز التزيين مطلقا خصوصا للزوج- و اطلاق ادلة التزيين اقوى من النبوى- كما عرفت- و الحاصل ان اللازم (اما تخصيص الشعر) فى الواصلة المحرمة (بشعر المرأة) فلا يحرم الوصل بشعر غير المرأة (او تقييده) اى الوصل المحرم (بما اذا كان هو) اى الوصل (او احد اخواته) الوشر و الوشم و النمص (فى مقام التدليس)

و على هذا (فلا دليل على تحريمها) اى الامور الاربعة المذكورة (فى غير مقام التدليس، كفعل المرأة المزوجة ذلك) اى احد هذه الامور (لزوجها) و كذا صنع المرأة لنفسها.

(خصوصا بملاحظة ما في رواية على بن جعفر عن اخيه عليه السلام عن المرأة تحف الشعر) اى تنتفه (عن وجهها؟ قال:

لا بأس).

ص: 15

و هذه أيضا قرينة على صرف اطلاق «لعن النامصة»- فى النبوى- عن ظاهره بإرادة التدليس، او الحمل على الكراهة.

«نعم» قد يشكل الامر في وشم الاطفال، من حيث انه ايذاء لهم بغير مصلحة، بناء على ان لا مصلحة فيه لغير المرأة المزوجة الا التدليس باظهار شدة بياض البدن و صفائه، بملاحظة النقطة الخضراء الكدرة في البدن.

لكن الانصاف: ان كون ذلك تدليسا مشكل، بل ممنوع

______________________________

(و هذه) الرواية (أيضا) كصرف الواصلة عن ظاهرها، التى هى كانت قرينة لصرف النبوى عن ظاهره (قرينة على صرف اطلاق لعن النامصة في النبوى عن ظاهره) اما (بإرادة التدليس، او الحمل على الكراهة) فلا وجه للتحريم مطلقا.

(نعم قد يشكل الامر في وشم الاطفال من حيث انه ايذاء لهم بغير مصلحة بناء على ان لا مصلحة فيه لغير المرأة المزوجة الا التدليس) و مثل هذا التدليس و ان كان حلالا في نفسه الا انه من جهة كونه ايذاء بدون مصلحة لا يجوز اما كونه تدليسا فذلك (ب) سبب (اظهار شدة بياض البدن و صفائه، بملاحظة النقطة الخضراء الكدرة في البدن) فهى ترى خلاف الواقع او بسبب زعم الناس انه وشم طبيعى خلقى، مع انه ليس كذلك.

(لكن الانصاف: ان كون ذلك تدليسا مشكل، بل ممنوع) سواء في الطفل، او في غيره، و لو كانت امرأة تريد التزويج، اذا لم تقصد تغرير الرجل بانه وشم خلقى، و لم تقصد تغريره باراءة جسمها اكثر بياضا

ص: 16

بل هو تزيين للمرأة من حيث خلط البياض بالخضرة، فهو تزيين لا موهم لما ليس في البدن واقعا من البياض و الصفاء.

«نعم» مثل نقش الايدى و الارجل بالسواد يمكن ان يكون الغالب فيه إرادة ايهام بياض البدن و صفائه.

و مثله الخط الاسود فوق الحاجبين، او وصل الحاجبين بالسواد لتوهم طولهما و تقوسهما.

______________________________

من واقعه، بل قصدت ايجاد تزيين واقعى في البدن فليس تدليسا (بل هو تزيين للمرأة من حيث خلط البياض بالخضرة، فهو تزيين، لاموهم لما ليس في البدن واقعا من البياض و الصفاء).

و على هذا ففيه مصلحة بالنسبة الى الطفل، لان تجميل الطفل مطلوب و الايذاء الحاصل له بسببه لا دليل على تحريمه، اذا صدر عن الولى لمصلحته كتحجمه و فصده و ما اشبه.

( «نعم» مثل نقش الايدى و الارجل بالسواد يمكن ان يكون الغالب فيه إرادة ايهام بياض البدن و صفائه) لا قصد التزيين الطبيعى بايجاد الزينة الجسمية.

(و مثله الخط الاسود فوق الحاجبين، او وصل الحاجبين بالسواد لتوهم طولهما و تقوسهما) لان اطراف القوس كلما كانت اكثر امتدادا كان القوس اظهر تقوسا.

ص: 17

«ثم» ان التدليس بما ذكرنا انما يحصل بمجرد رغبة الخاطب او المشترى و ان علما ان هذا البياض و الصفاء ليس واقعيا، بل حدث بواسطة هذه الامور، فلا يقال: انها ليست بتدليس، لعدم خفاء اثرها على الناظر.

______________________________

( «ثم») المراد بالتدليس هنا اعم من ترغيب الناظر، لا تغريره فقط، ف (ان التدليس بما ذكرنا انما يحصل بمجرد رغبة الخاطب او المشترى و ان علما) اى خاطب المرأة و مشترى الامة (ان هذا البياض و الصفاء ليس واقعيا، بل حدث بواسطة هذه المور) العارضة من الوشم و نحوه (فلا يقال: انها) اى الامور المذكورة (ليست بتدليس، لعدم خفاء اثرها على الناظر).

لكن الانصاف: ان مثل هذه الامور لا تعد تدليسا، اذا لم يخف اثرها، فان التدليس اخفاء العيب، او اظهار زينة او كمال بحيث يغرر به الجاهل.

و ان شئت قلت: ان مراد المصنف ان كان اثبات الموضوع فليس ذلك بعرفى، و ان كان اثبات الحكم- اى الحرمة- فى هذا الامر الّذي ليس بتدليس فهو خلاف النص و الفتوى، لاقتصارهما الحكم على موضوع التدليس، و الأدلة الخاصة انما دلت على المنع عن هذه الامور سواء كانت تدليسا أم لا، فليس السبب التدليس، بل اما لعلة اخرى او للتعبد، و مما ذكرنا يظهر وجه النظر في قوله:

ص: 18

و حينئذ فينبغى ان يعد من التدليس لبس المرأة او الامة الثياب الحمر او الخضر الموجبة لظهور بياض البدن و صفائه و الله العالم.

«ثم» ان المرسلة المتقدمة عن الفقيه دلت على كراهة كسب الماشطة مع شرط الأجرة المعينة. و حكى الفتوى بها عن المقنع و غيره.

______________________________

(و حينئذ) اى حين كان المراد بالتدليس اظهار جمال غير واقع- و ان علم الخاطب و المشترى بالواقع- (فينبغى ان يعد من التدليس لبس المرأة او الامة الثياب الحمر او الخضر الموجبة لظهور بياض البدن و صفائه) و مما تقدم يظهر أيضا حكم لبس الذهب او تحمير الوجه، او تخطيط الشفة، او كل شي ء يوجب تسمين البدن موقتا او ما اشبه (و اللّه العالم) و قد ظهر مما سبق ان الحكم ليس خاصا بالماشطة و انما هى من باب المثال.

( «ثم» ان المرسلة المتقدمة عن الفقيه دلت على كراهة كسب الماشطة مع شرط الاجرة) حيث قال عليه السلام «لا بأس بكسب الماشطة اذا لم تشارط و قبلت ما تعطى» (المعينة) اما اذا شرطت اصل الاجرة فلا كراهة (و حكى الفتوى بها) اى بالكراهة (عن المقنع) للصدوق (و غيره) و انما حمل الشرط في الرواية على الكراهة للاجماع على عدم التحريم مضافا الى ضعف السند، مما لا يصلح لاثبات التحريم، و ان كان لا يبعد حجية جميع روايات الفقيه، لالتزام الصدوق في اوّل الكتاب بحجية ما ينقله، فان هذا الالتزام ليس اقل من توفيق الراوى في الظن بصحة الرواية، و قد بنوا على حجية الظنون الرجالية.

ص: 19

و المراد بقوله عليه السلام «اذا قبلت ما تعطى» البناء على ذلك حين العمل و الا فلا يلحق العمل بعد وقوعه ما يوجب كراهته.

«ثم» ان اولوية قبول ما يعطى و عدم مطالبة الزائد، اما لان الغالب عدم نقص ما تعطى عن اجرة مثل العمل، الا ان مثل الماشطة و الحجام و الختان و نحوهم كثيرا ما يتوقعون ازيد مما يستحقون، خصوصا من اولى المروة و الثروة، و ربما

______________________________

(و) كيف كان ف (المراد بقوله عليه السلام: اذا قبلت ما تعطى البناء) منها (على ذلك) اى قبول ما تعطى (حين العمل) فان بنت على ذلك لم يكن عملها مكروها و الا كان مكروها (و الا ف) لو لم نفسر «قبلت ما تعطى» بالبناء، يشكل الحكم بالكراهة الدائرة مدار قبول ما تعطى بعد العمل اذ (لا يلحق العمل بعد وقوعه ما يوجب كراهته) فان الكراهة و سائر الاحكام الخمسة اوصاف للفعل حين وقوعه، لا ان الوصف يلحق بعد وقوع الفعل اللهم الا ان يقال: الكراهة بالشرط المتأخر. فلو بنت على عدم الاشتراط ثم لم تقبل ما اعطيت كره عملها، بمعنى انه تبين الكراهة من اوّل الامر، و بالعكس لو بنت على عدم القبول ثم قبلت تبين عدم الكراهة من اوّل الامر.

( «ثم» ان) الحكمة في (اولوية قبول ما تعطى و عدم مطالبة الزائد اما لان الغالب عدم نقص ما تعطى عن اجرة مثل العمل، الا ان مثل الماشطة و الحجام و الختان و نحوهم) من امثال عاملى هذه الاعمال كالفصاد مما يتفق للناس نادرا، و في مناسبات متباعدة و له جلبة و ضوضاء (كثيرا ما يتوقعون ازيد مما يستحقون خصوصا من اولى المروة و الثروة، و ربما

ص: 20

يبادرون الى هتك العرض اذا منعوا و لا يعطون ما يتوقعون من الزيادة او بعضه الا استحياء و صيانة للعرض و هذا لا يخلو من شبهة فامروا في الشريعة بالقناعة بما يعطون و ترك مطالبة الزائد فلا ينافى ذلك جواز مطالبة الزائد، و الامتناع عن قبول ما يعطى، اذا اتفق كونه دون اجرة المثل.

و اما لان المشارطة في مثل هذه الامور لا تليق بشأن كثير من الاشخاص لان المماكسة فيها خلاف المروة. و المسامحة فيها قد لا يكون مصلحة، لكثرة طمع هذه الاصناف

______________________________

يبادرون الى هتك العرض) و التكلم بما لا يليق (اذا منعوا) و لم يعطوا ما يتوقعون من الزيادة (و لا يعطون ما يتوقعون من الزيادة او بعضه) اى بعض ما يتوقعون (الا استحياء و صيانة للعرض و هذا لا يخلو من شبهة) لان المأخوذ حياء كالمأخوذ غصبا (فامروا في الشريعة بالقناعة بما يعطون و ترك مطالبة الزائد) و بناء على ان تكون الحكمة منعهم عن مطالبة الزائد عن حقهم (فلا ينافى ذلك) الّذي ذكرنا من كراهة مطالبة الزائد (جواز مطالبة الزائد و الامتناع عن قبول ما يعطى اذا اتفق كونه) اى ما اعطى (دون اجرة المثل) فالشريعة في صدد بيان ان لا يظلم هؤلاء الناس، لا في مقام بيان قبولهم ما يعطون، و ان ظلمهم الناس.

(و اما لان المشارطة في مثل هذه الامور لا تليق بشأن كثير من الاشخاص) الذين يحتاجون الى الماشطة و الحجام و الختان (لان المماكسة فيها خلاف المروة. و المسامحة فيها قد لا يكون مصلحة) للناس (لكثرة طمع هذه الاصناف)

ص: 21

فامروا بترك المشارطة، و الاقدام على العمل باقل ما يعطى و قبوله و ترك مطالبة الزائد مستحب للعامل، و ان وجب على من عمل له ايفاء تمام ما يستحقه من اجرة المثل، فهو مكلف وجوبا بالايفاء و العامل مكلف ندبا بالسكوت و ترك المطالبة خصوصا على ما يعتاده هؤلاء من سوء الاقتضاء.

او لأن الاولى في حق العامل قصد التبرع بالعمل و قبول ما يعطى على وجه التبرع، أيضا.

______________________________

فالشارع لاحظ حال الناس في حكمه بكراهة المشارطة (فامروا) اى اصحاب هذه المهن (بترك المشارطة، و الاقدام على العمل باقل ما يعطى و قبوله) قليلا كان او كثيرا بدون شرط (و) لا يخفى ان (ترك مطالبة الزائد مستحب للعامل، و ان وجب على من عمل له ايفاء تمام ما يستحقه) العامل (من اجرة المثل فهو) اى صاحب العمل (مكلف وجوبا بالايفاء) الا اذا رضى العامل باقل منه (و العامل مكلف ندبا بالسكوت و ترك المطالبة خصوصا) اى ان هذا التكليف الندبى يتأكد في حق الذين اعتادوا سوء الاقتضاء (على ما يعتاده هؤلاء) اى الحجام و الختان و الماشطة (من سوء الاقتضاء) و الطلب المنافى للآداب.

(او لان الاولى في حق العامل قصد التبرع بالعمل و قبول ما يعطى) له (على وجه التبرع أيضا) قوله «او» عطف على قوله «اما لان الغالب»

ان قلت: كيف يصح هذا الاحتمال مع استحباب المقاطعة في باب الاجارة، لقوله عليه السلام «لا تستعملن اجيرا حتى تقاطعه»؟

قلت: عدم المنافاة بين «لا تستعملن» و بين «عدم المشارطة» فى

ص: 22

فلا ينافى ذلك ما ورد من قوله- عليه السلام-: «لا تستعملن اجيرا حتى تقاطعه».

______________________________

المقام على الاحتمالين الاولين- اى قولنا «اما لان الغالب» و قولنا «اما لان المشارطة»- تخصيص، فيستحب المشارطة في كل مقام الا في مقامنا هذا، و على الاحتمال الثالث- و هو قولنا «او لان الاولى»- تخصص لا تخصيص لان الفرض تبرع العامل.

(فلا ينافى ذلك) الاحتمال الثالث مع (ما ورد من قوله عليه السلام:

«لا تستعملن اجيرا حتى تقاطعه») لان العامل على هذا الفرض ليس اجيرا و انما هو متبرع، فعدم المشارطة لفقد موضوعها- و هو الاجير-

ص: 23

المسألة الثانية تزيين الرجل بما يحرم عليه من لبس الحرير و الذهب حرام،

لما ثبت في محله من حرمتهما على الرجال.

و ما يختص بالنساء من اللباس، كالسوار و الخلخال و الثياب المختصة بهن في العادات، على ما ذكره في المسالك، و كذا العكس اعنى تزيين المرأة بما يختص بالرجال كالمنطقة و العمامة، و يختلف باختلاف العادات

______________________________

(المسألة الثانية) مما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما:

(تزيين الرجل بما يحرم عليه من لبس الحرير و الذهب) و هو (حرام) فى غير صورة الاستثناء اى في حالة الحرب و نحوها (لما ثبت في محله من حرمتهما على الرجال) قال رسول الله صلى اللّه عليه و آله- مشيرا الى الذهب و الحرير-: ان هذين حرامان على ذكور امتى.

(و) كذا يحرم على الرجل (ما يختص بالنساء من اللباس، كالسوار و الخلخال و الثياب المختصة بهن في العادات) عند الناس. و ما ورد من اخبار النبي صلى اللّه عليه و آله بعض صحابته بلبس اسورة كسرى ملك الفرس لا ينافى ذلك، لان العادة في ذلك كانت بلبس الرجل السوار (على ما ذكره في المسالك و كذا) يحرم (العكس اعنى تزيين المرأة بما يختص بالرجال كالمنطقة) الخاصة بهم (و العمامة، و يختلف) هذا أيضا (باختلاف العادات) فان بعض النساء من اهل القرى يعتدن لبس العمائم.

ثم: ان حرمة لبس الذهب للرجال لا اشكال فيه و لا خلاف، اما حرمة

ص: 24

و اعترف غير واحد بعدم العثور على دليل لهذا الحكم عدا النبوى المشهور المحكى عن الكافى و العلل: «لعن الله المتشبهين من

______________________________

التزيين به بدون اللبس كان يجعل قطعة من الذهب في صدره، فقد وقع فيه خلاف.

و استدل القائلون بالحرمة بما تقدم من النبوى لاطلاقه بالنسبة الى التزيين اذ الحرمة اذا نسبت الى العين كان الظاهر منها الامر الملائم لتلك العين فحرمة الامهات- فى الآية- يراد بها المباشرة و نحوها و حرمة الدم- فى الآية- يراد بها الشرب و حرمة الذهب يراد بها التزيين و اللبس

و بخبر روح بن عبد الرحمن عن الصادق عليه السلام قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لامير المؤمنين عليه السلام: لا تختم بالذهب فانه زينتك في الآخرة فان التعليل ظاهر في حرمة التزيين به في الدنيا.

و خبر النمرى عن الصادق عليه السلام: و جعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم على الرجل لبسه. بناء على ان المفهوم منه عدم جواز تزيين الرجل به.

نعم يستثنى من ذلك جواز شدّ الاسنان به لما ورد من الاخبار. و في المسألة كلام ليس هنا محل ذكره.

هذا كله دليل حرمة التزيين بالذهب.

(و) اما لبس كل من الرجل و المرأة ما يختص بالآخر فقد (اعترف غير واحد) من العلماء (بعدم العثور على دليل لهذا الحكم عدا النبوى المشهور المحكى عن الكافى و العلل: «لعن اللّه المتشبهين من

ص: 25

الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال».

و في دلالته قصور، لان الظاهر من التشبه: تأنث الذكر و تذكر الانثى لا مجرد لبس احدهما لباس الآخر مع عدم قصد التشبه.

و يؤيده المحكى عن العلل ان: عليا- عليه السلام- رأى رجلا به تأنث في مسجد رسول اللّه- صلى الله عليه و آله- فقال له: اخرج من مسجد رسول اللّه- صلى الله عليه و آله- فانى سمعت رسول اللّه- صلى الله عليه و آله- يقول: لعن اللّه ... الخ.

______________________________

الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال») بناء على شمول التشبه للبس كل واحد منهما لباس الآخر.

(و) لكن (فى دلالته) اى النبوى لهذا الحكم (قصور، لان الظاهر من التشبه تأنث الذكر) بالملوطية (و تذكر الانثى) بالمساحقة (لا مجرد لبس احدهما لباس الآخر مع عدم قصد التشبه) بل يدل على الجواز ما فعل الامام امير المؤمنين- عليه السلام- بأربعين من نساء همدان حيث البسهن العمائم و لباس الرجال حينما اراد ارجاع عائشة الى المدينة.

(و يؤيده) اى ما ذكرنا من ان ان المراد بالتشبه المساحقة و الملوطية (المحكى عن العلل ان عليا عليه السلام رأى رجلا به تأنث في مسجد رسول الله) «فى» متعلق ب «رأى» (فقال له: اخرج من مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله فانى سمعت رسول الله- صلى الله عليه و آله- يقول: لعن الله ... الخ) اى ذكر عليه السلام الحديث المتقدم.

ص: 26

و في رواية يعقوب بن جعفر الواردة في المساحقة: ان فيهن قال رسول الله- صلى الله عليه و آله- «لعن الله المتشبهات بالرجال من النساء ... الخ».

و في رواية ابى خديجة عن ابى عبد الله- عليه السلام- «لعن رسول الله- صلى الله عليه و آله- المتشبهين من الرجال بالنساء، و المتشبهات من النساء بالرجال، و هم المخنثون و اللائى ينكحن بعضهن بعضا».

«نعم» فى رواية سماعة عن ابى عبد الله- عليه السلام- «عن الرجل يجر ثيابه؟ قال: انى لاكره ان يتشبه بالنساء».

______________________________

(و في رواية يعقوب بن جعفر الواردة في المساحقة ان فيهن قال رسول الله- صلى الله عليه و آله- «لعن الله المتشبهات بالرجال من النساء») فان وحدة السياق بين هذه الرواية و النبوى السابق تعطى ان المراد بالتشبه هناك أيضا هو المساحقة و اللواط لا التشبه في اللباس

(و في رواية اى خديجة عن ابى عبد الله- عليه السلام- «لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال و هم المخنثون) الذين يؤتى في ادبارهم (و اللائى ينكحن بعضهن بعضا) بالمساحقة.

(و في رواية سماعة عن ابى عبد الله- عليه السلام- «عن الرجل يجرّ ثيابه؟) اى على الارض، في حال المشى (قال: انى لاكره ان يتشبه بالنساء») فان النساء كن يجررن ذيولهن تحفظا على اقدامهن من

ص: 27

و عنه- عليه السلام- عن آبائه- عليهم السلام- كان رسول الله- صلى الله عليه و آله- يزجر الرجل ان يتشبه بالنساء، و ينهى المرأة ان تتشبه بالرجال في لباسها.

و فيهما- خصوصا الاولى بقرينة المورد- ظهور في الكراهة فالحكم المذكور لا يخلو عن اشكال.

______________________________

الظهور، و هذا الخبر مما يؤيد إرادة التشبه في اللباس من النبوى السابق.

(و عنه- عليه السلام- عن آبائه- عليهم السلام- كان رسول الله صلى الله عليه و آله يزجر الرجل ان يتشبه بالنساء و ينهى المرأة ان تتشبه بالرجال في لباسها) و هذا أيضا مما يؤيد إرادة اللباس في النبوى المتقدم.

(و فيهما) اى في هذين الخبرين- (خصوصا الاولى) منهما (بقرينة المورد) اى جر الثياب على الارض- (ظهور في الكراهة) لوجود لفظ «اكراه» فى الاول و «يزجر» الظاهر في الكراهة، في الثاني.

هذا مضافا الى ما عرفت من قصة فعل على- عليه السلام- و انه لو اريد التشبه مطلقا يلزم القول به حتى في غير اللباس كان تشتغل الرجل بعمل النساء و بالعكس.

و كيف كان (فالحكم المذكور لا يخلو عن اشكال) كما ان الحكم بالجواز مطلقا خصوصا فيما اذا لبست المرأة الزى الكامل للرجال و لبس الرجل الزى الكامل للنساء مشكل.

ص: 28

«ثم» الخنثى يجب عليه ترك الزينتين المختصتين بكل من الرجل و المرأة، كما صرح به جماعة لانه يحرم عليه لباس مخالفه في الذكورة و الانوثة و هو مردد بين اللبسين، فيجتنب عنهما مقدمة، لانهما من قبيل المشتبهين المعلوم حرمة احدهما.

و يشكل- بناء على كون مدرك الحكم حرمة التشبه- بان الظاهر من التشبه صورة علم المتشبه.

______________________________

( «ثم» الخنثى) ان قلنا انه طبيعة ثالثة يحل عليه الاتيان بالزينتين لاختصاص الادلة بالرجل و الانثى، و الخنثى ليس احدهما و ان قلنا انه احدهما (يجب عليه ترك الزينتين المختصتين بكل من الرجل و المرأة كما صرح به جماعة) كما يجب عليه الاتيان بواجب كل واحد منهما فيجهر في الجهرية و يأتى بتروك الحائض اذا رأى الدم و اذا دار الامر بين المحذورين تخير في اختيار احدهما (لانه يحرم عليه لباس مخالفه في الذكورة و الانوثة و هو) اى المحرم من اللباس (مردد بين اللبسين، فيجتنب عنهما مقدمة) لتحصيل العلم باتيانه بالتكليف المردد بين الامرين (لانهما) اى اللباسين (من قبيل) الامرين (المشتبهين المعلوم حرمة احدهما) كما لو اشتبه الخمر بالخل، و الطاهر بالنجس، و ما اشبه. و على هذا فلا يجوز له ان ينظر الى الرجل و المرأة، و ان يتزوج او يزوج و ان وقع في العسر و الحرج من جهة ترك التزويج.

(و يشكل) حرمة اللباسين عليه (بناء على كون مدرك الحكم حرمة التشبه بان الظاهر من التشبه صورة علم المتشبه) فانه لا يقال تشبه الا اذا

ص: 29

..........

______________________________

علم المتشبه بانه تشبه. و الخنثى لا يعلم بانه تشبه اذا لبس احد اللباسين.

نعم لا يجوز له لبس كليهما تدريجا اذا قلنا بحرمة الارتكاب تدريجا في باب العلم الاجمالى.

و المسألة طويلة الذيل رواية و فتوى و اشكالا نكتفى منها بهذا القدر لعدم الخروج عن شرح اللفظ و توضيح المراد. و الله العالم.

ص: 30

المسألة الثالثة التشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة المحترمة-

و هو كما في جامع المقاصد ذكر محاسنها، و اظهار شدة حبها بالشعر- حرام، على ما عن المبسوط و جماعة، كالفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني.

و استدل عليه بلزوم تفضيحها. و هتك حرمتها و ايذائها و اغراء الفساق بها و ادخال النقص عليها و على اهلها.

______________________________

(المسألة الثالثة) مما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما:

(التشبيب بالمرأة المعروفة) مقابل المجهولة (المؤمنة المحترمة) لا الكافرة و الفاجرة.

(و هو) اى التشبيب (- كما في جامع المقاصد-: ذكر محاسنها، و اظهار شدة حبها) اى حب الشخص لتلك المرأة (بالشعر) و سيأتى الكلام في النثر (حرام) خبر قوله «التشبيب» (على ما عن المبسوط و جماعة كالفاضلين) المحقق و العلامة (و الشهيدين): الاول و الثاني (و المحقق الثاني): الكركى.

(و استدل عليه بلزوم تفضيحها) و معنى الفضيحة: ابداء ما من شأنه الاخفاء عملا او قولا، سواء كان المفضوح متصفا به أم لا و سواء كان صفة جمال او صفة نقص او امرا عاديا، كان يصف جمال المرأة او بغائها او كيفية مباشرته لها و ان كانت المباشرة حلالا لانها زوجته مثلا (و هتك حرمتها و ايذائها و اغراء الفساق بها و ادخال النقص عليها و على اهلها)

ص: 31

و لذا لا ترضى النفوس الآبية ذوات الغيرة و الحمية ان يذكر ذاكر عشق بعض بناتهم و اخواتهم، بل البعيدات من قراباتهم.

و الانصاف ان هذه الوجوه لا تنهض لاثبات التحريم، مع كونها اخص من المدعى، اذ قد لا يتحقق شي ء من المذكورات في التشبيب.

بل و اعم منه من وجه

______________________________

و يكفى في التحريم كونه ايذاء فانه محرم و ان لم يوجد سبب آخر للتحريم.

نعم في بعض المواضع لم يكن ايذاء كما اذا لم تعلم هى و لا اقرباؤها فاللازم التماس دليل آخر مما ذكروه.

(و لذا لا ترضى النفوس الآبية ذوات الغيرة و الحمية ان يذكر ذاكر عشق) نفسه او غيره ب (بعض بناتهم و اخواتهم، بل البعيدات من قراباتهم).

(و الانصاف ان هذه الوجوه) التى تقدمت (لا تنهض لاثبات التحريم) لان التحريم حينئذ ليس من حيث التشبيب و انما هو من حيث عنوان كل محرم منطبق عليه فجعل التشبيب عنوانا خاصا غير تام (مع كونها) اى هذه الوجوه (اخص من المدعى) الّذي هو حرمة التشبيب مطلقا (اذ قد لا يتحقق شي ء من المذكورات في التشبيب) كما لو وصف امرأة مؤمنة في محضر غير الفساق مما كان بينهم و بينها مسافات شاسعة.

(بل و اعم منه من وجه) فهناك تشبيب ليس فيه ما ذكر، كما تقدم من المثال، و هناك العناوين المذكورة بدون التشبيب و قد يجمعان، و اذا كان التشبيب اعم من وجه من الامور المذكورة في وجه حرمته، كيف يمكن ان

ص: 32

فان التشبيب بالزوجة قد يوجب اكثر المذكورات.

و يمكن أيضا ان يستدل عليه بما سيجي ء من عمومات حرمة اللهو و الباطل.

و ما دل على حرمة الفحشاء.

و منافاته للعفاف المأخوذ في العدالة.

______________________________

يستدل بها للتحريم؟ و قد مثل المصنف بما يكون تشبيبا محرما و لا يقولون بحرمته بعنوان التشبيب، بقوله (فان التشبيب بالزوجة قد يوجب اكثر المذكورات) و مع ذلك فانهم لا يقولون بحرمته بعنوان التشبيب و ان قالوا بحرمته بعنوان الفضيحة و الهتك و ما اشبه بل قيدوا المحرم بالشعر مع ان العناوين المذكورة تنطبق في النثر أيضا بل في الاشارة أيضا و الكتابة و ما اشبه و كذلك قيدوا المرأة بالمؤمنة مع ان الذمية و المعاهدة اذا انطبقت على التشبيب بها الوجوه المحرمة كان أيضا حراما.

(و يمكن أيضا ان يستدل عليه) اى على تحريم التشبيب (بما سيجي ء من عمومات حرمة اللهو و الباطل) فانه من اقسام اللهو و الباطل و ينطبق عليه الميزان الّذي ذكره الامام- عليه السلام- فى انه اذا ميز اللّه الحق و الباطل كان مع الباطل.

(و ما دل على حرمة الفحشاء) بعد ان العرف يرى ان فاعل ذلك من الآتى بالفحشاء و المنكر.

(و منافاته) اى التشبيب (للعفاف المأخوذ في العدالة) فى قوله عليه السلام: ان يكون معروفا بالستر و العفاف، و غيره من الاحاديث

ص: 33

و فحوى ما دل على حرمة ما يوجب- و لو بعيدا- تهيج القوة الشهوية بالنسبة الى غير الحليلة، مثل ما دل على المنع عن النظر، لانه سهم من سهام ابليس و المنع عن الخلوة بالاجنبية لان ثالثهما الشيطان و كراهة جلوس الرجل في مكان المرأة حتى يبرد المكان.

و برجحان التستر عن نساء اهل الذمة لانهن يصفن لازواجهن.

______________________________

فان من يصف النساء بالتشبيب لا يسمى عفيفا قطعا، و اذا كان منافيا للعدالة كان موجبا للفسق- بناء على عدم الواسطة بين الفسق و العدالة-.

(و فحوى) اى المناط و الاولوية و الملاك المستفاد من (ما دل على حرمة ما يوجب- و لو بعيدا-) اى ايجابا بعيدا (تهيج القوة الشهوية بالنسبة الى غير الحليلة مثل ما دل على المنع عن النظر) الى الاجنبية (لانه سهم من سهام ابليس) و من المعلوم ان سهمية التشبيب ان لم تكن اقوى من سهمية النظر كانت مثلها. (و المنع عن الخلوة بالاجنبية لان ثالثهما الشيطان) فانه ليس ذلك الا لاجل تهيج الشهوة و من المعلوم ان التشبيب اقوى في التهييج او مثله. (و كراهة جلوس الرجل في مكان المرأة حتى يبرد المكان) فان هذا يؤيد تحريم التشبيب فانه اذا لم يرض الشارع- و لو كراهة- بجلوس الرجل في مكان المرأة اذا كان حارا فكيف يرضى بذكر محاسنها و ما اشبه؟

(و برجحان التستر) للنساء المؤمنات (عن نساء اهل الذمة لانهن يصفن لازواجهن) فاذا لم يرض الشارع بوصف المؤمنة عند الرجل فهل يرضى بالتشبيب بها؟ و قد اشير الى ذلك في قوله تعالى «او نسائهن»

ص: 34

و التستر عن الصبى المميز الّذي يصف ما يرى.

و النهى في الكتاب العزيز عن ان «يخضعن بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ» و عن ان «يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مٰا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ» الى غير ذلك من المحرمات و المكروهات التى يعلم منها حرمة ذكر المرأة المعينة المحترمة بما يهيج الشهوة عليها، خصوصا ذات البعل التى لم يرض الشارع بتعريضها للنكاح بقول «رب راغب فيك».

______________________________

المفهوم منه عدم الجواز بالنسبة الى نساء غيرهن، اى الكافرات.

(و التستر عن الصبى المميز الّذي يصف ما يرى) و المراد بالمميز غير البالغ الّذي يميز بين الجميلة و القبيحة و يعرف محاسن المرأة، مما يسمى في العرف مميزا، و ليس له حد محدود و عمر مقدر في الشريعة.

(و النهى في الكتاب العزيز عن ان يخضعن بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) فان «الطمع» كالعلة في التحريم. و من المعلوم وجوده في التشبيب (و عن ان يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مٰا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) كالخلخال و ما اشبه. و من المعلوم ان المحرم الاعلام بما تخفى، و لا فرق بين ان يكون الاعلام منها او من غيرها (الى غير ذلك من المحرمات و المكروهات التى يعلم منها حرمة ذكر المرأة المعينة المحترمة بما يهيج الشهوة عليها) كحرمة مصافحة المرأة و مفاكهتها و حبسها لاجل الزنا- و ان لم يزن- و كراهة التكلم معها اكثر من خمس كلمات و ما اشبه ذلك من الامور المذكورة في كتاب النكاح (خصوصا) التشبيب ب (ذات البعل التى لم يرض الشارع بتعريضها للنكاح بقول: رب راغب فيك) او شائق أليك

ص: 35

«نعم» لو قيل بعدم حرمة التشبيب بالمخطوبة قبل العقد، بل مطلق من يراد تزويجها، لم يكن بعيدا، لعدم جريان اكثر ما ذكر فيها و المسألة غير صافية عن الاشتباه و الاشكال.

«ثم» ان المحكى عن المبسوط و جماعة: جواز التشبيب بالحليلة، بزيادة الكراهة.

و عن المبسوط و ظاهر الكل: جواز التشبيب بالمرأة المبهمة، بان يتخيل امرأة و يتشبب بها.

______________________________

( «نعم» لو قيل بعدم حرمة التشبيب بالمخطوبة قبل العقد بل مطلق من يراد تزويجها) عندها لا فيما اذا سبب ذلك انطباق بعض العناوين المحرمة السابقة (لم يكن بعيدا لعدم جريان اكثر ما ذكر فيها) و انطباق بعض الوجوه الاخر غير الدالة على الحرمة، غير ضار (و) على كل حال، ف (المسألة غير صافية عن الاشتباه) لمورد المحرم بغير المحرم (و الاشكال) في وجه التحريم، بناء على عدم انطباق عنوان محرم آخر عليه.

( «ثم» ان المحكى عن المبسوط و جماعة جواز التشبيب بالحليلة) اى الزوجة المحللة (بزيادة الكراهة) اى بكراهة زائدة. و لعل مرادهم التشبيب بها وحدها، لا في محل حضور اشخاص خصوصا الفساق و ما اوجب الهتك و الفضيحة اذ الدليل في المقامين واحد- كما لا يخفى-.

(و عن المبسوط و ظاهر الكل) الذين قيدوا التحريم ب «المعينة» (جواز التشبيب بالمرأة المبهمة بان يتخيل امرأة و يتشبب بها) كما هو عادة الشعراء بل الأدباء الاتقياء منهم أيضا. و يدل عليه بالإضافة الى

ص: 36

و اما المعروفة عند القائل دون السامع- سواء علم السامع اجمالا بقصد معينة أم لا- ففيه اشكال.

و في جامع المقاصد- كما عن الحواشى-: الحرمة في الصورة الاولى

و فيه اشكال، من جهة اختلاف الوجوه المتقدمة للتحريم.

و كذا اذا لم يكن هناك سامع.

______________________________

الاصل قصيدة السيد الحميرى «لام عمر باللوى مربع» و قد قررها الامام عليه السلام و لا يخفى ان التشبيب شامل لها.

نعم اذا انطبق على ذلك بعض العناوين المحرمة لم يجز و كذلك صورة النساء الخيالية.

(و اما) التشبيب بالمرأة (المعروفة عند القائل دون السامع- سواء علم السامع اجمالا بقصد) القائل امرأة (معينة أم لا- ففيه اشكال) من جهة انه تشبيب و اثارة للشهوة و ما اشبه. و من جهة ان المرأة المجهولة لا احترام لها كالشخص المجهول في جواز الغيبة.

(و في جامع المقاصد) التفصيل و هو (- كما عن الحواشى- الحرمة في الصورة الاولى) و هى ما لو علم السامع بقصد المتكلم امرأة معينة.

(و فيه اشكال من جهة اختلاف الوجوه المتقدمة للتحريم) فبعضها- نحو اثارة الشهوة- عام لعلم السامع و عدمه و بعضها- كاغراء الفساق و هتك الحرمة و ما اشبه- لا يشمل المجهولة مطلقا سواء علم السامع بقصد المتكلم معينة أم لا.

(و كذا اذا لم يكن هناك سامع) ففى التشبيب اشكال من جهة انه ليس

ص: 37

و اما اعتبار الايمان فاختاره في القواعد و التذكرة، و تبعه بعض الاساطين لعدم احترام غير المؤمنة.

و في جامع المقاصد- كما عن غيره- حرمة التشبيب بنساء اهل الخلاف و اهل الذمة لفحوى حرمة النظر إليهن و نقض بحرمة النظر الى نساء اهل الحرب. مع انه صرح بجواز التشبيب بهن.

______________________________

باغراء و لا هتك و لا اثارة شهوة و ما اشبه، فهو جائز و من جهة انه خلاف الستر و العفاف و ما اشبه، و لذا قالوا بانه لا يجوز الكذب على الله و الرسول و لو في الخلوة، فليس بجائز.

(و اما اعتبار الايمان) فى المرأة (فاختاره في القواعد و التذكرة، و تبعه بعض الاساطين، لعدم احترام غير المؤمنة) فيشمله اصل الجواز و قاعدة «الحل» و قاعدة «الناس مسلطون على انفسهم» فانها تقتضى حلية جميع الاعمال، الا ما خرج بالدليل.

(و في جامع المقاصد- كما عن غيره-) أيضا (حرمة التشبيب بنساء اهل الخلاف و اهل الذمة لفحوى حرمة النظر إليهن) فان التشبيب مثل النظر او أسوأ فاذا حرم النظر حرم التشبيب (و نقض) هذا الفحوى (بحرمة النظر الى نساء اهل الحرب) أيضا فان احدا من الفقهاء لم يجوز النظر الى جسد نساء اهل الحرب قبل الاسترقاق و التملك و يشمله عمومات ادلة التحريم (مع انه صرح بجواز التشبيب بهن) بالإضافة الى ان بعض ادلة التشبيب شاملة لمطلق النساء.

ص: 38

و المسألة مشكلة من جهة الاشتباه في مدرك اصل الحكم.

و كيف كان فاذا شك المستمع في تحقق شروط الحرمة لم يحرم عليه الاستماع، كما صرح به في جامع المقاصد.

و اما التشبيب بالغلام فهو محرم على كل حال، كما عن الشهيدين و المحقق الثاني، و كاشف اللثام، لانه فحش محض.

______________________________

(و المسألة مشكلة من جهة الاشتباه في مدرك اصل الحكم) فانه ليس هناك لفظ «التشبيب» فى رواية حتى ينظر الى انه هل يعم أم لا؟

(و كيف كان) فهذا كله حال المتكلم اما السامع (فاذا شك المستمع في تحقق شروط الحرمة لم يحرم عليه الاستماع، كما صرح به في جامع المقاصد) لاصالة البراءة.

و ربما يقال بلزوم الفحص لوجوب الفحص في الشبهات الموضوعية و لان المحرم لا اصالة في السكوت عليه الا اذا علم بالمخرج للفاعل له، الا ترى انه لا يجوز السكوت على من يشرب الخمر، الا اذا علمنا انه يشربها للاضطرار، فان حمل فعل المسلم على الصحيح انما هو في غير المحرمات المحتاجة الى المخرج، و لذا قالوا: انه لو رأيناه يبيع وقفا لم يجز الاشتراء منه الا اذا علمنا بجوازه له. و المسألة لها مقام آخر.

(و اما التشبيب بالغلام فهو محرم على كل حال) بدون تلك التفاصيل المذكورة في التشبيب بالمرأة (كما عن الشهيدين، و المحقق الثاني، و كاشف اللثام، لانه فحش محض).

و المراد بالفحش: المعصية الخارجة للحد، من فحش: اذا تعدى و كونه فحشا

ص: 39

فيشتمل على الاغراء بالقبيح.

و عن المفاتيح: «ان في اطلاق الحكم نظرا» و الله العالم.

______________________________

لان التشبيب بالغلام حرام مطلقا، و جريان جملة من الادلة المتقدمة هنا (فيشتمل على الاغراء بالقبيح) و هو قبيح، و حيث انه في سلسلة العلل فيجرى «كلما حكم به العقل حكم به الشرع».

(و عن المفاتيح: «ان في اطلاق الحكم نظرا») لان التشبيب به في الخلوة خصوصا اذا كان غلاما خياليا لم يدل دليل على تحريمه (و الله العالم) ثم التشبيب بزوجة امام زوجة او تشبيب المرأة بالرجل الاجنبى، او الزوج، او التشبيب بلغة لا يفهمها الحاضرون، او التشبيب بحيوان او مجسمة كانت قابلة للمواقعة كالاجسام المطاطة المتعارفة الآن لدى الفساق، او غير قابلة، او التشبيب بالجان او الحور او الولدان او التشبيب بنفسه امرأة كانت او غلاما، او ما اشبه ذلك يعرف حكمها مما تقدم

ص: 40

المسألة الرابعة تصوير صور ذوات الأرواح حرام،

اذا كانت الصورة مجسمة، بلا خلاف فتوى و نصا.

______________________________

(المسألة الرابعة) مما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما:

(تصوير صور ذوات الأرواح) و هو (حرام).

و التصوير على أربعة اقسام، لانه اما مجسم، او لا. و كل واحد منها اما ذو روح، او لا.

و قد اختلفوا فيها على خمسة اقوال:

الاول: الحرمة مطلقا.

الثاني: حرمة ذى الروح مجسمة كانت أم لا. دون غير ذى الروح.

الثالث: حرمة المجسمة ذات روح كانت أم لا دون سواها.

الرابع: حرمة ذات الروح مطلقا و المجسمة، دون غيرها.

الخامس: حرمة ذات الروح المجسمة فقط.

ثم ان الحرمة (اذا كانت الصورة) لذات روح (مجسمة، بلا خلاف فتوى و نصا) و هذا هو المتيقن من النصوص.

و مناقشة بعض بان هذه أيضا ليست بمحرم اذا لم يرد بها العبادة، بدعوى انصراف النصوص الى ما اريد بها العبادة لا الفن و اللعب و ما اشبه خالية عن الشاهد.

ص: 41

و كذا مع عدم التجسم، وفاقا لظاهر النهاية، و صريح السرائر، و المحكى عن حواشى الشهيد، و الميسية، و المسالك، و إيضاح النافع، و الكفاية و مجمع البرهان، و غيرهم.

للروايات المستفيضة:

مثل قوله- عليه السلام- «نهى ان ينقش شي ء من الحيوان على الخاتم».

و قوله- عليه السلام- «نهى عن تزويق البيوت، قلت: و ما تزويق البيوت؟ قال: تصاوير التماثيل».

و المتقدم عن تحف العقول «و صنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثال الروحانى».

______________________________

(و كذا) تحريم صورة ذات الروح (مع عدم التجسم، وفاقا لظاهر النهاية، و صريح السرائر، و المحكى عن حواشى الشهيد، و الميسية و المسالك، و إيضاح النافع، و الكفاية، و مجمع البرهان و غيرهم).

و ذلك (للروايات المستفيضة):

(مثل قوله- عليه السلام- «نهى ان ينقش شي ء من الحيوان على الخاتم»).

(و قوله- عليه السلام- «نهى عن تزويق البيوت، قلت: و ما تزويق البيوت؟ قال: تصاوير التماثيل») بناء على ان «الحيوان» و «الخاتم» من باب المثال، و كذا «البيوت» فى الخبر الثاني.

(و المتقدم عن تحف العقول «و صنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثال الروحانى») منسوب الى الروح، و ذلك يشمل المجسم و غير

ص: 42

و قوله- عليه السلام- فى عدة اخبار: «من صور صورة كلفه اللّه يوم القيامة ان ينفخ فيها و ليس بنافخ».

و قد يستظهر اختصاصها بالمجسمة، من حيث ان نفخ الروح لا يكون الا في الجسم.

و إرادة تجسيم النقش مقدمة للنفخ ثم النفخ فيه خلاف ظاهر.

______________________________

المجسم.

(و قوله- عليه السلام- فى عدة اخبار: «من صوّر صورة كلفه اللّه يوم القيامة ان ينفخ فيها و ليس بنافخ»).

و من المعلوم ان «النهى» فى الروايتين الاوليين ظاهر في التحريم كما حقق في الأصول-، و الاستثناء من الجواز- فى رواية تحف العقول- ظاهر في التحريم، كما ان الظاهر من العقاب: ترتبه على الحرام، فلا يقال: ان التكليف بالنفخ لا يدل على التحريم، لانه عقاب، و ما اكثر ما ورد العقاب على المكروهات، كما يظهر من مراجعة «عقاب الاعمال» للصدوق- رحمه اللّه-.

(و) هذه الاخبار كما تراها تشمل النقش كما تشمل المجسم، و لكن (قد يستظهر اختصاصها بالمجسمة، من حيث ان نفخ الروح لا يكون الا في الجسم).

(و) ان قلت: نفخ الروح لا يلازم الجسمية فيراد بالحديث الاعم من الجسم و النقش، ب (إرادة تجسيم النقش مقدمة للنفخ ثم النفخ فيه).

قلت: هذا (خلاف الظاهر) و خلاف الظاهر لا يؤخذ به.

ص: 43

و فيه: ان النفخ يمكن تصوره في النقش بملاحظة محله، بل بدونها كما في امر الامام الاسد المنقوش على البساط بأخذ الساحر في مجلس الخليفة.

او بملاحظة لون النقش الّذي هو في الحقيقة اجزاء لطيفة من الصبغ.

و الحاصل: ان مثل هذا لا يعد قرينة عرفا على تخصيص الصورة بالمجسم.

و اظهر من الكل صحيحة محمد بن مسلم «سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام

______________________________

(و فيه) ان الحديث اعم و ما ذكر من العلة لوجه الانصراف الى خصوص الجسم غير تام، ف (ان النفخ يمكن تصوره في النقش بملاحظة محله بل بدونها) اى بدون هذه الملاحظة (كما في امر الامام) الرضا عليه السلام- فى مجلس المأمون (الأسد المنقوش على البساط) او الستار (باخذ الساحر في مجلس الخليفة) فان الاعجاز كما يجعل من الجسم الجامد الّذي لا اجهزة له جسما حيا كامل الاجزاء و الاعضاء، كذلك يجعل من الصورة جسما.

(او بملاحظة لون النقش الّذي هو في الحقيقة اجزاء لطيفة من الصبغ) اذا فالرواية اعم من ذات الجسم و غيرها.

(و الحاصل: ان مثل هذا) اى «النفخ» (لا يعد قرينة عرفا على تخصيص الصورة بالمجسم) بحيث لا يشمل اطلاق الحديث غير المجسم.

(و اظهر من الكل) فى الدلالة على حرمة غير المجسم أيضا (صحيحة محمد بن مسلم «سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام-

ص: 44

عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر؟ قال: لا بأس، ما لم يكن شيئا من الحيوان» فان ذكر الشمس و القمر قرينة على اراده مجرد النقش، و مثل قوله- عليه السلام- «من جدّد قبرا او مثّل مثالا فقد خرج عن الاسلام».

فأن المثال و التصوير مترادفان- على ما حكاه كاشف اللثام عن اهل اللغة.

______________________________

عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر؟ قال: لا بأس، ما لم يكن شيئا من الحيوان») و المراد بالشي ء الافراد، لا الاجزاء، (فان ذكر الشمس و القمر قرينة على إرادة مجرد النقش) لان المتعارف نقشهما لا تجسمهما (و مثل قوله- عليه السلام- «من جدّد قبرا او مثّل مثالا فقد خرج عن الاسلام»).

و المراد بتجديد القبر: دفن ميت آخر في قبر سابق، مما يستلزم النبش، او قتل انسان حتى يكون سببا لتجديد قبر.

او يقرأ بالحاء المهملة، و المراد تسنيم القبر، او بالجيم و المراد:

تجديد بنائه بعد الاندراس.

او يقرأ بالخاء المنقطة من فوق، و المراد: شقه و نبشه.

و على بعض: الاحتمالات: العمل حرام، و على بعض: العمل مكروه.

و الشاهد في الفقرة الثانية (فان المثال و التصوير مترادفان- على ما حكاه كاشف اللثام عن اهل اللغة-) فالحديث شامل للنقش، و لكن ربما ينافيه الانصراف، و خصوص خبر على بن جعفر- عليه السلام قال «سألت اخى موسى- عليه السلام- عن مسجد يكون فيه تصاوير و تماثيل يصلى فيه؟ فقال- عليه السلام- تكسر رءوس التماثيل و تلطخ رءوس التصاوير

ص: 45

مع ان الشائع من التصوير و المطلوب منه هى الصور المنقوشة على اشكال الرجال و النساء و الطيور و السباع، دون الاجسام المصنوعة على تلك الاشكال.

و يؤيده أن الظاهر ان الحكمة في التحريم هى حرمة التشبه بالخالق في ابداع الحيوانات و اعضائها على الاشكال المطبوعة، التى يعجز البشر عن نقشها على ما هى عليه، فضلا عن اختراعها.

______________________________

و يصلى فيه» (مع ان الشائع من التصوير و المطلوب منه هى الصور المنقوشة على اشكال الرجال و النساء و الطيور و السباع، دون الاجسام المصنوعة على تلك الاشكال) فالأخبار المتضمنة للنهى شاملة للصورة لانها شائعة.

و لكن لا يخفى ان في كلام المصنف- رحمه اللّه- تأملا، اذ المطلوب القسمان كما هو المشاهد.

(و يؤيده) اى اطلاق التحريم حتى للنقش المجرد عن الجسم (أن الظاهر) من الانصراف العرفى من النهى (ان الحكمة في التحريم هى حرمة التشبه بالخالق، في ابداع الحيوانات و اعضائها على الاشكال المطبوعة) اى الملائمة للطبع (التى يعجز البشر عن نقشها على ما هى عليه) من الدقائق و المزايا و الخصوصيات (فضلا عن اختراعها).

و انما استظهر المصنف هذه الحكمة، من جهة ما دل على انه يؤمر بالنفخ فيها، فان كون التعذيب بعد العجز عن النفخ يدل على ان السبب انه تشبه بمن لا يتمكن من ان يعمل عمله.

ص: 46

و لذا منع بعض الاساطين عن تمكين غير المكلف من ذلك.

و من المعلوم ان المادة لا دخل لها في هذه الاختراعات العجيبة

______________________________

لكن لا يخفى ما في استظهار هذه الحكمة من الضعف، بل لا يبعد كون الحكمة المنع عن عبادة الاصنام و توابعها، حتى العمل بصنع التصاوير و التماثيل، اما كون العذاب بعد الامر بالنفخ فذلك للمناسبة بين الصورة و بين النفخ، كالمناسبة بين اكل اموال اليتامى و بين اكل النار، و المناسبة بين اكل الربا و بين إرادة القيام و عدم التمكن منه، لانه ملأ بطنه فكبر و ظهرت له حالة كحالة المصروع المربوط بالعقل و الدماغ، لمشاركتهما في عدم العقل، و هكذا.

و مما يؤيد عدم كون الحكمة ذلك، الجواز في مثل الشجر مع اشتراكه للحيوان في التشبه، بل لعل هذا مما يؤيد ما ذكرناه من كون الحكمة العبادة فان المتعارف لدى الجاهلية كان عبادة التماثيل لا الاشجار و نحوها.

(و لذا) الّذي ذكرناه من ان الحكمة في المنع التشبه بالخالق (منع بعض الاساطين عن تمكين غير المكلف من ذلك) التصوير، فانه فهم من الاحاديث شدة الحرمة حتى ان غير المكلف أيضا يلزم اجتنابه، و من المعلوم ان هذه الشدة في الحرمة لا تكون الا بسبب التشبه بالخالق، و الا فلم يمنع غير المكلف عنه.

(و) حيث تحقق ان الحكمة ما ذكر نقول: (من المعلوم ان المادة) الجسمية كاللحم و العظم و الدم (لا دخل لها في هذه الاختراعات العجيبة) اى البشر و الحيوان فان عجب الاختراع ليس لانه لحم و دم، و انما

ص: 47

فالتشبه انما يحصل بالنقش و التشكيل لا غير.

و من هنا يمكن استظهار اختصاص الحكم بذوات الارواح، فان صور غيرها كثيرا ما يحصل بفعل الانسان للدواعى الاخر من غير قصد التصوير و لا يحصل به تشبه بحضرة المبدع تعالى عن التشبيه، بل

______________________________

العجب بسبب الشكل كما قال سبحانه: وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ*، و اذا كان المناط الصورة (فالتشبه انما يحصل بالنقش و التشكيل لا غير) فليس الجسم حراما بدون الشكل و انما الشكل حرام سواء كان مع الجسم أم لا فيدل ما ذكرناه على كون النقش أيضا حراما، و لا يخفى ان ما ذكره المصنف- رحمه اللّه- وجه خطابى لا دخل له بالاستدلالات الفقهية.

(و من هنا) اى من كون الحكمة التشبه بالخالق (يمكن استظهار) وجه (اختصاص الحكم بذوات الارواح، فان صور غيرها) كالشجر و الحجر (كثيرا ما يحصل بفعل الانسان) كأن يصنع الباب او البناء بشكل جبل او شجر او ما اشبه (للدواعى الاخر) من الحاجات (من غير قصد التصوير).

و الحاصل: ان التشبه انما يحصل بصنع ذى الروح، اما صنع غير ذى الروح فانه من فعل اللّه و من فعل الانسان، فاذا صنع انسان صورة غير ذى الروح، او جسم غير ذى الروح، لم يتشبه بالخالق، لان المشبه به امر مشترك بين الخالق و المخلوق (و) لذلك (لا يحصل به) اى بتصوير غير ذات الروح (تشبه بحضرة المبدع تعالى عن التشبيه) فلا يحرم (بل) ليس صنع صورة غير ذى الروح من البشر امرا اتفاقيا- حتى يقال حيث ان صنع صورة غير ذى الروح الاكثر كونه من فعل اللّه، يحصل التشبه

ص: 48

كل ما يصنعه الانسان من التصرف في الاجسام فيقع على شكل واحد من مخلوقات اللّه تعالى.

و لذا قال كاشف اللثام- على ما حكى عنه- فى مسألة «كراهة الصلاة في الثوب المشتمل على التماثيل»: «انه لو عمت الكراهة لتماثيل ذى الروح و غيرها كرهت الثياب

______________________________

باللّه أيضا اذا صور انسان صورة غير ذى الروح- فان (كل ما يصنعه الانسان من التصرف في الاجسام) من صنع الدار و القصر و الكتاب و الدرج و ما اشبه (فيقع على شكل واحد من مخلوقات اللّه) فحيث ان صنع صورة غير ذى الروح يقع من الانسان بكثرة، كما انه يقع من اللّه تعالى لا يكون الاتيان بتصويره تشبها بالخالق، بخلاف صنع صورة ذى الروح، فانه خاص باللّه تعالى، و لذا يكون الاتيان بتصويره تشبها بالخالق.

اقول: لا يخفى ما في هذا الكلام من الاشكال، فان كون كل شي ء يصنعه الانسان شبيها بواحد من مخلوقات اللّه محل منع، و عدم حصول التشبه بصنع صورة الشجر و الانهار و النجوم و ما اشبه بالخالق أيضا محل منع.

(و لذا) الّذي ذكرنا من ان صنع كل شي ء يشبه مصنوعا من مصنوعات اللّه (قال كشف اللثام- على ما حكى عنه- فى مسألة «كراهة الصلاة في الثوب المشتمل على التماثيل»: انه لو عمت الكراهة لتماثيل ذى الروح و غيرها) بان قلنا ان المثال سواء كان لذى الروح او غير ذى الروح، مكروه في ثوب المصلى (كرهت) اى لزم ان تكره (الثياب) مطلقا في الصلاة

ص: 49

ذوات الاعلام لشبه الاعلام بالاخشاب و القصبات و نحوها و الثياب المحشوة لشبه طرائقها المخيطة بها، بل الثياب قاطبة، لشبه خيوطها بالاخشاب و نحوها» انتهى.

و ان كان ما ذكره لا يخلو عن نظر- كما سيجي ء-.

هذا، و لكن العمدة في اختصاص الحكم بذوات الارواح: أصالة الاباحة

______________________________

اما (ذوات الاعلام) من الثياب، التى فيها طرائق تخالف لون القماش ف (لشبه الاعلام بالاخشاب و القصبات) الممتدة طولا (و نحوها) من سائر المخلوقات المستقيمة الشكل، كالاغصان (و) اما (الثياب المحشوة) اى التى لا اعلام لها و قد حشت بالقطن (لشبه طرائقها المخيطة بها) اى بالاخشاب و القصبات (بل الثياب قاطبة، لشبه خيوطها بالاخشاب و نحوها).

و حاصل استدلال كشف اللثام: انه لو اريد بالتماثيل الاعم من ذى الروح و غير ذى الروح كراهة الصلاة في كل ثوب لكن هذا مخالف للضرورة و الاجماع فاللازم تخصيص الكراهة بالثوب ذى التماثيل الحيوانية فقط.

(و ان كان ما ذكره) كاشف اللثام (لا يخلو عن نظر- كما سيجي ء-).

(هذا) كله استظهار لحكمة الحكم و تفريع عليه، و قد عرفت انه اشبه ببعض الاستحسانات التى هى في غاية الوهن، و لا اعلم كيف اصر المصنف رحمه اللّه- على هذا الاصرار، (و لكن العمدة في اختصاص الحكم) بتحريم التصوير (بذوات الارواح: أصالة الاباحة) فى غير ذوات الارواح

ص: 50

مضافا الى ما دل على الرخصة، مثل صحيحة ابن مسلم السابقة، و رواية التحف المتقدمة، و ما ورد في تفسير قوله تعالى: «يَعْمَلُونَ لَهُ مٰا يَشٰاءُ مِنْ مَحٰارِيبَ وَ تَمٰاثِيلَ» من قوله: «و الله ما هى تماثيل الرجال و النساء، و لكنها تماثيل الشجر و شبهه» و الظاهر شمولها للمجسم و غيره فبها يقيد بعض ما مر من الاطلاق خلافا لظاهر جماعة. حيث انهم بين من يحكى عنه

______________________________

(مضافا الى ما دل على الرخصة، مثل صحيحة ابن مسلم السابقة، و رواية التحف المتقدمة، و ما ورد في تفسير قوله تعالى: «يَعْمَلُونَ لَهُ مٰا يَشٰاءُ مِنْ مَحٰارِيبَ وَ تَمٰاثِيلَ» من قوله) اى الامام- عليه السلام- فى تفسير الآية الكريمة، (و الله ما هى تماثيل الرجال و النساء، و لكنها تماثيل الشجر و شبهه) و صحيح زرارة عن الباقر- عليه السلام- «لا بأس بتماثيل الشجر» (و الظاهر شمولها للمجسم و غيره) فالمجسم و غير المجسم كلاهما جائزان اذا لم يكن مثال ذى الروح (فبها) اى باصالة الاباحة مضافا الى الاخبار الخاصة (يقيد ما مر من الاطلاق) الدال على حرمة كل تصوير

و الظاهر: ان مراد المصنف من «اصالة الاباحة»: العمومات المؤيدة بهذه الاخبار الخاصة، و الا فلو اراد الاصل العملى لم يكن ذلك العمدة في المسألة، فان نوبة الاصل بعد الدليل، و انما تكون العمدة حينئذ الروايات الخاصة، بل الاصل على هذا كالحجر في جنب الانسان.

(خلافا لظاهر جماعة) حيث لم يخصصوا التحريم بذى الروح فقط (حيث انهم بين من يحكى عنه

ص: 51

تعميمه الحكم لغير ذى الروح- و لو لم يكن مجسما- لبعض الاطلاقات اللازم تقييدها بما تقدم، مثل قوله- عليه السلام- «نهى عن تزويق البيوت» و قوله- عليه السلام- «من مثل مثالا» الخ.

و بين من عبر بالتماثيل المجسمة، بناء على شمول التماثيل لغير الحيوان،- كما هو كذلك- فخص الحكم بالمجسم.

لان المتيقن من المقيدات للاطلاقات، و الظاهر منها بحكم غلبة الاستعمال و الوجود: النقوش لا غير

______________________________

تعميمه الحكم) بالتحريم (لغير ذى الروح- و لو لم يكن مجسما-) و ذلك (لبعض الاطلاقات) الناهية، (اللازم تقييدها بما تقدم) من الادلة الدالة على جواز غير ذى الروح، و الاطلاقات (مثل: قوله- عليه السلام- «نهى عن تزويق البيوت»، و قوله عليه السلام- «من مثل مثالا») و غيرهما من الاطلاقات.

(و بين من عبر بالتماثيل المجسمة) المطلق لذى الروح او غير ذى الروح (بناء على شمول التماثيل لغير الحيوان،- كما هو كذلك-) فان التماثيل ليس خاصا بذى الروح (فخص الحكم) بالتحريم (بالمجسم) حيوانا كان او غير حيوان، و لا حرمة في غير المجسم و ان كان صورة حيوان او انسان.

و استدل لذلك بقوله: (لان المتيقن من المقيدات للاطلاقات) الدالة على التحريم مطلقا (و الظاهر منها) اى من المقيدات (بحكم غلبة الاستعمال و) غلبة (الوجود: النقوش لا غير) يعنى ان المقيد الّذي دل

ص: 52

و فيه: ان هذا الظهور لو اعتبر لسقط الاطلاقات عن نهوضها لاثبات حرمة المجسم، فتعين حملها على الكراهة دون التخصيص بالمجسمة.

و بالجملة

______________________________

على خروج الصورة من التحريم، الظاهر من ذلك المقيد «النقش» سواء كان نقش حيوان او غيره، و ذلك لان «الصورة» يغلب استعمالها و يغلب وجودها في «النقش» فقط، و على هذا ف «التمثال» و ان كان لغير ذى الروح، باق تحت النهى.

(و فيه: ان هذا الظهور لو اعتبر) بان قلنا ان المقيد ظاهر في النقش فقط (لسقط الاطلاقات عن نهوضها لاثبات حرمة المجسم) اذ بناء على هذا الاستظهار تكون اطلاقات النهى شاملة لتمثال غير ذى الروح لكن من المعلوم أن تمثال غير ذى الروح لا بأس به، فان الامام- عليه السلام قال: «لا بأس» بعد ما سئل عن تماثيل الشجر و نحوه (ف) اذا علمنا بالدليل ان تمثال غير ذى الروح ليس بمحرم (تعين حملها) اى المطلقات (على الكراهة) و ذلك لان النهى ان اشتمل على المنهى عنه المكروه سقطت دلالته على التحريم، و ذلك (دون التخصيص) للتحريم (بالمجسمة) كما يريده هذا القائل.

(و بالجملة) نقول- فى رد هذا القائل بان المجسم مطلقا حرام و النقش مطلقا حلال-: ان هناك دليلين: احدهما: يحرم التمثال مطلقا و الآخر: يحل التمثال مطلقا، فما هو وجه حمل التمثال في الأخبار المحللة على النقش، و في الاخبار المحرمة على المجسم؟ فان

ص: 53

التمثال في الاطلاقات المانعة مثل قوله- عليه السلام- «من مثل مثالا» ان كان ظاهرا في شمول الحكم للمجسم، كان كذلك في الأدلة المرخصة لما عدا الحيوان، كرواية تحف العقول، و صحيحة ابن مسلم، و ما في تفسير الآية.

فدعوى ظهور الاطلاقات المانعة في العموم، و اختصاص المقيدات المجوزة بالنقوش تحكم.

«ثم» انه لو عممنا الحكم بغير الحيوان مطلقا او مع التجسم فالظاهر

______________________________

(التمثال في الاطلاقات المانعة مثل قوله- عليه السلام- «من مثل مثالا» ان كان ظاهرا في شمول الحكم) بالتحريم (للمجسم، كان) التمثال شاملا (كذلك) للمجسم (فى الأدلة المرخصة لما عدا الحيوان، كرواية تحف العقول، و صحيحة ابن مسلم، و ما في تفسير الآية) فيكون دليل حرمة التمثال، و دليل حليته متعارضان، فيحمل ما دل على التحريم على الكراهة كما هو مقتضى ادلة الجواز و المنع-.

(فدعوى) هذا القائل (ظهور الاطلاقات المانعة في العموم) للمجسم و غير المجسم (و اختصاص المقيدات المجوزة بالنقوش) مع ان اللفظ في الاخبار المانعة و المجوزة واحد (تحكم) اى حكم بدون دليل.

( «ثم» انه لو عممنا الحكم) بالتحريم (بغير الحيوان مطلقا) اى قلنا بان صورة غير الحيوان- مطلقا سواء كانت مجسمة أم لا- كالحيوان محرم أيضا (او مع التجسم) بان قلنا بان صورة غير الحيوان محرمة اذا كانت مجسمة، كما ان صورة الحيوان مطلقا حرام (فالظاهر) ان نقول: يشترط

ص: 54

ان المراد به ما كان مخلوقا للّه سبحانه على هيئة خاصة معجبة للناظر، على وجه تميل النفس الى مشاهدة صورتها، المجردة عن المادة او معها فمثل تمثال السيف و الرمح و القصور و الابنية و السفن، مما هو مصنوع للعباد، و ان كانت في هيئة حسنة معجبة خارج.

و كذا مثل تمثال القصبات و الاخشاب و الجبال و الشطوط مما خلقه اللّه لا على هيئة معجبة للناظر، بحيث تميل النفس الى مشاهدتها

______________________________

فى التحريم ان يكون «الممثل» صورة مخلوقة للّه تعالى، و ان تكون صورة معجبة، فصورة غير المخلوق- كصورة السيف- و صورة مخلوق غير معجبة كصورة القصب، لا بأس بها، أما الاستثناء الاول فواضح، و اما الاستثناء الثاني، فلان المنصرف من التمثال الصور المعجبة لا مطلق الصورة، ف (ان المراد به) اى بتحريم غير الحيوان أيضا (ما كان مخلوقا للّه سبحانه) أولا و (على هيئة خاصة معجبة للناظر، على وجه تميل النفس الى مشاهدة صورتها، المجردة عن المادة) فى النقش (او معها) اى مع المادة، اى الصور المخلوقة ثانيا، و ذلك كبعض الاشجار الجملية، او الكواكب، او المناظر الخلابة المخلوقة (فمثل تمثال السيف و الرمح و القصور و الابنية و السفن مما هو مصنوع للعباد، و ان كانت في هيئة حسنة معجبة خارج) عن التحريم لانها من صنع البشر، و قد شرطنا في التحريم ان يكون من صنع اللّه تعالى.

(و كذا مثل تمثال القصبات و الاخشاب و الجبال و الشطوط مما خلقه اللّه) و لكن (لا على هيئة معجبة للناظر، بحيث تميل النفس الى مشاهدتها

ص: 55

و لو بالصور الحاكية لها، لعدم شمول الادلة لذلك.

هذا كله مع قصد الحكاية و التمثيل، فلو دعت الحاجة الى عمل شي ء يكون شبيها بشي ء من خلق اللّه، و لو كان حيوانا، من غير قصد الحكاية فلا بأس قطعا.

و منه يظهر

______________________________

و لو بالصور الحاكية لها) اى ان النفس لا تميل الى المشاهدة لكل من الصور الاصلية و الصور النقشية، و انما تميل الى مشاهدة الصور الاصلية فقط فان صنع صور هذه الامور أيضا جائز، اذ قد شرطنا في التحريم ان تكون الصورة معجبة (لعدم شمول الادلة لذلك).

لكن اذ اسلمنا عموم الادلة لم يكن وجه للتقييد، بان تكون الصورة معجبة فالانصراف ممنوع، كما يمنع الانصراف الى صورة الحيوان المعجبة فكل صورة حيوان محظورة.

(هذا كله) تمام الكلام في التصوير (مع قصد الحكاية و التمثيل ف) اما اذا لم يقصد التمثيل، و انما قصد صنع شي ء يكون هو مثال الحيوان او نحوه، كما (لو دعت الحاجة الى عمل شي ء يكون شبيها بشي ء من خلق اللّه، و لو كان حيوانا من غير قصد الحكاية فلا بأس قطعا) عند المصنف و آخرين، و كأنه لدعوى الانصراف، و ربما يقال: بالمنع، اذ لا وجه للتخصيص بالقصد بعد الاطلاق، و الانصراف، و هل يقال مثل ذلك في صنع الصليب و الصنم و المزمار و ما اشبه؟

(و منه) اى مما ذكرنا من اشتراط قصد الحكاية في التحريم (يظهر

ص: 56

النظر فيما تقدم عن كاشف اللثام.

«ثم» ان المرجع في الصورة الى العرف، فلا يقدح في الحرمة نقص بعض الأعضاء.

و ليس فيما ورد من رجحان تغيير الصورة بقلع عينها، أو كسر رأسها دلالة على جواز تصوير الناقص.

______________________________

النظر فيما تقدم عن كاشف اللثام) الّذي اشكل في الصلاة في مطلق الثياب بناء على الاشكال في مطلق الصور- حيث ان الثياب لا يقصد من اعلامها و خياطتها الحكاية، و قد عرفت اشتراط قصد الحكاية.

لكن ربما يقال: ان الادلة المانعة عن الصلاة في الثوب ذى الصور لا وجه لتقييدها بقصد الحكاية، أ رأيت انه لو قال المولى: يكره الصلاة في البيت الّذي فيه تمثال، لم ير العرف فرقا بين قصد صاحب التمثال و عدم قصده في كراهة الصلاة هناك.

( «ثم» ان المرجع في الصورة الى العرف) فما سمى صورة حرم سواء كانت ناقصة أم كاملة (فلا يقدح في الحرمة نقص بعض الاعضاء).

(و) ان قلت: ان كانت الصورة الناقصة محرمة فلما ذا يكفى تنقيص بعض اجزاء الصورة.

قلت: (ليس فيما ورد من رجحان تغيير الصورة بقلع عينها، او كسر رأسها، دلالة على جواز تصوير الناقص) لإمكان ان يكون الاحداث للصورة الناقصة محرما، اما الابقاء لها بعد التنقيص ليس محرما- بناء على تحريم ابقاء الصورة- بل سيأتى ان الظاهر جواز ابقاء الصورة كاملة

ص: 57

و لو صور بعض اجزاء الحيوان ففى حرمته نظر، بل منع، و عليه فلو صور نصف الحيوان، من رأسه الى وسطه، فان قدر الباقى موجودا بأن فرضه انسانا جالسا لا يتبين ما دون وسطه حرم، و ان قصد النصف لا غير لم يحرم، الا مع صدق الحيوان على هذا النصف.

و لو بدا له في اتمامه حرم الاتمام، لصدق التصوير باكمال الصورة، لانه ايجاد لها.

______________________________

فانه لا ملازمة بين الاحداث و الابقاء.

(و لو صور بعض اجزاء الحيوان ففى حرمته نظر، بل منع) لان المنصرف من الصورة تمام الصورة لا بعضها (و عليه) اى بناء على جواز تصوير الناقص (فلو صور نصف الحيوان، من رأسه الى وسطه، فان قدر) المصور (الباقى موجودا، بان فرضه انسانا جالسا لا يتبين ما دون وسطه، حرم) لصدق الصورة الكاملة عليه (و ان قصد النصف لا غير) بان كانت الصورة ناقصة (لم يحرم، الا مع صدق الحيوان) الكامل (على هذا النصف).

فالمصور و ان قصد بعض الحيوان، و لكن العرف كان يراه حيوانا كاملا.

(و) لو صور بعض الحيوان ف (لو بدا له في اتمامه) بان اخذ في اتمامه (حرم الاتمام) لان المحرم انما يتحقق حينئذ، دون حالة اوّل التصوير (لصدق التصوير) الكامل (باكمال الصورة) حينئذ (لانه ايجاد لها) الآن و الايجاد انما يتحقق حال الاتمام، لا حال الشروع الّذي لم يرد الا بعض

ص: 58

و لو اشتغل بتصوير حيوان فعل حراما، حتى لو بدا له في اتمامه.

و هل يكون ما فعل حراما، من حيث التصوير، او لا يحرم الا من حيث التجرى؟ وجهان:

من انه لم يقع الا بعض مقدمات الحرام بقصد تحققه.

______________________________

الصورة.

(و لو اشتغل بتصوير حيوان) بان اراد من الابتداء ان يصور حيوانا كاملا (فعل حراما، حتى لو بدا له في اتمامه) بان بنى على عدم اتمامه فلم يتممه.

لكن ربما يقال: بالحرمة من الاول في الصورة الاولى، و بعدم الحرمة و انما بالتجرى فقط- فى الصورة الثانية، لان مدار الحرمة: الحيوان الكامل، لا القصد، فان المصور في الاول شرع في الحرام و ان لم يقصد الحرام، و في الثانية لم يأت بالحرام و ان زعم انه يأتى به.

(و) كيف كان ففى صورة ما لو قصد الاتمام من اوّل الامر، ثم لم يتم ف (هل يكون ما فعل) من بعض التصوير (حراما، من حيث التصوير او لا يحرم الا من حيث التجرى؟ وجهان):- و ذلك بناء على حرمة التجرى لا على ما اختاره المصنف- رحمه اللّه- فى الرسائل من عدم حرمة التجرى.

اما وجه عدم الحرمة الا من حيث التجرى.

ف (من) جهة (انه لم يقع الا بعض مقدمات الحرام بقصد تحققه) فالفعل ليس بمحرم.

ص: 59

و من ان معنى حرمة الفعل- عرفا- ليس الا حرمة الاشتغال به عمدا، فلا يراعى الحرمة باتمام العمل.

و الفرق بين فعل الواجب المتوقف استحقاق الثواب على اتمامه، و بين الحرام، هو قضاء العرف فتأمل.

«بقى الكلام» فى جواز اقتناء ما حرم عمله من الصور و عدمه:

فالمحكى عن شرح الارشاد- للمحقق الاردبيلى-: «ان المستفاد من

______________________________

(و) اما وجه حرمة الفعل لا من حيث التجرى ف (من) جهة (ان معنى حرمة الفعل) اى التصوير (- عرفا- ليس الا حرمة الاشتغال به عمدا، فلا يراعى الحرمة باتمام العمل) فالشروع حرام، و ان لم يتم.

(و) ان قلت: على هذا لو شرع في الصلاة لزم ان يكون آتيا بالواجب و ان لم يتمها، مع ان احد الا يقول بذلك؟

قلت: (الفرق بين فعل الواجب المتوقف استحقاق الثواب على اتمامه و بين) فعل (الحرام) الّذي قلنا انه و ان لم يتمه فعل حراما، (هو قضاء العرف) و كفى به قاضيا في مقام الاطاعة و العصيان (فتأمل) فان الثابت من العرف ليس الا الاشتغال بالحرام واقعا، و بعض الصورة ليس حراما واقعا- و ان زعم المصور انه يأتى بالحرام-.

( «بقى الكلام» فى جواز اقتناء) و حفظ (ما حرم عمله من الصور و عدمه) اى عدم الجواز:

(فالمحكى عن شرح الارشاد- للمحقق الاردبيلى-: «ان المستفاد من

ص: 60

الاخبار الصحيحة، و اقوال الاصحاب: عدم حرمة ابقاء الصور» انتهى و قرره الحاكى على هذه الاستفادة.

و ممن اعترف بعدم الدليل على الحرمة: المحقق الثاني في جامع المقاصد- مفرعا على ذلك جواز بيع الصور المعمولة، و عدم لحوقها بآلات اللهو و القمار و أوانى النقدين-، و صرح في حاشية الارشاد بجواز النظر إليها.

لكن ظاهر كلام بعض القدماء: حرمة بيع التماثيل و ابتياعها:

ففى المقنعة- بعد ان ذكر فيما يحرم

______________________________

الأخبار الصحيحة، و اقوال الاصحاب، عدم حرمة ابقاء الصور» انتهى) مضافا الى أصالة عدم حرمة الإبقاء، حيث لم يوجد دليل على حرمة الابقاء (و قرره الحاكى على هذه الاستفادة).

(و ممن اعترف بعدم الدليل على الحرمة: المحقق الثاني في جامع المقاصد- مفرعا على ذلك) اى على جواز الابقاء و عدم جواز الابقاء (جواز بيع الصور المعمولة) فان قلنا بجواز ابقاء الصور جاز بيعها، و ان قلنا بعدم جواز ابقاء الصور لم يجز بيعها (و عدم لحوقها) اى الصور (بآلات اللهو و القمار و أوانى النقدين-) بناء على جواز بيع الصور، و عدم جواز بيع تلك الامور.

(و صرح في حاشية الارشاد بجواز النظر إليها) و لعل المراد بجواز النظر جواز الابقاء، و الا فالنظر جائز حتى الى ما يجب افنائه كالصليب و الصنم.

(لكن ظاهر كلام بعض القدماء: حرمة بيع التماثيل و ابتياعها).

(ففى المقنعة) للمفيد- رحمه اللّه- (- بعد ان ذكر فيما يحرم

ص: 61

الاكتساب به، الخمر و صناعتها و بيعها- قال: «و عمل الاصنام و الصلبان و التماثيل المجسمة، و الشطرنج، و النرد، و ما اشبه ذلك حرام، و بيعه و ابتياعه حرام» انتهى.

و في النهاية: «و عمل الاصنام، و الصلبان، و التماثيل المجسمة، و الصور و الشطرنج، و النرد و سائر انواع القمار حتى لعب الصبيان بالجوز و التجارة فيها، و التصرف فيها و التكسب بها، محظور» انتهى، و نحوها ظاهر السرائر.

«و يمكن» ان يستدل للحرمة- مضافا الى ان الظاهر من تحريم عمل الشي ء مبغوضية وجود المعمول ابتداءً و استدامة- بما تقدم في صحيحة ابن مسلم من قوله- عليه السلام-

______________________________

الاكتساب به الخمر و صناعتها و بيعها- قال: «و عمل الاصنام و الصلبان و التماثيل المجسمة، و الشطرنج، و النرد، و ما اشبه ذلك حرام، و بيعه و ابتياعه حرام» انتهى) كلام المفيد.

(و في النهاية: «و عمل الاصنام، و الصلبان، و التماثيل المجسمة، و الصور، و الشطرنج، و النرد و سائر انواع القمار حتى لعب الصبيان بالجوز و التجارة فيها، و التصرف فيها) بالحفظ و الاقتناء و الهبة (و التكسب بها محظور») ممنوع شرعا (انتهى، و نحوها ظاهر السرائر) لابن ادريس.

(و يمكن ان يستدل للحرمة) اى حرمة اقتناء الصور (- مضافا الى ان الظاهر من تحريم عمل الشي ء مبغوضية وجود المعمول ابتداءً) بالصنع (و استدامة) بالاقتناء- (بما تقدم في صحيحة ابن مسلم من قوله- عليه السلام-

ص: 62

«لا بأس ما لم يكن حيوانا» بناء على ان الظاهر من سؤال الراوى عن التماثيل، سؤاله عن حكم الفعل المتعارف المتعلق بها، العام البلوى، و هو الاقتناء، و اما نفس الايجاد فهو عمل مختص بالنقاش، الا ترى انه لو سئل عن الخمر فاجاب بالحرمة، او عن العصير، فاجاب بالإباحة، انصرف الذهن الى شربهما دون صنعتهما.

بل ما نحن فيه اولى بالانصراف لان صنعة العصير و الخمر تقع من كل احد بخلاف صنعة التماثيل.

______________________________

«لا بأس ما لم يكن حيوانا») هذا نقل للحديث بالمعنى، و الا فلفظ الحديث «شي ء من الحيوان» (بناء على ان الظاهر من سؤال الراوى عن التماثيل سؤاله عن حكم الفعل المتعارف) عند الناس (المتعلق بها) اى بالتماثيل (العام البلوى) اى الابتلاء (و هو الاقتناء) و الحفظ، فالسائل سأل عن الحفظ، و الامام اجاب بعدم الجواز في الحيوان (و اما نفس الايجاد فهو عمل مختص بالنقاش) و لا يقع عنه السؤال بمثل هذه الالفاظ بل المناسب ان يقال في السؤال عنه: ما تقول فيمن يرسم او ينقش او يصور او ما اشبه (الا ترى انه لو سئل عن الخمر، فاجاب) المسئول (بالحرمة، او) سئل (عن العصير، فاجاب بالإباحة، انصرف الذهن الى شربهما دون صنعتهما).

(بل ما نحن فيه) من السؤال عن التصاوير (اولى بالانصراف) الى الاقتناء، من سؤال الشخص عن الخمر و العصير (لان صنعة العصير و الخمر تقع من كل احد) فيمكن ان يكون السؤال عن التخمير و العصر (بخلاف صنعة التماثيل) فانها لا تقع الا من اشخاص مخصوصين.

ص: 63

و بما تقدم من الحصر، في قوله عليه السلام في رواية تحف العقول انما حرم اللّه الصناعة التى يجئ منها الفساد محضا، و لا يكون منه و فيه شي ء من وجوه الصلاح، الشي ء.

فان ظاهره: ان كل ما

______________________________

(و بما تقدم) عطف على «بما تقدم في صحيحة الخ».

و هذا دليل ثان على حرمة اقتناء الصور (من الحصر، في قوله عليه السلام في رواية تحف العقول) المتقدمة في اوّل الكتاب (انما حرم اللّه الصناعة التى يجئ منها الفساد محضا) و فيها، اعم من ان يكون ظرفا للفساد، مثل آلات اللهو و الغناء، حيث انها مثل الظرف للفساد، او ان يكون مبعثا للفساد، مثل الصنم الّذي لا يعد عرفا ظرفا للفساد، و انما هو مبعث للفساد.

و انما قلنا: بان «فيها» اعم بقرينة قوله: (و لا يكون منه و فيه شي ء من وجوه الصلاح) و تذكير الضمير في «منه و فيه» باعتبار (الشي ء) و تأنيثه في «فيها» باعتبار الصناعة الى قوله عليه السلام يحرم جميع التقلب فيه فان ضميمة الجملتين «انما حرم» و «يحرم» تعطى: ان كل شي ء ليس فيه صلاح يحرم جميع انواع التقلب فيه فاذا ضممنا هذه الكبرى الكلية المستفادة من النص الى صغرى خارجية: و هى ان الصور يجئ منها الفساد محضا، انتجت المقدمتان، ان الصور يحرم جميع انواع التقلب فيها، و من اقسام التقلب الاقتناء.

(فان ظاهره) اى ظاهر قوله عليه السلام: انما حرم اللّه (ان كل ما

ص: 64

يحرم صنعته- و منها التصاوير- يجئ منها الفساد محضا فيحرم جميع التقلب فيه، بمقتضى ما ذكر في الرواية بعد هذه الفقرة.

و بالنبوى: لا تدع صورة الا محوتها و لا كلبا الا قتلته، بناء على إرادة

______________________________

يحرم صنعته- و منها التصاوير- يجئ منها الفساد محضا) و «يجئ» خبر «ان كلما».

و بضميمة هذا الظاهر الى قوله عليه السلام يحرم جميع التقلب يتم المطلوب في باب التصاوير (فيحرم جميع التقلب فيه) اى فيما يحرم صنعته التى منها التصاوير.

و انما قلنا: يحرم (بمقتضى ما ذكر في الرواية) «ما ذكر» هو قوله عليه السلام «فيحرم ...» (بعد هذه الفقرة) اى فقرة «انما حرم اللّه ...».

و الحاصل ان الرواية تقول هنا «ما يأتى منه الفساد» و «ما يأتى منه الصلاح».

و الاول يحرم جميع انواع التقلب فيه، فالرواية حصر حقيقى، و لا قسم ثالث، بحيث يأتى منه الفساد و لا يحرم جميع انواع التقلب فيه.

(و بالنبوى) عطف على «بما تقدم» و هو دليل ثالث على حرمة اقتناء الصور (لا تدع صورة الا محوتها، و لا كلبا الا قتلته) فان: لا تدع، ظاهر في حرمة الابقاء، فيحرم اقتناء الصور.

لا يقال: لا تدع، محمول على الكراهة بقرينة و لا كلبا فان قتل الكلب ليس واجبا، فلا دلالة في النبوى على حرمة الاقتناء، بل على كراهة اقتناء الصور.

لانه يقال: لا تدع ظاهر في الحرمة (بناء على إرادة

ص: 65

الكلب الهراش المؤذى الّذي يحرم اقتنائه.

و ما عن قرب الاسناد بسنده عن على بن جعفر عليه السلام، عن اخيه عليه السلام، قال: سألته عن التماثيل، هل يصلح ان يلعب بها؟

قال: لا.

و بما ورد في انكار ان المعمول لسليمان على نبينا و آله و عليه السلام هى تماثيل الرجال و النساء

______________________________

الكلب الهراش) الّذي لا عمل له، كحفظ البستان و الغنم و نحوهما (المؤذى الّذي يحرم اقتنائه).

فكما ان حفظ مثل هذا الكلب حرام، كذلك حفظ الصورة حرام.

و انما يحرم ابقاء كلب الهراش المؤذى، لوجوب قطع مادة الفساد، و كلب الهراش منها.

(و) ب (ما عن قرب الاسناد) عطف على «بما تقدم» و هو دليل رابع لحرمة اقتناء الصور (بسنده عن على بن جعفر عليه السلام، عن اخيه عليه السلام، قال: سألته عن التماثيل، هل يصلح ان يلعب بها؟ قال) عليه السلام (لا).

وجه الاستدلال: انه لو جاز الاقتناء جاز اللعب، اذ اللعب بما هو لعب ليس بحرام، فاذا لم يجز اللعب دل على انه لا يجوز الاقتناء.

(و بما ورد في انكار ان المعمول لسليمان على نبينا و آله و عليه السلام هى تماثيل الرجال و النساء) عطف على «بما تقدم» و هو دليل خامس لحرمة اقتناء الصور، فقد ورد في الآية الكريمة: يَعْمَلُونَ لَهُ مٰا يَشٰاءُ مِنْ

ص: 66

فان الانكار انما يرجع الى مشيّة سليمان للمعمول، كما هو ظاهر الآية، دون اصل العمل

______________________________

مَحٰارِيبَ وَ تَمٰاثِيلَ.

و حيث توهم ان المراد تماثيل الانسان و انه كيف يجوز ذلك؟ و الحال ان صنع التمثال حرام، نفاه الامام عليه السلام و بين ان المراد بالآية: تماثيل الشجر و نحوه، لا تماثيل الرجال و النساء.

و وجه الاستدلال بانكار الامام عليه السلام ما ذكره المصنف بقوله:

(فان الانكار انما يرجع الى مشيّة سليمان للمعمول، كما هو ظاهر الآية).

بيان ذلك، ان الانسان قد يقول: انى اكره عمل الصورة، و قد يقول:

انى اكره الصورة.

فاذا قال، الاول لم يدل على كراهته لبقاء الصورة.

و اما اذا قال الثاني دل على كراهته لبقاء الصورة.

اذا عرفت هذا نقول: هذا الاستدلال الخامس يقول: ان انكار الامام عليه السلام راجع الى مشيّة سليمان للصورة.

فمعنى كلام الامام ان سليمان ما كان يحب الصور فيدل على حرمة الاقتناء، و الا فلما ذا كان يكره سليمان الصور؟ (دون اصل العمل) عطف على «للمعمول».

و عليه: فليس انكار الامام راجعا الى مشيّة سليمان لعمل الصور، حتى لا يرتبط كلام الامام عليه السلام بالاقتناء.

و انما قال المصنف: كما هو ظاهر الآية لان قوله: يعملون تعلق ب «ما».

ص: 67

فدل على كون مشيّة وجود التمثال من المنكرات التى لا يليق بمنصب النبوة.

و بمفهوم صحيحة زرارة عن ابى جعفر عليه السلام: لا بأس بان يكون التماثيل في البيوت اذا غيرت رءوسها، و ترك ما سوى ذلك.

و رواية المثنى عن ابى عبد اللّه عليه السلام: ان عليا عليه

______________________________

فالمعنى: يعملون مشيئة سليمان: المشيئة التى هى تماثيل، و الامام انكر هذا، اى لا يكون مشيئة سليمان الصور.

و اذ انكر الامام عليه السلام (فدل على كون مشية وجود التمثال من المنكرات التى لا يليق بمنصب النبوة).

و حيث ان الأنبياء اسوة، و ان الشريعة السابقة- اذا لم يعلم نسخها- جارية الى يومنا هذا، كان اللازم بقاء هذا الحكم، و هو كون اقتناء الصور منكرا و محرما.

(و بمفهوم صحيحة زرارة عن ابى جعفر عليه السلام: لا بأس بان يكون التماثيل في البيوت اذا غيرت رءوسها، و ترك ما سوى ذلك) من اجسادها.

و هذا عطف على «بما تقدم» و هو دليل سادس لحرمة اقتناء الصور، فان مفهوم الرواية البأس في بقاء التماثيل، اذا لم تغير، فيدل على حرمة الاقتناء لان معنى الباس الحرمة.

(و) ب (رواية المثنى عن ابى عبد اللّه عليه السلام: ان عليا عليه

ص: 68

السلام يكره الصور في البيوت بضميمة ما ورد في رواية اخرى مروية في باب الربا ان عليا عليه السلام لم يكن يكره الحلال.

و رواية الحلبى المحكية عن مكارم الاخلاق، عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: اهدى إليّ طنفسة من الشام فيها تماثيل طائر، فامرت به فغير رأسه فجعل كهيئة الشجر هذا.

و في الجميع نظر.

اما الاول: فلان الممنوع هو ايجاد

______________________________

السلام) كان (يكره الصور في البيوت) فيدل على عدم جواز الاقتناء، و هذا عطف على «بما تقدم» و هو دليل سابع لحرمة الاقتناء، (بضميمة ما ورد في رواية اخرى مروية في باب الربا ان عليا عليه السلام لم يكن يكره الحلال).

فمعنى ان عليا عليه السلام كان يكره الصور، ان بقاء الصور ليس بحلال.

(و) ب (رواية الحلبى المحكية عن مكارم الاخلاق، عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: اهدى إليّ طنفسة) هى نوع من الفرش (من الشام فيها تماثيل طائر، فامرت به) الضمير في «به» عائد الى «الشي ء المهدى» اى الطنفسة (فغير رأسه) اى رأس الطائر (فجعل كهيئة الشجر).

وجه الاستدلال بهذه الرواية: انه لو لم يكن الاقتناء حراما، لم يكن وجه لتغيير رأس الطائر المنقوش على الطنفسة (هذا) تمام الاستدلال على حرمة اقتناء الصور.

(و) لكن (فى الجميع) جميع الاستدلالات التسعة (نظر).

(اما الاول) الّذي قال: مضافا الى ان الظاهر .. (فلان الممنوع هو ايجاد

ص: 69

الصورة، و ليس وجودها مبغوضا حتى يجب رفعه.

نعم قد يفهم الملازمة من سياق الدليل او من خارج كما ان حرمة ايجاد النجاسة في المسجد يستلزم مبغوضية وجودها فيه المستلزم

______________________________

الصورة) اى صنعها، لانه الظاهر من النهى عن عمل الصور (و ليس وجودها مبغوضا حتى يجب رفعه).

و لا تلازم بين الامرين فقد ينهى الأب ولده عن صبغ الغرفة مثلا و يكون النهى بداعى ان لا يشغل وقته و يتأخر عن الدراسة، مع ان بقاء الصبغ ليس مبغوضا.

و لذا اذا خالفه و صبغ، لا يريد ازالة الصبغ، بل احيانا يكون بقاء الصبغ محبوبا عنده، فلعل داعى نهى الشارع عن عمل الصور، ان لا يتخذه الناس مهنة، و هو شي ء لا ينفع الدين و لا الدنيا، اما اذا صنعه انسان و خالف لم يكن بقائها منهيا عنه.

(نعم قد يفهم الملازمة) بين مبغوضية الصنع، و بين مبغوضية البقاء (من سياق الدليل) بان كانت هناك قرينة داخلية.

مثلا: يقول: لا تصنع التمثال لان بقائه يشبه الكفار الذين يكون في بيتهم الصنم (او من خارج) بان كانت هناك قرينة خارجية.

مثلا يقول: لا تأت بعدوّى الى دارى، حيث ان الواضح انه يكره ان يكون عدوه في داره.

و قد مثل المصنف بالقرينة المفهمة للتلازم بقوله: (كما ان حرمة ايجاد النجاسة في المسجد يستلزم) حيث فهم العرف (مبغوضية وجودها فيه) اى في المسجد، فالايجاد حرام و الابقاء حرام (المستلزم) اى

ص: 70

لوجوب رفعها.

و اما الروايات فالصحيحة الاولى غير ظاهرة في السؤال عن الاقتناء لان عمل الصور مما هو مركوز في الاذهان، حتى ان السؤال عن حكم اقتنائها بعد معرفة حرمة عملها، اذ لا يحتمل حرمة اقتناء ما لا يحرم عمله.

______________________________

يستلزم كون البقاء حراما (لوجوب رفعها) لانا علمنا من الخارج ان الشارع يريد طهارة بيته، قال سبحانه: وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ، الآية.

(و اما الروايات فالصحيحة الاولى) لابن مسلم (غير ظاهرة في السؤال عن الاقتناء) بل ظاهرها كون السؤال عن العمل، فقول الامام عليه السلام في جواب السؤال: لا بأس، اى لا بأس بالعمل، اذا لم يكن حيوانا.

و عليه فمفهومها البأس عن العمل اذا كان حيوانا، و ليس مفهومها البأس عن الاقتناء اذا كان حيوانا.

و انما كانت الصحيحة ظاهرة في السؤال عن العمل (لان عمل الصور مما هو مركوز في الاذهان) ففهم حكمه مطلوب لكل انسان (حتى ان السؤال عن حكم اقتنائها) اقتناء الصور، انما يكون (بعد معرفة حرمة عملها).

فالسؤال أولا عن العمل، ثم عن الاقتناء.

فالصحيحة ظاهرة في ان السؤال عن العمل.

و انما كان السؤال عن العمل أو لا (اذ لا يحتمل) عرفا (حرمة اقتناء ما لا يحرم عمله).

و لذا كان الاسلوب الطبيعى ان يسأل الانسان أولا: هل عمل الصورة حرام، أم لا؟

ص: 71

و اما الحصر في رواية تحف العقول فهو بقرينة الفقرة السابقة منها الواردة في تقسيم الصناعات الى ما يترتب عليه الحلال و الحرام و ما لا يترتب عليه الا الحرام، اضافى بالنسبة الى هذين القسمين

______________________________

فاذا قيل له: يحل، فلا سؤال لانه يعلم بديهة جواز اقتنائها.

اما اذا قيل: يحرم جاء دور السؤال الثاني: هل اقتنائها حرام أم لا؟

(و اما الحصر في رواية تحف العقول) حيث دلّت على ان جميع التقلب انما يحرم، اذا كان يأتى من الشي ء الفساد محضا.

و حيث ان الصور يأتى منها الفساد محضا، فلا بد ان يحرم جميع التقلب فيها التى منها الاقتناء (فهو) اى الحصر لا نسلم كونه حقيقيا حتى يستلزم حرمة الاقتناء، على التقريب المتقدم، بل نقول: بان الرواية تقول: ان ما ذكرها من القسمين، اذا كان قسم الحرام، يحرم جميع انواع التقلب، و لا دلالة في الرواية على انه ليس هناك قسم ثالث بحيث يحرم في الجملة، و لا يحرم جميع انواع التقلب فيه.

اذ: (بقرينة الفقرة السابقة منها الواردة في تقسيم الصناعات الى ما يترتب عليه الحلال و الحرام، و ما لا يترتب عليه الا الحرام، اضافى) «اضافى» خبر «الحصر» (بالنسبة الى هذين القسمين) فانه حيث ذكر في الرواية قسمين فقط، فاذا حصرت الرواية بعد ذلك الحكم في ما يحرم كل تقلب فيه، و في ما لا يحرم ان تقلب فيه لم يدل الحصر على انه لا قسم ثالث يكون حكمه حرمة التقلب في الجملة، و حلية التقلب في الجملة.

فالحصر الاضافى لا يقول: ان كل محرم عمله يحرم كل تقلب فيه بل

ص: 72

يعنى لم يحرم من القسمين الا ما ينحصر فائدته في الحرام، و لا يترتب عليه الا الفساد.

نعم يمكن ان يقال: ان الحصر وارد في مساق التعليل، و اعطاء الضابطة للفرق بين الصنائع لا لبيان حرمة خصوص القسم المذكور.

______________________________

يقول: و (يعنى) انه (لم يحرم من القسمين الا ما ينحصر فائدته في الحرام، و لا يترتب عليه الا الفساد).

فلا مانع ان يكون هناك قسم ثالث يحرم عمله و لكن لا يحرم كل تقلب فيه، و من القسم الثالث: الصورة، حيث يحرم عملها، و لا يحرم اقتنائها.

(نعم يمكن ان يقال: ان الحصر) فى الرواية حقيقى بملاحظة انه (وارد في مساق التعليل) اى العلة لحرمة عمل، و لحلية عمل (و اعطاء الضابطة) عطف على «مساق التعليل».

و انما اعطى الضابطة (للفرق بين الصنائع) فإرادة الحصر لبيان العلة (لا لبيان حرمة خصوص القسم المذكور) من القسمين.

و لا يمكن ان يخرج من الضابطة قسم، حتى يكون هناك قسم ثالث.

و انما يكون ما لبيان الضابطة حصرا حقيقيا، لانه لو كان الحصر اضافيا لا تكون ضابطة.

و الحاصل: ففهمنا من العلة في الرواية، الضابطة.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 2، ص: 73

و يفهم من الضابطة: كون الحصر حقيقيا.

و انما يفهم من العلة، الضابطة لان ظاهر العلة: انها في مقام بيان سبب الحرام و الحلال، و اذا كان قسم خارج لم يكن بيان كل اسباب

ص: 73

و اما النبوى، فسياقه ظاهر في الكراهة كما يدل عليه عموم الامر بقتل الكلاب.

و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في بعض من الروايات و لا قبرا إلا سويته.

و اما رواية على بن جعفر عليه السلام، فلا تدل الا على كراهة اللعب بالصورة، و لا نمنعها بل و لا الحرمة، اذا كان اللعب على وجه اللهو.

______________________________

الحرام و الحلال.

(و اما النبوى، فسياقه ظاهر في الكراهة) فيدل على كراهة ابقاء الصور، لا حرمة ابقائها (كما يدل عليه) اى على هذا السياق (عموم الامر بقتل الكلاب) اذ لم يقل اقتل الكلاب المؤذية، حتى يدل على الوجوب، بل قال: اقتل الكلاب، اى الهراش، فيشمل المؤذى و غير المؤذى.

و من المعلوم: ان قتل كل كلب هراش ليس بواجب.

(و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) عطف على «عموم» (فى بعض من الروايات) لان الروايات الواردة في امر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعلى عليه السلام حين وجهه الى اليمن متعددة (و لا قبرا الا سويته) مع وضوح ان تسوية القبور مستحبة لا واجبة.

فكما ان ترك التسوية مكروه، كذلك ترك الصور مكروه.

(و اما رواية على بن جعفر عليه السلام، فلا تدل الا على كراهة اللعب بالصورة، و لا نمنعها) اى لا نمنع كراهة اللعب بالصورة.

و من المعلوم: ان كراهة اللعب لا تلازم حرمة الاقتناء (بل و لا) نمنع (الحرمة) اى حرمة اللعب بالصورة (اذا كان اللعب على وجه اللهو)

ص: 74

و اما ما في تفسير الآية، فظاهره رجوع الانكار الى مشيئة سليمان على نبينا و آله و عليه السلام لعملهم بمعنى اذنه فيه او الى تقريره لهم في العمل.

و اما الصحيحة فالبأس فيها محمول على الكراهة لاجل الصلاة، او مطلقا مع دلالته على جواز الاقتناء

______________________________

المحرم، اى غاية دلالة رواية على بن جعفر انه يحرم اللعب بالصورة، و حرمة اللعب لا تلازم حرمة الاقتناء.

(و اما ما في تفسير الآية) آية: يَعْمَلُونَ لَهُ مٰا يَشٰاءُ مِنْ مَحٰارِيبَ وَ تَمٰاثِيلَ (ف) لا نسلم ان الرواية نفت مشيئة سليمان عليه السلام وجود التمثال، اذ (ظاهره) اى ظاهر ما في تفسير الآية (رجوع الانكار الى مشيئة سليمان على نبينا و آله و عليه السلام لعملهم) فلم يرد سليمان عليه السلام عمل التمثال، لا انه لم يرد ذات التمثال (بمعنى) ان الامام عليه السلام انكر (اذنه) اى اذن سليمان عليه السلام (فيه) فى العمل (او) رجوع الانكار (الى تقريره) اى تقرير سليمان عليه السلام (لهم) للعملة (فى العمل).

فالرواية تقول: ان سليمان عليه السلام لم يأذن، و لم يقرر عملهم، لا ان الرواية تقول: ان سليمان عليه السلام لم يرد ذات التمثال.

(و اما الصحيحة) لزرارة (فالبأس فيها محمول على الكراهة) لا الحرمة (لاجل الصلاة) كما هو المشهور في باب الصلاة في ثوب فيه صور (او مطلقا) و انه يكره لبس الثوب الّذي فيه الصور، فلا علاقة للصحيحة بالمقام (مع دلالته) اى دلالة البأس، اذا كان للكراهة (على جواز الاقتناء) للصور

ص: 75

و عدم وجوب المحو.

و اما ما ورد من ان عليا عليه السلام لم يكن يكره الحلال فمحمول على المباح المتساوى طرفاه، لانه عليه السلام كان يكره المكروه قطعا.

و اما رواية الحلبى، فلا دلالة لها على الوجوب اصلا و لو سلم الظهور في الجميع فهى معارضة بما هو اظهر

______________________________

(و عدم وجوب المحو) اذ لو كان الاقتناء حراما لزم النهى لا ان يقول بالكراهة

(و اما ما ورد من ان عليا عليه السلام لم يكن يكره الحلال) بضميمة انه عليه السلام كان يكره الصور في البيوت، مما يدل على ان الصور حرام (ف) هو (محمول على المباح المتساوى طرفاه) اى انه لم يكن يكره المباح.

و يدل على هذا الحمل ما ذكره بقوله: (لانه عليه السلام كان يكره المكروه قطعا) فلا دليل على انه عليه السلام كان اذا كره شيئا كان حراما، بل كان يكره الحرام، كما كان يكره المكروه، فاذا ورد انه كان يكره الصور كان المنصرف منه الكراهة لا الحرمة.

(و اما رواية الحلبى) حيث قال عليه السلام: فامرت به فغير رأسه (فلا دلالة على الوجوب اصلا) حتى يدل على حرمة ترك التغيير، فيدل على حرمة الاقتناء.

فان امر الامام عليه السلام اعم من الاستحباب و الوجوب، هذا وجه عدم دلالة روايات القائل بحرمة اقتناء الصور، على مطلوبه (و لو سلم الظهور في الجميع) اى جميع تلك الروايات (فهى معارضة بما هو اظهر) دلالة مما يوجب صرف ظاهر تلك الروايات الى الكراهة، لقاعدة الجمع

ص: 76

و اكثر.

مثل صحيحة الحلبى عن ابى عبد اللّه عليه السلام ربما قمت اصلّى، و بين يدى الوسادة فيها تماثيل طير، فجعلت عليها ثوبا.

و رواية على بن جعفر عن اخيه عليه السلام عن الخاتم يكون فيه نقش تماثيل طير، او سبع، أ يصلّى فيه؟ قال (ع) لا بأس.

و عنه عن اخيه عن البيت فيه صورة سمكة او طير، يعبث به اهل البيت هل يصلى فيه قال: لا حتى يقطع رأسه، و يفسد.

و رواية ابى بصير، قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن

______________________________

بين الظاهر و الاظهر (و اكثر) عددا.

(مثل صحيحة الحلبى عن ابى عبد اللّه عليه السلام) قال: (ربما قمت اصلّى، و بين يدى) اى امامى (الوسادة) المخدة (فيها تماثيل طير، فجعلت عليها ثوبا) مما يدل على وجود التماثيل في بيت الامام عليه السلام.

(و رواية على بن جعفر عن اخيه عليه السلام) موسى الكاظم (ع) سأله (عن الخاتم يكون فيه نقش تماثيل طير، او سبع، أ يصلّى فيه) هل يجوز ذلك؟ (قال «ع» لا بأس) مما يدل على عدم حرمة الاقتناء.

(و عنه) اى عن على بن جعفر «ع» (عن اخيه) الكاظم «ع» سأله (عن البيت فيه صورة سمكة او طير) او شبههما (يعبث به اهل البيت، هل يصلى فيه قال) «ع» (لا حتى يقطع رأسه، و يفسد) فانه لو كان بقائه في البيت حراما، لكان اللازم ان ينهى عنه الامام فعدم نهيه دليل على عدم حرمة الاقتناء، (و رواية ابى بصير، قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن

ص: 77

الوسادة و البساط يكون فيه التماثيل، قال: لا بأس به يكون في البيت، قلت: ما التماثيل؟ قال: كل شي ء يوطأ فلا بأس و سياق السؤال مع عموم الجواب يأبى عن تقييد الحكم بما يجوز عمله، كما لا يخفى.

______________________________

الوسادة و البساط) الفرش (يكون فيه التماثيل) هل يجوز ذلك؟ (قال) عليه السلام (لا بأس به يكون في البيت، قلت: ما) هى (التماثيل؟ قال كل شي ء يوطأ) عليه بالاقدام (فلا بأس) فانه دليل على عدم حرمة الاقتناء.

و قوله عليه السلام «يوطأ» يراد به في مقابل الاحترام للعبادة، كما يتخذها عباد الاصنام لذلك.

و لذا، فلا خصوصية للوطء، كما هو المفهوم عرفا من الرواية.

(و) ان قلت: ظاهر الرواية: ان السؤال و الجواب انما هما بالنسبة الى ما يجوز عمله من تماثيل الشجر و نحوها، فلا دلالة في الرواية لمحل البحث من تماثيل ذوى الارواح.

قلت: (سياق السؤال) حيث ان غير ذوى الارواح كان واضحا عند الروات عدم حرمته (مع عموم الجواب) حيث لم يفصل الامام عليه السلام بين تماثيل ذى الروح، و تماثيل غير ذى الروح (يأبى عن تقييد الحكم) بالجواز (بما يجوز عمله) من التماثيل (كما لا يخفى) على الخبير بكلام امثال ابى بصير، و بكلام الائمة عليهم السلام.

فان الفقهاء من اصحابهم عليهم السلام لا يسألون عما حليته واضحة، كما انهم عليهم السلام لا يطلقون الكلام، اذا كان هناك تقييد في الحكم.

ص: 78

و رواية اخرى لابى بصير، قال: قلت لابى عبد اللّه عليه السلام: انا نبسط عندنا الوسائد فيها التماثيل و نفرشها قال: لا بأس منها بما يبسط و يفرش، و يوطأ و انما يكره منها ما نصب على الحائط و على السرير.

و عن قرب الاسناد عن على بن جعفر عن اخيه عليه السلام سألته عن رجل كان في بيته تماثيل، او في ستر و لم يعلم بها، و هو يصلى في ذلك البيت، ثم علم ما عليه قال (ع): ليس عليه فيما لم يعلم شي ء، فاذا علم،

______________________________

(و رواية اخرى لابى بصير، قال: قلت لابى عبد اللّه عليه السلام: انا نبسط) اى نفرش (عندنا الوسائد) جمع و سادة، لانهم كانوا يجلسون على الوسادة (فيها التماثيل و نفرشها) اى نجعلها فراشا (قال: لا بأس منها بما يبسط و يفرش، و يوطئ و انما يكره منها ما نصب على الحائط و على السرير) فيدل على جواز الاقتناء، و انما يكره جعله في مكان التعظيم مثل المنصوب على الحيطان، و المنصوب على المرتفع من السرير- كالحائط-.

اما الموضوع على مكان المقعد من السرير فهو مثل المفروش على الارض، كما لا يخفى.

(و عن قرب الاسناد عن على بن جعفر) عليه السلام (عن اخيه عليه السلام) قال: (سألته) عليه السلام (عن رجل كان في بيته تماثيل، او) كان التماثيل (فى ستر)- بالفارسى-: پرده- (و لم يعلم بها، و هو يصلى في ذلك البيت، ثم علم، ما عليه) اى علم بالحال التى كان على تلك الحالة من وجود التماثيل في بيته، او في ستره (قال (ع): ليس عليه فيما لم يعلم شي ء، فاذا علم،

ص: 79

فلينزع الستر و ليكسر رءوس التماثيل.

فان ظاهره ان الامر بالكسر، لاجل كون البيت مما يصلى فيه.

و لذلك لم يأمره بتغيير ما على الستر، و اكتفى بنزعه.

و منه يظهر ان ثبوت البأس في صحيحة زرارة السابقة- مع عدم تغيير الرءوس- انما هو لاجل الصلاة.

______________________________

فلينزع الستر و ليكسر رءوس التماثيل).

فان الرواية تدل على عدم البأس بوجود التماثيل في البيت او الستر

فان قلت: فلما ذا قال الامام عليه السلام فليكسر رءوس التماثيل؟

قلت: قاله عليه السلام لاجل الصلاة.

(فان ظاهره ان الامر بالكسر، لاجل كون البيت مما يصلى فيه) و انما استظهرنا ذلك للانصراف.

(و لذلك) الّذي كان الكسر لاجل الصلاة- لا لاجل حرمة الاقتناء- (لم يأمر (ع) بتغيير ما على الستر) من الصور (و اكتفى بنزعه) حيث لا ينافى الصلاة، اذا لم تكن الصور ظاهرة.

و الا فلو كان الامر بكسر التماثيل لاجل حرمة اقتنائها، كان اللازم ان يأمر عليه السلام بمحو التماثيل من الستر أيضا- كما لا يخفى-.

(و منه) اى مما ذكرناه في هذه الرواية (يظهر ان ثبوت البأس في) مفهوم (صحيحة زرارة السابقة- مع عدم تغيير الرءوس- انما) البأس (هو لاجل الصلاة) لا لاجل حرمة الاقتناء- كما زعمه المستدل-.

ص: 80

و كيف كان فالمستفاد من جميع ما ورد من الاخبار الكثيرة في كراهة الصلاة في البيت الّذي فيه تماثيل الا اذا غيرت او كانت بعين واحدة او القى عليها ثوب جواز اتخاذها.

و عمومها يشمل المجسمة و غيرها.

و يؤيد الكراهة الجمع بين اقتناء الصور و التماثيل في البيت و اقتناء الكلب و الاناء المجتمع فيه البول، في الاخبار الكثيرة.

______________________________

(و كيف كان) الامر، سواء كانت للروايات السابقة دلالة، و انما تسقط بدلالة هذه الروايات، او انه لا دلالة للروايات السابقة (فالمستفاد من جميع ما ورد من الاخبار الكثيرة في كراهة الصلاة في البيت الّذي فيه تماثيل الا اذا غيرت) فلا تكره الصلاة (او كانت بعين واحدة) بان كانت ناقصة، فلا تكره الصلاة (او القى عليها ثوب) حتى لا تكون ظاهرة.

و انما تكره الصلاة اذا كانت التماثيل ظاهرة.

فقوله: (جواز اتخاذها) خبر «المستفاد».

(و عمومها) اى عموم تلك الروايات (يشمل المجسمة و غيرها) بان كانت ذات جسم او صورة فقط، اذ لو كان الاقتناء حراما لزم التنبيه على حرمتها لا الاكتفاء بذكر ما يدل على الكراهة، خصوصا ما دل على كفاية القاء ثوب عليها.

(و يؤيد الكراهة) كراهة الاقتناء دون حرمته (الجمع بين اقتناء الصور و التماثيل في البيت، و) بين (اقتناء الكلب و الاناء المجتمع فيه البول، في الاخبار الكثيرة).

ص: 81

مثل ما روى عنهم عليهم السلام مستفيضا عن جبرئيل على نبينا و آله و عليه السلام انا لا ندخل بيتا فيه صورة انسان، و لا بيتا يبال فيه، و لا بيتا فيه كلب و في بعض الاخبار اضافة الجنب إليها و الله العالم باحكامه.

______________________________

مع ان اقتناء الكلب و مجمع البول مكروه لا حرام، فارداف التماثيل لهما يدل على كراهة اقتناء الصورة أيضا.

(مثل ما روى عنهم عليهم السلام مستفيضا) اى في اخبار كثيرة (عن جبرئيل على نبينا و آله و عليه السلام) انه قال: (انا) معاشر الملائكة (لا ندخل بيتا فيه صورة انسان، و لا بيتا يبال فيه، و لا بيتا فيه كلب) و الظاهر ان المراد بالبيت الغرفة لا كل الدار (و في بعض الاخبار اضافة الجنب إليها) اى الى الثلاثة مع ان وجود الجنب في البيت ليس بحرام.

و انما قال المصنف (ره) «يؤيد» لان السياق شاهد، و ليس بدليل.

اذ من الممكن جمع المحرم و المكروه في كلام واحد (و الله العالم باحكامه) و ان كان حسب الظواهر الواردة عن اهل العصمة عليهم السلام: ان الاقتناء مكروه و ليس بحرام.

بل ربما قيل: ان عمل الصور مجسمة و غير مجسمة- أيضا- ليس بحرام اذا لم يكن بقصد العبادة، و انما المحرم عملها بقصد العبادة بقرينة الانصراف الى ذلك، و لو بمعونة كون المتعارف في ذلك الزمان عبادة المشركين لها.

ص: 82

..........

______________________________

و نفى الامام عليه السلام قصة تماثيل سليمان عليه السلام، لان اهل الكتاب نسبوا إليه عليه السلام انه صنع الاصنام للعبادة.

و يؤيده ما تقدم من ذكره عليه السلام عدم البأس فيما يوطؤ من التماثيل لئلا يكون موضع الاحترام و الله العالم.

ص: 83

الخامسة التطفيف حرام،

ذكره في القواعد في المكاسب و لعله استطراد، او المراد اتخاذه كسبا، بان ينصب نفسه كيالا او وزانا، فيطفف للبائع.

______________________________

المسألة (الخامسة) مما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما:

(التطفيف) اى النقص في الكيل و الوزن و هو (حرام) بلا اشكال و لا خلاف و يدل عليه الادلة الاربعة:

اما الكتاب فقوله سبحانه: «وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ» و قوله: «وَ لٰا تَنْقُصُوا الْمِكْيٰالَ وَ الْمِيزٰانَ» و قوله: «لٰا تَبْخَسُوا النّٰاسَ أَشْيٰاءَهُمْ»* بل و قوله:

«لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ»*.

و اما السنة فروايات كثيرة متواترة، كقول الصادق- عليه السلام- فى جملة من الاوصاف المحرمة: «و رأيت الرجل معيشته من بخس المكيال و الميزان».

و اما الاجماع فهو مستفيض الدعوى و النقل في كلامهم.

و اما العقل فلاستقلاله بقبح اكل مال الغير بالباطل و حيث ان القبح في سلسلة العلل، يشمله «كلما حكم به العقل حكم به الشرع».

(ذكره في القواعد في المكاسب) المحرمة (و لعله استطراد) اذ ليس التطفيف من انواع الكسب، (او المراد اتخاذه) اى التطفيف (كسبا، بان ينصب) الشخص (نفسه كيالا او وزانا، فيطفف للبائع) او لنفسه بان يبيع ناقصا و يأخذ الزائد لنفسه.

ص: 84

و كيف كان فلا اشكال في حرمته، و يدل عليه الادلة الاربعة.

«ثم» ان البخس في العدوّ و الذرع يلحق به حكما، و ان خرج عن موضوعه.

و لو وازن الربوي بجنسه فطف في احدهما، فان جرت المعاوضة على الوزن المعلوم الكلى فيدفع الموزون على انه بذلك الوزن اشتغلت ذمته بما نقص

______________________________

(و كيف كان) مراد العلامة (فلا اشكال في حرمته، و يدل عليه الادلة الاربعة) كما عرفت الاشارة إليها.

(ثم ان البخس) و التنقيص (فى العدّ) بأن يبيع عشرة بيوض ثم يعطى تسعة مثلا (و الذرع) كأن يبيع عشرين ذراعا و يسلم تسعة عشر (يلحق به حكما) اى بالتطفيف، فذلك حرام قطعا للعقل و النقل (و ان خرج عن موضوعه) لان الغالب من استعمال التطفيف انما هو في المكيل و الموزون، و لذا فسر التطفيف في المصباح بالتقليل الشامل لكل اقسام التقليل و عليه فالخروج موضوعا محل مناقشة.

(و لو وازن الربوي) اى الامور التى يجرى فيها الربا (بجنسه) لان ربا المعاملة لا يكون الا بالجنس (فطفف في احدهما، فان جرت المعاوضة على الوزن) او الكيل (المعلوم الكلى) بان باع منّا من حنطة، بمنّ من حنطة، و كلاهما كان كليا (فيدفع) بعد ذلك (الموزون) الناقص كثلاثة ارباع المنّ- مثلا- بناء (على انه) اى هذا المدفوع (بذلك الوزن) الّذي جرت عليه المعاوضة (اشتغلت ذمته بما نقص) و صح البيع، لان النقص

ص: 85

و ان جرت على الموزون المعين باعتقاد المشترى، انه بذلك الوزن فسدت المعاوضة في الجميع، للزوم الربا.

و لو جرت عليه، على انه بذلك الوزن بجعل ذلك عنوانا للعوض، فحصل الاختلاف بين العنوان و المشار إليه، لم يبعد الصحة.

و يمكن ابتناؤه

______________________________

كان في مقام الوفاء (و ان جرت) المعاوضة (على الموزون المعين) الكامل (باعتقاد المشترى) و (انه بذلك الوزن) الناقص واقعا (فسدت المعاوضة في الجميع، للزوم الربا) لان المقابلة انما وقعت بين الجنسين و احدهما ناقص، و هذا هو موضوع الربا، الموجب للفساد وضعا، و الحرمة تكليفا، الا انه حيث يجهل الربا في المقام لا تكون حرمة تكليفية.

(و لو جرت) المعاوضة (عليه، على انه بذلك الوزن) المساوى للجنس في الطرف الآخر (بجعل ذلك) الوزن (عنوانا للعوض) بان يكون الملحوظ في المعاوضة هو الجنس المقيد بالوزن الكذائى، و ذلك بخلاف الصورة الثانية حيث ان الملحوظ نفس الجنس فقط (فحصل) فى الصورة الثالثة (الاختلاف بين العنوان و المشار إليه، لم يبعد الصحة) لان مصب العقد «المقيد بما هو مقيد» و هو مساو للثمن، اما المشار إليه فليس هو مصب العقد، حتى يكون التفاوت بينه و بين الثمن موجبا للربا.

لكن يمكن ان يقال: ان المناط هو «المشار إليه» و هو مخالف للثمن وزنا و لذا اضرب المصنف- رحمه الله- عن القول بالصحة بقوله:

(و يمكن ابتناؤه) اى البطلان و الصحة في مسألة تخلف الذات و

ص: 86

على ان: لاشتراط المقدار مع تخلفه قسطا من العوض، أم لا، فعلى الاول يصح دون الثاني.

______________________________

الوصف (على ان لاشتراط المقدار مع تخلفه قسطا من العوض) كأنه جزء حكمى، فاذا باع نصف منّ حنطة بشرط كونه منّا بمقابل منّ من الحنطة، كان «المن الثمن» نصفه في مقابل «ذات المثمن» و نصفه في مقابل «شرط كونه منّا» (أم لا) بان لا يكون الشرط بمنزلة الجزء (فعلى الاول يصح) لعدم لزوم الربا، اذ وقعت المعاوضة بين «نصف من» و «نصف منّ» و بين «الشرط» و «نصف منّ آخر».

(دون الثاني) اذ: لو قلنا ان الشرط ليس بمنزلة الجزء كان «المن» واقعا في مقابل «نصف منّ» فيلزم الربا، و هو موجب للبطلان.

ص: 87

السادسة التنجيم حرام،
اشارة

و هو- كما في جامع المقاصد-: الاخبار عن احكام النجوم باعتبار الحركات الفلكية و الاتصالات الكوكبية.

و توضيح المطلب يتوقف على الكلام في مقامات:
«الأول»- الظاهر انه لا يحرم الاخبار عن الاوضاع الفلكية المبتنية على سير الكواكب، كالخسوف

______________________________

المسألة (السادسة) مما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما:

(التنجيم) و هو (حرام) فى الجملة بلا اشكال و لا خلاف

(و هو- كما في جامع المقاصد-: الاخبار عن احكام النجوم باعتبار الحركات الفلكية) مثلا يقول: «ان الهواء يبرد لانه مقتضى حركة الكوكب الفلانى» (و الاتصالات الكوكبية) اى اتصال بعض الكواكب ببعض و المراد بالاتصال: الاقتراب، او دخول كوكب في برج كدخول الشمس في برج الحمل، و الحاصل من «الحركة» و «الاتصال» انه قد يحكم حكما مستندا الى الكواكب بمجرده، و قد يحكم حكما مستندا الى الكواكب باعتبار معيته مع كوكب آخر.

(و توضيح المطلب) ليعرف المحلل من المحرم (يتوقف على الكلام في مقامات):

( «الاول» الظاهر) من الاخبار و كلمات العلماء، مضافا الى الاصل (انه لا يحرم الاخبار عن الاوضاع الفلكية المبتنية على سير الكواكب كالخسوف

ص: 88

الناشئ عن حيلولة الارض بين النيرين و الكسوف الناشئ عن حيلولة القمر او غيره بل يجوز الاخبار بذلك اما جزما اذا استند الى ما يعتقده برهانا، او ظنا اذا استند الى الامارات.

و قد اعترف بذلك جملة ممن انكر التنجيم:-

«منهم» السيد المرتضى، و الشيخ ابو الفتح الكراجكى- فيما حكى عنهما-

______________________________

الناشئ عن حيلولة الارض بين النيرين): الشمس و القمر، و لذا لا يستفيد القمر من نور الشمس فينخسف، (و الكسوف الناشئ عن حيلولة القمر) فى الكسوف المرئى (او غيره) من سائر الكواكب في الكسوف غير المرئى، الا بالارصاد، بين الشمس و الارض، فاذا حال القمر حجب قسما من نور الشمس فلا يصل الى الارض، فلا يرى قسم من الشمس، او تمامها و ذلك هو الكسوف المرئى، فهذا القسم من التنجيم جائز و ليس بمحرم (بل يجوز الاخبار بذلك) الوضع الفلكى (اما جزما اذا استند) الاخبار (الى ما يعتقده) المخبر (برهانا) و دليلا (او ظنا، اذا استند الى الامارات) و العلامات التى لا تورث العلم.

و قوله: «بل» ترقّ عن قوله: «لا يحرم الاخبار» اذ الاخبار شامل للاحتمالى، فالاخبار العلمى و الظنى ارقى منه درجة.

(و قد اعترف بذلك) الّذي ذكرنا من جواز الاخبار بمثل هذه الامور (جملة ممن انكر التنجيم) و قالوا ببطلانه.

( «منهم» السيد المرتضى، و الشيخ ابو الفتح الكراجكى- فيما حكى عنهما-

ص: 89

فى رد الاستدلال على اصابتهم في الاحكام باصابتهم في الاوضاع ما حاصله-: ان الكسوفات و اقتران الكواكب و انفصالها من باب الحساب و سير الكواكب، و له اصول صحيحة، و قواعد سديدة و ليس كذلك ما يدعونه عن تأثير الكواكب في الخير و الشر، و

______________________________

فى رد الاستدلال على اصابتهم في الاحكام باصابتهم في الاوضاع)

فان بعض الناس قالوا: ان المنجم كما يصيب في اخباره بالاوضاع الفلكية من قبل الكسوف و الخسوف، كذلك يصيب في اخباره بالاحكام الفلكية، مثل ان الجيش اذا تحرك يوم كذا يظفر، او الانسان اذا ولد في ساعة كذا يطول عمره، و ما اشبه ذلك، لكن السيد و الشيخ لم يقبلا هذا القياس ورداه فقالا (ما حاصله-: ان الكسوفات) الكلية و الجزئية و الشمسية و القمرية و الكوكبية (و اقتران الكواكب) باقتراب بعضها من بعض (و انفصالها) بابتعاد بعض الكواكب عن بعض (من باب الحساب و سير الكواكب) فان الانسان اذا حسب ان القمر يسير في كل يوم كذا سيرا و ان بينه و بين عقدة الذنب مثلا مسافة كذا يوم، و ان الشمس في يوم كذا في العقدة، علم بحيلولة القمر بين الشمس و بين الارض، فيحدث الكسوف، و هذا كما انك تخبر ان الانسان الفلانى يصل في الساعة الفلانية الى المكان الكذائى اذا عرفت مقدار سير هذا الانسان كل ساعة، و عرفت المسافة بين هذا الشخص و بين ذلك المكان (و له) اى لهذا الحساب (اصول صحيحة، و قواعد سديدة) مبتنية على الرؤية و الحدس المورث للعلم، (و ليس كذلك) داخلا في الأصول و القواعد (ما يدعونه عن تأثير الكواكب، في الخير و الشر و

ص: 90

النفع و الضرر، و لو لم يكن الفرق بين الامرين الا الاصابة الدائمة المتصلة في الكسوفات و ما يجرى مجراها فلا يكاد تبين فيها خطاء، و ان الخطاء الدائم المعهود انما هو في الاحكام حتى ان الصواب فيها عزيز، و ما يتفق فيها من الاصابة قد يتفق من المخمن اكثر منه.

______________________________

النفع و الضرر) كان يكون زحل نحسا فاذا ولد عند اقترانه بالكوكب الكذائى مولود- مثلا- كان صاحب شر و ظلم، و ان تكون الزهرة مباركة، و هكذا (و لو لم يكن الفرق بين الامرين) بين الكسوف و الاتصال و الانفصال و بين الاحكام الكوكبية (الا الاصابة الدائمة المتصلة) لبعض افرادها ببعض (فى الكسوفات و ما يجرى مجراها) من تغير الهواء في ابراج خاصة، و ما اشبه ذلك (فلا يكاد تبين فيها) اى في الكسوفات و ما يجرى مجراها (خطاء) تقريبا (و ان الخطاء الدائم المعهود) الّذي نعهده في كلام المنجمين (انما هو في الاحكام) الباقية اى ما يقولونه من الخير و الشر المربوط بالنجوم (حتى ان الصواب فيها) اى في الاحكام الباقية (عزيز) نادر (و ما يتفق فيها) اى في الاحكام الباقية (من الاصابة) و صحة القول (قد يتفق من المخمن) الّذي يقول تخمينا و ببعض الشواهد الاحتمالية، كما يقول بعض النساء: ان الليلة الفلانية اذا جاء فيها الضيف يورث النكبة او الفرح و اذا اصبن مرة كان اتفاقا، لا من باب الاستناد الى تلك الليلة (اكثر منه) اى من احكام المنجمين في الخير و الشر «لكفى» فى كونه فارقا، و قولنا «لكفى» خبر لقوله: «لو لم يكن الفرق» و قد حذف الخبر في الكلام، للعلم به. قال ابن مالك: «و حذف ما يعلم جائز كما» «تقول زيد بعد من عندكما».

ص: 91

فحمل احد الامرين على الآخر بهت و قلة دين انتهى المحكى من كلام السيد.

و قد اشار الى جواز ذلك في جامع المقاصد مؤيدا ذلك بما ورد من كراهة السفر و التزويج في برج العقرب

______________________________

(فحمل احد الامرين) من الحسابات الفلكية الاحكام الفلكية (على الآخر) بان نقول: كما انهم يصيبون في الحساب كذلك يصيبون في الاحكام (بهت و قلة دين) لان الشارع منع من الاحكام، و لم يمنع من الحساب لان الّذي يقول بذلك لا حياء له حتى يخجل فلا يقيس الباطل بالحق (انتهى المحكى من كلام السيد).

(و قد اشار الى جواز ذلك) اى الاخبار عن الاوضاع الفلكية (فى جامع المقاصد مؤيدا ذلك) الجواز- بعد الاصل- (بما ورد من كراهة السفر و التزويج في) وقت كون القمر في (برج العقرب) فان هذا مؤيد لجواز اخبارهم اذ لو لا كون اخبارهم بان القمر في برج كذا صحيحا، لم يعرف هذا الموضوع، حتى نتمكن من تجنب التزويج و السفر في ذلك البرج، فقد ورد عنهم عليهم السلام «من سافر او تزوج و القمر في برج العقرب لم ير الحسنى ابدا» و وجه كونه تأييدا لا دليلا: احتمال ان كون القمر في برج العقرب لا يبنى على قول المنجم، و انما هو واضح للعيان لان الانسان يرى القمر في السماء محاذيا للبرج الّذي فيه صورة العقرب.

«ثم» ان كون المعيار في الكراهة صورة العقرب، او برجها، محل اشكال.

ص: 92

لكن ما ذكره السيد من الاصابة الدائمة في الاخبار عن الاوضاع محل نظر، لان خطأهم في الحساب في غاية الكثرة، و لذلك لا يجوز الاعتماد في ذلك على عدولهم فضلا عن فساقهم.

لان حسابهم مبتنية على امور نظرية مبتنية على نظريات اخر.

______________________________

(لكن ما ذكره السيد) المرتضى (من الاصابة الدائمة) للمنجم (فى الاخبار عن الاوضاع) الفلكية (محل نظر، لان خطأهم في الحساب في غاية الكثرة) و يدل على خطأهم اختلاف التقاويم في هذه الامور، و لو كانت الاصابة دائمة لم يكن هناك اختلاف اصلا (و كذلك) اى مع الخطاء الكثير منهم (لا يجوز الاعتماد على عدولهم فضلا عن فساقهم) اذ العدل انما يعتمد عليه اذا لم يظهر خطأه المستمر، فانه خارج عن ادلة الاخذ بقول العادل

و حيث لا يصح الاعتماد عليهم لم يكن قولهم حجة فيما كان الموضوع الفلكى الكذائى مورد حكم من الاحكام الشرعية، فاللازم جريان الأصول العملية فيها أو الاحتياط، اذا كان هناك مجال للاحتياط، مثل ان يؤخذ ماء النيسان في وقت يكون قطعا من النيسان، و الا فلو قال المنجم: دخل الوقت، استصحب عدم الدخول، كاستصحاب عدم الفجر للشاك فيه (لان حسابهم مبتنية على امور نظرية) كالافلاك التى اثبتوها لكل كوكب مثلا قالوا «المائل الحامل ثم الجوزهر» «و هكذا التدوير افلاك القمر» (مبتنية) تلك الامور النظرية (على نظريات اخر) فان وجود تلك الافلاك مبتنية على نظرية ان الحركات الكوكبية لا تكون إلا طبق مدارات، لما ذكروه من استحالة حركة الكوكب حركة غير طبيعية، و كلتا النظريتين محل نظر، اذ- أوّلا-

ص: 93

الا فيما هو كالبديهى مثل اخبارهم يكون القمر في هذا اليوم في برج العقرب و انتقال الشمس عن برج الى برج في هذا اليوم

______________________________

من الممكن كون الافلاك اكثرا و اقلا و لا افلاك اطلاقا و ثانيا- من الممكن ان تكون حركات الكواكب تحت نظام ارادى لا نظام طبيعى.

و يظهر ما ذكرنا بهذا المثال، كان يرى انسان راكب في قطار- يظنه واقفا، و هو يتحرك كل ساعة فرسخا- ان سيارة تقترب منه في كل ساعة فرسخين، فيقول «هذه السيارة تسير في كل ساعة فرسخين، و بيننا و بينها أربعة فراسخ، فهى تصل إلينا بعد ساعتين، بينما ان قوله «تسير في كل ساعة فرسخين» خطاء لان السير موزع بين القطار ثلاث ساعات، و بين السيارة ساعة و قوله «أربعة فراسخ» خطاء، لان المسافة اكثر.

و الحاصل ان المنجم يرى النتائج، لكن هذه النتائج متوقفة على تلك المقدمات التى رتبها او على مقدمات اخرى، فذلك غير معلوم- أولا- و كون النتائج دائمية غير معلوم- ثانيا- كما نرى الآن ان المنجمين ينسبون «الفصول الاربعة» بحركة الارض، و القدماء كانوا ينسبونها الى حركة الشمس.

(الا فيما هو كالبديهى مثل اخبارهم بكون القمر في هذا اليوم في برج العقرب) لأنهم يرون القمر محاذيا لصورة الكواكب التى تسمى ب «العقرب» (و انتقال الشمس عن برج الى برج في هذا اليوم) لان الفصول الاربعة هى التى تعين مواضع الشمس من البروج، و الفصول امر باد للحس: و قوله «كالبديهى» و لم يقل «بديهى» لان رؤية المحاذاة لا تدل على

ص: 94

و ان كان يقع الاختلاف بينهم فيما يرجع الى تفاوت يسير.

و يمكن الاعتماد في مثل ذلك على شهادة عدلين منهم اذا احتاج الحاكم لتعيين أجل دين او نحوه.

______________________________

انه واقعا محاذ، فان الاجسام البعيدة لا ترى كالواقع، و لذا نرى الشمس الكبيرة صغيرة جدا، و الفصول انما تحدد المكان للشمس تقريبا لا تحقيقا (و ان كان يقع الاختلاف بينهم فيما يرجع الى تفاوت يسير) فى ان الساعة الكذائية وقت الخسوف، او ساعة قبلها او بعدها- كما هو المشاهد في اختلاف التقاويم-.

(و يمكن الاعتماد في مثل ذلك) الامر الّذي هو كالبديهى (على شهادة عدلين منهم اذا احتاج الحاكم لتعيين أجل دين) جعلاه عند البرج الكذائى (أو نحوه) كما لو جعل اوّل سنة زرعه أو اغنامه اوّل برج كذا و قلنا بصحة السنة الشمسية للخمس في مثل هذه الامور- كما ليس ببعيد-

«ثم» ان قول المصنف- رحمه الله- «شهادة عدلين» مبنى على الاحتياج الى «العدد، و العدالة» فى اهل الخبرة، و لا يبعد عدم الاحتياج فان قول اهل الخبرة حجة، و ان كان واحدا غير عادل، و لذا يعتمد على الطبيب المسيحى، و المكارى غير المسلم، و من اشبه.

و يدل على ذلك- بالإضافة الى عدم شمول الادلة المشترطة للعدد و العدالة، لاهل الخبرة- اعتماد النبي صلى الله عليه و آله في «قصة غزوة بدر» حيث سأل احد الكفار عن مقدار جيش المشركين، و غيره و تفصيل المسألة في محلها.

ص: 95

«الثاني» يجوز الاخبار بحدوث الاحكام عند الاتصالات و الحركات المذكورة،

بان يحكم بوجود كذا في المستقبل عند الوضع المعين من القرب و البعد و المقابلة و الاقتران بين الكوكبين، اذا كان على وجه الظن المستند الى تجربة محصلة أو منقولة في وقوع تلك الحادثة بإرادة اللّه تعالى عند الوضع الخاص من دون اعتقاد ربط بينهما اصلا.

______________________________

( «الثاني»)- من الامور التى توقف الكلام في التنجيم عليها (يجوز الاخبار بحدوث الاحكام) الفلكية كموت كبير، أو فيضان الماء، أو ما اشبه (عند الاتصالات) الكوكبية (و الحركات المذكورة) سابقا اى حركات الكواكب (بان يحكم بوجود كذا) من الاخبارات (فى المستقبل عند الوضع المعين من القرب) بين كوكبين (و البعد) بينهما (و المقابلة) بان يكون نصف الفلك فاصلا بينهما (و الاقتران بين الكوكبين) بان يكون احدهما محاذيا للآخر (اذا كان) الاخبار (على وجه الظن) اى اخبارا ظنيا بان يقول «اظن ان كذا سيقع» (المستند) ذلك الظن (الى تجربة محصلة) لنفس هذا المنجم (أو منقولة) عن المنجمين السابقين (فى وقوع تلك الحادثة) «فى» متعلق ب «اخبار» (بإرادة الله تعالى عند الوضع الخاص) كالبعد و القرب و الاقتران (من دون اعتقاد ربط بينهما) اى بين ذلك الوضع الخاص و بين ذلك الحادث (اصلا) بل بمجرد المصادفة الغالبة و الدائمة كما ان من يقول: ان وصول عقرب الساعة الى علامة الاثنى عشر على الصفحة يدل على دق اثنى عشرة مرة، فانه لا يعتقد ان الدق معلول للوصول المذكور، بل يعتقد التقارن بينهما للفن الّذي اعمل في الساعة

ص: 96

بل الظاهر حينئذ جواز الاخبار على وجه القطع اذا استند الى تجربة قطعية، اذ لا حرج على من حكم قطعا بالمطرفى هذه الليلة نظرا الى ما جربه من نزول كلبه عن السطح الى داخل البيت- مثلا- كما حكى انه اتفق ذلك لمروج هذا العلم بل محييه نصير الملّة و الدين، حيث نزل في بعض اسفاره على طحان له طاحونة خارج البلد فلما دخل منزله صعد السطح، لحرارة الهواء فقال له صاحب المنزل: انزل و نم في البيت تحفظا من المطر فنظر المحقق الى الاوضاع الفلكية فلم ير شيئا فيما هو مظنة للتأثير في المطر، فقال صاحب المنزل: ان لى كلبا

______________________________

و هكذا كل امرين متلازمين لعلة ثالثة فالنجم يعتقد ان وصول الشمس لبرج الحوت مثلا علامة كثرة الامطار المعلولة لارادة الله تعالى.

(بل الظاهر حينئذ) اى حين وجود العلامة و عدم الاعتقاد بالربط (جواز الاخبار على وجه القطع) و الجزم، لا الظن (اذا استند الى تجربة قطعية اذ لا حرج على من حكم) حكما (قطعا، بالمطر في هذه الليلة نظرا الى ما جربه من نزول كلبه عن السطح الى داخل البيت، مثلا كما حكى انه اتفق ذلك لمروج هذا العلم) اى النجوم (بل محييه نصير الملة و الدين) الطوسى- رحمه الله- (حيث نزل في بعض اسفاره على طحان له طاحونة خارج البلد فلما دخل منزله صعد السطح) للنوم (لحرارة الهواء فقال له صاحب المنزل) الطحان: (انزل و نم في البيت تحفظا من المطر) لئلا يصيبك (فنظر المحقق الى الاوضاع الفلكية فلم ير شيئا فيما هو مظنة للتأثير في المطر) اى علامة نزوله (فقال صاحب المنزل ان لى كلبا

ص: 97

ينزل في كل ليلة يحس المطر فيها الى البيت، فلم يقبل منه المحقق ذلك و بات فوق السطح فجائه المطر في الليل و تعجب المحقق.

«ثم» ان ما سيجي ء في عدم جواز تصديق المنجم يراد به غير هذا او ينصرف الى غيره، لما عرفت من معنى التنجيم.

«الثالث» الاخبار عن الحادثات و الحكم بها مستندا الى تأثير الاتصالات

______________________________

ينزل في كل ليلة يحس المطر فيها الى) داخل (البيت فلم يقبل منه المحقق ذلك) الاخبار عن المستقبل (و بات فوق السطح فجائه المطر في الليل و تعجب المحقق) من حس الكلب فان كاشفية شي ء عن امر مستقبل كثير و قد جعل الله تعالى ذلك الكاشف لذلك المكشوف، ككشف انفلاق الصبح عن طلوع الشمس، منتهى الامر ان بعض اقسام الانكشاف يعرفه غالب الناس و بعض اقسام الانكشاف لا يعرفه الا المنجم.

(ثم ان ما) ذكرناه من جواز هذا القسم من التنجيم انما هو للاصل و ما (سيجي ء في عدم جواز تصديق المنجم يراد به غير هذا) القسم (او ينصرف الى غيره لما عرفت من معنى التنجيم) الّذي ذكره المحقق الثاني في اوّل المبحث، حيث يراد بالتنجيم في الاخبار الناهية الاخبار بتأثير الوضع الفلكى في الحادث الكذائى اما بالاستقلال عن الله تعالى او بالضميمة إليه، كما ان الكفار يعتقدون ذلك الى هذا اليوم.

( «الثالث») من الامور التى يتوقف الكلام في التنجيم عليها (الاخبار عن الحادثات و الحكم بها مستندا الى تأثير الاتصالات) بين الكواكب

ص: 98

المذكورة فيها بالاستقلال او بالمدخلية، و هو المصطلح عليه بالتنجيم فظاهر الفتاوى و النصوص حرمته مؤكدة:

فقد ارسل المحقق في المعتبر عن النبي- صلى الله عليه و آله-:

من صدق منجما او كاهنا فقد كفر بما انزل على محمد- صلى الله عليه و آله-

و هو يدل على حرمة حكم المنجم بابلغ وجه.

______________________________

(المذكورة) بعدا او قربا او تقارنا او ما اشبه (فيها) اى في الحادثات (بالاستقلال او بالمدخلية) بان يرى استقلال الكواكب في التأثير او مدخليتها في التأثير بان تكون الكواكب جزء علة (و) هذا المعنى (هو المصطلح عليه) في كلام الفقهاء (بالتنجيم فظاهر الفتاوى و النصوص حرمته) حرمة (مؤكدة).

(فقد ارسل المحقق في المعتبر) اى نقل خبرا مرسلا بدون ذكر السند (عن النبي- صلى الله عليه و آله- انه من صدق منجما او كاهنا فقد كفر بما انزل على محمد- صلى الله عليه و آله-) فالمنجم هو الّذي يخبر عن المستقبل عن الاوضاع الفلكية و الكاهن هو الّذي يخبر عن المستقبل عن قواعد ثابتة عنده.

و المراد الكفر عملا ان لم يدخل التصديق في عنوان ينطبق عليه تكذيب شي ء من اصول الدين و الا كان المراد بالكفر الكفر عقيدة مما يوجب الخروج عن زمرة المسلمين.

(و هو) اى هذا الخبر (يدل على حرمة حكم المنجم بابلغ وجه) كما لا يخفى.

ص: 99

و في رواية نصر بن قابوس عن الصادق عليه السلام «ان المنجم ملعون و الكاهن ملعون و الساحر ملعون».

و في نهج البلاغة أنه عليه السلام لما اراد المسير الى بعض اسفاره فقال له بعض اصحابه: ان سرت في هذا الوقت خشيت ان لا تظفر بمرادك- من طريق علم النجوم- فقال عليه السلام له: «أ تزعم انك تهدى الى الساعة التى من سار فيها انصرف عنه السوء، و تخوف الساعة التى من سار فيها حاق به الضر، فمن صدقك بهذا القول فقد كذب القرآن

______________________________

(و في رواية نصر بن قابوس عن الصادق- عليه السلام- ان المنجم ملعون و الكاهن ملعون و الساحر ملعون) و اللعن ظاهر في التحريم و ان استعمل في الروايات في الكراهة أيضا.

(و في نهج البلاغة انه) اى الامام امير المؤمنين (عليه السلام لما اراد المسير الى بعض اسفاره فقال له بعض اصحابه: ان سرت في هذا الوقت خشيت ان لا تظفر بمرادك- من طريق علم النجوم-) اى ان ما اقول هو من الاكتشاف عن علوم النجوم (فقال) الامام (عليه السلام له: أ تزعم انك تهدى الى الساعة التى من سار فيها انصرف عنه السوء و تخوف الساعة التى من سار فيها حاق) و احاط (به الضر فمن صدقك بهذا القول فقد كذب القرآن) الدال على ان الامور كلها بيد الله فان المنجمين كانوا يرون الارتباط بين الوضع الفلكى و بين الحوادث قطعيا، و من المعلوم ان إرادة الله فوق كل شي ء فمن لم ير لارادته سبحانه قيمة في

ص: 100

و استغنى عن الاستعانة بالله تعالى في نيل المحبوب و دفع المكروب الى ان قال-: ايها الناس اياكم و تعلم النجوم الا ما يهتدى به في بر أو بحر فانها تدعو الى الكهانة فالكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار» الى آخره.

______________________________

مقابل الاوضاع الفلكية كان مكذبا بالقرآن (و استغنى عن الاستعانة بالله) اذ لو كان بين الوضع الفلكى و بين الحوادث ملازمة تامة فاين تكون الاستعانة بالله في جلب محبوب و دفع مكروه (فى نيل المحبوب و دفع المكروب) و من المعلوم ان الاستغناء عن الاستعانة بالله خلاف الدين و الاسلام (- الى ان قال-) الامام عليه السلام: (ايها الناس اياكم و تعلم النجوم الا ما يهتدى به في بر او بحر) فى الطرق الى البلاد، و وقت الرياح، و الحر و البرد، و ما اشبه. فان ذلك كله هداية للناس كما قال سبحانه «وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» فان اهل السفن مثلا يعرفون بالنجوم الرياح التى توجب الامواج فيرسون في البحر، و هكذا السائرون في البر، الى غير ذلك، و الامام عليه السلام في مقام التحذير عن الاخبارات الخاصة، كالظفر و الموت و الحياة و الولد و ما اشبه، التى يربطها المنجم بالحوادث الفلكية (فانها) اى النجوم (تدعو الى الكهانة) فان من يخبر عن الاوضاع الفلكية يترقى و يتدرج الى ان يخبر عن الدلائل و الخصوصيات التى يراها في سائر الاشياء فان الكهانة ادق من التنجيم فيصل التنجيم إليها (فالكاهن كالساحر و الساحر كالكافر) فان هؤلاء الاربعة مشتركون في الانحراف عن طريق الله سبحانه (و الكافر في النار الخ)

ص: 101

و قريب منه ما وقع بينه و بين منجم آخر نهاه عن المسير أيضا، فقال عليه السلام له: «أ تدري ما في بطن هذه الدابة اذكر أم انثى؟ قال:

ان حسبت علمت. قال عليه السلام: فمن صدقك بهذا القول فقد كذب بالقرآن، قال الله: إِنَّ اللّٰهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّٰاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ مٰا فِي الْأَرْحٰامِ» الآية.

______________________________

و ان كان الكافر اشد من الساحر، و الساحر اشد من الكافر و الكاهن اشد من المنجم.

(و قريب منه) اى من هذا الحديث المتقدم عن نهج البلاغة (ما وقع بينه عليه السلام و بين منجم آخر نهاه عن المسير أيضا، فقال عليه السلام له: أ تدري ما في بطن هذه الدابة اذكر أم انثى؟ قال) المنجم (ان حسبت علمت: قال عليه السلام فمن صدقك بهذا القول فقد كذب بالقرآن) حيث (قال الله) سبحانه (إِنَّ اللّٰهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّٰاعَةِ) اى وقت يوم القيامة (و ينزل الغيث) اى المطر (و يعلم ما في الارحام) الى آخر (الآية).

«ثم» لا يخفى: ان ظاهر الآية الحصر، يعنى ان العلم بقيام الساعة و العلم بما في الارحام خاص بالله، و انزال الغيث لا يقدر عليه الا الله سبحانه فمن ادعى علم ذلك او القدرة على الامطار فقد كذب بالقرآن الّذي يخص هذه الامور به سبحانه.

لا يقال: فقد كان الائمة عليهم السلام يعلمون ذلك و يقدرون على الامطار باذن الله تعالى.

لانه يقال: المراد العلم بدون تعليم الله، و القدرة المستقلة لا

ص: 102

ما كان محمد- صلى الله عليه و آله- يدّعى ما ادّعيت أ تزعم انك تهدى

______________________________

العلم المأخوذ من علمه، و القدرة المستمدة منه.

ان قلت: فكيف يخبرون في الحال الحاضر بالجنين بسبب العلامات الطبية و الأشعة و كيف ينزلون المطر بالقنبلة؟

قلت: فرق بين العلم بجميع خصوصيات الجنين من الذكورة و الانوثة و اللون و العمر و السمن و الهزال و الصفات الباطنية و مزايا الجسم و غيرها، و بين العلم بخصوصية ما- كالذكورة و الانوثة- فان الاول خاص به سبحانه و لا يكشف لا بالعلامات و لا بالاشعة و لا بغيرهما بخلاف الثاني و الآية المباركة في صدد الامر الاول، و قول الامام عليه السلام من باب المثال فان المنجم الّذي يدعى العلم بالذكورة و الانوثة بالحساب يدعى العلم بكل المزايا، كما نراهم في الحال الحاضر يدعون كل ذلك و اما نزول المطر بسبب القنبلة الموجب لتكثيف الندى الموجود في الجو و نزوله فانه غير نزول المطر الّذي كان الآية المباركة بصدده.

و الحاصل: ان نزول المطر بالاسباب الكونية خاص بالله سبحانه و كذلك بالنسبة الى «مٰا تَدْرِي نَفْسٌ مٰا ذٰا تَكْسِبُ غَداً، وَ مٰا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ» فان المراد منهما الدراية التامة اما الدراية الناقصة و الجزئية فكثيرا ما يحصل لبعض الناس، و هذه أيضا قرينة على المراد بعلم ما في الارحام و نزول الغيث.

ثم قال الامام عليه السلام لذلك المنجم (ما كان محمد صلى الله عليه و آله يدعى ما ادعيت أ تزعم انك تهدى) و ترشد الناس

ص: 103

الى الساعة التى من سار فيها صرف عنه السوء و الساعة التى من سار فيها حاق به الضر! من صدقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة بالله في هذا الوجه، و احوج الى الرغبة أليك في دفع المكروه عنه.

و في رواية عبد الملك بن أعين المروية عن الفقيه قلت لابى عبد الله عليه السلام انى قد ابتليت بالنظر في النجوم فاريد الحاجة فاذا نظرت الى الطالع و رأيت الطالع الشر جلست و لم اذهب فيها، و اذا رأيت الطالع الخير ذهبت في الحاجة! فقال عليه السلام لى: أ تقضي؟ قلت:

______________________________

(الى الساعة التى من سار فيها صرف عنه السوء و الساعة التى من سار فيها حاق به الضر؟ من صدقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة بالله في هذا الوجه) لانك انت ترشده الى خيره و ضره، فلا يحتاج الى ان يستعين بالله في دفع مكروه او جلب محبوب (و) كان ذلك المصدق بك (احوج الى الرغبة أليك) من الرغبة الى الله (فى دفع المكروه عنه) الى آخر كلامه عليه السلام.

(و في رواية عبد الملك بن اعين المروية عن الفقيه قلت لابى عبد الله عليه السلام: انى قد ابتليت) بالنجوم (فاريد الحاجة فاذا نظرت الى الطالع) الاصل في «الطالع» الكوكب الطالع ثم استعمل في الامور الفلكية التى يزعمون انها دخيلة او علامة للامور المستقبلة (و رأيت الطالع الشر جلست و لم اذهب فيها) اى في تلك الحاجة (و اذا رأيت الطالع الخير ذهبت في الحاجة) فما تقول في هذا العمل (فقال عليه السلام لى أ تقضي؟) و تحكم بان الامور الفلكية دخيلة في مستقبل الانسان (قلت:

ص: 104

نعم. قال عليه السلام احرق كتبك.

و في رواية الفضيل بن عمرو المروية عن معانى الاخبار في قوله تعالى «وَ إِذِ ابْتَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمٰاتٍ»

«ثم» ان مقتضى الاستفصال في رواية عبد الملك المتقدمة بين القضاء

______________________________

نعم. قال عليه السلام احرق كتبك) لانها سبب ضلالك، و هذا بخلاف ما لو كان يحتمل و لا يقضى فانه لم يكن بذلك بأس.

(و في رواية الفضيل بن عمرو المروية عن معانى الاخبار في قوله تعالى «وَ إِذِ ابْتَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمٰاتٍ» قال: و اما الكلمات فمنها ما ذكرناه و منها المعرفة بقدم بارئه) و خالقه (و توحيده و تنزيهه عن الشبيه حتى نظر) ابراهيم عليه السلام (الى الكواكب و القمر و الشمس و استدل بافول) و غروب (كل منها على حدوثه و) استدل (بحدوثه على محدثه) اذ كل حادث لا بد له من محدث (جل شانه ثم اعلم ان الحكم بالنجوم خطاء) فكانه سبحانه اراد ان يبين لابراهيم ما يدل عليه النجوم و ما لا يدل عليه فما يدل عليه هو الصانع و ما لا يدل عليه هو الحكم و الحوادث.

( «ثم» ان مقتضى الاستفصال في رواية عبد الملك المتقدمة بين القضاء

ص: 105

بالنجوم بعد النظر و عدمه: انه لا بأس بالنظر اذا لم يقض به بل اريد به مجرد التفاؤل ان فهم الخير، و التحذر بالصدقة ان فهم الشر، كما يدل عليه ما عن المحاسن عن ابيه عن ابن ابى عمير عن عمرو بن اذينة عن سفيان بن عمر قال: كنت انظر في النجوم و اعرفها و اعرف الطالع فيدخلنى من ذلك شي ء فشكوت ذلك الى ابى الحسن عليه السلام فقال عليه السلام اذا وقع في نفسك من ذلك شي ء فتصدق على اوّل مسكين ثم امض، فان الله تعالى يدفع عنك.

______________________________

بالنجوم بعد النظر) إليها (و عدمه) اى عدم القضاء، كما استفيد هذا الاستفصال من قوله عليه السلام «أ تقضي» (انه لا بأس بالنظر اذا لم يقض بل اريد به مجرد التفاؤل) و الاستبشار (ان فهم الخير و التحذر بالصدقة) و الدعاء و نحوهما (ان فهم الشر، كما يدل عليه) اى على جواز ذلك (ما عن المحاسن عن ابيه عن ابن ابى عمير عن عمرو بن اذينة عن سفيان بن عمر قال: كنت انظر في النجوم و اعرفها و اعرف الطالع) المربوط بالحوادث المستقبلة- على زعمهم- (فيدخلنى من ذلك) العرفان (شي ء) اذ كنت اكف عن المضى فيما اريد اذا رأيت الشر (فشكوت ذلك الى ابى الحسن عليه السلام) و ان الشر الّذي اراه في النجوم يمنعنى عن المضى في اعمالى فما ذا اصنع (فقال عليه السلام: اذا وقع في نفسك من ذلك شي ء فتصدق على اوّل مسكين) تراه في طريقك (ثم امض) لحاجتك (فان الله تعالى يدفع عنك) الشر بالصدقة- لو كان شر في الواقع-.

ص: 106

و لو حكم بالنجوم على جهة ان مقتضى الاتصال الفلانى و الحركة الفلانية الحادثة الواقعية، و ان كان الله يمحو ما يشاء و يثبت لم يدخل أيضا في الاخبار الناهية.

لانها ظاهرة في الحكم على سبيل البت، كما يظهر من قوله عليه السلام «فمن صدقك بهذا فقد استغنى عن الاستعانة بالله» فى دفع

______________________________

(و لو حكم بالنجوم على جهة ان مقتضى الاتصال الفلانى) بين كوكب و كوكب (و الحركة الفلانية الحادثة الواقعية) اى ان مقتضى الاتصال الحادثة الكذائية ف «الحادثة» خبر «مقتضى» (و ان كان الله يمحو ما يشاء و يثبت) بمعنى ان الله سبحانه جعل هذا النجم في حركته و اتصاله سببا لحادثة خاصة و ان الامر بعد أيضا بيد الله تعالى فان شاء ابطل سببية هذه العلة لذلك المعلول (لم يدخل أيضا) هذا القسم من الاخبار (فى الاخبار الناهية) عن التنجيم بل يكون مثله مثل من يقول: ان الله سبحانه جعل النار سببا للاحراق فاذا وقع شي ء في النار احترق و الامر بيد الله بعد فان شاء ابطل تأثير النار كما في قصة ابراهيم عليه السلام و هارون المكى و من اشبه.

و انما قلنا بان مثل هذا الاخبار لا يدخل في الاخبار الناهية (لانها) اى الاخبار الناهية (ظاهرة في) النهى عن (الحكم على سبيل البت) و القطع (كما يظهر من قوله عليه السلام فمن صدقك بهذا) الّذي تقول من انك تقدر على معرفة الذكر من الانثى في الرحم (فقد استغنى عن الاستعانة بالله) اى (فى دفع

ص: 107

المكروه بالصدقة و الدعاء و غيرهما من الاسباب.

نظير تأثير نحوسة الايام الواردة في الروايات، ورد نحوستها بالصدقة، الا ان جوازها مبنى على جواز اعتقاد الاقتضاء في العلويات للحوادث السفلية، و سيجي ء انكار المشهور لذلك و ان كان يظهر ذلك من المحدث الكاشانى.

______________________________

المكروه بالصدقة و الدعاء و غيرهما من الاسباب) الرافعة للمكروهات كالتوسل بالأئمة الطاهرين عليهم السلام فان ظاهر كلام الامام عليه السلام ان الاخبار القطعى محظور، لا الاخبار المقيد بمشية الله تعالى اذ الاخبار المقيد بالمشية لا يكون استغناء عن الله تعالى و على هذا فحال تأثير الكوكب:

(نظير تأثير نحوسة الايام الواردة) تلك النحوسة (فى الروايات) المروية عن اهل البيت عليهم السلام (ورد نحوستها بالصدقة) و الدعاء و القرآن و ما اشبه (الا ان جوازها) اى جواز مثل هذه الاعتقادات بان للاجرام العلوية تأثيرا ما في الكرة الارضية (مبنى على جواز اعتقاد الاقتضاء) و العلية (فى العلويات للحوادث السفلية و سيجي ء انكار المشهور لذلك) و انه لا ربط بين العلويات و الامور الواقعة في الارض (و ان كان يظهر ذلك من المحدث الكاشانى) و انه ربط للحوادث في العالم بالحركات العلوية بل الربط في الجملة مسلم عند علماء الفلك كحوادث المدّ و الجزر و الحر و البرد و نضج الثمار و ما اشبه كما يستفاد ذلك أيضا من بعض الاخبار مما لا يخفى ذلك على من راجع البحار في كتاب السماء و العالم.

ص: 108

و لو اخبر بالحوادث بطريق جريان العادة على وقوع الحادثة عند الحركة الفلانية من دون اقتضاء لها اصلا كان اسلم.

قال في الدروس: و ان اخبر بان الله تعالى يفعل كذا عند كذا لم يحرم و ان كره انتهى.

«الرابع»- اعتقاد ربط الحركات الفلكية بالكائنات و الربط يتصور على وجوه:
«الأول» الاستقلال في التأثير

بحيث

______________________________

(و لو اخبر) المنجم (بالحوادث بطريق جريان العادة على وقوع الحادثة) الفلانية في الارض (عند الحركة الفلانية) للكوكب في السماء (من دون اقتضاء لها) اى لتلك الحركة بهذه الحادثة (اصلا) فهو كالاخبار بمجي ء زيد عند الظهر مما ليس الظهر سببا في المجي ء و انما جوعه هو الّذي يحركه، و انما الجوع و الظهر متقارنان فقط (كان) اخباره (اسلم) عن الاشكال، و من احتمال شمول الاخبار الناهية له.

(قال في الدروس: و ان اخبر بان الله تعالى يفعل كذا) فى الارض (عند كذا) اى الحركة الفلانية- مثلا- فى السماء (لم يحرم و ان كره) لما يظهر من بعض الاخبار من عدم الحوم حول النجوم اطلاقا (انتهى) كلام الدروس.

( «الرابع») من الامور التى يتوقف الكلام في التنجيم عليها (اعتقاد ربط الحركات الفلكية بالكائنات) الارضية (و الربط يتصور على وجوه) أربعة:

( «الاول» الاستقلال) اى ما في الفلك من الاجرام (فى التأثير بحيث

ص: 109

يمتنع التخلف عنها، امتناع تخلف المعلول عن العلة العقلية. و ظاهر كثير من العبارات كون هذا كفرا.

قال السيد المرتضى- رحمه الله- فيما حكى عنه-: «و كيف يشتبه على مسلم بطلان احكام النجوم، و قد اجمع المسلمون قديما و حديثا على تكذيب المنجمين، و الشهادة بفساد مذهبهم و بطلان احكامهم. و معلوم من دين الرسول صلى الله عليه و آله ضرورة تكذيب ما يدعيه المنجمون و الازراء عليهم و التعجيز لهم. و في الروايات عنه صلى اللّه عليه و آله ما لا يحصى كثرة و كذا عن علماء اهل بيته و خيار اصحابه. و ما اشتهر بهذه الشهرة في دين الاسلام كيف يفتى بخلافه

______________________________

يمتنع التخلف عنها امتناع تخلف المعلول عن العلة العقلية) التامة (و ظاهر كثير من العبارات) التى ذكرها الفقهاء (كون هذا) الاعتقاد (كفرا).

(قال السيد المرتضى- رحمه الله- فيما حكى عنه-: و كيف يشتبه على مسلم بطلان احكام النجوم، و قد اجمع المسلمون قديما و حديثا على تكذيب المنجمين و الشهادة بفساد مذهبهم و بطلان احكامهم و معلوم من دين الرسول صلى الله عليه و آله ضرورة) اى علما ضروريا (تكذيب) الرسول صلى الله عليه و آله ل (ما يدعيه المنجمون و الازراء) اى الاهانة (عليهم و التعجيز لهم) اى بيان عجزهم عن الاخبار بالامور المستقبلة (و في الروايات عنه صلى اللّه عليه و آله ما لا يحصى كثرة) فى التكذيب و التعجيز (و كذا) ورد (عن علماء اهل بيته) الائمة الطاهرين عليهم السلام (و خيار اصحابه) المؤمنين (و ما اشتهر بهذه الشهرة) المحققة المتكثرة (فى دين الاسلام كيف يفتى بخلافه

ص: 110

منتسب الى الملة و مصلّ الى القبلة» انتهى.

و قال العلامة في المنتهى- بعد ما افتى بتحريم التنجيم و تعلم النجوم مع اعتقاد أنها مؤثرة أو ان لها مدخلا في التأثير و النفع قال: «و بالجملة كل من اعتقد ربط الحركات النفسانية و الطبيعية بالحركات الفلكية و الاتصالات الكوكبية كافر» انتهى.

و قال الشهيد في قواعده «كل من اعتقد في الكواكب أنها مدبرة لهذا العالم و موجدة له فلا ريب أنه كافر».

______________________________

منتسب الى الملة) الاسلامية (و مصلّ الى القبلة) باعتبار انه مسلم فانه لا يجتمع الاسلام و التصديق بالنجوم (انتهى) كلام السيد المرتضى.

(و قال العلامة في المنتهى- بعد ما افتى بتحريم التنجيم و تعلم النجوم مع اعتقاد أنها مؤثرة) كاملة في الكون (أو ان لها مدخلا في التأثير و النفع) على وجه الجزئية للعلة (قال: و بالجملة كل من اعتقد ربط الحركات النفسانية) التى تصدر عن النفس كالاقدام و الاحجام و البخل و السخاء، و ما اشبه من صفات الناس و الحيوانات التى لها نفس و (الطبيعية) كالمد و الجزر و الحر و البرد و ما اشبه (بالحركات الفلكية و الاتصالات الكوكبية) بان تكون الافلاك و الكواكب علة تامة، او جزء علة، و الجزء الاخر هو إرادة الله سبحانه، فهو (كافر) لانه اما انكار لله، او جعل شريك له

(و قال الشهيد) الاول (فى قواعده كل من اعتقد في الكواكب أنها مدبرة لهذا العالم و موجدة له فلا ريب انه كافر).

ص: 111

و قال في جامع المقاصد «و اعلم ان التنجيم، مع اعتقاد ان للنجوم تأثيرا في الموجودات السفلية- و لو على جهة المدخلية- حرام و كذا تعلم النجوم على هذا النحو بل هذا الاعتقاد في نفسه كفر و نعوذ بالله» انتهى.

و قال شيخنا البهائى: «ما زعمه المنجمون من ارتباط بعض الحوادث السفلية بالاجرام العلوية ان زعموا انها هى العلة المؤثرة في تلك الحوادث بالاستقلال أو انها شريكة في التأثير فهذا لا يحل للمسلم اعتقاده و علم النجوم المبتنى على هذا كفر. و على هذا حمل ما ورد في الحديث من التحذير عن علم النجوم و النهى عن اعتقاد صحته» انتهى.

______________________________

(و قال) المحقق الثاني (فى جامع المقاصد: و اعلم ان التنجيم مع اعتقاد ان للنجوم تأثيرا في الموجودات السفلية- و لو على جهة المدخلية-) و الجزئية للعلة (حرام و كذا تعلم النجوم على هذا النحو بل هذا الاعتقاد في نفسه كفر و نعوذ بالله) من الكفر (انتهى) كلام جامع المقاصد.

(و قال شيخنا البهائى: ما زعمه المنجمون من ارتباط بعض الحوادث السفلية بالاجرام العلوية ان زعموا انها هى العلة المؤثرة في تلك الحوادث بالاستقلال) بدون مدخلية لله سبحانه (او انها شريكة) لله سبحانه في التأثير (فهذا) اى كل واحد من هذين الزعمين (لا يحل للمسلم اعتقاده و علم النجوم المبتنى على هذا كفر) لانه اما انكار لله، او جعل الشريك معه (و على هذا) المعنى من الاستقلال او الشراكة (حمل ما ورد في الحديث من التحذير من علم النجوم و النهى عن اعتقاد صحته انتهى) و

ص: 112

و قال في البحار: «لا نزاع بين الامة في ان من اعتقد ان الكواكب هى المدبرة لهذا العالم و هى الخالقة لما فيه من الحوادث و الخيرات و الشرور فانه يكون كافرا على الاطلاق» انتهى.

و عنه في موضع آخر: ان «القول بانها علة فاعلية بالارادة و الاختيار و ان توقف تأثيرها على شرائط اخر كفر» انتهى

______________________________

انما يحمل على هذا المعنى لان غير هذا المعنى لا دليل على بطلانه بل ورد في الحديث عن الامام امير المؤمنين عليه السلام: انما العلوم اربع: علم الفقه لحفظ الاديان و علم النجوم لحفظ الازمان و علم النحو لحفظ اللسان و علم الطب لحفظ الابدان.

(و قال في البحار: لا نزاع بين الامة في ان من اعتقد ان الكواكب هى المدبرة لهذا العالم و هى الخالقة لما فيه من الحوادث و الخيرات و الشرور فانه يكون كافرا على الاطلاق، انتهى) و المراد الكفر المطلق الّذي يصح اطلاق الكافر عليه بدون تقييد، مقابل الكفر العملى الّذي يصح اطلاق الكفر مقيدا بان يقال انه كافر بالحج اى تارك له عالما عامدا و قد ورد في بعض المباحث السابقة ان الكفر على قسمين كفر في العقيدة و كفر في العمل.

(و عنه) اى البحار (فى موضع آخر ان القول بانها) اى الكواكب (علة فاعلية بالارادة و الاختيار) كعلية الانسان لصنع الدار (و ان توقف تأثيرها على شرائط اخر) من العلة المادية و الغائية و الصورية (كفراه) و انما يكون كفرا لانه انكار لفاعلية الله سبحانه التى ثبتت بالضرورة من الدين و نطقت به الآيات و الروايات كالآيات التى تسند الافعال و الخلق و الرزق و الخير

ص: 113

بل ظاهر الوسائل نسبة دعوى ضرورة الدين على بطلان التنجيم و القول بكفر معتقده الى جميع علمائنا حيث قال- رحمه الله- «قد صرح علمائنا بتحريم علم النجوم و العمل بها و بكفر من اعتقد تأثيرها او مدخليتها في التأثير و ذكروا ان بطلان ذلك من ضروريات الدين» انتهى.

بل يظهر من المحكى عن ابن ابى الحديد: ان الحكم كذلك عند علماء العامة أيضا حيث قال في شرح نهج البلاغة «ان المعلوم ضرورة من الدين ابطال حكم النجوم و تحريم الاعتقاد بها و النهى و الزجر عن تصديق المنجمين و هذا معنى قول امير

______________________________

و الشر إليه سبحانه.

(بل ظاهر الوسائل نسبة دعوى ضرورة الدين على بطلان التنجيم و القول بكفر معتقده الى جميع علمائنا) فهو- رحمه الله- مدع للاجماع.

و الضرورة في المسألة (حيث قال- رحمه الله- قد صرح علماؤنا بتحريم علم النجوم و العمل بها و بكفر من اعتقد تأثيرها او مدخليتها في التأثير و ذكروا ان بطلان ذلك) الاستقلال او الاشتراك (من ضروريات الدين، انتهى) فمن قال بعدم بطلان التنجيم- بهذا المعنى- كان منكرا للضرورة.

(بل يظهر من المحكى عن ابن ابى الحديد ان الحكم) فى التنجيم (كذلك) كما عند علمائنا (عند علماء العامة أيضا حيث قال في شرح نهج البلاغة: ان المعلوم ضرورة من الدين ابطال حكم النجوم و تحريم الاعتقاد بها و النهى و الزجر عن تصديق المنجمين و هذا) الّذي ذكرناه (معنى قول امير

ص: 114

المؤمنين عليه السلام: فمن صدقك بهذا فقد كذب بالقرآن و استغنى عن الاستعانة باللّه، انتهى.

«ثم» لا فرق في اكثر العبارات المذكورة بين رجوع الاعتقاد المذكور الى انكار الصانع جل ذكره، كما هو مذهب المنجمين.

و بين تعطيله تعالى عن التصرف في الحوادث السفلية بعد خلق الاجرام العلوية على وجه تتحرك على وجه مخصوص سواء قيل بقدمها

______________________________

المؤمنين عليه السلام: فمن صدقك بهذا فقد كذب بالقرآن و استغنى عن الاستعانة باللّه انتهى) و قد كان المنجم يربط الحوادث بالكواكب و الطبيب يربط الحوادث بالطبيعة، و لذا نسب الى الامام امير المؤمنين- عليه السلام- أنه قال:

«قال المنجم و الطبيب كلاهما» «لن يحشر الاموات قلت إليكما».

«ان كان قولكما فلست بخاسر» «أو كان قولى فالخسار عليكما».

( «ثم» لا فرق في اكثر العبارات المذكورة بين رجوع الاعتقاد المذكور في باب التنجيم «الى»).

1- (انكار الصانع جل ذكره، كما هو مذهب بعض المنجمين) حيث يرون ان النجوم هى صانع العالم.

2- (و بين تعطيله تعالى عن التصرف في الحوادث السفلية بعد خلق الاجرام العلوية على وجه تتحرك على وجه مخصوص) من الاقامة و الاستقامة و الرجوع و ما اشبه (سواء قيل يقدمها) اى قدم الكواكب قدما زمانيا، اذ لا يناسب القدم الذاتى لكونها مخلوقة- كما هو المفروض-

ص: 115

كما هو مذهب بعض آخر.

أم قيل بحدوثها و تفويض التدبير إليها، كما هو المحكى عن ثالث منهم.

و بين ان لا يرجع الى شي ء من ذلك، بان يعتقد ان حركة الافلاك تابعة لارادة اللّه، فهى مظاهر لارادة الخالق تعالى، و مجبولة على الحركة على طبق اختيار الصانع- جل ذكره- كالآلة.

أو بزيادة أنها مختارة باختيار هو عين اختياره تعالى

______________________________

(كما هو مذهب بعض آخر).

3- (أم قيل بحدوثها و تفويض) اللّه (التدبير) للعالم (إليها، كما هو المحكى عن ثالث منهم).

4- (و بين ان لا يرجع الى شي ء من ذلك) الثلاث المتقدم (بان يعتقد ان حركة الافلاك تابعة لارادة اللّه، فهى مظاهر لارادة الخالق تعالى) بان إرادة الخالق تظهر من الافلاك فالاشياء السفلية انما تكون تابعة للارادة التى تظهر من الافلاك (و مجبولة على الحركة على طبق اختيار الصانع كالآلة) فكما ان النجار يقطع الخشب لكن بواسطة المنشار كذلك اللّه سبحانه يخلق الانسان لكن بواسطة الكواكب.

5- (او بزيادة) للكواكب على الآلة المجردة ب (أنها مختارة باختيار هو عين اختياره تعالى) كتنوير الزجاج بنور هو عين نور الشمس.

و ان شئت قلت: ان الاقسام ستة: لانها اما «مستقلة بدون وجود اللّه» أو «مستقلة مع الاعتراف بوجود اللّه» أو «شريكة للّه» أو «آلة لله في الخلق و الصنع» أو «مختارة باختيار هو عين اختيار اللّه» أو «مختارة

ص: 116

عما يقول الظالمون.

لكن ظاهر ما تقدم في بعض الاخبار- من ان المنجم بمنزلة الكاهن الّذي هو بمنزلة الساحر الّذي هو بمنزلة الكافر- من عدا الفرق الثلاث الاول، اذ الظاهر عدم الاشكال في كون الفرق الثلاث من اكفر الكفار لا بمنزلتهم.

و منه يظهر

______________________________

كاختيار الانسان الّذي وهبه اللّه اياه» تعالى (عما يقول الظالمون).

(لكن ظاهر ما تقدم في بعض الاخبار- من ان المنجم بمنزلة الكاهن الّذي هو بمنزلة الساحر الّذي هو بمنزلة الكافر-).

اقول: حيث قال الامام عليه السلام- بعد قوله «فانها تدعو الى الكهانة»: «المنجم كالكاهن، و الكاهن كالساحر، الخ» و كان فقرة «المنجم كالكاهن» سقطت من عبارة المصنف- قبل صفحة- أو ان السقط من النساخ، و لذا لا يرد الاشكال على المصنف بانه لم يتقدم منه «كون المنجم كالكافر» (من عدا الفرق الثلاث الاول) التى اشرنا إليها برقم «1- 2- 3» (اذ الظاهر) من الادلة العقلية (عدم الاشكال في كون الفرق الثلاث من اكفر الكفار) اى اكثرهم كفرا، في مقابل سائر الكافرين كالوثنيين و النصارى و اليهود و المجوس (لا بمنزلتهم) فما ورد في الحديث من ان الكاهن- بالأخرة- بمنزلة الكافر، يراد به غير الاقسام الثلاثة الاول.

(و منه) اى مما ذكرنا من ان المراد من عدا الفرق الثلاث (يظهر

ص: 117

ان ما رتبه- عليه السلام-، على تصديق المنجم- من كونه تكذيبا للقرآن و كونه موجبا للاستغناء عن الاستعانة باللّه، في جلب الخير و دفع الشر يراد منه ابطال قوله، بكونه مستلزما لما هو في الواقع مخالف للضرورة من كذب القرآن و الاستغناء عن اللّه، كما هو طريقة كل مستدل من انهاء بطلان التالى الى ما هو بديهى البطلان عقلا أو شرعا او حسا او عادة.

______________________________

ان ما رتبه) امير المؤمنين (- عليه السلام-) فى الحديث السابق (على تصديق المنجم- من كونه تكذيبا للقرآن، و كونه موجبا للاستغناء عن الاستعانة باللّه، في جلب الخير و دفع الشر- يراد منه) «يراد» خبر «ما رتبه» (ابطال قوله) اى اراد الامام ابطال قول المنجم (ب) سبب (كونه) اى كون قول المنجم (مستلزما لما هو في الواقع) و الحقيقة (مخالف للضرورة) و البديهة (من كذب القرآن و الاستغناء عن اللّه) «من» بيان «لما هو» و الاستدلال هكذا «تصديق المنجم يستلزم كذب القرآن لكن التالى باطل- بالضرورة- فتصديق المنجم باطل- (كما هو) اى ايقاع التلازم بين قضية و قضية اخرى، (طريقة كل مستدل) اذا اراد ابطال القضية الاولى أو اثبات القضية الاولى (من انهاء) و ايصال (بطلان التالى) فى الشرطية- و لو قال «المقدم» كان احسن، لان المستدل دائما يريد ابطال المقدم أو اثباته (الى ما هو بديهى البطلان عقلا) كاجتماع النقيضين (أو شرعا) كعدم الثواب للمثيب (او حسا) كعدم اللون للاجسام الملونة (أو عادة) كتواطى اناس مختلفين متباعدين على الكذب، فيما لو قال: «يمتنع اجتماع الامر و النهى و إلا لزم اجتماع النقيضين» او «الحسن و القبح

ص: 118

و لا يلزم من مجرد ذلك الكفر، و انما يلزم ممن التفت الى الملازمة و اعترف باللازم.

و الا فكل من افتى بما هو مخالف لقول اللّه- واقعا- اما لعدم تفطنه لقول اللّه أو لدلالته، يكون مكذبا للقرآن.

______________________________

العقليان موجودان و إلا لزم عدم الثواب للمثيب» أو «ليس النور هو المولد للالوان لكن عدم اللون للاجسام الملونة مخالف للحس» او «التواتر ان لم يكن حجة لزم تواطئ أناس مختلفين على الكذب، لكنه مخالف للعادة».

(و لا يلزم من مجرد ذلك) التلازم بين شي ء و بين امر باطل بالضرورة (الكفر) لمن يلتزم بذلك المقدم (و انما يلزم) الكفر (ممن التفت الى الملازمة) بين المقدم الّذي يلتزم به و بين التالى الموجب للكفر (و اعترف باللازم) كمن ينكر وجوب الصلاة، ملتفتا الى التلازم بينه و بين كذب النبي و ان تكذيب النبي صلّى اللّه عليه و آله موجب للكفر.

(و الا) فلو كان مجرد التلازم بين مقدم و تال باطل بالضرورة موجبا لكفر الملتزم بالمقدم (فكل من افتى بما هو مخالف لقول اللّه- واقعا-) اى مخالفة في مقام الواقع و الحقيقة، و قد افتى بذلك (اما لعدم تفطنه لقول اللّه) بان لم يعلم ان اللّه سبحانه قال كذا (أو) لعدم تفطنه (لدلالته) بان علم ان اللّه قال كذا، و لكنه لم يعلم أن قوله سبحانه يدل على ذلك المعنى- المخالف لما يقوله المفتى- (يكون مكذبا للقرآن) «يكون» خبر «فكل» و قد اراد المصنف من قوله «و لا يلزم» الى هنا، اثبات ان المنجم المسلم المعترف بكل ما انزل على محمد- صلّى اللّه عليه و آله- ليس

ص: 119

و أما قوله- عليه السلام-: «من صدق منجما أو كاهنا فقد كفر بما انزل على محمد صلّى اللّه عليه و آله» فلا يدل أيضا على كفر المنجم و انما يدل على كذبه فيكون تصديقه تكذيبا للشارع المكذب له، و يدل عليه عطف الكاهن عليه.

______________________________

كافرا و كذلك من يصدقه و انما يكون فاعلا للحرام، كما أن الساحر و الكاهن ليسا بكافرين.

نعم لو علم هؤلاء بلازم قولهم، و علموا بان لازمه تكذيب القرآن و الرسول، كانوا داخلين في زمرة الكفار.

(و) ان قلت فما ذا تصنع بما صرح فيه بان المصدق للمنجم كافر الدال على كفر المنجم دلالة عرفية أيضا؟ قلت (اما قوله- عليه السلام- من صدق منجما أو كاهنا فقد كفر بما انزل على محمد صلّى اللّه عليه و آله فلا يدل أيضا على كفر المنجم) و لا على كفر من يصدق بكلامه (و انما يدل على كذبه) أى المنجم، لانه لو كان صادقا لم يكن التصديق به كفرا، و انما تصديق الكاذب في الامور الاعتقادية كفر (فيكون تصديقه تكذيبا للشارع المكذب له) كما لو قال زيد «السماوات ثمانية» و قال الشارع «السماوات سبعة» فصدق شخص بكلام زيد كان المصدق كافرا لانه كذب الشارع بتصديقه لزيد، و اما زيد القائل فليس بكافر لانه اخبر خبرا كان منافيا لكلام الشارع (و يدل عليه) اى على ان كفر المصدق لا يلزم كفر المنجم (عطف الكاهن عليه) و من المعلوم ان الكاهن ليس بكافر.

ص: 120

و بالجملة فلم يظهر من الروايات تكفير المنجم- بالمعنى الّذي تقدم للتنجيم في صدر عنوان المسألة- كفرا حقيقيا.

فالواجب للرجوع فيما يعتقده المنجم الى ملاحظة مطابقته لاحد موجبات الكفر من انكار الصانع أو غيره مما علم من الدين بديهة.

______________________________

(و بالجملة) المنجم اما ينكر بعض اصول الدين، أو يكون لازم كلامه منافيا لبعض ما جاء به النبي أم لا، فالأوّل كافر، و الثاني فاسق حيث خالف الشرع، و الثالث عمل عملا جائزا و المصدق بالمنجم ان رجع تصديقه الى انكار شي ء كان كافرا- ان كان متوجها الى الاستلزام و بطلان اللازم و الا لم يكن كافرا، و الكفر المذكور في الروايات، اما يخصص بما اذا ارجع الى انكار اصل من اصول الدين، او انكار ضرورى من ضرورياته و اما يحمل على الكفر العملى ككفر تارك الحج، و كفر النمام و ما اشبه مما كثر اطلاقه في الروايات (ف) تحصل انه (لم يظهر من الروايات تكفير المنجم) او المصدق به (بالمعنى الّذي تقدم للتنجيم في صدر عنوان المسألة) اعنى اعتقاد ربط الحركات الفلكية بالكائنات (كفرا حقيقيا) كسائر الكفار.

(فالواجب الرجوع فيما يعتقده المنجم الى ملاحظة مطابقته) اى اعتقاد المنجم (لاحد موجبات الكفر من انكار الصانع او غيره مما علم من الدين بديهة) فان كان مطابقا كان كافرا و الا كان مسلما و ان كان عاصيا لانه فعل محرما بالنظر في النجوم، مثلا من كانت عقائده صحيحة لكنه ينظر الى النجوم و يخبر عن الذكر و الانثى و الطالع و السعد و النحس و النجاح و الفشل في الاعمال لا يكون كافرا بل عاصيا.

ص: 121

و لعله لذا اقتصر الشهيد فيما تقدم من القواعد في تكفير المنجم على من يعتقد في الكواكب انها مدبرة لهذا العالم و موجدة له، و لم يكفر غير هذا الصنف كما سيجي ء تتمة كلامه السابق.

و لا شك ان هذا الاعتقاد انكار، اما للصانع، و اما لما هو ضرورى الدين من فعله تعالى و هو ايجاد العالم و تدبيره.

بل الظاهر من كلام بعض اصطلاح لفظ التنجيم في الاول:

قال السيد الشارح للنخبة

______________________________

(و لعله لذا) الّذي ذكرنا من عدم كفر المنجم مطلقا (اقتصر الشهيد) الاول (فيما تقدم من القواعد في تكفير المنجم على من يعتقد في الكواكب أنها مدبرة لهذا العالم و موجدة له، و لم يكفر غير هذا الصنف كما سيجي ء تتمة كلامه السابق) و أنه يخطئ- و لا ينسب الى الكفر- بعض المنجمين الآخرين غير من يعتقد كون الكواكب مدبرة للعالم.

(و لا شك ان هذا الاعتقاد) اى كون الكواكب مدبرة (انكار، اما للصانع) اذا اعتقد المنجم ان الكواكب مدبرة وحيدة للعالم، و ليس مدبر سواها (و اما لما هو ضرورى الدين من فعله تعالى و هو ايجاد العالم و تدبيره) له اذا كان المنجم يعتقد وجود اللّه لكنه يرى ان الكواكب هى الخالقة.

(بل الظاهر من كلام بعض اصطلاح لفظ التنجيم) الموجب للكفر (فى الاول) و هو كون الكواكب موجدة للعالم.

(قال السيد الشارح للنخبة) و هى رسالة للشيخ الكلباسى- رحمه

ص: 122

«ان المنجم من يقول بقدم الافلاك و النجوم، و لا يقولون بمفلك و لا خالق و هم فرقة من الطبيعيين يستمطرون بالأنواء معدودون من فرق الكفار في مسفورات الخاصة و العامة، يعتقدون في الانسان أنه كسائر الحيوانات يأكل و يشرب و ينكح ما دام حيا فاذا مات بطل و اضمحل و ينكرون جميع الأصول الخمسة» انتهى.

ثم قال ره: و اما هؤلاء الذين يستخرجون بعض

______________________________

اللّه- ( «ان المنجم من يقول بقدم الافلاك و النجوم، و لا يقولون بمفلك) اى جاعل الفلك فلكا (و لا خالق، و هم فرقة من الطبيعيين يستمطرون) اى يطلبون المطر (بالأنواء) اى النجوم، جمع «نوء» و هو النجم، فان الجاهليين كانوا ينتظرون الامطار وقت طلوع بعض الكواكب كالثريا و الدبران و نحو ذلك، فيقولون مطرنا بنوء كذا، نعم من يقول ان طلوع النوء الكذائى وقت للمطر، لا انه يرى النوء علة للمطر لم يكن بذلك بأس، (معدودون) هؤلاء (من فرق الكفار في مسفورات الخاصة و العامة) اى كتبهم (يعتقدون في الانسان أنه كسائر الحيوانات يأكل و يشرب و ينكح ما دام حيا فاذا مات بطل و اضمحل) كما حكى اللّه سبحانه عنهم «وَ قٰالُوا مٰا هِيَ إِلّٰا حَيٰاتُنَا الدُّنْيٰا نَمُوتُ وَ نَحْيٰا» و كما تقدم في بيت الامام- عليه السلام- «قال المنجم و الطبيب كلاهما- لن يحشر الاموات» (و ينكرون جميع الأصول الخمسة) التوحيد و العدل و النبوة و الامامة و المعاد (انتهى) كلام السيد الشارح.

(ثم قال ره: و اما هؤلاء) المسمون بالمنجمين (الذين يستخرجون بعض

ص: 123

اوضاع السيارات و ربما يتخرصون عليها باحكام مبهمة متشابهة ينقلونها تقليدا لبعض ما وصل إليهم من كلمات الحكماء الاقدمين مع صحة عقائدهم الاسلامية فغير معلوم دخولهم في المنجمين الذين ورد فيهم من المطاعن ما ورد» انتهى.

اقول: فيه- مضافا الى عدم انحصار الكفار من المنجمين فيمن ذكر بل هم على فرق ثلاث كما اشرنا إليه و سيجي ء التصريح به من البحار في مسألة السحر- ان النزاع المشهور بين المسلمين في صحة التنجيم و بطلانه هو المعنى الّذي ذكره اخيرا

______________________________

اوضاع السيارات و ربما يتخرصون) اى يقولون قولا بدون علم و دليل (عليها باحكام مبهمة متشابهة ينقلونها تقليدا لبعض ما وصل إليهم من كلمات الحكماء الاقدمين) كقولهم- مبهما-: يحتمل موت كبير، او زلزال في مكان او محاربة بين دولتين، او ما اشبه ذلك، من الاحكام المبهمة التى نشاهدها اليوم- فى التقاويم (مع صحة عقائدهم الاسلامية فغير معلوم دخولهم في المنجمين الذين ورد فيهم من المطاعن ما ورد) فى الاخبار المروية عن الائمة الاطهار عليهم الصلاة و السلام (انتهى) كلام شارح النخبة.

(اقول: فيه- مضافا الى عدم انحصار الكافر من المنجمين فيمن ذكر) من المنكرين لكل الأصول (بل هم على فرق ثلاث كما اشرنا إليه) حيث قلنا «ثم لا فرق» و قد رقمنا عليه ب «1- 2- 3» (و سيجي ء التصريح به من البحار في مسألة السحر- ان النزاع المشهور بين المسلمين في صحة التنجيم و بطلانه هو المعنى الّذي ذكره) السيد الشارح (اخيرا) بقوله «و اما هؤلاء»

ص: 124

كما عرفت من جامع المقاصد، و المطاعن الواردة في الاخبار المتقدمة و غيرها كلها او جلها على هؤلاء، دون المنجم بالمعنى الّذي ذكره أولا.

و ملخص الكلام، ان ما ورد فيهم من المطاعن لا صراحة فيها بكفرهم بل ظاهر ما عرفت خلافه.

و يؤيده ما رواه في البحار عن محمد و هارون ابنى سهل النوبختى:

أنهما كتبا الى أبى عبد اللّه عليه السلام: «نحن ولد نوبخت المنجم و قد كنا كتبنا أليك هل يحل النظر فيها؟

______________________________

الخ (كما عرفت من جامع المقاصد، و المطاعن الواردة في الاخبار المتقدمة و غيرها) من الاخبار التى لم ننقلها (كلها او جلها) اى غالبها (على هؤلاء) و هم المسلمون الذين صحت عقائدهم و لكنهم يخبرون بالامور المستقبلة (دون المنجم بالمعنى الّذي ذكره أولا) لما تقدم من ان هذا القسم من المنجم من اكفر الكفار، و انما الّذي بمنزلة الكاهن انما هو المسلم الّذي يحتاج كفره الى مئونة، ثم ان ما ورد في كفرهم قد عرفت أنه لا يدل على الكفر بمعناه المعروف.

(و ملخص الكلام ان ما ورد فيهم من المطاعن لا صراحة فيها بكفرهم بل ظاهر ما عرفت خلافه) و المراد بما عرفت تنزيلهم بمنزلة الكاهن الخ عند قولنا «بل ظاهر ما تقدم» و قولنا «و اما قوله عليه السلام من صدق كاهنا».

(و يؤيده) اى عدم الكفر (ما رواه في البحار عن محمد و هارون ابنى سهل النوبختى: انهما كتبا الى أبى عبد اللّه عليه السلام «نحن ولد نوبخت المنجم و قد كنا كتبنا أليك هل يحل النظر فيها؟) اى في النجوم

ص: 125

فكتبت نعم، و المنجمون يختلفون في صفة الفلك، فبعضهم يقولون: ان الفلك فيه النجوم و الشمس و القمر- الى ان قال- فكتب- عليه السلام: نعم ما لم يخرج عن التوحيد».

«الثاني» أنها تفعل الآثار المنسوبة إليها، و اللّه سبحانه هو المؤثر الاعظم،

كما يقوله بعضهم، على ما ذكره العلامة و غيره.

قال العلامة- فى محكى شرح فص الياقوت-: اختلف قول المنجمين على قولين: احدهما، قول من يقول: انها حية مختارة.

______________________________

(فكتبت: نعم، و المنجمون يختلفون في صفة الفلك، فبعضهم يقولون:

ان الفلك فيه النجوم و الشمس و القمر- الى ان قال- فكتب- عليه السلام-: نعم ما لم يخرج عن التوحيد) فالامام عليه السلام اجاز النظر في النجوم اذا لم يصادم «التوحيد» و ذكر «التوحيد» من باب المثال فان المراد اصول الدين و ضرورياته، و لعل ذكر التوحيد من جهة مصادمة النجوم ذلك الوقت للتوحيد فقط.

( «الثاني»)- من وجوه اعتقاد الربط بين الحركات الفلكية و الكائنات (أنها) اى الحركات الفلكية (تفعل الآثار إليها، و اللّه سبحانه هو المؤثر الاعظم كما يقوله) اى هذا القول (بعضهم) اى بعض المنجمين (على ما ذكره العلامة و غيره).

(قال العلامة- فى محكى شرح فص الياقوت-: اختلف قول المنجمين) حول الاجرام الفلكية (على قولين):

(احدهما- قول من يقول انها) اى الاجرام الفلكية (حية مختارة)

ص: 126

الثاني- قول من يقول: انها موجبة، و القولان باطلان.

و قد تقدم عن المجلسى- رحمه اللّه- ان القول بكونها فاعلة بالارادة و الاختيار- و ان توقف تأثيرها على شرائط اخر- كفر.

و هو ظاهر اكثر العبارات المتقدمة، و لعل وجهه ان نسبة الافعال التى دلت ضرورة الدين على استنادها الى اللّه تعالى: كالخلق و الرزق و الاحياء و الاماتة و غيرها- الى غيره تعالى، مخالف لضرورة الدين.

______________________________

كحياة الانسان و اختياره.

(الثاني- قول من يقول انها موجبة) بصيغة اسم الفاعل، بمعنى ان الافعال تصدر عنها بالايجاب (و القولان باطلان) لان الاجرام الفلكية لا تأثير لها في الامور الارضية حتى يقع الكلام حول أنها الافاعيل بالاختيار او بالجبر.

(و قد تقدم عن المجلسى- رحمه اللّه- ان القول بكونها) اى الاجرام الفلكية (فاعلة بالارادة و الاختيار- و ان توقف تأثيرها على شرائط اخر- كفر).

(و هو) اى ما ذكره العلامة المجلسى من بطلان هذا القول و كونه كفرا (ظاهر اكثر العبارات المتقدمة، و لعل وجهه ان نسبة الافعال- التى دلت ضرورة الدين على استنادها الى اللّه تعالى: كالخلق و الرزق و الاحياء و الاماتة و غيرها- الى غيره تعالى، مخالف لضرورة الدين) فهو باطل، و القول به كفر، لان من مراتب التوحيد توحيد الافعال بنسبة

ص: 127

لكن ظاهر شيخنا الشهيد في القواعد العدم، فانه- بعد ما ذكر الكلام الّذي نقلناه منه سابقا- قال: و ان اعتقد أنها تفعل الآثار المنسوبة إليها و اللّه سبحانه هو المؤثر الاعظم فهو مخطئ اذ لا حياة لهذه الكواكب ثابتة بدليل عقلى و لا نقلى» انتهى.

و ظاهره ان عدم القول بذلك

______________________________

الافعال الكونية الى اللّه تعالى، فقد قال المتكلمون: ان التوحيد على أربعة مراتب: توحيد الذات، و توحيد الصفات، و توحيد الافعال، و توحيد العبادة.

(لكن ظاهر شيخنا الشهيد في القواعد العدم) اى عدم كون هذا الاعتقاد كفرا (فانه- بعد ما ذكر الكلام الّذي نقلناه منه سابقا- قال: و ان اعتقد انها تفعل الآثار المنسوبة إليها و اللّه سبحانه هو المؤثر الاعظم) كما ان الانسان يفعل الاشياء، و اللّه هو المؤثر الاعظم، مثلا الزرع من الانسان و اللّه هو المؤثر الاعظم، و لذا قال سبحانه «أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّٰارِعُونَ» و هكذا بالنسبة الى الامانة و الشفاء بل و الرمى و لذا قال تعالى «وَ مٰا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ رَمىٰ» (فهو مخطئ اذ لا حياة لهذه الكواكب ثابتة) تلك الحياة (بدليل عقلى و لا نقلى) و ما استدل به لذلك كقوله- عليه السلام- «أيها الخلق المطيع» و ما اشبه لا يدل على الحياة كما لا يخفى، اذ الاطاعة اعم من الحياة فهى من قبيل «ائْتِيٰا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قٰالَتٰا أَتَيْنٰا طٰائِعِينَ» و قد ثبت في الروايات ان الملائكة هى التى تجرى بعض الحركات الفلكية.

(و ظاهره) اى ظاهر كلام الشهيد (ان عدم القول بذلك) اى

ص: 128

لعدم المقتضى له- و هو الدليل- لا لوجود المانع منه، و هو انعقاد الضرورة على خلافه فهو ممكن غير معلوم الوقوع.

و لعل وجهه ان الضرورى عدم نسبة تلك الافعال الى فاعل مختار باختيار مستقل مغاير لاختيار اللّه كما هو ظاهر قول المفوضة.

______________________________

يكون الاثر من الكواكب مع كون اللّه هو المؤثر الاعظم ككون الاثر من الطبيب و الزارع مع ان اللّه هو المؤثر الاعظم (لعدم المقتضى له- و هو الدليل لا لوجود المانع منه، و هو انعقاد الضرورة على خلافه فهو) اى كون الكواكب هى المؤثرات (ممكن) فى ذاته (غير معلوم الوقوع).

(و لعل وجهه) عدم كونه في نفسه مخالفا للدين، و انما لا نقول به لعدم الدليل (اذ الضرورى) البديهى (عدم نسبة تلك الافعال الى فاعل مختار باختيار مستقل مغاير لاختيار اللّه) بان يكون اللّه سبحانه فوض تلك الافعال الحادثة في الارض الى الكواكب حتى أنها تفعل كل شي ء مستقلا، كما يفعل الانسان المصنوعات الجزئية بإرادة مستقلة (كما هو ظاهر قول المفوضة) فانهم يزعمون ان اللّه سبحانه فوض الامر كله الى النبي و الامام و قسم آخر منهم يزعمون ان اللّه سبحانه فوض جميع الاعمال الى البشر من دون مدخلية له اصلا- و هؤلاء مفوضة في مقابل المجبرة بخلاف القسم الاول من المفوضة، و كلا القولين باطل.

اما قول الامام عليه السلام في خطبة نهج البلاغة «نحن صنائع اللّه و الناس بعد صنائع لنا» فمعناه انهم يفعلون بامر اللّه و ارادته كما ان ملك الموت يقبض الارواح بامره سبحانه، و هذا غير التفويض الّذي

ص: 129

اما استنادها الى الفاعل بإرادة الله المختار بعين مشيته و اختياره حتى يكون كالآلة بزيادة الشعور و قيام الاختيار به، بحيث يصدق انه فعله و فعل الله فلا.

اذ المخالف للضرورة انكار نسبة الفعل الى الله تعالى على وجه

______________________________

زعمه جماعة من الغلاة- و تفصيل الكلام في كتب اصول الدين-.

(اما استنادها) اى الافعال (الى الفاعل بإرادة الله) اى الّذي يفعل و لكن لا بإرادة نفسه بل بإرادة الله تعالى فاذا اراد الله خلق زيد فعله الكواكب الكذائى كما ان اللّه اذا اراد قبض روح زيد أماته ملك الموت (المختار) صفة «الفاعل» اى يختار الفاعل اختيارا- (بعين مشيته) و ارادته (و اختياره) سبحانه، فاختياره من اختيار الله تعالى (حتى يكون) الكواكب (كالآلة بزيادة الشعور) مثلا المنشار آلة و لكن لا شعور له، و لكن ملك الموت آلة و له شعور (و قيام الاختيار به بحيث يصدق انه فعله و فعل الله) باعتبارين فباعتبار انه المباشر يقال انه فعله، و باعتبار ان الله هو القابض للروح حقيقة يقال انه فعل الله، و لذا ورد تارة «قُلْ يَتَوَفّٰاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ» و تارة «اللّٰهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهٰا» و كذلك معاجز الأنبياء فهى تارة تنسب إليهم لانهم المباشرون لاظهارها، و تارة الى الله تعالى لانه سبحانه فاعل تلك المعاجز (فلا) جواب «اما» اى ليس استناد الافعال الى فاعل مختار بمنزلة الآلة ضرورى العدم حتى يستلزم القول به الكفر.

(اذ المخالف للضرورة انكار نسبة الفعل الى الله تعالى على وجه

ص: 130

الحقيقة لا اثباته لغيره أيضا، بحيث يصدق انه فعله.

«نعم» ما ذكره الشهيد من عدم الدليل عليه حق، فالقول به تخرص و نسبة فعل الله الى غيره بلا دليل، و هو قبيح.

و ما ذكره- قدس سره- كأن مأخذه ما في الاحتجاج عن هشام بن الحكم قال سأل الزنديق أبا عبد الله- عليه السلام- فقال: «ما تقول فيمن يزعم ان هذا التدبير الّذي يظهر في هذا العالم تدبير النجوم السبعة؟ قال- عليه السلام-: يحتاجون الى دليل ان هذا العالم الاكبر

______________________________

الحقيقية) بان يقول الشخص ان الفعل الكذائى ليس فعل الله حقيقة (لا) ان الضرورى انكار (اثباته لغيره) تعالى (أيضا، بحيث يصدق انه فعله) اى فعل ذلك الغير.

( «نعم» ما ذكره الشهيد) فى القواعد (من عدم الدليل عليه) و أنه لم يدل على نسبة الافعال الى الاجرام العلوية (حق فالقول به تخرص) و قول بدون دليل (و نسبة فعل الله الى غيره بلا دليل، و هو قبيح) قوله «و نسبة» عطف على «تخرص».

(و ما ذكره) الشهيد (قدس سره) من ان القول بذلك قول بلا دليل (كأن مأخذه ما في الاحتجاج عن هشام بن الحكم قال سأل الزنديق أبا عبد الله- عليه السلام- فقال: «ما تقول فيمن يزعم ان هذا التدبير الّذي يظهر في هذا العالم تدبير النجوم السبعة؟) القمر و العطارد و الزهرة و الشمس و المريخ و المشترى و الزحل (قال- عليه السلام-:

يحتاجون الى دليل ان هذا العالم الاكبر) المشاهد من الامور الكونية

ص: 131

و العالم الاصغر من تدبير النجوم التى تسبح في الفلك، و تدور حيث دارت، منقبة لا تفتر، و سائرة لا تقف.

ثم قال- عليه السلام-: و ان كل نجم منها موكل مدبر فهى بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين، فلو كانت قديمة ازلية لم تتغير من حال الى حال، الخبر

______________________________

(و العالم الاصغر) اى الانسان (من تدبير النجوم التى تسبح في الفلك و تدور حيث دارت منقبة لا تفتر، و سائرة لا تقف).

و كان الامام- عليه السلام- وصف «النجوم» بقوله «تسبح» الخ اشارة الى عدم كونها ازلية اذ القديم لا يتغير- كما اشار الى ذلك فيما يأتى من كلامه عليه السلام- فكأنه عليه السلام اراد بيان امرين: الاول- ان كون شي ء خالقا يحتاج الى الدليل. الثاني- ان النجوم لا يعقل ان تكون خالقة بالاستقلال، و لعله عليه السلام اراد ردّ طائفتين: من يزعم ان الافلاك و النجوم قديمة كما يقوله جمع من فلاسفة يونان. و من يزعم انها خالقة بالاستقلال و ان لم تكن قديمة (ثم قال- عليه السلام- و ان كل نجم منها موكل مدبر فهى بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين، فلو كانت قديمة ازلية لم تتغير من حال الى حال، الخبر).

الظاهر ان «موكل» و «مدبر» بصيغة المفعول. اى ان كل كوكب وكّل به الملائكة- كما ورد في الاحاديث ان الشمس تجرها كثرة من الملائكة و ان كل كوكب دبر الله امره، فهى ليست آمرة ناهية- كما يزعم الفلاسفة- و انما هى مأمورة منهية، و انما قال «بمنزلة العبيد» و لم يقل «عبيد» لان

ص: 132

و الظاهر ان قوله- عليه السلام- «بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين» يعنى: فى حركاتهم، لا انهم مأمورون بتدبير العالم بحركاتهم فهى مدبرة باختياره المنبعث عن امر الله تعالى.

«نعم» ذكر المحدث الكاشانى في الوافى- فى توجيه البداء-.

______________________________

للعبيد اختيارا و إرادة، و ليس للانجم اختيار و لا إرادة فهى «بمنزلة العبيد» فى كون امرها الى مولاها.

ثم انه قد ثبت في علم الكلام التنافى بين القدم و التغير، اذ التغير يلازم الحدوث، و الحادث ليس بقديم، و لذا قال عليه السلام «فلو كانت قديمة الخ».

(و الظاهر ان قوله- عليه السلام- «بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين» يعنى: فى حركاتهم) فهى تتحرك الى جهة وفق امر الله و لا تتحرك الى اخرى وفق نهى الله عن الحركة الى تلك الجهة الاخرى (لا) ان مراده عليه السلام (انهم مأمورون بتدبير العالم بحركاتهم) اى ان الله امرهم بحركات، و تلك الحركات تدبر امر العالم (فهى مدبرة باختياره المنبعث) ذلك الاختيار (عن امر الله تعالى) قوله «فهى» من تتمة «المنفى» اى ليس الأمر كذلك.

( «نعم» ذكر المحدث الكاشانى في الوافى- فى توجيه البداء-) و معناه بالنسبة الى الله سبحانه، و انه كيف يمكن البداء في حقه تعالى و هو يعلم كل شي ء.

اقول: «البداء»: هو الاظهار بعد الاخفاء، و هو المراد حيث

ص: 133

كلاما ربما يظهر منه مخالفة المشهور.

حيث قال: «اعلم ان القوى المنطبعة الفلكية لم تحط بتفاصيل ما سيقع من الامور دفعة واحدة لعدم تناهى تلك الامور، بل انما تنقش فيها

______________________________

ينسب البداء الى الله تعالى، لان المراد الظهور بعد الخفاء.

ان قلت: اذا كان الله يعلم ان زيد الا يموت مثلا من هذا المرض فما وجه الصدقة و الدعاء و ما اشبه؟.

قلت: ان الله يعلم ان زيد الا يموت من هذا المرض، و يعلم ان سبب عدم موته الدواء و الدعاء و الصدقة فالله سبحانه يعلم بالامرين، كما ان الله يعلم ان زيدا يتزوج فيولد له، فلا يقال: ان الله اذا علم ان زيدا يولد له فما هو وجه الاحتياج الى الزواج، و اذا علم ان زيدا لا يولد له فالازدواج لا تأثير له.

و كيف كان فمسألة البداء من اوضح الواضحات التى لا غبار عليها، و لا يلزم منه جهل او نحوه، و تفصيل الكلام في علم الكلام (كلاما ربما يظهر منه مخالفة المشهور) الذين قالوا بعدم كون الكواكب مدبرة للعالم- حتى تدبيرا منبعثا عن امر الله تعالى-.

(حيث قال: «اعلم ان القوى المنطبعة الفلكية») اى القوى التى انطبقت في الافلاك (لم تحط بتفاصيل ما سيقع من الامور) فى العالم احاطة (دفعة واحدة) و انما لم تحط دفعة واحدة (لعدم تناهى تلك الامور) و القوى الفلكية متناهية، فما يتناهى لا يمكن ان يحيط بما لا يتناهى، (بل انما تنقش فيها) اى في القوى الفلكية

ص: 134

الحوادث شيئا فشيئا فان ما يحدث في عالم الكون و الفساد انما هو من لوازم حركات الافلاك و نتائج بركاتها، فهى تعلم أنه كلما كان كذا كان كذا» انتهى موضع الحاجة

______________________________

(الحوادث شيئا فشيئا) اى تدريجا (فان ما يحدث في عالم الكون و الفساد) «هذا العالم يسمى بالكون و الفساد» لان الامور تتكون و توجد فيها ثم تفسد و تفنى و تضمحل (انما هو من لوازم حركات الافلاك و نتائج بركاتها فهى) اى الافلاك (تعلم أنه كلما كان كذا كان كذا») اى انه كلما كان مثلا الدعاء كان دفع البلاء.

و كان الكاشانى اراد بهذا ان ظهور «ان زيدا لا يموت» فى الافلاك انما يكون بعد «الدعاء» اما قبله فلم يكن ذلك ظاهرا و منقوشا فيها- و هذا هو معنى البداء-.

و لا يخفى مواضع النظر في كلامه اذ- أولا- لم يثبت علم الافلاك.

و ثانيا- عدم تناهى المخلوقات غير تام اذ: المخلوق مهما امتد طولا او عرضا فهو متناه و إلا خرج عن كونه مخلوقا.

و ثالثا- لو كانت الافلاك متناهية لم يمكن ان تحيط بغير المتناهى اطلاقا، و لو تدريجا، و اذا لم تكن متناهية امكن ان تحيط بالاشياء دفعة واحدة.

و رابعا- كون ما في هذا العالم من لوازم حركات الافلاك اوّل الكلام فأي دليل على ذلك.

و خامسا- ان ما ذكره هو معنى البداء، خلاف ظاهر الاخبار، بل و

ص: 135

و ظاهره أنها فاعلة بالاختيار، لملزومات الحوادث.

و بالجملة فكفر المعتقد بالربط على هذا الوجه الثاني لم يظهر من الاخبار.

و مخالفته لضرورة الدين لم يثبت أيضا، اذ: ليس المراد العلية التامة كيف و قد حاول المحدث الكاشانى بهذه المقدمات اثبات البداء!

______________________________

خلاف الادلة العقلية.

و كيف كان فهذا الكلام من فروع القول بالعقول العشرة الّذي ثبت خلافه كما فصل في شرح التجريد و غيره فراجع.

(و) كيف كان فان (ظاهره انها فاعلة بالاختيار لملزومات الحوادث) اى للحركة التى يلزم منها الحوادث الكونية فالحركة «ملزومة» و الحوادث «لازمة»

(و بالجملة فكفر المعتقد بالربط) بين الحركات الفلكية و الحوادث الارضية (على هذا الوجه الثاني) سواء قلنا أنها كالآلة بلا شعور أو انها كملك الموت بالارادة و الاختيار (لم يظهر من الاخبار).

(و) لا من الادلة العقلية و النقلية، كما ان (مخالفته) اى اعتقاد الربط المذكور (لضرورة الدين لم يثبت أيضا، اذ ليس المراد) بهذا النحو من الربط (العلية التامة) للافلاك، بالنسبة الى الأمور الكونية و (كيف) يراد بهذا النحو من الربط العلية التامة (و قد حاول المحدث الكاشانى بهذه المقدمات) التى من جملتها الربط بين الكواكب و الحوادث (اثبات البداء) و دفع الاشكال عن بعض صفات الله تعالى، فهل يعقل ان ينكر وجود الله تعالى من يريد اثبات بعض صفاته.

ص: 136

«الثالث»- استناد الافعال إليها كاستناد الاحراق الى النار.

و ظاهر كلمات كثير ممن تقدم كون هذا الاعتقاد كفرا، الا انه قال شيخنا المتقدم في القواعد- بعد الوجهين الاولين-: و اما ما يقال من استناد الافعال إليها كاستناد الاحراق الى النار و غيرها من العاديات، بمعنى ان الله تعالى اجرى عادته: انها اذا كانت على شكل مخصوص او وضع مخصوص

______________________________

و ان شئت قلت: «الربط بين الافلاك و الحوادث» مما يدفع الاشكال عن بعض صفات الله تعالى، فكيف يمكن ان يكون «القول بالربط» مخالفا للأصول أو لضرورى الدين؟.

( «الثالث»-) من وجوه ربط الحركات الفلكية بالكائنات الارضية (استناد الافعال إليها كاستناد الاحراق الى النار) بان تكون الكواكب فاعلة بالقسر.

(و ظاهر كلمات كثير ممن تقدم) من العلماء (كون هذا الاعتقاد كفرا الا انه قال شيخنا المتقدم) الشهيد الاول- رحمه الله- (فى القواعد- بعد الوجهين الاولين-) اى كونها مستقلة بالتأثير، و المؤثرة مع كون المؤثر الاعظم هو الله سبحانه (و اما ما يقال من استناد الافعال إليها كاستناد الاحراق الى النار و غيرها) اى غير النار (من العاديات) كاستناد التبريد الى الثلج و ما اشبه (بمعنى ان الله تعالى اجرى عادته أنها) اى الكواكب (اذا كانت على شكل مخصوص) من القرب و البعد و الاقتران و ما اشبه (او وضع مخصوص) ككونه في الاوج او الحضيض، او ان المراد بالشكل هذا

ص: 137

يفعل ما ينسب إليها، و يكون ربط المسببات بها كربط مسببات الادوية و الأغذية بها مجازا باعتبار الربط العادى، لا الربط العقلى الحقيقى، فهذا لا يكفر معتقده لكنه مخطئ، و ان كان اقل خطاء من الاول لان وقوع هذه الآثار عندها ليس بدائم و لا اكثرى انتهى.

______________________________

المعنى، و كونه في وضع مخصوص المعنى الاول (يفعل ما ينسب إليها، و يكون ربط المسببات بها كربط مسببات الادوية و الاغذية بها) اى بالادوية و الاغذية (مجازا) اى كون النسبة مجازا، و الا فالنسبة الحقيقية الى الله تعالى، فالنسبة الى المسببات (باعتبار الربط العادى لا الربط العقلى الحقيقى، فهذا) الاعتقاد (لا يكفر معتقده) لانه ليس مصادما مع اصل من اصول الدين (لكنه مخطئ، و ان كان اقل خطاء من الاول) الّذي يزعم التأثير لها و لكن المؤثر الاعظم هو الله سبحانه بمعنى أن لها حياة.

و انما نقول بانه مخطئ اذا اعتقد كونه سببا عاديا (لان وقوع هذه الآثار) الارضية (عندها) اى عند تلك الاشكال و الاوضاع للاجرام (ليس بدائم و لا اكثرى انتهى) و لو كانت اسبابا عادية لكانت الآثار دائمية كاحراق النار او اكثرية كاسهال السقمونيا.

و قوله «ان الله اجرى عادته» بناء على ان ظهور الآثار عند وجود الاسباب من باب عادة الله كما ذهب الى ذلك جمع من الحكماء، قال السبزوارى:

«و هل بتوليد أو اعداد ثبت» «او بالتوافى عادة الله جرت».

«و جرى عادة خطاء شديدا» «و ليست العلية توليدا».

ص: 138

و غرضه من التعليل المذكور الاشارة الى عدم ثبوت الربط العادى لعدم ثبوته بالحس، كالحرارة الحاصلة بسبب النار، و الشمس، و برودة القمر، و لا بالعادة الدائمة و لا الغالبة، لعدم العلم بتكرر الدفعات كثيرا حتى يحصل العلم او الظن.

«ثم» على تقديره فليس فيه دلالة على تأثير تلك الحركات في الحوادث فلعل الأمر بالعكس او كلتاهما مستندتان

______________________________

«ثم» لا يخفى ان تخطئة الشهيد و غيره من العلماء لمن يقول بالتأثير العادى انما يريدون التأثير مطلقا لا مثل تأثير الشمس في الفصول و ما اشبه مما هو معلوم واضح.

(و) كيف كان ف (غرضه) اى الشهيد (من التعليل المذكور) اى قوله «لان وقوع» (اشارة الى عدم ثبوت الربط العادى، لعدم ثبوته بالحس كالحرارة الحاصلة بسبب النار، و الشمس، و برودة القمر و لا بالعادة الدائمة) التى لا تتخلف (و لا الغالبة) التى يغلب وجود المسبب عند وجود السبب (لعدم العلم بتكرر الدفعات كثيرا حتى يحصل العلم او الظن) باستناد تلك الحوادث الى تلك الاسباب.

( «ثم» على تقديره) اى تقدير وجود العادة الدائمة او الغالبة (فليس فيه) اى في ذلك التلازم او الغلبة بين الحركات و بين المسببات (دلالة على تأثير تلك الحركات في الحوادث) التى ترى بعد تلك الحركات (فلعل الأمر بالعكس) و ان حدوث هذا الشي ء في الأرض سبب حدوث ذلك الشي ء في السماء (او كلتاهما) اى الحركات السماوية و الارضية (مستندتان

ص: 139

الى مؤثر ثالث، فيكونان من المتلازمين في الوجود.

و بالجملة- فمقتضى ما ورد من انه «ابى الله ان يجرى الاشياء الا باسبابها» كون كل حادث مسببا، و اما ان السبب هى الحركة الفلكية او غيرها فلم يثبت و لم يثبت أيضا كونه مخالفا لضرورة الدين، بل في بعض الاخبار ما يدل بظاهره على ثبوت التأثير للكواكب.

مثل ما في الاحتجاج عن ابان بن تغلب- فى حديث اليمانى الّذي دخل على أبى عبد الله- عليه السلام- و سماه باسمه الّذي لم يعلمه احد و هو سعد فقال له: «يا سعد و ما صناعتك قال انا من اهل بيت ننظر في النجوم- الى ان قال-

______________________________

الى مؤثر ثالث، فيكونان من المتلازمين في الوجود) كالنور و الحرارة للشمس، لا ان احداهما مستندة الى الأخرى، فالقول بان هذه المسببات مستندة الى تلك الحركات تخرص بدون دليل.

(و بالجملة- فمقتضى ما ورد من انه ابى الله ان يجرى الاشياء الا باسبابها كون كل حادث مسببا) عن سبب (و اما ان السبب) فى الامور الارضية (هى الحركة الفلكية أو غيرها فلم يثبت و) كذلك (لم يثبت أيضا كونه مخالفا لضرورة الدين) حتى يكون المعتقد لذلك كافرا (بل في بعض الاخبار ما يدل بظاهره على ثبوت التأثير للكواكب) فى الجملة.

(مثل ما في الاحتجاج عن ابان بن تغلب- فى حديث اليمانى الّذي دخل على ابى عبد الله- عليه السلام- و سماه) اى الصادق عليه السلام (باسمه الّذي لم يعلمه احد، و هو سعد- فقال له: «يا سعد و ما صناعتك؟ قال) سعد: (انا من اهل بيت ننظر في النجوم- الى ان قال-)

ص: 140

(ع) ما اسم النجم الّذي اذا طلع هاجت الابل؟ فقال: ما ادرى. قال عليه السلام: صدقت فقال عليه السلام: ما اسم النجم الّذي اذا طلع هاجت البقر؟ قال: ما ادرى قال عليه السلام: صدقت فقال: ما اسم النجم الّذي اذا طلع هاجت الكلاب؟ قال: ما ادرى قال (ع) صدقت في قولك: لا ادرى فما زحل عندكم في النجوم؟ فقال سعد اليمانى: نجم نحس! فقال أبو عبد الله عليه السلام لا تقل هذا فانه نجم امير المؤمنين- عليه السلام و هو نجم الأوصياء و هو النجم الثاقب الّذي قال الله تعالى: فى كتابه.

______________________________

الامام (عليه السلام: ما اسم النجم الّذي اذا طلع هاجت الابل؟) تريد السفاد و الازدواج (فقال: ما ادرى. قال عليه السلام: صدقت. فقال عليه السلام: ما اسم النجم الّذي اذا طلع هاجت البقر؟ قال: ما ادرى.

قال عليه السلام صدقت. فقال: ما اسم النجم الّذي اذا طلع هاجت الكلاب؟ قال: ما ادرى. قال عليه السلام: صدقت في قولك لا ادرى).

و هذا ظاهر في علية طلوع تلك الكواكب لهيجان هذه الحيوانات.

اما احتمال ان يكون سؤال الامام من باب التعجيز فهو خلاف الظاهر، و ذلك بان لا يكون هناك نجم هكذا، كما ان احتمال ان يكون طلوع النجم وقتا للهيجان لا سببا أيضا خلاف الظاهر.

فقال عليه السلام (فما زحل عندكم في النجوم؟) اى باية صفة من السعد و النحس (فقال سعد اليمانى: نجم نحس! فقال) له (ابو عبد الله (ع): لا تقل هذا فانه نجم امير المؤمنين- عليه السلام- و هو نجم الأوصياء و هو النجم الثاقب الّذي قال الله تعالى: فى كتابه).

ص: 141

و في رواية المدائنى عن الكافى عن ابى عبد الله- عليه السلام-:

قال «ان الله خلق نجما في الفلك السابع، فخلقه من ماء بارد، و خلق سائر النجوم الجاريات من ماء حار، و هو: نجم الأوصياء و الأنبياء و هو نجم امير المؤمنين، يأمر بالخروج من الدنيا و الزهد فيها، و يأمر بافتراش

______________________________

لا يخفى ان النجم لا يكون بذاته سعدا أو نحسا، و انما تكون نحوسته أو سعوده بواسطة التعلق بشي ء او بواسطة تأثيره في اثر خاص حسنا او سيئا و المنجمون انما يعتبرون زحل نحسا لانه يتعلق ببعض الشرور الكونية على زعمهم- كما قال سبحانه «وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً» و كلام الامام- عليه السلام- تنبيه الى أنه مربوط بالامام و الأوصياء، و لعل معنى الارتباط من قبيل ارتباط الدار بالانسان، أو من قبيل ارتباط النور بالشمس و سيأتى توضيح لذلك.

(و في رواية المدائنى المروية عن الكافى عن أبى عبد الله- عليه السلام- قال «ان الله خلق نجما في الفلك السابع، فخلقه من ماء بارد و خلق سائر النجوم الجاريات من ماء حار، و هو) اى النجم الّذي في الفلك السابع (نجم الأوصياء و الأنبياء و هو نجم امير المؤمنين، يأمر) اما بمعنى الامر التكوينى، و ان من طبيعته اشعاع هذا الامر في النفوس كما ان من طبيعة الشمس اشعاع الحرارة الى الاجسام، او بمعنى الامر حقيقة- كاوامر الناس- لكن بلغة خاصة يعرفها الأنبياء و الائمة (بالخروج) اى بخروج القلب (من الدنيا) كما قال- عليه السلام- «اخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل ان تخرج منها ابدانكم» (و الزهد فيها و يأمر بافتراش

ص: 142

التراب و توسد اللبن، و لباس الخشن و اكل الجشب، و ما خلق الله نجما اقرب الى الله منه».

و الظاهر ان امر النجم بما ذكر من المحاسن كناية عن اقتضائه لها.

«الرابع»- ان يكون ربط الحركات بالحوادث، من قبيل ربط الكاشف و المكشوف.

و الظاهر ان هذا الاعتقاد لم يقل احد بكونه كفرا.

______________________________

التراب و توسد اللبن) جمع لبنة على وزن كلم و كلمة، (و لباس الخشن و اكل الجشب) اى الاطعمة غير اللذيذة (و ما خلق الله نجما اقرب الى الله منه) اى قربا معنويا بمعنى اكثرية لطف الله له كما ان معنى قرب الانسان إليه تعالى كونه سبحانه اكثر لطفا إليه.

(و الظاهر ان امر النجم بما ذكر من المحاسن) فى هذه الرواية (كناية عن اقتضائه لها) كما ان الظاهر ان المراد بالنجم «زحل» حسب ما ثبت كونه في الفلك السابع، و حسب ما تقدم في الرواية السابقة من انه نجم الامام و سائر الأوصياء.

( «الرابع»)- من وجوه ارتباط الحركات الفلكية بالكائنات الارضية (ان يكون ربط الحركات) الفلكية (بالحوادث) الارضية (من قبيل ربط الكاشف و المكشوف) فحركة كذا في الفلك تدل و تكشف عن وقوع شي ء في الارض.

(و الظاهر ان هذا الاعتقاد لم يقل احد بكونه كفرا) فانه من قبيل كشف النور في جانب الشرق عند الصبح عن خروج الشمس بعد ساعة و

ص: 143

قال شيخنا البهائى- رحمه الله- بعد كلامه المتقدم الظاهر في تكفير من قال بتأثير الكواكب أو مدخليتها ما هذا لفظه «و ان قالوا: ان اتصالات تلك الاجرام و ما يعرض لها من الاوضاع علامات على بعض حوادث هذا العالم مما يوجده الله سبحانه بقدرته و ارادته، كما ان حركات النبض و اختلافات اوضاعه علامات يستدل بها الطبيب على ما يعرض للبدن من قرب الصحة و اشتداد المرض و نحوه، و كما يستدل باختلاج بعض الاعضاء على بعض الاحوال المستقبلة، فهذا لا مانع منه و لا حرج في اعتقاده، و ما روى

______________________________

نصف عن ذلك الموضع او وصول النجم الكذائى الى وسط السماء من انتصاف الليل او ما اشبه.

(قال شيخنا البهائى- رحمه الله- بعد كلامه المتقدم الظاهر) ذلك الكلام (فى تكفير من قال بتأثير الكواكب او مدخليتها) فى التأثير (ما هذا لفظه «و ان قالوا) اى المنجمون (: ان اتصالات تلك الاجرام) بالاقتران و الاقتراب و ما اشبه (و ما يعرض لها من الاوضاع علامات على بعض حوادث هذا العالم مما يوجده الله بقدرته و ارادته) و للاوضاع الفلكية مجرد الكشف (كما ان حركات النبض و اختلافات اوضاعه علامات يستدل بها الطبيب على ما يعرض للبدن من قرب الصحة و اشتداد المرض و نحوه، و كما يستدل باختلاج) و ضربان (بعض الاعضاء على بعض الاحوال المستقبلة) كما هو مذكور في علمى الطب و التشريح (فهذا لا مانع منه و لا حرج في اعتقاده، و ما روى) من النهى عن علم النجوم محمول على غير

ص: 144

فى صحة علم النجوم و جواز تعلمه محمول على هذا المعنى» انتهى.

و مما يظهر منه خروج هذا عن مورد طعن العلماء على المنجمين ما تقدم من قول العلامة- رحمه اللّه- «ان المنجمين بين قائل بحياة الكواكب و كونها فاعلة مختارة، و بين من قال انها موجبة».

و يظهر ذلك من السيد- رحمه اللّه- حيث قال- بعد اطالة الكلام في التشنيع عليهم- ما هذا لفظه المحكى «و ما فيهم احد يذهب الى ان

______________________________

هذا المعنى و ما ورد (فى صحة علم النجوم و جواز تعلمه) كرواية الامام أمير المؤمنين عليه السلام: انما العلوم اربع كما تقدم، و غيره (محمول على هذا المعنى) فلا تنافى بين الطائفة المانعة و الطائفة المجوزة (انتهى) كلام الشيخ البهائى.

(و مما يظهر منه خروج هذا) المعنى من معانى التنجيم (عن مورد طعن العلماء على المنجمين ما تقدم من قول العلامة- رحمه اللّه- «ان المنجمين بين قائل بحياة الكواكب و كونها فاعلة مختارة، و بين من قال انها) فاعلة (موجبة).

فمن المعلوم ان العلامة لم يحسب من لا يقول بالفاعلية اصلا في عداد المنجم حتى ينصب عليه الطعن الّذي ذكره في كلامه.

(و يظهر ذلك) اى خروج هذا القسم من مورد طعن العلماء (من السيد) المرتضى (- رحمه اللّه- حيث قال- بعد اطالة الكلام في التشنيع عليهم- ما هذا لفظه المحكى «و ما فيهم) اى في المنجمين (احد يذهب الى ان

ص: 145

اللّه تعالى اجرى العادة بان يفعل عند قرب بعضها من بعض أو بعده افعالا من غير ان يكون للكواكب بانفسها تأثير في ذلك، قال: و من ادعى منهم هذا المذهب الآن فهو قائل بخلاف ما ذهب إليه القدماء و متجمل بهذا المذهب عند اهل الاسلام» انتهى.

لكن ظاهر المحكى عن ابن طاوس- رحمه اللّه- انكار السيد لذلك أيضا حيث انه بعد ما ذكر ان للنجوم علامات و دلالات

______________________________

اللّه تعالى اجرى العادة بان يفعل عند قرب بعضها من بعض) اى قرب بعض النجوم من بعض (او بعده) اى بعد بعض الكواكب عن بعض (افعالا) فينسب الافعال إليه تعالى، لا الى الكواكب (من غير ان يكون للكواكب بانفسها تأثير في ذلك) الفعل (قال) السيد: (و من ادعى منهم هذا المذهب الآن) بان اللّه اجرى العادة بخلق الشي ء الفلانى عند وضع خاص للكواكب (فهو قائل بخلاف ما ذهب إليه القدماء) من المنجمين (و متجمل) اى جمل نفسه (بهذا المذهب) الّذي يلائم الدين (عند اهل الاسلام اه) فان الظاهر من السيد ان هذا المذهب لا يخالف العقيدة الاسلامية حتى ان القائل به انما يقول للمجاملة مع المسلمين و لو كان مخالفا لاهل الاسلام لم يكن ستارا يتستر به.

(لكن ظاهر المحكى عن ابن طاوس- رحمه اللّه- انكار السيد) المرتضى- رحمه اللّه- (لذلك) الاعتقاد بان النجوم علامات و ان اللّه اجرى عادته بخلق شي ء معين عند وضع خاص للنجوم (أيضا) كما انكر التأثير (حيث انه بعد ما ذكر) السيد ابن طاوس (ان للنجوم علامات و دلالات

ص: 146

على الحادثات لكن يجوز للقادر الحكيم تعالى ان يغيرها بالبر و الصدقة و الدعاء و غير ذلك من الاسباب»، و جوز تعلم علم النجوم و النظر فيه و العمل به، اذا لم يعتقد انها مؤثرة.

و حمل اخبار النهى على ما اذا اعتقد انها كذلك، ثم انكر على «علم الهدى» تحريم ذلك، ثم ذكر لتأييد ذلك اسماء جماعة من الشيعة كانوا عارفين به انتهى.

______________________________

على الحادثات لكن يجوز للقادر الحكيم تعالى ان يغيرها بالبر و الصدقة و الدعاء و غير ذلك من الاسباب) التى توجب رفع الشر و النحوسة المقدرة للانسان، كما كان المقدر موت تلك العروس ليلة العرس لكن حيث تصدقت ارتفع ذلك الشر منها.

(و جوز) السيد ابن طاوس (تعلم علم النجوم و النظر فيه و العمل به، اذا لم يعتقد) المتعلم (انها مؤثرة).

(و حمل) ابن طاوس (اخبار النهى) عن النجوم (على ما اذا اعتقد انها) اى النجوم (كذلك) اى مؤثرة (ثم انكر على علم الهدى) السيد المرتضى (تحريم ذلك) اى تحريم النظر حتى لمن يعتقد انها ليست بمؤثرة، و ان المؤثر هو اللّه سبحانه (ثم ذكر) السيد ابن طاوس (لتأييد ذلك) الجواز الّذي ذهب إليه- خلافا للسيد المرتضى- (اسماء جماعة من الشيعة كانوا عارفين به انتهى) اى بعلم النجوم و لو كان النجوم حراما مطلقا لم يكن وجه لتعلم علماء الشيعة له.

ص: 147

و ما ذكره ره حق الا ان مجرد كون النجوم دلالات و علامات لا يجدى مع عدم الاحاطة بتلك العلامات، و معارضاتها، و الحكم مع عدم الاحاطة لا يكون قطعيا، بل و لا ظنيا.

______________________________

(و ما ذكره) ابن طاوس (ره حق) فان للنجوم علامات و دلالات، و يجوز تعلم علم النجوم اذا لم يعتقد بتأثيرها (الا ان مجرد كون النجوم دلالات و علامات لا يجدى) فى جواز الحكم على طبقها.

و لعل الفرق بين العلامة و الدليل، ان بينهما عموما من وجه، فان زيد الّذي يدلك على دار عمرو يسمى دليلا، و لا يسمى علامة، و علم الثوب الّذي فيه طرائق يخالف لونها لون الثوب علامة، و ليس دليلا، و يجتمعان في مثل علم الطريق فانه دليل و علامة.

او ان بينهما عموما مطلقا، فان كل علامة دليل و ليس كل دليل علامة.

و انما قلنا: لا يجدى، لانه (مع عدم الاحاطة بتلك العلامات، و معارضاتها) كيف يجوز الحكم (و) ذلك، لان (الحكم مع عدم الاحاطة لا يكون قطعيا، بل و لا ظنيا) فان من يعرف مثلا ان سرعة النبض دليل الحمى في الجملة و لا يعلم في اىّ مورد يكون ذلك دليلا و لا يعلم ان المعارض لدلالة السرعة على الحمى ما هو؟ كيف يمكن ان يستدل من سرعة النبض على الحمى اذ لعل السرعة ناشئة من الركض، او من الخوف، او ما اشبه ذلك.

ثم ان قول المصنف «الا» اشكال اوّل على ابن طاوس، حيث ان ظاهر كلام ابن طاوس جواز الحكم و اشكل المصنف عليه اشكالا ثانيا حيث ان ابن طاوس نسب الى السيد انكار دلالة النجوم، و الحال ان السيد

ص: 148

و السيد علم الهدى انما انكر من المنجم امرين، احدهما اعتقاد التأثير، و قد اعترف به ابن طاوس.

و الثاني: غلبة الاصابة في احكامهم، كما تقدم منه ذلك في صدر المسألة.

و هذا امر معلوم بعد فرض عدم الاحاطة بالعلامات، و معارضاتها.

______________________________

لا ينكر دلالة النجوم.

(و) ذلك، لان (السيد علم الهدى انما انكر من المنجم امرين، احدهما اعتقاد التأثير) بان النجوم مؤثرات في امور الارض (و قد اعترف به) اى بان النجوم لا تأثير لها (ابن طاوس) ففى هذه النقطة لا خلاف بين السيدين.

(و الثاني: غلبة الاصابة في احكامهم) اى ان اغلب احكام المنجمين اصابتها للخارج، فاذا قالوا شيئا كان الغالب صدقهم، فان السيد المرتضى ينكر هذا (كما تقدم منه ذلك في صدر المسألة).

حيث تقدم قوله «ان الخطأ الدائم المعهود انما هو في الاحكام- اى احكام المنجم- حتى ان الصواب فيها عزيز».

(و هذا) الّذي ذكره السيد المرتضى في الامر الثاني (امر معلوم) و لا وجه لان ينكر ابن طاوس هذا الكلام من السيد (بعد فرض عدم الاحاطة بالعلامات، و معارضاتها) كما فرضناه.

و الحاصل: ان لا مجال لانكار ابن طاوس على السيد، لان السيد قال امرين اولهما ما يسلم ابن طاوس به، و ثانيهما امر معلوم لا يصح انكاره.

ص: 149

و لقد اجاد شيخنا البهائى أيضا حيث انكر الامرين.

و قال بعد كلامه المتقدم في انكار التأثير، و الاعتراف بالامارة و العلامة، اعلم: ان الامور التى يحكم بها المنجمون من الحوادث الاستقبالية اصول بعضها مأخوذة من اصحاب الوحى سلام اللّه عليهم.

و بعضها يدعون لها التجربة.

و بعضها مبتن على امور منشعبة، لا تفى القوة البشرية بضبطها و الاحاطة بها.

______________________________

(و لقد اجاد شيخنا البهائى ره أيضا حيث انكر الامرين) الذين انكرهما السيد قبله.

(و قال بعد كلامه المتقدم في انكار التأثير) للكواكب (و) فى (الاعتراف بالامارة و العلامة) اى ان النجوم أمارة و علامة للحوادث (اعلم: ان الامور التى يحكم بها المنجمون من الحوادث الاستقبالية) مثلا ولادة مولود كذائى و انتصار الجيش او انكسارهم، و موت فلان و مرض فلان و نحو ذلك (اصول بعضها مأخوذة من اصحاب الوحى سلام اللّه عليهم) من الأنبياء و الائمة و اصحابهم الخواص الذين كانوا يعرفون البلايا، و المنايا بارشاد منهم عليهم السلام.

(و بعضها يدعون لها التجربة) بانه اذا كان النجم الفلانى في البرج الفلانى امطرت السماء، او صار القحط، او مات السلطان، او ما اشبه ذلك.

(و بعضها مبتن على امور منشعبة، لا تفى القوة البشرية بضبطها و الاحاطة بها).

ص: 150

كما يؤمى إليه قول الصادق عليه السلام: كثيره لا يدرك، و قليله لا ينتج.

و لذلك وجد الاختلاف في كلامهم، و تطرق الخطأ الى بعض احكامهم

______________________________

اذا كان القمر في العقرب و كان في فصل الصيف، و كان الزحل في جوزاء و لم تكن الريح عاصفة، كان الزواج مباركا، او المنجم لا يعرف من هذا الا ان القمر في العقرب يوجب نحوسة الزواج، بينما هذا الزواج ليس نحسا حيث منع عن نحوسته المانع، او فقد شرطا.

(كما يؤمى إليه) اى الى عدم ادراك الامور المنشعبة، فلا يمكن الحكم بادراك بعض الامور فقط (قول الصادق عليه السلام: كثيره) اى الكثير من علم النجوم (لا يدرك) للمنجم، و ان كان يدركه المعصوم بالهامه تعالى (و قليله لا ينتج) علما، فلا يمكن الحكم على طبق النجم.

(و لذلك وجد الاختلاف في كلامهم، و تطرق الخطاء الى بعض احكامهم).

فهذا المنجم يقول: ان الجيش ينتصر، و الآخر يقول: انه ينكسر، و ليس مثل الرياضيات حيث انه لا خطأ فيها اصلا، فالكل يقول: ان أربعة في أربعة ستة عشر، و ان المجهول يمكن تحصيله بضرب الطرفين المعلومين احدهما في الآخر، و تقسيم الحاصل على الوسط المعلوم، او بضرب الوسطين احدهما في الآخر و تقسيم الحاصل على الطرف المعلوم فحاصل التقسيم هو المجهول، لا يقال الخطأ و الاختلاف ينصرف الى قول الفقهاء و الاطباء و غيرهم من اهل الخبرة، فهل ان معنى ذلك عدم صحة كلامهم؟ لانه يقال: لا كلام في ان المنجم اهل خبرة، و انما الكلام

ص: 151

و من اتفق له الجرى على الأصول الصحيحة صح كلامه، و صدقت احكامه، لا محالة، كما نطق به الصادق عليه السلام.

و لكن هذا امر عزيز المنال، لا يظفر به الا القليل، و اللّه الهادى الى سواء السبيل، انتهى.

و ما افاده ره أولا: من الاعتراف بعدم بطلان كون الحركات الفلكية علامات.

و آخرا: من عدم النفع في علم النجوم، الا مع الاحاطة التامة هو

______________________________

فى ان ما يقوله ليس كله مطابقا، و هذا لا يصححه النقض باهل الخبرة في سائر العلوم.

(و من اتفق له الجرى على الأصول الصحيحة صح كلامه، و صدقت احكامه لا محالة، كما نطق به الصادق عليه السلام).

فان قوله عليه السلام: كثيره لا يدرك، انه لو ادرك كان ما يقوله المنجم صحيحا، كما يدل عليه بعض الروايات الاخر الآتية.

(و لكن هذا) الجرى على الأصول الصحيحة (امر عزيز المنال) «منال» مصدر «نال» اى: ادرك، اى قليل النيل (لا يظفر به الا القليل، و اللّه الهادى الى سواء السبيل، انتهى) كلام الشيخ البهائى ره.

(و ما افاده) البهائى (ره أولا: من الاعتراف بعدم بطلان كون الحركات الفلكية علامات) للاحداث الأرضية.

(و آخرا: من عدم النفع في علم النجوم، الا مع الاحاطة التامة) بالعلامات و ما يعارضها في الدلالة (هو

ص: 152

الّذي صرح به الصادق عليه السلام، في رواية هشام الآتية، بقوله ان اصل الحساب حق.

و لكن لا يعلم ذلك الا من علم مواليد الخلق.

______________________________

الّذي صرح به الصادق عليه السلام، في رواية هشام الآتية، بقوله) عليه السلام (ان اصل الحساب حق) فانه دليل الكلام الاول للبهائى ره.

(و لكن لا يعلم ذلك الا من علم مواليد الخلق) فانه دليل الكلام الآخر للبهائى ره.

و المراد ب: انه لا يعلم ذلك، ان الاحاطة اذا حصلت، علم الانسان مواليد الخلق، و انه من يلد و في اى وقت يلد، الى غير ذلك.

و من المعلوم: ان هذا العلم خاص بالله سبحانه، و بمن علّمه سبحانه، كالانبياء و الائمة.

و من الواضح: انه يمكن ان يعلم بعض الناس بالعلم بعض ذلك، كما يعلم به ما في الارحام.

و لا ينافى ذلك حصر علم ما في الارحام فيه سبحانه، لان العلم الكامل بما في الارحام من ذكر و انثى و خنثى، جميل او قبيح، طويل او قصير، كريم او بخيل، شجاع او جبان، الى غيرها من الصفات الجسدية النفسية، و المستقبلية، خاص به سبحانه.

و كذلك في النجوم، بل كل العلوم، كل جزئياتها خاصة باللّه سبحانه و بمن علّمهم سبحانه، و نتف منها يحصلها الانسان بالتعلم، فان فوق كل ذى علم من المخلوقين عليم، حتى ينتهى إليه تعالى، حيث ان الى ربك

ص: 153

و يدلّ أيضا على كل من الامرين: الاخبار المتكثرة، فما يدل على الاول- و هو ثبوت الدلالة و العلامة في الجملة-.

مضافا الى ما تقدم من رواية سعد المنجم المحمولة بعد الصرف عن ظاهرها الدال على سببية طلوع الكواكب، لهيجان الابل، و البقر، و الكلاب

______________________________

المنتهى.

(و يدل أيضا على كل من الامرين) اصل الحساب حق، و لا يعلم ذلك الا من علم مواليد الخلق (الاخبار المتكثرة، فما يدل على الاول- و هو ثبوت الدلالة و العلامة في الجملة-) «فى الجملة» بمعنى: لا لكل منجم، و انما لمن علم مواليد الخلق.

و ليس المراد ان الثبوت الواقعى في الجملة لانه الكل في الكل.

(مضافا الى ما تقدم من رواية سعد المنجم المحمولة بعد الصرف عن ظاهرها) الظاهر (الدال على سببية طلوع الكواكب، لهيجان الابل، و البقر، و الكلاب).

و لا يخفى انه ان اراد بالخبر السببية الحقيقية، بدون ان يكون اللّه سبحانه جعل تلك، فاللازم الصرف، لكن هذا ما لا يريده الخبر.

و ان اراد السببية المجعولة له تعالى، كجعله سبحانه النار سببا للإحراق، فلا وجه للصرف، بل قد ثبت في العلم الحديث ذلك، و لا منافات له لا للعقل و لا للنقل.

و كون الحركات علامات لا ينافى كونها مؤثرات أيضا، كما ان النار التى

ص: 154

على كونه أمارة و علامة عليه المروى في الاحتجاج عن رواية دهقان المنجم الّذي استقبل امير المؤمنين حين خروجه الى نهروان.

فقال له عليه السلام يومك هذا، يوم صعب

______________________________

تشعل لاجل ارائة الطريق- فى الصحراء- علامة، و في نفس الوقت مؤثرة في طبخ الطعام أيضا، و الشهب علامة و قاتلة للشياطين كما ورد (على كونه أمارة و علامة) «على» متعلق «بالمحمولة» (عليه) اى علامة على هيجان الحيوانات المذكورة.

اما نفس الهيجان، فسببه اما ارادته تعالى مباشرة، او شي ء كامن في ابدان الحيوانات- مثلا- على رأى المصنف.

قوله (المروى) خبر «فما يدل» (فى) كتاب (الاحتجاج) للطبرسى ره (عن رواية دهقان المنجم الّذي استقبل امير المؤمنين) عليه السلام (حين خروجه الى) حرب اهل (نهروان) و هم الخوارج الذين انشقوا عن الامام في قصة التحكيم الّذي صنعه معاوية و ابن العاص.

و لا يخفى: ان رضوخ الامام للتحاكم الى القرآن كان معناه: ارتياب الناس بانه عليه السلام لا يعلم الحق لنفسه.

و اما وضوخه للحكم كان تحت وطأة الاضطرار، و كان هذا اهون الشرين لان انكساره عن الحكم ليس دليلا الا على ان الحكم لم يختره.

اما انكساره عن الاستدلال بالقرآن كان معناه: ان القرآن لا يؤيّده و لذا قبل بالحكم اضطرارا، و لم يقبل بالتحاكم الى القرآن اضطرارا.

(فقال) الدهقان: (له عليه السلام يومك هذا، يوم صعب) فى قضاء

ص: 155

قد انقلب منه كوكب و انقدح من برجك النيران، و ليس لك الحرب بمكان فقال عليه السلام له: ايها الدهقان المنبئ عن الآثار المحذر عن الاقدار ثم سأله عن مسائل كثيرة من النجوم، فاعترف الدهقان بجهلها، الى ان قال عليه السلام له:

اما قولك انقدح من برجك النيران،

______________________________

الحاجات و الوصول الى الاهداف (قد انقلب منه كوكب) بان رؤى و قد سقط، او تقلب وجها الى وجه، دلالة على انقلاب الحال، و سقوط الكوكب رؤية من تموج الهواء لا حقيقة له، و منه تناثر النجوم لموت عالم و نحوه (و انقدح) اى ظهر (من برجك) اى البرج الّذي يطابق ولادتك او يطابق يومك هذا و هى الابراج الاثنى عشر المعروفة (النيران) ظهرت فيه الشهب (و ليس لك الحرب بمكان) اى لا موضع لنجاحك في الحرب.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 2، ص: 156

(فقال عليه السلام له: ايها الدهقان المنبئ) اى المخبر (عن الآثار) آثار الكواكب في الأرض (المحذر عن الاقدار) تحذر ان يكون تقدير الانسان سيئا، اذا تحرك في هذا اليوم (ثم سأله) الامام عليه السلام (عن مسائل كثيرة من النجوم، فاعترف الدهقان بجهلها).

و قد اراد الامام بذلك ان يعرّفه انه جاهل فكيف يمكنه معرفة الخير و الشر، و الأثر و المؤثر، و السعد و النحس (الى ان قال) الامام (عليه السلام له:) ردا على موضع تكهنه بالنسبة الى خروج الامام و ان استنباطه باطل.

(اما قولك انقدح من برجك النيران) الّذي استنبطت منه الشرّ لى

ص: 156

فكان الواجب ان تحكم به لى، لا عليّ اما نوره و ضيائه فعندى و اما حريقه و لهبه فذهب عنى، فهذه مسألة عميقة، فاحسبها ان كنت حاسبا.

و في رواية اخرى: انه عليه السلام قال له: احسبها ان كنت عالما بالاكوار و الادوار قال لو علمت هذا

______________________________

(فكان الواجب ان تحكم به) اى بانقداح النيران (لى) و لنفعى (لا على) و على ضررى.

و وجه انه لى، لا على، لانه (اما نوره و ضيائه فعندى) لانه اذا خرجت النار من مكان، انارت ذلك المكان (و اما حريقه و لهبه فذهب عنى) لان النار ابتعدت فلا أثر لها عليّ (فهذه مسألة عميقة، فاحسبها ان كنت حاسبا) كحجر الزناد اذا قدح، ظهرت النار فأضاءت الحجر، لكن ناره ابتعدت فلا توجب حرارة و تأثيرا في الحجر.

و لعل الامام عليه السلام اراد بالمسألة العميقة، مسألة كمون النار في الحجر، كما هو رأى في علم الفيزياء.

و عليه: فالمراد بالحساب الدقة، لا التعداد، كما يقال: هل حسبت للامر الفلانى حسابه؟ قال تعالى «حَسِبَتْهُ لُجَّةً».

(و في رواية اخرى: انه عليه السلام قال له: احسبها ان كنت عالما بالاكوار و الادوار) فان الفلك و كل شئ له دور يقطعه، و له كور اى هلاك قال تعالى: «إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ» اى ذهب ضيائها، اى ان كنت بمسير الاشياء و مصيرها.

ثم (قال) عليه السلام: (لو علمت هذا) الّذي اقوله، يا دهقان من

ص: 157

لعلمت انك تحصى عقود القصب في هذه الأجمة.

و في الرواية الآتية لعبد الرحمن بن سيابة، هذا حساب اذا حسبه الرجل، و وقف عليه، عرف القصبة التى في وسط الأجمة و عدد ما عن يمينها، و عدد ما عن يسارها، و عدد ما خلفها، و عدد ما امامها، حتى

______________________________

الادوار و الاكوار (لعلمت انك تحصى عقود القصب في هذه الأجمة).

فكانه كانت هناك اجمة، و هى محل نبت القصب، فقال عليه السلام ان من يعلم النجوم يعلم كم عقدة في الاجمة فان في كل قصبة، عدة عقود، و في الأجمة مئات الالوف من القصب و هذا من باب التعجيز مثل:

حتّى يلج الجمل في سم الخياط.

و الحاصل: ان علم الطالع و علم الادوار و الاكوار و علم عقود القصب كلها متلازمة، و حيث لا تعلم الادوار و الاكوار و لا عقود القصب لا تعلم الطالع أيضا.

(و في الرواية الآتية لعبد الرحمن بن سيابة) قال عليه السلام (هذا حساب اذا حسبه الرجل، و وقف عليه، عرف) اى معرفة (القصبة التى في وسط الأجمة) وسطها من حيث المساحة لا من حيث اعداد ما على اطرافها اذ لو اريد وسط الاعداد اكتفى من ذكر طرفين فقط.

اذ الطرفان الآخران- حينئذ كالطرفين الاولين، كما هو واضح- (و عدد ما عن يمينها، و عدد ما عن يسارها، و عدد ما خلفها و عدد ما امامها)

فان وسط المساحة يمكن ان يختلف اعداد كل ما عن جوانبه الاربع بخلاف وسط التعداد، فان كل جانبين لهما عدد متساو للآخر (حتى

ص: 158

لا يخفى عليه شي ء من قصب الأجمة.

و في البحار، وجد في كتاب عتيق عن عطاء، قال: قيل لعلى ابن ابى طالب عليه السلام: هل كان للنجوم اصل.

______________________________

لا يخفى عليه شي ء من) عدد (قصب الأجمة) و ذكر القصب من باب المثال و الا فالمراد كالشي ء.

اذ: كيف يمكن ان يعرف الانسان المستقبل غير الموجود، و كانكسار الامام عليه السلام في الحرب، و لا يعرف الحاضر الموجود.

ثم انه قد تبين اشتباه الدهقان، فان الامام عليه السلام: انتصر في نهروان على الخوارج، كما انه انتصر في الجمل، و كذلك انتصر في صفين اذ مهمة الامام في صفين كانت كشف معاوية، و انه ليس من حملة الاسلام و اللائقين بامارته.

و من هذا القبيل قوله سبحانه: إِنّٰا لَنَنْصُرُ رُسُلَنٰا ... فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا، فانهم عليهم السلام يريدون كشف الطغاة، و نشر حسن الحسن، و قبح القبيح، و كلهم عليهم السلام قد تمكنوا من الامرين.

و الحاصل: ان مهمتهم مبدئية لا عسكرية، فان انتصروا عسكريا فيها و نعمت الزيادة و ان لم ينتصروا عسكريا فقد ادوا مهمتهم و انتصروا فيما يبغونه

(و في البحار، وجد في كتاب عتيق عن عطاء، قال: قيل لعلى ابن ابى طالب عليه السلام: هل كان ل) علوم (النجوم) المتداولة عند المنجمين ما يحكمون بها على المستقبل (اصل) صحيح، ثم ذهب و بقيت منه اثارة مختلطة صحيحها بباطلها، أم لا اصل لها؟

ص: 159

قال نعم، نبى من الأنبياء قال له قومه انا لا نؤمن بك حتى تعلمنا بدء الخلق، و آجالهم.

فاوحى الله عز و جل الى غمامة فامطرتهم، و استنقع حول الجبل ماء صافيا ثم اوحى الله الى الشمس و القمر و النجوم ان تجرى في الماء ذلك ثم اوحى الله الى ذلك النبي ان يرتقى هو و قومه الى الجبل فارتقوا الجبل،

______________________________

(قال) عليه السلام: (نعم نبى من الأنبياء قال له قومه انا لا نؤمن بك حتى تعلمنا بدء الخلق) اى زمان ولادة المواليد، و انه لمن يولد، و في اى وقت يولد.

و يحتمل ان يكون المراد كيف بدء خلق الكون.

لكن الظاهر الاول بقرينة قوله: (و آجالهم) اى مدة بقاء كل انسان او وقت موته، مثل قوله: كَيْفَ يُبْدِئُ اللّٰهُ الْخَلْقَ.

و لعلهم ارادوا ذلك من النبىّ علامة لصدق نبوته.

(فاوحى الله عز و جل) اى امر (الى غمامة فامطرتهم، و استنقع) اى وقف، و باب الاستفعال هنا ليس بمعنى الطلب (حول الجبل) الّذي كان هناك (ماء صافيا ثم اوحى الله الى الشمس و القمر و النجوم ان تجرى) امثالها (فى الماء ذلك) فان كلا من هذه الاجرام العلوية تقع اشباحها في الماء.

و الظاهر انه ليس المراد سيرا خاصا لها، و انما وقع شبحها في الماء بسيرها الطبيعى، فان كل سيرها بامره سبحانه و ارادته.

(ثم اوحى الله الى ذلك النبي ان يرتقى هو و قومه الى الجبل، فارتقوا الجبل) و الظاهر انهم بقوا هنالك نهارا و ليلا

ص: 160

فقاموا على الماء، حتى عرفوا بدء الخلق، و آجالهم بمجارى الشمس، و القمر، و النجوم، و ساعات الليل و النهار و كان احدهم يعرف متى يموت و متى يمرض، من ذا الّذي يولد له، و من ذا الّذي لا يولد له فبقوا كذلك برهة من دهرهم.

ثم ان داود قاتلهم على الكفر، فاخرجوا الى داود عليه السلام في القتال من لم يحضر اجله، و من حضر اجله خلّفوه في بيوتهم.

______________________________

(فقاموا) اى وقفوا و اطلعوا (على الماء، حتى عرفوا بدء الخلق و آجالهم بمجارى الشمس، و القمر، و النجوم، و ساعات الليل و النهار).

مثلا: اراهم ان الشمس اذا كانت جارية في دائرة مثل كذا، و كان النجم الفلانى في برج كذا حبلت من النساء من كانت لها سبع عشرة سنة في الساعة الفلانية من الليل، اذا جامعها زوجها.

و كذلك يموت من له عمر كذا، اذا كان القمر في برج السنبلة و العطارد في برج حوت في ساعة كذا من النهار (و كان احدهم يعرف متى يموت و متى يمرض، من ذا الّذي يولد له، و من ذا الّذي لا يولد له).

الظاهر ان ذكر هذه الامور الاربعة من باب المثال و الارتباط بما يأتى من الكلام في حروبهم، و الا فقد تقدم ان التنجيم الصحيح يوجب معرفة كل شئ (فبقوا كذلك برهة من دهرهم) يعلمون امور مستقبلهم.

(ثم ان داود) عليه السلام (قاتلهم على الكفر) اى على كفرهم (فاخرجوا الى داود عليه السلام في القتال من لم يحضر اجله) حتى لا يموت (و من حضر اجله خلفوه في بيوتهم) ليموت في البيت، حتى

ص: 161

فكان يقتل من اصحاب داود، و لا يقتل من هؤلاء احد.

فقال داود: ربّ اقاتل على طاعتك، و يقاتل هؤلاء على معصيتك يقتل اصحابى؟ و لا يقتل من هؤلاء احد

______________________________

لا ينكسر الجيش بموته أولا، و حتى لا تنزل معنويات جيشهم بموت بعضهم قتلا في المعركة، بينما تنزل معنويات جيش داود عليه السلام حيث يرون انهم يقتلون و لا يقتلون.

و هنا سؤال، و هو انه ان كان من قدّر موته بدون القتل، يصلح لان يقتل، لم يكن المقدر صحيحا، و ان كان لا يصلح لان يقتل لم يكن اخراجه ضارا؟

ثم هل يمكن ان يكون من قدر قتله يموت و هل يمكن العكس؟

و الجواب، اما عن الاول لعلّهم ما كانوا يعرفون كيفية الموت، انه قتل او حتف الانف، و انما كانوا يعرفون اصل الموت.

و اما عن الثاني: ان المقدر كائن، و علم الله قبل حدوثه بالمقدر يشبه علم احدنا به بعد حدوثه.

فكما انه اذا حدث الحادث لا يعقل تبدله، كذلك اذا لم يحدث بعد (فكان يقتل من اصحاب داود، و لا يقتل من هؤلاء احد) مما سبب كسر معنويات جيش داود عليه السلام- و ان كان من الممكن انه لم يستلزم ذلك انهزامهم عسكريا-.

(فقال داود: ربّ اقاتل على طاعتك، و يقاتل هؤلاء على معصيتك) فكيف (يقتل اصحابى؟) مع انك ناصر المؤمنين (و لا يقتل من هؤلاء احد)

ص: 162

فاوحى الله عز و جل إليه انى علّمتهم بدء الخلق و آجاله.

و انما اخرجوا أليك من لم يحضر اجله، و من حضر اجله خلفوه في بيوتهم، و من ثم يقتل من اصحابك، و لا يقتل منهم احد.

قال داود عليه السلام: ربّ على ما ذا علمتهم؟ قال: على مجارى الشمس و القمر و النجوم، و ساعات الليل و النهار، قال: فدعا الله عز و جل، فحبس الشمس عليهم فزاد في النهار، و اختلطت الزيادة

______________________________

مع انهم من اصحاب الشيطان، «و كان كيد الشّيطان ضعيفا».

(فاوحى الله عز و جل إليه انى علمتهم بدء الخلق و آجاله) «الخلق» باعتبار لفظه مفرد، و باعتبار معناه جمع و لذا رجع ضمير المفرد إليه هنا و رجع ضمير الجمع إليه في السابق.

(و انما اخرجوا أليك من لم يحضر اجله، و من حضر اجله خلفوه في بيوتهم و من ثم) «ثم» بالفتح بمعنى من اجل ذلك (يقتل من اصحابك و لا يقتل منهم احد).

و في هذا اشارة الى وجوب المشى حسب سنن الكون في الوصول الى الغايات.

(قال داود عليه السلام) يا (ربّ على ما ذا علمتهم؟ قال: على مجارى الشمس و القمر و النجوم، و ساعات الليل و النهار، قال) على عليه السلام (فدعا) داود عليه السلام (الله عز و جل) فى ان يرفع عنهم هذا العلم (فحبس الشمس عليهم) مقدارا ما، فان الشمس لو تأخرت مقدار دقيقة تعطّل كل الحسابات، كما هو واضح (فزاد في النهار، و اختلطت الزيادة

ص: 163

فى الليل و النهار و لم يعرفوا قدر الزيادة فاختلط حسابهم قال على عليه السلام: فمن ثم كره النظر في علم النجوم.

______________________________

فى الليل و النهار) لان الليل ينقص اذا زاد النهار، فتؤثر زيادة النهار في تخريب الليل أيضا (و لم يعرفوا قدر الزيادة) حتى ينظموا حساباتهم بذلك المقدار (فاختلط حسابهم) و لم يعرفوا من يموت، و من لا يموت.

ثم (قال على عليه السلام: فمن ثم) بفتح الثاء (كره النظر في علم النجوم) حيث انها مختلطة.

فعدم امكان الاعتماد، لعدم صحة نتائجه اوجب الكراهة، فيما اذا اراد الانسان الحكم على طبقها.

لا يقال: كيف صارت معصية جماعة سببا لحرمان البشر من هذه الفائدة العظيمة.

لانه يقال: الكشف عن المستقبل، يهدم نظام هذا العالم.

و انما كان الكشف لاولئك، لاجل تعريف البشر- بمثال عملى- انهم غير قابلين لتحمل هذا العلم، و لذا يعلمه الذين لهم تحمل ذلك كالانبياء و من إليهم.

ثم انه كان بالامكان محو علم هذا من صدور أولئك القوم، بدل تخريب النظام السماوى، لكن حيث ان الثاني كان ادلّ على قدرته تعالى، كما في ان الله يأتى بالشمس من المشرق، قدم هذا على الاول و لعل هناك سببا آخر و الله العالم.

ص: 164

و في البحار أيضا عن الكافى بالاسناد عن ابى عبد الله عليه السلام:

قال: سئل عن النجوم فقال: لا يعلمها، الا اهل بيت من العرب، و اهل بيت من الهند.

و بالاسناد عن محمد بن سالم، قال: قال ابو عبد الله عليه السلام قوم يقولون النجوم اصح من الرؤيا

______________________________

(و في البحار أيضا عن الكافى بالاسناد عن ابى عبد الله) الصادق (عليه السلام: قال: سئل عن النجوم) هل هناك من يعلمها؟ (فقال) عليه السلام: (لا يعلمها، الا اهل بيت من العرب،) لعلهم اهل بيت النبوة عليهم السلام (و اهل بيت من الهند) لعلهم عائلة «بوذا» او من اشبه.

فان من المحتمل قريبا ان يكون بوذا نبيا، و يكون هو «يوذاسف» الّذي وردت قصته في كلام الامام العسكرى عليه السلام فان من قرية إِلّٰا خَلٰا فِيهٰا نَذِيرٌ، و تحريف قومه تعاليمه، لا يدل على ان تعاليمه كان كذلك من الاول فحالة تعاليمه المحرفة الآن، حال تعاليم سائر الأنبياء عليهم السلام، الذين حرفوا اممهم تعاليمهم.

و كيف كان فهذا الحديث يدل على صحة اصل علم النجوم.

(و بالاسناد عن محمد بن سالم، قال: قال ابو عبد الله عليه السلام قوم يقولون النجوم اصح من الرؤيا) فان كلا منهما يكشف عن المستقبل.

ففى الحديث النبوى صلى الله عليه و آله و سلّم: ان الرؤيا جزء من النبوة اى كما ان النبوة اخبار عن المستقبل و الماضى، كذلك الرؤيا.

ص: 165

و كان ذلك صحيحا، حين لم يردّ الشمس على يوشع ابن نون و امير المؤمنين عليه السلام فلما ردّ الله الشمس عليهما ضل فيها علماء النجوم.

و خبر يونس قال: قلت لابى عبد اللّه عليه السلام، جعلت فداك اخبرنى عن علم النجوم ما هو؟ قال علم من علوم الأنبياء

______________________________

لكن الرؤيا ليست دائما صادقة، بخلاف النبوة، فكانها جزء منها.

ثم رد الصادق عليه السلام عليهم بقوله: (و كان ذلك صحيحا، حين لم يرد الشمس على يوشع بن نون) عليه السلام (و امير المؤمنين عليه السلام)

و قد قرأت في بعض الصحف الصادرة من الكويت، ان علماء الفلك اكتشفوا ان في الكون تغييرا، يدل على ان الشمس ردت، بمعنى دوران الارض عكس دورانها المعتاد (فلما ردّ اللّه الشمس عليهما ضل فيها) اى في النجوم (علماء النجوم) لما تقدم من قصة داود عليه السلام.

و على هذا فسبب ضياع هذا العلم، رد الشمس ثلاث مرات.

و منه ان النجوم و الرؤيا سيان، لا ان الاول اصح من الثاني.

نعم: لا اشكال ان كلامه عليه السلام، انما هو بالنسبة الى المغيبات لا بالنسبة الى الحسابات، امثال الخسوف و الكسوف.

(و خبر يونس قال: قلت لابى عبد اللّه عليه السلام، جعلت فداك اخبرنى عن علم النجوم ما هو) كانه اراد السؤال عن مدعى صحة هذا العلم او انه عند من؟ او انه كيف بدء هذا العلم؟ او كان سؤاله عن مجموع هذه الاسئلة.

(قال) عليه السلام: (علم من علوم الأنبياء) فانهم ألهموه من اللّه

ص: 166

فقلت: كان على ابن ابى طالب عليه السلام يعلمه قال: كان اعلم الناس به، الخبر.

و خبر ريان بن الصلت، قال: حضر عند ابى الحسن الرضا عليه السلام،

______________________________

سبحانه (فقلت: كان على بن ابى طالب عليه السلام يعلمه) كانه توهم السائل عدم علم الامام به، لانه ليس بنبي، و لذا استفسر عن الصادق عليه السلام (قال: كان اعلم الناس به، الخبر) اى اعلم الناس العاديين او اعلم من الأنبياء، لانه عليه السلام كان افضل من سائر الأنبياء، الا من محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، كما في حديث اصبغ.

و لا يخفى ان الظاهر ان كلام الامام امير المؤمنين عليه السلام مع اصبغ كان على سبيل ذكر ما يدركه الطرف الآخر، بمقتضى: امرنا ان نكلم الناس على قدر عقولهم، فان الافضلية حقيقية، الا ان مدارك اصبغ كانت لا تحمل اكثر من الامثلة التى ذكرها الامام عليه السلام، و الا فالامثلة لا تكفى لاثبات الافضلية.

فمثلا بعض الزهاد أيضا لا يأكلون المباح، فهل هذا دليل انهم افضل من آدم عليه السلام؟ و على (ع) كان اكثر تزهدا من الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أيضا، مع انه لم يكن دليلا على انه عليه السلام افضل من الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، الى غير ذلك مما بينه في وجه الافضلية، و ليس المقام يسع تفصيل الكلام.

(و خبر ريان بن الصلت، قال: حضر عند ابى الحسن الرضا عليه السلام.

ص: 167

الصباح ابن نصر الهندى، و سأله عن علم النجوم، فقال هو علم في اصله حق، و ذكروا ان اوّل من تكلم به في النجوم ادريس عليه السلام.

و كان ذو القرنين به ماهرا، و اصل هذا العلم من اللّه.

و عن معلى بن خنيس، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن النجوم احق هى؟ قال: نعم ان اللّه بعث المشترى الى الارض في صورة رجل.

______________________________

الصباح ابن نصر الهندى، و سأله عن علم النجوم، فقال) عليه السلام:

(هو علم في اصله حق).

ثم قال عليه السلام: (و ذكروا ان اوّل من تكلم به في النجوم ادريس «ع»).

و قوله عليه السلام «ذكروا» اما لاجل اقناع الهندى، او لاجل انه عليه السلام كان منكرا لذلك.

و انما ذكره لاجل انه كان حسب معتقد الهندى.

فعلى الاول «ذكروا» صحيح، و على الثاني ليس بصحيح.

(و كان ذو القرنين به ماهرا) و لعله بسبب ذلك تمكن من السيطرة على الدنيا، ثم قال: (و اصل هذا العلم من اللّه) اى انه اوحى به الى انبيائه، لا مثل بعض العلوم الاخر الّذي ادركه البشر بذكائه، و إلا فكل علم يكون بالهامه تعالى للانبياء، او ايحاء الى ادمغة الناس.

(و عن معلى بن خنيس، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن النجوم احق هى؟ قال: نعم) ثم بين اصله بقوله: (ان اللّه بعث المشترى الى الارض في صورة رجل).

ص: 168

فاتى رجلا من العجم، فعلّمه، فلم يستكملوا ذلك، فاتى بلد الهند، فعلم رجلا منهم.

______________________________

الظاهر ان المراد به ملك، لا كما يتوهم من ان المراد به الكوكب، فانه و ان كان ممكنا بان يقطع اللّه منه قطعة ثم يجعله رجلا، كما قطع من الجبل قطعة جعلها ناقة صالح عليه السلام.

و كما ان قطعة من القمر نزلت حتى سقطت امام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، في حديث شق القمر، اذ ان اللّه سبحانه قادر على ان ينزل القمر، و كلما اقترب من الارض مما يقتضي ان يرى اكبر، ينثرا جزائه في الهواء ذرات، حتى يكون بمقدار من الحجم، يراه الرائى مقدار حجمه و هو في مكانه من السماء، حتى يبقى منه حين وصوله الى الارض مقدار قرص خبز، فاذا رجع التحقت به الذرات تدريجيا بحيث يرى بنفس المقدار الى حين وصوله الى مكانه من السماء.

اقول بالنسبة الى المشترى الكوكب، و ان كان الامر ممكنا، الا انه خلاف المنصرف.

(فاتى رجلا من العجم، فعلّمه، فلم يستكملوا) اى اخلاف ذلك الرجل و لعل من علمه كان نبيا من الأنبياء (ذلك) العلم، و لذا لم يحتووه احتواء كاملا (فاتى) المشترى (بلد الهند، فعلم رجلا منهم) و لعله كان نبيا، كما تقدم في حديث آخر، و كان اهل الهند- اخلاف ذلك الرجل استوعبوه.

ص: 169

فمن هناك صار علم النجوم بها.

و قد قال قوم: هو علم من علوم الأنبياء خصوا به لاسباب شتى فلم يستدرك المنجمون الدقيق منها، فشاب الحق بالكذب الى غير ذلك مما يدل على صحة علم النجوم في نفسه.

______________________________

(فمن هناك صار علم النجوم بها) المراد ان هناك اكثر اتفاقا، و الا فقد تقدم انه لا يستوعبه، الا الأنبياء و الائمة، و من إليهم.

(و قد قال قوم) الظاهر انه من الرواية.

و يحتمل ان يكون من كلام الراوى، اى جامع الروايات، و اذا كان من الرواية، فالظاهر ان كلا الامرين كان واقعا، فللنجوم سببان (هو علم من علوم الأنبياء خصوا به لاسباب شتى).

منها: انهم اكثر ذكاء للاستيعاب.

و منها: انهم اكثر امانة، لعدم افشاء السر.

و منها: انهم اطوع لله تعالى فلا يجلبون به ضرر الاحد، الى غير ذلك (فلم يستدرك المنجمون) «استدرك» معناه الطلب، فكانه اراد بذكر باب الاستفعال انهم طلبوا الادراك، لكنهم لم يصلوا إليه (الدقيق منها) اى الامور الخفية، و انما ادركوا بعض الامور الظاهرة التى لا تنفع في فهم ما يشاءون (فشاب) اى اختلط (الحق بالكذب) لانهم يذكرون كل شي ء مستقبل، مع انهم لا يعلمون منها الا بعضها، كما نراهم الى الآن، يذكرون الخسوفين، و الامطار، و الحر، و البرد، و الاسعار، و غير ذلك (الى غير ذلك مما يدل على صحة علم النجوم في نفسه).

ص: 170

و اما ما دل على كثرة الخطأ و الغلط في حساب المنجمين، فهى كثيرة.
منها: ما تقدم في الروايات السابقة،

مثل قوله عليه السلام في الرواية الاخيرة: فشاب الحق بالكذب، و قوله عليه السلام: ضل فيها علماء النجوم، و قوله (ع) فى تخطئة ما ادعاه المنجم، من ان زحل عندنا كوكب نحس، انه كوكب امير المؤمنين و الأوصياء.

______________________________

و لا يخفى: ان فائدة علمنا بانه كان للنجوم اصل انما هو فائدة تاريخية لا اثر له عمليا.

(و اما ما دل على كثرة الخطأ و الغلط في حساب المنجمين، فهى كثيرة).

(منها: ما تقدم في الروايات السابقة، مثل قوله عليه السلام في الرواية الاخيرة: فشاب الحق بالكذب، و قوله عليه السلام: ضل فيها علماء النجوم، و قوله (ع) فى تخطئة ما ادعاه المنجم، من ان زحل عندنا كوكب نحس) هذا مقالة المنجم (انه كوكب امير المؤمنين) عليه السلام (و الأوصياء) هذا متعلق بقوله: قوله في تخطئة.

و لعل معنى كونه للامام و الأوصياء، علاقة خاصة لهذا الكوكب بالامام و الأوصياء، كعلاقة الشمس بتربية النبات.

و لا يخفى: انه ربما توهم ان نحوسة زحل، سببت فشل الامام فانه مع مؤهلاته العديمة المثال في غير نبى الاسلام، كان يعانى من دهره ما هو معروف، لكنه نظر سطحى، فان الامام بعد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم انجح انسان على وجه الارض، انه يحكم على ثمانمائة مليون مسلم،

ص: 171

و تخطئة امير المؤمنين عليه السلام للدهقان الّذي حكم بالنجوم، بنحوسة اليوم الّذي خرج فيه امير المؤمنين عليه السلام.

و منها: خبر عبد الرحمن ابن سيابة،

قال: قلت: لابى عبد اللّه عليه السلام، جعلت فداك: ان الناس يقولون: ان النجوم لا يحل النظر فيها، و هى تعجبنى،

______________________________

منهم أربعمائة مليون شيعى الآن، و قد كان حاكما على ارواحهم و اموالهم و اتجاهاتهم، منذ أربعة عشر قرنا.

فهل يمكن ان يقال: لمثل هذا الانسان انه لم ينجح؟ و هل ان النجاح ان يأكل الانسان طيبا، و تقل مشاكله حتى يكون من توافه الزمان.

اما معاوية الّذي يظن بعض الناس بنجاحه، فهو من اكبر الاخطاء، فهل الانسان الّذي يلعن طول ثلاثة عشر قرنا ناجح، و قد اجتث جذوره و لم يبق ذكره الا للعنة.

اما الامام فاولاده و احفاده الى اليوم موضع احترام الجماهير حيا و ميتا، و لتفصيل الكلام مقام آخر.

(و تخطئة امير المؤمنين عليه السلام للدهقان الّذي حكم ب) سبب (النجوم، بنحوسة اليوم الّذي خرج فيه امير المؤمنين عليه السلام) الى نهروان- كما تقدم-.

(و منها) اى و مما دلّ على كثرة خطأ المنجم (خبر عبد الرحمن ابن سيابة، قال: قلت: لابى عبد اللّه عليه السلام، جعلت فداك: ان الناس يقولون: ان النجوم لا يحل النظر فيها، و هى تعجبنى) ان انظر فيها و

ص: 172

فان كان يضر بدينى، فلا حاجة لى في شي ء يضر بدينى، و ان كان لا يضر بدينى، فو اللّه انى لاشتهيها، و اشتهى النظر إليها.

فقال ليس كما يقولون لا يضر بدينك.

ثم قال: انكم تنظرون في شي ء كثيره لا يدرك، و قليله لا ينفع، الخبر.

و منها: خبر هشام،

قال: قال لى ابو عبد اللّه عليه السلام: كيف بصرك بالنجوم؟ قلت: ما خلفت بالعراق ابصر بالنجوم منى.

ثم سأله عليه السلام عن اشياء لم يعرفها.

______________________________

اعرف المستقبل (فان كان يضر بدينى، فلا حاجة لى في شي ء يضر بدينى) فاتركه من الآن (و ان كان لا يضر بدينى، فو اللّه انى لاشتهيها، و اشتهى النظر إليها) اى ان علمه محبوب لدى، و مطالعته و بحثه محبوب أيضا.

(فقال) عليه السلام (ليس كما يقولون) من انه لا يحل.

و اردف عليه السلام- قائلا، انه (لا يضر بدينك)- اى مجرد النظر اما الحكم بها، فانه ضار كما لا يخفى.

(ثم قال: انكم تنظرون في شي ء كثيره لا يدرك، و قليله لا ينفع) الى آخر (الخبر)، فهذا الخبر يدل على كثرة الخطأ في النجوم.

(و منها: خبر هشام، قال: قال لى ابو عبد اللّه عليه السلام: كيف بصرك بالنجوم؟ قلت: ما خلفت بالعراق ابصر بالنجوم منى) فانى اعلم من جميع منجمى العراق.

(ثم سأله) الامام (عليه السلام عن اشياء) فى النجوم (لم يعرفها) هشام، و كان الامام عليه السلام اراد بذلك كسر كبريائه الّذي اوجب له

ص: 173

ثم قال فما بال العسكرين يلتقيان في هذا حاسب و في ذاك حاسب فيحسب هذا لصاحبه بالظفر، و يحسب هذا لصاحبه بالظفر، فيلتقيان، فيهزم احدهما الآخر، فاين كانت النجوم؟ قال: فقلت: و اللّه ما اعلم ذلك.

فقال عليه السلام: صدقت ان اصل الحساب حق، و لكن لا يعلم ذلك الا

______________________________

انه اعلم اهل العراق بالنجوم.

(ثم قال) الامام له في بيان بطلان اصل علم النجوم المعمول به في ذلك الزمان (فما بال العسكرين) اى ما شأنهما (يلتقيان في هذا حاسب و في ذاك حاسب) كما كانت العادة في ذاك الزمان ان الجيش لا يتحرك للمحاربة الا اذا قال منجمه «حاسبه» انك تظفر و عدوك ينهزم (فيحسب هذا لصاحبه بالظفر، و يحسب هذا) الآخر أيضا (لصاحبه بالظفر، فيلتقيان فيهزم احدهما الآخر، ف) اذا كانت النجوم صحيحة (اين كانت النجوم؟) لاحدهما.

و هذا يدل على ان ما بايديهما لا يكفى في استكشاف الواقع، و لا يمكن ان يقال: ان الظافر كان على حق.

اذ المفروض ان كلا الحاسبين حسب عن مدرك واحد.

و انما قال احدهما بالظفر اتفاقا لا علما، كما ان الآخر قال: بالظاهر اعتباطا لا علما (قال: فقلت: و اللّه ما اعلم ذلك) و لما ذا الاختلاف بين الحاسبين.

(فقال عليه السلام: صدقت ان اصل الحساب حق، و لكن لا يعلم ذلك) كاملا (الا

ص: 174

من علم مواليد الخلق كلهم

و منها المروى في الاحتجاج،

عن ابى عبد اللّه عليه السلام، في حديث ان زنديقا.

______________________________

من علم مواليد الخلق) و ان اى طفل يولد في اى يوم (كلهم) و هو النبي و الامام، و من كان من اتباعهم المرضيين.

كما ورد ان من جملة اصحابهم اناس كانوا يعلمون المنايا و البلايا، مثل كميل و غيره، و لا يرد انهم اذا كانوا يعلمون فلما ذا لم يكونوا يتجنبون الاخطار، و لما ذا لم يكونوا يجلبون الخيرات.

فان الجواب عن ذلك ان اللّه سبحانه لا يعطى ذلك الا لمن لا يستعمله لانه سبحانه يريد سير الكون على النظام الّذي جعله له، و الا فالانبياء كانوا يتمكنون من الجاء اعدائهم على الايمان، و ان يحفظوا اتباعهم من كل اذى و مكروه.

كما انهم عليهم السلام لما اذنهم الله سبحانه في اعجازاتهم فعلوا.

و ما ذكرناه لا ينافى قوله تعالى: وَ مٰا أَدْرِي مٰا يُفْعَلُ بِي وَ لٰا بِكُمْ، اذ معناه حسب طبعىّ البشرى لا بالهام اللّه سبحانه، كيف و الشيطان كان يعلم الغيب حيث قال: وَ لٰا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شٰاكِرِينَ، و في القرآن الحكيم: و لٰا تَقْصُصْ رُؤْيٰاكَ عَلىٰ إِخْوَتِكَ، و فيه: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ، و هذا اكثر من العلم بالغيب الى غيرها من الآيات المربوطة الدالة على انهم كانوا يعلمون الغيب، و فوق ذلك كانوا يحسون بالغيب (و منها المروى في الاحتجاج، عن ابى عبد اللّه عليه السلام، في حديث ان زنديقا) معرب «زندك» نسبة الى «زند» كتاب المجوس.

ص: 175

قال له ما تقول في علم النجوم قال عليه السلام: هو علم قلّت منافعه و كثرت مضاره، لانه لا يدفع به المقدور و لا يتقى به المحذور ان خبّر المنجم

______________________________

و قد كانوا ينسبون الى المجوس كل من انحرف.

و لا يخفى ان اكثر ما نسب في كتب العامة من تواريخهم و غيرها، الى الزنادقة و القرامطة و من اشبه موضع شك، بل ظن بالعدم.

فاللازم التحقيق الدقيق، لان السلطات كانت قد اشترت الضمائر كما ان التعصب ضد الصالحين كان له دور كبير، في رمى كل من خالف السلطنة، او كان ضد المتطرف من مذهب ما، بمختلف النسب الباطلة.

و قد جرى بعض ذلك في كتب الشيعة غفلة، او من جهة حسن الظن فاللازم الدقة في ذلك.

(قال له ما تقول في علم النجوم) هل هو حق او باطل؟ (قال عليه السلام: هو علم قلّت منافعه، و كثرت مضاره).

اما منفعته: فلانه احيانا يخبر بما اذا تبعه الإنسان نجى من محذور او ادرك غاية.

و اما مضاره: فلانه كثيرا ما يخطئ مما يسبب حزنا للانسان، الى مدة كشف خلافه، او ضررا على الانسان باتباع ما فيه ضرر.

مثلا: يخبر المنجم ان فلانا يموت يوم كذا، بينما لا يموت او يخبران بضاعة تترقى فيشترى منها التاجر كمية كبيرة رجاء الربح، فيخسر بذلك، حيث ينكشف خلافه ما قاله المنجم (لانه لا يدفع به المقدور، و لا يتقى به المحذور)- اى غالبا- لان كلامه ليس مطابقا للواقع (ان خبّر المنجم

ص: 176

بالبلاء، لم ينجه التحرز عن القضاء.

و ان اخبر هو بخير لم يستطع تعجيله و ان حدث به سوء لم يمكنه صرفه، و المنجم يضادّ الله في علمه يزعمه انه يردّ قضاء الله عن خلقه الخبر الى غير ذلك من الاخبار الدالة على ان ما وصل إليه المنجمون اقل قليل من أمارات الحوادث من دون وصول الى معارضاتها.

______________________________

بالبلاء) مثل: ان فلانا يموت كذا (لم ينجه التحرز عن القضاء) فان الفرار لا ينجى من الموت المحتوم.

(و ان اخبر هو)- المنجم- (بخير لم يستطع تعجيله) فما فائدة خبر بخير يأتى هو بنفسه سواء اخبر به المنجم، أم لم يخبر به؟ (و ان حدث به سوء لم يمكنه صرفه) فان المنجم مخبر، و ليس صارف بلاء (و المنجم يضادّ الله في علمه بزعمه انه يردّ قضاء الله عن خلقه).

فان المنجمين الذين كانوا في السابق، كانوا يزعمون انهم يقدرون ردّ القضاء، و ذلك لعدم ايمان اكثرهم، فما ذكره عليه السلام من باب القضية الخارجية، لا من باب القضية الحقيقية.

فهو مثل الشعر المنسوب الى الامام امير المؤمنين عليه السلام:

قال المنجم و الطبيب كلاهما لن يحشر الاموات قلت: إليكما ان كان قولكما فلست بخاسر او كان قولى فالخسار عليكما

الى آخر (الخبر، الى غير ذلك من الاخبار الدالة على ان ما وصل إليه المنجمون اقل قليل من أمارات، الحوادث) و علامات الامور المستقبلة (من دون وصول الى معارضاتها) و شرائطها.

ص: 177

و من تتبع هذه الاخبار لم يحصل له ظن بالاحكام المستخرجة عنها فضلا عن القطع

نعم: قد يحصل من التجربة المنقولة خلفا عن سلف، الظن، بل العلم بمقارنة حادث من الحوادث لبعض الاوضاع الفلكية.

فالاولى التجنب عن الحكم بها، و مع الارتكاب فالاولى الحكم على سبيل التقريب، و انه لا يبعد ان يقع كذا عند كذا و الله المسدد.

______________________________

فهو كمن يعلم ان النار تحرق، لكن لا يعلم ان شرطه المقارنة مع الجسم و مانعه الرطوبة- مثلا-.

(و من تتبع هذه الاخبار) الواردة عن الائمة الاطهار عليهم السلام (لم يحصل له ظن بالاحكام المستخرجة عنها، فضلا عن القطع) خصوصا و المشاهد بطلان و كذب اكثرها.

(نعم: قد يحصل من التجربة المنقولة خلفا عن سلف، الظن، بل العلم بمقارنة حادث من الحوادث لبعض الاوضاع الفلكية) مثل انخساف القمر و الشمس بالوصول الى عقدة الرأس او الذنب لحيلولة الارض بين الشمس و القمر و لحيلولة القمر بين الشمس و الارض.

و كذا في مدّ و جزر البحر المستندين الى القمر، و ظهور الهلال في ليلة كذا في العرض الشمالى او الجنوبى، الى غيرها من الامور المرتبطة بالقياسات و الحسابات.

(فالاولى التجنب عن الحكم بها) فى غير المقطوعات (و مع الارتكاب) و إرادة الحكم (فالاولى الحكم على سبيل التقريب) بان يقول هذا ممكن او قريب (و) كان يقول: (انه لا يبعد ان يقع كذا) حادث (عند كذا) امر فلكى (و الله المسدد) للصواب، و هو اعلم بما وضعه في الكون من الحساب.

ص: 178

السابعة حفظ كتب الضلال حرام في الجملة،

بلا خلاف كما في التذكرة و عن المنتهى.

و يدل عليه مضافا الى حكم العقل بوجوب قطع مادة الفساد.

و الذم المستفاد من قوله تعالى: وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ.

______________________________

المسألة (السابعة: حفظ كتب الضلال) و الكتاب من باب المثال و الا فالورقة أيضا كذلك، الا ان يراد بالكتاب اصله اللغوى، اى المكتوب.

فحفظها: (حرام في الجملة) كما يأتى تفصيل الكلام فيه (بلا خلاف) في ذلك (كما) رايناه (فى التذكرة) للعلامة ره (و) حكى لنا (عن المنتهى) له ره أيضا.

(و يدل عليه) اى على كونه حراما (مضافا الى حكم العقل بوجوب قطع مادة الفساد).

و حيث ان حكم العقل في سلسلة العلل للاحكام يستلزم حكم الشرع أيضا، لقاعدة: كلما حكم به العقل حكم به الشرع.

اما موضوع كون الحفظ مادة للفساد في الجملة فلا اشكال فيه.

(و) مضافا الى (الذم المستفاد من قوله تعالى: وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ) فان الذم انما هو لاجل انتهاء الاشتراء الى الاضلال و هذه العلة موجودة في حفظ كتب الضلال.

ص: 179

و الامر بالاجتناب عن قول الزور، قوله عليه السلام فيما تقدم من رواية تحف العقول: انما حرم الله تعالى الصناعة التى يجئ منها الفساد محضا، الخ.

بل قوله عليه السلام: قبل ذلك، او ما يقوى به الكفر و الشرك في جميع وجوه المعاصى، او باب يوهن به الحق، الى آخره.

و قوله عليه السلام في رواية عبد الملك المتقدمة، حيث شكا الى الصادق عليه السلام، انى ابتليت بالنظر الى النجوم، فقال عليه السلام

______________________________

(و) مضافا الى (الامر بالاجتناب عن قول الزور، قوله عليه السلام فيما تقدم) فى اوّل الكتاب (من رواية تحف العقول) حيث قال عليه السلام:

(انما حرم الله تعالى الصناعة التى يجئ منها الفساد محضا، الخ).

فاذا كان ما يجئ منه الفساد محضا حراما، يكون حفظ كتب الضلال- حيث انها يأتى منها الفساد- حراما أيضا.

(بل) يدل عليه (قوله عليه السلام: قبل ذلك، او ما يقوى به الكفر و الشرك في جميع وجوه المعاصى، او باب يوهن به الحق، الى آخره).

فان حفظ كتب الضلال مشمول لقوله باب يوهن به الحق، فانه شامل للأصول و الفروع.

كما ان كتاب الضلال لو كان ضلالا في اصول الدين، كان مشمولا لقوله ما يقوى به الكفر و الشرك.

(و قوله عليه السلام في رواية عبد الملك المتقدمة، حيث شكا الى الصادق عليه السلام، انى ابتليت بالنظر الى النجوم، فقال عليه السلام)

ص: 180

أ تقضي؟ قلت: نعم، قال احرق كتبك.

بناء على ان الامر للوجوب، دون الارشاد، للخلاص من الابتلاء بالحكم بالنجوم.

و مقتضى الاستفصال في هذه الرواية انه اذا لم يترتب على ابقاء

______________________________

له: (أ تقضي) و تحكم على طبق النجوم؟ (قلت: نعم، قال) عليه السلام (احرق كتبك) فانه يدل على وجوب اتلاف كتب الضلال.

و اذا كان الاتلاف واجبا كان الحفظ حراما، لان ترك كل واجب حرام كما ان ترك كل حرام واجب.

(بناء على ان الامر) فى: احرق (للوجوب، دون الارشاد، للخلاص من الابتلاء بالحكم بالنجوم).

اذ لو كان الامر للارشاد، لم يدل على وجوب التخلص فلا يدل على حرمة الحفظ، فان الامر الارشادى ليس مولويا حتى يدل على الوجوب.

و انما يكون الحكم على طبق النجوم حراما، فلا ربط له بمقامنا فان الامر المولوى له مصلحة في ذات المأمور به، بخلاف الامر الارشادى، فان المصلحة في الشي ء الّذي جعل الامر طريقا إليه.

مثلا: اذا قال المولى «صل» كانت المصلحة في ذات الصلاة، اما اذا قال راجع الطبيب تكون المصلحة في شرب الدواء لا في مراجعة الطبيب.

(و مقتضى الاستفصال في هذه الرواية) بين من يقضى، فيجب احراق كتبه، و بين من لا يقضى، فلا يجب احراق كتبه (انه اذا لم يترتب على ابقاء

ص: 181

كتب الضلال مفسدة، لم يحرم.

و هذا أيضا مقتضى ما تقدم من اناطة التحريم بما يجئ منه الفساد محضا

نعم: المصلحة الموهومة او المحققة النادرة، لا اعتبار بها، فلا يجوز الابقاء بمجرد احتمال ترتب مصلحة على ذلك، مع كون الغالب ترتب المفسدة

______________________________

كتب الضلال مفسدة، لم يحرم) حفظها.

فان التفصيل، هو المفهوم من قوله عليه السلام «أ تقضي»

(و هذا) اى التفصيل (أيضا مقتضى ما تقدم) فى رواية تحف العقول (من اناطة التحريم بما يجئ منه الفساد محضا) لان معناه ان ما لا يجي ء منه الفساد محضا بان كان يأتى منه الصلاح تارة و الفساد تارة اخرى لا يكون حراما.

(نعم) تجب ان تكون المصلحة الموجبة لعدم تحريم الشي ء مصلحة واقعية محققة كثيرا، ف (المصلحة الموهومة) اى الاقل من المفسدة من الوهم الّذي هو المرجوح في قبال الظن الراجح، كما اذا كان يستعمل الشي ء في الصلاح عشر مرات، و في الفساد يستعمل مرة.

او ان المراد بالموهومة المحتملة و هذا اظهر لانه في قبال قوله عليه السلام: (او المحققة النادرة، لا اعتبار بها) فى جواز الشي ء الّذي يأتى منه الفساد و الصلاح.

و يؤيد المعنى الثاني قوله: (فلا يجوز الابقاء بمجرد احتمال ترتب مصلحة على ذلك، مع كون الغالب ترتب المفسدة).

اللهم الا اذا كانت تلك المصلحة المترتبة احتمالا من الاهمية بمكان،

ص: 182

و كذلك المصلحة النادرة غير المعتد بها.

و قد تحصل من ذلك: ان حفظ كتب الضلال لا يحرم الا من حيث ترتب مفسدة الضلالة قطعا، او احتمالا قريبا.

______________________________

بحيث يرى العقل لزوم ابقاء الشي ء و ان ترتب عليه بعض المفاسد القطعية

مثلا: كان نثر شي ء من السّم على الارض يوجب مفسدة تسمّم دواجن الدار قطعا، لكن ذلك يكون لاجل احتمال مجي ء حيّة تلدغ الانسان فتميته.

فاذا نثر هذا السم كان مانعا عن وصول الحية، فان العقل و الشرع يقدم ايذاء الحيوان المقطوع بها على موت الانسان المحتمل، و لو كان الاحتمال موهوما كان يكون واحدا في المائة او اقل.

(و كذلك المصلحة النادرة غير المعتد بها) ينبغى هنا الاستثناء المتقدم أيضا، فان المصلحة النادرة قد توجب تقديمها على المفسدة المقطوعة، عقلا و شرعا و لعل المصنف ره ذكر «المعتد بها» لاجل هذا الاستثناء.

(و قد تحصل من ذلك) الّذي ذكرناه في حرمة حفظ كتب الضلال (ان حفظ كتب الضلال لا يحرم الا من حيث ترتب مفسدة الضلالة) فاذا ترتبت المفسدة (قطعا، او احتمالا قريبا) حرم الحفظ، و الا لم يحرم الحفظ و قد عرفت ان المراد بالضلالة، اعم من الضلال في العقيدة او الضلال في الشريعة اى ما يورث الحرام مثل كتب تعليم لعب القمار، و الغناء، و ما اشبه.

ص: 183

فان لم يكن كذلك او كانت المفسدة المحققة معارضة بمصلحة اقوى او عارضت المفسدة المتوقعة مصلحة اقوى، او اقرب وقوعا منها فلا دليل على الحرمة الا ان يثبت اجماع، او يلتزم بإطلاق عنوان معقد نفى الخلاف

______________________________

(فان لم يكن) الحفظ (كذلك) موجبا لترتب المفسدة (او كانت المفسدة المحققة معارضة بمصلحة اقوى) و لو كانت تلك المصلحة الاقوى احتمالية- كما مثلنا في «السم» (او عارضت المفسدة المتوقعة مصلحة اقوى، او اقرب وقوعا منها)- اى من المفسدة-.

و الظاهر ان المراد بالاقرب القرب الاحتمالى، لا القرب الزمانى، كما اذا كان في كتب الضلال احتمال المفسدة و احتمال المصلحة، لكن كان احتمال المصلحة اقرب.

مثلا: كان احتمال المفسدة واحدا في المائة، و احتمال المصلحة اثنين في المائة (فلا دليل على الحرمة)- جزاء «فان لم يكن»

اذ الادلة السابقة لا تشمله، بالإضافة الى انه في صورة التعارض يتنازع دليل الاهم و المهم، و الا هم يقدم على المهم، فان تقديم الاهم على المهم استفيد من الشرع حيث نراه قدم الاهم حتى قتل الانسان المحترم- فى مسئلة ما لو تترس الكفار بالمسلمين مما توقف النصر على قتل المسلم- بالإضافة الى ان تقديم الاهم على المهم- فى الدوران بين المحذورين- عقلى في سلسلة العلل (الا ان يثبت اجماع) و لا اجماع (او يلتزم بإطلاق عنوان معقد نفى الخلاف) الّذي ادعاه العلامة في التذكرة و المنتهى.

ص: 184

الّذي لا يقصر عن نقل الاجماع.

و حينئذ فلا بد من تنقيح هذا العنوان، و ان المراد بالضلال ما يكون باطلا في نفسه.

فالمراد الكتب المشتملة على المطالب الباطلة.

او ان المراد به مقابل الهداية.

______________________________

و المراد بالمعقد الّذي ذكره أولا، ثم قال انه مما لا خلاف فيه، او ذكره بعد قوله «انه مما لا خلاف فيه» (الّذي لا يقصر عن نقل الاجماع) فان عدم الخلاف في المسألة مثل ان يكون اجماع فيها.

و فيه ان سكوت بعض الفقهاء لا يضر بعدم الخلاف، لكنه يضر بالاجماع، فتأمل.

(و حينئذ) اى حين كان الحكم بحرمة الحفظ ثابتا (فلا بد من تنقيح هذا العنوان) اى الموضوع (و ان المراد بالضلال) ما هو، لان في كتب الضلال احتمالين.

الاول: (ما يكون باطلا في نفسه) و ان لم يوجب اضلال احد.

(فالمراد) بكتب الضلال (الكتب المشتملة على المطالب الباطلة) مثل الكتب التى تنقل قصصا مكذوبة لا اساس لها من الصحة مما وضعها اصحابها لا ملاء الفراغ، و قتل الوقت، و طرد السأم.

(او ان المراد به) الاحتمال الثاني، اى (مقابل الهداية).

فالمراد بكتب الضلال الكتب التى توجب انحراف الانسان في عقيدته او طريقته الشرعية، بان تورث له كفرا، او فعل الحرام.

ص: 185

فيحتمل ان يراد بكتبه ما وضع لحصول الضلال.

و ان يراد ما اوجب الضلال، و ان كان مطالبها حقة، كبعض كتب العرفاء و الحكماء.

______________________________

(فيحتمل ان يراد بكتبه) اى بكتب الضلال (ما وضع لحصول الضلال) في الناس.

(و) يحتمل (ان يراد) به (ما اوجب الضلال، و ان كان) واضع تلك الكتب لم يقصد الاضلال، بل كانت (مطالبها حقة).

و قوله: و ما اوجب، على سبيل منع الخلو، فان الاحتمال الثالث شمول كتب الضلال لكلا القسمين (كبعض كتب العرفاء و الحكماء).

لا يخفى ان هناك كتب الحكمة و الفلسفة و كتب الكلام و كتب العرفان و كتب التصوف.

فالاول: يتكلم عن الكون و الحياة و المبدأ و الحياة حسب ما وصل إليه العقل، و الاستحسان و التجربة.

و الثاني: يتكلم- أولا و بالذات- عن المبدأ و المعاد، و يتبعهما توابعهما، و مقدماتهما الكونية، حسب ما وصل إليه العقل بضميمة النقل.

و الثالث: يتكلم عن الامور الموجبة لكيفية التأمّل في المبدأ و المعاد و الاستغراق في اعماق النفس، و الكون.

و الرابع: يتكلم حول الامر الثالث باضافة ارائة الطريق العملى للزهد و العالم بالاول: حكيم و فيلسوف و بالثاني متكلم. و بالثالث: عارف و بالرابع صوفى.

ص: 186

المشتملة على ظواهر منكرة.

______________________________

و لا يخفى ان ما ذكرناه الماع الى ما ذكره اصحاب هذه العلوم من تعريفها من دون ان نقصد تصديقا لصحة ما قالوا، و انا لا نرى الا اخذ الأصول و طريقة العمل و التأمل من الادلة الاربعة حسب ما شرح في كتب علمائنا الاخيار، و الله الهادى الموفق.

و من اراد الاطلاع على كتب الحكمة و الكلام، فعليه بالاسفار و المنظومة و شروح التجريد، و ما اشبه.

و من اراد الاطلاع على كتب العرفان و التصوف فعليه بالمثنوى، و كتب ابن العربى، و الشبسترى و من إليهم.

لكن اللازم ان يكون المطالع لهذه الكتب محصنا عقيدة و عملا، حتى لا ينحرف ببعض ظواهرها.

نعم امثال شرح تجريد العلامة و نحوه لا يوجب انحرافا، لانه لا ظواهر لها تخالف العقيدة و الشريعة.

و انى ارى ان من اللازم ان يجرد جماعة من العلماء البارعين حملة لوضع كتب في العلوم الاربعة خالية عن الشوائب و الاشكالات و الظواهر المخالفة، و يضيفوا إليها الردّ لما استجدّ من الادلة و الافكار في العصر الحاضر، لتكون تبعا صافيا لمن شاء الاطلاع و العمل.

و لا اقصد بوضع كتب التصوف الاوضع كتب الزهد الصحيح، حسب ما ورد في الكتاب و السنة، و ايده الاجماع و العقل.

و كيف كان فبعض كتب العرفاء و الحكماء (المشتملة على ظواهر منكرة)

ص: 187

يدعون ان المراد غير ظاهرها.

فهذه أيضا كتب ضلال، على تقدير حقيتها

ثم الكتب السماوية المنسوخة غير المحرّفة، لا تدخل في كتب الضلال

______________________________

كوحدة الوجود، او وحدة الموجود، او كون الاعجاز لا حقيقة له، و انما هو تصرف في مدارك الحاضرين، او ان الله لا يعرف الجزئيات، او ان الجنة و النار نفسية لا جسدية، او ما اشبه ذلك.

و ان كان اتباعها (يدّعون ان المراد غير ظاهرها) يلزم اجتنابها و عدم ابقائها، اذا خيف من اضلالها.

(ف) ان (هذه) الكتب (أيضا كتب ضلال، على تقدير حقيتها) بان كان مراد اصحابها المطالب الحقة.

و ذلك لان بيان المراد لا يدفع الايراد، و لا يوجب اخراج الكتب من خوف ضلال الناس بها.

(ثم الكتب السماوية المنسوخة غير المحرّفة) اذ الفرض وجودها، كما يقال من انجيل برنابا، او فرض وجدان التورات الاصلية مثلا (لا تدخل في) هذا الاسم، فلا يقال لها (كتب الضلال) تنزيها لان يسمى كلام الله ضلالا.

اما اذا اورث اضلال الناس كان داخلا في هذا الحكم، كما انه اذا اوجب دعوة اصحابها للناس إليها و ترك القرآن.

و قد ورد ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم، نهى بعض اصحابه ان يذهب فيستمع الى التورات، قائلا: لو كان موسى عليه السلام حيا

ص: 188

و اما المحرفة كالتورات و الإنجيل على ما صرح به جماعة

______________________________

لما وسعه الا اتباعى.

فان ظاهر تعليله صلى الله عليه و آله و سلّم: ان التورات كانت غير محرفة، و الا علله صلى الله عليه و آله و سلّم بانها محرفة، و ان كان يحتمل انه صلى الله عليه و آله و سلّم علله باحدى العلتين.

(و اما المحرفة كالتورات و الإنجيل على ما صرح به جماعة) من تحريفهما و يدل على ذلك الكتاب، كقوله تعالى: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوٰاضِعِهِ* و السنة المتواترة، و دليل العقل، حيث انهما مشتملان على ما لا يعقل من نسبة الله و انبيائه الى الكذب و الخرافة و مخالفات العقل على ما ذكرنا جملة منها في كتاب «هؤلاء اليهود» و «ما ذا في كتب النصارى».

و لا ينافى ذلك قوله تعالى «إِنّٰا أَنْزَلْنَا التَّوْرٰاةَ فِيهٰا هُدىً وَ نُورٌ» و قوله سبحانه «وَ لْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فِيهِ» و قوله سبحانه «وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ» حيث ان ظاهر الهيمنة حفظه عن الانحراف، و قوله تعالى «إِنّٰا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّٰا لَهُ لَحٰافِظُونَ» حيث ان: الذكر كل كلام الله سبحانه.

اذ يرد على الاول ان النزول لا يدل على البقاء كذلك.

و على الثاني: ان المراد به في حكم خاص كما ورد في التفاسير، فالقرينة الخارجية مانعة عن انعقاد الاطلاق.

و على الثالث: ان الهيمنة قد تكون ببيان مواضع الانحراف.

و على الرابع: ان المراد بالذكر القرآن، لان الكلام فيه فلا اطلاق له

ص: 189

فهى داخلة في كتب الضلال بالمعنى الاول بالنسبة إلينا، حيث انها لا يوجب للمسلمين بعد بداهة نسخها ضلالة، نعم توجب الضلالة لليهود و النصارى قبل نسخ دينهما فالادلة المتقدمة لا

______________________________

(فهى داخلة في كتب الضلال بالمعنى الاول) اى ما يكون باطلا في نفسه (بالنسبة إلينا) فقط (حيث انها لا يوجب للمسلمين بعد بداهة نسخها ضلالة) الّذي هو المعنى الثاني.

و كان المصنف ره نظر الى زمانه، و الا ففى زماننا يورث الكتابان للمسلمين ضلالة، فكم قد اخرج النصارى المسلمين عن دينهم الى المسيحية، و قد رأيت بعضهم و باحثت معهم، فهما بالنسبة الى المسلمين كتاب ضلالة أيضا.

هذا بالإضافة الى ان الضلالة بمعنى الاضلال، و يكون وصف الكتاب في نفسه، لا انه امر نسبى.

و الا فكتب الحكمة و العرفان التى سلم المصنف انها كتب الاضلال، ليست تورث الاضلال بالنسبة الى كل احد.

و منه يظهر الاشكال في قوله ره (نعم توجب الضلالة لليهود و النصارى قبل نسخ دينهما) لانهم يظنون انهما صحيحان، مع انهما باطلان.

و فيه ما عرفت ان الكتاب مضل في نفسه سواء قبل نسخ الدين او بعد نسخه.

و على هذا (فالادلة المتقدمة) المحرمة لحفظ كتب الضلال (لا) ريب

ص: 190

تدل على حرمة حفظهما قال رحمه الله في كتاب المبسوط في باب الغنيمة من الجهاد فان كان في المغنم كتب، نظر، و ان كانت مباحة يجوز اقرار اليد عليها، مثل كتب الطب و الشعر و اللغة و المكاتبات فجميع ذلك غنيمة.

و كذلك المصاحف و علوم الشريعة

______________________________

فى انها (تدل على حرمة حفظهما) بكلا معنيى الضلال، اى ما يكون باطلا في نفسه و ما يكون مورثا لضلال الناس.

ان قلت: اذا حرف الكتابان من قبل نبى الاسلام، فبما ذا كان المؤمن مأمورا.

قلت: الارض لا تخلو عن الحجة، و قد كان اوصياء موسى عليه السلام الى زمان عيسى عليه السلام و اوصياء عيسى عليه السلام الى زمان محمد صلى الله عليه و آله و سلّم، و كان عندهم النسخة الصحيحة، و كان الناس مأمورين باتباع الأوصياء.

و يؤيد ما ذكرناه من انهما كتابا ضلال، ما (قال) الشيخ (ره في كتاب المبسوط في باب الغنيمة من الجهاد) بما لفظه: (فان كان في المغنم كتب، نظر) إليها. (و ان كانت مباحة) بحيث (يجوز اقرار اليد عليها، مثل كتب الطب و الشعر و اللغة و المكاتبات) بين الملوك و الرؤساء و العلماء و من اشبههم، فانها كانت تجعل كتبا لاجل التاريخ و الادب، و كذلك الكتب التى كان يكتبها البلغاء لاجل تعليم فنّ الكتابة و المراسلة (فجميع ذلك غنيمة) لاطلاق ادلّتها الشامل لهذه الكتب.

(و كذلك المصاحف و علوم الشريعة) ككتب تواريخ الاسلام، و التفسير

ص: 191

الفقه و الحديث لان هذا مال يباع و يشترى و ان كانت كتبا لا يحل امساكها كالكفر و الزندقة و ما اشبه ذلك فكل ذلك لا يجوز بيعه.

فان كان ينتفع باوعيته اذا غسل كالجلود و نحوها، فانها غنيمة.

و ان كانت مما لا ينتفع باوعيته كالكاغذ فانها تمزق،

______________________________

و (الفقه و الحديث) و الكلام و غيرها، فانه كثيرا ما يكون عند الكفار موجودا فاذا غلب المسلمون عليهم غنموها.

و انما قلنا: انها داخلة في الغنيمة (لان هذا) كله (مال يباع و يشترى).

و كل مال يملكه المسلمون من الكفار غنيمة.

نعم مالية القرآن من باب جلده و نحوه، لان المصحف الشريف لا يباع و لا يشترى، كما قرر في محلّه (و ان كانت) الغنيمة (كتبا لا يحل امساكها ك) كتب (الكفر و الزندقة) تقدم في معنى الزنديق ما يفيد المقام.

و كان مراده بالزندقة الاشد من الكفر، كما هو المتبادر منه، فبينهما عموم مطلق (و ما اشبه ذلك) مثل كتب السحر (فكل ذلك لا يجوز بيعه) لانها لا تملك اذ يأتى منها الفساد محضا.

(فان كان ينتفع باوعيته اذا غسل) ظروفه و طرفيه (كالجلود و نحوها) كما اذا كان من القماش، او الخشب، او الحديد، او غيرها (فانها) تكون حينئذ (غنيمة) كسائر الغنائم.

(و ان كانت مما لا ينتفع باوعيته ك) ما اذا كان الوعاء من (الكاغذ) و نحوه (فانها تمزق) و ينتفع بالممزق منه في وضع الادوية فيه، او ما اشبه

ص: 192

و لا تحرق، اذ ما من كاغذ، إلا و له قيمة.

و حكم التورات و الإنجيل هكذا، كالكاغذ فانه يمزق لانه كتاب مغيّر مبدل، انتهى.

و كيف كان فلم يظهر من معقد نفى الخلاف، الا حرمة ما كان موجبا للضلال و هو الّذي دلت عليه الادلة المتقدمة.

______________________________

ذلك (و لا تحرق) لان الاحراق اسراف (اذ ما من كاغذ إلا و له قيمة) فاتلافه لا يجوز.

(و حكم التورات و الإنجيل هكذا، كالكاغذ، فانه يمزق) و لا يحرق (لانه كتاب مغيّر مبدل) التغيير يشمل مثل الحذف و الزيادة و التبديل رفع شي ء و وضع شي ء آخر مكانه (انتهى) كلامه.

و لا يخفى: ان الظاهر جواز بيع مثل التورات و الإنجيل الى اصحابها ان لم يوجب ذلك مفسدة اما من باب استنقاذ اموالهم برضاهم، كما ذكروا في باب بيع الميتة ممن يستحل، او من باب شمول اطلاقات البيع له، فان الممنوع بيع ما يأتى منه الفساد، و المفروض انه لا يأتى منه الفساد محضا

و كذلك يجوز بيعها ممن ينتفع بها، لردّ و نحوه، و اعطائها لبعض المسلمين من باب حصته من الغنيمة اذا كان اهلا للردّ، و نحوه.

ثم ان اطلاق ما ذكره ره من ان كل كاغذ له قيمة، محل نظر.

(و كيف كان فلم يظهر من معقد نفى الخلاف، الا حرمة ما كان موجبا للضلال) لا ما كان باطلا في نفسه (و هو الّذي دلت عليه الادلة المتقدمة).

لكن ربما يقال: بان حال ما كان باطلا في نفسه، حال ما كان مضلا،

ص: 193

نعم: ما كان من الكتب جامعا للباطل من نفسه، من دون ان يترتب عليه ضلالة لا يدخل تحت الاموال، فلا يقابل بالمال لعدم المنفعة المحللة

______________________________

لقوله عليه السلام: اذا ميّز الله الحق من الباطل، و قوله تعالى، لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ الْبٰاطِلَ، و قوله سبحانه: إِنَّ الْبٰاطِلَ كٰانَ زَهُوقاً فالباطل يلزم محوه، و ازالته.

(نعم: ما كان من الكتب جامعا للباطل في نفسه، من دون ان يترتب عليه ضلالة) كما اذا كان مشتملا على قصة مكذوبة لا تضر.

اما الاشتمال على قصة مكذوبة تنفع، مثل كليلة و دمنة.

او مشتملا على اشعار المدح الكاذب، فالظاهر انه لا يدخل تحت الباطل، مثل قوله في العباس عليه السلام

لو لا القضا، لمحا الوجود بسيفه و الله يقضى ما يشاء و يحكم

و ذلك لانصراف ادلة الكذب عن ذلك و منه: لسان الحال، كقول على عليه السلام على قبر فاطمة عليها السلام:- فيما ينسب إليه

قال الحبيب و كيف لى بجوابكم و انا رهين جنادل و تراب اكل التراب محاسنى فنسيتكم و حجبت عن اهلى و عن اترابى

مع انه لم يقل الحبيب، و لم يأكل التراب محاسنه، و لم ينسهم (لا يدخل تحت الاموال) شرعا فحاله حال الخمر و الخنزير، و ان كان ما لا عرفا

و انما لم يكن ما لا بدليل انه باطل يجب افتائه، و ما كان واجب الا فناء لا يكون ما لا (فلا يقابل بالمال) فلا يصح بيعه (لعدم المنفعة المحللة

ص: 194

المقصودة فيه.

مضافا الى آيتى لهو الحديث، و قول الزور اما وجوب اتلافها، فلا دليل عليه.

و مما ذكرنا ظهر حكم تصانيف المخالفين في الأصول، و الفروع، و الحديث، و التفسير، و اصول الفقه، و ما دونها من العلوم، فان المناط في وجوب

______________________________

المقصودة فيه).

و قد تقدم في اوّل الكتاب ان ما لا منفعة محلّلة مقصودة فيه، لا يصح بيعه، اذ البيع مبادلة مال بمال، كما يأتى في اوّل كتاب البيع.

(مضافا) فى الدلالة على انه لا يقابل بالمال (الى آيتى لهو الحديث و قول الزور).

فالادلة على عدم صحة بيع الكتاب الباطل ثلاثة 1- عدم المنفعة 2- آية لهو الحديث 3- آية قول الزور.

و قد تقدم تقريب الآيتين في اوّل هذا المبحث.

و (اما وجوب اتلافها) اى اتلاف الكتب الباطلة التى لا توجب ضلالا (فلا دليل عليه) الا ما ذكرناه من وجوب ازهاق الباطل.

(و مما ذكرنا) من ان كتب الباطل- غير المضلّة- لا يقابل بالمال، و لكن لا دليل على وجوب اتلافها (ظهر حكم تصانيف المخالفين في الأصول و الفروع) الفقهية (و الحديث، و التفسير، و اصول الفقه و ما دونها من العلوم) كالنحو، و الصرف و اللغة، و البلاغة (فان المناط في وجوب

ص: 195

الاتلاف: جريان الادلة المتقدمة فان الظاهر عدم جريانها في حفظ شي ء من تلك الكتب الا القليل مما الّف في خصوص اثبات الجبر، و نحوه و اثبات تفضيل الخلفاء او فضائلهم و شبه ذلك.

و مما ذكرنا أيضا يعرف وجه ما استثنوه في المسألة من الحفظ للنقض و الاحتجاج على اهلها، او الاطلاع على مطالبهم ليحصل به التقية،

______________________________

الاتلاف: جريان الادلة المتقدمة) فان الاتلاف يجب اذا كانت موجبة للضلالة.

اما اذا لم تكن موجبة للضلالة، فلا يجب الاتلاف، و ان كانت باطلة في نفسها (فان الظاهر عدم جريانها) اى الأدلّة المتقدمة (فى حفظ شي ء من تلك الكتب) للعامة (الا القليل مما الّف في خصوص اثبات الجبر و نحوه) من عدم عدالة الله، و عدم عصمة الأنبياء، و بطلان إمامة الأئمة، و ما الى ذلك (و اثبات تفضيل الخلفاء) على على عليه السلام (او فضائلهم) المكذوبة (و شبه ذلك).

لكن ربما يقال: ان كتبهم الدينية توجب الانحراف، فتدخل في كتب الاضلال، الا ما شذ، فلا وجه لما ذكره المصنف ره من استثنائه لها الا القليل بل المستثنى هو القليل.

(و مما ذكرنا) من ان وجه وجوب الاتلاف لكتب الضلال، هو ايجابها الاضلال (أيضا يعرف) «أيضا» اى كما عرف مما ذكرنا «حكم تصانيف المخالفين» (وجه ما استثنوه في المسألة من الحفظ للنقض و الاحتجاج على اهلها، او الاطلاع على مطالبهم ليحصل به التقية).

ص: 196

او غير ذلك.

و لقد احسن جامع المقاصد، حيث قال: ان فوائد الحفظ كثيرة.

و مما ذكرنا أيضا يعرف حكم ما لو كان بعض الكتاب موجبا للضلال.

فان الواجب رفعه و لو بمحو جميع الكتاب الا ان يزاحم مصلحة وجوده لمفسدة وجود الضلال.

______________________________

و لا يخفى ان التقية هى الاخفاء لاجل السير و الوصول الى الغاية، فهى ايجابية، لا انها للوقوف و ترك السير لتكون سلبية (او غير ذلك) كالمقارنة لاجل افادة الاتباع بمحاسن الدين و المذهب فان الاشياء تعرف باضدادها.

(و لقد احسن جامع المقاصد، حيث قال: ان فوائد الحفظ كثيرة) فلا يلزم اتلاف كتب الضلال الا نادرا، حتى لا يتوهم وجوب اتلاف كتب الضلال مطلقا انسياقا مع اطلاق جماعة من الفقهاء ذلك.

(و مما ذكرنا) من ان وجه وجوب الاتلاف لكتب الضلال هو ايجابها الاضلال (أيضا يعرف حكم ما لو كان بعض الكتاب موجبا للضلال) دون بعضه الآخر.

كما اذا كتب في اصول الدين، فكان بحثه في الوحدانية صحيحا دون بحثه في استحالة رؤيته سبحانه، حيث اثبت انه قابل للرؤية و هكذا

(فان الواجب رفعه) اى رفع ما يوجب الضلال (و لو بمحو جميع الكتاب) اذا لم يمكن محو الضلال فقط (الا ان يزاحم مصلحة وجوده) اى وجود القدر الصالح من الكتاب (لمفسدة وجود الضلال).

ص: 197

و لو كان باطلا في نفسه، كان خارجا عن المالية.

فلو قوبل بجزء من العوض المبذول تبطل المعاوضة بالنسبة إليه.

ثم الحفظ المحرم يراد به الاعم من الحفظ، بظهر القلب و النسخ و المذاكرة، و جميع ماله دخل في بقاء المطالب المضلّة.

______________________________

فحينذاك يلاحظ ان ايهما اهم، فيقدم على المهم.

و لو كانا متساويين في الاهمية تخيّر بين الابقاء و الاتلاف.

(و لو كان) بعض الكتاب (باطلا في نفسه) بدون ان يوجب الاضلال (كان خارجا عن المالية) كما تقدم.

(فلو قوبل بجزء من العوض المبذول) كما لو اشترى الكتاب بدينار، و كان نصفه باطلا، فان نصف الدينار يكون في قبال هذا النصف الباطل (تبطل المعاوضة بالنسبة إليه) فاذا كان جاهلا، كان له خيار تبعض الصفقة.

(ثم الحفظ المحرم) الّذي يأتى منه الفساد (يراد به الاعم من الحفظ، بظهر القلب و النسخ) اى الكتابة (و المذاكرة، و جميع ما له دخل في بقاء المطالب المضلّة) كما يشمل القراءة و التسجيل و غيرهما لان كل ذلك يورث الفساد، فيحرم و الله العالم.

ص: 198

الثامنة الرشوة حرام.
اشارة

و في جامع المقاصد و المسالك: ان على تحريمها اجماع المسلمين و يدل عليه الكتاب و السنة.

و في المستفيضة: انها كفر بالله العظيم، او شرك

______________________________

المسألة (الثامنة: الرشوة حرام) بلا اشكال و لا خلاف.

(و في جامع المقاصد و المسالك: ان على تحريمها اجماع المسلمين) بل تحريمها من الضروريات التى يعرفها كافة المسلمين، بل البشر عامّة.

(و يدل عليه الكتاب و السنة) بل و العقل بالنسبة الى الرشوة، من جهة احقاق الباطل او ابطال الحق.

اما الكتاب، فقوله تعالى: لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ*، فانه اكل للمال بالباطل بلا اشكال.

(و في) الروايات (المستفيضة: انها كفر بالله العظيم، او شرك).

و يراد بالكفر هنا الكفر العملى، لان الكفر على نحوين.

الاول: الكفر العقيدى، و هو ما اذا انكر او شك في شي ء من اصول الدين.

الثاني: الكفر العملى، و هو ما اذا ترك حكما من احكام الله تعالى و عدم اطلاق الكفر الا على بعضها، مثل قوله تعالى في الحج: و من كفر، و في ترك الشكر: و لئن كفرتم، الى غيرهما انما هو لاجل التنبيه على

ص: 199

ففى رواية الاصبغ ابن نباته، عن امير المؤمنين عليه السلام، قال:

ايّما وال

______________________________

شدة ذلك.

و من الممكن ان يراد بالكفر في ترك الاحكام معنا الكفر الاعتقادى مجازا، اى انه كالكفر.

اما اطلاق الشرك على الرشوة، فانه اما مجازى مبالغة، و ما اشتهر في السنة بعضهم، من ان المعصوم لا يبالغ يراد به المبالغة التى ليست من طريقة البلغاء، و الا فهى من محسنات الكلام.

نعم المبالغة التى هى خارجة عن اسلوب البلغاء، لا مجال له في كلام المعصوم.

كما ان المجاز الّذي ليس من طريقتهم، لا مجال له في كلامهم عليهم السلام، فان كلا من المجاز و المبالغة و هو فرع من المجاز اذا لم يرد بهما معناهما البلاغى، بل اريد بهما المعنى الحقيقى كان كذبا، و العادل لا يكذب، فكيف بالمعصوم.

و اما المراد به انه شرك خفى، حيث ان المعطى و الآخذ يشركان بالله سبحانه هوى النفس.

كما ورد ان الرياء شرك فان الشرك- كما حقق في محلّه- ينقسم الى شرك جلى و شرك خفى.

(ففى رواية الاصبغ ابن نباته، عن امير المؤمنين عليه السلام، قال:

ايّما وال) و الوالى من باب المثال، و الا فالمراد به كل من يتولى شئون

ص: 200

احتجب عن حوائج الناس، احتجب الله عنه يوم القيامة و عن حوائجه، و ان اخذ هدية كان غلولا

______________________________

الناس، و لو كان موظفا صغيرا (احتجب عن حوائج الناس) بان ابتعد عنهم، كانما بينه و بينهم حجاب (احتجب الله عنه يوم القيامة) كناية عن عدم نجاته تعالى لهم عن العذاب (و عن حوائجه) فلا يدفع عنه عذابا و لا يشمله برحمته (و ان اخذ هدية كان غلولا) الغلول ما يسرق من الغنيمة و قد شبه عليه السلام الهدية بالغلول، لانها خيانة لعامة المسلمين.

فكما ان الغلول خيانة لهم عامة، لان الغنيمة ملك لجميعهم.

كذلك الهدية خيانة لجميع المسلمين.

اما من جهة انها تفتح باب عدم قضاء حوائجهم الا بالمال.

و اما من جهة ان مال الفرد كمال الجماعة، كما قال تعالى: مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسٰادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمٰا قَتَلَ النّٰاسَ جَمِيعاً، فان القانون الشامل للكل اذا خولف فقد خرق الشي ء المرتبط بالكل، فحاله حال ما اذا ثقّب المكان الصغير من السفينة فانه ثقب السفينة، او انه اى فرق بين ان يخالف الانسان القانون بالنسبة الى الفرد، او بالنسبة الى الكل، فان القانون حفاظ، و من لا يراعى الحفاظ لا فرق بين ان لا يراعيه بالنسبة الى البعض او بالنسبة الى الكل.

و لذا من قتل انسانا او هتك عرضا، استوحش منه الكل.

ثم ان الهدية التى يراد بها المصانعة لاجل الحكم، نوع من استمالة الوالى بالمال، فهو كالرشوة.

ص: 201

و ان اخذ رشوة فهو شرك.

و عن الخصال في الصحيح عن عمار ابن مروان، قال كل شي ء غلّ من الامام فهو سحت.

______________________________

و الفرق بينهما: ان الرشوة تبذل في قبال الحكم، و الهدية تبذل لاجل ميل نفس الوالى الى هذا المعطى، فتكون العاقبة الحكم له مثل الفرق بين ان يعطى الزانى ما لا للزانية في قبال الزنا، او يعطيها ما لا هدية مما يوجب ميلها الى المعطى و ينتهى الامر الى الزنا.

و لذا كانت الرشوة اشد فقال عليه السلام: (و ان اخذ رشوة فهو شرك) اما اذا اهدى الانسان الى الوالى مالا، لا لاجل الحكم بل لانه قريب له، او ما اشبه ذلك، فلا تدخل في هذه الرواية.

لان مناسبة الحكم و الموضوع تعطى المنع عن الهدية تكون في سبيل الحكم.

مثلا: كان اخ يهدى لاخيه كل عيد اضحى مقدارا من لحم الاضحية او من الصدقة ثم ترقى اخوه و صار واليا، فانه لا اشكال ان اعطائه في هذه السنة ذلك المقدار من اللحم لا يدخل في هذا الباب.

(و عن الخصال في الصحيح عن عمار ابن مروان، قال) عليه السلام (كل شي ء غل من الامام فهو سحت).

الغل انما سمى غلا، لانه يقيد الانسان و المال الّذي يأخذه الانسان غلولا، يغله و يقيده عن ارتفاع النفس، او يقيده عن الانطلاق حسب الشرافة، فان المعاصى قيود و هى تنافى الحرية.

ص: 202

و السحت انواع كثيرة.

منها: ما اصيب من اعمال الولاة الظلمة.

و منها: اجور القضاة، و اجور الفواجر، و ثمن الخمر و النبيذ المسكر و الربا بعد البينة

______________________________

و قد تقدم في اوّل الكتاب ان: السحت، هو اشد انواع الحرام و من المعلوم «غل الامام» ابشع من غل غيره.

(و السحت انواع كثيرة).

(منها: ما اصيب من اعمال الولاة الظلمة).

مثلا: الوالى الظالم له عمل كبناء داره، فاذا بنى البناء داره في قبال اجر، كان الاجر اصابه من عمل الوالى الظالم، و هذا الاجر حرام و ان كان نفس البناء ان لم يكن للوالى- بل كان لسائر الناس- كان حلالا.

(و منها: اجور القضاة) لان القضاء، لا يحق للقاضى ان يأخذ المال في قباله.

نعم: اذا كان محتاجا اعطاه بيت المال لاجل انه محتاج كما يعطى سائر المحتاجين، و هذا يسمى رزقا (و اجور الفواجر) لان الله اذا حرم شيئا حرّم ثمنه (و ثمن الخمر و النبيذ المسكر).

اما النبيذ الّذي ينبذ التمر في الماء، ليغيّر طعم الماء الى الافضل فيشرب نهارا، او ينبذ نهارا ليشرب ليلا فليس بحرام، لانه ليس بمسكر (و الربا بعد) قيام (البينة) اى فهم الانسان ان الربا حرام.

ص: 203

و اما الرشاء في الاحكام، يا عمار، فهو الكفر بالله العظيم.

و مثلها رواية سماعة، عن ابى عبد الله عليه السلام.

و في رواية يوسف ابن جابر لعن رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم من نظر الى فرج امرأة لا تحل له، و رجلا خان اخاه في امرأته، و رجلا احتاج الناس إليه لفقهه فسألهم الرشوة

______________________________

اما الربا قبل علم الانسان بحرمته، فقد عفى عنه الشرع.

و لذا قال سبحانه: وَ ذَرُوا مٰا بَقِيَ مِنَ الرِّبٰا.

(و اما) اخذ (الرشاء في) قبال (الاحكام) اى اصدار الحكم للناس (يا عمار، فهو الكفر بالله العظيم) و الاتيان بلفظ: العظيم انما هو للتشديد في التخويف.

(و مثلها) اى مثل الرواية السابقة عينا (رواية سماعة، عن ابى عبد الله عليه السلام).

(و في رواية يوسف ابن جابر لعن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم من نظر الى فرج امرأة لا تحل له) و ان جاز له النظر الى جسمها، لكونها محرمة له (و رجلا خان اخاه) المسلم (فى امرأته) بنظرة او قبلة او زنا، او لمس او ضمّ (و رجلا احتاج الناس إليه لفقهه، فسألهم الرشوة) فلا يبين لهم الحكم، او لا يقضى لهم الا في قبال المال، هذا كله حكم الرشوة.

و اما موضوع الرشوة و انها ما هى، فقد اختلفوا في انها هل هى ما يبذل في قبال الباطل فقط.

او ما يبذل في قبال الوصول الى الهدف حقا كان او باطلا.

ص: 204

و ظاهر هذه الرواية سؤال الرشوة لبذل فقهه، فيكون ظاهرا في حرمة اخذ الرشوة للحكم بالحق، او للنظر في امر المترافعين، ليحكم بعد ذلك بينهما بالحق من غير اجرة.

و هذا المعنى هو ظاهر تفسير الرشوة في القاموس بالجعل.

______________________________

او ما يبذل حتى في قبال الحق او يفصل في المسألة، كما يأتى حكايته عن المختلف، و بصدد تنقيح المصنف الموضوع، بيّن أو لا اطلاق الرشوة حتى للحكم بالحقّ، فقال: (و ظاهر هذه الرواية) ليوسف (سؤال الرشوة لبذل فقهه، فيكون ظاهرا في حرمة اخذ الرشوة للحكم بالحق) بان كانت الرشوة في قبال الحكم (او للنظر في امر المترافعين، ليحكم بعد ذلك بينهما بالحق) فاخذه الرشوة لاجل نظره في امرهما اما حكمه بينهما فقد صدر (من غير اجرة).

لكن في الرواية احتمال ثالث، و هو انه لا يبين المسائل، الا في قبال المال.

و كان المصنف لم يذكر هذا المعنى، لظهور الرشوة في كونها لاجل الحكم، و هذا الظهور اقوى من ظهور «الفقه» فى بيان المسألة، و لذا قال «و ظاهر هذه الرواية» حيث ان الرواية لا ظهور لها في بيان المسألة

(و هذا المعنى) اى بذل المال في قبال الحكم او في قبال النظر في امر المترافعين (هو ظاهر تفسير الرشوة في القاموس بالجعل) لان الجعل للقاضى لا يكون الا لاحد الامرين المذكورين.

ص: 205

و إليه نظر المحقق الثاني، حيث فسر في حاشية الارشاد: الرشوة بما يبذله احد المتحاكمين.

و ذكر في جامع المقاصد ان الجعل من المتحاكمين للحاكم رشوة و هو صريح الحلى أيضا في مسئلة تحريم اخذ الرشوة مطلقا، و اعطائها الا اذا كانت على اجراء حكم صحيح فلا يحرم على المعطى، هذا و لكن عن مجمع البحرين: قلّما يستعمل الرشوة الا فيما يتوصل به الى ابطال حق، او تمشية باطل.

______________________________

(و إليه) اى الى نفس هذا المعنى (نظر المحقق الثاني، حيث فسّر في حاشية الارشاد: الرشوة بما يبذله احد المتحاكمين) لان البذل يكون في قبال الحكم، او في قبال النظر.

(و ذكر) أيضا (فى جامع المقاصد ان الجعل من المتحاكمين للحاكم رشوة، و) هذا المعنى (هو صريح) ابن ادريس (الحلى أيضا في مسئلة تحريم اخذ الرشوة مطلقا) سواء اخذه لاجراء الحكم الصحيح او الباطل (و اعطائها، الا اذا كانت على اجراء حكم صحيح، فلا يحرم على المعطى هذا) لانه مجبور في الاعطاء و الضرورات تبيح المحظورات.

نعم: اذا لم يكن مجبورا في الاعطاء كان اعطائها أيضا حراما.

و لما فرغ المصنف من تقريب كون الرشوة تشمل حتى الحكم بالحق شرع في تقريب انها لا تشمل الا ما اذا كان للحكم بالباطل.

فقال: (و لكن عن مجمع البحرين: قلّما يستعمل الرشوة الا فيما يترصل به الى ابطال حق، او تمشية باطل).

ص: 206

و عن المصباح هى ما يعطيه الشخص للحاكم، او غيره ليحكم له او يحمله على ما يريد.

و عن النهاية: انها الوصلة الى الحاجة بالمصانعة و الراشى الّذي يعطى ما يعينه على الباطل، و المرتشى الآخذ، و الرائش هو الّذي يسعى بينهما ليزيد لهذا او ينقص لهذا.

و مما يدل على عدم عموم الرشا، لمطلق الجعل على الحكم، ما تقدم في رواية عمار بن مروان، من جعل الرشاء في الحكم مقابلا لا جور القضاة

______________________________

(و) كان ينبغى للمصنف ان ينقل كلام المصباح في سياق المعنى الاول، لان كلامه اعم من ما يبذل للحق او للباطل، فقد حكى (عن المصباح) ان الرشوة (هى ما يعطيه الشخص للحاكم، او غيره ليحكم) الحاكم (له) اى لمعطى الرشوة (او يحمله) اى يحمل المعطى الآخذ (على ما يريد) المعطى، مثلا يعطى مالا لحرس السجن حتى يطلق سراحه.

(و عن النهاية) لابن اثير (انها الوصلة) اى سبب الوصول (الى الحاجة) اى حاجة المعطى (بالمصانعة) اى يجعل المعطى الآخذ صنيع نفسه، ليعمل للمعطى ما يريده (و الراشى الّذي يعطى ما يعينه على الباطل، و المرتشى الآخذ) للرشوة (و الرائش هو الّذي يسعى بينهما ليزيد لهذا) الآخذ (او ينقص لهذا) المعطى اذ الآخذ يريد الزيادة، و المعطى يريد اعطاء اقل.

(و مما يدل على عدم عموم الرشا، لمطلق الجعل على الحكم، ما تقدم في رواية عمار بن مروان، من جعل الرشاء في الحكم، مقابلا لا جور القضاة)

ص: 207

خصوصا بكلمة اما.

نعم: لا يختص بما يبذل على خصوص الباطل، بل يعم ما يبذل لحصول غرضه، و هو الحكم له حقا كان، او باطلا، و هو ظاهر ما تقدم عن المصباح و النهاية.

______________________________

فان الرشوة لو كانت عامة شاملة لكل ما يعطى للحاكم، لم يكن وجه للتقابل بين الرشوة و بين اجر القاضى، اذ حينئذ يكون اجر القاضى من اقسام الرشوة، فجعل الرواية اجر القاضى في قبال الرشوة، دليل على عدم عموم الرشوة (خصوصا بكلمة اما).

اذ هذه الكلمة تمنع من جعل ما بعدها عطف بيان لما قبلها، حتى يقال: بانه من عطف العام على الخاص، من قبيل ذهبت الى العراق الى النجف الاشرف.

(نعم: لا يختص) لفظ الرشوة (بما يبذل على خصوص الباطل، بل يعم ما يبذل لحصول غرضه، و هو الحكم له) بل تمشية امره (حقا كان، او باطلا) كما هو ظاهر اطلاقها في العرف، فيقول: ارشيت حرس الحدود لادخال بضاعتى او لادخال الخمر، او ارشيت القاضى ليحكم بان الدار لى- سواء كانت الدار له واقعا، أم لا، بل اراد اغتصابها من صاحبها الشرعى- (و هو ظاهر ما تقدم عن المصباح و النهاية).

لكن يرد على المصنف ان ظاهر كلام النهاية: ان الرشوة تستعمل في خصوص الباطل.

اللهم الا ان يقال: ان صدر كلام النهاية مطلق، و ذيله من بلب

ص: 208

و يمكن حمل رواية يوسف ابن جابر على سؤال الرشوة للحكم للراشى حقا او باطلا.

او يقال: ان المراد الجعل فاطلق عليه الرشوة تأكيدا للحرمة.

و منه يظهر حرمة اخذ الحاكم للجعل من المتحاكمين، مع تعيّن الحكومة عليه كما يدل عليه قوله عليه السلام: احتاج الناس إليه لفقهه

______________________________

المثال، فتأمل.

(و يمكن حمل رواية يوسف ابن جابر) التى تقدم ان قلنا ان ظاهرها كون الرشوة للحكم بالحق (على سؤال الرشوة للحكم للراشى حقا او باطلا) فالرواية أيضا دليل على اطلاق الرشوة على الاعم.

(او يقال: ان) الرواية ليست في الرشوة اصلا، بل (المراد) بالرشوة في الرواية (الجعل) الّذي يعطيه الشخص للفقيه (فاطلق عليه الرشوة) من باب المجاز (تأكيدا للحرمة).

و على كلا التقديرين: لا تكون الرشوة في رواية يوسف خلاف ما ذكرناه من عموم الرشوة للحكم بالحق، او بالباطل.

(و منه) بناء على ان المراد بالرشوة في رواية يوسف «الجعل» (يظهر حرمة اخذ الحاكم للجعل من المتحاكمين، مع تعيّن الحكومة عليه).

و انما قلنا: مع تعيّن الحكومة عليه، (كما يدل عليه قوله عليه السلام:

احتاج الناس إليه لفقهه) فان الاحتياج يكون دليلا على انه معيّن عليه

لكن فيه ان الاحتياج اعم من التعيّن عليه، اذ لو كان الفقيه متعددا صح ان يقال انى احتاج الى الفقيه الفلانى، اذا كان الاحتياج الى النوع

ص: 209

و المشهور المنع مطلقا.

بل في جامع المقاصد: دعوى النص و الاجماع.

و لعله لحمل الاحتياج في الرواية على الاحتياج الى نوعه و لاطلاق ما تقدم في رواية عمار بن مروان، من جعل اجور القضاة من السحت بناء على ان الأجر- فى العرف- يشمل الجعل

______________________________

و الى هذا الاشكال الّذي ذكرناه اشار المصنف بقوله: (و المشهور المنع) من اخذ القاضى الجعل (مطلقا) سواء كان الحكم معينا عليه أم لا بان كان هناك فقهاء متعددون.

(بل في جامع المقاصد: دعوى النص و الاجماع) على الحرمة مطلقا (و لعله) اى لعل وجه نسبة جامع المقاصد الاطلاق الى النص «مع انك عرفت ان ظاهر رواية يوسف الحرمة، اذا كان بذل الفقه متعينا عليه» (لحمل) جامع المقاصد (الاحتياج في الرواية على الاحتياج الى نوعه) اى نوع الفقيه لا الى شخصه (و لاطلاق) عطف على «لحمل» و هذا دليل آخر لقول جامع المقاصد بالإطلاق (ما تقدم في رواية عمار بن مروان، من جعل اجور القضاة من السحت) فانه مطلق يشمل ما اذا كان القضاء معينا عليه، او لم يكن معينا عليه، لتعدد القاضى.

ان قلت: ما في رواية عمار ليس الجعل، بل الاجر، و كلامكم في الجعل.

قلت: لا بأس بذلك (بناء على ان الأجر- فى العرف- يشمل الجعل) فما قلناه من حرمة الجعل، مطلقا يستفاد من الرواية لاطلاقها الاجر،

ص: 210

و ان كان بينهما فرق عند المتشرعة.

و ربما يستدل على المنع بصحيحة ابن سنان، قال سئل ابو عبد الله عليه السلام، عن قاض بين فريقين يأخذ على القضاء الرزق من السلطان قال عليه السلام: ذلك السحت.

و فيه ان ظاهر الرواية كون القاضى منصوبا من قبل السلطان الظاهر بل الصريح في سلطان الجور اذ ما يؤخذ من العادل، لا يكون

______________________________

الشامل على الجعل (و ان كان بينهما) اى بين الاجر و الجعل (فرق عند المتشرعة) اما في اللغة و العرف العام يطلق كل واحد منهما على الآخر

(و ربما يستدل على المنع) اى منع اخذ الجعل للحكم بالحق (بصحيحة ابن سنان، قال سئل ابو عبد الله عليه السلام، عن قاض بين فريقين يأخذ على القضاء الرزق من السلطان، قال عليه السلام: ذلك السحت) فاطلاقه شامل لما اذا قضى بالحق، بل الغالب في القضاة القضاء بالحق.

(و) لكن (فيه) ان الاستدلال بهذه الرواية غير تام.

اذ: (ان ظاهر الرواية كون القاضى منصوبا من قبل السلطان) الّذي كان في زمان الامام عليه السلام (الظاهر بل الصريح في سلطان الجور)

وجه الصراحة ان القضية من القضايا الخارجية، لا الحقيقية، فان ظاهر القضاء و ان كانت الحقيقية الا ان وجود القرينة في المقام و امثاله توجب صرفها عن ظاهرها.

و يؤيد كونها خارجية ما ذكره بقوله: (اذ ما يؤخذ من العادل، لا يكون

ص: 211

سحتا قطعا.

و لا شك ان هذا المنصوب غير قابل للقضاء فما يأخذه سحت من هذا الوجه

و لو فرض كونه قابلا للقضاء، لم يكن رزقه من بيت المال، او من جائزة السلطان محرّما قطعا فيجب اخراجه عن العموم الا ان يقال: ان المراد الرزق

______________________________

سحتا قطعا) كيف و قد امر الامام امير المؤمنين عليه السلام في عهده المشهور لمالك الاشتر ره باعطاء القضاء ما يزيح علّتهم.

(و) على هذا فكون ما يأخذه سحتا، ليس من جهة انه اخذ الجعل للحكم بالحق، بل لانه (لا شك ان هذا المنصوب غير قابل للقضاء فما يأخذه سحت من هذا الوجه) اى كونه موظفا عند الجائر.

نعم اللازم استثناء ما اذا كان قضائه عند الجائر جائزا لعنوان ثانوى كسائر الوظائف التى تباح عند الجائر لعنوان ثانوى.

و لذا كان الشهيد قاضى نور الله ره، و غيره قضاة عند الظلمة.

(و لو فرض كونه قابلا للقضاء، لم يكن رزقه من بيت المال، او من جائزة السلطان محرّما قطعا).

اذ لا وجه للحرمة، لا من جهة كونه وظيفة عند الجائر و لا من جهة نفس القضاء، فانه رزق يعطيه السلطان لمن يقومون بشئون المسلمين التى من اهمّها القضاء (فيجب اخراجه) اى اخراج هذا الفرد من كونه قابلا للقضاء (عن العموم) اى عموم قوله: يأخذ على القضاء الرزق.

و قد عرفت ان اخراجه بدليل العقل و النقل (الا ان يقال: ان المراد) ب (الرزق) فى رواية ابن سنان الرزق

ص: 212

من غير بيت المال.

و جعله على القضاء بمعنى المقابلة قرينة على إرادة العوض.

و كيف كان فالاولى في الاستدلال على المنع ما ذكرنا خلافا لظاهر المقنعة و المحكى عن القاضى من الجواز.

______________________________

(من غير بيت المال).

و لا يراد به الرزق بالمعنى المتعارف الّذي هو جائز، بل المراد به العوض.

(و) ذلك لان (جعله على القضاء) الّذي هو (بمعنى المقابلة قرينة على إرادة العوض) فالرواية تدل على احد امرين.

اما ان الرزق من سلطان الجور حرام.

و اما ان عوض القضاء من غير بيت المال حرام.

و على المعنى الثاني: تكون الرواية دليلا للمنع حيث قلنا و قد يستدل للمنع.

(و كيف كان) معنى الرواية (فالاولى في الاستدلال على المنع) اى منع اخذ الجعل للحكم بالحق (ما ذكرنا) من روايات عمار، و سماعة و يوسف

و ذلك لعدم صحة الاستناد الى رواية ابن سنان لذلك، لما عرفت من انها محتملة لامرين، فلا يصلح دليلا بعد اجمالها (خلافا لظاهر المقنعة و المحكى عن القاضى) ابن البراج (من الجواز).

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 2، ص: 213

و لا يخفى ان المقنعة للمفيد، و المقنع للصدوق و كلاهما في الفقه، فعندهما يجوز اخذ الجعل للقضاء بالحق.

ص: 213

و لعله للاصل، و ظاهر رواية حمزة بن حمران قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام، يقول: من استأكل بعلمه افتقر، قلت: ان في شيعتك قوما يتحملون علومكم، و يبثونها في شيعتكم فلا يعدمون منهم البر و الصلة و الاكرام فقال عليه السلام: ليس أولئك بمستأكلين انما ذاك الّذي يفتى بغير علم، و لا هدى من الله ليبطل به الحقوق طمعا في حطام الدنيا، الخبر.

______________________________

(و لعله) اى الجواز (للاصل) لاصالة كل ما لم يرد على تحريمه دليل (و ظاهر رواية حمزة بن حمران، قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام، يقول:

من استأكل بعلمه افتقر) اى طلب المال من علمه (قلت: ان في شيعتك قوما يتحملون علومكم، و يبثونها في شيعتكم، فلا يعدمون منهم البر و الصلة و الاكرام) اى ان شيعتكم يكرمونهم لاجل ما يبثون فيهم من علومكم.

و لا يخفى ان البر عمل الخير و الصلة الخير الواصل الى الغير و الاكرام، ما كان العطاء مع احترام الطرف المقابل، فالبرّ اعمّ من الصلة و هى اعمّ من الاكرام.

(فقال عليه السلام: ليس أولئك بمستأكلين) الذين عنيت، و ان كانوا اذا طلبوا لاكل سمّوا مستأكلين- لغة- (انما ذاك) المستأكل الّذي قصدته، هو (الّذي يفتى بغير علم، و لا هدى من الله).

لعل الفرق ان العلم الوجداني، و الهدى ما كان طريقا مجعولا، و ان لم يورث العلم، كما قال سبحانه: بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لٰا هُدىً وَ لٰا كِتٰابٍ مُنِيرٍ*، (ليبطل به الحقوق طمعا في حطام الدنيا) الى آخر (الخبر).

فان ظاهر هذا الخبر عدم الذم اذا كان حكما بالحق.

ص: 214

و اللام في قوله: ليبطل به الحقوق، اما للغاية او للعاقبة.

و على الاول: فيدل على حرمة اخذ المال في مقابل الحكم بالباطل

و على الثاني: فيدل على حرمة الانتصاب للفتوى من غير علم طمعا في الدنيا.

و على كل تقدير، فظاهرها حصر الاستيكال المذموم فيما كان لاجل الحكم بالباطل، او مع عدم معرفة الحق

______________________________

(و اللام في قوله: ليبطل به الحقوق، اما للغاية) اى قصده من اخذ المال الحكم بالباطل، مثل ابى هريرة، كان يأخذ المال من معاوية ليضع الاحاديث المكذوبة (او للعاقبة) مثل اللام في قوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ، لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً.

(و على الاول) اى لام الغاية (فيدل على حرمة اخذ المال في مقابل الحكم بالباطل).

و من الواضح انه حرام، فان الله اذا حرّم شيئا حرّم ثمنه.

(و على الثاني) اى لام العاقبة (فيدل على حرمة الانتصاب للفتوى من غير علم طمعا في الدنيا).

و من المعلوم: ان الانتصاب، سابق على اخذ المال.

(و على كل تقدير) سواء كانت اللام للغاية، او للعاقبة (فظاهرها حصر الاستيكال المذموم فيما كان لاجل الحكم بالباطل، او) لاجل الحكم (مع عدم معرفة الحق) لقوله عليه السلام، في عداد القضاة الذين هم في النار، و رجل قضى بالحق و هو لا يعلم.

ص: 215

فيجوز الاستيكال مع الحكم بالحق.

و دعوى كون الحصر اضافيا بالنسبة الى الفرد الّذي ذكره السائل فلا يدل الا على عدم الذم على هذا الفرد

______________________________

فمناط الحكم بالباطل الموجود في الرواية «ليبطل به الحقوق» موجود في المقام، و هو الحكم بما لا يعلم، بل يظهر ذلك من قوله: بغير علم.

و عليه (ف) الرواية تدل على انه (يجوز الاستيكال مع الحكم بالحق) و هذا هو ما افتى به المفيد و القاضى.

(و) ان قلت: ان رواية حمزة لا تدل على جواز الحكم بالحق في قبال الجعل مطلقا، بل حيث ان الراوى سئل عن افراد مخصوصين اجاب الامام عليه السلام بالجواز بالنسبة إليهم، فالحصر في قول الامام «انما ذاك» اضافى بالنسبة الى مقابل «ذاك» و المقابل هو: الافراد الذين سألهم الراوى فقط، لا كل فرد يحكم بالحق.

و فرق بين ان يحصر الامام الحرام في طائفة ابتداءً فان الحصر حينئذ حقيقى، و يدل على ان كل من ليس من تلك الطائفة فعملهم حلال و بين ان يحصر الامام الحرام في طائفة بعد سؤال الراوى عن جماعة فان الحصر حينئذ اضافى، و يدل على ان عمل تلك الجماعة حلال، و لا يدل على ان عمل ما عداهم حلال- مطلقا-.

قلت: (دعوى كون الحصر) فى كلام الامام (اضافيا بالنسبة الى الفرد الّذي ذكره السائل) فيدل كلامه عليه السلام على ان من ذكره السائل عمله حلال (فلا يدل) كلامه عليه السلام (الا على عدم الذم على هذا الفرد)

ص: 216

دون كل من كان غير المحصور فيه خلاف الظاهر.

و فصّل في المختلف: فجوز اخذ الجعل و الاجرة مع حاجة القاضى و عدم تعيين القضاء عليه و منعه مع غناه او عدم الغناء عنه، و لعل اعتبار عدم تعين القضاء لما تقرر عندهم من

______________________________

الّذي في كلام السائل (دون) دلالة لكلامه عليه السلام على عدم الذم، ل (كل من كان غير المحصور فيه) «غير المحصور فيه» هم «كل من يفتى بالحق» لان الامام حصر الذم في «من يفتى بغير علم».

و الحاصل: ان حصر الامام الذم في من يفتى بغير علم لا يدل على عدم الذم في من لا يفتى بغير علم، (خلاف الظاهر) اذ ظاهر الحصر انه حقيقى، فكل من يفتى بعلم، لا بأس باخذه الجعل.

و قد تحقق الى هنا قولان.

الاول: ان من يفتى بالحق لا يجوز له اخذ الجعل.

الثاني: انه يجوز له اخذ الجعل.

(و فصّل) العلامة (فى المختلف: فجوز اخذ الجعل و الاجرة) و الفرق بينهما هو الفرق بين الاجارة و الجعالة كما ذكروه في كتب الفقه (مع حاجة القاضى) الى المال (و عدم تعيين القضاء عليه) بان لا يكون القاضى منحصرا فيه (و منعه) اى اخذ الجعل و الأجرة (مع غناه) اى عدم حاجة القاضي (او عدم الغناء عنه) بان كان القاضى منحصرا.

و المصنف ره ذكر وجه هذا التفصيل، بقوله: (و لعل اعتبار) العلامة (عدم تعين القضاء) على القاضى (لما تقرر عندهم) اى عند الفقهاء (من

ص: 217

خرمة الاجرة على الواجبات العينية.

و حاجته لا تسوّغ اخذ الاجرة عليها، و انما يجب على القاضى و غيره رفع حاجته من وجوه اخر.

و اما اعتبار الحاجة، فلظهور اختصاص ادلة المنع بصورة الاستغناء كما يظهر بالتأمل في روايتى يوسف، و عمار المتقدمتين.

______________________________

حرمة) اخذ (الاجرة على الواجبات العينية).

فاذا وجب القضاء على القاضى حرم اخذه الاجرة له.

و لا يخفى ان حال الجعل في هذه المسألة حال الاجرة لان بنائهم لزوم ان يؤتى بالعمل المعين مجانا، فلا فرق بين ان يأخذ مصلى اليومية اجرة على صلاته، او ان يأخذ جعلا.

(و) ان قلت: كيف يحرم اخذه الاجرة، و الحال ان القاضى محتاج فمن اين يمرّر معاشه.

قلت: (حاجته) اى احتياج القاضى (لا تسوّغ اخذ الاجرة عليها) اى على فتاواه في القضاء (و انما يجب على القاضى و غيره) ممن يؤدى الواجبات العينية مع حاجته (رفع حاجته من وجوه اخر) كالخمس و الزكات

(و اما اعتبار) العلامة (الحاجة) فى جواز اخذ القاضى الاجرة (فلظهور اختصاص ادلة المنع) اى الروايات التى تقدمت مما دلّت على المنع من اخذ القاضى الاجرة (بصورة الاستغناء) اى غنى القاضى (كما يظهر بالتأمل في روايتى يوسف، و عمار المتقدمتين).

فان ظاهر الرشوة في رواية يوسف انها تكون بدون الاحتياج بالإضافة

ص: 218

و لا مانع من التكسب بالقضاء من جهة وجوبه الكفائى، كما هو احد الاقوال في المسألة الآتية في محلها ان شاء الله.

______________________________

الى انها اردفت مع امور غير محتاج إليها، مثل النظر الى فرج المرأة و الخيانة لاعراض الناس.

و منه يعلم وجه دلالة رواية عمار، فان اجر الفاجرة يكون غالبا مع عدم الاحتياج، فتأمل.

(و) لكن لا يخفى ان تفصيل العلامة ضعيف اذ ما ذكرناه من الوجهين لكلامه ره بقولنا «و لعل» و «اما اعتبار» غير تامين.

اذ يرد على اولهما انه (لا مانع من التكسب بالقضاء من جهة وجوبه) «من» متعلق «بمانع» اى وجوب القضاء لا يمنع التكسب بالقضاء.

فان الوجوب (الكفائى) لا يمنع التكسب (كما هو احد الاقوال في المسألة) اى مسئلة جواز اخذ الاجرة على الواجبات (الآتية في محلها ان شاء الله) تعالى.

ثم ان المصنف لم يذكر ردّ التعليل الثاني للعلامة، اى قوله «و اما اعتبار الحاجة» اكتفاء بما تقدم، من كون «الادلة تمنع الرشوة مطلقا لا في خصوص صورة غنا القاضى».

لكن المنع انما هو فيما اذا كان الحكم بالباطل.

و لا تمنع الادلة الرشوة فيما اذا كان حكمه بحق.

ثم ان المصنف بعد ان ذكر مسئلة الأجرة في قبال القضاء بالحق، اراد ان يذكر سائر العناوين التى تكون في قبال القضاء بقوله:

ص: 219

و اما الارتزاق من بيت المال فلا اشكال في جوازه للقاضى مع حاجته بل مطلقا، اذا رأى الامام المصلحة فيه، لما سيجي ء من الاخبار الواردة في مصارف الاراضى الخراجية.

و يدل عليه: ما كتبه امير المؤمنين عليه السلام، الى مالك الاشتر من قوله عليه السلام: و افسح له، اى للقاضى بالبذل ما يزيح علّته و يقل معه حاجته الى الناس

______________________________

(و اما الارتزاق من بيت المال) بان يكون القاضى كسائر موظفى الدولة يعطى له من بيت المال (فلا اشكال في جوازه للقاضى مع حاجته) للاصل و دلالة الادلة على جوازه (بل مطلقا) و ان لم يكن محتاجا (اذا رأى الامام المصلحة فيه) لوضوح انه اذا لم ير الامام المصلحة فلا يعطى من بيت المال.

و انما قلنا: بجواز الارتزاق (لما سيجي ء من الاخبار الواردة في مصارف الاراضى الخراجية) من ان رزق القاضى على بيت المال، فانه معدّ لكل مصالح المسلمين، و منها رزق القاضى.

(و يدل عليه) اى على جواز رزقه من بيت المال (ما كتبه امير المؤمنين عليه السلام: الى مالك الاشتر) حين ولّاه مصرفى عهده المعروف (من قوله عليه السلام: و افسح له، اى للقاضى بالبذل) و العطاء (ما يزيح) اى يزيل (علّته) اى حاجته، فان الحاجة علة لكثير من المعاصى و الآثام (و يقلّ معه) حاجته اى مع بذلك له (حاجته الى الناس).

و انما قال عليه السلام «يقل» و لم يقل «يزول» لان الحاجة لا تزول

ص: 220

و لا فرق بين ان يأخذ الرزق من السلطان العادل، او من الجائر لما سيجي ء من حلية بيت المال لاهله، و لو خرج من يد الجائر.

______________________________

فان نهمة النفس الى المال، لا تزول مهما كان للانسان من ثروة.

ثم لا يخفى: ان عهد الامام عليه السلام الى مالك الاشتر من افخر مفاخر الاسلام، لكن لا ينفع كتابته و طبعه و قراءته و الافتخار ما لم يضعه المسلم موضع التنفيذ، فان مثل هذا العهد، مثل الماء النازل من السماء يحتاج الى مدّ السواقى و الجد اوّل له، بالإضافة الى احتياجه الى الزرع بسببه حتى يعطى الثمار المطلوبة.

و عهد الامام عليه السلام هكذا بحاجة الى استخراج الفروع منه، و جعل الضوابط و الخطوط البارزة لما بينه الامام عليه السلام من الخطوط العامة في العهد، حتى يمكن ان تستفاد منه حكومة عصرية تعطى حاجات العصر بنحو افضل، مما تعطى سائر المبادئ و المذاهب السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، هذا في الجانب العلمى ثم يأتى الدور الاهم و هو: الجانب العملى، بالسعى لتطبيق ذلك في الحياة.

و من المعلوم ان السعى يلزم ان يكون مناسبا لحجم المهمة و اللّه المستعان.

(و لا فرق بين ان يأخذ الرزق من السلطان العادل، او من الجائر).

اما العادل فواضح، و اما الجائر، ف (لما سيجي ء من حلية بيت المال لاهله، و لو خرج من يد الجائر) فان ما يملكه الانسان يصبح حراما اذا مرّ في يد غاصبة.

ص: 221

و اما ما تقدم في صحيحة ابن سنان من المنع من اخذ الرزق من السلطان، فقد عرفت الحال فيه.

و اما الهدية و هى ما يبذله على وجه الهبة ليورث المودة الموجبة للحكم له حقا كان، او باطلا، و ان لم يقصد المبذول له الحكم الا بالحق اذا عرف و لو من القرائن: ان الباذل قصد الحكم له على كل تقدير،

______________________________

(و اما ما تقدم في صحيحة ابن سنان من المنع من اخذ الرزق من) يد (السلطان، فقد عرفت الحال فيه) و انه حيث لا يكون المنصوب اهلا للقضاء، الى آخر ما تقدم في توجيه الرواية.

(و اما الهدية) التى تبذل للقاضى- و هى القسم الرابع، اذ قد تقدم الاجرة و الجعل و الرزق- (و هى ما يبذله على وجه الهبة).

و الفرق بين الهدية و الهبة: ان الاول هبة فيها نوع اكرام (ليورث المودة الموجبة للحكم له حقا، كان) الحكم (او باطلا) بان كان قصد الباذل الوصلة الى مقصده (و ان لم يقصد المبذول له) و هو الحاكم الآخذ للهدية (الحكم الا بالحق) فالظاهر حرمته من جهة قصد الباذل (اذا عرف) الحاكم (و لو من القرائن: ان الباذل قصد الحكم له على كل تقدير) باطلا او حقا.

و انما شرط المصنف الحرمة بقوله: اذا، لانه اذا لم يعرف الحاكم ذلك- و ان احتمله- فانه لا بأس باخذها، لاصالة الصحة في فعل المسلم، بل في فعل كل انسان، و لو كان كافرا، لانه اصل عقلائى لم يردع عنه الشارع، بل بالنسبة الى فعل المسلم فرده بقوله عليه السلام: ضع

ص: 222

فيكون الفرق بينها و بين الرشوة، ان الرشوة تبذل لاجل الحكم و الهدية تبذل لإيراث الحب المحرك له على الحكم، على وفق مطلبه فالظاهر حرمتها، لانها رشوة، او بحكمها بتنقيح المناط.

و عليه يحمل ما تقدم من قول امير المؤمنين عليه السلام: و ان اخذ، يعنى الوالى هدية، كان غلولا، و ما ورد من ان هدايا العمال غلول، و في آخر، سحت، و عن عيون الاخبار عن مولانا ابى الحسن الرضا عليه السلام عن امير المؤمنين عليه السلام، في تفسير قوله تعالى: أَكّٰالُونَ لِلسُّحْتِ

______________________________

امر اخيك على احسنه (فيكون الفرق بينها و بين الرشوة، ان الرشوة تبذل لاجل الحكم) فكانها في قبال الحكم (و الهدية تبذل لإيراث الحب المحرك له) اى للحاكم (على الحكم، على وفق مطلبه) اى مطلب الباذل.

قوله (فالظاهر حرمتها) جواب «و اما الهدية» و قد ذكرنا الجواب نحن قبل اسطر إيضاحا للمطلب، بدون فصل طويل (لانها رشوة) عرفا فتشملها ادلة الرشوة (او بحكمها بتنقيح المناط) اذ لا يرى العرف فرقا بين الامرين.

(و عليه) اى على هذا النحو من الهدية (يحمل ما تقدم من قول امير المؤمنين عليه السلام) فى رواية اصبغ (و ان اخذ، يعنى الوالى هدية، كان غلولا، و ما ورد) فى حديث آخر (من ان هدايا العمال غلول، و في) حديث (آخر) انها (سحت، و) روى (عن عيون الاخبار) لمؤلفه الصدوق (عن مولانا ابى الحسن الرضا عليه السلام، عن امير المؤمنين عليه السلام في تفسير قوله تعالى: أَكّٰالُونَ لِلسُّحْتِ) حيث ذم اللّه سبحانه قوما من

ص: 223

قال هو الرجل يقضى لاخيه حاجته، ثم يقبل هديته.

و للرواية توجيهات، تكون الرواية على بعضها محمولة على ظاهرها من التحريم، و على بعضها محمولة على المبالغة في رجحان التجنب عن قبول الهدايا من اهل الحاجة إليه، لئلا يقع في الرشوة يوما.

و هل يحرم الرشوة في غير الحكم بناء على صدقها،

______________________________

علماء الاديان السابقة (قال) عليه السلام: (هو الرجل يقضى لاخيه حاجته، ثم يقبل هديته) فانها تحمل على المعنى الّذي ذكرناه للهدية، و الا لا تكون الهدية حراما، بلا اشكال.

(و) لا يخفى: ان (للرواية توجيهات) متعددة (تكون الرواية على بعضها) اى بعض تلك التوجيهات (محمولة على ظاهرها من التحريم) كما اذا كان من قبيل هدية العمال، و قد تقدم انها غلول (و على بعضها محمولة على المبالغة في رجحان التجنب عن قبول الهدايا من اهل الحاجة إليه، لئلا يقع في الرشوة يوما) و هو ما اذا قلنا: ان المراد اخذ الهدية التى يخشى ان تنتهى الى الرشوة، و على بعضها محمولة على الكراهة العادية و هو ما اذا حمل على الأخذ للهدية لانه نوع من افساد العمل.

فما كان لله لا ينبغى ان يؤخذ في قباله شي ء، فهو مثل ان يصلى ثم يأخذ الهدية على صلاته.

(و هل يحرم الرشوة في غير الحكم) سواء كان ذلك العمل واجبا على المرتشى، أم لم يكن واجبا (بناء على صدقها) اى الرشوة على غير

ص: 224

كما يظهر مما تقدم عن المصباح و النهاية، كان يبذل له مالا، على ان يصلح امره عند الامير، فان كان امره منحصرا في المحرم، مشتركا بينه، و بين المحلل لكن بذل على اصلاحه حراما، او حلالا، فالظاهر حرمته، لا لاجل الرشوة لعدم الدليل عليه عدا بعض الاطلاقات المنصرف الى الرشا في الحكم، بل لانه اكل للمال بالباطل، فتكون الحرمة هنا لاجل الفساد،

______________________________

الحكم أيضا.

اما بناء على عدم صدقها موضوعا، فلا تشملها ادلة التحريم (كما يظهر) صدقها (مما تقدم عن المصباح و النهاية) حيث عرفا الرشوة بما يشمل غير الحكم أيضا (كان يبذل له) اى لمن يعمل (مالا، على ان يصلح امره عند الامير) واجبا كان ذلك، بان كان دفعا للظالم الّذي يريد ظلمه، فان دفع المنكر للقادر واجب، أم لا.

كما اذا اراد ارضا من الامير للتجارة و الاسترباح (فان كان امره منحصرا في المحرم) مثل ان يجيز له في بيع الخمر (او مشتركا بينه، و بين المحلل) مثل تحصيل رخصة للبناء (لكن بذل على اصلاحه حراما، او حلالا) رخصة يصلح بها ان يبنى مخمرا او مخبزا (فالظاهر حرمته لا لاجل) انه (الرشوة).

و انما قلنا: لا (لعدم الدليل عليه) اى على تحريم هذا النحو من الرشوة (عدا بعض الاطلاقات) المتقدمة (المنصرف الى الرشا في الحكم).

و مراده ببعض الاطلاقات ما تقدم من النهاية و المصباح، بل و ما تقدم عن مجمع البحرين (بل) حرمته انما هى (لانه اكل للمال بالباطل، فتكون الحرمة هنا لاجل الفساد) فيدخل في رواية تحف العقول فالاعطاء

ص: 225

فلا يحرم القبض في نفسه، و انما يحرم التصرف، لانه باق على ملك الغير.

نعم: يمكن ان يستدل على حرمته بفحوى اطلاق ما تقدم في هدية الولاة و العمال.

و اما بذل المال على وجه الهدية الموجبة لقضاء الحاجة المباحة، فلا حظر فيه، كما يدل عليه ما ورد في ان الرجل يبذل الرشوة ليتحرك من منزله ليسكنه، قال لا بأس و المراد المنزل المشترك كالمدرسة و المسجد و السوق

______________________________

حرام، لانه اعانة على الفساد، و عليه: فالقبض حرام أيضا.

لكن المصنف قال: (فلا يحرم القبض في نفسه، و انما يحرم التصرف، لانه باق على ملك الغير) فيشمله قوله تعالى: لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ.*

(نعم: يمكن ان يستدل على حرمته بفحوى اطلاق ما تقدم في هدية الولاة و العمال) فانها اذا كانت محرمة مع انها للحلال، فالاولى حرمة ما نحن فيه بعد اذا كان العمل منحصرا في الحرام، او اعطاه لاجل ان يصلحه حراما كان او حلالا- كما لا يخفى-.

(و اما بذل المال على وجه الهدية الموجبة لقضاء الحاجة المباحة) و هو القسم الثالث لقوله: فان كان منحصرا في المحرم، (فلا حظر فيه) اى لا منع شرعا، للاصل (كما يدل عليه ما ورد في ان الرجل يبذل الرشوة ليتحرك من منزله ليسكنه، قال) عليه السلام: (لا بأس).

و المراد: المنزل الّذي يريد ايجاره اى اشترائه فيما كان للمستأجر السابق الحق في ان لا يخليها، ا (و المراد المنزل المشترك كالمدرسة و المسجد و السوق

ص: 226

و نحوها.

و مما يدل على التفصيل في الرشوة، بين الحاجة المحرمة، و غيرها، رواية الصيرفى، قال سمعت أبا الحسن عليه السلام، و سأله حفص الاعور، فقال: ان عمال السلطان يشترون منا القرب و الأدوات فيوكلون الوكيل حتى يستوفيه منا فرشوه حتى لا يظلمنا فقال: لا بأس بما تصلح به مالك، ثم سكت ساعة، ثم قال: اذا انت رشوته يأخذ منك اقل من الشرط.

______________________________

و نحوها).

اما اذا لم يحق للساكن السكنى، فاخذه المال في قبال الاخلاء حرام لانه اكل للمال بالباطل.

(و مما يدل على التفصيل في الرشوة، بين الحاجة المحرمة) فالرشوة حرام (و غيرها) فالرشوة حلال (رواية الصيرفى، قال سمعت أبا الحسن) موسى ابن جعفر (عليه السلام) فان أبا الحسن «المطلق» هو الامام الكاظم، و الثاني الرضا عليه السلام، و الثالث الهادى عليه السلام.

نعم في السنة الخطباء و تواريخ الرسول هو الامام امير المؤمنين عليه السلام (و سأله حفص الاعور، فقال: ان عمال السلطان يشترون منا القرب و الأدوات فيوكلون الوكيل حتى يستوفيه منا) يعطينا الثمن، و يأخذ المثمن (فرشوه) اى اعطى عمالى للوكيل الرشوة (حتى لا يظلمنا) فلا يعطينا الاقل من حقنا، و لا يأخذ منا الأكثر من حقه (فقال) عليه السلام (لا بأس بما تصلح به مالك، ثم سكت) عليه السلام (ساعة، ثم قال: اذا انت رشوته يأخذ منك اقل من الشرط) المراد بالشرط القدر المقرّر من

ص: 227

قلت: نعم، قال فسدت رشوتك.

و مما يعد من الرشوة، او يلحق بها المعاملة المشتملة على المحابات كبيعه من القاضى ما يساوى عشرة دراهم بدرهم، فان لم يقصد من المعاملة الا المحابات التى في ضمنها، او قصد المعاملة، لكن جعل المحابات لاجل الحكم له بان كان الحكم له من قبيل ما تواطيا عليه من الشروط غير المصرح بها في العقد، فهى الرشوة،

______________________________

المثمن، او يأخذ منه دون الصفة المشترطة.

(قلت: نعم، قال) عليه السلام: قد (فسدت رشوتك).

و الظاهر ان فساد الرشوة فيما اذا لم يكن له في بيت المال حق قد ظلمه السلطان بعدم اعطائه له، و الا كان له الحق في ذلك المقدار اقتصاصا.

و حيث ذكر المصنف حكم الرشوة، و الهدية و نحوهما بيّن حكم قسم آخر، فقال:

(و مما يعد من الرشوة، او يلحق بها) حكما لوحدة المناط (المعاملة المشتملة على المحابات، كبيعه من القاضى ما يساوى عشرة دراهم بدرهم) او اشترائه من القاضى ما يساوى درهما بعشرة دراهم.

و كذلك صلحه معه و جعالته له، الى غير ذلك من صنوف المعاملات (فان لم يقصد من المعاملة الا المحابات التى في ضمنها) بحيث لو لا المحابات لم يعامل اصلا (او قصد المعاملة، لكن جعل المحابات لاجل الحكم له) و ذلك (بان كان الحكم له من قبيل ما تواطيا عليه من الشروط) الضمنية (غير المصرح بها في العقد، فهى الرشوة).

ص: 228

و ان قصد اصل المعاملة، و حابى فيها، لجلب قلب القاضى فهو كالهدية ملحقة بالرشوة.

و في فساد المعاملة المحابى فيها، وجه قوى.

ثم ان كلما حكم بحرمة اخذه، وجب على الآخذ ردّه، و ردّ بدله مع التلف اذا قصد مقابلته بالحكم، كالجعل و الأجرة حيث حكم بتحريمهما، و كذا الرشوة، لانها حقيقة جعل

______________________________

و يدل على ذلك تسمية العرف لها بالرشوة، فيشملها دليل حرمة الرشوة (و ان قصد اصل المعاملة، و) لكن (حابى فيها، لجلب قلب القاضى فهو كالهدية) التى تقدم الكلام فيها (ملحقة بالرشوة) فى الحرمة عطاء و اخذا.

(و في فساد المعاملة المحابى فيها، وجه قوى) لانه من اكل المال بالباطل.

و لا يخفى ان اضافة القاضى و الاحسان الى ولده، و ذويه، و العمل في داره ببناء و نحوه مجانا، او شبه المجان الى غير ذلك، كلها داخلة في الرشوة على التفصيل المتقدم.

(ثم ان كلما حكم بحرمة اخذه، وجب على) القاضى (الآخذ ردّه) ان كان موجودا (و ردّ بدله مع التلف) لقاعدة ضمان اليد (اذا قصد) المعطى (مقابلته) اى مقابلة ما اعطاه (بالحكم) بان اعطاه في قبال الحكم (كالجعل) للقاضى (و الأجرة) له (حيث) اى في اىّ مكان (حكم بتحريمهما و كذا) اللازم ردّ عين او بدل (الرشوة، لانها) اى الرشوة (حقيقة جعل

ص: 229

على الباطل.

و لذا فسرها في القاموس بالجعل، و لو لم يقصد بها المقابلة، بل اعطى مجانا، ليكون داعيا على الحكم، و هو المسمى بالهدية، فالظاهر عدم ضمانه، لان مرجعه الى هبة مجانية فاسدة، اذ الداعى لا يعد عوضا، و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

______________________________

على الباطل) فلا يصح عطائه و أخذه.

(و لذا فسرها) اى الرشوة (فى القاموس بالجعل) لان الرشوة نوع جعل أيضا- هذا كله اذا قصد المقابلة بالحكم- (و لو لم يقصد بها المقابلة، بل اعطى) الرشوة (مجانا، ليكون داعيا على الحكم، و هو المسمى بالهدية) كما تقدم من انها لجلب قلب القاضى (فالظاهر عدم ضمانه، لان مرجعه الى هبة مجانية فاسدة).

و انما كانت مجانية (اذ الداعى) اى ما يطلبه من القاضى (لا يعد عوضا) حتى اذا كان العوض فاسدا يكون المعوض باقيا على ملك المعطى.

و اذا تحقق انها هدية فاسدة قلنا: (و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده) كما تحقق في محله.

فكما ان الهبة الصحيحة لا يضمن آخذها، كذلك الهبة الفاسدة لا يضمن آخذها.

لكن لا يخفى ان عينها لو كانت موجودة، كان له اخذها، كما له اخذ كل هبة، بل يحتمل ان له الاخذ حتى فيما اذا كان من مستثنيات اخذ الهبة، كالمتصرف فيها، و القريب، لانصراف ادلة المستثنيات عن المقام.

ص: 230

و كونها من السحت، انما يدل على حرمة الاخذ، لا على الضمان.

و عموم على اليد مختص بغير اليد المتفرعة على التسليط المجانى.

و لذا لا يضمن بالهبة الفاسدة في غير هذا المقام و في كلام بعض المعاصرين ان احتمال عدم الضمان في الرشوة مطلقا غير بعيد، معلّلا بتسليط المالك عليها مجّانا.

______________________________

(و) ان قلت: ان كون مثل هذا المال من السحت يقتضي ضمان الآخذ له.

قلت: (كونها من السحت، انما يدل على حرمة الاخذ لا على الضمان) بل الاصل عدم الضمان.

(و) ان قلت: ان «على اليد» دال على وجوب ردّه.

قلت: (عموم على اليد مختص بغير اليد المتفرعة على التسليط المجانى) لان اطلاق: على اليد، منصرف الى غير المجانى.

(و لذا) حيث لا يشمل المقام عموم: على اليد (لا يضمن) الآخذ (بالهبة الفاسدة في غير هذا المقام) أيضا (و في كلام بعض المعاصرين ان احتمال عدم الضمان) اى عدم ضمان الحاكم (فى الرشوة مطلقا) بمختلف اقسامها (غير بعيد، معلّلا بتسليط المالك عليها) اى على الرشوة للحاكم (مجّانا) فقد اذهب المالك احترام مال نفسه، فهو من قبيل القاء المال في الشارع، بقصد الاعراض عنه.

فكما: ان «على اليد» لا يشمل المال الملقى في الشارع اذا اخذه انسان، كذلك لا يشمل الرشوة، فان الملك موضوع عرفى قرّره الشارع،

ص: 231

قال: و لأنها تشبه المعاوضة، و ما لا يضمن بصحيحه، لا يضمن بفاسده.

و لا يخفى ما بين تعليله من التنافى.

لان شبهها بالمعاوضة يستلزم الضمان، لان المعاوضة الصحيحة توجب ضمان كل منهما ما وصل إليه بعوضه الّذي دفعه.

______________________________

فاذا ازال هذا الموضوع العرفى، و لم يكن دليل من الشرع على بقائه كان مقتضى القاعدة عدم الضمان.

(قال: و لأنها) اى الرشوة (تشبه المعاوضة) حيث انها تعطى في مقابل الحكم (و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده) اذ المعاوضة لو كانت صحيحة لم يضمن الآخذ، فكذلك فيما اذا كانت فاسدة- حسب ما عرفت-.

(و لا يخفى ما بين تعليله) لعدم الضمان (من التنافى).

اذ كون الرشوة مجانية ينافى كونها كالمعاوضة، فانها لو كانت كالمعاوضة، لم تكن مجانية، بالإضافة الى ان كونها كالمعاوضة، يستلزم الضمان- لا عدم الضمان-.

(لان شبهها بالمعاوضة يستلزم الضمان) و ذلك (لان المعاوضة الصحيحة توجب ضمان كل منهما) اى من الشخصين الذين عاوضا (ما وصل إليه بعوضه).

فالبائع ضامن للمال بمقابل المتاع.

و هنا الحاكم ضامن للرشوة بمقابل الحكم (الّذي دفعه) فكان الحاكم دفع الحكم الى الباذل في مقابل اخذه الرشوة منه.

ص: 232

فيكون مع الفساد مضمونا بعوضه الواقعى و هو المثل، او القيمة.

و ليس في المعاوضات ما لا يضمن العوض بصحيحه حتى لا يضمن بفاسده نعم قد يتحقق عدم الضمان في بعض المعاوضات بالنسبة الى غير العوض، كما ان العين المستأجرة غير مضمونة في يد المستأجر بالاجارة

______________________________

(ف) اذا كان اعطاء الرشوة كالمعاوضة (يكون مع الفساد) لاعطاء الرشوة (مضمونا) ذلك المال المعطى رشوة (بعوضه الواقعى و هو المثل) فيما اذا كانت الرشوة مثلية، كالحنطة (او القيمة) فيما اذا كانت الرشوة قيمية، كالانعام الثلاث.

و الحاصل: ان ما نحن فيه من صغريات قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» لا من صغريات قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده»

(و) ان قلت: فلتكن الرشوة من المعاوضات التى لا يضمن كل من الطرفين بصحيحها.

قلت: (ليس في المعاوضات ما لا يضمن العوض بصحيحه، حتى لا يضمن بفاسده).

اذ معنى المعاوضة المبادلة بين شيئين.

و من المعلوم ان المبادلة لا تكون الا بضمان كل جانب للآخر.

(نعم قد يتحقق عدم الضمان في بعض المعاوضات) لكن لا بالنسبة الى العوضين، بل (بالنسبة الى غير العوض، كما ان العين المستأجرة) كالدار التى آجرها زيد بمائة دينار (غير مضمونة في يد المستأجر بالاجارة) اى بسبب الاجارة، لكن العين ليست في طرف العوض، بل المنفعة

ص: 233

فربما يدعى انها غير مضمونة، اذا قبض بالاجارة الفاسدة.

لكن هذا كلام آخر.

و الكلام فعلا في ضمان العوض بالمعاوضة الفاسدة.

و التحقيق: ان كونها معاوضة، او شبيهة بها وجه لضمان العوض فيها، لا لعدم الضمان.

فروع في اختلاف الدافع و القابض.

______________________________

و هى مضمونة.

(فربما يدعى انها غير مضمونة، اذا قبض بالاجارة الفاسدة).

اذ المعاوضة وقعت بين مال الاجارة، و بين المنفعة، فالعين كما لا تضمن في الاجارة الصحيحة، كذلك لا تضمن بالاجارة الفاسدة، و انما يضمن الطرفان المنفعة و الاجرة.

(لكن هذا) الكلام و هو ضمان العين في الاجارة الفاسدة (كلام آخر) غير مربوط بقاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده».

(و الكلام فعلا) الآن (فى ضمان العوض بالمعاوضة الفاسدة).

(و) الحاصل: ان تعليل هذا المعاصر لعدم ضمان الرشوة بقاعدة:

ما لا يضمن، بكونها شبيهة بالعوض، تعليل للشي ء بضده.

اذ: (التحقيق: ان كونها) اى الرشوة (معاوضة، او شبيهة بها) اى بالمعاوضة (وجه لضمان العوض فيها، لا) انه وجه (لعدم الضمان) فتأمل جيدا.

(فروع في اختلاف الدافع) للرشوة (و القابض) اى الحاكم.

ص: 234

لو ادعى الدافع انها هدية ملحقة بالرشوة في الفساد و الحرمة و ادعى القابض انها هبة صحيحة، لداعى القربة، او غيرها احتمل تقديم الاول، لان الدافع اعرف بنيّته.

و لأصالة الضمان في اليد، اذا كانت الدعوى بعد التلف.

______________________________

(لو ادعى الدافع انها هدية ملحقة بالرشوة في الفساد) للدفع الموجب لاسترجاعها (و الحرمة) فى اكلها للآخذ (و ادعى القابض انها هبة صحيحة، لداعى القربة) الى الله تعالى (او غيرها) من سائر الدواعى الحسنة، كصلة الرحم، و مساعدة الفقير. بدون القربة.

اذ لا يشترط في الهبة القربة- كما قرر في كتاب الهبة- (احتمل تقديم الاول) اى قول الدافع (لان الدافع اعرف بنيّته).

و ربما يشكل فيه: بان اصالة الصحة مقدمة على هذه الاعرفية اذ لو اريد بالاخذ بهذه الاعرفية لزم تقديم قول كل انسان فعل شيئا يحتاج الى القصد، لدى اختلافه مع الطرف الآخر، مضافا الى انه لا دليل على حجية هذه الاعرفية.

(و لاصالة الضمان في اليد، اذا كانت الدعوى بعد التلف).

اذ قاعدة: على اليد ما اخذت، تفيد ان كل يد ضمانية الا ما خرج بالدليل و حيث لم تعلم ان المقام مما خرج، فالاصل «قاعدة اليد».

و انما قيده بما اذا كانت الدعوى بعد التلف لانه اذا كانت الدعوى قبلها كان للمعطى، اخذها مطلقا، لانها اما رشوة فاسدة، و اما هبة، و الهبة قبل التلف يصح استرجاعها.

ص: 235

و الاقوى: تقديم الثاني لانه يدعى الصحة.

و لو ادعى الدافع انها رشوة، او اجرة على المحرم و ادعى القابض كونها هبة صحيحة، احتمل انه كذلك لان الامر يدور بين الهبة الصحيحة و الاجارة الفاسدة.

و يحتمل العدم، اذ لا عقد مشترك هنا، اختلفا في صحته و فساده، فالدافع منكر، لاصل العقد الّذي يدعيه القابض، لا

______________________________

و لكن فيه، انها اذا كانت لذى رحم، او زوج، او ما اشبه، فلا يحق الاسترجاع و لو قال المصنف: فيما لو كانت الدعوى فيما لا يصح استرجاعها اذا كانت هبة، كان اولى.

(و الاقوى: تقديم الثاني) اى عدم كونها رشوة فاسدة، بل هبة صحيحة (لانه) اى الحاكم (يدعى الصحة) و اصالة الصحة محكّمة.

(و لو ادعى الدافع انها رشوة) محرّمة (او اجرة على المحرم) بان اعطيتك لاثبات باطل او ابطال حق (و ادعى القابض كونها هبة صحيحة احتمل انه كذلك).

يأتى فيه الاحتمالان السابقان من «قاعدة اليد» المقتضية للضمان و «اصالة الصحة» المقتضية لعدم الضمان، مع قوة الاحتمال الثاني (لان الامر يدور بين الهبة الصحيحة و الاجارة الفاسدة) فاصالة الصحة محكمة.

(و يحتمل العدم) بان لا يكون القول قول الحاكم (اذ لا عقد مشترك هنا، اختلفا في صحته و فساده) حتى يقال: ان قول مدعى الصحة مقدم (فالدافع منكر، لاصل العقد الّذي يدعيه القابض، لا) انه يعترف بالعقد

ص: 236

لصحته، فيحلف على عدم وقوعه.

و ليس هذا من مورد التداعى، كما لا يخفى.

و لو ادعى الدافع انها رشوة، و القابض انها هدية فاسدة، لدفع الغرم عن نفسه، بناء على ما سبق، من ان الهدية المحرمة لا يوجب الضمان.

______________________________

و ينكر (لصحته) حتى يقال: بان المقام مجرى اصالة الصحة (فيحلف على عدم وقوعه) اى عدم وقوع العقد، فتكون حينئذ هبة، و يصح الرجوع في الهبة اذا لم تكن مما لا يصح الرجوع فيها.

(و ليس هذا) المقام (من مورد التداعى، كما لا يخفى).

وجه احتمال التداعى، ان الباذل يدعى انه رشوة لا هبة و القاضى يدعى انه هبة لا رشوة فاللازم التحالف، ثم الرجوع الى اصالة الصحة.

و وجه عدم كونه تداعيا انه انما يكون تداعيا اذا لم يكن مع احدهما الاصل- كما لو ادعى احدهما البيع و الآخر الرهن-.

اما لو كان الاصل موجودا مع احدهما كما في ما نحن فيه، فليس الباب من التداعى.

(و لو ادعى الدافع انها رشوة، و القابض انها هدية فاسدة) و انما يدعى الدافع انها رشوة ليكون له الحق في الاسترجاع، و يدعى القابض انها هدية فاسدة (لدفع الغرم عن نفسه، بناء على ما سبق، من ان الهدية المحرمة لا يوجب الضمان) لقاعدة: ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

ص: 237

ففى تقديم الاول، لاصالة الضمان في اليد.

او الآخر، لاصالة عدم سبب الضمان و منع اصالة الضمان.

وجهان، أقواهما: الاول، لان عموم خبر: على اليد، يقضى بالضمان الا مع تسليط المالك مجّانا، و الاصل عدم تحققه.

و هذا حاكم على اصالة عدم سبب الضمان، فافهم.

______________________________

(ففى تقديم الاول، لاصالة الضمان في اليد) لقاعدة: على اليد ما اخذت حتى تؤدى.

فكل مورد شك في الخروج عن هذه القاعدة كانت الاصالة محكمة.

(او الآخر لاصالة عدم سبب الضمان و منع اصالة الضمان) اذ الضمان شي ء خلاف الاصل.

فكلما شك فيه، كان الاصل عدمه.

(وجهان، أقواهما: الاول) اى الضمان (لان عموم خبر: على اليد، يقضى بالضمان، الا مع تسليط المالك) للقابض (مجّانا و الاصل عدم تحققه) اى التسليط المجانى.

(و هذا) الاصل (حاكم على اصالة عدم سبب الضمان، فافهم) لعله اشارة الى ان بعد تحقق التسليط يشك في انه كان مجانيا او بمقابل، و حيث ان المقابلة مئونة زائدة، كان الاصل عدمها.

ثم: انه لو اخذ القاضى، او الدال، او العامل، الهدايا المحلّلة فهل للامام ان يأخذها منه أم لا؟ احتمالان:

من ان الشي ء انما قدم للوالى و اخويه، فهو المالك و ليس للامام ان

ص: 238

..........

______________________________

ينزع مالهم عن ايديهم.

و من: ان الشرط الضمنى ان الولاية او القضاء او العمالة بمقابل ما يعطيه الامام و ان كلّما عدا ذلك فهو للامام، فالمال و ان اهدى إليهم لكنه حسب الشرط الضمنى عمال رسول الله صلى الله عليه و آله جاءوا إليه، و جاءوا بالاموال يقسمونها قائلين هذا لكم و هذا لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: ما بال العامل نبعثه على اعمالنا، يقول: هذا لكم و هذا اهدى الى، فهلا جلس في قعر بيته، او بيت ابيه، او بيت أمه ينظر أ يهدى إليه أم لا؟.

و الّذي نفسى بيده لا يأخذ احد منها شيئا إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته، الحديث، و تفصيل الكلام في ذلك موكول الى محله.

ص: 239

التاسعة سبّ المؤمنين حرام،

في الجملة، بالأدلّة الاربعة لانه ظلم، و ايذاء و اذلال.

ففى رواية ابى بصير عن ابى جعفر عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: سباب المؤمن فسوق، و قتاله كفر، و اكل لحمه معصية، و حرمة

______________________________

المسألة (التاسعة) مما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرّما في نفسه (سبّ المؤمنين) و هو (حرام، في الجملة، بالأدلّة الاربعة).

اما من الكتاب فقوله تعالى: وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، فان السبّ من اظهر مصاديق قول الزور.

و اما من العقل فلاستقلال العقل بقبح الظلم و من مصاديق الظلم السبّ و اما الاجماع فانه لا خلاف بين العلماء كافة في ذلك و (لانه ظلم، و ايذاء، و اذلال) و اهانة و تحقير و مورث للعداوة، الى غيرها من العناوين المحرمة و اما من السنة فمتواتر الروايات.

(ففى رواية ابى بصير عن ابى جعفر عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: سباب المؤمن فسوق) اى خروج عن طاعة الله فان الفسق بمعنى الخروج (و قتاله كفر) تقدم ان المراد بالكفر في مثل هذه الاحاديث الكفر العملى، و غالبا ما يطلق على المعصية الشديدة، و ان كانت كل معصية كفرا بهذا المعنى (و اكل لحمه) بالغيبة (معصية، و حرمة

ص: 240

ماله كحرمة دمه.

و في رواية السكونى، عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: سباب المؤمن كالمشرف على الهلكة.

و في رواية ابى بصير عن ابى جعفر عليه السلام، قال: جاء رجل من تميم الى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال له: اوصنى فكان فيما اوصاه لا تسبوا، فتكتسبوا العداوة.

و في رواية ابن الحجاج، عن ابى الحسن عليه السلام:

______________________________

ماله كحرمة دمه).

فكما لا يجوز اراقة دم المؤمن، كذلك لا يجوز التصرف في ماله بدون اذنه.

(و في رواية السكونى، عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: سباب المؤمن كالمشرف على الهلكة) سباب صيغة مبالغة على وزن فعال.

(و في رواية ابى بصير عن ابى جعفر عليه السلام، قال: جاء رجل من تميم الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال له: اوصنى، فكان فيما اوصاه) الرسول صلّى اللّه عليه و آله (لا تسبوا، فتكتسبوا العداوة) فان السب يوجب العداوة بين طائفة الساب و المسبوب- كما لا يخفى-.

(و في رواية ابن الحجاج، عن ابى الحسن عليه السلام) اى موسى بن جعفر عليه السلام.

فان أبا الحسن المطلق و أبا الحسن الاول، يراد به الكاظم عليه السلام.

ص: 241

فى الرجلين يتسابان، قال: البادى منهما اظلم، و وزره على صاحبه «و وزر صاحبه عليه» ما لم يعتذر الى المظلوم.

و في مرجع الضمائر اغتشاش، و يمكن الخطأ من الراوى.

و المراد- و اللّه اعلم-: ان مثل وزر صاحبه عليه لإيقاعه اياه في السب من غير ان يخفف عن صاحبه شي ء.

______________________________

و أبا الحسن الثاني يراد به الرضا عليه السلام.

و أبا الحسن الثالث عليه السلام يراد به الهادى عليه السلام.

اما اطلاقه على امير المؤمنين، عليه السلام، فذلك يحتاج الى القرينة (فى الرجلين يتسابان، قال) عليه السلام (البادى) اى الّذي ابتدأ (منهما اظلم) لانه ساب، و سبب لسب انسان آخر (و وزره على صاحبه) الظاهر ان معناه: وزر سب الثاني للبادى، على البادى.

و في بعض النسخ «وزر صاحبه عليه» (ما لم يعتذر) البادى (الى المظلوم) الّذي ظلمه بسبه له أولا، فاذا اعتذر حتى غفر له المسبوب، و استغفر اللّه تعالى، طهر عن ذنبه، هذا هو المعنى المفهوم من الرواية عرفا.

(و في مرجع الضمائر) «وزره» و «صاحبه» و «يعتذر» (اغتشاش، و يمكن الخطأ من الراوى) فى هذا التعبير الموجب للاغتشاش في مرجع الضمائر.

(و المراد- و اللّه اعلم-: ان مثل وزر صاحبه) المسبوب (عليه) اى على الساب (لإيقاعه اياه في السب) فان البادئ هو الّذي اوقع المسبوب في السب (من غير ان يخفف) تحمل الساب لوزر المسبوب (عن صاحبه شي ء) بل للمسبوب وزر واحد، و للساب وزران.

ص: 242

فاذا اعتذر الى المظلوم، عن سبه و ايقاعه اياه في السب، برء من الوزرين.

ثم ان المرجع في السب الى العرف، و فسره في جامع المقاصد باسناده ما يقتضي نقصه إليه مثل: الوضيع، و الناقص.

و في كلام بعض آخر: ان السب و الشتم بمعنى واحد.

و في كلام ثالث: ان السب ان تصف الشخص بما هو ازراء و نقص، فيدخل في النقص كلما يوجب الاذى كالقذف،

______________________________

(فاذا اعتذر) الساب (الى المظلوم، عن سبه) له (و) عن (ايقاعه اياه في السب، برء من الوزرين) وزر السب، و وزر ايقاع الغير في السب.

اقول: و من المحتمل ان لا يكون للمسبوب وزر في سبه للبادئ- كما افتى بذلك جمع- تمسكا بإطلاق قوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ.

(ثم ان المرجع في السب الى العرف، و فسره في جامع المقاصد باسناده) اى اسناد الساب (ما يقتضي نقصه) اى نقص المسبوب (إليه) و ذلك السب (مثل: الوضيع، و الناقص) و ما اشبه.

(و في كلام بعض آخر: ان السب و الشتم بمعنى واحد) قال في مجمع البحرين، السب: الشتم، و مثله السباب بالكسر، و خفة الموحدة انتهى.

(و في كلام ثالث: ان السب ان تصف الشخص بما هو ازراء و نقص، فيدخل في النقص كلما يوجب الاذى كالقذف) بان ينسب إليه الزنا، و

ص: 243

و الحقير، و الوضيع، و الكلب، و الكافر، و المرتد، و التعيير بشي ء من بلاء اللّه تعالى، كالاجذم و الابرص.

ثم الظاهر: انه لا يعتبر في صدق السب مواجهة المسبوب.

نعم يعتبر فيه قصد الاهانة و النقص، فالنسبة بينه و بين الغيبة،

______________________________

اللواط، و ما اشبه، او ينسب الى احد المربوطين به، نحو يا زاني، و يا لوطى و يا ابن الزنا، و ما اشبه.

و في بعض النسخ، كالقذى، مكان: القذف، و المعنى: ان يقال:

له يا قذى، كانه من فرط اذيته قطعة من القذى من باب زيد عدل (و الحقير و الوضيع، و الكلب، و الكافر، و المرتد، و) ما اشبه، او (التعيير) و الملامة (بشي ء من بلاء اللّه تعالى، كالاجذم و الابرص) او ما صنع به من القبيح او التشويه حقيقة كالملوط، و الاشتر، او ما اشبه ذلك، مما يعد في العرف سبا، و ان كان له حقيقة.

(ثم الظاهر: انه لا يعتبر في صدق السب) عرفا الّذي هو ميزان الحرمة شرعا (مواجهة المسبوب) فاذا سب انسان غائبا، صدق السب.

نعم: الظاهر انه يعتبر فيه المواجهة في الجملة، فلو سب زيدا- في داره الخالية- بحيث لم يسمعه احد، و لا يسمعه احدا فيما بعد لم يكن سبا، لانصراف الادلة عنه.

نعم اذا كانت مسجّلة تسجلّه عدّ سبّا.

(نعم يعتبر فيه قصد الاهانة و النقص، فالنسبة بينه) اى بين السب (و بين الغيبة،

ص: 244

عموم من وجه.

و الظاهر تعدد العقاب في مادة الاجتماع، لان مجرد ذكر الشخص بما يكرهه لو سمعه- و لو لا لقصد الاهانة- غيبة محرمة، و الاهانة محرم آخر.

ثم: انه يستثنى من المؤمن المتظاهر بالفسق، لما سيجي ء في الغيبة من: انه لا حرمة له.

______________________________

عموم من وجه).

فان التنقيص مواجهة، سب لا غيبة.

و ذكر الشخص بما لا يرضاه في غيابه بدون تنقيص او اهانة، غيبة لا سب.

و ذكره بظهر الغيب بالتنقيص سب و غيبة.

لكن لا يبعد وحدة العقاب، و ان تعدد الملاك في المجمع بينهما.

(و) اما قول المصنف: (الظاهر تعدد العقاب في مادة الاجتماع، لان مجرد ذكر الشخص بما يكرهه لو سمعه- و لو لا لقصد الاهانة- غيبة محرمة، و الاهانة محرم آخر) خلاف المتفاهم عرفا، و إلا لزم تكثر العقاب لانه غيبة، و اهانة و سب، و اذلال، و تحقير و تنقيص، و تعاون على الأثم، الى غيرها من العناوين المحرمة.

و لا اظن ان يلتزم بذلك احد، و على كل حال فالمسألة كلامية لا فقهية، و المرجع فيها العرف.

(ثم: انه يستثنى من المؤمن المتظاهر بالفسق، كما سيجي ء في) باب (الغيبة، من: انه لا حرمة له) فيجوز سبه، كما تجوز غيبته، بالنسبة الى

ص: 245

و هل يعتبر في جواز سبّه كونه من باب النهى عن المنكر؟ فيشترط بشروطه، أم لا؟ ظاهر النصوص و الفتاوى- كما في الروضة- الثاني.

و الاحوط الاول.

و يستثنى منه المبتدع أيضا، لقوله صلى الله عليه و آله: اذا رأيتم اهل البدع من بعدى فاظهروا البراءة منهم و اكثروا من سبّهم و الوقيعة فيهم.

______________________________

الفسق المتظاهر فيه.

كان يقول له: يا خمار، او يا زانى- اذا كان يرتكب احد العملين بلا خفاء- بل يجوز سبّه و سب المنتسب إليه، اذا كانا فاسقين كما قال حبيب ابن مظاهر ره لذلك الفاسق: يا ابن الخمارة و ما اشبه.

(و هل يعتبر في جواز سبّه) حين كان متظاهرا (كونه من باب النهى عن المنكر فيشترط بشروطه) المذكورة في باب النهى عن المنكر، من احتمال التأثير، و ما اشبه (أم لا) يشترط، بل يجوز سبّه مطلقا- باستثناء خوف الضرر-.

ف (ظاهر النصوص و الفتاوى- كما في الروضة-) للشهيد الثاني (الثاني) فيجوز السبّ مطلقا.

(و الاحوط الاول) الا في مثل ما تقدم عن حبيب بن المظاهر رضوان الله عليه، و ما اشبه، فانه لا اشكال في جوازه مطلقا.

(و يستثنى منه) اى من حرمة السبّ (المبتدع أيضا، لقوله صلى الله عليه و آله: اذا رأيتم اهل البدع من بعدى فاظهروا البراءة منهم، و اكثروا من سبّهم، و الوقيعة فيهم)

ص: 246

و يمكن ان يستثنى من ذلك ما اذا لم يتأثر المسبوب عرفا بان لا يوجب قول هذا القائل في حقه: مذلة و لا نقصا، كقول الوالد لولده او السيد لعبده- عند مشاهدة ما يكرهه-: يا حمار، و عند غيظه يا خبيث، و نحو ذلك سواء لم يتأثر بذلك، بان لم يكرهه اصلا او تأثر به بناء على ان العبرة بحصول الذل و النقص فيه عرفا.

______________________________

و الظاهر انه لا يخص المسلم المبتدع، بل يعم غير المسلم.

و لكن هل يجوز سبّ غير المسلم مطلقا او المبتدع و ذو النشاط منهم؟

و هل يجوز سبّ اتباع المبتدع الذين لا بدعة و لا نشاط لهم الآن؟

للمسألة صور، و فيها وجوه.

(و يمكن ان يستثنى من ذلك) السب المحرم أيضا (ما اذا لم يتأثر المسبوب عرفا بان لا يوجب قول هذا القائل في حقه: مذلة و لا نقصا، كقول الوالد لولده او السيد لعبده- عند مشاهدة ما يكرهه-: يا حمار، و عند غيظه) و غضبه منه (يا خبيث و نحو ذلك) من الفاظ السباب، نحو: يا احمق، و يا مجنون، و يا سفيه (سواء لم يتأثر بذلك، بان لم يكرهه اصلا) كما هو المتعارف عند صفاء القلوب (او تأثر به).

و انما يجوز مع تأثره (بناء على ان العبرة بحصول الذل و النقص فيه عرفا).

و انما نقول: بالاستثناء، لانصراف ادلة الحرمة عن مثل ذلك.

لكن الظاهر: لزوم القول بإطلاق الحرمة، الا في صورة الرضا، اذ لا يبعد فهم العرف من ادلة الحرمة صورة الكراهة.

ص: 247

و يشكل الثاني بعموم ادلة حرمة الايذاء.

نعم: لو قال السيد ذلك في مقام التأديب، جاز لفحوى جواز الضرب و اما الوالد فيمكن استفادة الجواز في حقه مما ورد من مثل قولهم عليهم السلام: انت و مالك لابيك، فتأمل.

مضافا الى استمرار السيرة بذلك، الا ان يقال: ان استمرار السيرة، انما هو مع عدم تأثر السامع، و تأذيه بذلك.

______________________________

و مع ذلك فهو مشكل أيضا في مثل القذف، و ما اشبه و ان رضى المقذوف.

(و يشكل الثاني) اى جواز السبّ في صورة التأثر (بعموم ادلة حرمة الايذاء) بل عموم ادلة حرمة السب، فانه شامل للمقام أيضا.

(نعم: لو قال السيد ذلك في مقام التأديب) و لم يكن قذفا و ما اشبه (جاز، لفحوى جواز الضرب).

و ربما يشكل ذلك أيضا: بان جواز الضرب لا فحوى له، و لذا يجوز ضرب الزوجة، و لا يجوز سبّها- فى مورد النشوز- فتأمل.

(و اما الوالد فيمكن استفادة الجواز) حتى في صورة تأثر الولد بذلك (فى حقه) بالنسبة الى الولد (مما ورد من مثل قولهم عليهم السلام: انت و مالك لابيك) فان المال يجوز سبّه، كان يقول الانسان لفراشه يا منحرف و ما اشبه (فتأمل) فان المالية للاب مجاز، مضافا الى ان المالية لا يوجب جواز كل تصرف حتى مثل السبّ.

(مضافا الى استمرار السيرة بذلك، الا ان يقال: ان استمرار السيرة انما هو مع عدم تأثر السامع، و تأذيه بذلك) فالسيرة اخص من المدعى.

ص: 248

و من هنا يوهن التمسك بالسيرة في جواز سب المعلّم للمتعلّم فان السيرة انما نشأت في الازمنة السابقة، من عدم تالم المتعلم بشتم المعلم لعدّ نفسه ادون من عبده، بل ربما كان يفتخر بالسبّ لدلالته على كمال لطفه.

و اما زماننا هذا الّذي يتألم المتعلم فيه من المعلم، مما لم يتألّم به من شركائه في البحث من القول و الفعل، فحل ايذائه يحتاج الى الدليل و الله الهادى الى سواء السبيل.

______________________________

كما ربما يستدل لذلك، بقول امير المؤمنين عليه السلام، لمحمد بن الحنفية في حال الحرب «ادركك عرق من امك» فانه يعد سبّا عرفا فتأمل.

(و من هنا) اى من جهة ان السيرة اخص (يوهن التمسك بالسيرة في جواز سب المعلّم للمتعلّم) و صاحب الدكان لعامله، و ما اشبه (فان السيرة انما نشأت في الازمنة السابقة، من عدم تألّم المتعلّم بشتم المعلّم لعدّ نفسه ادون من عبده، بل ربما كان) المتعلم (يفتخر بالسبّ لدلالته على كمال لطفه) اى لطف الاستاد بالنسبة إليه.

(و اما زماننا هذا الّذي يتألّم المتعلّم فيه من المعلّم، مما لم يتألم به من شركائه في البحث من القول و الفعل) الصادرين من المعلم في حقه (فحلّ ايذائه يحتاج الى الدليل) و هو مفقود (و الله الهادى الى سواء السبيل).

بالإضافة الى انه ينبغى الاجتناب عنه مطلقا و ان كان جائزا و اللّه الموفق.

ص: 249

العاشرة السحر حرام في الجملة بلا خلاف،
اشارة

بل هو ضرورى، كما سيجي ء و الاخبار به مستفيضة منها: ما تقدم من ان الساحر كالكافر.

و منها قوله عليه السلام: من تعلم شيئا من السحر، قليلا او كثيرا فقد كفر، و كان آخر عهده بربّه، و حدّه ان يقتل الا ان يتوب.

______________________________

المسألة (العاشرة) مما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه (السحر) و هو: (حرام في الجملة).

و انما قيده ب «فى الجملة» لما سيأتى من بعض الصور المستثناة (بلا خلاف، بل هو) اى كونه حراما (ضرورى، كما سيجي ء، و الاخبار به مستفيضة) بالإضافة الى الكتاب و العقل، فيما لو كان مضرا.

فقد قال سبحانه: وَ اتَّبَعُوا مٰا تَتْلُوا الشَّيٰاطِينُ عَلىٰ مُلْكِ سُلَيْمٰانَ وَ مٰا كَفَرَ سُلَيْمٰانُ وَ لٰكِنَّ الشَّيٰاطِينَ كَفَرُوا، يُعَلِّمُونَ النّٰاسَ السِّحْرَ، حيث دل على ان تعلّم الناس السحر كفر.

اما الروايات، ف (منها: ما تقدم من ان الساحر كالكافر) فى باب التنجيم.

(و منها قوله عليه السلام: من تعلم شيئا من السحر، قليلا او كثيرا فقد كفر، و كان آخر عهده بربّه، و حدّه ان يقتل الا ان يتوب).

و معنى الكفر، العملى، لا الاعتقادى، كما تقدم.

و معنى آخر عهده بربّه، انه انقطع عن الله تعالى فليست بينه و بين الله صلة الايمان و الطاعة.

ص: 250

و في رواية السكونى، عن الصادق عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: ساحر المسلمين يقتل، و ساحر الكفار لا يقتل، قيل يا رسول الله (ص) لم لا يقتل ساحر الكفار؟ قال: لان الشرك اعظم من السحر، و لان السحر و الشرك مقرونان.

و في نبوى آخر: ثلاثة لا يدخلون الجنّة، مدمن خمر، و مدمن سحر و قاطع رحم، الى غير ذلك من الاخبار.

ثم ان الكلام هنا يقع في مقامين،
الأول في المراد بالسحر،
اشارة

______________________________

(و في رواية السكونى عن الصادق عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: ساحر المسلمين يقتل، و ساحر الكفار لا يقتل، قيل يا رسول الله (ص) لم لا يقتل ساحر الكفار؟ قال) صلى الله عليه و آله: (لان الشرك اعظم من السحر، و لان السحر و الشرك مقرونان).

و المعنى انه حيث اقترن السحر و الشرك، و كان الشرك اعظمهما، لزم ان يقتل بالشرك لا السحر.

لكن الشرك لا يوجب القتل اذ القتل للمشرك تابع لموازين خاصة فاذا لم يؤثر الاعظم في القتل، لم يؤثر الادون في القتل.

بخلاف ساحر المسلمين فانه واجب القتل لسحره- حدّا-.

(و في نبوى آخر: ثلاثة لا يدخلون الجنة، مدمن خمر، و مدمن سحر و قاطع رحم، الى غير ذلك من الاخبار) و المشهور قتل الساحر حدّا، كما ذكروا في كتاب الحدود.

(ثم ان الكلام هنا يقع في مقامين، الاول في المراد بالسحر) موضوعا

ص: 251

و هو لغة على ما عن بعض اهل اللغة هو ما لطف مأخذه و دقّ.

و عن بعضهم: انه صرف الشي ء عن وجهه.

و عن ثالث انه الخدع.

و عن رابع انه اخراج الباطل في صورة الحق.

و قد اختلفت عبارات الاصحاب في بيانه، فقال العلامة ره في القواعد و التحرير: انه كلام يتكلم به، او يكتبه او رقية،

______________________________

(و هو لغة على ما عن بعض اهل اللغة هو ما لطف مأخذه و دقّ) فلا تصل إليه افهام العامّة.

(و عن بعضهم: انه صرف الشي ء عن وجهه).

مثلا: من يسحر اعين الناس بجعله في العصا زيبقا فتتحرك في الشمس، فيظن الناس انها حية تسعى، لطف مأخذ عمله و دقّ.

كما انه صرف العصى عن وجهها الى صورة الحية، بالتدبير المذكور.

(و عن ثالث انه الخدع) للناس بتصوير غير الواقع واقعا.

(و عن رابع انه اخراج الباطل في صورة الحق) فكون العصى حية باطلا، لكنه يخرجه في صورة الحية الواقعية.

(و قد اختلفت عبارات الاصحاب في بيانه) و انه ما هو (فقال: العلامة ره في القواعد و التحرير: انه كلام يتكلم به، او يكتبه او رقية) من «الرقى» طالب الشفاء، و تسمى «عوذة» أيضا.

و لعل الفرق بين «يكتبه» و «رقية» ان الثاني خاص بالشفاء و نحوه، او انه خاص بما اذا كتب و اعطاه للمسحور، بان جعله معه.

ص: 252

او يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور، او قلبه، او عقله، من غير مباشرة.

و زاد في المنتهى: او عقد.

و زاد في المسالك: او اقسام، و عزائم، يحدث بسببها ضرر على الغير و زاد في الدروس: الدخنة و التصوير، و النفث.

______________________________

و لا يخفى: انه ليس كل رقية سحرا، كما ان كل سحر ليس برقية (او يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور) تمريضا، او تلوينا، او ما اشبه (او قلبه) بالانحصار او الفرح او الحزن او ما اشبه (او عقله) بالجنون و ما اشبه (من غير مباشرة) بان يكون الساحر بعيدا، و يؤثر سحره في المسحور و قد يكون بالمباشرة كان يطعمه شيئا مثلا.

(و زاد في المنتهى: او عقد) اى يعقد الساحر بالخيط، فيعقد الرجل عن حليلته مثلا، كما قال سبحانه: وَ مِنْ شَرِّ النَّفّٰاثٰاتِ فِي الْعُقَدِ.

(و زاد في المسالك: او اقسام) كما يقول الساحر: اقسمك يا فلان و يا فلان، و يذكر اسماء من الجن او الملائكة او الارواح او الجمادات او ما اشبه (و عزائم) كما يقول الساحر: عزمتك يا ارواح الاجنة، (يحدث بسببها ضرر على الغير) او احضار جن او روح او ما اشبه.

(و زاد) الشهيد الاول (فى الدروس: الدخنة) بضم الدال و سكون الخاء، دخان يصنعه الساحر عند السحر (و التصوير) فان بعضهم يصور صورة من السواد، ثم يقول للشخص انظر فيه، او يصوّر صورة، ثم يقطع رأس الصورة، و بذلك يقطع رأس ذلك الانسان الّذي رسمه باسمه كما اتفق لبعض السحرة قبل قرن تقريبا- و القصّة مشهورة- (و النفث) بان

ص: 253

و تصفية النفس.

و يمكن ان يدخل جميع ذلك في قوله في القواعد: او يعمل شيئا.

نعم: ظاهر المسالك و محكى الدروس: ان المعتبر في السحر الاضرار فان اريد من التأثير في عبارة القواعد و غيرها، خصوص الاضرار بالمسحور، فهو، و الا كان اعمّ.

ثم ان الشهيدين عدّا من السحر استخدام الملائكة.

______________________________

ينفخ في شي ء من ماء او عقدة او طعام فيؤثر فيه اثرا خاصا (و تصفية النفس) تصفية شيطانية، فاذا صفت نفس الانسان، تمكن ان يؤثر في الغير بمجرد الإرادة، و تصفية النفس تحصل بالرياضة، و نحوها.

(و يمكن ان يدخل جميع ذلك) اى الاقسام التى ذكروها (فى قوله في القواعد: او يعمل شيئا) فان كل ذلك عمل شي ء كما لا يخفى.

(نعم: ظاهر المسالك و محكى الدروس: ان المعتبر في السحر الاضرار) بالغير.

(فان اريد من التأثير في عبارة القواعد و غيرها: خصوص الاضرار بالمسحور، فهو) اذ يطابق كلامه حينئذ كلامهما (و الا كان) كلام القواعد (اعمّ) من كلامهما.

و الظاهر: عدم شرط الاضرار لصدق السحر عرفا بكل تأثير، و لو لم يحدث ضررا.

(ثم ان الشهيدين) ره (عدا من السحر استخدام الملائكة) و هل هذا حقيقة استخدام للملائكة؟ او اسم فقط؟ و انما الشي ء الواقع حصول

ص: 254

و استنزال الشياطين، في كشف الغائبات، و علاج المصاب و استحضارهم و تلبيسهم ببدن صبى او امرأة و كشف الغائبات عن لسانه.

______________________________

المطلوب بامر خارق للعادة، احتمالان.

من ان الملائكة ارواح طاهرة خارجة عن قدرة البشر خصوصا بعد قوله سبحانه: لٰا يَعْصُونَ اللّٰهَ مٰا أَمَرَهُمْ.

و من المعلوم: ان مستخدمى الملائكة- بزعمهم- قد يفعلون بسبب ذلك المحرمات.

و من ان الملائكة ليسوا باشرف من البشر الصالحين، فاذا اثر السحر فيهم اثر في الملائكة بطريق اولى.

و يدل على تأثير السحر في البشر الصالحين، ما ورد في شأن نزول «المعوذتين» فراجع (و استنزال الشياطين) و سمّى استنزالا، تبعا لقوله تعالى: عَلىٰ مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيٰاطِينُ.

و قد ثبت في الاخبار- كما كشف عنه العلم الحديث- ان محل الشياطين و الجن فوق سبعة اذرع من الارض، فراجع في ذلك الاخبار في استحباب عدم علو البناء اكثر من سبعة اذرع، و كتاب: على حافة العلم الاثيرى لاحد علماء الغرب (فى كشف الغائبات، و علاج المصاب، و استحضارهم، و تلبيسهم ببدن صبى او امرأة).

و معنى التلبيس ان الصبى و المرأة يتكلم بدون الشعور، و الموحى لذلك الكلام هو الشيطان، فهو يلقى الكلام على الصبى او المرأة (و كشف الغائبات عن لسانه).

ص: 255

و الظاهر ان المسحور في ما ذكراه هى الملائكة، و الجن و الشياطين و الاضرار بهم يحصل بتسخيرهم، و تعجيزهم من المخالفة له، و الجائهم الى الخدمة.

و قال في الايضاح: انه استحداث الخوارق اما بمجرد التأثيرات النفسانية، و هو السحر

______________________________

(و الظاهر ان المسحور في ما ذكراه) الشهيدان (هى الملائكة، و الجن، و الشياطين).

و الفرق بين الجن، و الشيطان، و الملك، و الروح، ان الروح خاص بالانسان، و الملك روح طاهرة، و الشيطان روح شريرة، و الجن قسم خاص من الروح، بعضه شرير و بعضه طاهر.

لكن كل واحد من الاقسام الاربعة غير الآخر، و ان اشترك الجميع في كونها غير مرئية، و قابلة للتقمص و الرؤية، و قادرة على ما لا يقدر عليه الانسان، في كثير من الاحيان.

(و الاضرار بهم) اى بهؤلاء الارواح (يحصل بتسخيرهم، و تعجيزهم من المخالفة له) بسبب السحر (و الجائهم الى الخدمة).

او المراد اعم من ما ذكره المصنف، بان يكون المسحور الارواح المذكورة او باضافة سائر الناس بان يسحر بسببهم انسانا.

(و قال في الايضاح) فى تعريف السحر (انه استحداث الخوارق) اى الخارق للعادة، باسباب خفية (اما بمجرد التأثيرات النفسانية، و هو السحر) بان تؤثر نفسه في شفاء، او مرض، او عقد رجل عن حليلته، او ما

ص: 256

او بالاستعانة بالفلكيات فقط و هو دعوة الكواكب، او بتمزيج القوى السماوية بالقوّة الارضية و هى الطلسمات او على سبيل الاستعانة بالارواح السازجة و هى العزائم.

و يدخل فيه النيرنجات.

______________________________

اشبه ذلك (او بالاستعانة بالفلكيات فقط) فانهم يسخرون الكواكب و الشمس و القمر- بزعمهم- فاذا طلبوا منها شيئا فارقا، كنقلهم الى مكان بعيد، او احضار شي ء بعيد، صار ذلك الشي ء (و هو) المسماة ب (دعوة الكواكب، او بتمزيج القوى السماوية بالقوّة الارضية) فيزعمون ان للارض قوّة مسيطرة و للسماء قوة مسيطرة.

فاذا تمكن الانسان من مزج هاتين القوتين- كما تمزج قوة رجلين حين رفع حمل ثقيل، بحيث لا يقدر كل واحد منهما على رفعه- تمكن المازج بينهما من خرق العادة، و احداث أثر خارق (و هى) المسماة ب (الطلسمات) و الطلسم في اللغة الشي ء الغامض (او على سبيل الاستعانة بالارواح السازجة) اى البسيطة بدون تركيب، كالقوة الارضية او السماوية او الجن او الملك، او روح الميت (و هى) المسماة ب (العزائم) كان الساحر يعزم على تلك القوة ان تفعل كذا.

(و يدخل فيه) اى في السحر (النيرنجات) و هو جمع «نيرنج» معرب «نيرنگ» اى «بدون لون».

و قد يسمى بالفارسية «چشم بندى» كالذى يحلب من صورة البقرة الموجودة في الجدار، اللبن، بجعل كيس مطاطى من اللبن تحت

ص: 257

و الكل حرام في شريعة الاسلام، و مستحله كافر، انتهى.

و تبعه على هذا التفسير في محكى التنقيح، و فسر النيرجات في الدروس باظهار غرائب خواص الامتزاجات، و اسرار النيرين.

و في الايضاح اما ما كان على سبيل الاستعانة بخواص الاجسام السفلية فهو علم الخواص،

______________________________

ابطه، و مدّ انبوب منه الى اصابعه و يلبس ثوبا طويل الاكمام، فاذا ضغط على الانبوب خرج الحليب، فيظن الجاهل انه حلب من الصورة، فانه «چشم بندى» و العمل «بدون لون» واقعى، و انما له لون خيالى.

(و الكل حرام في شريعة الاسلام، و مستحله كافر) كالذى يستحل سائر المحرمات (انتهى) كلام الايضاح.

(و تبعه على هذا التفسير) للسحر، بالامور المذكورة (فى محكى التنقيح، و فسر النيرجات) بغير ما تقدم (فى الدروس باظهار غرائب خواص الامتزاجات).

مثلا: ان امتزج دواء ان ظهرت النار، و هذا غريب على الاذهان لعدم معرفتهم ذلك (و اسرار النيرين) اى الشمس و القمر فان تسخيرهما ثم فعل اشياء خارقة، يسمى سرا لهما، فان السر هو الشي ء المخفى الّذي لا يطلع عليه الا النادر.

(و في الايضاح اما ما كان على سبيل الاستعانة بخواص الاجسام السفلية فهو علم الخواص) كالامور التى يذكرها الدميرى في حياة الحيوان، و منه سحر، اذا كان خفى السبب و العلة، و منه ليس بسحر.

ص: 258

او الاستعانة بالنسب الرياضية فهو علم الحيل، و جر الاثقال و هذان ليسا من السحر، انتهى.

و ما جعله خارجا قد ادخله غيره.

و في بعض الروايات دلالة عليه.

و سيجي ء المحكي و المروى.

و لا يخفى ان هذا التعريف اعم من الاول، لعدم اعتبار مسحور فيه فضلا عن الاضرار ببدنه، او عقله.

______________________________

مثلا: اذ اكتحل الانسان بالشي ء الفلانى رأى الناس، و الناس لا يرونه (او الاستعانة بالنسب الرياضية فهو علم الحيل) جمع حيلة بمعنى علاج الامور بطرق فنية من نصب الجسور، و السرعة في السير (و جر الاثقال) و ما اشبه (و هذان ليسا من السحر) الا ما ذكرناه من الاستثناء (انتهى) كلامه ره (و ما جعله خارجا) من السحر (قد ادخله غيره) فى اقسام السحر و الظاهر ان مقتضى القاعدة التفصيل الّذي ذكرناه.

(و في بعض الروايات دلالة عليه) اى على كونه من السحر، كما يأتى في رواية الاحتجاج.

(و سيجي ء المحكى) اشارة الى قوله «قد ادخله» (و المروى) اشارة الى قوله «و في بعض الروايات».

(و لا يخفى ان هذا التعريف اعم من الاول) اى تعريف الايضاح للسحر، اعم من التعريف الاول (لعدم اعتبار مسحور فيه) اى في هذا التعريف بخلاف الاول (فضلا عن) اعتبار (الاضرار ببدنه، او عقله) مما اعتبره

ص: 259

و عن الفاضل المقداد في التنقيح: انه عمل يستفاد منه ملكة نفسانية يقتدر بها على افعال غريبة باسباب خفية، و هذا يشمل علمى الخواص و الحيل.

و قال في البحار بعد ما نقل عن اهل اللغة: انه ما لطف و خفى سببه انه في عرف الشرع مختص بكل امر يخفى سببه، و يتخيل على غير حقيقته و يجرى مجرى التمويه و الخداع، انتهى.

و هذا اعم من الكل، لانه ذكر بعد ذلك ما حاصله:

ان السحر على اقسام
اشارة

______________________________

التعريف الاول.

(و عن الفاضل المقداد في التنقيح: انه عمل) كالرياضات البدنيّة (يستفاد منه ملكة نفسانية يقتدر بها على افعال غريبة باسباب خفية، و هذا) التعريف (يشمل علمى الخواص و الحيل) لصدق هذا التعريف عليه لكن لا يخفى ان قوله: ملكة نفسانية، يوجب خروج بعض اقسام الخواص و الحيل مما لا تحتاج الى الملكة.

و الظاهر من هذا التعريف ان مراد القائل، الخوارق التى يقوم بها اصحاب النفوس القوية التى يكتسبون تلك النفوس بالرياضات و المجاهدات

(و قال في البحار بعد ما نقل عن اهل اللغة) فى تعريف السحر (انه ما لطف و خفى سببه، انه في عرف الشرع مختص بكل امر يخفى سببه، و يتخيل على غير حقيقته، و يجرى مجرى التمويه و الخداع) كسحر السحرة في قبال موسى عليه السلام (انتهى).

(و هذا اعم من الكل، لانه ذكر بعد ذلك ما حاصله: ان السحر على اقسام).

ص: 260

الاول: سحر الكلدانيين الذين كانوا في قديم الدهر،

و هم قوم كانوا يعبدون الكواكب و يزعمون انها المدبرة لهذا العالم، و منها تصدير الخيرات، و الشرور، و السعادات، و النحوسات.

ثم ذكر انهم على ثلاثة مذاهب.

فمنهم: من يزعم انها الواجبة لذاتها الخالقة للعالم.

و منهم من يزعم انها قديمة لقدم العلة المؤثرة فيها.

و منهم: من يزعم انها حادثة مخلوقة، فعالة مختارة

______________________________

(الاول: سحر الكلدانيين الذين كانوا في قديم الدهر، و هم قوم كانوا يعبدون الكواكب و يزعمون انها المدبرة لهذا العالم، و منها) اى من الكواكب (تصدير الخيرات) كالرخاء و الصحة (و الشرور) كالبلايا و الامراض (و السعادات و النحوسات) للافراد و الاشياء، فيوم كذا سعد، و شهر كذا نحس، و هكذا.

(ثم ذكر) البحار (انهم على ثلاثة مذاهب).

(فمنهم: من يزعم انها) اى الكواكب (الواجبة لذاتها الخالقة للعالم)

و لا يخفى بطلان قولهم، لاستحالة تعدد الواجب، كما قرر في محله بالإضافة الى ان فيها لوازم الحدوث كالحركة و الجسمية، و ما اشبه.

(و منهم من يزعم انها قديمة لقدم العلة المؤثرة فيها) حيث يرون هؤلاء ان الواجب تعالى فاعل بالجبر فالكواكب بالنسبة إليه كالحرارة بالنسبة الى النار.

(و منهم: من يزعم انها حادثة مخلوقة، فعالة مختارة) فى افعالها

ص: 261

فوض خالقها امر العالم إليها.

و الساحر عند هذه الفرق من يعرف القوى العالية الفعالة بسائطها و مركباتها، و يعرف ما يليق بالعالم السفلى و يعرف معداتها ليعدها، و عوائقها ليرفعها بحسب الطاقة البشرية فيكون متمكنا من استحداث ما يخرق العادة

______________________________

(فوض خالقها امر العالم إليها).

(و الساحر عند هذه الفرق) الثلاثة (من يعرف القوى العالية الفعالة بسائطها و مركباتها).

مثلا: ان زحل، فيه قوة فعالة غالبة على قوة الزهرة المنيرة، فاذا تعارضت القوتان غلبت قوة زحل على قوة زهرة، و القوة البسيطة هى التى تعمل وحدها، و القوة المركبة هى التى تعمل بمعاونة الغير (و يعرف ما يليق بالعالم السفلى) من قوى الكواكب (و يعرف معداتها) اى ما تهيئ تلك القوى (ليعدها).

مثلا: يعرف ان المثلث المنقوش بصورة كذا يعد قوة عطارد ليؤثر في الانسان الحامل له رفعة و سموا، كما ان الزجاجة الجامعة للاشعة تعدّ نور الشمس للتمركز في نقطة خاصة فتوجب الاحراق مثلا (و عوائقها ليرفعها) فاذا عرف ان الكوكب الفلانى يؤثّر في ايجاد الامطار الكثيرة، هيّئ ما يسبب بطلان هذه الخاصة، بكتابة طلسم او ما اشبه يمنع الامطار.

كل ذلك (بحسب الطاقة البشرية) علما و اعدادا، و منعا (فيكون) هذا الساحر بسبب هذه العلوم (متمكنا من استحداث ما يخرق العادة) التى لو لا عمل هذا الساحر لجرت العادة في مجراها الطبيعى.

ص: 262

الثاني: سحر اصحاب الاوهام و النفوس القوية.
الثالث: الاستعانة بالارواح الارضية

و قد انكرها بعض الفلاسفة، و قال بها الاكابر منهم، و هى في انفسها مختلفة، فمنهم خيرة، و هم مؤمنو الجن، و شريرة و هم كفار الجن و شياطينهم.

الرابع: التخيلات و الاخذ بالعيون

مثل

______________________________

(الثاني: سحر اصحاب الاوهام و النفوس القويّة) عطف بيان للاوهام فان الشخص اذا زجر بدنه، و راضه تكون نفسه قوية.

فاذا قويت نفسه يتمكن من التأثير في الاشياء بالارادة.

فاذا كانت رياضته و عمله شرعيا، كان مشروعا، و الا كان غير مشروع.

(الثالث: الاستعانة بالارواح الارضية) اى الارواح الموجودة في الارض (و قد انكرها بعض الفلاسفة، و قال بها الاكابر منهم، و هى في انفسها مختلفة، فمنهم خيرة، و هم مؤمنو الجن).

و لعل المراد بغير الجن- المفهوم من هذا الكلام- الارواح للاموات و إلا فإني لم اجد روحا خيرة سوى الجن (و شريرة و هم كفار الجن و شياطينهم) اى القسم الشيطانى من الجن، فان الشيطان من قسم الجن أيضا، كما قال سبحانه: كٰانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ، و قد تقدم الفرق بين الشيطان و بين الجن.

(الرابع: التخيلات) بعمل شي ء يوجب خيال الطرف المقابل و ان لم يكن له حقيقة (و الاخذ بالعيون) بسبب شي ء خفى حتى لا ترى العين الحقيقة.

و ذلك (مثل) هذا المثال الّذي ليس بسحر، و انما يبين معنى

ص: 263

راكب السفينة يتخيل نفسه ساكنا و الشط متحركا.

الخامس: الاعمال العجيبة التى تظهر من تركيب الآلات المركبة على نسب الهندسة

كرقاص يرقص و فارسان يقتتلان.

السادس: الاستعانة بخواص الادوية،

مثل ان تجعل في الطعام بعض الادوية المبلدة، او المزيلة للعقل، او الدّخن المسكر او عصارة البنج المجعول في الملبس.

______________________________

اشتباه العين، ك (راكب السفينة يتخيل نفسه ساكنا و الشط متحركا) او راكب القطار يتخيل اتصال خطى الحديد مسافة بعيدة.

(الخامس: الاعمال العجيبة التى تظهر من تركيب الآلات المركبة على نسب الهندسة) بشرط ان يسمى في العرف سحرا- أيضا- و الا، فالراديو و التلفزيون، و ما اشبه كلها من هذا الباب (كرقاص يرقص) بسبب الفنر المخفى (و فارسان يقتتلان) بالفنر او الكهرباء او ما اشبه.

(السادس: الاستعانة) فى تغيير منظر الشي ء او ايجاد حالة في الغير (بخواص الادوية، مثل ان تجعل في الطعام بعض الادوية المبلّدة) اى الموجبة للبلادة، فان التأثير في بدن الغير تمريضا و عقد او تبليد او ما اشبه من السحر، اذا كان سببه خفيا (او المزيلة للعقل او الدّخن المسكر) فاذا اكل الطعام جنّ او سكر (او عصارة البنج المجعول في الملبس) فانه يؤثر تخديرا في الجسم اذا وضع في اللباس.

و يحتمل ان يكون «ملبّس» بصيغة المفعول بالتشديد و هو قسم من الحلويات يلبس فيه المسكر بشي ء و يسمى بالفارسية «نقل».

ص: 264

و هذا مما لا سبيل الى انكاره، و اثر المغناطيس شاهد.

السابع: تعليق القلب و هو ان يدعى الساحر انه يعرف علم الكيمياء

و علم الليمياء و الاسم الاعظم حتى يميل إليه العوام، و ليس له اصل.

الثامن: النميمة

______________________________

(و هذا) القسم (مما لا سبيل الى انكاره) حتى لمن ينكر السحر بالتأثيرات النفسية (و اثر المغناطيس شاهد) فانه يؤثر في جذب الحديد فاذا اخفى كان قسما من التمويه.

كما ينقل ان بعض المنحرفين ركب المغناطيس في الاركان الاربعة لقبة، فعلقت بسببها الضريح الحديدى، للمدفون في الفضاء، فكان يقول ان هذا من كرامة المدفون، فهدم احد العلماء جانبا من الاركان الاربعة، و لما اختل التوازن سقط الضريح.

(السابع: تعليق القلب) و توجيه الناس الى نفسه (و هو ان يدعى الساحر انه يعرف علم الكيمياء) و هو علم به يعرف الانسان كيف يبدل النحاس ذهبا (و علم الليمياء) و هو الطلسمات المؤثرة في امور مطلوبة.

و قد قالوا ان العلوم التى تؤثر تأثيرا غريبا خمسة تجمعها لفظة «كله سر» الكيمياء، و الليمياء، و الهيمياء، و السيمياء، و الريمياء (و الاسم الاعظم حتى يميل إليه العوام، و ليس له) اى لادعائه (اصل).

اقول: ان المجلسى بصدد بيان الامور المربوطة بالسحرة و السحر و لا يريد ان مثل هذا الادعاء سحر.

(الثامن: النميمة) لانها تفعل فعل السحر في التفريق بين المرء و

ص: 265

المقام الثاني: في حكم الاقسام المذكورة

فنقول: اما الاقسام الاربعة المتقدمة من الايضاح فيكفى في حرمتها- مضافا الى شهادة المحدث المجلسى ره في البحار بدخولها في المعنى المعروف للسحر، عند اهل الشرع، فيشملها الاطلاقات- دعوى فخر المحققين في الايضاح كون حرمتها من ضروريات الدين، و ان مستحلّها كافر، و هو ظاهر الدروس أيضا، فحكم يقتل مستحلّها

______________________________

(المقام الثاني) من المقامين (فى حكم الاقسام المذكورة فنقول:

اما الاقسام الاربعة المتقدمة من الايضاح) و هى السحر، و دعوة الكواكب، و الطلسمات و العزائم (فيكفى في حرمتها- مضافا الى شهادة المحدث المجلسى ره في البحار) فيما تقدم من كلامه (بدخولها في المعنى المعروف للسحر، عند اهل الشرع، فيشملها الاطلاقات-) الدالة على حرمة السحر (دعوى فخر المحققين في الايضاح كون حرمتها من ضروريات الدين، و ان مستحلها كافر).

انما استفاد من كلام الايضاح دعوى الضرورة بمناسبة حكمه بان المستحل كافر، اذ لا يقتل مستحل غير الضرورى- كما لا يخفى- (و هو ظاهر الدروس أيضا، فحكم بقتل مستحلها).

و الحاصل: ان كون الاقسام الاربعة حراما، يدل عليه امران:

الاول: شهادة المجلسى بكونها سحرا، فتدخل في ادلة حرمة السحر.

الثاني: دعوى هؤلاء العلماء ضرورة الدين على الحرمة.

ان قلت: و هناك دليل ثالث على الحرمة، و هو الاجماع المدعى في

ص: 266

فانا و ان لم نطمئن بدعوى الاجماعات المنقولة.

الا ان دعوة ضرورة الدين مما يوجب الاطمينان بالحكم و اتفاق العلماء عليه، في جميع الاعصار.

______________________________

كلام جمع.

قلت: لا اطمينان بالاجماع، بعد مخالفة بعض العلماء في بعض الاقسام، كشارح النخبة و غيره.

و الى هذا اشار بقوله: (فانا و ان لم نطمئن بدعوى الاجماعات المنقولة) حتى نجعل الاجماع دليلا ثالثا على حرمة الاقسام الاربعة.

(الا ان دعوة ضرورة الدين) فى كلام من تقدم (مما يوجب الاطمينان بالحكم) بحرمة الاقسام الاربعة (و) ب (اتفاق العلماء عليه) اى على التحريم (فى جميع الاعصار).

اذ: لو لا اتفاقهم لا يمكن دعوى الضرورة، اى ان دعوى الضرورة كاشفة عن اتفاق العلماء.

ان قلت: كيف الجمع بين كلام المصنف اى قوله: «لم نطمئن بدعوى الاجماعات» و قوله: «اتفاق العلماء»،؟

قلت: كلامه الاول في صدد نفى الاجماع على كون الاقسام الاربعة داخلة في موضوع السحر، و كلامه الثاني في صدد كون الاقسام الاربعة محرمة- سواء كانت سحرا، أم لا-.

و الحاصل: ان المصنف لما قال في اوّل كلامه: «و المهم بيان حكمه لا موضوعه» صار بصدد ان حكم الاقسام الاربعة التحريم.

ص: 267

نعم ذكر شارح النخبة ان ما كان من الطلسمات مشتملا على اضرار او تمويه على المسلمين، او استهانة بشي ء من حرمات اللّه، كالقرآن و ابعاضه، و اسماء اللّه الحسنى، و نحو ذلك.

______________________________

ثم استدل لذلك بكلام المجلسى «انها سحر، و كل سحر حرام» و بدعوى بعض «ضرورة الدين على تحريم الاقسام المذكورة» ثم نفى الاطمينان ب «الاجماع على كونها سحرا».

نعم هناك اجماع على كونها محرمة، و لا تلازم بين كونها ليست بسحر و بين عدم حرمتها.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 2، ص: 273

فمن الممكن خروج بعض الاقسام الاربعة عن السحر، موضوعا، مع كونها محرمة، لاجل دليل آخر، مثلا: ما تقدم في كلام المجلسى من «جعل المبلد في طعام الشخص» لا شك في كونه حراما، لكن في كونه من اقسام السحر اشكال.

(نعم) يشكل دعوى الاتفاق التى ذكرناها بمخالفة بعض العلماء.

فانه (ذكر شارح النخبة ان ما كان من الطلسمات مشتملا على اضرار او تمويه على المسلمين) و المراد: التمويه المحرم، فانه لا دليل على ان كل تمويه حرام.

مثلا: من موه على الناظر، بان لونه ابيض ناصع، و الحال ان لونه اصفر، لا دليل على حرمة مثل هذا التمويه- الا اذا اطلق عليه لفظ السحر (او استهانة بشي ء من حرمات اللّه، كالقرآن و ابعاضه، و اسماء اللّه الحسنى، و نحو ذلك) كالاستهانة باسم الأنبياء و الائمة، كما يحكى عن

ص: 268

فهو حرام بلا ريب، سواء عد من السحر، أم لا و ما كان للاغراض كحضور الغائب و بقاء العمارة و فتح الحصون للمسلمين، و نحوه فمقتضى الاصل جوازه.

و يحكى عن بعض الاصحاب.

و ربما يستندون في بعضها الى امير المؤمنين و السند غير واضح.

______________________________

بعض الناس من انهم يهينون المقدسات بالنجاسة- و العياذ باللّه- فيخبرهم الارواح الشريرة بالمغيبات (فهو حرام بلا ريب، سواء عد من السحر، أم لا).

و ذلك: لشمول ادلة السحر، لما عدّ منها سحرا، و شمول ادلة تحريم الاستهانة بالمقدسات، و ما اشبه في ما سوى ذلك (و ما كان) من الطلسمات (للاغراض) الاخر غير الاضرار، و التمويه، و الاستهانة (كحضور الغائب) سريعا (و بقاء العمارة) بعدم انهدامها بالعواصف و نحوها (و فتح الحصون للمسلمين، و نحوه) كزواج البنت، و رواج السوق، و قضاء الحاجة (فمقتضى الاصل جوازه) فان كل شي ء لك حلال حتى تعرف انه حرام بعينه.

(و يحكى) الجواز لهذه الاقسام من الطلسمات (عن بعض الاصحاب) أيضا.

(و ربما يستندون في بعضها) اى بعض الطلسمات (الى امير المؤمنين) عليه السلام (و السند غير واضح).

و لعل مراده: بما يسند إليه عليه السلام «جنة الاسماء» المشهورة لمختلف الحوائج.

و كون السند غير واضح، لان في طريقها جمع من العامة.

ص: 269

و الحق في الدروس تحريم عمل الطلسمات بالسحر، و وجهه غير واضح، انتهى.

و لا وجه اوضح من دعوى الضرورة من فخر الدين و الشهيد قدس سرهما.

______________________________

لكن لا يخفى ان «الجنة» عبارة عن اسماء اللّه تعالى و آيات من القرآن.

و لا ينبغى الاشكال في جواز الطلسم الّذي يكون مركبا من الاشياء الجائزة، كالقرآن و الادعية، و اسماء المقدسات لشمول الاطلاقات له، نحو «خذ من القرآن ما شئت لما شئت» و «قال ربكم: ادعونى استجب لكم» و ما دل على ان التوسل بالأئمة الطاهرين يوجب قضاء الحاجة- كما في تفسير الامام العسكرى عليه السلام، و غيره-.

و لا يخفى: ان كلام شارح النخبة الى قوله: و السند، غير واضح.

(و الحق في الدروس تحريم عمل الطلسمات بالسحر، و وجهه غير واضح، انتهى).

اذ لا دليل على كون الطلسمات مطلقا من السحر.

(و لا وجه اوضح) فى تحريم الطلسمات (من دعوى الضرورة من فخر الدين و الشهيد قدس سرهما) فهما و ان لم يصرحا بلفظ «الضرورة» الا ان فتواهما بقتل المستحل، يلازم كونه ضروريا، اذ لا يقتل غير مرتكب ضرورى التحريم- كما حقق في كتاب الحدود-.

و بالجملة: فالمصنف ينكر كون الطلسمات، سحرا، و لذا رد الدروس الملحق لها بالسحر، بقوله «وجهه غير واضح».

و لكنه يثبت التحريم للطلسمات، من جهة دعوى المجلسى و دعوى

ص: 270

و اما غير تلك الاربعة فان كان مما يضر بالنفس المحترمة، فلا اشكال أيضا في حرمته.

و يكفى في الضرر صرف نفس المسحور عن الجريان على مقتضى ارادته فمثل احداث حب مفرط في الشخص يعد سحرا، روى الصدوق في الفقيه في باب عقاب المرأة على ان تسحر زوجها بسنده عن السكونى عن جعفر،

______________________________

الضرورة على التحريم، من الفخر و الشهيد.

(و اما غير تلك) الاقسام (الاربعة) المذكورة في كلام الايضاح، من سائر الاقسام التى ذكرها بعضهم للسحر (فان كان مما يضر بالنفس المحترمة، فلا اشكال أيضا في حرمته) لان الضرر حرام، و ان لم يكن سحرا.

نعم: اذا لم يكن الضرر بالغا، و لم يسمى سحرا، و رضى الطرف المقابل بذلك، لم يكن دليل على التحريم.

(و يكفى في الضرر) المحرم (صرف نفس المسحور عن الجريان على مقتضى ارادته) فلو يوقف الطلسم الطرف عن الحركة، او عن بناء الدار، او ما اشبه كان حراما و ان لم يكن سحرا- مثلا-.

و ذلك لان مثل هذا ضرر عرفا، و لا ضرر و لا ضرار في الاسلام، بل و ان لم يكن ضررا عرفا حرام أيضا، لانه سلب لارادة الشخص، و خلاف:

الناس مسلطون على انفسهم.

و كيف كان (فمثل احداث حب مفرط في الشخص يعد سحرا، روى الصدوق في الفقيه في باب عقاب المرأة على ان تسحر زوجها بسنده عن السكونى) و هو ثقة، كما حقق في الرجال (عن جعفر،

ص: 271

عن ابيه عن آبائه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، لامرأة سألته ان لى زوجا و به غلظة عليّ، و انا صنعت شيئا لاعطفه على، فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: اف لك، كدرت البحار، و كدرت الطين و لعنتك الملائكة الاخيار، و ملائكة السماء و الأرض، قال فصامت المرأة نهارها، و قامت ليلها و حلقت رأسها و لبست المسوح، فبلغ ذلك النبي صلّى اللّه عليه و آله، فقال: ان ذلك لا يقبل منها بناء على ان الظاهر

______________________________

عن ابيه عن آبائه) عليهم السلام (قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، لامرأة سألته ان لى زوجا و به غلظة على، و انا صنعت شيئا لاعطفه على فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: افّ لك، كدرت البحار، و كدرت الطين).

و المعنى: ان هذا العصيان سبّب تكدر البحار و الارض.

و لعل ذلك كناية عن تأذيهما، او عن عدم تمكنهما من عملهما الّذي يأتى منهما، كالمرأة اذا تكدرت، لا ترى فيها الصورة واضحة (و لعنتك الملائكة الاخبار، و ملائكة السماء و الأرض، قال) الامام عليه السلام (فصامت المرأة نهارها، و قامت ليلها) بالعبادة استغفارا عن المعصية، و توبة الى اللّه بالتقرب إليه بسبب الاعمال الصالحة (و حلقت رأسها) لتذيق نفسها المذلة، فان مقاسات غير الملائم توجب سمو النفس، و لعل حلق الشعر لم يكن محرما ذلك الحين (و لبست المسوح، فبلغ ذلك النبي صلّى اللّه عليه و آله، فقال: ان ذلك لا يقبل منها) فان قبول التوبة مشروط برضى المتضرر، فلو اضر انسان انسانا، كانت توبته بالإضافة الى الاستغفار ارضاء المتضرر- كما ورد في الروايات- (بناء على ان الظاهر

ص: 272

من قولها: صنعت شيئا، المعالجة بشي ء غير الادعية و الصلوات و نحوهما.

و لذا فهم الصدوق منها السحر، و لم يذكر في عنوان سحر المرأة غير هذه الرواية.

و اما ما لا يضر، فان قصد به رفع ضرر السحر او غيره من المضار الدنيوية او الأخروية.

فالظاهر جوازه مع الشك في صدق اسم السحر عليه

______________________________

من قولها: صنعت شيئا، المعالجة) لجلب حبه (بشي ء غير الادعية و الصلوات و نحوهما).

(و لذا فهم الصدوق منها) اى من هذه الرواية (السحر، و لم يذكر في عنوان سحر المرأة غير هذه الرواية) بل هو الظاهر من الحديث بقرينة تداول سحر المرأة للزوج، هذا كله فيما يضر من اقسام السحر غير الاقسام الاربعة المذكورة-.

(و اما ما لا يضر، فان قصد به رفع ضرر السحر) كان يفعل شيئا يفك المسحور الّذي عقد عن حليلته مثلا (او غيره من المضار الدنيوية) كان يمنع الظالم بواسطة الطلسم عن الظلم (او الأخروية) كان يكره بواسطة السحر الى اللاطى، اللواط- كما سئل عن بعض فقال: اتمكن ان اعمل شيئا انفّر به فلان اللاطى عن عمل اللواط-.

(فالظاهر جوازه مع الشك في صدق اسم السحر عليه) لانه لا يحرم من حيث السحر، و كونه تصرفا في الغير لا يحرم، اذا كان ذلك التصرف الّذي يريده الغير حراما، كتصرف الظالم و اللاطى.

ص: 273

للاصل، بل فحوى ما سيجي ء من جواز دفع الضرر بما علم كونه سحرا، و الا فلا دليل على تحريمه الا ان يدخل في اللهو او الشعبدة.

نعم لو صح سند رواية الاحتجاج، صح الحكم بحرمة جميع ما تضمنه، و كذا لو عمل بشهادة من تقدّم

______________________________

نعم يلزم ان يكون تصرف الغير العصيانى اقل من تصرف هذا الانسان المانع له، فلا يجوز ان يشربه دواء يذهب شهوته تحفظا عليه من اللواط.

و بما ذكرنا ظهر انه لا فرق بين كون المانع ضارا، أم لا، لانه اذا كان دفعا للضرر الاهم جاز ذلك.

و الحاصل ان الاضرار بالغير و التصرف فيه خلاف ارادته كلاهما حرام، فاذا تعارض هذا الحرام بشي ء اهم جاز ارتكابه، لانه ليس بحرام في هذا الحال.

و انما نقول بالجواز (للاصل، بل فحوى ما سيجي ء من جواز دفع الضرر بما علم كونه سحرا) فما لا يعلم كونه سحرا، يجوز بطريق اولى (و الا) يقصد بما لا يضر، دفع الضرر (فلا دليل على تحريمه) لانه ليس بسحر و لا ضار، و لا مناف لقاعدة: الناس مسلطون على اموالهم و انفسهم (الا ان يدخل في اللهو) المحرم (او الشعبدة) التى يأتى بيان موضوعها و حكمها.

فتحصل انه لو حصل احد العنوانات المذكورة من السحر او الاضرار او التصرف في الآخرين او اللهو و الشعبدة حرم، و الا فلا دليل على الحرمة.

(نعم لو صح سند رواية الاحتجاج) المتقدمة (صح الحكم بحرمة جميع ما تضمنه، و كذا لو عمل بشهادة من تقدم) فى كون الاشياء المذكورة من السحر

ص: 274

كالفاضل المقداد، و المحدث المجلسى ره بكون جميع ما تقدم من الاقسام داخلا في السحر، اتجه الحكم بدخولها تحت اطلاقات المنع عن السحر.

لكن الظاهر استناد شهادتهم الى الاجتهاد.

مع معارضته بما تقدم من الفخر من اخراج علمى الخواص و الحيل من السحر، و ما تقدم من تخصيص صاحب المسالك و غيره: السحر بما يحدث ضررا بل عرفت تخصيص العلامة له بما يؤثر في بدن المسحور، او

______________________________

(كالفاضل المقداد، و المحدث المجلسى ره بكون جميع ما تقدم من الاقسام داخلا في السحر) «بكون» متعلق ب «شهادة» (اتجه الحكم بدخولها تحت اطلاقات المنع عن السحر).

(لكن) لا يمكن الاستناد الى رواية الاحتجاج، لضعفها، و لا الى كلام من تقدم، لان (الظاهر استناد شهادتهم الى الاجتهاد) الشخصى، لا الى اللغة و العرف.

(مع) انه لو سلم استنادهم الى اللغة و العرف، لم يمكن الاخذ بهذه الشهادة (معارضته) اى كلام من تقدم من المقداد و المجلسى ره (بما تقدم من الفخر من اخراج علمى الخواص و الحيل من السحر، و) ب (ما تقدم من تخصيص صاحب المسالك و غيره: السحر بما يحدث ضررا).

و اذا تضاربت اقوال اهل الخبرة، سقطت، فان كان هناك اصل موضوعى اخذ به، و الا كان المرجع: الأصول العملية، و هى تقتضى في المقام: الحل و الاباحة (بل عرفت تخصيص العلامة له) اى للسحر (بما يؤثر في بدن المسحور، او

ص: 275

قلبه، او عقله، فهذه شهادة من هؤلاء على عدم عموم لفظ السحر لجميع ما تقدم من الاقسام.

و تقديم شهادة الاثبات لا يجرى في هذا الموضع، لان الظاهر استناد المثبتين الى الاستعمال و النافين الى الاطلاع على كون الاستعمال مجازا للمناسبة.

______________________________

قلبه، او عقله، فهذه شهادة من هؤلاء) العلماء (على عدم عموم لفظ السحر لجميع ما تقدم من الاقسام) المذكورة في البحار.

(و) ان قلت: ان شهادة من يقول بانها سحر مقدمة على شهادة من ينفى كونها سحرا، لان الاثبات دائما مقدم على النفى- كما ذكروا في باب تعارض الشهادات-.

قلت: (تقديم شهادة الاثبات لا يجرى في هذا الموضع، لان الظاهر) ان كلتا الشهادتين علم و اطلاع، كما لو قال احدهم: زيد فاسق لانه شرب الخمر في الساعة الفلانية، و قال الآخر بل شرب الماء.

و انما تقدم شهادة الاثبات اذا كانت شهادة النفى عدم العلم، و المقام من قبيل شهادتى العلم ل (استناد المثبتين) لكون الاقسام المذكورة سحرا (الى الاستعمال) و هداية الحقيقة (و) استناد (النافين الى الاطلاع على كون الاستعمال مجازا للمناسبة) بين السحر و بين هذه الامور.

و يشهد للمجازية ذكرهم الادوية المبلدة و النميمة من السحر، مع معلومية انهما ليسا من السحر بمكان- الا على نحو من التأويل-.

ص: 276

و الاحوط الاجتناب عن جميع ما تقدم من الاقسام في البحار، بل لعله لا يخلو عن قوة، لقوة الظن من خبر الاحتجاج، و غيره.

بقى الكلام في جواز دفع ضرر السحر بالسحر

و يمكن ان يستدل له مضافا الى الاصل بعد دعوى انصراف الادلة الى غير ما قصد به غرض راجح شرعا- بالاخبار.

منها: ما تقدم في خبر الاحتجاج.

و منها: ما في الكافى عن القمى، عن ابيه، عن شيخ من اصحابنا الكوفيين، قال: دخل عيسى بن السقفى على ابى عبد اللّه عليه السلام،

______________________________

(و الأحوط الاجتناب عن جميع ما تقدم من الاقسام في البحار) الا ما علم خروجه (بل لعله لا يخلو عن قوة، لقوة الظن من خبر الاحتجاج، و غيره) بكون جميع تلك الاقسام من السحر.

(بقى الكلام في جواز دفع ضرر السحر بالسحر و يمكن ان يستدل له مضافا الى الاصل- بعد دعوى انصراف الادلة الى غير ما قصد به غرض راجح شرعا) اذ لو لا دعوى هذا الانصراف لم يكن مجال للاصل، فان الاصل لا محل له عند وجود الادلة الاجتهادية من الاطلاقات و العمومات.

و قوله: (بالاخبار) متعلق ب «يستدل».

(منها: ما تقدم في خبر الاحتجاج) حيث دل على ان الملكين يدلان الناس الى علاج السحر بسحر مثله.

(و منها: ما في الكافى عن القمى، عن ابيه، عن شيخ من اصحابنا الكوفيين، قال: دخل عيسى بن السقفى على ابى عبد اللّه عليه السلام،

ص: 277

قال: جعلت فداك، انا رجل كانت صناعتى السحر، و كنت آخذ عليه الاجر و كان معاشى، و قد حججت منه، و قد منّ الله على بلقائك، و قد تبت الى اللّه من ذلك، فهل لى في شي ء من ذلك مخرج، فقال له: ابو عبد اللّه عليه السلام: حلّ و لا تعقد.

و كان الصدوق ره في العلل اشار الى هذه الرواية حيث قال: روى ان توبة الساحر ان يحل و لا يعقد.

و ظاهر المقابلة بين الحل و العقد، في الجواز و العدم كون كل منهما بالسحر.

______________________________

قال: جعلت فداك، انا رجل كانت صناعتى السحر، و كنت آخذ عليه الاجر و كان معاشى) من الاجور التى آخذها من السحر (و قد حججت منه، و قد منّ اللّه على بلقائك، و قد تبت الى اللّه من ذلك، فهل لى في شي ء من ذلك مخرج) بمعنى انه هل يقبل اللّه توبتى؟ و هل اتمكن في المستقبل من تعاطى هذا العمل، أم لا؟ (فقال له: ابو عبد اللّه عليه السلام: حل) الرجل المعقود عن حليلته (و لا تعقد) فانه دال على جواز الحل الّذي يكون بالسحر أيضا غالبا.

(و كان الصدوق ره في العلل اشار الى هذه الرواية حيث قال:

روى ان توبة الساحر ان يحل و لا يعقد).

و مراده ان التوبة تلازم ذلك، لا ان ذلك نفس التوبة- كما لا يخفى-.

(و ظاهر المقابلة) فى كلام الامام عليه السلام (بين الحل و العقد، في الجواز) للحل (و العدم) للعقد (كون كل منهما بالسحر) فيدل على جواز السحر حلا.

ص: 278

فحمل الحل على ما كان بغير السحر من الدعاء، و الآيات، و نحوهما كما عن بعض لا يخلو عن بعد.

و منها: ما عن العسكرى عن آبائه عليهم السلام، في قوله تعالى: وَ مٰا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبٰابِلَ هٰارُوتَ وَ مٰارُوتَ قال كان بعد نوح قد كثرت السحرة و المموهون بعث الله ملكين الى نبىّ ذلك الزمان بذكر ما يسحر به السحرة، و ذكر ما يبطل به سحرهم، و يردّ به كيدهم

______________________________

(فحمل الحل على ما كان بغير السحر من الدعاء، و الآيات و نحوهما) كالادوية (كما عن بعض) حمل الرواية على هذا المعنى (لا يخلو عن بعد)

(و منها: ما عن العسكرى عن آبائه عليهم السلام، في قوله تعالى:

وَ مٰا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبٰابِلَ هٰارُوتَ وَ مٰارُوتَ) بابل، ارض بقرب الحلة، المتوسطة بين كربلاء و النجف و بغداد.

و معنى الآية ان الناس اتبعوا السحر الّذي كان الشياطين يصفونه عند ملك سليمان عليه السلام، و السحر الّذي انزل على الملكين الذين كانا ببابل، و اسمهما هاروت و ماروت (قال) عليه السلام في تفسير الآية (كان بعد نوح قد كثرت السحرة و المموّهون) من التمويه، بمعنى الباس الشي ء لباس غيره حتى يظن الرائى- مثلا- ان الشي ء حيّة- و الحال انه عصى حشيت بالزيبق، فتتحرك اذا اشرقت عليه الشمس، ف (بعث اللّه ملكين الى نبى ذلك الزمان) مصاحبين (بذكر ما يسحر به السحرة، و ذكر ما يبطل به سحرهم، و يرد به كيدهم).

و اما لما ذا كانا ملكين، فيعلمه الله تعالى.

ص: 279

فتلقاه النبي عن الملكين، و اداه الى عباد الله بامر الله، و امرهم ان يقضوا به على السحر و ان يبطلوه و نهاهم عن ان يسحروا به الناس و هذا كما يقال: ان السمّ ما هو؟ و ان ما يدفع به غائلة السم ما هو؟ ثم يقال للمتعلم هذا السّم من رأيته سمّ فادفع غائلته بهذا و لا تقتل بالسم، الى ان قال: و ما يعلمان من احد ذلك السحر و ابطاله حتى يقولا للمتعلم انما

______________________________

و لعل احدهما كان يعلم السحر و الآخر كان يعلم ما يبطله، كما ان احد الملكين يكتب الحسنات و الآخر يكتب السيئات (فتلقاه) اى السحر و مبطل السحر (النبي عن الملكين، و اداه الى عباد الله بامر الله و امرهم) النبي (ان يقضوا به) بسبب هذا العلم (على السحر و ان يبطلوه) فالتعلم لاجل الابطال، (و نهاهم عن ان يسحروا به الناس، و) حيث انه كان الكلام موضع ايها انه اذا كان السحر حراما، فلما ذا علمهم النبي السحر و لم يقتصر تعليمه على مبطل السحر؟ قال عليه السلام: (هذا كما يقال:

ان السمّ ما هو؟ و ان ما يدفع به غائلة السم ما هو؟) كى يعرف اقسام السموم و بذلك يعرف علاج كل سم.

مثلا: عقد الرجل عن الحليلة قد يكون بالبنج و علاجه كذا، و قد يكون بالطلسم الكذائى و علاجه كذا، و قد يكون بالتسخير و علاجه كذا، فانه لا بدّ للمعلم ان يبين المرض و يبين العلامة و يبين العلاج (ثم يقال للمتعلم هذا السم) ف (من رأيته سمّ، فادفع غائلته بهذا) الدواء، و الغائلة: الاثر السيّئ (و لا تقتل) احدا (بالسم، الى ان قال) عليه السلام (و ما يعلمان من احد ذلك السحر و ابطاله حتى يقولا للمتعلم انما

ص: 280

نحن فتنة، و امتحان للعباد ليطيعوا الله فيما يتعلمون من هذا، و يبطلوا به كيد السحرة، و لا تسحروهم، فلا تكفروا باستعمال هذا السحر، و طلب الاضرار، و دعاء الناس الى ان يعتقدوا انك تحيى و تميت، و تفعل ما لا يقدر عليه الا الله فان ذلك كفر، الى ان قال: فيتعلمون ما يضرهم و لا ينفعهم، لانهم اذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به و يضروا به، فقد تعلموا ما يضر بدينهم، و لا ينفعهم، فيه

______________________________

نحن فتنة، و امتحان للعباد).

و يظهر من الحديث: ان الملكين علّما نبىّ ذلك الزمان، و انهما كانا يعلمان الناس أيضا (ليطيعوا الله فيما يتعلمون من هذا، و يبطلوا به كيد السحرة، و) كانا يقولان (لا تسحروهم) اى ايّها المتعلمون لا تسحروا الناس (فلا تكفروا باستعمال هذا السحر).

و قد تقدم ان المراد الكفر العملى، لا الكفر الاعتقادى (و) ب (طلب الاضرار) بالناس بسبب السحر (و) ب (دعاء الناس الى ان يعتقدوا انك) ايها المتعلم (تحيى و تميت، و تفعل ما لا يقدر عليه الا الله) بان تفعل سحرا يوجب موجب موت المسحور، او ان تفعل سحرا يوجب صحة المريض فتدعى انك احييت و امّت، و ما اشبه ذلك، كالاغناء و الافقار و نحوهما (فان ذلك) السحر، و الاضرار، و ادعاء الاحياء و الاماتة (كفر، الى ان قال) عليه السلام (فيتعلمون) الناس من الملكين (ما يضرهم و لا ينفعهم، لانهم اذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به و يضروا به) الناس (فقد تعلموا ما يضر بدينهم و لا ينفعهم فيه).

ص: 281

الحديث.

و في رواية محمد بن الجهم، عن مولانا الرضا عليه السلام في حديث قال: و اما هاروت و ماروت، فكانا ملكين علما الناس السحر، ليحترزوا به عن سحر السحرة، فيبطلوا به كيدهم، و ما علّما احدا من ذلك شيئا حتى قالا انما نحن فتنة، فلا تكفر فكفر قوم باستعمالهم لما امروا بالاحتراز منه، و جعلوا يفرّقون بما تعلّموه بين المرء و زوجه، قال الله تعالى: وَ مٰا هُمْ بِضٰارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلّٰا بِإِذْنِ اللّٰهِ، يعنى بعلمه

______________________________

اذ المتاع الدنيوية، لا تعد منفعة في مقابل الاضرار الاخروية الى آخر (الحديث) و هو طويل.

(و في رواية محمد بن الجهم، عن مولانا الرضا عليه السلام في حديث قال) عليه السلام (و اما هاروت و ماروت، فكانا ملكين علما الناس السحر، ليتحرزوا به) اى بذلك السحر الّذي تعلموه (عن سحر السحرة، فيبطلوا به كيدهم، و ما علما احدا من ذلك) السحر (شيئا حتى قالا انما نحن فتنة) و امتحان (فلا تكفر) باستعمال السحر (فكفر قوم باستعمالهم لما امروا بالاحتراز منه، و جعلوا يفرقون بما تعلموه) من السحر (بين المرء و زوجه، قال الله تعالى: و ما هم) اى أولئك الناس الذين تعلموا السحر (بضارّين به) اى بذلك السحر (من احد) «من» للتعميم، اى واحدا (الا باذن اللّه، يعنى بعلمه).

و يمكن ان يكون معنى الاذن الاجازة التكوينية كما في قوله سبحانه:

كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّٰهِ، فان الفئة القليلة اذا كانت

ص: 282

هذا كله مضافا الى ان ظاهر اخبار الساحر إرادة من يخشى ضرره، كما اعترف به بعض الاساطين.

و استقرب لذلك جواز الحل به بعد ان نسبه الى كثير من اصحابنا، لكنه مع ذلك كله قد منع العلامة في غير واحد من كتبه، و الشهيد ره في الدروس و الفاضل الميسى، و الشهيد

______________________________

مستعدة نفسيا للغلبة، و مهيئة لها الظروف الخارجية، كان ذلك اذنا تكوينيا لها بالغلبة.

و بهذا يجاب عن الاشكال: بانه لم لم يتغلب عيسى عليه السلام على اليهود الذين اراد و اصلبه، و على عليه السلام و خلّص شيعته على غاصبى الخلافة، و الحسن و الحسين عليهما السلام و انصارهما الاطياب على الخلفاء الجائرين.

و محل الكلام غير هذا المقام (هذا كله) دليل على ان ابطال السحر ليس بممنوع منه (مضافا الى ان ظاهر اخبار الساحر إرادة من يخشى ضرره، كما اعترف به بعض الاساطين).

لا يخفى ان هذا ظاهر بعض الاخبار و لكنه خلاف ظاهر بعض الاخبار الاخر كخبر المرأة التى عملت لمحبّة الزوج، و خلاف اطلاقات اخر.

(و استقرب لذلك جواز الحل به) اى حل السحر بالسحر (بعد ان نسبه الى كثير من اصحابنا، لكنه مع ذلك كله) ظهور بعض الروايات، و كلام بعض الاساطين الناسب للجواز الى كثير من الاصحاب (قد منع العلامة في غير واحد من كتبه و الشهيد ره في الدروس و الفاضل الميسى و الشهيد

ص: 283

الثاني ره من حل السحر به.

و لعلهم حملوا ما دل على الجواز- مع اعتبار سنده- على حالة الضرورة و انحصار سبب الحل فيه لا مجرد دفع الضرر مع امكانه بغيره من الادعية و التعويذات.

و لذا ذهب جماعة منهم الشهيد ان، و الميسى، و غيرهم: الى جواز تعلمه ليتوقى به من السحر و يدفع به دعوى المتنبى.

و ربما حمل اخبار الجواز الحاكية لقصة هاروت و ماروت على جواز ذلك في

______________________________

الثاني ره من حل السحر به) اى حل السحر بالسحر.

(و لعلهم حملوا ما دل على الجواز- مع اعتبار سنده- على حالة الضرورة) فى ابطال السحر (و انحصار سبب الحل فيه) اى في السحر، بان لا يمكن حل السحر الا بسحر آخر، لا بدواء، او ما اشبه.

ف (لا) يجوز حل السحر بالسحر، ب (مجرد دفع الضرر مع امكانه) اى امكان دفع الضرر الوارد من السحر (بغيره من الادعية و التعويذات).

(و لذا) الّذي ذكرنا من الجواز في صورة الاضطرار، و عدم امكان دفع الضرر بغير السحر (ذهب جماعة منهم الشهيدان، و الميسى، و غيرهم:

الى جواز تعلمه) اى تعلم السحر (ليتوقى به من السحر) اى يتحفظ المتعلم للسحر (و يدفع به) اى بسبب السحر (دعوى المتنبى) اى الّذي يدعى النبوة و يأتى بالسحر لاغراء الناس.

(و ربما حمل اخبار الجواز) لدفع السحر بالسحر (الحاكية لقصة هاروت و ماروت، على جواز ذلك) السحر لدفع السحر (فى

ص: 284

الشريعة السابقة.

و فيه نظر.

______________________________

الشريعة السابقة) جمعا بينها و بين ما دل على اطلاق المنع.

(و فيه نظر) اذ الظاهر من الاخبار جواز ذلك مطلقا.

و وجه الجمع تخصيص ما دل على المنع المطلق بهذه الاخبار، ان لم نقل بالتخصص.

ثم ان الظاهر امكان اقتران دعوى النبوة بالسحر، لان السحر لا يوجب اغراء اهل الخبرة الذين هم محور فهم الحقائق.

اما اغراء الجهال فذلك لا يجب دفعه على الله تعالى، حتى يقال:

كيف يمكن تسليط الله للساحر بان يأتى بالخارق مقترنا بدعواه النبوة.

و ان هذا خلاف ما ثبت من ان الله لا يمكن الكاذب من الخارق الموجب لضلال الناس.

و على هذا المبنى بنى في اصول الكلام لزوم الاذعان بالذى يدعى النبوة، و يأتى بالخارق.

و على هذا فمن الجائز عقلا عدم ردع الله تعالى تكوينا من يدعى النبوة و يأتى بالسحر مؤيّدا لدعواه، فان ذلك لا يوجب اغراء اهل الخبرة، و الجهال اغرائهم كثير، حتى بدون الاتيان بالسحر.

و ليس حفظهم واجبا عقلا على الله تعالى، لان المقدمات المضلّة باختيارهم، فان تكليفهم- الّذي يرشد إليه عقولهم- المراجعة الى اهل الخبرة، فعدم رجوعهم الى اهل الخبرة، حجة عليهم.

ص: 285

ثم ان الظاهر: ان التسخيرات باقسامها

______________________________

و مثال ذلك: ما اذا راجع الجهال، الدجالين من مدعى الطب، فهل يعذرون عرفا اذا قالوا بانا لم نميز بين الدجال و الطبيب؟ أم يلامون بانهم لم تسرعوا الى قبول مدعى الطبابة بدون سؤال اهل الخبرة عن الطبيب الواقعى.

هذا كله حال امكان اقتران دعوى النبوة، من الكذاب لاظهاره خارقا بالسحر.

و اما وجوب دفعه و لو بابطال سحره بسحر آخر فلان مصلحة الابطال اهم من مفسدة السحر.

و اذا جاز الابطال بالسحر، جازت مقدماته التى منها تعلم السحر.

و من ذلك ما يحكى من ان مدعيا للنبوة ظهر في زمن شيخنا البهائى رحمه الله و كان يقرن ذلك بالسحر، فطلبه الشيخ البهائى بمحضر الملك الصفوى، و كان المجلس في سطح مرتفع و لما جادله الشيخ و رأى منه الانكار و العناد، رأوا الناس هطول المطر بشدة حتى وصل ماء المطر الى السطح، و هناك جاءت سفينة بامر الشيخ لتقلّهم حتى لا يغمرهم الماء المتزايد، و قدّم الشيخ المتنبى فلما ان وضع رجله في السفينة سقط من السطح و مات، و تبين انه لم يكن ماء و مطر و سفينة اطلاقا، و انما كان تصرفا من الشيخ لقتل هذا المتنبى الساحر.

(ثم ان الظاهر: ان التسخيرات باقسامها) سواء كان تسخير ملك، او جن، او روح، او انسان، او حيوان، او جمادات كالشمس، و ما اشبه

ص: 286

داخلة في السحر، على جميع تعاريفه.

و قد عرفت ان الشهيدين مع اخذ الاضرار في تحريم السحر، ذكرا:

ان استخدام الملائكة و الجن من السحر، و لعل وجه دخوله تضرر المسخّر بتسخيره.

و اما سائر التعاريف فالظاهر شمولها لها.

و ظاهر عبارة الايضاح أيضا دخول هذه في معقد دعواه الضرورة على التحريم

______________________________

(داخلة في السحر، على جميع تعاريفه) المتقدمة.

لكن ربما يشكل عدم الانطباق في بعض الاقسام كتسخير الحيوانات و ما اشبه، فراجع المفصلات.

(و) ان قلت: ان شرط السحر الاضرار- كما ذكر جمع- فكيف تنسبون اطلاق الحرمة الى الجميع حتى فيما اذا لم يكن ضررا؟ او لم يكن الضرر حراما- كتسخير الشمس، او تسخير الحيوان-.

قلت: الذين اشترطوا الضرر ذكروا للتسخير عنوانا مستقلا، اذ (قد عرفت) بما تقدم (ان الشهيدين مع اخذ الاضرار في تحريم السحر، ذكرا:

ان استخدام الملائكة و الجن من السحر، و لعل وجه دخوله) اى التسخير في السحر مع اشتراطهم الاضرار (تضرر المسخّر بتسخيره) فتأمل.

(و اما سائر التعاريف) للسحر التى لم تأخذ عنوان الاضرار قيدا (فالظاهر شمولها) اى سائر التعاريف (لها) اى للتسخيرات.

(و ظاهر عبارة الايضاح أيضا دخول هذه) التسخيرات (فى معقد دعواه الضرورة على التحريم) اى ضرورة الدين المستفادة من فتواه بقتل

ص: 287

لان الظاهر دخولها في الاقسام، و العزائم، و النفث.

و يدخل في ذلك تسخير الحيوانات من الهوام، و السباع و الوحوش و غير ذلك خصوصا الانسان.

و عمل السيميا ملحق بالسحر اسما، او حكما.

______________________________

المستحل، لما تقدم من ان مستحل الضرورة يقتل.

فاذا افتى بالقتل كان معناه انه ضرورى التحريم.

و انما قلنا: بانه ظاهر عبارة الايضاح (لان الظاهر دخولها) اى التسخيرات (فى) ما ذكره من (الاقسام، و العزائم، و النفث) فان التسخير لا يكون الا بهذه الامور.

(و يدخل في ذلك) المحرم من انواع التسخيرات (تسخير الحيوانات من الهوام، و السباع، و الوحوش، و غير ذلك) كالطيور و الحيتان.

و على هذا فتسخير العقرب و الحية بعدم اللدغ من انواع السحر (خصوصا الانسان) لانه بالإضافة الى دخوله في عنوان السحر خلاف سلطنته على نفسه، و ضرر عرفا عليه.

(و) كذلك (عمل السيميا ملحق بالسحر اسما) لانه ليس سحرا (او حكما) لوجود المناط فيه.

و السيميا علم خواص الاشياء التى تؤثر تأثيرا غريبا كوضع عظم الهدهد في مكان خاص ليتكلم النائم بما يسأل عنه، و ما اشبه ذلك هذا و سيأتي من المصنف تعريفه بغير ذلك.

ص: 288

و قد صرح بحرمته الشهيد في الدروس، و المراد به على ما قيل احداث خيالات لا وجود لها في الحسّ يوجب تأثيرا في شي ء آخر.

______________________________

(و قد صرح بحرمته الشهيد في الدروس، و المراد به على ما قيل احداث خيالات) فى ذهن المسحور (لا وجود لها) حقيقة (فى الحسّ) بحيث (يوجب تأثيرا في شي ء آخر) «يوجب» صفة «وجود» اى ليس لتلك الخيالات وجود حقيقى حتى تؤثر في الخارج، و انما خيال يؤثر في الذهن فقط.

مثلا: ارائة الساحر للنار فانها لا وجود لها حقيقة حتى تؤثر في الطبخ و الاحراق، و انما خيال يؤثر في الذهن فقط.

ص: 289

انتهى الملخص منه.

و ما ذكره من وجوه السحر، بعضها قد تقدم عن الايضاح، و بعضها قد ذكر في ما ذكره في الاحتجاج من حديث الزنديق الّذي سئل أبا عبد الله عليه السلام عن مسائل كثيرة، منها: ما ذكره بقوله: اخبرنى عن السحر، ما اصله؟ و كيف يقدر الساحر على ما يوصف من عجائبه؟ و ما يفعل؟ قال ابو عبد الله عليه السلام ان السحر على وجوه شتى، منها: بمنزلة الطبّ كما ان الاطباء وضعوا لكل داء دواء، و كذلك علماء السحر احتالوا لكل صحة آفة، و لكل عافية عاهة، و لكل معنى حيلة.

______________________________

زوجه، و بين الصديقين (انتهى الملخص منه) رحمه الله.

(و ما ذكره من وجوه السحر، بعضها قد تقدم عن الايضاح، و بعضها قد ذكر في ما ذكره في الاحتجاج من حديث الزنديق الّذي سئل أبا عبد الله عليه السلام عن مسائل كثيرة، منها: ما ذكره) ذلك الزنديق (بقوله:

اخبرنى عن السحر، ما اصله؟ و كيف يقدر الساحر على ما يوصف من عجائبه؟ و ما يفعل) من الامور الخارقة للعادة (قال ابو عبد الله عليه السلام ان السحر على وجوه شتى، منها: بمنزلة الطب) ف (كما ان الاطباء وضعوا لكل داء دواء، و كذلك علماء السحر احتالوا لكل صحة آفة) فيعرفون كيف يمرضون الصحيح بادوية خفية؟ (و لكل عافية عاهة) فانهم يعرفون كيف يفرقون بين الناس فيبدلون العافية بضدها؟ او يكسدون سوق من له الحظ من الرواج، و ما اشبه ذلك (و لكل معنى حيلة) و علاجا، كالتصرف في النفوس بإلقاء الحب بين الزوجين، او ما اشبه ذلك

ص: 290

و نوع آخر منه خطفة و سرعة و مخاريق، و خفّة.

و نوع منه ما يأخذه اولياء الشياطين منهم.

قال: فمن اين علم الشياطين السحر قال: من حيث علم الاطباء الطب بعضه بتجربة، و بعضه بعلاج.

______________________________

(و نوع آخر منه) اى من السحر (خطفة) يخطفون المرئى بسرعة، فيظن من لا يلتفت الى الدقائق ان الشي ء اعدم، كما يركبون تحت الجسم الثقيل ثقبة مبوّبة، فاذا سقط جاء الباب مكان الثقب فيظن الغبى ان الجسم اعدم من نفسه (و سرعة) فى الحركة، كسرعة اخذ الخاتم من وسط الخيط من طرف رأسه، فيظن الرائى انه اخذ من وسط الخيط (و مخاريق) ما يلعب به الصبيان من الخرق المفتولة فيصنعون فتائل يحشونها بالزيبق او نحوه، فيظن الرائى انها حيوانات تتحرك و ما اشبه ذلك (و خفة) فى الحركة، كما تقدم من مثال حلب البقرة على الحائط.

(و نوع منه ما يأخذه اولياء الشياطين منهم) اى من الشياطين كما قال سبحانه: إِنَّ الشَّيٰاطِينَ لَيُوحُونَ إِلىٰ أَوْلِيٰائِهِمْ، فيخبرون عن المغيبات، و ما اشبه.

(قال) الزنديق (فمن اين علم الشياطين السحر) حيث قال: وَ لٰكِنَّ الشَّيٰاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النّٰاسَ السِّحْرَ، (قال:) عليه السلام (من حيث علم الاطباء الطب بعضه بتجربة) كمعرفة ان العناب ينفع في تصفية الدم (و بعضه بعلاج) كمعرفة ان الضغط على موضع الجرح مدة يوجب وقوف الدم فانه علاج واضح، لا يحتاج الى التجربة لمعرفته.

ص: 291

قال: و ما تقول في الملكين هاروت و ماروت؟ و ما يقول الناس بانهما يعلمان الناس السحر؟ قال انما هما موضع ابتلاء و موقف فتنة، تسبيحهما اليوم لو فعل الانسان كذا و كذا لكان كذا، و لو تعالج بكذا و كذا لصار كذا فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما، فيقولان لهم، انما نحن فتنة، فلا تأخذ و اعنّا ما يضرّكم و لا ينفعكم.

قال: أ فيقدر الساحر على ان يجعل الانسان بسحره في صورة كلب او حمار او غير ذلك، قال: هو اعجز من ذلك، و اضعف من ان يغير خلق الله،

______________________________

(قال) الزنديق (و ما تقول في الملكين هاروت و ماروت؟ و ما يقول الناس بانهما يعلمان الناس السحر) فهل ما يقوله الناس صحيح، أم لا؟

(قال) عليه السلام (انما هما) كانا (موضع ابتلاء) و امتحان للناس (و موقف فتنة) الفتنة بمعنى الامتحان (تسبيحهما اليوم) يمكن ان يراد: «ذلك اليوم» او يراد «اليوم الحاضر» و لكن الناس لا يسمعونهما و معنى التسبيح الورد و الكلام المستمر- تشبيها- (لو فعل الانسان كذا و كذا لكان كذا و لو تعالج بكذا و كذا لصار كذا) فانهما يبينان انواع العلاج و العلاقة بين الاسباب الخفية و المسببات (ف) كان الناس (يتعلمون منهما ما يخرج عنهما) من اقسام العلاج (فيقولان لهم، انما نحن فتنة) و امتحان (فلا تأخذوا عنّا ما يضرّكم و لا ينفعكم) و انما كانا يبينان الاسباب من جهة الامتحان.

(قال) الزنديق (أ فيقدر الساحر على ان يجعل الانسان بسحره في صورة كلب او حمار او غير ذلك، قال) الامام عليه السلام (هو اعجز من ذلك، و اضعف من ان يغير خلق الله) بمثل هذا النحو من التغيير.

ص: 292

ان من ابطل ما ركّبه اللّه تعالى، و صوّر غيره فهو شريك لله في خلقه، تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا، لو قدر الساحر على ما وصفت لدفع عن نفسه الهرم و الآفة و الامراض، و لنفى البياض عن راسه و الفقر عن ساحته.

و ان من اكبر السحر النميمة، يفرق بها بين المتحابين، و يجلب بها العداوة على المتصافين، و يسفك بها الدماء، و يهدم بها الدور، و يكشف بها الستور و النمام شر من وطئ الأرض بقدم، فاقرب اقاويل السحر من الصواب، انه بمنزلة الطب

______________________________

ف (ان من ابطل ما ركبه اللّه تعالى، و صور غيره) بان ابطل صورة، و اتى مكانها صورة اخرى (فهو شريك لله في خلقه، تعالى اللّه عن ذلك) الشريك (علوا كبيرا).

و (لو قدر الساحر على ما وصفت) من تغيير الصورة (لدفع عن نفسه الهرم و الآفة و الامراض، و لنفى البياض عن راسه و الفقر عن ساحته) لان من يقدر على تبديل الانسان حمارا مثلا، يكون لهذه الامور اقدر.

(و ان من اكبر السحر النميمة، يفرق) بصيغة المجهول، او المراد «النمام» المعلوم من الكلام (بها بين المتحابين، و يجلب بها العداوة على المتصافين، و يسفك بها الدماء) لان النميمة توجب العداوة، و العداوة تنتهى الى سفك الدماء (و يهدم بها الدور، و يكشف بها الستور) اى الاشياء المستورة، من: الاخلاق و الصفات و العداوات.

او المراد ستر النساء (و النمام شر من وطئ الارض بقدم) لما يترتب عليه من الشرور (فاقرب اقاويل السحر من الصواب، انه بمنزلة الطب) اى

ص: 293

ان الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء، فجائه الطبيب فعالجه بغير ذلك فابرئه، الحديث.

ثم لا يخفى ان الجمع بين ما ذكر في معنى السحر في غاية الاشكال.

لكن المهم بيان حكمه لا موضوعه.

______________________________

الاقوال التى قيلت بالنسبة الى السحر- و يكفى في الاضافة ادنى ملابسة- (ان الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء، فجائه الطبيب فعالجه بغير ذلك فابرئه، الحديث).

فهذا الحديث تعرض لبعض اقسام السحر المذكورة سابقا في كلام المجلسى.

نعم: يمكن ادخال سائر الاقسام في قوله عليه السلام «احتالوا ... الخ».

(ثم لا يخفى ان الجمع بين ما ذكر في معنى السحر) فى تعاريف اللغويين، و الفقهاء (فى غاية الاشكال) لانه يرد على كل واحد من تلك التعاريف عدم الاطراد و الانعكاس.

(لكن المهم بيان حكمه لا موضوعه) و احالة الموضوع الى العرف.

ص: 294

الحادية عشرة الشعبدة حرام بلا خلاف

و هى الحركة السريعة بحيث يوجب على الحس الانتقال من الشي ء الى شبهه كما يرى النار المتحركة على الاستدارة دائرة متصلة، لعدم ادراك السكونات المتخللة بين الحركات.

و يدل على الحرمة- بعد الاجماع- مضافا الى انه من الباطل و اللهو، دخوله في السحر، في الرواية المتقدمة عن الاحتجاج

______________________________

المسألة (الحادية عشرة) مما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما (الشعبدة) و هى (حرام بلا خلاف) بين العلماء (و هى الحركة السريعة بحيث يوجب على الحس الانتقال من الشي ء الى شبهه) و اذا مثل لذلك بعمل محلل نقول: (كما يرى النار المتحركة على الاستدارة دائرة متصلة) مع انها ليست في الحقيقة دائرة، و انما ترى دائرة (لعدم ادراك السكونات المتخللة بين الحركات).

و هذا التعريف عبارة اخرى عن بقاء ارقام الحركة في النظر، لعدم مجال لمحوها عن الناظر.

(و يدل على الحرمة- بعد الاجماع-) الّذي ادعاه الجواهر و غيره (مضافا الى انه من الباطل و اللهو) و سيأتى حرمة مثل هذا اللهو و ان لم نقل بحرمة كلّ لهو (دخوله في السحر، في الرواية المتقدمة عن الاحتجاج) حيث قال عليه السلام و نوع آخر «خطفة و سرعة و مخاريق و خفة»

ص: 295

المنجبر وهنها بالاجماع المحكى.

و في بعض التعاريف المتقدمة للسحر ما يشملها.

______________________________

(المنجبر و هنها بالاجماع المحكى) المتقدم.

(و في بعض التعاريف المتقدمة للسحر ما يشملها) كالمحكى عن البحار الرابع: التخيلات و الأخذ بالعيون مثل راكب السفينة يتخيل نفسه ساكنا و الشط متحركا، انتهى.

و لا يخفى: ان الشعبدة لا تطلق الا على نوع من الخفة و السرعة يرى في العرف انه قسم من السحر، فلا يستشكل على ذلك انه ان اراد مطلق السرعة فهذا خلاف الواقع، فهل يقول احد بان تحريك النار الجوالة حرام؟ او السرعة في السير؟ او ما اشبه.

و ان اراد سرعة خاصة، فما هو ميزان ذلك.

و ان شئت قلت: ان السحر من الموضوعات العرفية، فكما يصدق على بعض انحاء التصرف في الانسان و الحيوان و الجماد و على بعض الايهامات كصنع الحيّات الزيبقية، كذلك يصدق على بعض انواع الخفة و لذا لا يشك احد في تسمية ذلك بالسحر.

ثم الظاهر: ان التنويم المغناطيسى مع رضاية الطرف ليس محرما لعدم صدق السحر و عدم الضرر، و عدم كونه تصرفا في الاخر بدون ارادته.

و الوالد ره اشكل في ذلك في خاتمة «البداية» و ان كانت المسألة بعد تحتاج الى التنقيح.

كما ان الظاهر ان ما تبين واقعه لدى الناس حتى لم يسم سحرا يخرج عن

ص: 296

الثانية عشرة الغش حرام بلا خلاف،

و الاخبار به متواترة نذكر بعضها تيمنا.

فعن النبي صلى الله عليه و آله باسانيد متعددة: ليس من المسلمين من غشهم.

______________________________

هذا العنوان.

كما لو فرض صنع الحيات الزيبقية للعب الاطفال بكثرة، بحيث يعرف ذلك الناس.

و كذلك لا اشكال في الشفاء المغناطيسى الّذي يكون بقوة الروح و الله العالم.

المسألة (الثانية عشرة) مما يحرم الاكتساب به لكونه محرما في نفسه (الغش) و هو (حرام بلا خلاف، و الاخبار به) اى بتحريمه (متواترة نذكر بعضها تيمنا) اى لليمن و البركة- و قد تقدم تفسير ذلك-.

(فعن النبي صلى الله عليه و آله باسانيد متعددة: ليس من المسلمين من غشهم) المراد بكونه ليس منهم، عدم كونه كامل الاسلام لا انه كافر حقيقة.

و المنصرف عدم كونه جامعا لشرائط الاسلام اللازمة، لا انه ليس جامعا لشرائط الاسلام المكملة، كالتارك للآداب و السنن الّذي ليس بمؤمن كامل و لذا يدل الحديث على الحرمة.

ص: 297

و في رواية العيون، باسانيده قال رسول الله صلى الله عليه و آله:

ليس منّا من غش مسلما او ضره او ماكره.

و في عقاب الاعمال، عن النبي صلى الله عليه و آله، من غش مسلما في بيع او شراء، فليس منا، و يحشر مع اليهود يوم القيامة، لانه من غش الناس فليس بمسلم- الى ان قال- و من غشنا فليس منا، قالها ثلاثا و من غش اخاه المسلم نزع الله بركة رزقه افسد عليه معيشته

______________________________

(و في رواية العيون باسانيده قال رسول الله صلى الله عليه و آله:

ليس منّا من غشّ مسلما او ضره او ماكره) يراد بالمكر مقابل الغش و الضر و ان كان ربما يطلق كل من الثلاثة على الآخرين لدى الاطلاق.

(و في عقاب الاعمال، عن النبي صلى الله عليه و آله، من غشّ مسلما في بيع او شراء، فليس منا، و يحشر مع اليهود يوم القيامة، لانه من غش الناس فليس بمسلم).

و الظاهر ان سبب حشره مع اليهود كون الغش شبيها باعمالهم و قد قال سبحانه: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْوٰاجَهُمْ، (- الى ان قال) صلى الله عليه و آله (- و من غشنا فليس منا، قالها ثلاثا) اى كرّر هذه الجملة ثلاث مرات (و من غش اخاه المسلم نزع الله بركة رزقه) فيكون رزقه غير ثابت فان البركة من «برك» اذا استقر و دام، و نزع البركة من الغاش- بالإضافة الى انه واقعى من عالم الغيب- خارجى مشاهد أيضا فان الانسان الغاش يتفرق الناس عنه، و لا يعاملونه، فتذهب بركة رزقه، و كذلك الامة الغاشّة و ان دام رزق الغاش، فانما هو ايام قلائل و (افسد عليه معيشته)

ص: 298

و وكله الى نفسه.

و في مرسلة هشام، عن ابى عبد اللّه عليه السلام، انه قال لرجل يبيع الدقيق: اياك و الغش، فان من غشّ، غشّ في ماله، فان لم يكن له مال غش في اهله.

و في رواية سعد الاسكاف، عن ابى جعفر عليه السلام، قال: مر النبي صلّى اللّه عليه و آله في سوق المدينة بطعام، فقال لصاحبه: ما ارى طعامك إلا طيبا؟ فاوحى

______________________________

اما عطف بيان.

و اما ان يراد به ان يعيش منفورا بين الناس، حيث يرون منه الغش (و وكله الى نفسه) فلا يساعده في اموره حتى تنمو و تزدهر.

(و في مرسلة هشام، عن ابى عبد اللّه عليه السلام، انه قال لرجل يبيع الدقيق: اياك و الغش، فان من غش) الناس (غش في ماله) فان الناس أيضا يجازونه بالمثل (فان لم يكن له مال غش في اهله) فان عمله لا بدّ و ان يظهر للناس، فاذا ظهر، غشه الناس، ان كان له مال ففى ماله و الا ففى اهله.

و الغش في الاهل قابل الانطباق على اقسام كان ينظر الى اهله بنظر الخيانة.

(و في رواية سعد الاسكاف، عن ابى جعفر عليه السلام، قال: مرّ النبي صلّى اللّه عليه و آله في سوق المدينة بطعام، فقال لصاحبه: ما ارى طعامك إلا طيبا) الظاهر ان مراد النبي صلّى اللّه عليه و آله انه يرى ظاهره كذلك- و لذا لم يقل ليس طعامك الا طيبا-، بل قال: ما ارى- (فاوحى

ص: 299

اللّه إليه ان يدس يده في الطعام، ففعل فاخرج طعاما رديّا، فقال لصاحبه: ما اراك الا و قد جمعت خيانة و غشّا للمسلمين.

و رواية موسى بن بكير، عن ابى الحسن عليه السلام، انه اخذ دينارا من الدنانير المصبوبة بين يديه، فقطعها نصفين ثم قال لى: القه في البالوعة حتى لا يباع بشي ء فيه غشّ و قوله: فيه غشّ، جملة ابتدائيّة، و الضمير في لا يباع راجع الى الدّينار.

و في رواية هشام بن الحكم، قال: كنت ابيع السّابرى

______________________________

اللّه إليه ان يدس) الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و يدخل (يده في الطعام) و الظاهر ان المراد به الحنطة و الشعير (ففعل فاخرج طعاما رديّا، فقال لصاحبه: ما اراك الا و قد جمعت خيانة و غشا للمسلمين) الاتيان بلفظ «ما ارى» لعله من باب المماثلة، كقوله تعالى: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ.

(و رواية موسى بن بكير، عن ابى الحسن عليه السلام، انه اخذ دينارا من الدنانير المصبوبة بين يديه، فقطعها نصفين) ليسقط عن المالية (ثم قال لى: القه في البالوعة حتى لا يباع بشي ء فيه غش) فان الدينار كان مغشوشا.

و قد وجه المصنف الرواية بما يكون «فيه غش» جملة تعليلية لتشمل كل غش، فقال: (و قوله: فيه غش، جملة ابتدائية، و الضمير في لا يباع راجع الى الدينار) اى لا يباع الدينار بشي ء، لان فيه غشا.

(و في رواية هشام بن الحكم، قال: كنت ابيع السابرى) معوب «شابورى» ثوب جيد منسوب الى شاپور ملك فارس، و شاپور معناه ابن الملك

ص: 300

فى الظلال فمر بى ابو الحسن الاول فقال: لى يا هشام ان البيع في الظلال غش و الغش لا يحل.

و في رواية الحلبى قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام، عن الرجل يشترى طعاما فيكون احسن له، و انفق له ان يبله من غير ان يلتمس زيادته فقال: ان كان بيعا لا يصلحه الا ذلك، و لا ينفقه غيره من غير ان يلتمس فيه زيادة، فلا بأس، و ان كان انما يغش به المسلمين، فلا يصلح.

و روايته الاخرى قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام، عن الرجل يكون

______________________________

(فى الظلال) اى تحت السقف (فمر بي ابو الحسن الاول) عليه السلام (فقال لى: يا هشام ان البيع في الظلال غش) لان المشترى لا يراه جيدا (و الغش لا يحل).

(و في رواية الحلبى قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام، عن الرجل يشترى طعاما فيكون احسن له) اى للمشترى (و انفق له) اى اكثر رواجا في السوق (ان يبله) بالماء (من غير ان يلتمس) و يطلب بذلك (زيادته) فانه لا يريد ان يزيد وزن الطعام، بسبب الماء الّذي يشربه عند البلل (فقال:

ان كان بيعا) اى مبيعا (لا يصلحه الا ذلك) البلل (و لا ينفقه غيره) النفق الرواج، اى لا يروج طعامه بغير البلل (من غير ان يلتمس) و يطلب (فيه) اى في ذلك البلل (زيادة، فلا بأس، و ان كان انما يغش به) اى بالبلل (المسلمين، فلا يصلح) ان يفعل ذلك.

(و روايته الاخرى قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام، عن الرجل يكون

ص: 301

عنده لونان من الطعام، سعرهما شتى، و احدهما اجود من الآخر، فيخلطهما جميعا، ثم يبيعهما بسعر واحد فقال: لا يصلح له ان يغش المسلمين حتى يبينه.

و رواية داود بن سرحان، قال كان معى جرابان من مسك، احدهما رطب و الآخر يابس، فبدئت بالرطب، فبعته، ثم اخذت اليابس ابيعه، فاذا انا لا اعطى باليابس الثمن الّذي يسوى، و لا يزيدونى على ثمن الرطب فسئلت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك، أ يصلح لى ان أنديه؟ قال: لا الا ان تعلمهم، قال فنديته ثم اعلمتهم.

______________________________

عنده لونان من الطعام، سعرهما شتى) جمع شتيت اى مختلف (و احدهما اجود من الآخر، فيخلطهما جميعا، ثم يبيعهما بسعر واحد) هل يجوز ذلك؟ (فقال) عليه السلام (لا يصلح له ان يغش المسلمين حتى يبيّنه) بان يقول: هذا جنسان و احدهما اجود من الآخر، حتى لا يزعم المشترى ان الجنس كله جيد- بسبب ما يرى من بعض الاجزاء الجيدة-.

(و رواية داود بن سرحان، قال كان معى جرابان من مسك، احدهما رطب و الآخر يابس، فبدئت بالرطب، فبعته، ثم اخذت اليابس) اريدان (ابيعه، فاذا انا لا اعطى باليابس الثمن الّذي يسوى، و لا يزيدونى على ثمن الرطب).

قوله «و لا يزيدونى» عطف بيان ل «يسوى» فان اليابس ازيد ثمنا من الرطب، لان اليابس اكثر مقدارا فيما اذا كان هو و الرطب متساويين (فسئلت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك، أ يصلح لى ان أنديه؟ قال) عليه السلام (لا، الا ان تعلمهم) بانه يابس انديته (قال فنديته ثم اعلمتهم

ص: 302

قال: لا بأس.

ثم ان ظاهر الاخبار هو كون الغش بما يخفى، كمزج اللبن بالماء، و خلط الجيد بالردي ء، في مثل الدهن فمنه وضع الحرير في مكان بارد ليكتسب ثقلا، و نحو ذلك.

و اما المزج و الخلط بما لا يخفى فلا يحرم، لعدم انصراف الغش إليه. ______________________________

قال) عليه السلام (لا بأس) اذا اعلمتهم، الى غير ذلك من الروايات الكثيرة.

(ثم ان ظاهر الاخبار هو كون الغش) انما يتحقق (بما يخفى) و الموضوع شخصى.

فكل انسان يخفى عليه بالنسبة إليه يكون غشا له، و كل انسان لا يخفى عليه لا يكون غشا بالنسبة إليه (كمزج اللبن بالماء، و خلط الجيد بالردي ء، في مثل الدهن) و انما مثل لذلك لان الخفاء فيه واضح (فمنه وضع الحرير في مكان بارد ليكتسب ثقلا، و نحو ذلك) من اقسام الغش.

(و اما المزج و الخلط بما لا يخفى فلا يحرم، لعدم انصراف) لفظ (الغش) الوارد في الاخبار (إليه) بل الغش منصرف عنه.

الا ترى انه لو علم المشترى ان ثلث هذا اللبن ماء، ثم اشتراه لا يقال عرفا انه مغشوش، و ان البائع غشه.

(و يدل عليه) اى على كون الغش انما يصدق مع الخفاء لا مع الظهور (- مضافا الى بعض الاخبار المتقدمة-) كرواية الحلبى «حتى يبينه» (صحيحة ابن مسلم عن

ص: 303

احدهما عليهما السلام انه سئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض، و بعضه اجود من بعض، قال: اذ رؤيا جميعا فلا بأس، ما لم يغط الجيد الردي ء.

و مقتضى هذه الرواية، بل و رواية الحلبى الثانية و رواية سعد الاسكاف انه لا يشترط في حرمة الغش كونه مما لا يعرف، الا من قبل البائع فيجب الاعلام بالعيب غير الخفى الا ان ينزل الحرمة في موارد الروايات الثلاث على ما اذا تعمد الغش برجاء التلبيس على المشترى، و عدم التفطن له

______________________________

احدهما عليهما السلام) اى الصادق او الباقر «ع» فانه قد كان ينسى انه سئل ايهما عليهما السلام، فيروى عن احدهما مرددا (انه سئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض، و بعضه) ذلك الطعام (اجود من بعض، قال) عليه السلام (اذ رؤيا جميعا) اى رآهما المشترى (فلا بأس، ما لم يغطّ الجيد الردي ء) «الجيد» فاعل، و «الردى ء» مفعول.

(و مقتضى هذه الرواية، بل و رواية الحلبى الثانية و رواية سعد الاسكاف انه لا يشترط في حرمة الغش كونه مما لا يعرف، الا من قبل البائع) بل يمكن تحقق الغش و ان امكن ان يعرفه غير البائع، فان الطعام الجيد الّذي يعطى الردي ء، مما يمكن ان يعرف ذلك المشترى بتقليب الطعام، و لكن مع ذلك فهو غش (فيجب الاعلام بالعيب غير الخفى) أيضا (الا ان ينزل الحرمة في موارد الروايات الثلاث على ما اذا تعمد الغش برجاء التلبيس) و الاشتباه (على المشترى، و) برجاء (عدم التفطن له) اى تفطن المشترى للغش- كما لا يبعد ذلك- فان من يجعل اعلى الطعام جيدا و اسفله رديئا، انما يفعل ذلك- غالبا- لاجل الغش و عدم تفطن

ص: 304

و ان كان من شأن ذلك العيب ان يتفطن له فلا تدل الروايات على وجوب الاعلام، اذا كان العيب من شأنه التفطن له فقصر المشترى و سامح في الملاحظة.

ثم ان غش المسلم انما هو ببيع المغشوش عليه مع جهله.

فلا فرق بين كون الاغتشاش بفعله، او بغيره فلو حصل اتفاقا او لغرض

______________________________

المشترى (و ان كان من شأن ذلك العيب ان يتفطن له) المشترى، لكن البائع يفعل ذلك رجاء الغش.

و على هذا (فلا تدل الروايات) الثلاث (على وجوب الاعلام، اذا كان العيب من شأنه التفطن له فقصر المشترى و سامح في الملاحظة).

و لكن لا يخفى انه اذا قلنا بعدم وجوب الاعلام لا بدّ و ان يكون للمشترى خيار العيب، لان تقصيره في التفطن لا يسقط خياره.

نعم اذا اقدم كيفما كان، او علم و اقدم لم يكن له خيار.

(ثم ان غش المسلم) المحرم (انما هو ببيع المغشوش عليه مع جهله) بالغش.

اما جهلا مطلقا او جهلا في الجملة، كما اذا علم ان في اللبن ماء لكن ظنه نصفا فتبين ثلثين.

(فلا فرق بين كون الاغتشاش بفعله، او ب) فعل (غيره) و لو كان ذلك الغير شيئا لا يعقل، كما لو كان وضع اناء اللبن في الارض فمطرت السماء فيه (فلو حصل) الاغتشاش (اتفاقا) اى من باب الاتفاق بدون القصد- كالمثال- (او لغرض) صحيح، كما اذا اراد شرب اللبن فمزجه بالماء، ثم بدا له في بيعه،

ص: 305

فيجب الاعلام بالعيب الخفى و يمكن ان يمنع صدق الاخبار المذكورة الا على ما اذا قصد التلبيس، و اما ما هو ملتبس في نفسه، فلا يجب عليه الاعلام.

نعم يحرم عليه اظهار ما يدل على سلامته من ذلك.

فالعبرة في الحرمة بقصد تلبيس الامر على المشترى، سواء كان العيب خفيا أم جليا- كما تقدم- لا بكتمان العيب مطلقا او خصوص

______________________________

(فيجب الاعلام بالعيب الخفى).

و هل يحرم كتمان العيب مطلقا، او يحرم كتمان العيب الخفى، او لا يحرم الكتمان مطلقا، و انما يحرم قصد التلبيس، احتمالان.

و الى هذا اشار المصنف بقوله: (و يمكن ان يمنع صدق الاخبار المذكورة) الدالة على حرمة الغش (الا على ما اذا قصد التلبيس، و اما ما هو ملتبس في نفسه، فلا يجب عليه الاعلام) لعدم صدق الغش حينئذ.

(نعم يحرم عليه اظهار ما يدل على سلامته من ذلك) العيب.

فاذا كانت الحنطة رديئة و لها ظاهر حسن، لا يجب اعلام المشترى بذلك، و انما يحرم عليه ان يقول هذه حنطة جيدة.

(فالعبرة في الحرمة بقصد تلبيس الامر على المشترى، سواء كان العيب خفيا أم جليا).

فاذا قصد التلبيس، كان حراما و ان كان العيب جليا.

و ان لم يقصد التلبيس لم يكن حراما و ان كان العيب خفيا (- كما تقدم-) انه يحرم لو قصد التلبيس و ان كان العيب جليا، و (لا) عبرة (بكتمان العيب مطلقا) اى ليس كتمان العيب محرما، سواء كان العيب خفيا او جليا (او خصوص

ص: 306

الخفى، و ان لم يقصد التلبيس.

و من هنا منع في التذكرة من كون بيع المعيب مطلقا مع عدم الاعلام بالعيب غشا.

و في التفصيل المذكور في رواية الحلبى اشارة الى هذا المعنى، حيث انه عليه السلام جوّز بلّ الطعام بدون قيد الاعلام، اذا لم يقصد به الزيادة و ان حصلت به و حرّمه مع قصد الغش.

______________________________

الخفى، و ان لم يقصد التلبيس) اى ليس كتمان اى عيب، او العيب الخفى محورا للحرمة، و انما المحور قصد التلبس.

(و من هنا) الّذي ذكرنا من ان المحور للحرام: قصد التلبيس، (منع في التذكرة من كون بيع المعيب مطلقا) خفيا كان العيب او جليا (مع عدم الاعلام بالعيب غشا) و معناه جواز بيع المعيب في بعض الصور- و هى صورة ما اذا لم يقصد التلبيس-.

(و في التفصيل المذكور في رواية الحلبى اشارة الى هذا المعنى) الّذي ذكرناه، و هو ان المحور للحرام قصد التلبيس، لا العيب الواقعى (حيث انه عليه السلام جوز بلّ الطعام بدون قيد الاعلام، اذا لم يقصد به) البائع ببلّه (الزيادة) فى مقدار الطعام (و ان حصلت) الزيادة (به) اى بالبلل، قوله «و ان» وصيلة (و حرمه) الامام عليه السلام- اى البل- (مع قصد الغش) فيتبين منه ان المحور للحرام قصد الغش، لا العيب واقعا.

اقول لا يخفى: ان ما في هذا الاستظهار من الاشكال، لصدق الغش بمجرد السكوت.

ص: 307

نعم يمكن ان يقال: فى صورة تعيب المبيع، بخروجه عن مقتضى خلقته الاصلية بعيب خفى، او جلى، ان التزام البائع بسلامته عن العيب مع علمه به غش للمشترى كما لو صرح باشتراط السلامة فان العرف يحكمون على البائع بهذا الشرط مع علمه بالعيب انه غاش.

______________________________

و الرواية ليست شاهدة على التفصيل، بل هى للتلازم بين قصد الغش و الغش واقعا- تلازما غالبيا- كما لا يخفى.

(نعم يمكن ان يقال: فى صورة تعيب المبيع، ب) سبب (خروجه عن مقتضى خلقته الاصلية بعيب خفى) كالمرض الخفى في الحيوان (او جلى) كالتورم فيه- مثلا- (ان التزام البائع بسلامته) اى المبيع (عن العيب) و ان كان الالتزام بسبب السكوت في مقام يقتضي البيان (مع علمه به) اى بذلك العيب (غش للمشترى).

و يكون حال ذلك (كما لو صرح باشتراط السلامة) فان السكوت و الاشتراط للسلامة بمنزلة واحدة.

و لذا يقولون ان شرط السلامة شرط ضمنى و ان لم يصرحوا به، و لهذا الشرط الضمنى يحق للمشترى ان يرد المبيع ان ظهر فيه العيب (فان العرف يحكمون على البائع بهذا الشرط) اى باع بشرط السلامة- لفظا او مقاما- (مع علمه بالعيب انه غاش).

و المحصل من كلام المصنف أولا، بقوله: و يمكن ان يمنع الخ الّذي مقتضاه دوران الحرمة مدار قصد التلبيس.

و ثانيا: بقوله: نعم، الّذي مقتضاه الحرمة في صورة اشتراط السلامة

ص: 308

ثم ان الغش يكون باخفاء الادنى في الاعلى كمزج الجيد بالردي ء.

او غير المراد في المراد، كادخال الماء في اللبن.

و باظهار الصفة الجيدة المفقودة واقعا، و هو التدليس.

و باظهار الشي ء على خلاف جنسه، كبيع المموّه على انه ذهب او فضة

______________________________

لفظا او مقاما، ان البائع اذا لم يقصد الغش لم يكن حراما، الا اذا شرط السلامة- شرطا لفظيا او شرطا مقاميا-.

فلا يقال: ان بين قوله «يمكن» و بين قوله: «نعم» تهافت.

اذ قوله: «نعم» كالاستثناء عن اطلاق «يمكن» لا انه مضاد له، كما لا يخفى.

(ثم ان الغش) على اقسام، فانه (يكون) تارة (باخفاء الادنى في الاعلى كمزج الجيد بالردي ء).

(او) تارة اخرى بمزج (غير المراد) للمشترى (فى المراد) له (كادخال الماء في اللبن).

(و) تارة ثالثة (باظهار الصفة الجيدة المفقودة واقعا، و هو التدليس) كاظهار جمال الامة و الحال انها قبيحة.

(و) تارة رابعة (باظهار الشي ء على خلاف جنسه، كبيع المموّه على انه ذهب او فضة).

و له اقسام اخر مثل اظهار الصفة الرديئة التى هى مطلوبة للمشترى كبيع البكر باعتبار انها ثيب، فيما اذا كان المشترى يريد الثيب.

و مثل اظهار الخلو عن الصفة مع كونه متصفا بها، و ان لم تكن تلك

ص: 309

ثم ان في جامع المقاصد ذكر في الغش بما يخفى- بعد تمثيله له بمزج اللبن بالماء- وجهين في صحة المعاملة و فسادها من حيث ان المحرم هو الغش، و المبيع عين مملوكة ينتفع بها.

و من ان المقصود بالبيع هو اللبن، و الجارى عليه العقد هو المشوب.

ثم قال: و في الذكرى في باب الجماعة ما حاصله: انه لو نوى الاقتداء بامام معين على انه زيد، فبان عمرو، ان في الحكم نظرا.

______________________________

الصفة جمالا و لا قبحا كاظهار ان العبد لا اقرباء له او له اقرباء فيما اذا كان الواقع بالعكس، و كان يريد المشترى قسما خاصا منهما، و هكذا.

(ثم ان في جامع المقاصد ذكر في الغش بما) لا (يخفى- بعد تمثيله له بمزج اللبن بالماء- وجهين في صحة المعاملة و فسادها).

اما وجه الصحة، ف (من حيث ان المحرم هو الغش، و المبيع عين مملوكة ينتفع بها) فالبيع صحيح، منتهى الامر تدارك ذلك بالخيار او اخذ التفاوت- مثلا-.

(و) اما وجه الفساد، ف (من) جهة (ان المقصود بالبيع هو اللبن، و الجارى عليه العقد هو المشوب).

فالمبيع غير العين و العين غير المبيع، و يكون من قبيل ما لو باعه حمارا فظهر فرسا.

(ثم قال) صاحب جامع المقاصد (و في الذكرى في باب الجماعة ما حاصله: انه لو نوى الاقتداء بامام معين على انه زيد، فبان عمرو، ان في الحكم) بصحة الصلاة او فسادها (نظرا).

ص: 310

و مثله لو قال: بعتك هذا الفرس، فاذا هو حمار.

و جعل منشأ التردد تغليب الاشارة، او الوصف، انتهى.

و ما ذكره من وجهى الصحة و الفساد جار في مطلق العيب، لان المقصود هو الصحيح، و الجارى عليه العقد هو المعيب.

و جعله من باب تعارض الاشارة و الوصف

______________________________

من جهة ان المقصود بالايتمام زيد، فلا يصلح الايتمام، حيث لم يكن زيدا.

و من جهة انه لا دليل على لزوم كون الامام مقصودا، بل صحة الجماعة في الجملة بتوفر شرائط الامامة في الامام.

(و مثله لو قال: بعتك هذا الفرس، فاذا هو حمار) فان في الحكم بصحة المعاملة نظرا.

(و جعل) صاحب جامع المقاصد (منشأ التردد) فى هذه المقامات، هل يصح، أم لا؟ (تغليب الاشارة) على الوصف، فيصح البيع و الصلاة، لانه اشار الى الامام الحاضر، و الحيوان الحاضر (او الوصف) على الاشارة، فيبطل، لانه وصف الامام بكونه زيدا، و ليس بزيد، و وصف الحيوان بانه فرس و ليس بفرس (انتهى) كلام جامع المقاصد.

(و ما ذكره من وجهى الصحة و الفساد) بقوله: من حيث، و من ان المقصود (جار في مطلق العيب، لان المقصود هو الصحيح) او المتصف بوصف كذا (و الجارى عليه العقد هو المعيب) فله وجه صحة، و له وجه فساد.

(و جعله) اى جعل جامع المقاصد مسئلة ما نحن فيه- اى الغش- (من باب تعارض الاشارة و الوصف) من قبيل هذا حمار، فاذا هو فرس،

ص: 311

مبنى على إرادة الصحيح من عنوان المبيع، فيكون قوله: بعتك هذا العبد- بعد تبين كونه اعمى-: بمنزلة قوله: بعتك هذا البصير.

و انت خبير بانه ليس الامر كذلك- كما سيجي ء في باب العيب- بل وصف الصحة ملحوظ على وجه الشرطية، و عدم كونه مقوما للمبيع، كما يشهد به العرف و الشرع.

______________________________

(مبنى) هذا الجعل (على إرادة الصحيح من عنوان المبيع) حتى يكون العنوان الّذي انصب عليه البيع صحيحا، و الواقع المشار إليه خارجا معيبا، فيكون من قبيل الفرس و الحمار (فيكون قوله: بعتك هذا العبد- بعد تبين كونه اعمى-: بمنزلة قوله: بعتك هذا البصير) بان يكون مصب العقد «البصير» و المشار إليه «الاعمى» حتى تندرج مسئلة الغش في مسألة «الحمار و الفرس».

(و انت خبير بانه ليس الامر كذلك) اى ليس الوصف المفقود عنوانا و مصبا للعقد (- كما سيجي ء في باب العيب-) من انه ليس مصب العقد الصحة (بل) مصب العقد هو: العبد، في المثال.

و انما (وصف الصحة ملحوظ على وجه الشرطية، و عدم كونه) اى وصف الصحة، «و عدم» عطف على «وجه» (مقوما للمبيع، كما يشهد به العرف و الشرع) فان العرف لا يرى الا تخلف الشرط فيما كان اعمى و الشرع صرح بصحة البيع، و انما للمشترى الخيار.

و لو كان مصب العقد الصحيح، على وجه العنوانية، لا الاشتراط، لزم ان يكون بنظر العرف و الشرع باطلا.

ص: 312

ثم لو فرض كون المراد من عنوان المشار إليه هو الصحيح لم يكن اشكال في تقديم العنوان على الاشارة بعد ما فرض

______________________________

نعم: مثال «الحمار و الفرس»- فيما اذا لم يكن المقصود مطلق الحيوان، و الحمارية و الفرسية من باب الوصف- يختلف فيه مصب العقد فالمبيع شي ء، و المشار إليه شي ء آخر.

و ان شئت قلت: انه لو باعه العبد على انه بصير، فبان اعمى، راى العرف خلاف الشرط، و لذا يصح البيع مع الخيار.

و لو باعه الحمار، فبان فرسا رأى العرف خلاف ذات المبيع، و لذا يراه باطلا.

فتمثيل جامع المقاصد لما نحن فيه بالحمار و الفرس، في غير محله.

و على هذا فليس في مسألة الغش الاوجه الصحة.

و لا مجال للقول لفساد المعاملة- كما جعل جامع المقاصد المسألة ذات وجهين-.

و اما مسألة الجماعة فقد ذكروا انه لو اراد زيدا على وجه التقييد، بطلت الصلاة- او الجماعة- لانه لا يقصد الصلاة حينئذ، و ان اراده على وجه الخطاء في التطبيق صحت الصلاة و الجماعة.

(ثم لو فرض كون المراد من عنوان المشار إليه هو الصحيح) بان كان مصب العقد «البصير» فى مثال العبد الاعمى (لم يكن) وجه لاحتمال الصحة كما احتمله جامع المقاصد- و هذا اشكال آخر، على جامع المقاصد.

اذ لا (اشكال في تقديم العنوان على الاشارة بعد ما فرض) جامع

ص: 313

ره، ان المقصود بالبيع هو اللبن و الجارى عليه العقد هو المشوب، لان ما قصد لم يقع، و ما وقع لم يقصد.

و لذا اتفقوا على بطلان الصرف، فيما اذا تبين احد العوضين معيبا من غير الجنس.

______________________________

المقاصد (ره، ان المقصود بالبيع هو اللبن) فقط (و الجارى عليه العقد هو المشوب).

و انما نقول بالبطلان، و تقديم العنوان (لان ما قصد) ه المشترى من اللبن (لم يقع، و ما وقع) من المشوب (لم يقصد).

و من المعلوم: ان العقود تتبع القصود، اذ «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» معناه العقد الّذي اوقعتم، و المفروض ان المشترى لم يوقع العقد على المشوب.

(و لذا) الّذي ذكرناه من عدم الاشكال في تقديم العنوان حيث يكون العنوان مصبّ العقد- المستلزم بطلان العقد- (اتفقوا على بطلان) بيع (الصرف) و هو بيع الذهب و الفضة، بعضها ببعض (فيما اذا تبين احد العوضين معيبا من غير الجنس) كان يكون الذهب الثمن- مثلا- ذهبا مخلوطا بنحاس، لانه يستلزم حينئذ الربا، اذ المثمن مثقال من ذهب و الثمن نصف مثقال، و النصف الآخر النحاس، ليس مبيعا حتى يقابل بنصف مثقال ذهب المثمن.

فتحصل ان الاشكال على جامع المقاصد بامرين.

الاول: ان جعل مسئلة الغش من باب تعارض الوصف و العنوان، ليس في محله.

ص: 314

و اما التردد في مسألة تعارض الاشارة و العنوان، فهو من جهة اشتباه ما هو المقصود بالذات، بحسب الدلالة اللفظية، فانها مردّدة بين كون متعلق العقد أولا و بالذات: هو العين الحاضرة، و يكون اتصافه بالعنوان مبنيا على الاعتقاد.

و كون متعلقه هو العنوان.

______________________________

الثاني: انه لو فرض كون الغش من باب تعارض الاشارة و العنوان، يلزم القول بالبطلان.

فلا وجه لما ذكره جامع المقاصد من ان فيه وجهين- احتمال الصحة و احتمال البطلان-.

(و) ان قلت: اذا كان اللازم القول بالبطلان في مسألة تعارض الاشارة و العنوان فلما ذا نرى الفقهاء يترددون بين الصحة و البطلان في هذه المسألة.

قلت: (اما التردد) منهم (فى مسألة تعارض الاشارة و العنوان فهو من جهة اشتباه ما هو المقصود بالذات) للمتبايعين (بحسب الدلالة اللفظية، فانها) اى الدلالة اللفظية- فى مثل بعتك: البصير- (مردّدة بين كون متعلق العقد) و مصبّه (أولا و بالذات: هو العين الحاضرة) اى ذات العين (و يكون اتصافه بالعنوان) اى البصير، حين التلفظ بالعقد (مبنيا على الاعتقاد) بكونه بصيرا فيكون البصر شرطا، لا مصبّا للعقد- و على هذا يصح العقد و للمشترى خيار تخلف الشرط-.

(و) بين (كون متعلقه) اى متعلق العقد (هو العنوان) فصب العقد

ص: 315

و الاشارة إليه باعتبار حضوره.

اما على تقدير العلم بما هو المقصود بالذات، و مغايرته للموجود الخارجى- كما في ما نحن فيه- فلا يتردد احد في البطلان.

و

______________________________

«البصير بوصف كونه بصيرا» (و الاشارة إليه) اى الى ذات العبد ليست باعتبار ان الذات مقصودة، بل (باعتبار حضوره) خارجا.

و على هذا يبطل العقد، لان ما قصد لم يقع، و ما وقع لم يقصد.

و الحاصل ان تردد الفقهاء في الصحة و البطلان، من جهة انه هل المصب ذات العبد او البصير؟

اما اذا تبين ان المصبّ ذات العبد، فلا اشكال في الصحة، كما انه اذا تبين ان المصبّ وصف البصير، فلا اشكال في البطلان.

فالتردد منهم في الصحة و البطلان من جهة التردد في مقصود المتبايعين:- الذات، او الوصف-.

(اما على تقدير العلم بما هو المقصود) للمتبايعين (بالذات، و مغايرته) اى المقصود (للموجود الخارجى- كما في ما نحن فيه-) من مثال ما اذا قصد الصحيح- كالبصير، في المثال- (فلا يتردد احد في البطلان) لان ما وقع لم يقصد، و ما قصد لم يقع.

(و) ان قلت: بناء على ما ذكرتم من انه لا وجه للتردد، و انه يلزم القول بالبطلان، في صورة كون المقصود الوصف، و القول بالصحة في صورة كون المقصود الذات، فلم ذكر الذكرى: ان مسألة الاقتداء، من

ص: 316

اما وجه تشبيه مسألة الاقتداء- فى الذكرى- بتعارض الاشارة و الوصف فى الكلام- مع عدم الاجمال في النية.

فباعتبار عروض الاشتباه للنّاوى- بعد ذلك- فيما نواه.

اذ كثيرا ما يشتبه على النّاوى انه حضر في ذهنه العنوان و نوى الاقتداء به معتقدا لحضوره

______________________________

باب تعارض الوصف و الاشارة؟ بل اللازم ان نقول ببطلان الجماعة، فيما اذا اراد وصف زيد، و بالصحة فيما اذا اراد هذا الحاضر، و زعم انه زيد

قلت: (اما وجه تشبيه مسألة الاقتداء- فى الذكرى- بتعارض الاشارة و الوصف- فى الكلام-) اى في كلام المتبايعين، فيما لو قال:

بعتك هذا البصير، و لم يعلم ان مصب العقد ذات العبد او وصف البصير فيما اذا اشار الى اعمى و وصف بصيرا (مع عدم الاجمال في النية) اى كيف شبّه الذكرى «الاقتداء» ب «البيع» مع ان البيع له لفظ، فيمكن الاجمال فيه و الّذي يسبب ذلك الاجمال ان لا نعلم ان المصبّ «الوصف» او «الذات» بخلاف «الاقتداء» فانه تابع للنية، فاذا عرف المصلى من نيته «الذات» بخلاف «الاقتداء» فانه تابع للنية، فاذا عرف المصلى من نيته الوصف بطلت الجماعة، و اذا عرف من نيته الذات صحت، فكيف تشبه مسألة الاقتداء الواضحة بمسألة العقد المجملة.

(ف) الجواب انه (باعتبار عروض الاشتباه للناوى- بعد ذلك-) الّذي نوى (فيما نواه) فى اوّل الصلاة.

(اذ كثيرا ما يشتبه على الناوى) للجماعة (انه حضر في ذهنه) حين الاقتداء (العنوان) و انه زيد (و نوى الاقتداء به معتقدا لحضوره)

ص: 317

المعتبر في امام الجماعة، فيكون الامام هو المعنون بذلك العنوان.

و انما اشار إليه معتقدا لحضوره او انه نوى الاقتداء بالحاضر و عنونه بذلك العنوان لاحراز معرفته بالعدالة، او تعنون به بمقتضى الاعتقاد من دون اختيار، هذا

______________________________

فمتعلق نيته عنوان خاص، و هو كونه زيدا (المعتبر) ذلك الحضور (فى امام الجماعة) فكونه حاضرا، ليس مصب النية، و انما لكون الحضور معتبرا في امام الجماعة (فيكون الامام) بناء على هذا القسم من النية (هو المعنون بذلك العنوان) اى عنوان انه زيد.

(و انما اشار إليه معتقدا لحضوره) فالاشارة تطفلية (او انه نوى الاقتداء بالحاضر)- اى بهذا الذات-.

و قوله «او» عطف على قوله «نوى الاقتداء بالعنوان»

(و) انما (عنونه بذلك العنوان) اى انه زيد (لاحراز معرفته بالعدالة او) لاجل انه (تعنون) الحاضر (به) اى بهذا العنوان- اعنى كونه زيدا- (بمقتضى الاعتقاد) من المأموم (من دون اختيار) المأموم (هذا) العنوان بالذات.

فتحصل ان في الامام «ذات» و «وصف».

فان اقتدى المأموم ب «الذات» صحت الجماعة، و ان خرج الوصف بكونه زيدا مخالفا، بان بان انه عمرو.

و ان اقتدى المأموم ب «الوصف» بطلت الجماعة اذا خرج الوصف بكونه زيدا مخالفا بان بان انه عمرو، و قد يتردّد المأموم انه نوى في اوّل

ص: 318

ثم انه قد يستدل على الفساد- كما نسب الى المحقق الاردبيلى ره- بورود النهى عن هذا البيع فيكون المغشوش منهيا عن بيعه، كما اشير إليه في رواية قطع الدينار و الامر بإلقائه في البالوعة، معللا بقوله عليه السلام: حتى لا يباع بشي ء و لان نفس البيع غش منهى عنه.

______________________________

الصلاة اى النحوين، و لذا يتردد في صحة الجماعة و بطلانها و هذا بخلاف مسألة الوصف و الاشارة، في البيع، فان اللفظ في العقد قد يكون مجملا و ذلك الاجمال يسبب التردد في صحة البيع او بطلانه.

فتشبيه الذكرى العقد بالصلاة في التردّد في الصحة و البطلان، فيما اذا تخلف الوصف عن الاشارة، من باب تشبيه «العقد المجمل لفظه» ب «الصلاة التى جهل المأموم في الاثناء انه نوى الوصف، او الحاضر»

اما لو كان مصب العقد واضحا: انه وصف او اشارة، و مصب النية واضحا انه الحاضر، او الموصوف، فلا اشكال، و لا تردّد.

(ثم) انه بعد ان تحقق عدم فساد بيع المغشوش من جهة القواعد الاولية، فلننظر هل هناك وجه آخر للفساد، أم لا؟.

ف (انه قد يستدل على الفساد- كما نسب) هذا الاستدلال (الى المحقق الاردبيلى ره- بورود النهى عن هذا البيع) بالغش (فيكون المغشوش منهيا عن بيعه، كما اشير إليه) اى الى النهى المذكور (فى رواية قطع الدينار) المغشوش نصفين (و الامر بإلقائه في البالوعة، معللا بقوله عليه السلام: حتى لا يباع بشي ء) فيه غش، فالبيع فاسد (و لان نفس البيع غش منهى عنه) و هذا في الحقيقة دليلان على الفساد.

ص: 319

و فيه نظر فان النهى عن البيع- لكونه مصداقا لمحرم، هو الغش- لا يوجب فساده كما تقدم في بيع العنب ممن يعمله خمرا.

و اما النهى عن بيع المغشوش لنفسه فلم يوجد في خبر.

و اما خبر الدينار فلو عمل به خرج المسألة عن مسألة الغش

______________________________

الاول: الرواية.

الثاني: انطباق عنوان الحرام على هذه المعاملة.

(و فيه نظر) اما الجواب عن انطباق عنوان محرم عليه (ف) فيه (ان النهى عن البيع- لكونه مصداقا لمحرم، هو الغش- لا يوجب فساده) اى فساد البيع (كما تقدم في بيع العنب ممن يعمله خمرا) فان النهى في المعاملات لا يوجب الفساد، الا اذا كان ارشادا الى عدم مالية الثمن او المثمن او عدم امضاء الشارع للنقل و الانتقال.

اما مجرد النهى فليس موجبا للفساد.

و لذا لو نهاه والده عن البيع، و باع لم يكن فاسدا، و انما عصى، و قد تقدم تفصيل ذلك في اوّل الكتاب، فراجع.

(و اما النهى عن بيع المغشوش لنفسه) اى نهيا نفسيا، بحيث يدل على عدم صلاحية المغشوش للانتقال (فلم يوجد في خبر) حتى يدل على الفساد.

(و اما) الجواب عن الرواية، اى (خبر الدينار) المتقدم (فلو عمل به خرج المسألة عن مسألة الغش) اذ قد يكون شي ء حراما لحرمة ما يقصد منه كآلات اللهو، و هذا لا يجوز بيعه.

ص: 320

لانه اذا وجب اتلاف الدينار، و القائه في البالوعة، كان داخلا فيما يكون المقصود منه حراما، نظير آلات اللهو و القمار.

و قد ذكرنا فيما يحرم الاكتساب به لكون المقصود منه محرما فيحمل الدينار على المضروب من غير جنس النقدين او من غير الخالص منهما لاجل التلبيس

______________________________

و قد يكون شي ء حراما لانطباق عنوان محرم عليه.

و رواية الدينار ظاهرها انها من القسم الاول، لان الامام عليه السلام قال: حتى لا يباع، مما ظاهره ان التحريم لاجل قصد المحرم منه و يوضح ذلك الامر بإلقائه في البالوعة (لانه اذا وجب اتلاف الدينار، و القائه في البالوعة، كان داخلا فيما يكون المقصود منه حراما، نظير آلات اللهو و القمار) لا انه مما يحرم، لانطباق عنوان محرم عليه.

(و قد ذكرنا) ذلك الّذي يكون المقصود منه حراما (فيما يحرم الاكتساب به لكون المقصود منه محرما).

و تكون الرواية على هذا اجنبية عن المقام.

فان قلت: كيف تقولون بان الدينار، المغشوش كالقمار، مع وجود فرق بينهما، اذ المقصود من القمار الحرام المحض و المقصود من الدينار البيع و الشراء.

قلت: حيث وردت الرواية بوجوب كسره و القائه في البالوعة لا بدّ و ان نقول: ان الدينار كان قسما خاصا، او لاجل غاية خاصة (فيحمل الدينار) فى الرواية (على المضروب من غير جنس النقدين) فاللازم كسره لانه لا يأتى منه الا الحرام (او من غير الخاص منهما لاجل التلبيس

ص: 321

على الناس.

و معلوم ان مثله بهيئته لا يقصد منه الا التلبيس، فهو آلة الفساد لكل من دفع إليه.

و اين هو من لبن الممزوج بالماء و شبهه.

فالاقوى حينئذ في المسألة صحة البيع في غير القسم الرابع.

______________________________

على الناس).

(و معلوم ان مثله) مما ضرب لاجل التلبيس (بهيئته) الخاصة (لا يقصد منه الا التلبيس، فهو آلة الفساد لكل من دفع إليه).

و لذا يجب التخلص منه، بل لا يبعد ان يقال: انه كان من غير جنس النقدين اطلاقا.

اذ لو كان من جنسهما اشكل القائه في البالوعة بعد الكسر، لانه تلف للمال.

الا ان يقال: ان الالقاء في البالوعة كناية عن عدم الانتفاع في المعاملة، بعنوان انه دينار لا ان المراد القائه في البالوعة حقيقة.

(و) كيف كان، ف (اين هو) الدينار المغشوش المحرم المعاملة به (من لبن الممزوج بالماء و شبهه) حتى يقال: اذا لم تجز المعاملة بالدينار، لم تجز المعاملة باللبن المغشوش.

(فالاقوى حينئذ) اى حين لم يكن دليل على تحريم بيع المغشوش حرمة توجب البطلان (فى المسألة صحة البيع في غير القسم الرابع) من اقسام الغش، و هو بيع المموّه على انه ذهب او فضة.

ص: 322

ثم العمل على ما يقتضيه القاعدة عند تبين الغش، فان كان قد غش في اظهار وصف مفقود كان فيه خيار التدليس.

و ان كان من قبيل شوب اللبن بالماء، فالظاهر هنا خيار العيب لعدم خروجه بالمزج عن مسمى اللبن، فهو لبن معيوب.

و ان كان من قبيل التراب الكثير في الحنطة كان له حكم تبعض الصفقة، و نقص الثمن بمقدار التراب الزائد

______________________________

و انما يبطل البيع في هذا القسم، لانه غير مقصود بالبيع للمشترى، فكما لو اشترى انسانا فسلّمه دابة، الا فيما اذا كان المبيع الجامع، و لكن بشرط كونه ذهبا حيث انه يدخل في مسألة تخلف الشرط.

(ثم) بعد صحة البيع في المغشوش (العمل على ما يقتضيه القاعدة عند تبين الغش، فان كان قد غش) البائع- عمدا و بلا عمد- (فى اظهار وصف مفقود كان فيه خيار التدليس) كان وصف الامة بالجمال، فظهرت قبيحة.

(و ان كان من قبيل شوب اللبن بالماء فالظاهر هنا خيار العيب لعدم خروجه بالمزج عن مسمى اللبن، فهو لبن معيوب).

و ربما يحتمل هنا خيار تبعض الصفقة، لانه اشترى لترا من حليب، فظهر نصف لتر و الماء الممزوج ان كانت له قيمة كان البائع شريكا مع المشترى و الا كان المال كله للمشترى مع خيار تبعض الصفقة.

(و ان كان من قبيل التراب الكثير في الحنطة كان له حكم تبعض الصفقة، و نقص الثمن بمقدار التراب الزائد) عن المقدار المتعارف

ص: 323

لانه غير متمول، و لو كان شيئا متمولا بطل البيع في مقابله.

______________________________

الموجود في غالب الحنطة (لانه غير متمول، و لو كان) الخليط (شيئا متمولا) كالزوان الداخل في الحنطة مثلا (بطل البيع في مقابله) لانه غير مبيع، و كان للمشترى الخيار بالنسبة الى المقدار الموجود من المثمن

و مما تقدم تعرف حكم ما لو كان الغش في وجود وصف الكمال لمن شرط النقص و غيره من سائر الاقسام.

ص: 324

الثالثة عشرة الغناء، لا خلاف في حرمته في الجملة.
و الاخبار بها مستفيضة
اشارة

و ادعى في الايضاح تواترها.

منها ما ورد مستفيضا، في تفسير قول الزور،

في قوله تعالى: وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ.

ففى صحيحة الشحام، و مرسلة ابن ابى عمير، و موثقة ابى بصير المرويات عن الكافى، و رواية عبد الاعلى المحكية عن معانى الاخبار، و حسنة هشام المحكية عن تفسير القمى ره: تفسير قول الزور بالغناء.

______________________________

المسألة (الثالثة عشرة) مما يحرم الاكتساب به لكونه محرما في نفسه (الغناء لا خلاف في حرمته في الجملة).

نعم في بعضها خلاف كالغناء في الاعراس- مثلا- كما سيأتى.

(و الاخبار بها مستفيضة و ادعى في الايضاح تواترها).

(منها ما ورد مستفيضا، في تفسير قول الزور، في قوله تعالى: وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) اى الباطل.

(ففى صحيحة الشحام، و مرسلة ابن ابى عمير، و موثقة ابى بصير المرويات عن الكافى، و رواية عبد الاعلى المحكية عن معانى الاخبار و حسنة هشام المحكية عن تفسير القمى ره: تفسير قول الزور) فى الآية الكريمة (بالغناء).

و لا يخفى انه من باب ذكر المصداق، كما ان مثله كثير في الروايات حيث

ص: 325

و منها: ما ورد مستفيضا في تفسير: لهو الحديث

كما في صحيحة ابن مسلم، و رواية مهران ابن محمد، و رواية الوشاء، و رواية الحسن بن هارون و رواية عبد الاعلى السابقة.

و منها ما ورد في تفسير: الزور

في قوله تعالى: وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ، كما في صحيحة ابن مسلم عن ابى عبد الله تارة بلا واسطة، و اخرى بواسطة ابى الصباح الكنانى.

و قد يخدش في الاستدلال بهذه الروايات بظهور الطائفة الاولى،

______________________________

يفسر الكلى الموجود في الآية ببعض مصاديقه، فلا ينافى سائر المصاديق.

و بهذا يرفع الاشكال الوارد في تفسير الروايات بعض الآيات بتفسيرين مختلفين، كما حقق في محله.

(و منها: ما ورد مستفيضا) أيضا (فى تفسير: لهو الحديث) فى الآية الكريمة بالغناء (كما في صحيحة ابن مسلم، و رواية مهران ابن محمد، و رواية الوشاء، و رواية الحسن بن هارون، و رواية عبد الاعلى السابقة) فاذا دلّت الآية على حرمة لهو الحديث، اى الحديث اللهو، دلت على حرمة الغناء بعد ذكر الامام عليه السلام ان لهو الحديث الغناء.

(و منها ما ورد في تفسير: الزور، في قوله تعالى: وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ، كما في صحيحة ابن مسلم عن ابى عبد الله) عليه السلام (تارة بلا واسطة، و) تارة (اخرى بواسطة ابى الصباح الكنانى).

و حيث ان الزور بمعنى الباطل دل المدح في الآية على حرمة الزور.

(و قد يخدش في الاستدلال بهذه الروايات بظهور الطائفة الاولى)

ص: 326

بل الثانية في ان الغناء من مقولة الكلام، لتفسير قول الزور به.

و يؤيده ما في بعض الاخبار من ان: من قول الزور ان يقول للذى يغنّى احسنت.

و يشهد له قول على ابن الحسين عليه السلام- فى مرسلة الفقيه الآتية فى الجارية التى لها صوت: لا بأس لو اشتريتها، فذكرتك الجنة، يعنى بقراءة القرآن، و

______________________________

التى وردت في تفسير قوله تعالى: وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (بل الثانية) التى وردت في تفسير لهو الحديث (فى ان الغناء من مقولة الكلام، لتفسير قول الزور به) اى بالغناء.

و من المعلوم ان: القول، كلام، و كذا: الحديث، في الطائفة الثانية من مقولة الكلام.

(و يؤيده) اى يؤيد كون الظاهر من الطائفة الاولى، كون الغناء من مقولة الكلام (ما في بعض الاخبار من ان: من قول الزور ان يقول) السامع (للذى يغنى: احسنت).

و وجه التأييد واضح، لان هذه الرواية تدل على ان «احسنت» هو كلام من مصاديق قول الزور فقول الزور من مقولة الكلام، و الغناء، من مقولة الكيفية.

و النتيجة ان الكلام الباطل الغنائى محرم، لا مطلق الغناء.

(و يشهد له) اى لكون الكلام الباطل الغنائى محرم، لا مطلق الغناء (قول على ابن الحسين عليه السلام- فى مرسلة الفقيه الآتية- فى الجارية التى لها صوت: لا بأس لو اشتريتها، فذكرتك الجنة، يعنى بقراءة القرآن، و) ذكر

ص: 327

الزهد و الفضائل التى ليست بغناء.

و لو جعل التّفسير من الصدوق دل على الاستعمال أيضا.

و كذا لهو الحديث بناء على انه من اضافة الصفة الى الموصوف فيختص الغناء المحرم بما كان مشتملا على الكلام الباطل فلا تدل على حرمة نفس الكيفية و لو

______________________________

مواعظ ترتبط ب (الزهد و الفضائل التى ليست بغناء) فان كان تفسير الرواية ب «يعنى» من الامام، فالدلالة واضحة.

(و لو جعل التفسير من الصدوق) كانت الرواية أيضا شاهدة لنا، اذ (دل) التفسير (على الاستعمال) للغناء في الكيفية (أيضا) كما يستعمل في نفس «الكلام» فالكيفية ليست بغناء، و انما قد يكون الكلام المكيّف باطلا فيسمى غناء و قد لا يكون الكلام المكيّف باطلا فلا يسمى غناء.

و الحاصل: ان قوله: ليست بغناء يكون لغوا لو كان الغناء «الكيفية».

اذ لا معنى لاستثناء الكيفية من الكلام، بخلاف ما لو كان: الغناء، الكلام الباطل، فانه يصح وصف القرآن و الزهد و الفضائل بانها متصفة بكونها ليست كلام باطل.

(و كذا لهو الحديث) لا دلالة له في كون الكيفية محرمة، و انما يدل على ان الكلام الباطل «لهو الحديث» (بناء على انه من اضافة الصفة الى الموصوف) اى: الحديث اللهو لا انه من اضافة المصدر الى المفعول اى:

كيفية الحديث التى هى لهو (فيختص الغناء المحرم بما كان مشتملا على الكلام الباطل) كما كانت عادة اهالى الغناء من التغنى بالاباطيل (فلا تدل) آية «قول الزور» و «لهو الحديث» (على حرمة نفس الكيفية و لو

ص: 328

لم يكن في كلام باطل.

و منه يظهر الخدشة في الطائفة الثالثة، حيث ان مشاهد الزور التى مدح الله تعالى من لا يشهدها هى مجالس التغنّى بالاباطيل من الكلام فالانصاف انها لا تدل على حرمة نفس الكيفية

______________________________

لم يكن في كلام باطل).

و بهذا التقريب سقطت دلالة الآيتين- بضميمة تفسيرهما- على حرمة الغناء مطلقا، سواء كان التغنى بقول باطل او بقول حق.

و لكن لا يخفى ان مناقشة الشيخ غير واردة، و ان شئت التفصيل فراجع تعليقة المجاهد الشيرازى و غيره.

(و منه) اى مما ذكرنا من الخدشة في دلالة الآيتين (تظهر الخدشة في الطائفة الثالثة) من الاخبار التى استدل بها على حرمة الغناء و هى ما ورد في تفسير قوله تعالى وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ (حيث ان مشاهد الزور التى مدح الله تعالى من لا يشهدها هى مجالس التغنى بالأباطيل من الكلام) لا مطلق الغناء.

و انما ظهرت الخدشة، حيث ان «الزور» اذا اريد به في الآية السابقة الكلام الباطل، لا الكيفية، كانت قرينة وحدة لفظ «الزور» فى الآية، و قرب سياق إحداهما من الاخرى، كافيان في ان يراد من الآية الثانية نفس المراد من الآية الاولى.

(فالانصاف انها) اى هذه الآيات (لا تدل على حرمة نفس الكيفية) اطلاق «اللهو» و اطلاق «الزور».

ص: 329

الا من حيث اشعار لهو الحديث بكون اللهو عن اطلاقه مبغوضا لله تعالى و كذا: الزور، بمعنى الباطل و ان تحققا في كيفية الكلام، لا في نفسه كما اذا تغنّى في كلام حق من قرآن او دعاء او مرثية.

و بالجملة: فكل صوت يعدّ في نفسه- مع قطع النظر عن الكلام المتصوت به- لهوا و باطلا، فهو حرام.

______________________________

و حيث ان للاطلاق قدرا متيقنا هو الكلام الباطل في ضمن الكيفية- لما عرفت من القرائن السابقة- لم يبق في الادلة المذكورة دلالة على حرمة مطلق الكيفية.

اذ الاطلاق ليس (الا من حيث اشعار لهو الحديث بكون اللهو عن اطلاقه) سواء كان في المادة كالكذب، او في الهيئة كما في الغناء (مبغوضا لله تعالى، و كذا: الزور، بمعنى الباطل) مبغوض له سبحانه، سواء في المادة او في الهيئة (و ان تحققا) اللهو و الزور (فى كيفية الكلام، لا في نفسه كما اذا تغنى في كلام حق من قرآن او دعاء او مرثية) او ما اشبه، و قوله: «و ان» وصلية.

(و بالجملة) ان الدلالة للآيتين على حرمة مطلق الكيفية، متوقفة على اطلاق حرمة الله و الزور (فكل صوت يعد في نفسه- مع قطع النظر عن الكلام المتصوت به- لهوا و باطلا، فهو حرام).

و لو قال «لهوا، و زورا» كان احسن، لكن دلالة الآيتين على هذا الاطلاق ممنوع فلا دلالة على حرمة مطلق الغناء، و لو كان كيفية لكلام حق و قرآن و ما اشبه.

ص: 330

و مما يدل على حرمة الغناء من حيث كونه لهوا و باطلا و لغوا رواية عبد الاعلى- و فيها ابن فضال- قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغناء، و قلت انهم يزعمون ان رسول الله صلى الله عليه و آله رخص في ان يقال جئناكم جئناكم، حيونا حيونا نحيّكم فقال كذبوا: ان الله تعالى يقول وَ مٰا خَلَقْنَا السَّمٰاءَ وَ الْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا لٰاعِبِينَ لَوْ أَرَدْنٰا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا إِنْ كُنّٰا فٰاعِلِينَ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبٰاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذٰا هُوَ زٰاهِقٌ وَ لَكُمُ

______________________________

(و مما يدل على حرمة الغناء) لا من حيث انه كيفية خاصة، بل (من حيث كونه لهوا و باطلا و لغوا) مما يؤيد ما تقدم من عدم دلالة الآيات على ان الكيفية- بما هى هى- محرمة، بل الكلام الباطل المشتمل على الكيفية الغنائية (رواية عبد الاعلى- و فيها ابن فضال- قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الغناء و قلت انهم) اى العامة (يزعمون ان رسول الله صلى الله عليه و آله رخص في ان يقال: جئناكم جئناكم، حيّونا حيّونا نحيّكم) و لو لا الحبة السوداء لم نحلل بواديكم- و هذا انما كان يقال في الاعراس- (فقال) عليه السلام (كذبوا) لم يجوزه رسول الله صلى الله عليه و آله (ان الله تعالى يقول: وَ مٰا خَلَقْنَا السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا لٰاعِبِينَ) اى لاجل اللعب و اللهو بدون غاية و مصلحة (لَوْ أَرَدْنٰا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً) ولدا و ما اشبه و اصناما (لَاتَّخَذْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا) من جنس الملائكة و العليين (إِنْ كُنّٰا فٰاعِلِينَ) لاتخاذ اللهو (بل) ليس فقط عدم اتخاذنا للهو، و انما نمحى اللهو، ف (نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبٰاطِلِ فَيَدْمَغُهُ) و يزيله بان نسلط الحق على الباطل ليثبت بطلانه (فَإِذٰا هُوَ) اى الباطل (زٰاهِقٌ) زائل (وَ لَكُمُ) ايها الذين

ص: 331

الْوَيْلُ مِمّٰا تَصِفُونَ، ثم قال: ويل لفلان مما يصف رجل لم يحضر المجلس الخبر

فان الكلام المذكور المرخص فيه- بزعمهم- ليس بالباطل و اللهو اللذين يكذّب الامام عليه السلام رخصة النبي صلى الله عليه و آله فيه.

______________________________

تدعون ان الله تعالى اتخذ اللهو (الْوَيْلُ مِمّٰا تَصِفُونَ) من وصفه سبحانه باتخاذه اللهو (ثم قال:) عليه السلام (ويل لفلان مما يصف) و يقول (رجل لم يحضر المجلس، الخبر) اى فكيف ينسب الى النبي صلى الله عليه و آله هذا الرجل الّذي لم يحضر مجلس النبي صلى الله عليه و آله انه اجاز هذا الكلام.

و كيف كان فان هذا الخبر يدل على ان الحرمة من حيث كون التغنى بهذا الكلام لهوا، لا من حيث ذات الكيفية.

(فان الكلام المذكور) اى «جئناكم جئناكم ... الخ» (المرخص فيه يزعمهم-) لان العامة كانوا يزعمون ان النبي صلى الله عليه و آله اجاز ذلك (ليس) بنفسه بدون التغنى به (بالباطل و اللهو اللذين يكذّب الامام عليه السلام رخصة النبي صلى الله عليه و آله فيه) فان الامام كذبهم في ان قولهم: النبي (ص) رخص هذا الكلام.

وجهة تكذيب الامام، انه كيف يرخص النبي صلى الله عليه و آله للّهو؟

و قد ذكرت الآية: ان الله لا يتخذ اللهو، و حيث نرى ان ذات «جئناكم» ليس لهوا، نعرف ان مصب الكلام «جئناكم» المتغنى به.

فيدل الحديث على حرمة التغنى بالكلام الّذي لا فائدة فيه فلا دليل على حرمة التغنى بمثل القرآن و الحكمة، مما لا يسمى لهوا.

ص: 332

فليس الانكار الشديد المذكور، و جعل ما زعموا الرخصة فيه، من اللهو و الباطل، الا من جهة التغنى به.

و رواية يونس قال سئلت الخراسانى عن الغناء و قلت: ان العباسى زعم انك ترخص في الغناء فقال كذب الزنديق، ما هكذا قلت له و انما سألني عن الغناء، قلت له ان رجلا اتى أبا جعفر عليه السلام، فسئله عن الغناء فقال له اذا ميّز الله بين الحق و الباطل، فاين يكون الغناء؟ قال مع الباطل، فقال: قد حكمت

______________________________

(فليس الانكار الشديد المذكور) من الامام عليه السلام لتجويز النبي صلى الله عليه و آله ل «جئناكم» (و جعل) الامام عليه السلام (ما زعموا الرخصة فيه، من اللهو و الباطل، الا من جهة التغنى به).

و الحاصل: ان المستفاد من هذا الحديث ان الغناء اللهوى باطل لا مطلق الكيفية.

(و رواية يونس) عطف على رواية عبد الاعلى (قال سئلت الخراسانى) عليه السلام يعنى الامام الرضا عليه السلام (عن الغناء، و قلت: ان العباسى) و هو هشام بن ابراهيم (زعم انك ترخص في الغناء) فهل نقله عنك صحيح، أم لا؟ (فقال) عليه السلام (كذب الزنديق ما هكذا قلت له) و لم اجوز الغناء بل (و انما سألني عن الغناء، قلت له ان رجلا اتى أبا جعفر عليه السلام، فسئله عن الغناء، فقال له) ابو جعفر (اذا ميّز الله بين الحق و الباطل، فاين يكون الغناء؟ قال) الرجل (مع الباطل، فقال) ابو جعفر عليه السلام (قد حكمت) بان الغناء حرام اذ ما يكون مع الباطل لا يكون الا حراما

ص: 333

و رواية محمد بن ابى عباد- و كان مستهترا بالسماع، و يشرب النبيذ- قال سألت الرضا عليه السلام عن السماع، قال لاهل الحجاز فيه رأى و هو في حيّز الباطل و اللهو، أ ما سمعت الله عز و جل يقول: وَ إِذٰا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرٰاماً.

و الغناء من السماع، كما نص عليه في الصحاح، و قال: أيضا جارية مسمعة اى مغنية

______________________________

فهذا الخبر يدل على ان الغناء من حيث انه باطل محرم فلا دليل على حرمة الغناء الّذي ليس بباطل، كالغناء في القرآن و ما اشبه.

(و رواية محمد بن ابى عباد- و كان مستهترا بالسماع، و يشرب النبيذ-) الاستهتار كثرة ارتكاب ما لا يليق، و المراد بالسماع سماع الاغانى و الالحان و ما اشبه (قال سألت الرضا عليه السلام عن السماع، قال) عليه السلام: (لاهل الحجاز فيه رأى) اى بالجواز و كان الامام عليه السلام قال ذلك تقية (و) لكن (هو) عندى (فى حيّز الباطل و اللهو، أ ما سمعت الله عز و جل يقول) فى صفات المؤمنين (وَ إِذٰا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرٰاماً) يعنى انهم لا يجلسون عند اللغو، بل يمرون عليه مرور الكرام.

فان كان المقام مقام الانكار انكروا و ان كان المقام مقام السكوت سكتوا.

و ليس معنى «مرور الكرام» السكوت كما ربما يزعمه غير المطلع بالتفسير.

(و) ان قلت: لفظ الرواية «السماع» لا الغناء.

قلت: (الغناء من السماع، كما نص عليه في الصحاح، و قال) الصحاح (أيضا جارية مسمّعة اى مغنّية).

ص: 334

و في رواية الاعمش الواردة في تعداد الكبائر، قوله: و الملاهى التى تصدّ عن ذكر الله، كالغناء و ضرب الاوتار.

و قوله عليه السلام:- و قد سئل عن الجارية المغنية قد يكون للرجل الجارية تلهيه و ما ثمنها إلا كثمن الكلب.

و ظاهر هذه الاخبار باسرها حرمة الغناء من حيث اللهو و الباطل.

فالغناء- و هى من مقولة الكيفية للاصوات-

______________________________

و انما قال «من السماع» لان السماع شامل لالحان اهل الفسوق مما لا يسمى غناء أيضا.

فهذه الرواية تدل على ان الغناء الباطل و اللغو حرام، لا مطلق الكيفية

(و في رواية الاعمش الواردة في تعداد الكبائر، قوله) عليه السلام (و الملاهى) جمع ملهى- بمعنى اللهو- (التى تصدّ) و تمنع (عن ذكر الله كالغناء و ضرب الاوتار) فان هذا الخبر يدل على النهى عن الغناء لكونه لهوا فيدل على عدم النهى عن مطلق الغناء و لو في ضمن قرآن او دعاء- مثلا-.

(و قوله عليه السلام:- و قد سئل عن الجارية المغنية قد يكون للرجل الجارية تلهيه) فما تقول فيها؟.

قال عليه السلام (و ما ثمنها إلا كثمن الكلب) فالمحرم اللهو الى غير ذلك من الروايات.

(و ظاهر هذه الاخبار باسرها) اى باجمعها (حرمة الغناء من حيث اللهو و الباطل) و لا يخفى ان هذا الاستظهار محل نظر و ان اصر عليه الشيخ ره

(فالغناء- و هى من مقولة الكيفية) لانه كيف مسموع (للاصوات-) لان

ص: 335

كما سيجي ء ان كان مساويا للصوت اللهوى و الباطل- كما هو الاقوى و سيجي ء- فهو.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 2، ص: 336

و ان كان اعم وجب تقييده بما اذا كان من هذا العنوان كما انه لو كان اخصّ وجب التعدّى عنه الى مطلق الصوت الخارج على وجه اللهو.

و بالجملة، فالمحرم هو ما كان من لحون اهل الفسوق و المعاصى التى

______________________________

الكيف قد يكون للامر المبصر، و قد يكون للامر المسموع، و قد يكون للامر الملموس و هكذا (كما سيجي ء) تعريف الغناء بهذا التعريف (ان كان مساويا للصوت اللهوى و الباطل- كما هو الاقوى) اى تساوى الغناء و الصوت اللهوى (و سيجي ء-) وجه القوة (فهو) المطلوب، اذ يثبت حرمة الغناء مطلقا، فان الروايات منعت عن اللهو، و الغناء- على هذا- من اللهو- مطلقا-

(و ان كان) الغناء (اعم) من الصوت اللهوى، كما يظهر من بعض، و انه كل صوت لهوى غناء، و بعض الغناء ليس بصوت لهوى كالقرآن و الدعاء اذا تغنى بها (وجب تقييده) اى الغناء المحرم (بما اذا كان من هذا العنوان) اى عنوان اللهو (كما انه لو كان) الغناء (اخص) من الصوت اللهوى، بان صدق الصوت اللهوى على ما لم يصدق عليه الغناء (وجب التعدى عنه) اى عن الغناء- فى الحرمة- (الى مطلق الصوت الخارج على وجه اللهو).

فالمدار هو الصوت اللهوى سواء كان غناء او اخص من الغناء او اعم من الغناء

(و بالجملة، فالمحرم) فى باب الغناء (هو ما كان من لحون اهل الفسوق و المعاصى التى

ص: 336

ورد النهى عن قراءة القرآن بها سواء كان مساويا للغناء، او اعم او اخص.

كلمات اللغويين و الفقهاء في معنى الغناء و الطرب

مع ان الظاهر: ان ليس الغناء الا هو، و ان اختلف فيه عبارات الفقهاء و اللغويين، فعن المصباح: ان الغناء الصوت.

و عن آخر انه مدّ الصوت.

و عن النهاية عن الشافعى انه تحسين الصوت و ترقيقه.

و عنها أيضا ان كل من رفع صوتا و والاه، فصوته عند العرب غناء

______________________________

ورد النهى عن قراءة القرآن بها)

فان اهل المعاصى- غالبا- لهم كيفية خاصة في الترجيع و التصنيف و ما اشبه (سواء كان) لحن اهل الفسوق (مساويا للغناء، او اعم) منه (او اخص) و ليس المحور الغناء.

(مع ان الظاهر: ان ليس الغناء الا هو) اى ان بين لحن اهل الفسوق و بين الغناء تساويا مطلقا (و ان اختلف فيه) اى في الغناء (عبارات الفقهاء و اللغويين، فعن المصباح: ان الغناء الصوت) و هذا تعريف بالاعم، من قبيل «سعدانة نبت».

(و عن آخر انه مدّ الصوت) و هذا أيضا اعم، لان كل مدّ الصوت ليس بغناء، بل بينه و بين الغناء عموم من وجه، اذ ليس في كل غناء مدّ الصوت

(و عن النهاية عن الشافعى انه تحسين الصوت و ترقيقه) و الظاهر انه ان لم يكن اعم من الغناء، فلا بد و ان يكون اعم من وجه منه.

(و عنها) اى النهاية (أيضا ان كل من رفع صوتا و والاه) اى والى اجزاء الصوت بعضها لبعض (فصوته عند العرب غناء) و الظاهر العموم من

ص: 337

و كل هذه المفاهيم مما يعلم عدم حرمتها، و عدم صدق الغناء عليها فكلها اشارة الى المفهوم المعين عرفا.

و الاحسن من الكل ما تقدم من الصحاح.

و يقرب منه المحكى عن المشهور بين الفقهاء من انه مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب.

______________________________

وجه أيضا بين هذا التعريف و بين الغناء.

(و) لذا قال الشيخ ره ان (كل هذه المفاهيم) التى ذكروها لتعريف الغناء (مما يعلم عدم حرمتها) بذاتها (و عدم صدق الغناء عليها) بقول مطلق

نعم: يصدق على بعض اقسامها الغناء (فكلها) اى كل هذه المفاهيم المذكورة في تعريف الغناء (اشارة الى المفهوم المعين عرفا) كما هى عادة اللغويين في تعاريف اللغات، و لذا قالوا: ان تعريفات اللغويين لفظية.

(و الاحسن من الكل ما تقدم من الصحاح) حيث فسر الغناء بانه من السماع، و قال جارية مسمعة اى مغنية.

و لكن لا يخفى ان هذا التعريف لو لم يكن باخفى فليس باجلى.

اذ مفهوم الغناء اوضح لذى العرف من مفهوم السماع، بالإضافة الى ان الصحاح فسر كل واحد من السماع و الغناء بالآخر، فراجع.

(و يقرب منه) اى من تعريف الصحاح للغناء (المحكى عن المشهور بين الفقهاء من انه) اى الغناء (مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب).

و معنى الترجيع طروّ حالة للصوت يوهم انه يرجع الى الحلق بعد خروجه منه

ص: 338

و الطرب على ما في الصحاح خفة يعترى الانسان لشدة حزن او سرور و عن الاساس للزمخشرى خفة لسرور، أو همّ.

و هذا القيد هو المدخل للصوت في افراد اللهو و هو الّذي اراده الشاعر بقوله: اطربا و انت قنسرى، اى شيخ كبير، و الا فمجرد السرور او الحزن، لا يبعد عن الشيخ الكبير.

و بالجملة: فمجرد مد الصوت لا مع الترجيع المطرب او و لو مع الترجيع لا يوجب كونه لهوا.

______________________________

(و الطرب على ما في الصحاح خفة يعترى الانسان لشدة حزن، او) شدة (سرور، و عن) كتاب (الاساس للزمخشرى) تعريف المطرب بانه (خفة لسرور، اوهم) فان الانسان اذ اكثر سروره او حزنه طرأت عليه حالة يشعر بانه قد خفّ وزنه حتى كان روحه يقدر على اخضاع جسمه بحركات سريعة قفزا و عدوا و ما اشبه.

(و هذا القيد) اى قيد الطرب، في تفسير الغناء (هو المدخل للصوت في افراد اللهو) اذ مجرد الترجيع لا يوجب لهوا (و هو) اى الطرب بمعنى الخفة اللهوية (الّذي اراده الشاعر بقوله: اطربا و انت قنسرى اى) أ تطرب، و انت (شيخ كبير) فان التأنيب على الخفة التى لا تناسب الانسان الكبير السن (و الا فمجرد السرور او الحزن، لا يبعد عن الشيخ الكبير) كيف و هما غير مقدورين- فى الجملة-.

(و بالجملة: فمجرد مدّ الصوت لا مع الترجيع المطرب) على ما عرف به الغناء في كلام بعض (او و لو مع الترجيع لا يوجب كونه لهوا) كما نرى ان

ص: 339

و من اكتفى بذكر الترجيع كالقواعد، اراد به المقتضى للاطراب.

قال جامع المقاصد في الشرح: ليس مجرد مدّ الصوت محرما، و ان مالت إليه النفوس ما لم ينته الى حدّ يكون مطربا بالترجيع المقتضى للاطراب انتهى

ثم ان المراد بالمطرب ما كان مطربا في الجملة بالنسبة الى المغنى او المستمع او ما كان من شأنه الاطراب، و مقتضيا له لو لم يمنع عنه مانع من جهة قبح الصوت او غيره.

و اما لو اعتبر الاطراب فعلا خصوصا بالنسبة الى كل احد، و خصوصا

______________________________

الخطباء و المؤذنين و من اشبه يمدّون اصواتهم و ليس بغناء و لا لهو.

(و من اكتفى بذكر الترجيع) بدون ذكر الاطراب (كالقواعد، اراد به المقتضى للاطراب) اذ الترجيع بدون الاطراب لا يسمى أيضا غناء.

(قال) فى (جامع المقاصد في الشرح: ليس مجرّد مدّ الصوت محرما، و ان مالت إليه النفوس) فيما اذا كان حسنا كالمؤذن الصيّت (ما لم ينته الى حدّ يكون مطربا بالترجيع المقتضى للاطراب) و خفة النفس (انتهى) كلام جامع المقاصد.

(ثم ان المراد بالمطرب ما كان مطربا في الجملة) شأنا، و في بعض النفوس المستقيمة (بالنسبة الى المغنى او المستمع، او ما كان من شأنه الاطراب، و) كان (مقتضيا له) اى للاطراب (لو لم يمنع عنه) اى عن اطرابه فعلا (مانع من جهة قبح الصوت) فى المغنى (او غيره) ككثرة افكار السامع بحيث لا يطربه الغناء.

(و اما لو اعتبر الاطراب فعلا خصوصا بالنسبة الى كل احد و خصوصا

ص: 340

بمعنى الخفة لشدّة السرور او الحزن، فيشكل بخلو اكثر ما هو غناء عرفا عنه.

و كأنّ هذا هو الّذي دعى الشهيد الثاني الى ان زاد في الروضة و المسالك- بعد تعريف المشهور- قوله: او ما يسمى في العرف غناء، و تبعه في مجمع الفائدة، و غيره.

و لعل هذا أيضا دعى صاحب مفتاح الكرامة الى زعم: ان الاطراب في تعريف الغناء غير الطرب المفسّر في الصحاح بخفة، لشدة سرور او حزن

______________________________

بمعنى الخفة لشدّة السرور او الحزن، فيشكل) جعل هذا تعريفا للغناء (ب) سبب (خلو اكثر ما هو غناء- عرفا- عنه) اى عن مثل هذه الصفة، اذ ليس كل غناء مطربا لكل احد- كما لا يخفى-.

(و كان هذا) الّذي ذكرناه من عدم انطباق هذا التعريف على كل فرد من افراد الغناء (هو الّذي دعى الشهيد الثاني الى ان زاد في الروضة و المسالك- بعد تعريف المشهور-) للغناء بما تقدم (قوله: او ما يسمى في العرف غناء، و تبعه في مجمع الفائدة و غيره) فى زيادة هذا القيد

(و لعل هذا) الّذي ذكرناه من عدم انطباق تعريف المشهور للغناء على جملة من اقسام الغناء (أيضا دعى صاحب مفتاح الكرامة الى زعم:

ان الاطراب في تعريف الغناء) فى كلام المشهور (غير الطرب المفسر في الصحاح بخفة، لشدة سرورا و حزن).

و ذلك لانه رأى ان فسّر الاطراب بما ذكره صاحب الصحاح لزم خروج كثير من اقسام الغناء، اذ كثير من اقسامه لا يوجب طربا بالمعنى الّذي ذكره الصحاح.

ص: 341

و ان توهمه صاحب مجمع البحرين، و غيره من اصحابنا.

و استشهد على ذلك بما في الصحاح، من: ان التطريب في الصوت مده و تحسينه، و ما عن المصباح من: ان طرّب في صوته رجّعه بالتضعيف و مده و في القاموس الغناء ككساء من الصوت ما طرّب به، و ان التطريب الاطراب كالتطرب و التغنى قال ره: فيحصل من ذلك ان المراد بالتطريب و الاطراب غير الطرب بمعنى الخفة لشدة حزن او سرور، كما توهمه صاحب

______________________________

(و ان توهمه صاحب مجمع البحرين، و غيره من اصحابنا) اى ان مفتاح الكرامة بعد ان زعم ان الاطراب غير الطرب.

قال لكن صاحب مجمع البحرين و غيره زعموا الاتحاد بين المعنيين.

(و استشهد) صاحب المفتاح (على ذلك) الّذي ذكره من ان الاطراب غير الطرب (بما في الصحاح، من: ان التطريب في الصوت مدّه و تحسينه و ما عن المصباح من: ان طرب في صوته، رجعه بالتضعيف و مدّه و في القاموس الغناء ككساء من الصوت ما طرب به و ان التطريب الاطراب كالتطرب و التغنى)

فهذه التعريفات كلها تدل على ان الاطراب و التطريب بمعنى المدّ و الترجيع، فاذا علمنا ان الطرب بمعنى الخفة، تبين ان الطرب معناه غير معنى الاطراب.

و هذا هو الّذي ادعاه صاحب مفتاح الكرامة.

ثم (قال ره: فيحصل من ذلك) الّذي رايته من تعريف اللغويين للاطراب (ان المراد بالتطريب و الاطراب غير) المراد ب (الطرب بمعنى الخفة لشدة حزن او سرور، كما توهمه) اى الاتحاد بين معنيهما (صاحب

ص: 342

مجمع البحرين و غيره من اصحابنا فكانه قال في القاموس: الغناء من الصوت ما مدّ، و حسّن، و رجّع فانطبق على المشهور، اذ الترجيع تقارب ضروب حركات الصوت و النفس، فكان لازما للاطراب و التطريب انتهى كلامه ره.

و فيه ان الطرب اذا كان معناه على ما تقدم من الجوهرى و الزمخشرى هو ما يحصل للانسان من الخفة لا جرم يكون المراد بالاطراب و التطريب ايجاد هذه الحالة،

______________________________

مجمع البحرين و غيره من اصحابنا).

و الّذي يؤيد هذه المغايرة ما ذكره الفيروزآبادي فيما نقلناه عنه (فكانه قال في القاموس: الغناء من الصوت ما مدّ، و حسن و رجع) لانه عرف الغناء ب «ما طرّب به» و عرف التطريب بالتغنّى.

و حيث علمنا ان التطريب ما مدّ و رجّع- كما في المصباح- صار معنى الغناء- لدى القاموس- ما مدّ و حسن، و رجع (فانطبق) كلام القاموس (على) كلام (المشهور) فى تعريف الغناء (اذ الترجيع تقارب ضروب حركات الصوت و النفس، فكان لازما للاطراب و التطريب انتهى كلامه ره).

و قد رأيت كيف حاول صاحب مفتاح الكرامة الى دعوى المغايرة بين التطريب و بين الطرب.

(و فيه) اى فيما ذكره مفتاح الكرامة (ان الطرب اذا كان معناه على ما تقدم من الجوهرى) فى الصحاح (و الزمخشرى) فى الاساس (هو ما يحصل للانسان من الخفة) و (لا جرم يكون المراد بالاطراب و التطريب) و هما من بابى الافعال و التفعيل (ايجاد هذه الحالة) اى حالة الطرب- لوحدة

ص: 343

و الا لزم الاشتراك اللفظى مع انهم لم يذكروا للطرب معنى آخر ليشتق منه لفظ التطريب و الاطراب مضافا الى ما ذكر في معنى التطريب من الصحاح و المصباح انما هو للفعل القائم بذى الصوت، لا الاطراب القائم بالصوت و هو المأخوذ في تعريف الغناء عند المشهور دون فعل الشخص.

______________________________

المادة فيهما- (و الا لزم الاشتراك اللفظى) فى الطرب بين الخفة و بين المد و الترجيع، و الاشتراك اللفظى مخالف للاصل أولا و ثانيا (مع انهم لم يذكروا للطرب معنى آخر) غير الخفة (ليشتق منه لفظ التطريب و الاطراب)

و لو كان للطرب معنيان لزم ان يذكروهما، لا ان يذكروا احدهما.

و حيث ان صاحب المفتاح ذكر ان التطريب بمعنى المد و التحسين و استشهد لذلك بكلام الصحاح و المصباح، و ان الطرب بمعنى الخفة، فاخذ النتيجة بان التطريب غير الطرب ردّه المصنف ره بان التطريب معناه ايجاد سبب الطرب بالمد، كما ان التفريح، معناه ايجاد سبب الفرح و هذا المعنى لا ينافى كون الطرب بمعنى الخفة.

و الى هذا اشار بقوله: (مضافا الى) انه يرد على مفتاح الكرامة ان (ما ذكر في معنى التطريب من الصحاح و المصباح) و ان التطريب المد و الترجيع (انما هو للفعل القائم بذى الصوت) فان طرّب صفة زيد (لا الاطراب القائم بالصوت) فان اطرب صفة الصوت يقال: طرّب زيد، و صوت مطرب (و هو) اى الاطراب (المأخوذ في تعريف الغناء عند المشهور) فانهم قالوا:

الغناء صوت مطرب- من باب الافعال- (دون فعل الشخص) فلم يأخذوا التطريب- الّذي هو فعل الشخص- فى تعريف الغناء، و لم

ص: 344

فيمكن ان يكون معنى تطريب الشخص في صوته، ايجاد سبب الطرب بمعنى الخفة بمد الصوت و تحسينه و ترجيعه، كما ان تفريح الشخص ايجاد سبب الفرح بفعل ما يوجبه.

فلا ينافى ذلك ما ذكر في معنى الطرب.

و كذا ما في القاموس من قوله: ما طرّب به يعنى ما اوجد به الطرب مع انه

______________________________

يقولوا: الغناء صوت مطرب، من باب التفعيل.

(ف) اذا كان التطريب صفة الشخص (يمكن ان يكون معنى تطريب الشخص في صوته، ايجاد سبب الطرب معنى الخفة بمد الصوت و تحسينه و ترجيعه، كما ان تفريح الشخص ايجاد سبب الفرح بفعل ما يوجبه) اى يوجب الفرح، كاعطائه المال- مثلا-.

(فلا ينافى ذلك) المذكور في معنى التطريب (ما ذكر في معنى الطرب) فان التطريب ايجاد الطرب بالمد و التحسين، و الطرب الخفة.

(و كذا ما) ذكر (فى القاموس) اى ان كلامه كلام الصحاح و المصباح (من قوله: ما طرب به) فى تعريف الغناء (يعنى ما اوجد به الطرب) و الطرب الخفة

و الحاصل: انه لا يظهر من اهل اللغة تفسيرهم ل «طرّب»- من باب التفعيل- ان له معنى مخالفا للطرب- كما يريد ذلك مفتاح الكرامة- (مع انه) يرد على مفتاح الكرامة اشكال آخر، و هو انه اذا جعلتم التطريب بمعنى التحسين و الطرب بمعنى الخفة، لزم ان يكون الطرب الّذي هو مادة التطريب بمعنى الحسن، و هذا خلاف الظاهر فليس معنى التطريب الا ايجاد الطرب- كما ذكرنا-.

ص: 345

لا مجال لتوهم كون التطريب- بمادته- بمعنى التحسين و الترجيع اذ لم يتوهم احد كون الطرب بمعنى الحسن و الرجوع، او كون التطريب هو نفس المد فليست هذه الامور الا اسبابا للطرب يراد من ايجاده فعل هذه الاسباب هذا كله مضافا الى عدم امكان إرادة ما ذكر: من المد و التحسين و الترجيع من الطرب في قول الاكثر ان الغناء مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب

______________________________

فانه (لا مجال لتوهم كون التطريب- بمادته-) اى الطرب (بمعنى التحسين و الترجيع اذ لم يتوهم احد كون الطرب) الّذي هو مادة التطريب (بمعنى الحسن و الرجوع، او كون التطريب هو نفس المد، فليست هذه الامور) التحسين و الترجيع و المد (الا اسبابا للطرب يراد من ايجاده فعل هذه الاسباب) اى يراد من فعل هذه الاسباب ايجاد الطرب ف «فعل» نائب فاعل «يراد» و «من» بمعنى «من جهة».

اى انما يريد الشخص هذه الاسباب من اجل ايجاد الطرب (هذا كله) يرد على صاحب مفتاح الكرامة (مضافا الى) اشكال آخر، و هو انه لو اخذ الاطراب و التطريب، بمعنى واحد- كما تقدم في كلامه- لزم، بشاعة عبارة المشهور و عدم استقامتها ل (عدم امكان إرادة ما ذكر: من المدّ و التحسين و الترجيع من الطرب) الموجود في تعريف الغناء (فى قول الاكثر) حين قالوا (ان الغناء مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب) اذ لو كان المطرب بمعنى المحسّن المرجّع كان المعنى: الغناء مدّ الصوت المحسّن المرجّع.

ص: 346

كما لا يخفى مع ان مجرد المدّ و الترجيع و التحسين لا يوجب الحرمة قطعا لما مر و سيجي ء.

فتبين من جميع ما ذكرنا ان المتعين حمل الطرب في تعريف الاكثر للغناء على الطرب بمعنى الخفة و توجيه كلامهم بإرادة ما يقتضي الطرب و يعرض

______________________________

و هذا بخلاف ما ذكرنا من ان معنى الاطراب ايجاد الخفة، اذ المعنى حينئذ الغناء مدّ الصوت الموجد للخفة (كما لا يخفى).

فهذه خمسة اشكالات على صاحب مفتاح الكرامة الّذي اراد ايجاد الفرق بين التطريب و الاطراب و بين الطرب.

اشار المصنف الى الاول، بقوله: و فيه، و الى الثاني بقوله: مع انهم و الى الثالث بقوله: مضافا، و الى الرابع بقوله: مع انه، و الى الخامس بقوله: هذا كله (مع) ان هنا اشكالا آخر اذا لم نشترط الطرب بمعنى الخفة في الغناء، و هو (ان مجرد المدّ و الترجيع و التحسين لا يوجب الحرمة قطعا) و ذلك (لما مر) بعد قول الشافعى «و كل هذه المفاهيم ... الى آخره» (و سيجي ء) من ان مقتضى الادلة حرمة اللهو و ذلك لا يكون الا بالخفة (فتبين من جميع ما ذكرنا ان المتعين حمل الطرب في تعريف الاكثر للغناء، على الطرب بمعنى الخفة، و) اما ما فرّ منه صاحب مفتاح الكرامة، حيث راى انه لو اخذ الخفة لم يحرم كثير من الغناء، اذ لا يوجب خفة و لذا اقتصر على كون المحرم ما فيه مد و تحسين، فلا موجب لهذا الفرار.

اذ لا يرد علينا الاشكال و ان اخذنا الخفة، في تعريف الغناء ل (توجيه كلامهم) اى الفقهاء المشترطين للخفة (بإرادة ما يقتضي الطرب و يعرض)

ص: 347

له بحسب وضع نوع ذلك الترجيع و ان لم يطرب شخصه لمانع من غلظة الصوت و مج الاسماع له، و لقد اجاد في الصحاح حيث فسّر الغناء بالسماع و هو المعروف عند اهل العرف.

و قد تقدم في رواية محمد بن ابى عباد: المستهتر بالسماع.

و كيف كان فالمحصل من الادلة المتقدمة حرمة الصوت المرجع فيه على سبيل اللهو، فان اللهو

______________________________

«يعرّض» من باب التفعيل (له) اى للطرب (بحسب وضع نوع ذلك الترجيع و ان لم يطرب شخصه) فعلا (لمانع) خارجى (من غلظة الصوت) في المغنّى (و مجّ الاسماع له) «مجّ» بمعنى: رمى، او لاجل اشتغال السامع بهم او ما اشبه- كما تقدم- (و لقد اجاد في الصحاح حيث فسر الغناء بالسماع) لفظة «السماع» كانت مشهورة في زمان المصنف في تفسير الغناء.

و التعبير عنه كما اشار إليه بقوله: (و هو المعروف عند اهل العرف) و لذا كرر المصنف اجادة الصحاح بهذا التفسير، و الا ففى زماننا «السماع» اخفى مدلولا من «الغناء».

(و قد تقدم في رواية محمد بن ابى عباد: المستهتر بالسماع) و قد اريد بالسماع الغناء.

(و كيف كان) سواء اخذت الخفة في «الغناء» كما فعلنا، أم لا، كما فعل مفتاح الكرامة (فالمحصل من الادلة المتقدمة) اى الروايات المذكورة (حرمة الصوت المرجع فيه على سبيل اللهو، فان اللهو) على ثلاثة اقسام

ص: 348

كما يكون بآلة من غير صوت كضرب الاوتار و نحوه، و بالصوت في الآلة كالمزمار و القصب و نحوهما فقد يكون بالصوت المجرد فكل صوت يكون لهوا بكيفيته و معدودا من الحان اهل الفسوق و المعاصى فهو حرام، و ان فرض انه ليس بغناء.

و كل ما لا يعد لهوا، فليس بحرام و ان فرض صدق الغناء عليه فرضا غير محقق لعدم الدليل على حرمة الغناء الا من حيث كونه باطلا و لهوا و لغوا و زورا

______________________________

«آلة» و «صوت» و «آلة و صوت».

ف (كما يكون بآلة من غير صوت كضرب الاوتار و نحوه) من سائر آلات اللهو (و بالصوت في الآلة كالمزمار و القصب و نحوهما فقد يكون بالصوت المجرد) عن الآلة (فكل صوت يكون لهوا بكيفيته) فى مقابل كونه لهوا بمادته- كالكذب و ما اشبه- (و معدودا من الحان اهل الفسوق و المعاصى) فان لهم لحنا خاصا يعرفون به، يطلقونه غالبا في البساتين و ما اشبه (فهو حرام و ان فرض انه ليس بغناء) اذ قد عرفت ان الدليل انما قام على حرمة اللهو.

(و كل ما لا يعد لهوا، فليس بحرام، و ان فرض صدق الغناء عليه فرضا غير محقق).

و انما قال ره: غير محقق، لما تقدم من التساوى بين الصوت اللهوى و بين الغناء في قبال من يقول: ان قراءة القرآن بالصوت الغنائى لا يصدق عليه اللهو.

و انما جعلنا المحور للحرام اللهو (لعدم الدليل على حرمة الغناء الا من حيث كونه باطلا و لغوا و زورا) كما تقدم في الاحاديث المفسّرة

ص: 349

ثم ان اللهو يتحقق بامرين:
احدهما: قصد التلهى

و ان لم يكن لهوا.

و الثاني: كونه لهوا في نفسه عند المستمعين،

و ان لم يقصد به التلهى.

ثم ان المرجع في اللهو الى العرف.

و الحاكم بتحققه هو الوجدان، حيث يجد الصوت المذكور مناسبا لبعض آلات اللهو و الرقص، و لحضور ما يستلذه القوى الشهوية، من كون المغنى جارية او امردا و نحو ذلك.

______________________________

للآيات و غيرها.

(ثم ان اللهو يتحقق بامرين: احدهما: قصد التلهى و ان لم يكن لهوا) فعلا بالنسبة الى المستمع لخشونة صوت المغنى، او اشتغال السامع بهم و نحوه.

(و الثاني: كونه لهوا في نفسه عند المستمعين، و ان لم يقصد به التلهى) كان كان المغنى يريد قراءة القرآن و الدعاء.

و حاصل هذين الامرين يرجع الى ما تقدم منه ره من كونه مطربا شأنا في الجملة

(ثم ان المرجع في اللهو) و انه ما هو (الى العرف) فكلما ذكروا انه لهو فهو لهو، و كلما ذكروا انه ليس بلهو، فليس بلهو.

(و الحاكم بتحققه) اى اللهو (هو الوجدان) اذ الوجدان مرآة للعرف (حيث يجد الصوت المذكور مناسبا لبعض آلات اللهو و الرقص، و) مناسبا (لحضور ما يستلذه القوى الشهوية من كون المغنى جارية او امرد او نحو ذلك) من البسة خاصة، و تزينات مخصوصة فان هذه الامور كلها من مناسبات اللهو، و بعضها يناسب بعضا آخر.

ص: 350

و مراتب الوجدان المذكور مختلفة في الوضوح و الخفاء، فقد يحسّ بعض الترجيع من مبادى الغناء، و لم يبلغه.

و ظهر مما ذكرنا انه

لا فرق بين استعمال هذه الكيفية في كلام حق او باطل،

فقراءة القرآن و الدعاء و المراثى بصوت يرجّع فيه على سبيل اللهو لا اشكال في حرمتها، و لا في تضاعف عقابها لكونها معصية في مقام الطاعة،

______________________________

(و) لا يخفى ان (مراتب الوجدان المذكور مختلفة في الوضوح و الخفاء فقد يحس بعض) الناس (الترجيع) المحرم (من مبادى الغناء و) الحال انه (لم يبلغه) اى لم يبلغ الغناء و لا يحسّ بعض بذلك لاختلاف نفوس الناس في تأثير الترجيع و مقدماته فيهم.

كما انهم مختلفون في تأثير الشعر فيهم، فبعضهم يهزه الشعر العادى بينما لا يهز البعض الآخر الا الشعر القوى، و هذا هو السر في اختلاف بعض المتدينين في ان الصوت الفلانى غناء، أم لا؟

و اذا شك العرف في صدق الغناء- بعد الفحص- كان المرجع اصالة الحل و البراءة.

(و) قد (ظهر مما ذكرنا) من ان الغناء لهو، و كل لهو حرام- حسب الادلة المتقدمة- (انه لا فرق بين استعمال هذه الكيفية في كلام حق او باطل) فالكيفية محرمة، سواء كانت المادة محرمة، أم لا (فقراءة القرآن و الدعاء و المراثى بصوت يرجع فيه) القارى (على سبيل اللهو لا اشكال في حرمتها، و لا في تضاعف عقابها).

و انما نقول بتضاعف العقاب (لكونها معصية في مقام الطاعة) و العقل

ص: 351

و استخفافا بالمقرو، و المدعو، و المرثى و من اوضح تسويلات الشيطان ان الرجل المسترقد تدعوه نفسه لاجل التفرج و التنزه و التلذذ، الى ما يوجب نشاطه و رفع الكسالة عنه من الزمزمة الملهيّة فيجعل ذلك في بيت من الشعر المنظوم في الحكم و المراثى و نحوها فيتغنى به او يحضر عند من يفعل ذلك و ربما يعد مجلسا لاجل احضار اصحاب الالحان و يسميه مجلس المرثية

______________________________

يستقل بان قبح المعصية المجرد اقل من قبح الطاعة المأتى بها في ضمن الطاعة.

مثلا: الرياء في اللباس اقل قبحا من الرياء في الصلاة (و استخفافا بالمقرو، و المدعو، و المرثى) اى بالقرآن، و الله، و الّذي يرثى كالإمام الحسين عليه السلام، و هذا امر طبيعى لا يحتاج الى القصد (و من اوضح تسويلات) اى تزيينات (الشيطان) الباطل حقا (ان الرجل المتستر) مقابل المستهتر (قد تدعوه نفسه لاجل التفرج) اى الفرجة و السعة على النفس (و التنزه) اى الخروج الى مكان النزهة، اى المبتعدة عن المكروه، و المراد هنا الابتعاد عن المضايقات النفسية (و التلذذ) بتحصيل اللذة (الى ما يوجب نشاطه و رفع الكسالة عنه) «الى» متعلق ب «تدعو» (من الزمزمة) متعلق ب «ما يوجب نشاطه» و الزمزمة عبارة عن التصوت في الحلق و الخيشوم (الملهية) التى تلهيه، و لها حالة لهو و باطل (فيجعل ذلك) التفرج (فى بيت من الشعر المنظوم في الحكم و المراثى و نحوها، فيتغنى به) اى بذلك البيت (او يحضر عند من يفعل ذلك) فيأتيه اثم المستمع للغناء

(و ربما يعدّ مجلسا لاجل احضار اصحاب الالحان) الغنائية، (و يسميه مجلس المرثية

ص: 352

فيحصل له بذلك ما لا يحصل من ضرب الاوتار من النشاط و الانبساط.

و ربما يبكى في خلال ذلك لاجل الهموم المركوزة في قلبه الغائبة عن خاطره من فقد ما يستحضره القوى الشهوية، و يتخيل انه بكى في المرثية و فاز بالمرتبة العالية و قد اشرف على النزول الى دركات الهاوية فلا ملجأ الا الله

______________________________

فيحصل له بذلك) المجلس (ما لا يحصل) له (من ضرب الاوتار) و سائر آلات اللهو (من النشاط) الروحى (و الانبساط) النفسى.

(و ربما يبكى في خلال ذلك) الانبساط (لاجل الهموم المركوزة في قلبه الغائبة عن خاطره) فان النفس تختزن الحزن و السرور فاذا هاجت النفس حرك ذلك الحزن و السرور الكامنان في النفس للأعصاب و يأتى اثر ذلك في البكاء و الانبساط و لا يعلم الانسان سبب البكاء او الانبساط لعدم التفاته الى الامر المخزون في النفس (من فقد ما يستحضره) اى يطلب حضوره (القوى الشهوية) و قوله «من» متعلق ب «العموم» (و يتخيل) له حين البكاء المنبعث عن الحزن المخزون في النفس (انه بكى في المرثية، و فاز بالمرتبة العالية) و الدرجة الرفيعة عند الله تعالى (و) الحال انه (قد اشرف على النزول الى دركات الهاوية) الهاوية اسم جهنم.

اما باعتبار هوى الاجسام الثقيلة النارية فيها كالاحجار التى تنفصل من حافاتها او الاحجار التى تتقلب فيها صعودا و نزولا.

و اما باعتبار الحال، اى الناس، بعلاقة الحال و المحل من قبيل جرى النهر (فلا ملجأ) و لا مفر (الا) الى (الله

ص: 353

من شر الشيطان، و النفس الغاوية.

و ربما يجرى على هذا عروض

الشبهة في الازمنة المتأخرة في هذه المسألة تارة من حيث اصل الحكم. و اخرى من حيث الموضوع. و ثالثة من اختصاص الحكم ببعض الموضوع.
اشارة

______________________________

من شر الشيطان، و النفس الغاوية) اللتين تورد ان الانسان موارد الهلكة عن شعور، او لا شعور-.

(و ربما يجرى على هذا) الاقدام، اى بسبب الجرأة على الاقدام على الغناء في القرآن و المرثية و نحوهما (عروض الشبهة في الازمنة المتأخرة) «عروض» فاعل «يجرى» اى يجرى عروض الشبهة، على الاقدام على الغناء في القرآن (فى هذه المسألة) اى مسألة جواز الغناء في القرآن و المرثية.

(تارة من حيث اصل الحكم) بالشبهة في حرمة اصل الغناء.

(و اخرى من حيث الموضوع) و انه هل هذا هو الفرد من الغناء، أم لا؟

للشك في كونه من مصاديق الغناء.

(و ثالثة من) جهة (اختصاص الحكم) بالتحريم (ببعض الموضوع) و ان بعض اقسام الغناء حرام دون بعض.

فلا بد في تنقيح المواضع الثلاثة، و رفع الشبهة منها، ببيان ان اصل الغناء حرام، سواء اقترن بمحرم آخر، أم لا؟ و بيان ان بعض الافراد التى شك بعض في كونها من الغناء أم لا؟ انما هو من الغناء.

ص: 354

أما الأول أي الشبهة في أصل الحكم

اما الاول: فلانه حكى عن المحدث الكاشانى: انه خص الحرام منه بما اشتمل على محرم من خارج، مثل اللعب بآلات اللهو و دخول الرجال و الكلام بالباطل، و الا فهو في نفسه غير محرم.

______________________________

و بيان ان الغناء مطلقا حرام، لا ان الحرمة خاصة ببعض افرادها.

و لا يخفى: ان المقام الثاني لا يراد به انه لو شك واقعا في فرد انه هل من الغناء، أم لا؟ لا يكون حكمه الاباحة، بل المراد بعض الافراد الخاصة مما وقع الشك فيها.

اذ من المعلوم ان الافراد المشكوكة من كل موضوع محل اصل الحل و الاباحة.

(اما الاول) اى الشبهة الواردة على الغناء من حيث اصل الحكم، و انه هل هو حرام، أم لا؟ (فلانه حكى عن المحدث الكاشانى: انه خص الحرام منه) اى من الغناء (بما اشتمل على محرم من خارج، مثل) الغناء المنضم الى (اللعب بآلات اللهو، و دخول الرجال) على النساء (و الكلام بالباطل) كالكذب و التشبيب (و الا فهو في نفسه) اذا لم تنضم إليه الضمائم المذكورة (غير محرم).

و لا يخفى: ان الكاشانى لا يقول: بان من الغناء حراما، و من النساء حلالا، حتى يقال: بانه من القسم الثالث لا القسم الاول.

و انما يرى الكاشانى حلية مطلق الغناء و انما المحرم هى الضمائم المحرمة، بخلاف القسم الثالث، فانه تقسيم لذات الغناء الى محرم و محلل.

ص: 355

و المحكى من كلامه في الوافى- انه بعد حكاية الاخبار التى يأتى بعضها- قال: الّذي يظهر من مجموع الاخبار الواردة اختصاص حرمة الغناء، و ما يتعلق به من الاجر و التعليم و الاستماع و البيع و الشراء كلها بما كان على النحو المعهود المتعارف في زمن الخلفاء من دخول الرجال عليهن و تكلمهن بالباطل، و لعبهن بالملاهى من العيد ان و القصب و غيرهما، دون ما سوى ذلك من انواعه، كما يشعر به قوله ليست بالتى تدخل عليها الرجال- الى ان قال-: و على هذا فلا بأس بالتغنى بالاشعار المتضمنة

______________________________

(و المحكى من كلامه في الوافى- انه بعد حكاية الاخبار التى يأتى بعضها- قال: الّذي يظهر من مجموع الاخبار الواردة) فى باب الغناء (اختصاص حرمة الغناء، و ما يتعلق به من) حرمة (الاجر و التعليم و الاستماع و البيع و الشراء) للجارية المغنية (كلها بما كان على النحو المعهود المتعارف) «بما» متعلق ب «اختصاص» (فى زمن الخلفاء، من دخول الرجال عليهن) اى على المغنيات (و تكلّمهن بالباطل) من مدح الفساق و ما اشبه (و لعبهن بالملاهى من العيدان و القصب و غيرهما) من آلات اللهو (دون ما سوى ذلك من انواعه) اى انواع الغناء، فانه ليس بمحرم اذا لم يصحبه ما ذكر من المحرمات (كما يشعر به) اى بعدم التحريم (قوله) عليه السلام:

في الرواية الآتية (ليست بالتى تدخل عليها الرجال) فان المفهوم منه ان المحرم انما هو الشي ء الّذي فيه دخول الرجال على النساء (- الى ان قال-) الكاشانى (و على هذا فلا بأس بالتغنى بالاشعار المتضمنة

ص: 356

لذكر الجنة و النار، و التشويق الى دار القرار، و وصف نعم الملك الجبار و ذكر العبادات و الرغبات في الخيرات و الزهد في الفانيات و نحو ذلك.

كما اشير إليه في حديث الفقيه بقوله: ذكرتك الجنة، و ذلك لان هذا كله ذكر الله.

و ربّما تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلىٰ ذِكْرِ اللّٰهِ.

و بالجملة: فلا يخفى على اهل الحجى بعد سماع هذه الاخبار تمييز حق الغناء

______________________________

لذكر الجنة و النار، و التشويق الى دار القرار، و وصف نعم الملك الجبار) و تفضلات الله سبحانه على البشر في الدنيا و الآخرة (و ذكر العبادات و الرغبات في الخيرات) بان يذكر في الغناء الصلاة و غيرها، ليزداد شوقا او تشويقا إليها (و الزهد في الفانيات و نحو ذلك) فان القراءة الغنائية لهذه الاشياء ربما تزيد تأثيرا في نفس المتكلم او السامع.

(كما اشير إليه في حديث) من لا يحضره (الفقيه بقوله) عليه السلام (ذكرتك الجنة، و ذلك) الّذي ذكرنا من جواز الغناء في هذه الامور (لان هذا كله ذكر الله) و ذكر الله حسن على كل حال.

(و ربّما تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلىٰ ذِكْرِ اللّٰهِ).

(و بالجملة: فلا يخفى على اهل الحجى) و العقل (بعد سماع هذه الاخبار تمييز حق الغناء) اى الغناء الحق- من اضافة الصفة الى

ص: 357

عن باطله، و ان اكثر ما يتغنى به الصوفية في محافلهم من قبيل الباطل انتهى.

اقول لو لا استشهاده بقوله: ليست بالتى تدخل عليها الرجال امكن بلا تكلف- تطبيق كلامه على ما ذكرنا من ان المحرم هو الصوت اللهوى الّذي يناسبه اللعب بالملاهى، و التكلم بالاباطيل، و دخول الرجال على النساء لحظ السمع و البصر من شهوة الزنا

______________________________

الموصوف- (عن باطله، و) ظهر (ان اكثر ما يتغنى به الصوفية في محافلهم من قبيل الباطل) لانه ليس ذكر الله، و انما ذكر الشهوات، فان لدى اكثرهم يجوز التشبيب بالامرد من الغلمان، لانه بزعمهم الفاسد قنطرة الى التعشق بالذات الربوبية (انتهى) كلام الكاشانى.

(اقول: لو لا استشهاده بقوله: ليست بالتى تدخل عليها الرجال، امكن- بلا تكلف- تطبيق كلامه) ره (على ما ذكرنا من) ان اللهو حرام، و ليس الغناء بعنوان انه غناء حراما.

ف (ان المحرم هو الصوت اللهوى الّذي يناسبه اللعب بالملاهى، و التكلم بالاباطيل، و دخول الرجال على النساء) دخولا محرما.

ذلك (لحظ السمع و البصر من شهوة الزنا) فان الداخل على المرأة المغنية يلتذ برؤيتها و بسماع صوتها المثير للشهوة، و كلاهما حرام.

لما روى من ان لكل عضو من اعضاء ابن آدم حظّ من الزنا، فزنا البصر الرؤية، و زنا السمع الاستماع.

و المراد بالاستماع هو المحرم منه، كما قال سبحانه: فَلٰا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ.

ص: 358

دون مجرد الصوت الحسن الّذي يذكر امور الآخرة، و ينسى شهوات الدنيا الا ان استشهاده بالرواية ليست بالتى تدخل عليها الرجال، ظاهر في التفصيل بين افراد الغناء لا من حيث نفسه

______________________________

اما مجرد الكلام غير المثير، فالمشهور عدم الحرمة مطلقا، بل في الآية السابقة دلالة عليه، لان المنهى عنه هو الخضوع (دون مجرد الصوت الحسن الّذي يذكر امور الآخرة، و ينسى شهوات الدنيا) فان النفس اذا توجهت الى الكلام الزهدي تنسى الدنيا، خصوصا اذا كان في قالب الصوت الحسن (الا ان استشهاده) اى الكاشانى (بالرواية ليست بالتى تدخل عليها الرجال، ظاهر في التفصيل بين افراد الغناء لا من حيث نفسه) بل من حيث اقترانه بالمحرمات الخارجية.

فالكاشانى لا يريد التفصيل بين الغناء المحرم، و الغناء المحلل- من حيث نفس الغناء- لانه لا يرى حرمة الغناء في نفسه اصلا، و انما يريد ان يفصل بين ما لو كان الغناء مقترنا بالمحرمات الخارجية فيحرم و الا فلا يحرم.

و الحاصل: ان الكاشانى قد يرى التفصيل في نفس الغناء، و انه محلل اذا لم يكن لهويا، و محرم اذا كان لهويا، و هذا خلاف ظاهر كلامه

و قد يرى التفصيل في الصوت اللهوى، و ان منه محلل فيما اذا لم يقترن بالمحرمات الخارجية و منه محرم فيما اذا اقترن بالمحرمات الخارجية و هذا هو الظاهر من كلامه، حيث استدل بقوله عليه السلام «ليست بالتى» فانه ظاهر في ان الكاشانى يرى التحريم لامر خارجى، و هو دخول الرجال لا لامر داخلى في نفس الغناء اعنى كونه لهويا.

ص: 359

فان صوت المغنية التى تزف العرائس على سبيل اللهو لا محالة.

و لذا لو قلنا: باباحته فيما يأتى كنا قد خصصناه بالدليل و نسب القول المذكور الى صاحب الكفاية أيضا، و الموجود فيها بعد ذكر الاخبار المتخالفة جوازا و منعا في القرآن و غيره، ان الجمع بين هذه الاخبار يمكن بوجهين

احدهما تخصيص تلك الاخبار الواردة المانعة بما

______________________________

و استدل المصنف لما فهم من كلام الكاشانى من انه يفصل في امر خارجى عن الغناء، بقوله: (فان صوت المغنية التى تزف العرائس) انما يكون (على سبيل اللهو لا محالة) و مع ذلك يرى الكاشانى عدم حرمته اذا لم يقترن بدخول الرجال عليها.

و على هذا: فلا مجال لان نقول: ان الكاشانى يريد التفصيل بين الغناء اللهوى، و الغناء غير اللهوى.

(و لذا) الّذي ذكرنا من انه لهوى (لو قلنا: باباحته فيما يأتى) اى في مسئلة الاستثناء عن الغناء المحرم (كنا قد خصصناه) اى تحريم الغناء (بالدليل) الدال على جواز الغناء في الاعراس، و لم يكن من باب التخصص و انه ليس بلهو اصلا (و نسب القول المذكور) اى جواز الغناء اذا لم يقارنه محرم خارجى (الى) السبزوارى (صاحب الكفاية أيضا) كما انه قول للكاشانى (و الموجود فيها) اى في الكفاية (بعد ذكر الاخبار المتخالفة جوازا و منعا في القرآن و غيره) كالمرثية و الحكم و المواعظ (ان الجمع بين هذه الاخبار يمكن بوجهين) «ان» خبر «و الموجود».

(احدهما تخصيص تلك الاخبار الواردة المانعة) عن الغناء (بما

ص: 360

عدا القرآن.

و حمل ما يدل على ذم التغنى بالقرآن على قراءة يكون على سبيل اللهو، كما يصنعه الفساق في غنائهم.

و يؤيده رواية عبد الله بن سنان المذكورة اقرءوا القرآن بألحان العرب و ايّاكم و لحون اهل الفسوق و الكبائر و سيجي ء من بعدى اقوام يرجعون

______________________________

عدا القرآن) فالغناء في القرآن جائز، و لكن لا مطلقا، بل الغناء الّذي ليس من لحون اهل الفسوق.

(و حمل ما يدل على ذم التغنى بالقرآن على قراءة) للقرآن (يكون على سبيل اللهو، كما يصنعه الفساق في غنائهم).

فتحصل: ان الغناء في غير القرآن حرام مطلقا، و الغناء في القرآن على نوعين، غناء محلل و غناء محرم.

فالمحرم ما كان بلحن الفساق، و المحلل غيره، و بهذا يجمع بين ما دل على حرمة مطلق الغناء، و ما دل على حلية الغناء في القرآن و ما دل على حرمة الغناء في القرآن.

(و يؤيده) اى يؤيد هذا الجمع بين الغناء المحرم في القرآن، و الغناء المحلل في القرآن بما ذكرنا (رواية عبد الله بن سنان المذكورة اقرأ و القرآن بألحان العرب، و ايّاكم و لحون اهل الفسوق و الكبائر) حيث ان المنهى عنه لحن اهل الفسق، و المأمور به لحن العرب، و كلاهما من الغناء، لكن احدهما حرام و الآخر محلل.

و قوله عليه السلام في مقام الذم (و سيجي ء من بعدى اقوام يرجعون

ص: 361

القرآن ترجيع الغناء.

و ثانيهما ان يقال: و حاصل ما قال حمل الاخبار المانعة على الفرد الشائع في ذلك الزمان.

قال: و الشائع في ذلك الزمان الغناء على سبيل اللهو من الجوارى و غيرهن في مجالس الفجور و الخمور، و العمل بالملاهى و التكلم بالباطل و اسماعهن الرجال.

فحمل المفرد المعرف- يعنى لفظ: الغناء- على تلك الافراد الشائعة في ذلك الزمان غير بعيد.

______________________________

القرآن ترجيع الغناء) و في مقام المدح، رجع بالقرآن صوتك.

(و ثانيهما) اى ثاني وجهى الجمع بين الاخبار المجوزة و الاخبار المانعة (ان يقال: و حاصل ما قال حمل الاخبار المانعة على الفرد الشائع في ذلك الزمان) اى زمان ورود الاخبار.

(قال: و الشائع في ذلك الزمان الغناء على سبيل اللهو من الجوارى و غيرهن) كالرجال المغنين (فى مجالس الفجور و الخمور و العمل بالملاهى) اى آلات اللهو (و التكلم بالباطل) كالتشبيب المحرم (و اسماعهن الرجال) اسماعا حراما، اذ الخضوع بالقول الموجب لطمع الّذي في قلبه مرض حرام.

(فحمل المفرد المعرف- يعنى لفظ: الغناء-) فى الاخبار الناهية (على تلك الافراد الشائعة في ذلك الزمان غير بعيد).

و الحاصل: ان الاخبار الناهية تنهى عن الغناء المشتمل على المحرمات الخارجية.

ص: 362

ثم ذكر رواية على بن جعفر الآتية و رواية اقرءوا القرآن المتقدمة و قوله ليست بالتى يدخل عليها الرجال مؤيدا لهذا الحمل، قال ان فيه اشعارا بان منشأ المنع في الغناء هو بعض الامور المحرمة المقترنة به، كالالتهاء و غيره الى ان قال: ان في عدة من اخبار المنع عن الغناء اشعارا بكونه لهوا باطلا.

و صدق ذلك في القرآن و الدعوات و الاذكار المقروّة بالاصوات الطيبة المذكرة

______________________________

و الاخبار المجوزة تجوز الغناء الّذي لا يشتمل على تلك المحرمات الخارجية.

(ثم ذكر) السبزوارى (رواية على بن جعفر الآتية) من قوله عليه السلام «لا بأس ما لم يزمر به» مما يدل على الجواز اذا لم يشتمل على المزمار المحرم (و رواية اقرءوا القرآن المتقدمة) حيث دلت على جواز الغناء في القرآن (و قوله) عليه السلام (ليست بالتى يدخل عليه الرجال) حيث دلت على الجواز اذا لم يشتمل على دخول الرجال المحرم (مؤيدا لهذا الحمل) الثاني، و قوله «مؤيدا» حال عن «ذكر» (قال) السبزوارى (ان فيه) اى ما ذكر من الرواية (اشعارا بان منشأ المنع في الغناء هو بعض الامور المحرمة المقترنة به، كالالتهاء و غيره) كالمزمار و دخول الرجال (الى ان قال) السبزوارى (ان في عدة من اخبار المنع عن الغناء اشعارا بكونه) اى الغناء (لهوا باطلا).

(و صدق ذلك) اللهو الباطل (فى القرآن و الدعوات و الاذكار المقروة بالاصوات الطيبة المذكرة) للنعيم و الجحيم، اذ الصدق الطيب حيث يؤثر

ص: 363

المهيجة للاشواق الى العالم الاعلى، محل تامل.

على ان التعارض واقع بين اخبار الغناء، و الاخبار الكثيرة المتواترة الدالة على فضل قراءة القرآن و الادعية و الاذكار، مع عمومها لغة، و كثرتها و موافقتها للاصل.

و النسبة بين الموضوعين عموم من وجه فاذا لا ريب في تحريم الغناء

______________________________

فى النفس، يكون اكثر تذكيرا و الفاتا (المهيجة للاشواق الى العالم الاعلى محل تامل) خبر قوله «و صدق».

(على) انه بالإضافة الى التعارض بين خبرى التحريم و التجويز في الغناء في القرآن الموجب ذلك التعارض للحمل باحد الوجهين المذكورين (ان التعارض واقع بين اخبار) تدل على تحريم (الغناء، و) بين (الاخبار الكثيرة المتواترة الدالة على فضل قراءة القرآن و الادعية و الاذكار، مع عمومها) اى عموم اخبار فضل قراءة القرآن (لغة) بحيث يشمل القراءة الغنائية و غيرها (و كثرتها) عددا (و موافقتها للاصل) اذ الاصل جواز قراءة القرآن سواء بصوت غنائى، أم لا.

(و النسبة بين الموضوعين) حرمة الغناء، و فضل قراءة القرآن (عموم من وجه).

فالغناء في غير القرآن مورد التحريم فقط، و القرآن بدون الغناء مورد الفضل فقط، و الغناء في القرآن مجمع الأمرين، فيتساقط الدليلان في مورد الاجتماع، و يكون المرجع اصل الاباحة و الحل (فاذا) اى حيث ان بين الطائفتين عموما من وجه (لا ريب في تحريم الغناء

ص: 364

على سبيل اللهو، و الاقتران بالملاهى و نحوهما.

ثم ان ثبت اجماع في غيره و الا بقى حكمه على الاباحة و طريق الاحتياط واضح انتهى.

اقول: لا يخفى ان الغناء- على ما استفدنا من الاخبار، بل فتاوى الاصحاب و قول اهل اللغة- هو من الملاهى نظير ضرب الاوتار و النفخ في القصب و المزمار.

و قد تقدم التصريح بذلك في رواية الاعمش الواردة في الكبائر فلا يحتاج في

______________________________

على سبيل اللهو، و) على سبيل (الاقتران بالملاهى و نحوهما) كدخول الرجال على النساء.

(ثم ان ثبت اجماع) بالتحريم للغناء (فى غيره) و هو ما اذا لم يقترن بشي ء من المحرمات، فهو (و الا بقى حكمه على الاباحة، و) الجواز.

نعم: (طريق الاحتياط) بالاجتناب عن كل قسم من اقسام الغناء (واضح) لا غبار عليه (انتهى) كلام السبزوارى.

(اقول: لا يخفى ان الغناء- على ما استفدنا من الاخبار، بل فتاوى الاصحاب و قول اهل اللغة- هو) بنفسه (من الملاهى) و قسم من اللهو المنهى عنه، و لذا قلنا كل غناء لهو (نظير ضرب الاوتار و النفخ في القصب و المزمار) فكما ان الضرب و النفخ لهو، كذلك الغناء.

(و قد تقدم التصريح بذلك في رواية الاعمش الواردة في الكبائر) حيث قال عليه السلام: و الملاهى التى تصد عن ذكر الله، كالغناء و ضرب الاوتار (فلا يحتاج في

ص: 365

حرمته الى ان يقترن بالمحرمات الاخر، كما هو ظاهر بعض ما تقدم من المحدثين المذكورين.

نعم لو فرض كون الغناء موضوعا لمطلق الصوت الحسن، كما يظهر من بعض ما تقدم في تفسير معنى التطريب توجه ما ذكراه، بل لا اظن احدا يفتى بإطلاق حرمة الصوت الحسن.

و الاخبار بمدح الصوت الحسن، و انه من اجمل الجمال و استحباب القراءة و الدعاء به و انه حلية القرآن، و اتصاف الأنبياء و الائمة به في غاية الكثرة.

______________________________

حرمته الى ان يقترن بالمحرمات الاخر، كما هو ظاهر بعض ما تقدم من) العبارات التى نقلناها عن (المحدثين المذكورين) الكاشانى و السبزوارى.

(نعم لو فرض كون الغناء موضوعا لمطلق الصوت الحسن، كما يظهر من بعض ما تقدم في تفسير معنى التطريب) بالتحسين للصوت (توجه ما ذكراه) المحدثان المذكوران، من انه بنفسه ليس محرما، و انما يحرم اذا اقترن بالمحرمات الخارجية (بل لا اظن احدا يفتى بإطلاق حرمة الصوت الحسن).

(و) كيف يمكن هذا الافتاء و الحال ان (الاخبار بمدح الصوت الحسن و انه من اجمل الجمال و استحباب القراءة و الدعاء به و انه حلية القرآن) اى زينته (و اتصاف الأنبياء و الأئمة به في غاية الكثرة).

فعن النوفل عن ابى الحسن عليه السلام، قال: ذكرت الصوت الحسن عنده، فقال: ان على بن الحسين عليه السلام كان يقرأ القرآن

ص: 366

و قد جمعها في الكفاية بعد ما ذكر ان غير واحد من الاخبار، يدل على جواز الغناء في القرآن بل استحبابه بناء على دلالة الروايات على استحباب حسن الصوت و التحزين و الترجيع به و الظاهر ان شيئا منها

______________________________

فربما يمر به المار فصعق عن صوته، ان الامام لو اظهر من ذلك شيئا لما احتمله الناس من حسنه.

و رواية ابى بصير عن رسول الله صلى الله عليه و آله: ان من اجمل الجمال الشعر الحسن، و نغمة الصوت الحسن.

و رواية عبد الله بن سنان عن النبي صلى الله عليه و آله: لكل شي ء حلية و حلية القرآن الصوت الحسن.

و المروى عن ابى عبد الله عليه السلام: ما بعث الله نبيّا الا حسن الصوت، الى غيرها من الروايات الكثيرة.

(و قد جمعها في الكفاية بعد ما ذكران غير واحد من الأخبار، يدل على جواز الغناء في القرآن بل استحبابه).

و انما نقول بالاستحباب (بناء على دلالة الروايات على استحباب حسن الصوت و التحزين و الترجيع به) اى بالقرآن.

فعن حفص، قال: ما رأيت احدا اشد خوفا على نفسه من موسى بن جعفر عليه السلام، و لا ارجى للناس منه، و كانت قراءته حزينة فاذا قرأ فكانه يخاطب انسانا.

ثم قال السبزوارى: (و الظاهر ان شيئا منها) اى من حسن الصوت و التحزين و الترجيع

ص: 367

لا يوجد بدون الغناء على ما استفيد من كلام اهل اللغة، و غيرهم على ما فصلناه في بعض رسائلنا، انتهى.

و قد صرح في شرح قوله عليه السلام: اقرءوا القرآن بألحان العرب ان اللحن هو الغناء.

و بالجملة فنسبة الخلاف إليه في معنى الغناء اولى من نسبة التفصيل إليه بل ظاهر اكثر كلمات المحدث الكاشانى أيضا ذلك، لانه في مقام نفى

______________________________

(لا يوجد بدون الغناء على ما استفيد من كلام اهل اللغة، و غيرهم على ما فصلناه في بعض رسائلنا، انتهى).

اقول: استظهاره ان حسن الصوت و التحزين لا يوجد بدون الغناء لا يخفى ما فيه، ان اريد بالغناء الصوت المطرب كما ان الترجيع لا يلازم الغناء.

(و قد صرح) السبزوارى (فى شرح قوله عليه السلام: اقرءوا القرآن بألحان العرب، ان اللحن هو الغناء) مما يظهر منه انه يرى الغناء اعم من المطرب.

(و بالجملة فنسبة الخلاف إليه) اى الى السبزوارى (فى معنى الغناء) و انه يرى لفظ الغناء شاملا للمطرب المحرم، و غير المطرب (اولى من نسبة التفصيل) بين اقسام الغناء المطرب بتحليله ما كان في القرآن و نحوه، و تحريمه ما كان مشتملا على محرم خارجى (إليه) لما عرفت من انه يرى الغناء لكل صوت حسن و تحزين و ترجيع.

(بل ظاهر اكثر كلمات المحدث الكاشانى) الفيض قدس سره (أيضا ذلك) الخلاف في معنى الغناء (لانه) اى الكاشانى (فى مقام نفى

ص: 368

التحريم عن الصوت الحسن المذكّر لامور الآخرة، المنسى لشهوات الدنيا.

نعم بعض كلماتهما ظاهرة فيما نسب إليهما من التفصيل في الصوت اللهوى الّذي ليس هو عند التأمل تفصيلا بل قولا بإطلاق جواز الغناء و انه لا حرمة فيه اصلا، و انما الحرام ما يقترن به من المحرمات.

فهو- على تقدير صدق نسبته إليهما- فى غاية الضعف لا شاهد له يقيد الاطلاقات الكثيرة المدعى تواترها الا بعض الروايات التى ذكراها.

______________________________

التحريم عن الصوت الحسن المذكّر لامور الآخرة، المنسى لشهوات الدنيا).

و من المعلوم انه ليس كل صوت حسن هذا شأنه غناء مطربا.

(نعم بعض كلماتهما) الكاشانى و السبزوارى (ظاهرة فيما نسب إليهما من التفصيل في الصوت اللهوى) بين المحلل و هو الّذي لا يشتمل على المحرمات الخارجية، و بين المحرم و هو المشتمل على المحرمات الخارجية.

فالتفصيل (الّذي ليس هو عند التأمل تفصيلا) بين اقسام الصوت اللهوى (بل قولا بإطلاق جواز الغناء، و انه لا حرمة فيه اصلا، و انما الحرام ما يقترن به من المحرمات) فهو كما لو فصل شخص بين اقسام الجلوس فما كان في مجلس منكر كان حراما، و ما كان في غيره كان حلالا، مما ليس تفصيلا، و انما هو اطلاق تحليل الجلوس.

(فهو) اى هذا القول بالتفصيل بين اقسام الغناء اللهوى الراجع الى تحليل الغناء مطلقا (- على تقدير صدق نسبته إليهما-) الكاشانى و السبزوارى (فى غاية الضعف لا شاهد له) بحيث (يقيد الاطلاقات الكثيرة) الواردة في تحريم الغناء (المدعى تواترها الا بعض الروايات التى ذكراها)

ص: 369

منها ما عن الحميرى- بسند لم يبعد في الكفاية الحاقة بالصحاح- عن على بن جعفر عن اخيه عليهما السلام، قال سألته عن الغناء في الفطر و الاضحى، و الفرح قال: لا بأس، ما لم يعص به.

و المراد به ظاهرا ما لم يصر الغناء سببا للمعصية و لا مقدمة للمعاصى المقارنة له.

و في كتاب على بن جعفر عن اخيه قال سألته عن الغناء، هل يصلح في الفطر و الأضحى و الفرح؟ قال: لا بأس، ما لم يزمر به.

______________________________

الكاشانى و السبزوارى، مما يمكن ان تكون شاهدة لتقييد المطلقات.

ف (منها) اى من الشواهد على التقييد (ما عن الحميرى- بسند لم يبعد في الكفاية الحاقة بالصحاح- عن على بن جعفر عن اخيه عليهما السلام، قال سألته عن الغناء في) يومى (الفطر و الاضحى و) عند (الفرح) كالعرس و شبهه (قال) عليه السلام (لا بأس، ما لم يعص به) فانه ظاهر في جواز الغناء في الجملة.

(و المراد به ظاهرا ما لم يصر الغناء سببا للمعصية) كاثارة الشهوات المحرمة (و لا مقدمة للمعاصى المقارنة له) كدخول الرجال على النساء و القول بالباطل.

(و في كتاب على بن جعفر عن اخيه) موسى عليه السلام (قال سألته عن الغناء، هل يصلح في الفطر و الاضحى و الفرح؟ قال لا بأس، ما لم يزمر به) فانه ظاهر في ان حرمة الغناء لاجل بعض الملابسات، لا انه حرام في نفسه.

ص: 370

و الظاهر: ان المراد بقوله: ما لم يزمر به، ما لم يلعب معه بالمزمار او ما لم يكن الغناء بالمزمار و نحوه من آلات الأغانى.

و رواية ابى بصير، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن كسب المغنيات، فقال: التى يدخل عليها الرجال حرام، و التى تدعى الى الاعراس لا بأس به، و هو قول الله عز و جل: وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ.

و عن ابى بصير، عن ابى عبد الله عليه السلام قال: قال: اجر المغنية التى تزف العرائس ليس به بأس ليست بالتى تدخل عليها الرجال.

______________________________

(و الظاهر: ان المراد بقوله: ما لم يزمر به، ما لم يلعب معه) اى مع الغناء (بالمزمار، او ما لم يكن الغناء بالمزمار) الّذي هو آلة و باطل (و نحوه من آلات الأغانى) اذ لا خصوصية للمزمار.

(و رواية ابى بصير، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام، عن كسب المغنيات، فقال: التى يدخل عليها الرجال حرام و التى تدعى الى الاعراس لا بأس به، و هو) اى التى يدخل عليها الرجال (قول الله عز و جل وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ) فانه ظاهر في التفصيل بين اقسام الغناء و ان المحرم منه ما اقترن بمحرم خارجى.

(و عن ابى بصير، عن ابى عبد الله عليه السلام قال: قال: اجر المغنية التى تزف العرائس ليس به بأس) لانها (ليست بالتى تدخل عليها الرجال) الموجب لحرمة اجرها.

ص: 371

فان ظاهر الثانية، و صريح الاولى ان حرمة الغناء منوطة بما يقصد منه فان كان المقصود اقامة مجلس اللهو حرم، و الا، فلا.

و قوله: فى الرواية و هو قول الله اشارة الى ما ذكره من التفصيل و يظهر منه ان كلا الغناءين من لهو الحديث لكن يقصد باحدهما ادخال الناس في المعاصى و الاخراج عن سبيل الحق، و طريق الطاعة دون الآخر.

______________________________

و (فان ظاهر) الرواية (الثانية، و صريح) الرواية (الأولى ان حرمة الغناء منوطة بما يقصد منه) و يقترن معه (فان كان المقصود اقامة مجلس اللهو حرم) و بتبعه يحرم ثمنه (و الا فلا) حرمة (و قوله) عليه السلام (فى الرواية) الاولى (و هو قول الله اشارة الى ما ذكره من التفصيل) اى ان المحرم ما كان اضلالا، لا ما ليس كذلك، و ليس ضمير «هو» راجعا الى «ما تدعى الى الاعراس».

اقول: و لكن الظاهر ان «هو» راجع الى «التى يدخل» و قوله «التى تدعى» كالمفهوم للجملة الاولى.

لكن الشيخ تبعا لاستظهاره في ضمير «هو» قال: (و يظهر منه) اى من قوله عليه السلام: و هو قول الله (ان كلا الغناءين من لهو الحديث) لان الامام طبق الآية على التفصيل الراجع الى قسمى الغناء (لكن يقصد باحدهما ادخال الناس في المعاصى و الاخراج عن سبيل الحق، و) عن (طريق الطاعة دون) القسم (الآخر).

و الحاصل: ان اشتراء لهو الحديث للاضلال حرام لا مطلق اشتراء لهو الحديث اقول: ان مثل هذه الاستفادة عن استشهاد الامام بالآية الكريمة

ص: 372

و انت خبير بعدم مقاومة هذه الاخبار للاطلاقات لعدم ظهور يعتد به في دلالتها، فان الرواية الاولى لعلى بن جعفر ظاهرة في تحقق المعصية بنفس الغناء فيكون المراد بالغناء مطلق الصوت المشتمل على الترجيع و هو قد يكون مطربا ملهيا فيحرم، و قد لا ينتهى الى ذلك فلا يعصى به.

______________________________

فى غاية البعد عن الفهم العرفى- كما لا يخفى- هذا غاية ما يستدل به من الروايات للقول بالتفصيل بين اقسام الغناء- كما نسب الى الكاشانى و السبزوارى-.

(و) لكن (انت خبير بعدم مقاومة هذه الاخبار) الاربعة (للاطلاقات) الناهية عن الغناء بقول مطلق (لعدم ظهور يعتد به في دلالتها) اى دلالة هذه الاخبار الاربعة (فان الرواية الاولى لعلى بن جعفر ظاهرة في تحقق المعصية بنفس الغناء) فان معنى الغناء لا بأس به ما لم يعص به، ان من الغناء محرما و من الغناء محللا، مثل ان يقول القائل لا بأس باكل السمك ما لم يكن املس (فيكون المراد بالغناء مطلق الصوت المشتمل على الترجيع، و هو) كلى (قد يكون مطربا ملهيا فيحرم، و قد لا ينتهى الى ذلك الحد فلا يعصى به).

فالمراد العصيان بنفس الغناء، لا بأمور آخر مقارنة له.

و ان شئت قلت ان «به» فى قوله «ما لم يعص به» ظاهر في كون نفس مرجع الضمير معصية، مثل: عصى فلان بشرب الخمر، لا ان الشي ء مقدمة للحرام، فانه يشبه ان يقال: عصى فلان بالذهاب الى دكان الخمار.

ص: 373

و منه يظهر توجيه الرواية الثانية لعلى بن جعفر، فان معنى قوله:

لم يزمر به، لم يرجع فيه ترجيع المزمار، او لم يقصد منه قصد المزمار، او ان المراد من الزمر: التغنّى على سبيل اللّهو.

و اما رواية ابى بصير، مع ضعفها سندا، بعلى بن ابى حمزة البطائنى فلا تدل الا على كون غناء المغنية التى يدخل عليها الرجال داخلا في لهو الحديث في الآية.

و عدم دخول غناء التى تدعى الى

______________________________

(و منه يظهر توجيه الرواية الثانية لعلى بن جعفر، فان معنى قوله:

لم يزمر به، لم يرجع فيه ترجيع المزمار).

فالغناء الشبيه بالمزمار حرام و غيره حلال، فيكون معنى الغناء مطلق الصوت الحسن (او لم يقصد منه قصد المزمار) اى التلهي و الطرب (او ان المراد من الزمر: التغنى على سبيل اللهو).

فالمعنى حينئذ اوضح، هذا بالإضافة الى قوة احتمال وحدة الحديثين لان الراوى و المروى عنه، و الموضوع في كليهما واحد، مع قرب المضمونين، فيكون المتن مضطربا لانه قال في الاول: ما لم يعص به، و قال في الثاني:

ما لم يزمر به.

(و اما رواية ابى بصير، مع ضعفها سندا، ب) وجود (على بن ابى حمزة البطائنى) فى السند، و هو من الواقفية (فلا تدل الا على كون غناء المغنية التى يدخل عليها الرجال داخلا في لهو الحديث) المذكور (فى الآية).

(و) كذلك يدل على (عدم دخول غناء) المرأة (التى تدعى الى

ص: 374

الاعراس فيها و هذا لا يدل على دخول ما لم يكن منهما في القسم المباح مع كونه من لهو الحديث قطعا.

فاذا فرضنا ان المغنّى يغنّى بأشعار باطلة فدخول هذا في الآية اقرب من خروجه، و بالجملة فالمذكور في الرواية تقسيم غناء المغنية باعتبار ما هو الغالب: من انها تطلب للتّغنّى اما في المجالس المختصة بالنساء كما في

______________________________

الاعراس فيها) اى في لهو الحديث المذكور في الآية (و هذا) الحديث (لا يدل على دخول ما لم يكن منهما) اى من القسمين المذكورين (فى القسم المباح، مع كونه من لهو الحديث قطعا) بان علمنا من الخارج ان القسم الثالث من لهو الحديث، مثلا.

(فاذا فرضنا ان المغنى يغنى بأشعار باطلة، فدخول هذا) القسم من الغناء (فى الآية اقرب من خروجه).

لكن ربما يقال: ان اللهو الّذي يترتب عليه الضلال هو المحرم، كما يستفاد من الآية، فالحرمة في المثال الّذي ذكره الشيخ من جهة انطباق الآية، لا من جهة الغناء.

و لذا لو كان لهوا مضلا بدون التغنّى كان أيضا حراما، بالإضافة الى انه لو فرض تغنى الجارية في مجلس النساء بدون الاضلال و اللهو، كان خروجه اقرب، فلما ذا لا يقاس سائر اقسام الغناء على هذا الفرد.

و كيف كان فظهور الرواية في عدم الحرمة لا غبار عليه، لكنها ضعيفة السند كما عرفت (و بالجملة فالمذكور في الرواية تقسيم غناء المغنية، باعتبار ما هو الغالب: من انها تطلب للتغنى اما في المجالس المختصة بالنساء كما في

ص: 375

الاعراس.

و اما للتغنّى في مجالس الرجال.

نعم: الانصاف انه لا يخلو عن اشعار، بكون المحرّم هو الّذي يدخل فيه الرجال على المغنيّات.

لكن المنصف لا يرفع اليد عن الاطلاقات لاجل هذا الاشعار

______________________________

الاعراس) فى البلاد الاسلامية سابقا، حيث كانت الاعراس خاصة بالنساء لا مثل ما راج في بعض البلاد الآن- و بعد شيوع السفور- من الاختلاط في مجالس الاعراس بين الرجال و النساء.

(و اما للتغنى في مجالس الرجال) فالرواية انما تدل على حلّية غناء المغنية في مجالس النساء في الاعراس و هذا مما نقول به.

اما جواز غنائها مطلقا اذا لم يكن هناك رجال- كما هو مطلوب المستدل بهذا الخبر- فلا دلالة للخبر على ذلك.

(نعم: الانصاف انه) اى رواية ابى بصير (لا يخلو عن اشعار بكون المحرّم هو الّذي يدخل فيه الرجال على المغنيات) فتدل على حلية ما سوى هذا القسم، سواء كان غناء الاعراس، او مطلق الغناء و لو في غير العرس.

و انما نقول بهذا الاشعار لان الرواية واردة في مقام ضابط الحلال و الحرام فاذا خصص الحرام بقسم، دلت على حلية سائر الاقسام.

(لكن) الانسان (المنصف لا يرفع اليد عن الاطلاقات) المتقدمة الدالة على حرام الغناء بقول مطلق (لاجل هذا الاشعار) الضعيف في رواية

ص: 376

خصوصا مع معارضته بما هو كالصريح في حرمة غناء المغنّية، و لو لخصوص مولاها، كما تقدم من قوله عليه السلام: قد يكون للرجل الجارية تلهيه، و ما ثمنها الا كثمن الكلب، فتأمل.

و بالجملة: فضعف هذا القول بعد ملاحظة النصوص اظهر من ان يحتاج الى الاظهار.

______________________________

ابى بصير (خصوصا مع معارضته) اى هذا الاشعار (بما هو كالصريح في حرمة غناء المغنية، و لو لخصوص مولاها، كما تقدم من قوله عليه السلام: قد يكون للرجل الجارية تلهيه، و ما ثمنها الا كثمن الكلب،) فان كون الثمن حراما لا يكون الا لاجل حرمة الغناء.

فالرواية و ان لم تصرح بحرمة الغناء، الا انها كالصريح في الحرمة، لذكرها حرمة الثمن الملازمة لحرمة الغناء (فتأمل).

فان الاشعار اذا تم، صلح لتقييد المطلقات، لانه اخص منها خصوصا بعد انصراف بعض المطلقات الى خصوص المجالس التى كانت معتادة في دور الخلفاء، من اختلاط النساء بالرجال، و وجود سائر المنكرات في تلك المجالس، كما ان الانصراف المذكور موجود في حديث: قد يكون للرجل الجارية تلهيه.

(و بالجملة: فضعف هذا القول) اى جواز الغناء في نفسه لو لا المحرمات المكتنفة به (بعد ملاحظة النصوص) الدالة على حرمة الغناء مطلقا (اظهر من ان يحتاج الى الاظهار) و البيان.

ص: 377

و ما ابعد ما بين هذا و بين ما سيجي ء من فخر الدين من عدم تجويز الغناء بالاعراس لان الروايتين و ان كانتا نصّين في الجواز الا انهما لا يقاومان الاخبار المانعة لتواترها.

و اما ما ذكره في الكفاية من تعارض اخبار المنع للاخبار الواردة في فضل قراءة القرآن فيظهر فساده عند التكلم في التفصيل.

______________________________

(و ما ابعد ما بين هذا) القول الّذي ذكره الكاشانى من جواز الغناء مطلقا، الا ما خرج بالدليل (و بين ما سيجي ء من فخر الدين) ولد العلامة ره (من عدم تجويز الغناء بالاعراس) أيضا قال: (لان الروايتين) الدالتين على جواز الغناء في الاعراس و هما: روايتا ابى بصير (و ان كانتا نصّين في الجواز الا انهما لا يقاومان الاخبار المانعة) الدالة على الحرمة مطلقا (لتواترها).

و قد ذكروا في الأصول: ان المطلق انما يقيد بالمقيد، اذا كان المقيد له قوة في التقييد، و اذ اكثرت الاطلاقات و تظافرت لم يكن للمقيد ان يقيدها فاللازم معاملة باب التعارض بينهما ان لم يكن للمقيد محمل ممكن.

(و اما ما ذكره في الكفاية من تعارض اخبار المنع) عن الغناء (للاخبار الواردة في فضيل قراءة القرآن) فالقرآن المقروّ بالغناء منهى عنه، لانه غناء، و مأمور به لانه قرآن.

و اذا تعارض الدليلان تساقطا، و كان المرجع اصالة الجواز (فيظهر فساده عند التكلم في التفصيل) الآتى و ان الجواز و الاستحباب و الكراهة لا يمكنها ان تعارض الوجوب و الحرمة كحرمة شرب الخمر، و ان طلبه شخص

ص: 378

و اما الثاني فهو الاشتباه في الموضوع

ما ظهر من بعض من لا خبرة له من طلبة زماننا تقليد المن سبقه من اعياننا، من منع صدق الغناء في المراثى، و هو عجيب، فانه ان اراد ان الغناء مما يكون لموادّ الالفاظ دخل فيه، فهو تكذيب للعرف و اللغة.

اما اللغة: فقد عرفت.

و اما العرف: فلانه لا ريب ان من سمع من بعيد صوتا مشتملا على

______________________________

مسلم، فان استحباب اجابة المسلم لا توازيه حرمة شرب الخمر.

(و اما الثاني) من اقسام عروض الشبهة في حرمة الغناء (فهو الاشتباه في الموضوع، ما ظهر من بعض من لا خبرة له من طلبة زماننا تقليد المن سبقه من اعياننا) الذين منعوا صدق الغناء على المرثية، لقولهم بان كيفية الرثاء غير كيفية الغناء و الطرب.

لكن هذا البعض اشتبه فحمل كلامهم على غير محمله (من منع صدق الغناء في المراثى) اطلاقا سواء كان فيه طرب، أو لا.

و كانه زعم انصراف الغناء الى ما يكون للسرور و الفرح فقط (و هو عجيب فانه ان اراد ان الغناء مما يكون لمواد الالفاظ) كمادة الرثاء، و مادة الاطوار، و مادة الاخبار، و ما اشبه (دخل فيه، فهو تكذيب للعرف و اللغة) فانهما يرون الغناء كيفية لا مادة.

(اما اللغة: فقد عرفت) تعريفاتهم للغناء، بانه صوت مطرب، او ما اشبه ما لم يأخذوا لمادة اللفظ دخلا فيه.

(و اما العرف: فلانه لا ريب ان من سمع من بعيد صوتا مشتملا على

ص: 379

الاطراب المقتضى للرقص، او ضرب آلات اللهو، لا يتأمل في اطلاق الغناء عليه، الى ان يعلم موادّ الالفاظ.

و ان اراد ان الكيفية التى يقرأ بها للمرثية لا يصدق عليها تعريف الغناء، فهو تكذيب للحسّ.

و اما الثالث: و هو اختصاص الحرمة ببعض افراد الموضوع.

فقد حكى في جامع المقاصد: قولا لم يسمّ قائله، باستثناء الغناء في

______________________________

الاطراب المقتضى) ذلك الاطراب (للرقص، او) ل (ضرب آلات اللهو، لا يتأمل) و لا يتوقف (فى اطلاق الغناء عليه) اى على ذلك الصوت المسموع من البعيد (الى ان يعلم مواد الالفاظ) و لو كان للمادة دخل لكان اللازم ان يتوقف حتى يعرف انه هل هو مرثية فليس بغناء، او غيره فهو غناء.

(و ان اراد) هذا القائل بان المرثية ليست بغناء (ان الكيفية التى يقرأ بها للمرثية) كيفية خاصة، لا علاقة لها بالاطراب، حتى يشمله الغناء.

ف (لا يصدق عليها) اى على تلك الكيفية (تعريف الغناء، فهو تكذيب للحس) فانا نحس ان المرثية تتأتى بنفس الكيفية التى تتأتى بها سائر اقسام الغناء.

اقول: لعل بعض الاعيان القائلين بان المرثية ليست غناء، ارادوا المراثى المتعارفة.

(و اما الثالث: و هو اختصاص الحرمة ببعض افراد الموضوع) بمعنى تسليم انه غناء، و لكن الكلام في انه غناء ليس بحرام.

(فقد حكى في جامع المقاصد: قولا لم يسم قائله، باستثناء الغناء في

ص: 380

المراثى، نظير استثنائه في الاعراس و لم يذكر وجهه.

و ربما وجهه بعض من متأخرى المتأخرين بعمومات ادلة الابكاء، و الرثاء، و قد اخذ ذلك مما تقدم من صاحب الكفاية من الاستدلال بإطلاق ادلة قراءة القرآن.

و فيه: ان ادلة المستحبات لا تقاوم ادلة المحرمات خصوصا التى يكون

______________________________

المراثى، نظير استثنائه في الاعراس و لم يذكر وجهه) اى وجه الاستثناء فان وجه استثناء الاعراس واضح، و هو النص، اما المراثى فلا نص خاص فيها يقتضي استثنائها.

(و ربما وجهه بعض من متأخرى المتأخرين) بالانصراف، لأدلّة الغناء عن مثله.

و وجهه آخرون (بعمومات ادلة الابكاء و الرثاء) كقوله عليه السلام:

من بكى او ابكى او تباكى وجبت له الجنة، و قوله عليه السلام: لبعض الشعراء إرث الحسين عليه السلام (و قد اخذ ذلك) التوجيه هذا البعض (مما تقدم من صاحب الكفاية) السبزوارى (من الاستدلال بإطلاق ادلة قراءة القرآن) حيث ان السبزوارى قال: بان اطلاق ادلة القراءة شامل للقراءة المقارنة بالغناء.

و هذا البعض قال: اطلاق ادلة الرثاء شامل للرثاء المقارن بالغناء

(و فيه: ان ادلة المستحبات لا تقاوم ادلة المحرمات) فاذا قال المولى يستحب اجابة المسلم، لم يشمل ما اذا طلب المسلم من غيره ان يأتى بالمحرم، كشرب الخمر مثلا (خصوصا) المحرمات (التى يكون) تلك

ص: 381

من مقدماتها، فان مرجع ادلة الاستحباب الى استحباب ايجاد الشي ء بسببه المباح لا بسببه المحرم، الا ترى انه لا يجوز ادخال السرور في قلب المؤمن و اجابته بالمحرمات، كالزنا و اللواط و الغناء، و السر في ذلك

______________________________

المحرمات (من مقدماتها) اى مقدمات المستحبات، بان يتوقف المستحب على الحرام كتوقف الابكاء المستحب على الغناء الحرام، او كتوقف اجابة المؤمن الى المشى في الارض المغصوبة للوصول إليه.

اما ان دليل المستحب لا يقاوم دليل الحرام، لان الباب من قبيل المتزاحم.

و من المعلوم: ان الا هم مقدم على المهم، و اما الخصوصية التى ذكرها المصنف ره فيما اذا كان المحرم من مقدمات المستحب، فلان المقدمة للمستحب ليست مستحبة، فتبقى محرمة محضة.

فدليل المستحب لا يقاوم المحرم في نفس المستحب، فكيف يقاوم الحرام المقترن بمقدمة المستحب (فان مرجع ادلة الاستحباب الى استحباب ايجاد الشي ء بسببه المباح) كاعطاء زيد دينارا الّذي كان مباحا لى، لا اعطائه دينارا مغصوبا، و قضاء حاجته بالشي ء في الارض المباحة لا في الارض المغصوبة (لا بسببه المحرم، الا ترى انه) من البديهيات الاولية انه (لا يجوز ادخال السرور في قلب المؤمن و اجابته) اى اجابة المؤمن- التى هى مستحبة في نفسها- (بالمحرمات، كالزنا و اللواط و الغناء، و السر في ذلك) الّذي ذكرنا من عدم مقاومة دليل المستحب

ص: 382

ان دليل الاستحباب انما يدل على كون الفعل، لو خلّى و طبعه خاليا عما يوجب لزوم احد طرفيه.

فلا ينافى ذلك طروّ عنوان من الخارج يوجب لزوم فعله، او تركه، كما اذا صار مقدمة لواجب، او صادفه عنوان محرم، فاجابة المؤمن و ادخال السرور في قلبه ليس في نفسه شي ء ملزم لفعله او تركه.

فاذا تحقق في ضمن الزنا فقد طرأ عليه عنوان ملزم لتركه، كما انه اذا امر به

______________________________

لدليل المحرم (ان دليل الاستحباب انما يدل على كون الفعل، لو خلّى و طبعه خاليا عما يوجب لزوم احد طرفيه) وجودا ايجابا، او نفيا تحريما فخبر: كون، كلمة: مستحبا، التى حذفت من الكلام لوضوحها.

(فلا ينافى ذلك) الاستحباب الطبعى (طروّ عنوان من الخارج يوجب لزوم فعله، او) لزوم (تركه، كما اذا صار مقدمة لواجب) فانه يلزم فعله و ان كان في نفسه مستحبا، كسقى المؤمن المشرف على الهلكة، فانه واجب لانه انقاذ نفس محترمة، و ان كان السقى في نفسه مستحبا (او صادفه عنوان محرم) فانه يلزم تركه و ان كان في نفسه مستحبا، كسقى المريض الّذي يضره الماء ضررا بالغا، فانه محرم و ان كان سقى المؤمن في نفسه مستحبا (فاجابة المؤمن و ادخال السرور في قلبه ليس في نفسه) و لو خلّى و طبعه (شي ء ملزم لفعله او تركه) اى لا يكون الانسان ملزما بان يفعله او يتركه بل مستحب في نفسه-.

(فاذا تحقق في ضمن الزنا فقد طرأ عليه عنوان ملزم لتركه) لان الزنا محرم، فلا يبقى مجال للاستحباب (كما انه اذا امر به) اى بهذا المستحب

ص: 383

الوالد او السيد، طرأ عليه عنوان ملزم لفعله.

و الحاصل: ان جهات الاحكام الثلاثة اعنى الاباحة و الاستحباب و الكراهة، لا تزاحم جهة الوجوب او الحرمة، فالحكم لهما مع اجتماع جهتيهما مع احدى الجهات الثلاث.

و يشهد بما ذكرنا من عدم تأدّى المستحبات في ضمن المحرمات، قوله

______________________________

الّذي هو اجابة المؤمن، و ادخال السرور في قلبه (الوالد) و قلنا بوجوب اطاعة الوالد حتى في مثل هذه الامور (او السيد طرأ عليه عنوان ملزم لفعله)

(و الحاصل: ان جهات الاحكام الثلاثة اعنى الاباحة و الاستحباب و الكراهة، لا تزاحم جهة الوجوب او الحرمة، فالحكم لهما) اى للوجوب و الحرمة (مع اجتماع جهتيهما مع احدى الجهات الثلاث) فاذا اجتمع وجوب مع كراهة او استحباب او إباحة، لزم الاتيان بالشي ء، و لا يجوز تركه، لانه مستحب او مكروه او مباح.

و كذا اذا اجتمعت الحرمة مع احدى الثلاث لزم الترك و لا يلاحظ تلك العناوين الثلاثة ليرتب عليها اثرها.

نعم في مقام التعارض يجب اعمال قواعد المعارضة من ترجيح السند و شبهه، و لا يلاحظ اقوائية الوجوب و الحرمة ملاكا.

فاذا ورد هناك خبران احدهما يدل على وجوب غسل الاحرام و حرمة تركه، و الآخر على استحبابه، و كان الثاني اقوى سندا او جهة- مثلا- قدم على الخبر الدال على الوجوب.

(و يشهد بما ذكرنا من عدم تأدّى المستحبات في ضمن المحرمات قوله

ص: 384

صلى الله عليه و آله: اقرءوا القرآن بألحان العرب، و اياكم و لحون اهل الفسوق و الكبائر، و سيجي ء بعدى اقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء، و النوح، و الرهبانية، لا يجوز تراقيهم، قلوبهم مقلوبة، و قلوب من يعجبه شأنهم.

قال في الصحاح: اللحن واحد الالحان و اللحون، و منه الحديث: اقرءوا

______________________________

صلى الله عليه و آله: اقرءوا القرآن بألحان العرب، و اياكم و لحون اهل الفسوق و الكبائر، و سيجي ء بعدى اقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء، و النوح) و الظاهر ان المراد بالنوح الغناء الحزين، كما جرت العادة على ذلك قديما و حديثا عند من لا يتورع (و الرهبانية) لعل المراد الاسلوب الّذي يقرئه رهبان النصارى للانجيل، فانه كيفية غنائية خاصة، فان الشخص قد يقرأ القرآن مثل قراءة اهل الفرح، و قد يقرئه مثل قراءة المرثية و قد يقرئه مثل قراءة الزهاد مما فيه شطحات و تصعدات و تأوهات، كما يفعل ذلك بعض الصوفية، و هو من اقسام الغناء أيضا.

ف (لا يجوز) قراءة القرآن (تراقيهم) فانه ليس بمقبول حتى يصعد الى من يصعد إليه الكلم الطيب و المراد بالترقوة: الحنجرة و (قلوبهم مقلوبة) كناية عن عدم استقرار الايمان و الفضيلة فيه، كالآنية المقلوبة التى لا يستقر فيها الماء و الطعام (و قلوب من يعجبه شأنهم).

اذ لو كان قلب ذلك الشخص سليما لم يعجبه المحرم.

(قال في الصحاح: اللحن واحد الالحان و اللحون، و منه الحديث: اقرءوا

ص: 385

القرآن بلحون العرب، و قد لحن في قراءته اذا طرب بها و غرّد، و هو الحن الناس اذا كان احسنهم قراءة او غناء انتهى.

و صاحب الحدائق جعل اللحن في هذا الخبر بمعنى اللغة، اى بلغة العرب، و كانه اراد باللغة اللهجة.

و تخيل ان ابقائه على معناه، يوجب ظهور الخبر في جواز الغناء في القرآن و فيه ما تقدم من ان مطلق اللحن اذا لم يكن على سبيل اللهو ليس غناء.

و قوله صلى الله عليه و آله و سلّم:

______________________________

القرآن بلحون العرب، و قد لحن في قراءته اذا طرب بها و غرّد) تغريد البلابل (و هو الحن الناس اذا كان احسنهم قراءة او غناء، انتهى) كلام الصحاح فهذا الكلام يدل على ان اللحن يستعمل بمعنى الحسن الجامع للغناء و القراءة الحسنة، و حيث نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلّم، عن لحون اهل الفسوق، دل على حرمة الغناء في القرآن، و اما المراد بلحن العرب فهو لهجتهم المفهمة بالجمال.

(و صاحب الحدائق جعل اللحن في هذا الخبر بمعنى اللغة اى بلغة العرب، و كانه اراد باللغة اللهجة) اى الكيفية اذ لا معنى للغة بمعناها المعروف.

(و تخيل ان ابقائه) اى اللحن (على معناه، يوجب ظهور الخبر في جواز الغناء في القرآن) و كانه رأى اللحن عبارة اخرى عن الغناء.

(و فيه ما تقدم من ان مطلق اللحن اذا لم يكن على سبيل اللهو ليس غناء).

(و) محل الشاهد في هذا الخبر: ان (قوله صلى الله عليه و آله و سلّم

ص: 386

و اياكم و لحون اهل الفسق، نهى عن الغناء في القرآن.

ثم ان في قوله: لا يجوز تراقيهم، اشارة الى ان مقصودهم ليس تدبر معانى القرآن، بل هو مجرد الصوت المطرب.

و ظهر مما ذكرنا انه لا تنافى بين حرمة الغناء في القرآن، و ما ورد من قوله صلى الله عليه و آله و سلّم: و رجّع في القرآن صوتك، فان الله يحب الصوت الحسن.

فان المراد بالترجيع ترديد الصوت في الحلق.

و من المعلوم ان مجرد ذلك لا يكون غناء، اذا لم يكن على

______________________________

و اياكم و لحون اهل الفسق نهى عن الغناء في القرآن) اذ ليس لاهل الفسوق كيفية خاصة في الكلام الا الغناء.

(ثم ان في قوله) صلى الله عليه و آله و سلّم: (لا يجوز تراقيهم، اشارة الى ان مقصود هم ليس تدبر معانى القرآن بل هو مجرد الصوت المطرب)

و لعل ما ذكرناه اظهر و ان كان بين ما ذكرناه و بين ما ذكره المصنف التلازم.

(و ظهر مما ذكرنا) من الفرق بين الصوت الحسن، و بين الغناء (انه لا تنافى بين حرمة الغناء في القرآن، و) بين (ما ورد من قوله صلى الله عليه و آله و سلّم: و رجع في القرآن صوتك، فان الله يحب الصوت الحسن)

(ف) وجه عدم المنافات (ان المراد بالترجيع ترديد الصوت في الحلق) كانه يخرج و يرجع.

(و من المعلوم ان مجرد ذلك) الترجيع (لا يكون غناء، اذا لم يكن على

ص: 387

سبيل اللهو، فالمقصود من الامر بالترجيع ان لا يقرأ كقراءة عبائر الكتب عند المقابلة.

لكن مجرد الترجيع لا يكون غناء، و لذا جعله نوعا منه في قوله صلى الله عليه و آله و سلّم يرجعون القرآن ترجيع الغناء.

و في محكى شمس العلوم: ان الترجيع ترديد الصوت، مثل ترجيع اهل الالحان و القراءة و الغناء، انتهى.

______________________________

سبيل اللهو، فالمقصود من الامر بالترجيع ان لا يقرأ) القرآن (كقراءة عبائر الكتب عند المقابلة) بل يستحب ان يكون للقراءة طور خاص كطور الخطابة مثلا

و قد اعتاد القراء في هذا الزمان الى نوعين من القراءة.

الاول: ما فيه ترجيع و مدّ و ترفيع و تخفيض.

الثاني: ما يعبرون عنه «القراءة باللحن» و هو اقل مدّا و ترجيعا.

و الظاهر ان كليهما داخل في الحان العرب المندوب إليه في الحديث السابق.

(لكن مجرد الترجيع لا يكون غناء، و لذا) الّذي ذكرنا ان كل ترجيع ليس بغناء (جعله) اى الغناء (نوعا منه) اى من الترجيع (فى قوله صلى الله عليه و آله و سلّم) فى ذم الاقوام (يرجعون القرآن ترجيع الغناء) و لو كان كل ترجيع غناء كان القيد لغوا، كما لا يخفى.

(و في محكى شمس العلوم) ما يدل على ان الترجيع يمكن تحققه بدون الغناء، فانه قال: (ان الترجيع ترديد الصوت، مثل ترجيع اهل الالحان و القراءة و) ترجيع (الغناء، انتهى).

ص: 388

و بالجملة: فلا تنافى بين الخبرين، و لا بينهما و بين ما دل على حرمة الغناء حتى في القرآن كما تقدم زعمه من صاحب الكفاية تبعا- فى بعض ما ذكره من عدم اللهو في قراءة القرآن و غيره- لما ذكره المحقق الاردبيلى ره حيث انه بعد ما وجّه استثناء المراثى و غيرها من الغناء، بانه ما ثبت الاجماع الا في غيرها.

______________________________

و المراد باهل الالحان و القراءة شي ء واحد كما لا يخفى، و قد يكون المراد بالالحان ما يعبر عنه بالتصنيف، و هو قسم بين القراءة و الغناء.

(و بالجملة: فلا تنافى بين الخبرين) ما قال: رجع بالقرآن صوتك، و ما قال: و اياكم و لحون اهل الفسوق، (و لا) تنافى أيضا (بينهما) اى بين الخبرين الدالين على ترجيع القرآن، و قراءته بلحن العرب (و بين ما دل على حرمة الغناء حتى في القرآن) من الاطلاقات الناهية عن الغناء الشاملة للقراءة الغنائية (كما تقدم زعمه من صاحب الكفاية) حيث انه قال بالتعارض بين ما دل على حرمة الغناء، و بين ما دل على استحباب القراءة الشامل للقراءة الغنائية، ثم قدم دليل استحباب قراءة القرآن، و جوز الغناء في القرآن (تبعا- فى بعض ما ذكره من عدم اللهو في قراءة القرآن و غيره-) و لذا يجوز، اذ الاخبار الناهية عن الغناء تنهى عن اللهو، و قراءة القرآن ليست لهوا، و ان ادّاها القارى بصورة الغناء (لما ذكره المحقق الاردبيلى ره حيث انه) اى الاردبيلى (بعد ما وجه استثناء المراثى و غيرها من الغناء، بانه ما ثبت الاجماع) على التحريم (الا في غيرها) اى غير المراثى و نحوها.

ص: 389

و الاخبار ليست بصحيحة صريحة في التحريم مطلقا ايّد استثناء المراثى بان البكاء و التفجع مطلوب مرغوب، و فيه ثواب عظيم، و الغناء معين على ذلك، و انه متعارف دائما في بلاد المسلمين من زمن المشايخ الى زماننا هذا، من غير نكير.

ثم ايّده بجواز النياحة، و جواز اخذ الاجر عليها.

و الظاهر انها لا تكون الا معه.

______________________________

(و الاخبار) الدالة على التحريم مطلقا (ليست بصحيحة) و لا (صريحة في التحريم مطلقا).

و الحاصل انه لا اخبار تشمل المراثى و لا اجماع (ايّد استثناء المراثى)

و قوله «ايّد» هذا هو محل الشاهد الّذي اخذ منه صاحب الكفاية (بان البكاء و التفجع مطلوب مرغوب، و فيه ثواب عظيم) على الامام الشهيد، او مطلقا اى على النبي صلى الله عليه و آله و سلّم، و سائر الائمة الطاهرين، بما فيهم الصديقة الطاهرة صلوات الله عليها (و الغناء معين على ذلك) البكاء و التفجع (و انه) اى الغناء في المراثى (متعارف دائما في بلاد المسلمين من زمن المشايخ الى زماننا هذا، من غير نكير) و لو كان الغناء حراما مطلقا لنهى العلماء عن الغناء في المرثية.

(ثم ايّده) اى جواز الغناء في المرثية (لجواز النياحة، و جواز اخذ الاجر عليها) فى الروايات الواردة عن الائمة الطاهرين.

(و) قال: (الظاهر انها) اى النياحة (لا تكون الا معه) اى مع الغناء

ص: 390

و بان تحريم الغناء للطرب على الظاهر، و ليس في المراثى طرب، بل ليس الا الحزن، انتهى.

و انت خبير بان شيئا مما ذكره لا ينفع في جواز الغناء على الوجه الّذي ذكرنا.

اما كون الغناء معينا على البكاء و التفجع، فهو ممنوع، بناء على ما عرفت من كون الغناء هو الصوت اللهوى بل و على ظاهر تعريف المشهور من الترجيع المطرب لان الطرب الحاصل منه ان كان سرورا فهو مناف للتفجع لا معين،

______________________________

(و) ايّد الاردبيلي أيضا جواز الغناء في المراثى (بان تحريم الغناء) انما هو (للطرب على الظاهر) المستفاد من انصراف ادلة الغناء الى ما فيه الطرب (و ليس في المراثى طرب، بل ليس الا الحزن، انتهى) كلام المقدس الاردبيلى.

(و انت خبير بان شيئا مما ذكره لا ينفع في جواز الغناء على الوجه الّذي ذكرنا) من انه الصوت اللهوى المطرب.

و ان دلت تلك الوجوه، فانما تدل على جواز حسن الصوت و الترجيع غير الغنائى.

(اما) قول المقدس (كون الغناء معينا على البكاء و التفجع، فهو ممنوع بناء على ما عرفت من كون الغناء هو الصوت اللهوى، بل و على ظاهر تعريف المشهور) أيضا (من) تعريف الغناء بما فيه (الترجيع المطرب).

وجه المنع (لان الطرب الحاصل منه) اى من الغناء (ان كان سرورا فهو مناف للتفجع) و الحزن (لا معين) له.

ص: 391

و ان كان حزنا، فهو على ما هو المركوز في النفس الحيوانية من فقد المشتهيات النفسانية، لا على ما اصاب سادات الزمان، مع انه على تقدير الاعانة لا ينفع في جواز الشي ء لمستحب او مباح بل لا بدّ من ملاحظة عموم دليل الحرمة له.

فان كان فهو، و الا فيحكم باباحته، للاصل.

و على اى حال فلا يجوز التمسك للاباحة بكونه مقدمة لغير حرام

______________________________

(و ان كان) الطرب الحاصل، و الخفة الطارئة للنفس من الغناء (حزنا ف) لا يكون ذلك لاجل الائمة الطاهرين بل يكون (هو على ما هو المركوز في النفس الحيوانية من فقد المشتهيات النفسانية) فان الانسان اذا هاج تذكر المشتهيات و حرمانه منها، و لذا يحزن و يتفجع (لا على ما اصاب سادات الزمان) من المصائب و الاشجان (مع انه على تقدير الاعانة) من الغناء لتهييج الحزن على سادات الزمان (لا ينفع في جواز الشي ء) المحرّم بذاته (كونه مقدمة لمستحب او مباح، بل لا بدّ من ملاحظة عموم دليل الحرمة له) اى لذلك الشي ء.

(فان كان) دليل الحرمة موجودا (فهو) و يجب الحكم بالحرمة (و الا) يكن له دليل الحرمة (فيحكم باباحته، للاصل) لا لكونه مقدمة لمباح، او مستحب.

(و على اى حال) سواء كان دليل الحرمة موجودا، أم لا (فلا يجوز التمسك للاباحة بكونه مقدمة لغير حرام) كما صنعه الاردبيلى قدس سره، حيث استدل لكون الغناء ليس بحرام بانه مقدمة للحزن و البكاء الّذي

ص: 392

لما عرفت.

ثم انه يظهر من هذا، و ما ذكر اخيرا من ان المراثى ليس فيها طرب ان نظره الى المراثى المتعارفة لاهل الديانة التى لا يقصدونها الا للتفجع و كانه لم يحدث في عصره المراثى التى يكتفى بها اهل اللهو، و المترفون من الرجال و النساء عن حضور مجالس اللهو و ضرب العود و الاوتار و التغنى بالقصب و المزمار، كما هو الشائع في زماننا الّذي قد اخبر النبي صلى الله عليه و آله و سلّم بنظيره في قوله: يتخذون القرآن مزامير كما ان زيارة سيدنا و

______________________________

ليس بمحرم، بل مستحب (لما عرفت) من ان المقدميّة لا توجب رفع الحرمة اذا كان الشي ء حراما ذاتا.

(ثم انه يظهر من هذا) الكلام للمقدس، اى قوله: ان الغناء مقدمة للتفجع و الحزن (و ما ذكر اخيرا من ان المراثى ليس فيها طرب) يظهر من هذين الكلامين (ان نظهره الى المراثى المتعارفة لاهل الديانة التى لا يقصدونها الا للتفجع) و الحزن (و كانه لم يحدث في عصره المراثى التى يكتفى بها اهل اللهو، و المترفون من الرجال و النساء عن حضور مجالس اللهو و ضرب العود و الاوتار، و التغنى بالقصب و المزمار، كما هو الشائع في زماننا).

اقول: كان الّذي ذكره الشيخ ره، كان في زمانه فقط، اما في زماننا فلم اجد مثل هذه المجالس (الّذي قد اخبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم بنظيره في قوله: يتخذون القرآن مزامير) اى يقرءونه في المزامير او يقرءونه كالطور الّذي ينفخ في المزامير (كما ان زيارة سيدنا و

ص: 393

مولانا ابى عبد الله عليه السلام صار سفرها من اسفار اللهو و النزهة لكثير من المترفين.

و قد اخبر النبي صلى الله عليه و آله و سلّم، بنظيره في سفر الحج، و انه يحج اغنياء امتى للنزهة، و الاوساط للتجارة، و الفقراء للسمعة.

و كان كلامه صلى الله عليه و آله و سلّم كالكتاب العزيز وارد في مورد و جار في نظيره.

و الّذي اظن ان ما ذكرنا في معنى الغناء

______________________________

مولانا ابى عبد الله عليه السلام صار سفرها من اسفار اللهو و النزهة لكثير من المترفين) المترف بصيغة المفعول.

(و قد اخبر النبي صلى الله عليه و آله و سلّم، بنظيره في سفر الحج و) قال صلى الله عليه و آله و سلّم ما حاصله: (انه يحج اغنياء امتى للنزهة) و السياحة (و الاوساط للتجارة) و الاكتساب (و الفقراء للسمعة) و ان يعرفوا باسم الحاج.

(و كان كلامه صلى الله عليه و آله و سلّم كالكتاب العزيز وارد في مورد) خاص و مصداق مخصوص (و جار في نظيره) مثلا قوله سبحانه: و نريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض، وارد في مورد بنى اسرائيل الذين اضطهدوا على يد فرعون و لكنه جار في كل مستضعف من قبل اهل الباطل

و من مصاديقه الامام المهدى عليه السلام، و شيعة الامام امير المؤمنين عليه السلام، فقول الرسول وارد في الحج و جار في زيارة الائمة الطاهرين.

(و الّذي اظن) حسب ظواهر كلام القوم (ان ما ذكرنا في معنى الغناء

ص: 394

المحرم: من انه الصوت اللهوى، ان هؤلاء و غيرهم غير مخالفين فيه.

و اما ما لم يكن على جهة اللهو المناسب لسائر آلاته فلا دليل على تحريمه، لو فرض شمول الغناء له لان مطلقات الغناء منزلة على ما دل على اناطة الحكم فيه باللهو و الباطل من الاخبار المتقدمة خصوصا مع انصرافها في انفسها- كاخبار المغنية- الى هذا الفرد.

بقى الكلام في ما استثناه المشهور من الغناء،
اشارة

______________________________

المحرم: من انه الصوت اللهوى، ان هؤلاء) الكاشانى و السبزوارى و الاردبيلى (و غيرهم غير مخالفين فيه) بل كلهم يقولون بالحرمة.

(و اما ما لم يكن على جهة اللهو المناسب لسائر آلاته) «المناسب» صفة «لهو» اى ما لم يكن لهويا بحيث يناسب آلات اللهو (فلا دليل على تحريمه، لو فرض شمول الغناء له) لانه قد تقدم ان المحرم هو اللهو.

اما الغناء فان ساوى اللهو حرم مطلقا، و الا لم يحرم فيما اذا لم يكن لهوا (لان مطلقات) تحريم (الغناء منزلة على ما دل على اناطة الحكم فيه باللهو و الباطل من الاخبار المتقدمة).

و انما ننزلها لقوة دلالة تلك الاخبار على اناطة الحكم مناط اللهو (خصوصا مع انصرافها) اى تلك الاخبار (فى انفسها) الى الغناء اللهوى (- كاخبار المغنية- الى هذا الفرد) اى اللهوى من الغناء، لكن تقدم من الشيخ انه يرى ان كل غناء لهوى، و انما ذكر هذا الكلام على سبيل الفرض و التسليم.

(بقى الكلام في ما استثناه المشهور من) حرمة (الغناء) فقالوا: بانه

ص: 395

و هو امران.

أحدهما الحداء بالضم، كدعاء صوت يرجع فيه للسير بالابل.

و في الكفاية ان المشهور: استثنائه، و قد صرح بذلك في شهادات الشرائع و القواعد و في الدروس.

و على تقدير كونه من الاصوات اللهوية- كما يشهد به استثنائهم اياه عن الغناء، بعد اخذهم الاطراب في تعريفه- فلم اجد ما يصلح لاستثنائه مع تواتر الاخبار بالتحريم- عدا رواية نبوية، ذكرها في المسالك من تقرير النبي صلى الله عليه و آله و سلّم، لعبد الله ابن رواحة حيث حدا للابل و كان

______________________________

غناء حلال (و هو امران).

(احدهما الحداء بالضم، كدعاء) و هو (صوت يرجع فيه للسير بالابل)

(و) قال السبزوارى (فى الكفاية ان المشهور: استثنائه، و قد صرح بذلك) الاستثناء (فى شهادات الشرائع و القواعد و في الدروس) انما جاء بلفظة «فى» ثانيا لبيان ان الاستثناء في الدروس ليس في كتاب الشهادات

(و على تقدير كونه من الاصوات اللهوية- كما يشهد به) لكونه لهوا (استثنائهم اياه) اى الحداء (عن الغناء، بعد اخذهم الاطراب في تعريفه-) و الا فلو لم يكن لهويا لم يكن وجه لاستثنائه من الغناء الّذي عرفوه بانه الصوت المطرب- اى اللهوى- (فلم اجد ما يصلح لاستثنائه مع تواتر الاخبار بالتحريم-) للغناء مطلقا (عدا رواية نبوية، ذكرها في المسالك من تقرير النبي صلى الله عليه و آله و سلّم، لعبد الله ابن رواحة حيث حدا للابل، و كان

ص: 396

حسن الصوت، و في دلالته و سنده ما لا يخفى.

الثاني: غناء المغنية في الاعراس اذا لم يكتنف بها محرم آخر

من التكلم

______________________________

حسن الصوت، و في دلالته و سنده ما لا يخفى).

اذ لم يدل الحديث على ان حداه، كان من قسم الغناء، و سنده ضعيف جدا.

لكن لا يخفى ان ضعف السند مع عمل المشهور جابر، بمعنى ان عمل المشهور يكشف عن احد شيئين اما استنادهم الى هذه الرواية او الى رواية اخرى حجة، فتأمل.

و ضعف الدلالة فيه ان المفروض كون الحداء من قسم الغناء، فاذا ورد تقرير النبي صلى الله عليه و آله و سلّم له كان كافيا في الدلالة على الجواز

هذا بالإضافة الى ما دل على تقرير الامام الحسين عليه السلام للطرماح حين حدى ابل ركبه في سفر كربلاء باشعار، مطلعها:

يا ناقتى لا تذعرى من زجرى و امض بنا قبل طلوع الفجر

و ما رواه الصدوق عن السكونى عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم: زاد المسافر الحداء و الشعر ما كان منه ليس فيه خناء- اى الفحش- او جفاء او حنان و كذا رواه البرقى في المحاسن عن النوفلى عن السكونى هذا و للكلام مجال آخر فانه خارج عن غرض هذا الشرح.

(الثاني) من موردى جواز الغناء (غناء المغنية في الاعراس اذا لم يكتنف بها) و يكون معها (محرم آخر من التكلم

ص: 397

بالاباطيل و اللعب بآلات الملاهى المحرمة، و دخول الرجال على النساء

و المشهور استثنائه للخبرين المتقدمين عن ابى بصير، في اجر المغنية التى تزف العرائس و نحوهما ثالث عنه أيضا.

و إباحة الاجر لازمة لاباحة الفعل.

و دعوى: ان الاجر لمجرد الزف لا للغناء عنده مخالفة للظاهر.

لكن في سند الروايات ابو بصير، و هو غير صحيح.

______________________________

بالاباطيل و اللعب بآلات الملاهى المحرمة، و دخول الرجال على النساء)

فان الغناء حينئذ يحرم للدليل، و الا فالمحلل الّذي يكتنفه محرم، لا يحرم بنفسه، بل المحرم هو الشي ء الحرام المكتنف للشي ء الحلال.

(و المشهور استثنائه) فقالوا بجوازه (للخبرين المتقدمين عن ابى بصير، في اجر المغنية التى تزف العرائس و نحوهما ثالث عنه أيضا).

(و) هذه الاخبار و ان لم تصرح بحلّية الغناء، لكن اجازتها لاخذ الأجر كاشفة عن ذلك، اذ: (إباحة الاجر لازمة لاباحة الفعل) لما تقدم في اوّل الكتاب من ان الله اذا حرم شيئا حرم ثمنه.

(و دعوى) ان الاخبار لا تدل على إباحة الغناء، ل (ان الاجر لمجرد الزف) للعروس، و الحفاوة بها الى زوجها (لا للغناء عنده) اى عند الزف (مخالفة للظاهر) فان الكلام حول كسب المغنية بما هى مغنية لا بما هى تزف العرائس.

(لكن في سند الروايات ابو بصير، و هو غير صحيح) لضعف في احدهما و جهل في الثاني، نعم الثالث صحيح، و يكفى حجية.

ص: 398

و الشهرة على وجه يوجب الانجبار غير ثابتة لان المحكى عن المفيد ره و المرتضى، و ظاهر الحلبى، و صريح الحلّى، و التذكرة، و الايضاح بل كل من لم يذكر الاستثناء- بعد التعميم- المنع.

لكن الانصاف ان سند الروايات، و ان انتهت الى ابى بصير، الا انه لا يخلو من وثوق.

و العمل بها تبعا للاكثر غير بعيد، و ان كان الاحوط كما في الدروس الترك و الله العالم.

______________________________

(و الشهرة على وجه يوجب الانجبار غير ثابتة) لعدم عمل جماعة من اعيان العلماء بهذه الاخبار، بدليل عدم استثنائهم له عن الغناء (لان المحكى عن المفيد ره، و المرتضى، و ظاهر الحلبى، و صريح) ابن ادريس (الحلى و التذكرة، و الايضاح، بل) ظاهر (كل من لم يذكر الاستثناء) للغناء في الاعراس (- بعد التعميم-) للمنع بان اطلق حرمة الغناء، و لم يذكر الاستثناء (المنع) خبر «لان».

(لكن الانصاف ان سند الروايات، و ان انتهت الى ابى بصير، الا انه لا يخلو من وثوق) و ذلك كاف في الحجية.

(و العمل بها) اى بروايات ابى بصير في جواز غناء الاعراس (تبعا للاكثر غير بعيد) للنص و الشهرة (و ان كان الاحوط كما في الدروس الترك) لما تقدم (و الله العالم).

و في المقام موارد للاشكال- بناء على القول بجواز الغناء في الاعراس- تنشأ من المناط، و من اصالة الاقتصار في موضع الاستثناء

ص: 399

..........

______________________________

على القدر المتيقن، كتغنّي الرجل للزوج، و الغناء في المتعة، و التحليل، و ملك اليمين، و امتداد الغناء الى اسبوع، و نحوه و تعدد المغنيات، و الغناء قبل العقد، بل بعده قبل ليلة الزفاف، و الغناء لمجرد العقد الّذي يعتاد للمحرمية فقط، و التقصد الى الغناء بالتوصل إليه بزفاف، و تغنى نفس الزوج للرجال و نفس المرأة للنساء، و تغنى احد الزوجين للآخر و حضور العرس من ليس مربوطا لاستماع الغناء فقط، و التغنى بالآلة في العرس كالمسجلة او فتح الراديو، او نحوهما و تغنى المرأة في المسجلة لاجل هذه الغاية، الى غيرها من الفروع الكثيرة و ان كان بعض الفروع اقرب الى المنع.

ص: 400

المجلد 3

هویة الکتاب

سرشناسه : حسيني شيرازي، محمد، 1380 - 1305، شارح

عنوان و نام پديدآور : ايصال الطالب الي المكاسب: شرح واف بغرض الكتاب، تيعرض لحل مشكلاته و ابداآ مقاصد في ايجاز و توضيح/ محمد الحسيني الشيرازي

مشخصات نشر : تهران : موسسه كتابسراي اعلمي ، 1385.

مشخصات ظاهري : ج 16

شابك : 964-94017-6-8(دوره): ؛ 964-7860-59-5(ج. 1): ؛ 964-7860-58-7(ج. 2): ؛ 964-7860-57-9(ج. 3): ؛ 964-7860-56-0(ج. 4): ؛ 964-7860-54-4(ج. 6): ؛ 964-7860-53-6(ج. 7): ؛ 964-7860-55-2(ج. 8): ؛ 964-7860-52-8(ج. 9): ؛ 964-7860-51-X(ج. 10): ؛ 964-7860-50-1(ج. 11): ؛ 964-7860-49-8(ج. 12): ؛ 964-7860-45-X(ج. 13): ؛ 964-7860-47-1(ج. 15):

يادداشت : عربي

يادداشت : فهرست نويسي براساس اطلاعات فيپا

يادداشت : كتاب حاضر شرحي بر "المكاسب مرتضي بن محمد امين انصاري" است

عنوان ديگر : المكاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1281 - 1214ق. المكاسب -- نقد و تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

شناسه افزوده : انصاري، مرتضي بن محمدامين ، 1281 - 1214ق. المكاسب. شرح

رده بندي كنگره : BP190/1/الف8م702133 1385

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : م 85-16816

ص: 1

اشارة

ص: 2

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد و آله الطاهرين و لعنة الله على اعدائهم اجمعين من الآن إلى يوم الدين.

و بعد: فهذا هو القسم الثالث من المكاسب المحرمة و الجزء الثالث من اجزاء كتابنا (ايصال الطالب إلى المكاسب) للشيخ الفذّ آية اللّه الانصارى قدس سره.

و يشرع فى باب الغيبة.

كتبته تسهيلا للطالب الكريم عسى ان انتفع به فى يوم لا ينفع فيه مٰالٌ وَ لٰا بَنُونَ إِلّٰا مَنْ أَتَى اللّٰهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.

كربلاء المقدسة محمد بن المهدى الحسينى الشيرازى

ص: 3

[تتمة المكاسب المحرمة]

[تتمة النوع الرابع ما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه]

[المسألة] الرابعة عشرة الغيبة حرام بالأدلّة الأربعة،
اشارة

و يدل عليه من الكتاب قوله تعالى:

وَ لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فجعل المؤمن اخا، و عرضه كلحمه، و التفكّه به اكلا، و عدم شعوره بذلك بمنزلة حالة موته.

______________________________

المسألة (الرابعة عشرة) مما يحرم الاكتساب به لحرمته فى نفسه (الغيبة) و هى (حرام بالأدلّة الاربعة، و يدل عليه من الكتاب قوله تعالى وَ لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) فَكَرِهْتُمُوهُ الآية.

اى فكما لا يحب احدكم ان يأكل لحم اخيه الميت، كذلك فليكره اغتيابه و هذا تشريع و ليس لمجرد التنظير، حتى يقال: ان الآية لا تدل على التحريم، لمكان العلّة الغالبة فى المكروهات، تنفيرا، و المستحبات ترغيبا (فجعل) الله سبحانه، فى هذه الآية الكريمة (المؤمن اخا) لان المؤمنين اخوة (و عرضه كلحمه) لتحفظ الانسان على كليهما تحفظا واحدا بل تحفظه على عرضه اكثر من تحفظه على جسمه (و التفكّه به اكلا) لالتذاذ المتفكّه، كالآكل، لكن لاحدهما لذة الروح، و للآخر لذة الذائقة (و عدم شعوره) اى المغتاب- بصيغة المفعول- (بذلك) الصنع الّذي يفعله المغتاب- بصيغة الفاعل- (بمنزلة حالة موته) فكما لا يشعر الميّت، كذلك لا يشعر المغتاب- بصيغة المفعول-.

ص: 4

و قوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ.

و قوله تعالى: لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّٰا مَنْ ظُلِمَ.

و قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ.

و يدل عليه من الاخبار ما لا يحصى.

فمنها: ما روى عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم- بعدة طرق- ان الغيبة اشدّ من الزنا، و ان الرجل يزنى فيتوب، و يتوب الله عليه، و ان

______________________________

(و قوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ)، الهمزة: الّذي يعيب الانسان فى وجهه، و اللمزة، هو الّذي يعيبه بدون اطلاعه- و قيل غير ذلك فى تفسير الآية- و اللفظ و ان لم يكن نهيا، لكن يستفاد منه الحرمة المؤكدة

(و قوله تعالى: لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّٰا مَنْ ظُلِمَ) فالغيبة اجهار بقول سيّئ و عدم محبة الله كناية عن عدم جوازه.

(و قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ) فاذا كان حبّ اشاعة الفاحشة معصية- بقرينة العذاب الاليم- يكون الاشاعة اولى بكونها معصية، و قسم من الغيبة اشاعة للفاحشة، فالآية تدل على حرمة الغيبة فى الجملة.

(و يدل عليه من الاخبار ما لا يحصى) كناية عن الكثرة، و الا فاخبار الغيبة لا شك فى قابليتها للاحصاء.

(فمنها: ما روى عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم- بعدة طرق- ان الغيبة اشدّ من الزنا، و ان الرجل يزنى فيتوب، و يتوب الله عليه، و ان

ص: 5

صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه.

و عنه صلى الله عليه و آله انه خطب يوما، فذكر الربا و عظم شأنه، فقال: ان الدرهم يصيبه الرجل من الربا اعظم من ستة و ثلاثين زنية و ان اربى الربا عرض الرجل المسلم.

______________________________

صاحب الغيبة لا يغفر له) يعنى اذا تاب (حتى يغفر له صاحبه) اى الّذي اغتابه.

و المراد بالاشدّية: اما من الجهة المذكورة فى الرواية، اى انه لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه، او الاشدية الواقعية و ان كان ذلك خلاف اذهان المتشرعة.

او المراد المبالغة فى التنفير عنه، فهذا كناية عن الشدة مجازا و لم يقصد بها الحقيقة فهو من قبيل: جبان الكلب، و نحوه.

(و عنه صلى الله عليه و آله انه خطب يوما، فذكر الربا و عظم شأنه، فقال: ان الدرهم يصيبه الرجل من الربا اعظم من ستة و ثلاثين زنية و ان اربى الربا عرض الرجل المسلم) اى هتك عرضه، و ذلك شامل للغيبة.

و المراد بالعرض الشي ء المربوط بالانسان الّذي يحفظه من الاهل و السمعة الطيبة و الحصانة النفسية، فاللواط بالولد و غيبته و الخيانة بزوجته او اخته او ولده او ما اشبه كلها هتك للعرض.

ثم ان اعظمية الربا من الزنا بهذا العدد اما حقيقة، او لبيان عظمة الربا، فالكلام مسوق مجازا، و العدد كناية، مثل: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ لا انه خصوصية لهذا العدد.

ص: 6

و عنه صلى الله عليه و آله و سلم: من اغتاب مسلما او مسلمة لم يقبل الله صلاته و لا صيامه اربعين صباحا، الا ان يغفر له صاحبه.

و عنه صلى الله عليه و آله و سلم: من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع الله بينهما فى الجنة، و من اغتاب مؤمنا بما ليس فيه انقطعت العصمة بينهما و كان المغتاب خالدا فى النار، و بئس المصير.

______________________________

(و عنه صلى الله عليه و آله و سلم: من اغتاب مسلما او مسلمة لم يقبل الله صلاته و لا صيامه اربعين صباحا، الا ان يغفر له صاحبه).

و عدم القبول هنا لا يراد به عدم الصحة حتى يجب قضائها، بل عدم الثواب عليها.

(و عنه صلى الله عليه و آله و سلم: من اغتاب مؤمنا بما فيه) اى بصفة تلك الصفة موجودة فى ذلك المؤمن، (لم يجمع الله بينهما فى الجنة) كناية عن دخول المغتاب النار، فلا يجمع بينهما فى الجنة (و من اغتاب مؤمنا بما ليس فيه) من الصفات، و هذا يسمى فى الاصطلاح ب «التهمة» (انقطعت العصمة بينهما) اى عصمة الايمان التى توجب الاحترام المتبادل و الاخوة، و هذا كناية عن خروج المغتاب عن دائرة الاسلام (و كان المغتاب خالدا فى النار، و بئس المصير).

و الخلود فى النار يراد به اقتضاء الغيبة لذلك لا انه خالد قطعى خارجا، بل ورد فى الروايات نيل الشفاعة لكثير من العصات و لو بعد دخولهم النار آلاف السنوات اذا صحت عقائدهم.

ص: 7

و عنه صلى الله عليه و آله و سلم: كذب من زعم انه ولد من حلال و هو يأكل لحوم الناس بالغيبة فاجتنب الغيبة، فانها ادام كلاب النار.

و عنه صلى الله عليه و آله و سلم: مر مشى فى غيبة اخيه، و كشف عورته كانت اوّل خطوة خطاها وضعها فى جهنم.

______________________________

(و عنه صلى الله عليه و آله و سلم: كذب من زعم انه ولد من حلال و هو يأكل لحوم الناس بالغيبة).

اما يراد بذلك ان المعتاد على الغيبة من اللوازم العادية لولد الزنا و ان لم يكن بينهما تلازم حقيقى، من قبيل الامور الاقتضائية، و العلامات من قبيل كون العقار الفلانى دواء لكذا، مما يكون معناه الاقتضاء و اما ان يراد بذلك اشتراك الشيطان فى نطفته، فهو مشترك بين الأب و الشيطان كما فى بعض الاحاديث: ان الشيطان يشترك فى النطفة اى يراد تأثير الغذاء الحرام، فهو ولد غذاء حرام، لا انه ولد زنا او شبهة.

ثم قال صلى الله عليه و آله و سلم: (فاجتنب الغيبة، فانها ادام كلاب النار) الظاهر ان هذا من باب تجسيم الاعمال، و ان الغيبة تكون جسما، فيأكله كلاب النار امعانا فى تعذيب المغتاب، ليرى ان ما خرج من فمه صار طعاما للكلاب فى نار جهنم.

(و عنه صلى الله عليه و آله و سلم: من مشى فى غيبة اخيه، و كشف عورته) اى مشى لاجل ذلك، و كشف العورة كناية عن افشاء ما يشينه افشائه (كانت اوّل خطوة خطاها وضعها فى جهنم) بمعنى انه يستحق النار باول خطوة.

ص: 8

و روى ان المغتاب اذا تاب فهو آخر من يدخل الجنة، و ان لم يتب فهو اوّل من يدخل النار.

و عنه صلى الله عليه و آله و سلم: ان الغيبة حرام على كل مسلم، و ان الغيبة لتأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.

و اكل الحسنات اما ان يكون على وجه الاحباط أو لاضمحلال ثوابها فى جنب عقابه، أو لأنها تنقل الحسنات إلى المغتاب كما فى غير واحد من الاخبار.

______________________________

(و روى ان المغتاب) بصيغة الفاعل (اذا تاب فهو آخر من يدخل الجنة، و ان لم يتب فهو اوّل من يدخل النار).

و هذا الحديث أيضا بيان للاقتضاء، فلا يقال: ان الكفار و نحوهم اولى بدخولهم فى النار قبل كل احد.

(و عنه صلى الله عليه و آله و سلم: ان الغيبة حرام على كل مسلم، و ان الغيبة لتأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) ذكر المسلم من باب انه الّذي يسمع الكلام، و الا فالكفار مكلفون بالفروع، كما حقق فى الاصول و الفقه.

(و اكل الحسنات اما ان يكون على وجه الاحباط) فلا حسنة للمغتاب (أو لاضمحلال ثوابها) اى ثواب الحسنات (فى جنب عقابه) فالثواب و ان كان باقيا الا انه لا ينفع لكثرة العقاب الّذي سببته الغيبة (أو لأنها) اى الغيبة (تنقل الحسنات إلى المغتاب) فلا احباط و لا بقاء، و انما نقل إلى الغير (كما فى غير واحد من الاخبار) ما يفيد النقل.

ص: 9

و منها: النبوى صلى الله عليه و آله و سلم: يؤتى باحد يوم القيمة، فيوقف بين يدى الربّ عزّ و جل و يدفع إليه كتابه، فلا يرى حسناته فيه، فيقول إلهى ليس هذا كتابى لا ارى فيه حسناتى، فيقال له: ان ربك لا يضل و لا ينسى ذهب عملك باغتياب الناس، ثم يؤتى بآخر و يدفع إليه كتابه، فيرى فيه طاعات كثيرة، فيقول: إلهي ما هذا كتابى فانى ما عملت هذه الطاعات، فيقال له: ان فلانا اعتابك، فدفع حسناته أليك الخبر.

و منها: ما ذكره كاشف الريبة ره، من رواية، عن عبد الله بن سليمان

______________________________

(و منها: النبوى صلى الله عليه و آله و سلم: يؤتى باحد) اى بالشخص (يوم القيمة، فيوقف بين يدى الرّب عزّ و جلّ) اى فى محل العرض تشبيها بمن يوقف امام الملك، اذ الله سبحانه منزه عن الجسمية (و يدفع إليه كتابه، فلا يرى حسناته فيه، فيقول إلهى ليس هذا كتابى) لانى (لا ارى فيه حسناتى، فيقال، له: ان ربك لا يضل) شيئا (و لا ينسى) فليس اعطائك هذا الكتاب من باب انه ضاع كتابك، او نسى الرب و اعطاك كتاب شخص آخر، بل (ذهب عملك باغتياب الناس) و لذا لا تجد فيه حسناتك (ثم يؤتى بآخر و يدفع إليه كتابه، فيرى فيه طاعات كثيرة، فيقول: إلهي ما هذا كتابى فانى ما عملت هذه الطاعات، فيقال له) نعم انه كتابك، و هذه الطاعات التى تراها انما هى بسبب (ان فلانا اغتابك، فدفع حسناته أليك، الخبر) فيا خسارة للشخص الاول، و يا لربح للشخص الثانى.

(و منها: ما ذكره كاشف الريبة ره، من رواية عن عبد الله بن سليمان

ص: 10

النوفلى- الطويلة- عن الصادق عليه السلام، و فيها عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ادنى الكفر ان يسمع الرجل من اخيه كلمة فيحفظها عليه يريد ان يفضحه بها، أولئك لا خلاق لهم.

و حدثنى ابى عن ابيه عن آبائه عن على عليه السلام: انه من قال فى مؤمن ما رأته عيناه، او سمعت اذ ناه مما يشينه و يهدم مروّته، فهو من الذين

______________________________

النوفلى- الطويلة- عن الصادق عليه السلام، و فيها عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ادنى الكفر ان يسمع الرجل من اخيه كلمة فيحفظها عليه يريد ان يفضحه بها) لان نقلها يوجب فضيحته (أولئك لا خلاق لهم) اى لا نصيب لهم فى الآخرة.

و المراد بالكفر: الكفر عملا، لا اعتقادا، و قد تقدم ان الكفر فى القرآن و السنة يطلق تارة على الانحراف فى العقيدة، و تارة على الانحراف عن سبيل الشرع.

و معنى: لا نصيب، لا نصيب كاملا، لا مطلق النصيب.

ثم قال الامام الصادق عليه السلام:

(و حدثنى ابى عن ابيه عن آبائه) عليهم السلام (عن على عليه السلام انه) قال: (من قال فى مؤمن ما رأته عيناه، او سمعت اذ ناه) كناية عن وجود الوصف فى المغتاب- بصيغة المفعول- (مما يشينه) اى يدخل الشين- ضد الزين- و السوء (و يهدم مروّته) فيرى الناس انه لا مروّة و لا رجولية كاملة له (فهو) اى القائل الّذي يستغيب (من) مصاديق (الذين

ص: 11

قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ ثم ظاهر هذه الاخبار كون الغيبة من الكبائر، كما ذكره جماعة، بل اشدّ من بعضها.

و عدّ فى غير واحد من الاخبار، من الكبائر الخيانة، و يمكن ارجاع الغيبة إليها فأيّ خيانة اعظم من التفكّه

______________________________

قال الله تعالى) فيهم: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ) إلى غيرها من الروايات الكثيرة التى يجدها المتتبع فى البحار، مجلد الاخلاق، و الوسائل و المستدرك و جامع السعادات و غيرها مما يسبب ان يستغرب الانسان كيف يستهين بعض الناس بالغيبة مع هذا الجرم العظيم.

و قد ورد ان من اسباب رفعة السيّد بحر العلوم انه كان فى وقت كونه صغيرا جالسا فى مجلس فاذا بالناس يرونه يخرج باكيا، فقيل له فى ذلك، فقال: كيف اجلس فى مجلس يعصى الله سبحانه فيه (ثم) ان (ظاهر هذه الاخبار كون الغيبة من الكبائر) الضارّة بالشهادة و العدالة (كما ذكره جماعة) اى قالوا انه من الكبائر (بل اشدّ من بعضها) اى بعض الكبائر، كما رأيت التصريح بذلك فى جملة من الروايات المتقدمة.

(و) مضافا إلى هذه الاخبار مما يدل على ان الغيبة من الكبائر: انه (عدّ فى غير واحد من الاخبار، من الكبائر الخيانة، و يمكن ارجاع الغيبة إليها) اذ هى قسم من الخيانة أيضا، فيشملها دليل الخيانة، و ينتج كون الغيبة كبيرة (فأيّ خيانة اعظم من التفكّه) و التلذّذ- كأكل الفاكهة

ص: 12

بلحم الاخ على غفلة منه، و عدم شعور.

و كيف كان فما سمعناه من بعض من عاصرناه من الوسوسة فى عدّها من الكبائر، اظنّها فى غير المحل.

ثم ان ظاهر الاخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن فيجوز اغتياب المخالف.

______________________________

الموجب للذة الانسان الآكل- (بلحم الاخ على غفلة منه، و عدم شعور) كما ورد فى الآية الكريمة.

(و كيف كان) سواء كانت الغيبة داخلة فى الخيانة، أم لا (فما سمعناه من بعض من عاصرناه من الوسوسة فى عدّها من الكبائر، اظنها فى غير المحل) و فى معيار كون المعصية كبيرة، كلام طويل مذكور فى الفقه (ثم ان ظاهر الاخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن) الاثنى عشرى (فيجوز اغتياب المخالف) و قد اختلفوا فى ذلك، فبعض حرم اغتياب المخالف، و بعض اباح حتى اغتياب المؤمن اذا لم يكن عادلا، و بعض قال:

بمقالة الشيخ، بل ادعى الجواهر ضرورة جواز اغتياب غير المؤمن.

و ربما يقال: بالفرق بين المخالف الّذي يعاند الحق، و المخالف القاصر.

اما القول الاول: فقد استدل بإطلاق الآية و الروايات بعد انكار انصرافها إلى خصوص المؤمن، كما ان بيع العبد المسلم للكافر قالوا بإطلاقه بالنسبة إلى المخالف.

و اما القول الثانى: فقد استدل بما روى عن الكافى، عن ابى عبد الله

ص: 13

كما يجوز لعنه.

و توهم عموم الآية كبعض الروايات لمطلق المسلم مدفوع، بما علم بضرورة المذهب.

______________________________

عليه السلام، قال من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم، كان ممن حرمت غيبته، و كملت مروته، و ظهرت عدالته و وجبت اخوته.

و اما كلام الشيخ فمستنده الاصل بعد انصراف الادلة إلى خصوص المؤمن لعدم احترام غيره فى نظر الشارع.

و اما الاحتمال الرابع فمستنده تخصيص الانصراف بالمعاند بل ادلة السب و اللعن تشمله بالاولوية، اما القاصر فليس بآثم حتى يجوز هتكه، و الكلام فى الاقوال المذكورة طويل خارج عن مقصد الشرح.

فعليه (كما) يجوز غيبة المخالف، كذلك (يجوز لعنه) لما ورد من الروايات و الادعية فى لعن الظالمين لآل محمد، و آخر تابع لهم فى ذلك، و ما ورد من بهتهم و تكثير الوقيعة فيهم و ما اشبه مما يشمل المعاند قطعا، بل و غيره على القول المتقدم.

(و توهم) المقدس الاردبيلى (عموم الآية) لان قوله تعالى «وَ لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً» خطاب للمسلمين الشامل للمؤالف و المخالف (كبعض الروايات) كقوله صلى الله عليه و آله و سلم: و هو يأكل لحوم الناس بالغيبة (لمطلق المسلم).

فهذا التوهم (مدفوع، بما علم بضرورة المذهب) كما ادعاه الجواهر

ص: 14

من عدم احترامهم، و عدم جريان احكام الاسلام عليهم الا قليلا مما يتوقف استقامة نظم معاش المؤمنين عليه، مثل عدم انفعال ما يلاقيهم بالرطوبة و حل ذبائحهم، و مناكحتهم.

______________________________

أيضا (من عدم احترامهم، و عدم جريان احكام الاسلام عليهم) فهذا المعلوم الخارجى صارف للعمومات و الاطلاقات عن شمول غير المؤمن.

ثم ان المراد باحكام الاسلام: الاحكام الصادرة عن اهل البيت عليهم السلام المطابقة لواقع الاسلام، لا ما يسمى باحكام الاسلام الشاملة لاحكام المخالفين التى يدعون انها من الاسلام، و الا فلا شبهة فى انهم مكلفون باحكام انفسهم عندنا أيضا، بدليل: الزموهم بما التزموا به، و لذا يجب على الحاكم المؤمن أمرهم بالمعروف عندهم، و ينهاهم عن المنكر عندهم، فاذا شرب احدهم خمرا أو زنى او لعب قمارا او ترك الصوم و الصلاة و الحج او اخذ الزوجة الخامسة او ما اشبه، كان اللازم ردعهم.

نعم اذا عمل بما يطابق مذهبه لقاعدة: الزموهم، المدلول عليها بالنص و الفتوى.

فمراد الشيخ ره من عدم جريان احكام الاسلام تلك الاحكام الواصلة من طريق اهل الوحى و الرسالة (الا قليلا مما يتوقف استقامة نظم معاشر المؤمنين عليه) فالجريان بلحاظ المؤمن، لا بلحاظ انه مسلم فى نظر الاسلام (مثل عدم انفعال ما يلاقيهم بالرطوبة) و بعبارة اخرى طهارتهم (و حل ذبائحهم، و مناكحتهم) تزوجا من نسائهم لا تزويجا لهم- على الاحوط- بل المناكحة جائزة بين المسلم و الكتابية، اما مطلقا او فى خصوص المتعة

ص: 15

و حرمة دمائهم لحكمة رفع الفتنة، و نسائهم لان لكل قوم نكاحا، و نحو ذلك مع ان التمثيل المذكور فى الآية مختص بمن ثبت اخوته، فلا يعم من وجب التبرى عنه.

و كيف كان فلا اشكال

______________________________

بل حتى المشركة فى الاماء (و حرمة دمائهم لحكمة رفع الفتنة، و) حرمة (نسائهم) كنساء سائر الكفار الذين لا يحاربون المسلمين (لان لكل قوم نكاحا) كما عليه النص و الفتوى، و ذلك حتى يستقيم الانساب و لا تختلط المياه، و لا يعامل الكافر المسلم بالمثل فى حلية المسلمة و ما اشبه ذلك من العلل و الحكم (و نحو ذلك) من سائر الاحكام الجارية على المخالف، ككفنه و الصلاة عليه و دفنه فى مقابر المسلمين و عدم بيعه اذا كان عبدا من كافر، و الدفاع عن بلاد الاسلام التى يسكنونها، و هكذا.

و الحاصل: ان ادلة حرمة الغيبة منصرفة عن المخالف، بل بعض الادلة لا يشمل المخالف اصلا.

و إليه اشار المصنف بقوله (مع ان التمثيل المذكور فى الآية) بقوله سبحانه «أ يحب احدكم» الّذي مثل المغتاب بمن يأكل لحم اخيه (مختص بمن ثبت اخوته) للمؤمن (فلا يعم من وجب التبرى عنه) من المخالف، اذ الاخوة تنافى وجوب التبرى، اما وجوب التبرى عن المخالف فلما ورد من بهتهم و الوقيعة فيهم.

(و كيف كان) الامر، سواء قلنا بالإطلاق، و ان الانصراف يحكم بخروج المخالف، أم قلنا بعدم الشمول للمخالف من اوّل الأمر (فلا اشكال

ص: 16

فى المسألة بعد ملاحظة الروايات الواردة فى الغيبة، و فى حكمه حرمتها و فى حال غير المؤمن فى نظر الشارع.

ثم الظاهر دخول الصّبي المميّز المتأثر بالغيبة لو سمعها لعموم بعض الروايات المتقدمة و غيرها الدالة على

______________________________

فى المسألة بعد ملاحظة الروايات الواردة فى الغيبة، و فى حكمه حرمتها) التى هى بقاء وحدة المؤمنين، و تماسك بعضهم مع بعض مما لا يجرى فى المؤمن و غير المؤمن، اذ لا يهم الشارع الابتعاد عن غير المؤمن بل يؤكد الشارع على البعد عنهم، لئلا يتأثر بعض المؤمنين بافكارهم (و فى حال غير المؤمن فى نظر الشارع) و انه من الذين لا يجوز حتى شربهم للماء و ان تصرفهم فى الارض حرام لانهم لا يوالون اولياء الله، كما ورد فى باب الخمس و باب الارضين و غيرهما.

(ثم الظاهر دخول الصّبي المميّز) فى عدم جواز غيبته و ان جاز ان يستغيب هو، لقاعدة: رفع القلم.

و ربما احتمل عدم جواز ان يستغيب، لانه مما علم من الشارع عدم إرادة وجوده فى الخارج، كاللواط و الزنا و ما اشبه، لان الشارع لم يرد وقوع الفتنة و البغضاء بين المؤمنين، و الغيبة تسبب ذلك.

و قد وصف المصنف المميز بقوله: (المتأثر بالغيبة لو سمعها).

و انما نقول بالتحريم فى هذا الصبى (لعموم بعض الروايات المتقدمة) كقوله صلى الله عليه و آله و سلم: ان الغيبة اشدّ من الزنا (و غيرها) اى سائر اخبار الغيبة التى تقدم فى هذا المبحث (الدالة على

ص: 17

حرمة اغتياب الناس و أكل لحومهم مع صدق الاخ عليه كما يشهد به قوله تعالى: وَ إِنْ تُخٰالِطُوهُمْ فَإِخْوٰانُكُمْ. فِي الدِّينِ* مضافا إلى امكان الاستدلال بالآية و ان كان الخطاب للمكلفين بناء على عدّ اطفالهم منهم تغليبا.

______________________________

حرمة اغتياب الناس و أكل لحومهم) فان الناس و شبهه شامل للصبى المميز و انما قيدنا الصبى بالمميز، لان غير المميز كالبهيمة، فالاطلاقات منصرفة عنه (مع صدق الاخ) فى الآية الكريمة: أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً (عليه) اى على الصبى المميز (كما يشهد به) اى بصدق الاخ على المميز (قوله تعالى: وَ إِنْ تُخٰالِطُوهُمْ فَإِخْوٰانُكُمْ. فِي الدِّينِ*) فقد اطلق سبحانه الاخوان على الصبيان، قال سبحانه: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتٰامىٰ، قُلْ إِصْلٰاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَ إِنْ تُخٰالِطُوهُمْ فَإِخْوٰانُكُمْ.

لكن ربما يقال: ان اليتيم هنا شامل لغير المميز، فلو قلنا بصدق الاخ لزم حرمة غيبته، أيضا، و لا يقولون به.

و الجواب ان غير المميز منصرف عنه اطلاق آية الغيبة كما تقدم (مضافا الى امكان الاستدلال بالآية) اى بآية: لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً لا الاستدلال بمجرد لفظ «الاخ» (و ان كان الخطاب للمكلفين) لان النهى فى الآية تكليف، و لا يتوجه التكليف الا إلى البالغين (بناء على عدّ اطفالهم منهم تغليبا) للكبار على الصغار.

و على هذا نقول ان معنى الآية: ايها المكلفون لا يغتب بعضكم بعضا آخر، سواء كان كبيرا و صغيرا لكن غيبة الصغير لغيره خرج من العموم بدليل رفع القلم، فيبقى غيبة الكبير للكبير و للصغير مشمولا للآية.

ص: 18

و امكان دعوى صدق المؤمن عليه مطلقا او فى الجملة.

و لعلّه لما ذكرنا صرح فى كشف الريبة، بعدم الفرق بين الصغير و الكبير، و ظاهره الشمول لغير المميز أيضا.

و منه يظهر حكم المجنون الا انه صرّح بعض الاساطين باستثناء من

______________________________

و لا يخفى: ان الشيخ ره استدل تارة بذيل الآية الكريمة، اى: أ يحب احدكم ان يأكل لحم اخيه، فالمعنى: ايها الكبار لا تأكلوا لحم اخوانكم صغارا كانوا أم كبارا- و تارة بصدر الآية، اى: و لا يغتب بعضكم بعضا (و) كذلك يمكن الاستدلال لحرمة غيبة الصبى المميز ب (امكان دعوى صدق المؤمن عليه) فيشمله قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا.

و قوله صلى الله عليه و آله و سلم: من اغتاب مؤمنا، و شبه ذلك (مطلقا) اى مطلق المميز (او فى الجملة) و هو بعض اقسامه، ممن كان ملتزما بالاحكام الشرعية كما يوجد فى اطفال المتدينين.

(و لعله لما ذكرنا) من صدق الادلة على غيبة الصبى المميز (صرّح فى كشف الريبة، بعدم الفرق) فى حرمة الغيبة (بين) المغتاب- بالفتح- (الصغير و الكبير، و ظاهره) حيث اطلق لفظ: الصغير (الشمول لغير المميز أيضا) لكن لا يبعد انصراف كلامه إلى المميز.

(و منه) اى مما ذكرنا من حرمة غيبة المميز دون غيره (يظهر حكم المجنون) و انه ان كان مميزا حرمت غيبته، و الا لم تحرم (الا انه صرّح بعض الاساطين باستثناء من

ص: 19

لا عقل له، و لا تمييز، معللا بالشك فى دخوله تحت ادلة الحرمة.

و لعله من جهة ان الاطلاقات منصرفة إلى من يتأثر لو سمع.

و سيتضح ذلك زيادة على ذلك.

بقى الكلام فى امور،
الأول الغيبة اسم مصدر لاغتاب او مصدر لغاب

______________________________

لا عقل له، و لا تمييز، معللا) للاستثناء (بالشك فى دخوله تحت ادلة الحرمة) و المراد الشك فى ظهور الالفاظ.

و من المعلوم: ان الحجية انما تتبع القطع بالظهور- كما قرر فى الاصول- و الا فمجرد الشك فى بعض المصاديق بعد وجود الاطلاق و العموم لا يوجب رفع اليد عن العام و المطلق بالنسبة إلى ذلك الفرد و لذا قال الشيخ ره فى توجيه كلامه.

(و لعله) اى لسبب الشك (من جهة ان الاطلاقات) الدالة على التحريم (منصرفة إلى من يتأثر لو سمع) و المجنون و غير المميز ليسا كذلك و وجه الانصراف يظهر من قوله صلى الله عليه و آله و سلم «ذكرك اخاك بما يكره» فالذى لا يكره لا يشمله الاطلاق.

(و سيتضح ذلك) الّذي وجهناه من الانصراف (زيادة على ذلك) الّذي ذكرنا هنا.

(بقى الكلام فى امور، الاول الغيبة) بكسر الغين (اسم مصدر لاغتاب) من باب الافتعال، (او مصدر لغاب) اذا كان بفتح الغين و المصدر الاغتياب.

و الفرق بينهما- كما ذكروا- ان المصدر هو الحدث المنسوب إلى الفاعل بدون الزمان، و اسم المصدر هو مجرد الحدث كالغسل و الاغتسال

ص: 20

ففى المصباح اغتابه اذا ذكره بما يكرهه من العيوب، و هو حق و الاسم الغيبة.

و عن القاموس غابه عابه، و ذكره بما فيه من السوء، و عن النهاية ان يذكر الانسان فى غيبته بسوء مما يكون فيه، و الظاهر من الكل- خصوصا القاموس المفسر لها أولا بالعيب- ان المراد ذكره فى مقام الانتقاص.

و المراد بالموصول هو نفس النقص الّذي فيه.

______________________________

و الوضوء و التوضى.

(ففى المصباح اغتابه اذا ذكره بما يكرهه من العيوب، و هو) اى ما ذكره من العيوب (حق) بان كان ذلك العيب موجودا فى الطرف، كما لو قال:

زيد بخيل، و كان بخيلا فى الواقع (و الاسم) اى اسم المصدر (الغيبة) و لم يذكر المصدر لوضوحه، فانه: اغتيابا.

(و عن القاموس غابه) اى (عابه، و ذكره بما فيه من السوء و عن النهاية) لابن الاثير: الغيبة (ان يذكر الانسان فى غيبته) اى حال كونه غائبا عن المجلس (بسوء مما يكون فيه، و الظاهر من الكل- خصوصا القاموس المفسر لها) اى للغيبة (أولا بالعيب- ان المراد) من الغيبة (ذكره فى مقام الانتقاص) لانه المتبادر من العيب، و السوء فاذا قيل ذكر فلان فلانا بالسوء، فهم السامع انه كان فى مقام انتقاصه.

(و المراد بالموصول) اى قوله: بما (هو نفس النقص الّذي فيه) فالمعنى: ان ينتقصه بعيب فيه.

ص: 21

و الظاهر من الكراهة فى عبارة المصباح كراهة وجوده و لكنه غير مقصود قطعا.

فالمراد اما كراهة ظهوره و لو لم يكره وجوده، كالميل إلى القبائح.

و اما كراهة ذكره بذلك العيب.

و على هذا التعريف دلت جملة من الاخبار، مثل قوله صلى الله عليه و آله- و قد سأله ابو ذر عن الغيبة-: أنها ذكرك اخاك بما يكرهه.

______________________________

(و الظاهر من الكراهة فى عبارة المصباح كراهة وجوده) اى يكره المغتاب- بالفتح- وجود ذلك العيب فيه، كما لو كان اعور، فانه يكره وجود العور فى نفسه (و لكنه غير مقصود) اذ لا علاقة لكراهته بما نحن فيه (قطعا).

(فالمراد) من الكراهة (اما كراهة ظهوره، و لو لم يكره) المغتاب بالفتح- (وجوده، كالميل إلى القبائح) فان الميال إلى الشهوات لا يكره وجود هذا الميل و انما يكره انكشافه للناس.

(و اما كراهة ذكره بذلك العيب) و ان كان لا يبالى بظهوره كبعض الفسقة ممن يكره ان يذكر بالفسق.

فتحصل ان قيود الغيبة ثلاثة «التنقيص» و «عيب فيه» و «كراهته لظهوره او ذكره به».

(و على هذا التعريف) الّذي استفدناه من كتب اللغة (دلت جملة من الاخبار، مثل قوله صلى الله عليه و آله- و قد سأله ابو ذر عن الغيبة- انها ذكرك اخاك بما يكرهه).

ص: 22

و فى نبوى آخر، قال صلى الله عليه و آله و سلم: أ تدرون ما الغيبة؟

قالوا: الله و رسوله اعلم، قال: ذكرك اخاك بما يكرهه.

و لذا قال فى جامع المقاصد ان حد الغيبة على ما فى الاخبار: ان تقول فى اخيك ما يكرهه لو سمعه مما هو فيه و المراد بما يكرهه- كما تقدم فى عبارة المصباح-: ما يكرهه ظهوره سواء كره وجوده كالبرص و الجذام، أم لا، كالميل إلى القبائح.

و يحتمل ان يراد بالموصول نفس الكلام الّذي يذكر الشخص به.

______________________________

و لا يخفى ان الذكر، من باب المصداق، فالاشارة أيضا كذلك، و الاخ أيضا كذلك، اذ المسلمة أيضا كذلك.

(و فى نبوى آخر، قال صلى الله عليه و آله و سلم: أ تدرون ما الغيبة؟

قالوا: الله و رسوله اعلم، قال) صلى الله عليه و آله و سلم: (ذكرك اخاك بما يكرهه).

(و لذا) الّذي ذكرناه من تعريف الغيبة المستفاد من اللغة و الروايات

(قال فى جامع المقاصد ان حدّ الغيبة على ما فى الاخبار: ان تقول فى اخيك ما يكرهه لو سمعه مما هو فيه) اى من العيب الموجود فى الاخ (و المراد بما يكرهه- كما تقدم فى عبارة المصباح-: ما يكرهه ظهوره) للناس (سواء كره وجوده) أيضا (كالبرص و الجذام، أم لا، كالميل إلى القبائح) و تعاطى المنكرات.

(و يحتمل ان يراد بالموصول) اى لفظة «ما» فيما يكره (نفس الكلام الّذي يذكر الشخص به) اى ذكرك اخاك بكلام يكره ذلك الكلام، و هذا

ص: 23

و يكون كراهته اما لكونه اظهارا للعيب.

و اما لكونه صادرا على جهة المذمّة و الاستخفاف و الاستهزاء، و ان لم يكن العيب مما يكره اظهاره، لكونه ظاهرا بنفسه.

و اما لكونه مشعرا بالذم، و ان لم يقصد المتكلم الذم به، كالالقاب المشعرة بالذم.

قال فى الصحاح: الغيبة ان يتكلم خلف انسان مستور بما يغمّه لو سمعه، و ظاهره التكلم بكلام يغمّه لو سمعه.

______________________________

بخلاف المعنى الاول الّذي هو: ذكرك اخاك بعيب يكره ظهوره.

(و يكون كراهته) اياه (اما لكونه اظهارا للعيب).

(و اما لكونه صادرا على جهة المذمّة و الاستخفاف و الاستهزاء، و ان لم يكن العيب مما يكره اظهاره، لكونه ظاهرا بنفسه).

فالاول: ككونه عيبا لا يطلع احد عليه فاذا قال المتكلم ذلك كرهه، لانه اظهار لعيبه.

و الثانى: ككونه أعمى و الناس مطلعون عليه، فاذا قال المتكلم ذلك كرهه، لانه استخفاف و تنقيص له.

(و اما لكونه مشعرا بالذم، و ان لم يقصد المتكلم الذم به، كالالقاب المشعرة بالذم) كالبليد و الاحمق و ما اشبه مما صار لقبا له.

(قال فى الصحاح: الغيبة ان يتكلم خلف انسان مستور بما يغمّه لو سمعه و) لفظ «ما» الموصول فى كلامه (ظاهره التكلم بكلام) لا بعيب (يغمّه لو سمعه) و

ص: 24

بل فى كلام بعض من قارب عصرنا: ان الاجماع و الاخبار متطابقان على ان حقيقة الغيبة ان يذكر الغير بما يكره لو سمعه، سواء كان بنقص فى نفسه، او بدنه، او دينه، او دنياه، او فيما يتعلق به من الاشياء.

و ظاهره أيضا إرادة الكلام المكروه.

و قال الشهيد الثانى فى كشف الريبة: ان الغيبة ذكر الانسان فى غيبته بما يكره نسبته إليه، مما يعد نقصا فى العرف بقصد الانتقاص و الذم.

و يخرج على هذا التعريف ما اذا ذكر الشخص بصفات ظاهرة، يكون وجودها

______________________________

هذا يؤيد ما تقدم من قولنا: و يحتمل ان يراد بالموصول، الخ (بل فى كلام بعض من قارب عصرنا: ان الاجماع و الاخبار متطابقان على ان حقيقة الغيبة ان يذكر الغير بما يكره لو سمعه) فالمراد بالموصول: الكلام لا العيب (سواء كان بنقص فى نفسه) كسيّئ الخلق (او بدنه) كالمجذوم (او دينه) كضعيف العقيدة (او دنياه) كالمسكين (او فيما يتعلق به من الاشياء) كوسخ الثياب او جرب الدابة و ما اشبه ذلك.

(و ظاهره) اى ظاهر كلام هذا المقارب لعصرنا (أيضا) كظاهر الصحاح (إرادة الكلام المكروه) لا العيب المكروه.

(و قال الشهيد الثانى فى كشف الريبة: ان الغيبة ذكر الانسان فى) حال (غيبته بما يكره نسبته إليه، مما يعد نقصا فى العرف) و يتكلم المتكلم بذلك الكلام (بقصد الانتقاص و الذم) انتهى كلامه.

(و يخرج) من موضوع الغيبة (على هذا التعريف ما اذا ذكر الشخص بصفات ظاهرة، يكون وجودها

ص: 25

نقصا مع عدم قصد انتقاصه بذلك مع انه داخل فى التعريف عند الشهيد ره أيضا حيث عدّ من الغيبة: ذكر بعض الاشخاص بالصفات المعروف بها كالاعمش و الاعور و نحوهما.

و كذلك ذكر عيوب الجارية التى يراد شرائها اذا لم يقصد من ذكرها الّا بيان الواقع و غير ذلك مما ذكره هو و غيره من المستثنيات.

______________________________

نقصا مع عدم قصد) المتكلم (انتقاصه بذلك) كما لو قال فلان الاعمى حدثنى بكذا، فيما اذا اراد بيان الوصف لا الانتقاص (مع انه داخل فى التعريف) للغيبة (عند الشهيد ره) نفسه (أيضا) كما يدخل ما يقصد به الانتقاص (حيث عدّ) الشهيد (من الغيبة: ذكر بعض الاشخاص بالصفات المعروف بها، كالاعمش و الاعور و نحوهما) كالاشتر و الاحول.

(و كذلك) داخل فى الغيبة- موضوعا- (ذكر عيوب الجارية التى يراد شرائها) كالنؤم و الكسول (اذا لم يقصد من ذكرها الّا بيان الواقع) لا الانتقاص، فانهم قالوا بان ذلك من مستثنيات الغيبة مع ان المتكلم لم يقصد الانتقاص، فلو لم يكن مثل ذلك داخلا فى موضوع الغيبة، لم يكن وجه لجعلهم له من المستثنيات (و غير ذلك) من امثلة ذكر الصفات المذمومة بدون قصد الانتقاص (مما ذكره هو) الشهيد (و غيره) من سائر العلماء (من المستثنيات) عن حرمة الغيبة، مثل قول المشير: الرجل المريد للزواج فيه كذا و كذا عند نصح المستشير، و كذلك بالنسبة إلى استخدام العبد و اتخاذ الشريك و غير ذلك.

(و) ان قلت: هذا الاشكال غير وارد على الشهيد، اذ ما ذكرتم من

ص: 26

دعوى ان قصد الانتقاص يحصل بمجرد بيان النقائص موجبة لاستدراك ذكره بعد قوله مما يعد نقصا.

و الاولى- بملاحظة ما تقدم من الاخبار و كلمات الاصحاب، بناء على ارجاع الكراهة إلى الكلام المذكور به لا إلى الوصف- ما تقدم، من ان الغيبة ان يذكر الانسان بكلام يسوء به.

اما باظهار عيبه المستور، و ان لم يقصد انتقاصه.

______________________________

الامثلة يوجد فيها قصد الانتقاص، اذ ليس المراد بقصد الانتقاص كون المتكلم فى مقام الذم و الاستخفاف، بل مجرد بيان النقائص هو قصد الانتقاص.

قلت: (دعوى ان قصد الانتقاص يحصل بمجرد بيان النقائص) غير تامة، اذ هذا (موجبة لاستدراك) و زيادة (ذكره) اى قصد الانتقاص (بعد قوله) اى الشهيد ره (مما يعد نقصا) لانه على هذه الدعوى كلّ ذكر نقص، قصد انتقاص، فلم جمع الشهيد ره بين القيدين؟

(و) حيث عرفت الاشكال فى هذه التعريفات للغيبة، ف (الاولى- بملاحظة ما تقدم من الاخبار و كلمات الاصحاب، بناء على ارجاع الكراهة) المأخوذة فى تعريف الغيبة (الى الكلام المذكور به) اى انها ذكرك اخاك بكلام يكرهه (لا إلى الوصف-) فليست الغيبة ذكرك اخاك بوصف يكره ذلك الوصف.

فاما ان يكون تعريف الغيبة (ما تقدم، من ان الغيبة ان يذكر الانسان بكلام يسوء به) اى بذلك الكلام.

(اما باظهار عيبه المستور، و ان لم يقصد) المتكلم (انتقاصه) و ذمه.

ص: 27

و اما بانتقاصه بعيب غير مستور اما بقصد المتكلم او يكون الكلام بنفسه منقصا له، كما اذا اتصف الشخص بالالقاب المشعرة بالذم.

نعم لو ارجعت الكراهة إلى الوصف الّذي يسند إلى الانسان تعيّن إرادة كراهة ظهورها فيختصّ بالقسم الاول و هو ما كان اظهار الامر مستور و يؤيّد هذا الاحتمال

______________________________

(و اما بانتقاصه بعيب غير مستور) انتقاصا يحصل (اما بقصد المتكلم) الانتقاص و ان لم يكن ذكر العيب نقصا عرفيا، كما لو استهزأ به بانه سمين فان السمن عيب، لكنه اذا لم يقصد المتكلم الانتقاص لا يكون تنقيصا بمجرد ان يقول: فلان سمين (او يكون الكلام بنفسه منقصا له) و ان لم يقصد المتكلم التنقيص (كما اذا اتصف الشخص بالالقاب المشعرة بالذم) فقال المتكلم:

جاء فلان الاعمى او الاعمش مثلا، و ان لم يقصد الانتقاص لكنه حيث كان بنفسه تنقيصا كان داخلا فى الغيبة.

(نعم لو ارجعت الكراهة) فى تعريف الغيبة بقولهم: ذكرك اخاك بوصف يكره (الى الوصف الّذي يسند) ذلك الوصف (الى الانسان تعيّن إرادة كراهة ظهورها) اى ظهور تلك الصفة (فيختص) التعريف للغيبة (بالقسم الاوّل) من الاقسام الثلاثة التى ذكرها بقوله: اما باظهار- الى قوله- منقصا له (و هو ما كان) الكلام (اظهار الامر مستور).

و لكن فيه انه يمكن ان يشمل الاقسام الثلاثة أيضا، بان تقول: ذكرك اخاك بوصف يكره ذلك الوصف.

(و يؤيد هذا الاحتمال) اى رجوع الكراهة إلى الوصف لا إلى الكلام

ص: 28

بل يعيّنه: الاخبار المستفيضة الدالة على اعتبار كون القول مستورا غير منكشف.

مثل قوله عليه السلام- فيما رواه العياشى بسنده عن ابن سنان-:

الغيبة ان تقول فى اخيك ما فيه مما قد ستره الله عليه، و رواية داود ابن سرحان المروية فى الكافى، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغيبة، قال: هو ان تقول لاخيك فى دينه ما لم يفعل

______________________________

(بل يعيّنه: الاخبار المستفيضة الدالة على اعتبار كون القول مستورا غير منكشف) فلا يشمل الوصف الظاهر.

(مثل قوله عليه السلام- فيما رواه العياشى بسنده عن ابن سنان-:

الغيبة ان تقول فى اخيك ما فيه مما قد ستره الله عليه، و رواية داود بن سرحان المروية فى الكافى، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغيبة، قال: هو ان تقول لاخيك فى دينه ما لم يفعل).

قوله: فى دينه اما متعلق ب «اخيك» فالمراد الاخ الدينى، و ذلك لاخراج الكافر و المخالف، و المعنى: لاخيك الّذي انت اخ له فى دينه.

و انما اختير دينه، لا دينك، لإفادة ان كل واحد منهما اخ للاخ فى الدين.

و اما متعلق ب «تقول» بمعنى: ان تقول قولا سيّئا فى دينه، كان تتهمه بالزندقة، او المروق، او الانحراف.

و ذكر الدين فقط مع ان الغيبة اعم لبيان الفرد الكامل من الغيبة لان الرمى فى دين شخص اهم جرما من الرمى فى سائر الامور المرتبطة به

ص: 29

و تبث عليه امرا قد ستره الله عليه لم يقم عليه فيه حدّ.

و رواية ابان، عن رجل لا يعلمه الا يحيى الازرق قال: قال لى ابو الحسن عليه السلام: من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه، و من ذكره من خلفه بما هو فيه مما لم يعرفه الناس فقد اغتابه، و من ذكره بما ليس فيه فقد بهته.

و حسنة عبد الرحمن ابن سيابة- بابن هاشم-

______________________________

(و تبث عليه امرا قد ستره الله عليه) مما (لم يقم عليه فيه حدّ) كان تنسبه الى الزنا و اللواط و ما اشبه.

و الظاهر ان المراد بالحدّ اعم من التعزير، فيشمل نسبة الشخص الى جميع انواع المعاصى.

(و رواية ابان، عن رجل لا يعلمه الا يحيى الازرق) يعنى كان ابان يظن ان اسم الرجل هو يحيى الازرق (قال: قال لى ابو الحسن عليه السلام: من ذكر رجلا من خلفه) اى فى غيابه (بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه، و من ذكره من خلفه بما هو فيه مما لم يعرفه الناس فقد اغتابه، و من ذكره بما ليس فيه فقد بهته) من البهتان.

و لعل المراد ب «لم يغتبه» انه ليس داخلا فى موضوع الغيبة، و ان كان حراما اذا قصد التنقيص، او كان موجبا للنقص و ان لم يقصده المتكلم.

(و حسنة عبد الرحمن ابن سيابة- ب) سبب وجود (ابن هاشم-) فى السند.

لكن لا يخفى ان المتأخرين حققوا ان ابن هاشم من الثقات فوجوده

ص: 30

قال: قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام، يقول: الغيبة ان تقول فى اخيك ما ستره الله عليه، و اما الامر الظاهر مثل الحدّة و العجلة فلا.

و البهتان ان تقول فيه ما ليس فيه.

و هذه الاخبار- كما ترى- صريحة فى اعتبار كون الشي ء غير منكشف

و يؤيد ذلك ما فى الصحاح من ان الغيبة ان يتكلم خلف انسان مستور بما يغمّه لو سمعه، فان كان صدقا سمّى، غيبة، و ان كان كذبا سمّى، بهتانا.

______________________________

فى السند لا يضر بالصحة (قال: قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام، يقول: الغيبة ان تقول فى اخيك ما ستره الله عليه، و اما الامر الظاهر) اى العيب الظاهر فى الشخص (مثل الحدّة) فى المزاج (و العجلة) بالتسرع فى الامور (فلا) يكون ذكرها غيبة، بل قد عرفت ان ذلك حرام من جهة انه تنقيص.

(و البهتان ان تقول فيه ما ليس فيه) من الصفات الذميمة و الاخلاق الرذيلة و العيوب، كان يقول: فلان اعمى او سيّئ الخلق او ما اشبه، و الحال ان تلك الامور ليست فيه.

(و هذه الاخبار- كما ترى- صريحة فى اعتبار كون الشي ء) الّذي يقوله الانسان فى اخيه (غير منكشف) للناس، و الا لم يصدق الغيبة.

(و يؤيد ذلك) اى لزوم عدم الانكشاف (ما فى الصحاح من ان الغيبة ان يتكلم خلف انسان مستور بما يغمّه لو سمعه، فان كان) كلامه (صدقا سمّى غيبة، و ان كان كذبا سمّى بهتانا) انتهى كلام الصحاح.

ص: 31

فان اراد من المستور من حيث ذلك المقول وافق الاخبار.

و ان اراد مقابل المتجاهر احتمل الموافقة و المخالفة

و الملخص من مجموع ما ورد فى المقام: ان الشي ء المقول ان لم يكن نقصا فلا يكون ذكر الشخص حينئذ

______________________________

(فان اراد) الصحاح (من المستور) الّذي ذكره فى تعريف الغيبة (من حيث ذلك المقول) اى ذلك الوصف: «مستور» كان يقول فلان لائط و لواطه مستور لدى الناس، سواء كان المقول فيه انسانا متدينا ظاهرا، او فاسقا متجاهرا بالمعاصي، لكن هذا الوصف فيه مخفى (وافق الاخبار) لان ظاهر الاخبار كون الوصف مخفيا.

(و ان اراد) بالمستور (مقابل المتجاهر) فالمستور وصف للشخص لا انه وصف للصفة الموجودة فى الشخص (احتمل الموافقة) لكلام الصحاح مع الاخبار (و المخالفة) لها، لان الانسان الستير قد يكون وصفه بفسق كذائى مخفيا، و قد يكون وصفه ظاهرا، فانه لا منافات بين كون الانسان ستيرا غير متجاهر بالمعاصي، و مع ذلك يكون قد فعل محرما عرفه الناس.

و الحاصل: ان الاخبار تقول: ميزان الغيبة كون الوصف مستورا، و الصحاح ان اراد ب «المستور» وصف «الصفة» كان موافقا للاخبار و ان اراد وصف «الموصوف» كان محتمل الموافقة و المخالفة.

(و الملخص من مجموع ما ورد فى المقام: ان الشي ء المقول ان لم يكن نقصا فلا يكون ذكر الشخص) بهذا الوصف (حينئذ) اى حين لم يكن نقصا

ص: 32

غيبة، و ان اعتقد المقول فيه كونه نقصا عليه.

نظير ما اذا نفى عنه الاجتهاد و ليس ممن يكون ذلك نقصا فى حقه، الا انه معتقد باجتهاد نفسه.

نعم قد يحرم هذا من وجه آخر.

و ان كان نقصا شرعا او عرفا بحسب حال المغتاب

______________________________

واقعيا (غيبة، و ان اعتقد المقول فيه كونه نقصا عليه).

(نظير ما اذا نفى) المتكلم (عنه الاجتهاد و ليس ممن يكون ذلك نقصا فى حقه) واقعيا (الا انه معتقد باجتهاد نفسه) كما ان اثبات صفة له هى فيه أيضا ليس غيبة، اذا كانت فيه واقعا، و ان زعم ان ذلك الوصف ليس فيه كما لو زعم انه شجاع فاثبت له المتكلم وصف الجبن، و قد كان واقعا جبانا.

(نعم قد يحرم هذا) الكلام (من وجه آخر) مثل كونه اهانة بالمؤمن و طعنا عليه و ما اشبه و ذلك حرام و ان لم يصدق عليه الغيبة.

اللهم الا اذا الزم ذلك من باب ارشاد الجاهل و النهى عن المنكر و نصح المستشير، كما لو اراد الجاهل ان يقلده، فنبهه المتكلم على انه ليس بمجتهد، او اراد ان يسلّم إليه قيادة جيش المسلمين مثلا، او ما اشبه ذلك.

(و ان كان) الشي ء المقول (نقصا شرعا) كحلق اللحية و عدم المبالات بالصلاة (او عرفا) كالاكتحال (بحسب حال المغتاب) بالفتح، و ان لم يكن بحسب حال غيره نقصا، و هذا قيد توضيحى، اذا المعيار فى الغيبة و ما

ص: 33

فان كان مخفيا للسامع بحيث يستنكف عن ظهوره للناس، و اراد القائل تنقيص المغتاب به، فهو المتيقن من افراد الغيبة.

و ان لم يرد القائل التنقيص فالظاهر حرمته لكونه كشفا لعورة المؤمن و قد تقدم الخبر: من مشى فى غيبة اخيه و كشف عورته الخ.

و فى صحيحة ابن سنان، عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: قلت له: عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ قال نعم، قلت: تعنى سفليه، قال عليه السلام: ليس حيث تذهب انما هو اذاعة سرّه

______________________________

اشبه حال المقول فيه لا حال غيره (فان كان مخفيا للسامع) و كان المغتاب (بحيث يستنكف) و يأبى (عن ظهوره) اى ظهور ذلك الوصف (للناس، و اراد القائل تنقيص المغتاب) بالفتح (به) اى باظهار ذلك الوصف المستور (فهو المتيقن من افراد الغيبة) المحرمة.

(و ان لم يرد القائل التنقيص فالظاهر حرمته) أيضا، لا من باب الغيبة بل (لكونه كشفا لعورة المؤمن) و هو حرام قطعا (و قد تقدم الخبر من مشى فى غيبة اخيه و كشف عورته الخ) كانت اوّل خطوة خطاها وضعها فى جهنم.

(و فى صحيحة ابن سنان، عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: قلت له: عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ قال) عليه السلام (نعم، قلت: تعنى سفليه) اى قبله و دبره (قال عليه السلام: ليس حيث تذهب) من المعنى للعورة (انما) مرادى الآن (هو اذاعة سرّه) اى افشائه.

و من المعلوم: ان العيب الخفى سرّ الانسان، و لذا يقول له: قد افشيت سرى.

ص: 34

و فى رواية محمد بن فضيل عن ابى الحسن عليه السلام و لا تذيعن عليه شيئا تشينه به و تهدم به مروءته فتكون من الذين قال الله عز و جل:

إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ.

و لا يقيد اطلاق النهى بصورة قصد الشين و الهدم من جهة الاستشهاد بآية حب شياع

______________________________

و لا يخفى ان هذا الحديث ليس فى مقام انكار حرمة النظر إلى سفلى المسلم، بل فى مقام التشديد فى حرمة اذاعة السرّ حتى كأنّ الّذي ينبغى ان يسأل عنه هو هذا، لا النظر إلى العورة، فهذا المخرج من الكلام من ابواب البلاغة، كما قرر فى محله.

(و فى رواية محمد بن فضيل عن ابى الحسن عليه السلام) قال: (و لا تذيعن عليه شيئا تشينه به) الشين ضد الزين (و تهدم به مروءته) المروة صفة توجب ثقل الانسان و تحرّيه موازين الامور.

و هدم المروة كناية عن تخفيفه امام الناس، و اظهاره بمظهر الطيش و عدم الاتزان (فتكون من الذين قال اللّه عز و جل: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ) أليم، فعيل بمعنى الفاعل اى عذاب يوجب الالم و هذا القيد للتهويل، و الا فالعذاب ملازم للألم

(و لا يقيد اطلاق النهى) فى قوله عليه السلام: لا تذيعن (بصورة قصد) المتكلم (الشين و الهدم) حتى يكون غير القاصد ذلك غير فاعل للحرام.

و انما يحتمل التقييد المذكور (من جهة الاستشهاد بآية حب شياع

ص: 35

الفاحشة، بل الظاهر ان المراد مجرد فعل ما يوجب شياعها.

مع انه لا فائدة كثيرة فى التنبيه على دخول القاصد لاشاعة الفاحشة فى عموم الآية.

و انما يحسن التنبيه على ان قاصد السبب قاصد

______________________________

الفاحشة) فان الظاهر من الحب القصد.

و انما قلنا: لا يقيد لان الاستشهاد بالآية لا تصلح وجه التقييد، فان الاستشهاد من جهة لا يوجب مطابقة الشاهد للمشهود عليه من كل الجهات (بل) نفس الآية لا تدل على القصد أيضا فكيف بان تقيد: الصدر، بالقصد و ذلك لان (الظاهر) لدى الانسباق العرفى من الآية (ان المراد) بها (مجرد فعل ما يوجب شياعها) اى الفاحشة، سواء قصد الشين و الهدم أم لا، فان قسما من الناس يحبون نقل الاقوال الطريفة سواء كانت حسنة أم سيئة بدون قصد الاحسان و الإساءة.

(مع انه) لو قلنا: بان ظاهر الآية قصد الشين كان مقتضى القاعدة:

عموم الصدر، لمن قصد الشين، أم لا.

اذ (لا فائدة كثيرة فى التنبيه) من الامام عليه السلام (على دخول القاصد لاشاعة الفاحشة فى عموم الآية) فان دخول هذا الفرد واضح لا يحتاج الى التنبيه.

(و انما يحسن التنبيه) لدخول غير القاصد فى الآية، فان ذلك معا يخفى على العامة، فيحسن التنبيه عليه، فكان الامام عليه السلام بذكر الآية الكريمة اراد ان ينبه (على ان قاصد السبب) و هى اذاعة السر (قاصد

ص: 36

للمسبب، و ان لم يقصده بعنوانه.

و كيف كان فلا اشكال من حيث النقل و العقل فى حرمة اذاعة ما يوجب مهانة المؤمن، و سقوطه عن اعين الناس فى الجملة.

و انما الكلام فى انها غيبة، أم لا، مقتضى الاخبار المتقدمة باسرها ذلك، خصوصا المستفيضة الاخيرة

______________________________

للمسبب) و هو اشاعة الفاحشة (و ان لم يقصده) المذيع القاصد للسبب:

المسبب (بعنوانه) بان لم يقصد اذاعة الفاحشة، كما ان قاصد الالقاء فى النار، قاصد للاحراق، و ان لم يقصد الاحراق بعنوان انه احراق.

(و كيف كان) سواء اعتبر قصد الشين و الهدم فى مذيع السرّ أم لا (فلا اشكال من حيث النقل و العقل) الحاكم بقبح اهانة الغير (فى حرمة اذاعة ما يوجب مهانة المؤمن، و سقوطه عن اعين الناس فى الجملة).

قوله: فى الجملة، متعلق ب «حرمة» اذ لا يحرم ذلك اذا كان بقصد النهى عن المنكر، او نصح المستشير، او ما اشبه.

(و انما الكلام فى انها غيبة، أم لا).

و (مقتضى الاخبار المتقدمة باسرها ذلك) و انها من الغيبة لشمول قوله صلى الله عليه و آله و سلم: ذكرك اخاك ما يكره، و نحوه، له (خصوصا المستفيضة الاخيرة) و هى روايات ابنى سنان و سرحان، و ابان و عبد الرحمن.

وجه الخصوصية: ان دلالة الاخبار غير المفصلة على المدعى، انما هى بالإطلاق لامكان تقييدها بخصوص صورة إرادة الذم و التعيير، بخلاف

ص: 37

فان التفصيل فيها بين الظاهر و الخفى انما يكون مع عدم قصد القائل المذمة و الانتقاص.

و اما مع قصده فلا فرق بينهما فى الحرمة.

و

______________________________

الاخبار المفصلة فانها نص فى المدعى، لعدم قابليتها للتقييد بصورة إرادة الذم.

اذ لو قيدناها بصورة إرادة الذم، لزم ان يكون ذكر النقائص الخفية مع إرادة الذم حراما، و ذكر النقائص الجلية مع إرادة الذم ليس بحرام و هذا مقطوع البطلان، اذ تنقيص المؤمن حرام مطلقا، سواء بالعيب الظاهر او العيب الخفى.

فلا بد و ان يكون المراد بالروايات المفصلة عدم إرادة النقص فيكون مفادها ان ذكر النقائص الخفية بدون إرادة النقص حرام، و ذكر النقائص الجلية بدون إرادة النقص حلال.

(فان التفصيل فيها) اى فى هذه المستفيضة (بين الظاهر و الخفى) حيث حرم الثانى فقط (انما يكون) اى يصح هذا التفصيل بالحرمة فى الخفى، دون الجلى (مع عدم قصد القائل المذمة و الانتقاص).

(و اما مع قصده) المذمة و الانتقاص (فلا فرق بينهما) اى بين الظاهر و الخفى (فى الحرمة) لحرمة تنقيص المسلم مطلقا.

(و) ان قلت: التفصيل فى هذه الاخبار بين الظاهر و الخفى ليس فى صدد تحريم الخفى دون الظاهر، ليستدل بذلك على ان المراد ذكر

ص: 38

المنفى فى تلك الاخبار و ان كان تحقق موضوع الغيبة دون الحكم بالحرمة الا ان ظاهر سياقها نفى الحرمة فى ما عداها أيضا.

لكن مقتضى ظاهر التعريف المتقدم عن كاشف الريبة عدمه، لانه اعتبر قصد الانتقاص و الذم، الا ان يراد اعتبار ذلك فيما يقع على وجهين

______________________________

العيب بدون قصد التنقيص، و الا لزم عدم حرمة التنقيص، بل فى صدد تعيين موضوع الغيبة و ان الموضوع انما يتحقق بالخفى.

قلت: (المنفى فى تلك الاخبار) المفصلة (و ان كان تحقق موضوع الغيبة دون الحكم بالحرمة، الا ان ظاهر سياقها نفى الحرمة فى ما عداها) اى عدا الغيبة (أيضا)

فالاخبار فى مقام التفصيل فى كلا الا مرين.

الاول: ان الخفى غيبة دون الظاهر.

الثانى: ان ذكر الخفى حرام دون ذكر الظاهر.

و الحاصل: ان مع قصد التنقيص يحرم ذكر العيب مطلقا و بدون قصد التنقيص يحرم ذكر العيب الخفى دون ذكر العيب الظاهر، و على كل حال فالخفى غيبة دون ما عداه.

(لكن مقتضى ظاهر التعريف المتقدم عن كاشف الريبة) للغيبة (عدمه) اى عدم كونه من الغيبة، اذا لم يكن انتقاص و ان كان ذكرا للعيب الخفى (لانه) اى كاشف الريبة (اعتبر) فى صدق الغيبة (قصد الانتقاص و الذم) فلا غيبة اذا لم يكن انتقاص (الا ان يراد) من كلام كاشف الريبة (اعتبار ذلك) القصد، للانتقاص و الذم (فيما يقع على وجهين) وجه الانتقاص و

ص: 39

دون ما لا يقع الا على وجه واحد.

فان قصد ما لا ينفك عن الانتقاص، قصد له، و ان كان المقول نقصا ظاهرا للسامع.

فان لم يقصد القائل الذم، و لم يكن الوصف من الاوصاف المشعرة بالذم، نظير الالقاب المشعرة به فالظاهر انه خارج عن الغيبة لعدم حصول كراهة للمقول فيه، لا من حيث الاظهار و لا من حيث ذم المتكلم، و لا من حيث الاشعار

______________________________

وجه عدم الانتقاص، و هو فى العيب الظاهر (دون ما لا يقع الا على وجه واحد) و هو وجه الانتقاص فقط- و هو فى العيب الخفى- فانه انتقاص مطلقا، سواء اراد المتكلم الانتقاص، أم لا.

(فان قصد) المتكلم ذكر (ما لا ينفك عن الانتقاص) و هو العيب الخفى (قصد له) اى للانتقاص، فلا مخالفة لكاشف الريبة معنا (و ان كان المقول نقصا ظاهرا للسامع) هذا عطف على قوله «و ان كان نقصا» المعطوف هو أيضا على قوله «ان لم يكن» بعد قوله «و الملخص».

(فان لم يقصد القائل الذم، و لم يكن الوصف) الّذي تكلّم به القائل (من الاوصاف المشعرة بالذم، نظير الالقاب المشعرة به) كالاحول، و نحوه (فالظاهر انه خارج عن الغيبة) موضوعا و حكما (لعدم حصول كراهة للمقول فيه، لا من حيث الاظهار) فان اظهار هذه الصفة ليس مكروها لدى المقول فيه (و لا من حيث ذم المتكلم) لان المتكلم لم يقصد الذم حتى يكرهه المقول فيه (و لا من حيث الاشعار) فان الوصف بنفسه لا يشعر بالذم

ص: 40

و ان كان من الاوصاف المشعرة بالذم او قصد المتكلم التعيير و المذمة بوجوده فلا اشكال فى حرمة الثانى، بل و كذا الاول.

لعموم ما دل على حرمة ايذاء المؤمن و اهانته و حرمة التنابز بالالقاب و حرمة تعيير المؤمن على صدور معصية منه فضلا عن غيرها.

ففى عدة من الاخبار من عيّر مؤمنا على معصية لم يمت حتى يرتكبه.

______________________________

- حسب الفرض-.

و الحاصل انه ليس بعيب بذاته، و لا مشعر بالذم، و لم يقصد المتكلم الذم، كما لو قال: زيد ليس بمجتهد فانه نقص، و لكنه ليس بعيب.

(و ان كان من الاوصاف المشعرة بالذم) كالاحول (او قصد المتكلم التعيير و المذمة) كما لو اراد تنقيص زيد بقوله: انه ليس بمجتهد (بوجوده) اى بوجود ذلك الوصف فيه (فلا اشكال فى حرمة الثانى) اى ما قصد الذم (بل و كذا الاول) الّذي هو الاشارة بالوصف المشعر بالذم.

(لعموم ما دل على حرمة ايذاء المؤمن و اهانته و حرمة التنابز بالالقاب) قال سبحانه: وَ لٰا تَنٰابَزُوا بِالْأَلْقٰابِ، اى لا يجعل بعضكم لبعض لقبا سيّئا (و حرمة تعيير المؤمن على صدور معصية منه) التى هى نقص حقيقى، و عيب قطعى (فضلا عن غيرها) التى هى ليست عيبا، كانه ليس بمجتهد، او انه احول، مثلا.

(ففى عدة من الاخبار من عيّر مؤمنا على معصية لم يمت حتى يرتكبه).

و المراد انه مقتضى للارتكاب كسائر المقتضيات الشرعية مثل ان الدّعاء الفلانى يوجب الاستجابة الّذي يراد به انه مقتضى، لا انه علة تامة.

ص: 41

و انما الكلام فى كونهما من الغيبة، فان ظاهر المستفيضة المتقدمة عدم كونهما منها.

و ظاهر ما عداها من الاخبار المتقدمة بناء على ارجاع الكراهة فيها الى كراهة الكلام الّذي يذكر به الغير.

و كذلك كلام اهل اللغة- عدا الصحاح على بعض احتمالاته-

______________________________

ثم لا يبعد عدم استفادة التحريم من هذه الاخبار كما ذكره بعض المحققين و ان كان المستفاد عرفا- بالنظر الاولى ذلك-.

(و انما الكلام فى كونهما من الغيبة) أم لا (فان ظاهر المستفيضة المتقدمة عدم كونهما منها) و ضمير التثنية فى قوله «كونهما» فى المقامين راجع إلى: الكلام المشعر بالذم و ان لم يقصده، و ما قصد المتكلم الذم و ان لم يشعر الكلام به.

و انما كان ظاهر المستفيضة عدم كونهما غيبة، لانها جعلت اذاعة السر و ما اشبه غيبة، و الامر الظاهر ليس داخلا في اذاعة السر.

(و) لكن (ظاهر ما عداها) اى ما عدا المستفيضة (من الاخبار المتقدمة) مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ذكرك اخاك ما يكره (بناء على ارجاع الكراهة فيها) اى فى تلك الاخبار (الى كراهة الكلام الّذي يذكر به الغير) لا كراهة الصفة، اذ لو اريد بالكراهة كراهة الصفة، لم تشمل الغيبة ما لم تكن الصفة مكروهة- كما هو المفروض-.

(و كذلك) ظاهر (كلام اهل اللغة- عد الصحاح على بعض احتمالاته-) بان اراد بالموصول «الوصف» لا «الكلام»

ص: 42

كونهما غيبة.

و العمل بالمستفيضة لا يخلو عن قوة و ان كان ظاهر الاكثر خلافه، فيكون ذكر الشخص بالعيوب الظاهرة الّذي لا تفيد السامع اطلاعا لم يعلمه، و لا يعمله عادة من غير خبر مخبر ليست غيبة فلا يحرم الا اذا اثبت الحرمة

______________________________

اما كلام الصحاح اذا اراد بالموصول «الكلام» فهو أيضا كسائر اهل اللغة فى الافادة (كونهما غيبة) خبر قوله: و ظاهر ما عداها.

(و العمل بالمستفيضة) بعدم كونهما من الغيبة- موضوعا (لا يخلو عن قوة) اذ لا يطلق على ذلك: الغيبة، عرفا بالإضافة إلى ان المستفيضة تصلح مقيدة للاخبار المطلقة (و ان كان ظاهر الاكثر) من الفقهاء (خلافه) و انهما داخلان فى موضوع الغيبة.

(فيكون) لدى المصنف (ذكر الشخص بالعيوب الظاهرة الّذي لا تفيد) تلك العيوب عند ذكرها (السامع اطلاعا لم يعلمه) قبلا (و لا يعلمه عادة من غير خبر مخبر) فى المستقبل، بل السامع اما علمه قبلا، او يعلمه فى المستقبل- بنفسه- من غير اخبار مخبر، كما لو كان الطرف اعور، فان السامع اما علم به، او يعلم به فى المستقبل- حسب العادة- بدون ان يخبره احد، لان العور عيب ظاهر، لا يحتاج إلى الاخبار (ليست غيبة) خبر قوله «فيكون».

و انما قال «و لا يعلمه» حتى لا يقال: بامكان افادة «الكلام» للسامع اطلاعا حتى بالنسبة إلى العيب الظاهر، لانه لم يكن علمه قبل ذلك (فلا يحرم) مثل هذا الكلام من جهة كونه غيبة (الا اذا ثبت الحرمة

ص: 43

من حيث المذمة و التعيير، او من جهة كون نفس الاتصاف بتلك الصفة مما يستنكفه المغتاب، و لو باعتبار بعض التعبيرات.

فيحرم من جهة الايذاء و الاستخفاف و الذم و التعيير.

ثم الظاهر المصرح به فى بعض الروايات: عدم الفرق فى ذلك- على ما صرح به غير واحد- بين ما كان نقصانا فى بدنه، او نسبه، او خلقه، او فعله، او قوله، او دينه

______________________________

من حيث المذمة و التعيير) فيما اذا قصد المتكلم المذمة (او من جهة كون نفس الاتصاف بتلك الصفة مما يستنكفه المغتاب) و لا يحب تلك الصفة لانها مشعرة بالذم بذاتها (و لو باعتبار بعض التعبيرات) التى تتوجه إليه بسبب اتصافه بهذه الصفة، و ان لم يقصد المتكلم بكلامه تعييره بهذه الصفة.

و الحاصل: ان المتكلم اما فى مقام الذم و اما ان نفس الكلام مشعر بالذم، و ان لم يقصده المتكلم.

(فيحرم) مثل هذا الكلام- بقسميه- لا من جهة الغيبة، و انما (من جهة الايذاء و الاستخفاف و الذم و التعيير) فانه لا يشترط فى صدق هذه العناوين قصد المتكلم، بل حصولها فى الخارج كاف فى الحرمة.

(ثم الظاهر المصرح به فى بعض الروايات: عدم الفرق فى ذلك) التحريم لذكر ما كان نقصا (- على ما صرح به غير واحد- بين ما كان نقصانا فى بدنه) كالاعور (او نسبه) كولد العبد و ابن الكافر (او خلقه) كسيّئ الخلق (او فعله) كركيك الصنع (او قوله) كالفأفأ و التمتام (او دينه) كضعيف الايمان

ص: 44

او دنياه، حتى فى ثوبه او داره او دابته او غير ذلك.

و قد روى عن مولانا الصادق عليه السلام، الاشارة إلى ذلك بقوله:

وجوه الغيبة تقع بذكر عيب فى الخلق و الفعل و المعاملة، و المذهب و الجهل و اشباهه.

قيل اما البدن فذكرك فيه العمش و الحول و العور و القرع و القصر و

______________________________

(او دنياه، حتى فى ثوبه او داره او دابته) كوسخ الثوب او منهدم الدار او هزيل الدابة (او غير ذلك) ككسول الولد و ما اشبه.

لان كل ذلك داخل فى قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ذكرك اخاك ما يكره.

(و قد روى عن مولانا الصادق عليه السلام، الاشارة إلى ذلك) الّذي ذكرنا من اقسام الغيبة (بقوله) عليه السلام (وجوه الغيبة تقع بذكر عيب فى الخلق) بفتح الخاء بمعنى الخلقة، او بضمها بمعنى الصفة (و الفعل و المعاملة) نحو صعب المعاملة (و المذهب) كمنحرف المذهب، و المراد به اما الطريقة التى يسلكها فى دينه، او فى دنياه (و الجهل) كان يقول فلان جاهل (و اشباهه) كما عرفت من بعض الاقسام الاخر.

(قيل) و القائل الشيخ الورام فى المجموعة المنسوبة إليه، و هو جد السيد ابن طاوس من طرف الام (اما) ذكر العيب فى (البدن فذكرك فيه العمش) و هو ضعف البصر مع سيلان الدمع (و الحول) و هو انقلاب العين عن المتعارف (و العور) الّذي ذهبت احدى عينيه (و القرع) الّذي ذهب شعر رأسه من آفة، و يسمى بالفارسية «كچل» (و القصر و

ص: 45

الطول و السواد و الصفرة، و جميع ما يتصور ان يوصف به مما يكرهه.

و اما النسب، فبان يقول: ابوه فاسق او خبيث او خسيس او اسكاف او حائك او نحو ذلك مما يكره.

و اما الخلق: فبان يقول: انه سيّئ الخلق، بخيل، مراء، متكبر، شديد الغضب، جبان، ضعيف القلب و نحو ذلك.

و اما فى افعاله المتعلقة بالدين فكقولك: سارق، كذاب، شارب، خائن، ظالم، متهاون بالصلاة لا يحسن الركوع و السجود.

______________________________

الطول) فى الجسم او فى عضو من الاعضاء (و السواد و الصفرة) و سائر الالوان غير المتعارفة فى الجسم او فى عضو منه (و جميع ما يتصور ان يوصف به مما يكرهه) كالخصى و المجبوب و الكوسج و ما اشبه.

(و اما النسب، فبان يقول: ابوه فاسق او خبيث او خسيس) اى بخيل (او اسكاف) و هو من يرقع الاحذية (او حائك) لان الحياكة مكروهة شرعا معروف صاحبها بخفة العقل (او نحو ذلك مما يكره) نحو: ابوه جاهل او جبان او كافر، و لا يخفى ان الإساءة فى مثل هذه النسب إلى شخصين او اكثر.

(و اما الخلق: فبان يقول: انه سيّئ الخلق، بخيل، مراء) يعمل رياء (متكبر، شديد الغضب، جبان، ضعيف القلب) من احتمال الامور (و نحو ذلك) نحو متهور، غير غيور، شاذ، الى غيرها.

(و اما فى افعاله المتعلقة بالدين فكقولك: سارق، كذاب، شارب خائن، ظالم، متهاون بالصلاة) زنّاء، لواط، مرائى (لا يحسن الركوع و السجود

ص: 46

و لا يجتنب من النجاسات، ليس بارّا بوالديه، لا يحرس نفسه من الغيبة، و التعرض لاعراض الناس.

و اما افعاله المتعلقة بالدنيا، فكقولك: قليل الادب، متهاون بالناس لا يرى لاحد عليه حقا، كثير الكلام، كثير الاكل، نؤم، يجلس فى غير موضعه.

و اما فى ثوبه، فكقولك: انه واسع الكم، طويل الذيل، وسخ الثياب و نحو ذلك.

______________________________

و لا يجتنب من النجاسات، ليس بارا بوالديه، لا يحرس نفسه من الغيبة) بان يقولها او يسمعها (و التعرض لاعراض الناس) بل حتى اذا كان ذلك الفعل او الترك مكروها او مستحبا، نحو كثير النوم، كسول، بطال، او تارك لصلاة الليل، لا يقنت فى صلاته، لا يحسن معاشرة اهله، و ما اشبه.

(و اما افعاله المتعلقة بالدنيا، فكقولك: قليل الادب، متهاون بالناس، لا يرى لاحد عليه حقا، كثير الكلام، كثير الاكل، نؤم) على وزن فعول بمعنى كثير النوم (يجلس فى غير موضعه) بل و لو كان ذلك مستحبا شرعا، و لكن كان نقصا عرفا، نحو مكتحل، مخضب اللحية، كثير التنوير، كثير الطروقة، محب النساء، اى لزوجاته.

(و اما فى ثوبه، فكقولك: انه واسع الكم، طويل الذيل) اى ما يقابل الرجل من الثوب (وسخ الثياب، و نحو ذلك).

و الانصاف انه ان جعلنا الميزان «ما يكره» و جعلنا نفسنا مرآة للغير، بان علمنا ان ما يسبب كراهتنا يسبب كراهة الغير، كان اللازم السكوت الا عن خير.

ص: 47

ثم ان ظاهر النص و ان كان منصرفا إلى الذكر باللسان لكن المراد به حقيقة الذكر، فهو مقابل الاغفال.

فكل ما يوجب التذكر للشخص من القول و الفعل و الاشارة و غيرها فهو ذكر له

______________________________

و لا يخفى: ان قول السوء فى الناس بالإضافة إلى انه حرام مما يسبب هدم مروة الانسان، و يظهر دناءة نفسه، و انه منطو على اللوم و الحقد.

و ما اجعل كلمة المسيح عليه السلام- الشاملة لجميع انواع الإساءة الى الغير- فانه عليه السلام كان يسيح مع تلاميذ له، فمروا بجماعة من اليهود، فقالوا فيه شرا، فقال عليه السلام: فيهم خيرا، فقال تلاميذه- معترضين- كيف تقول فيهم الخير؟ و قد نالوا منك، فقال المسيح كلمته العظيمة «كل ينفق ما عنده».

(ثم ان ظاهر النص و ان كان منصرفا إلى الذكر باللسان) بل هو صريح قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ذكرك (لكن المراد به) بقرينة الحكم و الموضوع و التعليل المذكور فى بعض الروايات، بل ما قاله النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لعائشة حين اشارت إلى قصيرة بيدها اشارة تدل على قصرها اغتبتيها- كما فى جامع السعادات- (حقيقة الذكر) و هو ما يوجب التذكر، لا منصرف الذكر فقط، و هو التلفظ (فهو مقابل الاغفال) لا مقابل الاشارة.

(فكل ما يوجب التذكر للشخص من القول و الفعل و الاشارة و غيرها) كالكتابة (فهو ذكر له) بل قوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ، و قوله: إِنَّ

ص: 48

و من ذلك المبالغة فى تهجين المطلب الّذي ذكره بعض المصنفين بحيث يفهم منها الازراء بحال ذلك المصنف.

فان قولك: ان هذا المطلب بديهى البطلان تعريض لصاحبه، بانه لا يعرف

______________________________

الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ، شامل لهذه الاقسام، بدون الاحتياج الى المناط و القرينة.

و قد روى المؤرخون ان الحكم كان يمشى خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مشية يقلده فيها، فنظر إليه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذات مرة، و قال: ابق على هذه الحالة، فبقى إلى ان مات، فلم يكن يتمكن ان يمشى الا كالعرنجل.

كما ان من المشهور ان احد اولاد الائمة عليهم السلام استجار ببيت فى احدى قرى ايران- خوفا من اطلاع الظالمين عليه، و لما عقبه اعوان الحكومة اشار احد المطلعين بحاجبه إلى ذلك البيت، فأخذ و قتل و بقيت مراسم الاشارة فى حاجب المشير و عينه، بل جرى ذلك الاعوجاج فى نسله.

(و من ذلك) الاغتياب او من ذلك التأشير الّذي هو داخل فى موضوع «الذكر» (المبالغة فى تهجين) و تقبيح (المطلب الّذي ذكره بعض المصنفين) او قاله بعض القائلين (بحيث يفهم منها) اى من تلك المبالغة (الازراء بحال ذلك المصنف) او القائل.

(فان قولك: ان هذا المطلب بديهى البطلان، تعريض لصاحبه، بانه لا يعرف

ص: 49

البديهيات، بخلاف ما اذا قيل انه مستلزم لما هو بديهى البطلان، لان فيه تعريضا بان صاحبه لم ينتقل إلى الملازمة بين المطلب، و بين ما هو بديهى البطلان و لعل الملازمة نظرية.

و قد وقع من بعض الاعلام بالنسبة إلى بعضهم ما لا بد له من الحمل و التوجيه اعوذ بالله من الغرور و اعجاب المرء بنفسه و

______________________________

البديهيات) و ذلك اغتياب حرام، او اهانة و تحقير محرم (بخلاف ما اذا قيل انه) اى كلامه (مستلزم لما هو بديهى البطلان، لان فيه تعريضا) و اشارة (بان صاحبه لم ينتقل إلى الملازمة بين المطلب، و بين ما هو بديهى البطلان) و عدم الانتقال ليس عيبا و تنقيصا، و انما هو كاشكال كل طرف إلى الآخر، بابطال ما يقوله و تأديه بابطال مطلبه غير محرم اذا لم يكن المبطل بقصد الايذاء و انما بقصد اظهار الحق (و لعل الملازمة نظرية)

هذا وجه عدم كون قوله «مستلزم» موجبا للتعريض، اذ لا يلزم ان يعرف الشخص كل النظريات حتى اذا قيل عنه انه لا يعرف الامر النظرى الفلانى يكون اهانة و تحقيرا له.

(و قد وقع من بعض الاعلام بالنسبة إلى بعضهم) كابن ادريس بالنسبة إلى الشيخ، و المحقق بالنسبة إلى ابن ادريس، و بعض العلماء بالنسبة إلى الصدوق في قوله: بسهو النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، الى غير ذلك (ما لا بد له من الحمل و التوجيه) و الا يكون بظاهره تنقيصا و تخفيفا للمؤمن (اعوذ بالله من الغرور و اعجاب المرء بنفسه) فيرى نفسه فوق الآخرين، و لذا يستخف بهم و يهينهم فى كتابة او كلام او اشارة (و

ص: 50

حسده على غيره و الاستيكال بالعلم.

ثم ان دواعى الغيبة كثيرة، روى عن مولانا الصادق عليه السلام التنبيه عليها اجمالا، بقوله عليه السلام: اصل الغيبة تتنوع بعشرة انواع شفاء غيظ، و مساعدة قوم، و تصديق خبر بلا كشف، و تهمة و سوء ظن، و حسد، و سخرية

______________________________

حسده على غيره) فلا يتمكن ان يرى غيره ارقى منه، و لذا يأخذ من الحط عن قدره (و الاستيكال بالعلم) بان يتكل على علم نفسه، فيزدرى بالآخرين.

(ثم ان دواعى الغيبة كثيرة، روى عن مولانا الصادق عليه السلام التنبيه عليها اجمالا، بقوله عليه السلام: اصل الغيبة تتنوع بعشرة انواع) و هى الامور التى تسبب الغيبة، و تسبب ان يغتاب الانسان غيره.

(1) (شفاء غيظ) و غضب على انسان.

(2) (و مساعدة قوم) على آخرين فينتصر من القوم الآخر انتصارا لقوم يريد نصرتهم.

(3) (و تصديق خبر بلا كشف) عن حقيقته، فينسب إلى زيد مثلا ما سمعه بدون أن يستخبر، هل صحيح ما سمع، أم لا.

(4) (و تهمة) بان يتهم انسانا بريئا.

(5) (و سوء ظن) كان يتكلم زيد مع امرأة فيظن انه يريد الزناء فيقول هذا الكلام بدون ان يعلم الواقع- و انها كانت زوجة زيد-.

(6) (و حسد) كان يحسد عالما فيريد الانتقاص منه باغتيابه.

(7) (و سخرية) بان يستهزئ به بذكره بما يكره تفكها.

ص: 51

و تعجيب، و تبرم، و تزيّن، الخبر.

ثم ان ذكر الشخص قد يتضح كونها غيبة، و قد يخفى على النفس لحب او بغض، فيرى انه لم يغتب و قد وقع فى اعظمها.

______________________________

(8) (و تعجيب) بان يريد ان يثير عجب الناس بذكر نقائص المؤمن كان يقول عنه انه يأكل كل مرة خمسة ارطال من الطعام.

(9) (و تبرم) اى يريد اظهار ضجره و برمه بفعل شخص، كأن يقول:

يأتى زيد عندى و يتكلم بالاباطيل و يأخذ من وقتى.

(10) (و تزين) بان يريد بيان صلاح نفسه فيفسد الآخرين، كان يقول نحن لا نعرف اكل اموال الناس، و انما يعرفه زيد، الى غير ذلك من الامثلة.

و هناك اقسام اخر يمكن ادخالها فى الاقسام السابقة إلى آخر (الخبر) و لم نتمه اختصارا.

(ثم ان ذكر الشخص قد يتضح كونها غيبة، و قد يخفى على النفس) اى على الانسان الّذي يستغيب ان كلامه غيبة (لحب) للطرف المقابل، كان يحب زيدا فاذا زلت قدمه قال تأسفا: زيد لا عقل له لا يتمكن ان يدير نفسه فانه غيبة لا تجوز، قد وقع فيها لحبه زيدا (او بغض) كان يقول ذلك عن زيد بغضا و حنقا عليه (فيرى انه لم يغتب و قد وقع فى اعظمها) و كونه اعظم باعتبار انه يرى ان كلامه ليس بغيبة، و الحال انه غيبة.

و من المعلوم: ان الغيبة المجهولة اخطر من الغيبة المعلومة، لان المتدين يجتنب عن المعلومة فلا يقع فى معصيتها، بخلاف المجهولة.

ص: 52

و من ذلك ان الانسان قد يغتم بسبب ما يبتلى به اخوه فى الدين، لاجل امر يرجع إلى نقص فى فعله او رأيه فيذكر المغتم فى مقام التأسف عليه، بما يكره ظهوره للغير، مع انه كان يمكنه بيان حاله للغير، على وجه لا يذكر اسمه ليكون قد احرز ثواب الاغتمام على ما اصاب المؤمن.

لكن الشيطان يخدعه و يوقعه فى ذكر الاسم.

______________________________

(و من ذلك) الاغتياب المحرم الّذي يقع الانسان فيه حبا للطرف المقابل (ان الانسان قد يغتم) و يحزن (بسبب ما يبتلى به اخوه فى الدين) و كان الابتلاء (لاجل امر يرجع إلى نقص فى فعله او رأيه) كان لم يسق بستانه فتلف، او ظن ان الطبيب الفلانى احسن الاطباء فسبب عماه (فيذكر) المتكلم (المغتم) الشخص المبتلى (فى مقام التأسف عليه، بما يكره) المبتلى (ظهوره) اى ظهور ابتلائه (للغير، مع انه كان يمكنه بيان حاله للغير، على وجه لا يذكر اسمه) كان يقول: ابتلى احد اصدقائنا بالمصيبة الفلانية لنقص فى رأيه او عمله (ليكون قد احرز ثواب الاغتمام على ما اصاب المؤمن) و يستجلب دعاء الاخوان لاخيه المبتلى.

(لكن الشيطان يخدعه و يوقعه فى ذكر الاسم) حتى يكون عاصيا عوض ان يكون مثيبا.

و من غريب الامر ان الاغتياب كثر حتى فى الاوساط المتدينة، و قد ذهب كبر جرمه، حتى كانه امر عادى، و قد يتورع احدهم فيجبر ذلك بلفظ الاستغفار، و ما اشبه، نسأل اللّه العصمة، و يتذكر المغتاب- بالكسر قول الشاعر:

ص: 53

بقى الكلام فى انه هل يعتبر فى الغيبة حضور مخاطب عند المغتاب او يكفى ذكره عند نفسه.

ظاهر الاكثر الدخول كما صرح به بعض المعاصرين.

نعم ربما يستثنى من حكمها عند من استثنى______________________________

لسانك لا تبدى به سوأة امرئ فكلك سوءات و للناس السن و عينك ان اهدت أليك معايبا من الناس قل يا عين للناس اعين

(بقى الكلام فى انه هل يعتبر فى الغيبة حضور مخاطب عند المغتاب) حالا او مستقبلا، كما لو تكلم فى المسجل مما يسمعه الغير، او كتب الغيبة فى مثل الجرائد.

و اما التكلم فى الراديو و التلفزيون و التلفون فلا اشكال فى انها من الغيبة (او يكفى ذكره عند نفسه) بحيث لا يسمعه احد.

(ظاهر الاكثر الدخول) اى دخول هذا القسم فى الغيبة، فلا يشترط حضور مخاطب له (كما صرح به بعض المعاصرين) و لعله لصدق «ذكرك اخاك» فان الذكر يطلق على ما اذا لم يكن هناك سامع، بالإضافة إلى بعض الحكم من مثل تنزيه اللسان عن ذكر الغير بالسوء، و حفظ النفس عن الوقيعة فى الآخرين، و ما اشبه.

(نعم ربما يستثنى من حكمها) اى حكم الغيبة الّذي هو الحرمة و ان كان داخلا في الغيبة موضوعا (عند من استثنى) هذا الفرد- و هو صورة عدم حضور المخاطب- عن الحكم بالحرمة، يعنى ان الّذي يقول بدخول الذكر منفردا فى موضوع الغيبة، و لكنه يستثنيه من حكمها- الّذي هو

ص: 54

ما لو علم اثنان صفة شخص، فيذكر احدهما بحضرة الآخر.

و اما على ما قويناه من الرجوع فى تعريف الغيبة إلى ما دل عليه المستفيضة المتقدمة من كونها هتك ستر مستور، فلا يدخل ذلك فى الغيبة.

و منه يظهر أيضا انه لا يدخل فيها ما لو كان الغائب مجهولا عند المخاطب، مرددا بين اشخاص غير محصورة، كما اذا قال: جاءني اليوم رجل

______________________________

الحرمة- يقول باستثناء صورة وجود المخاطب العالم أيضا عن حكم الغيبية، و ان كان داخلا فى موضوعها كما (ما لو علم اثنان) او اكثر (صفة شخص، فيذكر احدهما بحضرة الآخر) فانه و ان كان داخلا في الموضوع لكنه خارج عن الحكم- اى الحرمة-.

و قوله «ما» فاعل «يستثنى».

و انما جاء المصنف ره بلفظ «نعم» للدلالة على ان من يشترط حضور المخاطب، لا يقول بان حضور المخاطب موجب للحرمة مطلقا، و انما يقول بالحرمة اذا كان المخاطب غير عالم بالوصف الّذي يقوله المتكلم.

(و اما على ما قويناه) سابقا (من الرجوع فى تعريف الغيبة إلى ما دل عليه المستفيضة المتقدمة) كصحيحة محمد ابن سنان، و غيرها (من) ما دل على ان الغيبة اذاعة السر، و (كونها هتك ستر مستور، فلا يدخل ذلك) الذكر بدون المخاطب، او مع مخاطب عالم بما يقوله المتكلم (فى الغيبة).

(و منه) اى مما ذكرنا من انها هتك الستر (يظهر أيضا انه لا يدخل فيها) اى فى الغيبة (ما لو كان الغائب) المغتاب- بالفتح- (مجهولا عند المخاطب، مرددا بين اشخاص غير محصورة، كما اذا قال: جاءني اليوم رجل

ص: 55

بخيل دنى ء ذميم.

فان ظاهر تعريف الاكثر دخوله، و ان خرج عن الحكم بناء اعلى اعتبار التأثير عند السامع.

و ظاهر المستفيضة المتقدمة عدم الدخول.

نعم لو قصد المذمة و التعيير، حرم من هذه الجهة، فيجب على السامع نهى المتكلم عنه الا اذا احتمل ان يكون الشخص متجاهرا بالفسق فيحمل فعل المتكلم على الصحة، كما سيجي ء فى مسئلة الاستماع.

______________________________

بخيل دنئ ذميم) و ذلك لانه لا يصدق عليه انه هتك ستر مستور.

(فان ظاهر تعريف الاكثر) ان الغيبة: ذكرك اخاك ما يكره، و ما اشبه (دخوله) فى موضوع الغيبة (و ان خرج عن الحكم) فلا حرمة فيه (بناء على) كون الحرمة منوطة ب (اعتبار التأثير عند السامع).

فحيث لا تأثير لا حرمة، و من المعلوم ان المجهول ذكره لا يتأثر السامع به.

(و ظاهر المستفيضة المتقدمة) كصحيحة ابن سنان، انه هتك الستر (عدم الدخول) فى موضوع الغيبة.

(نعم لو قصد المذمة و التعيير، حرم من هذه الجهة) ان لم نقل بانصراف ادلة المذمة و التعيير عن المجهول أيضا، و الا فلا حرمة من هذه الجهة أيضا (فيجب على السامع) فى صورة الحرمة (نهى المتكلم عنه الا اذا احتمل) السامع (ان يكون الشخص) الّذي يذمه المتكلم (متجاهرا بالفسق، فيحمل فعل المتكلم على الصحة، كما سيجي ء فى مسئلة الاستماع).

ص: 56

و الظاهر ان الذم و التعيير المجهول العين لا يجب الردع عنه مع كون الذم و التعيير فى موقعهما، بان كان مستحقا لهما و ان لم يستحق مواجهته بالذم، او ذكره عند غيره بالذم.

هذا كله لو كان الغائب المذكور مشتبها على الاطلاق.

______________________________

لكن بنائهم على ان المحرم الاولى لا يمكن حال فعل المسلم فيه على الصحة، الا اذا قام دليل على الاستثناء.

مثلا: لو شرب انسان الخمر، او اراد بيع الوقف الذرى، او افطر فى شهر رمضان، او ما اشبه لا يترك و شانه من جهة حمل فعله على الصحيح بل يجب نهى الاول، و ردع الثالث، و عدم الاشتراء من الثانى، الا اذا قام الدليل على ان ما يفعله لاضطرار او مرض او طروّ جواز بيع الوقف.

(و الظاهر ان الذم و التعيير المجهول العين) ان قلنا بحرمته فى الجملة- كما اختاره الشيخ- (لا يجب الردع عنه) من السامع (مع كون الذم و التعيير فى موقعهما، بان كان) المقول فيه (مستحقا لهما) كما لو أنه اخذ المتكلم يعير من يسيئ الخلق، مع عدم ذكره لاسمه، فان تعيير مثله صحيح جائز (و ان لم يستحق مواجهته بالذم) اذ لا يجوز ذم المؤمن فى وجهه اذا لم يرتكب المنكر (او ذكره عند غيره بالذم) لانه غيبة او تعيير للمؤمن المعلوم، و هو غير جائز.

(هذا) الكلام (كله) حول غيبة الانسان المجهول فيما (لو كان الغائب المذكور) بالذم و الغيبة (مشتبها على الاطلاق) بان لم يكن منحصرا فى معدود.

ص: 57

اما لو كان مرددا بين اشخاص، فان كان بحيث لا يكره كلهم ذكر واحد مبهم منهم، كان كالمشتبه على الاطلاق، كما لو قال: جاءني عجمى او عربى كذا و كذا، اذا لم يكن بحيث يكون الذم راجعا إلى العنوان، كان يكون فى المثالين تعريض إلى ذم تمام العجم او العرب و ان كان بحيث يكره كلهم ذكر واحد مبهم منهم، كان يقول: احد ابنى زيد، او احد اخويه كذا و كذا.

ففى كونه اغتيابا لكل منهما، لذكرهما بما يكرهانه من التعريض لاحتمال كونه هو المعيوب.

______________________________

(اما لو كان مرددا بين اشخاص) معدودين (فان كان بحيث لا يكره كلهم ذكر واحد مبهم منهم) بالذم (كان كالمشتبه على الاطلاق) فى عدم الحرمة (كما لو قال: جاءني عجمى او عربى كذا و كذا، اذا) اراد ذم الفرد بما هو فرد، بان (لم يكن بحيث يكون الذم راجعا إلى العنوان، كان يكون فى المثالين) العربى و العجمى (تعريض إلى ذم تمام العجم او العرب) و الاحرم قطعا، بل كان اشد حرمة من الذم لشخص خاص.

و منه يعلم ان ما يقوله البعض- احيانا- من ذكر بعض هذه الالفاظ العرب و العجم، تعريضا بتلك الامة من المحرمات المقطوعة (و ان كان بحيث يكره كلهم ذكر واحد مبهم منهم، كان يقول: احد ابنى زيد، او احد اخويه كذا و كذا) او احد اهل المدرسة الفلانية.

(ففى كونه اغتيابا لكل منهما، لذكرهما بما يكرهانه من التعريض) لكل واحد منهما معرض ذلك الذم (لاحتمال كونه هو المعيوب).

ص: 58

و عدمه لعدم تهتك ستر المعيوب منهما، كما لو قال احد اهل البلد الفلانى كذا و كذا، و ان كان فرق بينهما من جهة كون ما نحن فيه محرما من حيث الإساءة إلى المؤمن بتعريضه للاحتمال دون المثال، او كونه اغتيابا للمعيوب الواقعى منهما و إساءة بالنسبة إلى غيره لانه تهتك بالنسبة إليه، لانه اظهار فى الجملة لعيبه بتقليل مشاركه فى احتمال

______________________________

(و عدمه) اى عدم كونه غيبة اصلا (لعدم تهتك ستر المعيوب منهما) اذ لم يعرف السامع ان ايهما المعيوب فهو (كما لو قال: احد اهل البلد الفلانى كذا و كذا، و ان كان فرق بينهما) اى بين نسبة الذم إلى احد الشخصين، و بين نسبة الذم إلى احد اهل البلد (من جهة كون ما نحن فيه) من النسبة إلى احدهما (محرما من حيث الإساءة إلى المؤمن بتعريضه للاحتمال).

فانه كما يحرم ان يقول الانسان زيد شارب الخمر، كذلك يحرم ان يقول زيد او عمرو يشرب الخمر، بل لو قال: احد اهل المدرسة، كان حراما، لانه عرض كل فرد للاحتمال.

و مثله ما لو قال: يحتمل ان يشرب زيد، فانه و ان لم يكن جزما لكنه إساءة (دون المثال) لانه لا يعد عرفا إساءة إلى احد، و لذا لو سمع احد اهالى البلد ذلك، لا يراه اهانة له (او كونه اغتيابا للمعيوب الواقعى منهما و إساءة بالنسبة إلى غيره).

اما كونه اغتيابا للمعيوب الواقعى (لانه تهتك بالنسبة إليه) و اذاعة سره (لانه اظهار فى الجملة لعيبه) و ذلك (بتقليل مشاركه فى احتمال

ص: 59

العيب فيكون الاطلاع عليه قريبا.

و اما الآخر، و قد اساء بالنسبة إليه حيث عرّضه لاحتمال العيب وجوه.

قال فى جامع المقاصد و يوجد فى كلام بعض الفضلاء: ان من شرط الغيبة ان يكون متعلقها محصورا، و الا فلا تعد غيبة، فلو قال عن اهل بلدة غير محصورة: ما لو قاله عن شخص واحد، كان غيبته لم يحتسب غيبة، انتهى.

اقول: ان اراد ان ذم جمع غير محصور لا

______________________________

العيب) فانه لو قال: احد اهل البلد كان شركائه فى الاحتمال عشرة آلاف، و الآن صار شركائه واحدا فقط، لان المتكلم قال: احد ابنى زيد مثلا (فيكون الاطلاع) من السامع (عليه) و انه هو خالد الشارب لا اخوه خويلد (قريبا).

(و اما) كونه إساءة بالنسبة إلى (الآخر، و) لانه (قد اساء بالنسبة إليه حيث عرضه لاحتمال العيب وجوه) خبر قوله «ففى كونه اغتيابا».

(قال فى جامع المقاصد و يوجد فى كلام بعض الفضلاء: ان من شرط) صدق (الغيبة ان يكون متعلقها محصورا، و الا فلا تعد غيبة، فلو قال عن) واحد من (اهل بلدة غير محصورة؛ ما لو قاله عن شخص واحد) معلوم كزيد- (كان) القول عن الشخص الواحد المعلوم (غيبته لم يحتسب) ما قاله عن واحد من اهل البلدة (غيبة) لانه مجهول (انتهى) كلام جامع المقاصد.

(اقول: ان اراد ان ذم جمع غير محصور) كذم كل اهل البلد، ف (لا

ص: 60

تعد غيبة، و ان قصد انتقاص كل منهم، كما لو قال: اهل هذه القرية او هذه البلدة كلهم كذا و كذا، فلا اشكال فى كونها غيبة محرمة.

و لا وجه لاخراجه عن موضوعها، او حكمها.

و ان اراد ان ذم المردد بين غير المحصور لا تعد غيبة فلا بأس، كما ذكرنا و لذا ذكر بعض، تبعا لبعض الاساطين فى مستثنيات الغيبة ما لو علق الذم بطائفة او اهل بلدة او اهل قرية، مع قيام القرينة على عدم

______________________________

تعد غيبة، و ان قصد انتقاص كل منهم، كما لو قال: اهل هذه القرية او هذه البلدة كلهم كذا و كذا، فلا اشكال فى) عدم استقامة كلامه و (كونها غيبة محرمة) قطعا.

(و لا وجه لاخراجه عن موضوعها) بدعوى ان الدليل منصرف عرفا عن مثل ذلك (او حكمها) بانها و ان كانت غيبة لكنها ليست بمحرمة.

و على هذا فما اعتاده اهل التاريخ من ذكر الصفات الذميمة لاهل البلاد يكون داخلا فى الغيبة المحرمة.

اللهم الا ان يقال: انها محرمة للاهانة، و ليست بغيبة، لانه ليس كشف الستر و انما هو اعلام الشي ء الواضح.

(و ان اراد ان ذم المردد بين غير المحصور لا تعد غيبة) و لعل هذا هو الظاهر، و لذا فسرناه بهذا التفسير عند قوله «فلو قال» الخ (فلا بأس) بكلامه (كما ذكرنا) لانصراف الادلة عن مثله.

(و لذا ذكر بعض، تبعا لبعض الاساطين فى مستثنيات الغيبة ما لو علق الذم بطائفة او اهل بلدة او اهل قرية) او ما اشبه (مع قيام القرينة على عدم

ص: 61

إرادة الجميع، كذم العرب او العجم، او اهل الكوفة او البصرة، و بعض القرى، انتهى.

و لو اراد الاغلب ففى كونه اغتيابا لكل منهم و عدمه، ما تقدم فى المحصور.

و بالجملة فالمدار فى التحريم غير المدار فى صدق الغيبة، و بينهما عموم من وجه

الثانى فى كفارة الغيبة الماحية لها

و مقتضى كونها من حقوق الناس توقف رفعها إلى

______________________________

إرادة الجميع، كذم العرب او العجم، او اهل الكوفة او البصرة، و بعض القرى، انتهى) فانه حيث لا يريد الا البعض لم يكن غيبة للجميع، و لا للبعض لان الجميع غير مراد، و البعض غير معلوم.

نعم لو اراد الجنس كان محرما، لانه بقوة اغتياب الجميع.

(و لو اراد) المتكلم بذم الجميع (الاغلب) او النصف مثلا، او ما اشبه مما يجعله كالواحد فى ضمن المحصور (ففى كونه اغتيابا لكل منهم و عدمه، ما تقدم فى المحصور) من الاحتمالات الثلاثة.

(و بالجملة فالمدار فى التحريم غير المدار فى صدق الغيبة، و بينهما عموم من وجه).

فالغيبة المحرمة كشف الستر عند من لا يعلم، و الغيبة المحللة موارد الاستثناء، و المحرم غير الغيبة، كالذم عند مخاطب يعلم بذلك.

الامر (الثانى) مما يبحث عنه فى مبحث الغيبة (فى كفارة الغيبة الماحية لها) حتى يأمن الانسان عن عاقبتها حسب الادلة.

(و مقتضى كونها من حقوق الناس توقف رفعها) و البراءة منها (الى

ص: 62

اسقاط صاحبها.

اما كونها من حقوق الناس فلانه ظلم على المغتاب.

و للاخبار فى ان من حق المؤمن على المؤمن ان لا يغتابه، و ان حرمة عرض المسلم كحرمة دمه و ماله.

و اما توقف رفعها على ابراء ذى الحق، فللمستفيضة المعتضدة بالاصل.

منها: ما تقدم من ان الغيبة لا تغفر حتى يغفر صاحبها.

______________________________

اسقاط صاحبها) لحقه كما ان مقتضى كونها عصيانا لله سبحانه التوبة و الاستغفار، كالسرقة التى يجب على السارق التوبة، بالإضافة إلى الخروج عن حق الناس.

(اما كونها من حقوق الناس فلانه ظلم على المغتاب) بالفتح.

(و) قد ورد فى الروايات ما يدل على كونه حقا (للاخبار فى ان من حق المؤمن على المؤمن ان لا يغتابه، و ان حرمة عرض المسلم) الشامل لسره (كحرمة دمه و ماله) و حيث ان المال و الدم من الحقوق، فكذلك العرض بقرينة السياق.

(و اما توقف رفعها) اى هذا الحق (على ابراء ذى الحق، فللمستفيضة المعتضدة بالاصل) اى اصالة ان حق كل ذى حق لا يؤدّى الا بقبول ذى الحق، فانه مقتضى كونه حقا لغيره.

ف (منها) اى من الروايات المستفيضة (ما تقدم من ان الغيبة لا تغفر حتى يغفر صاحبها) فيما روى عن النبي صلى الله عليه و آله و سلّم.

ص: 63

و منها: ما حكاه غير واحد عن الشيخ الكراجكى، بسنده المتصل إلى على بن الحسين عليهما السلام، عن ابيه عن امير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم: للمؤمن على اخيه ثلاثون حقا، لا براءة له منها إلا بأدائها، او العفو- الى ان قال- سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: ان احدكم ليدع من حقوق اخيه شيئا فيطالبه به يوم القيمة، و يقضى له عليه.

و النبوى المحكى فى السرائر و كشف الريبة من كانت لاخيه عنده مظلمة فى عرض

______________________________

(و منها: ما حكاه غير واحد عن الشيخ الكراجكى، بسنده المتصل إلى على بن الحسين عليهما السلام، عن ابيه) عليه السلام (عن امير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: للمؤمن على اخيه ثلاثون حقا، لا براءة له منها) اى من تلك الحقوق (الا بادائها، او العفو- الى ان قال- سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: ان احدكم ليدع من حقوق اخيه شيئا فيطالبه به يوم القيمة، و يقضى له) اى للطالب (عليه) اى على المطلوب.

و قد عد النبي صلى الله عليه و آله و سلم من تلك الحقوق «ستر عورة الاخ» و المراد عدم كشف ستره.

و معنى «الاداء» ان يستر العورة.

و معنى «العفو» انه اذ كشف العورة يعفو عنه.

(و النبوى المحكى فى السرائر و كشف الريبة من كانت لاخيه عنده مظلمة فى عرض) كان هتك ستره، و اغتابه- مثلا-

ص: 64

او مال، فليستحللها من قبل ان يأتى يوم ليس هناك درهم و لا دينار، فيؤخذ من حسناته فان لم يكن له حسنات اخذ من سيئات صاحبه فيتزايد على سيئاته.

و فى نبوى آخر من اغتاب مسلما او مسلمة لم يقبل الله صلاته و لا صيامه اربعين يوما و ليلة، الا ان يغفر له صاحبه.

و فى دعاء التاسع و الثلاثين من ادعية الصحيفة السجادية.

______________________________

(او مال) بان اكل ماله بالباطل (فليستحللها من قبل ان يأتى يوم ليس هناك درهم و لا دينار، فيؤخذ من حسناته) اى تعطى للطالب عوض حقه (فان لم يكن له حسنات اخذ من سيئات صاحبه) الّذي اغتابه- اى المطالب- (فيتزايد على سيئاته) اى سيئات المطلوب.

و من المعلوم: انه لو لم يكن للمغتاب- بالكسر- حسنات و للمغتاب بالفتح- سيئات، كما لو اغتاب كافر الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم عوضه الله سبحانه حسنات من فضله، لئلا يبطل حقه، كما عاقب المغتاب بالكسر- لعدله.

(و فى نبوى آخر من اغتاب مسلما أو مسلمة لم يقبل الله صلاته و لا صيامه اربعين يوما و ليلة) بمعنى عدم الثواب عليهما، لا عدم الصحة حتى تحتاج إلى الاعادة و القضاء (الا ان يغفر له صاحبه) بان يعفو عنه.

(و فى دعاء التاسع و الثلاثين من ادعية الصحيفة السجادية) و فيه قوله عليه السلام «و ايما عبد من عبيدك ادركه منى درك، او مسّه من ناحيتى اذى، او لحقه بى او بسببى ظلم، ففته بحقه او سبقته بمظلمته،

ص: 65

و دعاء يوم الاثنين من ملحقاتها ما يدل على هذا المعنى أيضا.

و لا فرق فى مقتضى الاصل و الاخبار بين التمكن من الوصول إلى صاحبه و تعذره، لان تعذر البراءة لا يوجب سقوط الحق، كما فى غير هذا المقام.

______________________________

فصل على محمد و آل محمد و ارضه عنى من وجدك، و اوفه حقه من عندك» فان المستفاد من هذه الفقرة ان التخلص من تبعة الغيبة ارضاء المغتاب بالفتح- كما لو قلت: ارض زيدا، فان المستفاد منه ان المطلوب ارضائك لزيد بنفسك او بوكيلك.

(و دعاء يوم الاثنين من ملحقاتها) و هو قوله عليه السلام: و أسألك فى مظالم عبادك عندى، بضميمة ما هو معلوم من وجوب رد المظالم إلى اهلها، او اسقاط اهلها لها عن كاهل مرتكب المظلمة.

و على كل ففى هذين الدعائين (ما يدل على هذا المعنى) الّذي هو لزوم ارضاء المغتاب- بالفتح- (أيضا) كما يدل على هذا المعنى الاخبار المتقدمة.

(و) على هذا ف (لا فرق فى مقتضى الاصل و الاخبار بين التمكن من الوصول إلى صاحبه) الّذي اغتابه (و تعذره) لاطلاق الادلة الشامل للحالين.

و احتمال السقوط فى صورة التعذر غير تام (لان تعذر البراءة لا يوجب سقوط الحق، كما فى غير هذا المقام) من الديون و ما اشبه.

ص: 66

لكن روى السكونى عن ابى عبد الله عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ان كفارة الاغتياب ان تستغفر لمن اغتبته، كلما ذكرته.

و لو صح سنده امكن تخصيص الاطلاقات المتقدمة به، فيكون الاستغفار طريقا أيضا إلى البراءة.

مع احتمال العدم أيضا، لان كون الاستغفار كفارة لا يدل على البراءة فلعله كفارة للذنب، من حيث كونه حقا لله تعالى، نظير كفارة قتل الخطأ التى

______________________________

(لكن روى السكونى عن ابى عبد الله عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ان كفارة الاغتياب ان تستغفر لمن اغتبته، كلما ذكرته) فانه يدل على عدم وجوب طلب العفو من المغتاب- بالفتح- سواء تمكن من ذلك، أم لا.

(و لو صح سنده امكن تخصيص الاطلاقات المتقدمة) الدالة على وجوب طلب العفو (به) بان نقول: الواجب طلب العفو الا فى صورة الاستغفار لمن اغتابه، كلما ذكره (فيكون الاستغفار طريقا أيضا إلى البراءة) من تبعة ذنب الغيبة.

(مع احتمال العدم) اى عدم كون الاستغفار طريقا إلى البراءة (أيضا) فلا يدل خبر السكونى على ذلك.

و معنى «أيضا» اى يحتمل الدلالة، و يحتمل عدم الدلالة (لان كون الاستغفار كفارة لا يدل على البراءة، فلعله كفارة للذنب، من حيث كونه حقا لله تعالى، نظير كفارة قتل الخطأ) و هو الصيام و الاطعام و العتق (التى

ص: 67

لا توجب براءة القاتل، الا ان يدعى ظهور السياق فى البراءة.

قال فى كشف الريبة بعد ذكر النبويين الاخيرين المتعارضين.

و يمكن الجمع بينهما بحمل الاستغفار له على من لم يبلغ غيبته المغتاب فينبغى له الاقتصار على الدعاء و الاستغفار لان فى محالته اثارة للفتنة و جلبا للضغائن.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 3، ص: 68

و فى حكم من لم يبلغه من لم يقدر على الوصول إليه لموت او غيبة

______________________________

لا توجب) هذه الكفارة (براءة القاتل) و انما يبرأ اذا اعطى الدية للمقتول.

ففى الغيبة حقان، حق لله تعالى يقتضي الاستغفار، و حق للمغتاب بالفتح- يقتضي الاستبراء منه (الا ان يدعى ظهور السياق) فى رواية السكونى (فى البراءة) المطلقة عن حق الله و حق الآدمى بالاستغفار- و لا يبعد هذا الظهور-.

(قال فى كشف الريبة بعد ذكر النبويين الاخيرين المتعارضين) من حيث ان احدهما يدل على كون الكفارة الاستبراء، و الآخر يدل على كون الكفارة الاستغفار.

(و يمكن الجمع بينهما بحمل الاستغفار له) اى للمغتاب- بالفتح (على من لم يبلغ غيبته المغتاب) بالفتح (فينبغى له الاقتصار على الدعاء و الاستغفار) لا الاستحلال (لان فى محالته) اى طلب الحلية منه (اثارة للفتنة و جلبا للضغائن) جمع ضغينة، بمعنى الحقد و العداوة الكامنة.

(و فى حكم من لم يبلغه من لم يقدر على الوصول إليه لموت او غيبة) او ما اشبه

ص: 68

و حمل المحالة على من يمكن التوصل إليه مع بلوغه الغيبة.

اقول: ان صح النبوى الاخير سندا فلا مانع عن العمل به بجعله طريقا إلى البراءة مطلقا فى مقابل الاستبراء.

و إلا تعين طرحه و الرجوع إلى الاصل.

و اطلاق الاخبار المتقدمة، و تعذر الاستبراء

______________________________

(و حمل) الاخبار (المحالة) اى الدالة على الاستحالة (على من يمكن التوصل إليه مع بلوغه الغيبة) و بهذا يرفع التنافى بين الخبرين.

(اقول) ما ذكره كشف الريبة من الجمع يشبه التبرع، لعدم شاهد فى الخبرين على هذا الجمع.

اللهم الا اذا صح الخبر الدال على هذا الجمع مما سيأتى، فانه (ان صح النبوى الاخير) و هو الدال على كفاية الاستغفار (سندا، فلا مانع عن العمل به بجعله طريقا إلى البراءة مطلقا) سواء تمكن المغتاب- بالكسر- من الاستحلال، أم لا.

فلا منافات بين النبويين، لان احدهما يوجب البراءة، و الآخر يجعل من انواع البراءة الاستغفار له (فى مقابل الاستبراء) اى طلب البرء و الحلية، فلا يجب الاستحلال فقط، و انما هناك الاستغفار أيضا.

(و الا) يصح سند النبوى الاخير (تعين طرحه و الرجوع إلى الاصل) الّذي يقول: بلزوم الاستحلال من كل ذى حق.

(و اطلاق الاخبار المتقدمة) الدالة على الاستبراء- بقول مطلق- (و)- ما ذكره كشف الريبة- شاهد لجمعه، من (تعذر الاستبراء) مع موت

ص: 69

او وجود المفسدة فيه لا يوجب وجود مبرأ آخر.

نعم ارسل بعض من قارب عصرنا عن الصادق عليه السلام: انك ان اغتبت، فبلغ المغتاب فاستحل منه، و ان لم يبلغه فاستغفر الله له.

و فى رواية السكونى المروية فى الكافى فى باب الظلم، عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: من ظلم احدا ففاته فليستغفر الله له، فانه كفارة له.

______________________________

المغتاب او غيبته (او وجود المفسدة فيه) فى حال حياته و حضوره، غير تام.

اذ هذه الامور (لا يوجب وجود مبرأ آخر) غير الّذي ذكره النص- من الاستحلال-.

الا ترى انه لو غاب الدائن، او مات لم تحصل البراءة بالاستغفار، و كذلك اذا كان موجودا و لكن كان فى اعطائه المال مفسدة.

(نعم ارسل بعض من قارب عصرنا) و هو النراقى فى جامع السعادات (عن الصادق عليه السلام: انك ان اغتبت، فبلغ المغتاب فاستحل منه و ان لم يبلغه فاستغفر الله له).

و بهذا يمكن الجمع بين النبويين المتعارضين، و يكون شاهدا لكلام كاشف الريبة.

(و فى رواية السكونى المروية فى الكافى فى باب الظلم، عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: من ظلم احدا ففاته فليستغفر الله له، فانه كفارة له) فانه اعم من الموت، او عدم

ص: 70

و الانصاف ان الاخبار الواردة فى هذا الباب كلها غير نقية السند.

و اصالة البراءة تقتضى عدم وجوب الاستحلال و لا الاستغفار.

و اصالة بقاء الحق الثابت للمغتاب- بالفتح- على المغتاب- بالكسر- تقتضى عدم الخروج منه الا بالاستحلال خاصة.

______________________________

القدرة، للوصول إليه و هذا أيضا شاهد جمع آخر بين النبويين، و مؤيد لما ذكره كاشف الريبة.

(و الانصاف ان الاخبار الواردة فى هذا الباب) اى باب الاستحلال و الاستغفار (كلها غير نقية السند).

(و) اذا انتهى الامر إلى الاصول العملية، ف (اصالة البراءة) عن توجه التكليف إلى المغتاب- بالكسر- (تقتضى عدم وجوب الاستحلال و لا الاستغفار) لانه تكليف لا يعلم بوجوده، و المراد بالاستغفار طلب الغفران للمغتاب- بالفتح- اما استغفار المغتاب- بالكسر- لنفسه عما صدر منه من الذنب، فلا اشكال فيه.

(و اصالة بقاء الحق الثابت للمغتاب- بالفتح- على المغتاب- بالكسر- تقتضى عدم الخروج منه) اى من ذلك الحق (الا بالاستحلال خاصة) فان الغيبة توجب حقا شرعا و عرفا على المغتاب- بالكسر-.

فاستصحاب بقائه بعد التوبة يقتضي لزوم خروجه من هذا الحق، و الاستحلال مخرج قطعا.

و اما الاستغفار فيشك فى كونه مخرجا فالاصل عدم كون الاستغفار مخرجا.

ص: 71

لكن المثبت لكون الغيبة حقا بمعنى وجوب البراءة منه ليس الا الاخبار غير نقية السند، مع ان السند لو كان نقيا كانت الدلالة ضعيفة، لذكر حقوق اخر فى الروايات، لا قائل بوجوب البراءة منها.

______________________________

(لكن) الاشكال فى الاستصحاب من جهة عدم اليقين السابق، اذ:

الاستصحاب يتوقف على اليقين بتعلق حق على المغتاب- بالكسر-.

و (المثبت لكون الغيبة حقا بمعنى وجوب البراءة منه) كالحقوق المالية و ما اشبه (ليس الا الاخبار غير نقية السند، مع ان السند لو كان نقيا كانت الدلالة) لهذه الاخبار على كونها حقا محتاجا إلى الابراء (ضعيفة) و ذلك (لذكر حقوق اخر فى الروايات، لا قائل بوجوب البراءة منها) كعيادته اذا مرض، و تشييعه اذا مات، و ما اشبه.

لا يقال: من المقرر عندهم انه اذا اشتمل الحديث على جملة فقرات اريد ببعضها خلاف الظاهر، لم يضر ذلك بالفقرات الاخر، فكيف يصرف ظاهر حق الغيبة عن معناه الحقيقى بمناسبة إرادة المجاز فى بعض الحقوق الاخر المذكورة فى الرواية.

لانه يقال: ليس استعمال الحق فى ما لا يوجب البراءة مجازا، بل هو من باب الاستعمال فى احد مصاديقه، نحو استعمال المشترك فى احد معانيه لا نحو استعمال اللفظ فى احد من الحقيقة او المجاز.

(و) ان قلت: اذا لم يكن هذه الحقوق لازمة فلما ذا يعامل مع تاركها فى يوم القيمة معاملة خاصة؟ فان ذلك قرينة على وجوب هذه الحقوق،

ص: 72

معنى القضاء يوم القيامة لذيها على من عليها المعاملة معه معاملة من لم يراع حقوق المؤمن، لا العقاب عليها، كما لا يخفى على من لاحظ الحقوق الثلاثين المذكورة فى رواية الكراجكى.

فالقول بعدم كونه حقا للناس- بمعنى وجوب البراءة- نظير الحقوق المالية لا يخلو عن قوة و ان كان الاحتياط فى خلافه، بل لا يخلو عن قرب من جهة كثرة الاخبار الدالة على وجوب الاستبراء منها، بل اعتبار سند بعضها.

______________________________

الا ما خرج، و هذا ينافى ما ذكرتم من قولكم «كانت الدلالة ضعيفة».

قلت: (معنى القضاء يوم القيامة لذيها) اى الحكم لنفع ذى الحق (على) ضرر (من عليها) هذه الحقوق- اذا لم يؤدها- (المعاملة معه معاملة من لم يراع حقوق المؤمن، لا) ان المعنى (العقاب عليها) اى على ترك هذه الحقوق (كما لا يخفى على من لاحظ الحقوق الثلاثين المذكورة فى رواية الكراجكى).

فان الظاهر منها كونها فى مقام الآداب الاسلامية، لا فى مقام الحقوق اللازمة نحو حق الشفعة و حق الحيازة و حق الجناية و ما اشبه.

(فالقول بعدم كونه حقا للناس- بمعنى وجوب البراءة-) اى حقا يجب الاستحلال منه، او الاتيان به (نظير الحقوق المالية) التى يجب الخروج منها (لا يخلو عن قوة) حسب ظاهر الادلة- كما عرفت- (و ان كان الاحتياط فى خلافه) بانها كالحقوق المالية (بل لا يخلو) هذا الامر و هو كونه كالحقوق المالية، (عن قرب، من جهة كثرة الاخبار الدالة على وجوب الاستبراء) و الاستحلال (منها، بل اعتبار سند بعضها) كرواية

ص: 73

و الاحوط الاستحلال ان تيسر، و الا فالاستغفار غفر الله لمن اغتبناه و لمن اغتابنا بحق محمد و آله الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين.

الثالث: فيما استثنى من الغيبة و حكم بجوازها بالمعنى الاعم.
اشارة

______________________________

حفص ابن عمير المروية فى الكافى، عن الصادق عليه السلام: فقد قالوا بان رجال السند كلهم ثقات عدا حفص، و يمكن تحصيل وثاقته من قرائن خارجية بالإضافة إلى انها مروية فى الكافى الّذي التزم فى اوّل كتابه بان لا يروى الا ما هو حجة بينه و بين الله تعالى.

(و الاحوط الاستحلال ان تيسر، و الا) يتيسر (فالاستغفار) للمغتاب بالفتح- (غفر الله لمن اغتبناه، و لمن اغتابنا) حتى لا يكون مؤمن معذبا لاجلنا.

و هذا مأخوذ عن الامام السجاد فى دعاء مكارم الاخلاق اللهم صل على محمد و آل محمد، و سددنى لان اعارض من غشنى بالنصح، و اجزى من هجرنى بالبر، و اثيب من حرمنى بالبذل، و اكافى من قطعنى بالصلة و اخالف من اغتابنى إلى حسن الذكر، و ان اشكر الحسنة و اغضى عن السيئة (بحق محمد و آله الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين).

و لا يخفى ان الاستحلال يكون فى بعض الاوقات ضره اقرب من نفعه فاللازم معرفة الانسان للمواضع، لئلا يقع فى حرام اشد، من جراء الاستحلال.

الامر (الثالث) من الامور المربوطة ببحث الغيبة (فيما استثنى من الغيبة و حكم بجوازها بالمعنى الاعم) اى الجواز مقابل الحرمة الشامل

ص: 74

فاعلم: ان المستفاد من الاخبار المتقدمة و غيرها ان حرمة الغيبة لاجل انتقاص المؤمن و تأذيه منه.

فاذا فرض هناك مصلحة راجعة إلى المغتاب- بالكسر- او بالفتح- او ثالث دل العقل، او الشرع على كونها اعظم من مصلحة احترام المؤمن بترك ذلك القول فيه وجب كون الحكم على طبق اقوى المصلحتين كما هو الحال فى كل معصية من حقوق الله و حقوق الناس و قد نبه عليه غير واحد.

______________________________

للوجوب- أيضا- لا الجواز بالمعنى الاخص الّذي هو احد الاحكام الخمسة.

(فاعلم: ان المستفاد من الاخبار المتقدمة و غيرها) من سائر الاخبار التى لم يذكر هنا (ان حرمة الغيبة لاجل انتقاص المؤمن و تأذيه منه) فان قوله صلى الله عليه و آله و سلم «ما يكره» دال على ذلك، و نحوه غيره.

(فاذا فرض) ان (هناك مصلحة راجعة إلى المغتاب- بالكسر- او بالفتح- او) راجعة إلى شخص (ثالث) او اثنين منهما او الثلاثة، بحيث (دل العقل، او الشرع على كونها) اى تلك المصلحة الطارئة (اعظم من مصلحة احترام المؤمن بترك ذلك القول) السوء (فيه) قوله «بترك» متعلق ب «احترام» (وجب كون الحكم) من وجوب الغيبة او حرمتها (على طبق اقوى المصلحتين).

كما انه اذا لم يعرف الاقوى منهما لزم الحكم بالتخيير، كما هو الاصل فى كل حكمين لم يعرف الاقوى منهما (كما هو الحال فى كل معصية من حقوق الله و حقوق الناس و قد نبه عليه غير واحد).

فالمسلم المحترم دمه الّذي من اذا قتله عمدا كان له جهنم خالدا فيها

ص: 75

قال فى جامع المقاصد- بعد ما تقدم عنه فى تعريف الغيبة-: ان ضابط الغيبة المحرمة كل فعل يقصد به هتك عرض المؤمن او التفكه به او اضحاك الناس منه.

و اما ما كان لغرض صحيح فلا يحرم، كنصح المستشير و التظلم و سماعه و الجرح و التعديل ورد من ادعى نسبا ليس له، و القدح فى مقالة باطلة خصوصا فى الدين، انتهى.

______________________________

و كانما قتل الناس جميعا اذا تترس به الكفار، يقتل، لان مصلحة ازالة الكافرين اعظم من مصلحة ابقاء هذا المسلم، و هكذا فى سائر الاحكام.

(قال فى جامع المقاصد- بعد ما تقدم عنه فى تعريف الغيبة-: ان ضابط الغيبة المحرمة كل فعل يقصد به هتك عرض المؤمن او التفكه) و التلذذ (به او اضحاك الناس منه).

(و اما ما كان لغرض صحيح) مجوز شرعا او عقلا (فلا يحرم، كنصح المستشير) الّذي يأتى للمشورة بان يزوجه بنتا، او يشترك معه فى كسب او يتزوج ابنته، او يقرضه او يقترض منه، او ما شابه ذلك (و التظلم) اى نصح المتظلم كيف يرفع الظلم عن كاهله (و سماعه) فان سماع الغيبة فى نفسه حرام، الا اذا جاز لمصلحة اقوى، فكما يجوز للمتكلم الناصح، كذلك يجوز للسامع المنتصح (و الجرح و التعديل) حتى لا يؤخذ برواية الفسقة (و ردّ من ادعى نسبا ليس له، و القدح فى مقالة باطلة) بحيث استلزم القدح قدحا و غيبة لقائلها (خصوصا) اذا كانت المقالة (فى الدين، انتهى) كلام الكركى.

ص: 76

و فى كشف الريبة: اعلم ان المرخص فى ذكر مساوى الغير غرض صحيح لا يمكن التوصل إليه الا بها، انتهى.

و على هذا فموارد الاستثناء لا تنحصر فى عدد.

نعم الظاهر استثناء موضعين لجواز الغيبة من دون مصلحة
أحدهما ما اذا كان المغتاب متجاهرا بالفسق،

فان من لا يبالى بظهور فسقه بين الناس لا يكره ذكره بالفسق.

نعم لو كان فى مقام ذمّه كرهه من حيث المذمة، لكن المذمّة

______________________________

(و فى كشف الريبة: اعلم ان المرخص فى ذكر مساوئ الغير غرض صحيح لا يمكن التوصل إليه) اى إلى ذلك الغرض (إلا بها) اى بالغيبة (انتهى) كلامه.

(و على هذا) المعيار (فموارد الاستثناء لا تنحصر فى عدد) خاص بل كل مورد من موارد الاهم، و من موارد الغرض الصحيح.

(نعم الظاهر استثناء موضعين لجواز الغيبة من دون مصلحة احدهما ما اذا كان المغتاب)- بالفتح- (متجاهرا بالفسق، فان من لا يبالى بظهور فسقه بين الناس لا يكره ذكره بالفسق) بل قد يحب اذا كان من باب النهى عن المنكر، او تنفير الناس عن مثل هذا الفسق، فان ذم المسي ء و الطاغى فى عمله يوجب تجنب الناس عن مثله.

(نعم لو كان) المغتاب- بالكسر- (فى مقام ذمّه) اى ذم المتجاهر (كرهه) اى المتجاهر، كره ذم الناس له- مقابل عدم كرهه ظهور فسقه- (من حيث المذمة) فان غالب الناس لا يرضون بذمهم (لكن المذمة)

ص: 77

على الفسق المتجاهر به، لا تحرم، كما لا يحرم لعنه.

و قد تقدم عن الصحاح اخذ المستور فى المغتاب.

و قد ورد فى الاخبار المستفيضة جواز غيبة المتجاهر.

منها: قوله عليه السلام فى رواية هارون بن الجهم: اذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة.

و قوله عليه السلام: من القى جلباب الحياء فلا

______________________________

للفاسق (على الفسق المتجاهر به، لا تحرم) لانصراف ادلة حرمة الذم الى غيره (كما لا يحرم لعنه) لما دل على لعن اهل المنكرات و البدع، كقوله سبحانه: لَعْنَتَ اللّٰهِ عَلَى الْكٰاذِبِينَ، الى غيرها من الآيات و الروايات الكثيرة الواردة فى لعن اصحاب المنكرات و من جملتهم النساء السافرات (و قد تقدم عن الصحاح اخذ) لفظ (المستور فى) تعريف (المغتاب) مما يدل على انه لو لم يكن مستورا لم يصدق عليه الغيبة.

(و قد ورد فى الاخبار المستفيضة جواز غيبة المتجاهر) بالمعصية.

(منها: قوله عليه السلام فى رواية هارون بن الجهم: اذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة) و المراد عدم الحرمة فى الاهانة و الذم و ترك الصلة و ما اشبه- مما تكون للمؤمنين- لا عدم الحرمة مطلقا حتى بالنسبة الى المال و الدم و الاهل.

(و قوله عليه السلام: من القى جلباب الحياء) الجلباب الثوب الساتر لجميع البدن، و قد شبه به الحياء لانه يستر الانسان عن تعديه على الغير، و تعدى الغير عليه، فان العفيف بمأمن من التهجمات (فلا

ص: 78

غيبة له.

و رواية ابى البخترى ثلاثة ليس لهم حرمة صاحب هوى مبتدع و الامام الجائر و الفاسق المعلن بفسقه.

و مفهوم قوله عليه السلام: من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته و وجبت اخوته، و ظهر عدله، و حرمت غيبته.

و فى صحيحة ابن ابى يعفور الواردة فى بيان العدالة- بعد

______________________________

غيبة له) و القاء الجلباب كناية عن ارتكابه المنكر المنافى للحياء.

(و رواية ابى البخترى) بفتح الباب معرب «بهتر» (ثلاثة ليس لهم حرمة صاحب هوى مبتدع) وصف توضيحى، فان كل صاحب هوى، بمعنى اختراع الاشياء المخالفة للدين مبتدع، الا ان يقال: ان الهوى اعم من الحرام، فالقيد احترازى (و الامام) اى الرئيس اعم من الدينى او الدنيوى (الجائر و الفاسق المعلن بفسقه).

(و مفهوم قوله عليه السلام: من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته و وجبت اخوته و ظهر عدله، و حرمت غيبته).

و من المعلوم ان المتجاهر بظلم الناس اما حقيقة او بتجرية الناس على المعاصى الّذي هو من اعظم الظلم المفهوم من الحديث انه لا تحرم غيبته من جهة مفهوم الشرط.

(و فى صحيحة ابن ابى يعفور الواردة فى بيان العدالة- بعد

ص: 79

تعريف العدالة- ان الدليل على ذلك ان يكون ساترا لعيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته، دل على ترتب حرمة التفتيش على كون الرجل ساترا، فينتفى عند انتفائه.

و مفهوم قوله عليه السلام فى رواية علقمة المحكية عن المحاسن: من لم تره بعينك يرتكب ذنبا، و لم يشهد عليه شاهد ان فهو من اهل العدالة و الستر، و شهادته مقبولة، و ان كان فى نفسه مذنبا، و من اغتابه بما فيه فهو خارج عن ولاية الله تعالى داخل فى ولاية

______________________________

تعريف العدالة-) قال عليه السلام: (ان الدليل على ذلك) و انه عادل (ان يكون ساترا لعيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك) الستر (من عثراته).

فان هذا الحديث (دل على ترتب حرمة التفتيش على كون الرجل ساترا) لعيوبه المراد بها المعاصى، فان العصيان عيب فى الانسان (فينتفى) التالى و هو حرمة التفتيش (عند انتفائه) اى انتفاء الستر.

و من المعلوم: ان التفتيش مستلزم للاغتياب قولا و سماعا، بل هو اعم من ذلك كما لا يخفى.

(و مفهوم قوله عليه السلام فى رواية علقمة المحكية عن المحاسن: من لم تره بعينك يرتكب ذنبا، و لم يشهد عليه شاهدان) و المراد بذلك انتفاء العلم و انتفاء الحجة الشرعية (فهو من اهل العدالة و الستر، و شهادته مقبولة، و ان كان فى نفسه مذنبا) اى بين نفسه و بين الله سبحانه (و من اغتابه بما فيه) من النقائص (فهو خارج عن ولاية الله تعالى داخل فى ولاية

ص: 80

الشيطان، الخبر، دل على ترتب حرمة الاغتياب و قبول الشهادة على كونه من اهل الستر، و كونه من اهل العدالة على طريق اللف و النشر أو على اشتراط الكل بكون الرجل غير مرئى منه المعصية، و لا مشهودا عليه بها.

و مقتضى المفهوم جواز الاغتياب مع عدم الشرط خرج منه غير المتجاهر و

______________________________

الشيطان) اشارة إلى قوله تعالى: اللّٰهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا، الى قوله:

أَوْلِيٰاؤُهُمُ الطّٰاغُوتُ، الى آخر (الخبر) المذكور فى باب الجماعة من كتاب الصلاة.

فانه (دل على ترتب حرمة الاغتياب و قبول الشهادة على كونه من اهل الستر، و كونه من اهل العدالة على طريق اللف و النشر).

فحرمة الاغتياب متوقفة على كونه من اهل الستر، و قبول الشهادة متوقف على العدالة (او) دل (على اشتراط الكل) من حرمة الاغتياب و قبول الشهادة (بكون الرجل غير مرئى منه المعصية، و لا مشهودا عليه بها) اى بالمعصية.

(و مقتضى المفهوم) من الخبر (جواز الاغتياب مع عدم الشرط) بان كان رؤى منه العصيان، او شهد عليه بالمعصية شاهدان- مطلقا- اى سواء كان متجاهرا، أم لا- (خرج منه) اى من هذا الاطلاق (غير المتجاهر) و بقى المتجاهر فى اطلاق جواز الاغتياب.

(و) ان قلت: انه لا مفهوم لهذا الخبر حتى بالنسبة إلى المتجاهر لان قوله عليه السلام «و من اغتابه» جملة مستأنفة، و معناها حرمة

ص: 81

كون قوله عليه السلام «و من اغتابه الخ» جملة مستأنفة غير معطوفة على الجزاء، خلاف الظاهر.

ثم ان مقتضى اطلاق الروايات جواز غيبة المتجاهر فيما تجاهر به و لو مع عدم قصد غرض صحيح و لم اجد من قال باعتبار قصد الغرض الصحيح و هو ارتداعه عن المنكر.

نعم تقدم عن الشهيد الثانى احتمال اعتبار قصد النهى عن المنكر فى جواز سب المتجاهر مع اعترافه بان ظاهر النص و الفتوى عدمه.

______________________________

اغتياب كل مسلم مطلقا.

قلت: (كون قوله عليه السلام «و من اغتابه الخ» جملة مستأنفة) بمعنى كونها (غير معطوفة على الجزاء) اى قوله: فهو من اهل العدالة (خلاف الظاهر) اذ الظاهر انه عطف على الجزاء، فلا اطلاق فى قوله «و من اغتابه».

(ثم ان مقتضى اطلاق الروايات جواز غيبة المتجاهر فيما تجاهر به و لو مع عدم قصد غرض صحيح) من النهى عن المنكر، او تنفير سائر الناس من المنكر، او ما اشبه بل لمجرد التشهى و التفكه (و لم اجد من قال باعتبار قصد الغرض الصحيح) فى جواز غيبة المتجاهر (و هو) اى الغرض الصحيح قصد (ارتداعه عن المنكر) او ما اشبه- كما عرفت-.

(نعم تقدم عن الشهيد الثانى احتمال اعتبار قصد النهى عن المنكر فى جواز سب المتجاهر) فيحل على ذلك الغيبة أيضا (مع اعترافه) اى الشهيد ره (بان ظاهر النص و الفتوى عدمه) اى عدم اعتبار قصد النهى،

ص: 82

و هل يجوز اغتياب المتجاهر فى غير ما تجاهر به صرح الشهيد الثانى و غيره بعدم الجواز.

و حكى عن الشهيد أيضا.

و ظاهر الروايات النافية لاحترام المتجاهر و غير الساتر، هو الجواز.

و استظهره فى الحدائق من كلام جملة من الاعلام، و صرح به بعض الاساطين.

______________________________

بل يجوز مطلقا.

(و هل يجوز اغتياب المتجاهر فى غير ما تجاهر به).

مثلا: اذا كان يتجاهر بشرب الخمر يجوز اغتيابه فى كونه آكلا للربا، اذا فرض انه يختفى به، او مطلقا، كان يتفكه بحديثه فى مختلف شئون بدنه و ثيابه و داره و كسبه و ما اشبه.

فقد (صرح الشهيد الثانى و غيره بعدم الجواز) و كانه القدر المتيقن من ادلة الجواز فيما تجاهر به.

(و حكى عن الشهيد أيضا) فتوى اخرى.

(و) كذلك (ظاهر الروايات النافية لاحترام المتجاهر و غير الساترة هو الجواز).

قوله «و ظاهر» عطف على «حكى» اى ان المحكى و الظاهر:

الجواز.

(و استظهره) اى الجواز مطلقا (فى الحدائق من كلام جملة من الاعلام و صرح به بعض الاساطين) و ذلك لاطلاق الادلة، و لا وجه للقول بالقدر

ص: 83

و ينبغى الحاق ما يتستر به بما يتجاهر فيه اذا كان دونه فى القبح.

فمن تجاهر باللواط- العياذ بالله- جاز اغتيابه بالتعرض للنساء الاجانب.

و من تجاهر بقطع الطرق جاز اغتيابه بالسرقة.

و من تجاهر بكونه جلاد السلطان يقتل الناس و ينكلهم جاز اغتيابه بشرب الخمر.

______________________________

المتيقن بعد وجود الاطلاقات.

(و) اذ قلنا: بعدم الجواز الا فيما تجاهر به (ينبغى الحاق ما يتستر به) من المعصية (بما يتجاهر فيه اذا كان دونه) اى ما تستر دون ما تجاهر (فى القبح).

و لعل وجه ذلك: ان الجواز فى الادون اولى من الجواز فى الاشد و ان كان الادون مستورا و الاشد جهرا-.

لكن لا يخفى ما فيه، اذ لو لم نقل بالإطلاق لا وجه للاولوية، و لا قطع بالمناط.

(فمن تجاهر باللواط- العياذ بالله- جاز اغتيابه بالتعرض للنساء الاجانب) الّذي يتستر فيه.

(و من تجاهر بقطع الطرق جاز اغتيابه بالسرقة) من الدور- مثلا- الّذي يتستر به، اما السرقة فى قطع الطريق فهو مما يتجاهر به، فلا اشكال فيه

(و من تجاهر بكونه جلاد السلطان يقتل الناس و ينكلهم) من النكال بمعنى العقاب (جاز اغتيابه بشرب الخمر) الّذي يخفيه.

ص: 84

و من تجاهر بالقبائح المعروفة جاز اغتيابه بكل قبيح.

و لعل هذا هو المراد بمن القى جلباب الحياء، لا من تجاهر بمعصية خاصة وعد مستورا بالنسبة إلى غيرها كبعض عمال الظلمة.

ثم المراد بالمتجاهر من تجاهر بالقبيح بعنوان انه قبيح فلو تجاهر به مع اظهار محمل له لا يعرف فساده الا القليل، كما اذا كان من عمال الظلمة، و ادعى فى ذلك عذرا مخالفا للواقع او غير مسموع منه

______________________________

(و من تجاهر بالقبائح المعروفة) كالزنا و الشرب و السرقة و ما اشبه (جاز اغتيابه بكل قبيح) مطلقا.

(و لعل هذا) الّذي يرتكب القبائح المعروفة بكل صلافة (هو المراد بمن القى جلباب الحياء) فى الرواية السابقة (لا من تجاهر بمعصية خاصة) فقط (وعد مستورا بالنسبة إلى غيرها) اى غير تلك المعصية (كبعض عمال الظلمة) الّذي له معصية كونه عاملا فقط، و هو مستور فى سائر الامور مواظب على احكامه و ظاهر تدينه.

(ثم المراد بالمتجاهر من تجاهر بالقبيح بعنوان انه قبيح) بان كان عالما عامدا (فلو تجاهر به مع اظهار محمل له لا يعرف فساده) كمن يستغيب انسانا مع اظهاره انه ظلمه بحيث لم يعرف فساد محمله (الا القليل كما اذا كان من عمال الظلمة، و ادعى فى ذلك عذرا مخالفا للواقع) ككونه يخاف بطشهم اذا لم يقبل عملهم (او غير مسموع منه) لانه ليس بحيث يسمع منه ذلك العذر.

كما لو ادعى انى لا اعلم حرمة ايذاء الناس، و القليل من الناس يعلمون

ص: 85

لم يعد متجاهرا.

نعم لو كان اعتذاره واضح الفساد لم يخرج عن المتجاهر.

و لو كان متجاهرا عند اهل بلده، او محلته مستورا عند غيرهم، هل يجوز ذكره عند غيرهم ففيه اشكال من امكان دعوى ظهور روايات الرخصة فيمن لا يستنكف عن الاطلاع على عمله مطلقا.

______________________________

انه فى رتبة من العلم و المعرفة لا يخفى عليه ذلك.

و حيث ان العذر المخالف للواقع مسموع و غير مسموع عرفا، اراد بالمخالف ما هو المسموع، و لذا عطف عليه ما ليس بمسموع (لم يعد متجاهرا) بحيث تجوز غيبته، لعدم صدق القاء جلباب الحياء، و نحوه من الروايات السابقة عليه.

(نعم لو كان اعتذاره واضح الفساد) عند الكل (لم يخرج عن المتجاهر) لصدق المتجاهر عليه حينئذ عرفا.

(و لو كان متجاهرا عند اهل بلده او محلته مستورا عند غيرهم) من سائر من يعرفه، لا من سائر من لا يعرفه، و الا كان من باب السالبة بانتفاء الموضوع ف (هل يجوز ذكره) بالعصيان (عند غيرهم) ممن هو مستور لديهم (ففيه اشكال).

وجه الاشكال و عدم الجواز (من) جهة (امكان دعوى ظهور روايات الرخصة فيمن لا يستنكف) و لا يأبى (عن الاطلاع) من الناس (على عمله مطلقا) سواء من يعرفه بالفساد، او لا يعرفه.

ص: 86

فرب متجاهر فى بلد، متستر فى بلاد الغربة، او فى طريق الحج و الزيارة لئلا يقع عن عيون الناس.

و بالجملة فحيث كان الاصل فى المؤمن الاحترام على الاطلاق وجب الاقتصار على ما تيقن خروجه.

فالاحوط الاقتصار على ذكر المتجاهر بما لا يكرهه لو سمعه و لا يستنكف من ظهوره للغير.

نعم لو تأذى من ذمّه بذلك دون ظهوره لم يقدح فى الجواز.

______________________________

(فرب متجاهر فى بلد، متستر فى بلاد الغربة، او فى طريق الحج و الزيارة لئلا يقع عن عيون الناس).

و وجه الجواز من جهة اطلاق: من القى جلباب الحياء، الصادق على هذا الانسان و الانصراف إلى من لا يستنكف ان كان، فهو بدوى.

(و بالجملة ف) الدليل على عدم جواز غيبة مثل هذا الانسان انه (حيث كان الاصل فى المؤمن الاحترام على الاطلاق) لاطلاق ادلة احترامه حيا و ميتا، دما و مالا و عرضا (وجب الاقتصار على ما تيقن خروجه) و هو المتجاهر فى المكان الّذي لا يستنكف من الاطلاع على عمله.

(فالاحوط الاقتصار على ذكر المتجاهر بما لا يكرهه لو سمعه و لا يستنكف من ظهوره للغير) لان هذا هو الفرد المتيقن خروجه، و يبقى الباقى تحت الاطلاقات الاولية.

(نعم لو تأذى) المتجاهر (من ذمّه بذلك) العصيان المتجاهر فيه- عند من لا يستنكف اطلاعه عليه- (دون ظهوره لم يقدح) تأذيه (فى الجواز)

ص: 87

و لذا جاز سبه بما لا يكون كذبا.

و هذا هو الفارق بين السب و الغيبة.

حيث ان مناط الاول المذمة و التنقيص، فيجوز.

و مناط الثانى اظهار عيوبه فلا يجوز الا بمقدار الرخصة.

الثانى: تظلم المظلوم و اظهار ما فعل به الظالم،

و ان كان متسترا به كما اذا ضربه فى الليل الماضى و شتمه، او اخذ ماله جاز ذكره بذلك

______________________________

لاغتيابه.

(و لذا جاز سبه بما لا يكون كذبا) كأن يقال له يا عاصى، او يا فاسق، او ما اشبه، لا السب بما يكون كذبا كان يقول لشارب الخمر يا كذاب و هكذا.

(و هذا) الّذي ذكرنا من جواز سبه دون اغتيابه (هو الفارق بين السب) الجائز (و الغيبة) المحرمة.

(حيث ان مناط الاول) السب (المذمة و التنقيص، فيجوز) فاذا جاز جاز السب.

(و مناط الثانى) الغيبة (اظهار عيوبه، فلا يجوز الا بمقدار الرخصة) و هو غير المستنكف.

(الثانى): من موارد الاستثناء عن الغيبة المحرمة (تظلم المظلوم) اى ذكر ظلامته (و اظهار ما فعل به الظالم، و ان كان) الظالم (متسترا به) اى بما فعل بالمظلوم (كما اذا ضربه فى الليل الماضى و شتمه) حيث لا يراهما الا الله (او اخذ ماله) خفية (جاز ذكره بذلك) الظلم، و انه فعل كذا و

ص: 88

عند من لا يعلم ذلك منه لظاهر قوله تعالى: وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولٰئِكَ مٰا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّٰاسَ وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ.

و قوله تعالى: لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّٰا مَنْ ظُلِمَ.

فعن تفسير القمى اى لا يحب ان يجهر الرجل بالظلم و السوء، و يظلم الا من ظلم فاطلق

______________________________

كذا (عند من لا يعلم ذلك) الظلم (منه) اى من الظالم (لظاهر قوله تعالى: وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ) اى نصر نفسه بعد ان ظلمه الظالم و النصرة لها مصاديق، من جملتها التنقيص من الظالم بما فعل عند الناس (فأولئك) المنتصرون (ما عليهم من سبيل) اى منع و تأنيب و عقاب (إِنَّمَا السَّبِيلُ) بالمنع و العقاب (عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّٰاسَ وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) لفظة «بغير الحق» للتأكيد، و الا فالبغى- اى الظلم- دائما يكون بغير الحق.

(و قوله تعالى: لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ) اى ان يجهر الانسان بالقول السيئ فى احد (إلّا من ظلم) فالمظلوم يجوز له ان يجهر بظلامته، و بالقول السيئ بالنسبة إلى ظالمه، و معنى عدم الحب: الكراهة المحرمة كما لا يخفى.

(فعن تفسير القمى) على ابن ابراهيم ره (اى لا يحب) الله (ان يجهر الرجل) اى الشخص (بالظلم و السوء، و يظلم) بذكر الآخرين بالغيبة و المذمة (الا من ظلم) بصيغة المجهول، اى المظلوم (فاطلق) و ابيح له

ص: 89

ان يعارضه بالظلم.

و عن تفسير العياشى عنه عليه السلام: من اضاف قوما فأساء اضافتهم فهو ممن ظلم فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه.

و هذه الرواية و ان وجب توجيهها، اما بحمل الإساءة على ما يكون ظلما و هتكا لاحترامهم او بغير ذلك الا انها دالة على عموم من ظلم فى الآية الشريفة و ان كل من ظلم فلا جناح عليه فيما قال فى الظالم.

______________________________

(ان يعارضه) الظالم (بالظلم) اى بالمثل- من قبيل «فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ».

(و عن تفسير العياشى عنه عليه السلام: من اضاف قوما فأساء اضافتهم، فهو ممن ظلم) اى داخل فى هذه الآية الكريمة (فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه) اى ذكر ظلامتهم، و انه اساء ضيافتهم.

(و هذه الرواية) المروية بطريق العياشى (و ان وجب توجيهها اما بحمل الإساءة) الصادرة عن المضيف (على ما يكون ظلما و هتكا لاحترامهم او بغير ذلك) بالتصرف فى «ما قالوا فيه» بان يراد به ما لا يكون غيبة.

و انما نحتاج إلى الحملين لوضوح انه لا يجوز غيبة من لا يقوم بآداب الضيافة، اذ ليس ذلك ظلما شرعا و عصيانا حتى يجوز غيبته (الا انها دالة على عموم من ظلم فى الآية الشريفة) حتى انه يشمل كل ظالم و لو بهذا القدر (و) دالة على (ان كل من ظلم)- بصيغة المفعول- (فلا جناح عليه فيما قال فى الظالم) بصورة عامة.

ص: 90

و نحوها فى وجوب التوجيه رواية اخرى فى هذا المعنى محكية عن المجمع ان الضيف ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فلا جناح عليه فى ان يذكره بسوء ما فعله و يؤيد الحكم فيما نحن فيه: ان فى منع المظلوم من هذا الّذي هو نوع من التشفي حرجا عظيما.

و لان فى تشريع الجواز مظنة ردع للظالم، و هى مصلحة خالية عن مفسدة فيثبت الجواز، لان الاحكام تابعة للمصالح.

______________________________

(و نحوها فى وجوب التوجيه رواية اخرى فى هذا المعنى محكية عن المجمع: ان الضيف ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته، فلا جناح عليه) اى الضيف (فى ان يذكره بسوء ما فعله) المضيف بالنسبة إليه.

(و يؤيد الحكم) بجواز غيبة الظالم (فيما نحن فيه: ان فى منع المظلوم من هذا) التظلم و ذكر ظلم الظالم (الّذي هو نوع من التشفي) اى شفاء النفس من الغيظ (حرجا عظيما) فيشمله قوله سبحانه «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ».

و انما جعل هذا مؤيّدا لا دليلا، لان كثيرا من الاحيان لا يكون حرجا فاذا قام الدليل قيل بإطلاق جواز الغيبة، اما اذا كان الدليل «لا حرج» كان الحكم بالجواز منوطا بالحرج الشخصى.

(و لان فى تشريع الجواز) اى جواز اغتياب الظالم (مظنة ردع للظالم و هى مصلحة خالية عن مفسدة فيثبت الجواز، لان الاحكام تابعة للمصالح) و كلما حكم به العقل حكم به الشرع، اذا كان فى سلسلة العلل اى الحسن و القبح.

ص: 91

و يؤيده ما تقدم من عدم الاحترام للامام الجائر بناء على ان عدم احترامه من جهة جوره، لا من جهة تجاهره، و الا لم يذكره فى مقابل الفاسق المعلن بالفسق.

و فى النبوى لصاحب الحق مقال.

______________________________

و جعله تأييد الا دليلا عدم العلم بانه خال عن المفسدة، لانه فى بعض الاحيان يلابس المفسدة الغالبة على المصلحة، كما نشاهد فى ان الكلام على بعض الظالمين يسبب الكثرية طغيانه، و اضافة الظلم و الضرر منه

(و يؤيده) اى جواز اغتياب الظالم علاوة على المؤيدين السابقين (ما تقدم من عدم الاحترام للامام الجائر)

فكما ان ظلم الامام سبّب جواز غيبته، كذلك ظلم سائر الظلمة يجوز غيبتهم للمناط (بناء على ان عدم احترامه من جهة جوره) فيكون كالمنصوص العلة (لا من جهة تجاهره، و الا لم يذكره) الامام عليه السلام (فى مقابل الفاسق المعلن بالفسق) لان الامام الجائر حينئذ من مصاديق الفاسق، لا فى مقابله.

لا يقال: الجائز أيضا من مصاديق المعلن بالفسق.

لانه يقال: الجواز فى مقابل الفسق يراد به غيره.

(و فى النبوى لصاحب الحق مقال) و اطلاق «المقال» شامل لذكر ظالمه عند الناس، و ان كان ربما يحتمل سماع دعواه عند الحاكم فقط لكن ذلك خلاف الظاهر، اذ يسمع دعوى كل احد سواء كان واقعا صاحب حق، أم لا.

ص: 92

و الظاهر من جميع ما ذكر عدم تقييد جواز الغيبة بكونها عند من يرجو ازالة الظلم عنه، و قواه بعض الاساطين خلافا لكاشف الريبة و جمع ممن تأخّر عنه فقيدوه اقتصارا فى مخالفة الاصل على المتيقن من الادلة لعدم عموم فى الآية.

و عدم نهوض ما تقدم فى تفسيرها للحجية.

مع ان المروى عن الباقر عليه السلام فى تفسيرها المحكى عن مجمع البيان: انه لا يحب الشتم فى الانتصار الا من ظلم، فلا

______________________________

(و الظاهر من جميع ما ذكر) فى مسئلة جواز غيبة المتظلم لمن ظلمه (عدم تقييد جواز الغيبة بكونها عند من يرجو ازالة الظلم عنه) اذ لا وجه لهذا القيد بعد الاطلاقات (و قواه) اى عدم التقييد (بعض الاساطين خلافا لكاشف الريبة و جمع ممن تأخر عنه فقيّدوه) اى الجواز بكونها عند من يرجو ازالة الظلم (اقتصارا فى مخالفة الاصل) الدال على حرمة الغيبة مطلقا- للاطلاقات- (على المتيقن من الادلة) الدالة على الجواز (لعدم عموم فى الآية) اى آية: لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّٰا مَنْ ظُلِمَ.

اذ لا تدل الا على الجواز فى الجملة للمظلوم.

(و عدم نهوض ما تقدم فى تفسيرها) اى تفسير الآية (للحجية) لان ما فى تفسيرى القمى و العياشى مرسلتان لا حجية فيهما.

(مع ان المروى عن الباقر عليه السلام فى تفسيرها المحكى عن مجمع البيان: انه لا يحب الشتم فى الانتصار الا من ظلم) بصيغة المجهول (فلا

ص: 93

بأس له أن ينتصر ممن ظلمه بما يجوز الانتصار به فى الدين.

قال فى الكتاب المذكور و نظيره وَ انْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مٰا ظُلِمُوا و ما بعد الآية لا يصلح للخروج بها عن الاصل الثابت بالأدلّة العقلية و النقلية.

و مقتضاه الاقتصار على مورد رجاء تدارك الظلم، فلو لم يكن قابلا للتدارك لم يكن فائدة فى هتك الظالم.

و كذا لو لم يكن ما فعل به ظلما، بل

______________________________

بأس له) اى للمظلوم (ان ينتصر ممن ظلمه بما يجوز الانتصار به فى الدين) فى مقابل الانتصار بما لا يجوز، كان يسبب للظالم ضررا اكثر من ظلمه.

مثلا: اذا ظلمه بنهب دينار منه ينتصر منه بإلقاء نفسه فى التهلكة.

(قال فى الكتاب المذكور) اى كاشف الريبة (و نظيره وَ انْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مٰا ظُلِمُوا) فان معناه جواز الانتصار من الظالم بما يجوز فى الشريعة (و ما بعد الآية) من المؤيدات التى ذكرها الشيخ ره لجواز الغيبة مطلقا (لا يصلح للخروج بها عن الاصل الثابت بالأدلّة العقلية و النقلية) الدالة على حرمة الغيبة مطلقا.

(و مقتضاه) اى عدم وجود دليل على جواز الغيبة مطلقا (الاقتصار على مورد رجاء تدارك الظلم، فلو لم يكن قابلا للتدارك) اما لان الظالم مات مثلا و ليس له مال يتدارك به ظلمه، او لان الطرف الّذي يريد المظلوم اغتياب الظالم لديه ليس قادرا على دفع الظلم (لم يكن فائدة فى هتك الظالم) و اغتيابه.

(و كذا) لا يجوز الاغتياب (لو لم يكن ما فعل به) الشخص (ظلما، بل

ص: 94

كان من ترك الاولى، و ان كان يظهر من بعض الاخبار جواز الاشتكاء لذلك

فعن الكافى و التهذيب بسندهما عن حماد بن عثمان، قال: دخل رجل على ابى عبد الله عليه السلام، فشكى رجلا من اصحابه فلم يلبث ان جاء المشكوّ فقال له ابو عبد الله عليه السلام: ما لفلان يشكوك؟ فقال:

يشكونى انى استقضيت منه حقى، فجلس ابو عبد الله عليه السلام مغضبا فقال: كانك اذا استقضيت حقك، لم تسئ، أ رأيت قول الله تعالى: وَ يَخٰافُونَ سُوءَ الْحِسٰابِ أ ترى انهم خافوا الله عز و جل؟ ان يجور عليهم لا و اللّه ما خافوا الا الاستقضاء، فسماه الله عز و جل سوء الحساب، فمن استقضى فقد اساء.

______________________________

كان من ترك الاولى، و ان كان يظهر من بعض الأخبار جواز الاشتكاء) و الشكاية بالاغتياب لتارك الاولى (لذلك) اى لتركه الاولى.

(فعن الكافى و التهذيب بسندهما عن حماد بن عثمان، قال: دخل رجل على ابن عبد الله عليه السلام، فشكى رجلا من اصحابه فلم يلبث ان جاء المشكو) عليه (فقال له ابو عبد الله عليه السلام: ما لفلان يشكوك؟

فقال: يشكونى) لاجل (انى استقضيت منه حقى، فجلس ابو عبد الله (ع) مغضبا فقال: كانك اذا استقضيت حقك لم تسئ أ رأيت قول الله تعالى: وَ يَخٰافُونَ سُوءَ الْحِسٰابِ أ ترى انهم خافوا الله عز و جل؟ ان يجوز عليهم لا و الله ما خافوا الا الاستقضاء) بان يطلب الله سبحانه حقه (فسماه الله عز و جل سوء الحساب، فمن استقضى فقد).

فان المستقضى كان تاركا للاولى، و مع ذلك جاز للشاكى ان يشكوه

ص: 95

و مرسلة ثعلبة بن ميمون المروية عن الكافى، قال: كان عنده قوم يحدثهم، اذ ذكر رجل منهم رجلا، فوقع فيه و شكاه، فقال له ابو عبد الله عليه السلام: و انى لك باخيك الكامل؟ اى الرجل المهذب.

فان الظاهر من الجواب ان الشكوى انما كانت من ترك الاولى الّذي لا يليق بالاخ الكامل المهذب.

و مع ذلك كله فالاحوط

______________________________

بدليل تقرير الامام الصادق عليه السلام له، فانه لو لم تجز الشكاية كان الصادق عليه السلام ردع الشاكى.

(و مرسلة ثعلبة بن ميمون المروية عن الكافى، قال: كان عنده قوم يحدثهم، اذ ذكر رجل منهم رجلا، فوقع فيه و شكاه فقال له ابو عبد الله عليه السلام: و انى لك باخيك الكامل؟ اى الرجل المهذب) يقول الشاعر:

و لست بمستبق اخا لا تلمّه على شعث اى الرجال المهذب

اى انك لا تجد الاخ الكامل الّذي لا نقص فيه، فان اردت اخوة انسان كامل بقيت بلا اخ، لانك لا تجده.

(فان الظاهر من الجواب) للامام عليه السلام بقوله «و انى لك الخ» (ان الشكوى انما كانت من ترك الاولى الّذي لا يليق بالاخ الكامل المهذب)

فعدم ردع الامام (ع) للمغتاب- بالكسر- مع انه كان يستغيب تارك الاولى يدل على جواز غيبة تارك الاولى.

(و مع ذلك كله) اى سواء قلنا: بإطلاق جواز غيبة الظالم او بتخصيصه بمن يرجو ازالة ظلمه (فالاحوط) عدم جواز الغيبة من الظالم، حتى عند من

ص: 96

عدّ هذه الصورة من الصور العشر الآتية التى رخص فيها فى الغيبة لغرض صحيح اقوى من مصلحة احترام المغتاب.

كما ان الاحوط جعل الصورة السابقة خارجة عن موضوع الغيبة بذكر المتجاهر بما لا يكره نسبته إليه من الفسق المتجاهر به و ان جعلها من تعرض لصور الاستثناء منها.

______________________________

يرجو ازالة الظلم، الا اذا كانت مصلحة الاغتياب اقوى من مصلحة ترك الغيبة.

و ذلك ب (عدّ هذه الصورة من الصور العشر الآتية التى رخص فيها فى الغيبة لغرض صحيح اقوى من مصلحة احترام المغتاب).

و انما نحتاط بذلك، لان مع اقوائية المصلحة يعلم بالخروج، و بدون ذلك فالمحكم اطلاقات حرمة الغيبة بعد المناقشة فى ادلة استثناء الظالم حتى فى صورة اغتيابه عند من يرجو ازالة ظلمه، اذ قد تكون مصلحة ترك الاغتياب اكثر من مصلحة الاغتياب، كما لو ترتب على الغيبة للظالم عند من يرجو ازالة ظلمه مفسدة كما لا يخفى، فتأمل.

(كما ان الاحوط جعل الصورة السابقة) المستثناة عن حرمة الغيبة و هى صورة غيبة المتجاهر (خارجة عن موضوع الغيبة) لا عن حكمها- مع تسليم كونها داخلة موضوعا- (ب) ان نقول: ان الجواز خاص، ب (ذكر المتجاهر بما لا يكره نسبته إليه من الفسق المتجاهر به، و ان جعلها) اى هذه الصورة (من تعرض لصور الاستثناء منها) اى مما استثنى عن حرمة الغيبة.

ص: 97

فيبقى من موارد الرخصة لمزاحمة الغرض الأهم، صور تعرضوا لها.
منها: نصح المستشير

فان النصيحة واجبة للمستشير فان خيانته قد تكون اقوى مفسدة من الوقوع فى المغتاب.

و كذلك النصح من غير استشارة، فان من

______________________________

و الحاصل: انهم جعلوها من الاستثناء حكما، و نحن جعلناه من باب عدم الموضوع.

(فيبقى من موارد الرخصة) فى الغيبة (لمزاحمة الغرض الاهم، صور تعرضوا لها) و نحن نذكرها تبعا لهم.

(منها: نصح المستشير) الّذي يستشير الانسان لزواج بنته لولد مثلا- فان المستشار يلزم ان يقول ما فى الولد من العيب، و هكذا سائر موارد الاستشارة (فان النصيحة) بالارشاد إلى الصلاح (واجبة للمستشير) لما ورد من وجوب النصح لله و لرسوله و للمؤمنين (فان خيانته) بذكر الخلاف (قد تكون اقوى مفسدة من الوقوع) اى ذم المشير (فى المغتاب) بالفتح

و الحاصل هناك تزاحم بين وجوب النصح و حرمة الغيبة، و الاول كثيرا ما يكون اقوى اما الاستدلال بقوله «فان خيانته» انما يتم اذا توقف ترك النصح على الخيانة اما اذا لم يتوقف كما لو تمكن المستشار ان يقول: انى لا اتكلم فى هذا الموضوع، او اسئل غيرى، او ما اشبه فلا يكون من باب التزاحم، الا اذا علم المستشار انه لو لم يقل الواقع وقع المستشير فى المفسدة.

(و كذلك) يجب (النصح) و ان كان غيبة (من غير استشارة، فان من

ص: 98

اراد تزويج امرأة و انت تعلم بقبائحها التى توجب وقوع الرجل من اجلها فى الغيبة و الفساد فلا ريب ان التنبيه على بعضها و ان اوجب الوقيعة فيها اولى من ترك نصح المؤمن، مع ظهور عدة من الاخبار فى وجوبه.

و منها: الاستفتاء

بان يقول للمفتى ظلمنى فلان فى حقى، فكيف طريقى فى الخلاص هذا اذا كان الاستفتاء موقوفا على ذكر الظالم

______________________________

اراد تزويج امرأة و انت تعلم بقبائحها التى توجب وقوع الرجل من اجلها فى الغيبة) اى اغتياب الناس له (و الفساد فلا ريب ان التنبيه على بعضها) اى بعض تلك القبائح التى توجب معرفتها انصراف الرجل عن زواجها اللهم الا ان توقف على ذكر كل القبائح (و ان اوجب) التنبيه (الوقيعة).

النقيصة (فيها اولى من ترك نصح المؤمن، مع ظهور عدة من الاخبار فى وجوبه) اى وجوب النصح الشامل لمن استشار، و لمن لم يستشر.

و عن التذكرة: ان فاطمة بنت قيس استشارت النبي صلى الله عليه و آله و سلم فى ان تصير زوجة معاوية، او ابى الجهم، فقال صلى الله عليه و آله و سلم لها: اما معاوية فصعلوك لا مال له، و اما ابو الجهم فلا يضع عصاه على عاتقه، كناية عن كثرة طروقته، انكحى اسامة، فانه صلى الله عليه و آله و سلم ذكر عيب الرجلين لفاطمة لانها استشارته، و هناك اخبار النصيحة مذكورة فى الوسائل و المستدرك.

(و منها) اى من صور جواز الغيبة (الاستفتاء بان يقول للمفتى ظلمنى فلان فى حقى، فكيف طريقى فى الخلاص).

و (هذا) انما يجوز (اذا كان الاستفتاء موقوفا على ذكر الظالم

ص: 99

بالخصوص، و الا فلا يجوز.

و يمكن الاستدلال عليه بحكاية هند زوجة ابى سفيان و اشتكائها إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، و قولها انه رجل شحيح لا يعطينى ما يكفينى و ولدى فلم يردّ صلى الله عليه و آله و سلم عليها غيبة ابى سفيان.

و لو نوقش فى هذا الاستدلال بخروج غيبة مثل ابى سفيان عن محل الكلام، امكن الاستدلال بصحيحة عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم، فقال: ان امى

______________________________

بالخصوص، و الا فلا يجوز).

اما انه لا يجوز فى غير صورة التوقف، فلاطلاق ادلة الحرمة.

(و) اما انه يجوز فى صورة التوقف، ف (يمكن الاستدلال عليه بحكاية هند زوجة ابى سفيان و اشتكائها إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، و قولها انه) اى أبا سفيان (رجل شحيح) بخيل (لا يعطينى ما يكفينى و ولدى) فاجاز لها الرسول صلى الله عليه و آله و سلم، ان تأخذ ماله من باب استيفاء الحق (فلم يرد صلى الله عليه و آله و سلم عليها) اى على هند (غيبة ابى سفيان) لانها كانت مستفتية.

(و لو نوقش فى هذا الاستدلال بخروج غيبة مثل ابى سفيان عن محل الكلام) لان المحرم غيبة المؤمن لا المنافق، فعدم الردع من باب جواز غيبته مطلقا لا من باب جواز غيبة المستفتى فيما اذا كان اصل الغيبة محرما (امكن الاستدلال بصحيحة عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم، فقال: ان امى

ص: 100

لا تدفع يد لامس فقال: احبسها، قال قد فعلت فقال صلى الله عليه و آله و سلم: فامنع من يدخل عليها قال قد فعلت قال صلى الله عليه و آله و سلم: فقيدها فانك لا تبرّها بشي ء افضل من ان تمنعها عن محارم الله عز و جل، الخبر، و احتمال كونها متجاهرة مدفوع بالاصل.

و منها: قصد ردع المغتاب عن المنكر الّذي يفعله

فانه اولى من ستر

______________________________

لا تدفع يد لامس) كناية عن تعاطيها الزنا دائما (فقال) صلى الله عليه و آله و سلم: (احبسها) حتى لا تزنى (قال) ذلك الرجل (قد فعلت) و لكن لم ينفع ذلك (فقال صلى الله عليه و آله و سلم: فامنع من يدخل عليها) من الرجال، ف (قال) ذلك الرجل (قد فعلت) و لكن لم ينفع ذلك (قال صلى الله عليه و آله و سلم: فقيدها) حتى لا تتمكن من الخروج من الدار، و لا من فتح الباب للرجال (فانك لا تبرّها بشي ء افضل من ان تمنعها عن محارم الله عز و جل) الى آخر (الخبر) فانه يدل جواز الغيبة للمستفتى، لانه اغتاب أمه و لم يمنعه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: (و احتمال كونها متجاهرة مدفوع بالاصل) اذ التجاهر قيد زائد، فاذا شك فيه كان الاصل عدمه، فتأمل.

(و منها) اى من موارد الاستثناء عن حرمة الغيبة (قصد ردع المغتاب عن المنكر الّذي يفعله.)

فاذا علم الانسان انه اذا اغتابه ارتدع، وجب الاغتياب، لانه من باب الردع عن المنكر الواجب بالمناط الاولى من النهى عن المنكر (فانه) اى اغتيابه ليرتدع (اولى من ستر

ص: 101

المنكر عليه، فهو- فى الحقيقة- احسان فى حقه.

مضافا إلى عموم ادلة النهى عن المنكر.

و منها: قصد حسم مادة فساد المغتاب عن الناس،

كالمبتدع الّذي يخاف من اضلاله الناس.

و يدل عليه- مضافا إلى ان مصلحة رفع فتنته عن الناس اولى من ستر المغتاب- ما عن الكافى بسنده الصحيح عن ابى عبد الله عليه السلام،

______________________________

المنكر عليه، فهو) اى الاغتياب الموجب للردع (- فى الحقيقة-) ليس ذمّا له، و تنقيصا منه الّذي هو المناط فى حرمة الغيبة، بل (احسان فى حقه) و قد قال سبحانه: مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ.

(مضافا إلى عموم ادلة النهى عن المنكر) الشامل للردع عن المنكر لانه اما نهى لغة او يفهم من النهى بالمناط القطعى.

(و منها) اى من موارد الاستثناء عن حرمة الغيبة (قصد حسم) و قطع (مادة فساد المغتاب عن الناس، كالمبتدع الّذي يخاف من اضلاله الناس) اذا ترك و شأنه، و لم يسقط الناس اعتباره فى المجتمع حتى لا يسمع احد الى كلامه.

و لا يخفى: ان المراد بالمبتدع الّذي لا تجعله البدعة خارجا عن زمرة المؤمنين، و الا كان اغتيابه خارجا عن موضوع الغيبة الّذي هو غيبة المؤمن.

(و يدل عليه) اى جواز اغتيابه (- مضافا إلى ان مصلحة رفع فتنته عن الناس اولى من ستر المغتاب-) و فى باب التزاحم يقدم الاقوى مصلحة (ما عن الكافى بسنده الصحيح عن ابى عبد الله عليه السلام،

ص: 102

قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: اذا رأيتم اهل الريب و البدع، من بعدى، فاظهروا البراءة منهم، و اكثروا من سبهم، و القول فيهم، و الوقيعة، و باهتوهم كيلا يطمعوا فى الفساد فى الاسلام و يحذرهم الناس، و لا يتعلموا من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات، و يرفع لكم به الدرجات،

______________________________

قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: اذا رأيتم اهل الريب) اى الشك فى الامور الدينية- اصولا او فروعا- (و البدع) جمع بدعة بمعنى الجديد، و المراد الحديد الّذي ليس من الدين اذا اريد ادخاله فى الدين (من بعدى، فاظهروا) للناس (البراءة منهم، و اكثروا من سبهم) و المراد السب الجائز لا مثل القذف، كما لا يخفى (و القول) اى القول السيّئ (فيهم و الوقيعة) اى المذمة التى تقع فيهم- هى صفة «المذمة» المقدرة- (و باهتوهم) من البهت، بمعنى نسبتهم إلى ما يسقط مكانتهم الاجتماعية فيتجنبهم الناس و ان كان الشي ء المنسوب إليهم لم يكن فيهم.

و ذلك لان مصلحة القاء اهل البدع عن اعين الناس اقوى من مفسدة الكذب المنسوب إليهم، فيرجح الا هم على المهم (كيلا يطمعوا فى الفساد فى الاسلام و يحذرهم الناس) فيأمن المسلمون شرهم و غوائلهم (و لا يتعلموا من بدعهم) فان التعلم نوع من الترويج، الا اذا كان بقصد الرد و التشنيع (يكتب الله لكم بذلك) الّذي ذكر من السب و الوقيعة و غيرهما (الحسنات و يرفع لكم به الدرجات).

و لا يخفى ان اللازم تحقق موضوع البدعة، اما رمى بعض بعضا بالبدعة

ص: 103

و منها: جرح الشهود،

فان الاجماع دل على جوازه.

و لان مصلحة عدم الحكم بشهادة الفساق اولى من الستر على الفاسق.

و مثله بل اولى بالجواز: جرح الرواة فان مفسدة العمل برواية الفاسق اعظم من مفسدة شهادته.

______________________________

بدون ترو، و تحقيق، فذلك اثمه اكبر من نفعه المزعوم.

(و منها) اى من موارد الاستثناء عن الغيبة المحرمة (جرح الشهود) و بيان ما فيهم من النقائص الموجبة لرد شهادتهم (فان الاجماع دل على جوازه) و ان كان غيبة و تنقيصا.

(و لان مصلحة عدم الحكم بشهادة الفساق) و عدم جعلهم شهودا للطلاق المشروط بحضور العدلين (اولى من الستر على الفاسق).

و يدل عليه ما رواه فى الهداية، و نقله عنه الفقيه الهمدانى فى باب العدالة من سؤال النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن احوال الشهود و ارسال بعض اصحابه إلى عشائرهم ليسألوهم عن احوالهم، و كذا السيرة المستمرة خلفا عن سلف فى جرحهم.

(و مثله) اى مثل جواز جرح الشهود بالاغتياب (بل اولى بالجواز:

جرح الرواة) و بيان مذهبهم و عدالتهم او فسقهم (فان مفسدة العمل برواية الفاسق اعظم من مفسدة شهادته) فاذا جازت الغيبة لرد الشهادة جازت الغيبة لرد الرواية بطريق اولى.

ص: 104

و يلحق بذلك الشهادة بالزنا و غيره، لاقامة الحدود.

و منها: دفع الضرر عن المغتاب.

و عليه يحمل ما ورد فى ذم زرارة من عدة احاديث و قد بين ذلك الامام عليه السلام بقوله- فى بعض ما امر عليه السلام عبد الله بن زرارة بتبليغ ابيه- أقرئ منى على والدك السلام، فقل له: انما اعيبك دفاعا منى عنك

______________________________

(و يلحق بذلك) الّذي ذكرنا من جواز جرح الشاهد (الشهادة بالزنا و غيره، لاقامة الحدود).

و يدل عليه- بالإضافة إلى ما تقدم- قوله سبحانه: وَ لٰا تَكْتُمُوا. شَهٰادَةَ اللّٰهِ، و تقرير النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الائمة لذلك و السيرة المستمرة، الى غير ذلك من الشواهد و المؤيدات.

(و منها) اى من المستثنيات عن حرمة الغيبة (دفع الضرر عن المغتاب) فيما كان الضرر الواصل إليه اعظم من ضرر الغيبة- كما لا يخفى-

(و عليه يحمل ما ورد فى ذم زرارة من عدة احاديث) مذكورة فى كتب الرجال.

و قد ذكر شطرا منها العلامة المامقانى فى رجاله (و قد بين ذلك) الوجه، اى إرادة دفع ضرر المغتاب (الامام عليه السلام بقوله- فى بعض ما امر عليه السلام عبد الله بن زرارة بتبليغ ابيه-) حتى لا يظن ان الامام قدحه عن إرادة حقيقة الواقع، فقال عليه السلام (أقرئ منى على والدك السلام، فقل له: انما اعيبك دفاعا منى عنك) حتى لا يعرف الناس انك مرتبط بنا فيضروك

ص: 105

فان الناس يسارعون إلى كل من قربناه و مجدناه لا دخال الا ذى فيمن نحبه و نقربه، و يذمونه لمحبتنا له، و قربه و دنوه منا، و يرون ادخال الأذى عليه و قتله، و يحمدون كل من عيبناه نحن، و انما اعيبك لانك رجل اشتهرت بنا بميلك إلينا و انت فى ذلك مذموم عند الناس غير محمود الامر، لمودتك لنا، و ميلك إلينا، فاحببت ان اعيبك ليحمدوا امرك فى الدين بعيبك و نقصك، و يكون ذلك منا دافع شرهم عنك، يقول الله عز و جل: و أَمَّا السَّفِينَةُ فَكٰانَتْ لِمَسٰاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهٰا وَ كٰانَ وَرٰاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ

______________________________

(فان الناس يسارعون إلى كل من قربناه و مجدناه) التمجيد: المدح، و معنى المسارعة السرعة فى ايذائه (لادخال الاذى فيمن نحبه و نقربه، و يذمونه لمحبتنا له، و قربه و دنوه منا، و يرون) من الجائز شرعا (ادخال الاذى عليه) اى على كل من قربناه (و قتله، و يحمدون) و و يمدحون (كل من عيبناه نحن، و انما اعيبك) يا زرارة (لانك رجل اشتهرت بنا) اى من ناحيتنا (بميلك إلينا و انت فى ذلك) الميل إلينا (مذموم عند الناس غير محمود الامر) عندهم (لمودتك لنا، و ميلك إلينا، فاحببت ان اعيبك) بالذم (ليحمدوا امرك فى الدين) و يقولوا انك انسان متدين (ب) سبب (عيبك و نقصك) الصادر منى أليك (و يكون ذلك منا دافع شرهم عنك)

ثم استدل الامام عليه السلام بقوله: (يقول الله عز و جل: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكٰانَتْ لِمَسٰاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهٰا) لئلا يأخذها الملك الّذي كان يأخذ كل سفينة صالحة، و ذلك بان كان خضر عليه السلام قطع بعض الواح السفينة (وَ كٰانَ وَرٰاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ

ص: 106

كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً، هذا التنزيل من عند الله، الا و الله ما عابها الا لكى تسلم من الملك، و لا تغصب على يديه، و لقد كانت صالحة ليس للعيب فيها مساغ- و الحمد لله- فافهم المثل، رحمك الله، فانك و الله احب الناس الى و احب اصحاب ابى إلى حيا و ميتا، و انك افضل سفن ذلك البحر القمقام العظيم الزاخر، و ان ورائك لملكا ظلوما غصوبا يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدى ليأخذها غصبا، و يغصب اهلها، فرحمة الله عليك حيا، و رحمة الله عليك ميتا، الخبر.

______________________________

كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً).

ثم قال الامام عليه السلام: (هذا التنزيل من عند الله، الا و الله ما عابها الا لكى تسلم من الملك، و لا تغصب) السفينة (على يديه، و لقد كانت صالحة) فى نفسها (ليس للعيب فيها مساغ) و محل (- و الحمد لله- فافهم) يا زرارة (المثل، رحمك الله، فانّك و الله احبّ الناس إلى و احب اصحاب ابى إلى حيّا و ميّتا) حالان عن الأب، او عن نفسه عليه السلام او عن زرارة، او عن الاصحاب- بتأويل كل واحد واحد- (و انك افضل سفن ذلك البحر) اى بحر العلم الّذي هو ابى عليه السلام (القمقام) البحر الواسع (العظيم الزاخر) الكثير الماء (و ان ورائك لملكا ظلوما) كثير الظلم (غصوبا) كثير الغصب هو الخليفة العباسى (يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدى ليأخذها غصبا) بالاذى و القتل (و يغصب اهلها) اى المربوطين بالسفينة من الاصدقاء و الاقرباء (فرحمة الله عليك حيا، و رحمة الله عليك ميتا) الى آخر (الخبر) و نحوه غيره.

ص: 107

و يلحق بذلك الغيبة للتقية على نفس المتكلم او ماله او عرضه، او عن ثالث، فان الضرورات تبيح المحظورات.

و منها: ذكر الشخص بعيبه الّذي صار بمنزلة الصفة المميزة التى لا يعرف الا بها،

كالاعمش، و الاعرج، و الاشتر، و الاحول، و نحوها.

و فى الحديث جاءت زينب العطارة الحولاء إلى نساء رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم.

______________________________

(و يلحق بذلك) المستثنى و هو الغيبة لدفع الضرر عن المغتاب بالفتح- (الغيبة للتقية على نفس المتكلم او ماله او عرضه) فاذا لم يستغب زيد امام الجائر عمروا- مثلا- ادخل الجائر الاذى على زيد او غصب ماله او سبى عرضه او ما اشبه ذلك (او عن ثالث) غير المتكلم و المغتاب بالفتح- (فان الضرورات تبيح المحظورات) اى الامور المحرمة الممنوعة لادلة: لا ضرر، و ما اشبه.

(و منها) اى من موارد الاستثناء عن الغيبة المحرمة (ذكر الشخص بعيبه الّذي صار) ذلك العيب (بمنزلة الصفة المميزة) له الصفة (التى لا يعرف) الشخص (الا بها، كالاعمش) و هو الّذي فى عينه مرض و سيلان (و الاعرج) رجلا (و الاشتر) و هو الّذي انخرق جفنه (و الاحول) المقلوب عينه (و نحوها).

(و فى الحديث) الّذي قاله الامام عليه السلام (جاءت زينب العطارة الحولاء إلى نساء رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم) فلو كان ذلك حراما لم يصفها الامام عليه السلام بالحولاء.

ص: 108

و لا بأس بذلك فيما اذا صارت الصفة- فى اشتهار توصيف الشخص بها- الى حيث لا يكره ذلك صاحبها.

و عليه يحمل ما صدر عن الامام عليه السلام و غيره من العلماء الاعلام.

لكن كون هذا استثناء مبنى على كون مجرد ذكر العيب الظاهر- من دون قصد الانتقاص- غيبة و قد منعنا ذلك سابقا، اذ لا وجه لكراهة المغتاب لعدم كونه اظهارا لعيب غير ظاهر، و المفروض عدم قصد الذم أيضا.

______________________________

(و لا بأس بذلك) التوصيف بمثل هذه الاوصاف (فيما اذا صارت الصفة فى اشتهار توصيف الشخص بها- الى حيث لا يكره ذلك) الوصف (صاحبها) لانها تعرف انها هى المعرفة له، فلا يشمله قوله صلى الله عليه و آله و سلم: ذكرك اخاك ما يكره.

(و عليه) اى على الجواز لعدم كراهة المتصف (يحمل ما صدر عن الامام عليه السلام) من وصف زينب بالحولاء (و غيره من العلماء الاعلام) فى وصف الرواة بمثل هذه الاوصاف.

(لكن) لا يخفى ان (كون هذا) النحو من الغيبة (استثناء) انما هو (مبنى على كون مجرد ذكر العيب الظاهر- من دون قصد الانتقاص- غيبة) فيكون غيبة موضوعا، لكنها محكومة بالحلية (و قد منعنا ذلك) اى كون مثل هذا التوصيف داخلا في موضوع الغيبة (سابقا، اذ لا وجه لكراهة المغتاب)- بالفتح- (لعدم كونه اظهارا لعيب غير ظاهر، و المفروض عدم قصد) المتكلم (الذم أيضا) و لذا لا يكون مثل التوصيف بهذه الاوصاف غيبة موضوعا.

ص: 109

اللهم الا ان يقال: ان الصفات المشعرة بالذم كالالقاب المشعرة به يكره الانسان الاتصاف بها، و لو من دون قصد الذم، فان اشعارها بالذم كاف فى الكراهة.

[و منها ذكر الشخص بما لا يؤثر عند السامع شيئا لكونه عالما به]

و منها: ما حكاه فى كشف الريبة عن بعض: من انه اذا علم اثنان من رجل معصية شاهداها فاجرى احدهما ذكره فى غيبة ذلك العاصى، جاز لانه لا يؤثر عند السامع شيئا، و ان كان الاولى تنزيه النفس و اللسان عن ذلك لغير غرض من

______________________________

(اللهم الا ان يقال: ان الصفات المشعرة بالذم كالالقاب المشعرة به) اى بالذم كبطة و قفة و ما اشبه (يكره الانسان الاتصاف بها، و لو من دون قصد) المتكلم (الذم) حين التلفظ بهذه الصفات و الالقاب (فان اشعارها بالذم كاف فى الكراهة) و اذا تحقق دخول مثله فى موضوع الغيبة لا بد من القول بخروجه عنها حكما، كما تقدم.

(و منها) اى من الموارد المستثناة عن الغيبة (ما حكاه فى كشف الريبة عن بعض: من انه اذا علم اثنان) او اكثر (من رجل معصية شاهداها) باعينهما او علماها علما قطعيا (فاجرى احدهما ذكره) اى العصيان (فى غيبة ذلك العاصى، جاز) و لم يكن غيبة (لانه) اى الذكر (لا يؤثر عند السامع شيئا) و ادلة الغيبة منصرفة إلى ما لو جهل السامع (و ان كان الاولى تنزيه النفس و اللسان عن ذلك) الذكر، لان من اللازم ان يشتغل الانسان بعيب نفسه عن عيوب الناس، و قد قال المسيح عليه السلام: مالكم لا ترون الجذع فى اعينكم، و ترون القذى فى اعين اخوانكم (لغير غرض من

ص: 110

الاغراض الصحيحة، خصوصا مع احتمال نسيان المخاطب لذلك، او خوف اشتهاره عنهما، انتهى.

اقول: اذا فرض عدم كون ذكرهما فى مقام التعيير و المذمة و ليس هنا هتك ستر أيضا، فلا وجه للتحريم، و لا لكونها غيبة الاعلى ظاهر بعض التعاريف المتقدّمة.

و منها: ردّ من ادعى نسبا ليس له.

فان مصلحة حفظ الانساب

______________________________

الاغراض الصحيحة، خصوصا مع احتمال نسيان المخاطب لذلك) و الغرض الصحيح مثل التذكر للاستعاذة بالله عن مثلها، او الاستغفار للعاصى، او ما اشبه (او خوف اشتهاره عنهما) لان كل سر جاوز الاثنين شاع، فان الانسان اذا اعتاد التكلم بكلام لا يلبث ان يتكلمه حتى عند من لا يريد التكلم عنده (انتهى) كلام كشف الريبة.

(اقول: اذا فرض عدم كون ذكرهما) لعصيان العاصى (فى مقام التعيير و المذمة) ليدخل فى مسئلة حرمة ذم المؤمن و تعييره (و ليس هنا هتك ستر أيضا) لعلمهما معا (فلا وجه للتحريم) حكما (و لا لكونها غيبة) موضوعا (الا على ظاهر بعض التعاريف المتقدمة) التى لا يشترط كشف الستر، بل يرى الميزان «ذكر الاخ بما يكره» و قد تقدم تفصيل الكلام حول ذلك.

(و منها) اى من موارد الاستثناء عن حرمة الغيبة (رد من ادعى نسبا ليس له) كان يدعى ان فلانا ولده، او فلانا والده، او فلانا قريبه، او قريب فلان.

(فان مصلحة حفظ الانساب) التى يتوقف عليها الارث، و القصاص، و

ص: 111

اولى من مراعات حرمة المغتاب.

و منها: القدح فى مقالة باطلة

و ان دل على نقصان قائلها، اذا توقف حفظ الحق و اضاعة الباطل عليه.

و اما ما وقع من بعض العلماء بالنسبة إلى من تقدم عليه منهم من الجهر بالسوء

______________________________

التفقه، و الحقوق الشرعية،- من الخمس و الزكاة- و النكاح، و ما اشبه (اولى من مراعات حرمة المغتاب).

بالإضافة إلى ان هذا من المنكر الّذي يجب الردع عنه.

و لذا لم يزل المسلمون يطعنون فى زياد و معاوية حيث ألحقه به- و ان كانا كافرين كما تقدم فى هند و ابى سفيان- و يؤيده أيضا تشريع اللعان لنفى الولد.

(و منها) اى من موارد الاستثناء عن الغيبة المحرمة (القدح فى مقالة باطلة) مما يكره القائل ذلك باظهار عدم فهمه (و ان دل) القدح (على نقصان قائلها، اذا توقف حفظ الحق و اضاعة الباطل عليه) اى على ذلك القدح.

اما اذا لم يتوقف حفظ الحق على ذلك، لان المقالة لا ترتبط بالدين و الدنيا.

كما لو زعم ان البلد الفلانى فى شمال العراق و الحال انه فى جنوبه مثلا- فلا، اذ لا مجوز للغيبة حينئذ.

لكن لا يبعد خروج مثل هذه الامور عن ادلة الغيبة لانصرافها عن مثله.

(و اما ما وقع من بعض العلماء بالنسبة إلى من تقدم عليه منهم) اى من سائر العلماء (من الجهر بالسوء

ص: 112

من القول، فلم يعرف له وجه، مع شيوعه بينهم من قديم الايام.

ثم انهم ذكروا موارد للاستثناء

______________________________

من القول، فلم يعرف له وجه، مع شيوعه بينهم من قديم الايام).

و لعل الوجه رد الظلم بالنسبة إلى العالم الثالث، مثلا يرى المحقق ان الحلى ظلم الشيخ بالنسبة إليه فيرده المحقق.

و لا اشكال فى جواز رد الظلم، سواء كان واقعا على نفس الراد، او على غيره، بل عون الضعيف صدقة.

و اما بالنسبة إلى العالم الثانى الّذي صدر منه الظلم فهو قبيح فعلى لا فاعلى، اذ كان بنظره لزوم التشنيع على مقالة المتقدم، لئلا يأخذها الناس.

فان التشنيع على صاحب المقالة يوجب سقوط مقالته عن الانظار، زيادة على سقوطها عند التشنيع على نفس المقالة، كما صدر عن بعض العلماء بالنسبة إلى الصدوق ره فى قوله: بسهو النبي صلى الله عليه و آله و سلم.

(ثم انهم ذكروا موارد للاستثناء) كذكر معايب المملوك عند بيعه، و ذلك لاسقاط الخيار، و عدم الغش.

و مثل قصد التأديب فى ذكر معايب الاولاد و الاهل و التلاميذ و الاصدقاء مما يكون داخلا في النهى عن المنكر و الردع عنه و الوقاية عن الوقوع فيه، فيشمله قوله تعالى: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نٰاراً، و مثل تفضيل بعض العلماء على بعض، او بعض اهل الخبرة على بعض، اظهارا للحق و لئلا يكون المحسّ و المسي ء واحدا. كما قال الامام امير المؤمنين عليه السلام لولده الحسن عليه السلام: لا يكونن المحسن و المسي ء عندك

ص: 113

لا حاجة إلى ذكرها، بعد ما قدمنا ان الضابط فى الرخصة وجود مصلحة غالبة على مفسدة هتك احترام المؤمن.

و هذا يختلف باختلاف تلك المصالح و مراتب مفسدة هتك المؤمن، فانها مندرجة فى القوة و الضعف.

فرب مؤمن لا يساوى عرضه شي ء، من المصالح، فالواجب التحرى فى الترجيح بين المصلحة و المفسدة.

الرابع: يحرم استماع الغيبة بلا خلاف.

______________________________

سواء، الى غيرها من الموارد، مما (لا حاجة إلى ذكرها، بعد ما قدمنا ان الضابط فى الرخصة وجود مصلحة غالبة على مفسدة هتك احترام المؤمن).

(و هذا) التفاضل (يختلف باختلاف تلك المصالح) التى يجب مراعاتها (و مراتب مفسدة هتك المؤمن) فانه ربما كانت المصلحة اقوى، و ربما كانت المفسدة اقوى (فانها) اى المصالح و المفاسد (مندرجة فى القوة و الضعف).

(فرب مؤمن لا يساوى عرضه شي ء من المصالح) من القيمة و الرفعة، فاللازم عدم هتك عرضه، و ان وقعت مفسدة ما، كما انه ربما يكون الامر بالعكس (فالواجب التحرى) و الفحص (فى الترجيح بين المصلحة و المفسدة) ليرى المتكلم ايهما مقدم فيرجحه على صاحبه.

(الرابع) من مباحث الغيبة (يحرم استماع الغيبة بلا خلاف) من احد من الفقهاء.

ص: 114

فقد ورد ان السامع للغيبة احد المغتابين.

و الاخبار فى حرمته كثيرة، الا ان ما يدل على كونه من الكبائر، كالرواية المذكورة و نحوها ضعيفة السند.

ثم المحرم سماع الغيبة المحرمة، دون ما علم حليتها.

______________________________

(فقد ورد) فى الحديث (ان السامع للغيبة احد المغتابين) اى شريك للمتكلم فى الأثر.

(و الاخبار فى حرمته كثيرة) مذكورة فى الوسائل و المستدرك (الا ان ما يدل على كونه) اى الاستماع (من الكبائر، كالرواية المذكورة) التى يجعل الاستماع كالاغتياب فاذا كان الاغتياب كبيرة كان الاستماع كذلك (و نحوها ضعيفة السند) و انما ينفع هذا فى الاحكام المترتبة على الكبيرة.

اما العقاب- لو كان كبيرة فى الواقع- فلا يضر ضعف السند، باتمام الحجة، فان مجرد علم الانسان بالمعصية يوجب جواز انزال العقوبة الواقعية عليه اذا ارتكب العصيان و لا عذر لقوله: لم اكن اعلم انه كبيرة فى دفع عقاب الكبيرة عنه، كما قرر فى الكلام.

(ثم المحرم) انما هو (سماع الغيبة المحرمة، دون ما علم حليتها).

اذ لو جاز الاغتياب، جاز الاستماع لخصوص دليل حرمة الاستماع بالنسبة إلى ما كان حراما من الاغتياب.

فلا يقال: انه قد يجوز لشخص ارتكاب الحرام، لانه مضطر، و لا يجوز للآخر لانه ليس بمضطر.

و يدل على الجواز ان الاغتياب الجائز للمظلوم قوله تعالى: لٰا يُحِبُّ

ص: 115

و لو كان متجاهرا عند المغتاب مستورا عند المستمع و قلنا بجواز الغيبة حينئذ للمتكلم.

فالمحكى جواز الاستماع، مع احتمال كونه متجاهرا، لا مع العلم بعدمه.

قال فى كشف الريبة اذا سمع احد مغتابا لآخر، و هو لا يعلم المغتاب مستحقا للغيبة و لا عدمه، قيل: لا يجب نهى القائل، لامكان الاستحقاق،

______________________________

اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ، يلازم الاستماع، فتجويزه تجويز له، الى غيرها من الادلة (و لو كان) الشخص المغتاب- بالفتح- (متجاهرا عند المغتاب)- بالكسر- (مستورا عند المستمع و قلنا بجواز الغيبة حينئذ للمتكلم) فى قبال القول بعدم الجواز، لانه اعانة على الاثم من جهة ان استماع المستمع اثم.

فالمتكلم و ان جاز له من حيث اجهار العاصى، لكنه لا يجوز له من حيث اعانة المستمع على الاثم.

(فالمحكى) عن بعض (جواز الاستماع، مع احتمال) المستمع (كونه) اى العاصى (متجاهرا) لحمل فعل المسلم على الصحيح، و لاصالة عدم توجه التكليف بالكف إلى المستمع (لامع العلم بعدمه) اى بعدم كونه متجاهرا، فانه لا مجال للحمل على الصحة مع العلم.

(قال فى كشف الريبة اذا سمع احد مغتابا) بالكسر (لآخر، و هو لا يعلم المغتاب) بالفتح (مستحقا للغيبة) لكونه متجاهرا و نحوه (و لا عدمه) بان لم يعلم عدم الاستحقاق أيضا (قيل: لا يجب نهى القائل، لامكان الاستحقاق) اى استحقاق العاصى

ص: 116

فيحمل فعل القائل على الصحة، ما لم يعلم فساده.

و لان ردعه يستلزم انتهاك حرمته، و هو احد المحرمين.

ثم قال: و الاولى التنزه عن ذلك حتى يتحقق المخرج منه، لعموم الادلة، و ترك الاستفصال فيها، و هو دليل إرادة العموم حذرا من الاغراء بالجهل

______________________________

(فيحمل فعل القائل على الصحة، ما لم يعلم فساده) لقوله عليه السلام:

ضع امر اخيك على احسنه.

(و لان ردعه يستلزم انتهاك حرمته، و هو احد المحرمين) لان الامر دائر بين كون الاستماع حراما- لانه غيبة غير جائزة- و بين كون الردع حراما لانه هتك للمتكلم فاذا كان فعله محمولا على الصحة لم يبق الا حرمة الهتك بالردع.

(ثم قال) كشف الريبة (و الاولى التنزه عن ذلك) الاستماع (حتى يتحقق المخرج منه) بالعلم باستحقاق العاصى للغيبة، لكونه متجاهرا و نحوه (لعموم الادلة) الدالة على حرمة الاستماع (و ترك الاستفصال فيها) بين الجهل بكون العاصى مستحقا، و بين عدمه أي العلم بعدم الاستحقاق.

و الحاصل ان الخارج من حرمة الاستماع صورة العلم بالاستحقاق فيبقى الباقى تحت العموم (و هو) اى ترك الاستفصال (دليل إرادة العموم) من النهى عن الاستماع.

و انما يكون دليلا (حذرا من الاغراء بالجهل) لان المولى لو لم يرد العام، و قال بلفظ العموم كان ذلك اغراء بالجهل.

ص: 117

و لان ذلك لو تم لتمشى فيمن يعلم عدم استحقاق المقول عنه بالنسبة الى السامع مع احتمال اطلاع القائل على ما يوجب تسويغ مقالته و هو هدم قاعدة النهى عن الغيبة انتهى.

______________________________

و حيث انه قبيح بالنسبة إلى المولى الحكيم، لزم ان نقول بإرادته للعموم اذا تكلم بلفظ العام (و لان ذلك) الحمل على الصحة و حرمة هتك المتكلم بردعه (لو تم) و قلنا به فى صورة جهل المستمع لاستحقاق العاصى (لتمشى) الحمل على الصحة (فيمن) اى السامع الّذي (يعلم عدم استحقاق المقول عنه بالنسبة إلى السامع).

فانه قد يعلم السامع ان العاصى يستحق استماعه لغيبته، لكونه متجاهرا- مثلا-، و قد يعلم انه لا يستحق استماعه لغيبته، لكونه ليس بمتجاهر و انما ظن المتكلم تجاهره.

و قد لا يعلم ان العاصى هل يستحق استماعه غيبته، أم لا؟

فاذا قلنا: بجواز استماع السامع للغيبة فيما شك فى استحقاق العاصى، لزم ان نقول: بجواز الاستحقاق فيما علم السامع عدم استحقاقه (مع احتمال) السامع (اطلاع القائل على ما يوجب تسويغ مقالته).

لانه كما يحرم هتك المتكلم فى صورة شك السامع انه هل يجوز له الاستماع، أم لا؟ كذلك يحرم هتك المتكلم فى صورة شك السامع، هل يجوز للمتكلم التكلم، أم لا؟ (و هو هدم قاعدة النهى عن الغيبة) فاذا لم يجز فى صورة الشك بالنسبة إلى المتكلم، كذلك لا يجوز فى صورة الشك بالنسبة الى المستمع (انتهى) كلام كاشف الريبة.

ص: 118

اقول: و المحكى بقوله: قيل، لا دلالة فيه على جواز الاستماع، و انما تدل على عدم وجوب النهى عنه.

و يمكن القول بحرمة استماع هذه الغيبة مع فرض جوازها للقائل لان السامع احد المغتابين.

فكما ان المغتاب يحرم عليه الغيبة الا اذا علم التجاهر المسوغ، فكذلك السامع يحرم عليه الاستماع الا اذا علم التجاهر

______________________________

(اقول: و المحكى بقوله: قيل، لا دلالة فيه على جواز الاستماع، و انما تدل على عدم وجوب النهى عنه).

اذ لا تلازم بين جواز الاستماع، و بين عدم وجوب النهى، اذ قد لا يجب النهى، لان المتكلم له الحق فى التكلم، و لا يجوز الاستماع لان السامع لا يحق له الاستماع.

(و يمكن القول بحرمة استماع هذه الغيبة مع فرض جوازها للقائل) كما ان المرأة اذا علمت بان لا طبيبة فى البلدة جاز لها- ظاهرا- ارائة بدنها للطبيب للعلاج فى صورة الاضطرار، و الطبيب اذا علم بوجود الطبيبة لم يجز له الفحص و النظر (لان السامع احد المغتابين) كما فى رواية امير المؤمنين عليه السلام: و المستمع احد المغتابين، كما فى رواية النبي صلى الله عليه و آله و سلم.

(فكما ان المغتاب يحرم عليه الغيبة الا اذا علم التجاهر المسوغ) للغيبة (فكذلك السامع يحرم عليه الاستماع الا اذا علم التجاهر)

ص: 119

و اما نهى القائل، فغير لازم، مع دعوى القائل العذر المسوغ، بل مع احتماله فى حقه و ان اعتقد الناهي عدم التجاهر.

نعم لو علم عدم اعتقاد القائل بالتجاهر وجب ردعه، هذا.

و لكن الاقوى جواز الاستماع اذا جاز للقائل، لانه قول غير منكر، فلا يحرم الاصغاء إليه، للاصل، و الرواية على تقدير صحتها تدل على ان السامع

______________________________

فاذا لم يعلم التجاهر، لم يجز له الاستماع.

(و اما نهى القائل، فغير لازم، مع دعوى القائل العذر المسوغ، بل مع احتماله فى حقه) لحمل فعل المسلم على الصحيح (و ان اعتقد الناهي عدم التجاهر) اذ النهى عن المنكر انما يجب اذا كان الفاعل عالما بكونه منكر، لا ما اذا جهل جهلا عذريا الا اذا علمنا من الشارع ارادته عدم وقوع هذا المنكر فى الخارج اطلاقا، او كان من مقام ارشاد الجاهل و تنبيه الغافل.

(نعم لو علم) الناهي (عدم اعتقاد القائل بالتجاهر) للعاصى- و ان ادعى انه يعلمه متجاهرا- (وجب ردعه) لوجوب ردع فاعل المنكر (هذا) بعض الكلام المرتبط بكلام كاشف الريبة، و «قيل».

(و لكن الاقوى جواز الاستماع اذا جاز للقائل) الاغتياب (لانه قول غير منكر، فلا يحرم الاصغاء إليه، للاصل) اذ المتيقن من الادلة حرمة الاستماع إلى الغيبة التى هى منكر، لا مطلقا، فاذا جاز للقائل جاز للسامع (و الرواية) السابقة و هى قوله عليه السلام: السامع احد المغتابين (على تقدير صحتها) سندا (تدل على ان السامع

ص: 120

لغيبة، كقائل تلك الغيبة، فان كان القائل عاصيا، كان المستمع كذلك فيكون دليلا على الجواز فيما نحن فيه.

نعم لو استظهر منها ان السامع للغيبة كانه متكلم بها فان جاز للسامع التكلم بغيبة، جاز سماعها، و ان حرم عليه حرم سماعها أيضا، كانت الرواية- على تقدير صحتها- دليلا للتحريم فيما نحن فيه.

لكنه خلاف الظاهر من الرواية على تقدير قراءة المغتابين بالتثنية و

______________________________

لغيبة، كقائل تلك الغيبة) فى الجواز و الحرمة (فان كان القائل عاصيا، كان المستمع كذلك) اما اذا لم يكن القائل عاصيا، فلا دليل على حرمة الاستماع (فتكون) الرواية بمفهومها- حيث حصرت الحكم فى الغيبة المحرمة- (دليلا على الجواز فيما نحن فيه) من صورة الجواز للمتكلم.

(نعم لو استظهر منها) اى من الرواية (ان السامع للغيبة كانه متكلم بها) اى بالغيبة (فان جاز للسامع التكلم بغيبة، جاز سماعها و ان حرم عليه) التكلم (حرم سماعها أيضا، كانت الرواية- على تقدير صحتها-) سندا (دليلا للتحريم فيما نحن فيه) لان السامع- حسب الفرض- يرى العاصى غير متجاهر، فلا يجوز له اغتيابه، و اذا لم يجز له اغتيابه لم يجز له استماع غيبته.

(لكنه) اى الاستظهار المذكور (خلاف الظاهر من الرواية على تقدير قراءة المغتابين بالتثنية) بل ظاهرها حينئذ هو المعنى الاول، و انه اذا حرم على المتكلم حرم على السامع، و اذا جاز للمتكلم جاز للسامع لان السامع لا استقلال له و انما يتبع المتكلم (و

ص: 121

ان كان هو الظاهر على تقدير قراءته بالجمع.

لكن هذا التقدير خلاف الظاهر.

و قد تقدم فى مسئلة التشبيب: انه اذا شك السامع فى حصول شرط حرمته من القائل لم يحرم استماعه فراجع.

ثم انه يظهر من الاخبار المستفيضة وجوب رد الغيبة فعن المجالس

______________________________

ان كان) الاستظهار المذكور بقولنا: لو استظهر (هو الظاهر) و انه اذا جاز للمستمع الغيبة جاز له الاستماع، و اذا لم يجز له الاغتياب لم يجز له الاستماع (على تقدير قراءته) اى لفظ «المغتابين» فى الرواية (بالجمع) لان المعنى حينئذ ان السامع مثل احد الاشخاص الذين يستغيبون الناس فهو مستقل فى الحكم، كما ان كل فرد من المغتابين بالكسر- مستقل فى الحكم و لا ربط للسامع بالمتكلم- حتى اذا جاز له التكلم جاز له الاستماع-.

(لكن هذا التقدير) اى قراءة «المغتابين» بصيغة الجمع (خلاف الظاهر) عند رؤية هذه العبارة مكتوبة فى الكتاب، و الظهور الكتبى حجة كالظهور اللفظى، لاعتماد العقلاء و اهل المحاورة عليه.

(و قد تقدم فى مسئلة التشبيب: انه اذا شك السامع) الى المتكلم بالتشبيب (فى حصول شرط حرمته) لاحتماله ان يكون تشبيبا بامرأة خيالية- مثلا- (من القائل لم يحرم استماعه فراجع) هناك حتى تعرف وجه الجواز هنا فى باب الغيبة أيضا فتأمل.

(ثم انه يظهر من الاخبار المستفيضة وجوب رد الغيبة، فعن المجالس

ص: 122

باسناده عن ابى ذر رضوان الله عليه، عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: من اغتيب عنده اخوه المؤمن و هو يستطيع نصره فنصره، نصره الله تعالى فى الدنيا و الآخرة، و من خذله و هو يستطيع نصره، خذله الله فى الدنيا و الآخرة، و نحوها عن الصدوق باسناده عن الصادق عليه السلام، عن آبائه فى وصية النبي صلى الله عليه و آله و سلم لعلى (ع).

و عن عقاب الاعمال بسنده عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: من رد عن اخيه غيبة سمعها فى مجلس، رد الله عنه الف باب من الشر فى الدنيا و الآخرة، فان لم يرد عنه و اعجبه كان عليه كوزر من اغتابه.

______________________________

باسناده عن ابى ذر رضوان الله عليه، عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: من اغتيب عنده اخوه المؤمن و هو يستطيع نصره) بمعنى رد الغيبة عنه (فنصره، نصره الله تعالى فى الدنيا و الآخرة و من خذله) بان ترك المغتاب و شأنه ليقول ما يريد (و هو يستطيع نصره، خذله الله فى الدنيا و الآخرة، و نحوها عن الصدوق باسناده عن الصادق عليه السلام، عن آبائه) عليهم السلام (فى وصية النبي صلى الله عليه و آله و سلم، لعلى عليه السلام).

(و عن عقاب الاعمال) للصدوق (بسنده عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: من رد عن اخيه غيبة سمعها فى مجلس، رد الله عنه الف باب من الشر فى الدنيا و الآخرة، فان لم يرد عنه و اعجبه) اى حسن فى نفسه الغيبة (كان عليه) اى على السامع (كوزر من اغتابه).

ص: 123

و عن الصدوق باسناده عن الصادق عليه السلام فى حديث المناهى عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: من تطول على اخيه فى غيبة سمعها فردها عنه رد الله عنه الف باب من الشر فى الدنيا و الآخرة فان هو لم يردها و هو قادر على ردها، كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة الخبر و لعل وجه زيادة عقابه انه اذا لم يرده تجرى المغتاب على الغيبة فيصر على هذه الغيبة و غيرها.

و الظاهر: ان الرد غير النهى عن الغيبة و المراد به الانتصار للغائب بما

______________________________

(و عن الصدوق باسناده عن الصادق عليه السلام، فى حديث المناهى عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: من تطول) اى تفضل و احسن (على اخيه فى غيبة سمعها) فيه فى مجلس (فردها عنه، رد الله عنه الف باب من الشر في الدنيا و الآخرة فان هو لم يردها) بان سكت و لم يتكلم بالرد و الدفاع عن المغتاب- بالفتح- (و هو قادر على ردها، كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة) الى آخر (الخبر).

قال المصنف ره (و لعل وجه زيادة عقابه) على عقاب المتكلم بالغيبة (انه اذا لم يرده تجرّئ) بصيغة الماضى (المغتاب) بالكسر (على الغيبة فيصر على هذه الغيبة و غيرها) فعليه اثم المستمع، و اثم المشجع على الآثم، فيكون من قبيل البدعة التى على المبدع اثمه، و اثم العامل بها، و لعله اذا ردع السامع ترك المتكلم الاغتياب مطلقا.

(و الظاهر: ان الرد غير النهى عن الغيبة، و المراد به) اى بالرد (الانتصار للغائب) المقول عنه (بما) اى بانتصار

ص: 124

يناسب تلك الغيبة، فان كان عيبا دنيويا انتصر له، بان العيب ليس الا ما عاب الله به من المعاصى التى من اكبرها: ذكرك اخاك بما لم يعبه الله به و ان كان عيبا دينيا وجهه بمحامل تخرجه عن المعصية فان لم يقبل التوجيه انتصر له بان المؤمن قد يبتلى بالمعصية، فينبغى ان يستغفر له، و يهتم له لا ان تعيّر عليه، و ان تعييرك اياه لعله اعظم عند الله من معصيته، و نحو ذلك.

ثم انه قد يتضاعف عقاب المغتاب اذا كان ممن يمدح

______________________________

(يناسب تلك الغيبة، فان كان عيبا دنيويا) كما لو قال: انه لا يهتم بامر داره و بستانه و ملابسه (انتصر) السامع (له بان العيب ليس الا ما عاب الله به من المعاصى التى من اكبرها: ذكرك اخاك بما) اى بوصف (لم يعبه الله به) فانه سبحانه لم يعب احدا بترك الاهتمام بالدنيا و انما عاب بترك الاهتمام بالآخرة (و ان كان عيبا دينيا) كما لو قال عنه انه لا يهتم بالصلاة، او يسوف الحج مثلا (وجهه لمحامل تخرجه عن المعصية) كان يقول: انه يكد على عياله فى اوّل الوقت، و ذلك واجب مضيق و الصلاة واجبة موسعة و لذا يؤخرها، و الحج لعل له عذرا فى التأخير من جهة الحكومة او ما اشبه (فان لم يقبل التوجيه انتصر له بان المؤمن قد يبتلى بالمعصية فينبغى) لمن علم بذلك (ان يستغفر له، و يهتم له) حتى يجد الحيلة فى ردعه و قلعه (لا ان تعير عليه، و ان تعييرك اياه لعله اعظم عند الله من معصيته و نحو ذلك) من انواع الانتصار المناسبة للمقام.

(ثم انه قد يتضاعف عقاب المغتاب) بالكسر (اذا كان ممن يمدح

ص: 125

المغتاب فى حضوره و هذا و ان كان فى نفسه مباحا، الا انه اذا انضم مع ذمّه فى غيبته سمى صاحبه ذا اللسانين و تاكد حرمته.

و لذا ورد فى المستفيضة: انه يجئ ذو اللسانين يوم القيامة، و له لسانا من النار فان لسان المدح فى الحضور و ان لم يكن لسانا من نار الا انه اذا انضم إلى لسان الذم فى الغياب صار كذلك. و عن المجالس بسنده عن حفص بن غياث عن الصادق عليه السلام عن ابيه عن آبائه عليهم السلام عن على (ع) قال: رسول الله (ص): من مدح اخاه المؤمن فى وجهه، و

______________________________

المغتاب) بالفتح (فى حضوره) و يستغيبه فى غيابه (و هذا) المدح فى الحضور- اذا كان مستحقا للمدح- (و ان كان فى نفسه مباحا الا انه) اى المدح فى الحضور (اذا انضم مع ذمه فى غيبته سمى صاحبه) اى صاحب الذم و المدح (ذا اللسانين) يوم القيامة (و تاكد حرمته) اى حرمة ذمّه- اى غيبته-.

(و لذا ورد فى) الروايات (المستفيضة: انه يجئ ذو اللسانين يوم القيامة، و له لسانا من النار، فان لسان المدح فى الحضور) مع استحقاق الممدوح للمدح (و ان لم يكن لسانا من نار) لانه ليس بمحرم فى نفسه (الا انه اذا انضم إلى لسان الذم فى الغياب صار كذلك) مذموما شرعا، كما انه عقلا كذلك، فان الناس يكرهون المادح الذام اكثر مما يكرهون الذام فقط

(و عن المجالس بسنده عن حفص بن غياث، عن الصادق عليه السلام، عن ابيه) عليه السلام (عن آبائه عليهم السلام، عن على (ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: من مدح اخاه المؤمن فى وجهه، و

ص: 126

اغتابه من ورائه، فقد انقطعت العصمة بينهما.

و عن الباقر عليه السلام بئس العبد عبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين يطرى اخاه شاهد او يأكله غائبا ان اعطى حسده و ان ابتلى خذله.

و اعلم انه قد يطلق الاغتياب على البهتان و هو ان يقال فى شخص ما ليس فيه و هو اغلظ تحريما من الغيبة، و وجهه ظاهر، لانه جامع بين مفسدتى الكذب و الغيبة، و يمكن القول بتعدد العقاب

______________________________

اغتابه من ورائه، فقد انقطعت العصمة بينهما) و الظاهر ان المراد عصمة الاسلام بمعنى ان المادح الذام ليس مسلما- و هذا ضرب من المبالغة- او المراد العصمة الكاملة الكائنة بين الاخوان المتصافين، فان حق الاخ المتصاف اكثر من غيره- كما لا يخفى-.

(و عن الباقر عليه السلام: بئس العبد عبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين) وجه بشوش عند اللقاء، و وجه مقطب عند الغيبة (يطرى) و يمدح باحد اللسانين (اخاه) فى حالكونه (شاهدا) حاضرا عنده (و يأكله) باستغابته «أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخيٖهِ» (غائبا) عنه (ان اعطى) ذلك الاخ النعمة و الرفاه (حسده) بان رجا زوال النعمة عنه (و ان ابتلى) ببلاء (خذله) و لم ينصره، انتهى الحديث.

(و اعلم) ايها الطالب (انه قد يطلق الاغتياب على البهتان و هو ان يقال فى شخص ما ليس فيه) كان يقال زيد شارب الخمر و الحال انه ليس بشارب (و هو اغلظ تحريما من الغيبة، و وجهه ظاهر، لانه جامع بين مفسدتى الكذب و الغيبة، و يمكن القول بتعدد العقاب) على البهتان

ص: 127

من جهة كل من العنوانين و المركب.

و فى رواية علقمة عن الصادق عليه السلام: حدثنى ابى عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: انه قال: من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع الله بينهما فى الجنة ابدا و من اغتاب مؤمنا بما ليس فيه فقد انقطعت العصمة بينهما، و كان المغتاب خالدا فى النار و بئس المصير.

______________________________

(من جهة كل من العنوانين) الكذب و الغيبة (و المركب) منهما فله عقاب ثالث، لان المركب له صفة ثالثة، كما نرى فى الجملة تفيد شيئا جديدا ما لا تفيده مفرداتها.

(و فى رواية علقمة عن الصادق عليه السلام: حدثنى ابى) عليه السلام (عن آبائه) عليهم السلام (عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: انه قال: من اغتاب مؤمنا بما فيه) من الصفات و النقائص (لم يجمع الله بينهما فى الجنة ابدا) اما بمعنى ان المغتاب لا يدخل الجنة، او بمعنى انه لا يجمع بينه و بين المغتاب- بالفتح- و ان دخل الجنة فليس له ان يراه جزاء لا سائته للمغتاب فى الدنيا (و من اغتاب مؤمنا بما ليس فيه فقد انقطعت العصمة بينهما) و قد فسر ذلك فى الحديث السابق (و كان المغتاب خالدا فى النار و بئس المصير) و المراد بالخلود اقتضاء الغيبة ذلك، فان للمثوبات و العقوبات آثارا اقتضائية يمكن ان ترفع بالتوبة او الشفاعة او الاعمال الصالحة او عفو صاحب الحق او ما اشبه.

ص: 128

خاتمة فى بعض ما ورد من حقوق المسلم على اخيه

ففى صحيحة مرازم عن ابى عبد الله عليه السلام ما عبد الله بشي ء افضل من اداء حق المؤمن

و روى فى الوسائل و كشف الريبة عن كنز الفوائد للشيخ الكراجكى عن الحسين بن محمد بن على الصيرفى، عن محمد بن على الجعابى، عن القاسم بن محمد بن جعفر العلوى، عن ابيه عن آبائه، عن على عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: للمسلم على اخيه ثلاثون حقا لا براءة له منها الا بادائها او العفو

______________________________

(خاتمة) نذكرها بمناسبة كون الغيبة خلاف حق المسلم على المسلم (فى بعض ما ورد) من الاخبار (من حقوق المسلم على اخيه، ففى صحيحة مرازم، عن ابى عبد الله عليه السلام ما عبد الله بشي ء افضل من اداء حق المؤمن) و لعل وجهه: ان الحق قسمان، حق الله و حق الناس اولى بالاداء، لان فيه حقا لله سبحانه- حيث شرع هذا الحق-.

(و روى فى الوسائل و كشف الريبة عن كنز الفوائد للشيخ الكراجكى عن الحسين بن محمد بن على الصيرفى، عن محمد بن على الجعابى، عن القاسم بن محمد بن جعفر العلوى، عن ابيه عن آبائه، عن على عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: للمسلم على اخيه ثلاثون حقا لا براءة له منها الا بادائها او العفو) من ذى الحق.

و لا يخفى: ان بعض الحقوق واجبة و بعضها مستحبة و العفو فى الواجبة انما ينفع فى اسقاط حق المؤمن اما حق الله تعالى فانه يحتاج الى التوبة، اذ لم يؤده.

ص: 129

يغفر زلته، و يرحم عبرته، و يستر عورته،

______________________________

و المراد بالبراءة الخروج عن الحق واجبا كان او مندوبا.

ثم المراد وجود مجموع هذه الحقوق على مجموع الاخوان، بمعنى ان اللازم على كل مسلم مراعات هذه الحقوق بالنسبة إلى اخوانه فى الجملة لا انه مكلف بمراعات كل حق إلى كل احد، لوضوح انه ليس اللازم على المسلم حضور جنازة كل مسلم، و عيادة كل مريض و ما اشبه، بل اداء هذه الحقوق بالطرق المتعارفة، كما قالوا مثل ذلك فى مسئلة الامر بالمعروف و النهى عن المنكر و ارشاد الجاهل، فانه لا يلزم على الانسان ان يترك اعماله و يسير فى الاسواق و الشوارع للامر و النهى و الارشاد، بل يأتى بهذه الامور على الطرق المتعارفة، كما ان الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و الائمة عليهم السلام لم يفعلوا هذه الامور الا بالطرق المتعارفة فلم يكن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم يطرق كل باب باب ليعلم اهل الدار الاحكام، او اذا جاءه احد لم يكن يسأل منه عن صحة مسائله و عقائده مسئلة مسئلة و فردا فردا.

ثم لا يخفى: ان المذكور فى هذه الرواية جملة من الحقوق لا كلها كما لا يخفى، و لا مفهوم للعدد فى مثل هذه الروايات.

«1» (يغفر زلته) اى اذا لم يؤد بعض حقه لا يعاقبه و لا يعاتبه.

«2» (و يرحم عبرته) فاذا بكى لشي ء يريده اسعفه بحاجته.

«3» (و يستر عورته) بان لا يفشى سره و لا يهتك حجابه و لا يبدى نقصه، بل اذا رأى ذلك ستره و اخفاه.

ص: 130

و يقبل عثرته، و يقبل معذرته، و يرد غيبته، و يديم نصيحته، و يحفظ خلته، و يرعى ذمته، و يعود مرضه، و يشهد ميته، و يجيب دعوته، و يقبل هديته، و يكافى صلته،

______________________________

«4» (و يقبل عثرته) فاذا سقط فى دين او دنيا اقاله، كانه لم يحدث له سقوط.

«5» (و يقبل معذرته) فاذا اعتذر عن امر صدر منه خلاف الآداب قبل عذره.

«6» (و يرد غيبته) و قد تقدم معناه.

«7» (و يديم نصيحته) و ارشاده فى امور دينه و دنياه، فلا يترك نصحه لحادث صدر بينهما او تضجر عن ارشاده و نصحه.

«8» (و يحفظ خلته) اى صداقته بان يحفظ كونه صديقا له، فلا يقطع صداقته معه.

«9» (و يرعى ذمته) فاذا تعهد بشي ء رعاه حتى يخرج عما تعهد و تبرأ ذمته.

«10» (و يعود مرضه) فاذا مرض زاره.

«11» (و يشهد) اى يحضر (ميته) فاذا مات حضر عند موته و عند جنازته الخ.

«12» (و يجيب دعوته) لطعام او شهادة او ما اشبه.

«13» (و يقبل هديته) فلا يردها.

«14» (و يكافى صلته) فاذا وصله بشي ء قابله بصلة.

ص: 131

و يشكر نعمته، و يحسن نصرته، و يحفظ حليلته، و يقضى حاجته، و يستنجح مسألته، و يسمت عطسته، و يرشد ضالته، و يرد سلامه، و يطيب كلامه، و يبر انعامه،

______________________________

«15» (و يشكر نعمته) فاذا انعم عليه بشي ء اظهر له الشكر و الامتنان و فى الحديث من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق.

و لا يخفى ان الشكر لسانى و عملى فلكل شي ء شكر مناسب.

«16» (و يحسن نصرته) فاذا طلب نصرته، نصره نصرة حسنة.

«17» (و يحفظ حليلته) اى زوجته عند غيابه.

«18» (و يقضى حاجته) بادائها بنفسه او بالواسطة.

«19» (و يستنجح مسألته) اى يطلب نجح سؤاله و طلبه و لا يخفى ان قضاء الحاجة اعم من ان يسأل، أم لا.

«20» (و يسمت عطسته) فاذا عطس يقول له: يرحمك الله.

«21» (و يرشد ضالته) فاذا ضل عنه شي ء اهتم لوجدانها.

«22» (و يرد سلامه) فاذا سلم اجابه.

«23» (و يطيب كلامه) فلا يتكلم معه بالخشونة فى اللفظ او بالغلظة فى المعنى.

«24» (و يبر انعامه) فاذا انعم عليه ابره اى عامل معه معاملة البار، لا معاملة الجاف الغليظ، و هذا اعم من الشكر، و كلما جي ء بعام و خاص متقابلين اريد بالعام فردا هو غير الخاص فاذا قيل جئنى بانسان و حيوان اريد بالحيوان فرد مقابل الانسان، كما لا يخفى.

ص: 132

و يصدق اقسامه، و يوالى وليه، و لا يعاديه، و ينصره ظالما و مظلوما، فاما نصرته ظالما فيرده عن ظلمه و اما نصرته مظلوما فيعينه على اخذ حقه، و لا يسلمه و لا يخذله، و يحب له من الخير ما يحب لنفسه، و يكره له من الشر ما يكره لنفسه.

ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: ان احدكم ليدع من حقوق اخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة، فيقضى له عليه.

______________________________

«25» (و يصدق اقسامه) فاذا حلف على شي ء صدقه.

«26» (و يوالى وليه) بان يصادق اصدقائه.

«27» (و لا يعاديه) اى لا يجعل نفسه عدوا له فيما اذا حدث بينهما شحناء و بغضاء.

«28» (و ينصره ظالما و مظلوما فاما نصرته ظالما فيرده عن ظلمه) اذ لو لم يرده ابتلى بعذاب الله فى الدنيا و الآخرة، فتخليصه من العذاب نصرة له (و اما نصرته مظلوما فيعينه على اخذ حقه) من الظالم له.

«29» (و لا يسلمه و لا يخذله) فاذا دهمته داهمة كان معه فلا يسلمه للمصائب و الاعداء و لا يترك نصرته.

«30» (و يحب له من الخير ما يحب لنفسه، و يكره له من الشر ما يكره لنفسه) و المراد بالخير و الشر الاعم من الدنيوى و الدينى- كما لا يخفى-.

(ثم قال) على عليه السلام (سمعت رسول الله (ص) يقول: ان احدكم ليدع من حقوق اخيه شيئا فيطالبه به) اى بذلك الحق (يوم القيامة، فيقضى له عليه) بان يجعل الحق للاخ على ذلك التارك فى عقاب

ص: 133

و الاخبار فى حقوق المؤمن كثيرة و الظاهر إرادة الحقوق المستحبة التى ينبغى ادائها و معنى القضاء لذيها على من هى عليه المعاملة معه معاملة من اهملها بالحرمان عما اعدّ لمن ادّى حقوق الاخوة.

ثم ان ظاهرها و ان كان عاما، الا انه يمكن تخصيصها بالاخ العارف بهذه الحقوق المؤدى لها بحسب اليسر، اما المؤمن المضيع لها فالظاهر عدم تأكد مراعات هذه الحقوق بالنسبة إليه.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 3، ص: 134

______________________________

او حط درجة او ما اشبه.

(و الاخبار فى حقوق المؤمن كثيرة و الظاهر إرادة الحقوق المستحبة التى ينبغى ادائها) او الحقوق الاعم من الواجبة و المستحبة، كما يشهد لذلك اشتمال الحديث على الحقوق الواجبة (و معنى القضاء لذيها) اى لذى الحق (على من هى عليه) فى آخر الحديث (المعاملة معه) اى مع التارك (معاملة من اهملها بالحرمان) اى بان يحرم الله التارك (عما اعد لمن ادى حقوق الاخوة).

(ثم ان ظاهرها) اى ظاهر لزوم اداء تلك الحقوق (و ان كان عاما) بالنسبة إلى كل مسلم (الا انه يمكن تخصيصها بالاخ العارف بهذه الحقوق المؤدى لها بحسب اليسر) يعنى اذا تيسر له تيسرا عرفيا (اما المؤمن المضيع لها، فالظاهر عدم تأكد مراعات هذه الحقوق بالنسبة إليه) اما على الاحتمال الّذي ذكرناه فى صدر المبحث فالخروج عنها بالنسبة إلى كثير من الناس ليس من باب التخصيص و ما اشبه مما ذكره الشيخ ره، بل من باب عدم المقتضى- كما عرفت-.

ص: 134

و لا يوجب اهمالها مطالبته يوم القيامة لتحقق المقاصة، فان التهاتر يقع فى الحقوق، كما يقع فى الاموال.

و قد ورد فى غير واحد من الاخبار ما يظهر منه الرخصة فى ترك هذه الحقوق لبعض الاخوان، بل لجميعهم الا القليل، فعن الصدوق ره فى الخصال، و كتاب الاخوان و الكلينى بسندهما عن ابى جعفر عليه السلام، قال: قام إلى امير المؤمنين عليه السلام رجل بالبصرة، فقال اخبرنا عن الاخوان، فقال عليه السلام: الاخوان صنفان اخوان الثقة و اخوان المكاثرة

______________________________

(و) كيف كان (لا يوجب اهمالها) بالنسبة إلى المضيع (مطالبته يوم القيامة) بالنسبة إلى المهمل (لتحقق المقاصة) بين المهمل و المضيع (فان التهاتر) اى السقوط بالمقابلة (يقع فى الحقوق كما يقع فى الاموال) فاذا طلب كل واحد من زيد و عمرو من الآخر دينارا، تساقط الديناران.

(و قد ورد) فى القرآن الحكيم: فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ، و قد عممه الاردبيلى ره و غيره حتى بالنسبة إلى السباب و (فى غير واحد من الاخبار ما يظهر منه الرخصة فى ترك هذه الحقوق لبعض الاخوان، بل لجميعهم الا القليل، فعن الصدوق ره فى الخصال و) فى (كتاب الاخوان و الكلينى بسندهما عن ابى جعفر عليه السلام، قال: قام إلى امير المؤمنين عليه السلام رجل بالبصرة، فقال: اخبرنا عن الاخوان، فقال عليه السلام: الاخوان صنفان، اخوان الثقة) الذين يثق بهم الانسان فى اسراره و نوائبه و ما اشبه (و اخوان المكاثرة) يكاثر بهم، و يجعل نفسه منيعا فى الناس، لكثرة اخوانه- صورة- او اخوان

ص: 135

فاما اخوان الثقة، فهم كالكف و الجناح و الاهل و المال، فاذا كنت من اخيك على ثقة، فابذل له مالك و يدك و صاف من صافاه، و عاد من عاداه، و اكتم سره و عيبه و اظهر منه الحسن، و اعلم ايها السائل انهم اعز من الكبريت الاحمر.

و اما اخوان المكاثرة فانك تصيب منهم لذتك فلا تقطعن ذلك منهم، و لا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم

______________________________

المكاشرة بالشين بمعنى التبسم من غير صوت، و المراد واحد.

(فاما اخوان الثقة، فهم كالكف) التى يجلب الانسان بها الخير، و يدفع بها الضر (و الجناح) الّذي يطير به الانسان كما يطير الطائر بجناحيه (و الاهل و المال) فانهم يقومون مقام الاهل و المال فى نفع الانسان، و دفع البلاء عنه (فاذا كنت من اخيك على ثقة، فابذل له مالك و يدك) فانه يفعل ذلك بالنسبة أليك (و صاف من صافاه) اى كن مواليا لوليه (و عاد من عاداه) ليس المراد المعادات المحرمة و انما الابتعاد عمن ابتعد عنه (و اكتم سره و عيبه) فى اموره (و اظهر منه الحسن) اى الصفات و الافعال الحسنة (و اعلم ايها السائل انهم) اى اخوان الثقة (اعز من الكبريت الاحمر) اى الكيمياء الّذي يوجب قلب النحاس ذهبا.

(و اما اخوان المكاثرة)- المكاشرة- (فانك تصيب منهم لذتك) بالمصاحبة و الصداقة (فلا تقطعن ذلك) اى الصداقة و الوداد (منهم، و لا تطلبن ما وراء ذلك) اى ما وراء الوداد الظاهرى (من ضميرهم) اى لا تطلب باطنهم اذ لا يتأتى من كل انسان ان يكون أخا ثقة، فالطلب منه

ص: 136

و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه و حلاوة اللسان.

و فى رواية عبد الله الحلبى المروية فى الكافى، عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: لا تكون الصداقة الا بحدودها فمن كان فيه هذه الحدود او شي ء منها فانسبه إلى الصداقة و من لم يكن فيه شي ء منها، فلا تنسبه إلى شي ء من الصداقة.

فاوّلها: ان تكون سريرته و علانيته لك واحدة.

______________________________

ذلك اتعاب النفس بلا فائدة (و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه و حلاوة اللسان) فان هذا الحديث يدل على انه الحقوق السابقة تراعى بالنسبة إلى اخوان الثقة، لا مطلقا و قد قال عليه السلام انهم اعز من الكبريت الاحمر، و لا يخفى انه ليس المراد عدم كتمان سر الآخرين، بل المراد ان الاخ الثقة هو من يودعك سره، فاللازم كتمانه بخلاف الآخرين فهو من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

(و فى رواية عبد الله الحلبى المروية فى الكافى، عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: لا تكون الصداقة الا بحدودها) و آدابها (فمن كان فيه هذه الحدود) التى نذكرها (او شي ء منها فانسبه إلى الصداقة) و قل:

انه صديقك (و من لم يكن فيه شي ء منها، فلا تنسبه إلى شي ء من الصداقة) اى ليس فيها صداقة كاملة، و لا بعض الصداقة.

(فاوّلها) اى اوّل تلك الحدود (ان تكون سريرته و علانيته لك واحدة) فلا يخفى عنك شيئا مما يهمك و يرتبط بك.

ص: 137

و الثانية: ان يرى زينك زينه و شينك شينه.

و الثالثة: ان لا يغيره عليك ولاية و لا مال.

و الرابعة: ان لا يمنعك شيئا تناله بقدرته.

و الخامسة: و هى مجمع هذه الخصال، ان لا يسلمك عند النكبات.

و لا يخفى انه اذا لم تكن الصداقة لم تكن الاخوة، فلا بأس بترك الحقوق المذكورة بالنسبة إليه.

______________________________

(و الثانية: ان يرى زينك زينه و شينك شينه) اذ الحسن و القبيح يسرى من الصديق إلى الصديق.

(و الثالثة: ان لا يغيره عليك ولاية) اى منصب (و لا مال) بل يبقى بعد ولايته و ثروته معك كما كان قبلا.

(و الرابعة: ان لا يمنعك شيئا تناله) اى تريده (بقدرته) بان تريد جعل قدرته سببا لحصولك على مطلبك، فلا يمنع عن ذلك.

(و الخامسة: و هى مجمع هذه الخصال، ان لا يسلمك عند النكبات) جمع نكبة، بمعنى البلية و المصيبة.

و انما كانت هذه مجمعا، لان اقوى تجارب الصديق تجربة البلايا، فاذا لم يسلم صديقه كانت فيه الصفات و الحدود السابقة و الا فلا، انتهى الحديث.

(و لا يخفى انه اذا لم تكن الصداقة لم تكن الاخوة) اذ الاخوة بمعناها الخاص، لا بمعنى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ- مرتبة فوق الصداقة و اذا لم تكن الصداقة (فلا بأس بترك الحقوق المذكورة بالنسبة إليه).

ص: 138

و فى نهج البلاغة: لا يكون الصديق صديقا، حتى يحفظ اخاه فى ثلاث، فى نكبته، و فى غيبته، و فى وفاته.

و فى كتاب الاخوان بسنده عن الوصافى، عن ابى جعفر عليه السلام قال: قال لى: أ رأيت من كان قبلكم اذا كان الرجل ليس عليه رداء و عند بعض اخوانه رداء يطرحه عليه، قلت لا، قال: فاذا كان ليس عنده ازار يوصل إليه بعض اخوانه بفضل ازاره حتى يجد له ازارا قلت: لا قال: فضرب بيده على فخذه، و قال: ما هؤلاء باخوة، الخبر.

______________________________

و هذا أيضا يدل على ما ذكرناه من عدم لزوم مراعات الحقوق الثلاثين المذكورة فى النبوى بالنسبة إلى كثير من الناس.

(و فى نهج البلاغة) قال الامام امير المؤمنين عليه السلام (لا يكون الصديق صديقا، حتى يحفظ اخاه فى ثلاث، فى نكبته) بان يساعده فى بلاياه، و لا يبتعد عنه اذ اصابته نازلة (و فى غيبته) فيساعد اهله و يحفظ عرضه (و فى وفاته) فيظنه حيّا يكون لاهله كما كان لنفسه و يحفظ صداقته.

(و فى كتاب الاخوان بسنده عن الوصافى، عن ابى جعفر عليه السلام قال: قال لى: أ رأيت من كان قبلكم) اى من كان عندكم من المؤمنين (اذا كان الرجل ليس عليه رداء، و عند بعض اخوانه رداء يطرحه عليه) بمعنى هبته له (قلت لا، قال) عليه السلام (فاذا كان) الرجل (ليس عنده ازار يوصل إليه بعض اخوانه بفضل ازاره) اى ازاره الفاضل الزائد عنده (حتى يجد له) اى لنفسه (ازارا، قلت: لا، قال) الراوى (فضرب) الامام عليه السلام (بيده على فخذه، و قال: ما هؤلاء باخوة) الى آخر (الخبر).

ص: 139

دل على ان من لا يواسى المؤمن، ليس باخ له، فلا يكون له حقوق الاخوة المذكورة فى روايات الحقوق.

و نحوه رواية ابن ابى عمير عن خلاد، رفعه، قال ابطاء على رسول الله (ص) رجل فقال: ما ابطاء بك، قال العرى يا رسول الله، فقال:

أ ما كان لك جار له ثوبان يعيرك احدهما؟ فقال: بلى يا رسول الله قال:

ما هذا لك باخ.

و فى رواية يونس بن ظبيان قال: قال ابو عبد الله عليه السلام:

اختبروا اخوانكم

______________________________

(دل على ان من لا يواسى المؤمن، ليس باخ له، فلا يكون له حقوق الاخوة المذكورة فى روايات الحقوق) المتقدمة عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم.

و قد عرفت: ان المعيار الاخوة بالمعنى الاخص، لا الاخوة المستفادة من قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ.

(و نحوه رواية ابن ابى عمير عن خلاد، رفعه) اى لم يذكر السند (قال ابطاء على رسول الله (ص) رجل) فلم يحضر عنده مدة، ثم جاءه (فقال) صلى الله عليه و آله و سلم (ما ابطاء بك قال العرى يا رسول الله، فقال) صلى الله عليه و آله و سلم (أ ما كان لك جار له ثوبان يعيريك احدهما فقال بلى يا رسول الله) (ص) كان لى مثل هذا الجار (قال: ما هذا لك باخ) حيث يبخل بثوبه الزائد عن اعارتك.

(و فى رواية يونس بن ظبيان قال: قال ابو عبد الله (ع): اختبروا اخوانكم

ص: 140

بخصلتين، فان كانتا فيهم، و الا فاعزب ثم اعزب، المحافظة على الصلوات فى مواقيتها و البر فى الاخوان فى اليسر و العسر.

______________________________

بخصلتين، فان كانتا فيهم) فهم اخوان (و الا) تكونا فيهم (فاعزب) اى ابتعد عنه (ثم اعزب) ابتعد كثيرا، فالخصلتان هما (المحافظة على الصلوات فى مواقيتها و البر فى الاخوان فى اليسر و العسر) المراد كون البار فى يسرا و عسر، او كون الاخ فى يسر او عسر.

و كيف كان فهذه الروايات تدل على ان الشخص الّذي لا يتصف بهذه الصفات ليس باخ يلزم مراعات حقوقه.

و مع ذلك كله فما ذكرناه فى التوجيه فى صدر المبحث اولى، بالإضافة الى انه اقرب إلى الذهن لدى الاطلاق.

ص: 141

الخامسة عشرة القمار حرام اجماعا.
اشارة

و يدل عليه الكتاب و السنة المتواترة و هو بكسر القاف- كما عن بعض اهل اللغة- الرهن على اللعب بشي ء من الآلات المعروفة.

و حكى عن جماعة انه قد يطلق على اللعب بهذه الاشياء مطلقا و لو من دون رهن، و به صرح فى جامع المقاصد.

و عن بعض: ان اصل المقامرة المغالبة.

______________________________

المسألة (الخامسة عشرة) من الامور المحرمة الاكتساب بها (القمار) فانه- اى المقامرة- (حرام اجماعا) بل ضرورة من الدين.

(و يدل عليه) قبل الاجماع (الكتاب و السنة المتواترة) بل و العقل فى الجملة (و هو بكسر القاف- كما عن بعض اهل اللغة- الرهن) و الشرط (على اللعب بشي ء من الآلات المعروفة) بين الناس، لا المعروفة فى زمان الشارع، اذ من الواضح كون ما يتجدد من الآلات أيضا داخلا فى القمار المحرم.

(و حكى عن جماعة انه قد يطلق) القمار (على اللعب بهذه الاشياء مطلقا) اى (و لو من دون رهن، و به) اى بالإطلاق (صرح فى جامع المقاصد).

(و عن بعض: ان اصل المقامرة المغالبة) و من المعلوم المغالبة شاملة لما كان بدون الرهن.

ص: 142

و كيف كان فهنا مسائل اربع، لان اللعب قد يكون بآلات القمار مع الرهن، و قد يكون بدونه.

و المغالبة بغير آلات القمار قد تكون مع العوض، و قد تكون بدونه.

فالأولى: اللعب بآلات القمار مع الرهن،

و لا اشكال فى حرمته و حرمة العوض و الاجماع عليه محقق، و الاخبار به متواترة

الثانية: اللعب بآلات [القمار من دون رهن]

______________________________

(و كيف كان) فسواء قلنا: بإطلاق القمار، او خصوصيته (فهنا مسائل اربع، لان اللعب قد يكون بآلات القمار مع الرهن، و قد يكون بدونه) اى بدون الرهن.

(و المغالبة بغير آلات القمار) كالجوز و البيض (قد تكون مع العوض، و قد تكون بدونه) اى بدون العوض.

(ف) المسألة (الاولى: اللعب بآلات القمار مع الرهن) و المال فى مقابل اللعب للغالب (و لا اشكال) و لا خلاف (فى حرمته، و حرمة العوض) المأخوذ (و الاجماع عليه محقق، و الاخبار به متواترة).

علاوة على قوله سبحانه: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ.

و قوله سبحانه: وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ.

فقد روى محمد بن على عن ابى عبد الله عليه السلام، فى تفسير هذه الآية انه قال: نهى عن القمار، و كانت قريش يقامر الرجل باهله و ماله، فنهاهم الله عن ذلك.

و المسألة (الثانية: اللعب بآلات

ص: 143

القمار من دون رهن، و فى صدق القمار عليه نظر، لما عرفت.

و مجرد الاستعمال لا يوجب اجراء الاحكام المطلقات و لو مع البناء على اصالة الحقيقة فى الاستعمال لقوة انصرافها إلى الغالب من وجود الرهن فى اللعب بها.

______________________________

القمار من دون رهن) و مال للغالب (و فى صدق القمار عليه نظر، لما عرفت) من ان المشهور فى القمار: هو المعنى الاول، و المعنى الثانى انما ذهب إليه جماعة.

(و مجرد الاستعمال) للفظ القمار فى هذا المعنى (لا يوجب اجراء الاحكام المطلقات) التى ذكرت حرمة القمار عليه (و لو مع البناء على اصالة الحقيقة فى الاستعمال) كما يقول السيد المرتضى: من انه اذا استعمل لفظ فى معنى و لم نعلم انه حقيقة او مجاز كانت اصالة الحقيقة محكمة.

و انما نقول: بان احكام المطلقات لا تجرى فى اللعب بدون رهن و لو كان القمار فيه حقيقة (لقوة انصرافها) اى المطلقات (الى الغالب من وجود الرهن فى اللعب بها) و الانصراف يوجب عدم إرادة المولى من المطلق الا الفرد المنصرف إليه.

مثلا: لا اشكال فى ان الفقيه فى اللغة يطلق على مطلق من له علم بشي ء و لو بالحساب، لان الفقه فى اللغة الفهم، لكن اذا قال الامام عليه السلام: ليت السياط على رءوس اصحابى حتى يتفقهوا كان الكلام منصرفا الى علم شرائع الاسلام، حتى ان القول بالإطلاق خلاف الظاهر.

ص: 144

و منه يظهر الخدشة فى الاستدلال على المطلب بإطلاق النهى عن اللعب، بتلك الآلات بناء على انصرافه إلى المتعارف من ثبوت الرهن.

نعم قد يبعد دعوى الانصراف فى رواية ابى الربيع الشامى من الشطرنج و النرد، قال: لا تقربوهما قلت: فالغناء، قال: لا خير فيه لا تقربه.

و الاولى الاستدلال على ذلك بما تقدم فى رواية تحف العقول من ان ما يجي ء منه الفساد محضا لا يجوز التقلب فيه من جميع وجوه الحركات.

______________________________

(و منه) اى مما ذكرنا من انصراف المطلقات إلى اللعب بالرهن (يظهر الخدشة فى الاستدلال على المطلب) و ان اللعب بلا رهن قمار محرم (بإطلاق النهى عن اللعب، بتلك الآلات) آلات القمار كالشطرنج و النرد (بناء على انصرافه) اى النهى (الى المتعارف من ثبوت الرهن) بين اللاعبين.

(نعم قد يبعد دعوى الانصراف فى رواية ابى الربيع الشامى) حيث سئل الامام عليه السلام (من الشطرنج و النرد، قال) ع (لا تقربوهما) و القرب هنا من قبيل قوله سبحانه: وَ لٰا تَقْرَبُوا الزِّنىٰ، و قوله سبحانه وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ* (قلت: فالغناء، قال) عليه السلام (لا خير فيه لا تقربه) فانه ربما يقال: ان الظاهر من «لا تقربوهما» استعمالهما كيفما كان برهن او بدون رهن.

(و الاولى الاستدلال على ذلك) اى تحريم القمار و لو بدون رهن (بما تقدم فى رواية تحف العقول من ان ما يجئ منه الفساد محضا لا يجوز التقلب فيه من جميع وجوه الحركات).

ص: 145

و فى تفسير القمى عن ابى الجارود، عن ابى جعفر عليه السلام فى قوله: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ، قال: اما الخمر فكل مسكر من الشراب إلى ان قال: و اما الميسر فالنرد و الشطرنج، و كل قمار ميسر، الى ان قال: و كل هذا بيعه و شرائه و الانتفاع بشي ء من هذا حرام محرم.

و ليس المراد بالقمار هنا المعنى المصدرى حتى يرد ما تقدم من انصرافه الى اللعب مع الرهن، بل المراد الآلات بقرينة قوله: بيعه و شرائه.

______________________________

و من المعلوم: ان آلات القمار مما يجي ء منها الفساد محضا، فلا يجوز التقلب فيه باللعب و لو بدون رهن.

(و فى تفسير القمى عن ابى الجارود، عن ابى جعفر عليه السلام فى قوله) تعالى (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ، قال) عليه السلام (اما الخمر فكل مسكر من الشراب) اى لا تخص العنب و التمر (الى ان قال: و اما الميسر فالنرد و الشطرنج، و كل قمار ميسر، الى ان قال) عليه السلام (و كل هذا بيعه و شرائه و الانتفاع بشي ء من هذا حرام محرم) لفظ «محرم» للمبالغة فى التحريم من قبيل «ليل الليل».

(و ليس المراد بالقمار هنا) فى قول الباقر عليه السلام (المعنى المصدرى) اى المقامرة، فان القمار لفظ مشترك بين المصدر، و اسم العين (حتى يرد ما تقدم) فى كلامنا (من انصرافه) اى القمار بمعنى المصدر (الى اللعب مع الرهن، بل المراد) من القمار (الآلات بقرينة قوله: بيعه و شرائه

ص: 146

و قوله: و اما الميسر، فهو النرد الخ.

و يؤيد الحكم ما عن مجالس المفيد الثانى ره، ولد شيخنا الطوسى ره، بسنده عن امير المؤمنين عليه السلام- فى تفسير الميسر- فى ان كلما إلهى عن ذكر الله، فهو الميسر.

و رواية الفضيل، قال سألت أبا جعفر عليه السلام، عن هذه الاشياء التى يلعب بها الناس من النرد و الشطرنج حتى انتهيت إلى السّدر قال

______________________________

و) بقرينة (قوله: و اما الميسر، فهو النرد الخ) و الشطرنج و كل قمار ميسر.

(و يؤيد الحكم) بحرمة اللعب بدون الرهن (ما عن مجالس المفيد الثانى ره، ولد) شيخ الطائفة (شيخنا الطوسى ره، بسنده عن امير المؤمنين عليه السلام- فى تفسير الميسر- فى ان كلما إلهى عن ذكر الله فهو الميسر).

و من المعلوم الهاء آلات القمار عن ذكر الله و لو بدون الرهن.

(و رواية الفضيل، قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الاشياء التى يلعب بها الناس من النرد و الشطرنج حتى انتهيت إلى السّدر) كقبّر و هو معرب «سه در» يعنى صاحب الابواب الثلاثة، و هو اربع مربعات مستطيلة كل واحدة فى جوف الاخرى من المربع الاوسط إلى المربع الاخير ثمان خطوط فى الزوايا الاربع، و الاوساط الاربعة يلقون فى البيوت الحصاة، يلقى هذا واحدة و ذاك واحدة، فاذا كان الحصيات لاحدهما اكثر ترادفا «ثلاثة ثلاثة» من الآخر كان هو الغالب (قال) الامام عليه السلام

ص: 147

اذا ميّز الله الحق من الباطل مع ايهما يكون قال: مع الباطل، قال و مالك و الباطل.

و فى موثقة زرارة، عن ابى عبد الله عليه السلام، انه سئل عن الشطرنج و عن لعبة شيث التى يقال لها لعبة الاحمر، و عن لعبة الثلث، فقال:

أ رأيت اذا ميز الله بين الحق و الباطل، مع ايهما يكون؟ قلت: مع الباطل قال: فلا خير فيه.

و فى رواية عبد الواحد بن المختار، عن اللعب بالشطرنج قال ان المؤمن لمشغول عن اللعب فان مقتضى اناطة الحكم بالباطل و اللعب عدم اعتبار

______________________________

(اذا ميز الله الحق من الباطل مع ايهما يكون، قال) الراوى (مع الباطل قال) عليه السلام (و مالك و الباطل) فان العلة شاملة للعب بلا رهن.

(و فى موثقة زرارة عن ابى عبد الله عليه السلام، انه سئل عن الشطرنج و عن لعبة شيث التى يقال لها لعبة الاحمر و عن لعبة الثلث، فقال) عليه السلام (أ رأيت) اى اخبرنى (اذا ميز الله بين الحق و الباطل، مع ايهما يكون؟ قلت: مع الباطل، قال) عليه السلام (فلا خير فيه).

فانه حيث علل كونه باطلا شمل اللعب بغير رهن أيضا، لان اللعب ينصرف عنه الباطل و ان كان بعض اقسام اللعب حلالا.

(و فى رواية عبد الواحد بن المختار، عن اللعب بالشطرنج) معرب «شش رنگ» اى صاحب الوان ستة (قال) عليه السلام (ان المؤمن لمشغول عن اللعب، فان مقتضى اناطة الحكم) بالحرمة (بالباطل و اللعب) كما فى الاحاديث المتقدمة: (عدم اعتبار

ص: 148

الرهن فى حرمة اللعب بهذه الاشياء.

و لا يجرى دعوى الانصراف هنا،

الثالثة المراهنة على اللعب بغير الآلات المعدة للقمار

كالمراهنة على حمل الحجر الثقيل، و على المصارعة و على الطيور و على الطفرة

______________________________

الرهن فى حرمة اللعب بهذه الاشياء).

(و لا يجرى دعوى الانصراف هنا) فلا يقال: ان المنصرف من الباطل و اللعب ما كان مع الرهن.

لكن ربما يقال: انه لا مانع من الانصراف، لوضوح ان مطلق اللعب و الباطل- فى مقابل الحق- ليس حراما، فان اللعب منه جائز، و منه حرام، و الباطل قد يراد به المحرم، و قد يراد به الاعم المقابل للحق، اى الثابت كقول الشاعر:

الا كل شي ء ما خلا الله باطل و كل نعيم لا محالة زائل

بالإضافة إلى ان طائفة من الروايات المذكورة بين ضعيف السند او الدلالة، و الاحتياط واضح خصوصا فى مثل النرد و الشطرنج.

بل يمكن القول بالحرمة فيهما و ان لم نقل بالحرمة فى سائر الآلات، فتأمل.

و المسألة (الثالثة) من المسائل الاربع (المراهنة على اللعب بغير الآلات المعدة للقمار، كالمراهنة على حمل الحجر الثقيل، و على المصارعة و على الطيور) ايها يطير اسرع او يتمكن ان يقلب نفسه فى الهواء او يرجع اسرع، او يطير اعلى، او ما اشبه ذلك (و على الطفرة) و على السباحة و

ص: 149

و نحو ذلك مما عدوها فى باب السبق و الرماية من افراد غير ما نص على جوازه

و الظاهر الالحاق بالقمار فى الحرمة و الفساد بل صريح بعض انه قمار

و صرح العلامة الطباطبائى ره فى مصابيحه بعدم الخلاف فى الحرمة و الفساد و هو ظاهر كل من نفى الخلاف فى تحريم المسابقة فيما عدا المنصوص مع العوض و جعل محل الخلاف فيها بدون العوض، فان ظاهر ذلك

______________________________

العدو، و القفز فى الهواء (و نحو ذلك) من المراهنات المتعارفة بين الناس (مما عدوها فى باب السبق و الرماية من افراد غير ما نص على جوازه) فان الجواز المنصوص خاص بالخف و النصال و الحافر.

(و الظاهر) من النص و الفتوى (الالحاق بالقمار فى الحرمة و الفساد) لما دل على انه لا سبق الا فى ثلاث (بل صريح بعض انه قمار) لان القمار عبارة عن المغالبة الشاملة لمثل هذه الامور.

(و صرح العلامة الطباطبائى ره) السيد مهدى بحر العلوم (فى مصابيحه بعدم الخلاف فى الحرمة و الفساد) اى تكليفا و وضعا (و هو) اى عدم الخلاف فى التحريم (ظاهر كل من نفى الخلاف فى تحريم المسابقة فيما عدا المنصوص مع العوض).

و انما لم يكن نصا، لانهم لم يصرحوا بهذه الاشياء، و انما ذكروا الكلى و الكلى ظاهر فى افراده و ليس بنص، كما لا يخفى (و جعل) عطف على «نفى» (محل الخلاف فيها) اى فى المسابقة (بدون العوض، فان ظاهر ذلك) نفى الخلاف فى «مع العوض» و وجود الخلاف فى «بلا عوض»

ص: 150

ان محل الخلاف هنا هو محل الوفاق هناك.

و من المعلوم انه ليس هنا الا الحرمة التكليفية دون خصوص الفساد

و يدل عليه أيضا قول الصادق عليه السلام، انه قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ان الملائكة لتحضر الرهان فى الخف، و الحافر، و الريش و ما سوى ذلك قمار حرام.

و فى رواية ابى العلاء ابن سيابة، عن الصادق عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ان الملائكة لتنفر عند الرهان، و تلعن صاحبه، ما خلا الحافر و الريش و النصل.

______________________________

(ان محل الخلاف هنا) فيما كان بلا عوض (هو محل الوفاق هناك) اى مع العوض- اى الوفاق فى تحريمه-.

(و من المعلوم انه ليس هنا الا الحرمة التكليفية) اذ لا مال فى مقام يصح ان يكون صحيحا او فاسدا (دون خصوص الفساد) كما لا يخفى.

(و يدل عليه) اى على التحريم (أيضا قول الصادق عليه السلام، انه قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ان الملائكة لتحضر الرهان فى الخف) اى الابل (و الحافر) اى الفرس و الحمار (و الريش) اى السهم لانهم كانوا يجعلون له ريشا ليسرع فى السير بحمل الهواء له (و ما سوى ذلك قمار حرام) فانه يشمل جميع انواع المراهنة على تسابق خاص.

(و فى رواية ابى العلاء ابن سيابة، عن الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ان الملائكة لتنفر عند الرهان، و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الريش و النصل) المراد به السهم بدون ريش، و شبهه.

ص: 151

و المحكى عن تفسير العياشى، عن ياسر الخادم، عن الرضا عليه السلام، قال سألته عن الميسر، قال: الثقل من كل شي ء، قال: و الثقل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم و غيرها.

و فى مصححة معمر ابن خلاد، كلما قومر عليه فهو ميسر.

و فى رواية جابر، عن ابى جعفر عليه السلام، قيل يا رسول الله ما الميسر؟ قال كلما يقامر به حتى الكعاب و الجوز.

و الظاهر ان المقامرة بمعنى المغالبة على الرهن و مع هذه الروايات

______________________________

و المراد بالحافر الاقسام الثلاثة و تسمى به، لانها تحفر الارض و تجعل فيها اثرا باقدامها.

(و المحكى عن تفسير العياشى، عن ياسر الخادم، عن الرضا عليه السلام، قال سألته عن الميسر، قال) عليه السلام (الثقل من كل شي ء قال: و الثقل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم و غيرها) و سمى ثقلا لثقله.

(و فى مصححة معمر ابن خلاد، كلما قومر عليه فهو ميسر) و المقامرة بمعنى المغالبة.

(و فى رواية جابر، عن ابى جعفر عليه السلام، قيل يا رسول الله ما الميسر؟ قال) صلى الله عليه و آله و سلم (كلما يقامر به حتى الكعاب) و هى جمع كعب كل ما على و ارتفع و منه خصوص النرد و العظم و ما اشبه (و الجوز) الّذي يلعب به الصبيان.

(و الظاهر) من اللغة و التبادر (ان المقامرة بمعنى المغالبة على الرهن، و مع هذه الروايات

ص: 152

الظاهرة بل الصريحة فى التحريم المعتضدة بدعوى عدم الخلاف فى الحكم ممن تقدم، فقد استظهر بعض مشايخنا المعاصرين اختصاص الحرمة بما كان بالآلات المعدة للقمار، و اما مطلق الرهان و المغالبة بغيرها فليس فيه الافساد المعاملة، و عدم تملك الراهن، فيحرم التصرف فيه لانه اكل مال بالباطل و لا معصية من جهة العمل كما فى القمار، بل لو اخذ الرهن هنا بعنوان الوفاء بالعهد الّذي هو نذر لا كفارة له مع طيب النفس من الباذل لا بعنوان ان المقامرة

______________________________

الظاهرة بل الصريحة فى التحريم المعتضدة بدعوى عدم الخلاف فى الحكم ممن تقدم، فقد استظهر بعض مشايخنا المعاصرين) و هو صاحب الجواهر (اختصاص الحرمة بما كان بالآلات المعدة للقمار، و اما مطلق الرهان و المغالبة) مما ليس بآلات القمار (بغيرها) اى غير آلات القمار المتداولة (فليس فيه الافساد المعاملة، و عدم تملك الراهن، فيحرم التصرف فيه، لانه اكل مال بالباطل) و قد قال سبحانه: وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ (و لا معصية من جهة العمل) و المسابقة الخارجية (كما فى القمار) من انه عصيان عملا، و حرمة لاكل المال (بل لو اخذ) السابق (الرهن هنا) فى المسابقة بغير آلات القمار (بعنوان الوفاء بالعهد الّذي هو نذر له لا كفارة له) مقابل النذر الّذي له كفارة، و هو ما اذا نذر لله ان يفعل كذا، فاذا لم يفعله كانت عليه الكفارة.

و معنى النذر: هو التعهد بشي ء على نفسه (مع طيب النفس من الباذل) «مع» قيد لقوله «اخذ» (لا) انه اخذه (بعنوان ان المقامرة

ص: 153

المذكورة اوجبته و الزمته امكن القول بجوازه.

و قد عرفت من الاخبار اطلاق القمار عليه، و كونه موجبا للعن الملائكة و تنفرهم، و انه من الميسر المقرون بالخمر.

و اما ما ذكره اخيرا من جواز اخذ الرهن بعنوان الوفاء بالعهد، فلم افهم معناه لان العهد الّذي تضمنه العقد الفاسد لا معنى لاستحباب الوفاء به، اذ لا يستحب ترتيب آثار الملك على ما لم يحصل فيه سبب تملك

______________________________

المذكورة اوجبته) اى اوجبت المال (و الزمته) فى ذمته، ليكون ملزما بدفعه (امكن القول بجوازه) اى بجواز اخذ المال و اكله.

(و) لا يخفى ما فى كلام صاحب الجواهر، اذ: (قد عرفت من الاخبار) المتقدمة (اطلاق القمار عليه) اى على ما كان رهنا بدون آلات القمار (و كونه موجبا للعن الملائكة و تنفرهم) من صاحبه.

لكن ربما يقال: ان اللعن لا يدل على التحريم و كذلك تنفر الملائكة فان رسول الله لعن آكل زاده وحده، و الملائكة تنفر من بيت فيه بول او كلب او ما اشبه (و انه من الميسر المقرون بالخمر) فى الآية الكريمة فيدل اقترانه بها حرمته، مثل حرمة الخمر.

(و اما ما ذكره) الجواهر (اخيرا من جواز اخذ الرهن بعنوان الوفاء بالعهد، فلم افهم معناه).

و ذلك (لان العهد الّذي تضمنه العقد الفاسد لا معنى لاستحباب الوفاء به، اذ لا يستحب ترتيب آثار الملك على ما لم يحصل فيه سبب تملك)

لكن لا يخفى ان صاحب الجواهر لم يذكر الاستحباب، بل ذكر الجواز

ص: 154

الا ان يراد صورة الوفاء بان يملكه تمليكا جديدا بعد الغلبة فى اللعب، لكن حل الاكل على هذا الوجه جار فى القمار المحرم أيضا.

غاية الامر الفرق بينهما بان الوفاء لا يستحب فى المحرم.

لكن الكلام فى تصرف المبذول له بعد التمليك الجديد

______________________________

و كانه جعله من باب تعدد المطلوب الّذي يقولون به فى كثير من المسائل (الا ان يراد) من الوفاء (صورة الوفاء) اى انه كالوفاء صورة لا حقيقة.

فقوله «الوفاء» نائب فاعل «يراد» (بان يملكه تمليكا جديدا بعد الغلبة فى اللعب، لكن حل الاكل) للمال (على هذا الوجه) بتمليك جديد غير مربوط بالمعاهدة لدى المقامرة (جار فى القمار المحرم أيضا) فانه يجوز ان يملك المغلوب تمليكا جديدا بعد الغلبة، كمية من المال للغالب.

فلا وجه لتخصيص الجواهر الجواز بهذه الصورة.

(غاية الامر الفرق بينهما) القمار و المراهنة بغير آلات القمار (بان الوفاء لا يستحب فى المحرم) و هو القمار، لان الشارع نهى عن الوفاء بهذا الوعد، بخلاف الوفاء بالعهد فى غير الآلات، فانه يشمله ما دل على الوفاء بالعهود.

ففى صحيحة هشام عدة المؤمن نذر لا كفارة له، لكن لا يخفى ما فى هذا الفرق من الاشكال.

(لكن الكلام) الآن (فى تصرف المبذول له) فى المال (بعد التمليك الجديد) و ذلك لا يفرق فيه بين القمار و بين المراهنة بغير آلات القمار

ص: 155

لا فى فعل الباذل، و انه يستحب له أو لا.

و كيف كان فلا اظن الحكم بحرمة الفعل مضافا إلى الفساد محل اشكال بل و لا محل خلاف كما يظهر من كتاب السبق و الرماية، و كتاب الشهادات و تقدم دعواه صريحا من بعض الاعلام.

نعم عن الكافى و التهذيب بسندهما عن محمد بن قيس، عن ابى جعفر عليه السلام: انه قضى امير المؤمنين عليه السلام فى رجل آكل و اصحاب له

______________________________

فتفريق صاحب الجواهر ليس بفارق فى المقام (لا فى فعل الباذل) و انه يستحب له الوفاء فى ما ذا لم يكن بآلات القمار و لا يستحب اذا كان بآلات القمار (و انه يستحب له) الوفاء (أو لا) هذا عطف بيان لقوله «فعل الباذل».

(و كيف كان) سواء كان فرق بين المسألتين، أم لا (فلا اظن الحكم بحرمة الفعل) اى المقامرة بغير آلات القمار (مضافا إلى الفساد) للمعاملة فى صورة المراهنة بغير آلات القمار (محل اشكال بل و لا محل خلاف) بين الفقهاء، فانهم يقولون بالحرمة و الفساد (كما يظهر من كتاب السبق و الرماية، و كتاب الشهادات) فى مسئلة عدم قبول شهادة المقامر (و تقدم دعواه) اى عدم الخلاف (صريحا من بعض الاعلام) و هو السيد الطباطبائى

و الحاصل: ان فى اللعب بغير الآلات حرمة تكليفية و وضعية.

(نعم عن الكافى و التهذيب بسندهما عن محمد بن قيس، عن ابى جعفر عليه السلام: انه قضى امير المؤمنين عليه السلام) و حكم (فى) مسئلة (رجل آكل) من باب المفاعلة اى تبانى على الأكل (و اصحاب له)

ص: 156

شاة فقال: ان اكلتموها فهى لكم، و ان لم تأكلوها فعليكم كذا و كذا فقضى فيه ان ذلك باطل، لا شي ء فى المؤاكلة من الطعام ما قل منه او كثر و منع غرامة فيه.

و ظاهرها من حيث عدم ردع الامام عن فعل مثل هذا انه ليس بحرام

______________________________

عطف على الضمير فى «آكل» (شاة) اى تبانوا على اكل شاة كانت تلك الشاة للرجل (فقال) الرجل لاصحابه (ان اكلتموها) اى تمكنتم من اكلها تماما، بان لا يبقى منها شي ء (فهى لكم) و لا آخذ منكم ثمنها (و ان لم تأكلوها) بان لم تقدروا على اكل جميعها فى مجلس واحد (فعليكم) ان تعطونى (كذا و كذا) من المال، ثم جاءوا و سألوا الامام عليه السلام عن حكم هذا التبانى، و هل انه باطل او صحيح؟ (فقضى) امير المؤمنين عليه السلام (فيه) اى فى هذا السؤال (ان ذلك) التواكل اى التبانى (باطل، لا شي ء فى المؤاكلة من الطعام ما قل منه او كثر) فلا صاحب الشاة يغرم الشاة و غيرها اذا اكلها اصحابه- و لا الاصحاب يغرمون مقدار المراهنة الّذي قالوا «كذا و كذا» اذا لم يأكلوا الشاة (و منع) الامام (غرامة فيه) هذا عطف بيان لقوله عليه السلام «لا شي ء فى المؤاكلة» فهذا الحديث يكون دليلا لصاحب الجواهر الّذي يقول: بعدم الحرمة بالمراهنة بغير آلات القمار

(و) ذلك لان (ظاهرها) اى ظاهر هذه الرواية (من حيث عدم ردع الامام) امير المؤمنين عليه السلام (عن فعل مثل هذا) التراهن (انه ليس بحرام) فان الامام لم يذكر، الا انه لا يصح الرهان فلا خسارة على صاحب الشاة، و لا على اصحابه، و لو كان مثل هذا التراهن حراما، لكان

ص: 157

الا انه لا يترتب عليه الاثر.

لكن هذا وارد على تقدير القول بالبطلان، و عدم التحريم لان التصرف فى هذا المال مع فساد المعاملة حرام أيضا، فتأمل.

ثم ان حكم العوض- من حيث الفساد- حكم سائر المأخوذ بالمعاملات

______________________________

على الامام ان ينبه على ذلك فانّه لو سئل من الامام عن رجل زنى بامرأة فى مقابل ان يعطيها دينارا، فهل تستحق، أم لا؟ لا بد و ان يقول الامام الزنا حرام، و الرجل ليس بمديون (الا انه لا يترتب عليه) اى على هذا التراهن اى التواكل (الاثر) اى خسارة الرجل الشاة، او الاصحاب كذا و كذا.

(لكن) و مع ذلك كله فهذا الحديث كما يستشكل به علينا- حيث نقول بالحرمة و الحديث لا يدل عليها- كذلك يستشكل به على صاحب الجواهر الّذي يقول بعدم الحرمة مع بطلان المراهنة كذلك- حيث ان الحديث لم يدل على ضمان الآكلين للشاة مع انهم ضامنون قطعا- فكل منا و صاحب الجواهر يحتاج إلى ان يجيب عن هذا الحديث.

ف (هذا) الاشكال (وارد على تقدير القول) للجواهر (بالبطلان) للمراهنة (و عدم التحريم، لان التصرف فى هذا المال) الشاة- فى المثال- (مع فساد المعاملة حرام أيضا) مع ان الحديث لم ينبه عليه (فتأمل) حتى لا يستشكل على الجواهر، اذ فى بعض النسخ «دفع غرامة» مكان «منع غرامة» يعنى امر الامام بدفع الغرامة إلى صاحب الشاة.

(ثم ان حكم العوض- من حيث الفساد- حكم سائر المأخوذ بالمعاملات

ص: 158

الفاسدة، يجب رده على مالكه مع بقائه و مع التلف، فالبدل مثلا او قيمة

و ما ورد من قي ء الامام البيض الّذي قامر به الغلام فلعله للحذر من ان يصير الحرام جزءا من بدنه، لا للرد على المالك

______________________________

الفاسدة، يجب رده على مالكه مع بقائه) عينا (و مع التلف، فالبدل) ان كان قيميا فالقيمة و ان كان مثليا فالمثل، و لذا قال: (مثلا او قيمة).

(و) ان قلت: ان وجب رد المثل او القيمة فلما ذا تقيأ الامام ابو الحسن عليه السلام البيضة التى قامر بها الغلام حيث انه عليه السلام لما اخبر بانها بيضة المقامرة تقيأها اذ يكفى فى التخلص اعطاء بدلها الّذي هو المثل فى المقام.

قلت: (ما ورد من قي ء الامام البيض الّذي قامر به الغلام فلعله للحذر من ان يصير الحرام جزاء من بدنه، لا للرد على المالك) لوضوح ان المأكول لا يصح رده، فلم يكن القي ء للرد.

لكن الانصاف ان الرواية لا دلالة فيها على كون البيضة حاصلة من القمار، و انما ظاهرها ان البيضة المحللة كانت مما قومر بها.

و لعل قي ء الامام عليه السلام كان لاجل ان لا يقال: ان الامام يأكل البيضة التى تدخل حلبة القمار، كما ان الامام الباقر (ع) غسل البقعة من بدنه، لعله لئلا يقع: ان الامام يغسل الغسل الناقص، و امثاله كثيرة.

و قبل ذلك كله قصة النبي صلى الله عليه و آله و سلم فى زواجه حيث قال تعالى وَ تَخْشَى النّٰاسَ وَ اللّٰهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشٰاهُ فانه صلى الله عليه و

ص: 159

لكن يشكل بان ما كان تأثيره كذلك يشكل اكل المعصوم له جهلا بناء على عدم اقدامه على المحرمات الواقعية غير المتبدلة بالعلم، لا جهلا و لا غفلة.

لان ما دل على عدم جواز الغفلة عليه فى ترك الواجب و فعل الحرام دل على عدم جواز الجهل عليه فى ذلك.

______________________________

آله و سلم كان حذرا من لسان الناس، و الرواية هى رواية عبد الحميد بن سعيد، قال بعث ابو الحسن عليه السلام غلاما له يشترى بيضا، فاخذ الغلام بيضة او بيضتين، فقامر بها، فلما اتى به اكله، فقال له مولى له ان فيه من القمار، قال: فدعا بطشت، فتقيّأها و انت ترى عدم دلالة الرواية الا كون البيض كان مشترى لا محصلا من القمار.

(لكن) اذا قيل بانه عليه السلام كان اكلا لبيض حاصل من الحرام (يشكل بان ما كان تأثيره كذلك) يكون جزء من البدن حراما (يشكل اكل المعصوم له جهلا) بواقعه الحرام (بناء على عدم اقدامه على المحرمات الواقعية غير المتبدلة بالعلم) اى مما بقى مجهولا فلم يتبدل الجهل به الى العلم (لا جهلا و لا غفلة) اى لا يأكل الامام الحرام الواقعى لا عن جهل و لا عن غفلة.

(لان ما دل على عدم جواز الغفلة عليه) عليه السلام (فى ترك الواجب و فعل الحرام) و الا لخرج عن كونه معصوما (دل على عدم جواز الجهل عليه فى ذلك) الترك للواجب و الفعل للحرام.

ص: 160

اللهم الا ان يقال: بان مجرد التصرف من المحرمات العلمية و التأثير الواقعى غير المتبدل بالجهل، انما هو فى بقائه و صيرورته بدلا عما يتحلل من بدنه عليه السلام، و الفرض اطلاعه عليه السلام عليه فى اوائل وقت تصرف المعدة، و لم يستمر جهله

______________________________

(اللهم الا ان يقال: بان مجرد التصرف من المحرمات العلمية) التى لا يجب ان يكون الامام مجتنبا لها (و التأثير الواقعى) للحرام فى بدن الامام (غير المتبدل بالجهل) اى ان التأثير موجود، سواء علم الانسان بذلك، أم لا (انما هو فى بقائه) اى بقاء الحرام فى بدن الامام (و صيرورته بدلا عما يتحلل من بدنه عليه السلام، و الفرض اطلاعه عليه السلام عليه فى اوائل وقت تصرف المعدة، و لم يستمر جهله) اى الجهل بكونه حراما حتى يصير بدلا و جزء من بدنه عليه السلام.

و الحاصل فى الاشكال انه لو كان البيض حراما، حسب ما قلتم من ان بدل القمار حرام كيف اكله الامام مع انه موجب لمفسدتين.

الاول: التصرف المحرم و هو لا يصدر من المعصوم.

الثانى: ان الحرام كيف يمكن ان يكون جزء من بدن الامام.

و الجواب عن الاول ان جهل المعصوم بالموضوع غير ضار بمقام العصمة

و عن الثانى انه لم يصر جزء من بدن الامام، لانه تقيئه قبل ان يتحلل

اقول: لا يخفى ان دليل العصمة شامل لعدم اتيان الامام بالحرام مطلقا، سواء كان موضوعا او حكما، و هذا هو المشهور عند الشيعة.

فالجواب الاول من المصنف فى غير موقعه، بل الجواب ما ذكرناه

ص: 161

هذا كله لتطبيق فعلهم على القواعد و الا فلهم فى حركاتهم من افعالهم و اقوالهم شئونا لا يعلمها غيرهم.

الرابعة: المغالبة بغير عوض فى غير ما نصّ على جواز المسابقة فيه.

و الاكثر على ما فى الرياض على التحريم، بل حكى فيها عن جماعة دعوى الاجماع عليه، و هو الظاهر من بعض العبارات المحكية عن التذكرة

______________________________

بالإضافة إلى ضعف السند، و لو فرض انه وردت رواية صحت سندها لزم تاويلها او طرحها لمكان الادلة العقلية و النقلية المنافية لذلك.

و من المستغرب ان يستشكل المصنف فى كتاب الطهارة على الجواهر فى مسئلة تحديدات الكرّ بما يقول بمثله فى هذا المقام و الله الهادى العاصم.

(هذا كله لتطبيق فعلهم) عليهم السلام (على القواعد) الشرعية (و الا فلهم فى حركاتهم من افعالهم و اقوالهم شئونا لا يعلمها غيرهم) فليس لنا ان نتكلم حولهم عليهم السلام بعد ثبوت إمامتهم، و انهم حجج الله تعالى، و انهم لٰا يَعْصُونَ اللّٰهَ مٰا أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ مٰا يُؤْمَرُونَ.

المسألة (الرابعة) من اقسام المغالبة (المغالبة بغير عوض فى غير ما نص على جواز المسابقة فيه) من الخف و النصل و الحافر، كان يتغالب اثنان فى العدو، و السباحة بدون عوض، و انما لتجربة الاكثر منهما جريا او سباحة او ما اشبه.

(و الاكثر على ما فى الرياض على التحريم، بل حكى فيها عن جماعة دعوى الاجماع عليه، و هو الظاهر من بعض العبارات المحكية عن التذكرة

ص: 162

فعن موضع منها انه لا تجوز المسابقة على المصارعة بعوض و لا بغير عوض عند علمائنا اجمع، لعموم النهى الا فى الثلاثة الخف و الحافر و النصل.

و ظاهر استدلاله ان مستند الاجماع هو النهى، و هو جار فى غير المصارعة أيضا.

و عن موضع آخر لا تجوز المسابقة على رمى الحجارة باليد، و المقلاع و المنجنيق، سواء كان بعوض او بغير عوض عند علمائنا.

و فيه أيضا لا تجوز المسابقة على المراكب و السفن و الطيارات

______________________________

فعن موضع منها) انه قال: (انه لا تجوز المسابقة على المصارعة بعوض و لا بغير عوض عند علمائنا اجمع، لعموم النهى) اى قوله صلى الله عليه و آله و سلم: لا سبق (الا فى الثلاثة الخف و الحافر و النصل).

(و ظاهر استدلاله) نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم (ان مستند الاجماع هو النهى، و هو) اى عموم النهى (جار فى غير المصارعة أيضا) من سائر اقسام المغالبة.

(و عن موضع آخر) من التذكرة، انه قال: (لا تجوز المسابقة على رمى الحجارة باليد، و المقلاع) و هو ما له ثلاثة حبال، و مركز للحجارة ترمى منه بعد تدويره بكل قوة، و اطلاق احد الحبال الثلاثة لتنطلق الحجارة من مكانها بشدة (و المنجنيق سواء كان بعوض او بغير عوض عند علمائنا).

(و فيه) اى فى كتاب التذكرة (أيضا لا تجوز المسابقة على المراكب و السفن و الطيارات) لعل مراده الطائرة المعمولة الآن، لما ورد فى التواريخ ان جابر ابن حيان كان صنع الطائرة لبعض البرامكة، و المسائل من هذا

ص: 163

عند علمائنا.

و قال: أيضا: لا تجوز المسابقة على مناطحة الغنم و مهارشة الديك بعوض و لا بغير عوض، قال: و كذلك لا تجوز المسابقة بما لا ينتفع به فى الحرب، و عد فيما مثل به اللعب بالخاتم و الصولجان و رمى البنادق و الجلاهق، و الوقوف على رجل واحد، و معرفة ما فى اليد من الزوج و الفرد و سائر الملاعب و كذا اللبث فى الماء.

______________________________

القبيل موجودة فى كتب العلامة، اما كون مراده الطيارة الورقية، فخلاف الظاهر من قوله: على (عند علمائنا).

(و قال) العلامة (أيضا: لا تجوز المسابقة على مناطحة الغنم) ليرى ان اى الغنمين اقوى، و اقدر، و اغلب (و مهارشة الديك بعوض و لا بغير عوض، قال: و كذلك لا تجوز المسابقة بما لا ينتفع به فى الحرب، وعد) العلامة (فيما مثل به) لما لا ينتفع به فى الحرب (اللعب بالخاتم و الصولجان) اى العصى، و الكرة (و رمى البنادق) ليرى ايهما اكثر قوة فى تصعيد البندقة إلى السماء (و الجلاهق) قسم من البندقة او القوس اى الرمى من القوس، و هى لعبة لا تنفع الا العبث (و الوقوف على رجل واحد) ة، ليرى ايهما اكثر صبرا و صمودا (و معرفة ما فى اليد من الزوج و الفرد و سائر الملاعب) كمعرفة ان الشي ء المخفى فى أية يد من الايادى للمجتمعين (و كذا اللبث فى الماء) فى الشتاء، او فى داخل الماء لامتحان النفس الاطول من المتراهنين.

ص: 164

قال و جوزه بعض الشافعية، و ليس بجيد، انتهى.

و ظاهر المسالك: الميل إلى الجواز، و استجوده فى الكفاية و تبعه بعض من تأخر عنه، للاصل و عدم ثبوت الاجماع و عدم النص عدا ما تقدم من التذكرة من عموم النهى، و هو غير دال لان السبق فى الرواية يحتمل التحريك بل فى المسالك انه المشهور فى الرواية.

و عليه فلا يدل الا على تحريم المراهنة، بل هى غير ظاهرة فى

______________________________

(قال) العلامة (و جوزه بعض الشافعية، و ليس بجيد، انتهى) كلام العلامة قدس سره.

(و ظاهر المسالك: الميل إلى الجواز) فى المراهنة بغير عوض اذا لم يكن بآلات القمار (و استجوده فى الكفاية) اى قال انه جيد (و تبعه بعض من تأخر عنه، للاصل و عدم ثبوت الاجماع) الموجب للخروج عن الاصل، لانه مستند، و مثله ليس بحجة (و عدم النص عدا ما تقدم من التذكرة من عموم النهى) فى قوله صلى الله عليه و آله و سلم: لا سبق (و هو غير دال) على عدم جواز المغالبة بدون عوض (لان السبق فى الرواية يحتمل التحريك) على وزن «فرس» لا على وزن «فلس» (بل فى المسالك انه) اى التحريك (المشهور فى الرواية) و السبق بالتحريك هو المال، بخلاف السكون فانه بمعنى المغالبة.

(و عليه فلا يدل) النهى- بناء على التحريك- (الا على تحريم المراهنة) بجعل العوض (بل هى) اى لو قلنا: بان الرواية: سبق بالفتح (غير ظاهرة فى

ص: 165

التحريم أيضا، لاحتمال إرادة فسادها، بل هو الاظهر، لان نفى العوض ظاهر فى نفى استحقاقه و إرادة نفى جواز العقد عليه فى غاية البعد.

و على تقدير السكون فكما يحتمل نفى الجواز التكليفى، فيحتمل نفى الصحة لو روده مورد الغالب من اشتمال المسابقة على العوض.

و قد يستدل للتحريم أيضا بادلة القمار بناء على انه مطلق

______________________________

التحريم أيضا، لاحتمال إرادة فسادها) اى فساد المراهنة، لا الحرمة التكليفية.

فالمعنى ان عقد المراهنة بعوض باطل غير لازم، الا اذا كان فى الخف و النصل و الحافر (بل هو) اى الفساد (الاظهر، لان نفى العوض) فى السبق- بالتحريك- (ظاهر فى نفى استحقاقه و إرادة نفى جواز العقد عليه فى غاية البعد) فان الاوامر و النواهى المتعلقة بالمركبات و المعاملات ظاهرة فى الوضع، لا التكليف كما قرر فى محله.

(و على تقدير السكون) فى لفظ: السبق، حتى يكون بمعنى المغالبة (فكما يحتمل نفى الجواز التكليفى، فيحتمل نفى الصحة) أيضا (لوروده) اى النهى (مورد الغالب من اشتمال المسابقة على العوض) بل لا يحتاج إلى هذا التعليل أيضا.

فالرواية تقول: ان مطلق المراهنة، سواء كانت بعوض أو لا لا تنعقد الا فى الثلاث، لكن يرد ذلك بان ظاهر قوله صلى الله عليه و آله: ان الملائكة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه، ظاهر فى التحريم، فتأمل.

(و قد يستدل للتحريم أيضا بادلة القمار بناء على انه) اى القمار (مطلق

ص: 166

المغالبة، و لو بدون العوض، كما يدل عليه ما تقدم من اطلاق الرواية بكون اللعب بالنرد و الشطرنج بدون العوض قمارا.

و دعوى انه يشترط فى صدق القمار احد الامرين اما كون المغالبة بالآلات المعدة للقمار، و ان لم يكن عوض، و اما المغالبة مع العوض و ان لم يكن بالآلات المعدة للقمار على ما شهد به اطلاقه فى رواية الرهان فى الخف و الحافر فى غاية البعد.

بل الاظهر انه مطلق المغالبة.

______________________________

المغالبة، و لو بدون العوض، كما يدل عليه) اى على ان القمار مطلق المغالبة (ما تقدم من اطلاق الرواية بكون اللعب بالنرد و الشطرنج بدون العوض قمارا) أيضا، و لذا قال المشهور بتحريمه.

(و) اما (دعوى انه يشترط فى صدق القمار) المنهى عنه (احد الامرين اما كون المغالبة بالآلات المعدة للقمار، و ان لم يكن عوض، و اما المغالبة مع العوض و ان لم يكن بالآلات المعدة للقمار) كالمغالبة بالجوز و البيض و ما اشبه (على ما شهد به) اى بشمول القمار لما فيه العوض و ان لم يكن بآلاته (اطلاقه) اى القمار على كل ما فيه عوض (فى رواية الرهان فى الخف و الحافر) اذ معناه لا عوض الا فى الخف و الحافر مما يدل على ان اخذ العوض حرام فيما سواهما (فى غاية البعد) لان اطلاق القمار عليهما دون ما سواهما لم يدل عليه الدليل.

(بل الاظهر انه) اى القمار (مطلق المغالبة).

ص: 167

و يشهد له ان اطلاق آلة القمار موقوف على عدم دخول الآلة فى مفهوم القمار كما فى سائر الآلات المضافة إلى الاعمال و الآلة غير مأخوذة فى المفهوم، و قد عرفت ان العوض- أيضا- غير مأخوذ فيه فتأمل.

______________________________

(و يشهد له) اى ان القمار مطلق المغالبة (ان اطلاق آلة القمار موقوف على عدم دخول الآلة فى مفهوم القمار) و الا كان من قبيل اضافة الشي ء إلى نفسه، و يكون المعنى حينئذ آلة آلة القمار.

اما اذا كان القمار المغالبة كانت الاضافة هكذا: آلة المغالبة (كما فى سائر الآلات المضافة إلى الاعمال) مثل آلة الحياكة و آلة النجارة و آلة الحلاقة، و ما اشبه ذلك (و الآلة غير مأخوذة فى المفهوم) من تلك الاعمال (و قد عرفت ان العوض- أيضا- غير مأخوذ فيه) اى فى مفهوم القمار، و إلا لزم اضافة الشي ء إلى نفسه فى قولهم: عوض القمار لان يكون حينئذ: عوض عوض القمار.

و الحاصل: ان القمار بمعنى المغالبة، و الآلة و العوض خارجان عن هذا المفهوم (فتأمل) لعله اشارة إلى انه لوجئ بالآلة، جرد القمار عن معنى الآلة و لو لم يؤت بالآلة، كان بمعنى المغالبة بالآلات الخاصة

و يدل على ذلك انه لو اطلق: فلان يلعب القمار لم يسبق إلى الذهن الا اللعب بالآلات الخاصة، و لا بدع فيما ذكر، فكثير من الالفاظ اذا لم تقارن بلفظ آخر، كان معناه شي ء و اذا قورنت بلفظ آخر صار معناه شيئا آخر، مثل: الظرف و الجار و المجرور، و الفقير و المسكين و غيرهما.

ص: 168

و يمكن ان يستدل على التحريم أيضا بما تقدم من اخبار حرمة الشطرنج و النرد، معللة بكونها من الباطل و اللعب، و ان كل ما إلهى عن ذكر الله، فهو الميسر.

و قوله عليه السلام فى بيان اللعب بالاربعة عشر: لا تستحب شيئا من اللعب غير الرهان و الرمى و المراد رهان الفرس، و لا شك فى صدق اللهو و اللعب فيما نحن فيه.

ضرورة ان العوض لا دخل له فى ذلك.

و يؤيده

______________________________

(و يمكن ان يستدل على التحريم أيضا) للمغالبة بغير عوض (بما تقدم من اخبار حرمة الشطرنج و النرد، معللة) للتحريم (بكونها من الباطل و اللعب، و ان كل ما إلهى عن ذكر الله، فهو الميسر) فيشمله قوله تعالى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ.

(و قوله عليه السلام فى بيان اللعب بالاربعة عشر: لا تستحب شيئا من اللعب غير الرهان و الرمى و المراد رهان الفرس، و) الابل و الحمير فهذه العلل المذكورة فى هذه الروايات شاملة للمغالبة بدون الرهن، اذ: (لا شك فى صدق اللهو و اللعب فيما نحن فيه) اى المغالبة بغير عوض.

(ضرورة ان العوض لا دخل له فى ذلك) لصدق اللهو و اللعب و الباطل و ما اشبه.

(و يؤيده) اى تحريم المغالبة من غير عوض، و انما جعله مؤيد الآن

ص: 169

ما دل على ان كل لهو المؤمن باطل، خلا ثلاثة، و عد منها اجراء الخيل و ملاعبة الرجل امرأته.

و لعله لذلك كله استدل فى الرياض تبعا للمهذب بما دل على حرمة اللهو.

لكن قد يشكل الاستدلال فيما اذا تعلق بهذه الافعال غرض صحيح يخرجه عن صدق اللهو عرفا.

فيمكن اناطة الحكم باللهو، و يحكم فى غير مصاديقه بالإباحة

______________________________

الرواية لا تدل على التحريم، للبداهة على تحريم كل لهو كما سيأتى (ما دل على ان كل لهو المؤمن باطل، خلا ثلاثة، و عد منها اجراء الخيل و ملاعبة الرجل امرأته) و لو كانت المغالبة بدون الرهن خارجة عن الموضوع فى هذا الحديث.

(و لعله لذلك) الّذي ذكرنا (كله) من المؤيد لحرمة المغالبة بدون الرهن (استدل فى الرياض تبعا للمهذب) فى مسئلتنا هذه (بما دل على حرمة اللهو)، لانهما رأيا ان المغالبة داخلة فى اللهو- موضوعا-.

(لكن قد يشكل الاستدلال) للحرمة بكونه لهوا (فيما اذا تعلق بهذه الافعال غرض صحيح يخرجه عن صدق اللهو عرفا) كما اذا ارادوا تقوية البدن فى المصارعة و العدو و تعلم السباحة الحسنة للنجاة من المهالك فى المغالبة على السباحة و ما اشبه ذلك.

(فيمكن) اذا كان وجه التحريم كونه لهوا (اناطة الحكم) حرمة و إباحة (باللهو، و يحكم فى غير مصاديقه) اى غير مصداق اللهو (بالإباحة

ص: 170

الا ان يكون قولا بالفصل.

و هو غير معلوم، و سيجي ء بعض الكلام فى ذلك عند التعرض لحكم اللهو و موضوعه ان شاء الله تعالى.

______________________________

الا ان يكون) هذا التفصيل بين المغالبة اللهوية فتحرم، و غير اللهوية فتجوز (قولا بالفصل) فيكون خلاف الاجماع المركب.

اذ: الفقهاء بين من يقول بحلية المغالبة بدون الرهن مطلقا و بين من يقول بالحرمة مطلقا.

(و) لكن (هو) اى كونه قولا بالفصل (غير معلوم، و سيجي ء بعض الكلام فى ذلك عند التعرض لحكم اللهو) و ان منه حلالا و منه حراما (و موضوعه ان شاء الله تعالى).

لكن جماعة من الفقهاء استدلوا على جواز المغالبة بغير الآلات، و غير الرهن، بمصارعة الامام الحسن و الامام الحسين عليهما السلام و بالتقاطهما حبات قلادة الزهراء صلوات الله عليها و بكتابتهما، كما نقلها المجلسى ره و غيره.

كما انه ربما استدل ذلك بسيرة المتشرعة من المغالبة فى السباحة، و المشاعرة و الكتابة و القراءة حفظا و ما اشبه.

ثم انه يجوز للثالث ان يجعل جائزة للغالب من الجانبين، كما هو كثير عند المتشرعة فى المشاعرة و السباحة و ما اشبه، و الله العالم.

ص: 171

السادسة عشرة القيادة حرام

و هى السعى بين الشخصين لجمعهما على الوطي المحرم و هى من الكبائر و قد تقدم تفسير الواصلة و المستوصلة بذلك فى مسئلة تدليس الماشطة.

و فى صحيحة ابن سنان: انه يضرب ثلاثة ارباع حد الزانى خمسة و سبعين سوطا، و ينفى من المصر الّذي هو فيه.

______________________________

المسألة (السادسة عشرة) مما يحرم الاكتساب به لحرمته (القيادة حرام و هى السعى بين الشخصين لجمعها على الوطي المحرم) و المنصرف عنها بين الاجنبى و الاجنبية عن القواد اما بين الاجنبى و المرأة القريبة للقواد، فتسمى بالدياثة (و هى من الكبائر، و قد تقدم تفسير الواصلة و المستوصلة بذلك) اى بالقيادة (فى مسئلة تدليس الماشطة).

و حيث كان هذا العمل حراما كانت الاجرة المأخوذة على ذلك أيضا محرمة، فان الله اذا حرم شيئا حرم ثمنه.

و لانه اكل للمال بالباطل.

(و فى صحيحة ابن سنان: انه) اى القواد (يضرب ثلاثة ارباع حد الزانى خمسة و سبعين سوطا، و ينفى من المصر الّذي هو فيه).

و كما ان القيادة و الدياثة محرمتان كذلك الجمع بين اللاطى و الملوط، و المتساحقتين و كذلك بين اثنين محرمين لعدم الوطء بل

ص: 172

..........

______________________________

للقبلة و الملامسة و ما اشبه، و بين الرجل و الخنثى، و الخنثى و الانثى، بل بين الانسان و الحيوان ايهما كان الواطئ.

و كما يحرم هذه الامور بالنسبة إلى الانسانين و الانسان و الحيوان كذلك يحرم بالنسبة إلى الانسان و الجماد كالمجسمات المطاطية فى صورة رجل او امرأة و الاعضاء التناسلية لاحدهما، فالظاهر حرمة المعاملة، فانه من قبيل ايصال حرام إلى حرام.

و هكذا يحرم الدخول فى الامور المرتبطة بهذه المحرمات، من كتابة و شهادة و وظيفة كما اعتاد بعض الغربيين فى العصر الحاضر من جعل الوكالات و الفروع لهذه الامور اعاذ الله المسلمين منها.

اما تفصيل الكلام فى هذه الامور فمنوط بالكتب الاستدلالية و خصوصا الحدود و التعزيرات.

ص: 173

السابعة عشرة القيافة حرام فى الجملة

نسبه فى الحدائق إلى الاصحاب و فى الكفاية لا اعرف خلافا، و عن المنتهى الاجماع.

و القائف- كما عن الصحاح و القاموس و المصباح- هو الّذي يعرف الآثار، و عن النهاية و مجمع البحرين- زيادة- انه يعرف شبه الرجل باخيه و ابيه.

و فى جامع المقاصد و المسالك كما عن إيضاح النافع و الميسية انها الحاق الناس بعضهم ببعض.

______________________________

المسألة (السابعة عشرة) مما يحرم الاكتساب به لحرمته (القيافة).

هى (حرام فى الجملة) لما سيأتى من عدم حرمة بعض اقسامها (نسبه) اى التحريم (فى الحدائق إلى الاصحاب و فى الكفاية لا اعرف خلافا، و عن المنتهى الاجماع) عليه.

(و القائف- كما عن الصحاح و القاموس و المصباح- هو الّذي يعرف الآثار، و عن النهاية و مجمع البحرين- زيادة- انه يعرف شبه الرجل باخيه و ابيه) هذا من باب المثال، و الا فالمراد مطلق مشابهة الاقرباء فيحكم القائف بان هذا قريب هذا و هذا ليس بقريب ذاك.

(و فى جامع المقاصد و المسالك كما عن إيضاح النافع و الميسية انها) اى القيافة (الحاق الناس بعضهم ببعض) و هذا أيضا من باب المثال، و

ص: 174

و قيد فى الدروس، و جامع المقاصد كما فى التنقيح حرمتها بما اذا ترتب عليها محرم، و الظاهر انه مراد الكل، و الا فمجرد حصول الاعتقاد العلمى او الظنى بنسب شخص لا دليل على تحريمه.

و لذا نهى فى بعض الاخبار عن اتيان القائف، و الاخذ بقوله.

ففى المحكى عن الخصال: ما احب ان تأتيهم.

______________________________

إلا فمن القيافة بيان عدم الحاق بعض الناس ببعض أيضا هذا كله فى موضوع القيافة.

(و) اما حكمها ف (قيد فى الدروس، و جامع المقاصد كما فى التنقيح حرمتها بما اذا ترتب عليها محرم، و الظاهر انه) اى ما اذا ترتب عليها محرم (مراد الكل) بان يقول: ان زيدا ابن عمرو، و الحال انه ليس بابنه واقعا او يقول: ان خالدا ليس اخا بكر و الحال انه اخوه، و ما اشبه ذلك (و الا فمجرد حصول الاعتقاد العلمى او الظنى بنسب شخص) من دون ترتيب الآثار (لا دليل على تحريمه).

(و لذا) الّذي ذكرنا من انه بدون ترتيب الآثار لا دليل على التحريم (نهى فى بعض الاخبار عن اتيان القائف، و الأخذ بقوله) فالسبب هو الاخذ بالقول.

(ففى المحكى عن الخصال: ما احب ان تأتيهم) و هو خبر ابى بصير عن الصادق عليه السلام حيث سأله قائلا: فالقيافة، قال: ما احب ان تأتيهم.

ص: 175

و عن مجمع البحرين ان فى الحديث لا آخذ بقول قائف.

و قد افترى بعض العامة على رسول الله (ص) فى انه قضى بقول القافة.

و قد انكر ذلك عليهم فى الاخبار، كما يشهد به ما عن الكافى عن زكريا بن يحيى بن نعمان المصرى، قال سمعت على بن جعفر يحدث الحسن بن الحسين بن على بن الحسين، فقال: و الله لقد نصر الله أبا الحسن الرضا فقال الحسن: اى و الله جعلت فداك، لقد بغى عليه اخوته، فقال على بن جعفر: اى و الله و نحن عمومته بغينا عليه، فقال له الحسن: جعلت فداك كيف صنعتم، فانى لم احضركم قال:

______________________________

(و عن مجمع البحرين ان فى الحديث لا آخذ بقول قائف) فان الظاهر من الحديث الاول: كون الاتيان لاجل الاخذ، كما ان صريح الحديث الثانى.

(و قد افترى بعض العامة على رسول الله (ص) فى انه قضى بقول القافة) جمع قائف، مثل باعة جمع بائع.

(و قد انكر ذلك) القضاء من رسول الله بقول القائف (عليهم) اى على العامة (فى الاخبار، كما يشهد به) اى بالانكار (ما عن الكافى عن زكريا بن يحيى بن نعمان المصرى، قال سمعت على بن جعفر يحدث الحسن بن الحسين بن على بن الحسين، فقال: و الله لقد نصر الله أبا الحسن الرضا) عليه السلام (فقال الحسن: اى و الله جعلت فداك، لقد بغى عليه اخوته، فقال على بن جعفر: اى و الله، و نحن عمومته بغينا عليه، فقال له الحسن: جعلت فداك كيف صنعتم، فانى لم احضركم قال) على ابن

ص: 176

فقال له اخوته و نحن أيضا ما كان فينا امام قط حائل اللون فقال لهم الرضا هو ابنى، فقالوا: ان رسول الله (ص) قضى بالقافة فبيننا و بينك القافة، فقال: ابعثوا انتم إليهم، و اما انا فلا، و لا تعلموهم لما دعوتموهم إليه و ليكونوا فى بيوتكم فلما جاءوا و قعدنا فى البستان و اصطف عمومته و اخوته و اخواته و اخذ و الرضا (ع) و البسوه جبة من صوف، و قلنسوة و وضعوا

______________________________

جعفر (فقال له اخوته و نحن أيضا ما كان فينا امام قطّ حائل اللون) اى مائلا إلى السمرة الشديدة فان الامام الجواد عليه السلام كان اسمر، و اراد اخوة الرضا و عمومته ان ينفوا الجواد عن الرضا عليهما السلام حسدا، حيث علموا بانه ان بقى كان هو الامام، وفاتهم المنصب الّذي كانوا يزعمون انه يأتيهم لو نفى الجواد عن الرضا عليهما السلام (فقال لهم الرضا) عليه السلام (هو ابنى، فقالوا: ان رسول الله (ص) قضى ب) حكم (القافة) اى القائف الّذي يقول: ان فلانا ابن فلان، او ليس ابن فلان (فبيننا و بينك القافة، فقال) الامام الرضا عليه السلام (ابعثوا انتم إليهم، و اما انا فلا) حيث كان الامام يعلم كذبهم، فان رسول الله (ص) لم يقض بالقافة (و لا تعلموهم) اى القافة (لما دعوتموهم إليه و ليكونوا فى بيوتكم) و قد قال الامام عليه السلام ذلك، لانهم ان اعلموا القافة، و علم القافة بميل أولئك إلى نفى الجواد، نفوا الامام عن ابيه الرضا عليه السلام (فلما جاءوا) القافة (و قعدنا فى البستان) المعدّ لحكم القافة هناك (و اصطف عمومته) اى عمومة الامام الرضا (ع) (اخوته و اخواته) لينظروا ما هو حكم القافة (و اخذوا الرضا «ع» و البسوه جبة من صوف، و قلنسوة و وضعوا

ص: 177

على عنقه مسحاة و قالوا له ادخل البستان كانك تعمل فيه، ثم جاءوا بابى جعفر، عليه السلام و قالوا: له الحقوا هذا الغلام بابيه، فقالوا ما له هنا اب، و لكن هذا عم ابيه، و هذا عمه و هذه عمته و ان يكن له هنا اب فهو صاحب البستان فان قدميه و قدميه واحدة فلما رجع ابو الحسن عليه

______________________________

على عنقه مسحاة) ليكون كالفلاحين زيادة فى تعمية الامر على القافة (و قالوا له) اى للامام الرضا عليه السلام (ادخل البستان كانك تعمل فيه) و من فلاحيه (ثم جاءوا) اى الاعمام (بابى جعفر) الجواد (عليه السلام، و قالوا) للقافة (الحقوا هذا الغلام بابيه، فقالوا) اى القافة (ما له هنا) فى هذا المكان (اب و لكن هذا عم ابيه، و هذا عمه، و هذه عمته) و علمه كونها عمته اما كان من المشى، و كيفية الجسم طولا و قصرا و ما اشبه، و اما لان بعض الاعمام سمحوا للعمة بابداء وجهها للقافة، فان من يستعد لان يعصى الله سبحانه فى نفى ولد الامام فهو لمثل هذا العصيان اكثر استعدادا و قد كان فى اولاد الائمة عليهم السلام من هو بمنزلة ابن نوح عليه السلام و اخوة يوسف عليه السلام، ثم قال القافة (و ان يكن له هنا اب، فهو صاحب البستان) اى الامام الرضا عليه السلام (فان قدميه) اى الجواد عليه السلام (و قدميه) اى الرضا عليه السلام (واحدة) تشبه احدهما الاخرى.

و كان هذا القول من القافة حين كان الامام الرضا داخلا إلى البستان، و كان مواجها لهم، ثم ادبر الامام عليه السلام يريد الخروج (فلما رجع ابو الحسن) الرضا (عليه

ص: 178

السلام قالوا هذا ابوه، فقال على بن جعفر فقمت و مصصت ريق ابى جعفر، عليه السلام، و قلت: اشهد انك امامى، الخبر نقلناه بطوله تيمّنا.

______________________________

السلام) و رأى القافة اقدامه من خلف، كما رأوا اقدامه من الامام (قالوا هذا) البستانى (ابوه) اى والد الجواد عليه السلام قطعا، و حكموا بذلك حكما جازما (فقال على بن جعفر فقمت و مصصت ريق ابى جعفر) الجواد (عليه السلام، و قلت: اشهد انك امامى) الى آخر (الخبر).

و كان على ابن جعفر عليه السلام انسانا طيبا و ان زلت قدمه فى هذه القصة، و قد من الله سبحانه عليه بالطاعة و الامتثال لامر الامام الجواد، و قد كان الامام الجواد اذ ذاك صغير العمرو على ابن جعفر حينذاك شيخ كبير، اذ هو ابن الامام الباقر عليه السلام، و ذات مرة قال لعلى بن جعفر بعض الناس: كيف تحترم هذا الصبى- يعنون الجواد عليه السلام- و انت بهذه المثابة من العلم و الفقاهة، فقال على بن جعفر عليه السلام، ما ذا افعل؟ اذا وضع الله الامامة فى هذا الصبى و ما رآني الله قابلا لذلك هذا تفسير كلامه بالمعنى.

و انما الخبر (نقلناه بطوله تيمنا) و تبركا و للخبر بقية لم ننقلها خوف التطويل.

ص: 179

الثامنة عشرة الكذب حرام بضرورة العقول و الاديان،
اشارة

و تدل عليه الادلة الاربعة الا ان الّذي

ينبغى الكلام فيه مقامان.
احدهما: فى انه من الكبائر،

و الثانى: فى مسوغاته.

اما الأول: فالظاهر من غير واحد من الاخبار كالمروى فى العيون بسنده

______________________________

المسألة (الثامنة عشرة) مما يحرم الاكتساب به لحرمته بنفسه (الكذب) و هو (حرام بضرورة العقول و الاديان، و تدل عليه الادلة الاربعة).

فمن الكتاب قوله تعالى: لَعْنَتَ اللّٰهِ عَلَى الْكٰاذِبِينَ.

و من السنة قوله عليه السلام: جعلت الخبائث كلها فى بيت واحد و جعل مفتاحها الكذب.

و الاجماع مقطوع به و مصرح به فى كلام غير واحد.

و العقل يرى قبح ذلك، و حيث انه فى سلسلة العلل، و كلما حكم به العقل حكم به الشرع، كان مقتضاه الحرمة الشرعية أيضا.

و بالجملة لا كلام فى حرمة الكذب (الا ان الّذي ينبغى الكلام فيه) اى فى هذا الموضوع (مقامان).

(احدهما: فى انه من الكبائر، و الثانى: فى مسوغاته) اى الامور التى تجوز الكذب، لكون رعايتها اهم من رعاية الكذب.

(اما) المقام (الاول: فالظاهر من غير واحد من الاخبار كالمروى فى العيون بسنده

ص: 180

عن الفضل ابن شاذان لا يقصر عن الصحيح و المروى عن الاعمش فى حديث شرائع الدين عده من الكبائر.

و فى الموثقة، بعثمان بن عيسى ان الله تعالى جعل للشرّ اقفالا، و جعل مفاتيح تلك الاقفال: الشراب، و الكذب شرّ من الشراب.

______________________________

عن الفضل ابن شاذان لا يقصر عن الصحيح) لا يقصر صفة «سند» (و المروى عن الاعمش فى حديث شرائع الدين عده) اى الكذب (من الكبائر).

و لا ينافى ذلك عدم عده من الكبائر فى بعض الروايات الاخر، لان المثبت مقدم على الساكت، و لو كان فى مقام التحديد- كما ذكروا مثل ذلك فى باب مفطرات الصوم-.

(و فى الموثقة ب) سبب (عثمان بن عيسى) فان وجوده فى السند سبب ان يكون الحديث من الموثقات (ان الله تعالى جعل للشرّ اقفالا و جعل مفاتيح تلك الاقفال: الشراب، و الكذب شر من الشراب).

و اذا كان الشراب شربه من الكبائر، كان الكذب كبيرة بطريق اولى.

و معنى الحديث- مثلا- ان الحياء يمنع الزنا و الشهامة تمنع السرقة و خوف القصاص يمنع القتل و هكذا.

فالزنا و السرقة و القتل شرور، و اقفالها التى تمنع عن ظهورها الحياء و الشهامة و الخوف.

فاذا شرب الشخص الخمر، زال عقله، و فتح القفل، اذ لا يشعر بالحياء و الشهامة و الخوف و لذا يرتكب تلك الجرائم و الآثام.

ص: 181

و ارسل عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: الا اخبرك باكبر الكبائر، الاشراك بالله، و عقوق الوالدين، و قول الزور- اى الكذب-

و عنه صلى الله عليه و آله و سلم: ان المؤمن اذا كذب- بغير عذر- لعنه سبعون الف ملك و خرج من قلبه نتن حتى يبلغ العرش، و كتب الله عليه بتلك الكذبة سبعين زنية، اهونها كمن يزنى مع أمه.

______________________________

(و ارسل عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم) و الراوى هو انس بن مالك المنكر لقصة الغدير عمدا المبتلى بدعاء الامام المرتضى سلام الله عليه- بالبرص- و لذا فليس بحجة (الا اخبركم باكبر الكبائر) ثم قال صلى الله عليه و آله و سلم (الاشراك بالله، و عقوق الوالدين، و قول الزور- اى الكذب-).

و هذا الحديث يدل على ان الكذب فى مصاف اكبر الكبائر.

(و عنه صلى الله عليه و آله و سلم: ان المؤمن اذا كذب- بغير عذر-) اى عذر مشروع (لعنه سبعون الف ملك و خرج من قلبه نتن) اى ريح منتنة معنوية (حتى يبلغ العرش) و من المعلوم فضيحة مثل هذا الخروج عنه الملأ الاعلى (و كتب الله عليه بتلك الكذبة سبعين زنية اهونها كمن يزنى مع أمه) المراد بمثل هذه الاحاديث اما المبالغة للاقلاع و ليست المبالغة من الكذب، فقد ذكر العلماء انه خرج من الكذب ثلاث:

المبالغة، و التورية، و المزاح.

و اما المراد بعض اقسام الكذب، كوضع الاحاديث و البدع و ما اشبه و اما المراد العقاب الاصلى للزنا، فمثلا للزنا- ذاتا- لدغ عقرب من

ص: 182

و يؤيده ما عن العسكرى عليه السلام: جعلت الخبائث كلها فى بيت واحد و جعل مفتاحها الكذب، الحديث فان مفتاح الخبائث كلها كبيره لا محالة.

و يمكن الاستدلال على كونه من الكبائر، بقوله تعالى:

______________________________

العقاب اما بالمناسبة المكتنفة بالزنا من انه يوجب افساد البنت و هدم العائلة، و تضييع النسل و ما اشبه، فله الف عقرب، فالكذب له سبعون عقربا اى سبعين ضعف من العقاب الاصلى للزنا و هكذا فى جانب الثواب

و انما نقول بمثل هذه التوجيهات، لوضوح اكثرية عقاب المشبه به، او ثوابه، عن عقاب المشبه او ثوابه، و لتفصيل الكلام مجال آخر و الله العالم

(و يؤيده) اى كون الكذب من الكبائر (ما عن) الامام (العسكرى عليه السلام: جعلت الخبائث كلها فى بيت واحد و جعل مفتاحها الكذب) انتهى (الحديث) و معناه ما تقدم فى الحديث السابق، بتقريب: ان الكذب سبب للآثام.

و وجه التأييد ما ذكره بقوله: (فان مفتاح الخبائث كلها كبيرة لا محالة)

و انما جعله مؤيدا، لا دليلا، لامكان ان يكون المفتاح اهون مما يفتح بالمفتاح من المودعات فى الخزانة.

فان قلت: فكيف يكون مؤيدا؟.

قلت: لان المنصرف من مثل هذه الجملة: كون المفتاح شر من المودع الّذي يظهر عند فتح الخزينة بالمفتاح.

(و يمكن الاستدلال على كونه) اى الكذب (من الكبائر، بقوله تعالى:

ص: 183

إِنَّمٰا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ بِآيٰاتِ اللّٰهِ.

فجعل الكاذب غير مؤمن بآيات الله كافرا بها.

و لذلك كله اطلق جماعة كالفاضلين و الشهيد الثانى، فى ظاهر كلماتهم: كونه من الكبائر، من غير فرق بين ان يترتب على الخبر الكاذب مفسدة و ان لا يترتب عليه شي ء اصلا.

و يؤيده ما روى عن النبي صلى الله

______________________________

إِنَّمٰا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ بِآيٰاتِ اللّٰهِ) و المراد عدم الايمان بالله فان غير المؤمن بالآية غير مؤمن بمن خلق الآية- كالعكس فان المؤمن بمن خلق الآية مؤمن بالآية أيضا- للتلازم بين الآية و بين الله سبحانه- تلازما خارجيا بعد ان خلق الله الآية-.

(فجعل) الله سبحانه (الكاذب غير مؤمن بآيات الله كافرا بها) و من المعلوم ان الكفر بآيات الله من اعظم الكبائر و قد تقدم فى بعض المباحث ان مثل هذا الكفر يراد به الكفر العملى، لا الكفر العقيدى فهو من قبيل:

و من كفر، فى آية الحج، و اشباهها.

(و لذلك) الّذي ذكرنا (كله) من كونه كبيرة (اطلق جماعة كالفاضلين) المحقق و العلامة (و الشهيد الثانى، فى ظاهر كلماتهم: كونه) اى الكذب (من الكبائر، من غير فرق بين ان يترتب على الخبر الكاذب مفسدة) كذهاب عرض، او مال، او نفس محترمة- مثلا- (و ان لا يترتب عليه شي ء اصلا) كان يقول: رأيت ذبابة تطير و الحال انه لم يرها.

(و يؤيده) اى اطلاق كون الكذب كبيرة (ما روى عن النبي صلى الله

ص: 184

عليه و آله و سلم فى وصيته لابى ذر «رض»: ويل للذى يحدث فيكذب ليضحك القوم ويل له ويل له فان الاكاذيب المضحكة لا يترتب عليها غالبا ايقاع فى المفسدة

______________________________

عليه و آله و سلم فى وصيته لابى ذر «رض»: ويل للذى يحدث فيكذب ليضحك القوم) بان يأتى بالاخبار المضحكة- كذبا- (ويل له، ويل له) فان هذا تشديد فى الكذب العادى (فان الاكاذيب المضحكة لا يترتب عليها غالبا ايقاع فى المفسدة).

اما الكذب الحوارى لاجل بيان مطلب او ما اشبه مما اعتيد فى هذه الأزمنة، كما كتب العلامة المجاهد الشيخ جواد البلاغى رحلته بهذا الاسلوب، فليس من الكذب قطعا، و انما هو من اساليب بيان المطلب كالمجاز الّذي ليس بكذب، و التحسر و التحزن الّذي جي ء بهما لاظهار امر ما لا لاجل الحزن و الحسرة حقيقة قال تعالى «يٰا حَسْرَةً عَلَى الْعِبٰادِ» مع انه سبحانه لا يتحسر فانه و ما اشبه لا يعد كذبا، و لذا ينقل عن الامام المرتضى صلوات الله عليه، انه انشد عند قبر الصديقة الطاهرة عليها السلام.

قال الحبيب و كيف لى بجوابكم و انا رهين جنادل و تراب

و فى بيت آخر له عليه السلام انشده الامام الهادى فى مجلس المأمون

فافصح القبر عنهم حين سائلهم تلك الوجوه عليها الدود تنتقل

الى غيرها من الشواهد، و لذا لا يعد احد من المتشرعة قولهم: فلان جبان الكلب، او يبس الكف، او ظريف المطبخ، او ما اشبه كذبا، بل المجاز فى

ص: 185

نعم فى الاخبار ما يظهر منه عدم كونه على الاطلاق كبيرة.

مثل رواية ابى خديجة عن ابى عبد الله عليه السلام: ان الكذب على الله تعالى، و رسوله من الكبائر، فانها ظاهرة فى اختصاص الكبيرة بهذا الكذب الخاص، لكن يمكن حملها على كون هذا الكذب الخاص، من الكبائر الشديدة العظيمة، و لعل هذا اولى من تقييد المطلقات المتقدمة

و فى مرسلة سيف بن عميرة، عن ابى جعفر عليه السلام، قال: كان يقول على بن الحسين عليه السلام، لولده: اتقوا الكذب الصغير منه و

______________________________

القرآن الحكيم و السنة النبوية صلى الله عليه و آله و سلم كثيرة، و قد جمع الشريف الرضى ره مجازات النبي فى كتاب خاص.

(نعم فى الاخبار ما يظهر منه عدم كونه على الاطلاق كبيرة) و انما الكبيرة قسم خاص من الكذب.

(مثل رواية ابى خديجة عن ابى عبد الله عليه السلام: ان الكذب على الله تعالى، و) على (رسوله من الكبائر، فانها) اى الرواية (ظاهرة فى اختصاص الكبيرة بهذا الكذب الخاص، لكن) هذا من مفهوم اللقب او الوصف، و قد ثبت فى الأصول عدم حجية ايهما، بل (يمكن حملها) اى الرواية (على كون هذا الكذب الخاص، من الكبائر الشديدة العظيمة، و لعل هذا) الحمل (اولى من تقييد المطلقات المتقدمة) بان المراد منها خصوص الكذب على الله و الرسول.

(و فى مرسلة سيف بن عميرة، عن ابى جعفر عليه السلام، قال: كان يقول على بن الحسين عليه السلام، لولده: اتقوا الكذب الصغير منه و

ص: 186

الكبير، فى كل جد و هزل، فان الرجل اذا كذب فى الصغير اجترأ على الكبير، الخبر.

و يستفاد منه ان عظم الكذب باعتبار ما يترتب عليه من المفاسد.

و فى صحيحة ابن الحجاج، قلت: لابى عبد الله عليه السلام الكذاب هو الّذي يكذب فى الشي ء قال: لا، ما من احد الا و يكون منه ذلك، و لكن المطبوع على الكذب،

______________________________

الكبير، فى كل جد و هزل، فان الرجل اذا كذب فى الصغير اجترأ على الكبير) الى آخر (الخبر) فالكذب الصغير كالكذب عما اكل، و الكبير كالكذب على الله و رسوله.

(و يستفاد منه) اى من هذا الحديث (ان عظم الكذب باعتبار ما يترتب عليه من المفاسد) اذ ليس المراد طول الكذب او قصره- قطعا- فليس الا ان يكون باعتبار ترتب المفاسد، او يمكن ان يكون باعتبار المكذوب عليه و ان لم يترتب عليه مفسدة خارجية.

(و فى صحيحة ابن الحجاج، قلت: لابى عبد الله عليه السلام الكذاب هو الّذي يكذب فى الشي ء) اى مطلقا (قال) عليه السلام (لا، ما من احد الا و يكون منه ذلك) اى الكذب فى بعض الاحيان (و لكن المطبوع على الكذب) فان الكذاب صيغة مبالغة، و هى لا تكون الا مع كثرة الكذب، و الكثرة تلازم الصفة النفسانية- و لذا فسره عليه السلام بالمطبوع-.

و كان المصنف ره اراد ان يستفيد من هذا الحديث، حيث قال عليه السلام: ما من احد، ان هذا الشي ء المبتلى به العموم لا يكون كبيرة

ص: 187

فان قوله: ما من احد، الخبر يدل على ان الكذب من اللمم الّذي يصدر من كل احد، لا من الكبائر.

و عن الحارث الأعور، عن على عليه السلام، قال: لا يصلح من الكذب جد و هزل، و لا يعدنّ احدكم صبيّه، ثم لا يفى له ان الكذب يهدى إلى الفجور، و الفجور يهدى إلى النار و ما زال احدكم يكذب حتى يقال: كذب و فجر الخبر.

______________________________

(فان قوله) عليه السلام (ما من احد، الخبر يدل على ان الكذب من اللمم) الشي ء الّذي يلم بالانسان، او يلم الانسان به، و المراد منه صغار الذنوب كما قال سبحانه «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبٰائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَوٰاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ» (الّذي يصدر من كل احد، لا) انه (من الكبائر) مطلقا.

(و عن الحارث الأعور، عن على عليه السلام، قال: لا يصلح من الكذب جد و هزل، و لا يعدنّ احدكم صبيّه، ثم لا يفى له) ثم قال عليه السلام (ان الكذب يهدى إلى الفجور) من النميمة و البهت و السباب و ما اشبه، فان من كانت له ملكة حفظ اللسان يحفظ لسانه عن كل شي ء، و من ترك لسانه ليكذب لا بد و ان يتدرج إلى كل شي ء من القول (و الفجور يهدى إلى النار) و الكذب و ان كان يهدى إلى النار الا ان الفجور هو السبب القطعى للنار، بينما الكذب اذا صدر مرة مثلا لا يسبب النار قطعا (و ما زال احدكم يكذب حتى يقال: كذب و فجر) اى يكون كذبه سببا لفجوره إلى آخر (الخبر).

ص: 188

و فيه أيضا اشعار بان مجرد الكذب ليس فجورا.

و قوله عليه السلام: لا يعدنّ احدكم صبيّه ثم لا يفى له، لا بد ان يراد به النهى عن الوعد، مع اضمار عدم الوفاء و هو المراد ظاهرا بقوله تعالى:

كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لٰا تَفْعَلُونَ، بل الظاهر عدم كونه كذبا حقيقيا و ان اطلاق الكذب عليه فى الرواية لكونه فى حكمه

______________________________

(و فيه أيضا) كالخبر السابق (اشعار بان مجرد الكذب ليس فجورا) فليس مطلقا بكبيرة.

(و قوله عليه السلام: لا يعدنّ احدكم صبيّه ثم لا يفى له، لا بد ان يراد به النهى عن الوعد، مع اضمار عدم الوفاء) اذ: الوعد مع اضمار الوفاء لا يكون منهيا عنه، اذ لا يكون ذلك كذبا (و هو) اى الوعد مع اضمار عدم الوفاء (المراد ظاهرا) اى فيما يستفاد من ظاهر اللفظ (بقوله تعالى: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لٰا تَفْعَلُونَ) فانه لا يكون مقتا و غضبا: الوعد الّذي يضمر صاحبه الوفاء، و ليس ذلك بكذب عرفا.

اقول: بل الظاهر ان المراد بالآية الكريمة ان يقول: الانسان الخير و لا يعمل به، كان يأمر بالصلاة و هو تارك الصلاة، او ينهى عن الكذب و يكذب، و هكذا (بل الظاهر) المستفاد من العرف لدى اطلاق لفظ الكذب (عدم كونه) اى الوعد مع اظهار عدم الوفاء (كذبا حقيقيا) اذ الكذب انما يكون فى الخبر، و هذا إنشاء (و ان اطلاق الكذب عليه فى الرواية) المتقدمة- و المراد بالإطلاق القرينة القائمة على كون وعد الصبى بلا وفاء كذب- (لكونه) اى الوعد بلا اضمار الوفاء (فى حكمه) اى حكم

ص: 189

من حيث الحرمة.

او لان الوعد مستلزم للاخبار بوقوع الفعل كما ان سائر الإنشاءات كذلك.

و لذا ذكر بعض الاساطين ان الكذب و ان كان من صفات الخبر، الا ان حكمه يجرى فى الانشاء المنبئ عنه كمدح المذموم و ذم الممدوح

______________________________

الكذب (من حيث الحرمة) او كونه خلاف المروءة، و الا فلا دليل على كونه حراما.

(او) هو كذب حقيقى (لان الوعد مستلزم للاخبار بوقوع العفل كما ان سائر الإنشاءات كذلك).

و لذا لو قال الفقير اعطنى، يقال: انه يكذب مع انه انما إنشاء صيغة الطلب.

و مرادهم بالكذب كون كلامه الاستعطاء فى مستلزم للاخبار بفقره- و الحال انه كاذب ليس بفقير- و كذلك لو سألك زيد من جاء تقول له انت تكذب، و ذلك لان استفهامه طريق إلى اخباره بانه لا يدرى هل جاء، أم لا؟ فانت تكذبه فى اخباره ذاك حيث تعلم انه يدرى بمجي ء زيد، و هكذا.

(و لذا) الّذي ذكرنا من ان الانشاء يلازم الاخبار (ذكر بعض الاساطين ان الكذب و ان كان من صفات الخبر، الا ان حكمه) اى حكم الكذب (يجرى فى الانشاء المنبئ عنه) اى الدال على الخبر (كمدح المذموم و ذم الممدوح) فاذا قال: قابيل انسان طيب، او فلان الزاهد فيه صفات سيئة، او قال: امدح قابيلا و اذم فلان الزاهد، و الحال انه يكذب فى

ص: 190

و تمنى المكاره و ترجى غير المتوقع، و ايجاب غير الموجب و ندب غير النادب و وعد غير العازم.

و كيف كان فالظاهر عدم دخول خلف الوعد فى الكذب، لعدم كونه من مقولة الكلام

______________________________

مدحه و ذمه (و تمنى المكاره) كما لو قال: اللهم امتنى، و هو لا يريد الموت (و ترجى غير المتوقع، و ايجاب غير الموجب) كما لو قال المولى لعبده واجب عليك كذا، و هولا يريده (و ندب غير النادب) كان يقول لزيد:

اذهب إلى الحرب، و هو لا يريد ان يذهب زيد (و وعد غير العازم) اى يعدك من لا يعزم و لا يريد وفاء وعده، فان كل هذه الموارد و ان كانت إنشاء صورة، لكنها كذب، اذ هى طريق إلى الاخبار بان فلانا لدي ممدوح او مذموم، او انى اريد الموت و اريد منك الاتيان بكذا، او انى اريد ان تذهب انت، او انى سأفعل لك كذا- و الحال ان اخباره مكذوبة-.

(و كيف كان) سواء كان الوعد مع اضمار عدم الوفاء داخلا فى الكذب حكما، أم لا (فالظاهر عدم دخول خلف الوعد فى الكذب، لعدم كونه) اى خلف الوعد (من مقولة الكلام) فانك اذا قلت: اعدك ان اعطيك دينارا فان: اعدك ليس بكلام، و انما متعلقه اى اعطيك دينارا كلام و لو كان اعطيك دينارا اخبارا لجاز فيه الصدق و الكذب لكنه ليس باخبار، لانه صار متعلقا بالانشاء، فاذا اخلف لم يكن قوله «اعدك» وعدا، و لم يكن اعطيك الدينار، كذبا.

ص: 191

نعم هو كذب للوعد بمعنى جعله مخالفا للواقع، كما ان انجاز الوعد صدق له بمعنى جعله مطابقا للواقع.

فيقال: صادق الوعد و وعد غير مكذوب.

و الكذب بهذا المعنى ليس محرما على المشهور و ان كان غير واحد من الاخبار ظاهرا فى حرمته، و فى بعضها الاستشهاد بالآية المتقدمة

______________________________

(نعم هو) اى الخلف بان لم يعطه (كذب للوعد بمعنى جعله مخالفا للواقع) و ان شئت قلت: ايجاد صفة الكذب للكلام المتقدم (كما ان انجاز الوعد صدق له) اى للوعد (بمعنى جعله مطابقا للواقع) فهو من قبيل:

ان تخبر ان زيدا سوف يقوم، ثم تأخذ بيده ليقوم او تمنعه عن القيام، فان هذا العمل التكوينى انما هو ايجاد صفة الصدق، او صفة الكذب للكلام السابق.

(ف) بهذا الاعتبار (يقال: صادق الوعد و وعد غير مكذوب) كما فى القرآن الحكيم.

(و الكذب بهذا المعنى ليس محرما على المشهور) بين الفقهاء (و ان كان غير واحد من الاخبار ظاهرا فى حرمته، و فى بعضها الاستشهاد بالآية المتقدمة) اى قوله سبحانه «كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ».

و ربما يستدل لذلك بآية: أَوْفُوا بِالْعَهْدِ، و بقوله (ص): من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر، فليف اذا وعد، قالوا لكن الشهرة المحققة قديما و حديثا هى التى توجب رفع اليد عن هذه الظواهر.

و ربما أيد ذلك: بعدم تعذيب الله كثيرا من اهل المعاصى مع انه

ص: 192

ثم ان ظاهر الخبرين الأخيرين خصوصا المرسلة حرمة الكذب حتى فى الهزل، و يمكن ان يراد به الكذب فى مقام الهزل.

و اما نفس الهزل، و هو الكلام الفاقد للقصد إلى تحقق مدلوله

______________________________

وعدهم النار، و كذلك ورد فى الاحاديث ان كان عدم وقوع بعض علامات الامام المهدى عليه السلام.

مع ان الاحاديث وردت متظافرة بتلك العلائم حتى ان الراوى شك فى نفس خروج الامام المهدى، حيث قال الامام عليه السلام بامكان عدم وقوع بعض العلامات ظانّا ان خروجه عليه السلام و العلائم من سنخ واحد

فاذا امكن عدم وقوع العلائم كذلك امكن عدم ظهوره، فرده الامام عليه السلام بانه من الميعاد، و الله لا يخلف الميعاد.

و اجيب عن المؤيدين: بان التعذب مشروط بعدم العفو و الشفاعة و عدم وقوع العلائم ليس من باب خلف الوعد، بل من باب اخبارهم عليهم السلام عن المستقبل حسب الظواهر التى اطلعوا عليها عن اللوح و الملائكة، ثم قالوا عليهم السلام بامكان كون تلك العلائم تمحى لانه سبحانه: يَمْحُوا مٰا يَشٰاءُ.

(ثم ان ظاهر الخبرين الاخيرين) مرسلة سيف و رواية حارث (خصوصا المرسلة حرمة الكذب حتى فى الهزل، و يمكن ان يراد به الكذب فى مقام الهزل) بان يكون المقام مقام الهزل، اما اخباره فكان اخبارا جديا مما صح ان يقال له الكذب.

(و اما نفس الهزل و هو الكلام الفاقد للقصد إلى تحقق مدلوله) فى الخارج

ص: 193

فلا يبعد انه غير محرم، مع نصب القرينة على إرادة الهزل كما صرح به بعض

و لعله لانصراف الكذب إلى الخبر المقصود و للسيرة.

و يمكن حمل الخبرين على مطلق المرجوحية.

و يحتمل غير بعيد حرمته لعموم ما تقدم خصوصا الخبرين الاخيرين و

______________________________

(فلا يبعد انه غير محرم، مع نصب القرينة على إرادة الهزل) لان مثل هذا الخبر الهازل منصرف عن ادلة حرمة الكذب (كما صرح به بعض) الفقهاء (و لعله لانصراف الكذب إلى الخبر المقصود).

و ليس المراد بعدم القصد عدم القصد إلى التكلم او المعنى، بل عدم القصد إلى الجدية (و للسيرة) المستمرة بين المتدينين، بل لعله يدل على ذلك قول الامام امير المؤمنين عليه السلام حين قال له النبي صلى الله عليه و آله و سلم: اينا اكل اكثر فقال عليه السلام الّذي اكل مع النواة فى القصة المشهورة انهما عليهما الصلاة و السلام كانا يأكلان التمر، و كان النبي (ص) يضع النواة امام الامام، و عدم ردع النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن الّذي قال مزاحا آكل التمر بالطرف الّذي عينه غير رمدة، بل و انشاد الشاعر بخدمة الامام عليه السلام: لام عمرو باللوى مربع إلى آخر الابيات، مع انها لم يكن صدقا مطابقا للواقع، بل شبه الهزل.

(و يمكن حمل الخبرين على مطلق المرجوحية) خصوصا بقرينة قوله:

لا يصلح.

(و يحتمل غير بعيد حرمته) اى حرمة الكذب فى الهزل (لعموم ما تقدم) من الاخبار (خصوصا الخبرين الاخيرين) المصرحين لذلك (و

ص: 194

النبوى فى وصية ابى ذر لان الاكاذيب المضحكة اكثرها من قبيل الهزل

و عن الخصال بسنده عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم انا زعيم بيت فى اعلى الجنة، و بيت فى وسط الجنة، و بيت فى رياض الجنة لمن ترك المراء، و ان كان محقا، و لمن ترك الكذب، و ان كان هازلا و لمن حسن خلقه.

و قال امير المؤمنين عليه السلام: لا يجد الرجل طعم الايمان حتى يترك الكذب هزله وجده.

______________________________

النبوى فى وصية ابى ذر) حيث قال صلى الله عليه و آله و سلم: يكذب ليضحك الناس (لان الاكاذيب المضحكة اكثرها من قبيل الهزل) و سياق الحديث يدل على الحرمة.

(و عن الخصال بسنده عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: انا زعيم) اى كفيل (بيت فى اعلى الجنة، و بيت فى وسط الجنة، و بيت فى رياض الجنة لمن ترك المراء، و ان كان محقا، و لمن ترك الكذب، و ان كان هازلا و لمن حسن خلقه) لعل هذا الحديث تكون دلالته على الكراهة اكثر اذ ترك المراء فى المحق، و حسن الخلق من المستحبات لا من الواجبات، بالإضافة إلى ضمان البيت فى الجنة الّذي يناسب الاستحباب فان المحرمات و الواجبات- على مقتضى القاعدة الاولية- لا تحتاج إلى التشويق، و ذكر المثوبات- كما قالوا-.

(و قال امير المؤمنين عليه السلام: لا يجد الرجل طعم الايمان حتى يترك الكذب هزله وجده).

ص: 195

ثم انه لا ينبغى الاشكال فى ان المبالغة فى الادعاء- و ان بلغت ما بلغت- ليست من الكذب.

و ربما يدخل فيه اذا كانت فى غير محلها، كما لو مدح انسان قبيح المنظر و شبه وجهه بالقمر، الا اذا بنى على كونه كذلك فى نظر المادح فان الانظار تختلف فى التحسين و التقبيح.

______________________________

و هذا الحديث أيضا اقرب إلى الاستحباب، لان وجدان طعم الايمان ليس بواجب، و انما ذاك من الفضائل و الحظوظ.

(ثم انه لا ينبغى الاشكال فى ان المبالغة فى الادعاء- و ان بلغت ما بلغت-) من المقادير المتعارفة (ليست من الكذب) كما يقول القائل لصديقه لم لم تزرنى و قد زارنى كل الناس، يريد جماعة كثيرة، او يقول كان فى استقبال العالم الفلانى كل اهل المدينة و هكذا.

و قد تمثل الامام عليه السلام فى السجن بقوله: فان تميما قبل ان يلد الحصى اقام زمانا و هو فى الناس واحد و قال الشاعر

ثم قالوا تحبها؟ قلت بهرا عدد الرمل و الحصى و التراب

(و ربما يدخل فيه) اى فى الكذب (اذا كانت فى غير محلها) كما لو اضاف عشرة، فقال اضفت كل اهل البلد، فانه مبالغة غير متعارفة، و (كما لو مدح انسان قبيح المنظر و شبه وجهه بالقمر، الا اذا بنى على كونه كذلك) كالقمر (فى نظر المادح) كما نقل انه لو عوتب المجنون فى انه كيف يحب هذا الحب المفرط لليلى و هى فتاة سمراء لا جمال لها، اجاب انظروا إليها من شبكة عينى (فان الانظار تختلف فى التحسين و التقبيح

ص: 196

كالذوائق فى المطعومات.

و اما التورية و هو ان يريد بلفظ معنى مطبقا للواقع و قصد من القائه ان يفهم المخاطب منه خلاف ذلك مما هو ظاهر فيه عند مطلق المخاطب او المخاطب الخاص كما لو قلت فى مقام انكار ما قلته فى حق احد علم الله ما قلته، واردت بكلمة «ما» الموصولة و فهم المخاطب النافية.

______________________________

كالذوائق فى المطعومات) و الاسماع فى المسموعات، و هكذا.

(و اما التورية) و هو اظهار الكلام بشكل له معنيان، معنى قريب الى الافهام، و معنى بعيد عن الافهام، و القائل انما اراد البعيد لا القريب.

و هذا هو المراد بقوله (و هو ان يريد) المتكلم (بلفظ معنى مطابقا للواقع) و اللفظ قالب له (و قصد من القائه ان يفهم المخاطب منه خلاف ذلك) المعنى الّذي قصده (مما هو ظاهر فيه) «مما» بيان «خلاف» اى المعنى المخالف للمقصود يكون اللفظ ظاهرا فيه.

و الظهور المذكور اما (عند مطلق المخاطب، او) عند (المخاطب الخاص) كما لو قلت للسنى: الخلفاء بعد رسول الله «أربعة أربعة أربعة» و اردت اثنى عشر و هو فهم التأكيد للثلاثة، و الامام على عليه السلام، و (كما لو قلت فى مقام انكار ما قلته فى حق احد) من الناس (علم الله ما قلته واردت بكلمة «ما» الموصولة و فهم المخاطب النافية) و كما قال ذلك الموالى «الخليفة بعد رسول الله أبا بكر» ففهم السنة انه قصد كون أبا بكر خليفة و الحال انه جعل «أبا بكر» منادى محذوف النداء، و لذا جاء بالنصب.

ص: 197

و كما لو استئذن رجل بالباب فقال الخادم له: ما هو هاهنا، و اشار الى موضع خال فى البيت.

و كما لو قلت: اليوم ما اكلت الخبز تعنى بذلك حالة النوم، او حالة الصلاة إلى غير ذلك فلا ينبغى الاشكال فى عدم كونها من الكذب.

و لذا صرح الاصحاب فيما سيأتى من وجوب التورية عند الضرورة بانه يورى بما يخرجه من الكذب بل اعترض جامع المقاصد على قول العلامة فى القواعد فى مسئلة الوديعة اذا طالبها ظالم بانه يجوز الحلف كاذبا، و يجب التورية على العارف بها بان العبارة لا تخلو من مناقشة حيث

______________________________

(و كما لو استئذن رجل بالباب فقال الخادم له: ما هو هاهنا، و اشار الى موضع خال فى البيت) فظن السامع ان الخادم اراد ب «هاهنا» الدار

(و كما لو قلت: اليوم ما اكلت الخبز تعنى بذلك حالة النوم، او حالة الصلاة) ففهم المخاطب عدم اكلك فى كل اليوم (الى غير ذلك) من الامثلة (فلا ينبغى الاشكال فى عدم كونها) اى التورية (من الكذب) و لذا لا تكون حراما.

(و لذا صرح الاصحاب فيما سيأتى من وجوب التورية عند الضرورة بانه يورّى بما يخرجه من الكذب) «بانه» متعلق ب «صرح» و «من وجوب» تفسير ل «ما سيأتى» (بل اعترض جامع المقاصد على قول العلامة فى القواعد فى مسئلة الوديعة اذا طالبها ظالم بانه يجوز الحلف كاذبا و يجب التورية على العارف بها) هذه عبارة العلامة.

فقال جامع المقاصد: (بان العبارة لا تخلو من مناقشة حيث

ص: 198

تقتضى ثبوت الكذب مع التورية، و معلوم ان لا كذب معها انتهى.

و وجه ذلك ان الخبر باعتبار معناه- و هو المستعمل فيه كلامه- ليس مخالفا للواقع.

و انما فهم المخاطب من كلامه امرا مخالفا للواقع لم يقصده المتكلم من اللفظ.

______________________________

تقتضى ثبوت الكذب مع التورية، و معلوم ان لا كذب معها) اى مع التورية (انتهى) كلام جامع المقاصد.

و حاصل مناقشته: ان العبارة تحتمل كون قوله «يجب التورية» من مصاديق «كاذبا».

لكن لا يخفى ان اشكال جامع المقاصد غير وارد على العلامة لان الظاهر من كلام القواعد التقابل بين «يجوز» و بين «يجب» و معنى «يجوز» فى مقام التحريم فلا يراد به «الجواز» الّذي هو احد الاحكام الخمسة.

(و) كيف كان، ف (وجه ذلك) الّذي ذكرنا من ان التورية ليست كذبا (ان الخبر باعتبار معناه- و هو المستعمل فيه كلامه-) اى كلام المتكلم (ليس مخالفا للواقع).

مثلا فى المثال السابق استعمل الخادم لفظ «هاهنا» لمكان خاص و خبره صدق، لان سيده ليس فى ذلك المكان المشار إليه.

(و انما فهم المخاطب من كلامه) اى كلام المورى (امرا مخالفا للواقع لم يقصده المتكلم من اللفظ) و فهم المتكلم ليس ميزانا للصدق و الكذب.

ص: 199

نعم لو ترتب عليها مفسدة، حرمت من تلك الجهة.

اللهم الا ان يدعى ان مفسدة الكذب، و هى الاغراء موجودة فيها و هو ممنوع، لان الكذب محرم، لا لمجرد الاغراء.

و ذكر بعض الافاضل ان المعتبر فى اتصاف الخبر بالصدق و الكذب هو ما يفهم من ظاهر الكلام، لا ما هو المراد منه.

فلو قال: رأيت حمارا، و اراد منه البليد من دون نصب قرينة، فهو متصف

______________________________

(نعم لو ترتب عليها) اى على التورية (مفسدة حرمت من تلك الجهة)

كما لو قال المتكلم: زيد كافر، و اراد انه كافر بالجبت و الطاغوت، بينما كان المتبادر لدى السامع انه كافر بالله.

(اللهم الا ان يدعى) لبيان كون التورية كذبا (ان مفسدة الكذب، و هى الاغراء) بالجهل (موجودة فيها) اى فى التورية.

فكما انك اذا قلت: زيد ليس فى الدار اغرى السامع بالجهل، كذلك اذا قلت: ليس موجودا هاهنا و اشرت إلى مكان خاص من الدار.

(و هو) اى كون الكذب حراما لكونه اغراء (ممنوع، لان الكذب محرم، لا لمجرد الاغراء) بل و لو لم يكن فيه اغراء، كما لو علم السامع بانك تكذب.

(و ذكر بعض الافاضل ان المعتبر فى اتصاف الخبر بالصدق و الكذب هو ما يفهم من ظاهر الكلام، لا ما هو المراد منه).

و لذا تكون التورية من قسم الكذب، لان ما يفهم منها هو عين ما يفهم من الكذب.

(فلو قال: رأيت حمارا و اراد منه البليد من دون نصب قرينة فهو متصف

ص: 200

بالكذب، و ان لم يكن المراد مخالفا للواقع، انتهى موضع الحاجة فان اراد اتصاف الخبر فى الواقع، فقد تقدم انه دائر مدار موافقة مراد المخبر، و مخالفته للواقع، لانه معنى الخبر و المقصود منه دون ظاهره الّذي لم يقصد

و ان اراد اتصافه عند الواصف، فهو حق، مع فرض جهله بإرادة خلاف الظاهر، لكن توصيفه حينئذ باعتقاد ان هذا هو مراد المخبر و مقصوده فيرجع

______________________________

بالكذب، و ان لم يكن المراد مخالفا للواقع، انتهى موضع الحاجة) من كلامه

و كان دليله على ذلك العرف، فانهم يقولون كذب فلان، و ان قيل لهم: انه روى، لم يرون ذلك مبررا و سببا، لعدم كونه كاذبا.

لكن اشكل عليه المصنف ره بقوله: (فان اراد) بقوله «اتصاف الخبر» (اتصاف الخبر فى الواقع) فالمعنى ان الخبر يتصف بالصدق و الكذب واقعا حسب فهم المخاطب (فقد تقدم) خلاف ذلك، و (انه) اى الاتصاف بهما (دائر مدار موافقة مراد المخبر، و مخالفته للواقع، لانه) اى الواقع (معنى الخبر) لان الالفاظ موضوعة للمعانى الواقعية (و المقصود منه دون ظاهره الّذي لم يقصد) ه المورى.

(و ان اراد اتصافه) اى الخبر بكونه كذبا مثلا (عند الواصف) فان السامع يقول: كلام المتكلم كذب (فهو) اى اتصافه بالكذب عند الواصف (حق، مع فرض جهله) اى الواصف (بإرادة) المتكلم (خلاف الظاهر، لكن توصيفه حينئذ) اى الواصف للخبر- المورى فيه- بكونه كذبا، انما هو (باعتقاد ان هذا) الظاهر (هو مراد المخبر و مقصوده، فيرجع

ص: 201

الامر إلى اناطة الاتصاف بمراد المتكلم و ان كان الطريق إليه اعتقاد المخاطب.

و مما يدل على سلب الكذب عن التورية ما روى فى الاحتجاج انه سئل الصادق عليه السلام، عن قوله الله عز و جل- فى قصة ابراهيم عليه السلام- بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هٰذٰا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كٰانُوا يَنْطِقُونَ.

قال: ما فعله كبيرهم، و ما كذب ابراهيم، قيل و كيف ذلك؟ فقال: انما قال ابراهيم: ان كانوا ينطقون، اى ان نطقوا فكبيرهم فعل، و ان لم

______________________________

الامر إلى اناطة الاتصاف) للخبر بكونه صدقا او كذبا (بمراد المتكلم).

فالواصف يقول: انه كذب لانه يزعم انه اراد ظاهره (و ان كان الطريق إليه) اى إلى مراد المتكلم (اعتقاد المخاطب) بان المتكلم اراد الظاهر.

و الحاصل: ان كلام بعض الافاضل ليس فى محله.

(و مما يدل على سلب الكذب عن التورية) و انها ليست كذبا (ما روى فى الاحتجاج انه سئل الصادق عليه السلام عن قوله الله عز و جل- فى قصة ابراهيم عليه السلام- بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هٰذٰا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كٰانُوا يَنْطِقُونَ) كيف ذلك و الحال ان كبير الاصنام لم يكن هو الّذي حطّم الاصنام، و انما حطّمها ابراهيم عليه السلام.

و الحاصل ان السؤال كان عن انه كيف قال ابراهيم خلاف الواقع- حسب ظاهر الآية- (قال) الصادق عليه السلام (ما فعله كبيرهم و ما كذب ابراهيم، قيل و كيف ذلك؟ فقال: انما قال ابراهيم: ان كانوا ينطقون اى ان نطقوا فكبيرهم فعل، و ان لم

ص: 202

ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئا، فما نطقوا و ما كذب ابراهيم.

و سئل عن قوله تعالى: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسٰارِقُونَ قال انهم سرقوا يوسف من ابيه، الا ترى انهم قالوا نفقد صواع الملك؟ و لم يقولوا سرقتم صواع الملك.

و سئل عن قول الله عز و جل-

______________________________

ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئا، فما نطقوا و ما كذب ابراهيم) عليه السلام.

فقوله عليه السلام: بل فعله كبيرهم متعلق بان كانوا ينطقون، و هذا تورية من ابراهيم لانه اخر الشرط مع فاصلة جملة- فاسألوهم- حتى زعم القوم ان الشرط ل «اسألوهم» لا ل «بل فعله كبيرهم».

(و سئل) الصادق عليه السلام ثانيا (عن قوله تعالى: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسٰارِقُونَ) فى قصة يوسف عليه السلام و ان الاخوة لم يكونوا سرقوا الصواع، و انما جعل الصواع فى حملهم بامر يوسف عليه السلام نفسه، فكيف جاز ان يكذب اتباع يوسف بامر يوسف؟ (قال) الصادق عليه السلام (انهم سرقوا يوسف من ابيه) فمراد يوسف عليه السلام «انكم لسارقون» سرقة يوسف لا سرقة الصواع- كما فهم الاخوة.

ثم قال الصادق عليه السلام (أ لا ترى) ايها السائل (انهم قالوا نفقد صواع الملك؟ و لم يقولوا سرقتم صواع الملك) فالسرقة حذف متعلقها فى الجملة الاولى «تورية» و حيث ظهر المتعلق- فى الجملة الثانية- جي ء بلفظ «نفقد».

(و سئل) الصادق عليه السلام ثالثا: (عن قول الله عز و جل-

ص: 203

حكاية عن ابراهيم (ع)- إِنِّي سَقِيمٌ قال ما كان ابراهيم سقيما و ما كذب انما عنى سقيما فى دينه اى مرتادا

______________________________

حكاية عن ابراهيم «ع»-) لما اراد القوم اخراجه معهم إلى عيد الاصنام (انى سقيم) فاعتذر عليه السلام بالسقم، حتى لا يخرج معهم و يكسر اصنامهم، فكيف جاز ان يقول: انى سقيم؟ مع انه لم يكن سقيما (قال) الصادق عليه السلام (ما كان ابراهيم سقيما و ما كذب، انما عنى سقيما فى دينه اى مرتادا) اى طالبا للدين- من الارتياد-.

و ربما قيل فى الآيات المذكورة وجه آخر، و هو ان معنى «فعله كبيرهم» من باب المجاز و ان الذنب على الكبير تشبيها للاصنام بالناس.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 3، ص: 204

فكما اذا ابتلى الناس بسبب اهمال كبرائهم يقال: فعله كبيرهم، كذلك شبهت الاصنام بالناس لزعم عبادها انها صاحبة ادراك.

و يؤيد ذلك استعمال الصنم فى القرآن الحكيم بلفظ العاقل فى كثير من الآيات «أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة» و كذلك ارجع ضمير العاقل إليها، فالمعنى ان كبير الاصنام لو كان إلها، كان الذنب على عاتقه، لما ذا لم يدافع عن الاصنام فالفعل منه، كما يقال افسد الملك شعبه و القاهم فى التهلكة، اذا لم يدافع عنهم.

و قوله انكم لسارقون من باب المجاز، و انهم فى صورة سارق، تنزيلا لصورة سارق- الّذي عنده مال غيره- منزلة السارق الحقيقى، كما نقول للجبان الّذي يظهر الشجاعة «انك شجاع» تريد فى صورة شجاع، و فى عكسه يا اشباه الرجال و لا رجال، و فى مثله: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّٰهِ الصُّمُّ

ص: 204

و فى مستطرفات السرائر من كتاب ابن بكير، قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام: الرجل يستأذن عليه، يقول للجارية قولى ليس هو هاهنا فقال: لا بأس، ليس بكذب فان سلب الكذب مبنى على ان المشار إليه يقوله: هاهنا موضع خال من الدار، اذ لا وجه له سوى ذلك.

______________________________

الْبُكْمُ، فانه لعدم استماعهم للحق اطلق عليهم لفظ الصم، و هكذا.

و معنى «انى سقيم» ذو سقم فى روحى، لا ذو سقم فى جسمى، فان ابراهيم عليه السلام كان متأثرا روحيا عما يشاهده من الكفار.

و هذا متعارف ان يقول الانسان «لا صحة لى» يريد الصحة الروحية لا الصحة الجسدية.

و لا يخفى ان هذه الاجوبة انما تنفع من لا يقنع بارتكاب خلاف الظاهر فى القرآن- حسب ما ورد فى الرواية- و الا فالائمة عليهم السلام اعلم بمراد الله، و مراد انبيائه ان صح الحديث عن الصادق عليه السلام.

(و فى مستطرفات السرائر من كتاب ابن بكير قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام: الرجل يستأذن عليه) و حيث لا يريد صاحب الدار ملاقات المستأذن (يقول للجارية قولى ليس هو) صاحب الدار (هاهنا) هل ذلك جائز؟ (فقال) عليه السلام (لا بأس ليس بكذب).

وجه الدلالة ما ذكره المصنف ره بقوله: (فان سلب الكذب مبنى على ان المشار إليه بقوله: هاهنا موضع خال من) الشخص فى (الدار اذ لا وجه له) اى لكونه ليس بكذب (سوى ذلك) الّذي ذكرنا من كون الاشارة إلى موضع من الدار خال من صاحبها.

ص: 205

و روى فى باب الحيل من كتاب اطلاق للمبسوط: ان واحدا من الصحابة صحب واحدا آخر فاعترضهما فى الطريق اعداء المصحوب، فانكر الصاحب انه هو، فاحلفوه، فحلف لهم انه اخوه، فلما اتى النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال له صدقت، المسلم اخو المسلم إلى غير ذلك مما يظهر منه ذلك.

اما الكلام فى المقام الثانى و هو مسوغات الكذب
اشارة

______________________________

(و روى فى باب الحيل من كتاب اطلاق للمبسوط: ان واحدا من الصحابة صحب واحدا آخر، فاعترضهما) اى لقيهما (فى الطريق اعداء المصحوب، فانكر الصاحب انه) اى مصحوبه (هو) الّذي يريده الاعداء (فاحلفوه فحلف لهم انه اخوه، فلما اتى النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال له) النبي صلى الله عليه و آله و سلم (صدقت المسلم اخو المسلم) مع ان الاعداء زعموا انه اخوه لابيه و أمه (الى غير ذلك مما يظهر منه ذلك) اى جواز التورية كما قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم لاؤلئك الاشخاص فى طريقه إلى بدر: نحن من ماء، فزعموا ان مراد النبي صلى الله عليه و آله و سلم انه من محل يسمى بالماء، و قد اراد صلى الله عليه و آله و سلم انهم خلقوا من ماء دافق، او اشارة إلى «وَ جَعَلْنٰا مِنَ الْمٰاءِ كُلَّ شَيْ ءٍ حَيٍّ» و كما يروى ان الامام المرتضى (ع) غير مكانه من محل إلى محل حيث استغاث به ابو لؤلؤ، فلما جاءه القوم و سألوه، قال لهم: انى ما رايته منذ كونى هاهنا.

(اما الكلام فى المقام الثانى، و هو مسوغات الكذب) اى ما يسبب

ص: 206

فاعلم انه يسوغ الكذب لوجهين.

أحدهما: الضرورة إليه،

فيسوغ معها بالأدلّة الاربعة قال الله تعالى: إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ.

و قال تعالى: لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّٰهِ فِي شَيْ ءٍ إِلّٰا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً.

و قوله عليه السلام: ما من شي ء الا و قد احله الله لمن اضطر إليه.

و قد اشتهر ان الضرورات تبيح المحظورات.

______________________________

جوازه (فاعلم انه يسوغ الكذب لوجهين).

(احدهما: الضرورة إليه فيسوغ) الكذب (معها) اى مع الضرورة (بالأدلّة الاربعة).

اما الكتاب، فقد (قال الله تعالى: إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ) فان المناط الموجود فيه يدل على جواز امثال الكذب عند الاضطرار.

(و قال تعالى: لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّٰهِ فِي شَيْ ءٍ، إِلّٰا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً) فالتقية الموجبة لاتخاذ الكافر وليا- فى الصورة- تجوز الكذب أيضا، لوجود المناط القطعى.

(و) اما السنة (قوله عليه السلام ما من شي ء الا و قد احله الله لمن اضطر إليه).

و المراد بالشي ء الشي ء المحرم، و الكذب من مصاديق ذلك العام.

(و قد اشتهر) بين الفقهاء (ان الضرورات تبيح المحظورات) اى

ص: 207

و الاخبار فى ذلك اكثر من ان تحصى، و قد استفاضت، أو تواترت بجواز الحلف كاذبا لدفع الضرر البدنى، او المالى عن نفسه او اخيه.

و الاجماع اظهر من ان يدعى، او يحكى.

______________________________

المحرمات و هذه قاعدة مصيدة من الاخبار خصوصا من الآية الكريمة الدالة على جواز اظهار الكفر، و المروى عن امير المؤمنين عليه السلام انه اجاز سبه عند الضرورة، و ما اشبه ذلك من الامور التى هى من اعلى مراتب المحرمات.

نعم يلزم مراعات قاعدة «الضرورات تقد و بقدرها» و قاعدة «الاهم و المهم» فيما دار الامر بين حرامين، او بين حرام و ضرر، كما انه لو لم يقتل انسانا يجبره الظالم على قتله اخذ منه مالا، فانه لا يجوز تقديم القتل على اخذ المال.

نعم لو لم يحلف كذبا اخذ منه مالا معتدا به قدم الحلف، لقاعدة «لا ضرر و لا ضرار» فانه و ان لم يدر الامر بين حرامين لكن دورانه بين حرام و ضرر- مرفوع- اجاز ارتكاب الحرام.

(و الاخبار فى ذلك) اى حلية المحرم لمن اضطر إليه (اكثر من ان تحصى، و قد استفاضت، او تواترت) الاخبار (بجواز الحلف كاذبا لدفع الضرر البدنى او المالى عن نفسه او اخيه) المسلم و لو لم يكن قريبا و صديقا له، و ستأتى جملة منها.

(و الاجماع) على جواز ذلك (اظهر من ان يدعى، او يحكى) فقد ادعاه غير واحد و حكاه غير واحد.

ص: 208

و العقل مستقل بوجوب ارتكاب اقل القبيحين مع بقائه على قبحه او انتفاء قبحه لغلبة الآخر عليه، على القولين فى كون القبح العقلى مطلقا او فى خصوص الكذب لاجل الذات، او بالوجوه و الاعتبارات و لا اشكال فى ذلك كله، انما الاشكال و الخلاف فى انه هل يجب حينئذ التورية لمن يقدر عليها أم لا.

______________________________

(و العقل مستقل بوجوب ارتكاب اقل القبيحين مع بقائه على قبحه) فيما لو دار بينهما كما لو دار الامر بين شرب الخمر و الزنا، فان العقل يقول بتقديم الشرب (او انتفاء قبحه لغلبة) القبيح (الآخر عليه، على القولين) فى مسئلة دوران الامر بين القبيحين.

فان بعضهم ذهبوا إلى انتفاء قبح المهم، و بعضهم ذهبوا إلى بقاء قبحه، لكنه يلزم ان يقدم على القبيح الاهم.

و هذان القولان انما نشئا من جهة الاختلاف (فى كون القبح العقلى مطلقا) كذبا كان او غيره (او فى خصوص الكذب) الّذي هو محل البحث الآن (لاجل الذات) حتى اذا قدمناه لمعارضته بقبيح اهم يبقى على قبحه كما يقول الاول- (او بالوجوه و الاعتبارات)- كما يقول الثانى- (و لا اشكال فى ذلك كله).

و (انما الاشكال و الخلاف فى انه هل يجب حينئذ) اى حين اضطر الانسان إلى ان يقول (التورية) و هى ما ظاهره الكذب (لمن يقدر عليها) كما اذا سأله الظالم هل عندك مال؟ فيقول: ليس فى يدى مال، و يريد يده حقيقة لا اليد الّذي يفهم الناس منه الملك (أم لا) يجب التورية حتى للقادر

ص: 209

ظاهر المشهور هو الاول كما يظهر من المقنعة و المبسوط و الغنية و السرائر و الشرائع و القواعد و اللمعة و شرحها و التحرير و جامع المقاصد و الرياض، و محكى مجمع البرهان فى مسئلة جواز الحلف لدفع الظالم عن الوديعة.

قال فى المقنعة: من كانت عنده امانة، فطالبه ظالم بتسليمها إليه و خيانة صاحبها فيها فليجحدها، ليحفظها على المؤتمن له عليها، و ان استحلفه على ذلك فليحلف له و يورى فى نفسه يخرج به عن الكذب فليجحد و ان استحلفه ظالم على ذلك فليحلف و يورى فى نفسه بما يخرجه عن الكذب الى ان قال- فان لم يحسن

______________________________

(ظاهر المشهور هو الاول) اى وجوب التورية (كما يظهر من المقنعة) للمفيد (و المبسوط) للشيخ (و الغنية) لابن زهرة (و السرائر) للحلى (و الشرائع) للمحقق (و القواعد) للعلامة أيضا (و اللمعة و شرحها) للشهيدين (و التحرير) للعلامة (و جامع المقاصد) للمحقق الثانى (و الرياض، و محكى مجمع البرهان فى مسئلة جواز الحلف لدفع الظالم عن الوديعة) اذا توقف حفظ الوديعة على اليمين الكاذبة.

(قال فى المقنعة: من كانت عنده امانة، فطالبه ظالم بتسليمها إليه و خيانة صاحبها فيها فليجحدها، ليحفظها على المؤتمن له عليها، و ان استحلفه، على ذلك) الجحود (فليحلف له و يورى فى نفسه يخرج به عن الكذب فليجحد، و ان استحلفه ظالم على ذلك فليحلف و يورى فى نفسه بما يخرجه عن الكذب- الى ان قال- فان لم يحسن) الودعى

ص: 210

التورية، و كان نيّته حفظ الامانة أجزأته النية و كان مأجورا انتهى.

و قال فى السرائر فى هذه المسألة اعنى مطالبة الظالم الوديعة فان قنع الظالم منه بيمينه، فله ان يحلف و يورى فى ذلك انتهى.

و فى الغنية- فى هذه المسألة- و يجوز له ان يحلف انه ليس عنده وديعة و يورى فى يمينه بما يسلم به من الكذب بدليل اجماع الشيعة انتهى.

و فى النافع حلف موريا، و فى القواعد: و يجب التورية على العارف بها، انتهى.

______________________________

(التورية، و كان نيته) فى اليمين الكاذبة (حفظ الامانة أجزأته النية) فى الخروج عن اثم اليمين الكاذبة (و كان مأجورا) عند الله تعالى بحفظ مال اخيه (انتهى).

(و قال فى السرائر فى هذه المسألة) اى مسئلة جواز الحلف لدفع الظالم (اعنى) فى صورة (مطالبة الظالم الوديعة فان قنع الظالم منه بيمينه، فله ان يحلف و يورى فى ذلك) بما يخرجه من الكذب واقعا (انتهى) (و فى الغنية- فى هذه المسألة-) قال: (و يجوز له ان يحلف انه ليس عنده وديعة و يورى فى يمينه بما يسلم به من الكذب بدليل اجماع الشيعة) على جواز ذلك (انتهى) كلامه.

(و فى النافع حلف موريا، و فى القواعد: و يجب التورية على العارف بها، انتهى) كلام القواعد.

ص: 211

و فى التحرير فى باب الحيل

______________________________

(و فى التحرير فى باب الحيل) اى الصور الشرعية للامور التى يقصد بها الانسان الخروج عن الحرام إلى الحلال.

و لا يخفى ان الحيلة بمعنى العلاج، كما فى دعاء الامام زين العابدين عليه السلام «و لا تمكر بى فى حيلتك» و قد عقد جملة من الفقهاء بابا فى الحيل الشرعية قصدوا بها علاج الامر بصورة شرعية حتى لا يقع الانسان فى الحرام.

مثلا من اراد رهن الدار و السكنى فيها عالج ذلك ببيع الشرط.

و من المعلوم ان آثار البيع غير آثار الرهن، فلا يستشكل بانه كيف يمكن ان نقول بتغير الحكم بمجرد لفظى الرهن و البيع.

بل ربما يكون الفارق مجرد اللفظ أيضا، و مع ذلك يكون فى احد اللفظين اثر فى اللفظ الآخر مثلا: لا يصح لفظ حللت فرجها فى المتعة و يصح لفظ متعتك فيها.

و السر أن الشارع اراد تحديد الاسباب و المسببات.

اما لعلاقة خاصة بين السبب و المسبب- و لو اعتبارا-.

و اما لضرب القاعدة و تقييد المسببات باسباب مجعولة، لئلا يقع الهرج و الفوضى، فانه لو اباح كل لفظ مثلا فى المتعة لزم عدم الفصل بين الزنا و النكاح، و هكذا.

و الكلام فى ذلك طويل بيّناه فى بعض الكتب نكتفى منه بهذا القدر و لعله يأتى لذلك زيادة توضيح فى كتاب البيع ان شاء الله تعالى.

ص: 212

من كتاب الطلاق لو انكر الاستدانة خوفا من الاقرار بالابراء او القضاء جاز الحلف مع صدقه بشرط التورية بما يخرجه عن الكذب، انتهى.

و فى اللمعة يحلف عليه فيورى و قريب منه فى شرحها.

و فى جامع المقاصد فى باب المكاسب يجب التورية بما يخرجه من الكذب.

______________________________

و انما اردنا هنا الالماع إلى انه ليس المراد بالحيلة ما يفهم بعض المبتدءين، فيستخف فى نفسه بالفقه و من ثم بالدين و الله العالم العاصم.

ففى باب الحيل (من كتاب الطلاق) قال: (لو انكر الاستدانة خوفا من الاقرار بالابراء او القضاء) فان زيدا لو اعترف بان محمدا ادانه عشرة دنانير، كان اقرارا فى حق نفسه فاذا قال زيد لكن محمدا برئنى، او قال لكنى قضيت ما على و اعطيته اياه لم يقبل منه لانه ادعاء يحتاج إلى الشهود

و لذا لو اراد التخلص من هذه المشكلة كان له ان ينكر اصل دين محمد منه (جاز الحلف مع صدقه) بان يحلف ان محمدا لا يطلبه (بشرط التورية بما يخرجه عن الكذب، انتهى) كان يقول: و الله ما طلبنى محمد شيئا فى يوم من الايام- و ينوى فى نفسه فى يوم من ايام هذا العام مثلا فيما اذا كان الطلب سقط فى العام السابق-.

(و فى اللمعة يحلف عليه فيورى و قريب منه فى شرحها) اى شرح اللمعة.

(و فى جامع المقاصد فى باب المكاسب يجب التورية بما يخرجه من الكذب

ص: 213

انتهى.

و وجه ما ذكروه ان الكذب حرام، و لم يحصل الاضطرار إليه مع القدرة على التورية فيدخل تحت العمومات، مع ان قبح الكذب عقلى، فلا يسوغ الا مع تحقق عنوان حسن فى ضمنه يغلب حسنه على قبحه.

و يتوقف تحققه على تحققه و لا يكون التوقف الا مع العجز عن التورية.

و هذا الحكم جيد الا ان مقتضى اطلاقات ادلة الترخيص فى الحلف

______________________________

انتهى) كلام المحقق الكركى فى جامع المقاصد.

(و وجه ما ذكروه) من لزوم التورية (ان الكذب حرام، و لم يحصل الاضطرار إليه مع القدرة على التورية) فلا يجوز (فيدخل) هذا الكذب (تحت العمومات) الدالة على حرمة كل كذب (مع ان قبح الكذب عقلى، فلا يسوغ الا مع تحقق عنوان حسن فى ضمنه) اى ضمن الكذب، بحيث (يغلب حسنه) اى حسن ذلك العنوان (على قبحه) اى قبح الكذب او يتساويان فيكون الاصل الجواز.

(و يتوقف تحققه) اى تحقق ذلك العنوان الحسن (على تحققه) اى تحقق الكذب اذ لو لم يتوقف العنوان الحسن على عنوان الكذب لم يحسن الكذب فلا يجوز (و لا يكون التوقف الا مع العجز عن التورية) كما لا يخفى.

(و هذا الحكم) بان جواز الكذب متوقف على عدم القدرة على التورية (جيد) لما عرفت من انه مقتضى اطلاق النص و حكم العقل و صريح الفتاوى (الا ان مقتضى اطلاقات ادلة الترخيص فى الحلف

ص: 214

كاذبا بالدفع الضرر البدنى او المالى عن نفسه او اخيه عدم اعتبار ذلك

ففى رواية السكونى عن جعفر، عن ابيه، عن آبائه، عن على عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: احلف بالله كاذبا، و نج اخاك من القتل.

و صحيحة اسماعيل بن سعد الاشعرى، عن ابى الحسن الرضا عليه السلام سألته عن رجل يخاف على ماله من السلطان، فيحلف له لينجو به منه قال: لا بأس و سألته هل يحلف الرجل على مال اخيه كما يحلف على مال نفسه؟ قال: نعم.

______________________________

كاذبا بالدفع الضرر البدنى او المالى عن نفسه او اخيه عدم اعتبار ذلك) و أليك جملة من النصوص.

(ففى رواية السكونى عن جعفر، عن ابيه، عن آبائه، عن على عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: احلف بالله كاذبا، و نج اخاك من القتل) فان اطلاقه شامل لصورتى التمكن من التورية و عدمه.

(و صحيحة اسماعيل بن سعد الاشعرى، عن ابى الحسن الرضا عليه السلام سألته عن رجل يخاف على ماله من السلطان، فيحلف له لينجو به) اى بسبب الحلف (منه) اى من السلطان (قال) عليه السلام (لا بأس و سألته هل يحلف الرجل على مال اخيه كما يحلف على مال نفسه؟ قال) عليه السلام (نعم) فيجوز الحلف كاذبا لمال نفسه و لمال غيره، و ان لم يكن واجبا عليه.

ص: 215

و عن الفقيه: قال: قال الصادق عليه السلام: اليمين على وجهين الى ان قال- فاما اليمين التى يوجر عليها الرجل اذا حلف كاذبا و لم تلزمه الكفارة، فهو ان يحلف الرجل فى خلاص امرئ مسلم او خلاص ماله من متعد يتعدى عليه، من لص او غيره.

و فى موثقة زرارة- بابن بكير- انا نمر على هؤلاء القوم، فيستحلفونا على اموالنا و قد أدينا زكاتها، فقال: يا زرارة اذا خفت فاحلف لهم بما شاءوا.

______________________________

(و عن الفقيه: قال: قال الصادق عليه السلام: اليمين على وجهين الى ان قال- فاما اليمين التى يوجر عليها الرجل) بحيث (اذا حلف كاذبا و لم تلزمه الكفارة، فهو ان يحلف الرجل فى خلاص امر، مسلم او خلاص ماله من متعد يعتدى عليه، من لص او غيره).

و الظاهر ان المراد بالكفارة الاعم من الكفارة الخارجية- اصطلاحا- فيما لو حلف على شي ء مستقبل، فلم يف به، و الكفارة بمعنى الاستغفار من الذنب- لغة- فيما لو حلف على شي ء ماض او حاضر.

(و فى موثقة زرارة- بابن بكير-) اى كونه موثقة، لوجود ابن بكير فى طريقه (انا نمر على هؤلاء القوم، فيستحلفونا على اموالنا و قد أدينا زكاتها) و كان المراد بهؤلاء: عمال العشور الذين يأخذون الزكوات (فقال) عليه السلام (يا زرارة اذا خفت فاحلف لهم بما شاءوا) من الكيفية التى يريدونها ليطمئنوا بانها ليست فيها الزكاة.

و انما يستفاد من هذا الحديث جواز الحلف كاذبا باعتبار قوله «بما

ص: 216

و رواية سماعة عن ابى عبد الله عليه السلام: اذا حلف الرجل تقية، لم يضره اذا هو اكره او اضطر إليه.

و قال: ليس شي ء مما حرم الله الا و قد احله لمن اضطر إليه.

الى غير ذلك من الاخبار الواردة فى هذا الباب و فيما يأتى من جواز الكذب فى الاصلاح التى يصعب على الفقيه التزام تقييدها بصورة عدم القدرة على التورية.

______________________________

شاءوا» و الا فالحلف بانه ادى زكاة المال حلف صادق.

و يمكن توجيهها بوجه آخر أيضا اخفى من الوجه الّذي ذكرناه.

(و رواية سماعة عن ابى عبد الله عليه السلام: اذا حلف الرجل تقية لم يضره اذا هو اكره) على الحلف الكاذب (او اضطر إليه).

و كان الفرق ان الاكراه ان يقول له الظالم: احلف، و الاضطرار ان يحلف هو بنفسه فرارا عن المحظور.

(و قال) عليه السلام (ليس شي ء مما حرم الله الا و قد احله لمن اضطر إليه).

و المراد بالاضطرار هنا اعم من الاكراه، فان الاضطرار و الاكراه كالظرف و الجار و المجرور، اذا اجتمعا افترقا و اذا افترقا اجتمعا- كما لا يخفى-.

(الى غير ذلك من الاخبار الواردة فى هذا الباب) اى باب الحلف كاذبا (و فيما يأتى من جواز الكذب فى الاصلاح التى يصعب على الفقيه التزام تقييدها بصورة عدم القدرة على التورية) بان يقول بان هذه الاخبار

ص: 217

و اما حكم العقل بقبح الكذب فى غير مقام توقف تحقق المصلحة الراجحة عليه فهو و ان كان مسلما الا انه يمكن القول بالعفو عنه شرعا للاخبار المذكورة كما عفى عن الكذب فى الاصلاح، و عن السب و التبرى مع الاكراه مع انه قبيح عقلا أيضا، مع ان ايجاب التورية على القادر لا يخلو

______________________________

انما تجوز الكذب فى صورة عدم القدرة على التورية.

اما صورة القدرة فلا يجوز الكذب، كيف و جملة من رواتها من الافاضل الذين يتمكنون على التورية، و مع ذلك لم ينبههم الامام عليه السلام.

و الانصاف ان مثل هذا التقييد يوجب تفويت كثير من المصالح التى اجيز لاجلها الكذب، اذ غالب الناس- حتى الافاضل- لا يقدرون على التورية فى حين الاضطرار، حتى انهم لو ارادوا التورية ظهرت ملامح الكذب و الارتباك على وجوههم و اقوالهم كما لا يخفى.

(و اما حكم العقل بقبح الكذب فى غير مقام توقف تحقق المصلحة الراجحة عليه فهو و ان كان مسلما) و لازمه حكمه بقبح الكذب اذا تمكن الشخص من التورية (الا انه يمكن القول بالعفو عنه) اى عن الكذب (شرعا للاخبار المذكورة).

و لا اشكال فى كون شي ء قبيحا عقلا، و لكنه جائز شرعا، لما رأى الشارع فيه من الصلاح المقابل لذلك الفساد الّذي اوجب حكم العقل بقبحه (كما عفى) الشارع (عن الكذب فى الاصلاح، و) عفى (عن السب و التبرى) عن انسان طيب خير (مع الاكراه مع انه قبيح عقلا أيضا) كقبح الكذب فى صورة امكان التورية (مع ان ايجاب التورية على القادر لا يخلو

ص: 218

عن الالتزام بالعسر، كما لا يخفى فلو قيل بتوسعة الشارع على العباد بعدم ترتيب الآثار على الكذب فيما نحن فيه و ان قدر على التورية، كان حسنا، الا ان الاحتياط فى خلافه، بل هو المطابق للقواعد لو لا استبعاد التقييد فى هذه المطلقات، لان النسبة بين هذه المطلقات و بين ما دل كالرواية الاخيرة و غيرها- على اختصاص الجواز بصورة الاضطرار المستلزم

______________________________

عن الالتزام بالعسر، كما لا يخفى).

و قد تقدم سببه فى كلامنا، و لعل هذا كاف فى القول بانه ليس بقبيح اصلا، كما ان مصلحة الاصلاح و السب و التبرى اوجبت ذهاب قبح الكذب و السب.

فالقول بانها ليست قبيحة اصلا- لا شرعا و لا عقلا- اقرب.

و كيف كان (فلو قيل بتوسعة الشارع على العباد بعدم ترتيب الآثار على الكذب فيما نحن فيه) مما اضطر الانسان إليه (و ان قدر على التورية كان حسنا، الا ان الاحتياط فى خلافه) اى فى خلاف هذا القول، و انه ان قدر على التورية لم يكن مجال لعدم ترتيب آثار الكذب (بل هو المطابق للقواعد) الدالة على انه لو دار الامر بين جائز و حرام، لم يكن اضطرار إلى الحرام (لو لا استبعاد التقييد فى هذه المطلقات) الدالة على جواز الكذب فى صورة الاضطرار مطلقا، و ان قدر على التورية (لان النسبة بين هذه المطلقات) المجوزة للكذب (و بين ما دل- كالرواية الاخيرة و غيرها- على اختصاص الجواز بصورة الاضطرار المستلزم) فاعله «ما دل»

ص: 219

للمنع، مع عدمه مطلقا عموم من وجه فيرجع إلى عمومات حرمة الكذب فتامل هذا مع امكان منع الاستبعاد المذكور لان مورد الاخبار عدم الالتفات إلى التورية فى مقام الضرورة إلى الكذب.

______________________________

(للمنع) عن الكذب (مع عدمه) اى عدم الاضطرار (مطلقا) اى سواء لم يكن اضطرار، او كان اضطرار و امكن رفعه بالتورية (عموم من وجه).

فان الروايات المجوزة تقول: يجوز الكذب ان تمكن عن التورية أم لم يتمكن.

و الرواية الاخيرة- اى موثقة زرارة- تقول: يجوز الكذب اذا اضطر فاذا لم يضطر لم يجز سواء لم يضطر اصلا، او اضطر و امكن رفعه بالتورية ففى صورة عدم التمكن من التورية لا تعارض الرواية الموثقة.

و فى صورة عدم الاضطرار اصلا لا تعارض الرواية المجوزة.

و يقع التعارض بينهما فى صورة الاضطرار مع التمكن من التورية فتجيزها الرواية المجوزة و تمنعها الرواية الاخيرة (فيرجع إلى عمومات حرمة الكذب فتأمل).

اذ ان الروايات المجوزة حاكمة على الموثقة لانها تبين موضوع الاضطرار الّذي تعرضت له الموثقة، و لا يخفى قوة هذا القول (هذا مع امكان منع الاستبعاد المذكور) بان نقول: لا بعد فى تقييد المطلقات بصورة عدم امكان التورية (لان مورد الاخبار) المجوزة (عدم الالتفات إلى التورية فى مقام الضرورة إلى الكذب).

فالاخبار المجوزة لا تشمل صورة الالتفات إلى التورية، حتى يكون

ص: 220

اذ مع الالتفات فالغالب اختيارها، اذ لا داعى إلى العدول عنها الى الكذب.

ثم ان اكثر الاصحاب مع تقييد هم جواز الكذب بعدم القدرة على التورية، اطلقوا القول بلغوية ما اكره عليه من العقود و الايقاعات.

و الاقوال المحرمة، كالسب و التبرى من دون تقييد بصورة عدم التمكن من

______________________________

حكمها بالجواز شاملا لصورة امكان التورية أيضا.

(اذ مع الالتفات) ممن يضطر إلى التورية (فالغالب اختيارها اذ لا داعى إلى العدول عنها إلى الكذب).

لكن لا يخفى ما فيه، لانه لو كانت التورية رافعة للاضطرار، لعلّمها الامام لافاضل الاصحاب.

الا ترى انه لو جاءك انسان و قال: انى مضطر إلى اكل الميتة لانى لا اعلم كيفية الذبح، تقول له: انك لست مضطرا لامكانك ان تعطى الحيوان لقصاب يذبحه فيما اذا كان القصاب ميسورا له بكل سهولة.

(ثم ان اكثر الاصحاب مع تقييدهم جواز الكذب بعدم القدرة على التورية) فى مسئلتنا هذه خالفوا ذلك فى مسئلة اخرى.

فانهم (اطلقوا القول بلغوية ما اكره عليه من العقود) كالبيع (و الايقاعات) كالطلاق.

(و الاقوال المحرمة، كالسب و التبرى) فلا ينعقد عقدا، و لا يصح ايقاعا و لا يكون حراما (من دون تقييد) منهم اللغوية (بصورة عدم التمكن من

ص: 221

التورية بل صرح بعض هؤلاء- كالشهيد فى الروضة و المسالك فى باب الطلاق- بعدم اعتبار العجز عنها بل فى كلام بعض ما يشعر بالاتفاق عليه، مع انه يمكن ان يقال: ان المكره على البيع انما اكره على التلفظ بالصيغة.

و اما إرادة المعنى

______________________________

التورية) مع انه لو كانت التورية رافعة للاضطرار لزم القول فى مسئلتنا: اى الكذب، و فى تلك المسألة اى العقد و الايقاع و السب المكره عليها بان اللازم عدم التمكن من التورية.

فتقييدهم فى مسئلتنا و عدم تقييدهم فى تلك المسألة تهافت، فان الاضطرار ان كان- مع امكان التورية- فليكن حتى فى الكذب و ان لم يكن- مع امكان التورية- فلا يكون حتى فى مسئلة العقود فما هو الفارق بين المسألتين (بل صرح بعض هؤلاء- كالشهيد فى الروضة و المسالك فى باب الطلاق- بعدم اعتبار العجز عنها) اى عن التورية فى وقوع الاكراه فانه لو اكره على الطلاق فطلق و لم يورّ بطل الطلاق و ان كان متمكنا من التورية (بل فى كلام بعض ما يشعر بالاتفاق عليه) اى على بطلان الطلاق و ان تمكن من التورية و كذا سائر العقود و الايقاعات (مع انه يمكن ان يقال) فى الايراد على الشهيد الثانى، و من قال بمقاله (ان المكره على البيع انما اكره على التلفظ بالصيغة) و اجراء لفظ «بعت» مع ترتيب الاثر الخارجى عليه بتسليمه المال إلى المشترى- مثلا-.

(و اما إرادة المعنى) من المكره- بالفتح- بل ينوى البيع عند

ص: 222

فمما لا تقبل الاكراه، فاذا اراده مع القدرة على عدم ارادته، فقد اختاره

فالاكراه على البيع الواقعى يختص بغير القادر على التورية، لعدم المعرفة بها، او عدم الالتفات إليها.

كما ان الاضطرار إلى الكذب يختص بغير القادر عليها.

و يمكن ان يفرق بين المقامين بان الاكراه انما يتعلق بالبيع الحقيقى او الطلاق الحقيقى.

______________________________

جريان اللفظ (فمما لا تقبل الاكراه، فاذا اراده) اى اراد المكره- بالفتح- المعنى (مع القدرة على عدم ارادته، فقد اختاره) بنفسه من دون اكراه عليه، و ذلك يقتضي صحة البيع.

(فالاكراه على البيع الواقعى يختص بغير القادر على التورية لعدم المعرفة بها، او عدم الالتفات إليها) حين البيع و ان كان عارفا بها.

(كما ان الاضطرار إلى الكذب) فى مسئلتنا (يختص بغير القادر عليها) اى على التورية.

(و يمكن ان يفرق بين المقامين) مقام الكذب و مقام العقود، حيث لا يجوز الكذب مع تمكن التورية و لا يصح العقد و ان تمكن من التورية (ب) ما حاصله ان دليل الاكراه مطلق فى باب العقود، فيتحقق الاكراه و لو مع القدرة على التورية، و دليل الاكراه غير مطلق فى الكذب بل خاص بصورة الاضطرار، لا يتحقق مع امكان التورية.

ف (ان الاكراه انما يتعلق بالبيع الحقيقى، او الطلاق الحقيقى) اذ الجائر يريد ان يبيع ماله او يطلق زوجته، لا انه يريد صورة البيع و الطلاق

ص: 223

غاية الامر قدرة المكره على التفصي عنه بايقاع الصورة من دون إرادة المعنى، لكنه غير المكره عليه و حيث ان الاخبار خالية عن اعتبار العجز عن التفصي بهذا الوجه لم يعتبر ذلك فى حكم الاكراه.

و هذا بخلاف الكذب، فانه لم يسوغ الا عند الاضطرار إليه و لا اضطرار مع القدرة.

نعم لو كان الاكراه من افراد الاضطرار.

______________________________

(غاية الامر قدرة المكره)- بالفتح- (على التفصي) و التخلص (عنه) اى عن الاكراه (بايقاع الصورة) اى مجرد لفظ «بعت و طلقت» (من دون إرادة المعنى، لكنه) اى اللفظ، فقط (غير المكره عليه و حيث ان الاخبار خالية عن اعتبار العجز عن التفصي بهذا الوجه).

فان الاخبار الدالة على بطلان عقد و ايقاع المكره لم تذكران البطلان خاص بصورة عجز المكره- بالفتح- عن التورية (لم يعتبر ذلك) اى عدم امكان التفصي (فى حكم الاكراه) فالاكراه موجود و ان امكن التفصي باجراء اللفظ فقط دون المعنى.

(و هذا بخلاف الكذب) الجائز للضرورة (فانه لم يسوغ) الكذب- فى الاخبار- (الا عند الاضطرار إليه، و لا اضطرار مع القدرة) على التفصّى بالتورية.

(نعم) يرد اشكال ما هو الفرق بين مقام الكذب، و مقام العقود (لو كان الاكراه من افراد الاضطرار) فالرواية التى تقول ببطلان بيع المكره يراد به المضطر.

ص: 224

بان كان المعتبر فى تحقق موضوعه عرفا او لغة، العجز عن التفصّى كما ادعاه بعض، او قلنا: باختصاص رفع حكمه بصورة الاضطرار، او بان كان عدم ترتب الاثر على المكره عليه من حيث انه مضطر إليه لدفع الضرر المتوعد عليه به عن النفس و المال كان ينبغى فيه اعتبار العجز من التورية لعدم الاضطرار مع القدرة عليها.

______________________________

و حيث لا اضطرار مع التورية يكون قول الفقهاء بعدم الاحتياج إلى التورية- فى العقود- و الاحتياج إليها فى الكذب- تهافتا.

و توضيحه انه لو قلنا: بان الاكراه من افراد الاضطرار (بان كان المعتبر فى تحقق موضوعه) اى الاكراه (عرفا او لغة، العجز عن التفصي) بالتورية (كما ادعاه بعض) اى ادعى ان الاكراه يعتبر فيه العجز- لانه من افراد الاضطرار- (او قلنا) بان الاكراه ليس من افراد الاضطرار موضوعا- بل (باختصاص رفع حكمه) اى حكم المكره عليه (بصورة الاضطرار او بان كان عدم ترتب الاثر على المكره عليه) انما هو (من حيث انه مضطر إليه) اضطرارا (لدفع الضرر المتوعد عليه به) «به» متعلق به «دفع» و معنى «به» اى بما يأتى من العقد- مثلا- (عن النفس و المال) متعلق ب «ضرر» (كان) هذا خبر قوله «نعم لو كان».

و الحاصل انه لو قلنا بان الاضطرار محقق لموضوع الاكراه، او لحكم الاكراه، كان (ينبغى فيه) اى فى الاكراه الرافع لحكم العقد و الايقاع (اعتبار العجز من التورية).

و انما يعتبر العجز (لعدم الاضطرار مع القدرة عليها) اى على

ص: 225

و الحاصل ان المكره اذا قصد المعنى مع التمكن من التورية، صدق على ما اوقع انه مكره عليه، فيدخل فى عموم رفع ما اكرهوا عليه.

و اما المضطر فاذا كذب مع القدرة على التورية، لم يصدق انه مضطر إليه، فلا يدخل فى عموم: رفع ما اضطروا إليه هذا كله على مذاق المشهور

______________________________

التورية، و اذا لم يكن اضطرار لم يكن اكراه حكما او موضوعا، فلا بطلان للعقد او الايقاع.

(و الحاصل) فى الفرق بين المقامين، اى مقام الكذب الّذي شرطوا فيه عدم تمكنه من التورية، و مقام العقود الّذي لم يشترطوا فيه عدم تمكنه من التورية (ان المكره) بالفتح (اذا قصد المعنى) للعقد او الايقاع (مع التمكن من التورية، صدق على ما اوقع) اى العقد او الايقاع الّذي اوقعه (انه مكره عليه، فيدخل) ما اوقعه من عقد او ايقاع (فى عموم رفع ما اكرهوا عليه) و يكون باطلا غير نافذ.

(و اما المضطر) الّذي يحلف كذبا (فاذا كذب مع القدرة على التورية لم يصدق انه مضطر إليه، فلا يدخل) كذبه (فى عموم: رفع ما اضطروا إليه) و لكن لا يخفى: ما فى هذا الفرق.

و الانصاف ان اللازم ان نقول: باشتراط عدم التمكن من التورية فى المقامين، او بعدم الاشتراط فى المقامين.

و كيف كان، ف (هذا كله) الّذي اتعبنا انفسنا لا بداء الفرق بين المقامين (على مذاق المشهور) حيث يشترطون عدم امكان التورية فى الكذب، دون العقود و الايقاعات

ص: 226

من انحصار جواز الكذب بصورة الاضطرار إليه- حتى من جهة العجز عن التورية-.

و اما على ما استظهرناه من الاخبار- كما اعترف به جماعة- من جوازه مع الاضطرار إليه من غير جهة العجز عن التورية، فلا فرق بينه و بين الاكراه.

كما ان الظاهر ان ادلة نفى الاكراه راجعة إلى الاضطرار لكن من غير جهة التورية، فالشارع رخص فى ترك التورية فى كل كلام مضطر إليه للاكراه عليه او دفع الضرر به، هذا.

______________________________

(من انحصار جواز الكذب بصورة الاضطرار إليه- حتى من جهة العجز عن التورية-) فاذا لم يعجز، فلا اضطرار، فلا يجوز الكذب.

(و اما على ما استظهرناه من الاخبار- كما اعترف به جماعة-) بانه ظاهر الاخبار (من جوازه) اى الكذب (مع الاضطرار إليه من غير جهة العجز عن التورية) فهو جائز و ان كان قادرا على التورية (فلا فرق بينه و بين الاكراه) فى ان العجز عن التورية لم يؤخذ فى موضوعها و لا حكمها.

(كما ان الظاهر ان ادلة نفى الاكراه راجعة إلى الاضطرار).

فالاكراه من مصاديق الاضطرار (لكن من غير جهة التورية) فلا يعتبر عدم امكان التورية فى صدق الادلة للاضطرار.

و على هذا (فالشارع رخص فى ترك التورية فى كل كلام مضطر إليه) سواء كان (للاكراه عليه) اى على ذلك الكلام (او) ل (دفع الضرر به) الضرر المتوجه من غير اكراه مكره (هذا) تمام الكلام فى اشتراط عدم

ص: 227

و لكن الاحوط التورية فى البابين.

ثم ان الضرر المسوغ للكذب هو المسوغ لسائر المحرمات.

نعم يستحب تحمل الضرر المالى الّذي لا يجحف.

و عليه: يحمل قول امير المؤمنين عليه السلام فى نهج البلاغة: علامة الايمان ان تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك.

ثم ان الاقوال الصادرة عن ائمتنا فى مقام التقية فى بيان الاحكام

______________________________

امكان التورية فى الكذب الاضطرارى.

(و لكن الاحوط التورية فى البابين) باب الكذب، و باب العقود و الايقاعات.

(ثم ان الضرر المسوغ) و المجوز (للكذب هو المسوغ لسائر المحرمات)

(نعم يستحب تحمل الضرر المالى) بل و البدنى (الّذي لا يجحف) بالانسان اى لا يكون ضررا كثيرا.

(و عليه) اى على الاستحباب فى غير المجحف (يحمل قول امير المؤمنين عليه السلام فى نهج البلاغة: علامة الايمان ان تؤثر الصدق) اى تقدمه (حيث يضرك) الصدق (على الكذب حيث ينفعك).

فان المراد المرتبة الراقية من الايمان و المراد بالضرر غير المجحف.

(ثم ان الاقوال الصادرة عن ائمتنا) الطاهرين عليهم السلام (فى مقام التقية فى بيان الاحكام) مقابل التقية التى هى تكليف للسائل.

فاذا كان حكم السائل التقية يكون بيان الامام عليه السلام بيانا للحكم الواقعى فلا شائبة فى كونه خلافا للواقع حتى يحتاج إلى هذا التوجيه

ص: 228

مثل قولهم: لا بأس بالصلاة فى ثوب اصابه خمر، و نحو ذلك.

و ان امكن حمله على الكذب لمصلحة بناء على ما استظهرنا جوازه من الاخبار، الا ان الاليق بشأنهم عليهم السلام هو الحمل على إرادة خلاف ظواهرها من دون نصب قرينة بان يريد من جواز الصلاة فى الثوب المذكور جوازها عند تعذر الغسل و الاضطرار إلى اللبس.

و قد صرحوا بإرادة المحامل البعيدة فى بعض الموارد، مثل انه ذكر عليه السلام: ان النافلة فريضة، ففزع المخاطب، ثم قال: انما اردت صلاة

______________________________

(مثل قولهم:) عليهم السلام (لا بأس بالصلاة فى ثوب اصابه خمر، و نحو ذلك) مما هو مخالف للواقع.

(و ان امكن حمله على الكذب لمصلحة) فان ذلك جائز (بناء على ما استظهرنا جوازه من الاخبار) خلافا لمن خصص الجواز بصورة عدم امكان التورية (الا ان الاليق بشأنهم عليهم السلام) كما يدل كونه أليق تفسيرهم عليهم السلام للآيات التى يمكن ان يتوهم منها خلاف الواقع فى قول الأنبياء كقول ابراهيم: انى سقيم، و ما اشبه (هو الحمل على إرادة خلاف ظواهرها من دون نصب قرينة) مثلا (بان يريد من جواز الصلاة فى الثوب المذكور، جوازها عند تعذر الغسل و الاضطرار إلى اللبس) او يريد جوازها للمضطر تقية، او ما اشبه ذلك.

(و قد صرحوا) الائمة عليهم السلام (بإرادة المحامل البعيدة فى بعض الموارد، مثل انه ذكر عليه السلام ان النافلة فريضة، ففزع المخاطب، ثم قال) عليه السلام (انما اردت صلاة

ص: 229

الوتر على النبي صلى الله عليه و آله.

و من هنا يعلم انه اذا دار الامر فى بعض المواضع بين الحمل على التقية و الحمل على الاستحباب كما فى الامر بالوضوء عقيب بعض ما قال العامة بكونه حدثا تعين الثانى لان التقية تتأدى بإرادة المجاز و اخفاء القرينة.

______________________________

الوتر على النبي صلى الله عليه و آله).

و لا يخفى ما فى هذه الإرادة من البعد عن مساق الظاهر.

(و من هنا) الّذي ذكرنا انه أليق بشأنهم عليهم السلام (يعلم انه اذا دار الامر فى بعض المواضع بين الحمل على التقية و الحمل على الاستحباب كما) فى تخليل اصابع الرجل بعد المسح، و (فى الامر بالوضوء عقيب بعض ما قال العامة بكونه حدثا تعين الثانى) اى الحمل على الاستحباب (لان التقية تتأدى بإرادة المجاز، و اخفاء القرينة) بان يريد الامام من الامر، الاستحباب و يخفى قرينة المجاز، اى كونه اريد بالامر الاستحباب.

و الحاصل انه اذا دار الامر بين ان يكون قول الامام خلافا للواقع تقية- او موافقا للواقع- مجازا- كان الثانى اولى، فاذا قال الامام عليه السلام: توضأ عقيب المذى، و دار امر توضأ بين الاستحباب حتى يكون صورة الامر بلا قرينة تقية، و بين كونه تقية حتى يكون اصل توضأ خلافا للواقع، كان الاليق بمقام الامام عليه السلام الاستحباب.

لكن ربما يقال: ان هذا خلاف ادلة التعادل و الترجيح و لا ظهور

ص: 230

الثانى: من مسوغات الكذب إرادة الاصلاح

و قد استفاضت الاخبار بجواز الكذب عند إرادة الاصلاح.

ففى صحيحة معاوية بن عمار: المصلح ليس بكذاب، و نحوها رواية معاوية بن حكم، عن ابيه عن جده، عن ابى عبد الله عليه السلام.

و فى رواية عيسى بن حنان عن الصادق عليه السلام: كل كذب مسئول عنه صاحبه يوما الا كذبا فى ثلاثة: رجل كائد فى حربه، فهو موضوع عنه.

و رجل اصلح بين اثنين يلقى هذا بغير ما يلقى هذا يريد بذلك الاصلاح.

______________________________

للتقية مجازا حتى يقدم على التقية حقيقة.

(الثانى: من مسوغات الكذب) و مجوزاته (إرادة الاصلاح و قد استفاضت الاخبار بجواز الكذب عند إرادة الاصلاح) لذات البين، زوجين كانا او غيرهما.

(ففى صحيحة معاوية بن عمار: المصلح ليس بكذاب) نفى الموضوع و إرادة نفى الحكم (و نحوها رواية معاوية بن حكم، عن ابيه عن جده، عن ابى عبد الله عليه السلام).

(و فى رواية عيسى بن حنان عن الصادق عليه السلام: كل كذب مسئول عنه صاحبه) اى صاحب الكذب (يوما) اى فى الدنيا او القبر او القيامة (الا كذبا فى ثلاثة: رجل كائد فى حربه، فهو موضوع عنه) فان الحرب مكيدة، كما لو كذب للتغلب على عدوه.

(و رجل اصلح بين اثنين يلقى هذا بغير ما يلقى هذا) الآخر، فيقول لزيد: مدحك عمرو، بينما ذمه عمرو (يريد بذلك) الكذب (الاصلاح).

ص: 231

و رجل وعد اهله و هو لا يريد ان يتم لهم.

و بمضمون هذه الرواية فى استثناء هذه الثلاثة روايات.

و فى مرسلة الواسطى، عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: الكلام ثلاثة، صدق، و كذب، و اصلاح بين الناس قيل له جعلت فداك، و ما الاصلاح بين الناس؟ قال: تسمع من الرجل كلاما يبلغه فتخبث نفسه فتقول سمعت فلانا قال فيك من الخير كذا و كذا، خلاف ما سمعته.

______________________________

(و رجل وعد اهله و هو لا يريد ان يتم لهم) اى يفى بوعده.

و لا يخفى ان هذا أيضا شعبة من الاصلاح، اذ كثيرا ما يكون موقف الرجل يوجب الكذب، و الا افسد عليه اهله امره.

(و بمضمون هذه الرواية فى استثناء هذه الثلاثة) من الكذب المحرم (روايات) اخرى.

(و فى مرسلة الواسطى، عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: الكلام ثلاثة، صدق، و كذب، و اصلاح بين الناس) و المراد انه صورة كذب و ليس محكوما بحكم الكذب واقعا (قيل له جعلت فداك، و ما الإصلاح بين الناس قال: تسمع عن الرجل كلاما يبلغه) كان تسمع من زيد كلاما سيئا فى عمرو و يبلغ ذلك الكلام عمروا (فتخبث نفسه) اى تفسد نفس الرجل المقول فيه الكلام، كعمرو بالنسبة إلى زيد قائل الكلام (فتقول) لعمرو (سمعت فلانا) كزيد، مثلا (قال فيك من الخير كذا و كذا، خلاف ما سمعته) حتى تطيب نفس عمرو على زيد.

ص: 232

و عن الصدوق فى كتاب الاخوان بسنده عن ابى الحسن الرضا «ع» قال: ان الرجل ليصدق على اخيه، فيصيبه عنت من صدقه فيكون كذابا عند الله و ان الرجل ليكذب على اخيه يريد به نفعه، فيكون عند الله صادقا.

ثم ان ظاهر الاخبار المذكورة عدم وجوب التورية و لم ار من اعتبر العجز عنها فى جواز الكذب فى هذا المقام.

و تقييد الاخبار المذكورة بصورة العجز عنها فى غاية البعد، و ان كان مراعاته مقتضى الاحتياط.

______________________________

(و عن الصدوق فى كتاب الاخوان بسنده عن ابى الحسن الرضا «ع» قال: ان الرجل ليصدق على اخيه، فيصيبه عنت) و صعوبة (من صدقه فيكون كذابا عند الله) اى عليه وزر الكذب، لانه القى اخاه فى الحرج و الضرر، بسبب صدقه، و قد كان هذا الصدق منهيا عنه (و ان الرجل ليكذب على اخيه يريد به نفعه، فيكون عند الله صادقا) اى له ثواب الصادقين.

(ثم ان ظاهر الاخبار المذكورة عدم وجوب التورية) فى الكذب الاصلاحى (و لم أر من اعتبر العجز عنها) اى عن التورية (فى جواز الكذب فى هذا المقام) اى مقام الاصلاح.

(و تقييد الاخبار المذكورة) فى الكذب الاصلاحى (بصورة العجز عنها) اى عن التورية (فى غاية البعد، و ان كان مراعاته) اى العجز عن التورية (مقتضى الاحتياط).

لكن الظاهر من لفظ «يكذب» فى الاخبار و نحوه انه لا مجال

ص: 233

ثم انه قد ورد فى اخبار كثيرة جواز الوعد الكاذب مع الزوجة، بل مطلق الاهل، و الله العالم.

______________________________

للاحتياط حتى الاستحبابى منه.

(ثم انه قد ورد فى اخبار كثيرة جواز الوعد الكاذب مع الزوجة، بل مطلق الاهل).

و قد تقدم ان الوعد ليس من الكذب، كما ورد فى الاخبار جواز الكذب فى الحرب، و جواز الكذب بالنسبة إلى اهل البدعة (و الله العالم).

تمتع دائما بمؤلفات قيمة و سهلة تغنيك عن صعوبات الدراسة.

كالوصول إلى كفاية الاصول.

و شرح المنظومة.

و القول السديد فى شرح التجريد و بقية اجزاء ايصال الطالب إلى المكاسب.

ص: 234

التاسعة عشرة الكهانة حرام،

و هى من كهن يكهن ككتب يكتب كتابة كما فى الصحاح اذا تكهن.

قال: و يقال: كهن بالضم- كهانة- بالفتح- اذا صار كاهنا.

و عن القاموس- أيضا- الكهانة بالكسر لكن عن المصباح كهن يكهن كقتل، كهانة بالفتح.

و كيف كان فعن النهاية: ان الكاهن من يتعاطى الخبر عن الكائنات فى مستقبل الزمان و قد كان فى العرب كهنة.

______________________________

المسألة (التاسعة عشرة) مما يحرم الاكتساب به لحرمته فى نفسه (الكهانة حرام، و هى من كهن يكهن ككتب يكتب كتابة كما فى الصحاح- اذا تكهن) و اخبر عن الغيب بصورة خاصة.

(قال) الصحاح (و يقال: كهن- بالضم- كهانة- بالفتح- اذا صار كاهنا) اى صارت ملكته الكهانة، كالخياط لمن صارت ملكته الخياطة.

(و عن القاموس- أيضا- الكهانة بالكسر) للكاف، كما قاله الصحاح (لكن عن المصباح كهن يكهن كقتل، كهانة بالفتح) لا بالكسر.

(و كيف كان) سواء كان بالفتح او الكسر (فعن النهاية: ان الكاهن من يتعاطى) اى الاخذ و العطاء (الخبر عن الكائنات) اى الاشياء التى تكون (فى مستقبل الزمان، و قد كان فى العرب كهنة) جمع كاهن كفسقة جامع فاسق.

ص: 235

فمنهم من كان يزعم ان له تابعا من الجن يلقى إليه الاخبار.

و منهم من كان يزعم انه يعرف الامور بمقدمات و اسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من سأله او فعله او حاله.

و هذا يخصونه باسم العرّاف.

______________________________

(فمنهم من كان يزعم ان له تابعا) يتبع الكاهن (من الجن يلقى إليه الاخبار) عن البلاد البعيدة، و الامور الغائبة عن الحواس، و الامور المستقبلة.

(و منهم من كان يزعم انه يعرف الامور بمقدمات و اسباب يستدل بها) اى تلك الاسباب (على مواقعها).

مثلا: يسأل الكاهن من جاءه يستفسره عن سرقة حدثت عنده، فى اى وقت سرق، و هل تظن باحد، و كم كانت السرقة و فى اى مكان كان، و هكذا فيستدل الكاهن بهذه الامور على موقع السرقة، و اين هى الآن، و من سرقها و هكذا فى سائر الامور (من كلام من سأله او فعله او حاله)- و هذا قسم آخر- فاذا جاءه رجل يسأله عن حظه فى الزواج يزعم الكاهن ان اوّل كلمة قالها السائل تدل على حظه.

او مثلا: ان كان عمل السائل الحياكة او ان كان فعله كذا، ينوى الكاهن: انه لما جاءه للسؤال جلس مستقبل الجدى.

او مثلا: ان كان حال السائل حالة حسنة او حالة سيئة دل على كذا فيجمع الكاهن هذه الامور فى ذهنه، و يجيب على نحو ما يستنبط منها.

(و هذا) القسم، و هو من يعرف الامور بمقدمات (يخصونه باسم العراف)

ص: 236

و المحكى عن الاكثر فى تعريف الكاهن- ما فى القواعد- من انه من كان له راى من الجن يأتيه الاخبار.

و عن التنقيح انه المشهور، و نسبه فى السرائر إلى القيل و راىّ: على فعيل، من: راى يقال: فلان رئيّ القوم، اى صاحب رأيهم قيل: و قد يكسر راؤه اتباعا.

______________________________

مبالغة عارف.

فالكاهن و العارف و القائف كل يخبر عن المستقبل، و عن الامور الغامضة

لكن الاول: من يزعم انه بإلقاء الجن يعرف الامور.

و الثانى: من يزعم انه بالعلائم و الآثار و التفاؤل و التطير يعرف الامور

و الثالث: من يزعم انه يعرف بالشبه و نحو الشبه، و غالبا ما كان اذكياء القوم يتصفون بهذه الصفات و قد يطلق هذه الاسامى بعضها على بعض باعتبارات-.

(و المحكى عن الاكثر فى تعريف الكاهن- ما فى القواعد- من انه من كان له رئيّ) وزان غنىّ (من الجن) اى جن صاحب رأى (يأتيه الاخبار) الغامضة و المستقبلة.

(و عن التنقيح انه) اى تعريف العلامة للكاهن هو (المشهور و نسبه فى السرائر إلى القيل، و رئيّ: على) وزن (فعيل، من: راى يقال: فلان رئيّ القوم، اى صاحب رايهم) الّذي يعطيهم الرأي فى الامور (قيل: و قد يكسر راؤه اتباعا) اى متابعة لعين الكلمة- و هى الهمزة-.

ص: 237

و عن القاموس رئيّ كغنى، جنى يرى فيخبر.

و عن النهاية يقال: للتابع من الجن رئيّ بوزن كمىّ.

اقول: روى الطبرسى فى الاحتجاج فى جملة الاسئلة التى سئل الزنديق عنها أبا عبد الله عليه السلام، قال الزنديق: فمن اين اصل الكهانة؟ و من اين يخبر الناس بما يحدث؟ قال عليه السلام: ان الكهانة كانت فى الجاهلية، فى كل حين فترة من الرسل، كان الكاهن بمنزلة الحاكم، يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الامور بينهم، فيخبرهم باشياء تحدث، و ذلك فى وجوه شتى، فراسة العين.

______________________________

(و عن القاموس راى كغنى، جنّى يرى فيخبر).

(و عن النهاية يقال: للتابع) للانسان (من الجن رئيّ بوزن كمى) وزان غنى.

(اقول: روى الطبرسى فى الاحتجاج فى جملة الاسئلة التى سئل الزنديق عنها أبا عبد الله عليه السلام، قال الزنديق: فمن اين اصل الكهانة؟ و من اين يخبر) الكاهن (الناس بما يحدث) فى المستقبل (قال عليه السلام: ان الكهانة كانت فى الجاهلية، فى كل حين فترة من الرسل، كان الكاهن بمنزلة الحاكم، يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الامور بينهم، فيخبرهم) الكاهن (باشياء تحدث، و ذلك) التمكن من الاخبار بالمستقبل (فى وجوه شتى) اى مصدر علم الكاهن امور متعددة (فراسة العين) فان بعض الناس يتفرسون عن الظواهر البواطن بواسطة نظرهم.

ص: 238

و ذكاء القلب، و وسوسة النفس، و فطنة الروح، مع قذف

______________________________

مثلا: اذا نظر إلى جماعة عرف المجرم منهم لانه منخطف اللون كثير الالتفات عديم الاستقرار (و ذكاء القلب) فان الاذكياء يعرفون من المقدمات النتائج، فاذا قيل له زيد و عمرو تشاركا، قال الذكى انه لا تدوم الشركة بينهما لانه يعرف اختلاف زيد و عمرو فى المذاق فيستنبط ان هذا الاختلاف الطبعى سيؤدى إلى فسخ الشركة (و وسوسة النفس) فان بعض النفوس سريعة الاطمينان، و بعض النفوس فيها حالة تردّد و وسوسة فاذا سئلت هذا الوسواس هل يأتى زيد أم لا لا يطمئن بالمقدمات الدالة على مجيئه، و لذا يجيب بالجواب المردد.

مثلا: يقول المقدمات تدل على مجيئه، لكن هناك احتمال عدم المجي ء لبعض الموانع (و فطنة الروح) فالروح هى التى تتلقى الاخبار عن الخارج بواسطة الحواس الظاهرة، فالروح الفطنة اذا شمت شيئا او ذاقت او لمست او سمعت انتقل إلى ما وراء ذلك، بخلاف الارواح البليدة.

و قد نقل ان المعرى اخذت جارية بيده لقضاء الحاجة، فلما رجع و اخذت الجارية يده صاح قائلا ذهبت بكارة الفتاة، و كان الامر كما قال.

و عند ما سئل من اين علم ذلك و هو لا يبصر قال من ارتعاش يدها ارتعاشا خاصا.

و على هذا فالفرق بين ذكاء القلب، و فطنة الروح ان الاول الوصول من المقدمات إلى النتائج و لو لم تكن المقدمات محسوسة.

و الثانى: الوصول إلى نتائج مخفية من مقدمات حسية (مع قذف

ص: 239

فى قلبه لان ما يحدث فى الارض من الحوادث الظاهرة، فذلك يعلم الشيطان و يؤديه إلى الكاهن، و يخبره بما يحدث فى المنازل و الاطراف

و اما اخبار السماء فان الشيطان كانت تقعد مقاعد استراق السمع اذ ذاك و هى لا تحجب و لا ترجم بالنجوم

______________________________

فى قلبه) بدون مقدمات.

و هذا هو الّذي يعبر عنه بالفارسية- در دلم تاثير كرد-.

و قد عبر عنه فى بعض الاخبار ب «مناجات الارواح» و قد ثبتت هذه الاقسام كلها فى العلم الحديث فراجع كتب التحضير، و كتب ما وراء الطبيعة و كتب علم النفس (لان ما يحدث فى الارض من الحوادث الظاهرة، فذلك يعلم) به (الشيطان و يؤديه إلى الكاهن، و يخبره بما يحدث فى المنازل و الاطراف) اى اطراف المدينة.

(و اما اخبار السماء) فانها لا تعرفها الشياطين كاملة (فان الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع) اى المقاعد التى يتمكن بها من استراق السمع (اذ ذاك) اى حين فترة من الرسل (و هى لا تحجب) اى لا تمنع (و لا ترجم بالنجوم) اى لا تطرد بسبب النجوم و الشهب.

و هذا اشارة إلى قوله تعالى- فى سورة الجن- «وَ أَنّٰا كُنّٰا نَقْعُدُ مِنْهٰا مَقٰاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهٰاباً رَصَداً» و قوله و «رُجُوماً لِلشَّيٰاطِينِ».

و المراد ان النجوم مراكز لرجم الشياطين بالشهب و نحوها.

ص: 240

و انما منعت من استراق السمع، لئلا يقع فى الارض سبب يشاكل الوحى من خبر السماء

______________________________

و لا يخفى انه لا منافات بين العلل الطبيعية، و العلل الواقعية، فالشهاب يحدث بسبب امور طبيعية، لكنها انما تحدث رجما للشياطين فى الواقع، كما ان الكسوف و الخسوف يحدثان بسبب العلل الطبيعية و لكنهما انما يكونان لدى كثرة الذنوب، كما ان الجنين يتكون بالاسباب الطبيعية لكن العلة الحقيقية إرادة الله تعالى.

و منه يعلم انه لا منافات بين بعد النجوم ألوف الاميال و قرب الشهب من الارض.

فلا يقال: كيف يرمى الشهاب من ذلك المحل البعيد، اذ النظام الكونى الخاص المربوط بالنجوم هو الّذي يسبب حدوث النيازك و الكلام فى المقام طويل نكتفى منه بهذا القدر.

(و انما منعت) الشياطين (من استراق السمع، لئلا يقع فى الارض سبب) و امر (يشاكل) و يشابه (الوحى من خبر السماء) فانه و ان كان هناك فرق بين الوحى و الكهانة و ما اشبهها بان الرسول يتمكن من كل شي ء، و الكاهن و شبهه لا يتمكن الا من بعض الاخبار لكن لما كان بعض العوام يشتبه عليهم الامر- جهلا- اقتضت مشيئته سبحانه ان يمنع حتى مثل هذا الاشتباه.

و المراد بما يشابه الوحى الاحكام المتينة القوية التى ليست من امور الارض.

ص: 241

فيلبس على اهل الارض ما جاءهم عن الله تعالى لاثبات الحجة، و نفى الشبهة، و كان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث الله فى خلقه فيختطفها، ثم يهبط بها إلى الارض فيقذفها إلى الكاهن، فاذا قد زاد كلمات من عنده، فيخلط الحق بالباطل.

فما اصاب الكاهن من خبر مما كان يخبر به هو ما اداه إليه شيطانه مما سمعه.

______________________________

مثلا: اذا تمكن الشيطان من استراق السمع جاء بالسورة التى سمعها فى الملاء الاعلى- قبل ان ينطق بها الرسول- الى كاهنه، فيرون الناس ان الرسول و الكاهن كليهما يلفظان بشي ء واحد مثلا فمنعهم الله سبحانه لئلا يشتبه (فيلبس على اهل الارض ما جاءهم عن الله تعالى)

و ذلك (لاثبات الحجة) فى قول الأنبياء (و نفى الشبهة) التى كانت حول كلامهم لو تكلموا الكهنة بمثل كلامهم (و كان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث الله فى خلقه) من الحياة و الموت، و ما اشبه (فيختطفها) اى يأخذ الكلمة بسرعة (ثم يهبط بها إلى الارض فيقذفها) اى يلقيها (الى الكاهن، فاذا قد زاد) اى الشيطان او الكاهن (كلمات من عنده، فيخلط الحق بالباطل) و الصدق بالكذب و هذا هو سر صحة بعض كلمات الكاهن و بطلان بعضها الآخر.

(فما اصاب الكاهن من خبر مما كان يخبر به هو ما اداه) و اعطاه (إليه شيطانه مما سمعه) الشيطان من السماء.

ص: 242

و ما اخطاء فيه، فهو من باطل ما زاد فيه فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة و اليوم انما تؤدى الشياطين إلى كهانها اخبارا للناس مما يتحدثون به و ما يحدثونه.

و الشياطين تؤدى إلى الشياطين ما يحدث فى البعد من الحوادث من سارق سرق، و من قاتل قتل و من غائب غاب.

و هم أيضا بمنزلة الناس صدوق و كذوب، الخبر.

و قوله عليه السلام: مع قذف فى قلبه، يمكن ان يكون قيد اللاخير،

______________________________

(و ما اخطاء فيه، فهو من باطل ما زاد فيه) الشيطان او الكاهن (فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة) اى التى بهذا المعنى (و اليوم) و بعد انقطاع اخبار السماء (انما تؤدى الشياطين إلى كهانها اخبارا للناس) المربوطة بالارض (مما يتحدثون به و ما يحدثونه).

مثلا: يقولون ان ملك الصين تكلم بكذا، و ان ملك الهند بنى كذا و هكذا من الاقوال و الاعمال.

(و الشياطين تؤدى إلى الشياطين ما يحدث فى البعد).

مثلا شيطان الصين يحدث شيطان الشرق بما حدث هناك فى الصين و شيطان الشرق يأخذ الكلام ليلقيه إلى كاهنه (من الحوادث من سارق سرق، و من قاتل قتل و من غائب غاب) و هكذا من هذا القبيل من الاخبار (و هم) اى الشياطين (أيضا بمنزلة الناس صدوق و كذوب) فى اخبارهم عن الامور البعيدة، الى آخر (الخبر) نقلناه لما فيه الفائدة.

(و قوله عليه السلام: مع قذف فى قلبه، يمكن ان يكون قيد اللاخير

ص: 243

و هو: فطنة الروح، فتكون الكهانة بغير قذف الشياطين كما هو ظاهر ما تقدم عن النهاية.

و يحتمل ان يكون قيدا لجميع الوجوه المذكورة فيكون المراد تركب اخبار الكاهن مما يقذفه الشيطان، و ما يحدث فى نفسه لتلك الوجوه و غيرها كما يدل عليه قوله عليه السلام بعد ذلك: زاد كلمات من عنده فيخلط الحق بالباطل.

______________________________

و هو: فطنة الروح، فتكون الكهانة بغير قذف الشياطين) اى الاقسام الثلاثة الاول و هى الفراسة و الذكاء و الوسوسة، كانت من نفس الكاهن بدون القذف فالكهانة قسمان قذف و غير قذف (كما هو ظاهر ما تقدم عن النهاية) حيث قال: فمنهم من كان يزعم ان له تابعا، و منهم من كان يزعم انه يعرف.

(و يحتمل ان يكون) قوله: مع قذف، (قيدا لجميع الوجوه المذكورة) اى الفراسة و الذكاء و الوسوسة و الفطنة، يعنى ان هذه الامور بضميمة القذف هى الكهانة (فيكون المراد تركب اخبار الكاهن مما يقذفه الشيطان و ما يحدث فى نفسه لتلك الوجوه) اى الفراسة الخ (و غيرها) اى غير تلك الوجوه.

(كما يدل عليه) اى على كون «مع قذف» قيدا للجميع (قوله عليه السلام بعد ذلك: زاد كلمات من عنده، فيخلط الحق بالباطل) مما يدل على ان الكهانة مركبة من القذف و الزيادة لانها قسمان- كما كان مقتضى المعنى الاول-.

ص: 244

و كيف كان، ففى قوله: انقطعت الكهانة، دلالة على ما عن المغرب من ان الكهانة فى العرب كانت قبل البعث قبل منع الشيطان عن استراق السمع.

لكن قوله عليه السلام: انما يؤدى الشياطين إلى كهانها اخبارا للناس، و قوله عليه السلام: قبل ذلك مع قذف فى قلبه الخ دلالة على صدق الكاهن على من لا يخبر إلا باخبار الارض.

فيكون المراد من الكهانة المنقطعة: الكهانة الكاملة التى يكون الكاهن بها حاكما فى جميع ما يتحاكمون إليه من المشتبهات، كما ذكر فى اوّل الرواية.

______________________________

(و كيف كان، ففى قوله: انقطعت الكهانة، دلالة على ما عن المغرب من ان الكهانة فى العرب كانت قبل البعث) اى بعثة النبي صلى الله عليه و آله و سلم (قبل منع الشيطان عن استراق السمع) فى السماء.

(لكن قوله عليه السلام: انما يؤدى الشياطين إلى كهانها اخبارا للناس، و قوله عليه السلام: قبل ذلك مع قذف فى قلبه الخ دلالة على صدق الكاهن) اى صدق هذا الاسم (على من لا يخبر الا باخبار الارض) فلا يتوقف صدق اسم الكاهن على من يخبر باخبار السماء.

(فيكون المراد) للامام عليه السلام (من الكهانة المنقطعة) حيث قال عليه السلام: انقطعت الكهانة (الكهانة الكاملة التى يكون الكاهن بها حاكما فى جميع ما يتحاكمون إليه من المشتبهات، كما ذكر فى اوّل الرواية) الّذي كان المراد به الاحكام فى احكام الارض و احكام السماء.

ص: 245

و كيف كان فلا خلاف فى حرمة الكهانة.

و فى المروى عن الخصال: من تكهن او تكهن له، فقد برئ من دين محمد صلى الله عليه و آله و سلم.

و قد تقدم رواية ان الكاهن كالساحر و ان تعلم النجوم يدعو إلى الكهانة.

و روى فى مستطرفات السرائر عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن الهيثم، قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام: ان عندنا بالجزيرة رجلا

______________________________

(و كيف كان فلا خلاف) عند الفقهاء (فى حرمة الكهانة) لاستفاضة الروايات بذلك.

(و فى المروى عن الخصال: من تكهن او تكهن له، فقد برئ من دين محمد صلى الله عليه و آله و سلم).

و المراد الدين الكامل، لا اصل الدين، كما لا يخفى.

(و قد تقدم رواية ان الكاهن كالساحر).

فان الاول يخبر عن غير المجارى الطبيعية.

و الثانى يفعل افعالا من غير المجارى الطبيعية (و ان تعلم النجوم يدعو إلى الكهانة) حيث ان المنجم يريد التعرف إلى ما وراء الحسّ- بطبيعة عمله- فيذهب لتعلم قواعد الكهانة.

(و روى فى مستطرفات السرائر عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن الهيثم، قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام: ان عندنا بالجزيرة رجلا

ص: 246

ربما اخبر من يأتيه يسأله عن الشي ء يسرق او شبه ذلك فنسأله فقال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: من مشى إلى ساحر او كاهن او كذاب يصدقه فيما يقول، فقد كفر بما انزل الله من كتاب، الخبر.

و ظاهر هذه الصحيحة: ان الاخبار عن الغائبات على سبيل الجزم محرم مطلقا، سواء كان بالكهانة او بغيرها، لانه عليه السلام جعل المخبر بالشي ء الغائب بين الساحر و الكاهن و الكذاب، و جعل الكل

______________________________

ربما اخبر من يأتيه يسأله عن الشي ء يسرق او شبه ذلك فنسأله) كمن يسأله عن غائبه اين هو؟ و عن مريضه متى يطيب؟ و ما اشبه (فقال) عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: من مشى إلى ساحرا و كاهن او كذاب) الظاهر ان المراد به صاحب البدعة (يصدقه فيما يقول، فقد كفر بما انزل الله من كتاب، الخبر).

و الظاهر: ان المراد تصديقا ينافى تصديق النبي او المراد الكفر العملى.

فقد مر ان الكفر عقيدى و هو من ينكر اصلا من اصول الدين، و عملى و هو الاتيان بالمحرم كقوله صلى الله عليه و آله كفر بالله النمام و شبهه مما تقدم نقلا باللفظ-.

(و ظاهر هذه الصحيحة: ان الاخبار عن الغائبات على سبيل الجزم محرم مطلقا، سواء كان) الاخبار (ب) سبب (الكهانة او بغيرها، لانه عليه السلام جعل المخبر بالشي ء الغائب بين الساحر و الكاهن و الكذاب، و جعل الكل

ص: 247

حراما.

و يؤيده النهى فى النبوى المروى فى الفقيه فى حديث المناهى:

انه نهى عن اتيان العراف، و قال: من اتاه و صدقه فقد برء مما انزل الله على محمد (ص).

و قد عرفت من النهاية ان المخبر عن الغائبات فى المستقبل كاهن و يخص باسم العرّاف.

______________________________

حراما).

اقول و لكن لا يبعد ان المخبر عن المستقبل حسب الموازين الطبيعية لا يكون داخلا فى ذلك، بل الظاهر من الحديث ان الاخبار عن مجارى غير طبيعية.

فالاخبار عن الغيم و الصحو و الفيضان و حرارة الهواء و برودتها و ما اشبه مما يدل عليها العلم الطبيعى، و قد كثر اعتياده فى هذا الزمان ليس داخلا فى الصحيحة.

(و يؤيده النهى فى النبوى المروى فى الفقيه فى حديث المناهى:

انه) صلى الله عليه و آله و سلم (نهى عن اتيان العراف، و قال: من اتاه و صدقه فقد برء مما انزل الله على محمد «ص»).

و المراد به البراءة العملية، لا البراءة الاعتقادية، الا اذا كان تصديقه ملازما لتكذيب الرسول صلى الله عليه و آله و سلم.

(و قد عرفت من النهاية ان المخبر عن الغائبات فى المستقبل كاهن و يخص باسم العراف).

ص: 248

و يؤيد ذلك ما تقدم فى رواية الاحتجاج من قوله عليه السلام: لئلا يقع فى الارض سبب يشاكل الوحى الخ، فان ظاهره كون ذلك مبغوضا للشارع من اى سبب كان.

فتبين من ذلك ان الاخبار عن الغائبات بمجرد السؤال عنها- من غير نظر فى بعض ما صح اعتباره كبعض الحفر و الرمل- محرم.

______________________________

هذا وجه تأييد الرواية لقول المصنف ان كل مخبر عن الغائب جزما حرام.

لكن لا يخفى ان بين الغائب و المستقبل عموما من وجه.

(و يؤيد ذلك) الّذي ذكرنا من حرمة الاخبار عن الغائب مطلقا- على طريق الجزم- (ما تقدم فى رواية الاحتجاج من قوله عليه السلام:

لئلا يقع فى الارض سبب يشاكل الوحى الخ، فان ظاهره كون ذلك) المشاكل للوحى فى كونه اخبارا عن الغائب (مبغوضا للشارع من اى سبب كان).

لكن لا يخفى ان اخبار السماء كانت مبغوضة للشارع، لذا منع الشياطين منها.

اما اخبار الارض فلم تكن مبغوضة، و لذا لم يمنع الله سبحانه الشياطين منها.

(فتبين من ذلك) الّذي ذكرناه (ان الاخبار عن الغائبات بمجرد السؤال عنها- من غير نظر فى بعض ما صح اعتباره كبعض الحفر و الرمل- محرم).

ص: 249

و لعله لذا عد صاحب المفاتيح من المحرمات المنصوصة الاخبار عن الغائبات على سبيل الجزم لغير نبى او وصى نبى، سواء كان بالتنجيم او الكهانة او القيافة او غير ذلك.

______________________________

قوله «بمجرد» يراد به ما يقابل الاخبار بالنظر فى العلوم الصحيحة كالجفر و الرمل او ما اشبه.

و انما قيد بهذا القيد، لان الاخبار عن التعلم و النظر لا يشابه الوحى، حتى يشمله ما دل على حرمة ما يشابه الوحى.

(و لعله لذا) الّذي ذكرناه من تبين حرمة الاخبار عن الروايات (عد صاحب المفاتيح من المحرمات المنصوصة الاخبار عن الغائبات على سبيل الجزم) مقابل ان يقول «يحتمل ان يكون كذبا» (لغير نبى او وصى نبى سواء كان بالتنجيم او الكهانة او القيافة او غير ذلك) و الله العالم.

ص: 250

العشرون اللهو حرام

على ما يظهر من المبسوط و السرائر و المعتبر و القواعد و الذكرى و الجعفرية، و غيرها، حيث عللوا لزوم الاتمام فى سفر الصيد بكونه محرما من حيث اللهو قال فى المبسوط السفر على أربعة اقسام، و ذكر الواجب و الندب و المباح ثم قال: الرابع سفر المعصية، و عدّ من امثلتها من طلب الصيد للهو و البطر، و نحوه بعينه عبارة السرائر.

و قال فى المعتبر، قال علمائنا: اللاهى بسفره كالمتنزه بصيده بطرا، لا

______________________________

المسألة (العشرون) مما يحرم الاكتساب به لحرمته فى ذاته (اللهو حرام على ما يظهر من المبسوط و السرائر و المعتبر و القواعد و الذكرى، و) ارشاد (الجعفرية، و غيرها) من كتب جماعة من الفقهاء (حيث عللوا لزوم الاتمام) للصلاة (فى سفر الصيد) الّذي ليس للقوت (بكونه محرما من حيث اللهو) خلافا لآخرين حيث لم يقولوا بحرمة هذا السفر، و انما قالوا بانه يتم الصلاة فيه للدليل، كإتمام الصلاة لمن شغله السفر، و من اشبه (قال) الشيخ (فى المبسوط السفر على أربعة اقسام، و ذكر الواجب و الندب و المباح) كالحج و زيارة الامام و التنزه (ثم قال: الرابع سفر المعصية و عد من امثلتها من طلب الصيد للهو و البطر) و هو شدة النشاط و الفرح الّذي يسبب عدم المبالات بالامور (و نحوه بعينه عبارة السرائر) لابن ادريس

(و قال) المحقق (فى المعتبر، قال علمائنا: اللاهى بسفره كالمتنزه بصيده) اى الّذي يسافر للتنزه و الابتعاد عن البلد، و همومه (بطرا، لا

ص: 251

يترخص.

لنا ان اللهو حرام، فالسفر له معصية، انتهى.

و قال فى القواعد الخامس من شروط القصر إباحة السفر فلا يرخص العاصى بسفره، كتابع الجائر و المتصيد لهوا، انتهى.

و قال فى المختلف فى كتاب المتاجر حرم الحلبى الرمى من قوس الجلاهق قال: و هذا الاطلاق ليس بجيد، بل ينبغى تقييده باللهو و البطر.

و قد صرح الحلّى فى مسئلة اللعب بالحمام بغير رهان بحرمته، و

______________________________

يترخص) ان يصلى قصرا.

(لنا) اى دليلنا على ذلك (ان اللهو حرام، فالسفر له معصية انتهى).

و من المعلوم ان سفر المعصية لا يوجب القصر.

(و قال فى القواعد الخامس من شروط القصر) فى الصلاة للمسافر (إباحة السفر فلا يرخص العاصى بسفره، كتابع الجائر و المتصيد لهوا، انتهى) كلام العلامة.

(و قال فى المختلف) أيضا (فى كتاب المتاجر حرم الحلبى الرمى من قوس الجلاهق).

ثم (قال) العلامة (و هذا الاطلاق) من الحلبى (ليس بجيد، بل ينبغى تقييده) اى كون الرمى حراما (باللهو و البطر) فهذا الكلام يدل على ان اللهو حرام.

(و قد صرح الحلّى فى مسئلة اللعب بالحمام بغير رهان بحرمته و

ص: 252

قال: ان اللعب بجميع الاشياء قبيح، و رده بعض بمنع حرمة مطلق اللعب.

و انتصر فى الرياض للحلّى، بان ما دل على قبح اللعب و ورد بذمه من الآيات و الروايات اظهر من ان يخفى فاذا ثبت القبح و الذم ثبت النهى.

ثم قال: و لو لا شذوذه بحيث كاد ان يكون مخالفا للاجماع، لكان المصير إلى قوله: ليس بذلك

______________________________

قال: ان اللعب بجميع الاشياء قبيح، و رده بعض بمنع حرمة مطلق اللعب)

اذ لا دليل على ذلك بالإضافة إلى انه يلزم منه حرمة اللعب بالسبحة و اللحية و التراب و العشب و الطفل و ما اشبه، و هذا خلاف الضرورة.

(و انتصر فى الرياض للحلّى، بان ما دل على قبح اللعب و ورد بذمه من الآيات و الروايات اظهر من ان يخفى).

كقوله تعالى- فى سورة التوبة-: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمٰا كُنّٰا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ، و قوله- فى سورة الزخرف-: فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَ يَلْعَبُوا حَتّٰى يُلٰاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ*، و نحوه فى- سورة المعارج- الى غيرها.

لكن فى سورة يوسف: أَرْسِلْهُ مَعَنٰا غَداً يَرْتَعْ وَ يَلْعَبْ.

و كيف كان (فاذا ثبت القبح و الذم ثبت النهى) لان القبح فى سلسلة العلل، و ما حكم به العقل حكم به الشرع.

(ثم قال: و لو لا شذوذه) اى شذوذ القول بحرمة اللعب بالحمام (بحيث كاد ان يكون مخالفا للاجماع، لكان المصير إلى قوله: ليس بذلك

ص: 253

البعيد، انتهى و لا يبعد ان يكون القول بجواز خصوص هذا اللعب و شذوذ القول بحرمته، مع دعوى كثرة الروايات بل الآيات على حرمة مطلق اللهو لاجل النص على الجواز فيه، فى قوله عليه السلام: لا بأس بشهادة من يلعب بالحمام.

و استدل فى الرياض أيضا- تبعا للمهذب- على حرمة المسابقة بغير المنصوص على جوازه بغير عوض بما دل على تحريم اللهو و اللعب.

______________________________

البعيد، انتهى).

و هذا أيضا يدل على تصديقه لحرمة مطلق اللعب و انما خرج عن ذلك اللعب بالحمام لانه مخالف للاجماع.

قال المصنف ره (و لا يبعد ان يكون القول بجواز خصوص هذا اللعب) اى بالحمام (و شذوذ القول بحرمته، مع دعوى كثرة الروايات بل الآيات على حرمة مطلق اللهو لاجل النص على الجواز فيه) اى فى اللعب بالحمام (فى قوله عليه السلام: لا بأس بشهادة من يلعب بالحمام) فانه لو كان حراما كان اللازم عدم قبول شهادته.

لا يقال: ورد فى الروايات قبول شهادة بعض العصاة.

لانه يقال: اللازم تأويل تلك الروايات، لان اشتراط العدالة فى الشاهد مسلم.

(و استدل فى الرياض أيضا- تبعا للمهذب- على حرمة المسابقة بغير المنصوص على جوازه بغير عوض) «بغير» متعلق ب «المسابقة» و «على» متعلق ب «المنصوص» (بما دل على تحريم اللهو و اللعب) «بما»

ص: 254

قال: لكونها منه بلا تأمل، انتهى.

و الاخبار الظاهرة فى حرمة اللهو كثيرة جدا.

منها: ما تقدم من قوله فى رواية تحف العقول: و ما يكون منه و فيه الفساد محضا و لا يكون منه و لا فيه شي ء من وجوه الصلاح فحرام تعليمه و تعلّمه و العمل به و اخذ الاجرة عليه.

و منها: ما تقدم من رواية الاعمش حيث عدّ فى الكبائر الاشتغال بالملاهى التى تصدّ عن ذكر الله كالغناء و ضرب الاوتار فان الملاهى جمع الملهى مصدرا، او الملهّى وصفا، لا الملهاة آلة.

______________________________

(قال) الرياض (لكونها) اى المسابقة (منه) اى من اللهو (بلا تأمل، انتهى).

(و) كيف كان، ف (الاخبار الظاهرة فى حرمة اللهو كثيرة جدا).

(منها: ما تقدم من قوله) عليه السلام (فى رواية تحف العقول: و ما يكون منه و فيه الفساد محضا و لا يكون منه و لا فيه شي ء من وجوه الصلاح فحرام تعليمه و تعلّمه و العمل به و اخذ الاجرة عليه) فان اللهو كذلك.

(و منها: ما تقدم من رواية الاعمش حيث عدّ فى الكبائر الاشتغال بالملاهى التى تصدّ عن ذكر الله كالغناء و ضرب الاوتار).

و وجه الاستدلال بهذه الرواية ما ذكره بقوله: (فان الملاهى جمع الملهى) بفتح الميم (مصدرا، او الملهى وصفا) اى اسم مفعول (لا الملهاة آلة) فان هذه الصيغة تأتى للمصدر، و اسم الزمان و المكان و المفعول و الآلة.

ص: 255

لانه لا يناسب التمثيل بالغناء.

و نحوها فى عدّ الاشتغال بالملاهى من الكبائر رواية العيون الواردة فى الكبائر، و هى حسنة، كالصحيحة، بل صحيحة.

و منها: ما تقدم فى روايات القمار من قوله عليه السلام: كلما إلهى عن ذكر الله فهو الميسر.

و منها: قوله عليه السلام فى جواب من خرج فى السفر يطلب الصيد بالبزاة، و الصقور انما خرج فى لهو لا يقصّر.

______________________________

و حيث ان كونه اسم زمان او مكان لا معنى له هنا، و الآلة أيضا باطلة (لانه لا يناسب التمثيل بالغناء) اذ الغناء ليس آلة، و انما آلة الغناء- كالمزمار- آلة، فلم يبق الّا المصدر بمعنى اللهو، او الوصف اى ما يوصف بكونه لهوا ملهوّا به اى الكلام و ما اشبه.

(و نحوها فى عدّ الاشتغال بالملاهى من الكبائر رواية العيون الواردة فى الكبائر، و هى حسنة، كالصحيحة، بل صحيحة) و الحسنة حجة فكيف بالصحيحة.

(و منها: ما تقدم فى روايات القمار من قوله عليه السلام: كلما إلهى عن ذكر الله فهو الميسر).

(و منها: قوله عليه السلام فى جواب من خرج فى السفر يطلب الصيد بالبزاة) جمع بازى، و هو قسم من الصقر (و الصقور) جمع صقر و هم قسم آخر (انما خرج فى لهو لا يقصّر) مما يدل على ان مطلق اللهو فيه اشكال.

ص: 256

و منها: ما تقدم فى رواية الغناء فى حديث الرضا عليه السلام فى جواب من سأله عن السماع، فقال: ان لاهل الحجاز فيه رأيا، قال: و هو فى حيّز اللهو.

و قوله عليه السلام فى ردّ من زعم ان النبي صلى الله عليه و آله و سلم رخص فى ان يقال: جئناكم جئناكم، الخ كذبوا ان الله يقول: لَوْ أَرَدْنٰا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا- الى آخر الآيتين-.

و منها: ما دل على ان اللهو من الباطل بضميمة ما يظهر منه حرمة الباطل كما تقدم فى روايات الغناء

______________________________

(و منها: ما تقدم فى رواية الغناء فى حديث الرضا عليه السلام فى جواب من سأله عن السماع) اى الغناء (فقال) عليه السلام (ان لاهل الحجاز فيه رأيا) ثم (قال) عليه السلام (و هو فى حيّز اللهو) لبيان انه لا يجوز، فيدل على ان كل لهو ليس بجائز.

(و قوله عليه السلام فى ردّ من زعم ان النبي صلى الله عليه و آله و سلم رخص فى ان يقال: جئناكم جئناكم، الخ كذبوا ان الله يقول: لَوْ أَرَدْنٰا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا- الى آخر الآيتين-) مما يدل على التنفر من اللهو، و انه كيف يأذن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم باللهو.

(و منها: ما دل على ان اللهو من الباطل بضميمة ما يظهر منه حرمة الباطل) لا ان المراد بالباطل مقابل الحق حتى يراد به كل فان زائل، كما قال الشاعر: الا كل شي ء ما خلا الله باطل (كما تقدم فى روايات الغناء)

ص: 257

ففى بعض الروايات كل لهو المؤمن من الباطل، ما خلا ثلاثة السابقة و ملاعبة الرجل اهله الخ.

و فى رواية على بن جعفر عليه السلام عن اخيه، قال: سألته عن اللعب بالاربعة عشر و شبهها، قال: لا نستحب شيئا من اللعب غير الرهان، و الرمى، الى غير ذلك، مما يقف عليه المتتبع.

و يؤيده ان حرمة اللعب بآلات اللهو الظاهر انه من حيث اللهو لا من حيث خصوص الآلة، ففى رواية سماعة قال ابو عبد الله عليه السلام:

لما مات آدم شمت به ابليس، و قابيل فاجتمعا

______________________________

(ففى بعض الروايات كل لهو المؤمن من الباطل، ما خلا) اى باستثناء (ثلاثة) اشياء (المسابقة، و ملاعبة الرجل اهله الخ).

(و فى رواية على بن جعفر عليه السلام عن اخيه، قال: سألته عن اللعب بالاربعة عشر و شبهها، قال) عليه السلام (لا نستحب شيئا من اللعب غير الرهان) اى على الخيل و البغال و الحمير (و الرمى) فى المسابقة (الى غير ذلك، مما يقف عليه المتتبع) و انه كل لهو حرام.

(و يؤيده) اى كون مطلق اللهو حراما (ان حرمة اللعب بآلات اللهو الظاهر) من الادلة (انه) حرام (من حيث اللهو لا من حيث خصوص الآلة ففى رواية سماعة قال ابو عبد الله عليه السلام: لما مات آدم شمت به ابليس) اى فرح لموته، و يقول كلمات تدل على فرحه بالاستخلاص من آدم الّذي صار سببا لعصيانه و طرده من الجنة (و قابيل) حيث كانا ضد آدم هذا لطرده من الجنة و ذاك لان آدم كان يحب اخاه هابيل (فاجتمعا

ص: 258

فى الارض، فجعل ابليس و قابيل المعازف، و الملاهى، شماتة بآدم على نبينا و آله و عليه السلام، فكلما كان فى الارض من هذا الضرب الّذي يتلذذ به الناس فانما هو من ذلك.

فان فيه اشارة إلى ان المناط هو مطلق التلهى و التلذذ.

و يؤيده ما تقدم من ان المشهور حرمة المسابقة على ما عدا المنصوص بغير عوض، فان الظاهر انه لا وجه له عدا كونه لهوا، و ان لم يصرّحوا بذلك عدا القليل منهم- كما تقدم-.

______________________________

فى الارض، فجعل) اى صنع (ابليس و قابيل المعازف) اى آلات العزف و الغناء (و الملاهى) اى آلات اللهو، او المراد نفس اللهو اى الغناء (شماتة) و فرحا (ب) موت (آدم على نبينا و آله و عليه السلام، فكلما كان فى الارض من هذا الضرب الّذي يتلذذ به الناس فانما هو من ذلك) اى من العزف و الرقص، و اللعب فانه وضع هذه الاشياء للفرح بموت آدم عليه السلام.

(فان فيه اشارة إلى ان المناط) فى تحريم هذه الاشياء (هو مطلق التلهى و التلذذ).

(و يؤيده ما تقدم من ان المشهور حرمة المسابقة على ما عدا المنصوص) اى الخف و النصل و الحافر (بغير عوض) كما تحرم المسابقة بعوض (فان الظاهر) من كلمات الفقهاء (انه) اى التحريم (لا وجه له عدا كونه لهوا) و لعبا (و ان لم يصرحوا بذلك) و ان وجه التحريم كونه لهوا (عدا القليل منهم- كما تقدم-).

ص: 259

نعم صرح العلامة فى التذكرة بحرمة المسابقة على جميع الملاعب- كما تقدم نقل كلامه فى مسئلة القمار- هذا.

و لكن الاشكال فى معنى اللهو فانه ان اريد به مطلق اللعب- كما يظهر من الصحاح و القاموس- فالظاهر ان القول بحرمته شاذ مخالف للمشهور و السيرة.

فان اللعب، هى الحركة لا لغرض عقلائى، و لا خلاف ظاهرا فى عدم حرمته، على الاطلاق.

______________________________

(نعم صرح العلامة فى التذكرة بحرمة المسابقة على جميع الملاعب- كما تقدم نقل كلامه فى مسئلة القمار-) فكلامه دال على ان كل لهو و لعب حرام (هذا) تمام الكلام فى الكبرى- اى كون اللهو حرام-.

(و لكن الاشكال) فى الصغرى اى (فى معنى اللهو) و ان اى شي ء يسمى لهوا (فانه ان اريد به مطلق اللعب- كما يظهر من الصحاح و القاموس- فالظاهر ان القول بحرمته شاذ مخالف للمشهور و السيرة) فقد تقدم ان اللعب بالسبحة او اللحية او ما اشبه، مما لا يقول احد بحرمته بل جرت السيرة عليه.

(فان اللعب، هى الحركة لا لغرض عقلائى، و لا خلاف ظاهرا فى عدم حرمته، على الاطلاق) اى ليس بحرام بقول مطلق و بجميع اقسامه.

فان حركة اليد و الرجل و المشى و ما اشبه مما لا يتعلق به غرض عقلائى- لا يقول احد بحرمتها.

ص: 260

نعم لو خص اللهو بما يكون من بطر، و فسّر بشدة الفرح كان الاقوى تحريمه.

و يدخل فى ذلك الرقص و التصفيق و الضرب بالطشت بدل الدف و كلما يفيد فائدة آلات اللهو.

______________________________

(نعم لو خص اللهو بما يكون من بطر، و فسّر) البطر (بشدة الفرح) بلا باعث عقلائى (كان الاقوى تحريمه).

و انما قيدناه بقولنا: بلا باعث عقلائى، لبداهة انه لو استولى عليه فرح شديد بمناسبة زفاف ولده او زفافه بنفسه و اخذ يقفز فى الهواء فرحا لا يقول احد بحرمة ذلك.

(و يدخل فى ذلك الرقص و التصفيق و الضرب بالطشت بدل الدف و كلما يفيد فائدة آلات اللهو).

اقول: ورد بعض الاخبار فى النهى عن الرقص و عن التصفيق مذكورة فى الوسائل و المستدرك كما ذكر مجمع البحرين خبرا فى النهى عن التصفيق، لكن المشهور عند المعاصرين عدم حرمة التصفيق، كما ورد بسند غير صحيح ان فاطمة صلوات الله عليها كانت ترقص بعض ابنائها و هو صغير

و لو لم يصح سند الاخبار الناهية كان اللازم الحمل على الكراهة.

و اما الضرب بالطشت فاذا كان فى الاعراس و قيل بجواز الدف فيه كان الضرب بالطشت اولى، و قد روى عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم الضرب بالغربال و فى غير الاعراس اذا لم يصدق عليه اللهو و ما اشبه فالظاهر عدم الاشكال فيه.

ص: 261

و لو جعل مطلق الحركات التى لا يتعلق بها غرض عقلائى مع انبعاثها عن القوى الشهوية، ففى حرمته تردد.

و اعلم ان هنا عنوانين آخرين اللعب و اللهو.

اما اللعب فقد عرفت ان ظاهر بعض تراد فهما.

و لكن مقتضى تعاطفهما فى غير موضع من الكتاب العزيز تغايرهما.

و لعلهما من قبيل الفقير و المسكين اذا اجتمعا افترقا، و اذا افترقا اجتمعا.

______________________________

و اما مع الصدق فالحرمة تتوقف على اطلاق حرمة اللهو و ما اشبه.

(و لو جعل مطلق الحركات التى لا يتعلق بها غرض عقلائى مع انبعاثها عن القوى الشهوية، ففى حرمته تردد) من قول القاموس و الصحاح- المقتضى للتحريم- و من اصالة عدم التحريم و عدم الحجية فى قولهما فيما علمنا عدم صحة هذا الاطلاق فى كلامهما.

(و اعلم ان هنا عنوانين آخرين).

الاول: (اللعب).

(و) الثانى: (اللهو).

(اما اللعب فقد عرفت ان ظاهر بعض ترادفهما) اذ عرفوا اللهو باللعب

(و لكن مقتضى تعاطفهما فى غير موضع من الكتاب العزيز) كقوله سبحانه: إِنَّمَا الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ* (تغايرهما) و ان احدهما غير الآخر.

(و لعلهما من قبيل الفقير و المسكين اذا اجتمعا افترقا و اذا افترقا اجتمعا)

ص: 262

و لعل اللعب يشمل مثل حركات الاطفال غير المنبعثة عن القوى الشهوية

و اللهو ما تلتذ به النفس، و ينبعث عن القوى الشهوية.

و قد ذكر غير واحد ان قوله تعالى: أَنَّمَا الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ، الآية، بيان ملاذ الدنيا على ترتيب تدرجه فى العمر، و قد جعلوا لكل واحد منها ثمان سنين.

______________________________

فاذا اطلق احدهما اريد به كلاهما، و اذا قورنا اريد بكل واحد منهما معنى مقابل للآخر.

(و لعل) الفرق بينهما، ان (اللعب يشمل مثل حركات الاطفال غير المنبعثة عن القوى الشهوية).

(و) اما (اللهو ما تلتذ به النفس، و ينبعث عن القوى الشهوية).

و ربما يقال: ان بينهما عموما مطلقا، لان اللعب يمكن ان ينبعث عن القوى الشهوية كلعب الرجل مع زوجته، و يمكن ان لا ينبعث كلعب الطفل الصغير، و قيل غير ذلك.

(و قد ذكر غير واحد) من المفسرين (ان قوله تعالى: أَنَّمَا الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ، الآية) و باقى الآية «وَ تَفٰاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكٰاثُرٌ فِي الْأَمْوٰالِ وَ الْأَوْلٰادِ، كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفّٰارَ نَبٰاتُهُ، ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرٰاهُ مُصْفَرًّا، ثُمَّ يَكُونُ حُطٰاماً وَ فِي الْآخِرَةِ عَذٰابٌ شَدِيدٌ» (بيان ملاذ الدنيا على ترتيب تدرجه) اى الانسان (فى العمر، و قد جعلوا لكل واحد منها) اى من هذه الملاذ (ثمان سنين).

فاللعب إلى الثمان، و اللهو إلى السادسة عشرة، و الزنية إلى

ص: 263

و كيف كان فلم اجد من افتى بحرمة اللعب عدا الحلى على ما عرفت من كلامه، و لعله يريد اللهو، و الا فالاقوى الكراهة.

و اما اللغو فان جعل مرادف اللهو- كما يظهر من بعض الاخبار- كان فى حكمه.

______________________________

الرابعة و العشرين، و التفاخر إلى الثانية و الثلاثين، و التكاثر إلى الاربعين.

و بعد ذلك تضعف القوى و تنكس النفس فى الانحطاط إلى ان يموت الانسان، و يكون حطاما.

و الشاهد اختلاف اللعب و اللهو فى المعنى.

و لا يخفى ان المراد غلبة هذه الحالات فى هذه الاعمار، لا اختصاص كل حالة بسن خاص.

(و كيف كان) سواء كان اللعب عين اللهو، أم بينهما اختلاف (فلم اجد من افتى بحرمة اللعب) مطلقا (عدا الحلى على ما عرفت من كلامه و لعله يريد اللهو) من اللعب (و الا فالاقوى الكراهة) اذ لا دليل على حرمة اللعب.

فاللازم حمل الآيات و بعض الروايات على الكراهة بقرينة السيرة القطعية

و قوله سبحانه حكاية عن اخوة يوسف: و نلعب، و تقرير يعقوب لهم و اختلاف الشريعة غير ضار فيما لم يعلم بنسخه، بل لا يبعد القول بعدم كراهة كل لعب، كركوب الارجوحة او التخطيط فى الارض لغوا او ما اشبه.

(و اما اللغو فان جعل مرادف اللهو- كما يظهر من بعض الاخبار- كان فى حكمه) الّذي قد عرفت انه حرام.

ص: 264

ففى رواية محمد بن ابى عباد المتقدمة عن ابى الحسن الرضا عليه السلام: ان السماع فى حيّز اللهو و الباطل، أ ما سمعت قول الله تعالى:

وَ إِذٰا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرٰاماً.

و نحوها رواية ابى أيوب حيث اراد باللغو: الغناء، مستشهدا بالآية

و ان اريد به مطلق الحركات اللاغية فالاقوى فيها الكراهة.

و فى رواية ابى خالد الكابلى عن سيد الساجدين تفسير الذنب التى تهتك

______________________________

(ففى رواية محمد بن ابى عباد المتقدمة عن ابى الحسن الرضا عليه السلام: ان السماع فى حيّز اللهو و الباطل، أ ما سمعت قول الله تعالى:

وَ إِذٰا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرٰاماً) بمعنى مرور الكريم بفعل ما يقتضي ذلك من نهى او ارشاد او سكوت او ما اشبه.

فانه عليه السلام جعل اللهو من اقسام اللغو، او مراد فاله.

(و نحوها رواية ابى أيوب حيث اراد باللغو: الغناء مستشهدا بالآية) المتقدمة.

و يدل عليه أيضا مدح المؤمنين فى قوله سبحانه: وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، فان ظاهره التحريم للغو.

(و ان اريد به) اى باللغو (مطلق الحركات اللاغية) اى التى لا ثمر لها، و ليست مقصودة للعقلاء (فالاقوى فيها الكراهة) اذ لا دليل على التحريم بل السيرة القطعية على جوازها.

(و فى رواية ابى خالد الكابلى عن سيد الساجدين تفسير الذنوب التى تهتك

ص: 265

العصم بشرب الخمر و اللعب بالقمار و تعاطى ما يضحك الناس من اللغو و المزاح، و ذكر عيوب الناس.

و فى وصية النبي صلى الله عليه و آله و سلم لابى ذر ره ان الرجل ليتكلم بالكلمة فيضحك الناس فيهوى ما بين السماء و الارض.

______________________________

العصم) اى عصمة الانسان و حفظه عن الشيطان حتى ان الانسان اذا عصى كان عميلا للشيطان و منقادا له لا عصمة له من الشيطان و لا حفظ له.

و الحاصل: ان الملكة الايمانية العاصمة له عن الدنايا و الذنوب تهتك و تزول (بشرب الخمر و اللعب بالقمار و تعاطى ما يضحك الناس من اللغو و المزاح، و ذكر عيوب الناس).

فالظاهر ان المصنف ذكر هذه الرواية و الرواية الآتية لبيان تحريم اللغو، لكن هذا ينافى قوله السابق بالكراهة.

و وجه استفادة التحريم ذكر اللغو فى عداد المحرمات أولا و كونه مما يهتك العصمة ثانيا.

لكن ربما يقال: ان الشيخ انما ذكرهما لما تقدم منه من الكراهة و ذلك لبداهة كون المزاح- و لو كان مضحكا- ليس بمحرم، بل قد ورد مزاح النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الوصى عليه السلام.

و الانصاف انه ليس للحديث اطلاق بل اهمال، فلا دلالة فيه حتى على كراهة اللغو مطلقا.

(و فى وصية النبي صلى الله عليه و آله و سلم لابى ذر ره ان الرجل ليتكلم بالكلمة فيضحك الناس فيهوى ما بين السماء و الارض) ان كان المراد

ص: 266

..........

______________________________

الهوى فى النار فذلك حرام، لانه لا عقاب الاعلى الحرام على المشهور فاللّازم ان يكون المراد بالكلمة مثل الغيبة و الاستهزاء بالمؤمن و ما اشبه.

و ان كان المراد الهويّ إلى درجات سفلى من الجنة فذلك مكروه و على اى حال لا دلالة فى الحديث على حرمة اللغو و الله اعلم بالاحكام.

الكتب العلمية لآية الله المجاهد السيد محمد الشيرازى خبر قرين للطالب المجدّ.

لانها تغنيه عن الاتعاب الدراسية الناشر

ص: 267

الحادية و العشرون مدح من لا يستحق المدح، او يستحق الذم

ذكره العلامة فى المكاسب المحرمة.

و الوجه فيه واضح من جهة قبحه عقلا.

و يدل عليه من الشرع قوله تعالى: وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ.

و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم فيما رواه الصدوق من عظّم صاحب الدنيا و احبه طمعا فى دنياه سخط الله عليه، و كان فى درجته مع

______________________________

المسألة (الحادية و العشرون) مما يحرم الاكتساب به لكونه حراما فى نفسه (مدح من لا يستحق المدح) اى يحرم مدحه (او يستحق الذم) و هو حرام (ذكره العلامة فى المكاسب المحرمة).

(و الوجه فيه) اى فى كونه حراما (واضح، من جهة قبحه عقلا) و كلما حكم به العقل حكم به الشرع اذا كان فى سلسلة العلل.

(و يدل عليه من الشرع قوله تعالى: وَ لٰا تَرْكَنُوا) اى لا تعمدوا (إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) اى الظالمين (فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ) فان التهديد بالنار يدل على الحرمة و من المعلوم ان المدح قسم من الركون.

(و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم فيما رواه الصدوق من عظّم صاحب الدنيا و احبه طمعا فى دنياه سخط الله عليه، و كان) المعظّم (فى درجته) اى درجة صاحب الدنيا (مع

ص: 268

قارون فى التابوت الاسفل من النار.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 3، ص: 269

و فى النبوى الآخر الوارد فى حديث المناهى: من مدح سلطانا جائرا او تخفف او تضعضع له، طمعا فيه كان قرينه فى النار.

و مقتضى هذه الادلة حرمة المدح طمعا فى الممدوح.

و اما لدفع شره فهو واجب، و قد ورد فى عدة اخبار: ان شرار الناس

______________________________

قارون فى التابوت الاسفل من النار).

و من المعلوم ان من اقسام التعظيم مدحه، كما ان المراد بصاحب الدنيا مصداق من مصاديق من لا يستحق المدح.

و المراد بكونه فى درجة قارون، ان هذا العمل مقتضى لذلك لا انه لا بد و ان يكون- و ذلك لمناسبة قارون لمعظم صاحب الدنيا- و على تقدير كونه معه فى النار فى درجته فلا اشكال فى اختلاف عقابهما شدة و ضعفا، اذ فى الآخرة- جزاء وفاقا- و من الممكن ان يكون كلاهما فى درجة واحدة، واحدهما اشد تألما بالعذاب، او اكثر عذابا من الآخر.

(و فى النبوى الآخر الوارد فى حديث المناهى: من مدح سلطانا جائرا او تخفف) اى صار خفيفا لاجله بالقيام و الاحترام و ما اشبه (او تضعضع له) اى تحرك جسدا او قلبا حركة إليه (طمعا فيه) اى فى دنياه (كان قرينه) و رفيقه (فى النار).

(و) لا يخفى ان (مقتضى هذه الادلة حرمة المدح طمعا فى الممدوح)

(و اما لدفع شره) عن نفسه او عن مؤمن، او جلبه لاقامة حق او ازالة باطل (فهو واجب، و قد ورد فى عدة اخبار: ان شرار الناس) هم

ص: 269

الذين يكرمون اتقاء شرهم.

______________________________

(الذين يكرمون)- بصيغة المجهول- (اتقاء شرهم) مما يدل على جواز الاكرام اتقاء للشر بالإضافة إلى دليل: لا ضرر، و لا حرج و ما ورد من مدح الائمة عليهم السلام للظالمين اتقاء، الى غير ذلك من الادلة.

ص: 270

الثانية و العشرون معونة الظالمين فى ظلمهم حرام،

بالأدلّة الاربعة و هو من الكبائر فعن كتاب الشيخ ورام ابن ابى فراس.

قال: قال عليه السلام من مشى إلى ظالم ليعينه، و هو يعلم انه ظالم فقد

______________________________

المسألة (الثانية و العشرون) مما يحرم الاكتساب به لحرمته فى ذاته (معونة الظالمين) اى اعانتهم (فى ظلمهم) فهو (حرام بالأدلّة الاربعة)

اما الاجماع و العقل فواضح.

و اما الكتاب فقوله سبحانه «وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا» و قوله «وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ».

و اما السنة فما يأتى من الروايات (و هو من الكبائر، فعن كتاب الشيخ ورام ابن ابى فراس) المعروف ب «مجموعة ورام» و هو من خيار علماء الشيعة، و كان جدا للسيد ابن طاوس لامه، و نقله فى الكتاب المذكور عن الحسن البصرى و من اشبه انما هو بمصداق «الحكمة ضالة المؤمن يأخذها اين وجدها».

و الّذي ينبغى لاهل العلم مداومة مطالعة هذا الكتاب و كتاب مواعظ البحار، و عين الحياة للمجلسى و جامع السعادات، و منية المريد لا نماء ملكة الفضيلة و التقوى فى نفوسهم.

(قال: قال عليه السلام من مشى إلى ظالم ليعينه، و هو يعلم انه ظالم فقد

ص: 271

خرج عن الاسلام.

قال: و قال عليه السلام: اذا كان يوم القيامة ينادى مناد اين الظلمة؟ اين اعوان الظلمة؟ اين اشباه الظلمة؟ حتى من برئ لهم قلما او لاق لهم دواة، فيجتمعون فى تابوت من حديد، ثم يرمى بهم فى جهنم.

و فى النبوى (ص): من علق سوطا بين يدى سلطان جائر، جعلها الله حية طولها سبعون الف ذراع، فيسلطها الله عليه فى نار جهنم خالدا فيها مخلدا.

______________________________

خرج عن الاسلام) المراد به الاسلام الكامل او مبالغة من قبيل يا اشباه الرجال و لا رجال.

(قال: و قال عليه السلام: اذا كان يوم القيامة ينادى مناد اين الظلمة؟ اين اعوان الظلمة اين اشباه الظلمة) و هم من فى زيهم، او يسكن فى مثل مساكنهم او من اشبه (حتى من برئ لهم قلما) برئ القلم تصليح رأسه ليصلح للكتابة (أو لاق لهم دواة) اى جعل الليقة فيه (فيجتمعون فى تابوت من حديد) و الظاهر ان المراد كل فئة منهم (ثم يرمى بهم فى جهنم) و هذا دليل التحريم للتلازم بين العقاب و الحرمة- كما تقدم-.

(و فى النبوى (ص): من علق سوطا بين يدى سلطان جائر، جعلها الله حية طولها سبعون الف ذراع، فيسلطها الله عليه فى نار جهنم) فى حالكونه (خالدا فيها مخلدا) اللفظة الثانية للمبالغة من قبيل «ليل الليل» و الظاهر ان المراد اقتضاء ذلك لمثل هذا العذاب- كما تقدم غير مرة-.

ص: 272

و اما معونتهم فى غير المحرمات فظاهر كثير من الاخبار حرمتها أيضا كبعض ما تقدم.

و قول الصادق عليه السلام فى رواية يونس بن يعقوب: لا تعنهم على بناء مسجد.

و قوله عليه السلام: ما احب انى عقدت لهم عقدة او وكيت لهم وكاء و ان لى ما بين لابتيها لا و لا مدة بقلم ان اعوان الظلمة- يوم القيمة- فى سرادق من نار حتى يفرغ الله من الحساب.

______________________________

(و اما معونتهم فى غير المحرمات) كان يبنى لهم دارا او ما اشبه (فظاهر كثير من الاخبار حرمتها أيضا، كبعض ما تقدم) من المطلقات.

(و قول الصادق عليه السلام فى رواية يونس بن يعقوب: لا تعنهم على بناء مسجد) فان لم يجز اعانتهم فى بناء المساجد التى هى مراكز للعبادة و محبوبة ذاتا عند الله تعالى، لم يجز اعانتهم فى بناء الدار و ما اشبه بطريق اولى.

(و قوله عليه السلام: ما احب انى عقدت لهم عقدة) اى فى الخيط (او وكيت لهم وكاء) اى شد رأس القربة (و ان لى ما بين لابتيها) اى لا افعل مثل هذه الافعال الصغيرة للظلمة، و ان كان ثمن ذلك كل الارض او كل مدينة الرسول، لان اللابة الارض ذات الحجارة، فان المدينة محاطة بارضين ذات حجارة (لا و لا مدة بقلم) اى امدهم بقلم للكتابة (ان اعوان الظلمة- يوم القيمة- فى سرادق من نار) اى محلات القى عليها الستر و هو معرب «سراپرده» (حتى يفرغ الله من الحساب).

ص: 273

لكن المشهور عدم الحرمة حيث قيدوا المعونة المحرمة بكونها فى الظلم.

و الاقوى: التحريم، مع عد الشخص من الاعوان فان مجرد اعانتهم على بناء المسجد ليست محرمة الا انه اذا عدّ الشخص معمارا للظالم او بناء له، و لو فى خصوص المساجد بحيث صار هذا العمل منصبا له فى باب السلطان كان محرما.

و يدل على ذلك جميع ما ورد فى ذم اعوان الظلمة، و قول

______________________________

و هذا أيضا يدل على تحريم اعانة الظلمة مطلقا، بقرينة التعليل الصارف لقوله عليه السلام «ما احب» عن ظاهره- الّذي هو الكراهة-.

(لكن المشهور عدم الحرمة) لمطلق اعانة الظالم (حيث قيّدوا المعونة المحرمة بكونها فى الظلم) للاصل، و عدم كونه اعانة على الاثم.

و ما دل على التحريم مطلقا بين ضعيف السند، و ضعيف الدلالة.

(و الاقوى: التحريم، مع عدّ الشخص من الاعوان فان مجرد اعانتهم على بناء المسجد ليست محرمة) لعدم الدليل (الا انه اذا عدّ الشخص معمارا للظالم، او بناء له، و لو فى خصوص المساجد بحيث صار هذا العمل منصبا له فى باب السلطان كان محرما).

و الحاصل: ان العمل المسبب لصدق عنوان المعاون محرم و ان كان العمل فى نفسه محللا بل مستحبا، بل او واجبا اذا لم يكن الواجب اهم او مساو للمحرم.

(و يدل على ذلك) التحريم (جميع ما ورد فى ذم اعوان الظلمة و قول

ص: 274

ابى عبد الله عليه السلام فى رواية الكاهلى من سود اسمه فى ديوان ولد سابع مقلوب عباس حشره الله يوم القيمة خنزيرا، و قوله عليه السلام: ما اقترب عبد من سلطان جائر الا تباعد من الله، و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: اياكم و ابواب السلطان، و حواشيها فان اقربكم من ابواب السلطان و حواشيها ابعدكم عن الله تعالى.

______________________________

ابى عبد الله عليه السلام فى رواية الكاهلى من سود اسمه فى ديوان ولد سابع مقلوب عباس) اى أمراء بنى العباس (حشره الله يوم القيمة خنزيرا و قوله عليه السلام: ما اقترب عبد من سلطان جائر الا تباعد من الله و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: اياكم) اى احذروا (و ابواب السلطان و حواشيها) اى حواشى الابواب، كمن يلازم باب الوالى و الوزير و من اشبه (فان اقربكم من ابواب السلطان و حواشيها ابعدكم عن الله تعالى).

و لا شبهة فى صدق هذه العناوين على المعاون لهم حتى فى بناء المساجد.

نعم اذا دار الامر بين الاهم و المهم، جاز الدخول فى سلك الاعوان بقصد الاهم.

لكن ذلك نادر فى هذا الزمان و الغالب من الاعوان يخدعون انفسهم بانهم كابن يقطين، و انما هم من اشراك الشياطين، يريدون بهذا الكلام تغرير السذج من المتدينين حتى يحظو بالزلفة لدى اهل الدين و ينالوا من مال السلاطين و دنيا الجبارين.

ص: 275

و اما العمل له فى المباحات لاجرة، او تبرعا من غير ان يعد معينا له فى ذلك، فضلا من ان يعد من اعوانه.

فالاولى عدم الحرمة للاصل، و عدم الدليل، عدا ظاهر بعض الاخبار مثل رواية ابن ابى يعفور قال: كنت عند ابى عبد الله عليه السلام اذ دخل عليه رجل، من اصحابنا فقال له جعلت فداك، ربما اصاب الرجل منا الضيق و الشدة فيدعى إلى البناء يبنيه، او النهر يكريه، او المسناة يصلحها، فما تقول فى ذلك؟ فقال ابو عبد الله عليه السلام: ما احب انى عقدت لهم عقدة، او وكيت لهم وكاء و ان لى ما بين لابتيها إلى آخر ما تقدم.

______________________________

(و اما العمل له فى المباحات) للسلطان و حواشيه (لاجرة) او صلح او ما اشبه (او تبرعا من غير ان يعد معينا له فى ذلك) العمل (فضلا من ان يعد من اعوانه) فان صدق الاعوان اكثر مئونة من صدق «المعين».

(فالاولى عدم الحرمة للاصل، و عدم الدليل، عدا ظاهر بعض الاخبار مثل رواية ابن ابى يعفور قال: كنت عند ابى عبد الله عليه السلام اذ دخل عليه رجل، من اصحابنا فقال له جعلت فداك، اصاب الرجل منا الضيق و الشدة فيدعى) من قبل السلطان (الى البناء يبنيه، او النهر يكريه) و ينظفه من الاوحال المتجمعة فى قعره، و حافته (او المسناة) حافة النهر (يصلحها، فما تقول فى ذلك؟ فقال ابو عبد الله عليه السلام:

ما احب انى عقدت لهم عقدة، او وكيت لهم وكاء و ان لى ما بين لابتيها الى آخر ما تقدم) من الرواية السابقة فراجع.

ص: 276

و رواية محمد بن عذافر عن ابيه، قال: قال لى ابو عبد الله عليه السلام: يا عذافر بلغنى انك تعامل أبا أيوب، و أبا الربيع، فما حالك اذا نودى بك فى اعوان الظلمة؟ قال: فوجم ابى فقال له ابو عبد الله عليه السلام- لما راى ما اصابه- اى عذافر انما خوّفتك بما خوّفني الله عز و جل به قال محمد، فقدم ابى فما زال مغموما مكروبا، حتى مات.

و رواية صفوان بن مهران الجمال، قال: دخلت على ابى الحسن الاول

______________________________

(و رواية محمد بن عذافر عن ابيه، قال: قال لى ابو عبد الله عليه السلام: يا عذافر بلغنى انك تعامل أبا أيوب، و أبا الربيع، فما حالك اذا نودى بك) فى يوم القيامة (فى اعوان الظلمة؟ قال) محمد (فوجم ابى) عذافر (فقال له ابو عبد الله عليه السلام- لما راى ما اصابه-) من الفزع و الهول (اى عذافر انما خوّفتك بما خوّفني الله عز و جل به).

و لعله اشارة إلى قوله سبحانه «احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْوٰاجَهُمْ» اى امثالهم.

و لعل المراد بالمثل: الاعوان، و الا لو كان المراد امثال الظالمين من سائر الظالمين، كانوا داخلين فى نفس ظلموا بلا حاجة إلى قوله «و ازواجهم».

(قال محمد، فقدم) و رجع (ابى) عذافر من عند الامام (فما زال مغموما مكروبا، حتى مات) الكرب اشد من الغم.

(و رواية صفوان بن مهران الجمال، قال: دخلت على ابى الحسن الاول

ص: 277

عليه السلام، فقال لى يا صفوان: كل شي ء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا، فقلت جعلت فداك اى شي ء؟ قال عليه السلام اكرائك جمالك من هذا الرجل- يعنى هارون الرشيد- قلت: و الله ما اكريته اشرا، و لا بطرا و لا لصيد و لا للهو، و لكن اكريته لهذا الطريق- يعنى طريق مكة- و لا اتولاه بنفسى و لكن ابعث معه غلمانى، فقال لى يا صفوان أ يقع كراؤك عليهم قلت: نعم جعلت فداك، قال: أ تحب بقائهم حتى يخرج كراؤك قلت: نعم، قال: من احب بقائهم فهو منهم، و من كان منهم كان و روده الى النار

______________________________

عليه السلام، فقال لى يا صفوان: كل شي ء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا، فقلت جعلت فداك اى شي ء) هو (قال عليه السلام اكرائك جمالك من هذا الرجل- يعنى هارون الرشيد- قلت: و الله ما اكريته) جمالى (اشرا) اى لاجل عمل فيه كفران النعمة (و لا بطرا) اى لاجل عمل فيه طغيان و تعدى (و لا لصيد و لا للهو، و لكن اكريته لهذا الطريق- يعنى طريق مكة- و لا اتولاه بنفسى) فانى لا اذهب مع القافلة لحفظ الجمال- كما هو عادة الجمالين- (و لكن ابعث معه غلماني) و اجرائى (فقال لى يا صفوان أ يقع كراؤك عليهم) اى انت الّذي تكريهم (قلت: نعم جعلت فداك قال: أ تحب بقائهم حتى يخرج كراؤك، قلت: نعم) فان من الطبيعى انه اذا انقرض حكمهم قبل اعطاء كراء الجمال ذهب الكراء ادراج الرياح (قال) عليه السلام (من احب بقائهم فهو منهم، و من كان منهم كان و روده الى النار) فان من احب بقاء احد، كان محبّا له، و فى الجملة و لو احب

ص: 278

قال صفوان فذهبت فبعت جمالى عن آخرها فبلغ ذلك إلى هارون فدعانى فقال لى يا صفوان بلغنى انك بعت جمالك قلت: نعم، قال و لم؟ قلت:

انا شيخ كبير، و ان الغلمان لا يقومون بالاعمال، فقال: هيهات هيهات انى لا علم من اشار عليك بهذا انما اشار عليك بهذا موسى بن جعفر عليه السلام، قلت ما لى و لموسى بن جعفر عليهما السلام قال: دع هذا عنك و الله لو لا حسن صحبتك لقتلتك.

و ما ورد فى تفسير الركون إلى الظالم

______________________________

انسان حجرا لحشره الله معه- كما فى الاحاديث- (قال صفوان فذهبت فبعت جمالى عن آخرها) «من» بمعنى «الى» اى إلى آخرها بحيث لم ادع واحدا منها (فبلغ ذلك) البيع لجمالى (الى هارون، فدعانى، فقال لى يا صفوان بلغنى انك بعت جمالك) هل صحيح ذلك؟ (قلت: نعم، قال و لم؟ قلت: انا شيخ كبير، و ان الغلمان لا يقومون بالاعمال، فقال) هارون (هيهات هيهات) اى بعيد ما تذكره عن الواقع، و التكرار للتأكيد (انى لا علم من اشار عليك بهذا، انما اشار عليك بهذا موسى بن جعفر عليه السلام، قلت: ما لي و لموسى بن جعفر عليهما السلام) و اىّ علاقة بينى و بينه، حتى يقول لى شيئا و امتثل كلامه (قال) هارون (دع هذا) الانكار (عنك) اى لا تنكر ما هو واقع- و انا عالم به- (و الله لو لا حسن صحبتك) معنا حيث لم تسئ إلينا (لقتلتك).

اقول: لعل هارون علم ذلك بشيطنته او ببعض الجواسيس.

(و ما ورد فى تفسير الركون إلى الظالم) فى قوله تعالى: وَ لٰا تَرْكَنُوا

ص: 279

من ان الرجل يأتى السلطان فيحب بقائه إلى ان يدخل يده فى كيسه فيعطيه و غير ذلك مما ظاهره وجوب التجنب عنهم.

و من هنا لما قيل لبعض انى رجل اخيط للسلطان ثيابه، فهل ترانى بذلك داخلا فى اعوان الظلمة قال له: المعين من يبيعك الابر و الخيوط و اما انت فمن الظلمة انفسهم.

و فى رواية سليمان الجعفرى المروية عن تفسير العياشى ان الدخول فى اعمالهم و العون لهم و السعى فى حوائجهم عديل الكفر و النظر إليهم على العمد

______________________________

إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا (من ان الرجل يأتى السلطان فيحب بقائه إلى ان يدخل يده فى كيسه، فيعطيه) اى بهذا المقدار من الزمان فاذا كان هذا ركونا، كان العمل له ركونا بالطريق الاولى (و غير ذلك) من الروايات (مما ظاهره وجوب التجنب عنهم).

(و من هنا) الّذي يفهم منه الاجتناب عنهم مطلقا (لما قيل لبعض) من الاكابر (انى رجل اخيط للسلطان ثيابه، فهل ترانى بذلك داخلا فى اعوان الظلمة قال له: المعين من يبيعك الابر و الخيوط، و اما انت فمن الظلمة انفسهم) مما دل على صدق اعوان الظلمة- عرفا- على مثل بائع الابر و الخيوط فيشمله دليل: عون الظلمة.

(و فى رواية سليمان الجعفرى المروية عن تفسير العياشى) قال عليه السلام (ان الدخول فى اعمالهم و العون لهم و السعى فى حوائجهم عديل الكفر)- مبالغة فى شدة الحرمة- (و النظر إليهم على العمد) اما

ص: 280

من الكبائر التى تستحق بها النار.

______________________________

المراد: النظر إليهم بالبصر، او المراد: رجائهم و نظر اللطف و العظمة إليهم (من الكبائر التى تستحق بها النار).

و قد ذكروا فى احوال المقدس الكاظمى صاحب الوسائل فى الفقه انه كان صديقا للميرزا القمى صاحب القوانين فى العراق، فرجع الميرزا إلى ايران، ثم زار العتبات المقدسة، و زار الكاظمى فى داره، فسمع صوت طفل يبكى من خارج الغرفة، و لما استفسر الميرزا من الكاظمى، قال ليس لى إلا غرفة واحدة و لما جئت انت خرجت زوجتى و طفلى و هما الآن فى الشمس الهاجرة و حرارة الشمس هى التى سببت بكاء الطفل، فرقّ الميرزا لوضع الكاظمى كثيرا بعد ما رأى فى غرفته أيضا اثر الزهد و العدم، و لما رجع إلى ايران نقل القصة للملك فتحعلى شاه، حين زاره الملك فى داره ثم قال الميرزا انه اعظم هدية جاء بها من العراق يريد وجود مثل هذا العالم الزاهد، فامر الملك بحمل سبع خرج من النقود إلى الكاظمى و لما جاء ممثل الملك إلى الكاظمية زاره الاعيان و الاشراف و جماعة من العلماء باستثناء المقدس.

و لما رأى الممثل عدم زيارة الكاظمى اضطر هو ان يزوره و عند ما جاء الى باب داره فتح الكاظمى الباب و استمع إلى كلام الممثل، قال الكاظمى انه لا حاجة لى فى المال، فليرجعه إلى الملك، ثم اخذ المقدس بالبكاء، و لما سئل عن السبب قال: انى لا اعلم باى ذنب منى صدر إلى الله سبحانه استحققت ان يذكر اسمى عند الظالمين- يريد الملك-.

ص: 281

لكن الانصاف ان شيئا مما ذكر، لا ينهض دليلا لتحريم العمل لهم على غير جهة المعونة.

اما الرواية الاولى فلان التعبير فيها فى الجواب بقوله: عليه السلام ما احب، ظاهر فى الكراهة.

و اما قوله عليه السلام: ان اعوان الظلمة الخ، فهو من باب التنبيه على ان القرب إلى الظلمة، و المخالطة معهم مرجوح، و الا فليس من يعمل لهم الاعمال المذكورة فى السؤال

______________________________

اقول مع العلم ان فتحعلى شاه كان ملكا ملتزما بظاهر احكام الاسلام حتى ان الشيخ الاكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء ره صدّر له اجازة للحكم فى ايران، و صورة الاجازة موجودة فى كتاب «كشف الغطاء» كما اجاز الكركى ره الملك الصفوى و:

هيهات ان يأت الزمان بمثلهم ان الزمان بمثلهم لبخيل

(لكن الانصاف ان شيئا مما ذكر، لا ينهض دليلا لتحريم العمل لهم على غير جهة المعونة) خصوصا بعد ظاهر رواية تحف العقول المتقدمة فى اوّل الكتاب حيث قال: على جهة الولاية لهم.

(اما الرواية الاولى) لابن ابى يعفور (فلان التعبير فيها فى الجواب بقوله) عليه السلام (ما احب ظاهر فى الكراهة) لا التحريم.

(و اما قوله عليه السلام: ان اعوان الظلمة الخ) فى اخير الرواية (فهو من باب التنبيه على ان القرب إلى الظلمة، و المخالطة معهم مرجوح، و الا فليس من يعمل لهم الاعمال المذكورة فى السؤال) اى البناء، و الكرى

ص: 282

خصوصا مرة او مرتين خصوصا مع الاضطرار معدودا من اعوانهم.

و كذلك يقال فى رواية عذافر مع احتمال ان يكون معاملة عذافر مع ابى أيوب، و ابى الربيع على وجه يكون معدودا من اعوانهم و عمالهم.

و اما رواية صفوان، فالظاهر منها ان نفس المعاملة معهم ليست محرمة بل من حيث محبة بقائهم، و ان لم تكن معهم معاملة.

و لا يخفى على الفطن العارف باساليب الكلام، ان قوله عليه السلام و من احب بقائهم كان منهم، لا يراد به: من احبّهم مثل محبّة صفوان

______________________________

و الاصلاح للمسناة (خصوصا مرة او مرتين) كما هو ظاهر قول السائل «ربما» (خصوصا مع الاضطرار) كما هو ظاهر قول السائل «اصاب الرجل منا الضيق» (معدودا من اعوانهم) حتى يصدق عليه قول الامام عليه السلام «ان اعوان الظلمة».

(و كذلك يقال فى رواية عذافر) فان ظاهرها التعامل مع الظالم، لا كونه عونا له (مع احتمال ان يكون معاملة عذافر مع ابى أيوب، و ابى الربيع على وجه يكون معدودا من اعوانهم و عمالهم) فلا تدل الرواية على حرمة ما نحن فيه من العمل على غير جهة المعونة.

(و اما رواية صفوان، فالظاهر منها ان نفس المعاملة معهم ليست محرمة، بل من حيث محبة بقائهم، و ان لم تكن) له (معهم معاملة).

(و لا يخفى على الفطن العارف باساليب الكلام، ان قوله عليه السلام)- فى رواية صفوان- (و من احب بقائهم كان منهم، لا يراد به:

من احبهم مثل محبة صفوان

ص: 283

بقائهم حتى يخرج كرائه، بل هذا من باب المبالغة فى الاجتناب عن مخالطتهم حتى لا يفضى ذلك إلى صيرورته من اعوانهم، و ان يشرب القلب حبهم، لان القلوب مجبولة على حب من احسن إليها.

و قد تبين مما ذكرنا ان المحرم من العمل للظلمة قسمان.

احدهما: الاعانة لهم على الظلم.

و الثانى: ما يعد معهم من اعوانهم، و المنسوبين إليهم، بان يقال هذا خياط السلطان، و هذا معماره.

و اما ما عدا ذلك، فلا دليل معتبر على تحريمه.

______________________________

بقائهم حتى يخرج كرائه، بل هذا من باب المبالغة فى الاجتناب عن مخالطتهم) من قبيل «لا تقربوا الزنا» و «لا تقربوا مال اليتيم» (حتى لا يفضى ذلك) التخالط و التعاشر (الى صيرورته من اعوانهم، و ان يشرب القلب حبهم، لان القلوب مجبولة) مخلوقة (على حب من احسن إليها).

قال الامام امير المؤمنين عليه السلام: احسن إلى من شئت تكن اميره و قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: تهادوا تحابوا.

(و قد تبين مما ذكرنا ان المحرم من العمل للظلمة قسمان).

(احدهما: الاعانة لهم على الظلم) و الباطل- اللهم الا ان نقول:

ان كل باطل ظلم-.

(و الثانى: ما يعد معهم من اعوانهم، و المنسوبين إليهم، بان يقال) مثلا- (هذا خياط السلطان، و هذا معماره).

(و اما ما عدا ذلك) القسمين (فلا دليل معتبر على تحريمه).

ص: 284

..........

______________________________

لكن لا يخفى ان المصنف و القدماء انما كانوا ينظرون إلى حكوماتهم التى كانت تحكم فى الظاهر بحكم الاسلام.

اما فى هذا القرن الّذي بدّل فيه احكام الاسلام باحكام الكفر فى جميع مرافق الحكومات، فالامر اشكل.

فان الانخراط فى سلكهم اعانة لهدم الاسلام و تسليط الكفار على بلاد الاسلام، بل محو كلمة لا إله الا الله، كما هو المشاهد لدى الجميع فليتذكر من يريد الدخول معهم قوله سبحانه «وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْكٰافِرُونَ» و ليخش عاقبة امره و الله العاصم.

ص: 285

الثالثة و العشرون النجش

- بالنون المفتوحة و الجيم الساكنة او المفتوحة- حرام، لما فى النبوى المنجبر بالاجماع المنقول عن جامع المقاصد، و المنتهى: من لعن الناجش و المنجوش له.

و قوله عليه السلام: و لا تناجشوا، و يدل على قبحه العقل لانه غش و تلبيس و اضرار، و هو كما عن جماعة ان يزيد الرجل فى ثمن السلعة و هو لا يريد شرائها، ليسمعه غيره، فيزيد لزيادته بشرط المواطات مع البائع أولا بشرطها، كما حكى

______________________________

المسألة (الثانية و العشرون) مما يحرم الاكتساب به لكونه محرما فى نفسه (النجش- بالنون المفتوحة و الجيم الساكنة او المفتوحة-) و الشين المثلثة و هو: (حرام، لما فى النبوى المنجبر بالاجماع المنقول عن جامع المقاصد، و المنتهى: من لعن الناجش و المنجوش له) اى صاحب المال.

(و قوله عليه السلام: و لا تناجشوا، و يدل على قبحه العقل) أيضا (لانه غش و تلبيس و اضرار).

و كلما حكم به العقل حكم به الشرع اذا كان فى سلسلة العلل- كما ذكروا- فالدليل على الحرمة السنة، و الاجماع، و العقل، و دليل لا ضرر، و شبهه من الادلة العامة (و هو) اى النجش (كما عن جماعة ان يزيد الرجل فى ثمن السلعة و هو لا يريد شرائها، ليسمعه غيره) فمن يريد الشراء (فيزيد) الغير فى الثمن (لزيادته) اى زيادة الناجش (بشرط المواطات) و المؤامرة (مع البائع او لا بشرطها) بل اعتباطا (كما حكى)

ص: 286

عن بعض، و حكى تفسيره أيضا بان يمدح السلعة فى البيع لينفقها و يروجها لمواطات بينه و بين البائع، أو لا معها.

و حرمته بالتفسير الثانى- خصوصا لا مع المواطات- يحتاج إلى دليل، و حكى الكراهة عن بعض.

______________________________

هذا التفسير (عن بعض، و حكى تفسيره أيضا بان يمدح السلعة فى البيع لينفقها) اى يجعل لها نفقا اى رواجا (و يروجها لمواطات) و تبانى (بينه) اى الناجش (و بين البائع، أو لا معها) بل اعتباطا من الناجش.

(و حرمته بالتفسير الثانى) اى المدح (- خصوصا لا مع المواطات- يحتاج إلى دليل، و حكى الكراهة عن بعض).

لكن لا يبعد ان يقال: انه فيما اذا كانت الزيادة مجحفة و الا فلو كانت الزيادة لاجل الايصال إلى الثمن العادل خصوصا اذا كان الطرف صاحب المال ضعيفا مما يوجب صدق «عون الضعيف صدقة» لم يكن من مصاديق النجش عرفا.

و كذا فى صورة مدح السلعة و كون المنجوش له ملعونا انما هو مع المواطات او شبه المواطات، و الا فلا تزر وزارة وزر اخرى.

و هل يتعدى الحكم إلى سائر انواع المعاملة، بل إلى مثل النكاح فيما اذا لا يريد خطبة البنت حقيقة، و انما يقدم- ابتداءً- لخطبة بنت ليوجد الراغب فيها، بل مثل ابتداء التقسيم بان يبتدأ هذا الّذي لا يريد الشراء، بجعل قيمة للسلعة- مما لا تصدق عليه الزيادة- احتمالان.

ثم هل يفهم المناط من الزيادة حتى يتعدى إلى صورة النقيصة،

ص: 287

..........

______________________________

كما يعتاده فى المناقصات- فى الحال الحاضر- فاذا اراد شخص بناء دار عرضه على البنائين، فهذا يقول بالف، و ذاك بتسعمائة و الثالث بثمانمائة، و هكذا حتى يحرم التنقيص لمن لا يريد العمل، و انما يريد ترغيب غيره فى اخذ العمل بالانقص احتمالان، و فى المقام فروع اخر لا تلائم الشرح.

ص: 288

الرابعة و العشرون النميمة

محرمة بالأدلّة الاربعة و هى نقل قول الغير الى المقول فيه، كان يقول: تكلم فلان فيك بكذا و كذا.

قيل: هى من نمّ الحديث، من باب قتل و ضرب اى سعى به لايقاع فتنة او وحشة و هى من الكبائر، قال الله تعالى: وَ يَقْطَعُونَ مٰا أَمَرَ الهُٰاي بِهِ أَنْ يُوصَلَ، وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّٰارِ.

و النمام قاطع لما امر الله بصلته و مفسد.

______________________________

المسألة (الرابعة و العشرون) مما يحرم الاكتساب به لكونه محرما فى نفسه (النميمة) و هى (محرمة بالأدلّة الاربعة) كما سيأتي (و هى نقل قول الغير إلى المقول فيه، كان يقول) زيد لبكر (تكلم فلان) اى خالد- مثلا- (فيك بكذا و كذا) مما يكرهه المقول فيه.

(قيل: هى) اى النميمة مشتقة (من نمّ الحديث، من باب قتل) مضموم عين المضارع (و ضرب) مكسور عين المضارع (اى سعى به لإيقاع فتنة او وحشة) اى تنافر بين الطرفين (و هى من الكبائر، قال الله تعالى: وَ يَقْطَعُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ، وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّٰارِ) و من المعلوم ان ما توعد به فى القرآن الحكيم من الكبائر، كما قرر فى محله.

(و النمام قاطع لما امر الله بصلته) فان الله امر بصلة المؤمنين بعضهم مع بعض (و مفسد) لان من جملة اقسام الافساد قطع روابط الناس

ص: 289

قيل، و هى المراد بقوله تعالى: وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ.

و قد تقدم فى باب السحر قوله: فيما رواه فى الاحتجاج فى وجوه السحر و ان من اكبر السحر النميمة يفرق بها بين المتحابين.

و عن عقاب الاعمال عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: من مشى فى نميمة بين الاثنين، سلط الله عليه فى قبره نارا تحرقه، و اذا خرج من قبره سلط الله عليه تنّينا اسود ينهش لحمه،

______________________________

(قيل و هى) اى النميمة (المراد بقوله تعالى: وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) اى ان النميمة احدى مصاديق الفتنة و الا فشأن نزول الآية المباركة افتتان المسلمين عن دينهم اكبر من القتل الّذي قتله بعض المسلمين لبعض الكفار- اشتباها-.

(و قد تقدم فى باب السحر قوله) عليه السلام (فيما رواه فى الاحتجاج فى وجوه السحر و ان من اكبر السحر النميمة يفرق بها بين المتحابين).

فكما ان السحر يفرق به بين المرء و زوجه كذلك النميمة.

و لعل وجه الاكبرية ان السحر بسبب خارجى اذا جي ء بمبطله رجع الامر إلى نصابه، بخلاف النميمة، فانها توجب سوء ظن كل طرف بالآخر قلما يصطلحان بعد ذلك.

(و عن عقاب الاعمال عن النبي صلى الله عليه و آله: من مشى فى نميمة بين الاثنين، سلط الله عليه فى قبره نارا تحرقه، و اذا خرج من قبره سلط اللّه عليه تنّينا) اى ثعبانا (اسود) لعله لكثرة هول الاسود، فان هذا اللون مما يوجب قبض النفس (ينهش لحمه) و يقطعه بفمه و

ص: 290

حتى يدخل النار.

و قد استفاضت الاخبار بعدم دخول النمام الجنة.

و يدل على حرمتها مع كراهة المقول عنه، لاظهار القول عند المقول فيه، جميع ما دل على حرمة الغيبة.

و يتفاوت عقوبته، بتفاوت ما يترتب عليها من المفاسد.

و قيل ان حد النميمة بالمعنى- الاعم-

______________________________

انيابه (حتى يدخل النار).

(و قد استفاضت الاخبار بعدم دخول النمام الجنة).

(و) كل ذلك يدل على التحريم، بالإضافة إلى انه (يدل على حرمتها مع كراهة المقول عنه، لاظهار القول عند المقول فيه، جميع ما دل على حرمة الغيبة) كقوله صلى الله عليه و آله: ذكرك اخاك ما يكره فان الاخ كما يكره الغيبة يكره النميمة.

(و) ان قلت: فباى العقابين يعاقب النمام الّذي يصدق عليها الغيبة أيضا.

قلت: (يتفاوت عقوبته) اى عقوبة النمام (بتفاوت ما يترتب عليها من المفاسد) فان ترتب عليها مفاسد الغيبة و النميمة كان العقاب اشد، و لا مانع من تداخل العقوبات.

(و) يؤيد ما ذكرناه من صدق ادلة الغيبة على النميمة، ما (قيل) و القائل الشهيد فى كشف الريبة (ان حد النميمة) و تعريفها (بالمعنى الاعم-) فى مقابل النميمة بالمعنى الاخص التى هى فى مقابل الغيبة

ص: 291

كشف ما يكره كشفه.

سواء كرهه المنقول عنه، أم كرهه، ثالث.

و سواء كان الكشف بالقول، أم بغيره من الكتابة و الرمز و الايماء.

و سواء كان المنقول من الاعمال، أم من الاقوال.

و سواء كان ذلك عيبا و نقصانا على المنقول عنه، أم لا.

بل حقيقة النميمة افشاء السر و هتك الستر، عما يكره كشفه، انتهى موضع الحاجة.

______________________________

و ما اشبه (كشف ما يكره) بصيغة المجهول (كشفه).

(سواء كرهه المنقول عنه) كزيد الّذي نم عمرو عنه (أم المنقول إليه) كخالد المخاطب لعمرو (أم كرهه ثالث) كوالد زيد.

(و سواء كان الكشف بالقول، أم بغيره من الكتابة، و الرمز) كتابة او غيرها (و الايماء) باليد و العين و ما اشبه.

(و سواء كان) الكلام (المنقول من الاعمال) كان يقول النمام زنى زيد (أم من الاقوال) كان يقول: قال زيد كلاما سيئا.

(و سواء كان ذلك) الكلام المنقول (عيبا و نقصانا على المنقول عنه) كالزنا (أم لا) كان يقول كل ليلة يباشر حليلته.

(بل حقيقة النميمة افشاء السر و هتك الستر، عما يكره كشفه).

لكن الظاهر عدم صدق النميمة على بعض الاقسام المذكورة و ان امكن كونه حراما من جهة اخرى ككونه إيذاء للمؤمن و ما اشبه (انتهى موضع الحاجة) من كلام الشهيد.

ص: 292

ثم انه قد يباح ذلك لبعض المصالح التى هى آكد من مفسدة افشاء السر- كما تقدم فى الغيبة-.

بل قيل: انها قد تجب، لإيقاع الفتنة بين المشركين.

لكن الكلام فى النميمة على المؤمنين.

______________________________

(ثم انه قد يباح ذلك) اى النميمة (لبعض المصالح التى هى آكد من مفسدة افشاء السر- كما تقدم فى الغيبة-) كنصح المستشير و تجنيب الناس عن صاحب البدعة، و ما اشبه ذلك.

(بل قيل: انها قد تجب، لايقاع الفتنة بين المشركين) كما ورد عن النبي صلى الله عليه و آله انه ندب بعض الاصحاب إلى ذلك فى بعض الغزوات.

(لكن الكلام فى النميمة على المؤمنين) فالفتنة بين المشركين خارجة عن موضوع الكلام.

ص: 293

الخامسة و العشرون النوح بالباطل،

ذكره فى المكاسب المحرمة الشيخان و سلار و الحلى و المحقق، و من تأخر عنه، و الظاهر حرمته من حيث الباطل- يعنى الكذب- و الا فهو فى نفسه ليس بمحرم.

______________________________

المسألة (الخامسة و العشرون) مما يحرم الاكتساب به لكونه محرما فى نفسه (النوح بالباطل، ذكره فى المكاسب المحرمة الشيخان، و سلار و الحلى، و المحقق، و من تأخر عنه، و الظاهر حرمته من حيث الباطل يعنى الكذب- و الا فهو فى نفسه ليس بمحرم).

فالقول بالتحريم للنوح مطلقا، تمشيا مع ظاهر بعض الاخبار لا وجه له، لما ورد من امر النبي صلى الله عليه و آله بالنياحة على حمزة، و كذلك النياحة على سيد الشهداء عليه السلام، و ما دل على امر الامام الباقر عليه السلام بالنياحة له عشر سنين فى منى.

اما كون صوت المرأة عورة، فالظاهر انه اذ لم يكن داخلا فى الخضوع بالقول، لم يكن وجه للتحريم.

و لذا نهى القرآن الحكيم الخضوع بالقول، لا مطلق القول و قد كانت النساء تكلمن النبي و الأئمة بمحضر الناس، و لم يردع عن ذلك، بل ظاهر لفظ النوادب، فى رواية الامام الباقر عليه السلام: النساء النادبات

و من المعلوم: ان «منى» مجمع الناس، و يسمع صوتهن الرجال، و كذلك ندبة زينب عليها السلام و سائر المخدرات و ندبة أم البنين بمحضر

ص: 294

و على هذا التفصيل دل غير واحد من الاخبار.

و ظاهر المبسوط، و ابن حمزة التحريم مطلقا، كبعض الاخبار و كلاهما محمولان على المقيد جمعا.

______________________________

مروان، بل و خطب الصديقة الطاهرة فى المسجد، و للرجال فى المنزل، و زينب و أمّ كلثوم فى الكوفة و الشام و غيرها من الادلة و المؤيدات الكثيرة.

(و على هذا التفصيل) بين النوح بالباطل فيحرم، و بين النوح بغير الباطل، فلا يحرم (دل غير واحد من الاخبار) و فى الوسائل و المستدرك عقد لذلك بابا طويلا فراجع.

(و ظاهر المبسوط، و ابن حمزة التحريم مطلقا، كبعض الاخبار) الدالة على التحريم مطلقا (و كلاهما) اى كلام الفقيهين و الاخبار (محمولان على المقيد) اى النوح بالباطل (جمعا) بين الاخبار المطلقة، و الاخبار المقيدة، كقوله عليه السلام فى مرسل الصدوق: لا بأس بكسب النائحة اذا قالت صدقا، بالإضافة إلى دليل التأسى كما تقدم، فلا ينبغى الاشكال فى ذلك.

ص: 295

السادسة و العشرون الولاية من قبل الجائر-
اشارة

و هى صيرورته واليا على قوم منصوبا من قبله- محرمة لان الوالى من اعظم الاعوان.

و لما تقدم فى رواية تحف العقول من قوله: و اما وجه الحرام من الولاية فولاية الوالى الجائر، و ولاية ولاته فالعمل لهم و الكسب لهم بجهة الولاية

______________________________

المسألة (السادسة و العشرون) مما يحرم الاكتساب به لكونه محرما فى نفسه (الولاية من قبل الجائر-) الظالم (و هى صيرورته) اى الشخص (واليا على قوم منصوبا من قبله-).

و لا يبعد كون الولاية اعم من كونه عاملا على قوم، او على شي ء كالسفير فى البلاد التى لا قوم من طرف الحكومة ذات السفير فيها و انما هو لمجرد الشخصية او المصالح الاقتصادية او ما اشبه.

و قوله (محرمة) خبر الولاية (لان الوالى من اعظم الاعوان) للظلمة.

و قد تقدم ما ورد فى اعوان الظلمة.

(و لما تقدم فى رواية تحف العقول من قوله) عليه السلام (و اما وجه الحرام من الولاية، فولاية الوالى الجائر، و ولاية ولاته).

و المراد ب: ولاية الوالى الجائر ولاية نفس الوالى، اى الرئيس الاول.

و اما المراد الولاية من قبل الوالى الجائر اى الذين نصبهم الرئيس الاول، و باختلاف المعنى يختلف المراد من: ولاية ولاته (فالعمل لهم) بدون الولاية (و الكسب لهم بجهة الولاية

ص: 296

معهم حرام محرم معذب فاعل ذلك على قليل من فعله، او كثير، لان كل شي ء من جهة المعونة له معصية كبيرة من الكبائر.

و ذلك ان فى ولاية الوالى الجائر دروس الحق كله و احياء الباطل كله و اظهار الظلم و الجور و الفساد و ابطال الكتب و قتل الأنبياء و هدم المساجد، و تبديل سنة الله، و شرائعه.

فلذلك حرم العمل معهم و معونتهم و الكسب معهم إلا بجهة الضرورة

______________________________

معهم) فى مقابل الكسب لهم لا بجهة الولاية (حرام محرم) تأكيد لقوله:

حرام من قبيل: ليل الليل (معذب فاعل ذلك) العمل مع الجائرين (على قليل من فعله، او كثير، لان كل شي ء من جهة المعونة) و الاعانة (له) اى للجائر (معصية كبيرة من الكبائر).

(و ذلك) اى و وجه ذلك (ان فى ولاية الوالى الجائر دروس الحق كله) اى اضمحلال الحق، اذ الجائر لا يبالى بالحق، و عدم المبالات سبب الدروس و الضياع (و احياء الباطل كله، و اظهار الظلم و الجور و الفساد) اى ظهور هذه الامور فى الخارج (و ابطال الكتب) السماوية (و قتل الأنبياء، و هدم المساجد و تبديل سنة الله و شرائعه) فان الظلم يفعل كل ذلك، و ان كان كل قسم من اقسام الظلم لا يفعل كل ذلك.

و الحاصل: ان الظلم مقتضى لهذه الامور.

(فلذلك) الّذي ذكرنا من مفاسد ولاية الجائر (حرم العمل معهم و معونتهم) اى اعانتهم (و الكسب معهم إلا بجهة الضرورة) من تقية او ما

ص: 297

نظير الضرورة إلى الدم و الميتة، الخبر.

و فى رواية زياد بن ابى سلمة: اهون ما يصنع الله عز و جل بمن تولا لهم عملا ان يضرب عليه سرادقا من نار إلى ان يفرغ الله عز و جل من حساب الخلائق.

ثم ان ظاهر الروايات كون الولاية محرمة بنفسها مع قطع النظر عن ترتب معصية عليه، من ظلم الغير مع ان الولاية عن الجائر لا تنفك عن المعصية.

______________________________

اشبه (نظير الضرورة إلى الدم و الميتة) فانه ما من شي ء حرمه الله إلا و قد احله لمن اضطر إليه إلى آخر (الخبر) المتقدم فى اوّل الكتاب.

(و فى رواية زياد بن ابى سلمة: اهون) و اخف عقاب (ما يصنع الله عز و جل بمن تولا لهم عملا ان يضرب) الله (عليه سرادقا من نار) اى سترا فان سرادق معرب سراپرده و المراد به المحل المحفوف بالنار (الى ان يفرغ الله عز و جل من حساب الخلائق) فى يوم القيامة و المراد خمسين الف سنة التى هى مدة محاسبة الخلائق فى القيامة.

(ثم ان ظاهر الروايات كون الولاية محرمة بنفسها مع قطع النظر عن ترتب معصية عليه، من ظلم الغير) او ما اشبه من سائر المحرمات كتغيير شرائع الله، و هدم المساجد، و احياء الباطل (مع ان الولاية عن الجائر لا تنفك) خارجا (عن المعصية).

فحرمتها لا لعدم انفكاكها عن العصيان، بل هى حرام فى نفسها- و لو فرضنا انه لم يترتب عليها عصيان اصلا-.

ص: 298

و ربما كان فى بعض الاخبار اشارة إلى كونه من جهة الحرام الخارجى

ففى صحيحة داود بن زربى، قال: اخبرنى مولى لعلى بن الحسين عليه السلام، قال: كنت بالكوفة، فقدم ابو عبد الله عليه السلام الحيرة، فاتيته فقلت له جعلت فداك: لو كلمت داود بن على، او بعض هؤلاء، فادخل فى بعض هذه الولايات، فقال ما كنت لا فعل، فانصرفت إلى منزلى، فتفكرت ما احسبه انه منعنى، الا مخافة ان اظلم او اجور و الله لآتينّه

______________________________

(و) لكن (ربما كان فى بعض الاخبار اشارة إلى كونه) اى كون التحريم للولاية، انما هو (من جهة الحرام الخارجى) المترتب على الولاية.

(ففى صحيحة داود بن زربى) و كان من الشيعة للامام موسى بن جعفر عليه السلام، و حفظه الامام من كيد هارون، بمثل ما حفظ على بن يقطين فى قصة الوضوء المشهورة (قال: اخبرنى مولى لعلى بن الحسين عليه السلام، قال: كنت بالكوفة، فقدم ابو عبد الله) الصادق (عليه السلام الحيرة، فاتيته فقلت له جعلت فداك، لو كلمت داود بن على) و كان واليا من قبل العباسيين (او بعض هؤلاء فادخل) بصيغة المجهول اى ادخلونى (فى بعض هذه الولايات، فقال) الصادق عليه السلام (ما كنت لا فعل، فانصرفت إلى منزلى، فتفكرت ما احسبه انه) عليه السلام (منعنى) بان لم يتوسط لدى الامير فى ادخالى فى بعض الولايات (الا مخافة ان اظلم او اجور).

لعل المراد بالجور الاعم من الظلم، فانه يشمل ظلم الانسان نفسه و ظلمه لغيره من الناس- احيانا- او العكس (و الله لآتينه) اى اذهب

ص: 299

و اعطينه الطلاق و العتاق، و الايمان المغلظة ان لا اجورن على احد و لا اظلمن و لأعدلن قال: فاتيته، فقلت جعلت فداك: انى فكرت فى إبائك على و ظننت انك انما منعتنى مخافة ان اظلم او اجور، و ان كل امرأة لى طالق و كل مملوك لى حر و على ان ظلمت احدا او جرت على احد، بل ان لم اعدل، قال فكيف قلت؟ فاعدت عليه الايمان فنظر إلى السماء و قال تنال هذه السماء ايسر عليك من ذلك

______________________________

الى الامام عليه السلام (و اعطينه الطلاق و العتاق) اى احلف له بطلاق زوجتى و عتق مماليكى (و الايمان المغلظة) فى اللفظ، نحو: و الله المهلك المدرك، او المعنى نحو: و الله لا حرم الدهر، مثلا (ان لا اجورن على احد) ان وليت عملا (و لا اظلمن و لا عدلن) بين الناس (قال: فاتيته، فقلت جعلت فداك: انى فكرت فى) سبب (إبائك) و امتناعك (على) بان لم تقبل ان تتوسط فى امرى (و ظننت انك انما منعتنى مخافة ان اظلم او اجور، و ان كل امرأة لى طالق، و كل مملوك لى حر، و على ان ظلمت احدا او جرت على احد، بل ان لم اعدل) قد يكون الانسان لا يظلم و لكنه لا يعدل أيضا بان ينتحى من قضايا الناس فى ناحية، و قد يكون يعدل بان يدخل فى قضاياهم و يجعل الحق فى نصابه (قال) الامام عليه السلام (فكيف قلت؟) اى اعد على كلامك (فاعدت عليه الايمان).

و لا يخفى ان الحلف بالطلاق و العتاق باطل- عندنا- (فنظر) الامام عليه السلام (الى السماء و قال: تنال) و تصل إلى (هذه السماء) التى لا يمكن الوصول إليها لمثل المخاطب (ايسر عليك من ذلك) بان

ص: 300

بناء اعلى ان المشار إليه هو العدل و ترك الظلم.

و يحتمل ان يكون هو الترخص فى الدخول.

ثم انه يسوغ الولاية المذكورة امران.
احدهما: القيام، بمصالح العباد

بلا خلاف، على الظاهر المصرح به فى المحكى عن بعض، حيث قال: ان تقلد الامر من قبل الجائر جائز اذا تمكن معه

______________________________

تحكم و لا تجور إلى آخر الخبر.

و دلالة هذه الرواية (بناء اعلى ان المشار إليه) فى قوله من ذلك (هو العدل و ترك الظلم) فانه يدل حينئذ على ما ذكرناه سابقا من مؤيدات حرمة الولاية، بقولنا: مع ان الولاية عن الجائر لا تنفك عن المعصية.

(و يحتمل ان يكون) المشار إليه (هو الترخص فى الدخول) اى انى لا آذن لك فى الدخول، او لا اكون واسطة لك.

و الانصاف ان امثال هذه الروايات، و خصوصا اذا لوحظ الحال الحاضر مما الحكم فيه ضدّ الاسلام بتمام معنى الكلمة مما تقصم الظهر لمن يريد الدخول فى الوظائف و الله المستعان.

(ثم انه يسوغ) و يجوز (الولاية المذكورة) اى من قبل الجائر (امران)

(احدهما: القيام بمصالح العباد) و البلاد (بلا خلاف، على الظاهر المصرح به فى المحكى عن بعض) و هو الراوندى فى فقه القرآن كما قيل (حيث قال: ان تقلد الامر من قبل الجائر جائز، اذا تمكن معه)

ص: 301

من ايصال الحق لمستحقه، بالاجماع و السنة الصحيحة.

و قوله تعالى: اجْعَلْنِي عَلىٰ خَزٰائِنِ الْأَرْضِ.

و يدل عليه قبل الاجماع ان الولاية ان كانت محرمة لذاتها، كان ارتكابها لاجل المصالح، و دفع المفاسد التى هى اهم من مفسدة انسلاك الشخص فى اعوان الظلمة- بحسب الظاهر- و ان كانت لاستلزامها الظلم على الغير، المفروض عدم تحققه هنا.

______________________________

اى بسبب تقلده الامر (من إيصال الحق لمستحقه، بالاجماع و السنة الصحيحة) كما يأتى بعض الاخبار منها.

(و قوله تعالى) حكاية عن يوسف عليه السلام (اجْعَلْنِي عَلىٰ خَزٰائِنِ الْأَرْضِ) اى المال و الرزق.

(و يدل عليه قبل الاجماع ان الولاية ان كانت محرمة لذاتها، كان ارتكابها لاجل المصالح، و دفع المفاسد التى هى) اى تلك المصالح (اهم من مفسدة انسلاك الشخص) و دخوله- كما تدخل الخرز فى السلك- (فى اعوان الظلمة- بحسب الظاهر-) اما بحسب الواقع انه من اعوان الحق كانت جائزة للزوم تقديم الاهم على المهم.

و المراد بالجواز فى مقابل الحرمة، فيشمل الوجوب أيضا (و ان كانت) الولاية محرمة- لا لذاتها- بل (لاستلزامها الظلم على الغير، فالمفروض عدم تحققه) اى الظلم (هنا) فى المقام، لان المفروض ان قبول الولاية انما هو للقيام، بمصالح العباد و اصلاح البلاد.

ص: 302

و يدل عليه النبوى الّذي رواه الصدوق فى حديث المناهى قال: من تولى عرافة قوم اتى به يوم القيامة، و يداه مغلولتان إلى عنقه، فان قام فيهم بامر الله تعالى اطلقه الله و ان كان ظالما يهوى به فى نار جهنم و بئس المصير.

و عن عقاب الاعمال: و من تولى عرافة قوم و لم يحسن فيهم، حبس على شفير جهنم بكل يوم الف سنة، و حشر

______________________________

(و يدل عليه النبوى الّذي رواه الصدوق فى حديث المناهى قال) صلى الله عليه و آله (من تولى عرافة قوم) اى يكون عريفا لهم، و هو القائم بالامور السياسية لدى السلطة، فيعرفهم لها.

و لعل المراد به هنا، ما يسمى فى الاصطلاح الحاضر «المختار» او من هو اعلى منه رتبة (اتى به يوم القيامة، و يداه مغلولتان إلى عنقه، فان قام فيهم بامر الله تعالى اطلقه الله) عن الغل (و ان كان ظالما يهوى به) اى بالشخص، او بالغل الّذي معه (فى نار جهنم) اى يلقى به (و بئس المصير).

و الظاهر: ان الغل لاجل صيرورته عريفا فى دولة باطل لا يقصد من ورائه الحق، و لذا استحق العقاب، و الا فلو كان عريفا فى حكومة شرعية او دخل فى العرافة لامر الله، و قام بالعدل، لم يكن لغل يديه وجه كما لا يخفى-.

(و عن عقاب الاعمال: و من تولى عرافة قوم و لم يحسن فيهم حبس على شفير جهنم بكل يوم) تولى العرافة فيه (الف سنة، و حشر) الحشر المجي ء

ص: 303

و يداه مغلولتان إلى عنقه، فان قام فيهم بامر الله اطلقه الله، و ان كان ظالما هوى به فى نار جهنم سبعين خريفا.

و لا يخفى: ان العريف- سيما فى ذلك الزمان- لا يكون الا من قبل الجائر.

و صحيحة زيد الشحام المحكية عن الامالى، عن ابى عبد الله عليه السلام: من تولى امرا من امور الناس فعدل فيهم و فتح بابه، و رفع ستره و نظر فى امور الناس كان حقا على الله ان يؤمن روعته يوم القيامة

______________________________

بالشخص فى يوم المحشر، و الحشر- لغة- بمعنى الجمع (و يداه مغلولتان إلى عنقه، فان قام فيهم بامر الله اطلقه الله، و ان كان ظالما هوى به فى نار جهنم سبعين خريفا) و الخريف: كما فى بعض الروايات الف عام كل عام يعادل الف سنة من سنى الدنيا.

(و لا يخفى: ان العريف- سيما فى ذلك الزمان- لا يكون الا من قبل الجائر).

و انما قال: سيما، لان العريف، فى غالب الازمنة كذلك، و فى ذلك الزمان كان من قبل الجائر الغاصب للخلافة.

(و صحيحة زيد الشحام المحكية عن الامالى، عن ابى عبد الله عليه السلام: من تولى امرا من امور الناس، فعدل فيهم و فتح بابه) بان لم يغلقه دونهم (و رفع ستره) بان لم يجعل حجابا و حجابا- و هذا هو المعبر عنه بالسكرتير، فى هذا الزمان- (و نظر فى امور الناس كان حقا على الله ان يؤمن روعته) اى خوفه (يوم القيامة) فان للقيامة مخاوف و

ص: 304

و يدخله الجنة.

و رواية زياد بن ابى سلمة عن موسى بن جعفر عليه السلام: يا زياد لان اسقط من شاهق، فاتقطع قطعة قطعة احب إلى من ان اتولى لهم عملا، او اطأ بساط رجل منهم الا لما ذا؟ قلت: لا ادرى جعلت فداك قال:

الا لتفريج كربة مؤمن أو فك اسره او قضاء دينه.

و رواية على بن يقطين: ان لله تعالى مع السلطان اولياء من يدفع بهم عن اوليائه.

______________________________

اهوالا (و يدخله الجنة) لعدله و ما عمل بالناس.

(و رواية زياد بن ابى سلمة عن موسى بن جعفر عليه السلام: يا زياد لان اسقط من شاهق) اى مكان مرتفع (فاتقطع قطعة قطعة احب إلى من ان اتولى لهم عملا، او اطأ بساط رجل منهم) اى ادخل عليهم (الا لما ذا؟

قلت: لا ادرى جعلت فداك، قال: الا لتفريج كربة مؤمن) بان تكون له مشكلة عندهم، او عند غيرهم فادخل عليهم لحل تلك المشكلة (او فك اسره) بان يكون اسيرا عندهم فادخل عليهم لاطلاقه (او قضاء دينه).

و لا يخفى ان هذه الامور الثلاثة من باب المثال، او تكون سائر المشاكل داخلة فى تفريح الكربة.

(و رواية على بن يقطين: ان لله) تبارك و (تعالى مع السلطان) اى فى امور السلطان و ولاياته (اولياء) و احباء لله تعالى (من يدفع بهم عن اوليائه) فاذا حدثت مشكلة لاولياء الله تعالى، كان الاولياء الذين فى امور السلطان يحلون تلك المشكلة.

ص: 305

قال الصدوق- و فى خبر آخر- أولئك عتقاء الله من النار.

قال: و قال الصادق عليه السلام: كفارة عمل السلطان، قضاء حوائج الاخوان.

و عن المقنع سئل ابو عبد اللّه عليه السلام عن رجل يحب آل محمد و هو فى ديوان هؤلاء يقتل تحت رايتهم قال: يحشره الله على نيته إلى غير ذلك.

______________________________

(قال الصدوق- و فى خبر آخر- أولئك عتقاء الله من النار) فكونهم فى ابواب السلطان موجب اجرهم، لان بيدهم تحل مشكلة الاولياء.

(قال: و قال الصادق عليه السلام: كفارة عمل السلطان) اى العمل له (قضاء حوائج الاخوان) فانها تكافئ التحريم الناشئ من العمل لهم.

و من الممكن ان يكون هناك عمل محرم يكافئه قضاء الحاجة- كما فى هذا الحديث- و عمل غير محرم يوجب الاجر كون الشخص مع السلطان كما فى حديث: أولئك عتقاء الله، فلا تنافى بين الحديثين.

(و عن المقنع) للمفيد رحمه الله (سئل ابو عبد الله عليه السلام عن رجل يحب آل محمد) صلى الله عليه و آله (و هو فى ديوان هؤلاء) السلاطين الجائرين (يقتل تحت رايتهم) فما حاله اذا استشهد فى حرب بينهم و بين اعدائهم؟- الكفار- (قال) عليه السلام (يحشره الله على نيته) فان كانت نيته الحرب لرفعة لواء الاسلام كان حاله حسنا، و ان كانت نيته رفعة لواء هؤلاء كان حاله سيئا (الى غير ذلك) من الاخبار.

ص: 306

و ظاهرها إباحة الولاية من حيث هى مع المواسات و الاحسان بالاخوان فيكون نظير الكذب فى الاصلاح.

و ربما يظهر من بعضها الاستحباب.

و ربما يظهر من بعضها: ان الدخول أولا غير جائز، الا ان الاحسان الى الاخوان كفارة له.

كمرسلة الصدوق المتقدمة، و فى ذيل رواية زياد بن ابى سلمة المتقدمة، و ان وليت شيئا من اعمالهم، فاحسن إلى اخوانك يكون واحدة بواحدة

و الاولى ان يقال: ان الولاية غير المحرمة

______________________________

(و ظاهرها إباحة الولاية) من قبل الجائر (من حيث هى) ولاية لا من جهة اتيان الوالى بسائر المحرمات (مع المواسات و الاحسان بالاخوان، فيكون نظير الكذب فى الاصلاح) الّذي هو بنفسه محرم ذاتيا، لكن عنوان الاصلاح حسنه و اجازه.

(و ربما يظهر من بعضها الاستحباب) كرواية: عتقاء الله.

(و ربما يظهر من بعضها: ان الدخول أولا غير جائز، الا ان الاحسان الى الاخوان كفارة له) كرواية كفارة عمل السلطان.

و (كمرسلة الصدوق المتقدمة، و فى ذيل رواية زياد بن ابى سلمة المتقدمة، و ان وليت شيئا من اعمالهم، فاحسن إلى اخوانك يكون واحدة بواحدة) اى طاعة فى مقابل معصية.

(و الاولى) فى الجمع بين الاخبار (ان يقال: ان الولاية غير المحرمة)

ص: 307

منها ما يكون مرجوحة، و هى ولاية من تولى لهم لنظام معاشه، قاصدا الاحسان فى خلال ذلك إلى المؤمنين، و دفع الضر عنهم.

ففى رواية ابى بصير ما من جبّار الا و معه مؤمن يدفع الله به عن المؤمنين و هو اقلهم حظا فى الآخرة لصحبة الجبار.

و منها: ما يكون مستحبة، و هى ولاية من لم يقصد بدخوله الا الاحسان الى المؤمنين.

فعن رجال الكشى فى ترجمة محمد بن اسماعيل بن بزيع عن ابى الحسن

______________________________

لا يخفى ان دخول «ال» على «غير» فى مثل هذه الموارد، خطا كما يظهر لمن راجع كتاب المغنى لابن هشام، و غيره.

ف (منها: ما يكون مرجوحة و هى ولاية من تولى لهم) و اخذ الولاية منهم (لنظام معاشه، قاصدا الاحسان فى خلال ذلك) العمل لهم (الى المؤمنين، و دفع الضر عنهم) اما اصل عمله لهم، فانما كان للمعاش.

(ففى رواية ابى بصير ما من جبار) اى ظالم، و يسمى جبارا، لانه يجبر الناس و يكرههم (الا و معه مؤمن يدفع الله به عن المؤمنين، و هو اقلهم حظا فى الآخرة) و انما يكون هذا المؤمن اقلّ من سائر المؤمنين حظّا فى الآخرة (لصحبة الجبار) و تلوثه بالمعاصي و لو من جهة زيادة سواد كبكبته.

(و منها: ما يكون مستحبة و هى ولاية من لم يقصد بدخوله الا الاحسان الى المؤمنين).

(فعن رجال الكشى فى ترجمة محمد بن اسماعيل ابن بزيع، عن ابى الحسن

ص: 308

الرضا عليه السلام، قال: ان لله فى ابواب الظلمة من نوّر الله به البرهان و مكن له فى البلاد ليدفع بهم عن اوليائه، و يصلح الله بهم امور المسلمين إليهم يلجأ المؤمنين من الضرر و إليهم مرجع ذوى الحاجة من شيعتنا بهم يؤمن الله روعة المؤمنين فى دار الظلمة أولئك المؤمنون حقا، أولئك أمناء الله فى ارضه أولئك نور الله فى رعيته يوم القيمة و يزهر نورهم لاهل السماوات، كما يزهر نور الكواكب الدرية لاهل الارض، أولئك نورهم- يوم القيامة- تضي ء منه القيامة خلقوا- و الله- للجنة، و خلقت الجنة لهم فهنيئا لهم ما على احدكم ان لو شاء

______________________________

الرضا عليه السلام، قال) عليه السلام (ان لله فى ابواب الظلمة من نور الله به البرهان) اى بسببه يعرف الناس الحق من الباطل (و مكن له فى البلاد) بان كان مسلطا على البلاد و العباد (ليدفع) الله (بهم عن اوليائه) المكروهات (و يصلح الله بهم امور المسلمين، إليهم يلجأ المؤمنين من الضرر) المتوجه إليهم (و إليهم مرجع ذوى الحاجة من شيعتنا بهم يؤمن الله روعة المؤمنين) و خوفهم (فى دار الظلمة) و يسمى دار الظلمة لان المسيطرين على الحكم ظالمون (أولئك المؤمنون حقا، أولئك أمناء الله فى ارضه، أولئك نور الله فى رعيته يوم القيامة) اى رعية الله (و يزهر) اى يظهر، و يبيض، و يجلو (نورهم لاهل السماوات، كما يزهر نور الكواكب الدرية لاهل الارض، أولئك نورهم- يوم القيامة- تضي ء منه القيامة) لان القيامة بنفسها مظلمة- كما ورد فى الاحاديث (خلقوا- و الله- للجنة، و خلقت الجنة لهم فهنيئا لهم ما على احدكم ان لو شاء

ص: 309

لنال هذا كله قلت: بما ذا؟ جعلت فداك: قال يكون معهم فيسرنا بادخال السرور على المؤمنين من شيعتنا، فكن منهم يا محمد.

و منها: ما يكون واجبة، و هى ما توقف الامر بالمعروف و النهى عن المنكر الواجبان عليه فان ما لا يتم الواجب الا به، واجب مع القدرة.

و ربما يظهر من كلمات جماعة عدم الوجوب فى هذه الصورة- أيضا-

______________________________

لنال هذا) الفضل (كله) اى ما يضر احدكم ان ينال هذا الفضل (قلت:

بما ذا؟) و باى عمل ينال هذا الفضل؟ (جعلت فداك: قال) عليه السلام (يكون) هذا المريد بنيل الفضل (معهم) اى مع الجبارين (فيسرنا بادخال السرور على المؤمنين من شيعتنا، فكن منهم يا محمد).

و الجمع الّذي ذكره المصنف بين هاتين الطائفتين، و ان كان اشبه بالتبرع، الا ان القرائن الداخلة و الخارجية مما توجب المصير إليه.

(و منها: ما يكون واجبة، و هى ما توقف الامر بالمعروف و النهى عن المنكر الواجبان عليه).

و كذلك ارشاد الجاهل، و نشر الاسلام، و انقاذ المسلمين من براثن الكفار، و ما اشبه (فان ما لا يتم الواجب الا به، واجب مع القدرة) فيما اذا لم تكن الولاية محرمة بذاتها، و الا لزم كون الواجب ارجح- كما لا يخفى-.

(و ربما يظهر من كلمات جماعة عدم الوجوب فى هذه الصورة) اى صورة توقف الواجب على الولاية (- أيضا-) كالصورتين السابقتين.

ص: 310

قال فى النهاية: تولى الامر من قبل السلطان العادل جائز مرغب فيه، و ربما بلغ حد الوجوب، لما فى ذلك من التمكن بالامر بالمعروف و النهى عن المنكر، و وضع الاشياء مواقعها.

و اما سلطان الجور، فمتى علم الانسان او غلب على ظنه انه متى تولى الامر من قبله امكن التوصل إلى اقامة الحدود، و الامر بالمعروف و النهى عن المنكر و قسمة الاخماس و الصدقات فى اربابها، و صلة الاخوان و لا يكون مع ذلك مخلا بواجب، و لا فاعلا لقبيح، فانه ليستحب له ان يتعرض لتولى الامر من قبله، انتهى.

و قال فى السرائر: و اما السلطان الجائر فلا يجوز

______________________________

(قال فى النهاية: تولى الامر من قبل السلطان العادل جائز مرغب فيه) اى مستحب (و ربما بلغ حد الوجوب، لما فى ذلك من التمكن بالامر بالمعروف و النهى عن المنكر، و وضع الاشياء مواقعها) اى اجراء الاحكام كما امر الله تعالى.

(و اما سلطان الجور، فمتى علم الانسان او غلب على ظنه) غلبة يدخله فى ضمن الاطمينان الّذي هو حجة شرعا (انه متى تولى الامر من قبله امكن) بواسطته (التوصل إلى اقامة الحدود، و الامر بالمعروف و النهى عن المنكر و قسمة الاخماس و الصدقات) اى الزكوات (فى اربابها و) امكن (صلة الاخوان، و لا يكون مع ذلك مخلا بواجب، و لا فاعلا لقبيح بانه ليستحب له ان يتعرض لتولى الامر من قبله، انتهى) كلام النهاية.

(و قال) ابن ادريس (فى السرائر: و اما السلطان الجائر فلا يجوز

ص: 311

لاحد ان يتولى شيئا من الامور مختارا من قبله، الا ان يعلم او يغلب على ظنه- الى آخر عبارة النهاية بعينها-.

و فى الشرائع: و لو أمن من ذلك اى اعتماد ما يحرم و قدر على الامر بالمعروف، و النهى عن المنكر استحبت.

قال فى المسالك- بعد ان اعترف ان مقتضى ذلك وجوبها- و لعل وجه عدم الوجوب كونه بصورة النائب عن الظالم، و عموم النهى عن الدخول معهم و تسويد الاسم فى ديوانهم، فاذا لم يبلغ حدّ المنع

______________________________

لاحد ان يتولى شيئا من الامور) فى حالكونه (مختارا من قبله، الا ان يعلم او يغلب على ظنه- الى آخر عبارة النهاية بعينها-) التى تقدمت.

(و فى الشرائع: و لو أمن من ذلك) اى أمن من يريد الولاية من قبل الجائر، و فسر قوله «ذلك» بقوله (اى اعتماد ما يحرم) بان علم بانه لا يفعل الحرام فى ولايته (و قدر على الامر بالمعروف، و النهى عن المنكر استحبت) له الدخول معهم.

(قال فى المسالك) فى شرح عبارة الشرائع (- بعد ان اعترف ان مقتضى ذلك) الّذي ذكره الشرائع من توقف الامر بالمعروف على الولاية (وجوبها-) اى وجوب الولاية، لانها مما يتوقف الواجب عليه (و لعل وجه عدم الوجوب كونه بصورة النائب عن الظالم) و العون له، و قد ورد النهى عن ذلك (و عموم النهى عن الدخول معهم و تسويد الاسم فى ديوانهم، فاذا لم يبلغ) الدخول معهم (حد المنع) من جهة تعارضه بكونه مقدمة

ص: 312

فلا اقل من عدم الوجوب.

و لا يخفى ما فى ظاهره من الضعف، كما اعترف به غير واحد لان الامر بالمعروف واجب، فاذا لم يبلغ ما ذكره من كونه بصورة النائب- الى آخر ما ذكره- حد المنع فلا مانع من الوجوب المقدمى للواجب.

و يمكن توجيهه: بان نفس الولاية قبيح محرم، لانها توجب اعلاء كلمة الباطل، و تقوية شوكته فاذا عارضها قبح آخر، و هو ترك الامر بالمعروف و النهى عن المنكر، و ليس احدهما اقل قبحا من الآخر فللمكلف

______________________________

الواجب (فلا اقل من عدم الوجوب) لانه مقتضى تعارض الحرام و الواجب فيما اذا لم يكن احدهما ارجح من الآخر.

قال المصنف فى الرد على المسالك:

(و لا يخفى ما فى ظاهره) اى ظاهر كلام الشهيد (من الضعف، كما اعترف به) اى بضعف كلامه (غير واحد) من الفقهاء (لان الامر بالمعروف واجب فاذا لم يبلغ ما ذكره) المسالك (من كونه بصورة النائب- الى آخر ما ذكره- حد المنع، فلا مانع من الوجوب المقدمى للواجب) «من» بيان «ما» و «حد المنع» مفعول «لم يبلغ».

(و يمكن توجيهه: بان نفس الولاية قبيح محرم، لانها توجب اعلاء كلمة الباطل و تقوية شوكته) لان الالتفات حول شي ء يوجب قوة ذلك الشي ء، و ارتفاعه فى الانظار (فاذا عارضها قبيح آخر، و هو ترك الامر بالمعروف و النهى عن المنكر، و) الحال انه (ليس احدهما اقل قبحا من الآخر فللمكلف) التخيير بين

ص: 313

فعلها تحصيلا لمصلحة الامر بالمعروف، و تركها، دفعا لمفسدة تسويد الاسم فى ديوانهم الموجب لاعلاء كلمتهم و قوة شوكتهم.

نعم يمكن الحكم باستحباب اختيار احدهما لمصلحة لم يبلغ حد الالزام حتى يجعل احدهما اقل قبحا ليصير واجبا.

و الحاصل: ان جواز الفعل و الترك هنا ليس من باب عدم جريان دليل قبح الولاية، و تخصيص دليله

______________________________

(فعلها تحصيلا لمصلحة الامر بالمعروف، و) بين (تركها، دفعا لمفسدة تسويد الاسم فى ديوانهم الموجب) ذلك التسويد (لاعلاء كلمتهم و قوة شوكتهم) و لذا جاز كلا الامرين و لم يجب احدهما.

و الحاصل: حصول التزاحم بين الملاكين و حيث لا يكون احدهما اهم: جاز للمكلف اختيار احدهما على الآخر.

(نعم يمكن الحكم باستحباب اختيار احدهما لمصلحة لم يبلغ حد الالزام حتى يجعل احدهما اقل قبحا ليصير واجبا) فاذا فى عالم الثبوت يمكن وجود احد الاحكام الثلاثة بالنسبة إلى كل واحد منهما الوجوب و الاستحباب و الجواز.

فاذا فهمنا الاهمية قدم الاهم وجوبا، او استحبابا- حسب فهمنا بانه بمقدار اللزوم او بمقدار الاستحباب- و اذا لم نفهم الاهمية جاز الاتيان بكل واحد منهما فى عالم الاثبات.

(و الحاصل: ان جواز الفعل و الترك هنا) للولاية من قبل الجائر (ليس من باب عدم جريان دليل قبح الولاية، و تخصيص دليله) اى دليل

ص: 314

بغير هذه الصورة الخ، بل من باب مزاحمة قبحها بقبح ترك الامر بالمعروف

فللمكلف ملاحظة كل منهما و العمل بمقتضاه، نظير تزاحم الحقين فى غير هذا المقام.

هذا ما اشار إليه الشهيد بقوله: لعموم النهى الخ.

و فى الكفاية ان الوجوب فيما نحن فيه حسن، لو ثبت كون وجوب الامر بالمعروف مطلقا غير مشروط بالقدرة، فيجب عليه تحصيلها من باب المقدمة

______________________________

قبح الولاية (بغير هذه الصورة الخ) اى صورة جواز الفعل و الترك حتى يقال: لم لا يشمل هذه الصورة دليل القبح؟ (بل من باب مزاحمة قبحها) اى الولاية (بقبح ترك الامر بالمعروف).

(فللمكلف ملاحظة كل منهما) اى من دليلى الولاية و الامر بالمعروف (و العمل بمقتضاه) فاذا كان احدهما لازما، قدمه، و الا جاز الاتيان باىّ منهما (نظير تزاحم الحقين فى غير هذا المقام).

و (هذا) الّذي ذكرناه من شمول النهى و لكن يعارض بدليل النهى عن المنكر (ما اشار إليه الشهيد بقوله: لعموم النهى الخ) هذا غاية توجيه كلام الشهيد.

(و فى الكفاية) للسبزوارى (ان الوجوب) لقبول الولاية (فيما نحن فيه حسن، لو ثبت كون وجوب الامر بالمعروف مطلقا غير مشروط بالقدرة فيجب عليه) اى على المكلف (تحصيلها) اى القدرة على الامر بالمعروف (من باب المقدمة).

و الحاصل ان الشارع قد يقول: اذا قدرت على الامر كان واجبا عليك

ص: 315

و ليس بثابت و هو ضعيف.

لان عدم ثبوت اشتراط الوجوب بالقدرة الحالية العرفية كاف مع اطلاق ادلة الامر بالمعروف السالم عن التقييد، بما عدا القدرة العقلية المفروضة فى المقام.

______________________________

و قد يقول: الامر بالمعروف واجب عليك.

فالاول: من قبيل الحج الّذي لا يجب تحصيل شرطه.

و الثانى: من قبيل الصلاة الواجب تحصيل شرطها.

فاذا كان الامر بالمعروف من قبيل الاول لا يجب قبول الولاية لتحصيل القدرة.

و اذا كان من قبيل الثانى يجب قبول الولاية مقدمة للواجب.

(و) لكن كون الامر بالمعروف من قبيل الواجب المطلق، فيجب تحصيل مقدمته التى هى الولاية (ليس بثابت) انتهى كلام الكفاية (و هو ضعيف) اى اشكال الكفاية على اطلاق وجوب الامر بالمعروف بقوله: ليس بثابت، ضعيف.

(لان عدم ثبوت اشتراط الوجوب) للامر بالمعروف (بالقدرة الحالية) اى فى الحال (العرفية) صفة «القدرة» (كاف) فى ان نقول بالوجوب المطلق للامر بالمعروف (مع اطلاق ادلة الامر بالمعروف السالم عن التقييد، بما عدا القدرة العقلية المفروضة) وجود تلك القدرة العقلية (فى المقام) لانه يتمكن من الامر بالمعروف بواسطة التمكن على مقدمته التى هى قبول الولاية.

ص: 316

نعم ربما يتوهم انصراف الاطلاقات الواردة إلى القدرة العرفية غير المحققة فى المقام.

لكنه تشكيك ابتدائى لا يضر بالإطلاقات.

و اضعف منه ما ذكره بعض، بعد الاعتراض على ما فى المسالك بقوله:

و لا يخفى ما فيه.

قال: و يمكن توجيه عدم الوجوب بتعارض ما دل على وجوب الامر بالمعروف و ما دل على حرمة الولاية عن الجائر- بناء

______________________________

(نعم ربما يتوهم انصراف الاطلاقات الواردة) فى باب الامر بالمعروف (الى القدرة العرفية غير المحققة فى المقام) بمعنى القدرة حالا لا القدرة المستقبلة التى يمكن تحصيلها.

(لكنه) اى الانصراف المذكور (تشكيك ابتدائى) يتبادر إلى الذهن فى بادئ النظر (لا يضر بالإطلاقات) فان الانصراف البدوى لا يوجب صرف وجهة اللفظ- كما لا يخفى-.

(و اضعف منه) اى من كلام الكفاية (ما ذكره بعض) و هو صاحب الجواهر، اراد به بيان عدم وجوب الولاية و ان كانت مقدمة للامر بالمعروف (بعد الاعتراض على ما فى المسالك، بقوله: و لا يخفى ما فيه).

(قال) اى صاحب الجواهر (و يمكن توجيه عدم الوجوب) للامر بالمعروف فيما اذا توقف على ولاية الجائر (بتعارض ما دل على وجوب الامر بالمعروف) مطلقا الشامل لما كان مقدمته قبول الولاية (و ما دل على حرمة الولاية عن الجائر) الشامل لما كان مقدمة للامر بالمعروف (- بناء

ص: 317

على حرمتها فى ذاتها- و النسبة عموم وجه.

فيجمع ما بينهما بالتخيير المقتضى للجواز دفعا لقيد المنع من الترك من ادلة الوجوب.

و قيد المنع من الفعل، من ادلة الحرمة

______________________________

على حرمتها) اى الولاية (فى ذاتها-) اما بناء على عدم الحرمة الذاتية و انما كانت الحرمة لانها توصل الوالى إلى المحرمات- لم يكن تعارض بين الدليلين، كما لا يخفى (و النسبة) بين الدليلين (عموم وجه).

اذ دليل الولاية شامل لما كان بدون الامر بالمعروف.

و دليل الامر بالمعروف شامل لما كان بالولاية.

و مورد التعارض الامر بالمعروف مع الولاية، فانه مجمع ما بين الدليلين.

(فيجمع ما بينهما بالتخيير) فى قبول الولاية و الامر بالمعروف او ترك الامر بالمعروف بترك الولاية (المقتضى للجواز) بالنسبة إلى كل منهما (دفعا لقيد المنع من الترك من ادلة الوجوب) للامر بالمعروف اى لا نقيد وجوب الامر بالمعروف بما كان فيه ترك للولاية.

و الحاصل انه نمنع ان يكون ترك الولاية قيدا للامر بالمعروف.

(و) دفعا ل (قيد المنع من الفعل، من ادلة الحرمة) للولاية اى لا نقيد حرمة الولاية بما لا يكون مقدمة للامر بالمعروف.

و الحاصل: انا نمنع ان يكون فعل الامر بالمعروف قيد الحرمة الولاية فلا تحرم الولاية اذا كانت مقدمة للامر بالمعروف.

ص: 318

و اما الاستحباب فيستفاد حينئذ من ظهور الترغيب فيه فى خبر محمد بن اسماعيل و غيره الّذي هو أيضا شاهد للجمع خصوصا بعد الاعتضاد بفتوى المشهور

و بذلك يرتفع اشكال عدم معقولية الجواز بالمعنى الاخص فى مقدمة الواجب

______________________________

و حاصل مراد الجواهر: انه لو لم نقل- فى مورد اجتماع الولاية و الامر بالمعروف- بالتخيير، لزم اما تقييد دليل الامر بالمعروف، بادلة الولاية، او تقييد ادلة الولاية بدليل الامر بالمعروف.

و لا وجه لتقييد احد الدليلين بالآخر فاللازم ان نقول: بالتزاحم، و التخيير.

ثم قال الجواهر (و اما الاستحباب) الّذي نقول فيه فى مورد التعارض مع انه مقتضى ما ذكرناه من العموم من وجه التخيير (فيستفاد حينئذ من ظهور الترغيب فيه فى خبر محمد بن اسماعيل و غيره الّذي هو أيضا شاهد للجمع) الّذي ذكرناه- بالتخيير-.

اذ لو قدم دليل الامر كان واجبا.

و لو قدم دليل الولاية، كان حراما.

فالاستحباب شاهد للتخيير، فلا تحرم الولاية و لا تجب (خصوصا بعد الاعتضاد بفتوى المشهور) الذين قالوا باستحباب الولاية.

(و بذلك) الّذي ذكرنا من ان القول بالجواز مقتضى الجمع بين دليلى الولاية و الامر بالمعروف (يرتفع اشكال عدم معقولية الجواز بالمعنى الاخص فى مقدمة الواجب) لان مقدمة الواجب واجبة فكيف

ص: 319

ضرورة ارتفاع الوجوب للمعارضة.

اذ عدم المعقولية مسلم فيما لم يعارض فيه مقتضى الوجوب، انتهى.

و فيه ان الحكم فى التعارض بالعموم من وجه، هو التوقف و الرجوع الى الاصول، لا التخيير- كما قرر فى محله-.

و مقتضاها إباحة الولاية للاصل، و وجوب الامر بالمعروف

______________________________

تقولون ان الولاية التى هى مقدمة الامر بالمعروف ليست بواجبة؟ (ضرورة ارتفاع الوجوب) هنا عن الولاية (للمعارضة) بالحرمة الذاتية الموجودة فى الولاية.

(اذ عدم المعقولية) لجواز مقدمة الواجب (مسلم فيما لم يعارض فيه مقتضى الوجوب) مع مقتضى الحرمة.

اما مع التعارض فالجواز معقول- كما عرفت- (انتهى) كلام الجواهر.

(و فيه ان الحكم فى التعارض بالعموم من وجه، هو التوقف و الرجوع الى الاصول) العملية (لا التخيير- كما قرر فى محله-) من الاصول.

فاذا قال المولى اكرم العلماء و لا تكرم الفساق، فالعالم الفاسق و هو مورد التعارض يتوقف فيه، و اذا لم نظفر بمرجح، يجب الرجوع إلى الاصول العملية من الاستصحاب ان كان، و الا فالبراءة، مثلا.

(و مقتضاها) اى مقتضى قاعدة الرجوع إلى الاصول فى مورد التعارض فى باب العموم من وجه- (إباحة الولاية، للاصل) لان دليل التحريم لا يشمل مورد التعارض فاذا شك فى حكم الولاية كان الاصل الاباحة (و وجوب الامر بالمعروف) لان الدليل الشرعى للامر بالمعروف اذا سقط بالمعارضة

ص: 320

لاستقلال العقل به كما ثبت فى بابه.

ثم على تقدير الحكم بالتخيير فالتخيير الّذي يصار إليه عند تعارض الوجوب و التحريم هو التخيير الظاهرى و هو الاخذ باحدهما بالتزام الفعل او الترك، لا التخيير الواقعى

______________________________

فى مورد الاجتماع جاء دور الدليل العقلى و هو يحكم بالوجوب (لاستقلال العقل به كما ثبت فى بابه) فان العقل يرى لزوم تنزيه المجتمع عن القبيح و ذلك بالامر بالمعروف و النهى عن المنكر، و ارشاد الجاهل، و تنبيه الغافل.

(ثم على تقدير) تسليم ما ذكره الجواهر من (الحكم بالتخيير) فى مورد التعارض (فالتخيير الّذي يصار إليه عند تعارض الوجوب و التحريم) كما نحن فيه (هو التخيير الظاهرى) لا الواقعى (و هو الاخذ باحدهما بالتزام الفعل او الترك) كالذى حلف ان يصوم يوم الجمعة، او ان يترك الصيام، ثم شك فى ان متعلق حلفه كان الفعل او الترك، فانه يأتى باحدهما من باب التخيير العقلى الظاهرى (لا التخيير الواقعى).

اذ التخيير الواقعى لا يكون الا فيما كان هناك امر متعلق بكلي له افراد او امر متعلق بشيئين، كخصال الكفارة، و ليس ما نحن فيه اعنى مورد العموم من وجه من هذا القبيل اذ الحكم واقعا اما وجوب الدخول فى الولاية ان كان ملاك الامر بالمعروف اقوى، او حرمة الدخول فى فى الولاية ان كان ملاك الولاية اقوى.

و على هذا فما يظهر من الجواهر من انه قبيل التخيير الواقعى يخفى ما فيه.

ص: 321

ثم المتعارضان بالعموم من وجه، لا يمكن الغاء ظاهر كل منهما مطلقا بل بالنسبة إلى مادة الاجتماع، لوجوب ابقائهما على ظاهرهما فى مادتى الافتراق فيلزمك استعمال كل من الامر و النهى فى ادلة الامر بالمعروف و النهى عن الولاية فى الالزام و الاباحة.

ثم

______________________________

(ثم) ان ما ذكره صاحب الجواهر من الغاء ظاهر كل من الامر بالمعروف و النهى عن الولاية بالنسبة إلى مورد الاجتماع، يستشكل عليه بان لازمه استعمال اللفظ فى اكثر من معنى، و ذلك غير جائز.

و بيان ذلك هو (المتعارضان بالعموم من وجه، لا يمكن الغاء ظاهر كل منهما مطلقا) سواء فى مادة الاجتماع او مادة الافتراق (بل بالنسبة إلى مادة الاجتماع) فقط فاذا قال: اكرم العلماء و لا تكرم الفساق الغينا الوجوب و التحريم بالنسبة إلى العالم الفاسق فقط (لوجوب ابقائهما) اى العامين من وجه (على ظاهرهما فى مادتى الافتراق).

اذ لا تعارض فى مادتى الافتراق كالعالم العادل و الفاسق الجاهل فى المثال-.

و حيث انك اسقطت بالمعارضة دلالة العامين فى مادة الافتراق (فيلزمك استعمال كل من الامر و النهى فى ادلة الامر بالمعروف و النهى عن الولاية فى الالزام) بالنسبة إلى مادة الافتراق (و الإباحة) بالنسبة إلى مادة الاجتماع.

(ثم) هناك اشكال آخر على صاحب الجواهر، حيث ان خبر محمد

ص: 322

دليل الاستحباب اخص لا محالة من ادلة التحريم فيخصص به فلا ينظر بعد ذلك فى ادلة التحريم، بل لا بد بعد ذلك من ملاحظة النسبة بينه و بين ادلة وجوب الامر بالمعروف.

و من المعلوم المقرر فى غير مقام

______________________________

ابن اسماعيل شاهد للجمع، اذ الخبر الدال على الاستحباب اخص من دليل التحريم، فيخصص دليل التحريم بما دل على الاستحباب.

و خبر الاستحباب لا يعارض دليل المقدمة للواجب، اذ الاستحباب طبعى، و المقدمة واجبة بالعرض، فلا تنافى بينهما.

بل اللازم ان نقول: الولاية واجبة لكونها مقدمة، و ان كانت فى نفسها مستحبة، اذ الوجوب المقدمى حاكم على الاستحباب و الكراهة و الاباحة الذاتيات.

فان (دليل الاستحباب) و هو خبر محمد (اخص، لا محالة من ادلة التحريم) للولاية.

فان دليل التحريم يقول: الولاية من قبل الجائر محرمة مطلقا، و دليل الاستحباب يقول: قسم من الولاية عن الجائر مستحب (فيخصص) دليل التحريم (به) اى بدليل الاستحباب (فلا ينظر بعد ذلك) التخصيص (فى ادلة التحريم، بل لا بد بعد ذلك) التخصيص (من ملاحظة النسبة بينه) اى بين دليل الاستحباب (و بين ادلة وجوب الامر بالمعروف).

(و) دليل الوجوب مقدم.

اذ (من المعلوم المقرر فى غير مقام) اى مقامات متعددة من الاصول

ص: 323

ان دليل استحباب الشي ء الّذي قد يكون مقدمة لواجب لا تعارض ادلة وجوب ذلك الواجب فلا وجه لجعله شاهدا على الخروج عن مقتضاها لان دليل الاستحباب مسوق لبيان حكم الشي ء فى نفسه، مع قطع النظر عن الملزمات العرضية، كصيرورته مقدمة لواجب، او مأمورا به لمن تجب اطاعته، او منذورا، و شبهه.

______________________________

و الفقه (ان دليل استحباب الشي ء الّذي قد يكون) ذلك الشي ء (مقدمة لواجب، لا تعارض) دليل الاستحباب (ادلة وجوب ذلك الواجب).

فدليل استحباب الولاية لا يعارض وجوب الامر بالمعروف (فلا وجه ل) كلام صاحب الجواهر من (جعله) اى دليل الاستحباب للولاية (شاهدا على الخروج عن مقتضاها) اى مقتضى ادلة وجوب الامر بالمعروف.

فان الجواهر اسقط وجوب الامر بالمعروف بحرمة الولاية، و جعل دليل استحباب الولاية شاهدا للخروج عن مقتضى وجوب الامر و حرمة الولاية.

و انما قلنا «لا يعارض» (لان دليل الاستحباب مسوق لبيان حكم الشي ء فى نفسه، مع قطع النظر عن الملزمات العرضية) ايجابا (كصيرورته مقدمة لواجب، او مأمورا به لمن تجب اطاعته) كالسيد و الوالد- مثلا- (او منذورا، و شبهه) ككونه متعلق عهد او يمين او شرط، او تحريما ككونه مقدمة حرام، او منهيا عنه، ممن تجب اطاعته، او متعلقا لحلف بتركه.

و كيف كان فعلى ما ذكرنا من وجوب الولاية مقدمة للواجب- بعد ما عرفت من الاشكال فى كلام صاحب الجواهر الّذي قال بجواز الولاية-.

ص: 324

فالاحسن فى توجيه كلام من عبر بالجواز مع التمكن من الامر بالمعروف إرادة الجواز بالمعنى الاعم و من عبر بالاستحباب فظاهره إرادة الاستحباب العينى الّذي لا ينافى الوجوب الكفائى نظير قولهم: يستحب تولى القضاء لمن يثق من نفسه، مع انه واجب كفائى لاجل الامر بالمعروف الواجب كفاية.

او يقال: ان مورد كلامهم: ما اذا لم يكن هناك معروف

______________________________

(فالاحسن فى توجيه كلام من عبر بالجواز) للولاية (مع التمكن) بسبب الولاية (من الامر بالمعروف، إرادة الجواز بالمعنى الاعم) الشامل للوجوب، لا الجواز الّذي هو فى مقابل الوجوب.

(و) اما (من عبر بالاستحباب) للولاية لمن يقدر من الامر بالمعروف (فظاهره إرادة الاستحباب العينى الّذي لا ينافى الوجوب الكفائى).

فهو (نظير قولهم: يستحب تولى القضاء لمن يثق من نفسه، مع انه واجب كفائى) بل قد يكون عينيا اذا انحصر فيه، فانه اراد الاستحباب العينى الّذي لا ينافى الوجوب الكفائى (لاجل الامر بالمعروف الواجب كفاية).

و قد تقرر فى الاصول انه اذا اجتمع الوجوب و الاستحباب، كان الطلب آكد، فلا يلزم اجتماع الحكمين، حتى يقال كيف يمكن اجتماع الضدين؟.

مثل ذلك قولهم صلاة الجماعة مستحبة، و ما اشبه ذلك.

(او يقال) فى توجيه قولهم: يستحب التولى مع انه واجب اذا كان مقدمة للامر بالمعروف (ان مورد كلامهم: ما اذا لم يكن هناك معروف

ص: 325

متروك يجب فعلا الامر به، او منكر مفعول يجب النهى عنه كذلك بل يعلم- بحسب العادة- تحقق مورد الامر بالمعروف و النهى عن المنكر بعد ذلك.

و من المعلوم انه لا يجب تحصيل مقدمتهما قبل تحقق موردهما، خصوصا مع عدم العلم بزمان تحققه.

و كيف كان فلا اشكال فى

______________________________

متروك يجب فعلا الامر به، او منكر مفعول) اى يؤتى به (يجب النهى عنه) اى عن ذلك المنكر (كذلك) اى فعلا (بل يعلم) من يريد الولاية (- بحسب العادة-) اى حسب ما يعرف الانسان من عادة الناس الذين لا يبقون منزهين إلى الاخير (تحقق مورد الامر بالمعروف و النهى عن المنكر بعد ذلك) الحال الحاضر، فان مثل هذه الولاية مستحبة.

(و) ذلك لان (من المعلوم انه لا يجب تحصيل مقدمتهما قبل تحقق موردهما، خصوصا مع عدم العلم بزمان تحققه).

وجه الخصوصية: انه ان كان تحقق المنكر و ترك المعروف معلوم الزمان فى قرب لا يبعد ان يجب تحصيل مقدمة الامر و النهى، من باب المقدمة التهيئية كما قالوا بالنسبة إلى الطهارة قبل الوقت.

اما لو علم بتأخر زمانهما كبعد خمسين سنة، او لم يعلم هل الزمان قريب او بعيد؟ لم يجب تحصيل مقدمتهما، لعدم رؤية العرف الترشح من الواجب الّذي هو هكذا إلى مقدماته.

(و كيف كان) الكلام مع صاحب الجواهر او مع من قبله (فلا اشكال فى

ص: 326

وجوب تحصيل الولاية اذا كان هناك معروف متروك او منكر مركوب يجب فعلا الامر بالاول، و النهى عن الثانى.

الثانى مما يسوغ الولاية الاكراه عليه بالتوعيد على تركها

من الجائر بما يوجب ضررا بدنيا، او ماليا، عليه او على من يتعلق به بحيث يعد الاضرار به اضرارا به و يكون تحمل الضرر عليه شاقا على النفس، كالاب و الولد و من جرى مجريهما.

______________________________

وجوب تحصيل الولاية اذا كان هناك معروف متروك او منكر مركوب يجب فعلا الامر بالاول و النهى عن الثانى) و كان ذلك مما يتوقف على الولاية و لم تكن الولاية مستلزمة لمحرمات اخر- غير حرمة ذات الولاية- و إلا لزم اعمال قواعد باب التزاحم.

فقد تجب الولاية و ان استلزم المنكر كما لو توقف عليها حفظ البلاد و العباد.

و قد تحرم اذا كانت المحرمات المترتبة على الولاية اعظم من المنكر المركوب او المعروف المتروك.

(الثانى) من المستثنيات (مما يسوغ الولاية) من قبل الجائر (الاكراه عليه بالتوعيد على تركها من الجائر، بما يوجب ضررا بدنيا، او) ضررا (ماليا، عليه او على من يتعلق به) من الاولاد و الاهل و الاقارب و الاصدقاء (بحيث يعد الاضرار به) اى بذلك المتعلق (اضرارا به) اى بالمكره عليه (و يكون تحمل الضرر عليه شاقا على النفس، كالاب و الولد و من جرى مجريهما) من سائر الاقرباء و الاصدقاء.

ص: 327

و هذا مما لا اشكال فى تسويغه ارتكاب الولاية المحرمة فى نفسها لعموم قوله تعالى: إِلّٰا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً فى الاستثناء عن عموم: لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ.

و النبوى (ص): رفع عن امتى ما اكرهوا عليه.

و قولهم عليهم السلام: التقية فى كل ضرورة، و ما من شي ء الا و قد احله الله لمن اضطر إليه، الى غير ذلك مما لا يحصى كثرة من العمومات و ما يختص بالمقام.

______________________________

(و هذا مما لا اشكال فى تسويغه) اى تجويزه (ارتكاب الولاية المحرمة فى نفسها) «ارتكاب» مفعول «تسويغ» (لعموم قوله تعالى: إِلّٰا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً) اى تقية (فى الاستثناء عن عموم: لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ) مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّٰهِ فِي شَيْ ءٍ.

و الآية و ان كانت فى تولى المؤمن للكافر، الا ان المفهوم منها و لو بالمناط جواز ارتكاب سائر المحرمات خوفا و تقية.

(و النبوى (ص): رفع عن امتى ما اكرهوا عليه) فانه يشمل المعاملة المكره عليها، و المحرم المكره عليه، فانه لا أثر للاولى، و لا حرمة للثانى.

(و قولهم عليهم السلام: التقية فى كل ضرورة، و ما من شي ء إلا و قد احله الله لمن اضطر إليه، الى غير ذلك) من الروايات (مما لا يحصى كثرة من العمومات) الشاملة للمقام بعمومها (و ما يختص بالمقام) من الخصوصيات.

ص: 328

و ينبغى التنبيه على امور:
الأول: انه كما يباح بالاكراه نفس الولاية المحرمة، كذلك يباح به ما يلزمها المحرمات الاخر،

و ما يتفق فى خلالها مما يصدر الامر به من السلطان الجائر ما عدا اراقة الدم اذا لم يمكن التفصي عنه و لا اشكال فى ذلك، انما الاشكال فى ان ما يرجع إلى الاضرار بالغير من: نهب الاموال، و هتك الاعراض و غير ذلك من العظائم، هل تباح كل ذلك بالاكراه؟ و لو كان الضرر المتوعد به على ترك

______________________________

(و ينبغى التنبيه على امور) (الاول: انه كما يباح ب) سبب (الاكراه نفس الولاية المحرمة) لكونها من قبل الجائر (كذلك يباح به) اى بالاكراه (ما يلزمها من المحرمات الاخر و ما يتفق فى خلالها) اى خلال الولاية، و اثنائها (مما يصدر الامر به من السلطان الجائر) «و ما يتفق» بيان «ما يلزمها» (ما عدا اراقة الدم) المحرم، فانه لا يجوز بالولاية و ان كان الشخص مضطرا عليه مكرها إليه

و انما يجوز سائر المحرمات (اذا لم يمكن التفصي عنه) اذ لا يصدق الاكراه مع امكان التفصي، و عدم جواز اراقة الدم، لما ورد من قوله عليه السلام: لا تقية فى الدماء (و لا اشكال فى ذلك) الّذي ذكرناه من جواز العمل بالمحرم عند الاكراه، فى الجملة.

و (انما الاشكال فى ان ما يرجع إلى الاضرار بالغير من: نهب الاموال، و هتك الاعراض، و غير ذلك من العظائم) اى المحرمات العظيمة (هل تباح كل ذلك بالاكراه؟ و لو كان الضرر المتوعد به على ترك

ص: 329

المكره عليه اقل بمراتب من الضرر المكره عليه كما اذا خاف على عرضه من كلمة خشنة لا تليق به فهل يباح ذلك اعراض الناس و اموالهم و لو بلغت ما بلغت كثرة و عظمة، أم لا بد من ملاحظة الضررين، و الترجيح بينهما وجهان.

من: اطلاق ادلة الاكراه، و ان الضرورات تبيح المحظورات.

و من ان المستفاد من ادلة الاكراه تشريعه

______________________________

المكره عليه اقل بمراتب من الضرر المكره عليه).

و ذلك (كما اذا خاف على عرضه من كلمة خشنة لا تليق) تلك الكلمة (به فهل يباح بذلك) اى بإرادة التجنب عن تلك الكلمة (اعراض الناس و اموالهم و لو بلغت ما بلغت كثرة و عظمة، أم) لا؟ تباح بمثل الكلمة كل ذلك، بل (لا بدّ من ملاحظة الضررين) ضرره و ضرر الناس (و الترجيح بينهما).

فان كان ضرره اعظم قدم ضرر الغير.

و ان كان ضرر الغير اعظم قدم ضرر نفسه.

مثلا لو دار الامر بين ان يقتله الجائر او ينهب مال زيد، قدم نهب مال زيد و لو دار الامر بين ان ينهب الجائر ماله و يبيح عرض المرأة المسلمة قدم نهب مال نفسه (وجهان) اى احتمالان ابتداء.

(من: اطلاق ادلة الاكراه و ان الضرورات تبيح المحظورات) هذا وجه الجواز مطلقا.

(و من ان المستفاد من ادلة الاكراه تشريعه) اى تشريع رفع الحكم

ص: 330

لدفع الضرر.

فلا يجوز دفع الضرر بالاضرار بالغير و لو كان ضرر الغير ادون فضلا على ان يكون اعظم.

و ان شئت قلت: ان حديث رفع الاكراه و دفع الاضطرار مسوق للامتنان على جنس الامة و لا حسن فى الامتنان على بعضهم بترخيصه فى الاضرار بالبعض الآخر.

فاذا توقف دفع الضرر عن نفسه على الاضرار بالغير لم يجز

______________________________

بالاكراه (لدفع الضرر) بقول مطلق.

(فلا يجوز دفع الضرر بالاضرار بالغير) اطلاقا (و لو كان ضرر الغير ادون) و اقل كما لو دار بين ان يأخذ من ماله عشرة دنانير او من مال الغير دينارا واحدا (فضلا على ان يكون) ضرر الغير (اعظم) من ضرر نفسه.

(و ان شئت قلت: ان حديث رفع الاكراه و دفع الاضطرار مسوق للامتنان على جنس الامة) لا على كل فرد فرد، فيشمل الدليل المكره و سائر الناس- على حد سواء- (و لا حسن) و لا امتنان- على جنس الامة- (فى الامتنان على بعضهم) كالمكره- بالفتح- (بترخيصه) اى المكره بالفتح- (فى الاضرار بالبعض الآخر).

إذ أى امتنان على جنس الامة بان يرخص زيدا ان يضر عمروا، فانه امتنان على زيد لا على جنس الامة- كما لا يخفى-.

(فاذا توقف دفع الضرر عن نفسه على الاضرار بالغير لم يجز) هذا

ص: 331

و وجب تحمل الضرر هذا.

و لكن الاقوى هو الاول، لعموم دليل نفى الاكراه لجميع المحرمات حتى الاضرار بالغير ما لم يبلغ الدم، و عموم نفى الحرج.

فان الزام الغير تحمل الضرر، و ترك ما اكره عليه حرج.

و قوله صلى الله عليه و آله: انما جعلت التقية لتحقن بها الدماء فاذا بلغ الدم فلا تقية حيث انه دل على ان حد التقية بلوغ الدم فتشرع لما عداه

______________________________

القسم من الاضرار (و وجب تحمل الضرر) و ان كان ضرر نفسه اكثر من الضرر بالغير.

و (هذا) وجه الاحتمال الثانى- حيث قلنا: وجهان-.

(و لكن الاقوى) لدى المصنف رحمه الله (هو الاول) بجواز الاضرار بالغير، و ان كان الضرر المتوجه إلى نفس المكره- بالفتح- اقل (لعموم دليل نفى الاكراه لجميع المحرمات حتى الاضرار بالغير ما لم يبلغ الدم) اى القتل، لا الجرح و ما اشبه (و عموم) دليل (نفى الحرج) فى قوله سبحانه «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ».

(فان الزام الغير) كالوالى من قبل الجائر (تحمل الضرر) بنفسه (و ترك ما اكره عليه) من الاضرار بالغير (حرج) فهو مرفوع فى الشريعة.

(و قوله صلى الله عليه و آله: انما جعلت التقية لتحقن بها الدماء فاذا بلغ الدم فلا تقية) انما يدل هذا الحديث على جواز الاضرار بالغير اتقاء (حيث انه دل على ان حدّ التقية بلوغ الدم، فتشرع) التقية (لما عداه).

ص: 332

و اما ما ذكر من استفادة كون نفى الاكراه لدفع الضرر فهو

______________________________

فيجوز للانسان ان يتقى من الظالم بظلم الغير، بان يظلم الغير حتى ينجو من ان يظلمه الظالم.

لكن لا يخفى الجواب عن ذلك كله، فان ادلة الاكراه و الضرر و الحرج و التقية حيث شرعت للامة، لم تشمل بعض الامة دون البعض.

فكلها مرفوعة اذا لم يكن ضرر، او حرج او ما اشبه على الغير.

و الا فلا وجه لرفع الحكم بالنسبة إلى شخص دون آخر، بل لا دليل على جواز ايقاع الضرر بالغير، و ان كان ذلك اخف من الضرر المتوجه الى النفس، الا اذا علمنا من الشارع اهمية فى ذلك.

كما لو قال الجائر: اضرب زيدا صفعا، و الا زنيت بمحارمك.

اما لو قال: اضربه صفعا و إلا ضربتك عشرا لم يكن دليل على جواز صفع الغير، بل اطلاقات و عمومات التحريم شاملة للمقام.

و حيث ان مهمة البحث خارجة عن وضع الشرح، فكل الكلام يرجع الى المفصلات.

(و اما ما ذكر) فى وجه عدم جواز الاضرار بالغير لدفع الضرر عن النفس، الا اذا كان الضرر المتوجه إلى النفس فى نظر الشارع بحيث يلزم دفعه، و لو بالاضرار بالغير، كما تقدم فى مسألة دوران الامر بين صفع الغير و الزنا بالمحارم (من استفادة كون نفى الاكراه لدفع الضرر).

فاذا كان هناك ضرر على كل تقدير، اما ضرر الشخص او ضرر الآخر لا يشمله دليل نفى الاكراه، بل يلزم تحمل المكره- بالفتح- الضرر (فهو

ص: 333

مسلم بمعنى دفع توجه الضرر و حدوث مقتضيه لا بمعنى دفع الضرر المتوجه بعد حصول مقتضيه.

بيان ذلك انه اذا توجه الضرر إلى شخص بمعنى حصول مقتضيه، فدفعه عنه بالاضرار بغيره غير لازم، بل غير جائز فى

______________________________

مسلم بمعنى دفع توجه الضرر و حدوث مقتضيه).

فلا يجوز ان يعمل الشخص عملا يسبب توجه الضرر إلى الغير (لا بمعنى دفع الضرر المتوجه بعد حصول مقتضيه).

فاذا توجه الضرر إلى الغير، لا يجب على الشخص ان يعمل عملا يسبب صرف الضرر عنه.

فكما انه لا يجب ان يقطع الانسان طريق الاسد الضارى اذا توجه إلى زيد كذلك لا يجب ان يجلب الانسان اذى الجائر إلى نفسه، حيث امره بالاضرار بالغير.

اذ: اضرار الشخص بالغير، من قبيل توجه الاسد.

منتهى الامر، ان الشخص طريق نفوذ الضرر من الجائر إلى زيد، كما ان الاسد طريق الضرر إلى زيد.

(بيان ذلك) الفرق بين دفع الضرر المتوجه إلى الغير الّذي لا يجب و بين دفع توجيه الضرر إلى الغير الّذي لا يجب، فلا يجب دفع الاسد، و لكن يجب عدم توجيه الاسد (انه اذا توجه الضرر إلى شخص بمعنى حصول مقتضيه) كما اذا توجه الاسد إلى زيد ليفترسه (فدفعه عنه بالاضرار بغيره) كان يوجه خالد الاسد إلى بكر، لينجو زيد (غير لازم، بل غير جائز فى

ص: 334

الجملة فاذا توجه ضرر على المكلف باجباره على مال و فرض ان نهب مال الغير دافع له، فلا يجوز للمجبور نهب مال غيره لدفع الضرر عن نفسه.

و كذلك اذا اكره على نهب مال غيره، فلا يجب تحمل الضرر بترك النهب، لدفع الضرر المتوجه إلى الغير.

و توهم انه كما يسوغ النهب فى الثانى لكونه مكرها عليه، فيرتفع حرمته كذلك يسوغ

______________________________

الجملة).

نعم ربما يجوز فيما اذ علمنا من الشارع اهمية احد الضررين كما اذا توجه الزانى إلى امرأة شريفة بالزنا، و انا اتمكن من صرفه عنها إلى شخص يصفعه فقط، فانه يجوز الصرف بل يجب.

و على هذا (فاذا توجه ضرر على المكلف باجباره على مال) بان قال الجائر لمحمد: ادفع إلى الف دينار (و فرض ان نهب مال الغير) و اعطائه للجائر- مثلا- (دافع له) لان الجائر يريد المال، سواء من المجبور او من المنهوب منه (فلا يجوز للمجبور نهب مال غيره لدفع الضرر عن نفسه) اذ لا يجوز اضرار الغير.

(و كذلك اذا اكره على نهب مال غيره، فلا يجب) على المجبور (تحمل الضرر) بنفسه (بترك النهب، لدفع الضرر المتوجه إلى الغير) بان يدفع الى الجائر من مال نفسه ليسلم مال غيره.

(و توهم انه كما يسوغ النهب فى الثانى) فيما اذا اكره على نهب مال غيره (لكونه مكرها عليه فيرتفع حرمته) بدليل الاكراه (كذلك) النهب (يسوغ

ص: 335

فى الاول لكونه مضطرا إليه، الا ترى انه لو توقف دفع الضرر على محرم آخر غير الاضرار بالغير- كالافطار فى شهر رمضان، او ترك الصلاة، او غيرهما ساغ له ذلك المحرم.

و بعبارة اخرى: الاضرار بالغير من المحرمات، فكما يرتفع حرمته بالاكراه، كذلك يرتفع بالاضطرار لان نسبة الرفع إلى ما اكرهوا عليه، و ما

______________________________

فى الاول) فيما اذا اراد الجائر ان يأخذ ماله، فنهب مال غيره.

و انما يجوز (لكونه مضطرا إليه، الا ترى انه لو توقف دفع الضرر على محرم آخر- غير الاضرار بالغير- كالافطار فى شهر رمضان، او ترك الصلاة، او غيرهما ساغ له ذلك المحرم).

توضيحه: ان الاضرار بالغير حرام، و افطار شهر رمضان حرام.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 3، ص: 336

فكما اذا توقف بقاء مال الشخص على افطار شهر رمضان- كما اذا غرق اثاثه و توقف انقاذه على ان يشرب الماء للتقوى على الانقاذ- جاز الافطار، لدليل الاضطرار، كذلك اذا توقف بقاء مال الشخص على الاضرار بالغير بنهب ماله، فاذا اجبره الجائر على ان يدفع بنفسه الف دينار، صح له ان ينهب الألف من مال غيره و يعطيه للجائر ليسلم مال نفسه.

(و بعبارة اخرى: الاضرار بالغير من المحرمات، فكما يرتفع حرمته بالاكراه، كذلك يرتفع) حرمته (بالاضطرار) من غير فرق بين ان يكون الاضطرار لتخليص نفسه او لتخليص ماله، او ما اشبه (لان نسبة الرفع) فى حديث «رفع عن امتى تسع» (الى ما اكرهوا عليه، و ما

ص: 336

اضطروا إليه على حد سواء مدفوع بالفرق بين المثالين فى الصغرى بعد اشتراكهما فى الكبرى المتقدمة- و هى ان الضرر المتوجه إلى شخص لا يجب دفعه بالاضرار بغيره- بان الضرر فى الاول متوجه إلى نفس الشخص.

فدفعه عن نفسه بالاضرار بالغير

______________________________

اضطروا إليه على حد سواء).

لكن هذا التوهم (مدفوع بالفرق بين المثالين).

الاول ما اذا اجبره الجائر بان يدفع مال نفسه إلى الجائر.

و الثانى: ما اذا اجبره بان يدفع مال غيره إلى الجائر، حيث قلنا:

نحن انه يجوز فى الثانى ان ينهب مال غيره، و لا يجوز نهب مال غيره فى الاول، ليسلم به مال نفسه (فى الصغرى) اى فى كون الاول ليس من موضوع الاضطرار إلى نهب مال الغير، بخلاف الثانى فانه من موضوع الاكراه فى نهب مال غيره (بعد اشتراكهما) اى المثالين (فى الكبرى المتقدمة- و هى ان الضرر المتوجه إلى شخص لا يجب دفعه بالاضرار بغيره-).

يعنى هذه الكبرى مسلمة فى المثالين، و انما الاختلاف فى الصغرى.

و الفرق بين المثالين انما هو (بان الضرر فى الاول) و هو ما اكره الجائر بان يدفع مال نفسه إلى الجائر (متوجه إلى نفس الشخص) المكره بالفتح-.

(فدفعه عن نفسه بالاضرار بالغير) بان ينهب مال غيره ليعطيه

ص: 337

غير جائز.

و عموم: رفع ما اضطروا إليه، لا يشمل الاضرار بالغير المضطر إليه لانه مسوق للامتنان على الامة.

فترخيص بعضهم فى الاضرار بالآخر لدفع الضرر عن نفسه، و صرف الضرر عن نفسه إلى غيره مناف للامتنان بل يشبه الترجيح بلا مرجح.

فعموم: ما اضطروا إليه- فى حديث الرفع- مختص بغير الاضرار بالغير

______________________________

مكان مال نفسه (غير جائز).

(و عموم: رفع ما اضطروا إليه، لا يشمل الاضرار بالغير المضطر إليه) اى دليل رفع الاضطرار لا يقول: ضر بالغير دفعا للضرر المتوجه إلى نفسك (لانه مسوق للامتنان على الامة) جمعاء.

(فترخيص) الشارع (بعضهم فى الاضرار بالآخر لدفع الضرر عن نفسه، و) بعبارة اخرى (صرف الضرر عن نفسه إلى غيره مناف للامتنان).

فان الشارع اراد عدم ضرر الامة، لا انه اراد عدم ضرر فرد و لو بضرر فرد آخر.

فاذا اجاز ان يضر زيد عمروا دفعا للضرر المتوجه إلى زيد كان خلاف الامتنان بالنسبة إلى عمرو (بل يشبه الترجيح بلا مرجح).

فأي مرجح لضرر عمرو، على ضرر زيد.

و من هنا يعلم الفرق بين دفع الضرر بالافطار و بين دفع الضرر بالاضرار بالغير (فعموم: ما اضطروا إليه- فى حديث الرفع- مختص بغير الاضرار بالغير

ص: 338

من المحرمات.

و اما الثانى فالضرر فيه أولا و بالذات متوجه إلى الغير بحسب الزام المكره- بالكسر- و ارادته الحتمية، و المكره- بالفتح- و ان كان مباشرا، الا انه ضعيف، لا ينسب إليه توجيه الضرر إلى الغير، حتى يقال انه اضر بالغير، لئلا يتضرر نفسه.

نعم لو تحمل الضرر و لم يضر بالغير فقد صرف الضرر عن الغير إلى نفسه عرفا

______________________________

من) سائر (المحرمات).

و الحاصل كل محرم يجوز ارتكابه للاضطرار، الا المحرم الّذي هو الاضرار بالغير.

(و اما الثانى) و هو ما اذا اجبر الجائر شخصا، بان ينهب مال غيره- فانه جائز- لما ذكره رحمه الله بقوله: (فالضرر فيه أولا و بالذات متوجه إلى الغير بحسب الزام المكره- بالكسر- و ارادته الحتمية) لانه يقول لزيد: انهب مال عمرو (و المكره- بالفتح- و ان كان مباشرا) للنهب، لكنه ليس بفاعل للحرام، و لا ضامن (الا انه ضعيف، لا ينسب إليه توجيه الضرر إلى الغير، حتى يقال: انه اضر بالغير، لئلا يتضرر نفسه).

و قد قرروا فى مسألة القتل و ما اشبه: ان المباشر اذا كان ضعيفا كالطفل و المجنون و ما اشبه، كان القاتل هو السبب، لا المباشر.

(نعم لو تحمل) المكره- بالفتح- (الضرر) بنفسه بان لم يطع المكره بالكسر- حتى سبب مخالفته ان يورد عليه الضرر (و لم يضر بالغير فقد صرف الضرر عن الغير إلى نفسه عرفا) اى ان الصرف عرفى، و الا ففى

ص: 339

لكن الشارع لم يوجب هذا.

و الامتنان بهذا على بعض الامة لا قبح فيه.

كما انه لو اراد ثالث الاضرار بالغير لم يجب على الغير تحمل الضرر و صرفه عنه إلى نفسه.

______________________________

الحقيقة تحمل الضرر بنفسه.

(لكن الشارع لم يوجب هذا) الصرف، بل اجاز ايراد الضرر بالغير فيما اذا تضرر هو بنفسه لو لم يطع الجائر.

(و الامتنان بهذا) النحو- بان لا يلزم ان يصرف الضرر إلى النفس- (على بعض الامة) دون بعض، كالامتنان على المكره- بالفتح- دون مورد الضرر (لا قبح فيه) حتى يقال: كيف يمن الشارع على بعض الامة دون بعض.

(كما انه لو أراد) شخص (ثالث الاضرار بالغير) كما لو اراد خالد الاضرار بزيد (لم يجب على الغير) كعمرو (تحمل الضرر و صرفه عنه)- كزيد فى المثال- (الى نفسه).

لكن لا يخفى الفرق بين المقامين، ففى ما لو توجه الضرر إلى الغير ليس هذا الشخص هو الضّار، و انما على الضار اثمه، اما فيما لو اضر هذا الشخص الغير باكراه الجائر كان هو المباشر للضرر.

و لا وجه لان يرجح ضرر غيره على ضرر نفسه، خصوصا على الكيفية التى ذكرها المصنف من قوله: بالغا ما بلغ، فلعل عدم جواز هذا القسم من البديهيات.

ص: 340

هذا كله مع ان ادلة نفى الحرج كافية فى الفرق بين المقامين فانه لا حرج فى ان لا يرخص الشارع فى دفع الضرر عن احد بالاضرار بغيره، بخلاف ما لو الزم الشارع الاضرار على نفسه لدفع الضرر المتوجه إلى الغير، فانه حرج قطعا.

الثانى: ان الاكراه يتحقق بالتوعد بالضرر على ترك المكره عليه

ضررا

______________________________

(هذا كله مع ان ادلة نفى الحرج) كقوله سبحانه: مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (كافية فى الفرق بين المقامين).

مقام ما لو توجه الضرر إلى زيد فدفعه بالاضرار بعمرو.

و مقام ما لو توجه الضرر إلى عمرو ابتداءً- مثلا- حيث ذكرنا ان الاول لا يجوز، و الثانى يجوز (فانه لا حرج فى ان لا يرخص الشارع فى دفع الضرر عن احد)- كزيد فى المثال- (بالاضرار بغيره)- كعمرو فى المثال-.

كان يقول الشارع يا زيد المتوجه أليك الضرر، اذا اراد الجائر منك الف دينار، لا يجوز لك ان تنهب مال عمرو لدفع الضرر عن نفسك (بخلاف ما لو الزم الشارع الاضرار على نفسه لدفع الضرر المتوجه إلى الغير) كان يقول يا زيد اذا اجبرك الجائر ان تنهب مال عمرو، فاللازم عليك ان تخالفه، و ان سببت المخالفة ان يضر الجائر بك (فانه حرج قطعا).

هذا تمام الكلام فى التنبيه الاول.

التنبيه (الثانى: ان الاكراه يتحقق بالتوعد بالضرر على ترك المكره عليه).

كان يقول ان لم تفعل كذا لضربتك، سواء كان (ضررا

ص: 341

متعلقا بنفسه او ماله او عرضه او باهله ممن يكون ضرره راجعا إلى تضرره و تألمه

و اما اذا لم يترتب على ترك المكره عليه الا الضرر على بعض المؤمنين ممن يعد اجنبيا من المكره- بالفتح-.

فالظاهر: انه لا يعد ذلك اكراها عرفا.

اذ لا خوف له يحمله على فعل ما امر به.

و بما ذكرنا من اختصاص الاكراه بصورة خوف لحوق الضرر بالمكره نفسه او بمن يجرى مجراه كالاب و الولد صرح فى الشرائع و التحرير و الروضة و غيرها

______________________________

متعلقا بنفسه) كالضرب (او ماله) كالنهب (او عرضه) كالسب (او باهله) كايذاء احدهم او هتكهم (ممن يكون ضرره راجعا إلى تضرره) «ممن» بيان «اهل» (و تألمه) الضمير راجع إلى المكره- بالفتح-.

(و اما اذا لم يترتب على ترك المكره عليه الا الضرر على بعض المؤمنين ممن يعد اجنبيا من المكره- بالفتح-) كما اذا قال الجائر ان لم تفعل كذا لضربت انسانا مسلما، لا علاقة بينه و بين ذلك المسلم.

(فالظاهر: انه لا يعد ذلك اكراها عرفا).

(اذ لا خوف له) اى المخاطب الجائر (يحمله على فعل ما امر به) الجائر (و بما ذكرنا من اختصاص الاكراه بصورة خوف لحوق الضرر بالمكره) بالفتح- (نفسه، او بمن يجرى مجراه) اى مجرى المكره- بالفتح- (كالاب و الولد) بل و الصديق و من اشبه ممن له علاقة بالمكره- بالفتح- (صرح فى الشرائع، و التحرير، و الروضة، و غيرها) هذا كله من جهة صدق الاكراه، و عدم صدقه.

ص: 342

نعم لو خاف على بعض المؤمنين، جاز له قبول الولاية المحرمة، بل غيرها من المحرمات الالهية التى اعظمها التبرى من ائمة الدين لقيام الدليل على وجوب مراعات المؤمنين، و عدم تعريضهم للضرر.

مثل: ما فى الاحتجاج عن امير المؤمنين عليه السلام قال و لئن تبرأ منا ساعة بلسانك و انت موال لنا بجنانك لتقى على نفسك روحها الّذي هو قوامها

______________________________

(نعم لو خاف على بعض المؤمنين، جاز له قبول الولاية المحرمة، بل) و (غيرها من المحرمات الالهية التى اعظمها التبرى من ائمة الدين)

لكن لا يخفى لزوم المقايسة بين الضررين، لان ترجيح فعل الحرام على ما يريده الجائر، يلزم ان يكون ما يريده الجائر اهم.

مثلا: لو قال الجائر: اشرب الخمر و الا صفعت زيدا صفعة واحدة لم يجز شرب الخمر.

و كذلك بالنسبة إلى ادلة الاكراه، كما لو قال: اشرب و إلا ضربت ابنك صفعة واحدة، كما تقدمت الاشارة إلى ذلك.

و انما نقول بقبول الولاية، بل الاتيان بسائر المحرمات لدفع الضرر عن المؤمنين (لقيام الدليل على وجوب مراعات المؤمنين، و عدم تعريضهم للضرر) الشامل لمثل هذا التعريض.

(مثل: ما فى الاحتجاج عن امير المؤمنين عليه السلام قال) عليه السلام (لئن تبرأ منا ساعة بلسانك) لاكراه الجائر اياك (و انت موال لنا بجنانك لتقى) اى تحفظ (على نفسك روحها) لئلا تقتل (الّذي هو قوامها) اى قوام النفس.

ص: 343

و مالها الّذي به نظامها.

و جاهها الّذي به تمسكها.

و تصون من عرف بذلك من اوليائنا و اخوانك فان ذلك افضل من ان تتعرض للهلاك، و تنقطع به عن عملك فى الدين.

و صلاح اخوانك المؤمنين.

و اياك ثم اياك ان تترك التقية التى امرتك بها فانك شائط بدمك و دماء

______________________________

(و) لتقى على نفسك (مالها الّذي به) اى بذلك المال (نظامها) اى نظم امور معاش النفس.

(و) لتقى على نفسك (جاهها) و مكانتها الاجتماعية (الّذي به تمسكها) فان امساك النفس فى الاجتماع فى مكانة تسبب استقامة امور الانسان من لوازم الانسان.

(و تصون) اى تحفظ- و هذا هو محل الشاهد فى الحديث- (من عرف بذلك) التولى لنا (من اوليائنا و اخوانك) فى الولاية (فان ذلك افضل من ان تتعرض للهلاك، و تنقطع به) اى بالهلاك الّذي يحل عليك من الجائر اذا لم تطعه فى السبب و البراءة (عن عملك فى الدين) فان الانسان اذا قتل، لم يتمكن من اقامة الامور الدينية.

(و صلاح اخوانك المؤمنين) فان المصلح اذا قتل لا يتمكن بعد ذلك من الاصلاح.

(و اياك ثم اياك) تاكيد للتحذير (ان تترك التقية التى امرتك بها، فانك) ان تركت التقية (شائط) و مبطل (بدمك و دماء

ص: 344

اخوانك معرض بنعمتك و نعمتهم للزوال مذل لهم فى ايدى اعداء دين الله، و قد امرك باعزازهم، فانك ان خالفت وصيتى كان ضررك على اخوانك و نفسك اشد من ضرر الناصب لنا الكافر بنا الحديث.

لكن لا يخفى انه لا يباح بهذا النحو من التقية الاضرار بالغير لعدم شمول ادلة الاكراه لهذا.

لما عرفت من عدم تحققه مع عدم لحوق ضرر بالمكره و لا بمن يتعلق به

______________________________

اخوانك) فانه اذا لم يتق الانسان كثيرا ما يعرض اخوانه للهلاك.

و (معرض بنعمتك) من الصحة و المال و الحرية و ما اشبه (و نعمتهم للزوال مذل لهم) و لنفسك- احيانا- (فى ايدى اعداء دين الله، و) الحال انه (قد امرك) الله (باعزازهم، فانك ان خالفت وصيتى) فى ترك التقية (كان ضررك على اخوانك و نفسك اشد من ضرر الناصب لنا) عداوته (الكافر بنا، الحديث).

و وجه الاشدية ان اضرار المحب اشد من اضرار العد و ايلاما للنفس (لكن لا يخفى انه لا يباح بهذا النحو من التقية الاضرار بالغير) الا اذا كان اهم كما انه لو لم ينهب مال زيد جاء الجائر و نهب اموال الشيعة كلهم.

و انما قلنا: بانه لا يباح (لعدم شمول ادلة الاكراه لهذا) النحو من العمل الموجب لنجاة الآخر.

(لما عرفت من عدم تحققه) اى الاكراه (مع عدم لحوق ضرر بالمكره) بالفتح (و لا بمن يتعلق به) من اهل و اقرباء و اصدقاء

ص: 345

و عدم جريان ادلة نفى الحرج، اذ لا حرج على المأمور لان المفروض تساوى من امر بالاضرار به، و من يتضرر بترك هذا الامر من حيث النسبة إلى المأمور.

مثلا: لو امر الشخص بنهب مال مؤمن، و لا يترتب على مخالفة المأمور به إلا نهب مال مؤمن آخر، فلا حرج حينئذ فى تحريم نهب مال الاول بل تسويغه لدفع النهب عن الثانى قبيح بملاحظة ما علم من الرواية المتقدمة

______________________________

(و عدم جريان ادلة نفى) العسر، و (الحرج) فى المقام (اذ لا حرج على المأمور).

و ذلك (لان المفروض تساوى من امر) الجائر (بالاضرار به، و من يتضرر بترك هذا الامر من حيث النسبة إلى المأمور) بل ان المأمور حيث لا حرج عليه فى ترك امر الجائر، لا يجوز له اطاعة الامر فان الحرج رافع للتكليف، لا اذا لم يكن حرج- كما هو المفروض-.

فالمراد بالتساوى، من حيث الواقع، لا ان التساوى موجب لجواز ارتكاب المأمور المحرم- كما لا يخفى-.

(مثلا: لو امر) الجائر (الشخص بنهب مال مؤمن، و لا يترتب على مخالفة المأمور به) بان لا ينهب ماله (الا نهب) الجائر (مال مؤمن آخر، فلا حرج حينئذ) على المأمور (فى تحريم) الشارع عليه (نهب مال) المؤمن (الاول، بل تسويغه) اى الشارع، المأمور لنهب المؤمن الاول (ل) اجل (دفع النهب عن) المؤمن (الثانى قبيح).

و انما يقبح (بملاحظة ما علم من الرواية المتقدمة) للاحتجاج

ص: 346

من الغرض فى التقية.

خصوصا مع كون المال المنهوب للاول اعظم بمراتب فانه يشبه بمن فرّ من المطر إلى الميزاب بل اللازم فى هذا المقام عدم جواز الاضرار بمؤمن و لو لدفع الضرر الاعظم من غيره.

______________________________

(من الغرض فى التقية).

فان الغرض سلامة الانسان و اخوانه، فاذا لم يسلم الاخ- لغرض انه ينهب ماله- فلا مورد للتقية.

(خصوصا مع كون المال المنهوب للاول) الّذي امر الجائر بنهبه (اعظم) من مال الثانى (بمراتب).

كما لو قال الجائر لزيد: انهب مال عمرو، و كال الف دينار، فاذا لم ينهبه نهب الجائر بنفسه مال خالد الّذي هو مائة دينار (فانه يشبه بمن فر من المطر إلى الميزاب) او كما يقول الشاعر:

المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار

(بل اللازم فى هذا المقام) مقام انه لو لم يضر المأمور بالمؤمن لا ضر الجائر بمؤمن آخر (عدم جواز الاضرار بمؤمن و لو لدفع الضرر الاعظم من غيره).

كما لو قال الجائر: انهب مال زيد و هو مائة و الا لنهبت انا مال خالد و هو الف.

و وجه عدم الجواز: ان ارتكاب الغير للحرام الاعظم لا يوجب ارتكاب الانسان المختار لحرام اصغر فيما اذا دار الامر بين الحرامين.

مثلا: لو علم الانسان انه اذا عاشر الفاحشة دون الزنا، فى ليلة

ص: 347

نعم الا لدفع ضرر النفس فى وجه مع ضمان ذلك الضرر.

______________________________

صرفها عن الزنا الّذي ترتكبه اذا اطلقها، فانه لا يجوز له ارتكاب المعاشرة المحرمة، لاجل تخليص الغير من الزنا الّذي هو اكبر جرما و حرمة.

(نعم) هذه القاعدة- اى عدم جواز ارتكاب الانسان للمحرم الاصغر تخليصا لغيره من المحرم الاكبر- كلية (الا لدفع ضرر النفس فى وجه) قريب

كما لو قال الجائر: انهب مال زيد و إلا قتلته (مع ضمان ذلك الضرر) من الناهب.

اما جواز الارتكاب فلما علم من الشارع لم يرد وقوع القتل فى الخارج لعظم القتل عنده.

و اما وجه الضمان، فللاصل، و خصوص ما دل على ان الحرام المالى اذا ابيح لاجل امر، لا ينتفى الضمان، كأكل مال الناس فى وقت المخمصة و خطاء الحكام، و قتل المسلم المتترس به الكافر، و ما اشبه ذلك.

و السر: ان الدليل انما دل على حلية المحرم و الضمان حكم وضعى لا علاقة له بالاحكام التكليفية، بل لا يبعد تعدى الحكم إلى كل محرم علم من الشارع عدم ارادته فى الخارج.

مثلا: لو اراد جائر الزنا بامرأة عفيفة، و كان بامكان شخص ان يأخذ دينارا بالجبر من شخص، و اعطائه للجائر لتركه الزنا، و هتك الستر كان اللازم ذلك.

و كذلك اذا اراد الجائر قتل زيد، جاز التوسط لديه حتى يضر به عشرة سياط، و يعفو عن قتله، و ان لم يرض زيد بذلك.

ص: 348

و بما ذكرنا ظهر ان اطلاق جماعة لتسويغ ما عدا الدم من المحرمات، بترتب ضرر مخالفة المكره عليه على نفس المكره و على اهله او على الاجانب من المؤمنين لا يخلو من بحث الا ان يريد و الخوف على خصوص نفس بعض المؤمنين، فلا اشكال فى تسويغه لما عدا الدم من المحرمات.

______________________________

و هكذا سائر الامثلة التى هى من هذا القبيل فان الضرورات تبيح المحظورات.

و يؤيده ما تقدم من الموارد، بل و بعض الموارد الاخر، بل لعل قصة موسى و الخضر عليهما السلام فى خرق السفنة من الشواهد على ذلك و تفصيل الكلام خارج عن نطاق الشرح.

(و بما ذكرنا ظهر ان اطلاق جماعة) من الفقهاء (لتسويغ ما عدا الدم من المحرمات، ب) سبب (ترتب ضرر مخالفة المكره عليه)- كنهب المال- (على نفس المكره)- بالفتح- (و على اهله، او على الاجانب من المؤمنين) فيجوز للمكره ان يفعل المحرم لدفع الضرر عن الاجانب من المؤمنين (لا يخلو من بحث).

اذ لا يجوز ارتكاب حرام، لعدم ايقاع الجائر ضررا على المؤمن الّذي لا يرتبط بفاعل الحرام (الا ان يريدوا) هؤلاء الذين اطلقوا (الخوف على خصوص نفس بعض المؤمنين، فلا اشكال فى تسويغه) اى الخوف على نفوس بعض المؤمنين (لما عدا الدم من المحرمات) فيجوز للانسان ارتكاب المحرم، لاجل انقاذ نفس مؤمن من القتل.

ص: 349

اذ لا تعادل نفس المؤمن شي ء، فتأمل.

قال فى القواعد: و تحرم الولاية من الجائر، الا مع عدم التمكن من الامر بالمعروف و النهى عن المنكر، او مع الاكراه بالخوف على النفس او المال، او الاهل، او على بعض المؤمنين، فيجوز ائتمار ما يأمره الا القتل، انتهى.

و لو اراد بالخوف على بعض المؤمنين الخوف على انفسهم دون اموالهم و اعراضهم،

______________________________

(اذ لا تعادل نفس المؤمن شي ء) كما يستفاد من بعض الآيات و الاخبار (فتامل).

حيث ان بعض الشواهد دلت على جواز ارتكاب المحرم، لاجل عدم وقوع المؤمن فى محذور اكبر، كما تقدم مثال نهب دينار، لاجل التحفظ على عرض مسلمة و هكذا.

(قال فى القواعد: و تحرم الولاية من) قبل (الجائر، إلا مع عدم التمكن من الامر بالمعروف و النهى عن المنكر، او مع الاكراه بالخوف) فى ترك الولاية (على النفس، او المال، او الاهل، او على بعض المؤمنين، فيجوز) للوالى من الجائر حين جواز الولاية (ائتمار ما يأمره) اى قبول الامر الّذي يأمره الجائر من ارتكاب المحرمات (الا القتل) فاذا امره بالقتل لم يجز اطاعته (انتهى) كلام العلامة.

(و لو اراد بالخوف على بعض المؤمنين الخوف على انفسهم) بانه اذا لم يقبل الولاية ازهق الجائر نفوس بعض المؤمنين (دون اموالهم و اعراضهم

ص: 350

لم يخالف ما ذكرنا.

و قد شرح العبارة بذلك بعض الاساطين فقال: الا مع الاكراه بالخوف على النفس من تلف او ضرر فى البدن او المال المضر بالحال من تلف او حجب، او العرض من جهة النفس او الاهل، او الخوف- فى ما عدا الوسط- على المؤمنين.

فيجوز حينئذ ايتمار ما

______________________________

لم يخالف) صاحب القواعد (ما ذكرنا).

لكن ان اراد الخوف على الاموال و الاعراض أيضا- خالف ما اخترناه-

(و قد شرح العبارة بذلك) التعميم للخوف إلى النفس و العرض- خلاف ما اخترناه- (بعض الاساطين) اى الشيخ كاشف الغطاء (فقال:

إلا مع الاكراه) الحاصل ذلك الاكراه (بالخوف على النفس من تلف او ضرر فى البدن) كفقس العين، او صلم الاذن، او الجراحات، او ما اشبه (او المال المضر بالحال من تلف) بان يتلف ماله (او حجب) بان يحول الجائر بينه و بين ماله (او العرض من جهة النفس) كالسب، و اللواط به، و الزنا بها، و ما اشبه (او الاهل) بان يهتك الجائر عرض زوجته، او اولاده، او ما اشبه (او الخوف- فى ما عدا الوسط-) الوسط هو المال، و المراد الخوف على النفس او العرض (على بعض المؤمنين) كان يقتل مؤمنا او يزنى بمؤمنة، ممن ليس له علاقة بالمكره- بالفتح-.

(فيجوز حينئذ) اى حين الخوف على النفس و المال و العرض لنفس المكره- بالفتح- او الخوف على النفس او العرض لبعض المؤمنين (ايتمار ما

ص: 351

يأمره، انتهى.

و مراده بما عدا الوسط، الخوف على نفس بعض المؤمنين و اهله.

و كيف كان فهنا عنوانان الاكراه.

و دفع الضرر المخوف عن نفسه، و عن غيره من المؤمنين، من دون اكراه.

و الاول يباح به كل محرم و الثانى ان كان متعلقا بالنفس جاز له كل محرم حتى الاضرار المالى بالغير.

لكن الاقوى استقرار الضمان عليه اذا تحقق سببه لعدم الاكراه المانع عن

______________________________

يأمره) الجائر اى اطاعته فيما يأمره من المحرمات (انتهى) كلام شارح القواعد (و مراده بما عدا الوسط، الخوف على نفس بعض المؤمنين و اهله) و قد تقدم ان المراد بالوسط المال.

(و كيف كان فهنا) فى مسألة جواز قبول الولاية من قبل الجائر (عنوانان) الاول: (الاكراه) من الجائر.

(و) الثانى (دفع الضرر المخوف عن نفسه، و عن غيره من المؤمنين، من دون اكراه) من الجائر، و انما يريد بقبول الولاية دفع الضرر.

(و الاول) الّذي هو الاكراه (يباح به كل محرم، و الثانى) و هو دفع الضرر (ان كان متعلقا بالنفس) له او لسائر المؤمنين (جاز له كل محرم) أيضا (حتى الاضرار المالى بالغير) لانقاذ نفسه او نفس غيره من المؤمنين.

(لكن الاقوى استقرار الضمان عليه اذا تحقق سببه) اى سبب الضمان (لعدم الاكراه المانع عن

ص: 352

الضمان او استقراره.

و اما الاضرار بالعرض بالزنا و نحوه، ففيه تامل.

و لا يبعد ترجيح النفس عليه

______________________________

الضمان).

كما لو بلغ الاكراه حد اسلب معه اختيار المتلف، كما لو اخذ الجائر القوى الجسم يد المكره و ضرب بها زجاج الغير، فكسره، فهنا لا يضمن صاحب اليد، لان المباشر اضعف من السبب، كما ذكروا فى باب الضمانات و الديات (او) المانع عن (استقراره) اى الضمان، على المكره- بالفتح- فانه اذا اخذه شخص آخر- بامر الجائر- و اعطاه للمكره- بالفتح- فاتلفه، كان استقرار الضمان على التالف، و ان ضمن كل من الجائر و الآخذ و التالف.

و الحاصل الضمان هنا موجود، اذ لا وجه لعدم الضمان، و لا وجه لعدم استقرار الضمان.

(و اما الاضرار بالعرض بالزنا و نحوه) كما لو اراد دفع الجائر عن نفسه بهتك عرض المسلم (ففيه تامل).

اى هل يجوز قبول الولاية المستلزمة للزنا تخليصا لنفسه عن الهلاك، أم لا يجوز؟

(و لا يبعد ترجيح النفس عليه) بانه اذا دار الامر بين الزنا و بين اراقة دمه، كان الزنا ارجح من قتل النفس.

لكن يظهر من رواية عن الامام الرضا عليه السلام، ترجيح الزنا عليه

ص: 353

و ان كان متعلقا بالمال فلا يسوغ معه الاضرار بالغير اصلا حتى فى اليسير من المال.

______________________________

بمعنى ترك الزنا، و ان استلزم القتل.

هذا و يحتمل فى عبارة المصنف رحمه الله، ترجيح قتل النفس على الزنا- كما صرح بذلك الرواية عن الامام عليه السلام-.

و لا يخفى ان اقسام الاضرار بالغير لدفع الضرر عن النفس تسعة.

لانه اما دفع الضرر عن النفس او دفع الضرر عن المال او دفع الضرر عن العرض.

و كل قسم من هذه الاقسام اما مستلزم لقتل النفس، او لهتك عرض الناس، او لنهب مالهم.

ذكر المصنف سابقا عدم جواز ثلاثة اقسام منها، و هى دفع الضرر عن النفس او العرض او المال المستلزم لاراقة الدم لقوله عليه السلام لا تقية فى الدماء.

فبقيت ستة اقسام، تعرض المصنف لقسمين منها فى قوله «ان كان متعلقا بالنفس، الى قوله ترجيح النفس عليه».

و اشار إلى القسم الثالث و الرابع بقوله: (و ان كان) الضرر الّذي يريد دفعه (متعلقا بالمال) بان اراد الجائر نهب ماله (فلا يسوغ) لهذا الشخص الّذي طمع فى ماله الجائر (معه) اى مع تعلق الاضرار بماله (الاضرار بالغير اصلا، حتى فى اليسير من المال) فكيف بالعرض.

ص: 354

فاذا توقف دفع السبع عن فرسه بتعريض حمار غيره للافتراس، لم يجز و ان كان متعلقا بالعرض.

ففى جواز الاضرار بالمال مع الضمان، او العرض الاخف من العرض المدفوع عنه، تامل.

______________________________

(فاذا توقف دفع السبع عن فرسه) الّذي يسوى مائة مثلا (بتعريض حمار غيره) الّذي يسوى دينارا- مثلا- (للافتراس، لم يجز).

فكيف اذا توقف كف الظالم عن ماله بتقديم زوجة الغير ليزنى بها مثلا و اشار إلى القسم الخامس و السادس بقوله: (و ان كان) الضرر الّذي يريد دفعه (متعلقا بالعرض) بان اراد الجائر هتك عرضه، فقدم مال غيره للجائر، ليكف عن عرضه، او اقتنع الجائر بقبلة عرض الغير، ليكف عن الزنا بعرض هذا المجبور.

(ففى جواز الاضرار بالمال) للغير لكف الجائر عن عرضه (مع الضمان) لما تقدم من ان الجواز تكليفى، فلا الضمان وضعا- كما هو مقتضى الاصل- (او) الاضرار ب (العرض الاخف من العرض المدفوع عنه) كما عرفت فى مثال القبلة و الزنا (تامل).

من اهمية العرض و خصوصا اذا كان فى مقابله مال يسير، او عرض يسير جدا، فاللازم ان نقول بالجواز.

و من انه لا يجوز للانسان ان يرتكب محرما للدفاع عن محرم يريد غيره ارتكابه، و ان كان محرم غيره عظيما جدا.

ص: 355

و اما الاضرار بالنفس او العرض الاعظم فلا يجوز بلا اشكال هذا.

و قد وقع فى كلام بعض، تفسير: الاكراه بما يعم لحوق الضرر.

قال فى المسالك: ضابط الاكراه المسوغ للولاية: الخوف على النفس، او المال، او العرض عليه، او على بعض المؤمنين، انتهى.

______________________________

(و اما) الدفاع عن العرض ب (الاضرار بالنفس) كان يقتل المجبور انسانا بريئا يسبب عدم هتك عرض نفسه، كما لو اراد الجائر الزنا بزوجته، فاذا قتل الزوج الولد البري ء للجائر اشتغل بامر ولده، فينصرف عن الزنا بزوجته (او العرض الاعظم) كما اذا اراد الجائر قبلة زوجة الرجل، فاذا زنى الرجل بزوجة الجائر البريئة- مثلا- خلص زوجة نفسه عن قبلة الجائر- مثلا- (فلا يجوز بلا اشكال).

لانه لا يجوز الدفاع بارتكاب الاثم الاعظم، عن اثم الغير الاخف.

و لكن لا يخفى وجود الاشكال فى بعض الامثلة و (هذا) الّذي ذكرناه من كون الاكراه عبارة عن لحوق الضرر بالانسان نفسا او مالا او عرضا هو المعنى المستفاد من اللغة و العرف.

(و) لكن (قد وقع فى كلام بعض، تفسير: الاكراه بما يعم لحوق الضرر) بالمكره- بالفتح-.

(قال فى المسالك: ضابط الاكراه المسوغ للولاية: الخوف على النفس، او المال، او العرض عليه) اى على المكره- بالفتح- (او على بعض المؤمنين، انتهى) فانه يفهم من قوله: او على بعض المؤمنين انه لا يلزم فى صدق الاكراه لحوق الضرر بالمكره- بالفتح-.

ص: 356

و يمكن ان يريد بالاكراه: مطلق المسوغ للولاية.

لكن صار هذا التعبير منه رحمه الله منشئا لتخيل غير واحد ان الاكراه المجوز لجميع المحرمات هو بهذا المعنى.

______________________________

(و يمكن ان يريد) الشهيد (بالاكراه: مطلق المسوغ للولاية) سواء سمى اكراها- لغة- أم لا.

(لكن صار هذا التعبير منه رحمه الله منشأ التخيل غير واحد) من الفقهاء (ان الاكراه المجوز لجميع المحرمات هو بهذا المعنى) الشامل لتضرر الغير، و الحال انك قد عرفت ان هذا لا يسمى اكراها لغة و لا يجوز المحرمات، الا فى صورة ان علمنا من الشارع عدم ارادته ذلك الضرر.

كما لو كانت الولاية بحيث توجب نهب مال زيد، و لكن كانت تكف الولاية عن انتهاك عرض الف مسلمة- مثلا-.

ص: 357

قريبا جدا بعونه تعالى سيصدر الجزء الرابع من الكتاب (ايصال الطالب إلى المكاسب) عن قريب إن شاء الله تعالى.

و يبحث فى التنبيه الثالث من تنبيهات الولاية.

ص: 358

محتويات الكتاب

الموضوع/ الصفحة مقدمة الكتاب 3

فى حرمة الغيبة و نقل الاخبار الواردة فيها 4

فى كفارة الغيبة 62

فى ما استثنى من الغيبة 74

فى حرمة استماع الغيبة 114

خاتمة فى بعض ما ورد من حقوق المسلم على اخيه 129

فى حرمة القمار 142

فى حرمة القيادة 172

فى حرمة القيافة فى الجملة 174

فى حرمة الكذب 180

فى حكم التورية 197

فى مسوغات الكذب 206

فى حرمة الكهانة 235

فى حرمة اللهو 251

فى حرمة مدح من لا يستحق المدح 268

ص: 359

الموضوع/ الصفحة فى حرمة اعانة الظالم 271

فى حرمة النجش 286

فى حرمة النميمة 289

فى حرمة النوح بالباطل 294

فى حرمة الولاية من قبل الجائر 296

فى مسوغات الولاية 301

فى تنبيهات الولاية 329

محتويات الكتاب 359

ص: 360

المجلد 4

هویة الکتاب

سرشناسه : حسيني شيرازي، محمد، 1380 - 1305، شارح

عنوان و نام پديدآور : ايصال الطالب الي المكاسب: شرح واف بغرض الكتاب، تيعرض لحل مشكلاته و ابداآ مقاصد في ايجاز و توضيح/ محمد الحسيني الشيرازي

مشخصات نشر : تهران : موسسه كتابسراي اعلمي ، 1385.

مشخصات ظاهري : ج 16

شابك : 964-94017-6-8(دوره): ؛ 964-7860-59-5(ج. 1): ؛ 964-7860-58-7(ج. 2): ؛ 964-7860-57-9(ج. 3): ؛ 964-7860-56-0(ج. 4): ؛ 964-7860-54-4(ج. 6): ؛ 964-7860-53-6(ج. 7): ؛ 964-7860-55-2(ج. 8): ؛ 964-7860-52-8(ج. 9): ؛ 964-7860-51-X(ج. 10): ؛ 964-7860-50-1(ج. 11): ؛ 964-7860-49-8(ج. 12): ؛ 964-7860-45-X(ج. 13): ؛ 964-7860-47-1(ج. 15):

يادداشت : عربي

يادداشت : فهرست نويسي براساس اطلاعات فيپا

يادداشت : كتاب حاضر شرحي بر "المكاسب مرتضي بن محمد امين انصاري" است

عنوان ديگر : المكاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1281 - 1214ق. المكاسب -- نقد و تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

شناسه افزوده : انصاري، مرتضي بن محمدامين ، 1281 - 1214ق. المكاسب. شرح

رده بندي كنگره : BP190/1/الف8م702133 1385

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : م 85-16816

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

[تتمة المكاسب المحرمة]

[تتمة النوع الرابع ما يجرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه]

[تتمة السادسة و العشرون الولاية من قبل الجائر]
[تتمة و ينبغي التنبيه على أمور]
[الثالث: انه قد ذكر بعض مشايخنا المعاصرين انه يظهر من الاصحاب أن فى اعتبار عدم القدرة على التفصي من المكره عليه و عدمه اقوالا]

الثالث: انه قد ذكر بعض مشايخنا المعاصرين انه يظهر من الاصحاب ان فى اعتبار عدم القدرة على التفصي من المكره عليه وعدمه اقوالا ثالثها: التفصيل بين الاكراه على نفس الولاية المحرمة، فلا يعتبر و بين غيرها من المحرمات فيعتبر فيه المعجز عن التفصي و الّذي يظهر من ملاحظة كلماتهم فى باب الاكراه: عدم الخلاف فى اعتبار العجز عن التفصي اذا لم يكن حرجا، و لم يتوقف على ضرركما اذا اكره على اخذ المال من مؤمن فيظهر انه اخذ المال و جعله

______________________________

التنبيه (الثالث) من تنبيهات الولاية (انه قد ذكر بعض مشايخنا المعاصرين انه يظهر من الاصحاب ان فى اعتبار عدم القدرة على التفصي) و التخلص (من المكره عليه) مطلقا (و عدمه) مطلقا (اقوالا ثالثها: التفصيل بين الاكراه على نفس الولاية المحرمة فلا يعتبر) عدم القدرة على التفصي، فاذا قال الوالى: لزيد اقبل الولاية، و الا ضربت ولدك، و كان بامكان زيد انجاء ولده من الضرب بكل سهولة، جاز قبول الولاية المحرمة، لانه مكره عليها، و ان امكنه التفصي و التخلص من المحذور (و بين غيرها) اى غير الولاية (من المحرمات فيعتبر فيه العجز عن التفصي) لتحقق الاكراه.

فلو قال: اشرب الخمر و الا ضربت ولدك و امكنه انجاء الولد لم يجز شرب الخمر (و) لكن (الّذي يظهر من ملاحظة كلماتهم فى باب الاكراه: عدم الخلاف فى اعتبار العجز عن التفصي) فى صدق الاكراه المجوز للحرام مطلقا- (اذا لم يكن) التفصي (حرجا، و لم يتوقف) التفصي (على ضرر)

كما اذا كان فى انجاء ابنه- فى المثال المتقدم- حرج، لانه يوجب سهر الليالى و قطع الفيافى، او ضرر بصرف مال عظيم يضر بحاله.

و مثال ما اذا لم يكن حرج و لا ضرر (كما اذا اكره) زيد- مثلا- من قبل الوالى (على اخذ المال من مؤمن فيظهر انه اخذ المال و جعله

ص: 5

فى بيت المال، مع عدم اخذه واقعا، او اخذه جهرا ثم رده إليه سرا، كما كان يفعله ابن يقطين و كما اذا امره بحبس مؤمن فيدخله فى دار واسعة من دون قيد، و يحسن ضيافته، و يظهر انه حبسه و شدد عليه.

و كذا لا خلاف فى انه لا يعتبر العجز عن التفصي، اذا كان فيه ضرر كثير.

و كان منشأ زعم الخلاف ما ذكره فى المسالك فى شرح عبارة الشرائع مستظهرا منه

______________________________

فى بيت المال، مع عدم اخذه) للمال (واقعا، او اخذه) اى المال من المؤمن (جهرا ثم رده إليه سرا) حتى لا يكون تصرفه فى المال حراما و ان كان اخذه أيضا اذا لم يكن برضاه حرام- كما لا يخفى- (كما كان يفعله ابن يقطين) وزير هارون الطاغى (و كما اذا امره) الجائر (بحبس مؤمن فيدخله فى دار واسعة من دون قيد، و يحسن ضيافته، و يظهر) للجائر (انه حبسه و شدّد عليه) كما يروى ان السجان ليوسف عليه السلام كان يضرب الحائط بالعصى و يظهر يوسف التأوه و الصراخ، ليعلم الملك الجائر انه يضرب يوسف عليه السلام اطاعة له، حيث امر السجان بذلك

(و كذا لا خلاف فى انه لا يعتبر) فى صدق الاكراه (العجز عن التفصي اذا كان فيه) اى فى التفصي (ضرر كثير) كما لو توقف التفصي عن امر الجائر بان يصرف الف دينار- مثلا-.

(و كان منشأ زعم الخلاف) فى المسألة- كما ظهر من شيخنا المعاصر- (ما ذكره فى المسالك فى شرح عبارة الشرائع مستظهرا منه) اى فى حال

ص: 6

خلاف ما اعتمد عليه.

قال فى الشرائع- بعد الحكم بجواز الدخول فى الولاية دفعا للضرر اليسير، مع الكراهة و الكثير بدونها- اذا اكرهه الجائر على الولاية، جاز له الدخول و العمل بما يأمره، مع عدم القدرة على التفصي منه الا فى الدماء المحترمة، فانه لا تقية فيها، انتهى.

قال فى المسالك- ما ملخصه-: ان المصنف ذكر فى هذه المسألة شرطين.

______________________________

كون المسالك استظهر (خلاف ما) اى الفتوى التى (اعتمد عليه) صاحب الشرائع، فان صاحب الشرائع افتى باشتراط العجز عن التفصي، فقال المسالك: و اشتراط العجز عن التفصي غير واضح.

فتوهم شيخنا المعاصر من هذا الكلام ان فى مسألة التفصي خلافا بين الفقهاء، و الحال انه ليس كذلك- كما سيأتى توضيحه-.

(قال فى الشرائع- بعد الحكم بجواز الدخول فى الولاية دفعا للضرر اليسير، مع الكراهة) للدخول ان كان الضرر يسيرا (و) مع الضرر (الكثير بدونها-) اى بدون الكراهة، ما هذا لفظه: (اذا اكرهه الجائر على الولاية، جاز له الدخول) فى الولاية (و العمل بما يأمره، مع عدم القدرة على التفصي منه الا فى الدماء المحترمة فانه لا تقية فيها انتهى) كلام الشرائع.

(قال فى المسالك- ما ملخصه-: ان المصنف ذكر فى هذه المسألة) اى مسألة قبول الولاية من الجائر (شرطين).

ص: 7

الاكراه.

و العجز عن التفصي، و هما متغايران، و الثانى اخص.

و الظاهر: ان مشروطهما مختلف.

فالاول شرط لاصل قبول الولاية.

و الثانى: شرط للعمل بما يأمره.

ثم فرع عليه ان الولاية ان اخذت مجردة عن الامر بالمحرم فلا يشترط

______________________________

الاول (الاكراه) من الجائر.

(و) الثانى (العجز عن التفصي، و هما) اى الشرطان (متغايران و) الشرط (الثانى اخص) فيمكن تحقق الاكراه مع امكان التفصي، و يمكن تحقق الاكراه بدون امكان التفصي.

(و الظاهر: ان مشروطهما) اى المشروط بهذين الشرطين (مختلف) (فالاول) اى الاكراه (شرط لاصل قبول الولاية) فاذا لم يكن اكراه لم يجز قبول الولاية.

(و الثانى) اى العجز عن التفصي (شرط للعمل بما يأمره) من المحرمات.

فاذا قال الوالى: انهب مال زيد، جاز اذا لم يتمكن المكره- بالفتح- من التفصي عن النهب.

(ثم فرع) المسالك (عليه) اى على ما ذكره من الفرق بين الاكراه و التفصي بالعموم المطلق (ان الولاية ان اخذت) و فرضت (مجردة عن الامر بالمحرم فلا يشترط

ص: 8

فى جوازه الاكراه.

و اما العمل بما يأمره من المحرمات فمشروط بالاكراه خاصة و لا يشترط فيه الالجاء إليه بحيث لا يقدر على خلافه و قد صرح به الاصحاب فى كتبهم، فاشتراط العجز عن التفصي غير واضح، الا ان يريد به اصل الاكراه الى ان قال- ان الاكراه مسوغ لامتثال ما يؤمر به و ان قدر على المخالفة مع خوف الضرر.

______________________________

فى جوازه الاكراه).

(و اما العمل بما يأمره) الجائر (من المحرمات فمشروط بالاكراه خاصة) بمعنى عدم امكان التفصي (و لا يشترط فيه) اى فى جواز العمل بالمحرم (الالجاء) و الاضطرار (إليه بحيث لا يقدر على خلافه) بل يجوز و ان قدر على خلافه، و لكن بالعسر و الحرج و الضرر.

ثم قال المسالك (و قد صرح به) اى بما ذكرناه (الاصحاب فى كتبهم فاشتراط العجز عن التفصي) كما فى كلام الشرائع، فى تحقق صدق الاكراه (غير واضح، الا ان يريد) الشرائع (به) اى باشتراط العجز (اصل الاكراه)

بان يريد ان العجز عن التفصي دخيل فى مفهوم الاكراه لغة، لا انه يريد بذلك ان العجز شرط فى قبول الولاية.

اذ قد عرفت ان الاكراه على الولاية لا يشترط فيه عدم امكان التفصي (- الى ان قال-) المسالك (ان الاكراه مسوغ لامتثال) الشخص المجبور (ما يؤمر به) من قبل الجائر (و ان قدر على المخالفة، مع خوف الضرر).

فان القدرة على المخالفة التى تحصل بخوف الضرر، لا توجب دفع

ص: 9

انتهى موضع الحاجة من كلامه.

اقول: لا يخفى على المتأمل ان المحقق ره لم يعتبر شرطا زائدا على الاكراه الا ان الجائر اذا امر الوالى باعمال محرمة فى ولايته كما هو الغالب و امكن فى بعضها المخالفة واقعا.

و دعوى الامتثال ظاهرا- كما مثلنا لك

______________________________

الاكراه (انتهى موضع الحاجة من كلامه) الّذي فهم منه شيخنا المعاصر ما تقدم من الخلاف الّذي نقله.

(اقول: لا يخفى على المتأمل ان المحقق ره لم يعتبر شرطا زائدا على الاكراه) فى جواز قبول الولاية، و انما نظر المحقق ان الولاية المتعارفة هى التى تستلزم العمل بالمحرمات، فليس الامر كما فهمه المسالك من عبارة الشرائع، من انه اشترط امرين: الاكراه، و العجز.

و انما اراد المحقق ان يقول ان قبول الولاية مشروط بالاكراه و تنفيذ امر الوالى الجائر، اذا كان ذلك الامر محرما يحتاج الى عدم امكان التفصي، فلا يفهم من كلام المحقق وجود الخلاف فى عدم جواز قبول الولاية- فى صورة عدم الاكراه- كما فهم صاحب الجواهر.

و ما ذكرناه هو توضيح ما ذكره المصنف رحمة الله عليه بقوله (الا ان الجائر اذا امر الوالى باعمال محرمة) كنهب مال الناس- مثلا- (فى ولايته) اى فى حالكونه واليا (كما هو الغالب) من امر الجائر و لا تهم بامور محرمة (و امكن فى بعضها المخالفة واقعا).

(و دعوى) الوالى (الامتثال) لامر الجائر (ظاهرا- كما مثلنا لك

ص: 10

سابقا- قيد امتثال ما يؤمر به بصورة العجز عن التفصي.

و كيف كان فعبارة الشرائع واقعة على طبق المتعارف من تولية الولاة و امرهم فى ولايتهم بأوامر كثيرة يمكنهم التفصي عن بعضها.

و ليس المراد بالتفصى المخالفة مع تحمل الضرر كما لا يخفى.

و مما ذكرنا يظهر فساد ما ذكره من نسب عدم الخلاف المتقدم الى الاصحاب من انه على القول باعتبار العجز عن التفصي، لو توقف المخالفة

______________________________

سابقا-) كان يقول: نهبت مال زيد و او دعته الخزينة، و الحال انه لم يأخذ مال زيد، واقعا (قيد) بصيغة المجهول، من باب التفعيل جواز (امتثال ما يؤمر به بصورة العجز عن التفصي) لانه محرم جديد لا يجوز ارتكابه إلا مع الاكراه و الاضطرار.

(و كيف كان) الامر سواء كان كلام المسالك صحيحا او منظورا فيه (فعبارة الشرائع واقعة على طبق المتعارف من تولية الولاة) من قبل الجائرين (و امرهم) الجائرون (فى ولايتهم) اى ابان توليهم للامر (بأوامر كثيرة يمكنهم التفصي عن بعضها) مما كان الامر محرما.

(و ليس المراد بالتفصى المخالفة) من الوالى للجائر (مع تحمل الضرر كما لا يخفى) بادنى تامل.

(و مما ذكرنا) من عدم الاشكال فى عدم جواز قبول الولاية مع امكان التفصي (يظهر فساد ما ذكره) شيخنا المعاصر (من نسب عدم الخلاف المتقدم) فى قوله: اقوالا (الى الاصحاب) اعتمادا على كلام الشرائع و المسالك (من انه على القول باعتبار العجز عن التفصي، لو توقف المخالفة)

ص: 11

على بذل مال كثير، لزم على هذا القول.

ثم قال و هو احوط بل و اقرب.

[الرابع: ان قبول الولاية مع الضرر المالى الّذي لا يضر بالحال رخصة لا عزيمة]

الرابع: ان قبول الولاية مع الضرر المالى الّذي لا يضر بالحال رخصة لا عزيمة فيجوز تحمل الضرر المذكور لان الناس مسلطون على اموالهم.

______________________________

للوالى الجائر (على بذل مال كثير، لزم) البذل (على هذا القول)، اى القول بلزوم التفصي.

(ثم قال) شيخنا المعاصر (و هو) اى لو توقف المخالفة على بذل مال كثير لزم (احوط بل و اقرب).

و قد عرفت عدم الخلاف أولا، و عدم لزوم بذل المال الكثير ثانيا فلا وجه للاحتياط.

قال الشارح: الانصاف ان اشكال الشيخ على صاحب الجواهر فى محله فى الجملة، فراجع الجواهر و المسالك ثم انظر الى كلام الشيخ لتجد صدق ما ذكرناه و الله العالم.

التنبيه (الرابع: ان قبول الولاية مع الضرر المالى الّذي لا يضر بالحال رخصة لا عزيمة).

بمعنى انه اذا توقف عدم قبول الولاية من الجائر على بذل المال، جاز القبول الولاية بعدم اعطاء المال، و جاز اعطاء المال للفرار عن الولاية (فيجوز تحمل الضرر المذكور) فرارا عن التلوث بالولاية (لان الناس مسلطون على اموالهم) و ليس بذل المال فى مثل هذا المورد حراما حتى يجب حفظ المال و قبول الولاية.

ص: 12

بل ربما يستحب تحمل ذلك الضرر للفرار عن تقوية شوكتهم.

[الخامس: لا يباح بالاكراه قتل المؤمن و لو توعد على تركه بالقتل اجماعا]

الخامس: لا يباح بالاكراه قتل المؤمن و لو توعد على تركه بالقتل اجماعا، على الظاهر المصرح به فى بعض الكتب و ان كان مقتضى عموم نفى الاكراه و الحرج الجواز الا انه قد صح من الصادقين صلوات الله عليهما

______________________________

(بل ربما يستحب تحمل ذلك الضرر) المالى (للفرار عن تقوية شوكتهم) بالدخول فى مناصبهم، اما الضرر المالى الّذي اشار إليه بقوله: الّذي لا يضر بالحال.

فان كان ضررا بالغا لم يجز تحمله لما دل على حرمة تحمل الاضرار الكثيرة.

و ان لم يكن ضررا بالغا جاز تحمله فرارا عن الولاية و جاز قبول الولاية كما ذكر ذلك الفقهاء فى باب الصيام الّذي يضر بالانسان لوجود مرض او الخوف من حدوثه، فراجع.

التنبيه (الخامس: لا يباح بالاكراه قتل) المكره- بالفتح- (المؤمن) فيما اذا امره الجائر بذلك (و لو توعد) الجائر (على تركه) للقتل (بالقتل) بان يقتل الجائر زيدا اذا لم يقتل عمروا- مثلا- (اجماعا على الظاهر المصرح به فى بعض الكتب) «على الظاهر» استظهار من الشيخ للاجماع، و «المصرح به» بيان لتصريح بعض الكتب للاجماع فى المسألة (و ان كان مقتضى عموم نفى الاكراه و الحرج: الجواز) لان عمومهما شامل حتى لما كان فى ترك القتل حرج، و كان القتل مكرها عليه (الا انه قد صح من الصادقين) الامام الباقر و الامام الصادق (صلوات الله عليهما:

ص: 13

انه انما شرعت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغت الدم فلا تقيّة.

و مقتضى العموم انه لا فرق بين افراد المؤمنين من حيث الصغر و الكبر، و الذكورة و الانوثة و العلم و الجهل، و الحر و العبد، و غير ذلك.

و لو كان المؤمن مستحقا للقتل، لحد، ففى العموم وجهان، من اطلاق قولهم عليهم السلام: لا تقية فى الدماء.

و من ان المستفاد من قوله ليحقن بها الدم فاذا بلغ الدم، فلا تقية ان

______________________________

انه انما شرعت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغت) التقية (الدم) بان كان فى التقية اراقة الدم المحرم (فلا تقية) بل لا يريق الانسان الدم، و ان كان عدم الاراقة مستلزما لخوف التقية، مما يوجب ذهاب نفس غير المتقى.

(و مقتضى العموم) فى هذا الحديث (انه لا فرق بين افراد المؤمنين) الذين لا يجوز قتلهم- تقية- (من حيث الصغر و الكبر و الذكورة و الانوثة و العلم و الجهل، و الحر و العبد، و غير ذلك) ككونه من السادة أم لا، فلا يجوز اراقة دم احدهم تقية و اكراها، و لو كان المؤمن فاسقا، كل ذلك للاطلاق فى دليل المنع.

(و لو كان المؤمن مستحقا للقتل، لحد) فى رقبته كما لو كان زانيا زنا محصنا، او لائطا، او مرتدا فطريا، او ما اشبه ذلك (ففى العموم) و انه أيضا لا يجوز قتله- تقية- (وجهان).

وجه عدم الجواز (من اطلاق قولهم عليهم السلام: لا تقية فى الدماء) (و) وجه الجواز (من ان المستفاد من قوله) عليه السلام (ليحقن بها الدم فاذا بلغ الدم، فلا تقية) فى الرواية السابقة (ان

ص: 14

المراد الدم المحقون دون المأمور باهراقه.

و ظاهر المشهور الاول.

و اما المستحق للقتل قصاصا فهو محقون الدم بالنسبة الى غير ولى الدم.

و مما ذكرنا يظهر سكوت الروايتين عن حكم دماء اهل الخلاف، لان التقية انما شرعت لحقن دماء الشيعة، فحدها بلوغ دمهم، لا دم غيرهم.

______________________________

المراد) عدم جواز اراقة (الدم المحقون) اى المحكوم شرعا بحفظه (دون المأمور باهراقه) فاذا لم يشمل مثل هذا الدم «لا تقية فى الدماء» يبقى عموم «الاكراه، و لا حرج» بالنسبة الى مثل هذا الدم على حاله، فيجوز اراقة هذا الدم.

(و ظاهر المشهور الاول) اى عدم الجواز.

(و اما المستحق للقتل قصاصا فهو محقون الدم بالنسبة الى غير ولى الدم) فلا تجوز اراقة دمه بامر الجائر.

(و مما ذكرنا) من ان المراد من «عدم التقية فى الدماء» الدم المحقون، لا مطلق الدم (يظهر سكوت الروايتين) اى «انما شرعت التقية ليحقن بها الدم» و «لا تقية فى الدماء» (عن حكم دماء اهل الخلاف) غير النواصب، و من اشبه ممن حكم بإباحة دمائهم.

وجه الظهور: (لان التقية انما شرعت لحقن دماء الشيعة، فحدها) اى حد التقية- الّذي لا تقية بعد ذلك الحد- (بلوغ دمهم لا دم غيرهم) فيجوز اهراق دم غيرهم تقية.

ص: 15

و بعبارة اخرى محصل الرواية لزوم نقض الغرض من تشريع التقية فى اهراق الدماء لانها شرعت لحقنها، فلا يشرع لاجلها اهراقها.

و من المعلوم: انه اذا اكره المؤمن على قتل مخالف، فلا يلزم من شرعية التقية فى قتله اهراق ما شرع التقية لحقنه.

هذا كله فى غير الناصب.

______________________________

(و بعبارة اخرى) فى وجه جواز اراقة دم غير الشيعة تقية ان (محصل الرواية) التى تقول: لا تقية فى الدماء (لزوم نقض الغرض من تشريع التقية فى اهراق الدماء).

فان التقية انما شرعت لحفظ الدم.

فاذا قال الشارع للمكره- بالفتح-: اهرق الدم تقية، كانت التقية سببا لاهراق الدم، و هذا مناقض لتشريع التقية لاجل حفظ الدم (لانها) اى التقية (شرعت لحقنها) اى حفظ الدماء (فلا يشرع لاجلها) اى لاجل التقية (اهراقها) بان اراد المكره- بالفتح- حفظ دمه، فيهريق دم غيره.

(و من المعلوم) ان نقض الغرض ليس فى اهراق دم المخالف، ل (انه اذا اكره المؤمن على قتل مخالف، فلا يلزم من شرعية التقية فى قتله اهراق ما شرع التقية لحقنه).

فان التقية شرعت لحقن دم المؤمن لا لحقن دم المخالف، لوضوح ان احترام الشارع للمخالف صورى لا حقيقى.

(هذا) الاشكال فى دم المخالف (كله فى غير الناصب).

ص: 16

و اما الناصب فليس محقون الدم و انما منع منه حدوث الفتنة، فلا اشكال فى مشروعية قتله للتقية.

و مما ذكرنا يعلم حكم دم الذمى و شرعية التقية فى اهراقه.

و بالجملة فكل دم غير محترم بالذات عند الشارع خارج عن مورد الروايتين.

______________________________

(و اما الناصب فليس محقون الدم و انما منع منه) اى من دمه (حدوث الفتنة) فى اراقته (فلا اشكال فى مشروعية قتله للتقية).

لان المانع عن اراقة دمه يزال بامر الجائر.

و لكن لا يخفى ان ذلك الّذي ذكر فى المخالف و الناصب، انما هو بالنسبة الى من تمت الحجة بالنسبة إليه.

اما الجاهل القاصر فلا يبعد حقن دمه قطعا، بل كل من لا يعرف الحق اذا كان عن جهل قصورى، فهو محقون الدم و المال و الاهل، الا اذا صدق عليه عنوان المحارب، او ما اشبه، لاصالة حفظ الدم و المال و العرض بالنسبة الى كل احد، عدا من خرج بالدليل.

(و مما ذكرنا يعلم حكم دم الذمى و شرعية التقية فى اهراقه).

لكن لا يخفى ان التقية يجب ان تكون بحيث تجوز اراقة الدم حتى مثل دم الجاهل القاصر و الذمى، و ذلك محتاج الى التأمل.

(و بالجملة فكل دم غير محترم بالذات عند الشارع خارج عن مورد الروايتين) لانصرافهما الى الدم المحرم بالذات.

ص: 17

فحكم اهراقه حكم سائر المحرمات التى شرعت التقية فيها.

بقى الكلام فى ان الدم يشمل الجرح و قطع الاعضاء، او يختص بالقتل وجهان، من اطلاق الدم و هو المحكى عن الشيخ.

و من عمومات التقية، و نفى الحرج، و الاكراه، و ظهور الدم المتصف بالحقن فى الدم المبقى للروح و هو المحكى عن الروضة و المصابيح و الرياض، و لا يخلو عن قوة.

______________________________

(فحكم اهراقه حكم سائر المحرمات التى شرعت التقية فيها).

لكن ربما يقال: بالإطلاق، لقوله سبحانه: مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسٰادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمٰا قَتَلَ النّٰاسَ جَمِيعاً، فالدم لوحظ فى الشرع، و له اهمية بالغة، فليس من قبيل سائر المحرمات، و لتفصيل الكلام محل آخر.

(بقى الكلام فى ان الدم) الوارد فى الروايتين «لا تقية فى الدماء» (يشمل الجرح و قطع الاعضاء) حتى يكون لا تقية فيها (او يختص بالقتل)

فاذا امر الجائر زيدا بجرح عمرو جاز تقية، أم لا (وجهان من اطلاق الدم) على الجرح و القطع، فلا يجوز، و لا تكون تقية فيها (و هو المحكى عن الشيخ).

(و من عمومات التقية؛ و) عمومات (نفى الحرج، و) رفع (الاكراه، و ظهور الدم المتصف بالحقن) فى الرواية (فى الدم المبقى للروح) لا مطلق الدم (و) هذا القول (هو المحكى عن الروضة و المصابيح و الرياض و لا يخلو عن قوة) خصوصا اذا كان فى مقابله الدم.

كما اذا امر الجائر بجرح زيد جرحا طفيفا و إلا قتل المأمور، بل لا يبعد

ص: 18

[خاتمة فيما ينبغى للوالى العمل به فى نفسه و فى رعيته.]

خاتمة فيما ينبغى للوالى العمل به فى نفسه و فى رعيته.

روى شيخنا الشهيد الثانى رحمه الله فى رسالته المسماة بكشف الريبة عن احكام الغيبة باسناده عن شيخ الطائفة، عن المفيد، عن جعفر بن محمد ابن قولويه، عن ابيه، عن سعد بن عبد الله، عن احمد بن محمد بن عيسى عن ابيه محمد بن عيسى الاشعرى، عن عبد الله بن سليمان النوفلى قال: كنت عند ابى عبد الله عليه السلام، فاذا بمولى لعبد الله النجاشى قد ورد عليه فسلم و اوصل إليه كتابا ففضه، و قرأه.

______________________________

جريان ذلك فى ما اذا قابل تهتك العرض، و لتفصيل الكلام المفصلات و الله العالم بحقائق الاحكام.

(خاتمة) ذات علاقة بالولاية من قبل الجائر (فيما ينبغى للوالى العمل به فى نفسه و فى رعيته).

و الظاهر ان المراد بالوالى- و لو بالمناط- كل انسان بيده منصب من مناصب الدولة، سواء كان كبيرا، او صغيرا، و سواء كان واليا فى حكومة كفر، او حكومة اسلام، حكومة الاسلام المعتدلة، او المنحرفة- كما لا يخفى-

(روى شيخنا الشهيد الثانى رحمه الله فى رسالته المسماة بكشف الريبة عن احكام الغيبة باسناده عن شيخ الطائفة، عن المفيد عن جعفر بن محمد ابن قولويه، عن ابيه، عن سعد بن عبد الله، عن احمد بن محمد بن عيسى عن ابيه محمد بن عيسى الاشعرى، عن عبد الله بن سليمان النوفلى، قال: كنت عند ابى عبد الله عليه السلام، فاذا بمولى لعبد الله النجاشى، قد ورد عليه فسلم و اوصل إليه كتابا ففضه) اى فتحه (و قرأه

ص: 19

فاذا اوّل سطر فيه بسم الله الرحمن الرحيم اطال الله بقاء سيّدى و جعلنى من كل سوء فداه و لا ارانى فيه مكروها فانه ولى ذلك و القادر عليه، اعلم سيّدى و مولاى انى بليت بولاية الاهواز، فان رأى سيّدى و مولاى ان يحدّ لى حدّا، و يمثل لى مثالا لاستدل به على ما يقر بنى الى الله عز و جل، و الى رسوله و يلخص لى فى كتابه ما يرى لى العمل به، و فيما ابذله و اين اضع زكاتى، و فيمن اصرفها، و بمن آنس، و الى من استريح و

______________________________

فاذا اوّل سطر فيه بسم اللّه الرحمن الرحيم اطال اللّه بقاء سيّدى و جعلنى من كل سوء فداه) بمعنى ان يصرف اللّه سبحانه السوء من الامام الى صاحب الكتاب، و المراد بالسوء المرض و الفقر و ما اشبه (و لا ارانى فيه مكروها) بمعنى لا يصيبه مكروه حتى اراه (فانه) تعالى (ولى ذلك) اى صاحب القدرة على ما طلبت منه و دعوته (و القادر عليه، اعلم سيدى و مولاى انى بليت) اى ابتليت و امتحنت (بولاية الاهواز، فان رأى سيدى و مولاى ان يحدّ لى حدّا، و يمثل لى مثالا لاستدل به) اى اجعله دليلى (على ما يقر بنى الى اللّه عز و جل، و الى رسوله و) ان راى سيدى ان (يلخص لى فى كتابه ما يرى) و يحبّذ (لى العمل به، و فيما ابذله) اى فى اى وجه ابذل مالى و جاهى و قدرتى (و اين اضع زكاتى، و فيمن صرفها).

لعل المراد ب «اين اضع» الاعم من الجهات كالقناطر و المساجد، و ب «فيمن» الافراد الذين تصرف الزكاة فيهم (و بمن آنس) من الناس (و الى من استريح) اى اجعله موضع سرى و شكواى، و ما اشبه مما يوجب راحة النفس (و

ص: 20

بمن اثق و آمن و الجاء إليه فى سرى، فعسى ان يخلصنى اللّه تعالى بهدايتك و ولايتك، فانك حجة اللّه على خلقه و امينه فى بلاده، لا زالت نعمته عليك.

قال عبد الله بن سليمان فأجابه ابو عبد الله عليه السلام بسم اللّه الرحمن الرحيم حاطك اللّه بصنعه، و لطف بك بمنّه و كلأك برعايته فانه ولى

______________________________

بمن اثق و آمن و الجاء إليه فى سرى) لا يخفى ان جملة من مصاديق هذه الجمل متداخلة (فعسى ان يخلصنى اللّه تعالى بهدايتك و ولايتك) من المشاكل و المآزق (فانك حجة الله على خلقه و امينه فى بلاده، لا زالت نعمته عليك) و من يكون هكذا لحقيق ان يكون هاديا مرشدا.

(قال عبد الله بن سليمان) الّذي كان حاضرا فى مجلس الصادق عليه السلام حيث جاء رسول النجاشى بهذا الكتاب الى الامام عليه السلام (فأجابه ابو عبد الله عليه السلام) و الظاهر ان الجواب كتابة، لا لفظا- كما لا يخفى- (بسم الله الرحمن الرحيم حاطك الله بصنعه) دعاء بان يحيط لطف اللّه به.

و معنى الاحاطة عدم بقاء جانب من جوانب حياته خاليا عن اللطف و الاحسان (و لطف بك) اى احسن أليك (بمنّه) فى مقابل الاستحقاق، فان المنّ الاحسان بدون استحقاق الطرف المقابل (و كلأك) الكلاءة الحفظ و النظر (برعايته) اى بان يرعاك و لا يسلمك الى الآفات و البلايا (فانه ولى

ص: 21

ذلك.

اما بعد فقد جاءني رسولك بكتابك فقرأته و فهمت جميع ما ذكرته، و سألت عنه، و ذكرت انك بليت بولاية الاهواز، و سرّنى ذلك و ساءني، و ساخبرك بما ساءني من ذلك و ما سرنى ان شاء اللّه تعالى.

و اما سرورى بولايتك، فقلت: عسى ان يغيث اللّه بك ملهوفا خائفا من اولياء آل محمد صلى اللّه عليه و آله: و يعزّ بك ذليلهم، و يكسو بك عاريهم و يقوى بك ضعيفهم، و يطفى بك نار المخالفين عنهم.

و اما الّذي ساءني من ذلك فان ادنى ما اخاف عليك ان تعثر بولى

______________________________

ذلك) اى القادر عليه الّذي بيده قدرته و امكانه.

(اما بعد فقد جاءني رسولك بكتابك فقرأته و فهمت جميع ما ذكرته و سألت عنه، و) هو ما (ذكرت انك بليت بولاية الاهواز، و سرّنى ذلك) التولى الأهواز (و ساءني، و سأخبرك بما ساءني من ذلك) التولى (و ما سرّنى ان شاء الله تعالى).

(و اما) سبب (سرورى بولايتك، فقلت) اى سنح بخاطرى (عسى) و لعل (ان يغيث اللّه بك ملهوفا خائفا من اولياء آل محمد صلى اللّه عليه و آله: و يعزّ بك ذليلهم، و يكسو بك عاريهم، و يقوى بك ضعيفهم، و يطفى بك نار المخالفين) اى اشتغال نفوسهم، تشبيها للمعقول بالمحسوس (عنهم).

(و اما الّذي ساءني من ذلك) التولى للاهواز (فان ادنى ما اخاف عليك ان تعثر) العثرة زلّة الرجل، ثم استعملت لكل زلّة و خطأ (بولى

ص: 22

لنا، فلا تشم رائحة خطيرة القدس.

فانى ملخص لك جميع ما سألت عنه، فان انت عملت به و لم تجاوزه رجوت ان تسلم ان شاء الله تعالى.

اخبرنى- يا عبد الله- ابى عن آبائه، عن على عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه و آله، انّه قال: من استشاره اخوه المؤمن المسلم فلم يمحضه النصيحة، سلب الله لبّه عنه.

و اعلم انى سأشير عليك برأيى، ان انت عملت به تخلصت مما انت تخافه

______________________________

لنا) فتؤذيه (فلا تشم رائحة حظيرة القدس) اى الجنة.

و اذا عرفت هذا.

(فانى ملخص لك جميع ما سألت عنه، فان انت عملت به و لم تجاوزه رجوت ان تسلم ان شاء الله تعالى) اى ان تسلم من العذاب، و لفظ «الرجاء» لانه ليس حتم على الله تعالى ان يغفر الزلات الصغار التى لا يسلم منها الا المعصوم.

(اخبرنى- يا عبد الله- ابى عن آبائه، عن على عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه و آله، انّه قال: من استشاره اخوه المؤمن المسلم فلم يمحضه النصيحة، سلب اللّه لبّه) اى عقله (عنه).

فكان نعمة العقل لمساعدة الناس فى الفكر، فاذا لم يؤد هذه النعمة فى موضعها كانت معرضة للزوال «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذٰابِي لَشَدِيدٌ».

(و اعلم انى سأشير عليك برأيى ان انت عملت به تخلصت مما انت تخافه)

ص: 23

و اعلم ان خلاصك و نجاتك فى حقن الدماء، و كفّ الاذى عن اولياء الله و الرفق بالرعية و التأنّى، و حسن المعاشرة مع لين فى غير ضعف و شدّة فى غير عنف و مداراة صاحبك، و من يرد عليك من رسله و ارفق برعيتك بان توقفهم على ما وافق الحق و العدل ان شاء الله تعالى.

______________________________

من عذاب الآخرة.

(و اعلم ان خلاصك) من العذاب (و نجاتك) من العقاب (فى حقن الدماء) و عدم اراقتها (و كفّ الاذى عن اولياء الله) فلا تؤذهم (و الرفق بالرعية) اى عدم اخذهم بالعنف (و التأنّى) و التصبر بعدم الاستعجال فى الانتقام منهم، او المراد التأنّى فى جميع الامور (و حسن المعاشرة) مع الناس (مع لين) فى اخلاقك (فى غير ضعف) اى يكون سبب اللين التفكر و العقل و حسن الخلق، لا ضعف فى الرأى و العزم و النفوذ (و شدّة) فى الانتقام ممن يستحق (فى غير عنف).

فان الشدة فى اقامة الحدود، قد تكون قرينة للعنف كان يعنف فى الكلام لمن يريد اجراء الحدّ عليه، و هذا مما لا داعى له، بالإضافة الى انه كثيرا ما يوجب افساد القلوب و نفرة النفوس عن اطراف الوالى (و مداراة صاحبك) اى الخليفة (و من يرد عليك من رسله) لان الرسل اذا لم تدارهم يفسدون عليك امرك عند الخليفة (و ارفق برعيتك) تأكيد لامر الرفق، لان الولاة و اصحاب السلطة كثيرا ما يغلب عليهم الخرق و الشدة (بان توقفهم على ما وافق الحق و العدل) فلا يجاوزونهما (ان شاء الله تعالى) كلمة تبرك، و ان كانت فى الاصل للشرط.

ص: 24

و اياك و السعاة، و اهل النمائم، فلا يلزقن بك منهم احد، و لا يراك الله يوما و ليلة و انت تقبل منهم صرفا و لا عدلا، فيسخط اللّه عليك، و يهتك سترك، و احذر مكر خوزى الاهواز، فان ابى اخبرنى عن آبائه عن امير المؤمنين عليه السلام، قال: ان الايمان لا يثبت فى قلب يهودى،

______________________________

(و اياك) اى ابتعد (و السعاة) جمع ساعى، و هو الّذي يسعى بالناس و يذكر عنهم السوء الى الوالى ليوقعهم فى عقوبة الوالى (و اهل النمائم) الذين ينمّون على الناس.

و هذا اما عطف بيان، و المراد بالساعى من يكون خارجا عن حاشية الوالى، و اهل النميمة من كان داخلا في الحاشية (فلا يلزقن) اى لا يلصقن كناية عن كونه حاشية و مقربا- (بك منهم احد، و لا يراك الله يوما و ليلة) اى و لو فى يوم واحد، او ليلة واحدة (و) الحال (انت تقبل منهم) اى من السعاة (صرفا و لا عدلا) اى توبة توجب صرف الانسان عن جريمة و فدية توجب اخذها عدم انزال العقوبة المستحقة.

و الحاصل: اجر الاحكام بدون ان تقبل شفاعة، واش، و لا تأخذ ما لا فى مقابل العفو، فان الوشاة صنعهم هذا، دائما، (فيسخط الله عليك، و يهتك سترك) فان من كشف ستر الناس كشف ستره (و احذر مكر خوزى الاهواز) و هم قبيلة كانوا يسكنون خوزستان يعرفون بالمكر و الخديعة (فان ابى اخبرنى عن آبائه) عليهم السلام (عن امير المؤمنين عليه السلام قال: ان الايمان لا يثبت فى قلب يهودى) المراد انه اقرب الى عدم ثبوت الايمان لما ارتكز عليه من المبادي المعادية للاسلام، لا انه ليس

ص: 25

و لا خوزى ابدا.

و اما من تأنس به و تستريح إليه، و تلجئ امورك إليه فذلك الرجل الممتحن المستبصر الامين الموافق لك على دينك، و ميّز اعوانك و جرّب الفريقين فان رايت هنالك رشدا فشأنك و اياه.

و اياك ان تعطى درهما، او تخلع ثوبا، او تحمل على دابة- فى

______________________________

اليهودى قابلا للاسلام- كما لا يخفى- (و لا خوزى ابدا) فان النفوس الشريرة ذات المبادئ البعيدة عن الحق و العدل اصعب قبولهم للايمان من النفوس الطيبة، و النفوس المعتدلة.

(و اما من تأنس به و تستريح إليه، و تلجئ امورك إليه) اى تلجئ فى امورك بجعله محل الاستشارة و الاعتماد (فذلك الرجل الممتحن) ممن قد سبق امتحانك له (المستبصر) بالامور، فان بعض الناس لا يعرفون الناس و الاجتماع، و بعضهم يعرفونهما (الامين) فى قوله و فعله (الموافق لك على دينك).

فان المخالف انما ينظر الى الامور من منظار دينه، لا دينك، و لذا لا يصلح الاستشارة منه و الاعتماد عليه (و ميّز اعوانك) ايّهم عون خير، و ايّهم عون سوء (و جرّب الفريقين) من يصلح منهم، ممن لا يصلح (فان رايت هنالك) فى بعض اعوانك (رشدا) فى الفكر و العقل (فشأنك و اياه) اى الزمه و صادقه مصادقة تامة.

(و اياك ان تعطى درهما، او تخلع) اى تعطى خلعة (ثوبا، او تحمل على دابة) بان تهب دابة (- فى

ص: 26

غير ذات الله- لشاعر او مضحك او ممزح الا اعطيت مثله فى ذات الله.

و ليكن جوائزك و عطاياك و خلعك للقواد و الرسل و الاحفاد و اصحاب الرسائل

______________________________

غير ذات الله-) و ما ليس فيه صلاح آخرتك او دنياك مما امرك الله به (لشاعر او مضحك او ممزح) فان اعطاء المال لهؤلاء مما يوجب حسابا عسيرا يوم القيامة، لانه بذل المال فى غير الوجه الّذي امر الله به.

بالإضافة الى انه لا فائدة فى هؤلاء فى الدنيا لانهم لا يجلبون خيرا و لا يدفعون شرا، فليس صرف المال فيهم الا لاجل اللهو و الانس، و هو سرف و تبذير.

نعم قد يكون صرف المال لاجل الله سبحانه، من جهة كونهم على الباطل، كما كان النبي صلى اللّه عليه و آله يعطى الشاعر لرد اشعار اعداء الاسلام، او لاجل سدّ افواههم و حفظ العرض، فانهم ان لم يعطوا أساءوا، و ان اعطوا حفظ الانسان عرضه من شر ألسنتهم.

و لذا قال عليه السلام «فى غير ذات الله» فلا تعط لاحد منهم شيئا لاجل غير الله (الا اعطيت مثله فى ذات الله) ليكون ما اعطيته لله كفارة لاعطائك اياهم، فان الحسنات يذهبن السيئات.

(و ليكن جوائزك و عطاياك و خلعك للقواد) جمع القائد، و هو المسير للجيش المشرف عليه (و الرسل) الذين تبعثهم لحلّ القضايا، و المفاوضات، و ما اشبه (و الاحفاد) جمع حفيد، و هو الّذي تتقوى به الحكومة (و اصحاب الرسائل) اى الكتاب الذين بيدهم كتابة الجيش و

ص: 27

و اصحاب الشرط، و الاخماس، و ما اردت ان تصرف فى وجوه البر و النجاح و الصدقة، و الفطرة و الحج، و الشرب، و الكسوة التى تصلى فيها، و تصل بها و الهدية التى تهديها الى الله و رسوله من اطيب كسبك.

و انظر يا عبد الله ان لا تكنز ذهبا و لا فضة فتكون من اهل هذه الآية: الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لٰا يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ، و لا

______________________________

الرزق و القضاء و ما اشبه (و اصحاب الشرط) الذين يوكل إليهم داخل المدينة لحفظها او المقدم من الجيش (و الاخماس) جمع خميس، و هو الجيش، و يسمى خميسا لانه مركب من المقدم و المؤخر و الجناحين و القلب (و) ل (ما اردت ان تصرف فى وجوه البر) كالطعام الجائع و اكساء العارى و بناء المسجد (و النجاح) اى ما يسبب الظفر بالاعداء (و الصدقة و الفطرة و الحج، و الشرب) اى ما تبذله فى سبيل ارسال الناس الى الحج، لاجل الماء سواء فى البلد او فى خارج البلد (او الكسوة التى تصلى فيها) لعل المراد: صلاة العيدين و الجمعة مما يلزم ان يكون ثوبا فاخرا (و تصل بها) اى تعطى الصلة، فانهم كانوا يصلون- من اراد واصلته- بالكسوة (و الهدية التى تهديها الى اللّه و رسوله، من اطيب كسبك) اى فى حال كون جميع ذلك المذكور بعد قوله «و ليكن» من اطيب الكسب لا من الضرائب و المظالم.

(و انظر يا عبد الله ان لا تكنز) و لا تجمع (ذهبا و لا فضة فتكون من اهل هذه الآية: الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لٰا يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ (و لا

ص: 28

تستصغرن من حلو، او فضل طعام تصرفه فى بطون خالية، تسكن بها غضب اللّه رب العالمين.

و اعلم: انى سمعت ابى يحدث عن آبائه، عن امير المؤمنين (ع):

ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال يوما لاصحابه: ما آمن باللّه و اليوم الآخر من بات شبعانا و جاره جائع، فقلنا: هلكنا يا رسول الله (ص) فقال من فضل طعامكم، و من فضل تمركم، و رزقكم، و خلقكم و خرقكم.

______________________________

تستصغرن) اى لا تعدّن صغيرا (من حلو) شي ء ذى حلاء، كالسكر و التمر والد بس و ما اشبه (او فضل طعام تصرفه فى بطون خالية، تسكن بها غضب اللّه رب العالمين) فان الغالب ان الاغنياء لا يعرفون مقدار جوع الفقراء و تأذيهم و ان الزائد من موائدهم مما ينفع الفقير، و لذا يسرفون فى القاء الزائد فى النفايات، فيكون عوض ان يأتى بالاجر، فيما انفق على الفقير، يأتى بالوزر لانه اسراف حرام، و غضب اللّه سبحانه الحاصل من المعاصى يطفئ و يسكن بمثل هذه الامور، و ان كانت ظاهرها صغيرة و فى الحديث: صدقة السرّ تطفئ غضب الرب.

(و اعلم: انى سمعت ابى يحدث عن آبائه، عن امير المؤمنين (ع):

ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال يوما لاصحابه: ما آمن باللّه و اليوم الاخر من بات شبعانا و جاره جائع، فقلنا: هلكنا يا رسول الله (ص) لانه كثيرا ما يبيت الانسان كذلك (فقال) صلى اللّه عليه و آله ليس المراد ان يبذل الجار طعامه كله لجاره الجائع، بل (من فضل طعامكم و من فضل تمركم، و رزقكم، و خلقكم) اى الثياب الخلقة القديمة (و خرقكم) اى

ص: 29

تطفئون بها غضب الرب تعالى.

و سأنبّئك بهوان الدنيا، و هوان شرفها على من مضى من السلف و التابعين.

فقد حدثنى ابى محمد بن على بن الحسين قال: لما تجهز الحسين عليه السلام الى الكوفة اتاه ابن عباس فناشده اللّه و الرحم ان يكون هو المقتول بالطف.

______________________________

الممزقة من الثياب (تطفئون بها غضب الرب تعالى) تشبيه للغضب الموجب لزوال النعمة من المغضوب عليه بالنار المشتعلة التى توجب فناء ما تلتهمه

و لا يخفى ان المراد بالغضب نتيجة الغضب، كما قالوا، فى صفات اللّه سبحانه: خذ الغايات و اترك المبادى، اذ ليس الله سبحانه محلّا للحوادث، كما برهن فى علم الكلام.

(و سأنبّئك) و اخبرك (بهوان الدنيا) و عدم قيمتها (و هو ان شرفها) فان ما يعده الناس شرفا، الّذي يحصل بالمال و المنصب و ما اشبه، ليس بامر مهمّ، و انما هو هين زائل لا فائدة فيه (على من مضى من السلف و التابعين) لهم باحسان.

(فقد حدثنى ابى محمد بن على بن الحسين) عليه السلام (قال:

لما تجهز الحسين عليه السلام) و استعدّ للسفر (الى الكوفة اتاه ابن عباس فنا شده الله) اى احلفه بالله (و الرحم) اى احلفه بحق الرحم (ان) لا يسافر هذا السفر الّذي (يكون) بسببه (هو المقتول بالطف) كربلاء، لما علم ابن عباس من شهادة احد اهل البيت فى كربلاء.

ص: 30

فقال: انا اعرف بمصرعى منك، و ما وكدى من الدنيا إلا فراقها الا اخبرك يا ابن عباس بحديث امير المؤمنين (ع) و الدنيا، فقال له بلى لعمرى انى احب ان تحدثنى بامرها فقال ابى قال على بن الحسين عليه السلام سمعت أبا عبد الله الحسين عليه السلام يقول: حدثنى امير المؤمنين عليه السلام؛ قال: انى بفدك فى بعض حيطانها و قد صارت لفاطمة عليها السلام، فاذا انا بامرأة قد قحمت عليّ و فى يدى مسحاة و انا

______________________________

(فقال) الحسين عليه السلام (انا اعرف بمصرعى منك) يعنى انك تظن او تحتمل انى اقتل، لكنى انا اعلم بانى اقتل (و ما وكدى) بالضم اى جهدى، او بالفتح اى همى (من الدنيا إلا فراقها) اى ان كل همّى ان افارق الحياة لالتحق بالرفيق الاعلى، فلست اخاف من القتل.

ثم قال الحسين عليه السلام (الا اخبرك يا ابن عباس بحديث امير المؤمنين «ع» و الدنيا) و ان الدنيا كيف كانت فى نظر الامام امير المؤمنين عليه السلام (فقال) ابن عباس (له) اى للحسين عليه السلام (بلى) حدثنى (لعمرى انى احب ان تحدثنى بامرها) اى شأن الدنيا (فقال ابى قال على بن الحسين عليه السلام سمعت أبا عبد الله الحسين عليه السلام يقول: حدثنى امير المؤمنين عليه السلام، قال: انى) كنت (بفدك فى بعض حيطانها) اى بساتينها و البستان يسمى حائطا بعلاقة المجاورة، حيث ان الحائط يجاور البستان (و قد صارت) فدك (لفاطمة عليها السلام) بعد اخذها من اليهود (فاذا انا بامرأة قد قحمت) اى دخلت (عليّ و فى يدى مسحاة و انا

ص: 31

اعمل بها، فلما نظرت إليها طار قلبى مما تداخلنى من جمالها فشبهتها ببثينة بنت عامر الجحمى و كانت من اجمل نساء قريش.

فقالت يا بن ابى طالب (ع) هل لك ان تتزوج بى؟ فاغنيك عن هذه المسحاة و ادلك على خزائن الارض فيكون لك ما بقيت و لعقبك من بعدك

______________________________

اعمل بها) فى اصلاح البستان (فلما نظرت إليها طار قلبى) اى تعلق بها كالطير الّذي يطير من مكانه الى وكره ليأوى إليه.

و الظاهر ان الامام كان يعلم انها الدنيا و لذا نظر إليها (مما تداخلنى من جمالها) فان القوّة الجسدية تحب الحسن، و ان كانت النفس الطاهرة تأبى الاقتراف اذا كان فى الحسن المحظور الشرعى او العقلى.

كما ان الانسان الجائع يحب الطعام الشهىّ و ان اجتنبه لشبهة او نحوها (فشبهتها ببثينة بنت عامر الجحمى، و) قد (كانت) بثينة (من اجمل نساء قريش) و فيها يقول الشاعر:

بثينة شأنها سلبت فؤادى بلا جرم اتيت به، سلاما

اى «سلا» ايها الشخصان «ما» جرمى إليها، حتى فعلت بى ذلك.

(فقالت يا بن ابى طالب (ع) هل لك ان تتزوج بى؟ فاغنيك عن هذه المسحاة) كناية عن اعطائها له عليه السلام الرزق الوافر، بدون الاحتياج الى العمل (و ادلك على خزائن الارض فيكون) المال الّذي اجلبه لك (لك ما بقيت، و لعقبك من بعدك) من الاولاد و الاحفاد.

ص: 32

فقال لها من انت حتى اخطبك من اهلك.

قال: فقالت: انا الدنيا، قال لها فارجعى، و اطلبى زوجا غيرى فلست من شأنى فاقبلت على مسحاتى و انشأت اقول

لقد خاب من غرته دنيا دنيّة و ما هي ان غرت قرونا بنائل اتتنا على زىّ العزيز بثينة و زينتها فى مثل تلك الشمائل

______________________________

(فقال) الامام عليه السلام (لها من انت حتى اخطبك من اهلك) و هذا استفسار العارف، و الا كانت النساء للامام محرمة ما دامت عنده فاطمة عليها السلام، و فدك اتت الى الامام فى زمن فاطمة عليها السلام و خرجت من يده فى زمنها كما لا يخفى.

(قال: فقالت: انا الدنيا، قال) الامام عليه السلام (لها فارجعى، و اطلبى زوجا غيرى فلست من شأنى).

قال الامام عليه السلام (فاقبلت على مسحاتى و انشأت اقول) هذه الابيات (لقد خاب من غرته دنيا دنيّة) خاب اى خسر (و ما هى ان غرت قرونا بنائل) قرون جمع قرن.

و لعل المراد به مقدار عمر جيل من الانسان.

و الظاهر: ان نائل صفة قرون باعتبار كل قرن قرن اى لم يفز كل قرن بما اراد من الدنيا، لان الدنيا خدعتهم ثم انصرفت عنهم.

و قد قال الامام عليه السلام فى كلمة له «الدنيا تغر و تضر و تمر» (اتتنا) اى الدنيا (على زى العزيز بثينة) و الزيّ بمعنى الشمائل و الالبسة و ما اشبه (و زينتها فى مثل تلك الشمائل) اى شمائل بثينة

ص: 33

فقلت لها غرّى سواى فاننى عزوف عن الدنيا و لست بجاهل و ما انا و الدنيا فان محمدا احل صريعا بين تلك الجنادل و هيهات امنى بالكنوز و ودّها و اموال قارون و ملك القبائل أ ليس جميعا للفناء مصيرنا و يطلب من خزانها بالطوائل

______________________________

(فقلت لها غرى سواى) و اخدعى غيرى من ابناء الدنيا (فاننى عزوف) اى زاهد و منصرف (عن الدنيا و لست بجاهل) حتى اقبل عليها (و ما انا و الدنيا) اى ما اصنع بدنيا زائلة ارتنى مصارع الكرام من اهل بيتى (فان محمدا احل صريعا بين تلك الجنادل) جمع جندل بمعنى الحجارة الخشنة.

و هذا كناية عن موت النبي صلى اللّه عليه و آله و يتبين من هذا البيت ان القصة حدثت لعلى بعد موت النبي صلى اللّه عليه و آله قبل اغتصاب الجماعة لفدك (و هيهات امنى) اى اخدع، من الامنية (بالكنوز و ودّها) اى حبّها (و اموال قارون) اى اموال كاموال قارون فى الكثرة (و ملك القبائل) اى هيهات ان اخدع بسلطة القبائل بان الطلب الدنيا للسلطة على الناس (أ ليس جميعا للفناء مصيرنا) فان مصير البشر جميعا الى الفناء (و يطلب من خزانها) الذين خزنوا و جمعوا الاموال (بالطوائل) جمع طائلة، اى بالتفصيل و الدقة، و الصفة لمحذوف اى المحاسبات الطويلة، فان يوم القيامة «مقداره خمسين الف سنة»

ص: 34

فغرّى سواى اننى غير راغب بما فيك من عز و ملك و نائل فقد قنعت نفسى بما قد رزقته فشأنك يا دنيا و اهل الغوائل فانى اخاف الله يوم لقائه و اخشى عذابا دائما غير زائل

فخرج من الدنيا و ليس فى عنقه تبعة لاحد حتى لقى الله تعالى محمودا غير ملوم و لا مذموم.

ثم اقتدت به الأئمة من بعده بما قد بلغكم.

______________________________

(فغرّى) ايتها الدنيا (سواى) و غيرى (اننى غير راغب) أليك (بما فيك) ايتها الدنيا (من عز و ملك و نائل) اى عطايا ينالها الانسان (فقد قنعت نفسى بما قد رزقته) اى بما قدر الله لى من رزق (فشأنك يا دنيا) اى انت تعرفين (و اهل الغوائل) جمع غائلة و هى الصفة الفاسدة اى اعملى عملك مع اهل الصفات الفاسدة اما بالنسبة إليّ فانى لا اغرّ بك (فانى اخاف اللّه يوم لقائه) اى يوم القيامة، فان الانسان يلاقى ذلك حسابه و جزائه (و اخشى عذابا دائما غير زائل) و لذا اترك زخارف الدنيا لئلا ابتلى بتوابعها

قال الامام الصادق عليه السلام (فخرج) الامام امير المؤمنين عليه السلام (من الدنيا و ليس فى عنقه تبعة لاحد) من ظلم او ايذاء او قهر او سلب او ما اشبه مما هى عادة اهل الدنيا يفعلون كل ذلك للملك و السيطرة و المال (حتى لقى الله تعالى محمودا غير ملوم) لا يلام بشي ء مما عمله فى الدنيا (و لا مذموم) لا يذمه احد على افعاله و اعماله.

(ثم اقتدت به) اى بالامام المرتضى صلوات الله عليه (الائمة من بعده بما قد بلغكم) اى بالحديث الّذي بلغكم عنهم، و انهم لم يتلوثوا

ص: 35

لم يتلطخوا بشي ء من بوائقها.

و قد وجهت أليك بمكارم الدنيا و الآخرة.

و عن الصادق المصدق رسول الله فان انت عملت بما نصحت لك فى كتابى هذا ثم كانت عليك من الذنوب و الخطايا، كمثل اوزان الجبال و امواج البحار، رجوت الله ان يتجافى عنك جلّ و عزّ بقدرته.

يا عبد الله اياك ان تخيف مؤمنا فان ابى حدثنى عن ابيه عن جده على بن

______________________________

بالدنيا و زخارفها (لم يتلطخوا) التلطخ التلوث بالنجاسة و شبهها (بشي ء من بوائقها) جمع بائقة، و هى المعصية و الشر.

(و قد وجهت أليك) و ارسلت أليك ايها النجاشى (بمكارم الدنيا و الآخرة) اى بما هى مكرمة عند اهل الدنيا و عند اهل الآخرة و المراد بالمكارم النصائح التى ساقها عليه السلام إليه.

(و عن الصادق المصدق رسول الله) صلى الله عليه و آله (فان انت عملت بما نصحت لك فى كتابى هذا ثم كانت عليك من الذنوب و الخطايا، كمثل اوزان الجبال و امواج البحار، رجوت الله) تعالى (ان يتجافى) و يتجاوز (عنك جلّ و عزّ بقدرته) اى بسبب قدرته على التجاوز، فان من الذنوب ما هى ابعد عن التجاوز و اشد صعوبة، و منها ما ليس كذلك.

و الامور المذكورة فى هذه الرواية، من المحرمات من الذنوب الاشد، فاذا لم يعمل بها كان ما عداها محلا للرجاء.

(يا عبد الله اياك ان تخيف مؤمنا، فان ابى حدثنى عن ابيه عن جده، على بن

ص: 36

ابى طالب عليه السلام انه كان يقول: من نظر الى مؤمن نظرة ليخيفه بها اخافه اللّه يوم لا ظل الا ظلّه و حشره فى صورة الذرّ لحمه و جسده و جميع اعضائه حتى يورده مورده.

و حدثنى ابى عن آبائه، عن على عليه السلام، عن النبي صلى اللّه عليه و آله: قال: من اغاث لهفانا من المؤمنين اغاثه اللّه يوم لا ظل الا ظله و امنه من الفزع الاكبر و آمنه من سوء المنقلب.

و من قضى لاخيه المؤمن حاجة قضى اللّه له حوائج كثيرة، إحداها الجنة

______________________________

ابى طالب عليه السلام انه كان يقول: من نظر الى مؤمن نظرة ليخيفه بها اخافه الله يوم لا ظل الا ظلّه) اى يوم القيامة حيث لا شي ء يقى من الشمس الحارة، إلا ظل العرش- و الاضافة للتشريف- (و حشره فى صورة الذرّ) اى النمل (لحمه و جسده و جميع اعضائه) فى تلك الصورة (حتى يورده مورده) اى يدخله النار، اقتباسا من الآية الكريمة فاوردهم النار.

(و حدثنى ابى عن آبائه، عن على عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه و آله) انه (قال: من اغاث) اى ادرك للانجاء (لهفانا من المؤمنين) اى مظلوما قد وصلت روحه الى تراقيه- شدة و كربا- (اغاثه الله يوم لا ظل إلا ظله و آمنه من الفزع الاكبر) اى خوف يوم القيامة الّذي هو اكبر من كل خوف (و آمنه من سوء المنقلب) اى سوء المرجع، و المعنى انه لا يدخل النار.

(و من قضى لاخيه المؤمن حاجة قضى اللّه له حوائج كثيرة إحداها الجنة) فان الاهوال من الموت الى الجنة كثيرة جدّا.

ص: 37

و من كسى اخاه المؤمن جبة عن عرى، كساه اللّه من سندس الجنة و استبرقها و حريرها، و لم يزل يخوض فى رضوان اللّه ما دام على المكسوّ منها سلك.

و من اطعم اخاه من جوع اطعمه الله من طيبات الجنة و من سقاه من ظماء سقاه اللّه من الرحيق المختوم.

و من اخدم اخاه اخدمه اللّه من الولدان المخلدين

______________________________

(و من كسى اخاه المؤمن جبة عن عرى، كساه الله من سندس الجنة و استبرقها) السندس رقيق الديباج، و الاستبرق غليظها، و فى الاول نعومة للجسم، و فى الثانى جمال، فان للثياب الخشنة مظهرا جميلا- كما لا يخفى- (و حريرها، و لم يزل يخوض) بان يغمره، كالخائض فى الماء (فى رضوان الله) اى رضاه (ما دام على المكسوّ منها سلك) اى خيط.

و هذا مبالغة فى انه و ان تمزق و لم يبق على بدنه الا سلك منها.

و لا يخفى ان علم الانسان بان المولى راض عنه، من اكبر النعم الروحية، بالإضافة الى ان الرضوان يستلزم الاسعاف بالحوائج و زيادة النعمة و الرحمة.

(و من اطعم اخاه من جوع اطعمه الله من طيبات الجنة و من سقاه من ظماء) اى من العطش (سقاه الله من الرحيق المختوم) الرحيق: الخالص من الشراب، و المختوم: هو الّذي ضرب على غطاء إنائه الختم دليلا على طهارته، و انه لم يمس من قبل.

(و من اخدم اخاه اخدمه اللّه من الولدان المخلدين) فان فى

ص: 38

و اسكنه مع اوليائه الطاهرين.

و من حمل اخاه المؤمن على راحلة حمله الله على ناقة من نوق الجنة و باهى به الملائكة المقرّبين يوم القيامة.

و من زوج اخاه امرأة يأنس بها و يشدّ عضده و يستريح إليها زوّجه الله من الحور العين، و آنسه بمن احبه من الصديقين، من اهل بيت نبيه صلى الله عليه و آله و اخوانه و انسهم به.

______________________________

الجنة حور للخدمة و الزواج، و ولدان يبقون ابدا اولادا، و هم فى جمال فائق، و هؤلاء للخدمة (و اسكنه مع اوليائه الطاهرين).

(و من حمل اخاه المؤمن على راحلة).

و المراد مطلق الركوب فيشمل مثل السيارة و الطائرة فى زماننا هذا (حمله الله على ناقة من نوق الجنة) نوق جمع ناقة (و باهى به الملائكة المقرّبين) اى قال للملائكة انظروا الى عبدى المطيع، تدليلا على عظمة خالقه (يوم القيامة).

(و من زوج اخاه امرأة يأنس بها و تشدّ عضده) فان صاحب الزوجة كالذى له عضد فى القوة النفسية، من باب تشبيه المعقول بالمحسوس (و يستريح إليها) فان السكون القلبى سبب الاستراحة (زوّجه الله من الحور العين، و آنسه بمن احبه) الفاعل فى «احبه» اللّه او المزوّج (من الصديقين، من اهل بيت نبيه صلى اللّه عليه و آله و اخوانه و انسهم به) اى كان كل واحد يأنس بالآخر، و هذا اعظم انسا، ممن يأنس بشخص، و لا يأنس ذلك الشخص به.

ص: 39

و من اعان اخاه المؤمن على سلطان جائرانه الله على اجازة الصراط عند زلّة الاقدام.

و من زار اخاه المؤمن فى منزله لا لحاجة منه إليه كتب من زوّار اللّه و كان حقيقا على اللّه ان يكرم زائره يا عبد الله حدثنى ابى عن آبائه، عن على عليه السلام انه سمع رسول الله صلى الله عليه و آله يقول لاصحابه يوما: معاشر الناس انه ليس بمؤمن من آمن بلسانه و لم يؤمن بقلبه فلا تتبعوا عثرات المؤمنين، فانه من تتبع

______________________________

(و من اعان اخاه المؤمن على سلطان جائر) يريد ايذائه، او يخلصه من الاذى الواقع به (اعانه الله على اجازة الصراط) اى المرور عليه (عند زلّة الاقدام) من الصراط الموجبة لدخول النار.

(و من زار اخاه المؤمن فى منزله لا لحاجة منه) اى من الزائر (إليه) اى الى المزور، و انما لصرف الزيارة (كتب) ذلك الزائر (من زوّار الله) اى الذين يزورون الله كثيرا (و كان حقيقا) حريا (على الله ان يكرم زائره).

ثم قال الامام عليه السلام (يا عبد الله حدثنى ابى عن آبائه، عن على عليه السلام انه سمع رسول الله عليه و آله، يقول لاصحابه يوما:

معاشر الناس انه ليس بمؤمن من آمن بلسانه و لم يؤمن بقلبه) بان لم يقبل اتباع احكام الاسلام، و ان اظهر الايمان بلسانه.

و قد قال صلى الله عليه و آله هذا الكلام مقدمة لقوله: (فلا تتبعوا عثرات المؤمنين) اى زلاتهم بان تفحصوا و تجسسوا للاطلاع على تلك العثرات فان من يفعل ذلك كان ممن آمن بلسانه لا بقلبه (فان من تتبع

ص: 40

عثرة مؤمن يتبع الله عثرته يوم القيامة و فضحه فى جوف بيته.

و حدثنى ابى عن آبائه، عن على عليه السلام قال: اخذ الله ميثاق المؤمن على ان لا يصدق فى مقالته، و لا ينتصف من عدوه و على ان لا يشفى غيظه الا بفضيحة نفسه

______________________________

عثرة مؤمن يتبع الله عثرته يوم القيامة) و لا يصفح عنه (و فضحه) فى الدنيا (فى جوف بيته) و هو فى جوف البيت لا يطلع عليه احد حسب الموازين العادية، لكن الله يظهر عثراته للناس ليخزى بها.

(و حدثنى ابى عن آبائه، عن على عليه السلام قال: اخذ الله ميثاق المؤمن) اى العهد الشديد منه، و لعله فى عالم الذر.

او المراد: اخذ الميثاق بجعله شرط الايمان، على لسان الأنبياء (على ان لا يصدق فى مقالته) اى لا يصدق الناس كلام المؤمن (و لا ينتصف من عدوه) اى لا ينصفه الناس، بل يجعلون الحق مع عدوه.

و المراد: انه يلزم ان يثبت على ايمانه و ان وصلت حالته هذا الحدّ بحيث لا يصدق و لا ينتصف، لا ان المراد: انه دائما كذلك.

و لعل اتيان الامام عليه السلام بهذه الجملة لتنبيه عبد الله على ان التزامه بهذه الاحكام يجب ان يكون مقارنا لعلمه بهذه الحالة، حتى اذا تغير عليه الخليفة، و لم يصدقه فى كلام او لم ينتصفه من واش و حاسد يكون مسبوقا بان حالة المؤمن هكذا، فلا يقول- كما يقوله بعض الجهال كيف زالت نعمتى و حلّ بى الشقاء و انا اطعت اللّه و عملت بأوامر الرسول و الأئمة عليهم السلام (و على ان لا يشفى غيظه الا بفضيحة نفسه)

ص: 41

لان المؤمن ملجم.

و ذلك لغاية قصيرة، و راحة طويلة اخذ الله ميثاق المؤمن على اشياء ايسرها مؤمن مثله، يقول بمقالة يبغيه و يحسده و شيطان يغويه و يمقته و سلطان يقفو اثره و يتبع عثراته و كافر بالذى هو مؤمن به يرى سفك دمه دينا

______________________________

فان شفاء الغيظ يلازم الانتقام، و الانتقام فضيحة للمؤمن، لان الناس يتوقعون منه الهدوء و السكينة، و العفو و الاغماض.

و هذا من الامام عليه السلام تنبيه لعبد الله لان يأخذ جانب العفو و الاحسان (لان المؤمن ملجم) كالحيوان الّذي الجم فمه، فلا يقدر على الصهيل، و ما اشبه.

(و ذلك) الالتزام بهذه الصفات الصعبة (لغاية) اى مدة (قصيرة) فى الدنيا (و راحة طويلة) فى الآخرة (اخذ الله ميثاق المؤمن) و عهده الاكيد (على اشياء) بان يصبر عليها و يصفح عنها (ايسرها) عليه (مؤمن مثله، يقول بمقالته) فى الايمان (يبغيه) اى يظلمه (و يحسده) اذا رآه فى علوّ و رفعة (و شيطان يغويه) اى يريد ان يضلّه عن الطريق (و يمقته) اى يبغضه و مقت الشيطان يسبب اهتمامه فى ايذائه و اضلاله (و سلطان) الجائر (يقفو) و يتبع (اثره) كيف عمل، و كيف تكلم، و ما ذا صنع، اى يراقبه ليؤذيه و يسلب راحته و حريته (و يتبع عثراته) و زلّاته ليحاسبه عليها (و) الحال ان السلطان (كافر بالذى هو مؤمن به) اما كفر فى العقيدة او كفر فى العمل (يرى) ذلك السلطان (سفك دمه) اى اراقته (دينا) اى انه من الدين، كما كان يرى ملوك بنى امية و بنى العباس هذا المعنى

ص: 42

و إباحة حريمه غنما، فما بقاء المؤمن بعد هذا.

يا عبد الله و حدثنى ابى، عن آبائه عن على عليهم السلام، عن النبي صلى الله عليه و آله، قال نزل جبرئيل عليه السلام، فقال يا محمد ان الله يقرئك السلام، و يقول: اشتققت للمؤمن اسما من اسمائى سميته مؤمنا، فالمؤمن منّى و انا منه،

______________________________

بالنسبة الى الأئمة الطاهرين و الشيعة (و إباحة حريمه) اى سبيهم و اباحتهم (غنما) غنيمة، كما يغنم المسلم من الكافر حريمه (فما بقاء المؤمن) فى الدنيا (بعد هذا) النوع من الصعوبات.

(يا عبد الله) و كان هذه الجملة للتنبيه على لزوم الانصراف عن الدنيا، و الزهد فى البقاء بها (و حدثنى ابى، عن آبائه عن على عليهم السلام، عن النبي صلى الله عليه و آله، قال نزل جبرئيل عليه السلام، فقال يا محمد) صلى الله عليه و آله (ان الله يقرئك السلام، و يقول: اشتققت للمؤمن اسما من اسمائى) فالله «مؤمن» كما فى الآية الكريمة «هُوَ اللّٰهُ الَّذِي لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلٰامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ»

و المراد: ان الله يؤمن روعة الناس، كما ان المؤمن معناه من آمن و اعتصم و تمسك بما جاء به الأنبياء.

و المراد بالاشتقاق معناه اللغوى و هو امتداد الاصل فى الفرع و هنا الامتداد مادة و صورة، لان لفظ الاصل «المؤمن» و لفظ الفرع «المؤمن» أيضا (سميته مؤمنا، فالمؤمن منّى و انا منه).

و المراد الارتباط من الرب و المؤمن ارتباط الرحمة و الفضل من

ص: 43

من استهان بمؤمن فقد استقبلنى بالمحاربة.

يا عبد الله و حدثنى ابى عن آبائه، عن على عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله، انه قال يوما: يا على لا تناظر رجلا حتى تنظر فى سريرته.

فان كانت سريرته حسنة فان الله عز و جل لم يكن ليخذل وليه.

______________________________

جانبه، و الاطاعة و الخضوع من جانب المؤمن (من استهان بمؤمن فقد استقبلنى بالمحاربة).

و لعل الاتيان بلفظ «استقبلنى» لاجل بيان كثرة الوقاحة، فان من يستقبل الشخص بالمكروه اكثر وقاحة ممن يأتيه من الخلف او الجانب.

(يا عبد الله و حدثنى ابى عن آبائه، عن على عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال يوما: يا على لا تناظر رجلا) اى لا تجادله و لا تباحثه فى الامور (حتى تنظر فى سريرته) اى تتعرف على باطنه، و التعرف على الباطن انما هو بمعرفة احوال الرجل من الخارج هل انه انسان خبيث او طيب السريرة.

(فان كانت سريرته حسنة) فناظره، لان حقك يقع منه مورد القبول لطيب باطنه (فان الله عز و جل لم يكن ليخذل وليه) اى انت.

و الحاصل: ان المحل اذا كان قابلا و عون الله موجود، كان لك الغلب فى احقاق الحق، فلا يقال: ان الله لا يخذل وليه، سواء كان باطن الطرف حسنا او سيئا.

ص: 44

و ان كانت سريرته ردية فقد يكفيه مساويه.

فلو جهدت ان تعمل به اكثر ما عمل به من معاصى اللّه عز و جل ما قدرت عليه.

يا عبد الله و حدثنى ابى، عن آبائه، عن على عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله، انه قال: ادنى الكفران يسمع الرجل من اخيه

______________________________

(و ان كانت سريرته ردية) ممن لا يقبل الحق و ان رآه و علم به (ف) لا تناظره، بل اترك المباحثة معه.

اذ (قد يكفيه مساويه) فى اليأس منه، فان عدم قابلية المحل يوجب عدم اتعاب الانسان نفسه، الا لتوهم اتمام الحجة- الّذي ان تمت عليه سبب عصيانا آخر له- لكن هذه أيضا ليست فائدة.

(فلو جهدت ان تعمل به اكثر ما عمل به من معاصى الله عز و جل ما قدرت عليه) فان الانسان الخبيث السريرة لا يألوا ان يرتكب المعاصى، و فى الغالب يعلم هؤلاء الحق، فيجحدونه، فالبحث معه لا يفيد لا هداية لانه معاند، و لا زيادة معصية له، لانه تم عليه الحجة من ذى قبل.

هذا معنى هذه الجملة من قوله: يا عبد الله، حسب ما فهمت.

و الظاهر ان الامام يريد ارشاد النجاشى الى فائدة هى ان لا يجادل احدا الا اذا عرف انه ممن اذا رأى الحق قبله.

(يا عبد الله و حدثنى ابى، عن آبائه، عن على عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله، انه قال: ادنى الكفر) و المراد به الكفر العملى لا الكفر العقيدى كما مر تفصيله مكررا (ان يسمع الرجل من اخيه

ص: 45

الكلمة فيحفظها عليه، يريد ان يفضحه بها، اولئك لا خلاق لهم.

يا عبد الله و حدثنى ابى، عن آبائه، عن على عليه السلام انه قال:

من قال فى مؤمن ما رأت عيناه و سمعت اذناه ما يشينه و يهدم مروته فهو من الذين قال الله عز و جل: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ.

يا عبد الله و حدثنى ابى، عن آبائه، عن على عليه السلام انه قال:

______________________________

الكلمة فيحفظها عليه، يريد ان يفضحه بها، اولئك لا خلاق لهم) اى لا نصيب لهم فى الآخرة، او لا نصيب لهم من الايمان.

و هذا أيضا ارشاد آخر فى نبذ الاحقاد و الضغائن و ما اشبه ذلك.

(يا عبد الله و حدثنى ابى، عن آبائه، عن على عليه السلام انه قال:

من قال فى مؤمن) ذما من (ما رأت عيناه و سمعت اذناه) كان رآه يشرب الخمر، او سمعه يغنى، ثم قال ذلك للناس، لا فى مثل مقام الشهادة و النهى عن المنكر و ما اشبه ب (ما يشينه) اى يدخل الشين، ضد الزين عليه (و يهدم مروته) و ماء وجهه، حتى يرى الناس انه لا رجولة و شهامة له (فهو) اى القائل (من الذين قال الله عز و جل: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ) اى المعصية المتعدية عن الحدود، و غالبا تطلق على عظائم المعاصى (فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ).

و الظاهر: ان المراد دخوله فى الآية بالمناط، و ان كان ربما لا يدخل فيها بالشمول اللفظى.

(يا عبد الله و حدثنى ابى، عن آبائه، عن على عليه السلام انه قال:

ص: 46

من روى عن اخيه المؤمن رواية يريد بها هدم مروته و شينه، او ثقه الله بخطيئته يوم القيامة حتى يأتى بالمخرج مما قاله و لن يأتى بالمخرج منه ابدا.

و من ادخل على اخيه المؤمن سرورا، فقد ادخل على اهل بيت نبيه (ص) سرورا، و من ادخل على اهل بيت نبيه (ص) سرورا، فقد ادخل على رسول الله (ص) سرورا، و من ادخل على رسول الله (ص) سرورا، فقد سر الله و من سر الله، فحقيق على الله ان يدخله جنته.

______________________________

من روى عن اخيه المؤمن رواية) اى نقل عنه نقلا يشينه، و هذا ادنى من الجملة السابقة «ما راته عيناه» فان الانسان قد يقول: فلان يشرب الخمر، و قد يقول: يقولون فلان يشرب الخمر (يريد بها هدم مروته و شينه، او ثقه الله بخطيئته يوم القيامة) اى الزمه بها، و طلب منه المبرر لما قاله: و المجوز لهذه النسبة الى ذلك الرجل (حتى يأتى بالمخرج مما قاله) اى بالمجوز الشرعى الّذي يخرجه عن الخطيئة (و لن يأتى بالمخرج منه ابدا) اذا لمفروض انه عصى فى نقل هذه الرواية، فكيف له ان يأتى بالمجوز؟

(و من ادخل على اخيه المؤمن سرورا، فقد ادخل على اهل بيت نبيه (ص) سرورا، و من ادخل على اهل بيت نبيه (ص) سرورا، فقد ادخل على رسول الله (ص) سرورا، و من ادخل على رسول الله (ص) سرورا، فقد سر الله، و من سرّ الله، فحقيق) اى حرى جدير (على الله ان يدخله جنته).

و من المعلوم: ليس المراد سرور الله حالة طارئة، فانه سبحانه منزه عن الجسم و الجسمانيات.

و انما المراد النتائج، كما قالوا: خذ الغايات و اترك المبادى.

ص: 47

ثم انى اوصيك بتقوى الله و ايثار طاعته، و الاعتصام بحبله.

فانه من اعتصم بحبل الله فقد هدى الى صراط مستقيم، فاتق الله و لا تؤثر احدا على رضاه و هواه.

فانه وصية الله عز و جل الى خلقه.

______________________________

و من الواضح ان ليس المراد هنا النتيجة بمعنى ادخال الجنة لتفرع دخول الجنة على السرور، بل المراد ما هو مقدمة لدخول الجنة، كالكتابة فى السعداء، و ما اشبه، كقوله تعالى «كنت كنزا مخفيّا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكى اعرف» و كقوله سبحانه فى القرآن الحكيم «فَلَمّٰا آسَفُونٰا انْتَقَمْنٰا مِنْهُمْ» الى غيرهما.

(ثم) يا عبد الله (انى اوصيك بتقوى الله و ايثار طاعته) اى تقديم طاعته على عصيانه اذا دار الامر بينهما (و الاعتصام) و التمسك (بحبله).

اما المراد بذلك القرآن، او مطلق او امره سبحانه، فكانه حبله من تمسك به جر الى فوق، تشبيها بمن فى منخفظ فيأخذ الحبل المتدلى له من فوقه فيجر الى العلو و المرتفع.

(فانه من اعتصم بحبل الله فقد هدى الى صراط مستقيم، فاتق الله) اى خف منه فى اعمالك و افعالك (و لا تؤثر) اى لا تقدم (احد اعلى رضاه) سبحانه (و هواه) اى امره.

و اطلاق الهوى عليه سبحانه من باب المقابلة، من قبيل «تعلم ما فى نفسى، و لا اعلم ما فى نفسك».

(فانه) اى ايثار الطاعة على سواها (وصية الله عز و جل الى خلقه)

ص: 48

لا يقبل منهم غيرها و لا يعظم سواها.

و اعلم ان الخلق لم يوكلوا بشي ء اعظم من تقوى الله فانها وصيتنا اهل البيت فان استطعت ان تنال من الدنيا شيئا يسأل الله عنه غدا فافعل.

قال عبد الله بن سليمان، فلما وصل كتاب الصادق عليه السلام الى النجاشى، نظر فيه، فقال صدق و الله الّذي لا آله الا هو، مولاى، فما عمل احد بما فى هذا الكتاب الّا نجى، قال: فلم يزل عبد الله يعمل به ايام حياته.

______________________________

فانه سبحانه اوصى الخلق بذلك بحيث (لا يقبل منهم غيرها) اى غير الطاعة (و لا يعظم سواها) و انما تعظم الطاعة و العمل بتلك الوصية.

(و اعلم ان الخلق لم يوكلوا بشي ء اعظم من تقوى الله) اى ان اعظم ما القى فى عاتق الانسان هو التقوى، لانها اشكل الاشياء و اصعبها (فانها) اى التقوى (وصيتنا اهل البيت) نوصى بها الناس (فان استطعت ان تنال من الدنيا شيئا) محرما (يسأل الله عنه غدا فافعل) اى اترك جميع المعاصى ما استطعت، كما قال سبحانه «فَاتَّقُوا اللّٰهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ».

(قال عبد الله بن سليمان، فلما وصل كتاب الصادق عليه السلام الى النجاشى، نظر فيه، فقال صدق و الله الّذي لا آله الا هو، مولاى، فما عمل احد بما فى هذا الكتاب الا نجى، قال: فلم يزل عبد الله يعمل به ايام حياته).

و الظاهر ان المصنف ره نقل هذا الخبر- بطوله- تنبيها للحكام و الولاة، فينبغى ان يعمم اهل العلم هذا الكتاب الكريم الى الموظفين، و من إليهم حتى يجعله المتدين منهم دستور حياته، و بذلك يرتاح كثير من الناس موظفا و مراجعا و من إليهما و الله المستعان.

ص: 49

[السابعة و العشرون هجاء المؤمن حرام]

السابعة و العشرون هجاء المؤمن حرام بالأدلّة الاربعة، لانه همز و لمز، و اكل اللحم، و تعيير و اذاعة سرّ.

و كل ذلك كبيرة موبقة.

و يدل عليه فحوى جميع ما تقدم فى الغيبة، بل البهتان أيضا بناء اعلى تفسير الهجاء بخلاف المدح- كما عن الصحاح- فيعم ما فيه من المعايب و ما ليس فيه- كما عن القاموس و النهاية و المصباح- لكن مع تخصيصه فيها بالشعر.

______________________________

المسألة (السابعة و العشرون) مما يحرم الاكتساب به لكونه محرما فى نفسه (هجاء المؤمن حرام بالأدلّة الاربعة، لانه همز و لمز، و اكل اللحم).

فيشمله قوله سبحانه: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ.

و قوله سبحانه: أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ (و تعيير و اذاعة سرّ).

فيشمله الادلة الدالة على تحريم هذه الامور- مما تقدم-.

اما الاجماع و تقبيح العقل لذلك، فاوضح من ان يخفى.

(و كل ذلك كبيرة موبقة) اى مهلكة.

(و يدل عليه فحوى) و مناط (جميع ما تقدم فى الغيبة، بل) ما تقدم فى (البهتان أيضا بناء اعلى تفسير الهجاء بخلاف المدح- كما عن الصحاح- فيعم) الهجاء (ما فيه) اى المهجو (من المعايب و ما ليس فيه، كما عن القاموس و النهاية و المصباح لكن مع تخصيصه) اى الهجاء (فيها) اى فى النهاية و القاموس و الصحاح (بالشعر) فالنثر لا يسمى هجاء- عندهم-.

ص: 50

و اما تخصيصه بذكر ما فيه بالشعر كما هو ظاهر جامع المقاصد، فلا يخلو عن تأمّل.

و لا فرق فى المؤمن بين الفاسق و غيره.

و اما الخبر: محصوا ذنوبكم بذكر الفاسقين فالمراد به الخارجون عن الايمان او المتجاهرون بالفسق.

و احترز بالمؤمن عن المخالف فانه يجوز هجوه

______________________________

(و اما تخصيصه) اى الهجاء (بذكر ما فيه) فقط، دون ما ليس فيه (بالشعر) فقط (كما هو ظاهر جامع المقاصد، فلا يخلو عن تأمّل) لانه خلاف اللغة و العرف العام، و موارد الاستعمال، كما لا يخفى.

(و لا فرق فى المؤمن بين الفاسق و غيره) فى حرمة هجائه، لاطلاق الادلة.

(و اما الخبر) الّذي يمكن ان يوهم جواز هجاء الفاسقين من قوله عليه السلام: (محصوا ذنوبكم) اى امحوها (بذكر الفاسقين) الظاهر منه ذمهم و هجائهم (فالمراد به الخارجون عن الايمان او المتجاهرون بالفسق).

لوضوح ان الفاسق محترم أيضا، حتى بالنسبة الى الاحترامات الاولية، فلا يجوز غيبته و اهانته و النميمة عليه، خصوصا و الظاهر من الفاسق المنصرف عنه ليس الفاسق مقابل العادل بل احد المعنيين بل يقرب ان يكون المعنى الاول.

(و احترز بالمؤمن) فى عنوان المبحث (عن المخالف فانه يجوز هجوه

ص: 51

لعدم احترامه.

و كذا يجوز هجاء الفاسق المبدع لئلا يؤخذ ببدعه، لكن بشرط الاقتصار على المعايب الموجودة فيه، فلا يجوز بهته بما ليس فيه، لعموم حرمة الكذب.

و ما تقدم من الخبر فى الغيبة من قوله عليه السلام فى حق المبتدعة باهتوهم لكى لا يطمعوا فى اضلالكم محمول على اتهامهم و سوء الظن بهم بما يحرم اتهام المؤمن به بان يقال: لعله زان او سارق.

و كذا اذا زاده ذكر ما ليس فيه من باب

______________________________

لعدم احترامه) و قد تقدم فى مبحث الغيبة ما ينفع المقام.

(و كذا يجوز هجاء الفاسق المبدع) كما تقدم فى مبحث الغيبة.

و ذلك (لئلا يؤخذ ببدعه، لكن بشرط الاقتصار على المعايب الموجودة فيه، فلا يجوز بهته) اى اتهامه (بما ليس فيه، لعموم حرمة الكذب) و البهت قسم من الكذب.

(و) ان قلت: مقتضى القاعدة جواز البهت ل (ما تقدم من الخبر فى) باب (الغيبة من قوله عليه السلام فى حق المبتدعة) اى الطوائف المبدعة (باهتوهم لكى لا يطمعوا فى اضلالكم).

قلت: كلا، لان الخبر (محمول على اتهامهم، و) الاتهام بمعنى (سوء الظن بهم بما يحرم اتهام المؤمن به).

و ذلك (بان يقال: لعله زان او سارق) او ما اشبه ذلك.

(و كذا اذا زاده) اى زاد ما ساءه الظن، ب (ذكر ما ليس فيه من باب

ص: 52

المبالغة.

و يحتمل ابقائه على ظاهره بتجويز الكذب عليهم لاجل المصلحة، فان مصلحة تنفير الخلق عنهم اقوى من مفسدة الكذب.

و فى رواية ابى حمزة عن ابى جعفر عليه السلام، قال: قلت له: ان بعض اصحابنا يفترون و يقذفون من خالفهم فقال: الكف عنهم اجمل، ثم قال لى- و الله يا أبا حمزة ان الناس كلهم اولاد بغايا ما خلا شيعتنا ثم قال

______________________________

المبالغة) كان يقول: يحتمل انه يزنى كل يوم.

فاصل الزنا من باب سوء الظن، و كل يوم من باب المبالغة هذا بناء على ان البهت- فى الحديث- شامل لسوء الظن.

(و يحتمل ابقائه على ظاهره) من جواز الاتهام، بما نعلم انه ليس فيه (بتجويز الكذب عليهم، لاجل المصلحة، فان مصلحة تنفير الخلق عنهم اقوى من مفسدة الكذب).

و لعل سبب جواز الكذب ان العامة غالبا لا يعرفون مواضع البدع، فاذا قيل لهم بان فلانا ابدع بكذا، لم يروه مانعا عن كونه انسانا متدينا

اما البهت بما يعرفه العامة فهو موجب لتنفر العامة، فلا تنفذ بدعهم فيهم.

(و فى رواية ابى حمزة عن ابى جعفر عليه السلام، قال: قلت له:

ان بعض اصحابنا يفترون و يقذفون) القذف السباب و الرمى بالزنا، و ما اشبه (من خالفهم فقال: الكف) و الامساك (عنهم اجمل، ثم قال لى- و الله يا أبا حمزة- ان الناس كلهم اولاد بغايا ما خلا شيعتنا ثم قال)

ص: 53

نحن اصحاب الخمس، و قد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا.

و فى صدرها دلالة على جواز الافتراء- و هو القذف- على كراهة.

ثم اشار عليه السلام الى اولوية قصد الصدق بإرادة الزنا، من حيث استحلال حقوق الائمة.

______________________________

عليه السلام: (نحن اصحاب الخمس، و قد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا).

و الظاهر: ان المراد من «البغاء» فى مقابل طيب الولادة الّذي لا يتحقق واقعا الا بالطهارة الكاملة، لوضوح ان القاصر و هم اكثر الناس غير مكلفين.

(و فى صدرها دلالة على جواز الافتراء- و هو القذف- على كراهة) لانه عليه السلام قال: الكف عنهم اجمل، فيفهم منه جواز عدم الكف كما لا يخفى-.

(ثم اشار عليه السلام الى اولوية قصد الصدق بإرادة الزنا) المعنوى كشرك الشيطان، و ما اشبه (من حيث استحلال حقوق الائمة).

و يؤيد ما فسرنا الحديث عنه، ما ورد من قوله عليه السلام: لكل قوم نكاح و ما اشبه، مما دلّ على ان مقاربتهم ليست سفاحا.

ثم لا يبعد اختلاف مراتب الهجاء و المهجو فى العقاب.

فالهجو الخفيف و هجو الانسان العادى ليس كالهجو المر، و هجو العالم، و من اشبه.

كما ان الظاهر لزوم محو الهجو، اذا هجاه فى شعر، او كتاب، و شريط التسجيل مما يبقى و يكون هجوا مستمرا.

ص: 54

[الثامنة و العشرون الهجر:]

الثامنة و العشرون الهجر: بالضم و هو الفحش من القول، و ما استقبح التصريح به منه ففى صحيحة ابى عبيدة: البذاء من الجفاء، و الجفاء فى النار.

و فى النبوى (ص): ان الله حرم الجنة على كل فحاش بذىّ، قليل الحياء، لا يبالى بما قال، و لا ما قيل فيه.

و فى رواية سماعة: اياك ان تكون فحاشا.

و فى النبوى صلى الله عليه و آله: ان من شرّ عباد الله من يكره مجالسته

______________________________

المسألة (الثامنة و العشرون) مما يحرم الاكتساب به لكونه محرما فى نفسه (الهجر: بالضم) اى بضم الهاء و سكون الجيم (و هو الفحش من القول، و ما استقبح التصريح به منه) اى من القول.

(ففى صحيحة ابى عبيدة: البذاء) اى الكلام السيّئ (من الجفاء، و الجفاء فى النار) و من المعلوم حرمة ما يوجب النار.

(و فى النبوى (ص): ان الله حرم الجنة على كل فحاش بذىّ، قليل الحياء، لا يبالى بما قال، و لا ما قيل فيه) و تحريم الجنة، و ان لم يكن صريحا فى الحرمة الا انه دالّ عليه بالفهم العرفى.

(و فى رواية سماعة: اياك ان تكون فحاشا) و ظاهره النهى، كما ان الظاهر عرفا: المنع عن هذا الجنس، لا عن خصوص كثرة الفحش.

(و فى النبوى صلى الله عليه و آله: ان من شرّ عباد الله من يكره مجالسته

ص: 55

لفحشه.

و فى رواية من علامات شرك الشيطان الّذي لا شك فيه: ان يكون فحاشا، لا يبالى بما قال، و لا ما قيل فيه، الى غير ذلك من الاخبار.

هذا آخر ما تيسر تحريره من المكاسب المحرمة.

______________________________

لفحشه) و الظاهر من كونه «من الشر» ان عمله حرام.

(و فى رواية) ان (من علامات شرك الشيطان) اى اشتراكه فى نطفة ابيه (الّذي لا شك فيه: ان يكون) الشخص (فحاشا، لا يبالى بما قال، و لا ما قيل فيه) و هذه الرواية تصلح مؤيدة للمطلوب- كما لا يخفى- (الى غير ذلك من الاخبار) الواردة فى هذا الباب مما يجده الراجع فى الوسائل و المستدرك و البحار و جامع السعادات.

(هذا آخر ما تيسر تحريره من المكاسب المحرمة) و هناك امور اخر لم يذكرها المصنف رحمه الله يجدها المريد فى باب الاخلاق، من الكتب السابقة و غيرها، و الله المستعان.

ص: 56

[النوع الخامس مما يحرم التكسب به: ما يجب على الانسان فعله عينا او كفاية تعبّد او توصّلا]

[حرمة التكسب بالواجبات]
اشارة

الخامس مما يحرم التكسب به: ما يجب على الانسان فعله عينا او كفاية تعبّد او توصّلا، على المشهور بل عن مجمع البرهان كأنّ دليله الاجماع

و الظاهر ان نسبته الى الشهرة فى المسالك فى مقابل قول السيد المخالف فى وجوب تجهيز الميت على غير الولى، لا فى حرمة اخذ الاجرة على تقدير الوجوب عليه.

______________________________

(الخامس مما يحرم التكسب به: ما يجب على الانسان فعله) سواء كان واجبا (عينا) كقضاء صلاة الأب على الولد الاكبر (او كفاية) كغسل الميت (تعبّدا) بان اعتبر فيه قصد القربة (او توصّلا) بان لم يعتبر فيه قصد القربة (على المشهور) فى حرمة الاكتساب بالواجب، و حرمة اخذ الاجرة عليه (كما فى المسالك) فانه نسب الحكم الى المشهور (بل عن مجمع البرهان كان دليله الاجماع).

(و) على هذا ف (الظاهر ان نسبته الى الشهرة فى المسالك فى مقابل قول السيد المخالف فى وجوب تجهيز الميت على غير الولى).

فالسيّد المرتضى يقول: ان تجهيز الميّت لا يجب على غير الولى فاذا لم يجب جاز اخذ الأجرة عليه.

و صاحب المسالك يريد ان يقول ان كلام السيد مخالف للمشهور (لا فى حرمة اخذ الاجرة) على تجهيز الميت (على تقدير الوجوب عليه) اى على غير الولى.

ص: 57

و فى جامع المقاصد: الاجماع على عدم جواز اخذ الاجرة على تعليم صيغة النكاح، او القائها على المتعاقدين، انتهى.

و كان لمثل هذا و نحوه ذكر فى الرياض: ان على هذا الحكم الاجماع فى كلام جماعة، و هو الحجة، انتهى.

______________________________

فالنزاع بين السيد و بين غيره صغروى، لا كبروى،.

و صاحب المسالك يدعى الشهرة على خلاف السيد، و منه يعلم ان المسألة كبرى- اى حرمة اخذ الاجرة على الواجبات- محلّ اجماع لا خلاف فيه.

(و فى جامع المقاصد: الاجماع على عدم جواز اخذ الاجرة على تعليم صيغة النكاح، او القائها) اى الصيغة (على المتعاقدين) فى حال اجراء العقد (انتهى) كلام جامع المقاصد

و هذا غير التعليم اذ كثيرا ما لا يتعلم الانسان بمثل هذا النحو من الالقاء.

(و كان لمثل هذا) الاجماع، و ان كان فى مسألة خاصة (و نحوه) مما تقدم من كلام مجمع البرهان و غيره (ذكر فى الرياض: ان على هذا الحكم) اى حرمة اخذ الاجرة فى الواجبات (الاجماع فى كلام جماعة).

ثم قال الرياض: (و هو الحجة، انتهى) كلامه.

اقول: و لكنك خبير باختلاف الاقوال فى المسألة حتى انهاها بعضهم الى تسعة.

فكيف يمكن دعوى الاجماع مضافا الى سكوت جماعة عن اصل المسألة

ص: 58

و اعلم ان موضوع هذه المسألة ما اذا كان الواجب على العامل منفعة تعود الى من يبذل بإزائه المال، كما لو كان كفائيا، و اراد سقوطه منه، فاستأجر غيره او كان عينيا على العامل و رجع نفعه منه الى باذل المال، كالقضاء للمدعى، اذا

______________________________

بعدم تعرضهم لها.

هذا على انه غير خفى عدم حجية الاجماع المحتمل الاستناد.

و هذا من اظهر مصاديق ذلك، حيث استدل كل قائل بالدليل.

و الحاصل: ان الاجماع محل مناقشة صغرى و كبرى.

(و اعلم ان موضوع هذه المسألة) فيما كان واجب يعود نفعه الى المستأجر كالقضاء.

اما اذا لم يعد نفعه الى المستأجر كاعطاء الاجرة لزيد، فى مقابل ان يصلى الظهر، فلا اشكال فى عدم الجواز، لانه لا منفعة تعود الى صاحب المال، فهو اكل للمال بالباطل.

فالمسألة انما هى فى (ما اذا كان الواجب على العامل منفعة تعود الى من يبذل بإزائه) اى بإزاء ذلك الواجب (المال، كما لو كان) الواجب (كفائيا، و اراد) باذل المال (سقوطه منه، فاستأجر غيره).

كما لو دخل زيد المسجد، فرآه نجسا، فاعطى لعمرو دينارا ليطهّره حيث ان زيدا انتفع بهذا الايجار، بسقوط التطهير عنه، لقيام غيره بالتطهير (او كان) الواجب (عينيا على العامل، و رجع نفعه منه) اى من العامل (الى باذل المال كالقضاء) الّذي يجب على الفقيه (للمدعى اذا

ص: 59

وجب عينا.

و بعبارة اخرى مورد الكلام ما لو فرض مستحبا، لجاز الاستيجار عليه لان الكلام فى كون مجرد الوجوب على الشخص مانعا عن اخذ الاجرة عليه.

______________________________

وجب عينا) بان انحصر القاضى فى شخص واحد، فان وجوب القضاء على الفقيه- وجوبا عينيا- لا ينافى اخذ الاجرة، حيث ان نفعه يعود الى المدعى.

(و بعبارة اخرى) فى تنقيح موضوع المسألة (مورد الكلام) هو (ما) اى الواجب الّذي (لو فرض مستحبا، لجاز الاستيجار عليه) بان كان للعمل منفعة تعود الى الباذل.

و انما منع عن اخذ الاجرة الوجوب (لان الكلام فى كون مجرد الوجوب على الشخص مانعا عن اخذ الاجرة عليه).

فمورد البحث جهة الوجوب، لا جهة العبادية، و لا جهة عدم المنفعة فانه قد نتكلم فى انه هل يصح اخذ الاجرة على الواجب و ان لم يكن عبادة.

و قد نتكلم فى انه هل يصح اخذ الاجرة على العبادة و ان لم تكن واجبة.

و قد نتكلم فى انه هل يصح اخذ الاجرة على ما لا منفعة فيه للباذل، و مورد الكلام هو الاول.

ص: 60

فمثل فعل الشخص صلاة الظهر عن نفسه، لا يجوز اخذ الاجرة عليه، لا لوجوبها، بل لعدم وصول عوض المال الى باذله.

فان النافلة أيضا كذلك.

و من هنا يعلم فساد الاستدلال على هذا المطلب بمنافات ذلك للاخلاص فى العمل

______________________________

(فمثل فعل الشخص صلاة الظهر عن نفسه، لا يجوز اخذ الاجرة عليه) ليس محل الكلام.

اذ عدم جواز اخذ الاجرة (لا) يكون (لوجوبها).

فوجوب صلاة الظهر لم يمنع من اخذ الاجرة حتى يكون من مصاديق مسئلتنا (بل) عدم الجواز (لعدم وصول عوض المال الى باذله).

فان صلاة عمرو لا تنفع زيدا الباذل له المال، لاجل ان يصلى.

(ف) الدليل على ان المانع عن اخذ الاجرة لصلاة الظهر هو عدم النفع، لا الوجوب، ل (ان النافلة أيضا كذلك) فلا يصح اعطاء زيد اجرة لعمرو، لاجل صلاة نافلة الظهر مثلا.

(و من هنا) الّذي ذكرنا ان الكلام فى منافات الاجرة للوجوب، و ان مورد البحث اخذ الاجرة على الواجب، بما هو واجب (يعلم فساد الاستدلال على هذا المطلب) اى مطلب عدم جواز اخذ الاجرة على الواجبات (بمنافات ذلك) الاخذ للاجرة (للاخلاص فى العمل).

وجه الاستدلال: ان معنى الاخلاص كون العمل خالصا لله.

و معنى اخذ الاجرة كون الاتيان بالعمل لاجل الاجرة و هما متنافيان

ص: 61

لانتقاضه طردا و عكسا بالمندوب و الواجب التوصلى.

و قد يردّ ذلك بان تضاعف الوجوب بسبب الاجارة، يؤكد الاخلاص

______________________________

و وجه فساد هذا الاستدلال (لانتقاضه) اى هذا الاستدلال (طردا) اى ليس مانعا للاغيار، لان هذا الاستدلال يقتضي عدم جواز اخذ الاجرة على المستحب أيضا (و عكسا) اى ليس جامعا للافراد، لان هذا الاستدلال يقتضي جواز اخذ الاجرة على الواجب التوصلى- اذ لا يشترط فيه الاخلاص- لانتقاضه (بالمندوب) للطرد (و الواجب التوصلى) للعكس.

و انما سمى المانع، طردا، و الجامع عكسا، لان هناك قضيتين:

الاولى: «كلما صدق الحدّ صدق المحدود»- فاذا صدق الحدّ على غير المحدود، كان الطرد أي المنع عن الاغيار، فاسدا.

الثانية: عكس القضية الاولى و هو «كلما لم يصدق الحدّ لم يصدق المحدود» فاذا لم يصدق الحد، و صدق المحدود، كان العكس- اى القضية الثانية التى هى عكس الاولى- و هو الجمع للافراد، فاسدا.

(و قد يردّ ذلك) الدليل الّذي ذكر، لاجل عدم جواز اخذ الاجرة على الواجب من منافات ذلك للاخلاص و الراد هو صاحب الجواهر (بان تضاعف الوجوب) وجوب العمل شرعا، و وجوب العمل لانه متعلق الاجارة الّذي يلزم الوفاء به، فانه زاد وجوبا (بسبب الاجارة، يؤكد الاخلاص).

لان الشارع كما اوجب العمل، كذلك اوجب الوفاء بالاجارة.

ص: 62

و فيه- مضافا الى اقتضاء ذلك الفرق بين الاجارة و الجعالة حيث ان الجعالة لا توجب العمل على العامل- انه ان اريدان تضاعف الوجوب يؤكد اشتراط الاخلاص.

فلا ريب ان الوجوب الحاصل بالاجارة توصلى.

______________________________

فالآتى به يعلم ان الله سبحانه يريد هذا العمل إرادة مؤكّدة.

و هذا مما يقوّى الاخلاص لا مما يضعفه و ينافيه.

(و فيه- مضافا الى اقتضاء ذلك) الرد- بان الاجارة توجب اقوائية الاخلاص- (الفرق) مفعول «اقتضاء» (بين الاجارة و الجعالة، حيث ان الجعالة لا توجب العمل على العامل-) فاللازم ان يجوّز هذا المراد اخذ الاجرة على الواجب، لان الاجرة تؤكد الاخلاص، و لا تجوّز اخذ الجعل على الواجب لان الجعل لا يؤكد الاخلاص.

و من المعلوم: ان احدا لا يفرق بين الاجارة و الجعالة من هذه الجهة (انه) ما ذا يريد الجواهر بقوله: تضاعف الوجوب يؤكد الاخلاص.

او يريد ان الوجوب المؤكد يزيد فى تحقق الاخلاص خارجا.

و على كل تقدير، يرد على الجواهر اشكالان لانه (ان اريد) المعنى الاول بتقريب (ان تضاعف الوجوب يؤكد اشتراط الاخلاص) لان الوجوب يتكرر- باصل الشرع و بالاجارة- و كل واحد منهما انما يتأتى اذا كان العمل مقترنا بالاخلاص.

(ف) فيه أولا: انه (لا ريب ان الوجوب الحاصل بالاجارة توصلى) لا تعبدى حتى يحتاج الى الاخلاص.

ص: 63

لا يشترط فى حصول ما وجب به قصد القربة.

مع ان غرض المستدل منافات قصد اخذ المال لتحقق الاخلاص فى العمل، لا لاعتباره فى وجوبه.

و ان اريد انه يؤكد تحقق الاخلاص من العامل.

فهو مخالف للواقع قطعا لان ما لا يترتب عليه اجر دنيوى اخلص مما يترتب

______________________________

ف (لا يشترط فى حصول ما وجب به) اى بالوجوب الاجارى (قصد القربة).

فكما انه اذا آجره لبناء داره لا يشترط فى حصول متعلق الاجارة قصد البناء القربة، كذلك اذا آجره الأب لاتيان صلاته بعد موته لا يشترط فى حصول متعلق الاجارة- بما هو متعلق الاجارة- قصد القربة.

(مع) انه يرد على المعنى الاول ثانيا (ان غرض المستدل) بقوله:

بمنافات اخذ الاجرة للاخلاص (منافات قصد اخذ المال لتحقق الاخلاص فى العمل) خارجا، فاذا اتى بالصلاة كان قصده حصول المال، كقصد البناء و النجار، لا قصده حصول القرب من الله تعالى (لا لاعتباره) اى الاخلاص (فى وجوبه) اى وجوب الواجب، حتى يقول الجواهر ان الوجوب يؤكد الاخلاص، و لا ينافيه.

(و ان اريد) المعنى الثانى، بتقريب (انه) اى الايجار (يؤكد تحقق الاخلاص من العامل) خارجا.

(ف) أولا (هو مخالف للواقع قطعا، لان ما لا يترتب عليه اجر دنيوى اخلص مما يترتب

ص: 64

عليه ذلك بحكم الوجدان.

هذا مع ان الوجوب الناشئ من الاجارة انما يتعلق بالوفاء بعقد الاجارة.

و مقتضى الاخلاص المعتبر فى ترتب الثواب على موافقة هذا الامر و لو لم يعتبر فى سقوطه- هو اتيان الفعل من حيث استحقاق المستأجر له بإزاء ماله.

فهذا المعنى

______________________________

عليه ذلك بحكم الوجدان).

فان العمل اذا كان للّه وحده لم يكن فيه شائبة.

و اما اذا كان للّه و لغير اللّه كانت فيه شائبة- كما لا يخفى-.

(هذا مع) انه يرد على المعنى الثانى ثانيا (ان الوجوب الناشئ من الاجارة انما يتعلق بالوفاء بعقد الاجارة).

فمتعلقه غير متعلق الوجوب المنصبّ على الصلاة، فليس مصبّ احدهما هو مصبّ الآخر، حتى تؤكد الاجارة الاخلاص.

(و) ذلك، لان (مقتضى الاخلاص المعتبر فى ترتب الثواب على موافقة هذا الامر) الصلاتى الّذي سببته الاجارة (- و لو لم يعتبر) الاخلاص (فى سقوطه-) اى سقوط الامر (هو اتيان الفعل من حيث استحقاق المستأجر له بإزاء ماله) لان الله سبحانه يثيب الانسان اذا و فى بالعقد قاصدا للقربة.

(فهذا المعنى) اى اتيان الفعل من حيث استحقاق المستأجر له

ص: 65

ينافى وجوب اتيان العبادة لاجل استحقاقه تعالى اياه.

و لذا لو لم يكن هذا العقد واجب الوفاء- كما فى الجعالة- لم يمكن قصد الاخلاص مع قصد استحقاق العوض.

فلا اخلاص هناك حتى يؤكده وجوب الوفاء، بعد الايجاب بالاجارة

______________________________

(ينافى وجوب اتيان العبادة) كالصلاة (لاجل استحقاقه تعالى اياه) اى لتلك الصلاة.

(و لذا) التنافى بين الامرين (لو لم يكن هذا العقد واجب الوفاء- كما فى الجعالة-) بان قال الأب لولده الاكبر: اجعل لك الف ديناران قضيت صلاتى بعد وفاتى (لم يمكن قصد الاخلاص) فى اتيانه بالصلاة (مع قصد استحقاق العوض).

فانه يأتى بالصلاة لالف دينار، لا لان الله سبحانه يريدها.

و قوله «و لذا» توضيح لان الوجوب الاجارى لا يوجب تأكيد الاخلاص

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 4، ص: 66

وجه التوضيح: انه من المسلم ان الجعالة و الاخلاص متنافيان، فاذا تحقق تنافيهما، تبين ان الاجارة التى لا تزيد على الجعالة الا بالوجوب أيضا تنافى الاخلاص.

اذ الوجوب فى الاجارة امر خارجى لا علاقة له بالاخلاص، حتى يقال: ان الوجوب يأتى بالاخلاص.

(فلا اخلاص هنا) فى باب الجعالة (حتى يؤكده) اى يؤكد ذلك الاخلاص (وجوب الوفاء، بعد الايجاب بالاجارة).

و اذا لم يكن اخلاص، لا سابقا على الاجارة، و لا بواسطة الوجوب

ص: 66

فالمانع حقيقة هو عدم القدرة على ايجاد الفعل الصحيح بإزاء العوض، سواء كانت المعاوضة لازمة، أم جائزة

______________________________

الاجارى، فمن اين يؤكد اخلاص الصلاة باخلاص الاجارة؟

(فالمانع حقيقة) عن جواز الاجارة للعبادات الواجبة (هو عدم القدرة) من الآتى بالعبادة (على ايجاد الفعل الصحيح) كالصلاة (بإزاء العوض) الّذي يأخذ المؤجر (سواء كانت المعاوضة لازمة) كالاجارة (أم جائزة) كالجعالة.

و وجه عدم القدرة واضح، لان الاجارة- مثلا- انما تتعلق بالصلاة الصحيحة، و الصلاة الصحيحة هى المأتى بها بداعى القربة، و الاتيان بداعى القربة تنافى الاتيان بداعى الوفاء بالاجارة.

و حيث تنافيا، لا يتمكن الانسان من الوفاء بالاجارة.

و الحاصل: ان عقد الاجارة، يوجب انقلاب الداعى من الاخلاص، الى قصد الوفاء للاجرة التى اخذها، فلا قدرة لمن آجر نفسه للعبادة، ان يأتى بالعبادة الصحيحة.

و لكن لا يخفى عدم استقامة هذا الاشكال، لامكان ان يأتى العامل بالعبادة قربة الى الله تعالى، و يعلم انه يستحق بذلك الاجرة، فاستحقاق الاجرة مقارن و ليس بداعى.

الا ترى انه لو نسى ايجار نفسه للاتيان بصلاة ظهره، و اتى بها للقربة استحق الاجرة، لان استحقاق الاجرة لا يتوقف على قصد كون العمل مربوطا بالمستأجر.

ص: 67

[القربة في العبادات المستأجرة]

و اما تأتّى القربة فى العبادات المستأجرة، فلان الاجارة انما يقع على الفعل المأتى به تقربا الى الله تعالى، نيابة عن فلان.

توضيحه: ان الشخص يجعل نفسه نائبا عن فلان فى العمل متقربا الى الله فالمنوب عنه يتقرب إليه تعالى بعمل نائبه، و تقربه.

و هذا الجعل فى نفسه مستحب.

______________________________

فلو خاط الخياط ثوب زيد الّذي استأجره عليها- بظن انه ثوب نفسه- استحق الاجرة، و لتفصيل الكلام محل آخر.

ثم ان المصنف لما ذكر تنافى الاجارة لقصد القربة فى العبادات الواجبة اشكل عليه بانه كيف يجوز الاجارة للقضاء عن الميت و ما اشبه.

فاجاب عن هذا الاشكال بقوله: (و اما تأتّى القربة فى العبادات المستأجرة) عن الميّت، او عن الحىّ فى مثل الحجّ (فلان الاجارة انما يقع على الفعل المأتى به تقربا الى الله تعالى، نيابة عن فلان) الميت فالصلاة المتقرب بها متعلق الاجارة.

(توضيحه: ان الشخص) القاضى عن الميت صلاته (يجعل نفسه نائبا عن فلان) الميت (فى العمل) الصلاتى، فى حال كون اتيانه بالعمل (متقربا الى الله) تعالى (فالمنوب عنه) الميت (يتقرب إليه تعالى بعمل نائبه، و تقربه) اى تقرب نائبه.

(و هذا الجعل) بان يجعل الحىّ نفسه نائبا عن الميّت فى اتيان الصلاة عنه (فى نفسه مستحب).

لما ورد من الاخبار من استحباب الصلاة و الصيام و الحج و الصدقة

ص: 68

لانه احسان الى المنوب عنه و ايصال نفع إليه و قد يستأجر الشخص عليه، فيصير واجبا بالاجارة وجوبا توصليا لا يعتبر فيه التقرب.

فالاجير انما يجعل نفسه- لاجل استحقاق الاجرة- نائبا عن الغير فى اتيان العمل الفلانى تقربا الى الله.

فالاجرة فى مقابل النيابة فى العمل المتقرب به الى الله التى مرجع نفعها الى المنوب عنه.

______________________________

عن الاموات (لانه احسان الى المنوب عنه) الميت (و ايصال نفع إليه، و قد يستأجر الشخص عليه) اى على هذا العمل الّذي هو فى نفسه مستحب (فيصير) هذا العمل (واجبا) على النائب (ب) سبب (الاجارة وجوبا توصليا لا يعتبر فيه) اى فى هذا الوجوب الاجارى (التقرب).

اذ لا يلزم اتيان متعلق الاجارة متقربا.

(فالاجير انما يجعل نفسه- لاجل استحقاق الاجرة- نائبا عن الغير).

فالنيابة لاجل الاجرة و الصلاة لاجل الله تعالى.

و النيابة انما هى (فى اتيان العمل الفلانى) كالصلاة و الصيام و الحج (تقربا الى الله) تعالى.

(فالاجرة) التى يأخذها ليست لاجل الصلاة و نحوها، حتى يتنافى قصد الاجرة و قصد القربة، بل انما هى (فى مقابل النيابة فى العمل المتقرب به الى الله التى مرجع نفعها الى المنوب عنه).

فهناك امران: عمل تقربى، و نيابة فى هذا العمل فالاجرة فى

ص: 69

و هذا بخلاف ما نحن فيه، لان الاجرة هنا فى مقابل العمل تقربا الى الله لان العمل بهذا الوجه لا يرجع نفعه، الا الى العامل لان المفروض انه يمتثل ما وجب على نفسه بل فى مقابل نفس العمل، فهو يستحق نفس العمل و المفروض ان الاخلاص اتيان العمل لخصوص امر الله تعالى و التقرب يقع للعامل دون الباذل.

و وقوعه للعامل يتوقف على ان لا يقصد بالعبادة سوى امتثال امر الله تعالى

______________________________

مقابل النيابة.

(و هذا) اى الاستنابة عن الميت، او الحى فى الاتيان بعمل المنوب عنه (بخلاف ما نحن فيه) من اخذ الاجرة على عمل نفسه (لان الاجرة هنا فى مقابل العمل تقربا الى الله).

و لا يمكن ان يكون العمل للاجرة و للقربة- لانهما متنافيان- (لان العمل بهذا الوجه لا يرجع نفعه، الا الى العامل لان المفروض انه يمتثل ما وجب على نفسه بل فى مقابل نفس العمل، فهو يستحق نفس العمل و المفروض ان الاخلاص اتيان العمل لخصوص امر الله تعالى و التقرب) هنا (يقع للعامل) بهذه العبادة (دون الباذل) اذ العامل يأتى بصلاة نفسه لا صلاة الباذل، بخلاف مسألة الاستيجار.

فالتقرب يقع للباذل، لان العامل يأتى بصلاة الباذل لا صلاة نفسه (و وقوعه) اى التقرب (للعامل) فى مسألة اعطاء الاجرة لاتيانه صلاة نفسه (يتوقف على ان لا يقصد بالعبادة سوى امتثال امر الله تعالى) لانه لو قصد الاجرة لم يكن لعمله قرب الى الله تعالى، اذ لم يأت به لله

ص: 70

فان قلت: يمكن للاجير ان يأتى بالفعل مخلصا لله تعالى بحيث لا يكون للاجارة دخل فى اتيانه فيستحق الاجرة فالاجارة غير مانعة من قصد الاخلاص.

قلت: الكلام فى ان مورد الاجارة لا بدّ ان يكون عملا قابلا لان يوفى به بعقد الاجارة، و يؤتى به لاجل استحقاق المستأجر اياه، و من باب تسليم مال الغير إليه و ما كان من قبيل العبادة غير قابل لذلك.

______________________________

و انما اتى به للاجرة.

(فان قلت) لا تنافى بين اخذ الاجرة، و بين قصد القربة، اذ (يمكن للاجير ان يأتى بالفعل) العبادى (مخلصا لله تعالى بحيث لا يكون للاجارة دخل فى اتيانه) و اذا اتى بالعمل هكذا (فيستحق الاجرة) تلقائيا، اذ: الاجرة على العمل، و قد عمله (فالاجارة غير مانعة من قصد الاخلاص) فكيف ذكرتم ان الاجرة و القربة متنافيتان؟

(قلت: الكلام فى ان مورد الاجارة لا بد ان يكون عملا قابلا لان يوفى به) اى بذلك العمل (بعقد الاجارة، و يؤتى به لاجل استحقاق المستأجر اياه و) يؤتى به (من باب تسليم مال الغير إليه).

و انما نقول بلزوم كون مورد الاجارة كذلك، اذ الاجارة عبارة عن مبادلة بين العمل و المال- و ما اشبه-.

فكلما امكن مبادلة العمل و المال صحت الاجارة، و كلما لم يمكن لم تصح الاجارة (و ما كان من قبيل العبادة غير قابل لذلك).

اذ لو قصد العامل الاجرة و المبادلة لم تتأت منه القربة، فليس العمل

ص: 71

فان قلت: يمكن ان يكون غاية الفعل التقرب و المقصود من اتيان هذا الفعل المتقرب به استحقاق الاجرة كما يؤتى بالفعل تقربا الى الله و يقصد منه حصول المطالب الدنيوية، كاداء الدين، وسعة الرزق، و غيرهما من الحاجات الدنيوية.

قلت: فرق بين الغرض الدنيوى المطلوب من الخالق الّذي يتقرب إليه بالعمل، و بين الغرض الحاصل من غيره، و هو استحقاق الاجرة، فان طلب الحاجة من

______________________________

مما يقابل بالمال و يمكن ان يؤتى به لاجل الوفاء.

(فان قلت) ما يضر ان يكون المقام من قبيل الاجارة لعبادة الميت اذ (يمكن ان يكون غاية الفعل) العبادى (التقرب) الى الله تعالى (و المقصود من اتيان هذا الفعل المتقرب به استحقاق الاجرة) فالاجرة انما هى فى مقابل العمل العبادى (كما يؤتى بالفعل) العبادى (تقربا الى الله، و يقصد منه) اى من هذا الفعل المتقرب به (حصول المطالب الدنيوية كاداء الدين، وسعة الرزق، و غيرهما من الحاجات الدنيوية) كشفاء المريض و رجوع المسافر، و التسهيل فى امر الزواج، و اقبال الجاه، و ما اشبه.

(قلت: فرق بين الغرض الدنيوى المطلوب) ذلك الغرض الدنيوى (من الخالق الّذي يتقرب إليه) سبحانه (بالعمل) العبادى، كالامثلة التى ذكرتم (و بين الغرض الحاصل من غيره) تعالى (و هو استحقاق الاجرة).

و الفرق: ان احدهما من الله، و الآخر من غير الله (فان طلب الحاجة من

ص: 72

الله تعالى سبحانه، و لو كانت دنيوية محبوب عند الله، فلا يقدح فى العبادة، بل ربما تؤكدها.

و كيف كان فذلك الاستدلال حسن فى بعض موارد المسألة و هو الواجب التعبدى فى الجملة الا ان مقتضاه جواز اخذ الاجرة فى التوصليات.

و عدم جوازه فى المندوبات التعبدية فليس مطرد او لا منعكسا.

______________________________

الله تعالى سبحانه، و لو كانت دنيوية محبوب عند الله، فلا يقدح فى العبادة، بل ربما تؤكدها) بخلاف ما كانت الأجرة من زيد هى المحفزة له على العبادة.

(و كيف كان) سواء كان اشكال صاحب الجواهر على صاحب الرياض واردا، أم لا (فذلك الاستدلال) لصاحب الرياض حيث قال: بمنافات الاجرة للاخلاص، تدليلا على عدم جواز استيجار الشخص للاتيان بالعمل الواجب على نفسه فذلك (حسن فى بعض موارد المسألة) اى مسألة عدم جواز اخذ الأجرة على الواجبات (و هو الواجب التعبدى فى الجملة) كالواجب التعينى.

اما التخييرى فسيأتى الكلام فيه (الا ان مقتضاه) اى مقتضى هذا الدليل (جواز اخذ الاجرة فى) الواجبات (التوصليات) التى لا تحتاج الى قصد القربة، كتكفين الميت و دفنه و ما اشبه.

(و) كذلك مقتضى هذا الاستدلال (عدم جوازه) اى اخذ الاجرة (فى المندوبات التعبدية) كالنوافل، لانها تشترط بقصد القربة، و يتنافى قصد القربة و الاجرة (فليس) دليل الرياض (مطردا) و مانعا للاغيار، اذ يشمل المندوبات التعبدية (و لا منعكسا) و جامعا للافراد، اذ يخرج منه الواجبات التوصلية.

ص: 73

نعم قد استدل على المطلب بعض الاساطين فى شرحه على القواعد بوجوه، اقواها: ان التنافى بين صفة الوجوب و التملك ذاتى لان المملوك و المستحق لا يملك، و لا يستحق ثانيا.

توضيحه: ان الّذي يقابل المال لا بد ان يكون كنفس المال مما يملكه الموجر حتى يملكه المستأجر فى مقابل تمليكه المال اياه.

فاذا فرض العمل واجبا لله، ليس للمكلف تركه، فيصير

______________________________

(نعم) الدليل المطرد و المنعكس- فى الجملة- ما (قد استدل على المطلب) به (بعض الاساطين) و هو الشيخ جعفر كاشف الغطاء (فى شرحه على القواعد بوجوه، اقواها: ان التنافى بين صفة الوجوب و التملك) اى تملك الغير له، بالاجارة (ذاتى).

لان معنى الوجوب كونه ملكا لله سبحانه.

و معنى صحة الاجارة كونه مملوكا لغير الله.

و لا يمكن ان يكون شي ء واحد ملكا لله و ملكا لغير الله فى آن واحد (لان المملوك و المستحق) لله تعالى، بسبب الوجوب (لا يملك، و لا يستحق ثانيا) بالاجارة.

(توضيحه: ان الّذي يقابل المال) كالصلاة فى المثال، حيث يعطى زيد الاجرة للمصلى لان يأتى بصلاته (لا بد ان يكون كنفس المال مما يملكه الموجر) نفسه كعمرو- مثلا- (حتى يملكه) لزيد فى مقابل مال زيد (المستاجر) يملكه (فى مقابل تمليكه المال اياه) اى تمليك زيد المال لعمرو.

(فاذا فرض العمل واجبا لله، ليس للمكلف تركه، فيصير) هذا الواجب

ص: 74

نظير العمل المملوك للغير.

الا ترى انه اذا آجر نفسه لدفن الميت لشخص، لم يجز ان يؤجر نفسه ثانيا من شخص آخر، لذلك العمل.

و ليس الا لان الفعل صار مستحقا للاول، و مملوكا له فلا معنى لتمليكه ثانيا للآخر، مع فرض بقائه على ملك الاول.

و هذا المعنى موجود فيما اوجبه الله تعالى خصوصا فيما يرجع الى حقوق الغير

______________________________

(نظير العمل المملوك للغير) فى ان له مالكا، و انه ليس ملكا للعامل، حتى يعطيه للمستأجر فى مقابل ما يبذله المستأجر من المال.

(الا ترى انه اذا آجر نفسه لدفن الميت لشخص، لم يجز ان يؤجر نفسه ثانيا من شخص آخر، لذلك العمل) بعينه.

اذ دفن الميت صار للاول، فكيف يأخذ المال له ثانيا.

(و ليس) عدم جواز اخذ الاجرة ثانيا لدفن ذلك الميت بعينه (الا لان الفعل صار مستحقا للاول، و مملوكا له فلا معنى لتمليكه ثانيا للآخر، مع فرض بقائه على ملك الاول) لعدم فسخ للاجارة الاولى.

اذ كيف يمكن ان يكون للملك مالكان فى وقت واحد.

(و هذا المعنى) اى عدم امكان كون ملك شخص قابلا لان يكون ملك الغير (موجود فيما اوجبه الله تعالى) فاذا اوجب الله شيئا كان ملكا له تعالى فكيف يمكن للشخص ان يوجر نفسه لاتيان هذا العمل، فان معنى ذلك تمليك مال الغير.

و ذلك غير معقول (خصوصا فيما يرجع الى حقوق الغير) من الواجبات

ص: 75

حيث ان حاصل الايجاب هنا جعل الغير مستحقا لذلك العمل من هذا العامل، كاحكام تجهيز الميت التى جعل الشارع الميت مستحقا لها على الحى، فلا يستحقها غيره ثانيا هذا.

و لكن الانصاف: ان هذا الوجه أيضا لا يخلو عن الخدشة، لامكان منع المنافات بين الوجوب الّذي هو طلب الشارع الفعل، و بين استحقاق المستأجر له.

و ليس استحقاق الشارع للفعل و تملكه المنتزع من طلبه من قبيل استحقاق الآدمى و تملكه

______________________________

(حيث ان حاصل) معنى (الايجاب) من الله (هنا) فيما يرجع الى حقوق الغير (جعل) الله ذلك (الغير مستحقا لذلك العمل من هذا العامل، كاحكام تجهيز الميت التى جعل الشارع الميت مستحقا لها) اى لتلك الاحكام (على الحى، فلا يستحقها غيره ثانيا) بان يوجر العامل بنفسه للاتيان بتجهيز الميت (هذا) منتهى تقريب كلام كاشف الغطاء.

(و لكن الانصاف: ان هذا الوجه أيضا لا يخلو عن الخدشة، لإمكان منع المنافات بين الوجوب) لتجهيز الميت- مثلا- (الّذي هو طلب الشارع الفعل، و بين استحقاق المستأجر له) اى للفعل، فليس المقام من قبيل توارد الملكين المستقلين على مملوك واحد.

(و) وجه عدم المنافات انه (ليس استحقاق الشارع للفعل و تملكه المنتزع) ذلك التملك (من طلبه) سبحانه، للفعل (من قبيل استحقاق الآدمى و تملكه).

ص: 76

الّذي ينافى تملك الغير، و استحقاقه.

ثم ان هذا الدليل باعتراف المستدل يختص بالواجب العينى.

و اما الكفائى فاستدل على عدم جواز اخذ الاجرة عليه بان الفعل متعين له فلا يدخل فى ملك آخر.

و بعدم نفع المستأجر فيما يملكه او يستحقه

______________________________

اذ ملكية الله سبحانه طولى لا عرضى.

الا ترى ان الاشياء كلها ملك الله تعالى، و مع ذلك هى ملك للآدمى المالك لها، فمجرد ملك الله لشي ء لا يمنع التصرف الملكى فيه، و انما المانع لو علمنا من الدليل ان الله لم يأذن التصرف فيه.

و (الّذي ينافى) التملك ثانيا، هو (تملك الغير، و استحقاقه) فلا يجتمع ملكان فى مكان واحد- لانهما عرضيان- لا ان احدهما فى طول الآخر.

(ثم ان هذا الدليل باعتراف المستدل) و هو كاشف الغطاء (يختص بالواجب العينى) لانه ملك لله على زيد، مثلا، اما الكفائى فليس ملكا له على زيد فيما اذا قام الغير به.

(و اما الكفائى فاستدل) المستدل (على عدم جواز اخذ الاجرة عليه).

أولا: (بان الفعل متعين له) اى لنفس الموجر، بمعنى ان عوضه عائد الى نفس الموجر (فلا يدخل فى ملك آخر) فانه و ان لم يكن واجبا على زيد عينا، لكنه اذا اتى به كان آتيا بما لنفسه، و ما لنفسه لا يمكن ان يعطيه زيد لشخص فى مقابل اخذ الاجرة منه.

(و) ثانيا (بعدم نفع المستأجر) الّذي يعطى المال (فيما يملكه او يستحقه

ص: 77

غيره، لانه بمنزلة قولك استأجرتك لتملك منفعتك المملوكة لك او لغيرك.

و فيه منع وقوع الفعل له بعد اجارة نفسه للعمل للغير، فان آثار الفعل حينئذ ترجع الى الغير، فاذا وجب انقاذ غريق كفاية، او ازالة النجاسة عن المسجد فاستأجر واحد غيره فثواب الانقاذ و الازالة يقع للمستأجر دون الاجير المباشر لهما.

نعم يسقط الفعل عنه لقيام المستأجر به و لو بالاستنابة.

______________________________

غيره) اما عدم نفعه فان الملك عائد الى الغير، و اما عدم صحة الاجارة كذلك، فلان مقوم الاجارة خروج المال من كيس من يدخل فى ملكه العوض (لانه بمنزلة قولك) لعمرو (استأجرتك لتملك منفعتك) اى لا تملك منفعتك (المملوكة لك او لغيرك).

فكما لا يصح هذا، كذلك لا يصح استأجرتك لتصلى صلاة الظهر، او تكفن الميت.

(و فيه منع وقوع الفعل له) اى لنفس الموجر (بعد اجارة نفسه للعمل للغير) بل يقع الفعل- كالتكفين- حينئذ للغير (فان آثار الفعل حينئذ) اى حين الاجارة (ترجع الى الغير) المستأجر (فاذا وجب انقاذ غريق كفاية او ازالة النجاسة عن المسجد) كفاية (فاستأجر واحد غيره) للقيام بالانقاذ و التطهير (فثواب الانقاذ و الازالة يقع للمستأجر دون الاجير المباشر لهما) اى للانقاذ و الإزالة، بل و كذلك عند العقلاء فانهم يرون ان المعطى للمال هو الّذي يستحق المدح و الاجلال لا المباشر، و هذا أيضا نوع من الفائدة.

(نعم) للعامل حينئذ فائدة واحدة، و هى انه (يسقط الفعل عنه) اى عن الاجير (لقيام المستأجر به) اى بالفعل (و لو بالاستنابة).

ص: 78

و من هذا القبيل الاستيجار للجهاد، مع وجوبه كفاية على الاجير و المستأجر.

و بالجملة فلم اجد دليلا على هذا المطلب وافيا بجميع افراده، عدا الاجماع الّذي لم يصرح به الا المحقق الثانى، لكنه موهون بوجود القول بخلافه من اعيان الاصحاب من القدماء و المتأخرين على ما يشهد به الحكاية و الوجدان.

______________________________

و هذه الفائدة عامة لكل مكلف لان قيام انسان واحد بالواجب الكفائى مسقط له عن الآخرين.

(و من هذا القبيل) فى سقوط التكليف عن الاجير، و حصول الفائدة للمستأجر (الاستيجار للجهاد، مع وجوبه كفاية على الاجير و المستأجر).

فان اعطاء زيد المال لعمرو لان يجاهد عوضه، مسقط عن عمرو هذا الواجب الكفائى، و فائدة الجهاد دنيا و آخرة تعود الى زيد.

(و بالجملة فلم اجد دليلا على هذا المطلب) اى عدم جواز اخذ الاجرة على الواجب (وافيا بجميع افراده) من العينى و الكفائى و التعبدى و التوصلى (عدا الاجماع الّذي لم يصرح به الا المحقق الثانى، لكنه موهون) صغرى و كبرى- كما تقدم- (ب) سبب (وجود القول بخلافه) و جواز اخذ الاجرة (من اعيان الاصحاب من القدماء و المتأخرين على ما يشهد به الحكاية) عنهم (و الوجدان) اى وجداننا الخلاف فى المسألة، علاوة على الحكاية.

ص: 79

اما الحكاية فقد نقل المحقق و العلامة ره و غيرهما: القول بجواز اخذ الاجرة على القضاء عن بعض.

فقد قال فى الشرائع اما لو اخذ الجعل من المتحاكمين، ففيه خلاف.

و كذلك العلامة رحمه الله فى المختلف، و قد حكى العلامة الطباطبائى فى مصابيحه عن فخر الدين و جماعة: التفصيل بين العبادات و غيرها.

و يكفى فى ذلك ملاحظة الاقوال التى ذكرها فى المسالك فى باب المتاجر.

______________________________

(اما الحكاية فقد نقل المحقق و العلامة ره و غيرهما: القول بجواز اخذ الاجرة على القضاء عن بعض) العلماء.

(فقد قال فى الشرائع اما لو اخذ الجعل من المتحاكمين، ففيه خلاف) اى اجازه بعض و منعه آخر، و من المعلوم ان القضاء اما واجب عينى او واجب كفائى.

(و كذلك العلامة رحمه الله فى المختلف، و قد حكى العلامة الطباطبائى فى مصابيحه عن فخر الدين) ولد المحقق (و جماعة: التفصيل بين العبادات و غيرها) فلا يجوز اخذ الاجرة فى الاول، و يجوز فى الثانى

(و يكفى فى ذلك) اى حكاية الخلاف (ملاحظة الاقوال التى ذكرها فى المسالك فى باب المتاجر).

فمع هذا الخلاف كيف يمكن الاعتماد على الاجماع الّذي حكاه جامع المقاصد.

ص: 80

و اما ما وجدناه فهو ان ظاهر المقنعة بل النهاية و محكى المرتضى جواز الاجر على القضاء مطلقا و ان اوّل بعض كلامهم بإرادة الارتزاق.

و قد اختار جماعة جواز اخذ الاجرة عليه اذا لم يكن متعينا، او تعين و كان القاضى محتاجا.

و قد صرح فخر الدين فى الايضاح بالتفصيل بين الكفائية التوصلية و غيرها فجوّز اخذ الاجرة فى الاول.

______________________________

(و اما ما وجدناه) من الخلاف فى مسألة جواز اخذ الاجرة على الواجبات (فهو ان ظاهر المقنعة بل النهاية و محكى المرتضى جواز الاجر على القضاء مطلقا) سواء كان القضاء متعينا عليه، أم لا، و سواء كان محتاجا، أم لا (و ان اوّل بعض كلامهم) اى كلام المجوزين (بإرادة الارتزاق)

و فرق بين اعطاء المال للقاضى بعنوان انه اجرة على قضائه، و بين اعطائه بعنوان انه يحتاج الى الرزق، فمثلا الضيافة ارتزاق و ليس باجر لحضور الانسان فى دار المضيف.

(و قد اختار جماعة جواز اخذ الاجرة عليه) اى على القضاء (اذا لم يكن) القضاء (متعينا) عليه (او تعين) القضاء عليه لانحصار القاضى به (و) لكن (كان القاضى محتاجا).

(و) كذلك (قد صرح فخر الدين فى الايضاح بالتفصيل بين الكفائية التوصلية) كالكفن للميت (و غيرها) من العينية توصلا او تعبدا، و الكفائية تعبدا، كالتطهير عن الخبث مقدمة للصلاة، و الصلاة اليومية و الصلاة على الميت (فجوز اخذ الاجرة فى الاول) الكفائية التوصلية، دون

ص: 81

قال- فى شرح عبارة والده فى القواعد فى الاستيجار على تعليم الفقه ما لفظه-: الحق عندى ان كل واجب على شخص معين لا يجوز للمكلف اخذ الاجرة عليه، و الّذي وجب كفاية فان كان مما لو اوقعه بغير نية لم يصح، و لم يزل الوجوب، فلا يجوز اخذ الاجرة عليه لانه عبادة محضة، و قال الله تعالى: وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، حصر غرض الامر فى انحصار غاية الفعل فى الاخلاص و ما يفعل بالعوض لا يكون كذلك.

______________________________

الاقسام الثلاثة الاخر.

(قال- فى شرح عبارة والده فى القواعد فى الاستيجار على تعليم الفقه، ما لفظه-: الحق عندى ان كل واجب على شخص معين لا يجوز للمكلف اخذ الاجرة عليه، و) اما (الّذي وجب كفاية فان كان مما لو اوقعه بغير نية لم يصح، و لم يزل الوجوب) لانه مشروط بقصد القربة.

و منه يعلم ان قوله: بغير نية، يراد به التعبدى، لا كل ما يحتاج الى النية، كالنكاح و الطلاق و العقود و ما اشبه (فلا يجوز اخذ الاجرة عليه، لانه عبادة محضة، و قال الله تعالى: وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) فاخذ الاجرة ينافى الاخلاص، فانه سبحانه (حصر غرض الامر فى انحصار غاية الفعل فى الاخلاص) فالغرض من الامر الغاية المنحصرة من الفعل- و هى العبادة باخلاص- (و ما يفعل بالعوض لا يكون كذلك) فانه لا اخلاص فيه.

ص: 82

و غير ذلك يجوز اخذ الاجرة عليه الا ما نصّ الشارع على تحريمه، كالدفن، انتهى.

نعم ردّه فى محكى جامع المقاصد: بمخالفة هذا التفصيل لنصّ الاصحاب.

اقول: لا يحفى ان الفخر اعرف بنصّ الاصحاب من المحقق الثانى فهذا والده قد صرح فى المختلف بجواز اخذ الاجرة على القضاء اذا لم يتعين، و قبله المحقق فى الشرائع غير انه قيّد صورة عدم التعيين بالحاجة.

______________________________

(و غير ذلك) القسم الّذي يشترط بالنسبة (يجوز اخذ الاجرة عليه الا ما نصّ الشارع على تحريمه، كالدفن) مثال للذى يجوز اخذ الاجرة عليه، لانه ليس بعبادى، و لا مما نص الشارع على تحريم اخذ الاجرة عليه (انتهى) كلام فخر المحققين.

(نعم رده فى محكى جامع المقاصد: بمخالفة هذا التفصيل لنصّ الاصحاب) فكانه مخالف الاجماع.

(اقول: لا يخفى ان الفخر اعرف بنصّ الاصحاب من المحقق الثانى فهذا والده) العلامة رحمه الله (قد صرح فى المختلف بجواز اخذ الاجرة على القضاء) و هو امر كفائى لا يحتاج الى قصد القربة (اذا لم يتعين) بعدم وجود قاض آخر (و قبله المحقق فى الشرائع غير انه) اى المحقق (قيّد صورة عدم التعيين بالحاجة) اذا احتاج القاضى الى المال لفقره مثلا-.

ص: 83

و لاجل ذلك اختار العلامة الطباطبائى فى مصابيحه ما اختاره فخر الدين من التفصيل، و مع هذا فمن اين الوثوق على اجماع لم يصرح به الا المحقق الثانى.

مع ما طعن به الشهيد الثانى على اجماعاته بالخصوص فى رسالته فى صلاة الجمعة.

فالذى ينساق إليه النظر ان مقتضى القاعدة فى كل عمل له منفعة محللة مقصودة جواز اخذ الاجرة، و الجعل عليه، و ان كان داخلا في العنوان الّذي اوجبه الله على المكلف.

______________________________

(و لاجل ذلك) الّذي ذكرنا انه ليس مخالفا لنصّ الاصحاب- كما قال المحقق الثانى- (اختار العلامة الطباطبائى فى مصابيحه ما اختاره فخر الدين من التفصيل، و مع هذا) الّذي ذكرنا من ذهاب هؤلاء الاعلام الى التفصيل (فمن اين) يأتى (الوثوق على اجماع) بعدم الجواز مطلقا (لم يصرح به الا المحقق الثانى) هذا أولا.

(مع ما طعن به الشهيد الثانى على اجماعاته) اى اجماعات المحقق الثانى (بالخصوص فى رسالته فى صلاة الجمعة).

و كيف كان (فالذى ينساق إليه النظر) و يسير إليه طبيعيا (ان مقتضى القاعدة فى كل عمل له منفعة محللة مقصودة جواز اخذ الاجرة، و) جواز اخذ (الجعل عليه، و ان كان داخلا فى العنوان الّذي اوجبه الله على المكلف) وجوبا تعبديا او توصليا، عينيا او كفائيا.

ص: 84

ثم ان صلح ذلك الفعل المقابل بالاجرة لامتثال الايجاب المذكور او اسقاطه به، او عنده،

______________________________

(ثم ان صلح ذلك الفعل) الّذي يأتى به الاجير (المقابل بالاجرة) الواجب على الاجير- بنفسه- (لامتثال الايجاب المذكور).

كما اذا آجر زيد عمروا على دفن الميت، فقصد عمرو دفنه عن نفسه لا عن الاجير، فانه امتثال للامر الكفائى المتوجّه الى عمرو (او اسقاطه) الايجاب (به) اى بذلك الفعل الّذي اتاه الاجير- بدون ان يكون امتثالا من الاجير-.

كما لو قصد من دفن الميت اخفاء رائحته الكريهة، فانه ليس امتثالا للامر، لانه لم يقصده، و انما يسقط الايجاب لحصول غرض الايجاب، و انتفاء الموضوع (او) اسقاط الايجاب (عنده) اى عند ذلك الفعل الّذي اتاه الاجير.

كما لو قصد الاجير عند الدفن كون عمله نيابة عن زيد المستأجر، فانه ليس امتثالا للامر الواجب كفاية، لانه لم يقصد الامتثال، و لا اسقاطا للايجاب بالفعل الّذي فعله، لانه ليس فعله- اعتبارا- و انما فعل المستأجر.

نعم يسقط الوجوب المتوجه الى الاجير عند هذا الفعل لانتفاء موضوعه.

و انما قلنا: انه ليس فعل الاجير اعتبارا، لشهادة العرف بذلك.

فانك اذا اتيت بصلاة القضاء عن الميت لم تكن تلك صلاتك، و لذا

ص: 85

سقط الوجوب، مع استحقاق الاجرة و ان لم يصلح استحق الاجرة، و بقى الواجب فى ذمته، لو بقى وقته، و الا عوقب على تركه.

و اما مانعية مجرد الوجوب من صحة المعاوضة على الفعل، فلم يثبت على الاطلاق بل اللازم التفصيل فان كان العمل واجبا عينيا تعيينيا لم يجز اخذ الاجرة، لان اخذ الاجرة عليه مع كونه واجبا مقهورا من قبل الشارع على فعله

______________________________

لا تسقط الصلاة عنك (سقط الوجوب) المتوجه الى الاجير (مع استحقاق الاجرة) من المستأجر، لان هذا الفعل اتى بالفائدتين (و ان لم يصلح) ذلك الفعل الّذي اتى به الاجير للامتثال و الاسقاط به، و عنده كما لو استأجره ليصلى صلاة المغرب ليتعلم منه الكيفية- و هذا انما يكون فى التعبديات المحتاجة الى قصد القربة- (استحق الاجرة) لانه اتى بمقصود المستأجر (و بقى الواجب فى ذمته) لانتفاء القربة المقومة للعبادة لانه قصد الاجرة، و قد تقدم المنافات بين قصد الاجرة و قصد القربة (لو بقى وقته) كما اذا لم يتجاوز نصف الليل (و الا) يبقى وقته (عوقب على تركه) لانه اتى بمتعلق الاجارة، و لم يأت بالواجب عليه.

(و اما مانعية مجرد الوجوب من صحة المعاوضة على الفعل، فلم يثبت) ثبوتا (على الاطلاق) فى التعبدى و التوصلى، و التعيينى و الكفائى (بل اللازم التفصيل، فان كان العمل واجبا) لا مستحبا (عينيا) لا كفائيا (تعيينا) لا تخييرا، مثل صلاة الظهر (لم يجز اخذ الاجرة، لان اخذ الاجرة عليه مع كونه واجبا مقهورا من قبل الشارع على فعله) لان الشارع

ص: 86

اكل للمال بالباطل، لان عمله هذا لا يكون محترما، لان استيفائه منه لا يتوقف على طيب نفسه، لانه يقهر عليه مع عدم طيب النفس، و الامتناع

و مما يشهد بما ذكرناه انه لو فرض ان المولى امر بعض عبيده بفعل لغرض، و كان ممّا يرجع نفعه او بعض نفعه الى غيره فاخذ العبد العوض من ذلك الغير على ذلك العمل عدّ اكلا للمال مجانا بلا عوض.

______________________________

قهر الانسان، و جبره بأن يأتى به (اكل للمال بالباطل، لان عمله هذا لا يكون محترما) حتى يقابل بالمال (لان استيفائه منه لا يتوقف على طيب نفسه) فانه يلزم استيفائه، سواء طابت نفسه، أم لا (لانه يقهر عليه مع عدم طيب النفس، و) مع (الامتناع) فيشمله قوله سبحانه «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ»*.

و ان شئت ركّبت القياس هكذا، هذا مما يقهر المكلف عليه، و كلما يقهر الانسان عليه لا يجوز اخذ المال بإزائه.

اما الصغرى: فلفرض انه واجب عينى تعيينى.

و اما الكبرى: فلانه اكل للمال بالباطل.

(و مما يشهد بما ذكرناه) من ان ما يقهر عليه لا يجوز اخذ المال بإزائه (انه لو فرض ان المولى امر بعض عبيده بفعل لغرض) كما لو امره بان يبنى دار زيد (و كان) ذلك الفعل (ممّا يرجع نفعه او بعض نفعه الى غيره) اى غير المولى- كزيد فى المثال- (فاخذ العبد العوض من ذلك الغير على ذلك العمل عدّ) عند العقلاء (اكلا للمال مجانا بلا عوض) و مثله اكل للمال بالباطل اذا جبر العبد زيدا باعطائه.

ص: 87

ثم انه لا ينافى ما ذكرنا حكم الشارع بجواز اخذ الاجرة على العمل بعد ايقاعه، كما اجاز للوصى اخذ اجرة المثل، او مقدار الكفاية.

لان هذا حكم شرعى، لا من باب المعاوضة.

ثم لا فرق فيما ذكرناه بين التعبدى من الواجب و التوصلى.

مضافا فى التعبدى الى ما تقدم من منافات اخذ الاجرة على العمل للاخلاص كما نبّهنا عليه سابقا

______________________________

(ثم انه لا ينافى ما ذكرنا) من كون اخذ المال بإزاء الواجب العينى التعيينى اكل للمال بالباطل (حكم الشارع بجواز اخذ الاجرة على العمل بعد ايقاعه، كما اجاز للوصى) الّذي يجب عليه العمل بالوصاية (اخذ اجرة المثل، او مقدار الكفاية) على العمل بالوصاية.

(لان هذا حكم شرعى) جعله الشارع للوصى فى مقابل ايجاب الشارع عليه العمل بالوصاية (لا من باب المعاوضة) بخلاف اخذ الاجرة على مثل صلاة الظهر.

و من المعلوم الفرق بين ان يقول المولى: ابن دار زيد و خذ منه كذا او يقول: ابن دار زيد ثم اخذ منه العبد مالا فى مقابل عمله.

(ثم لا فرق فيما ذكرناه) من ان اكل المال بإزاء العينى التعيينى اكل للمال بالباطل (بين التعبدى من الواجب) كصلاة الظهر (و التوصلى) كالدفن فيما اذا انحصر فى شخص واحد.

(مضافا فى التعبدى الى ما تقدم من منافات اخذ الاجرة على العمل للاخلاص) فان العمل للقربة ينافى العمل للاجرة (كما نبّهنا عليه سابقا

ص: 88

و تقدم عن الفخر ره، و قرره عليه بعض من تأخر عنه.

و منه يظهر عدم جواز اخذ الاجرة على المندوب، اذا كان عبادة يعتبر فيها التقرب.

و اما الواجب التخييرى فان كان توصليا، فلا اجد مانعا عن جواز اخذ الاجرة على احد فرديه بالخصوص بعد فرض كونه مشتملا على نفع محلل للمستأجر، و المفروض انه محترم، لا يقهر المكلف عليه فجاز اخذ الاجرة بإزائه.

______________________________

و تقدم عن الفخر ره، و قرره عليه بعض من تأخر عنه) من الفقهاء- كما عرفت-.

(و منه) اى من منافات القربة للاجرة (يظهر عدم جواز اخذ الاجرة على المندوب، اذا كان عبادة يعتبر فيها التقرب) كالنوافل اليومية، لكنك قد عرفت سابقا الاشكال فى ذلك، فراجع.

(و اما الواجب التخييرى) كخصال الكفارة (فان كان توصليا) لا يشترط فيها قصد القربة (فلا اجد مانعا عن جواز اخذ الاجرة على احد فرديه بالخصوص بعد فرض كونه) اى احد الفردين بالخصوص (مشتملا على نفع محلل للمستأجر) الدافع للاجرة (و المفروض انه) عمل (محترم، لا يقهر المكلف عليه).

لان المكلف يقهر على الجامع لا على احد الفردين بالخصوص (فجاز اخذ الاجرة بإزائه) فليست الاجرة للاصل و انما للخصوصية.

ص: 89

فاذا تعين دفن الميت على شخص و تردد الامر بين حفر احد موضعين فاختار الولى احدهما بالخصوص، لصلابته، او لغرض آخر، فاستأجر ذلك لحفر ذلك الموضع بالخصوص، لم يمنع من ذلك كون مطلق الحفر واجبا عليه مقدمة للدفن.

و ان كان تعبديا، فان قلنا: بكفاية الاخلاص بالقدر المشترك و ان كان ايجاد خصوص بعض الافراد لداع غير الاخلاص،

______________________________

(فاذا تعين دفن الميت على شخص و تردد الامر بين حفر احد موضعين فاختار الولى) للميت (احدهما بالخصوص، لصلابته، او لغرض آخر) لقربه الى البلد (فاستأجر ذلك) الانسان الواجب عليه الدفن (لحفر ذلك الموضع بالخصوص) حتى تكون الاجرة للخصوصية (لم يمنع من ذلك) الاستيجار (كون مطلق الحفر واجبا عليه مقدمة للدفن).

و السر: ان العمل مركب من شيئين، احدهما: واجب، و الآخر ليس بواجب، و اخذ الاجرة فى قبال غير الواجب و لذا لم يعده العقلاء اكلا للمال بلا عوض.

و انما شرطنا كون العمل المستأجر، لانه اذا لم يكن له، كان خروج الاجرة عن كيسه بغير مقابل اذ لم يدخل فى كيسه شي ء فى قبال خروج الاجرة عنه.

(و ان كان) الواجب التخييرى (تعبديا) كخصال الكفار (فان قلنا:

بكفاية الاخلاص بالقدر المشترك و ان كان ايجاد خصوص بعض الافراد لداع غير الاخلاص).

كما لو صلى الظهر الواجبة عليه فى مكان بارد بان اتى الاصل للاخلاص

ص: 90

فهو كالتوصلى.

و ان قلنا: بان اتحاد وجود القدر المشترك مع الخصوصية مانع عن التفكيك بينهما فى القصد، كان حكمه كالتعيينى.

و اما الكفائى فان كان توصليا، امكن اخذ الاجرة على اتيانه، لاجل باذل الاجرة فهو العامل فى الحقيقة.

______________________________

و خصوصية المكان لداعى البرودة.

او كفّر لداعى الاخلاص و خصوص العبد لان يكون له يد عليه، فينتفع به فى المستقبل (فهو كالتوصلى) فى جواز اخذ الاجرة للخصوصية.

(و ان قلنا: بان اتحاد وجود القدر المشترك مع الخصوصية) فان الصلاة المأتى بها فى المكان البارد شي ء واحد بالقدر المشترك و الخصوصية متحدان وجودا.

و ذلك الاتحاد (مانع عن التفكيك بينهما فى القصد) بان يقصد المشترك لله، و الخصوصية لداع آخر (كان حكمه كالتعيينى) فى عدم جواز اخذ الاجرة عليه.

(و اما) الواجب (الكفائى) كدفن الميت (فان كان توصليا، امكن اخذ الاجرة على اتيانه، لاجل باذل الاجرة) فيعمل زيد نيابة عن عمرو فالاجرة للنيابة، لا للاتيان بالعمل (فهو) اى الباذل (العامل فى الحقيقة) و له ثواب العمل و حسن ذكره.

الا ترى انه يقال: فلان المثرى جهز الميت الفلانى، مع العلم انه انما بذل المال، و المجهز الغسال و الكفان و غيرهما.

ص: 91

و ان كان تعبديا لم يجز الامتثال به، و اخذ الاجرة عليه.

نعم يجوز النيابة ان كان مما يقبل النيابة، لكنه يخرج عن محل الكلام لان محل الكلام اخذ الاجرة على ما هو واجب على الاجير، لا على النيابة فيما هو واجب على المستأجر، فافهم.

ثم انه قد يفهم من ادلة وجوب الشي ء كفاية، كونه حقا لمخلوق يستحقه على المكلفين، فكل من اقدم عليه فقد ادى حق ذلك المخلوق فلا يجوز له اخذ الاجرة منه، و لا من غيره ممن وجب عليه أيضا كفاية.

______________________________

(و ان كان) الواجب الكفائى (تعبديا) كصلاة الميت (لم يجز الامتثال به، و اخذ الاجرة عليه) للتنافى بين القربة و الاجرة.

(نعم يجوز النيابة ان كان مما يقبل النيابة، لكنه يخرج عن محل الكلام لان محل الكلام اخذ الاجرة على ما هو واجب على الاجير، لا) اخذ الاجرة (على النيابة فيما هو واجب على المستأجر، فافهم) لانه ان لم يكن واجبا على الاجير، لم يكن من الواجب الكفائى، و ان كان واجبا على الاجير لم يجز اخذ الاجرة بعنوان النيابة.

(ثم) حيث تقدم جواز النيابة فى الواجب الكفائى، اراد المصنف رحمه الله استثناء بعض صور الواجب الكفائى، ف (انه قد يفهم من ادلة وجوب الشي ء كفاية، كونه حقا لمخلوق) كالميت (يستحقه على المكلفين، فكل من اقدم عليه فقد ادى حق ذلك المخلوق) كالميت (فلا يجوز له اخذ الاجرة منه) كاخذ الاجرة من تركة الميت، او من الغريق مثلا (و لا من غيره ممن وجب عليه أيضا كفاية) و لو كان العامل جعل نفسه وكيلا عن ذلك الغير و قائما مقامه.

ص: 92

و لعل من هذا القبيل تجهيز الميت و انقاذ الغريق، بل و معالجة الطبيب لدفع الهلاك.

[الإشكال على أخذ الأجرة على الصناعات التي يتوقف عليها النظام]
اشارة

ثم ان هنا اشكالا مشهورا و هو: ان الصناعات التى تتوقف النظام عليها، يجب كفاية، لوجوب اقامة النظام بل قد يتعين بعضها على بعض المكلفين عند انحصار

______________________________

(و لعل من هذا القبيل) الّذي هو حق لمخلوق (تجهيز الميت و انقاذ الغريق، بل و معالجة الطبيب لدفع الهلاك) لا مثل المعالجات التى تدفع الأمراض القليلة، لعدم الدليل فى كونها واجبة.

(ثم ان هنا) فى مسألة عدم جواز اخذ الاجرة على الواجبات (اشكالا مشهورا و هو: ان الصناعات التى تتوقف النظام عليها يجب كفاية لوجوب اقامة النظام).

و يدل على وجوب اقامة النظام ادلة اولية، و ادلة ثانوية، كقوله سبحانه: وَ لٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّٰهُ لَكُمْ قِيٰاماً، و قوله:

وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ، فان عدم القيام بالصناعات المتوقف عليها النظام، سبب تغلب الكفار على المسلمين.

و لذا الاقرب عندى لزوم تعلم الصناعات الحديثة و العلوم المولدة حتى لا ترجح كفة الكفار على كفة المسلمين، و قوله تعالى: لِيَقُومَ النّٰاسُ بِالْقِسْطِ، فان قيام الناس بالقسط لا يكون الا بالنظام، و قول الامام امير المؤمنين عليه السلام: الله الله فى نظم امركم، و لانه لو لا اقامة النظام لزم الهرج و المرج، و ذلك غير جائز نصا و اجماعا، الى غيرها من الادلة المذكورة فى مظانها (بل قد يتعين بعضها على بعض المكلفين عند انحصار

ص: 93

المكلف القادر فيه، مع ان جواز اخذ الاجرة عليها مما لا كلام لهم فيه.

و كذا يلزم ان يحرم على الطبيب اخذ الاجرة على الطبابة لوجوبها عليه كفاية او عينا كالفقاهة.

[و قد تفصى بوجوه.]
اشارة

و قد تفصى بوجوه.

[أحدها: الالتزام بخروج ذلك بالاجماع و السيرة القطعيين.]

احدها: الالتزام بخروج ذلك بالاجماع و السيرة القطعيين.

______________________________

المكلف القادر فيه) كما هو شأن كل واجب كفائى، فانه يصير عينيا اذا انحصر فى بعض (مع ان جواز اخذ الاجرة عليها مما لا كلام لهم فيه).

فهذا يناقض الكلية المتقدمة التى ذكروها بان كل واجب يحرم اخذ الاجرة عليه.

(و كذا يلزم ان يحرم على الطبيب اخذ الاجرة على الطبابة لوجوبها عليه كفاية) اذا كان المرض مما يجب علاجه، و كان هناك طبيب آخر (او عينا كالفقاهة) اذا لم يكن هناك طبيب آخر.

(و قد تفصى) و تخلص عن هذا الاشكال (بوجوه).

(احدها: الالتزام بخروج ذلك) اى جواز اخذ الاجرة على الواجبات النظامية (بالاجماع و السيرة القطعيين).

لان الكسبة بالصناعات و الاطباء كانوا فى زمن الرسول صلى الله عليه و آله و الائمة عليهم السلام، بل هم كانوا يراجعونهم بدون استنكار على اخذهم للاجرة.

بل داود عليه السلام كان يصنع الدرع و يبيعها، الى غيرها من

ص: 94

[الثانى: الالتزام بجواز اخذ الاجرة على الواجبات]

الثانى: الالتزام بجواز اخذ الاجرة على الواجبات، اذا لم تكن تعبدية، و قد حكاه فى المصابيح عن جماعة و هو ظاهر كل من جوز اخذ الاجرة على القضاء بقول مطلق يشمل صورة تعينه عليه كما تقدم حكايته فى الشرائع و المختلف عن بعض.

و فيه- ما تقدم سابقا- من ان الاقوى عدم جواز اخذ الاجرة عليه.

[الثالث: ما عن المحقق الثانى من اختصاص جواز الاخذ بصورة قيام من به الكفاية]

الثالث: ما عن المحقق الثانى من اختصاص جواز الاخذ بصورة قيام من به الكفاية، فلا يكون حينئذ واجبا.

______________________________

الادلة التى هى من هذا القبيل.

(الثانى) من الوجوه (الالتزام بجواز اخذ الاجرة على الواجبات، اذا لم تكن تعبدية، و قد حكاه) اى هذا القول (فى المصابيح عن جماعة و هو ظاهر كل من جوز اخذ الاجرة على القضاء بقول مطلق يشمل صورة تعينه عليه) «يشمل» صفة «قول مطلق» (كما تقدم حكايته فى الشرائع و المختلف عن بعض) مع ان القضاء واجب عينا اذا لم يكن هناك قاض آخر.

(و فيه- ما تقدم سابقا- من ان الاقوى عدم جواز اخذ الاجرة عليه) اى على القضاء، و لا يخفى ان اشكال الشيخ على الممثل به، لا على اصل القول.

(الثالث) من الوجوه (ما عن المحقق الثانى من اختصاص جواز الاخذ بصورة قيام من به الكفاية، فلا يكون حينئذ) اى حين قيام الغير (واجبا).

مثلا: اذ اقام زيد بالصناعة، لم تجب على عمرو، فاذا لم تجب عليه لا بأس باخذه للاجرة.

ص: 95

و فيه ان ظاهر العمل و الفتوى جواز الاخذ، و لو مع بقاء الوجوب الكفائى، بل مع وجوبه عينا، للانحصار.

[الرابع ما فى مفتاح الكرامة من ان المنع مختص بالواجبات الكفائية المقصودة لذاتها كاحكام الموتى و تعليم الفقه]

الرابع ما فى مفتاح الكرامة من ان المنع مختص بالواجبات الكفائية المقصودة لذاتها كاحكام الموتى و تعليم الفقه، دون ما يجب لغيره كالصنائع.

و فيه ان هذا التخصيص ان كان لاختصاص معاقد اجماعاتهم، او عنوانات كلامهم، فهو خلاف الموجود منها و ان كان الدليل يقتضي الفرق فلا بد من بيانه.

______________________________

(و فيه ان ظاهر العمل) للمتشرعين (و الفتوى) للفقهاء (جواز الاخذ) للاجرة (و لو مع بقاء الوجوب الكفائى، بل مع وجوبه عينا، للانحصار) فيه.

(الرابع) من الوجوه (ما فى مفتاح الكرامة من ان المنع) عن اخذ الاجرة (مختص بالواجبات الكفائية المقصودة لذاتها) بان لا تكون مقدمة لشي ء آخر (كاحكام الموتى و تعليم الفقه، دون ما يجب لغيره) بان كان مقدمة (كالصنائع) فانها واجبة مقدمة لاقامة النظام.

(و فيه ان هذا التخصيص) للحرمة بالواجبات الذاتية (ان كان لاختصاص معاقد اجماعاتهم، او عنوانات كلامهم) بذلك القسم الذاتى فقط (فهو خلاف الموجود منها).

فانا اذا ارجعنا عنواناتهم رأيناها شاملة لجميع اقسام الواجب مقدمة او ذاتا (و ان كان الدليل) الدال على حرمة اخذ الاجرة على الواجب (يقتضي الفرق) بين الذاتى و المقدمى (فلا بد من بيانه) اى بيان ذلك الدليل الفارق.

ص: 96

[الخامس: أن المنع عن أخذ الأجرة على الصناعات الواجبة لإقامة النظام يوجب اختلال النظام]

الخامس: ان المنع عن اخذ الاجرة على الصناعات الواجبة لاقامة النظام يوجب اختلال النظام لوقوع اكثر الناس فى المعصية بتركها، او ترك الشاق منها، و الالتزام بالاسهل فانهم لا يرغبون فى الصناعات الشاقة او الدقيقة الا طمعا فى الاجرة، و زيادتها على ما يبذل لغيرها من الصناعات فتسويغ اخذ الاجرة عليها لطف فى التكليف باقامة النظام.

و فيه ان المشاهد بالوجدان ان اختيار الناس للصنائع الشاقة و تحملها، ناش عن الدّواعي الاخر غير زيادة الاجرة، مثل عدم قابليته

______________________________

(الخامس) من الوجوه (ان المنع عن اخذ الاجرة على الصناعات الواجبة، لاقامة النظام) «لاقامة» متعلق ب «الواجبة» (يوجب) خبر «المنع» (اختلال النظام لوقوع اكثر الناس) حين كانت الصنعة بدون الاجرة (فى المعصية بتركها) اى بترك تلك الصناعات حيث يرون ان لا منفعة فيها (او ترك الشاق منها، و الالتزام بالاسهل).

و من المعلوم ان ترك الصنعة مطلقا او ترك الصنعة الشاقة يوجب اختلال النظام (فانهم) اى الناس (لا يرغبون فى الصناعات الشاقة او الدقيقة الا طمعا فى الاجرة، و زيادتها على ما يبذل لغيرها) السهلة (من الصناعات فتسويغ) الشارع (اخذ الاجرة عليها لطف فى التكليف باقامة النظام) و هذا البرهان العقلى مخصص لادلة حرمة اخذ الاجرة على الواجبات.

(و فيه ان المشاهد بالوجدان ان اختيار الناس للصنائع الشاقة و تحملها، ناش) غالبا (عن الدواعى الاخر غير زيادة الاجرة، مثل عدم قابليته)

ص: 97

لغير ما يختار، او عدم ميله إليه، او عدم كونه شاقا عليه لكونه ممن نشأ فى تحمل المشقة.

الا ترى ان اغلب الصنائع الشاقة- من الكفائيات- كالفلاحة و الحرث و الحصاد، و شبه ذلك لا تزيد اجرتها على الاعمال السهلة.

[السادس: أن الوجوب فى هذه الأمور مشروط بالعوض.]

السادس: ان الوجوب فى هذه الامور مشروط بالعوض.

قال بعض الاساطين بعد ذكر ما يدل على المنع عن اخذ الاجرة على الواجب اما ما كان واجبا مشروطا، فليس بواجب قبل حصول الشرط،

______________________________

فعلا (لغير ما يختار) من الصنعة (او عدم ميله إليه، او عدم كونه شاقا عليه) و ان كان شاقا على غيره (لكونه ممن نشأ) و تربى (فى تحمل المشقة) فلا يحس بالمشقة.

(الا ترى ان اغلب الصنائع الشاقة- من الكفائيات- كالفلاحة و الحرث و الحصاد، و شبه ذلك) كالخبازة امام التنور و الحدادة امام النار و الحديد، و ما اشبه (لا تزيد اجرتها على الاعمال السهلة) كالعطارة و البزازة و ما اشبه.

(السادس) من الوجوه (ان الوجوب فى هذه الامور) اى الصناعات المقومة للنظام (مشروط بالعوض).

بمعنى انه لو بذل العوض للحداد- مثلا- وجب عليه عمل الحدادة و الا لم يجب عليه، و عليه فلا مانع من اخذ الاجرة، لانه قبل اخذ الاجرة لم يجب.

(قال بعض الاساطين بعد ذكر ما يدل على المنع عن اخذ الاجرة على الواجب) ما لفظه: (اما ما كان واجبا مشروطا، فليس بواجب قبل حصول الشرط)

ص: 98

فتعلق الاجارة به قبله، لا مانع منه و لو كانت هى الشرط فى وجوبه.

فكل ما وجب كفاية من حرف و صناعات، لم تجب الا بشرط العوض باجارة او جعالة او نحوهما فلا فرق بين وجوبها العينى للانحصار، و وجوبها الكفائى لتأخر الوجوب عنها، و عدمه قبلها، كما ان بذل الطعام و الشراب للمضطر ان بقى على الكفاية او تعين يستحق فيه اخذ العوض على الاصح، لان وجوبه مشروط،

______________________________

حتى يحرم اخذ الاجرة عليه (فتعلق الاجارة به قبله، لا مانع منه و لو كانت هى) اى الاجرة (الشرط فى وجوبه) «لو» وصلية.

(فكل ما وجب كفاية من حرف) جمع حرفة- و هى ما ليست بصناعة- كالعطارة و نحوها (و صناعات، لم تجب الا بشرط العوض) سواء كان الشرط (باجارة او جعالة او نحوهما) كالهبة المشروطة.

و على هذا (فلا فرق بين وجوبها العينى للانحصار، و وجوبها الكفائى).

و انما قلنا: لا فرق (لتأخر الوجوب عنها) اى عن الاجرة، فانها ليست بواجبة- عينا و لا كفاية- قبل الاجرة، و لذا جاز اخذ الاجرة، و اذا اخذ الاجرة وجب- عينا، احيانا، و كفاية احيانا- (و عدمه) اى عدم الوجوب (قبلها) اى قبل الاجرة.

و لا منافات بين وجوب الفعل، و جواز اخذ الاجرة (كما ان بذل الطعام و الشراب للمضطر ان بقى على الكفاية) بان كان هناك باذلون متعد دون (او تعين) بان انحصر الباذل فى شخص واحد (يستحق فيه اخذ العوض على الاصح، لان وجوبه) اى وجوب البذل (مشروط) باخذ العوض.

ص: 99

بخلاف ما وجب مطلقا بالاصالة كالنفقات او بالعارض، كالمنذور، و نحوه، انتهى كلامه رحمه الله.

و فيه ان وجوب الصناعات ليس مشروطا ببذل العوض لانه لاقامة النظام التى هى من الواجبات المطلقة.

فان الطبابة و القصد و الحجامة و غيرها مما يتوقف عليه بقاء الحياة- فى بعض الاوقات- واجبة، بذل له العوض أم لم يبذل.

______________________________

بمعنى ان الشارع لم يكلف صاحب الطعام بان يبذله للمضطر مجانا، فالجمع بين دليلى وجوب البذل و احترام مال المسلم: ان البذل واجب و اخذ العوض جائز.

و هذا (بخلاف ما وجب مطلقا) بدون شرط و عوض، وجوبا (بالاصالة كالنفقات) للزوجة و من إليها (او) وجوبا (بالعارض، كالمنذور، و نحوه) بعهد او شرط او يمين (انتهى كلامه رحمه الله).

(و فيه ان وجوب الصناعات ليس مشروطا ببذل العوض لانه) اى الوجوب (لاقامة النظام التى هى من الواجبات المطلقة).

(ف) مثلا (ان الطبابة و الفصد و الحجامة و غيرها مما يتوقف عليه بقاء الحياة- فى بعض الاوقات- واجبة، بذل له العوض أم لم يبذل).

و الّذي اظن ان مراد بعض الاساطين: ان الشارع لم يوجب الصناعات بلا عوض، و انما اوجبها و لو مع العوض- و ان كانت عبارته لا تفي بهذا المعنى- الا ان بقاء العبارة على ظاهرها مما لا يحتمل ان يقول به احد.

ص: 100

[السابع: أن وجوب الصناعات المذكورة لم يثبت من حيث ذاتها]

السابع: ان وجوب الصناعات المذكورة لم يثبت من حيث ذاتها و انما ثبت من حيث الأمر باقامة النظام، و اقامة النظام غير متوقفة على العمل تبرعا، بل يحصل به و بالعمل بالاجرة.

فالذى يجب على الطبيب لاجل احياء النفس و اقامة النظام هو بذل نفسه للعمل لا بشرط التبرع به، بل له ان يتبرع به، و له ان يطلب الاجرة.

و حينئذ فان بذل المريض الاجرة وجب عليه العلاج، و ان لم يبذل الاجرة- و المفروض اداء ترك العلاج الى الهلاك- اجبره الحاكم حسبة

______________________________

(السابع) من الوجوه (ان وجوب الصناعات المذكورة) التى يتوقف عليها النظام (لم يثبت من حيث ذاتها) كوجوب الصلاة و الصيام (و انما ثبت) الوجوب (من حيث الامر باقامة النظام، و اقامة النظام غير متوقفة على العمل تبرعا، بل يحصل به) اى بالتبرع (و بالعمل بالاجرة).

و حاصل هذا الوجه: ان الواجب بما هو واجب لا ينافى اخذ الاجرة، و انما ينافى الاخذ فيما اذا كانت الغاية تتوقف على التبرع.

(فالذى يجب على الطبيب لاجل احياء النفس و اقامة النظام) لصحة الناس جسد يا حتى يتمكنوا من القيام بمهمات الحيات (هو بذل نفسه للعمل) و الطبابة و (لا) يكون ذلك (بشرط التبرع به، بل له) اى للطبيب (ان يتبرع به، و له ان يطلب الاجرة).

(و حينئذ) اى حين طلبه الاجرة (فان بذل المريض الاجرة وجب عليه العلاج، و ان لم يبذل الاجرة- و المفروض اداء ترك العلاج الى الهلاك- اجبره) اى المريض (الحاكم- حسبة-) اى قربة الى الله

ص: 101

على بذل الاجرة للطبيب.

و ان كان المريض مغمى عليه دفع عنه وليه، و إلا جاز للطبيب العمل بقصد الاجرة، فيستحق الاجرة فى ماله.

و ان لم يكن له مال ففى ذمته فيؤدى فى حياته، او بعد مماته من الزكاة او غيرها.

و بالجملة فما كان من الواجبات الكفائية ثبت من دليله وجوب نفس ذلك العنوان فلا يجوز اخذ الاجرة عليه

______________________________

تعالى، و احتسابا.

فان الامور التى يأتى بها الحاكم الشرعى لاجل مصالح الناس، و ما الى ذلك تسمى «حسبة» من الاحتساب على الله تعالى (على بذل الاجرة للطبيب).

(و ان كان المريض مغمى عليه) او مجنونا او سكرانا- ممن لا يشعر- (دفع) الى الطبيب الاجرة (عنه وليه) حاكما كان الولى او غيره (و الا) يكن ولى، و المريض لا يشعر بالدفع (جاز للطبيب العمل بقصد الاجرة، فيستحق الاجرة فى ماله) و يجوز له ان يأخذه تقاضا.

(و ان لم يكن له مال ففى ذمته) يستحقه الطبيب (فيؤدى فى حياته) من ماله ان صار له مال (او بعد مماته من الزكاة او غيرها) كالخمس، و نحوه.

(و بالجملة فما كان من الواجبات الكفائية ثبت من دليله وجوب نفس ذلك العنوان) اى العنوان الخاص، كعنوان دفن الميت الّذي هو متعلق الوجوب مقابل ما لم يثبت بعنوانه، بل بكلي منطبق عليه، كالطبابة، مثلا (فلا يجوز اخذ الاجرة عليه) لان الشارع اوجبه، فيكون اخذ الاجرة منافيا

ص: 102

بناء على المشهور.

و اما ما امر به من باب اقامة النظام فإقامة النظام يحصل ببذل النفس للعمل به فى الجملة، و اما العمل تبرعا فلا.

و حينئذ فيجوز طلب الاجرة من المعمول له اذا كان اهلا للطلب منه، و قصدها اذا لم يكن ممن يطلب منه، كالغائب الّذي يعمل فى ماله، عمل لدفع الهلاك عنه، و كالمريض المغمى عليه. و فيه

______________________________

للوجوب (بناء على المشهور) لما تقدم من الادلة.

(و اما ما امر به) الشارع (من باب اقامة النظام) كالصناعات، فالشارع اوجب اقامة النظام، و هى تحصل بالصناعات و نحوها (فإقامة النظام يحصل ببذل النفس للعمل به) اى بذلك الواجب (فى الجملة) بالمال او تبرعا (و اما العمل تبرعا فلا) دليل على وجوبه.

(و حينئذ) اى حين كان الواجب العمل، لا التبرع بالعمل (فيجوز طلب الاجرة من المعمول له اذا كان) المعمول له (اهلا للطلب منه) كالبالغ العاقل الملتفت (و قصدها) اى و يجوز قصد الاجرة- بان لا يقصد التبرع- (اذا لم يكن) المعمول له (ممن يطلب منه) اى لم يكن قابلا للطلب (كالغائب الّذي يعمل) بصيغة المجهول (فى ماله، عمل لدفع الهلاك عنه).

كما لو اراد الظالم اهلاك الغائب بمجرد وصوله الى وطنه، فيدفع زيد من مال الغائب مقدارا ليعفو عنه (و كالمريض المغمى عليه) يعمل له الدواء من ماله، و يعطى للطبيب الاجر، و كالطفل الصغير، و هكذا.

(و فيه) ان تفصيلكم بين ما امر به بعنوانه، و بين ما امر به لاجل اقامة

ص: 103

انه اذا فرض وجوب احياء النفس، و وجب العلاج كونه مقدمة له فاخذ الاجرة عليه غير جائز.

فالتحقيق على ما ذكرنا سابقا ان الواجب اذا كان عينيا تعينيا لم يجز اخذ الاجرة عليه- و لو كان من الصناعات- فلا يجوز للطبيب اخذ الاجرة على بيان الدواء، او تشخيص الداء.

و اما اخذ الوصى الاجرة على تولى اموال الطفل الموصى عليه الشامل بإطلاقه

______________________________

النظام بعد جواز اخذ الاجرة فى الاول، و جواز اخذ الاجرة فى الثانى، يحتاج الى الدليل.

ف (انه اذا فرض وجوب احياء النفس، و وجب العلاج لكونه مقدمة له) اى للاحياء، و المراد الا بقاء حيا (فاخذ الاجرة عليه غير جائز) لاطلاق الادلة الدالة على حرمة اخذ الاجرة على الواجبات.

(فالتحقيق على ما ذكرنا سابقا) من حرمة بعض اقسام الاجرة، دون بعض الاقسام الاخر (ان الواجب اذا كان عينيا تعينيا) لا كفائيا و لا تخييرا (لم يجز اخذ الاجرة عليه- و لو كان من الصناعات-).

بان كان الامر لا بعنوانه، بل بعنوان اقامة النظام (فلا يجوز للطبيب اخذ الاجرة على بيان الدواء، او تشخيص الداء).

(و) ان قلت: فكيف يجوز للوصى اخذ الاجرة- و ان كان العمل بالوصاية واجبا عينيا تعيينيا عليه-.

قلت: (اما اخذ الوصى الاجرة على تولى اموال الطفل الموصى عليه الشامل) جواز الاخذ- فى كلامهم- (بإطلاقه

ص: 104

لصورة تعين العمل عليه، فهو من جهة الاجماع و النصوص المستفيضة على ان له ان يأخذ شيئا.

و انما وقع الخلاف فى تعيينه.

فذهب جماعة الى ان له اجرة المثل حملا للاخبار على ذلك.

و لانه اذا فرض احترام عمله بالنص و الاجماع، فلا بد من كون العوض اجرة المثل.

و بالجملة فملاحظة النصوص و الفتاوى فى تلك المسألة، يرشد الى

______________________________

لصورة تعين العمل عليه) اى الوجوب العينى التعيينى (فهو من جهة الاجماع و النصوص المستفيضة على ان له) اى للوصى (ان يأخذ شيئا).

و هذه العبارة لا تدل على كون ما يأخذه عوضا، بل لعله من باب ارتزاق القاضى.

(و) ان قلت: فلما ذا يجوز الفقهاء اخذه لاجرة المثل.

قلت: (انما وقع الخلاف فى تعيينه) اى فى جواز اخذه مقدارا معينا كالاجرة، أم لا، بل لا بدّ من اخذ مقدار قليل، ليس له صورة الاجرة.

(فذهب جماعة الى ان له اجرة المثل حملا للاخبار) الدالة على ان له شيئا (على ذلك) اى اجرة المثل انصرافا.

(و لانه اذا فرض احترام عمله) اى عمل الوصى (بالنص و الاجماع، فلا بد من كون العوض اجرة المثل) اذا لفهم العرفى يساعد على ذلك.

(و بالجملة فملاحظة النصوص و الفتاوى فى تلك المسألة) اى مسألة استحقاق الوصى لشي ء من المال (يرشد الى

ص: 105

خروجها عما نحن فيه.

[و أما باذل المال للمضطر]

و اما باذل المال للمضطر، فهو انما يرجع بعوض المبذول، لا باجرة البذل، فلا يرد نقضا فى المسألة.

[و أما رجوع الام المرضعة بعوض ارضاع اللبأ مع وجوبه عليها]

و اما رجوع الام المرضعة بعوض ارضاع اللبأ مع وجوبه عليها بناء على توقف حياة الولد عليه، فهو اما من قبيل بذل المال للمضطر و امّا من قبيل رجوع الوصى باجرة المثل من جهة عموم آية: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فافهم.

______________________________

خروجها) اى خروج المسألة (عما نحن فيه) من مسألة اخذ الاجرة على الواجبات.

(و اما باذل المال للمضطر، فهو انما يرجع) الى المضطر بماله (بعوض المبذول، لا باجرة البذل، فلا يرد نقضا فى المسألة).

فلا يقال: انه كما يجب البذل و يجوز اخذ الاجرة كذلك تجب الصناعة و يجوز اخذ الاجرة، لان العمل فى الاول لا عوض له، بخلاف العمل فى الثانى.

(و اما رجوع الام المرضعة) الى الرضيع او الزوج (بعوض ارضاع اللبأ) و هو اللبن فى اوّل الولادة الّذي به قوام الطفل- كما يقال- (مع وجوبه) اى ارضاع اللبأ (عليها بناء على توقف حياة الولد عليه، فهو اما من قبيل بذل المال للمضطر) فالعوض للبن، لا للارضاع (و اما من قبيل رجوع الوصى باجرة المثل) من باب الارتزاق، لا من باب الاجرة على العمل الواجب (من جهة عموم آية: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ).

فان الآية شاملة حتى لارضاع اللبأ الواجب على الام (فافهم).

اذ لو قلنا: بشمول الآية لارضاع اللبأ، كانت الآية ظاهرة فى جواز

ص: 106

و ان كان كفائيا جاز الاستيجار عليه، فيسقط الواجب بفعل المستأجر عليه عنه، و عن غيره، و ان لم يحصل الامتثال.

[و من هذا الباب أخذ الطبيب الأجرة على حضوره عند المريض إذا تعين عليه علاجه]

و من هذا الباب اخذ الطبيب الاجرة على حضوره عند المريض اذا تعين عليه علاجه فان العلاج و ان كان معينا عليه، الا ان الجمع بينه و بين المريض- مقدمة للعلاج- واجب كفائى بينه و بين اولياء المريض.

______________________________

اخذ الاجرة على الواجب، و تأويل الآية بكون الاجر ارتزاقا خلاف الظاهر.

(و ان كان) الواجب (كفائيا) عطف على قوله «اذا كان عينيا» (جاز الاستيجار عليه، فيسقط الواجب) الكفائى (بفعل المستأجر عليه عنه) اى عن الاجير (و عن غيره) لان الواجب الكفائى حينما يؤتى به يسقط (و ان لم يحصل الامتثال) عن غير باذل المال، لما تقدم من ان العمل حينئذ عمل المستأجر، لا الاجير، فان الثواب آجلا، و آثار الفعل عاجلا يترتبان على المستأجر و ان كانت مباشرة الفعل للاجير.

(و من هذا الباب اخذ الطبيب الاجرة) فان الاجرة انما هى لاجل الواجب الكفائى.

اذ هى (على حضوره عند المريض اذا تعين عليه علاجه) بان انحصر المعالج فى هذا الطبيب، و كان المريض مهلكا او شبهه مما يجب شرعا علاجه (فان العلاج و ان كان معينا عليه) لانحصار الطبيب فيه (الا ان الجمع بينه و بين المريض- مقدمة للعلاج- واجب كفائى بينه) اى بين الطبيب (و بين اولياء المريض) او المريض بنفسه اذا قدر على ذلك.

ص: 107

فحضوره اداء للواجب الكفائى، كاحضار الاولياء، الا انه لا بأس باخذ الاجرة عليه.

[عدم جواز الأخذ في الكفائي لو علم كونه حقا للغير]

نعم يستثنى من الواجب الكفائى ما علم من دليله صيرورة ذلك العمل حقا للغير يستحقه من المكلف.

كما قد يدعى ان الظاهر من ادلة وجوب تجهيز الميت ان للميت حقا على الاحياء فى التجهيز.

فكل من فعل شيئا منه فى الخارج فقد ادى حق الميت، فلا يجوز اخذ الاجرة عليه.

______________________________

(فحضوره) عند المريض (اداء للواجب الكفائى، كاحضار الاولياء) المريض لديه (الا انه لا بأس باخذ الاجرة عليه) اى على حضوره عند المريض لانه لا دليل على حرمة اخذ الاجرة على هذا القبيل من الواجب الكفائى.

(نعم يستثنى من) جواز اخذ الاجرة على (الواجب الكفائى ما علم من دليله صيرورة ذلك العمل) الواجب كفاية (حقا للغير يستحقه) الغير (من المكلف) فلا معنى حينئذ لاخذ الاجرة.

(كما قد يدعى ان الظاهر من ادلة وجوب تجهيز الميت ان للميت حقا على الاحياء فى التجهيز) فيما اذا لم يكن واجبا عينيا لانحصار القادر فى واحد، و الا كان من مسألة الواجب العينى.

(فكل من فعل شيئا منه) اى من التجهيز (فى الخارج فقد ادى حق الميت، فلا يجوز اخذ الاجرة عليه).

نعم صحّحه بعض بقصد كون الاجرة للاعمال التوصلية غير الواجبة،

ص: 108

و كذا تعليم الجاهل احكام عباداته الواجبة عليه، و ما يحتاج إليه كصيغة النكاح و نحوها لكن تعيين هذا يحتاج الى لطف قريحة.

هذا تمام الكلام فى اخذ الاجرة على الواجب.

و اما الحرام فقد عرفت عدم جواز اخذ الاجرة عليه.

______________________________

كزيادة قطع الكفن او تنظيف الميت قبلا او ما اشبه، لكنه خارج عن محل الكلام.

(و كذا تعليم الجاهل احكام عباداته الواجبة عليه، و ما يحتاج إليه) فى معاده او معاشه (كصيغة النكاح و نحوها) مما يتوقف عليه دينه او دنياه (لكن تعيين هذا) الواجب على المكلفين بان يقال كما يجب على الجاهل التعلم، كذلك يجب على العالم التعليم (يحتاج الى لطف قريحة) تدرك هذا الوجوب.

اذ لا دليل على وجوب تعليم الجاهل كلما يحتاج إليه، و ان لم يكن واجبا عليه، فاخذ الاجرة من العالم على التعليم لا بأس به.

(هذا تمام الكلام فى اخذ الاجرة على الواجب).

(و اما الحرام فقد عرفت عدم جواز اخذ الاجرة عليه) فى النوع الاول، فى باب الاعيان النجسة و غيرها فى مسألة ان الله اذا حرم شيئا حرم ثمنه و هذا انما هو فى اخذ الاجرة على الحرام.

و اما اخذ الاجرة على ترك الحرام كان يعطيه الاجرة على أن يترك الخمر و نحوه، فالظاهر انه داخل فى مسألة اخذ الاجرة على الواجب، فان ترك الحرام واجب و ترك الواجب حرام، فتأمل.

ص: 109

[و اما المكروه و المباح]

و اما المكروه و المباح فلا اشكال فى جواز اخذ الاجرة عليهما.

[و أما المستحب:]

و اما المستحب: و المراد منه ما كان له نفع قابل لان يرجع الى المستأجر، ليصح الاجارة من هذه الجهة، فهو بوصف كونه مستحبا على المكلف لا يجوز اخذ الاجرة عليه لان الموجود من هذا الفعل فى الخارج لا يتصف بالاستحباب، الا مع الاخلاص الّذي ينافيه اتيان الفعل ل

______________________________

(و اما المكروه و المباح فلا اشكال فى جواز اخذ الاجرة عليهما) فعلا او تركا.

كان يعطيه الاجرة على ان ينام بين الطلوعين او ينام بالليل، او لان لا ينام، و ذلك لاطلاق ادلة الاجارة و لا مخرج لما نحن فيه عنها.

(و اما المستحب، و المراد منه ما كان له نفع قابل لان يرجع الى المستأجر، ليصح الاجارة من هذه الجهة).

اذ لو لم يكن له نفع كذلك، كانت الاجارة باطلة، اذ لم يدخل فى كيس المستأجر ما يقابل الاجرة الخارجة من كيسه.

و قد عرفت سابقا: ان مفهوم الاجارة متقوم بالمبادلة، كمفهوم البيع.

اللهم الا ان يقال: لا يلزم ذلك، كما قال بعض فى باب البيع- و سيأتى تفصيل الكلام فيه ان شاء الله تعالى- (فهو بوصف كونه مستحبا على المكلف لا يجوز اخذ الاجرة عليه).

فان الاجرة و القربة متنافيتان، فلا يصح اخذ الاجرة لاعادة صلاته التى صلاها فرادى، جماعة ليصلى المستأجر اقتداء به (لان الموجود من هذا الفعل) المستحب (فى الخارج لا يتصف بالاستحباب، الا مع الاخلاص الّذي ينافيه) اى ينافى الاخلاص (اتيان الفعل) المستحب (ل) اجل

ص: 110

استحقاق المستأجر اياه- كما تقدم فى الواجب-.

و حينئذ فان كان حصول النفع المذكور منه متوقفا على نية القربة لم يجز اخذ الاجرة عليه.

كما اذا استأجر من يعيد صلاته ندبا ليقتدى به، لان المفروض بعد الاجارة عدم تحقق الاخلاص، و المفروض مع عدم تحقق الاخلاص عدم حصول نفع منه عائد الى المستأجر.

و ما يخرج بالاجارة عن قابلية انتفاع المستأجر به، لم يجز الاستيجار عليه.

______________________________

(استحقاق المستأجر اياه- كما تقدم فى الواجب) العبادى-: التنافى بين الاخلاص و الاجرة.

(و حينئذ) اى حين كانت الاجرة و القربة متنافيتان (فان كان حصول النفع المذكور منه) اى من هذا العمل المستحب (متوقفا على نية القربة) كما تقدم فى الصلاة المعادة (لم يجز اخذ الاجرة عليه).

(كما اذا استأجر من يعيد صلاته ندبا ليقتدى) الباذل (به، لان المفروض بعد الاجارة عدم تحقق الاخلاص) فانه يعيد الصلاة للاجرة لا للقربة (و المفروض مع عدم تحقق الاخلاص عدم حصول نفع منه) اى من العمل (عائد الى المستأجر) لان الصلاة حينئذ باطلة، فلا يتمكن الباذل من الاقتداء حتى يعود إليه نفع درك الجماعة.

(و ما يخرج بالاجارة عن قابلية انتفاع المستأجر به) اى بذلك الشي ء (لم يجز) اى لم يصح (الاستيجار عليه).

ص: 111

و من هذا القبيل الاستيجار على العبادة لله اصالة لا نيابة و اهداء ثوابها الى المستأجر، فان ثبوت الثواب للعامل موقوف على قصد الاخلاص المنفى مع الاجارة.

و ان كان حصول النفع غير متوقف على الاخلاص جاز الاستيجار عليه كبناء المساجد، و اعانة المحاويج.

فان من بنى لغيره مسجد اعاد الى الغير نفع بناء المسجد، و هو ثوابه، و ان لم يقصد البناء من عمله الا اخذ الاجرة.

______________________________

اذ الاستيجار للنفع، فما لا نفع فيه- سواء كان عدم النفع بالاصل، او بسبب الاجارة- لا يصح الاستيجار بالنسبة إليه.

(و من هذا القبيل) الّذي يوجب الاستيجار عدم نفع فيه (الاستيجار على العبادة لله اصالة) لاخذ المال (لا نيابة) عن الميت و ما اشبه (و اهداء ثوابها الى المستأجر) كان يستأجره ليصلى ركعتين و يهدى ثوابهما الى الباذل (فان ثبوت الثواب للعامل موقوف على قصد الاخلاص) فى عبادته (المنفى) ذلك القصد (مع الاجارة).

(و ان كان حصول النفع غير متوقف على الاخلاص جاز الاستيجار عليه) لانطباق قواعد الاجارة عليه (كبناء المساجد، و اعانة المحاويج) فانهما و ان صحا عبادة، كذلك يقعان من غير قصد الاخلاص.

(فان من بنى لغيره مسجد اعاد الى الغير) الباذل للمال (نفع بناء المسجد، و هو ثوابه، و ان لم يقصد البناء من عمله الا اخذ الاجرة) فان قصد السبب كاف فى الثواب.

ص: 112

و كذا من استأجر غيره لاعانة المحاويج و المشى فى حوائجهم، فان الماشى لا يقصد الا الاجرة، الا ان نفع المشى عائد الى المستأجر.

و من هذا القبيل استيجار الشخص للنيابة عنه فى العبادات التى تقبل النيابة كالحج و الزيارة و نحوهما فان نيابة الشخص عن غيره فيما ذكر و ان كان مستحبا، الا ان ترتب الثواب للمنوب عنه و حصول هذا النفع له لا يتوقف على قصد النائب الاخلاص

______________________________

(و كذا من استأجر غيره لاعانة المحاويج) كاسعاف المرضى، و قضاء الحوائج، و ما اشبه (و المشى فى حوائجهم، فان الماشى لا يقصد الا الاجرة الا ان نفع المشى عائد الى المستأجر) فان قصده شرعا معتبر فى الثواب عليه لصحة اسناد الفعل إليه، و ان صح اسناد الفعل الى المباشر باعتبار المباشرة أيضا.

(و من هذا القبيل) الّذي تصح فيه الاجارة و ان لم يقصد الاجير الاخلاص (استيجار الشخص للنيابة عنه فى العبادات التى تقبل النيابة كالحج و الزيارة و نحوهما) ميتا كان المنوب عنه أم حيا، فان هناك امرين.

الاول: تنزيل النائب نفسه منزلة المنوب عنه، و هذا ان قصد به القربة دون الاجرة اثيب عليه، و ان قصد الاجرة لم يثب عليه.

الثانى: الاتيان بعمل المنوب عنه قربة الى الله تعالى (فان نيابة الشخص عن غيره فيما ذكر) من الحج و الزيارة (و ان كان مستحبا) لما ورد من الادلة على ذلك (الا ان ترتب الثواب للمنوب عنه، و حصول هذا النفع) اى الثواب (له) اى للمنوب عنه (لا يتوقف على قصد النائب الاخلاص

ص: 113

فى نيابته، بل متى جعل نفسه بمنزلة الغير، و عمل العمل بقصد التقرب الّذي هو تقرب المنوب عنه بعد فرض النيابة انتفع المنوب عنه، سواء فعل النائب هذه النيابة بقصد الاخلاص فى امتثال او امر النيابة عن المؤمن أم لم يلتفت إليها اصلا، و لم يعلم بوجودها فضلا عن ان يقصد امتثالها.

الا ترى: ان اكثر العوام الذين يعملون الخيرات لامواتهم، لا يعلمون ثبوت الثواب لانفسهم فى هذه النيابة، بل يتخيل النيابة مجرد احسان الى الميت لا يعود نفع منه الى نفسه.

و التقرب الّذي يقصده النائب بعد جعل نفسه نائبا، هو تقرب المنوب

______________________________

فى نيابته) و فى تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه (بل متى جعل نفسه بمنزلة الغير، و عمل العمل بقصد التقرب الّذي هو تقرب المنوب عنه بعد فرض النيابة انتفع المنوب عنه، سواء فعل النائب هذه النيابة) اى نزل نفسه منزلة المنوب (بقصد الاخلاص فى امتثال او امر النيابة عن المؤمن، أم لم يلتفت إليها) اى الى تلك الاوامر (اصلا، و لم يعلم بوجودها) اى بوجود أوامر استحبابية للنيابة عن المؤمن (فضلا عن ان يقصد امتثالها) اذا لقصد فرع العلم.

(الا ترى: ان اكثر العوام الذين يعملون الخيرات لامواتهم، لا يعلمون ثبوت الثواب لانفسهم فى هذه النيابة، بل يتخيل) ذلك العامى ان (النيابة مجرد احسان الى الميت لا يعود نفع منه الى نفسه).

(و) ان قلت: فكيف يقصد القربة.

قلت: (التقرب الّذي يقصده النائب بعد جعل نفسه نائبا، هو تقرب المنوب

ص: 114

عنه لا تقرب النائب، فيجوز ان ينوب لاجل مجرد استحقاق الاجرة عن فلان بان ينزل نفسه منزلته فى اتيان الفعل قربة الى الله.

ثم اذا عرض هذه النيابة الوجوب بسبب الاجارة، فالاجير غير متقرب فى نيابته، لان الفرض عدم علمه- احيانا- بكون النيابة راجحة شرعا يحصل بها التقرب، لكنه متقرب بعد جعل نفسه نائبا عن غيره، فهو متقرب بوصف كونه بدلا و نائبا عن الغير، فالتقرب يحصل للغير.

______________________________

عنه لا تقرب النائب) فكانه قال: انوب عن زيد لاجل الاجرة حتى آتى بالحج قربة الى الله تعالى (فيجوز ان ينوب لاجل مجرد استحقاق الاجرة عن فلان، بان ينزل نفسه منزلته فى اتيان الفعل) اتيانا (قربة الى الله) تعالى.

(ثم اذا عرض) على (هذه النيابة الوجوب بسبب الاجارة، فالاجير غير متقرب فى نيابته) فانه اتاها بقصد الاجرة (لان الفرض عدم علمه) اى الاجير (- احيانا- بكون النيابة راجحة شرعا يحصل بها التقرب).

و قد تقدم ان من لا يعلم شيئا كيف يمكنه القصد؟ (لكنه متقرب) بنفس العمل (بعد جعل نفسه نائبا عن غيره، فهو) ليس بمتقرب فى النيابة، و التنزيل، و انما (متقرب بوصف كونه بدلا و نائبا عن الغير، فالتقرب يحصل للغير).

و حصول التقرب للغير- اذا كان هو السبب- واضح، لاستناد الفعل إليه.

فلو اعطى زيد عمروا دينارا ليزور عنه، كان زيد- بسبب كونه باعثا لزيارة عمرو- متقربا.

و اما اذا لم يكن سببا، كما اذا ناب زيد عن عمرو الميت فى الزيارة،

ص: 115

فان قلت الموجود فى الخارج من الاجير ليس الا الصلاة عن الميت مثلا، و هذا متعلق الاجارة و النيابة فان لم يمكن الاخلاص فى متعلق الاجارة لم يترتب على تلك الصلاة نفع للميت، و ان امكن الاخلاص لم يناف لاخذ الاجرة- كما ادعيت-.

و

______________________________

فحصول التقرب لعمرو تفضل منه سبحانه، دل عليه الدليل.

فلا يقال: كيف يحصل القرب بما ليس الانسان سببه.

الم يقل سبحانه: كُلُّ امْرِئٍ بِمٰا كَسَبَ رَهِينٌ، و لم يقل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ.

لانه يقال الآيات لم تدل على ترك التفضل، و انما دلت على ان ثواب العمل صالحه و طالحه يصل الى الانسان، و اثبات الشي ء لا ينفى ما عداه.

نعم فى جانب العقاب لا يمكن، لانه خلاف العدل، فلو سبب زيد عصيان عمرو صح عقاب زيد، اما لو عصى عمرو بنية زيد بدون تسبيب زيد، لم يصح عقاب زيد لانه: لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ*.

(فان قلت الموجود فى الخارج من الاجير) كما هو المشاهد (ليس الا الصلاة عن الميت مثلا، و هذا) العمل اى الصلاة- فى المثال- (متعلق الاجارة و النيابة) لان المستأجر آجره ليصلى (فان لم يمكن الاخلاص فى متعلق الاجارة لم يترتب على تلك الصلاة نفع للميت، و ان امكن الاخلاص) فى متعلق الاجارة (لم يناف) الاخلاص (لاخذ الاجرة- كما ادعيت-).

(و) ان قلت: ان النيابة و الصلاة شيئان، فالاول لا قربة فيه، و الثانى فيه القربة.

ص: 116

ليست النيابة عن الميت فى الصلاة المتقرب بها الى الله تعالى شيئا، و نفس الصلاة شيئا آخر، حتى يكون الاول متعلق للاجارة و الثانى موردا للاخلاص.

قلت: القربة المانع اعتبارها من تعلق الاجارة، هى المعتبرة فى نفس متعلق الاجارة، و ان اتحد خارجا، مع ما لا يعتبر فيه القربة مما لا يكون متعلقا للاجارة.

______________________________

قلت: (ليست النيابة عن الميت فى الصلاة المتقرب بها الى الله تعالى شيئا، و نفس الصلاة شيئا آخر، حتى يكون الاول متعلقا للاجارة) بدون ضرر عدم قصد القربة فيه (و الثانى موردا للإخلاص) بدون دخل الاجارة فيه.

(قلت) بل هما شيئان حقيقة و شرعا و لذا يتصف كل منهما بوصف مخالف للآخر.

مثلا لو تبرع زيد بالنيابة عن صلاة الميت الواجبة، كانت النيابة مستحبة و الصلاة واجبة، و لو آجر زيد نفسه للنيابة عن زيد فى زيارة الحسين عليه السلام، كانت النيابة واجبة لكونها متعلقة الاجارة، و كانت الصلاة مستحبة و ذلك يتضح ببيان مقدمة.

و هى ان (القربة المانع اعتبارها) شرعا (من تعلق الاجارة، هى المعتبرة فى نفس متعلق الاجارة) كالصلاة فى المثال (و ان اتحد) متعلق الاجارة (خارجا) و فى مقام الاداء (مع ما لا يعتبر فيه القربة مما لا يكون متعلقا للاجارة) فالقربة المانعة عن صحة الاجارة اعم من ان يكون معتبرا فى نفس مورد الاجارة، كان يستأجر للصلاة لنفسه- مثلا-.

ص: 117

فالصلاة الموجودة فى الخارج على جهة النيابة فعل للنائب من حيث انها نيابة عن الغير، و بهذا الاعتبار ينقسم فى حقه الى المباح و الراجح و المرجوح.

و فعل للمنوب عنه- بعد نيابة النائب- يعنى تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه فى هذه الافعال.

______________________________

او يكون معتبرا فيما يتحد مع متعلق الاجارة، كان استأجره لتعليم الفاتحة، فعلمه اياها بقراءة الفاتحة فى ضمن الصلاة الواجبة، فان مورد الاجارة ليس نفس الصلاة بل هو التعليم، و لكن جعله فى الخارج متحدا مع الصلاة التى يعتبر فيها القربة فلا يتحقق مورد الاجارة بهذا الفرد بل ان تمكن بعد ذلك من التعليم بفرد آخر وجب، و الا امتنع العمل بمقتضى الاجارة، و لم يستحق بذلك الاجرة- هذا ما افاده المجاهد الشيرازى، فى شرح العبادة-.

(فالصلاة الموجودة فى الخارج على جهة النيابة) أولا (فعل للنائب من حيث انها نيابة عن الغير، و بهذا الاعتبار) اى باعتبار كونه فعلا للنائب (ينقسم فى حقه) اى فى حق النائب (الى المباح).

كما اذا لم يقصد امرا راجحا، ككونه محبوبا لله تعالى، و لا مرجوحا، ككونه قاصدا للرياء فى النيابة، فان هذا الريا، مرجوح و ليس بحرام (و الراجح و المرجوح).

(و) ثانيا (فعل للمنوب عنه- بعد نيابة النائب- يعنى تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه فى هذه الافعال).

ص: 118

و بهذا الاعتبار يترتب عليه الآثار الدنيوية و الاخروية لفعل المنوب عنه الّذي لم يشترط فيه المباشرة.

و الاجارة يتعلق به بالاعتبار الاول.

و التقرب بالاعتبار الثانى.

فالموجود فى ضمن الصلاة الخارجية فعلان

______________________________

منتهى الامر كونه فعل المنوب عنه، بالتسبيب لا بالمباشرة.

و لذا يصح الاستناد الى المنوب عنه فيقال: ان فلانا- الباذل- بنى المسجد، و فلانا- الآمر- قتل زيدا، فى حين انه لم يكن منه الا البذل او الامر.

(و بهذا الاعتبار) اى باعتبار كونه فعلا للمنوب عنه (يترتب عليه الآثار الدنيوية و الاخروية) من الثواب و اسقاط التكليف فى مثل النيابة فى الحج، اذا لم يتمكن المنوب عنه من المباشرة (لفعل المنوب عنه الّذي لم يشترط فيه المباشرة).

اذ لو شرط فيه المباشرة لم يصح من غيره، كالحج للمتمكن بدنا، و الصلاة و الصيام و ما اشبه.

(و الاجارة يتعلق به) اى بالفعل الخارجى (بالاعتبار الاول) اى باعتبار انه فعل للنائب.

(و التقرب) مشروط فى الفعل الخارجى (بالاعتبار الثانى) اى باعتبار انه فعل المنوب عنه.

(فالموجود فى ضمن الصلاة الخارجية فعلان) اى اعتباران، و الا

ص: 119

نيابة صادرة عن الاجير النائب فيقال: ناب عن فلان.

و فعل كانه صادر عن المنوب عنه، فيمكن ان يقال:- على سبيل المجاز- صلى فلان و لا يمكن ان يقال ناب فلان.

فكما جاز اختلاف هذين الفعلين فى الآثار.

فلا ينافى اعتبار القربة فى الثانى جواز الاستيجار على الاول الّذي لا يعتبر فيه القربة.

______________________________

فالوجود الواحد ليس مصداقا لامرين، كما حقق فى محله.

الاول: (نيابة صادرة عن الاجير النائب فيقال: ناب) زيد (عن فلان).

(و) الثانى: (فعل كانه صادر عن المنوب عنه، فيمكن ان يقال:- على سبيل المجاز- صلى فلان) كما يقال: بنى زيد المسجد، و يقال بنى البناء المسجد (و لا يمكن ان يقال ناب فلان) اى المنوب عنه.

(فكما جاز اختلاف هذين الفعلين فى الآثار) بان يقال: ناب، بالنسبة الى النائب و لا يقال ناب، بالنسبة الى المنوب عنه.

و يصح ان يقال: بنى المسجد حقيقة بالنسبة الى البناء، و بنى المسجد مجازا، بالنسبة الى الباذل.

(فلا ينافى اعتبار القربة فى الثانى) اى باعتبار كونه فعل المنوب عنه (جواز الاستيجار) المنافى للقربة (على الاول) اى باعتبار كونه فعل النائب (الّذي لا يعتبر فيه) قصد (القربة) اذ تنزيل الانسان نفسه منزلة انسان آخر لا يحتاج الى قصد القربة.

ص: 120

و قد ظهر مما قررناه وجه ما اشتهر بين المتأخرين فتوى و عملا، من:

جواز الاستيجار على العبادات للميت.

و ان الاستشكال فى ذلك بمنافات ذلك لاعتبار التقرب فيها ممكن الدفع خصوصا بملاحظة ما ورد من الاستيجار للحج.

و دعوى خروجه بالنص فاسدة، لان مرجعها الى عدم اعتبار القربة فى الحج.

______________________________

(و قد ظهر مما قررناه) من عدم التنافى بين الاستيجار، و بين قصد القربة (وجه ما اشتهر بين المتأخرين فتوى و عملا، من: جواز الاستيجار على العبادات للميت) و ان الاجير يأخذ الاجرة لتنزيل نفسه منزلة الميت و اذا اتى بالصلاة قصد القربة، فالقربة فى فعل المنوب عنه، و الاجرة فى فعل نفسه بتنزيل النفس منزلة الميت.

(و) ظهر (ان الاستشكال فى ذلك) الاستيجار عن الميت فى العبادة (بمنافات ذلك) الاستيجار (لاعتبار التقرب فيها) اى فى العبادة (ممكن الدفع) بما تقدم من انه فعلان (خصوصا بملاحظة ما ورد من الاستيجار للحج).

فقد استأجر الامام الصادق عليه السلام رجلا لان يحج عن ولده اسماعيل، الى غير ذلك من الروايات الكثيرة الدالة على ذلك.

(و دعوى خروجه) اى خروج الاستيجار للحج (بالنص) و الا فالاصل البطلان (فاسدة لان مرجعها) اى مرجع هذه الدعوى (الى عدم اعتبار القربة فى الحج) لانه اذا نافى الاستيجار للقربة و قد ورد الاستيجار،

ص: 121

و اضعف منها دعوى ان الاستيجار على المقدمات كما لا يخفى.

مع ان ظاهر ما ورد فى استيجار مولانا الصادق عليه السلام للحج عن ولده اسماعيل، كون الاجارة على نفس الافعال.

[عدم جواز إتيان ما وجب بالإجارة عن نفسه]

ثم اعلم انه كما لا يستحق الغير بالاجارة ما وجب على المكلف على وجه العبادة.

______________________________

فاللازم ان نقول: بانه لا يشترط القربة، فانه اذا ثبت احد المتنافيين انتفى الآخر.

(و اضعف منها) اى من الدعوى المتقدمة (دعوى ان الاستيجار) للحج الّذي ورد به النص، انما كان (على المقدمات) كالسير الى الميقات و شراء ثوب الاحرام، و ما اشبه (كما لا يخفى).

اذ الصريح من تلك النصوص: كون الاستيجار على نفس الحج.

هذا بالنسبة الى الروايات الدالة على جواز الاستيجار.

(مع ان ظاهر ما ورد فى استيجار مولانا الصادق عليه السلام للحج عن ولده اسماعيل، كون الاجارة على نفس الافعال) دون المقدمات، بل قد اثبت الامام عليه السلام ثوابا كبيرا للنائب حيث قال عليه السلام له ان لك تسع حجج و لولدى اسماعيل حجة واحدة.

(ثم اعلم انه كما لا يستحق الغير بالاجارة ما وجب على المكلف على وجه العبادة) فلا يمكن ان يأتى عمرو عمل زيد العبادى، كصلاة الظهر لان الصلاة خاصة بزيد، و واجبة عليه.

ص: 122

كذلك لا يؤتى على وجه العبادة لنفسه ما استحقه الغير منه بالاجارة

فلو استؤجر لاطافة صبىّ او مغمى عليه، فلا يجوز الاحتساب فى طواف نفسه كما صرح به فى المختلف، بل كذلك لو استوجر لحمل غيره فى الطواف كما صرح به جماعة تبعا للاسكافى لان المستأجر يستحق الحركة المخصوصة عليه.

لكن ظاهر جماعة: جواز الاحتساب فى هذه الصورة، لان استحقاق

______________________________

(كذلك لا يؤتى على وجه العبادة لنفسه ما استحقه الغير منه بالاجارة).

ففى الاول عمرو لا يأتى بعمل غيره.

و فى الثانى عمرو لا يأتى بعمل نفسه.

(فلو استؤجر) بصيغة المجهول، بان استأجر زيد عمروا (لإطافة صبىّ او مغمى عليه، فلا يجوز الاحتساب فى طواف نفسه) بان يحمل عمرو الصبى و يطوف و ينوى انه وفاء للاجارة، و طواف عن نفسه أيضا، (كما صرح به فى المختلف، بل كذلك) لا يصح ان يقصد طواف نفسه (لو استوجر لحمل غيره فى الطواف) بان كان الطواف عمل المحمول لا عمل الحامل- كما فى مثال الصبىّ- (كما صرح به جماعة تبعا للاسكافى).

و انما لا يصح ان يطوف الحامل لنفسه (لان المستأجر) الّذي بذل المال (يستحق الحركة المخصوصة عليه) اى على الاجير.

(لكن ظاهر جماعة: جواز الاحتساب) اى احتساب الاجير طواف نفسه (فى هذه الصورة) اى صورة حمل غيره فى الطواف (لان استحقاق

ص: 123

الحمل غير استحقاق الاطافة به، كما لو استوجر لحمل متاع.

و فى المسألة اقوال، قال فى الشرائع، و لو حمله حامل فى الطواف امكن ان يحتسب كل منهما طوافه عن نفسه، انتهى.

و قال فى المسالك: هذا اذا كان الحامل متبرعا، او حاملا بجعالة او كان مستأجرا للحمل فى طوافه.

اما لو استوجر للحمل مطلقا لم يحتسب للحامل، لان الحركة المخصوصة قد صارت مستحقة عليه لغيره، فلا يجوز صرفها الى نفسه، و فى المسألة

______________________________

الحمل) اى حمل الاجير للمستأجر (غير استحقاق الاطافة به).

و المنافى لطواف نفسه استحقاق الاطافة، لا استحقاق الحمل (كما لو استوجر لحمل متاع) فكما انه لا ينافى حمل المتاع طواف نفس الاجير كذلك الاجارة لحمل انسان، لا ينافى طواف نفس الاجير.

(و فى المسألة اقوال، قال فى الشرائع: و لو حمله حامل فى الطواف امكن ان يحتسب كل منهما) الحامل و المحمول (طوافه عن نفسه، انتهى)

(و قال فى المسالك: هذا اذا كان الحامل متبرعا) لحمله (او حاملا بجعالة) مما ليس الحمل واجبا عليه (او كان مستأجرا) بصيغة المفعول اى كان الحامل مستأجرا (للحمل) فقط (فى طوافه) اى فى طواف نفسه.

(اما لو استوجر للحمل مطلقا) بدون ان يقيد الاجارة بانه يحمله فى طواف نفسه (لم يحتسب) طوافا (للحامل، لان الحركة المخصوصة) حول الكعبة (قد صارت مستحقة عليه) اى على الاجير (لغيره) الّذي هو المحمول (فلا يجوز) اى لا يصح (صرفها) اى الحركة (الى نفسه، و فى المسألة

ص: 124

اقوال، هذا اجودها، انتهى.

و اشار بالاقوال الى القول بجواز الاحتساب مطلقا كما هو ظاهر الشرائع و ظاهر القواعد على اشكال.

و القول الآخر ما فى الدروس، من انه يحتسب لكل من الحامل و المحمول ما لم يستأجره للحمل لا فى طوافه، انتهى.

و الثالث: ما ذكره فى المسالك من التفصيل.

و الرابع: ما ذكره بعض محشى الشرائع، من استثناء صورة الاستيجار على

______________________________

اقوال، هذا اجودها، انتهى) كلام المسالك.

(و اشار بالاقوال الى القول بجواز الاحتساب مطلقا كما هو ظاهر الشرائع و ظاهر القواعد على اشكال) فى اختيار القواعد له.

(و القول الآخر ما فى الدروس، من انه يحتسب لكل من الحامل و المحمول ما لم يستأجر للحمل لا فى طوافه، انتهى) فانه لا يصح من الحامل حينئذ.

و فى بعض النسخ «للحمل لا فى طوافه» اى اذا استأجره لان يحمله فقط بدون ان يطوف بنفسه فى حال حمله فانه لم يصح طواف الحامل حينئذ لانه خلاف مقتضى الاجارة هذا و لم يحضرنى كتاب «الدروس» الّذي نقل منه الماتن حتى ارى ان الصحيح «للحمل فى طوافه» اوانه «للحمل لا فى طوافه» (و الثالث: ما ذكره فى المسالك من التفصيل) المتقدم.

(و الرابع: ما ذكره بعض محشى الشرائع، من استثناء صورة الاستيجار على

ص: 125

الحمل.

و الخامس: الفرق بين الاستيجار للطواف به، و بين الاستيجار لحمله فى الطواف، و هو ما اختاره فى المختلف.

و بنى فخر الدين فى الايضاح جواز الاحتساب فى صورة الاستيجار للحمل- التى استشكل والده ره فيها- على ان ضم نية التبرد الى الوضوء قادح، أم لا.

______________________________

الحمل) من قول الشرائع: بانه يحتسب لهما مطلقا، سواء كان استيجارا او حملا تبرعيا.

(و الخامس: الفرق بين الاستيجار للطواف به، و بين الاستيجار لحمله فى الطواف).

ففى الاول لا يصح طوافه لنفسه.

و فى الثانى يصح طوافه لنفسه (و) هذا القول (هو ما اختاره فى المختلف) كما تقدم.

(و بنى فخر الدين فى الايضاح جواز الاحتساب) اى احتساب الحامل لنفسه (فى صورة الاستيجار للحمل- التى استشكل والده ره فيها على ان ضم نية التبرد الى الوضوء قادح، أم لا).

فان قلنا: بقدح نية المباح فى العبادة لزم القدح هنا، لان الحمل ضميمة مباحة- ذاتا- فيقدح فى نية الحامل الطواف لنفسه.

و ان قلنا بعدم قدحه، كان اللازم عدم القدح هنا.

ص: 126

و المسألة مورد نظر، و ان كان ما تقدم من المسالك لا يخلو عن وجه.

[أخذ الأجرة على الأذان]

ثم انه قد ظهر مما ذكرناه من عدم جواز الاستيجار على المستحب، اذا كان من العبادات انه لا يجوز اخذ الاجرة على اذان المكلف لصلاة نفسه- اذا كان مما يرجع نفع منه الى الغير يصح لاجله الاستيجار- كالاعلام بدخول الوقت، او الاجتزاء به فى الصلاة.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 4، ص: 127

و كذا اذان المكلف للاعلام عند الاكثر كما عن الذكرى، و على الاشبه كما فى الروضة

______________________________

(و المسألة مورد نظر، و ان كان ما تقدم من المسالك لا يخلو عن وجه).

اقول: فى بعض الروايات الدلالة على ان الحمل فى الطواف كاف لهما، و اطلاقه شامل للاجارة و تفصيل الكلام فى محله فى كتاب الحج.

(ثم انه قد ظهر مما ذكرناه من عدم جواز الاستيجار على المستحب، اذا كان من العبادات) تنافى الاجرة و القربة (انه لا يجوز اخذ الاجرة على اذان المكلف لصلاة نفسه- اذا كان مما يرجع نفع منه الى الغير يصح لاجله الاستيجار-).

و هذا الشرط لاجل انه لو لم يكن له نفع يعود الى المستأجر لم تصح الاجارة لما تقدم.

و مثال ما له نفع عائد الى المستأجر (كالاعلام بدخول الوقت) مما يستفيد منه المستأجر (او الاجتزاء به فى الصلاة) فانه يصح الاجتزاء باذان الغير

(و كذا اذان المكلف للاعلام عند الاكثر) فانهم اجازوا اخذ الاجرة له (كما عن الذكرى) نسبته الى الاكثر (و على الاشبه كما فى الروضة) فى الروضة

ص: 127

و هو المشهور كما فى المختلف، و مذهب الاصحاب الا من شدّ، كما عنه و عن جامع المقاصد، و بالاجماع كما عن محكى الخلاف بناء على انها عبادة يعتبر فيها وقوعها لله تعالى، فلا يجوز ان يستحقها الغير.

و فى رواية زيد بن على، عن آبائه، عن على عليه السلام، انه اتاه رجل، فقال له: و الله انى احبك لله فقال له لكنى ابغضك لله، قال: و لم؟

قال: لانك تبغى فى الاذان اجرا، و تأخذ على تعليم القرآن اجرا.

و فى رواية حمران الواردة فى فساد الدنيا و اضمحلال الدين- و فيها

______________________________

«على الاشهر» (و هو المشهور كما فى المختلف، و مذهب الاصحاب الا من شذ، كما عنه) اى عن المختلف.

و كان الشيخ رأى العبارة الاولى فى المختلف، و لم ير العبارة الثانية، و لذا قال فى الاول «فى» و فى الثانى «عنه» (و عن جامع المقاصد و بالاجماع كما عن محكى الخلاف) لشيخ الطائفة (بناء على انها عبادة يعتبر فيها وقوعها لله تعالى).

و قد تقدم ان الاجرة و القربة متنافيتان (فلا يجوز ان يستحقها الغير) بالاجارة و نحوها.

(و فى رواية زيد بن على، عن آبائه عن على عليه السلام، انه اتاه رجل فقال له: و الله انى احبك لله، فقال له) على عليه السلام (لكنى ابغضك لله، قال: و لم؟ قال: لانك تبغى فى الاذان اجرا، و تأخذ على تعليم القرآن اجرا) فتبين منه حرمة اخذ الاجرة، لان الامام لا يبغض مؤمنا لعمل مكروه.

(و فى رواية حمران الواردة فى فساد الدنيا و اضمحلال الدين- و فيها

ص: 128

قوله عليه السلام-: و رأيت الاذان بالاجرة و الصلاة بالاجر.

و يمكن ان يقال: ان مقتضى كونها عبادة، عدم حصول الثواب اذا لم يتقرب بها، لا فساد الاجارة، مع فرض كون العمل مما ينتفع به و ان لم يتقرب به.

نعم لو قلنا: بان الاعلام بدخول الوقت المستحب كفاية لا يتأتى بالاذان الّذي لا يتقرب به، صح ما ذكر، لكن ليس كذلك.

و اما الرواية فضعيفة.

______________________________

قوله عليه السلام-: و رأيت الاذان بالاجرة و الصلاة بالاجر).

لعله اشارة الى بعض شباب المسلمين الذين يأخذون الاجرة من آبائهم للقيام بصلاتهم الواجبة.

(و يمكن ان يقال: ان مقتضى كونها عبادة، عدم حصول الثواب اذا لم يتقرب بها، لافساد الاجارة، مع فرض كون العمل مما ينتفع به) المستأجر (و ان لم يتقرب به) كما لو اراد الاعلام ليأذن له سيده فى الانصراف مثلا-.

(نعم لو قلنا: بان الاعلام بدخول الوقت المستحب كفاية) ذلك الاعلام (لا يتأتى بالاذان الّذي لا يتقرب به، صح ما ذكر) من فساد الاجارة لان قصد المستأجر هو الاعلام، و لم يحصل (لكن ليس كذلك) اذا الاعلام لا علاقة له بالتقرب.

(و اما الرواية فضعيفة) سند او دلالة، لان المبغوضية يمكن ان تكون لاجل ترك الوظيفة الدينية و لا دليل على ان كل ما كان يبغضه الامام كان

ص: 129

و من هنا استوجه الحكم بالكراهة فى الذكرى، و المدارك، و مجمع البرهان، و البحار، بعد ان حكى عن علم الهدى ره.

و لو اتضحت دلالة الروايات امكن جبر سند الاولى بالشهرة، مع ان رواية حمران حسنة على الظاهر بابن هاشم.

[أخذ الأجرة على الإمامة]

و من هنا يظهر وجه ما ذكروه فى هذا المقام من حرمة اخذ الاجرة على الامامة

______________________________

حراما.

و قد تقدم معنى انه عليه السلام ما كان يكره الحلال فراجع.

(و من هنا) الضعف سندا و دلالة (استوجه الحكم بالكراهة) لاخذ الاجرة على الاذان (فى الذكرى، و المدارك، و مجمع البحرين، و البحار بعد ان حكى عن علم الهدى) السيد المرتضى (ره) القول بالكراهة.

(و لو اتضحت دلالة الروايات) بان كانت دالة على الحرمة عرفا (امكن جبر سند الاولى بالشهرة، مع ان رواية حمران حسنة على الظاهر بابن هاشم) بل قد حقق جملة من المحققين وثاقة ابن هاشم.

و يدل عليه أيضا فى الجملة خبر السكونى قال النبي صلى الله عليه و آله لعلى عليه السلام: و لا تتخذن مؤذنا يأخذ على اذانه اجرا.

(و من هنا) حيث ظهر وثاقة رواية حمران (يظهر وجه ما ذكروه فى هذا المقام من حرمة اخذ الاجرة على الامامة).

لان رواية حمران مشتملة عليه، مضافا الى ما تقدم من المنافات بين القربة و الاجرة.

اللهم الا ان يقال: انه لا علاقة للخبر بالامامة، بل الخبر فيمن يأخذ

ص: 130

مضافا الى موافقتها للقاعدة المتقدمة، من ان ما كان انتفاع الغير به موقوفا على تحققه على وجه الاخلاص، فلا يجوز الاستيجار عليه.

لان شرط العمل المستأجر عليه قابلية ايقاعه لاجل استحقاق المستأجر له حتى يكون وفاء بالعقد و ما كان من قبيل العبادة غير قابل لذلك.

[ثم إن من الواجبات التى يحرم أخذ الأجرة عليها عند المشهور تحمل الشهادة]

ثم ان من الواجبات التى يحرم اخذ الاجرة عليها عند المشهور تحمل الشهادة- بناء على

______________________________

على اصل الصلاة الاجر.

و يدل على الحكم أيضا صحيح محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام:

لا تصل خلف من يبغى على الاذان و الصلاة بالناس اجرا، و لا تقبل شهادته خصوصا بملاحظة عدم قبول شهادته.

(مضافا الى موافقتها للقاعدة المتقدمة، من ان ما كان انتفاع الغير به موقوفا على تحققه على وجه الاخلاص، فلا يجوز الاستيجار عليه) لمنافاة الاجرة و القربة.

(لان شرط العمل المستأجر عليه قابلية ايقاعه لاجل استحقاق المستأجر له) اى لذلك العمل (حتى يكون) الاتيان به (وفاء بالعقد) الايجارى (و ما كان من قبيل العبادة غير قابل لذلك) اى لاتيانه لاجل استحقاق المستأجر، اذ بمجرد قصد الاجرة لا تكون عبادة.

(ثم ان من الواجبات التى يحرم اخذ الاجرة عليها عند المشهور تحمل الشهادة) فى الامور المحتاجة الى الشهادة (- بناء على

ص: 131

وجوبه- كما هو احد الاقوال فى المسألة لقوله تعالى: وَ لٰا يَأْبَ الشُّهَدٰاءُ إِذٰا مٰا دُعُوا، المفسر فى الصحيح بالدعاء للتحمل.

و كذلك اداء الشهادة لوجوبه عينا، او كفاية.

و هو مع الوجوب العينى واضح.

و اما مع الوجوب الكفائى، فلان المستفاد من ادلة الشهادة كون

______________________________

وجوبه-) اى وجوب التحمل (كما هو احد الاقوال فى المسألة).

و انما قالوا بالوجوب (لقوله تعالى: وَ لٰا يَأْبَ الشُّهَدٰاءُ إِذٰا مٰا دُعُوا) و هذه الآية محتملة لكل من التحمل و الاداء، و للاعم منهما، بل لا يبعد ظهورها فى الاداء، لان التسمية بالشهداء قبل التحمل مجاز بالمشارفة.

و لذا قال المصنف: (المفسر فى الصحيح بالدعاء للتحمل) فاذا كان عدم الحضور حراما، كان الحضور واجبا، فيحرم اخذ الاجرة، لمنافات الاجرة لكونه مجعولا على الشاهد قهرا و جبرا عليه.

(و كذلك) يحرم اخذ الاجرة فى (اداء الشهادة لوجوبه عينا) اذا كان الشاهد منحصرا فى العدد المعتبر (او كفاية) اذا كانت الشهود اكثر من القدر اللازم.

(و هو) اى تحريم اخذ الاجرة (مع الوجوب العينى، واضح) لانه اذا كان واجبا لزم ان يأتى الشاهد بها، فكيف يمكن ان يأخذ الاجرة على ما يلزم ان يأتى به.

(و اما مع الوجوب الكفائى، فلان المستفاد من ادلة الشهادة كون

ص: 132

التحمل و الاداء حقا للمشهود له على الشاهد، فالموجود فى الخارج، من الشاهد حق للمشهود له لا يقابل بعوض للزوم مقابلة حق الشخص بشي ء من ماله، فيرجع الى اكل المال للباطل.

و منه يظهر انه كما لا يجوز اخذ الاجرة من المشهود له، كذلك لا يجوز من بعض من وجبت عليه كفاية، اذا استأجره لفائدة اسقاطها عن نفسه

______________________________

التحمل) للشهادة (و الاداء حقا للمشهود له على الشاهد) سواء كان الشاهد منحصرا، او غير منحصر (فالموجود) اى الّذي يوجد (فى الخارج من الشاهد حق للمشهود له لا يقابل بعوض).

لانه لو اعطى صاحب الحق المال، كان إعطاء للمال فى مقابل حق نفسه، من قبيل ان يعطى زيد درهما فى مقابل ملكيته لدار نفسه.

و إليه اشار بقوله: (للزوم مقابلة حق الشخص بشي ء من ماله فيرجع) اخذ الشاهد للمال (الى اكل المال للباطل) لانه لم يدفع شيئا لنفسه، فكيف يأخذ مالا.

(و منه) اى من هذا الدليل الّذي ذكرنا انه لا يجوز اخذ شي ء فى مقابل اداء الشهادة (يظهر انه كما لا يجوز اخذ الاجرة من المشهود له كذلك لا يجوز) اخذ الاجرة (من بعض من وجبت عليه كفاية اذا استأجره لفائدة اسقاطها) اى الشهادة (عن نفسه).

مثلا: سمع زيد و عمرو بالعقد، فلما اراد صاحب العقد ان يحضر زيدا للشهادة، اعطى زيد لعمرو دينارا ليشهد، حتى تسقط الشهادة عن زيد.

ص: 133

ثم انه لا فرق فى حرمة الاجرة بين توقف التحمل او الاداء على قطع مسافة طويلة، و عدمه.

نعم لو احتاج الى بذل مال، فالظاهر عدم وجوبه.

و لو امكن احضار الواقعة عند من يراد تحمله للشهادة، فله ان يمتنع من الحضور و يطلب الاحضار.

______________________________

(ثم انه لا فرق فى حرمة الاجرة بين توقف التحمل او الاداء على قطع مسافة طويلة، و عدمه) لان المسافة اذا كانت مقدمة للواجب، وجبت الا اذا كان هناك ضرر على الشاهد فى قطع المسافة او كان للشهادة واجب مزاحم، فانه لا يلزم حينئذ.

(نعم لو احتاج) قطع المسافة (الى بذل مال، فالظاهر عدم وجوبه) لادلة لا ضرر.

و احتمال وجوب البذل من جهة انه مقدمة للواجب ليس فى محله لان الظاهر من الادلة وجوب الفعل لا وجوب غيره، كادلة تجهيز الميت و لذا قالوا بعدم وجوب التبرع بالكفن.

(و لو امكن احضار الواقعة عند من يراد تحمله للشهادة، فله ان يمتنع من الحضور) بالذهاب الى محل الواقعة، و يقول لهم احضروا الواقعة عندى حتى اشهد (و يطلب الاحضار) و له حينئذ ان يأخذ الاجرة لاجل الحضور كما تقدم فى مسألة الدفن ان اراد الولى حفر القبر فى مكان خاص.

ص: 134

[حكم الارتزاق من بيت المال]

بقى الكلام فى شي ء، و هو: ان كثيرا من الاصحاب صرحوا فى كثير من الواجبات و المستحبات التى يحرم اخذ الاجرة عليها بجواز ارتزاق مؤديها من بيت المال المعد لمصالح المسلمين و ليس المراد اخذ الاجرة او الجعل من بيت المال لان ما دل على تحريم العوض لا فرق فيه بين كونه من بيت المال او من غيره بل حيث استفدنا من دليل الوجوب كونه حقا للغير يجب ادائه إليه عينا او كفاية فيكون اكل المال بإزائه اكلا له بالباطل، كان اعطائه العوض من بيت

______________________________

(بقى الكلام فى شي ء، و هو: ان كثيرا من الاصحاب صرحوا فى كثير من الواجبات و المستحبات التى يحرم اخذ الاجرة عليها) كالقضاء و الاذان و ما اشبه (بجواز ارتزاق مؤديها) اى الّذي يؤدى تلك التكاليف (من بيت المال المعد لمصالح المسلمين).

(و ليس المراد) من الارتزاق (اخذ الاجرة او الجعل من بيت المال، لان ما دل على تحريم العوض، لا فرق فيه بين كونه من بيت المال او من غيره).

للمنافات بين الاجرة و بين القربة، او بين كون الشي ء حقا لاحد، و بين القربة فكيف يؤخذ فى مقابله الاجرة.

فانه لا فرق فى هذه الادلة بين كون الاجرة من بيت المال او من غيره.

(بل حيث استفدنا من دليل الوجوب كونه حقا للغير) بحيث (يجب ادائه إليه عينا او كفاية) ان كان غيره فكفاية، و إلا فعينا (فيكون اكل المال بإزائه اكلا له بالباطل، كان اعطائه العوض من بيت

ص: 135

المال اولى بالحرمة، لانه تضييع له و اعطاء مال المسلمين بإزاء ما يستحقه المسلمون، على العامل.

بل المراد انه اذا قام المكلف بما يجب عليه- كفاية او عينا- مما يرجع الى مصالح المسلمين و حقوقهم كالقضاء و الافتاء و الاذان و الاقامة و نحوها، و رأى ولى المسلمين المصلحة فى تعيين شي ء من بيت المال له فى اليوم و الشهر او السنة، من جهة قيامه بذلك الامر لكونه فقيرا يمنعه القيام بالواجب المذكور عن تحصيل ضرورياته، فيعين له ما يرفع حاجته و ان كان ازيد

______________________________

المال اولى بالحرمة لانه) اى الاعطاء (تضييع له) اى لمال المسلمين (و اعطاء مال المسلمين بإزاء ما يستحقه المسلمون، على العامل) فان المسلمين يستحقون القضاء مثلا مجانا، فكيف يعطى القاضى، العوض من بيت مالهم المعد لمصالحهم.

و قوله: اعطاء عطف على «تضييع».

(بل المراد) من الارتزاق (انه اذ اقام المكلف بما يجب عليه- كفاية او عينا- مما يرجع الى مصالح المسلمين و حقوقهم) «مما» بيان «ما يجب» (كالقضاء و الافتاء و الاذان و الاقامة و نحوها، و رأى ولى المسلمين) الّذي بيده بيت المال (المصلحة فى تعيين شي ء من بيت المال له فى اليوم او الشهر او السنة، من جهة قيامه بذلك الامر) «من جهة» علة «رأى المصلحة» (لكونه فقيرا يمنعه القيام بالواجب المذكور) او المستحب المذكور (عن تحصيل ضرورياته، فيعين) الحاكم الشرعى (له ما يرفع حاجته و ان كان ازيد

ص: 136

من اجرة المثل، او اقل منها.

و لا فرق بين ان يكون تعيين الرزق له بعد القيام، او قبله حتى انه لو قيل له: اقض فى البلد و انا اكفيك مئونتك من بيت المال جاز، و لم يكن جعالة.

و كيف كان فمقتضى القاعدة عدم جواز الارتزاق الا مع الحاجة على وجه يمنعه القيام بتلك المصلحة عن اكتساب المئونة.

فالارتزاق مع الاستغناء و لو بكسب لا يمنعه القيام بتلك المصلحة غير جائز.

______________________________

من اجرة المثل، او اقل منها) لان المناط المصلحة، لا الاجرة.

(و لا فرق بين ان يكون تعيين الرزق له بعد القيام) بتلك الواجبات و المستحبات (او قبله حتى انه) بهذه الصورة (لو قيل له: اقض فى البلد و انا اكفيك مئونتك من بيت المال) مما صورته كالاجارة او الجعالة (جاز، و لم يكن جعالة) هذا خبر قوله «انه اذا قام» و قوله «حتى انه» وصلية.

و الحاصل: ان عنوان الارتزاق غير عنوان الاجارة، و الجعالة، و ان افاد فائدتهما، كما لا يخفى.

(و كيف كان فمقتضى القاعدة) لدى الشيخ المصنف رحمه الله (عدم جواز الارتزاق الا مع الحاجة على وجه يمنعه القيام بتلك المصلحة) الواجبة او المستحبة (عن اكتساب المئونة).

(فالارتزاق مع الاستغناء و لو بكسب لا يمنعه القيام بتلك المصلحة غير جائز) اذ الامر واجب، و بيت المال للمصالح، و لا مصلحة فى الدفع منه الى الاغنياء.

ص: 137

و يظهر من اطلاق جماعة فى باب القضاء خلاف ذلك.

بل صرح غير واحد بالجواز، مع وجدان الكفاية.

[خاتمة تشتمل على مسائل]

اشارة

خاتمة تشتمل على مسائل:

[المسألة الأولى: في حرمة بيع المصحف]
اشارة

الاولى: صرح جماعة- كما عن النهاية و السرائر و التذكرة و الدروس و جامع المقاصد- بحرمة بيع المصحف و المراد به- كما صرح به فى الدروس- خطه.

و ظاهر المحكى عن نهاية الاحكام: اشتهارها بين الصحابة، حيث

______________________________

(و يظهر من اطلاق جماعة) جواز ارتزاق القاضى (فى باب القضاء خلاف ذلك) و انه يجوز ارتزاق القاضى حتى مع غناه.

(بل صرح غير واحد بالجواز، مع وجدان الكفاية) اى الكفاية المالية للقاضى، و هذا هو الاظهر، لان بيت المال لا يخص الفقراء، بل لمصالح المسلمين، فاذا رأى الامام الصلاح فى اعطائه جاز، بدون اشتراط ان يكون فقيرا، بل يدل على ذلك اطلاق الروايات، خصوصا عهد الامام الى مالك الاشتر رحمه الله.

(خاتمة تشتمل على مسائل).

(الاولى: صرح جماعة- كما عن النهاية و السرائر و التذكرة و الدروس و جامع المقاصد- بحرمة بيع المصحف) بتثليث الميم: القرآن الحكيم (و المراد به-) اى بالمصحف المحرم بيعه (كما صرح به فى الدروس-: خطه) فى مقابل الجلد و ما اشبه.

(و ظاهر المحكى عن نهاية الاحكام: اشتهارها بين الصحابة، حيث

ص: 138

تمسك على الحرمة بمنع الصحابة.

و عليه تدل ظواهر الاخبار المستفيضة.

ففى موثق سماعة: لا تبيعوا المصاحف، فان بيعها حرام، قلت: فما تقول فى شرائها؟ قال: اشتر منه الدفتين و الحديد و الغلاف، و اياك ان تشترى منه الورق، و فيه القرآن مكتوب، فيكون عليك حراما، و على من باعه حراما.

و مضمرة عثمان بن عيسى، عن سماعة، قال سألته عن بيع المصاحف و شرائها، قال: لا تشتر كلام الله، و لكن اشتر الجلد و الحديد و الدفة، و

______________________________

تمسك) النهاية، دليلا (على الحرمة بمنع الصحابة).

(و عليه) اى على اشتهار الحرمة او على التحريم (تدل ظواهر الاخبار المستفيضة).

(ففى موثق سماعة: لا تبيعوا المصاحف، فان بيعها حرام، قلت: فما تقول فى شرائها) كأنّ الراوي احتمل عدم التلازم بين حرمة البيع و حرمة الشراء (قال: اشتر منه) اى من المصحف او من البائع (الدفتين) الجلدين (و الحديد) الّذي كان يوضع فيه القرآن، كالقالب (و الغلاف) الّذي كان يغلف به الجلد، قبل الحديد (و اياك ان تشترى منه الورق، و فيه القرآن مكتوب، فيكون عليك حراما، و على من باعه حراما) خبر «فيكون» الاشتراء، المقدر.

(و مضمرة عثمان بن عيسى، عن سماعة، قال سألته عن بيع المصاحف و شرائها، قال: لا تشتر كلام الله، و لكن اشتر الجلد و الحديد و الدفة) كالمقوى الّذي يحيط به الجلد، او المراد بالجلد القالب الّذي يوضع فيه القرآن (و

ص: 139

قل: اشترى منك هذا بكذا و كذا.

و رواه فى الكافى، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن ابى عبد الله عليه السلام.

و رواية جراح المدائنيّ فى بيع المصاحف، قال: لا تبع الكتاب و لا تشتره، و بع الورق و الاديم و الحديد.

و رواية عبد الله بن سيابة، قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

ان المصاحف لن تشترى، فاذا اشتريت، فقل: انما اشترى منك الورق و ما فيه من الاديم و حليته، و ما فيه من عمل يدك بكذا و كذا.

و ظاهر قوله" ع": ان المصاحف لن تشترى، انها لا يدخل فى ملك احد

______________________________

قل: اشترى منك هذا بكذا و كذا) مبلغا من المال.

(و رواه فى الكافى، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن ابى عبد الله عليه السلام).

(و رواية جراح المدائنيّ فى بيع المصاحف، قال: لا تبع الكتاب و لا تشتره، و بع الورق و الاديم) اى الجلد (و الحديد).

(و رواية عبد الله بن سيابة، قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

ان المصاحف لن تشترى، فاذا اشتريت) اى اردت الاشتراء، فان الفعل قد يستعمل بمعنى الإرادة، كقوله سبحانه: إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ، اى اردتم القيام الى الصلاة (فقل: انما اشترى منك الورق و ما فيه من الاديم و حليته) اى الزينة (و ما فيه من عمل يدك بكذا و كذا) من المال.

(و ظاهر قوله" ع": ان المصاحف لن تشترى، انها لا يدخل فى ملك احد)

ص: 140

على وجه العوضية عما بذله من الثمن، و انها اجل من ذلك.

و يشير إليه تعبير الامام فى بعض الاخبار بكتاب الله و كلام الله الدال على التعظيم.

و كيف كان، فالحكم فى المسألة واضح بعد الاخبار و عمل من عرفت حتى مثل الحلى الّذي لا يعمل باخبار الآحاد.

و ربما يتوهم هنا ما يصرف هذه الاخبار عن ظواهرها مثل رواية ابى بصير، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن بيع المصاحف و شرائها

______________________________

اذ ظاهر الاوامر و النواهى المتعلقة بالمعاملات الوضع، فالمصاحف لا تدخل فى الملك (على وجه العوضية عما بذله من الثمن، و انها اجل من ذلك) اى من الاشتراء.

(و يشير إليه) اى كون المصاحف اجل من الاشتراء (تعبير الامام فى بعض الاخبار بكتاب الله، و كلام الله الدال) من جهة الاضافة التشريفية (على التعظيم) و من المرتكز فى الاذهان ان الشي ء العظيم الشريف ليس سلعة يباع و يشترى.

(و كيف كان، فالحكم فى المسألة واضح) بحرمة بيع المصحف (بعد الاخبار و عمل من عرفت) من الفقهاء (حتى مثل الحلى الّذي لا يعمل باخبار الآحاد) مما يدل على ان الاخبار لديه من المتواتر.

(و ربما يتوهم هنا ما يصرف هذه الاخبار عن ظواهرها مثل رواية ابى بصير، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن بيع المصاحف و شرائها،

ص: 141

قال عليه السلام: انما كان يوضع الورق عند القامة و المنبر، قال: و كان بين الحائط و المنبر قدر ممر شاة او رجل و هو منحرف، فكان الرجل يأتى فيكتب السورة، و يجي ء آخر، فيكتب السورة، كذلك كانوا، ثم انهم اشتروا بعد ذلك.

قلت: فما ترى فى ذلك، قال اشتريه احب إليّ من ان ابيعه.

و مثله رواية روح بن عبد الرحيم، و زاد فيه قلت: فما ترى ان اعطى على كتابته اجرا قال: لا بأس، و لكن هكذا كانوا يصنعون.

______________________________

قال عليه السلام: انما كان يوضع الورق عند القامة) اى حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله، لانه كان قامة (و المنبر) للرسول صلى الله عليه و آله (قال: و كان بين الحائط و المنبر قدر ممر شاة او رجل و هو منحرف) بان يمر الرجل عرضا، لا كمرور الانسان، اذ المكان مكان ضيق (فكان الرجل يأتى فيكتب السورة، و يجي ء آخر، فيكتب السورة) من القرآن الّذي كان موضوعا هناك للاستنساخ (كذلك كانوا) فى نقلهم القرآن (ثم انهم اشتروا بعد ذلك).

(قلت: فما ترى فى ذلك) الاشتراء (قال اشتريه احب إليّ من ان ابيعه) فانه يدل على جواز كل من البيع و الشراء، الا ان فى البيع نوعا من الكراهية.

(و مثله رواية روح بن عبد الرحيم، و زاد فيه قلت: فما ترى ان اعطى على كتابته اجرا قال: لا بأس، و لكن هكذا) استنساخا عن المصحف قرب الحائط و المنبر (كانوا يصنعون) انتهى.

ص: 142

فانها تدل على جواز الشراء من جهة حكايته عن المسلمين بقوله: ثم انهم اشتروا بعد ذلك.

و قوله اشتريه احب الى من ان ابيعه.

و نفى البأس عن الاستيجار لكتابته- كما فى اخبار اخر غيرها- فيجوز تملك الكتابة بالاجرة، فيجوز وقوع جزء من الثمن بإزائها عند بيع المجموع المركب منها، و من القرطاس، و غيرهما.

لكن الانصاف: ان لا دلالة فيها على جواز اشتراء خط المصحف و انما تدل على ان تحصيل المصحف فى

______________________________

(فانها) اى الرواية (تدل على جواز الشراء من) جهات من (جهة حكايته عن المسلمين بقوله) عليه السلام (ثم انهم اشتروا بعد ذلك) فان فعل المسلمين و لو لم يكن حجة فى نفسه، الا ان ذكر الامام له فى مقام الاستفتاء بدون الردع يدل على ذلك.

(و) من جهة (قوله اشتريه احب الى من ان ابيعه).

(و) من جهة (نفى البأس عن الاستيجار لكتابته- كما فى اخبار اخر غيرها-) بل و الخبر السابق أيضا (فيجوز تملك الكتابة بالاجرة) اذ:

اعطاء الاجرة، مثل اعطاء الثمن- عرفا- (فيجوز وقوع جزء من الثمن بإزائها) اى بإزاء الخطوط التى هى القرآن (عند بيع المجموع المركب منها، و من القرطاس، و غيرهما) كالحديد و الجلد.

(لكن الانصاف: ان لا دلالة فيها) اى فى هذه الاخبار (على جواز اشتراء خط المصحف، و انما تدل على ان تحصيل المصحف فى

ص: 143

الصدر الاول كان بمباشرة كتابته ثم قصرت الهمم فلم يباشروها بانفسهم، و حصّلوا المصاحف باموالهم شراء و استيجارا.

و لا دلالة فيه على كيفية الشراء، و ان الشراء و المعاوضة لا بد ان لا يقع الا على ما عدا الخط، من القرطاس، و غيره.

و فى بعض الروايات دلالة على ان الاولى- مع عدم مباشرة الكتابة بنفسه- ان يستكتب بلا شرط، ثم يعطيه ما يرضيه مثل رواية عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: ان أمّ عبد الله بنت

______________________________

الصدر الاول كان بمباشرة) الناس بانفسهم (كتابته ثم قصرت الهمم فلم يباشروها) اى الكتابة (بانفسهم، و حصلوا المصاحف باموالهم شراء) للمصحف (و استيجارا) لكتابته.

(و لا دلالة فيه على كيفية الشراء، و ان الشراء و المعاوضة لا بد ان لا يقع الا على ما عدا الخط، من القرطاس، و غيره).

اى ليست الرواية فى بيان هذه الجهة، حتى تبين ان الشراء و المعاوضة الخ.

لكن لا يخفى ان قوله عليه السلام: اشتريه احب الى، فيه دلالة على جواز البيع و الشراء.

(و فى بعض الروايات دلالة على ان الاولى- مع عدم مباشرة الكتابة بنفسه- ان يستكتب) اى يطلب من الكاتب الكتابة (بلا شرط) لمقدار الثمن (ثم يعطيه ما يرضيه مثل رواية عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: ان أمّ عبد الله بنت

ص: 144

الحسن ارادت ان تكتب مصحفا، فاشترت ورقا من عندها و دعت رجلا فكتب لها على غير شرط، فاعطته- حين فرغ- خمسين دينارا و انه لم يبع المصاحف إلا حديثا.

و مما يدل على الجواز رواية عنبسة الوراق، قال: قلت: لابى عبد الله عليه السلام: انى رجل ابيع المصاحف، فان نهيتنى لم ابعها، قال الست تشترى ورقا و تكتب فيه؟ قلت: نعم، و اعالجها، قال: لا بأس بها و هى و ان كانت ظاهرة فى الجواز، الا ان ظهورها من حيث السكوت عن كيفية البيع فى مقام الحاجة الى البيان.

فلا تعارض ما تقدم من الاخبار المتضمنة للبيان.

______________________________

الحسن ارادت ان تكتب مصحفا، فاشترت ورقا من عندها و دعت رجلا فكتب لها على غير شرط، فاعطته- حين فرغ-) الرجل من الكتابة (خمسين دينارا).

ثم قال الصادق عليه السلام: (و انه لم يبع المصاحف الا حديثا).

(و مما يدل على الجواز) أيضا (رواية عنبسة الوراق، قال: قلت:

لابى عبد الله عليه السلام: انى رجل ابيع المصاحف، فان نهيتنى لم ابعها، قال) عليه السلام (الست تشترى ورقا و تكتب فيه؟ قلت: نعم، و اعالجها، قال: لا بأس بها) اى بالمبايعة (و هى و ان كانت ظاهرة فى الجواز، الا ان ظهورها من حيث السكوت عن كيفية البيع فى مقام الحاجة الى البيان) لمصلحة اقتضت ذلك.

(فلا تعارض ما تقدم من الاخبار المتضمنة للبيان) و ان المبيع

ص: 145

و كيف كان: فالاظهر فى الاخبار ما تقدم من الاساطين المتقدم إليهم الاشارة.

[بقى الكلام فى المراد من حرمة البيع و الشراء]

بقى الكلام فى المراد من حرمة البيع و الشراء بعد فرض ان الكاتب للمصحف فى الاوراق المملوكة مالك للاوراق، و ما فيها من النقوش فان النقوش ان لم تعدّ من الاعيان المملوكة عرفا بل من صفات المنقوش الّذي يتفاوت قيمته بوجودها و عدمها

______________________________

الجلد و ما اشبه.

لكن الانصاف: ان الجمع العرفى بين الطائفتين يقتضي كراهة البيع، لان البائع كان يبيع القرآن، و كذا سائر الاخبار الدالة على الجواز.

(و كيف كان: فالاظهر فى الاخبار ما تقدم من الاساطين المتقدم إليهم الاشارة) من الحرمة تكليفا و وضعا.

(بقى الكلام فى المراد من حرمة البيع و الشراء بعد فرض ان الكاتب للمصحف فى الاوراق المملوكة مالك للاوراق، و) ل (ما فيها من النقوش) بناء على ان النقش يدخل تحت الملك.

فلا يقال: ان كلام المصنف هنا، و كلامه «ان لم تعدّ» متهافت، للزوم وجود المقسم فى كل الاقسام، او المراد بقوله «مالك» الاعم من الملك و الاختصاص (فان النقوش ان لم تعدّ من الاعيان المملوكة عرفا بل من صفات المنقوش) الصفات (الّذي يتفاوت قيمته) اى قيمة النقش (بوجودها و عدمها) فان الخطّ شي ء، و النقش شي ء آخر.

ص: 146

فلا حاجة الى النهى عن بيع الخطّ فانه لا يقع بإزائه جزء من الثمن، حتى يقع فى حيّز البيع.

و ان عدّت من الاعيان المملوكة عرفا، فان فرض بقائها على ملك البائع بعد بيع الورق و الجلد فيلزم شركته مع المشترى و هو خلاف الاتفاق و ان انتقلت الى المشترى

______________________________

و لذا يمكن وجود الخط بدون وجود هذا النقش الخاص (فلا حاجة الى النهى عن بيع الخطّ فانه لا يقع بإزائه جزء من الثمن، حتى يقع) ذلك الجزء (فى حيّز البيع).

و الحاصل: ان النقش ان لم يكن ملكا، كان النهى عن بيعه لغوا اذ يكون حينئذ من قبيل: النهى عن بيع الهواء مما ليس بملك.

و على هذا جاز بيع المصحف- مطلقا- اى بدون ان يقيد كون المبيع الاوراق و ما اشبه.

(و ان عدّت) النقوش (من الاعيان المملوكة عرفا، فان فرض بقائها على ملك البائع بعد بيع الورق و الجلد) لان المفروض ان القرآن الّذي هو النقوش لا يصح بيعها (فيلزم شركته مع المشترى) اذ القرآن حينئذ جلد و ورق و نقوش.

و قد انتقل الاول و لم تنتقل النقوش فيشترك البائع مع المشترى فى الامرين، الاول للمشترى و النقوش للبائع (و هو خلاف الاتفاق) بين العلماء، بل خلاف الضرورة.

(و ان) عدت النقوش من الاعيان المملوكة و (انتقلت الى المشترى

ص: 147

فان كان بجزء من العوض.

فهو البيع المنهى عنه، لان بيع المصحف المركب من الخط و غيره ليس الا جعل جزء من الثمن بإزاء الخطّ.

و ان انتقلت إليه قهرا، تبعا لغيره لا لجزء من العوض نظير بعض ما يدخل فى المبيع فهو خلاف مقصود المتبايعين،

______________________________

فان كان) الانتقال (بجزء من العوض) فالدينار مثلا وقع نصفه فى مقابل النقش، و نصفه فى مقابل الجلد و الورق.

(ف) هذا خلاف النصوص، لانه (هو البيع المنهى عنه، لان بيع المصحف المركب من الخط و غيره ليس الا جعل جزء من الثمن بإزاء الخط) فان مقابلة جزء الثمن للخط ليس فى المقام الا على وجه البيع.

(و ان انتقلت إليه) اى انتقلت النقوش المملوكة الى المشترى بدون كونها مقابلة لجزء الثمن، بل (قهرا، تبعا لغيره) من الجلد و الورق (لا) ان الانتقال كان (ل) مقابل (جزء من العوض) انتقالا (نظير بعض ما يدخل فى المبيع) كانتقال مفتاح الدار الى المشترى. مع انه ليس جزءا من الدار، و انتقال الاعواد التى يلقى عليها العنب الى المشترى و الحال انها ليست من اجزاء البستان، و هكذا (فهو خلاف مقصود المتبايعين).

لان المتبايعين يقصد ان أولا و بالذات النقوش، و ثانيا و بالعرض الجلد و الورق، و ليس كذلك مفتاح الدار فان المقصود أولا و بالذات الدار.

ص: 148

مع ان هذا كالتزام كون المبيع هو الورق المقيد بوجود هذه النقوش فيه لا الورق و النقوش فان النقوش غير مملوكة بحكم الشارع مجرد تكليف صورى اذ لا اظن ان يعطل احكام الملك فلا تجرى على الخطّ المذكور

______________________________

ثم اشكل المصنف اشكالا آخر بقوله: (مع ان هذا) اى انتقال النقوش الى المشترى قهرا (كالتزام) اى مثل التزام- الى قوله «مجرد تكليف صورى»- اى كل واحد من انتقال النقوش، و من التزام كون المبيع الاوراق المقيدة بالنقوش، تكليف صورى .. ف «مجرد تكليف صورى» خبر «ان» و «كالتزام» عطف على «هذا».

فان التزام انتقال النقوش، مثل التزام (كون المبيع هو الورق المقيد بوجود هذه النقوش فيه) اى فى الورق (لا) كون المبيع (الورق و النقوش ف) التزام (ان النقوش غير مملوكة بحكم الشارع) و «ان» عطف على «كون» (مجرد تكليف صورى) اى يلزم من هذين الاحتمالين ان الشرع انما حرم البيع صورة، لان نتيجة البيع «بالانتقال القهرى» و «بانتقال الورق المقيد بوجود هذه النقوش» حاصلة فى الاحتمالين.

نعم لا يسمى هذا بيعا صوريا.

و من المعلوم ان الشارع لا يحرم الاشياء صورة، و انما يحرمها حقيقة.

و انما قلنا: ان التكليف بالنهى عن البيع صورى (اذ لا اظن ان يعطل احكام الملك) بالنسبة الى النقوش (فلا تجرى) احكام الملك (على الخطّ المذكور).

مثلا: إذا محاه انسان لم يكن ضامنا، او اذا كان الخطّ معيبا لم يكن

ص: 149

اذا بنينا على انه ملك عرفا قد نهى عن المعاوضة عليه، بل الظاهر: انه اذا لم يقصد بالشراء الا الجلد و الورق، كان الخطّ باقيا على ملك البائع فيكون شريكا بالنسبة فالظاهر: انه لا مناص عن التزام التكليف الصورى.

او يقال ان الخط لا يدخل فى الملك شرعا، و ان دخل فيه عرفا

______________________________

للمشترى خيار الفسخ، و هكذا.

و الحاصل: ان احكام الملك تجرى على الخطّ (اذا بنينا على انه ملك عرفا قد نهى عن المعاوضة عليه) اذ النهى لا يخرج الملك عن كونه ملكا (بل الظاهر: انه اذا لم يقصد) المشترى (بالشراء الا الجلد و الورق، كان الخط باقيا على ملك البائع، فيكون) البائع (شريكا) مع المشترى (بالنسبة).

مثلا: اذا كان مجموع القرآن يسوى عرفا دينارا، و كان ثمن الخطّ الربع، كان للبائع ربع القرآن و هكذا.

و حيث انه لا يمكن الالتزام بالشركة (فالظاهر: انه لا مناص عن التزام التكليف الصورى) فالشارع حرم البيع صورة.

(او يقال ان الخطّ لا يدخل فى الملك شرعا، و ان دخل فيه عرفا).

فتحصل من جميع ما ذكره المصنف ان فى حرمة بيع المصحف اشكالا يلزم الجواب عنه.

و الاشكال هو ان النقوش اما مملوكة أو لا، و على فرض كونها مملوكة.

فاما ان تنتقل النقوش الى المشترى أو لا و على فرض الانتقال.

فاما ان تنتقل إليه فى مقابل جزء من الثمن، او تبعا لغيرها- و فى

ص: 150

فتأمل.

و لاجل ما ذكرنا التجاء بعض الى الحكم بالكراهة و اولوية الاقتصار فى

______________________________

جميع هذه الصور اشكال-.

(1) اذ لو لم تكن النقوش مملوكة لا معنى للنهى عن بيعها، اذ لا يقع بإزائها جزء من الثمن.

(2) و اذا كانت مملوكة، و لا تنتقل الى المشترى، لزم الاشتراك بين البائع و المشترى، و هو خلاف الضرورة و الاجماع.

(3) و ان انتقلت إليه فى مقابل جزء من الثمن، فهو البيع المنهى عنه.

(4) و ان انتقلت إليه تبعا لغيرها، فهو خلاف قصد المتبايعين، لفرض انهما قصد ابيع الورق و الجلد فقط.

و قد اجاب المصنف عن هذا الاشكال بانه لا بدّ من الالتزام باحد الشقين من الشقوق الاربعة، فنلتزم اما بصورية التكليف، اى الانتقال القهرى التبعى، و هو رابع الشقوق.

و اما بان الخط لا يدخل فى الملك شرعا و ان دخل فيه عرفا، فالخط قيد للمبيع لا جزء له (فتأمل) فان كلا من هذين الاحتمالين أيضا محل اشكال- كما عرفت-

(و لاجل ما ذكرنا) من دوران الامر فى النهى عن البيع مدار الاحتمالات الاربعة، و الاشكال فى جميع الاحتمالات المذكورة (التجاء بعض) للفرار من الاشكالات الواردة على حرمة البيع (الى الحكم بالكراهة) و ان بيع المصحف مكروه، و ليس بحرام (و) ذلك بمعنى (اولوية الاقتصار فى

ص: 151

المعاملة على ذكر الجلد و الورق بترك ادخال الخطّ فيه احتراما، و قد تعارف الى الآن تسمية ثمن القرآن هدية.

[بيع المصحف من الكافر و تملك الكفار للمصاحف]

ثم ان المشهور بين العلامة ره و من تأخر عنه: عدم جواز بيع المصحف من الكافر على الوجه الّذي يجوز بيعه من المسلم.

و لعلّه لفحوى ما دل على عدم تملك الكافر للمسلم.

و ان الاسلام يعلو و لا يعلى عليه، فان الشيخ ره قد استدل به على

______________________________

المعاملة على ذكر الجلد و الورق بترك ادخال الخطّ فيه) اى فى التعامل (احتراما) للقرآن الكريم (و قد تعارف) لاجل ذلك الاحترام (الى الآن تسمية ثمن القرآن هدية) لئلا يكون له صورة البيع.

(ثم ان المشهور بين العلامة ره و من تأخر عنه: عدم جواز بيع المصحف من الكافر على الوجه الّذي يجوز بيعه من المسلم).

و انما قال «على الوجه» لئلا يقال: ان المصحف قد تقرر انه لا يجوز بيعه مطلقا حتى للمسلم، فما معنى اختصاص حرمة البيع بالكافر.

و توضيحه ان نقله الى الكافر حرام (و لعله) اى التحريم (لفحوى ما دل على عدم تملك الكافر للمسلم) فان المسلم اذا لم يدخل فى ملك الكافر لشرفه، كان القرآن اكثر شرافة و لذا كان اللازم عدم دخوله فى ملك الكافر.

(و) لفحوى (ان الاسلام يعلو و لا يعلى عليه) او لان كون القرآن للكافر معناه ان الاسلام قد على عليه (فان الشيخ ره قد استدل به) اى بقاعدة: ان الاسلام لا يعلى عليه (على

ص: 152

عدم تملك الكافر للمسلم.

و من المعلوم: ان ملك الكافر للمسلم ان كان علوا على الاسلام فملكه للمصحف اشد علوا عليه.

و لذا لم يوجد هنا قول بتملكه، و اجباره على البيع، كما قيل به فى العبد المسلم.

______________________________

عدم تملك الكافر للمسلم).

(و من المعلوم: ان ملك الكافر للمسلم ان كان علوا على الاسلام فملكه) اى الكافر (للمصحف اشد علوا عليه).

(و لذا) الّذي ذكرنا من الاشدية (لم يوجد هنا) فى المصحف (قول بتملكه) اى الكافر للمصحف (و اجباره على البيع، كما قيل به) اى بالتملك و الاجبار على البيع (فى العبد المسلم).

و قد يستدل لعدم الجواز، بانه هتك للمصحف، و الكافر ينجسه.

و بما رواه فى البحار عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: انه نهى ان يسافر بالقرآن الى ارض العدوّ مخافة ان يناله العدوّ، فان العلة عامة.

و قد اورد على الكل بما هو مذكور فى المفصلات.

بل ربما يستدل على الجواز بعد معلومية التساوى بين كل القرآن و بعضه بان النبي صلّى اللّه عليه و آله: كان يكتب بآيات القرآن الى الكفار، كبسم اللّه الرحمن الرحيم، و قل يا اهل الكتاب و ما اشبه.

بالإضافة الى ان نقود بلاد الاسلام كان مكتوبا بأعلاها سورة من القرآن كما فى التواريخ، و لم ينقل انكار الائمة عليهم السلام للتعامل بها مع الكفار.

ص: 153

و حينئذ فلو كفر المسلم انتقل مصحفه الى وارثه، و لو كان الوارث هو الامام، هذا.

و لكن ذكر فى المبسوط فى باب الغنائم ان ما يوجد فى دار الحرب من المصاحف و الكتب التى ليست بكتب الزندقة و الكفر، داخل فى الغنيمة و يجوز بيعها.

و ظاهر ذلك تملك الكفار للمصاحف، و الا لم يكن وجه لدخولها فى الغنيمة، بل كانت من مجهول المالك المسلم و إرادة غير القرآن من المصاحف بعيدة.

______________________________

كما ان عدم انكار تعامل من بحكم الكفار، كالنواصب و من اشبه دليل على عدم الاشكال، فتأمل.

(و حينئذ) اى حين قلنا بالتحريم (فلو كفر المسلم انتقل مصحفه الى وارثه، و لو كان الوارث هو الامام) بان لم يكن له وارث، او كان الوارث ممنوعا من الارث مطلقا، او من إرث القرآن (هذا).

(و لكن ذكر فى المبسوط فى باب الغنائم ان ما يوجد فى دار الحرب من المصاحف و الكتب التى ليست بكتب الزندقة و الكفر، داخل فى الغنيمة و يجوز بيعها) و انما استثنى كتب الزندقة و الكفر، لانها لا تملك، فحالها حال الخمر و الخنزير.

(و ظاهر ذلك تملك الكفار للمصاحف، و الا لم يكن وجه لدخولها فى الغنيمة، بل كانت) المصاحف (من مجهول المالك المسلم) المسلم صفة المالك (و إرادة غير القرآن من المصاحف بعيدة).

ص: 154

[و الظاهر: أن أبعاض المصحف في حكم الكل، إذا كانت مستقلة.]

و الظاهر: ان ابعاض المصحف فى حكم الكل، اذا كانت مستقلة.

و اما المتفرقة فى تضاعيف غير التفاسير من الكتب للاستشهاد بلفظه او معناه فلا يبعد عدم اللحوق لعدم تحقق الاهانة.

[فى إلحاق الأدعية المشتملة على أسماء الله تعالى]

و فى الحاق الادعية المشتملة على اسماء الله تعالى كالجوشن الكبير

______________________________

اللهم الا ان يقال: ان المراد الجلد و الورق بقرينة قوله: و يجوز بيعها، و الكافر و ان لم يملك القرآن بمعنى النقوش، الا ان ملكه للورق و الجلد و ما اشبه لا ينبغى الاشكال فيه.

(و الظاهر: ان ابعاض المصحف) كسورة، او كجزء، منه (فى حكم الكل) فى عدم جواز البيع، و عدم تملك الكافر له (اذا كانت مستقلة) بعنوان انه مصحف.

و وجه كونه فى حكم الكل المناط الموجود فى الكل، اذ لا خصوصية للمجموع من حيث المجموع.

(و اما) الاجزاء (المتفرقة فى تضاعيف) و ثنايا (غير التفاسير من الكتب للاستشهاد بلفظه او معناه) كالمتفرق فى كتاب «المغنى» و غيره، من كتب الادب و الفقه و القصص و ما اشبه (فلا يبعد عدم اللحوق) بالكل (لعدم تحقق الاهانة) للقرآن اذا بيع للكافر.

و عدم تحقق العلو من الكافر، له عرفا.

اما المتفرق فى ضمن التفسير فلا اشكال فى صدق القرآن عليه و ان كان جزءا من التفسير.

(و فى الحاق الادعية المشتملة على اسماء الله تعالى كالجوشن الكبير)

ص: 155

مطلقا او مع كون الكافر ملحدا بها دون المقرّ بالله المحترم لا سمائه لعدم الاهانة و العلوّ وجوه.

[و في إلحاق الأحاديث النبوية بالقرآن وجهان]

و فى الحاق الاحاديث النبوية بالقرآن وجهان، حكى الجزم به عن الكركى، و فخر الدين قدس سرهما، و التردد بينهما عن التذكرة و على اللحوق فيلحق اسم النبي (ص) بطريق اولى، لانه اعظم من كلامه.

______________________________

بالقرآن الكريم فى عدم جواز بيعه للكافر (مطلقا) للمناط، او عدم الالحاق مطلقا، لعدم الدليل الا الاجماع و بعض الوجوه المتقدمة فى القرآن مما لا يأتى فى الادعية (او) الالحاق (مع كون الكافر ملحدا بها دون المقرّ بالله المحترم) بصيغة الفاعل (لاسمائه لعدم الاهانة و العلوّ) حينئذ.

اما عدم الاهانة فواضح.

و اما عدم العلو، فلان مثل هذا الكافر يجعل الدعاء اعلى منه، لا انه يجعل نفسه اعلى من الدعاء (وجوه) و احتمالات.

(و فى الحاق الاحاديث النبوية) و المروية عن الأئمة الطاهرين، و مثلهما الاحاديث القدسية (بالقرآن وجهان، حكى الجزم به) اى بالالحاق (عن الكركى، و فخر الدين قدس سرهما) للمناط و قاعدة:

الاسلام يعلو (و التردد بينهما) اى بين اللحوق و عدم اللحوق (عن التذكرة و) بناء (على اللحوق) للاحاديث بالقرآن الحكيم (فيلحق) أيضا (اسم النبي صلى الله عليه و آله بطريق اولى، لانه اعظم من كلامه) و فيه نظر واضح، اذ الاسم ليس اعظم من الكلام عرفا و لذا لم يقل

ص: 156

و حينئذ فيشكل ان يملك الكفار الدراهم و الدنانير المضروبة فى زماننا المكتوب عليها اسم النبي صلى الله عليه و آله، الا ان يقال: ان المكتوب فيها غير مملوك عرفا، و لا يجعل بإزاء الاسم الشريف المبارك من حيث انه اسمه صلى الله عليه و آله جزء من الثمن، فهو كاسمه المبارك المكتوب على سيف، او على باب دار، او جدار.

______________________________

احد بكراهة ذكر الحائض و الجنب اسم اللّه، مع انه لا خلاف فى كراهة قراءتهما القرآن.

(و حينئذ) اى حين قلنا: بإلحاق الاسم بالأحاديث (فيشكل ان يملك الكفار الدراهم و الدنانير المضروبة فى زماننا) اى زمان المصنف.

اما زمننا فقد انتقل الذهب و الفضة الى حوزة الكافرين و بدلوهما بالورق (المكتوب عليها اسم النبي صلى الله عليه و آله، الا ان يقال: ان المكتوب فيها غير مملوك عرفا، و لا يجعل بإزاء الاسم الشريف المبارك) للنبى صلى الله عليه و آله (من حيث انه اسمه صلى الله عليه و آله جزء من الثمن).

نعم فيه تسليط للكافر على اسمه.

فلو قلنا بانه من مصاديق علو الكافر كان حراما من هذه الجهة (فهو) اى اسمه الشريف على النقد (كاسمه المبارك المكتوب على سيف، او على باب دار، او جدار) مما ليس بإزائه ثمن عرفا، فلا بأس ببيع الدار و السيف للكافر.

ص: 157

الا ان يقال: ان مناط الحرمة التسليط لا المعاوضة، بل و لا التمليك و يشكل أيضا من جهة مناولتها الكافر مع العلم العادى بمسّه اياه خصوصا مع الرطوبة.

[المسألة الثانية في جوائز السلطان]
اشارة

الثانية جوائز السلطان و عماله بل مطلق المال الماخوذ منهم مجانا او عوضا

______________________________

(الا ان يقال) ان عدم كونه فى مقابل جزء من الثمن لا يصحح جواز تسليط الكافر عليه.

اذ: (ان مناط الحرمة التسليط) للكافر، لقاعدة: الاسلام يعلو و لا يعلى عليه (لا المعاوضة، بل و لا التمليك) حتى يقال: لا معاوضة و لا تمليك فى البين.

(و يشكل) نقل النقد الى الكافر (أيضا من جهة مناولتها الكافر) و ان لم يكن بيعا و لا تمليكا (مع العلم العادى بمسّه اياه) و هو حرام اذ:

لا يمسه الا المطهرون (خصوصا مع الرطوبة) فيشمله دليل عدم جواز التنجيس و المسألة تحتاج الى تفصيل، ذكروا بعضه فى مسألة مس الجنب و الحائض للقرآن، حيث ورد بعض الروايات الدالة على الجواز، فراجع كتاب الطهارة، و الله العالم.

(الثانية) من مسائل الخاتمة (جوائز السلطان و عماله) جمع جائزة و هى المال الّذي يعطيه السلطان للناس (بل مطلق المال المأخوذ منهم مجانا او عوضا) ببيع او وقف او ايجار او ما اشبه.

و انما عممنا الجوائز مع ان المنصرف منها المال المعطى مجانا،

ص: 158

لا يخلو عن احوال لانه اما ان لا يعلم فى جملة اموال هذا الظالم مال محرم يصلح لكون المأخوذ هو من ذلك المال، و اما ان يعلم- و على الثانى-.

فاما ان لا يعلم ان ذلك المحرم او شيئا منه هو داخل فى المأخوذ و اما ان يعلم ذلك و على الثانى.

فاما ان يعلم تفصيلا.

______________________________

لاتحاد الملاك، و خصصنا الامر بالسلطان، اتباعا للروايات الواردة فى المقام، و الا فالمال المأخوذ من السارق و الغاصب له الاقسام الاربعة الآتية- كما لا يخفى-.

فالجوائز المأخوذة منهم (لا تخلو عن احوال) أربعة (لانه) اى الآخذ (1) (اما ان لا يعلم فى جملة اموال هذا الظالم مال محرم يصلح لكون المأخوذ هو من ذلك المال) اما لو علم بان له مالا محرما فى مكان بعيد- مثلا- لا يصلح كون المأخوذ منه، فهو أيضا داخل فى هذا القسم لان المناط ابتلاء المكلف احتمالا او علما، فاذا علم بانه لم يبتل كان من هذا القسم (و اما ان يعلم- و على الثانى-) اى فيما علم.

(2) (فاما ان لا يعلم ان ذلك) المال (المحرم او شيئا منه هو داخل فى المأخوذ، و اما ان يعلم ذلك) بان بعض المال المحرم داخل فى المأخوذ (و على الثانى) بان علم الآخذ وجود الحرام فيما اخذه 3 (فاما ان يعلم تفصيلا) كما لو علم ان هذا المال بذاته حرام.

ص: 159

و اما ان يعلم اجمالا

[فالصور أربع.]
اشارة

فالصور اربع.

[أما الصورة الأولى، أن لا يعلم بأن للجائر مال حرام يحتمل كون الجائزة منها]

اما الاولى: فلا اشكال فيها فى جواز الاخذ، و حلية التصرف للاصل و الاجماع و الاخبار الآتية.

لكن ربما يوهم بعض الاخبار انه يشترط فى حل مال الجائر ثبوت مال حلال له، مثل

______________________________

4 (و اما ان يعلم اجمالا) بان علم ان فيه حراما، لكنه لا يعرف مقداره- مثلا- (فالصور) للجائزة (اربع).

(اما) الصورة (الاولى) و هى ما لم يعلم ان فى اموال الجائر محرما (فلا اشكال فيها) اى فى هذه الصورة (فى جواز الاخذ، و حلية التصرف للاصل).

فكل شي ء لك حلال، و يد المسلم حجة و لو كان ظالما بل مطلق اليد و لو من الكافر حجة، و لذا نعامل مع ما فى ايديهم معاملة الملك اذا لم يكونوا محاربين بل حتى المحارب، فانه لا يعتنى باحتمال كون ما فى يده من مال المسلم المحترم.

ان قلت: فما فائدة سوق المسلم؟

قلت: فائدته حلية اللحوم و الشحوم و الجلود (و الاجماع و الاخبار الآتية) بل ربما يستدل بالقرآن الحكيم كقوله: احلّ لكم ما فى الارض جميعا و قوله: تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ، و ما اشبه.

(لكن ربما يوهم بعض الاخبار انه يشترط فى حل مال الجائر ثبوت مال حلال له) فلا يكفى عدم العلم- كما هو موضوع الصورة الاولى- (مثل

ص: 160

ما عن الاحتجاج عن الحميرى: انه كتب الى صاحب الزمان عجل الله فرجه يسأله عن الرجل يكون من وكلاء الوقف مستحلا لما فى يده و لا يتورع عن اخذ ماله، ربما نزلت فى قرية و هو فيها، او ادخل منزله و قد حضر طعامه، فيدعونى إليه، فان لم آكل من طعامه عادانى عليه، فهل يجوز لى ان آكل من طعامه و اتصدق بصدقة، و كم مقدار الصدقة.

و ان اهدى هذا الوكيل هدية الى رجل آخر فيدعونى الى ان انال منها و انا اعلم ان الوكيل لا يتورع عن اخذ ما فى يده، فهل على فيه شي ء

______________________________

ما عن الاحتجاج عن الحميرى: انه كتب الى صاحب الزمان عجل الله) تعالى (فرجه يسأله عن الرجل يكون من وكلاء الوقف مستحلا لما فى يده) بمعنى انه لا يصرفه فى المصرف المقرر (و لا يتورع عن اخذ ماله) اى لا يتجنب عن اخذ مال الوقف و صرفه فى غير المصرف (ربما نزلت فى قرية و هو فيها او ادخل منزله و قد حضر طعامه، فيدعونى إليه) اى الى الطعام (فان لم آكل من طعامه عادانى) و آذانى (عليه، فهل يجوز لى ان آكل من طعامه و اتصدق بصدقة) لدفع الحرام عنى (و كم مقدار الصدقة) فى صورة لزوم الصدقة.

(و ان اهدى هذا الوكيل) للوقف (هدية الى رجل آخر فيدعونى) ذلك الرجل المهدى إليه (الى ان انال منها) اى اتصرف فى الهدية (و انا اعلم ان الوكيل) للوقف (لا يتورع عن اخذ ما فى يده، فهل على فيه) اى فى النيل من الوقف (شي ء

ص: 161

ان أنا نلت فيه الجواب ان كان لهذا الرجل مال او معاش غير ما فى يده فاقبل بره، و الا فلا، بناء على ان الشرط فى الحلية هو وجود مال آخر، فاذا لم يعلم به لم يثبت الحل.

لكن هذه الصورة قليل التحقيق.

[و أما الصورة الثانية، أن يعلم بوجود مال محرم للجائر لكن لا يعلم بكون الجائزة منها]
[الحالة الأولى أن تكون الشبهة غير محصورة]

و اما الثانية.

______________________________

ان أنا نلت فيه) أم لا.

فكتب الامام عليه السلام (الجواب) بما لفظه: (ان كان لهذا الرجل مال او معاش غير ما فى يده) من الوقف (ف) كل منه و (اقبل بره و الا فلا) تأكل و لا تقبل بره و هديته (بناء على ان الشرط فى الحلية هو وجود مال آخر، فاذا لم يعلم به) الّذي يريد التناول و الأخذ (لم يثبت الحل).

(لكن) الانصاف: ان الظاهر من هذا الحديث دوران الحكم مدار الواقع، و انه ان كان للظالم مال آخر- واقعا- كان جائزا ان يتصرف الشخص فى مال ذلك الظالم، حملا لفعل المسلم على الصحيح، و ان لم يكن له مال آخر كان العلم العادى حاصلا بان ما فى يده حرام، فلا يجوز التصرف، و العلم طريقى لا موضوعية له.

و كيف كان ف (هذه الصورة) اى صورة عدم علم الآخذ بوجود مال آخر للظالم (قليل التحقيق) بل الغالب علم الانسان بان للظلمة اموالا محللة و اموالا محرمة.

(و اما) الصورة (الثانية) و هى ان يعلم الآخذ أن فى مال الظالم حراما و حلالا، لكنه لا يعلم بان فى هذا المأخوذ الحرام.

ص: 162

فان كانت الشبهة فيها غير محصورة، فحكمها كالصورة الاولى.

و كذا اذا كانت محصورة بين ما لا يبتلى المكلف به، و بين ما من شأنه الابتلاء به، كما اذا علم ان الواحد المردد بين هذه الجائزة، و بين أم ولده المعدودة من خواص نسائه مغصوب.

و ذلك لما تقرر فى الشبهة المحصورة، من اشتراط تنجز تعلق التكليف فيها بالحرام الواقعى، بكون كل من المشتبهين بحيث يكون التكليف بالاجتناب عنه منجزا،

______________________________

(فان كانت الشبهة فيها) اى فى هذه الصورة (غير محصورة) كما لو علم بان فى مال من امواله العشرة آلاف دينار دينارا محرما- مثلا- (فحكمها كالصورة الاولى) من حلية التصرف، لما تقرر فى محله من ان الشبهة غير المحصورة لا تنجز الواقع المشتبه.

(و كذا اذا كانت) الشبهة (محصورة بين ما لا يبتلى المكلف به و بين ما من شأنه الابتلاء به) و لو لم يكن محل الابتلاء فعلا (كما اذا علم ان الواحد المردد بين هذه الجائزة، و بين أم ولده المعدودة من خواص نسائه مغصوب).

و انما قيد «أمّ الولد» عدها من خواص النساء، لاخراج أمّ الولد المتروكة التى هى فى معرض ان تكون محلا للابتلاء بالنسبة الى اخذ الجائزة.

(و) انما اشترطنا (ذلك) الابتلاء لجميع الاطراف (لما تقرر فى الشبهة المحصورة، من اشتراط تنجيز تعلق التكليف فيها) اى فى الشبهة (بالحرام الواقعى، بكون كل من المشتبهين بحيث يكون التكليف) الشرعى (بالاجتناب عنه منجزا) «بالحرام» متعلق ب «التكليف» و «بكون»

ص: 163

لو فرض كونه هو المحرم الواقعى، لا مشروطا بوقت الابتلاء المفروض انتفائه فى احدهما فى المثال فان التكليف غير منجز بالحرام الواقعى على اى تقدير لاحتمال كون المحرم فى المثال هى أمّ الولد، و توضيح المطلب فى محله.

ثم انه صرح جماعة بكراهة الأخذ.

______________________________

متعلق ب «اشتراط» اى ان التكليف بالحرام مشروط بكون كذا (لو فرض كونه هو المحرم الواقعى) «لو» وصلية، مربوطة بقوله «منجزا» (لا مشروطا بوقت الابتلاء المفروض انتفائه) اى انتفاء الابتلاء (فى احدهما) و هو: أمّ الولد الخاصة بالظالم، (فى المثال).

و انما نشترط الابتلاء الفعلى (فان التكليف غير منجز بالحرام الواقعى) الموجود بين الجائزة و أمّ الولد (على اى تقدير) اى ليس حراما على كلا التقديرين، بل على تقدير واحد، و هو كون المغصوب الجائزة (لاحتمال كون المحرم فى المثال هى أمّ الولد) فانه اذا شك فى التكليف كان مجرى للبراءة.

فاذا علم الانسان بان احد إناءيه تنجس، فقد علم بتوجه التكليف إليه فاللازم عليه الاحتياط.

اما اذا علم بان إناءه او اناء الملك- الّذي لا يتمكن ان يصل إليه- تنجس، فانه لا يعلم بتوجيه تكليف «اجتنب» إليه، و اذا لم يعلم بالتكليف كان الاصل البراءة (و توضيح المطلب فى محله) فى باب البراءة من الاصول.

(ثم انه صرح جماعة بكراهة الأخذ) للجائزة فى الصورة التى نقول

ص: 164

و عن المنتهى الاستدلال له باحتمال الحرمة، و لمثل قوله عليه السلام: دع ما يريبك، و قولهم من ترك الشبهات نجى من المحرمات الى آخر.

و ربما يزاد على ذلك بان اخذ المال منهم يوجب محبتهم، فان القلوب مجبولة على حب من احسن إليها، و يترتب عليه من المفاسد، ما لا يخفى.

و فى الصحيح: ان احدكم لا يصيب من دنياهم شيئا الا اصابوا من دينه مثله، و ما عن الامام الكاظم من قوله عليه السلام: لو لا انى ارى من

______________________________

بعدم حرمتها.

(و عن المنتهى الاستدلال له) اى للحكم بالكراهة (باحتمال الحرمة و لمثل قوله عليه السلام: دع ما يريبك، و قولهم) عليهم السلام (من ترك الشبهات نجى من المحرمات) من الادلة على حسن الاحتياط (الى آخر) تلك الادلة المذكورة فى الاصول.

(و ربما يزاد على ذلك) المذكور من الادلة (بان اخذ المال منهم) اى من الظلمة (يوجب محبتهم، فان القلوب مجبولة) اى مفطورة مخلوقة (على حب من احسن إليها، و يترتب عليه) اى على حب الظالم (من المفاسد، ما لا يخفى).

فان الانسان اذا احبهم سكت عن منكراتهم و خدمهم، فقد قال الامام امير المؤمنين عليه السلام: احسن الى من شئت تكن اميره.

(و فى الصحيح: ان احدكم لا يصيب من دنياهم شيئا الا اصابوا من دينه مثله، و ما عن الامام الكاظم من قوله عليه السلام: لو لا انى ارى من

ص: 165

ازوجه بها من عزّاب آل ابى طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها ابدا.

ثم انهم ذكروا ارتفاع الكراهة بامور.

منها: اخبار المجيز بحليته بان يقول: هذه الجائزة من تجارتى، او زراعتى، او نحو ذلك مما يحل للآخذ التصرف فيه.

و ظاهر المحكى عن الرياض تبعا لظاهر الحدائق: انه مما لا خلاف فيه.

و اعترف ولده فى المناهل بانه لم نجد له مستندا مع انه لم يحك التصريح به الا عن

______________________________

ازوجه من عزّاب آل ابى طالب لئلا ينقطع نسله) اى نسل ابى طالب عليه السلام (ما قبلتها ابدا) و ذلك حين اجاز الامام هارون بغالية و عشرين الف درهم.

(ثم انهم) اى الفقهاء (ذكروا ارتفاع الكراهة بامور).

(منها: اخبار المجيز بحليته بان يقول) مثلا (هذه الجائزة من تجارتى، او زراعتى، او نحو ذلك) من الموارد المحللة (مما يحل للآخذ التصرف فيه).

(و ظاهر المحكى عن الرياض تبعا لظاهر الحدائق: انه مما لا خلاف فيه) بين الاصحاب.

(و اعترف ولده فى المناهل بانه لم نجد له مستندا) هذا بالنسبة الى الدليل.

و اما بالنسبة الى اقوال الفقهاء (مع انه لم يحك التصريح به الا عن

ص: 166

الاردبيلى، ثم عن العلامة الطباطبائى.

و يمكن ان يكون المستند ما دل على قبول قول ذى اليد، فيعمل بقوله كما لو قامت البينة على تملكه، و شبهة الحرمة و ان لم ترتفع بذلك الا ان الموجب للكراهة ليس مجرد الاحتمال، و الا لعمّت الكراهة اخذ المال من كل احد، بل الموجب له كون الظالم مظنة الظلم و الغصب و غير متورع عن المحارم.

نظير كراهة سؤر من لا يتوقى النجاسة.

______________________________

الاردبيلى، ثم عن العلامة الطباطبائى).

(و) لكن (يمكن ان يكون المستند ما دل على قبول قول ذى اليد، فيعمل بقوله) الّذي يقول: ان الجائزة من تجارتى مثلا.

ف (كما لو قامت البينة على تملكه) ترتفع الكراهة، كذلك قوله: لانهما على حد سواء (و شبهة الحرمة) الواقعية (و ان لم ترتفع بذلك) اى بمجرد قوله (الا ان الموجب للكراهة ليس مجرد الاحتمال) فى كون مال الظالم حراما (و الا) فلو كان مستند الكراهة مجرد الاحتمال (لعمّت الكراهة اخذ المال من كل احد) لا نعلم علما قطعيا بانه حلال.

لكن لا كراهة فى مال كل احد، فاللازم ان يكون مستند الكراهة فى مال الظالم شيئا آخر (بل الموجب له) اى للحكم بالكراهة (كون الظالم مظنة الظلم و الغصب و) انه (غير متورع عن المحارم).

(نظير كراهة سؤر من لا يتوقى النجاسة) كالحائض المتهمة.

ص: 167

و هذا المعنى يرتفع باخباره، الا اذا كان خبره كيده مظنة للكذب، لكونه ظالما غاصبا فيكون خبره حينئذ كيده، و تصرفه غير مفيد الا للاباحة الظاهرية غير المنافية للكراهة، فيختص الحكم برفع الكراهة بما اذا كان مأمونا فى خبره.

و قد صرح الاردبيلى رحمه الله بهذا القيد فى اخبار وكيله.

و بذلك يندفع ما يقال: من انه لا فرق بين يد الظالم و تصرفه، و بين خبره فى

______________________________

(و هذا المعنى يرتفع باخباره) بان جائزته ليست من الحرام (الا اذا كان خبره كيده مظنة للكذب) أيضا (لكونه ظالما غاصبا) و مثله لا يتورع عن الكذب، كما لم يتورع عن الظلم (فيكون خبره حينئذ) اى حين احتمال كذبه (كيده، و) ك (تصرفه غير مفيد الا للاباحة الظاهرية غير المنافية للكراهة) فلا يفيد خبره شيئا ازيد مما افادت يده.

و على هذا (فيختص الحكم برفع الكراهة) حين اخباره (بما اذا كان مأمونا) عن الكذب (فى خبره).

(و قد صرح الاردبيلى رحمه الله بهذا القيد) اى قيد المأمونية فى رفع الكراهة (فى اخبار وكيله) اى وكيل الظالم.

(و بذلك) الّذي ذكرنا من كون الاخبار مع المأمونية موجب لرفع الكراهة- لانه مع الا من يورث الاطمينان بان المال ليس بغصب- (يندفع ما يقال: من انه لا فرق بين يد الظالم و تصرفه، و بين خبره فى) كون كليهما موجبا لرفع الكراهة، او كليهما لا يوجبان رفع الكراهة، ل

ص: 168

كون كل منهما مفيدا للملكية الظاهرية غير مناف للحرمة الواقعية المقتضية للاحتياط فلا وجه لوجود الكراهة- الناشئة عن حسن الاحتياط- مع اليد و ارتفاعها مع الاخبار، فتأمل.

و منها اخراج الخمس منه، حكى عن المنتهى و المحقق الاردبيلى و ظاهر الرياض هنا أيضا عدم الخلاف، و لعله لما ذكر فى المنتهى فى وجه استحباب

______________________________

(كون كل منهما مفيدا للملكية الظاهرية غير مناف للحرمة الواقعية المقتضية) تلك الحرمة الواقعية- اى احتمالها- (للاحتياط).

و حيث ان كلا من القول و اليد، فى عرض الآخر (فلا وجه لوجود الكراهة- الناشئة عن حسن الاحتياط- مع اليد، و ارتفاعها) اى الكراهة (مع الاخبار) من الظالم بانه ليس بحرام (فتأمل).

اذ: الفرق ليس بفارق، فانه لو اورث القول الاطمينان، كان ارتفاع الكراهة لمكان العلم لا للاخبار.

و ان لم يورث العلم لم يكن وجه لارتفاع الكراهة، فانه لو لم يوجب الاخبار العلم كانت اخبار الاحتياط- المقتضية لكراهة التصرف- محكمة و ان كان الاحتياط لا مع الاخبار آكد، فتكون الكراهة فى صورة الاخبار اخف.

(و منها) اى من الامور الموجبة لرفع الكراهة فى جائزة الظالم (اخراج) الآخذ (الخمس منه، حكى عن المنتهى و المحقق الاردبيلى و ظاهر الرياض هنا أيضا عدم الخلاف و لعله لما ذكر فى المنتهى فى وجه استحباب

ص: 169

اخراج الخمس من هذا المال من ان الخمس مطهر للمال المختلط يقينا بالحرام، فمحتمل الحرمة اولى بالتطهرية.

فان مقتضى الطهارة بالخمس صيرورة المال حلالا واقعيا.

فلا يبقى حكم الشبهة، كما لا يبقى فى المال المختلط- يقينا- بعد اخراج الخمس.

نعم يمكن الخدشة فى اصل الاستدلال بان الخمس انما يطهر المختلط بالحرام، حيث ان

______________________________

اخراج الخمس من هذا المال) مما يدل على كراهة المال دون اخراج الخمس- فى الجملة- و ان كان ليس هناك تلازم بين استحباب شي ء و كراهة خلافه- كما حقق فى الاصول فى جواب شبهة الكعبى- (من ان الخمس مطهر للمال المختلط) اختلاطا (يقينا بالحرام، ف) المال ال (محتمل الحرمة) كجائزة الظالم (اولى بالتطهرية) بسبب الخمس.

(فان مقتضى الطهارة) للمال (بالخمس) فيما اذا كان مختلطا بالحرام- يقينا- (صيرورة المال حلالا واقعيا).

(ف) فى المال المحتمل الاختلاط، كالجائزة (لا يبقى حكم الشبهة كما لا يبقى) حكم الشبهة (فى المال المختلط- يقينا- بعد اخراج الخمس).

فاذا اجرينا هذا الاستدلال فى ارتفاع الكراهة لدى التخميس كان مستندا للمسألة.

(نعم يمكن الخدشة فى اصل الاستدلال) لاستحباب الخمس من المال المشتبه (بان الخمس انما يطهر المختلط بالحرام، حيث ان

ص: 170

بعضه حرام و بعضه حلال، فكان الشارع جعل الخمس بدل ما فيه من الحرام.

فمعنى تطهيره تخليصه باخراج الخمس مما فيه من الحرام.

فكان المقدار الحلال طاهرا فى نفسه، الا انه قد تلوث بسبب الاختلاط مع الحرام بحكم الحرام، و هو وجوب الاجتناب، فاخراج الخمس مطهر له عن هذه القذارة العرضية.

و اما المال المحتمل لكونه بنفسه حراما،

______________________________

بعضه حرام و بعضه حلال، فكان الشارع جعل الخمس بدل ما فيه من الحرام) اذا كان الحرام مجهول المقدار و المالك، كما وردت الادلة على ذلك- مما ذكروه فى كتاب الخمس مفصلا-.

(فمعنى تطهيره) اى تطهير الخمس للمال المختلط (تخليصه باخراج الخمس مما فيه من الحرام).

(ف) على هذا (كان المقدار الحلال) فى المال المختلط (طاهرا فى نفسه، الا انه قد تلوث بسبب الاختلاط مع الحرام) اى تلوث من جهة الاختلاط (بحكم الحرام) فحكم الحرام هو الملوث للمال (و هو وجوب الاجتناب، فاخراج الخمس مطهر له عن هذه القذارة العرضية) لفرض طهارة اصل المال، و انما تقذر بالاختلاط، كالثوب المتقذر بالنجاسة، فان اصل الثوب و ذاته طاهر نظيف، الا انه توسخ بالقذارة العرضية.

(و اما المال المحتمل لكونه بنفسه حراما) فحاله حال احتمال كون شي ء بنفسه عذرة و قذارة.

ص: 171

و قذرا ذاتيا، فلا معنى لتطهيره باخراج خمسه، بل المناسب لحكم الاصل حيث جعل الاختلاط قذارة عرضية كون الحرام قذر العين.

و لازمه ان المال المحتمل الحرمة غير قابل للتطهير فلا بد من الاجتناب عنه.

نعم يمكن ان يستأنس، او يستدل على استحباب الخمس بعد فتوى النهاية التى هى كالرواية ففيها كفاية فى الحكم بالاستحباب.

______________________________

فكما لا يمكن ان يستدل لتطهير الثوب بالمال، لاجل تطهير العذرة بالمال، كذلك لا يصح الاستدلال بتطهير المال المختلط بالخمس، لاجل تطهير المال المحتمل كون كله حراما باخبار الخمس.

و ان شئت قلت: ان التطهير فى ما علم بالحلية فى الجملة، و فى جائزة الظالم لا يعلم بالحلية فى الجملة، لاحتمال كون كل المال حراما (و قذرا ذاتيا فلا معنى لتطهيره باخراج خمسه، بل المناسب لحكم الاصل حيث جعل الاختلاط قذارة عرضية كون الحرام قذر العين).

(و لازمه ان المال المحتمل الحرمة) بذاته- كالجائزة- (غير قابل للتطهير) بالخمس (فلا بد من الاجتناب عنه) كراهة، لادلة الاحتياط و لا حكومة لادلة تخميس المختلط على دليل الاحتياط.

(نعم يمكن ان يستأنس، او يستدل على استحباب الخمس) الملازم عرفا- لارتفاع الكراهة بعد التخميس (بعد فتوى النهاية التى هى كالرواية) لالتزام صاحبها بالاتيان بمضمون الروايات بصورة الفتوى (ففيها كفاية فى الحكم بالاستحباب).

ص: 172

و كذلك فتوى السرائر مع عدم العمل فيها الا بالقطعيات بالموثقة المسئول فيها عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل، قال عليه السلام: لا، الا ان لا يقدر على شي ء يأكل و يشرب، و لا يقدر على حيلة، فان فعل فصار فى يده شي ء فليبعث بخمسه الى اهل البيت.

فان موردها و ان كان ما يقع فى يده بإزاء العمل، الا ان الظاهر عدم الفرق بينه، و بين ما يقع فى اليد على وجه الجائزة.

و يمكن ان يستدل له أيضا بما دل على وجوب الخمس فى الجائزة مطلقا، و

______________________________

(و كذلك فتوى السرائر مع عدم العمل فيها الا بالقطعيات) بضميمة التسامح فى ادلة السنن (بالموثقة) متعلق ب «يستأنس» (المسئول فيها عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل) و يكون عاملا له (قال عليه السلام: لا الا ان لا يقدر على شي ء يأكل و يشرب، و لا يقدر على حيلة) و طريقة فى امرار معاشه (فان فعل) العمل للسلطان (فصار فى يده شي ء) من المال (فليبعث بخمسه الى اهل البيت) عليهم السلام.

بناء على ان المراد: خمس المال، لا خمس الزائد عن مئونة السنة.

(فان موردها و ان كان ما يقع فى يده بإزاء العمل، الا ان الظاهر عدم الفرق بينه) اى بين ما يقع بإزاء العمل (و بين ما يقع فى اليد على وجه الجائزة) لوحدة المناط فيهما، بل يمكن ان يقال: بإطلاق الخبر، فانه يشمل كلا القسمين.

(و يمكن ان يستدل له أيضا بما دل على وجوب الخمس فى الجائزة مطلقا، و

ص: 173

هى عدة اخبار مذكورة فى محلها.

و حيث ان المشهور غير قائلين بوجوب الخمس فى الجائزة حملوا تلك الاخبار على الاستحباب.

ثم ان المستفاد مما تقدم- من اعتذار الكاظم عليه السلام من قبول الجائزة بتزويج عزاب الطالبين، لئلا ينقطع نسلهم، و من غيره- ان الكراهة ترتفع بكل مصلحة هى اهم فى نظر الشارع من الاجتناب عن الشبهة.

______________________________

هى عدة اخبار مذكورة فى محلها) من كتاب الخمس.

(و حيث ان المشهور غير قائلين بوجوب الخمس فى الجائزة حملوا تلك الاخبار على الاستحباب).

لان الأمر إذا اصرف من ظاهره الالزامى، كان لا بدّ من حمله على الاستحباب، و حيث ان ظاهر هذه الاخبار، الحلية المطلقة بعد الخمس، قال المشهور: بان اعطاء الخمس يوجب رفع الكراهة، و لذا جعلوه من مستثنيات الكراهة.

(ثم ان المستفاد مما تقدم- من اعتذار الكاظم عليه السلام من قبول الجائزة بتزويج عزاب الطالبين، لئلا ينقطع نسلهم، و من غيره-) من سائر الاخبار الدالة على قبول الائمة عليهم السلام جائزة الولاة او امرهم بأخذ الجائزة، كقوله عليه السلام: ان لك فى بيت المال نصيبا، او وساطتهم لاخذها، كتوسط الامام عليه السلام للشقرانى.

و قوله عليه السلام ان الحسن من كل احد حسن و منك احسن، و ان السيئة من كل احد سيئ و منك أسوأ لمكانك منا (ان الكراهة ترتفع بكل مصلحة هى اهم فى نظر الشارع من الاجتناب عن الشبهة) هذا.

ص: 174

و يمكن ان يكون اعتذاره (ع) اشارة الى انه لو لا صرفها فيما يصرف فيه المظالم المردودة لما قبلها فيجب او ينبغى ان يأخذها، ثم يصرفها فى مصارفها.

و هذه الفروع كلها بعد الفراغ عن إباحة اخذ الجائزة و المتفق عليه من صورها، صورة عدم العلم بالحرام فى ماله اصلا، او العلم بوجود الحرام مع كون الشبهة غير محصورة، او محصورة ملحقة بغير المحصورة على ما عرفت.

______________________________

(و يمكن) ان يكون وجه آخر فى اخذ الكاظم عليه السلام للجائزة ب (ان يكون اعتذاره (ع) اشارة الى انه لو لا صرفها) اى الجائزة (فيما يصرف فيه المظالم لما قبلها) فان رد المظالم يصرف فى امور الفقراء التى من جملتها تزويج العزاب، و لا دليل على لزوم ان لا يكون المصرف عاميا كما حقق فى محله (فيجب او ينبغى ان يأخذها، ثم يصرفها فى مصارفها) لانه ايصال للمال الى المورد الّذي قرره الله سبحانه.

(و هذه الفروع كلها) من الكراهة و ارتفاع الكراهة باخبار المجيز، و التخميس، و الصرف فى مورد المظالم (بعد الفراغ عن إباحة اخذ الجائزة) اذ لو لا الاباحة لم يكن اصل، فكيف بالفرع (و المتفق عليه من صورها) اى صور الاباحة (صورة عدم العلم بالحرام فى ماله) اى مال الظالم (اصلا، او العلم بوجود الحرام) فى ماله (مع كون الشبهة غير محصورة) بان دار امر الحرام فى عدد كثير يوجب سقوط التكليف (او محصورة) و لكنها (ملحقة بغير المحصورة) لخروج بعض الاطراف عن الابتلاء (على ما عرفت) تفصيلا.

ص: 175

[الحالة الثانية و إن كانت الشبهة محصورة]

و ان كانت الشبهة محصورة بحيث تقتضى قاعدة الاحتياط لزوم الاجتناب عن الجميع، لقابلية تنجز التكليف بالحرام المعلوم اجمالا.

فظاهر جماعة المصرح به فى المسالك و غيره: الحل، و عدم لحوق حكم الشبهة المحصورة هنا.

قال فى الشرائع جوائز السلطان الجائر، ان علمت حراما بعينها، فهى حرام و نحوه عن نهاية الاحكام و الدروس و غيرهما.

______________________________

(و ان كانت الشبهة محصورة) و محل الابتلاء (بحيث تقتضى قاعدة الاحتياط لزوم الاجتناب عن الجميع، لقابلية تنجز التكليف بالحرام المعلوم اجمالا) «لقابلية» علة ل «تقتضى».

فان قاعدة الاحتياط قد لا تقتضى الاجتناب، لعدم تنجيز التكليف بالعلم الاجمالى، كما فى صورة غير المحصورة، و صورة عدم الابتلاء و صورة الاضطرار، و ما اشبه.

(فظاهر جماعة المصرح به فى المسالك و غيره: الحل) لاخذ الجائزة (و عدم لحوق حكم الشبهة المحصورة هنا) و كان للجائزة استثناء خاص من العلم الاجمالى.

(قال فى الشرائع جوائز السلطان الجائر ان علمت حراما بعينها، فهى حرام).

فان هذه العبارة تدل على انه ان علم حراما اجمالا فليس بحرام (و نحوه عن نهاية الاحكام و الدروس و غيرهما).

ص: 176

قال فى المسالك: التقييد بالعين اشارة الى جواز اخذها، و ان علم ان فى ماله مظالم- كما هو مقتضى حال الظالم-.

و لا يكون حكمه حكم المال المختلط بالحرام فى وجوب اجتناب الجميع للنص على ذلك، انتهى.

اقول ليس فى اخبار الباب ما يكون حاكما على قاعدة الاحتياط فى الشبهة المحصورة بل هى مطلقة اقصاها كونها من قبيل قولهم عليهم السلام

______________________________

(قال فى المسالك) فى ذيل عبارة الشرائع المتقدمة (التقييد بالعين اشارة الى جواز اخذها، و ان علم ان فى ماله مظالم- كما هو مقتضى حال الظالم-) فان الانسان يعلم غالبا ان فى ماله مظالم.

(و لا يكون حكمه) اى حكم المأخوذ من الظالم (حكم المال المختلط بالحرام فى وجوب اجتناب الجميع للنص على ذلك، انتهى).

فان ظاهر عبارة المسالك: ان القاعدة هى الاجتناب، و انما المخرج لها عن القاعدة: النص.

و حيث ان من المعلوم- خارجا- عدم كون القاعدة الا فى مورد المحصور محل الابتلاء، كان معنى عبارة المسالك: انه لا يجب الاجتناب و ان علم الاخذ ان فى نفس هذا المال الّذي اخذه حراما.

(اقول ليس فى اخبار الباب) اى باب اخذ الجائزة (ما يكون حاكما على قاعدة الاحتياط فى الشبهة المحصورة، بل هى) اى اخبار الباب (مطلقة) فى جواز اخذ الجائزة (اقصاها) اى منتهى الامر (كونها) اى اخبار الباب (من قبيل قولهم عليهم السلام:

ص: 177

كل شي ء لك حلال او كل شي ء فيه حلال و حرام، فهو لك حلال.

و قد تقرر حكومة قاعدة الاحتياط على ذلك.

فلا بد حينئذ من حمل الاخبار على مورد لا تقتضى القاعدة لزوم الاجتناب عنه كالشبهة غير المحصورة، او المحصورة التى لم يكن كل من محتملاتها موردا لابتلاء المكلف.

______________________________

كل شي ء لك حلال او كل شي ء فيه حلال و حرام، فهو لك حلال)

(و قد تقرر) فى الاصول (حكومة قاعدة الاحتياط على ذلك) لانها مذيلة بقوله «حتى تعلم انه حرام».

و العلم اعم من العلم التفصيلى و الاجمالى المنجز.

و كذلك اخبار الباب اطلاقها لا تمنع خروج مورد العلم تفصيلا او اجمالا عنها، بل هى كاخبار الغنيمة التى ذكروا انه لو كان فيها مال لمسلم او معاهد دفع الى صاحبه، مع ان اخبار الغنيمة مطلقة.

(فلا بد حينئذ) اى حين كون القاعدة محكمة على الاخبار (من حمل الاخبار) المجوزة للجائزة (على مورد لا تقتضى القاعدة) اى قاعدة الاحتياط (لزوم الاجتناب عنه).

و ذلك المورد (كالشبهة غير المحصورة، او المحصورة التى لم يكن كل من محتملاتها موردا لابتلاء المكلف) مطلقا لا فعلا و لا مستقبلا، او ليس بمحل الابتلاء فعلا، و ان صار فى المستقبل محل الابتلاء بناء على عدم تنجيز العلم الاجمالى التدريجى.

كما لو علم بانه يبتلى ببيع ربوى فى هذه السنة، فانه لا يلزم الاجتناب

ص: 178

او على ان ما يتصرف فيه الجائر بالاعطاء، يجوز اخذه، حملا لتصرفه على الصحيح.

او لان تردد الحرام بين ما ملكه الجائر و بين غيره من قبيل التردد بين ما ابتلى به المكلف، و ما لم يبتل به و هو ما لم يعرضه الجائر لتمليكه

______________________________

عن كل بيع بيع- كما قرر فى الاصول-.

(او على ان ما يتصرف فيه الجائر بالاعطاء، يجوز اخذه، حملا لتصرفه على الصحيح) اذ لا يختص الحمل بالصحة على صورة كون المتصرف عادلا.

(او لان تردد الحرام بين ما ملكه الجائر و بين غيره) الّذي بقى عند الجائر، فلم يملكه لهذا الشخص (من قبيل التردد بين ما ابتلى به المكلف و ما لم يبتل به و هو ما لم يعرضه الجائر لتمليكه).

الفرق بين هذا و بين قوله «او على ان ما يتصرف».

ان الاول فيما اذا لم نعلم ان الجائر هل يتصرف فى الحرام الّذي عنده باعطائه لانسان آخر أم لا، فانا نحمل فعله على الصحيح بانه لم يعط الحرام، لا لي، و لا لغيرى.

و الثانى: فيما اذ علمنا ان الجائر تصرف فى الحرام، بان اعطاه، إما لي او لغيرى، فلا يمكن حمل فعل الجائر على الصحيح، الا ان المكلف يتمكن ان يتصرف فى المال، لانه لا يعلم بان ما اخذه حراما و الحرام المردد بين ما اخذه و ما اخذه غيره ليس محلا لابتلائه.

فان من شرط تنجيز العلم الاجمالى كون جميع الاطراف محلا

ص: 179

فلا يحرم قبول ما ملكه لدوران الحرام بينه و بين ما لم يعرضه لتمليكه فالتكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعى غير منجز عليه، كما اشرنا إليه سابقا.

فلو فرضنا موردا خارجا عن هذه الوجوه المذكورة كما اذا اراد اخذ شي ء من ماله مقاصة.

______________________________

للابتلاء.

و الفرق بين هذا و بين قوله «او المحصورة التى».

ان الاول: فيما اذا كان الحرام مرددا بين ما اخذه و ما عند الجائر.

و الثانى: فيما اذا كان الحرام مرددا بين ما اخذه زيد و ما اخذته انا- مثلا- فتأمل.

(فلا يحرم قبول ما ملكه) الجائر ايّاه (لدوران الحرام بينه و بين ما لم يعرضه) الجائر (لتمليكه) و بين ما عرضه لتمليكه فيكون من قبيل الخارج عن محل الابتلاء.

(فالتكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعى غير منجز عليه) اى على اخذ الجائزة (كما اشرنا إليه سابقا).

(فلو فرضنا موردا خارجا عن هذه الوجوه المذكورة) الاربعة (كما اذا اراد) زيد- مثلا- (اخذ شي ء من ماله) اى الجائر (مقاصة) بان كان لزيد طلب على الجائر، و لا يريد اعطائه، فانه حينئذ يجوز له اخذه من مال الجائر مقاصة.

ص: 180

او اذن له الجائر فى اخذ شي ء من امواله على سبيل التخيير.

او علم ان المجيز قد اجازه من المال المختلط فى اعتقاده بالحرام.

بناء على ان اليد لا تؤثر فى حل ما كلف ظاهرا بالاجتناب عنه، كما لو علمنا ان الشخص اعارنا احد الثوبين المشتبهين فى نظره، فانه لا يحكم بطهارته

______________________________

(او اذن له الجائر فى اخذ شي ء من امواله على سبيل التخيير).

حيث ان جميع اموال الجائر الحرام و الحلال حينئذ محل ابتلاء المكلف، فيكون حاله حال من يعلم ان احد المالين حرام، و لكنه لا يريد الا التصرف فى مال واحد منهما.

(او علم ان) الظالم (المجيز قد اجازه من المال المختلط فى اعتقاده) اى اعتقاد نفى المجيز (بالحرام) متعلق ب «المختلط».

(بناء على ان اليد لا تؤثر فى حل ما كلف ظاهرا بالاجتناب عنه).

حيث ان الجائر مكلف باجتناب المختلط، فاذا تصرف فى احد اطرافه بالاعطاء لم تكن يده حجة، فلا اصالة لليد هنا.

فانه يكون حينئذ (كما لو علمنا ان الشخص اعارنا احد الثوبين المشتبهين فى نظره، فانه لا يحكم بطهارته) لنا، حتى يجوز ان نستعمله استعمال الطاهر.

ثم لا يخفى انه لا تعارض بين ما ذكره المصنف هنا و بين قوله «او لان تردد الحرام» الخ، لان ما ذكره هنا بناء على قوله «بناء على ان اليد» و قوله السابق بناء على قوله «كما اشرنا إليه سابقا» فتأمل.

ص: 181

فالحكم فى هذه الصور بجواز اخذ بعض ذلك مع العلم بالحرام فيه، و طرح قاعدة الاحتياط فى الشبهة المحصورة، فى غاية الاشكال، بل الضعف فلنذكر النصوص الواردة فى هذا المقام و نتكلم فى مقدار شمول كل واحد منها بعد ذكره حتى يعلم عدم نهوضها للحكومة على القاعدة.

فمن الاخبار التى استدل بها فى هذا المقام قوله عليه السلام: كل شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه و قوله عليه السلام كل شي ء لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه

______________________________

و كيف كان (فالحكم فى هذه الصور بجواز اخذ بعض ذلك مع العلم بالحرام فيه، و طرح قاعدة الاحتياط) المقتضية للاجتناب عن كل الاطراف (فى الشبهة المحصورة، فى غاية الاشكال، بل الضعف).

لكن الانصاف: ان فى جملة من الاخبار دلالة، فراجع حاشية السيد الطباطبائى و غيرها، بل عن الجواهر و غيره دعوى الاجماع على ذلك (فلنذكر النصوص الواردة فى هذا المقام و نتكلم فى مقدار شمول كل واحد منها بعد ذكره) اى نذكره أولا، ثم نذكر معناه (حتى يعلم عدم نهوضها للحكومة على القاعدة) اى قاعدة الاحتياط.

(فمن الاخبار التى استدل بها) للجواز (فى هذا المقام) و ان كانت قاعدة الاحتياط تقتضى العدم (قوله عليه السلام: كل شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه).

(و قوله عليه السلام كل شي ء لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه) فان آخذ الجائزة لا يعرف ان ما اخذه حرام بعينه.

ص: 182

و لا يخفى ان المستند فى المسألة لو كان مثل هذا، لكان الواجب اما التزام ان القاعدة فى الشبهة المحصورة عدم وجوب الاحتياط مطلقا كما عليه شرذمة من متأخرى المتأخرين، او ان مورد الشبهة المحصورة من جوائز الظلمة خارج عن عنوان الاصحاب.

و على اى تقدير فهو على طرف النقيض مما تقدم عن المسالك

______________________________

(و لا يخفى ان المستند فى المسألة لو كان مثل هذا) الخبر الدال على الحلية فيما لم يعلم الحرام بعينه (لكان الواجب اما التزام انّ القاعدة فى الشبهة المحصورة عدم وجوب الاحتياط مطلقا) اذ كل شبهة محصورة لا يعلم الشخص بحرمة كل طرف منها علما بعينه لاحتمال كل طرف ان يكون حلالا (كما عليه شرذمة من متأخرى المتأخرين) حيث افتوا بعدم وجوب الاجتناب عن الشبهة المحصورة اما مطلقا او فى بعض اطرافها (او ان مورد الشبهة المحصورة من جوائز الظلمة خارج عن عنوان الاصحاب) الّذي عنون بانه يجوز جوائز الظلمة.

و الحاصل: انه اما ان نعمل بهذه الرواية، او بالقاعدة، فان عملنا بالقاعدة، لزم ان نقول بخروج الشبهة المحصورة عن عنوان الاصحاب و ان عملنا بالرواية لزم ان نقول بعدم وجوب الاحتياط فى الشبهة المحصورة.

(و على اى تقدير) من عدم وجوب الاحتياط مطلقا، او عدم اطلاق عنوان الاصحاب بحل الجوائز حتى فى الشبهة المحصورة (فهو) اى قولهم عليهم السلام: كل شي ء لك حلال (على طرف النقيض مما تقدم عن المسالك) بمعنى انه مناقض لقول المسالك.

اذ المسالك جمع بين صحة قاعدة الاجتناب عن اطراف الشبهة

ص: 183

و منها: صحيحة ابى ولاد، قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام:

ما ترى فى رجل يلى اعمال السلطان ليس له مكسب الا من اعمالهم؟ و انا أمر به و انزل عليه فيضيفنى و يحسن إليّ، و ربما امر لى بالدراهم و الكسوة، و قد ضاق صدرى من ذلك، فقال لى: كل، و خذ منها فلك المهنّأ و عليه الوزر.

و الاستدلال به على المدّعى

______________________________

المحصورة، و بين ان اطراف الشبهة يجوز اخذها فى باب الجوائز و انه داخل فى عنوان الاصحاب.

و حيث قد عرفت ان الرواية مستلزمة لاحد امرين مما ذكرناه بقولنا «اما ... او» فصاحب المسالك الّذي لا يلتزم لا بهذا و لا بذاك فى طرف النقيض من الرواية- و الكلام فى المقام يحتاج الى تفصيل ليس الشرح محله-.

(و منها: صحيحة ابى ولاد، قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام:

ما ترى فى رجل يلى اعمال السلطان ليس له مكسب الا من اعمالهم؟ و انا أمر به و انزل عليه فيضيفنى و يحسن إليّ، و ربما امر لى ب) ان يعطوني (الدراهم و الكسوة، و قد ضاق صدرى من ذلك) حيث ان مال العامل حرام (فقال لى: كل، و خذ منها فلك المهنّأ) اى ان المال لك حلال هنئ (و عليه الوزر) و الأثم.

(و) وجه (الاستدلال به على المدّعى) الّذي هو حلّ مال السلطان المشتبه الّذي يقتضي القاعدة الاولية حرمته- لانه من الشبهة المحصورة

ص: 184

لا يخلو عن نظر، لان الاستشهاد ان كان من حيث حكمه عليه السلام بحلّ مال العامل المجيز للسائل فلا يخفى ان الظاهر من هذه الرواية و من غيرها من الروايات حرمة ما يأخذه عمال السلطان بإزاء عملهم له، و ان العمل للسلطان من المكاسب المحرمة.

فالحكم بالحل ليس الا من حيث احتمال كون ما يعطى من غير اعيان ما يأخذه من السلطان، بل مما اقترضه او اشتراه فى الذمة.

______________________________

التى اطرافها محل الابتلاء- ان اطلاق هذه الرواية تقتضى حلية مال السلطان حتى فى الصورة المذكورة- اى فيما كان من اطراف الشبهة المحصورة-.

و لكن لا يخفى ان هذا الاستدلال (لا يخلو عن نظر، لان الاستشهاد) بهذه الرواية (ان كان من حيث حكمه عليه السلام بحلّ مال العامل المجيز للسائل) فان العامل اجاز للسائل- اى اعطاه جائزة- (فلا يخفى) ما فيه من الاشكال، ل (ان الظاهر من هذه الرواية، و من غيرها من الروايات حرمة ما يأخذه عمال السلطان بإزاء عملهم له، و ان العمل للسلطان من المكاسب المحرمة).

لان الظاهر من السؤال و من قوله عليه السلام: عليه الوزر، الحرمة عملا و مالا.

(فالحكم بالحل ليس الا من حيث احتمال كون ما يعطى من غير اعيان ما يأخذه من السلطان، بل مما اقترضه) العامل (او اشتراه فى الذمة).

ص: 185

و اما من حيث ان ما يقع من العامل بيد السائل- لكونه من مال السلطان- حلال لمن وجده، فيتم الاستشهاد.

لكن فيه مع ان الاحتمال الاول مسقط للاستدلال على حل المشتبه المحصور- الّذي تقضى القاعدة لزوم الاحتياط فيه- لان الاعتماد حينئذ

______________________________

و انما نخصص الرواية بهذه الصورة، لان اطلاقها و ان كان شاملا لعلم الضيف بحرمة نفس هذا المال، الا ان المنصرف- بقرينة الغلبة- عدم حرمة شخص هذا المال الّذي يعطيه الجائر كسوة، او نقدا، او ما اشبه.

(و اما من حيث ان ما يقع من العامل بيد السائل- لكونه من مال السلطان- حلال لمن وجده، فيتم الاستشهاد) لان الحلية مطلقا- التى من صورها كون مال السلطان حراما قطعا- توجب حلية صورة العلم بالحرمة من باب الشبهة المحصورة.

(لكن فيه مع ان الاحتمال الاول) اى قوله: ان كان من حيث (مسقط للاستدلال) بالرواية (على حل المشتبه المحصور- الّذي تقتضى القاعدة) فى باب العلم الاجمالى (لزوم الاحتياط فيه-).

و انما يسقط الاحتمال الاول الاستدلال بالرواية على المعنى الثانى لانه اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال، فانه مع وجود احتمالين فى الرواية، مما ليست الرواية ظاهرة فى احدهما لا يمكن الاستدلال بها على احد الاحتمالين بالذات و انما ينافى الاحتمال الاول حل المشتبه المحصور (لان الاعتماد) فى الحلية للضعيف (حينئذ) اى حين وجود

ص: 186

على اليد، كما لو فرض مثله فى غير الظلمة- ان الحكم بالحل على هذا الاحتمال غير وجيه الا على تقدير كون المال المذكور من الخراج و المقاسمة المباحين للشيعة.

______________________________

الاحتمال الاول (على اليد) للعامل (كما لو فرض مثله) اى مثل هذه اليد (فى غير الظلمة) من الذين لا يبالون بالحرام، فان عدم مبالاتهم لا يسقط يدهم عن الحجية- كما قرر فى محله-.

و الحاصل: ان الاحتمال الاول مسقط للاحتمال الثانى و الاحتمال الاول لا ينفع فى استدلال المستدل بحلية اطراف الشبهة المحصورة- خلافا للقاعدة- (ان الحكم) متعلق ب «فيه» (بالحل على هذا الاحتمال) الثانى (غير وجيه).

لان الرواية على هذا الاحتمال اعم من كون المال من صلب مال السلطان- المحرم- او من الخراج- المحلل-.

فاللازم تقييد اطلاقها بالصورة الثانية، او بالمحتمل لاحد المالين لما دلّ على ان مال الغصب لا يصير حلالا بضم السلطان له الى اموال نفسه، فيما اذا كان غصبا، و لما دل على ان ثمن العمل الحرام حرام، فيما اذا كان للسلطان و اعطاه للعامل اجرة له على عمله (الا على تقدير كون المال المذكور) للسلطان الّذي اعطاه العامل للضيف (من الخراج و المقاسمة المباحين للشيعة) باجازة الامام عليه السلام لاخذهما من السلطان.

ص: 187

اذ لو كان من صلب مال السلطان، او غيره لم يتجه حلّه لغير المالك بغير رضاه، لان المفروض حرمته على العامل لعدم احترام عمله.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 4، ص: 188

و كيف كان، فالرواية اما من ادلة حلّ مال السلطان، المحمول- بحكم الغلبة- الى الخراج و المقاسمة.

و اما من ادلة حلّ المال المأخوذ من المسلم، لاحتمال كون المعطى مالكا له و لا اختصاص له

______________________________

(اذ لو كان من صلب مال السلطان، او غيره) اى غير السلطان، الّذي اخذه من الناس غصبا و جبرا (لم يتجه حلّه لغير المالك بغير رضاه، لان المفروض حرمته على العامل لعدم احترام عمله).

قوله «لان المفروض» تعليل لعدم حلية المال للعامل- فكيف يحل للضيف- لان ما اعطاه السلطان للعامل، ان كان من مال السلطان نفسه، كان حراما للعامل، لانه اخذه فى مقابل العمل الّذي هو حرام- فان الله اذا حرّم شيئا حرّم ثمنه- و ان كان غصبا فهو اظهر اذ الغصب لا يصير حلالا باخذ السلطان له و اعطائه لعامله.

(و كيف كان، فالرواية) اى صحيحة ابى ولاد (اما من ادلة حلّ مال السلطان المحمول- بحكم الغلبة- الى الخراج و المقاسمة) و الجزية و الزكاة، فانها كانت هى الغالبة فى اموال الخلفاء.

(و اما من ادلة حلّ المال المأخوذ من المسلم لاحتمال كون المعطى مالكا له) لان اليد حجة مطلقا الا فيما اذا علمنا بان هذا المال بالذات محرم (و لا اختصاص له) اى لكون المال المأخوذ من يد المسلم حلالا

ص: 188

بالسلطان او عماله او مطلق الظالم او غيره.

و اين هذا من المطلب الّذي هو حلّ ما فى يد الجائر مع العلم اجمالا بحرمة بعضه المقتضى- مع حصر الشبهة- للاجتناب عن جميعه.

و مما ذكرنا يظهر الكلام فى مصححة ابى المعزى امرّ بالعامل فيخبرنى بالدراهم، آخذها؟ قال: نعم، و قلت: و احج بها؟ قال و حج بها.

و رواية محمد بن هشام امرّ بالعامل فيصلنى بالصلة، اقبلها؟ قال:

______________________________

(بالسلطان او عماله او مطلق الظالم) كالسارق (او غيره) بل اليد حجة مطلقا.

(و اين هذا) المعنى الّذي ذكرناه لصحيحة ابى ولاد (من المطلب الّذي هو حلّ ما فى يد الجائر مع العلم اجمالا بحرمة بعضه) اى بعض ما فى يد الجائر (المقتضى) ذلك العلم الاجمالى (- مع حصر الشبهة- للاجتناب عن جميعه) كما قرر مفصلا فى الاصول.

(و مما ذكرنا) من عدم دلالة صحيحة ابى ولاد على جواز ارتكاب اطراف الشبهة فى اموال السلطان (يظهر الكلام فى مصححة ابى المعزى) حيث سئل الامام عليه السلام قائلا (امرّ بالعامل فيخبرنى بالدراهم، آخذها؟ قال) عليه السلام (نعم، و قلت: و احج بها؟ قال) عليه السلام (و حج بها) فانه يدل على حجية يد المسلم و ان كان ظالما، و لا علاقة له بالحلية فى اطراف الشبهة المحصورة.

(و رواية محمد بن هشام) حيث سئل الامام عليه السلام قال (امرّ بالعامل فيصلنى بالصلة، اقبلها؟ قال) عليه السلام

ص: 189

نعم، قلت: و احج بها؟ قال نعم و حج بها.

و رواية محمد بن مسلم و زرارة عن ابى جعفر عليه السلام: جوائز السلطان ليس بها بأس، الى غير ذلك من الاطلاقات التى لا تشمل من صورة العلم الاجمالى بوجود الحرام الا الشبهة الغير المحصورة.

و على تقدير شمولها لصورة العلم الاجمالى مع انحصار الشبهة فلا يجدى، لان الحل فيها مستند الى تصرف الجائر بالإباحة و التمليك و هو محمول على الصحيح.

______________________________

(نعم، قلت: و احج بها؟ قال) عليه السلام (نعم و حج بها).

(و رواية محمد بن مسلم و زرارة عن ابى جعفر عليه السلام: جوائز السلطان ليس بها بأس، الى غير ذلك من الاطلاقات التى) ربما يتوهم شمولها لما علم انه حرام، او كان طرفا للعلم الاجمالى المنجز، لكنها لدى التحقيق (لا تشمل من صورة العلم الاجمالى بوجود الحرام الا الشبهة الغير المحصورة) لانها كاطلاقات: كل شي ء لك حلال، و ما اشبه مما تقدم انها لا تشمل صورة العلم الاجمالى المنجز.

(و على تقدير شمولها لصورة العلم الاجمالى مع انحصار الشبهة) فى المحصورة (فلا يجدى) فى افادة الجواز مطلقا (لان الحل) لتصرف الاخذ (فيها) اى فى الشبهة المحصورة (مستند الى تصرف الجائر) و يده (بالإباحة و التمليك) للاخذ (و هو) التصرف (محمول على الصحيح) لما تقدم من ان يد الجائر كيد العادل تحمل على الصحة.

ص: 190

مع انه لو اغمض النظر عن هذا او ردّ بشمول الاخبار لما اذا اجاز الجائر من المشتبهات فى نظره بالشبهة المحصورة.

و لا يجرى هنا اصالة الصحة فى تصرفه يمكن استناد الحل فيها الى ما ذكرنا سابقا من: ان تردد الحرام بين ما اباحه الجائر او ملكه، و بين ما بقى تحت يده من الاموال التى لا دخل فيها للشخص المجاز، تردد بين ما ابتلى به المكلف من المشتبهين و بين ما لم يبتل به و لا يجب الاجتناب حينئذ

______________________________

(مع انه لو اغمض النظر عن هذا) اى عن الحمل على الصحة (او ردّ ب) انه لا مقام للحمل على الصحة ل (شمول الاخبار) المتقدمة (لما اذا اجاز الجائر من المشتبهات فى نظره) اى نظر الجائر (بالشبهة المحصورة).

(و) قد تقدم انه (لا يجرى هنا اصالة الصحة فى تصرفه).

كما لو ان زيدا اعطانى احد الماءين المشتبهين فى نظره فانه لا يجوز لى استعماله فى الطهارة، للعلم بان اليد غير صحيحة و العلم الاجمالى بعدم صحة اليد كالعلم التفصيلى رافع لحجية اليد (يمكن استناد الحل فيها) اى فى الاخبار المجوزة للجائزة حتى فى هذه الصورة (الى ما ذكرنا سابقا من: ان تردد الحرام بين ما اباحه الجائر او ملكه، و بين ما بقى تحت يده) اى يد الجائر (من الاموال التى لا دخل فيها للشخص المجاز تردد بين ما ابتلى به المكلف من المشتبهين) «من» بيان «ما» (و بين ما لم يبتل به) مما بقى تحت يد الجائر، فيكون كما لو وقعت قطرة دم فى احد من إناءين، إنائي، أو إناء زيد الّذي ليس بمحلّ ابتلاء لى (و لا يجب الاجتناب حينئذ) اى حين كان بعض الاطراف خارجا عن محل

ص: 191

عن شي ء منهما من غير فرق بين هذه المسألة و غيرها من موارد الاشتباه، مع كون احد المشتبهين مختصا بابتلاء المكلف به.

ثم لو فرض نص مطلق فى حل هذه الشبهة مع قطع النظر عن التصرف و عدم الابتلاء بكلا المشتبهين، لم ينهض للحكومة على قاعدة الاحتياط فى الشبهة المحصورة.

كما لا ينهض ما تقدم من قولهم عليهم السلام: كل شي ء حلال، الخ.

______________________________

الابتلاء (عن شي ء منهما) لا الّذي تحت يد الجائر، لانه ليس محل الابتلاء و لا الّذي تحت يد الآخذ، لان التكليف غير منجز فى حقه، لا تفصيلا و لا اجمالا (من غير فرق) فى عدم الاجتناب اذا كان بعض الاطراف خارجا عن الابتلاء (بين هذه المسألة) اى مسألة جوائز السلطان (و غيرها من موارد الاشتباه، مع كون احد المشتبهين مختصا بابتلاء المكلف به) اى بذلك الاحد.

(ثم لو فرض نص مطلق فى حل هذه الشبهة) المحصورة فى باب الجائزة (مع قطع النظر عن التصرف) بان لم يقيد النص بصورة كون الجائر ذا يد عليه، و اليد حجة (و عدم الابتلاء) بان لم يقيد النص بصورة عدم ابتلاء الآخذ بسائر الاطراف للشبهة (بكلا المشتبهين، لم ينهض) ذلك النص المطلق (للحكومة على قاعدة الاحتياط فى الشبهة المحصورة) التى اطرافها محل الابتلاء.

(كما لا ينهض) للحكومة على القاعدة المذكورة (ما تقدم من قولهم عليهم السلام: كل شي ء حلال، الخ) الحديث.

ص: 192

و مما ذكرنا يظهر ان اطلاق الجماعة لحل ما يعطيه الجائر مع عدم العلم بحرمته عينا ان كان شاملا لصورة العلم الاجمالى بوجود حرام فى الجائزة مردد بين هذا، و بين غيره، مع انحصار الشبهة، فهو مستند الى حمل

______________________________

نعم هناك جملة من الروايات فى باب الربا تدل على الحلية بحيث تكون حاكمة على القاعدة.

كصحيحة الحلبى: لو ان رجلا ورث من ابيه مالا و قد عرف ان فى ذلك المال ربا، و لكن اختلط فى التجارة بغيره حلالا، كان حلالا طيبا فليأكله، و ان عرف منه شيئا معزولا انه ربوا، فليأخذ رأس ماله و ليرد الربا.

و صحيحة الاخرى: انى ورثت مالا و قد علمت ان صاحبه الّذي ورثت منه قد كان يربى، و قد اعرف ان فيه ربا و استيقن ذلك و ليس يطيب لى حلاله لحال علمى فيه، الى ان قال: فقال ابو جعفر عليه السلام: ان كنت تعلم بان فيه ربا و تعرف اهله فخذ رأس مالك، ورد ما سوى ذلك، و ان كان مختلطا فكله هنيئا، فان المال مالك.

و نحوها رواية ابى الربيع الشامى.

(و) كيف كان ف (مما ذكرنا يظهر ان اطلاق الجماعة لحل ما يعطيه الجائر مع عدم العلم بحرمته عينا) اذ مع العلم بالحرمة عينا حرام قطعا بلا اشكال- (ان كان) كلامهم (شاملا لصورة العلم الاجمالى بوجود حرام فى الجائزة مردد بين هذا) المأخوذ (و بين غيره، مع انحصار الشبهة) فى المحصورة (فهو مستند الى حمل

ص: 193

تصرفه على الصحة.

او الى عدم الاعتناء بالعلم الاجمالى، لعدم ابتلاء المكلف بالجميع لا لكون هذه المسألة خارجة بالنص من حكم الشبهة المحصورة.

نعم: قد يخدش فى حمل تصرف الظالم على الصحيح من حيث انه مقدم على التصرف فيما فى يده من المال المشتمل على الحرام على وجه عدم المبالات بالتصرف فى الحرام فهو كمن اقدم على ما فى يده من المال المشتبه المختلط عنده بالحرام.

______________________________

تصرفه على الصحة) و انه انما اعطى من الحلال.

(او الى عدم الاعتناء بالعلم الاجمالى، لعدم ابتلاء المكلف بالجميع لا) ان حكمهم بالحلية (لكون هذه المسألة خارجة بالنص من حكم الشبهة المحصورة) و انها على خلاف القاعدة الاولية.

(نعم: قد يخدش فى حمل تصرف الظالم على الصحيح من حيث انه مقدم على التصرف فيما فى يده من المال المشتمل على الحرام على وجه عدم المبالات بالتصرف فى الحرام).

فالدليل الدال على الحمل على الصحة منصرف عنه، كانصراف دليل النسيان عمن لا يبالى، سواء كان ذاكرا أم ناسيا (فهو كمن اقدم على ما فى يده من المال المشتبه المختلط عنده بالحرام).

فانه اذا كان فى يد زيد مالين احدهما حرام و اقدم على التصرف فى احدهما لا يشمله دليل حمل فعل المسلم على الصحيح، لانا نعلم بعدم الصحة فى تصرفه، هذا، اذ قد تنجز فى حقه التكليف، و مع تنجز التكليف

ص: 194

و لم يقل احد بحمل تصرفه حينئذ على الصحيح.

لكن الظاهر ان هذه الخدشة غير مسموعة عند الاصحاب، فانهم لا يعتبرون فى الحمل على الصحيح احتمال تورع المتصرف عن التصرف الحرام، لكونه حراما بل يكتفون باحتمال صدور الصحيح منه و لو لدواع اخر.

______________________________

لا يحمل الفعل على الصحيح.

فكما يسقط الحمل على الصحة هنا، يسقط فيما اذا عرفنا منه عدم المبالات، و انه لا فرق عنده بين الحرام و الحلال فى تصرفه و عدم مبالاته

(و لم يقل احد بحمل تصرفه حينئذ) اى حين كان المال مختلطا عنده و تصرف فى بعض الاطراف (على الصحيح).

(لكن الظاهر) من مساق كلام الفقهاء (ان هذه الخدشة) فى الحمل على الصحة، اى الخدشة فى تصرف من لا يبالى- و عدم الحمل على الصحة- (غير مسموعة عند الاصحاب، فانهم لا يعتبرون فى الحمل على الصحيح احتمال تورع المتصرف عن التصرف الحرام) تورعا (لكونه) اى التصرف (حراما).

فقوله «لكون» علة «للتورع».

و الحاصل: ان احتمال التورع عن الحرام كاف فى حمل فعله على الصحة (بل يكتفون) فى الحمل على الصحة (باحتمال صدور الصحيح منه و لو لدواع اخر).

مثلا: اذا احتملنا ان زيدا الّذي لا يفرق عنده الحرام و الحلال،

ص: 195

و اما عدم الحمل فيما اذا اقدم المتصرف على الشبهة المحصورة الواقعة تحت يده، فلفساد تصرفه فى ظاهر الشرع، فلا يحمل على الصحيح الواقعى

______________________________

اعطانى دينارا حلالا، و كان سبب اعطائه الحلال لا الحرام، ان الحلال كان اقرب تناولا بالنسبة إليه، لان الحرام كان فى صندوق مقفول، فكسل عن فتح الصندوق، لا انه تورع عن الحرام لكونه حراما، كان هذا الاحتمال كافيا فى حمل فعله على الصحيح.

و السبب فى اطلاق حملهم على الصحة- مع الاحتمال- اطلاق الادلة.

كقوله عليه السلام: ضع امر اخيك على احسنه.

و قوله عليه السلام: الاشياء كلها على ذلك الا ان تستبين او تقوم به البينة.

و قوله عليه السلام: و انى و الله اعلم ان اكثر هؤلاء لا يسمون، و للسيرة القطعية بطهارة العامة مع انهم لا يتورعون عن بعض النجاسات و بعض المحرمات عندنا الى غيرها من الادلة المذكورة فى مسألة حمل الفعل على الصحيح.

(و) ان قلت: فما هو الفارق بين هذه المسألة التى تحملون عمل الظالم فيها على الصحيح، و بين مسألة ما لو علمنا انه اقدم على التصرف فى احد المشتبهين المنجز عليه، حيث لا تحملون الفعل على الصحيح.

قلت: (اما عدم الحمل) لفعله على الصحيح (فيما اذا اقدم المتصرف على الشبهة المحصورة الواقعة تحت يده، فلفساد تصرفه فى ظاهر الشرع) لان الشارع نهاه عن التصرف فى كل واحد من المشتبهين و هو يتصرف فيهما (فلا يحمل على الصحيح الواقعى) و ان كان محتملا للصحة واقعا

ص: 196

فتأمل، فان المقام لا يخلو عن اشكال.

و على اى تقدير فلم يثبت من النص، و لا الفتوى- مع اجتماع شرائط اعمال قاعدة الاحتياط فى الشبهة المحصورة- عدم وجوب الاجتناب فى المقام، و الغاء تلك القاعدة.

و اوضح ما فى هذا الباب من عبارات الاصحاب ما فى السرائر، حيث قال: اذا كان يعلم ان فيه شيئا مغصوبا، الا انه غير

______________________________

بان يكون هذا التصرف فى احدهما تصرفا فى الحلال الواقعى (فتأمل، فان المقام لا يخلو عن اشكال).

فان من علمنا انه لا يتورع عن الحرام، لا تكون يده أمارة على ما يظهر من حال اليد من انها أمارة فكيف نحكم بصحة تصرفاته.

اقول لكن قد عرفت اطلاق ادلة الحمل على الصحة، فلا اشكال فيه.

(و على اى تقدير) سواء قلنا بصحة قاعدة الحمل على الصحة فى يد الجائر، أم لا (فلم يثبت من النص، و لا الفتوى- مع اجتماع شرائط اعمال قاعدة الاحتياط فى الشبهة المحصورة-) بان كانت الاطراف محصورة، و كان كلها محل الابتلاء (عدم وجوب الاجتناب فى المقام) اى فى جوائز الجائر، و «عدم» فاعل «لم يثبت» (و الغاء تلك القاعدة) هذه جملة مستأنفة، اى ان النص و الفتوى تقتضى ابقاء قاعدة الاحتياط فى اطراف الشبهة المحصورة، و الجملة عطف على قوله «فلم يثبت».

(و اوضح ما فى هذا الباب من عبارات الاصحاب ما فى السرائر، حيث قال: اذا كان يعلم) الآخذ (ان فيه) اى فى مال الجائر (شيئا مغصوبا، الا انه غير

ص: 197

متميز العين، بل هو مخلوط فى غيره من امواله او غلاته التى يأخذها على جهة الخراج، فلا بأس بشرائه منه، و قبول صلته لانها صارت بمنزلة المستهلك، لانه غير قادر على ردها بعينها، انتهى.

و قريب منها ظاهر عبارة النهاية، بدون ذكر التعليل.

و لا ريب ان الحلى لم يستند فى تجويز اخذ المال المردد الى النص، بل الى ما زعمه من القاعدة.

و لا يخفى عدم تماميتها الا ان

______________________________

متميز العين) لدى الآخذ (بل هو) اى المغصوب (مخلوط فى غيره من امواله) اى اموال الغاصب (او) فى (غلاته التى يأخذها على جهة الخراج) بان كانت بعض الغلات له، و بعضها مغصوبة (فلا بأس بشرائه منه، و قبول صلته) و التصرف فى بعض امواله تصرفا باجازته (لانها) اى الغلة او الاموال المغصوبة (صارت بمنزلة المستهلك، لانه) اى الجائر (غير قادر على ردها بعينها، انتهى) عبارة السرائر.

(و قريب منها ظاهر عبارة النهاية، بدون ذكر التعليل) كما علل الحلى بانه صار بمنزلة المستهلك.

(و لا ريب ان الحلى لم يستند فى تجويز اخذ المال المردد) بين الحرام و الحلال (الى النص) كما يقول القائلون بحلية التصرف فى الجائزة مطلقا، خلافا لقاعدة وجوب الاجتناب فى اطراف الشبهة المحصورة (بل الى ما زعمه من القاعدة) بانه صار مستهلكا، فلا يقدر على رده.

(و لا يخفى عدم تماميتها) اى قاعدة الاستهلاك التى ذكرها (الا ان

ص: 198

يريد به الشبهة غير المحصورة بقرينة الاستهلاك، فتأمل.

[و أما الصورة الثالثة فهو أن يعلم تفصيلا حرمة ما يأخذه]

«و اما الصورة الثالثة» فهو ان يعلم تفصيلا حرمة ما يأخذه فلا اشكال فى حرمته حينئذ على الآخذ، الا ان الكلام فى حكمه اذا وقع فى يده.

فنقول: علمه بحرمته اما ان يكون قبل وقوعه فى يده، و اما ان يكون بعده.

فان كان قبله لم يجز له ان يأخذه بغير نية الرد الى صاحبه- سواء اخذه اختيار او تقية- لان اخذه بغير هذه النية تصرف لم يعلم

______________________________

يريد به الشبهة غير المحصورة بقرينة الاستهلاك) اذ فى المحصورة لا يتحقق الاستهلاك (فتأمل).

حيث ان فى غير المحصورة أيضا يتمكن الغاصب من الرد، اذ لا يلزم رد العين بذاتها، بل اللازم رد العين او البدل عند تعذر العين.

«و اما الصورة الثالثة» من الصور الاربع لاخذ الجائزة من الجائر (فهو ان يعلم تفصيلا حرمة ما يأخذه) بان يعلم ان عين هذا المال حرام مغصوب (فلا اشكال فى حرمته حينئذ على الآخذ) فاللازم ان لا يأخذه الا ان تكون هناك ضرورة او نحوها (الا ان الكلام فى حكمه) اى المال المحرم (اذا وقع فى يده) اختيارا عصيانا، او اضطرارا، او كان لا يعلم بانه حرام ثم علم بذلك.

(فنقول: علمه بحرمته اما ان يكون قبل وقوعه فى يده، و اما ان يكون بعده).

(فان كان) العلم (قبله لم يجز له ان يأخذه بغير نية الرد الى صاحبه- سواء اخذه اختيار او تقية-).

و انما تجب هذه النية (لان اخذه بغير هذه النية تصرف) فى مال الغير بغير اذن صاحبه، و (لم يعلم

ص: 199

رضا صاحبه به.

و التقية تتأدّى بقصد الردّ، فان اخذه بغير هذه النية، كان غاصبا ترتب عليه احكامه، و ان اخذه بنية الردّ كان محسنا، و كان فى يده امانة شرعية، و ان كان العلم به بعد وقوعه فى يده كان كذلك أيضا.

______________________________

رضا صاحبه به) اى بهذا التصرف.

(و) ان قلت: هذا انما يتم فى صورة الاختيار اما صورة التقية فهو مضطر.

قلت: (التقية تتأدّى بقصد الردّ) و الضرورات تقدر بقدرها (فان اخذه بغير هذه النية، كان غاصبا ترتب عليه) اى على الاخذ (احكامه) فان للغصب احكاما خاصة، كما ان للامانة الشرعية احكاما خاصة (و ان اخذه بنية الرد كان محسنا) و مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (و كان فى يده امانة شرعية) يجب ردها الى اصحابها او تسليمها الى الحاكم الشرعى.

و الظاهر انه يجوز الاخذ اختيارا بهذه النية و ان احتمل ان صاحبه لا يرضى بوضع اليد عليه لاصالة جواز اعانة المؤمن، الا ما علم بخروجه، فان عون الضعيف صدقة- كما فى الحديث-.

و لقوله سبحانه «مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ» بل و لحسن الانقاذ، و كلما حكم به العقل حكم به الشرع اذا كان فى سلسلة العلل (و ان كان العلم به بعد وقوعه فى يده كان كذلك أيضا) فاذا قصد الرد كانت امانة شرعية، و ان لم يقصد الرد كان محكوما بحكم الغصب، لانه فى صورة قصد الرد، قبل ان يعلم بانه مال الناس جاز اخذه بحكم الشارع، فلم يمكن محكوما بانه غاصب، و بعد ان علم قصد الرد فصارت امانة شرعية.

ص: 200

و يحتمل قويا الضمان هنا لانه اخذه بنية التملك لا بنية الحفظ و الرد و مقتضى عموم: على اليد، الضمان.

و ظاهر المسالك عدم الضمان رأسا مع القبض جاهلا، قال: لانه يد امانة فيستصحب.

و حكى موافقته عن العلامة الطباطبائى ره فى مصابيحه لكن المعروف من المسالك، و غيره فى مسألة ترتب الا يدى على مال الغير ضمان كل منهم و لو مع الجهل.

______________________________

(و يحتمل قويا الضمان هنا) فى صورة ان علم بعد الاخذ بمعنى عدم كونه محكوما بحكم الامانة الشرعية، و ان قصد الردّ حين ان علم (لانه اخذه بنية التملك) لنفسه (لا بنية الحفظ و الرد) الى مالكه.

(و مقتضى عموم: على اليد) ما اخذت حتى تؤدى (الضمان).

(و) لكن (ظاهر المسالك عدم الضمان رأسا) اى اطلاقا (مع القبض جاهلا) بانه مال الناس (قال: لانه يد امانة) شرعية، لان الشارع اجاز له اخذ الجائزة فاخذه باذن الشارع، فى حال الجهل فهو امانة شرعية (فيستصحب) كونه امانة بعد العلم.

(و حكى موافقته) اى موافقة المسالك (عن العلامة الطباطبائى ره فى مصابيحه) هذا.

و (لكن المعروف من المسالك، و غيره فى مسألة ترتب الا يدى على مال الغير) كان وضع زيد يده على مال عمرو، ثم اعطاه لخالد، و خالد اعطاه لبكر، و هكذا (ضمان كل منهم) للمال (و لو مع الجهل) بانه مال

ص: 201

غاية الامر رجوع الجاهل على العالم اذا لم يقدم على اخذه مضمونا

و لا اشكال عندهم ظاهرا فى انه لو استمرّ جهل القابض المتهب الى ان تلف فى يده كان للمالك الرجوع عليه، و لا رافع يقينيا لهذا المعنى مع حصول العلم بكونه مال الغير، فيستصحب الضمان، لا عدمه.

و ذكر فى المسالك فيمن استودعه الغاصب مالا مغصوبا انه لا يرده

______________________________

الغير.

(غاية الامر رجوع الجاهل على العالم) بالغرامة (اذا لم يقدم) الجاهل (على اخذه مضمونا).

كما لو اباح زيد الغاصب المال لعمرو فاتلفه عمرو- ظانا انه مال زيد- فان صاحب المال اذا رجع الى عمرو الّذي عليه قرار الضمان لإتلافه و اخذ المال منه، كان لعمرو الحق فى الرجوع الى زيد الغارّ له، لان المغرور يرجع الى من غرّه.

(و لا اشكال عندهم ظاهرا فى انه لو استمر جهل القابض المتهب) اى الآخذ للمال هبة (الى ان تلف) المال (فى يده كان للمالك الرجوع عليه) فانه لو كان امانة شرعية- كما ذكر المسالك فى مسألة الجائزة- لم يكن وجه لضمان المتهب (و لا رافع يقينيا لهذا المعنى) اى الضمان، لانه وضع اليد على مال الغير (مع حصول العلم) للآخذ (بكونه مال الغير) حينما اخذ الجائزة من الجائر (ف) اذا علم بعد ذلك (يستصحب الضمان لا عدمه) كما قال المسالك.

(و ذكر فى المسالك فيمن استودعه الغاصب مالا مغصوبا انه لا يرده

ص: 202

إليه مع الامكان، و لو اخذه منه قهرا، ففى الضمان نظر، و الّذي يقتضيه قواعد الغصب ان للمالك الرجوع على ايّهما شاء و ان كان قرار الضمان على الغاصب، انتهى.

و الظاهر ان مورد كلامه ما اذا اخذ الودعى المال من الغاصب جهلا بغصبه، ثم تبين له.

و هو الّذي حكم فيه هنا بعدم الضمان لو استرده الظالم المجيز او تلف بغير تفريط.

______________________________

إليه مع الامكان) اى امكان عدم الرد (و لو اخذه) الغاصب (منه قهرا ففى الضمان نظر، و الّذي يقتضيه قواعد الغصب ان للمالك الرجوع على ايّهما شاء) الغاصب او المستودع عنده (و ان كان قرار الضمان على الغاصب) لانه المتلف له (انتهى) كلام المسالك (و الظاهر) من سوق العبارة (ان مورد كلامه) اى كلام المسالك (ما اذا اخذ الودعى المال من الغاصب جهلا بغصبه، ثم تبين له) انه غصب.

(و) كلامه هذا ينافى كلامه فى باب الجائزة- كما تقدم- اذ: مورد الغصب (هو الّذي حكم فيه هنا) فى باب الجائزة (بعدم الضمان لو استرده الظالم المجيز، او تلف بغير تفريط).

و يمكن ان يقال فى وجه الفرق ان الشارع اجاز الاخذ من الجائر مع الجهل، فاذا اخذ كانت امانة شرعية، بخلاف ما اذا اخذه من الغاصب، فان الشارع لم يجز الاخذ، و انما تخيل الآخذ ان الشارع اجازه.

ص: 203

و على اىّ حال فيجب على المجاز ردّ الجائزة بعد العلم بغصبيتها الى مالكها او وليه.

و الظاهر انه لا خلاف فى كونه فوريا.

نعم يسقط باعلام صاحبه به.

و ظاهر ادلة وجوب اداء الامانة وجوب الاقباض و عدم كفاية التخلية الا ان يدعى انها فى مقام حرمة الحبس، و وجوب التمكين، لا تكليف

______________________________

و فيه ان الشارع اجاز فى باب الغاصب أيضا حيث قال: احمل امر اخيك على الصحة و قال: لما قام للمسلمين سوق، و ما اشبه ذلك، فتأمّل.

(و على اى حال فيجب على المجاز ردّ الجائزة) او المأخوذ من السلطان بيعا، او ما اشبه (بعد العلم بغصبيتها الى مالكها او وليه) من الوارث، او الحاكم الشرعى، او من اشبه.

(و الظاهر انه لا خلاف فى كونه) اى وجوب الردّ (فوريا) حيث علم.

(نعم يسقط) لزوم الردّ فورا (باعلام صاحبه به) بان قال له: ما لك عندى خذه متى شئت، او آتيك به غدا، فيما اذا رضى المالك بالتأخير.

(و) هل اللازم ان يتحمل الآخذ تجشم الردّ؟ او يكفى ان يخلى بين المال و بين مالكه (ظاهر ادلة وجوب اداء الامانة) كقوله سبحانه:

إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا (وجوب الاقباض و عدم كفاية التخلية) لان التخلية ليست اداء (الا ان يدعى انها) اى التأدية ليس معناها الاعطاء، بل (فى مقام حرمة الحبس) و الحيلولة بين المالك و بين ماله (و وجوب التمكين) عطف على «حرمة» (لا تكليف

ص: 204

الامين بالاقباض.

و من هنا ذكر غير واحد- كما عن التذكرة، و المسالك، و جامع المقاصد- ان المراد بردّ الامانة رفع يده عنها و التخلية بينه و بينها.

و على هذا فيشكل حملها إليه لانه تصرف لم يؤذن فيه الا اذا كان الحمل مساويا لمكانه الموجود فيه، او احفظ.

فان الظاهر جواز نقل الامانة الشرعية من مكان الى ما لا يكون ادون من الاول فى الحفظ.

______________________________

الامين بالاقباض) و تجشّم صعوبة ذلك.

(و من هنا ذكر غير واحد) من الفقهاء (- كما عن التذكرة، و المسالك و جامع المقاصد- ان المراد بردّ الامانة رفع يده عنها و التخلية بينه) اى بين المالك (و بينها) اى الامانة.

(و على هذا) الّذي ذكروا من لزوم التخلية فقط (فيشكل حملها) اى الامانة (إليه) اى الى المالك (لانه تصرف لم يؤذن فيه الا اذا كان الحمل مساويا لمكانه الموجود فيه) من جهة الحفظ (او احفظ) و لم نعلم بان صاحبها غير راض حتى بهذا المقدار من التصرف، لوضوح ان كون المال فى الصندوق ليس تصرفا جديد امثل حمله فى جيبه، و لو بقصد الايصال الى صاحبه، لانه تصرف جديد.

(فان الظاهر جواز نقل الامانة الشرعية من مكان الى ما لا يكون ادون من الاول فى الحفظ) بل الى الادون أيضا اذا كان حرزا عرفا.

كما لو كان فى صندوقين من حديد فنقله الى صندوق حديدى.

ص: 205

و لو جهل صاحبه وجب الفحص مع الامكان، لتوقف الاداء الواجب بمعنى التمكين و عدم الحبس على الفحص.

مضافا الى الامر به فى الدين المجهول المالك

______________________________

و انما نقول: ان الظاهر جواز النقل، اذ الدليل انما دلّ على وجوب الحفظ و لم يدل على وجوب الحفظ فى المكان الاول.

نعم لو علمنا من المالك عدم رضاه بذلك لم يجز، لانه تصرف فى مال الغير بدون اذنه، و لو كان المكان الثانى احفظ.

(و لو) علم الاخذ للجائزة ان هذه الجائزة مغصوبة و (جهل صاحبه وجب الفحص مع الامكان) للفحص اما مع عدم الامكان كما لو علم انه لشخص فى الهند سقط الفحص، لانه من المال المتعذر الايصال عرفا

و انما يجب الفحص (لتوقف الاداء الواجب بمعنى التمكين) للمالك من قبض ماله (و عدم الحبس) للامانة (على الفحص) و ما يتوقف عليه الواجب واجب شرعا او عقلا.

(مضافا الى الامر به) اى بالفحص (فى الدين المجهول المالك).

و من المعلوم انه لا فرق بين الدين و العين.

و الرواية هى صحيحة معاوية المروية فى الفقيه عن ابى عبد الله عليه السلام فى رجل كان له على رجل حق، ففقده، و لا يدرى اين يطلب، و لا يدرى أ حيّ هو أم ميت، و لا يعرف له وارثا و لا نسبا و لا ولدا، قال عليه السلام: اطلب، قال: قد طال فاتصدق به؟ قال عليه السلام:

اطلب.

ص: 206

ثم لو ادعاه مدع، ففى سماع قول من يدعيه لانه لا معارض له.

او مع الوصف تنزيلا له منزلة اللقطة.

او يعتبر الثبوت شرعا للاصل، وجوه.

و يحتمل غير بعيد عدم وجوب الفحص لاطلاق غير واحد من الاخبار.

______________________________

(ثم لو ادعاه) اى المال الّذي اخذه بالجائزة و علم انه مال مغصوب اذ مع عدم العلم جرت اصالة الصحة- كما تقدم- (مدع، ففى سماع قول من يدعيه مطلقا) سواء وصف المال، أم لا، او جاء بالدليل الشرعى لكونه ما له، أم لا (لانه لا معارض له) و الدعوى بدون المعارضة حجة.

(او) سماع قول من يدعيه (مع الوصف تنزيلا له منزلة اللقطة) التى ذكروا فيها كون السماع متوقفا على الوصف من المدعى.

(او يعتبر الثبوت شرعا) باقامة البينة و نحوها من المثبتات الشرعية (للاصل) فان الاصل عدم ثبوت كون الحق للمدعى، الا اذا جاء بالدليل الشرعى (وجوه) و احتمالات، و ان كان الثالث غير بعيد اذ قد اشتغلت ذمة الآخذ بهذا المال، فاللازم افراغ ذمته بالرد الى مالكه او التصدق به فالدفع بدون الامرين غير مبرأ للذمة، فتأمّل.

(و يحتمل غير بعيد عدم وجوب الفحص) عن المالك، و ان علم انه مغصوب (لاطلاق غير واحد من الاخبار) من قولهم عليهم السلام: فمن عرفت منهم رددت عليه، و من لم تعرف تصدقت عنه، فان عدم امره عليه السلام بالفحص بالنسبة الى من لم يعرف دليل عدم وجوب الفحص.

اللهم الا ان يقال: ان الخبر ليس مسوقا من هذه الجهة، فلا

ص: 207

ثم ان المناط صدق اشتغال الرجل بالفحص نظير ما ذكروه فى تعريف اللقطة.

و لو احتاج الفحص الى بذل مال، كاجرة دلال صائح عليه فالظاهر عدم وجوبه على الآخذ بل يتولاه الحاكم ولاية عن صاحبه و يخرج عن العين اجرة الدلال، ثم يتصدق بالباقى ان لم يجد صاحبه.

و يحتمل وجوبه عليه

______________________________

اطلاق فيه.

(ثم ان المناط صدق اشتغال الرجل بالفحص) بناء على وجوب الفحص (نظير ما ذكروه فى تعريف اللقطة) فلا حدّ خاص للفحص، و ينتهى وجوب الفحص باليأس عرفا، حتى لا يصدق انه لم يرد الامانة.

(و لو احتاج الفحص الى بذل مال، كاجرة دلال صائح عليه) او اجرة طبع فى الجريدة مثلا (فالظاهر عدم وجوبه على الآخذ) لادلة:

لا ضرر (بل يتولاه) اى اعطاء المال (الحاكم ولاية عن صاحبه و يخرج عن العين اجرة الدلال، ثم يتصدق بالباقى ان لم يجد صاحبه) و ان وجده اعطاه الباقى.

و انما يجوز للحاكم ان يفعل ذلك لانه ولى الغائب، و من اشبه، و اللازم عليه القيام بمصالحهم.

و يحتمل ان يكون ثمن الفحص على بيت المال، لانه المعد لمصالح المسلمين.

(و يحتمل وجوبه) اى بذل اجرة الدلال (عليه) اى على الواجد

ص: 208

لتوقف الواجب عليه.

و ذكر جماعة- فى اللقطة- ان اجرة التعريف على الواجد، لكن حكى عن التذكرة: انه ان قصد الحفظ دائما يرجع امره الى الحاكم، ليبذل اجرته من بيت المال، او يستقرض على المالك او يبيع بعضها ان رآه اصلح.

و استوجه ذلك جامع المقاصد.

ثم ان الفحص لا يتقيد بالسنة- على ما ذكره الاكثر هنا- بل حدّه:

اليأس، و هو مقتضى الاصل،

______________________________

(لتوقف) الاداء (الواجب عليه) و ما لا يتم الواجب الا به واجب.

(و) يؤيده انه (ذكر جماعة- فى اللقطة- ان اجرة التعريف على الواجد، لكن حكى عن التذكرة: انه) اى الواجد (ان قصد الحفظ) لما وجده (دائما) حتى يظفر بصاحبه، لانه مخير بين الحفظ و التعريف، و التصرف مع الضمان (يرجع امره الى الحاكم، ليبذل اجرته من بيت المال او يستقرض) الحاكم الاجرة (على المالك، او يبيع بعضها) اى بعض اللقطة (ان رآه) اى البيع (اصلح) من الاستقراض.

(و استوجه ذلك) اى البيع (جامع المقاصد) او المراد ان جامع المقاصد استوجه قول العلامة رحمه الله.

(ثم ان الفحص لا يتقيد بالسنة- على ما ذكره الاكثر هنا-) اى فى باب الجائزة، و ان قيدوه بالسنة فى باب اللقطة (بل حدّه) اى الفحص (اليأس، و هو مقتضى الاصل) الدال على عدم وجوب الفحص اكثر من

ص: 209

الا ان المشهور كما فى جامع المقاصد على انه اذا اودع الغاصب مال الغصب لم يجز الرد إليه، بل يجب رده الى مالكه، فان جهل عرف سنة ثم يتصدق به عنه مع الضمان.

و به رواية جعفر بن غياث، لكن موردها فيمن اودعه رجل من اللصوص دراهم او متاعا و اللص مسلم، فهل يرد عليه؟ قال: لا يرده، فان امكنه ان يرده على صاحبه فعل، و الا كان فى يده بمنزله اللقطة، يصيبها فيعرفها حولا، فان اصاب صاحبها، و الا تصدق بها فان جاء صاحبها

______________________________

ذلك (الا ان المشهور كما فى جامع المقاصد على انه اذا اودع الغاصب مال الغصب) عند احد (لم يجز الرد إليه) اى الرد الى الغاصب، لانه تكون امانة شرعية بيد الآخذ (بل يجب) عليه (رده الى مالكه، فان جهل) الآخذ المالك (عرف سنة، ثم يتصدق به عنه مع الضمان).

و مقتضى هذا ان يكون اللازم فى المقام أيضا التعريف سنة.

قال جامع المقاصد.

(و به) اى بلزوم التعريف سنة (رواية جعفر بن غياث) و لو ثبتت دلالة الرواية، كانت مقدمة على الاصل (لكن موردها فيمن اودعه رجل من اللصوص دراهم او متاعا و اللص مسلم، فهل يرد) الآخذ الدراهم (عليه؟

قال) عليه السلام (لا يرده، فان امكنه ان يرده على صاحبه فعل و الا كان فى يده بمنزلة اللقطة، يصيبها) الانسان اى يجدها (فيعرفها حولا، فان اصاب صاحبها) فهو (و الا تصدق بها) مع الضمان (فان جاء صاحبها

ص: 210

بعد ذلك خيّر بين الغرم، و الاجر.

فان اختار الاجر فالاجر له، و ان اختار الغرم، غرم له، و كان الاجر له.

و قد تقدم تعدى الاصحاب من اللص الى مطلق الغاصب بل الظالم و لم يتعدّوا من الوديعة المجهول مالكها الى مطلق ما يعطيه الغاصب و لو بعنوان غير الوديعة كما فى ما نحن فيه.

نعم ذكر فى السرائر فيما نحن فيه انه روى انه بمنزلة اللقطة، ففهم

______________________________

بعد ذلك خيّر) بصيغة المجهول (بين الغرم) اى يغرم الواجد بدلها للمالك، و الاجر للواجد (و الاجر) للمالك، لان ماله تصدق به.

(فان اختار الاجر) و ثواب الصدقة (فالاجر له) و لا غرامة على الواجد (و ان اختار الغرم، غرم) الواجد (له) اى للمالك (و كان الاجر له) اى للواجد، الى آخر الخبر.

(و قد تقدم تعدى الاصحاب من اللص) المذكور فى الرواية (الى مطلق الغاصب بل الظالم) فى وجوب التعريف سنة، ثم التصدق (و لم يتعدّوا من الوديعة المجهول مالكها) كما هو مورد الرواية (الى مطلق ما يعطيه الغاصب، و لو بعنوان غير الوديعة) كالجائزة (كما فى ما نحن فيه) او المعاملة، سواء عامل و هو عالم بان البائع غاصب- تساهلا- او لم يعلم ثم عرف بعد ذلك.

(نعم ذكر فى السرائر فيما نحن فيه) من الجائزة (انه روى انه بمنزلة اللقطة، ففهم

ص: 211

التعدى من الرواية.

و ذكر فى التحرير: ان اجراء حكم اللقطة فيما نحن فيه ليس ببعيد كما انه عكس فى النهاية و التحرير، فالحقا الوديعة بمطلق مجهول المالك.

و الانصاف ان الرواية يعمل بها فى الوديعة، او مطلق ما اخذ من الغاصب بعنوان الحسبة للمالك، لا مطلق ما اخذ منه حتى لمصلحة الآخذ، فان الاقوى فيه تحديد التعريف فيه باليأس، للاصل

______________________________

التعدى من الرواية) ان كان مراده من الرواية هذه الرواية التى ذكرناها

و يحتمل انه ظفر برواية اخرى فى مدينة العلم المفقود، او غيره لم نظفر بها.

(و ذكر فى التحرير: ان اجراء حكم اللقطة فيما نحن فيه ليس ببعيد) للمناط المستفاد من الرواية السابقة (كما انه عكس فى النهاية و التحرير، فالحقا الوديعة بمطلق مجهول المالك) كالغصب و اللقطة و السرقة، و نحوها، و انما الحاقاها بذلك للمناط.

(و الانصاف ان الرواية) المتقدمة عن حفص (يعمل بها فى الوديعة) كما هى موردها (او مطلق ما اخذ من الغاصب بعنوان الحسبة) اى قربة الى الله تعالى، بان اخذه ليحفظه (للمالك، لا) ان الرواية شاملة ل (مطلق ما اخذ منه) اى من الغاصب (حتى لمصلحة الآخذ) كالجائزة (فان الاقوى فيه تحديد التعريف فيه باليأس) عن صاحبه (للاصل) بعدم وجوب الزيادة على اليأس.

ص: 212

بعد اختصاص المخرج عنه بما عدا ما نحن فيه.

مضافا الى ما ورد من الامر بالتصدق بمجهول المالك مع عدم معرفة المالك، كما فى الرواية الواردة فى بعض عمّال بنى امية لعنهم الله من الامر بالصدقة بما لا يعرف صاحبه مما وقع فى يده من اموال الناس بغير حق.

ثم الحكم بالصدقة هو المشهور فيما نحن فيه اعنى جوائز الظالم.

______________________________

و حيث ان اليأس غالبا يحصل قبل الحول، كان الاصل عدم وجوب التعريف اكثر من ذلك، اما اذا لم يحصل اليأس الى الحول، فلا يشترط الزيادة قولا و احدا (بعد اختصاص المخرج عنه) اى عن الاصل (بما عدا ما نحن فيه).

فان المخرج و هو رواية حفص خاصة بغير صورة الاخذ لمصلحة الآخذ

(مضافا) على الاصل (الى ما ورد من الامر بالتصدق بمجهول المالك مع عدم معرفة المالك) من غير تقييد بالتعريف سنة (كما فى الرواية الواردة فى بعض عمّال بنى امية لعنهم الله من الامر بالصدقة بما لا يعرف صاحبه مما وقع فى يده من اموال الناس بغير حق).

(ثم) ان المصنف اشار الى جهة اخرى من البحث، و هى ان الحكم بعد اليأس عن صاحب الجائزة التصدق او غيره، و (الحكم بالصدقة هو المشهور فيما نحن فيه اعفى جوائز الظالم) حين علم الآخذ بالغصبية، و لم يجد صاحبها.

ص: 213

و نسبه فى السرائر الى رواية اصحابنا، فهى مرسلة مجبورة بالشهرة المحققة مؤيدة بان التصدق اقرب طرق الايصال.

و ما ذكره الحلّى من ابقائها امانة فى يده و الوصية به معرض للمال للتلف مع انه لا يبعد شهادة حال المالك للقطع برضاه بانتفاعه بماله فى الآخرة على تقدير عدم انتفاعه به فى الدنيا

______________________________

(و نسبه فى السرائر الى رواية اصحابنا، فهى) اى رواية السرائر (مرسلة مجبورة بالشهرة المحققة مؤيدة)- بصيغة المفعول- (بان التصدق اقرب طرق الايصال) لانه اذا لم يجد صاحبه فليوصل ثواب المال الى صاحبه.

لكن لا يخفى ان مطلق الثواب كالوقف، و بناء المسجد، و ما اشبه أيضا طريق، و لا دليل على ان الصدقة اقرب منها.

اللهم الا ان يراد بالصدقة الاعم من ذلك.

(و ما ذكره الحلى من ابقائها امانة فى يده) بعد اليأس عن صاحبها (و الوصية به) حين الموت ليوصلوها الى صاحبها ان ظفروا به (معرض للمال للتلف) و ذلك خلاف حفظ الامانة (مع انه لا يبعد شهادة حال المالك) الظاهر من الملاك لدى تجرّدهم عن عواطف حب عين المال بسبب يأسهم عن وصولهم الى مالهم (للقطع برضاه بانتفاعه بماله فى الآخرة) الحاصل بالتصدق.

و قوله «للقطع» متعلق ب «شهادة» اى يشهد حال المالك بالقطع برضاه الخ (على تقدير عدم انتفاعه به) اى بماله (فى الدنيا).

ص: 214

هذا.

و العمدة ما ارسله فى السرائر مؤيدا باخبار اللقطة و ما فى منزلتها

و ببعض الاخبار الواردة فى حكم ما فى يد بعض عمال بنى امية الشامل بإطلاقها لما نحن فيه من جوائز بنى امية حيث قال له عليه السلام اخرج من جميع ما اكتسبت فى ديوانهم، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله و من لم تعرف تصدقت.

و يؤيده أيضا الامر بالتصدق بما يجتمع

______________________________

و (هذا) وجه اعتبارى.

(و) لكن (العمدة ما ارسله فى السرائر) كما تقدم (مؤيدا باخبار اللقطة و ما فى منزلتها) اى حكم اللقطة الدال على التصدق، بعد وحدة المناط فى الجميع، بل بما دل على انه يجعله ما لا لنفسه، فاذا جاز ذلك فالتصدق اولى، كما فى اخبار الدين.

(و) مؤيدا (ببعض الاخبار الواردة فى حكم ما فى يد بعض عمال بنى امية الشامل بإطلاقها لما نحن فيه من جوائز بنى امية) اذ ما فى يد العامل جائزة و غير جائزة.

و من المعلوم ان جوائز بنى امية لا خصوصية لها، بل هى كسائر جوائز الظلمة، كرواية على بن حمزة (حيث قال له عليه السلام: اخرج من جميع ما اكتسبت فى ديوانهم، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله، و من لم تعرف تصدقت) اى بماله عن قبله.

(و يؤيده) اى يؤيد وجوب التصدق (أيضا الامر بالتصدق بما يجتمع

ص: 215

عند الصياغين، من اجزاء النقدين،

و ما ورد من الامر بالتصدق بغلة الوقف المجهول اربابه.

و ما ورد من الامر بالتصدق بما يبقى فى ذمة الشخص لاجير استأجره

و مثله مصححة يونس فقلت: جعلت فداك كنّا مرافقين لقوم بمكة فارتحلنا عنهم، و حملنا بعض متاعهم

______________________________

عند الصياغين، من اجزاء النقدين) كرواية ميمون الصائغ، حيث سئل الامام عليه السلام فيما يكنس من التراب فابيعه، فما اصنع به؟ قال عليه السلام تصدق به.

(و ما ورد من الامر بالتصدق بغلة الوقف المجهول اربابه)

فقد سئل الامام عليه السلام: على بن راشد عن ضيعة اشتراها، ثم علم بانها وقف فقال عليه السلام: لا يجوز شراء الوقف، و لا تدخل الغلة فى ملكك ادفعها الى من اوقفت عليه، قلت: لا أعرف لهاربا، فقال:

تصدق بغلتها، بناء على أنّ المراد ابقاء العين امانة عنده و التصدق بالغلة كل سنة، اذ التصدق بعين الوقف موجب لذهاب اثره، لأن الآخذ يتملكه فيسقط عن الوقفية.

(و ما ورد من الامر بالتصدق بما يبقى فى ذمة الشخص لاجير استأجره) كرواية الصدوق فى الفقيه، فانه ذكر بعد صحيح معاوية ما لفظه: و روى فى هذا خبر آخر، ان لم تجد وارثا، و علم اللّه منك الجهد فتصدق به فتأمل.

(و مثله) فى الدلالة على التصدق (مصححة يونس) قال: (فقلت:

جعلت فداك كنّا مرافقين لقوم بمكة فارتحلنا عنهم، و حملنا بعض متاعهم

ص: 216

بغير علم، و قد ذهب القوم و لا نعرفهم، و لا نعرف اوطانهم، و قد بقى المتاع عندنا فما نصنع به، قال: تحملونه حتى تلحقوهم بالكوفة، قال يونس: قلت له لست اعرفهم، و لا ندرى كيف نسأل عنهم قال: فقال (ع) بعه و اعط ثمنه اصحابك، قال فقلت: جعلت فداك اهل الولاية قال فقال نعم.

نعم يظهر من بعض الروايات ان مجهول المالك مال الامام عليه السلام كرواية داود بن ابى يزيد عن ابى عبد الله قال: قال له رجل انى قد اصبت مالا و انى

______________________________

بغير علم، و قد ذهب القوم و لا نعرفهم، و لا نعرف اوطانهم، و قد بقى المتاع عندنا فما نصنع به، قال) عليه السلام (تحملونه حتى تلحقوهم بالكوفة، قال يونس: قلت له) عليه السلام (لست اعرفهم و لا ندرى كيف نسأل عنهم) لانا لا نعرف اسمائهم، و لا بعض الخصوصيات المشخصة التى ان سئلناها دلونا عليهم (قال: فقال" ع" بعه و اعط ثمنه اصحابك، قال فقلت: جعلت فداك اهل الولاية) اى الشيعة (قال فقال) عليه السلام (نعم) بل لعل من هذا القبيل ما ورد فى ما وجد فى بعض بيوت مكة و هو خبر اسحاق بن عمار، قال سألت أبا ابراهيم عليه السلام، عن رجل نزل فى بيوت مكة، فوجد فيه نحوا من سبعين درهما مدفونة، فلم نزل معه، و لم يذكرها حتى قدم الكوفة، كيف يصنع؟ قال يسأل عنها اهل المنزل لعلهم يعرفونها، قلت: فان لم يعرفوها قال: يتصدق بها.

(نعم يظهر من بعض الروايات ان مجهول المالك مال الامام عليه السلام، كرواية داود بن ابى يزيد عن ابى عبد الله قال: قال له رجل انى قد اصبت مالا، و انى

ص: 217

قد خفت منه على نفسى، فلو اصبت صاحبه دفعته إليه، و تخلصت عنه، قال: فقال له ابو عبد الله عليه السلام: لو اصبته كنت تدفعه إليه، فقال: اى و الله، فقال عليه السلام: و الله ما له صاحب غيرى، قال: فاستحلفه ان يدفعه الى من يأمره، قال: فحلف، قال: فاذهب، و قسّمه بين اخوانك، و لك الأمن مما خفته، قال: فقسمه بين اخوانه.

______________________________

قد خفت منه على نفسى) اى خوفا على دينى (فلو اصبت صاحبه دفعته إليه، و تخلصت عنه، قال: فقال له ابو عبد الله عليه السلام: لو اصبته كنت تدفعه إليه، فقال: اى و الله، فقال عليه السلام: و الله ما له صاحب غيرى، قال) الراوى (فاستحلفه) اى طلب الامام حلف السائل (ان يدفعه) اى المال (الى من يأمره) الامام عليه السلام بالدفع إليه (قال: فحلف) السائل ان يفعل كما يأمره الامام عليه السلام (قال) الامام (فاذهب، و قسّمه بين اخوانك، و لك الأمن مما خفته) من ان يكون لك العقاب بوضع يدك على هذا المال (قال) الراوى فسمع الواجد كلام الامام عليه السلام (فقسمه بين اخوانه) فان قوله عليه السلام: ما له صاحب غيرى ظاهر فى ان مجهول المالك للامام.

و احتمال كون هذا الشي ء الّذي وجده السائل كان قد ضاع من الامام عليه السلام كاحتمال ان المراد بكون الامام صاحبه كونه عليه السلام مالكا من باب: ملكهم لكل شي ء بتمليك الله لهم خلاف الظاهر.

ص: 218

هذا و اما ما ذكرناه فى وجه التصدق من انه احسان، و انه اقرب طرق الايصال، و ان الاذن فيه حاصل بشهادة الحال، فلا يصلح شي ء منها للتأييد، فضلا عن الاستدلال.

لمنع جواز كل احسان فى مال الغائب.

و منع كونه اقرب طرق الايصال، بل الاقرب دفعه الى الحاكم الّذي هو ولى الغائب.

و اما شهادة الحال فغير مطردة، ان

______________________________

(هذا و اما ما ذكرناه فى وجه التصدق) من المؤيدات (من انه احسان) و مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (و انه اقرب طرق الايصال) الى المالك (و ان الاذن فيه) اى فى التصدق (حاصل) من المالك (بشهادة الحال) و ان الانسان راض بان يدفع ماله صدقة اذا لم يتمكن من الايصال إليه (فلا يصلح شي ء منها) اى من الوجوه الثلاثة (للتأييد، فضلا عن الاستدلال) بها على جواز التصدق، و كفايته فى فراغ الذمة.

(لمنع جواز كل احسان فى مال الغائب).

فان الدليل انما دل على انه ما على المحسن سبيل و لكنه لا دليل على ان التصدق احسان.

(و منع كونه اقرب طرق الايصال، بل الاقرب دفعه الى الحاكم الّذي هو ولى الغائب) و لا تكليف بعد على الواجد ان يتصدق به الحاكم، او يفعل به شيئا آخر.

(و اما شهادة الحال) برضى المالك بالتصدق (فغير مطردة، ان

ص: 219

بعض الناس لا يرضى بالتصدق، لعدم يأسه عن وصوله إليه، خصوصا اذا كان المالك مخالفا او ذميا يرضى بالتلف و لا يرضى بالتصدق على الشيعة.

فمقتضى القاعدة- لو لا ما تقدم من النص- هو لزوم الدفع الى الحاكم، ثم الحاكم يتبع شهادة حال المالك، فان شهدت برضاه بالصدقة، او بالامساك عمل عليهما، و الا يخيّر بينهما لان كلا منهما تصرف لم يؤذن فيه من المالك، و لا بدّ من احدهما و لا ضمان فيهما.

______________________________

بعض الناس لا يرضى بالتصدق، لعدم يأسه عن وصوله إليه، خصوصا اذا كان المالك مخالفا او ذميا) بحيث (يرضى بالتلف) لماله (و لا يرضى بالتصدق على الشيعة) و بالاخص اذا كان ناصبيا، او ما اشبه.

(فمقتضى القاعدة) فى احترام مال الناس، و عدم جواز التصرف فيه الا برضاهم (- لو لا ما تقدم من النص-) الدال على جواز التصدق، بل وجوبه لانه طريق التخلص (هو لزوم الدفع الى الحاكم) لانه ولى الغائب و من اشبهه (ثم الحاكم يتبع شهادة حال المالك) مما يطمئن بها فيكون التصرف من باب الاطمينان بالرضا عن المالك فى هذا القسم من التصرف الخاص (فان شهدت) الحال (برضاه) اى المالك (بالصدقة، او بالامساك) و الحفظ (عمل عليهما) اى على ما شهدت الحال (و الا يخيّر) الحاكم (بينهما).

و انما نقول بالتخيير (لان كلا منهما) اى من التصدق و الامساك (تصرف لم يؤذن فيه من المالك، و لا بدّ من احدهما و لا ضمان فيهما).

ص: 220

و يحتمل قويا تعيّن الامساك لان الشك فى جواز التصدق يوجب بطلانه، لاصالة الفساد.

و اما بملاحظة ورود النص بالتصدق، فالظاهر عدم جواز الامساك امانة، لانه تصرف لم يؤذن فيه من المالك، و لا الشارع.

و يبقى الدفع الى الحاكم و التصدق.

______________________________

اذ لا دليل على الضمان الا على اليد، و هو ليس آت هنا بعد انجبار احد التصرفين.

(و يحتمل قويا تعيّن الامساك لان الشك فى جواز التصدق يوجب بطلانه) اى بطلان التصدق (لاصالة الفساد) فى كل معاملة لم نعلم شمول الادلة الشرعية له.

و لا يعارض هذا بالشك فى جواز الامساك لان الامساك ليس معاملة بالإضافة الى ان التصدق افناء، بخلاف الامساك، هذا كله بملاحظة القاعدة الاولية.

(و اما بملاحظة ورود النص بالتصدق، فالظاهر عدم جواز الامساك امانة، لانه) اى الامساك (تصرف) فى مال الغير (لم يؤذن فيه من المالك و لا) من (الشارع).

اذ الشارع يأمر بالتصدق، و المالك لا نعلم اجازته و رضاه بالتصدق

(و) على هذا ف (يبقى) التخيير بين (الدفع الى الحاكم و التصدق) فهل يلزم التصدق لامر النص بذلك؟ او يخير بين التصدق، و الدفع الى الحاكم.

ص: 221

و قد يقال: ان مقتضى الجمع بينه، و بين دليل ولاية الحاكم، هو التخيير بين الصدقة و الدفع الى الحاكم، فلكل منهما الولاية.

و يشكل بظهور النص فى تعيين التصدق.

نعم يجوز الدفع إليه من حيث ولايته على مستحقى الصدقة و كونه اعرف بمواقعها.

و يمكن ان يقال: ان اخبار التصدق واردة فى مقام اذن

______________________________

(و قد يقال: ان مقتضى الجمع بينه) اى بين النص الآمر بالتصدق (و بين دليل ولاية الحاكم) كقوله عليه السلام: فارجعوا فيها الى رواة حديثنا، و غيره من ادلة الرجوع الى الحاكم (هو التخيير بين الصدقة و الدفع الى الحاكم، فلكل منهما) اى من الآخذ و الحاكم (الولاية) فى الصرف لهذا المال.

(و يشكل) التخيير (بظهور النص) فى المقام (فى تعيين التصدق) و هذا النص اخص مطلقا عن ولاية الحاكم، فلا محل للجمع بينهما بالتخيير.

(نعم يجوز الدفع إليه) اى الى الحاكم (من حيث ولايته على مستحقى الصدقة) لان الحاكم هو المكلف بشئون الفقراء فالدفع إليه كانه دفع إليهم (و كونه) اى الحاكم (اعرف بمواقعها) اى مواقع الصدقة، فالدفع إليه استنابة له فى ايصال المال الى صاحبه الى الفقير.

(و يمكن ان يقال) فى توجيه الجمع بين اخبار الصدقة، و بين ما دل على انه للامام عليه السلام ب (ان اخبار التصدق واردة فى مقام اذن

ص: 222

الامام بالصدقة، او محمولة على بيان المصرف، فانك اذا تأملت كثيرا من التصرفات الموقوفة على اذن الحاكم وجدتها واردة فى النصوص على طريق الحكم العام كاقامة البينة و الاحلاف و المقاصة.

______________________________

الامام بالصدقة) فليس واجبا ابتدائيا.

و انما اذن الامام بالصدقة لانه مال الامام (او محمولة على بيان المصرف) لهذا المال من دون ان يكون ذلك منافيا لكونه مال الامام عليه السلام (فانك اذا تأملت كثيرا من التصرفات الموقوفة على اذن الحاكم وجدتها واردة فى النصوص على طريق الحكم العام) و انها واردة لبيان ان الحكم كذا، لا انها واردة فى مقابل اذن الحاكم (كاقامة البينة و الاحلاف و المقاصّة).

فان الرواية الواردة فى ان البينة على المدعى، لا يراد بها ان المدعى و المنكر يتمكنان من اقامة البينة و الحلف بانفسهما، او امام انسان جاهل- مثلا- بل انما اريد بها ان الحكم العام لهذا الموضوع هو البينة اما عند من تقام البينة، فالدليل ساكت عنه، و لذا لا يزاحم دليل البينة دليل لزوم كون الاقامة عند الحاكم.

و المقاصّة عبارة عن اخذ الشخص شيئا من مال غيره فى مقابل استيلاء الغير على مال الشخص بدون ان يستعد للدفع الى الشخص.

هذا ما فهمناه فى تفسير العبارة، و فى بعض الحواشى تفسير آخر لكن الاظهر عندى ما ذكرته، و الله العالم.

ص: 223

و كيف كان فالاحوط- خصوصا بملاحظة ما دل على ان مجهول المالك مال الامام عليه السلام- مراجعة الحاكم بالدفع إليه او استيذانه.

و يتأكد ذلك فى الدين المجهول المالك اذ الكلى لا يتشخص للغريم الا بقبض الحاكم الّذي هو وليه و ان كان ظاهر الاخبار الواردة فيه ثبوت الولاية للمديون.

______________________________

(و كيف كان) الجمع بين الاخبار (فالاحوط- خصوصا بملاحظة ما دل على ان مجهول المالك مال الامام عليه السلام- مراجعة الحاكم بالدفع إليه او استيذانه) اذا اراد الواجد التصدق بنفسه.

لانه ان كان التكليف التصدق فقد استناب الحاكم فى ذلك.

و ان كان التكليف الدفع الى الحاكم فقد عمل بالتكليف.

(و يتأكد ذلك) الاحتياط بمراجعة الحاكم (فى الدين المجهول المالك).

و انما يتأكد (إذ الكلي) فى الذمة (لا يتشخص للغريم) الّذي هو مالك الدين (الا بقبض الحاكم الّذي هو وليه) و هذا بخلاف العين الشخصية للمالك المجهول، فانه متشخص، لفرض ان العين له (و ان كان ظاهر الاخبار الواردة فيه) اى فى مجهول المالك (ثبوت الولاية للمديون) فى تشخيص الدين فى جزئى خارجى و اعطائه للفقير، و لو فرض ان ظاهر بعض الاخبار كونه للامام فقد اذن الامام اذنا عاما بان يدفعه المديون فلا حاجة الى مراجعة الحاكم، و لو شك فى الاحتياج الى اذن الحاكم، فالاصل عدمه

ص: 224

ثم ان حكم تعذر الايصال الى المالك المعلوم تفصيلا، حكم جهالة المالك و تردده بين غير محصورين فى التصدق استقلالا، او باذن الحاكم كما صرح به جماعة منهم المحقق فى الشرائع و غيره.

ثم ان مستحق هذه الصدقة هو الفقير، لانه المتبادر من اطلاق الامر بالتصدق.

و فى جواز اعطائها للهاشمي قولان من انها صدقة مندوبة على المالك

______________________________

(ثم ان حكم تعذر الايصال الى المالك المعلوم تفصيلا، حكم جهالة المالك).

مثلا: لو كان له مالك معلوم لكنا فقدناه، فلم ندر اين ذهب؟ او كان موجودا لكنه مسجون فى سجن مؤيد، لا يمكن الوصول إليه، او ما اشبه ذلك (و) حكم (تردده بين غير محصورين فى) وجوب (التصدق استقلالا) من الّذي عنده المال (او باذن الحاكم) الشرعى (كما صرح به جماعة منهم المحقق فى الشرائع و غيره).

و ذلك للمناط المستفاد من الاخبار الكثيرة الواردة فى الابواب المتفرقة، كما تقدم جملة منها.

(ثم ان مستحق هذه الصدقة هو الفقير، لانه) اى وجوب الاعطاء الى الفقير هو (المتبادر من اطلاق الامر بالتصدق).

(و فى جواز اعطائها للهاشمي قولان).

الجواز (من) جهة (انها صدقة مندوبة على المالك) و الصدقة المندوبة يجوز اعطائها للهاشمى

ص: 225

و ان وجب على من هى بيده، الا انه نائب كالوكيل و الوصى.

و من انها مال تعين صرفه بحكم الشارع لا بامر المالك حتى يكون مندوبة مع ان كونها من المالك غير معلوم، فلعلها ممن تجب عليه.

ثم ان فى الضمان لو ظهر المالك و لم يرض بالتصدق و عدمه مطلقا، او

______________________________

(و ان وجب) الاعطاء (على من هى بيده، الا انه نائب) عن المالك (كالوكيل و الوصى) فاذا اعطى زيد عمروا دينارا ليعطيه للفقير، كان عمرو نائبا عن زيد، فكما يجوز ان يعطيه بنفسه للسيد، كذلك يجوز ان يعطيه بواسطة وكيله.

(و) المنع (من) جهة (انها مال تعين صرفه بحكم الشارع لا بامر المالك حتى يكون مندوبة) بل هى صدقة واجبة (مع ان كونها من المالك) كما قال المجوّز (غير معلوم، فلعلها ممن تجب عليه) اى من نفس المعطى.

لكن لا يخفى ان الجواز اقرب أولا: من جهة انه كالنائب كما هو الظاهر من الفتاوى المستفادة من الادلة.

و ثانيا: لانه لا دليل على حرمة مطلق الصدقة الواجبة على الهاشمى لحصر بعض الاخبار ذلك فى الزكاة.

و ثالثا: على فرض التسليم، فاللازم تقييد ذلك بصورة كون احد الاثنين صاحب المال، و الّذي بيده غير هاشمى، و الا فلو كانا هاشميين فلا اشكال فى جواز اعطائه للهاشمى.

(ثم ان فى الضمان) للمالك بوجوب ردّ المتصدق مثله او قيمته (لو ظهر المالك و لم يرض بالتصدق) مطلقا (و عدمه مطلقا، او) التفصيل

ص: 226

بشرط عدم ترتب يد الضمان- كما اذا اخذه من الغاصب حسبة- لا بقصد التملك وجوها من اصالة براءة ذمة المتصدق، و اصالة لزوم الصدقة بمعنى عدم انقلابها عن الوجه الّذي وقعت عليه.

و من عموم ضمان من اتلف.

و لا ينافيه اذن الشارع، لاحتمال انه اذن فى التصدق على هذا الوجه

______________________________

بعدم الضمان (بشرط عدم ترتب يد الضمان- كما اذا اخذه من الغاصب حسبة-) اى قربة الى الله تعالى (لا) ما اذا اخذه (بقصد التملك) فانه يضمن لو ظهر صاحبه (وجوها).

وجه عدم الضمان مطلقا (من) جهة (اصالة براءة ذمة المتصدق) عن المثل او القيمة (و اصالة لزوم الصدقة بمعنى عدم انقلابها عن الوجه الّذي وقعت عليه) فانها وقعت صدقة عن المالك، فاذا قلنا بالضمان و اعطاء البدل انقلبت الصدقة عن كونها عن المالك الى كونها عن المتصدق

(و) وجه الضمان مطلقا (من) جهة (عموم ضمان من اتلف) مال الغير فهو له ضامن.

(و لا ينافيه) اى العموم (اذن الشارع).

وجه المنافات ان الشارع اذا اذن فقد اعطاه المكلف بامره، و مع امره لا يكون ضمان.

و وجه عدم المنافات (لاحتمال انه اذن فى التصدق على هذا الوجه) اى وجه الضمان، فكانه قال: تصدق بشرط انه اذا جاء صاحبه تعطيه

ص: 227

كاذنه فى التصدق باللقطة المضمونة بلا خلاف، و بما استودع من الغاصب.

و ليس هنا امر مطلق بالتصدق ساكت عن ذكر الضمان حتى يستظهر منه عدم الضمان مع السكوت عنه.

______________________________

بدله (كاذنه فى التصدق باللقطة المضمونة بلا خلاف) هناك فى الضمان.

و الحاصل: ان الامر بالصدقة لا ينافى الضمان، فالجمع بين دليلى الصدقة و الضمان يقتضي وجوب الضمان، و ان تصدق به (و) كاذنه (بما استودع من الغاصب) اى بالتصدق بما اودع الغاصب لدى الانسان فانه لا يرده الى الغاصب، بل يجب الفحص عن صاحبه فان لم يجده تصدق به، ثم اذا جاء صاحبه اعطاه بدله.

و هذا مثال آخر علاوة على اللقطة، لبيان عدم المنافات بين امر الشارع بالصدقة و بين الضمان.

(و) ان قلت: نسلم عدم التنافى بين الصدقة و الضمان عقلا، و لكنا نقول ظاهر الامر بالتصدق عدم الضمان.

قلت: (ليس هنا) فيما نحن فيه (امر مطلق بالتصدق ساكت عن ذكر الضمان، حتى يستظهر منه عدم الضمان مع السكوت عنه).

فليس الامر بالتصدق فى مقام البيان، بل فى مقام مصرف المال فى الجملة.

فاذا شك فى جهة من الجهات كان اللازم التمسك بالإطلاقات و الادلة العامة لا بدليل التصدق.

ص: 228

و لكن يضعف هذا الوجه ان ظاهر دليل الاتلاف: كونها علة تامة للضمان و ليس كذلك ما نحن فيه، و ايجابه للضمان مراعى بعدم اجازة المالك يحتاج الى دليل آخر.

الا ان يقال: انه ضامن بمجرد التصدق، و يرتفع باجازته، فتأمل.

هذا مع ان

______________________________

(و لكن يضعف هذا الوجه) اى الضمان ب (ان ظاهر دليل الاتلاف:

كونها علة تامة للضمان) بحيث ان من اتلف ضمن- مطلقا- (و ليس كذلك ما نحن فيه) اذ الضمان خاص بصورة عدم رضاية المالك بالتصدق، و عليه فلا يشمله دليل: من اتلف (و ايجابه للضمان مراعى بعدم اجازة المالك يحتاج الى دليل آخر) و الفرض انه لا دليل آخر فى المقام، فاصالة البراءة عن الضمان محكمة.

(الا ان يقال) ان نفس دليل: من اتلف، يشمل المقام بتقريب (انه ضامن بمجرد التصدق، و يرتفع) الضمان (باجازته) فهو تخصيص فى دليل:

من اتلف.

كما ان كل متلف لمال الغير اذا أبرأه المالك يرتفع ضمانه، و ليس هذا خروجا عن دليل: من اتلف (فتأمل).

فان الظاهر: من ادلة المقام انه ليس ضمان مطلقا الا ما خرج، بل الامر بالضمان معلق على عدم رضاية المالك فدليل المقام غير دليل: من اتلف.

(هذا مع ان) ادلة: من اتلف، لا تشمل المقام لوجه آخر، و هو ان

ص: 229

الظاهر من دليل الاتلاف اختصاصه بالاتلاف على المالك لا الاتلاف له و الاحسان إليه، و المفروض ان الصدقة انما قلنا بها لكونها احسانا و اقرب طرق الايصال بعد اليأس من وصوله إليه.

و اما احتمال كون التصدق مراعى كالفضولى.

فمفروض الانتفاء، اذ لم يقل احد برجوع المالك على الفقير مع بقاء العين.

______________________________

(الظاهر من دليل الاتلاف اختصاصه بالاتلاف على المالك) سواء اتلافا عمدا او خطأ (لا الاتلاف له و الاحسان إليه) كما فيما نحن فيه حيث يراد بالتصدق وصول الثواب إليه (و المفروض ان الصدقة انما قلنا بها لكونها احسانا) الى المالك (و اقرب طرق الايصال) للمال الى مالكه (بعد اليأس من وصوله إليه) اى وصول المال بنفسه الى المالك.

(و) ربما يقال: لبيان عدم الضمان انه حيث لا رضى من المالك لا يكون صدقة- اذ لا صدقة الا فى ملك- و حيث لا صدقة فلا اتلاف، و حيث لا اتلاف، لا يكون ضمان.

و الجواب انه لو كان كذلك لزم ان المالك له حق الرجوع الى الفقير لان ماله عنده، و لا يقول احد بذلك.

و الى هذا الوجه اشار بقوله (و اما احتمال كون التصدق مراعى كالفضولى) المتوقف على اجازة المالك.

(ف) الجواب عنه ان المراعى (مفروض الانتفاء، اذ لم يقل احد برجوع المالك على الفقير مع بقاء العين).

ص: 230

و انتقال الثواب من شخص الى غيره حكم شرعى.

و كيف كان، فلا مقتضى للضمان، و ان كان مجرد الاذن فى الصدقة غير مقتض لعدمه، فلا بد من الرجوع الى الاصل.

لكن الرجوع الى اصالة البراءة انما يصح فيما لم يسبق يد الضمان، و هو ما اذا اخذ المال من الغاصب حسبة.

______________________________

و انما قيد ببقاء العين لانه مع تلف العين تقتضى القاعدة عدم الرجوع إليه، اذ السبب اقوى من المباشر، اللهم الا اذا كان الفقير يعلم انه مراعى.

(و) ان قلت: يدل على كونه مراعى انه ان جاء المالك و رضى كان الثواب له، و ان لم يرض كان الثواب للمتصدق.

قلت: (انتقال الثواب من شخص الى غيره حكم شرعى) و ليس بسبب كون التصدق مراعى.

(و كيف كان، فلا مقتضى للضمان) فيما اذا وجد المالك (و ان كان مجرد الاذن فى الصدقة) من الشارع (غير مقتض لعدمه) اى لعدم الضمان.

لما عرفت من انه ربما يوجد الاذن و مع ذلك فالمتصدق ضامن (فلا بد من الرجوع الى الاصل) العملى لنرى هل يقتضي الضمان، أم لا.

(لكن الرجوع الى اصالة البراءة انما يصح فيما لم يسبق يد الضمان) لانه لو سبق يد الضمان كان الاستصحاب محكما (و هو) اى عدم سبق يد الضمان فى (ما اذا اخذ المال من الغاصب حسبة) اى قربة الى الله تعالى.

ص: 231

و اما اذا تملكه منه، ثم علم بكونه مغصوبا، فالاجود استصحاب الضمان فى هذه الصورة، لان المتيقن هو ارتفاع الضمان بالتصرف الّذي يرضى به المالك بعد الاطلاع لا مطلقا.

فتبين ان التفصيل بين يد الضمان، و غيرها اوفق بالقاعدة.

لكن الاوجه: الضمان مطلقا، اما تحكيما للاستصحاب حيث يعارض البراءة، و لو بضميمة عدم القول بالفصل.

______________________________

(و اما اذا تملكه منه، ثم علم بكونه مغصوبا، فالاجود) فى نظر المصنف (استصحاب الضمان فى هذه الصورة، لان المتيقن) مما دل على عدم الضمان (هو ارتفاع الضمان بالتصرف الّذي يرضى به المالك بعد الاطلاع) اى بعد اطلاع المالك، فان التملك موجب للضمان، لقاعدة على اليد (لا مطلقا) اى لا تيقن فى ارتفاع الضمان مطلقا، سواء رضى المالك أم لا.

(فتبين ان التفصيل بين يد الضمان) فيما اذا قصد التملك (و غيرها) فيما اذا اخذه حسبة (اوفق بالقاعدة) الاولية بعد عدم اطلاق للنص يقتضي عدم الضمان مطلقا.

(لكن الاوجه: الضمان مطلقا) سواء كانت اليد تملكية او حسبيّة (اما تحكيما للاستصحاب) للضمان (حيث يعارض البراءة) فى اليد التملكية (و لو بضميمة عدم القول بالفصل) بالنسبة الى اليد الحسبيّة، فانه لا مفصل فى المسألة، بل الكل اما قائلون بالضمان مطلقا، او عدم الضمان مطلقا.

و حيث نرى ان مقتضى القاعدة فى بعض الصور الضمان، كان اللازم

ص: 232

و اما للمرسلة المتقدمة عن السرائر.

و اما لاستفادة ذلك من خبر الوديعة ان لم نتعدّ عن مورده الى ما نحن فيه من جعله بحكم اللقطة.

لكن يستفاد منه ان الصدقة بهذا الوجه حكم اليأس عن المالك.

ثم الضمان هل يثبت بمجرد التصدق و اجازته رافعة؟ او يثبت بالرد من حينه، او من حين التصدق،

______________________________

ان نقول بالضمان فى بعض الصور الاخرى.

(و اما للمرسلة المتقدمة عن السرائر) حيث قال: روى اصحابنا انه يتصدق به، و المرسلة مجبورة بعمل الاصحاب.

(و اما لاستفادة ذلك) الضمان مطلقا (من خبر الوديعة) بتنقيح المناط، و عدم الفرق بين وديعة اللص و غيرها (ان لم نتعدّ عن مورده) اى مورد خبر الوديعة (الى ما نحن فيه) بان نقول ان الرواية بنفسها شاملة للمقام- لا بتنقيح المناط- و انما نتعدى لاجل عدم خصوصية للوديعة عرفا.

فقوله (من جعله بحكم اللقطة) وجه للتعدى.

(لكن يستفاد منه) اى من خبر الوديعة (ان الصدقة بهذا الوجه حكم اليأس عن المالك) لا مطلقا، كما هو مقتضى مرسلة السرائر و غيرها.

(ثم الضمان هل يثبت بمجرد التصدق) من الآخذ (و اجازته) اى المالك (رافعة) للضمان؟ (او يثبت) الضمان (بالرد) من المالك للتصدق (من حينه) اى حين الرد- مثل النقل- (او من حين التصدق) مثل

ص: 233

وجوه من دليل الاتلاف، و الاستصحاب.

و من اصالة عدم الضمان قبل الرد.

و من ظاهر الرواية المتقدمة فى انه بمنزلة اللقطة.

و لو مات المالك ففى قيام وارثه مقامه فى اجازة التصدق و رده، وجه قوى، لان ذلك من قبيل الحقوق المتعلقة بالاموال

______________________________

الكشف.

فلو اعطاه يوم الجمعة صدقة، فهل الضمان فى يوم الجمعة او فى يوم السبت حين رد المالك؟ او ان رده يوم السبت كاشف عن الضمان يوم الجمعة؟ (وجوه) و احتمالات.

وجه الضمان من حين التصدق (من دليل الاتلاف) فان الصدقة اتلاف فتوجب الضمان (و الاستصحاب) للضمان فيما اذا كانت اليد ضمانية.

(و) وجه الضمان من حين الردّ (من اصالة عدم الضمان قبل الرد) لان القدر المتيقن الضمان بالردّ.

(و) وجه كشف الردّ عن الضمان من حين التصدق (من ظاهر الرواية المتقدمة فى انه بمنزلة اللقطة) و هو رواية حفص، حيث قال عليه السلام و ان اختار الغرم غرم له، فان ظاهرها: ان الاختيار موجب للغرم على نحو الكشف، فتأمّل.

(و لو مات المالك) قبل الاجازة و الردّ (ففى قيام وارثه مقامه فى اجازة التصدق و رده، وجه قوى، لان ذلك) اى حق الاجازة و الردّ (من قبيل الحقوق المتعلقة بالاموال) كحق الرهن، و حق التحجير، و حق

ص: 234

فيورث كغيره من الحقوق.

و يحتمل العدم لفرض لزوم التصدق بالنسبة الى العين، فلا حق لاحد فيه.

و المتيقن من الرجوع الى القيمة هو المالك.

و لو مات المتصدق، فردّ المالك فالظاهر خروج الغرامة من تركته، لانه من الحقوق المالية اللازمة عليه بسبب فعله.

______________________________

الجناية، و ما اشبه (فيورث كغيره من الحقوق) لعموم ما تركه الميت فلوارثه.

(و يحتمل العدم) لتوريث هذا الحق، فينفذ تصدق المتصدق بلا امكان للرد (لفرض لزوم التصدق بالنسبة الى العين، فلا حق لاحد فيه) اى فى العين اذ الشارع امر بالتصدق بها- و الضمير المذكر راجع الى الشي ء-.

(و المتيقن من الرجوع الى القيمة) اى قيمة الشي ء المتصدق به بان يرجع المالك الى المتصدق (هو المالك) و قد فرض انه قد مات فرجوع الورثة لا دليل له.

(و لو مات المتصدق) قبل ردّ المالك (فردّ المالك) الصدقة بعد موته (فالظاهر خروج الغرامة) اى القيمة (من تركته، لانه) اى بدل العين- التى هى الغرامة- (من الحقوق المالية اللازمة عليه) اى على المتصدق (بسبب فعله) الّذي هو التصدق، فلا فرق فى ثبوت هذا الحق عليه بين كونه حيا او ميتا.

ص: 235

هذا كله على تقدير مباشرة المتصدق له.

و لو دفعه الى الحاكم، فتصدق به بعد اليأس فالظاهر عدم الضمان لبراءة ذمة الشخص بالدفع الى ولى الغائب.

و تصرف الولى كتصرف المولى عليه.

و يحتمل الضمان لان الغرامة هنا ليس لاجل ضمان المال و عدم نفوذ التصرف الصادر من المتصدق، حتى يفرق بين تصرف الولى و غيره

______________________________

(هذا) الّذي ذكرناه (كله) من صورة موت المتصدق قبل ردّ المالك او بعده (على تقدير مباشرة المتصدق له) اى للتصدق.

(و لو دفعه) الواجد (الى الحاكم، فتصدق به بعد اليأس) عن الظفر بصاحبه (فالظاهر عدم الضمان) على الواجد (لبراءة ذمة الشخص بالدفع الى ولى الغائب) الّذي هو الحاكم.

(و) من المعلوم: ان (تصرف الولى كتصرف المولى عليه) الّذي هو المالك، فكما انه اذا دفعه الواجد الى المالك لم يكن عليه ضمان، كذلك اذا دفعه الى الحاكم الّذي هو وليه.

(و يحتمل الضمان) أيضا فى صورة الدفع الى الحاكم (لان الغرامة هنا) حكم شرعى و لا ترتبط بتصرف الواجد بنفسه، ف (ليس) البدل (لاجل ضمان المال و عدم نفوذ التصرف الصادر من المتصدق، حتى يفرق بين تصرف الولى) الحاكم- بعدم الضمان- (و غيره) اى و تصرف غيره- الّذي هو الواجد- بالضمان.

و انما قلنا: بعدم الفرق بين تصرف الحاكم و تصرف الواجد

ص: 236

لثبوت الولاية للمتصدق فى هذا التصرف لان المفروض ثبوت الولاية له كالحاكم.

و لذا لا يسترد العين من الفقير اذا رد المالك.

فالتصرف لازم، و الغرامة حكم شرعى تعلق بالمتصدق كائنا من كان.

فاذا كان المكلف بالتصدق هو من وقع فى يده لكونه هو المأيوس و الحاكم وكيلا، كان الغرم على الموكل.

______________________________

(لثبوت الولاية للمتصدق فى هذا التصرف لان المفروض ثبوت الولاية له) اى للواجد (كالحاكم) فكلاهما وليان فى هذا التصرف.

فان كان تصرف الولى موجبا لسقوط حق المالك لزم ان يسقط حقه فيما اذا باشر الواجد الصدقة أيضا.

(و لذا) الّذي ذكرنا من ان الغرامة ليست لاجل ضمان المال، و انما هى حكم شرعى (لا يسترد العين من الفقير اذا ردّ المالك) مع وجود العين.

فان عدم الاسترداد دليل على انه ليست الغرامة لاجل الضمان فانها لو كانت لاجل الضمان كان اللازم استرداد العين.

(فالتصرف) بالتصدق (لازم) لا ينقض اذا ظهر المالك (و الغرامة حكم شرعى تعلق بالمتصدق كائنا من كان) واجدا او حاكما.

(فاذا كان المكلف بالتصدق هو من وقع فى يده) اى الواجد (لكونه هو المأيوس و الحاكم وكيلا) عنه فى مباشرة التصدق (كان الغرم على) (الموكل) الواجد.

ص: 237

و ان كان المكلف هو الحاكم- لوقوع المال فى يده قبل اليأس عن مالكه فهو المكلف بالفحص ثم التصدق- كان الضمان عليه.

[و أما الصورة الرابعة و هو ما علم إجمالا لاشتمال الجائزة على الحرام]

و اما الصورة الرابعة و هو ما علم اجمالا لاشتمال الجائزة على الحرام فاما ان يكون الاشتباه موجبا لحصول الاشاعة.

و اما ان لا يكون.

و على الاول فالقدر و المالك اما معلومان، او مجهولان

______________________________

(و ان كان المكلف) بالتصدق (هو الحاكم- لوقوع المال فى يده قبل اليأس عن مالكه فهو المكلف بالفحص) عن المالك (ثم التصدق- كان الضمان عليه).

و لا يبعد ان يكون الضمان حين قلنا بكونه على الحاكم فى بيت المال.

ثم انه ربما يحتمل استرداد العين مع وجودها لانصراف الادلة من صورة وجود العين، نعم مع التلف و لو بالتبديل لا وجه للرجوع الى الفقير.

(و اما الصورة الرابعة) من صور جائزة الظالم (و هو ما علم اجمالا لاشتمال الجائزة على الحرام، ف) اقسامه أربعة.

لانه (اما ان يكون الاشتباه موجبا لحصول الاشاعة) و الاشتراك كما لو علم ان بعض السمن الّذي اعطاه السلطان حرام، و بعضه الآخر حلال

(و اما ان لا يكون) كما لو علم ان احد الفرسين اللذين اعطاهما السلطان له هو لزيد، و الفرس الآخر للسلطان نفسه.

(و على الاول) اى المشاع (فالقدر) للحرام (و المالك اما معلومان) كما لو علم ان ربع السمن لزيد (او مجهولان) كما لو لم يعلم ان الحرام ربع

ص: 238

او مختلفان.

و على الاول فلا اشكال.

و على الثانى فالمعروف اخراج الخمس على تفصيل مذكور فى باب الخمس.

و لو علم القدر فقد تقدم فى القسم الثالث و لو علم المالك وجب التخلص معه بالمصالحة.

______________________________

او ثلث، او ازيد، او اقل، و لم يعلم بالمالك هل هو زيد، او غيره سواء كان غير محصور او محصور (او مختلفان) بان علم المالك و لم يعلم القدر او علم القدر و لم يعلم المالك.

(و على الاول) و هو ما اذا كان القدر و المالك معلومين (فلا اشكال) فى وجوب ردّ المال الى مالكه.

(و على الثانى) و هو ما اذا كان القدر و المالك مجهولين (فالمعروف) بين الفقهاء (اخراج الخمس) للروايات الواردة فى الحلال المختلط بالحرام (على تفصيل مذكور فى باب الخمس).

و هنا فرق بين الشبهة المحصورة و غير المحصورة، كما قرر فى كتاب الخمس، و قد ذكرنا تفصيله فى شرح العروة فراجع.

(و) على الثالث اى المختلفين (لو علم القدر) دون المالك (فقد تقدم فى القسم الثالث) حكمه- اى الصورة الثالثة- و حكمه التصدق به لانه مجهول المالك (و لو علم المالك) دون القدر (وجب التخلص معه بالمصالحة) و نحوها.

ص: 239

و على الثانى فيتعين القرعة، او البيع و الاشتراك فى الثمن و تفصيل ذلك كله فى كتاب الخمس.

و اعلم ان اخذ ما فى يد الظالم ينقسم باعتبار نفس الاخذ الى الاحكام الخمسة.

و باعتبار نفس المال الى المحرم و المكروه و الواجب.

______________________________

(و على الثانى) و هو ما لو لم يكن مشتركا مشاعا كالفرسين (فيتعين القرعة) لتمييز احد الحقين، لانها لكل امر مشكل (او البيع) للمجموع (و الاشتراك فى الثمن) او التصالح، او ما اشبه ذلك (و تفصيل ذلك كله فى كتاب الخمس) هذا تمام الكلام فى صور الجائزة.

(و اعلم ان اخذ ما فى يد الظالم ينقسم باعتبار نفس الاخذ) لا باعتبار المأخوذ- الّذي هو اما حلال او حرام او مختلط- (الى الاحكام الخمسة) التكليفية.

(و باعتبار نفس المال الى المحرم و المكروه و الواجب).

اما انقسام الاخذ الى الاحكام الخمسة فلانه قد يجب اذا كان الاخذ لنفقة نفسه، و نفقة عياله الواجبى النفقة، و لم يكن له شي ء آخر.

و قد يستحب اذا كان الاخذ لزيارة الحسين عليه السلام مثلا.

و قد يكره اذا كان المال مشتبها لقاعدة الاحتياط الاستحبابى.

و قد يحرم اذا كان المال حراما و لم يأخذه لاجراء تكليفه على المال.

و قد يباح اذا اخذه للامور المباحة.

ص: 240

فالمحرم ما علم كونه مال الغير مع عدم رضاه بالاخذ.

و المكروه المال المشتبه.

و الواجب ما يجب استنقاذه من يده من حقوق الناس حتى انه يجب على الحاكم الشرعى استنقاذ ما فى ذمته من حقوق السادة، و الفقراء، و لو بعنوان المقاصّة

______________________________

و اما انقسام المال الى الاقسام الثلاثة.

(فالمحرم ما علم كونه مال الغير مع عدم رضاه بالاخذ) و كون المال حراما حكم وضعى و كون الاخذ حراما حكم تكليفى فلا يقال: لا معنى لوجود حرمتين

(و المكروه المال المشتبه) بالحرام، مما لا يكون مخلوطا قطعا بالحرام، فان المال المشتبه مكروه كما لا يخفى.

(و الواجب ما يجب استنقاذه من يده من حقوق الناس) الواجبة الاستنقاذ.

و انما قيدناه بهذا القيد، لانه لا يجب على كل احد استنقاذ اموال المظلومين من ايدى الظالمين (حتى انه يجب على الحاكم الشرعى استنقاذ ما فى ذمته) اى ذمة من تعلق بذمته الحقوق (من حقوق السادة) و الامام (و الفقراء) من الخمس و الزكاة (و لو بعنوان المقاصّة) بان كان الاخذ من غير المال الّذي تعلق به الحق.

و انما يجب ذلك لان الحاكم ولى الفقراء و المكلف بمصالح المسلمين و لا يمكن ادارة امورهم الا بالمال الّذي قرره الله تعالى لهم.

فاللازم على الولى القيام بمصالحهم، و العمل بالغبطة بالنسبة إليهم

ص: 241

بل يجوز ذلك لآحاد الناس خصوصا نفس المستحقين مع تعذر استيذان الحاكم.

و كيف كان فالظاهر: انه لا اشكال فى كون ما فى ذمته من قيم المتلفات غصبا

______________________________

و الحاصل: ان ذلك لازم الولاية عرفا فيدل عليه ما دلّ على الولاية بالملازمة العرفية.

الا ترى ان الوالى اذا لم يقم بمثل ذلك- فى الحكومات الحاضرة- عدّ غير مؤدّ لتكليفه لدى السلطان (بل يجوز ذلك) الاستنقاذ و المقاصة (لآحاد الناس) من باب الامر بالمعروف و النهى عن المنكر.

فانه كما يجب الامر بالمعروف يجب ايجاد المعروف، و كما يجب النهى عن المنكر يجب دفع المنكر، و هذا من باب ولاية عدول المؤمنين مع عدم الحاكم الشرعى (خصوصا نفس المستحقين) لانهم باعتبار كونهم اصحاب الحق اولى (مع تعذر استيذان الحاكم) و الا فمع امكان استيذانه فهو عمل الحاكم، و يدل على جواز التقاص لآحاد الناس دليل جواز ذلك للحاكم اما بدون استيذان الحاكم مع وجوده فهو مشكل لعدم الولاية حينئذ و مع نهيه اولى بالاشكال.

(و كيف كان) الامر بالنسبة الى انقسام المال الى الاقسام الثلاثة و الاخذ الى الاحكام الخمسة (فالظاهر: انه لا اشكال) بالنسبة الى الجائر نفسه- بعد تمام الكلام بالنسبة الى اخذ المال من الجائر- (فى كون ما فى ذمته من قيم المتلفات غصبا) اى ما اتلفه بعنوان الغصب من الناس

ص: 242

من جملة ديونه نظير ما استقر فى ذمته بقرض، او ثمن مبيع، او صداق، او غيرها.

و مقتضى القاعدة كونها كذلك بعد موته، فيقدم جميع ذلك على الارث و الوصية الا انه ذكر بعض الاساطين ان ما فى يده من المظالم تالفا لا يلحقه حكم الديون فى التقديم على الوصايا و المواريث لعدم انصراف الدين إليه و ان كان منه.

______________________________

(من جملة ديونه).

فهى (نظير ما استقر فى ذمته بقرض، او ثمن مبيع، او صداق، او غيرها) كالكفارة، و الارش، و الدية.

و انما تكون قيم المتلفات من جملة ديونه، لشمول ادلة: من اتلف مال الغير فهو له ضامن، لها.

(و مقتضى القاعدة كونها) اى قيم المتلفات (كذلك) من جملة الديون (بعد موته، فيقدم جميع ذلك على الارث و الوصية) لان الترتيب هو أو لا:

الدين، ثم الوصية، ثم الارث (الا انه) خلافا للقاعدة (ذكر بعض الاساطين ان ما فى يده من المظالم تالفا) اى ما تلف فى يده (لا يلحقه حكم الديون فى التقديم على الوصايا و المواريث).

و ذلك (لعدم انصراف الدين) فى قوله سبحانه: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ* (إليه) اى الى هذا النحو من الدين (و ان كان) قيم المتلفات (منه) اى من الدين حقيقة.

ص: 243

و بقاء عموم الوصية و الميراث على حاله.

و للسيرة المأخوذة يد ابيد، من مبدأ الاسلام الى يومنا هذا.

فعلى هذا لو اوصى بها بعد التلف اخرجت من الثلث.

و فيه: منع الانصراف، فانا لا نجد- بعد مراجعة العرف- فرقا بين ما اتلفه هذا الظالم عدوانا، و بين ما اتلفه نسيانا

و لا بين ما اتلفه هذا الظالم

______________________________

(و) عليه فاللازم ان نقول: ب (بقاء عموم الوصية و الميراث على حاله) فى عدم تأخرهما عن هذا الدين.

(و للسيرة المأخوذة يد ابيد، من مبدأ الاسلام الى يومنا هذا).

فانه اذا مات الظالم يقسمون امواله بين ورثته بعد وصاياه من دون ان يلاحظوا مظالمه و يخرجونها ثم ينفذون الوصية، و الميراث فيما بقى.

(فعلى هذا) الّذي ذكرناه من عدم كون قيم المتلفات من الدين (لو اوصى بها بعد التلف) مقابل ما لو اوصى بها و هى اعيان موجودة (اخرجت من الثلث) اذ ليست من الاصل، لانها ليست بدين يقدم على الوصية و الارث انتهى كلام بعض الاساطين.

(و فيه: منع الانصراف، فانا لا نجد- بعد مراجعة العرف- فرقا بين ما اتلفه هذا الظالم عدوانا، و بين ما اتلفه) هو (نسيانا).

فهل يمكن لاحد ان يقول: ما اتلفه نسيانا يخرج من الاصل و ما اتلفه عدوانا يخرج من الثلث؟.

(و لا) نجد فرقا، عند العرف- أيضا- (بين ما اتلفه هذا الظالم

ص: 244

عدوانا و بين ما اتلفه شخص آخر من غير الظلمة.

مع انه لا اشكال فى جريان احكام الدين عليه فى حال حياته من جواز المقاصة من ماله كما هو المنصوص و لعدم تعلق الخمس و الاستطاعة و غير ذلك.

فلو تم الانصراف لزم اهمال الاحكام المنوطة بالدين وجود او عدما

______________________________

عدوانا و بين ما اتلفه شخص آخر من غير الظلمة) فلم الفرق اذا بين الدين و بين ما اتلفه الظالم.

(مع) ان هناك وجها آخر لتزييف الانصراف، و هو (انه لا اشكال فى جريان احكام الدين عليه) اى على ما اتلفه الظالم (فى حال حياته من جواز المقاصة) لصاحب المال (من ماله) اى مال الجائر (كما هو المنصوص) كخبر داود بن رزين قال: قلت لابى الحسن عليه السلام: انى اخالط السلطان فتكون عندى الجارية فيأخذونها، و الدابة الفارهة فيبعثون فيأخذونها، ثم يقع لهم عندى المال، فلى ان آخذه، قال عليه السلام:

خذ مثل ذلك و لا تزد عليه (و لعدم تعلق الخمس و الاستطاعة) فانه لا يتعلق به الخمس اذا كان دينه مساويا او ازيد من ارباحه.

و كذلك لا يستطيع للحج اذا لم يكن له مال ازيد من دينه (و غير ذلك) كالفطرة و نحوها.

(فلو تم الانصراف) المذكور (لزم اهمال الاحكام المنوطة بالدين) بفتح الدال (وجودا و عدما) فوجوده ليس كوجود الدين، و عدمه ليس

ص: 245

من غير فرق بين حياته و موته.

و ما ادعاه من السيرة فهو ناش من قلة مبالات الناس، كما هو ديدنهم فى اكثر السير التى استمروا عليها.

و لذا لا يفرقون فى ذلك بين الظلمة، و غيرهم، ممن علموا باشتغال ذمته بحقوق الناس من جهة حق السادة و الفقراء، او من جهة العلم بفساد اكثر معاملاته

______________________________

كعدم الدين (من غير فرق بين حياته و موته).

اذ لا وجه لان نقول: انه ما دام حيا يكون عليه دين ما اتلفه فاذا مات لم يعامل مع ما اتلفه معاملة الدين.

(و) اما (ما ادعاه من السيرة) على فرض وجودها (فهو ناش من قلة مبالات الناس، كما هو) اى عدم الاكتراث و قلة المبالات (ديدنهم فى اكثر السير التى استمروا عليها) فهذه السيرة لم تكن سيرة المتدينين التى علم اتصالها بزمان المعصوم.

(و لذا) الّذي ذكرناه من ان سيرتهم مع الظلمة ناش من قلة المبالات (لا يفرقون فى ذلك) اى فى عدم ملاحظة الديون للميت، فلا يقدمونها على الارث (بين الظلمة، و غيرهم، ممن علموا باشتغال ذمته بحقوق الناس من جهة حق السادة و الفقراء) بل يتصرفون تصرف الارث فى كل اموال الميت، و ان علموا بانه مشغول الذمة بالخمس و الزكاة (او من جهة العلم بفساد اكثر معاملاته) مما سبّب اشتغال ذمته باطراف معاملاته، فانهم لا يرضونهم و لا يصالحونهم، بل يتصرفون فى ما تركه

ص: 246

و لا فى انفاذ وصايا الظلمة، و توريث ورثتهم بين اشتغال ذممهم بعوض المتلفات و ارش الجنايات، و بين اشتغالها بديونهم المستقرة عليهم من معاملاتهم و صدقاتهم الواجبة عليهم، و لا بين ما علم المظلوم فيه تفصيلا، و بين ما لم يعلم.

فانك اذا تتبعت احوال الظلمة وجدت ما استقر فى ذممهم من جهة المعاوضات و المداينات مطلقا، او من جهة وجود اشخاص معلومين تفصيلا او مشتبهين فى محصور كافية فى استغراق تركتهم المانع من التصرف فيها بالوصية او الارث.

______________________________

بلا مبالات (و) كذلك (لا) يبالون (فى انفاذ وصايا الظلمة، و توريث ورثتهم) من دون فرق (بين اشتغال ذممهم بعوض المتلفات و ارش الجنايات، و بين اشتغالها) اى ذممهم (بديونهم المستقرة عليهم من معاملاتهم و صدقاتهم الواجبة عليهم، و لا بين ما علم المظلوم فيه تفصيلا، و بين ما لم يعلم) مما يدل على مبالاتهم اطلاقا، حتى فيما لا يقول بعض الاساطين بعدم اشتغال ذممهم فيه كديون المعاملات، و الصدقات، و ما اشبه.

(فانك اذا تتبعت احوال الظلمة وجدت) ان (ما استقر فى ذممهم من جهة المعاوضات و المداينات مطلقا، او) خصوص ما استقر فى ذممهم (من جهة وجود اشخاص معلومين تفصيلا، او مشتبهين فى محصور) مما يلزم التخلص من حقوقهم قطعا (كافية فى استغراق تركتهم المانع) ذلك الاستغراق (من التصرف فيها) اى فى التركة (بالوصية او الارث).

ص: 247

و بالجملة فالتمسك بالسيرة المذكورة اوهن من دعوى الانصراف السابقة.

فالخروج بها عن القواعد المنصوصة المجمع عليها غير متوجه.

[المسألة الثالثة ما يأخذه السلطان المستحل لأخذ الخراج و المقاسمة]
اشارة

الثالثة ما يأخذه السلطان المستحل لاخذ الخراج و المقاسمة

______________________________

و مع ذلك ترى اوصيائهم و ورثتهم لا يبالون بذلك، فكما ان سيرتهم ليست حجة- لاعتراف بعض الاساطين بذلك- كذلك ليست سيرتهم حجة بالنسبة الى قيم المتلفات.

(و بالجملة فالتمسك بالسيرة المذكورة اوهن من دعوى الانصراف السابقة) اى انصراف ادلة الدين من قيم متلفات الغاصب.

(فالخروج بها) اى بدعوى السيرة (عن القواعد المنصوصة المجمع عليها) من ضمان التالف حيا كان أو ميتا، غاصبا او غير غاصب (غير متوجه) قطعا.

(الثالثة) من مسائل الخاتمة (ما يأخذه السلطان المستحل لاخذ الخراج و المقاسمة) لانه يرى نفسه ولى الامر و ان كان فى قرارة نفسه يعرف نفسه كاذبا، لا دعائه المقام الّذي ليس له.

و المراد بالخراج ما يعينه السلطان بمقدار معين على كل مقدار من الارض الزارعية المفتوحة عنوة مثلا على كل جريب من الارض عشرة دنانير.

و المقاسمة ما يأخذه السلطان بالكسر المشاع مثلا يقول: لى فى ارض الزراعة الربع من الحاصل.

و سبب ذلك ان الاراضى المفتوحة عنوة ملك للمسلمين فاللازم ان

ص: 248

من الاراضى باسمهما.

و من الانعام باسم الزكاة يجوز ان يقبض منه مجانا او بالمعاوضة و ان كان مقتضى القاعدة حرمته، لانه غير مستحق لاخذه.

فتراضيه مع من عليه الحقوق المذكورة فى تعيين شي ء من ماله لاجلها فاسد

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 4، ص: 249

______________________________

يصرف واردها فى مصالحهم بعد ان يكون للعامل فيها حصة أيضا لقاء عمله (من الاراضى باسمهما) اى باسم الخراج و المقاسمة.

(و) ما يأخذه (من الانعام) الثلاث: الابل، و البقر، و الغنم (باسم الزكاة يجوز ان يقبض) الانسان (منه) اى من السلطان (مجانا) بعنوان الجائزة، و نحوها (او بالمعاوضة) بان يبيعه شيئا فى مقابل ثمن من الخراج.

و اعلم ان الخراج و المقاسمة: يطلق احدهما على الآخر، فاذا اختلفا اجتمعا، و اذا اجتمعا اختلفا، كالظرف و الجار و المجرور، و المسكين و الفقير- (و ان كان مقتضى القاعدة) الاولية (حرمته) اى حرمة الاخذ من الجائر (لانه) اى السلطان الجائر (غير مستحق لاخذه) اى اخذ الخراج، لان اخذ الخراج من وظائف الامام العادل.

(فتراضيه) اى الجائر (مع من عليه الحقوق المذكورة) الخراج و المقاسمة و الزكاة (فى تعيين شي ء من ماله) اى مال من عليه الحقوق المذكورة (لاجلها) اى لاجل تلك الحقوق، كما لو تراضى السلطان مع زيد الزارع على ان يعطى له من زرعه الربع (فاسد) لانه تراض من غير اهله، فان

ص: 249

كما اذا تراضى الظالم مع مستأجر دار الغير فى دفع شي ء إليه عوض الاجرة.

هذا مع التراضي.

و اما اذا قهره على اخذ شي ء بهذه العنوانات ففساده اوضح.

و كيف كان فما يأخذه الجائر باق على ملك المأخوذ منه و مع ذلك يجوز قبضه عن الجائر بلا خلاف يعتد به بين الاصحاب، و عن بعض حكاية الاجماع عليه.

______________________________

اهله الامام العادل.

فيكون تراضيه (كما اذا تراضى الظالم مع مستأجر دار الغير) مع زيد المستأجر لدار عمرو (فى دفع شي ء) كمأة دينار (إليه) اى الى الظالم اجارة للدار (عوض الاجرة) التى يجب ان تدفع الى صاحب الدار، فكما ان هذا التراضي فاسد، كذلك التراضي فى ارض الخراج.

(هذا) وجه فساد المال- على القاعدة- (مع التراضي) بين الزارع و السلطان.

(و اما اذا قهره) بدون رضاه (على اخذ شي ء بهذه العنوانات) الخراج و المقاسمة، و الزكاة (ففساده اوضح) من ان يخفى، لوجود وجهين للفساد ان الاخذ ليس من اهله، و انه مأخوذ بالقهر.

(و كيف كان فما يأخذه الجائر باق على ملك المأخوذ منه) على القاعدة الاولية (و مع ذلك يجوز قبضه عن الجائر بلا خلاف يعتد به بين الاصحاب) و المخالف فى المسألة خلاف المشهور (و عن بعض حكاية الاجماع عليه)

ص: 250

قال فى محكى التنقيح لان الدليل على جواز شراء الثلاثة من الجائر- و ان لم يكن مستحقا له- النص الوارد عنهم عليهم السلام، و الاجماع و ان لم يعلم مستنده.

و يمكن ان يكون مستنده ان ذلك حق للأئمة و قد اذنوا لشيعتهم فى شراء ذلك، فيكون تصرف الجائر كتصرف الفضولى اذا انضم إليه اذن المالك، انتهى.

اقول: و الاولى ان يقال: اذا انضم إليه اذن متولى الملك.

______________________________

(قال فى محكى التنقيح) فى وجه جواز ذلك (لان الدليل على جواز شراء الثلاثة) الخراج و المقاسمة و الزكاة (من الجائر- و ان لم يكن) الجائر (مستحقا له- النص الوارد عنهم عليهم السلام، و الاجماع و ان لم يعلم مستنده) اى مستند النص او الاجماع، من القواعد، اى لم يعلم كيف ينطبق النص على القواعد الاوّلية، و انه هل هو استثناء عن القواعد او منطبق على بعض القواعد؟.

(و يمكن ان يكون مستنده) اى مستند الجواز، من القواعد (ان ذلك) الاخذ و التصرف (حق للأئمة) عليهم السلام (و قد اذنوا لشيعتهم فى شراء ذلك، فيكون تصرف الجائر كتصرف الفضولى) الّذي لا يصح ابتداءً حيث يصح (اذا انضم إليه اذن المالك، انتهى) كلام التنقيح.

(اقول: و الاولى ان يقال) بدل «اذا انضم إليه اذن المالك» (اذا انضم إليه اذن متولى الملك) لان الأئمة عليهم السلام هم اولياء الخراج، و المقاسمة، و الزكاة و هم ملكوها لعامة المسلمين.

ص: 251

كما لا يخفى.

و فى جامع المقاصد: ان عليه اجماع فقهاء الامامية، و الاخبار المتواترة عن الأئمة الهداة.

و فى المسالك: اطبق عليه علمائنا، و لا نعلم فيه مخالفا.

و عن المفاتيح: انه لا خلاف فيه.

و فى الرياض: انه استفاض نقل الاجماع عليه و قد تأيدت دعوى هؤلاء بالشهرة المحققة بين الشيخ، و من تأخر عنه.

______________________________

اقول: كما ان الاولى ان يقول «كتصرف الغاصب اذا اذن المتولى لشخص» اذ فرق بين الفضولى و بين الجائر، فان تصرف الفضولى يصح باذن المالك، و تصرف الجائر لا يصح باذن الامام للشيعة، و انما الجائر معاقب على تصرفه، و يصح للشيعة فقط لاذنهم عليهم السلام لهم (كما لا يخفى).

(و) كيف كان، ف (فى جامع المقاصد: ان عليه) اى على جواز الاخذ من الجائر و المعاوضة عليه (اجماع فقهاء الامامية، و الاخبار المتواترة عن الأئمة الهداة).

(و) قال (فى المسالك: اطبق عليه علمائنا، و لا نعلم فيه مخالفا).

(و) المحكى (عن المفاتيح: انه لا خلاف فيه).

(و) قال (فى الرياض: انه استفاض نقل الاجماع عليه).

اقول (و قد تأيدت دعوى هؤلاء) الاجماع، و عدم الخلاف (بالشهرة المحققة بين الشيخ، و من تأخر عنه).

ص: 252

و يدل عليه قبل الاجماع مضافا «1» الى لزوم الحرج العظيم فى الاجتناب عن هذه الاموال، بل اختلال النظام.

و «2» الى الروايات المتقدمة لاخذ الجوائز من السلطان خصوصا الجوائز العظام التى لا يحتمل عادة ان يكون من غير الخراج و كان الامام عليه السلام يأبى عن اخذها احيانا، معللا بان فيها حقوق الامة روايات.

منها صحيحة الحذاء عن ابى جعفر عليه السلام، قال: سألته عن

______________________________

(و يدل عليه قبل الاجماع مضافا «1» الى لزوم الحرج العظيم فى الاجتناب عن هذه الاموال، بل اختلال النظام) لابتلاء غالب الناس بها حتى اذا اريد الاجتناب عنها وقع الغالب او الجميع فى العسر و الحرج مما لا يستبعد ان يكون من العسر الرافع للتكليف مطلقا لا من قبيل العسر الرافع للتكليف الشخصى، فهو مثل مشقة السواك، لا مثل مشقة الوضوء.

(و «2» الى الروايات المتقدمة لاخذ الجوائز من السلطان خصوصا الجوائز العظام التى لا يحتمل عادة ان يكون من غير الخراج) فان الجائزة و المعاوضة من واد واحد، فاذا جاز اخذ الجائزة جازت المعاوضة (و كان الامام عليه السلام يأبى عن اخذها احيانا، معللا بان فيها حقوق الامة) كما مرّ فى الصورة الثانية من الجوائز.

و اباء الامام لم يكن إلا تنزها، لا لان ذلك حرام، و الا لم يأخذوا عليهم السلام هم بانفسهم، و لم يأذنوا لشيعتهم بالاخذ (روايات) فاعل «يدل».

(منها صحيحة الحذاء عن ابى جعفر عليه السلام، قال: سألته عن

ص: 253

الرجل منّا يشترى من عمال السلطان من ابل الصدقة و غنمها، و هو يعلم انهم يأخذون منهم اكثر من الحق الّذي يجب عليهم، فقال ما الابل و الغنم الا مثل الحنطة و الشعير؟ و غير ذلك لا بأس به حتى يعرف الحرام بعينه، فيجتنب.

قلت: فما ترى من مصدق يجيئنا، فيأخذ منّا صدقات اغنامنا، فنقول بعناها فيبيعنا اياها، فما ترى فى شرائها منه، فقال: ان كان قد اخذها و عزلها فلا بأس.

______________________________

الرجل منّا يشتر يمن عمال السلطان من ابل الصدقة و غنمها و هو يعلم انهم) اى السلطان و اعوانه (يأخذون منهم اكثر من الحق الّذي يجب عليهم، قال: فقال) عليه السلام (ما الابل و الغنم الا مثل الحنطة و الشعير؟) اللتين يأخذونهما زكاة و خراجا من الناس (و غير ذلك لا بأس به) بان تشترى من السلطان (حتى يعرف الحرام بعينه، فيجتنب).

و هذا أيضا دليل آخر على عدم حلية الجائزة المعلومة حرمتها- كما تقدم فى مبحث الجوائز-.

(قلت: فما ترى فى مصدق) اى العامل لاخذ الصدقات (يجيئنا، فيأخذ منّا صدقات اغنامنا، فنقول بعناها) اى بعها لنا (فيبيعنا اياها، فما ترى فى شرائها) اى الاغنام (منه، فقال) عليه السلام (ان كان قد اخذها و عزلها فلا بأس) لانه قبل الاخذ و العزل كلّى، و هو مجهول، فيكون من بيع الغرر.

ص: 254

قيل له فما ترى فى الحنطة و الشعير يجيئنا القاسم، فيقسم لنا حظنا و يأخذ حظه، فيعزله بكيل فما ترى فى شراء ذلك الطعام منه؟ فقال:

ان كان قد قبضه بكيل و انتم حضور فلا بأس بشرائه منه من غير كيل دلت هذه الرواية على ان شراء الصدقات من الانعام و الغلات من عمال السلطان كان مفروغ الجواز عند السائل.

و انما سئل أولا عن الجواز مع العلم الاجمالى بحصول الحرام فى ايدى العمال.

______________________________

(قيل له فما ترى فى الحنطة و الشعير يجيئنا القاسم) للقسمة بيننا و بين السلطان ليأخذ حصة المقاسمة (فيقسم لنا حظنا، و يأخذ حظه، فيعزله بكيل فما ترى فى شراء ذلك الطعام منه؟) بعد التعيين و العزل (فقال) عليه السلام (ان كان قد قبضه بكيل و انتم حضور فلا بأس بشرائه منه من غير كيل).

و انما قيد بانتم حضور، لئلا يكون كيله باطلا، فيكون الشراء منه باطلا اذ ما يكال يلزم اشترائه بالكيل.

فقد (دلت هذه الرواية على ان شراء الصدقات من الانعام و الغلات من عمال السلطان كان مفروغ الجواز عند السائل) لانه لم يسأل عنه بل اجرى اسئلته ارسالا للحكم بعد مسلّميّة الجواز، و الامام لم يردع ما فى ذهنه بل قرره.

(و انما سئل أولا عن الجواز مع العلم الاجمالى بحصول الحرام فى ايدى العمال) حيث قال «يأخذون منهم اكثر من الحق»

ص: 255

و ثانيا من جهة توهم الحرمة او الكراهة فى شراء ما يخرج فى الصدقة كما ذكر فى باب الزكاة.

و ثالثا من جهة كفاية الكيل الاول.

و بالجملة ففى هذه الرواية- سؤالا و جوابا- اشعار بان الجواز كان من الواضحات غير المحتاجة الى السؤال، و الا لكان اصل الجواز اولى بالسؤال، حيث ان ما يأخذونه باسم الزكاة معلوم الحرمة تفصيلا.

______________________________

(و ثانيا من جهة توهم الحرمة او الكراهة فى شراء ما يخرج فى الصدقة كما ذكر فى باب الزكاة) حيث قال «فما ترى فى شراء ذلك منه».

فقد ذكروا فى باب الزكاة روايات تدل على النهى عن شراء ما اخرجه صدقة.

و حملت على الكراهة جمعا بين الاخبار، احتياطا على الفقير، او تنزها عما وصف بكونه من اوساخ الناس ثم لا يخفى انه وسخ بالنسبة الى المالك لا بالنسبة الى الفقير فهو كما يقال: «ان مال الناس للغاصب نار» فان المراد انه نار للغاصب و ان كان ما لا طيبا بالنسبة الى المالك

(و ثالثا من جهة كفاية الكيل الاول) حيث قال «فيعزله بكيل» و قال الامام «ان كان قد قبضه بكيل و انتم حضور».

(و بالجملة ففى هذه الرواية- سؤالا و جوابا- اشعار بان الجواز) للاشتراء من السلطان الجائر (كان من الواضحات غير المحتاجة الى السؤال، و الا) فلو كان الجواز محل الاشكال (لكان اصل الجواز اولى بالسؤال، حيث ان ما يأخذونه باسم الزكاة معلوم الحرمة تفصيلا) لانهم

ص: 256

فلا فرق بين اخذ الحق الّذي يجب عليهم و اخذ اكثر منه.

و يكفى قوله عليه السلام: حتى يعرف الحرام منه فى الدلالة على مفروغية حل ما يأخذونه من الحق و ان الحرام هو الزائد.

و المراد بالحلال، هو الحلال بالنسبة الى ما ينتقل إليه و ان كان حراما بالنسبة الى الجائر الآخذ له بمعنى معاقبته على اخذه، و ضمانه و حرمة التصرف فى ثمنه.

______________________________

ليسوا اهلا للأخذ.

(فلا فرق بين اخذ) مقدار (الحق الّذي يجب عليهم) اى على المأخوذ منهم (و اخذ اكثر منه) فلما ذا خصص السائل سؤاله بقوله «يأخذون منهم اكثر من الحق الّذي يجب عليهم».

هذا كله وجه دلالة السؤال على مفروغية الحلّ عند السائل.

(و) اما وجه دلالة جواب الامام عليه السلام، ف (يكفى قوله عليه السلام: حتى يعرف الحرام منه فى الدلالة على مفروغية حل ما يأخذونه من الحق و) مفروغية (ان الحرام هو الزائد) فقط.

(و) لا يخفى ان (المراد بالحلال، هو الحلال بالنسبة الى ما ينتقل إليه) كالمشترى و آخذ الجائزة (و ان كان حراما بالنسبة الى الجائر الآخذ له بمعنى معاقبته) فى الآخرة (على اخذه، و ضمانه) فى الدنيا وضعا (و حرمة التصرف فى ثمنه) تكليفا.

لما قد عرفت انه غاصب لا يحق له، و ان الجواز للاخذ من قبيل تجويز الولى لاخذ المال من الغاصب.

ص: 257

و فى وصفه عليه السلام للمأخوذ بالحلية دلالة على عدم اختصاص الرخصة بالشراء، بل يعم جميع انواع الانتقال الى الشخص.

فاندفع ما قيل من ان الرواية مختصة بالشراء، فليقتصر فى مخالفة القواعد عليه.

ثم الظاهر من الفقرة الثالثة السؤال و الجواب عن حكم المقاسمة، فاعتراض الفاضل القطيفى الّذي صنف فى الردّ على رسالة المحقق الكركى المسمى بقاطعة اللجاج فى حل الخراج، رسالة زيف فيها جميع ما فى الرسالة من ادلة الجواز بعدم دلالة الفقرة الثالثة على حكم المقاسمة.

______________________________

(و) لا يخفى: ان (فى وصفه عليه السلام للمأخوذ بالحلية) فى قوله «لا بأس بذلك» (دلالة على عدم اختصاص الرخصة بالشراء، بل يعم جميع انواع الانتقال الى الشخص) بيعا او صلحا او هبة او جائزة او ثمن اجارة او ما اشبه.

(فاندفع ما قيل من ان الرواية مختصة بالشراء، فيقتصر فى مخالفة القواعد عليه) و لا يتعدى الى سائر انحاء الانتقال.

(ثم الظاهر من الفقرة الثالثة) و هو قوله «قيل له» (السؤال و الجواب عن حكم المقاسمة، فاعتراض الفاضل القطيفى الّذي صنف فى الردّ على رسالة المحقق الكركى المسمى بقاطعة اللجاج فى حل الخراج، رسالة زيف) و ابطل (فيها جميع ما فى الرسالة) للكركى (من ادلة الجواز) التى جاء بها الكركى (بعدم دلالة الفقرة الثالثة على حكم المقاسمة) «بعدم» متعلق ب «اعتراض».

ص: 258

و احتمال كون القاسم هو مزارع الارض او وكيله، ضعيف جدا.

و تبعه على هذا الاعتراض المحقق الاردبيلى، و زاد عليه ما سكت هو عنه: من عدم دلالة الفقرة الاولى على حل شراء الزكاة، بدعوى ان قوله عليه السلام: لا بأس حتى تعرف الحرام منه، لا تدل الاعلى جواز شراء ما كان حلالا، بل مشتبها، و عدم جواز شراء ما كان معروفا انه حرام بعينه

______________________________

(و احتمال كون القاسم هو مزارع الارض او وكيله) فلا علاقة بالسلطان الجائر.

و انما سؤاله عن صاحب الارض الّذي يقاسم مع الزارع فى ان يكون لكل منهما حصّة من الحاصل (ضعيف جدا).

اذ «القاسم» اصطلاح فى عامل السلطان و الا لا يسمى المزارع لغة و لا عرفا بالقاسم.

و كلامه هذا مثل ان يقول «المصدق» معناه آخذ الصدقة، اى الفقير لا عامل السلطان.

(و تبعه على هذا الاعتراض) على الكركى (المحقق الاردبيلى، و زاد عليه) اى على هذا الاعتراض (ما سكت هو) القطيفى (عنه: من عدم دلالة الفقرة الاولى على حل شراء الزكاة، بدعوى ان قوله عليه السلام) فى جواب اخذ العامل اكثر من حقه (لا بأس حتى تعرف الحرام منه، لا تدل الا على جواز شراء ما كان حلالا، بل) جواز شراء ما كان (مشتبها) من غير وجود العلم الاجمالى الجامع لشرائط التنجيز (و عدم جواز شراء ما كان معروفا انه حرام بعينه).

ص: 259

و لا تدل على جواز شراء الزكاة بعينها صريحا.

نعم ظاهرها ذلك، لكن لا ينبغى الحمل عليه لمنافاته العقل و النقل و يمكن ان يكون سبب الاجمال فيه التقية.

و يؤيد عدم الحمل على الظاهر انه غير مراد بالاتفاق، اذ ليس بحلال ما اخذه الجائر فتأمل

______________________________

فالرواية لاعطاء حكم كلى و لا علاقة لها بمسألة ما يأخذه الجائر من الخراج و المقاسمة و الزكاة (و لا تدل على جواز شراء الزكاة بعينها صريحا) حتى تدل على خلاف قاعدة عدم صحة ما يأخذه الجائر.

(نعم ظاهرها ذلك) الشراء للزكاة (لكن لا ينبغى الحمل عليه) اى على هذا الظاهر (لمنافاته العقل و النقل).

اما النقل فلعمومات الادلة الدالة على عدم جواز تصرف غير الامام و نائبه، امثال هذه التصرفات.

و اما العقل فلقبح تصرف غير ذى الحق.

(و يمكن ان يكون سبب الاجمال فيه) اى فى هذا الحديث بان لم يردّ الامام السائل فلم يقل له: ان الشراء حرام صراحة (التقية) لان الامام عليه السلام لا يتمكن ان يقول ان عمل الخلفاء الجائرين حرام.

(و يؤيد عدم الحمل على الظاهر) اى عدم حمل الرواية على ظاهرها الّذي يدل على الجواز (انه) اى ظاهرها (غير مراد بالاتفاق، اذ ليس بحلال ما اخذه الجائر) فاذا لم يكن حلالا للجائر، لم يكن حلالا للآخذ (فتأمل) لعله اشار الاردبيلى الى انه يمكن ان يكون حلالا للآخذ، و

ص: 260

انتهى.

و انت خبير بانه ليس فى العقل ما يقتضي قبح الحكم المذكور.

و اى فارق بين هذا، و بين ما احلوه لشيعتهم، مما فيه حقوقهم و لا فى النقل، الا عمومات قابلة للتخصيص بمثل هذا الصحيح و غيره المشهور بين الاصحاب رواية و عملا، مع نقل الاتفاق عن جماعة.

و اما الحمل على التقية فلا يجوز بمجرد معارضة العمومات كما لا يخفى

______________________________

ان كان حراما للجائر (انتهى) كلام الاردبيلى قدس سره.

(و انت خبير) بعدم ورود اشكاله (بانه ليس فى العقل ما يقتضي قبح الحكم المذكور) بان يحكم الامام عليه السلام توسعة للشيعة بصحّة اعمالهم و تصرفاتهم، و ان كان عمل السلطان حراما و باطلا.

(و اى فارق بين هذا) الحكم و هو حلية اخذ الآخذ ببدل او غير بدل الزكاة و الخراج و المقاسمة (و بين ما احلوه لشيعتهم، مما فيه حقوقهم) كالانفال و المساكن و المتاجر و المناكح، مما فصّل فى باب الخمس، مع ان الاستيلاء من شأن الامام فلا يحق للمسلمين محاربة الكفار بدون اذنه عليه السلام (و لا فى النقل، الا عمومات قابلة للتخصيص بمثل هذا الصحيح و غيره المشهور بين الاصحاب رواية و عملا، مع نقل الاتفاق) على ذلك (عن جماعة) تقدمت اسمائهم، بل و غيرهم أيضا.

(و اما الحمل على التقية) بعد الظهور- كما سلّمه الاردبيلى رحمه الله- (فلا يجوز بمجرد معارضة العمومات، كما لا يخفى) لانه انما يحمل الخبر على التقية، اذ لم يمكن الجمع الدلالى.

ص: 261

و منها رواية اسحاق بن عمار، قال سألته عليه السلام عن الرجل يشترى من العامل و هو يظلم، قال: يشترى منه ما لم يعلم انه ظلم فيه احدا.

وجه الدلالة: ان الظاهر من الشراء من العامل شراء ما هو عامل فيه، و هو الّذي يأخذه من الحقوق من قبل السلطان.

نعم لو بنى على المناقشة احتمل ان يريد السائل شراء املاك العامل منه مع علمه بكونه ظالما غاصبا، فيكون سؤالا عن معاملة الظلمة.

______________________________

و من المعلوم ان بين العام و الخاص جمعا دلاليا عرفيا، فلا مجال للتقية اصلا.

(و منها رواية اسحاق بن عمار، قال سألته عليه السلام عن الرجل يشترى من العامل) للسلطان (و هو يظلم، قال) عليه السلام (يشترى منه ما لم يعلم انه ظلم فيه احدا) «فيه» اى فى هذا الشي ء الّذي يشتريه منه بالذات.

(وجه الدلالة: ان الظاهر من الشراء من العامل شراء ما هو عامل فيه، و هو الّذي يأخذه من الحقوق من قبل السلطان) زكاة او خراجا او مقاسمة او ما اشبه.

(نعم لو) رفع اليد عن الظهور العرفى، و (بنى على المناقشة احتمل ان يريد السائل) بالشراء (شراء املاك العامل منه مع علمه) اى علم المشترى (بكونه) اى العامل (ظالما غاصبا، فيكون سؤالا عن معاملة الظلمة) و لا علاقة له بما نحن فيه.

ص: 262

لكنه خلاف الانصاف و ان ارتكبه صاحب الرسالة.

و منها رواية ابى بكر الحضرمى، قال دخلت على ابى عبد الله عليه السلام، و عنده ابنه اسماعيل، فقال: ما يمنع ابن ابى سماك ان يخرج شباب الشيعة، فيكفونه ما يكفى الناس، و يعطيهم ما يعطى الناس، قال ثم قال: لى لم تركت عطائك قال: قلت: مخافة على دينى، قال: ما منع ابن ابى سماك ان يبعث أليك بعطائك، أ ما علم ان لك فى بيت المال نصيبا، فان ظاهره حل ما يعطى من بيت المال عطاء او اجرة للعمل فيما

______________________________

(لكنه خلاف الانصاف و ان ارتكبه صاحب الرسالة) الفاضل القطيفى

(و منها رواية ابى بكر الحضرمى، قال دخلت على ابى عبد الله عليه السلام، و عنده ابنه اسماعيل، فقال) عليه السلام: (ما يمنع ابن ابى سماك ان يخرج شباب الشيعة) اى شبانهم و هو جمع شاب (فيكفونه ما يكفى الناس) اى يعملون له كما يعمل الناس له (و يعطيهم) العطاء و الاجر (ما يعطى الناس، قال: ثم قال) ابو عبد الله عليه السلام (لى، لم تركت عطائك) من بيت المال و لم تأخذه (قال: قلت: مخافة على دينى) لان العطاء خليط من الحرام و الحلال فهو مشتبه (قال) عليه السلام (ما منع ابن ابى سماك ان يبعث أليك بعطائك، أ ما علم ان لك فى بيت المال نصيبا، فان ظاهره) حيث قال عليه السلام: و يعطيهم و قال لم تركت عطائك، و قال عليه السلام: يبعث أليك بعطائك (حل ما يعطى من بيت المال عطاء) مجانا (او اجرة للعمل) فى مقابل التعب (فيما

ص: 263

يتعلق به.

بل قال المحقق الكركى ان هذا الخبر نص فى الباب، لانه عليه السلام بيّن ان لا خوف على السائل فى دينه، لانه لم يأخذ إلا نصيبه من بيت المال.

و قد ثبت فى الاصول تعدى الحكم بتعدى العلة المنصوصة انتهى.

______________________________

يتعلق به) اى بيت المال.

و من المعلوم: ان بيت المال هو الخراج و الزكاة و المقاسمة و الجزية و نحوها، مما لا يجوز للظلمة جبايتها.

و قوله فيما يتعلق به مقابل المال الّذي يأخذونه من الناس مصادرة و ظلما محضا.

(بل قال المحقق الكركى ان هذا الخبر نص فى الباب) الّذي هو حلية ما يؤخذ من السلطان الجائر، خلافا لما قلناه من ان هذا الخبر ظاهر فى الباب (لانه عليه السلام بيّن ان لا خوف على السائل فى دينه لانه لم يأخذ إلا نصيبه من بيت المال) فى جواب السائل الّذي قال تركت نصيبى خوفا على دينى.

(و قد ثبت فى الاصول تعدى الحكم بتعدى العلة المنصوصة).

فانه و ان كان فى مقام العطاء، الا انه عام شامل للعطاء و غيره، اذ عدم الخوف على الدين من جهة هذا المال يشمل غير العطاء أيضا (انتهى) كلام الكركى.

ص: 264

و ان تعجب منه الاردبيلى و قال: انا ما فهمت منه دلالة ما و ذلك لان غايتها ما ذكر ذلك.

و قد يكون من بيت مال، يجوز اخذه و اعطائه للمستحقين، بان يكون منذورا او وصية لهم بان يعطيهم ابن ابى سماك، و غير ذلك، انتهى.

و قد تبع فى ذلك صاحب الرسالة حيث قال: ان الدليل لا اشعار فيه

______________________________

(و ان تعجب منه الاردبيلى و قال: انا ما فهمت منه دلالة ما) على الحلية، فكيف يدعى الكركى النصوصية (و ذلك لان غايتها) اى غاية الرواية و منتهى ما يستفاد منها (ما ذكر) ه الكركى (ذلك) من ان العطاء من بيت المال، و بيت المال من الخراج و الزكاة.

(و) لكن كون بيت المال الّذي كان بيد ابن ابى سماك كان من الخراج و نحوه اوّل الكلام.

اذ (قد يكون من بيت مال) ليس من الخراج بل (يجوز اخذه و اعطائه للمستحقين، بان يكون منذورا) لهم (او وصية لهم بان يعطيهم ابن ابى سماك، و غير ذلك) كالوقف لهم.

و الحاصل: ان اخذ الجائر للخراج حرام، و اعطائه حرام.

و الرواية انما تدل على ان للراوى عطاء فى بيت المال و ذلك لا يدل على ان بيت مال ابن ابى سماك كان من الخراج و نحوه (انتهى) كلام الاردبيلى رحمه الله.

(و قد تبع فى ذلك) الاشكال على الكركى (صاحب الرسالة) و هو الفاضل القطيفى (حيث قال: ان الدليل لا اشعار فيه

ص: 265

بالخراج.

اقول: الانصاف ان الرواية ظاهرة فى حل ما فى بيت المال مما يأخذه الجائر.

و منها: الاخبار الواردة فى احكام تقبل الخراج من السلطان على وجه يستفاد من بعضها: كون اصل التقبل مسلّم الجواز عندهم.

______________________________

بالخراج) فضلا عن كونه نصا.

(اقول: الانصاف ان الرواية ظاهرة فى حل ما فى بيت المال مما يأخذه الجائر).

و حيث علمنا من الخارج ان غالب ما فى بيت المال هو الخراج و المقاسمة و الزكاة و الجزية كانت الرواية دالة على حل ذلك للآخذ و ان كان تصرف الجائر اخذا و عطاء حراما، لانه تصرف من غير اهله الذين هم الأئمة عليهم السلام و نوابهم.

(و منها: الاخبار الواردة فى احكام تقبل الخراج من السلطان) بان يأخذ الخراج زيد- مثلا- فى مقابل شي ء يعطيه للسلطان، كان يعطيه الف دينار كل سنة و يأخذ هو خراج الاهواز مثلا (على وجه يستفاد من بعضها: كون اصل التقبل مسلم الجواز عندهم).

و وجه الدلالة انه لو لم يجز اخذ الخراج من السلطان، لم يكن وجه لجواز تقبله بالمال.

و أليك جملة من هذه الاخبار.

ص: 266

فمنها: صحيحة الحلبى عن ابى عبد الله عليه السلام فى جملة حديث، قال: لا بأس بان يتقبل الرجل الارض و اهلها من السلطان و عن مزارعة اهل الخراج بالنصف و الثلث و الربع قال: نعم، لا بأس به، و قد قبل رسول الله صلى الله عليه و آله خيبرا اعطاها اليهود، حيث فتحت عليه بالخبر، و الخبر هو النصف.

______________________________

(فمنها: صحيحة الحلبى عن ابى عبد الله عليه السلام فى جملة حديث، قال: لا بأس بان يتقبل الرجل الارض و اهلها) تقبل الاهل باعتبار الجزية، و نحوها (من السلطان، و) سأله عليه السلام (عن مزارعة اهل الخراج بالنصف و الثلث و الربع) بان يصالح المزارعون فى الارض المفتوحة عنوة مع السلطان بان يزرعوا ثم يكون لهم النصف و للسلطان النصف، او لاحدهما الثلث او الربع، او ما اشبه (قال) عليه السلام (نعم لا بأس به، و قد قبل رسول الله صلى الله عليه و آله خيبرا اعطاها اليهود حيث فتحت عليه بالخبر، و الخبر هو النصف) فان الرسول صلى الله عليه و آله لما فتح خيبرا طلب اليهود المزارعين و قرر معهم ان يزارعوا اراضيهم بان يكون لهم النصف و للرسول صلى الله عليه و آله النصف.

اقول: قال فى كتاب «محمد صلى الله عليه و آله پيغمبرى كه از نو بايد شناخت» ان هذه الطريقة التى استعملها الرسول صلى الله عليه و آله هو احسن الطرق، و قد اتبعها الاتحاد السوفيتى بعد الف و بضع من السنين.

و كيف كان فدلالة هذا الخبر على المطلوب انه لو لم يكن تصرف

ص: 267

و منها: الصحيح عن اسماعيل بن الفضل عن ابى عبد الله عليه السلام، قال سألته عن الرجل يتقبل بخراج الرجال و جزية رءوسهم و خراج النخل و الشجر و الآجام و المصايد و السمك و الطير، و هو لا يدرى لعل هذا لا يكون ابدا، أ يشتريه؟ و فى اى زمان يشتريه؟ و يتقبل، قال اذا

______________________________

السلطان بالنسبة الى متقبل الخراج نافذا كان اللازم بطلان تقبل الارض منه، اذ ما يأخذه الجائر من الارض ظلم، فيكون صاحب الارض مديونا بكل الخراج.

و يكون حاله حينئذ حال من يأخذ دار زيد و يعطى لعمرو الغاصب اجارة الدار، فان ذمة آخذ الدار لا تبرأ من الايجار لصاحب الملك، و «الخبر» فى الحديث من «المخابرة» بمعنى المزارعة على النصيب المعين من نصف او ثلث او نحوهما، و الخاء فيه مكسورة.

(و منها: الصحيح عن اسماعيل بن الفضل عن ابى عبد الله عليه السلام، قال سألته عن الرجل يتقبل بخراج الرجال و جزية رءوسهم) بالنسبة الى اهل الذمة و قوله «بجزية رءوسهم» عطف بيان (و خراج النخل و الشجر و الآجام) جمع اجمة محل القصب (و المصايد) اى المحلات التى يمكن الصيد فيها (و السمك و الطير، و هو لا يدرى، لعل هذا) الشي ء الّذي تقبله (لا يكون ابدا) فلا يحصل على طير، او سمك، او نحوهما (أ يشتريه؟) أم لا (و فى اى زمان يشتريه؟) هل بعد وقت السمك و مجى ء الطير او يجوز الاشتراء قبل ذلك؟ (و يتقبل) اى يتقبله من السلطان، عطف على «يشتريه» (قال) عليه السلام (اذا

ص: 268

علمت من ذلك شيئا واحدا قد ادرك، فاشتره، و تقبل به.

و نحوها الموثق المروى فى الكافى و التهذيب عن اسماعيل بن الفضيل الهاشمى بادنى تفاوت.

و رواية الفيض بن المختار، قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام:

جعلت فداك، ما تقول فى الارض، اتقبلها من السلطان ثم او اجراها من اكرتى؟ على ان ما اخرج الله تعالى من شي ء لى من ذلك النصف، او الثلث بعد حق السلطان، قال: لا بأس، كذلك اعامل اكرتى، الى غير ذلك من الاخبار الواردة فى باب قبالة الارض و استيجار ارض الخراج

______________________________

علمت من ذلك شيئا واحدا قد ادرك، فاشتره، و تقبل به) فان الامام عليه السلام اجاز التقبل، كما بين وقت التقبل بادراك شي ء واحد مما ذكره.

(و نحوها الموثق المروى فى الكافى و التهذيب عن اسماعيل بن الفضيل الهاشمى بادنى تفاوت) فى الالفاظ مع الرواية السابقة.

(و رواية الفيض بن المختار، قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام:

جعلت فداك، ما تقول فى الارض، اتقبلها من السلطان ثم او اجراها من اكرتى؟) اكرة على وزن بررة- بفتح الهمزة- جمع «اكار» بالفتح أيضا المزارعون (على ان ما اخرج الله تعالى من شي ء لى من ذلك) المخرج (النصف، او الثلث بعد حق السلطان) بان يخرج أولا حق السلطان من خراج و نحوه، فما يبقى يقسم نصفين، او ما اشبه (قال) عليه السلام (لا بأس كذلك اعامل اكرتى) فان الظاهر منها جواز التقبل من السلطان (الى غير ذلك من الاخبار الواردة فى باب قبالة الارض و استيجار ارض الخراج

ص: 269

من السلطان، ثم اجارتها للزارع بازيد من ذلك.

و قد يستدل بروايات اخر لا تخلو عن قصور فى الدلالة.

منها: الصحيح عن جميل بن صالح، قال ارادوا بيع تمر عين ابى زياد، و اردت ان اشتريه، فقلت: لا حتى استأمر

______________________________

من السلطان، ثم اجارتها للزارع بازيد من ذلك) المقدار الّذي آجرها.

كصحيحة الهاشمى عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن الرجل استأجر من السلطان من ارض الخراج بدراهم مسمّاة، او بطعام مسمّى ثم آجرها و شرط لمن يزرعها ان يقاسمه النصف، او اقل من ذلك او اكثر، و له فى الارض بعد ذلك فضل، أ يصلح له ذلك، قال عليه السلام: نعم، اذا حفر لهم نهرا، او عمل لهم شيئا، يعينهم بذلك فله ذلك.

قال: و سألته عن الرجل استأجر ارضا من ارض الخراج بدراهم مسمّاة او بطعام معلوم، فيؤاجرها قطعة قطعة، او جريبا جريبا بشي ء معلوم فيكون له فضل فيما استأجر من السلطان و لا ينفق شيئا، او يؤاجر تلك الارض قطعا على ان يعطيهم البذر و النفقة، فيكون له فى ذلك فضل على اجارته، و له تربة الارض او ليست له؟ فقال عليه السلام: اذا استأجرت ارضا فانفقت فيها شيئا او رمّمت فيها، فلا بأس بما ذكرت.

(و قد يستدل بروايات اخر لا تخلو عن قصور فى الدلالة).

(منها: الصحيح عن جميل بن صالح، قال ارادوا بيع تمر عين ابى زياد، واردت ان اشتريه، فقلت) فى نفسى (لا) اشتريه (حتى استأمر

ص: 270

أبا عبد الله عليه السلام، فسألت معاذا ان يستأمره، فقال: قل له:

يشتره، فانه ان لم يشتره اشتراه غيره.

و دلالته مبنية على كون عين زياد من الاملاك الخراجية، و لعله من الاملاك المغصوبة من الامام او غيره الموقوف اشتراء حاصلها على اذن الامام (ع).

و يظهر من بعض الاخبار: ان عين زياد كان ملكا لابى عبد الله عليه السلام.

______________________________

أبا عبد الله عليه السلام) اى اطلب امره و اذنه (فسألت معاذا ان يستأمره فقال) ابو عبد الله عليه السلام (قل له: يشتره، فانه ان لم يشتره اشتراه غيره).

(و) وجه قصور الدلالة فى هذا الخبر: ان (دلالته مبنية على كون عين زياد من الاملاك الخراجية و) ليس على ذلك دليل.

اذ (لعله من الاملاك المغصوبة من الامام او غيره الموقوف اشتراء حاصلها على اذن الامام" ع").

(و) يؤيد ذلك ما (يظهر من بعض الاخبار: ان عين زياد كان ملكا لابى عبد الله عليه السلام).

الظاهر ان مراده من بعض الاخبار: ما رواه فى الوسائل فى باب استحباب ثلم حائط البستان عن يونس عن ابى عبد الله عليه السلام قال:

قلت له: بلغنى انك تفعل فى غلة عين زياد شيئا، و انا احب ان اسمعه منك، قال: فقال لى: نعم، كنت، الى آخر الخبر.

ص: 271

و منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: قال لى ابو الحسن عليه السلام: ما لك لا تدخل مع عليّ فى شراء الطعام؟ انى اظنك ضيقا، قلت: نعم، و ان شئت وسعت على قال: اشتره.

و بالجملة ففى الاخبار المتقدمة غنى عن ذلك.

[ينبغى التنبيه على أمور.]
اشارة

ينبغى التنبيه على امور.

[الأول: أن ظاهر عبارات الأكثر بل الكل أن الحكم مختص بما يأخذه السلطان]

الاول: ان ظاهر عبارات الاكثر بل الكل ان الحكم مختص بما يأخذه السلطان فقبل اخذه للخراج لا يجوز المعاملة عليه بشراء ما فى ذمة مستعمل

______________________________

و لا يخفى ان المصادرة لاموال الناس كانت كثيرة فى زمان الخلفاء كما يظهر ذلك لمن راجع كتاب «التمدن الاسلامى» و غيره من التواريخ.

(و منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: قال لى ابو الحسن عليه السلام: ما لك لا تدخل مع عليّ فى شراء الطعام؟ انى اظنك ضيقا) اى عندك ضيق الصدر من ذلك، لاجل الاشكال فى الطعام (قلت: نعم و ان شئت وسعت على) بان تجيزنى على ذلك (قال: اشتره) لكن لا دلالة فيه أيضا، كما لا يخفى.

(و بالجملة) سواء دلت هذه الاخبار، أم لا (ففى الاخبار المتقدمة غنى عن ذلك) الاستدلال بهذه الاخبار.

(ينبغى التنبيه على امور) مربوطة بهذه المسألة.

(الاول: ان ظاهر عبارات الاكثر بل الكل ان الحكم) بالجواز لاخذ الشي ء من السلطان المستحل للخراج (مختص بما يأخذه السلطان فقبل اخذه للخراج لا يجوز) للشخص (المعاملة عليه بشراء ما فى ذمة مستعمل

ص: 272

الارض، او الحوالة عليه و نحو ذلك.

و به صرح السيد العميد فيما حكى عن شرحه على النافع، حيث قال:

انما يحل ذلك بعد قبض السلطان او نائبه و لذا قال المصنف يأخذه، انتهى.

لكن صريح جماعة عدم الفرق، بل صرح المحقق الثانى بالاجماع على عدم الفرق بين القبض، و عدمه.

و فى الرياض صرح بعدم الخلاف، و هذا هو الظاهر

______________________________

الارض) بان يقول للمزارع: انا ادفع الخراج عنك و آخذ الخراج منك، فيأخذه قبل ان يقبضه السلطان (او الحوالة عليه) بان يحول هذا الانسان الّذي تقبله من السلطان على المزارع بان يدفع الخراج الى زيد مثلا، قبل ان يقبضه السلطان او نائبه و عامله (و نحو ذلك) كجعل الخراج ثمن الايجار، و بدل الجعالة، و هكذا.

(و به) اى بعدم الجواز (صرح السيد العميد فيما حكى عن شرحه على النافع، حيث قال: انما يحل ذلك) الخراج (بعد قبض السلطان او نائبه و لذا قال المصنف) و هو العلامة رحمه الله (يأخذه، انتهى) كلام العميد.

(لكن صريح جماعة عدم الفرق، بل صرح المحقق الثانى بالاجماع على عدم الفرق بين القبض) اى قبض السلطان (و عدمه) فى حلية القبالة و اخذ الانسان له.

(و فى الرياض صرح بعدم الخلاف، و هذا) اى عدم الفرق (هو الظاهر

ص: 273

من الاخبار المتقدمة الواردة فى قبالة الارض، و جزية الرءوس، حيث دلت على انه يحل ما فى ذمة مستعمل الارض من الخراج لمن تقبل الارض من السلطان.

و الظاهر من الاصحاب فى باب المساقات- حيث يذكرون ان خراج السلطان على مالك الاشجار الا ان يشترط خلافه- اجراء ما يأخذه الجائر منزلة ما يأخذه العادل فى براءة ذمة مستعمل الارض الّذي استقر عليه اجرتها باداء غيره.

______________________________

من الاخبار المتقدمة الواردة فى قبالة الارض، و جزية الرءوس، حيث دلت) هذه الاخبار (على انه يحل ما فى ذمة مستعمل الارض من الخراج لمن تقبل الارض من السلطان).

و من المعلوم انه لم يقبضه السلطان، مضافا الى ان الأئمة عليهم السلام حلّلوا ذلك، و هذا لا يناط بقبض السلطان الجائر.

(و الظاهر من الاصحاب فى باب المساقات- حيث يذكرون ان خراج السلطان على مالك الاشجار) لا الساقى (الا ان يشترط خلافه-) بان يكون كلا او بعضا على الساقى (اجراء ما يأخذه الجائر منزلة ما يأخذه العادل فى براءة ذمة مستعمل الارض) الخراجية و «اجراء» خبر «الظاهر» (الّذي استقر عليه) اى على مستعمل الارض (اجرتها باداء غيره) «باداء» متعلق ب «براءة» فان الاجرة على المستعمل و تبرأ ذمة المستعمل باداء الساقى

و الحاصل: انه لو لا الحلية دون القبض، كان اللازم ان نقول بعدم حلية الخراج لمستعمل الارض، و الحال انه لم يعطه للجائر ثم يقبضه منه

ص: 274

بل ذكروا فى المزارعة أيضا: ان خراج الارض- كما فى كلام الاكثر- او الارض الخراجية- كما فى الغنية و السرائر- على مالكها و ان كان يشكل توجيهه من جهة عدم المالك للاراضى الخراجية.

و كيف كان.

فالاقوى: ان المعاملة على الخراج جائزة و لو قبل

______________________________

(بل ذكروا فى المزارعة أيضا: ان خراج الارض- كما فى كلام الاكثر- او) خراج (الارض الخراجية- كما فى الغنية و السرائر- على مالكها) اى مالك الزراعة.

و يستفاد من هذا انهم اجروا الجائر- الّذي يأخذ الخراج- منزلة العادل، فى ان ذمة المالك مشغولة به، فاذا كانت ذمته مشغولة به صح التعامل بالخراج قبل قبض المالك له الى السلطان (و ان كان يشكل توجيهه) اى توجيه قولهم «على مالكها» (من جهة) ان ظاهر هذه العبارة كون الشخص يملك ارض الخراج مع وضوح (عدم المالك للاراضى الخراجية).

و الاوجه: ما ذكرناه من ارجاع الضمير فى «مالكها» الى مالك الزارعة

و لو صرح بعضهم ب «مالك الارض» اراد به من له حق التصرف بقرينة المقام، فلا اشكال.

(و كيف كان) سواء كانت ظواهر عبائرهم اشتراط القبض فى صحة التعامل، أم لا.

(فالاقوى: ان المعاملة على الخراج جائزة) لكل انسان (و لو قبل

ص: 275

قبضها.

و اما تعبير الاكثر بما يأخذه، فالمراد به اما الاعم مما يبنى على اخذه و لو لم يأخذه فعلا و اما المأخوذ فعلا.

لكن الوجه فى تخصيص العلماء العنوان به جعله كالمستثنى من جوائز السلطان التى حكموا بوجوب ردها على مالكها اذا علمت حراما بعينها

______________________________

قبضها) اى قبض الخراج و المقاسمة للسلطان الجائر.

(و اما تعبير الاكثر بما يأخذه) الجائر، الظاهر منه لزوم القبض فى حلية المعاملة (فالمراد به) اى بما يأخذه، ليس خصوص المأخوذ، بل (اما الاعم مما يبنى) الجائر (على اخذه، و لو لم يأخذه فعلا) و عليه فلا يشترط القبض فى صحة التعامل (و اما) المراد (المأخوذ فعلا).

(لكن الوجه فى تخصيص العلماء العنوان) اى عنوان حل الخراج (به) اى بالمأخوذ، مع انهم لا يقصدون المأخوذ فقط، بل الاعم من المأخوذ و المبنى على اخذه (جعله كالمستثنى من جوائز السلطان التى حكموا بوجوب ردها على مالكها اذا علمت حراما بعينها).

فانهم فى مقام ان ما يأخذه الجائر اذا علم كونه حراما وجب رده، الا اذا كان خراجا، فانه و ان كان حراما- لعدم حق للجائر فى اخذه- الا انه حلال للآخذ سواء اخذه بعنوان الجائزة، أم بعنوان التعامل.

و حيث ان المستثنى منه «المأخوذ» كان المستثنى أيضا «المأخوذ» لا انهم يريدون خصوصية للمأخوذ، و ان غير المأخوذ ليس بحكم المأخوذ

ص: 276

فافهم.

و يؤيد الثانى سياق كلام بعضهم حيث يذكرون هذه المسألة عقيب مسألة الجواز خصوصا عبارة القواعد، حيث صرح بتعميم الحكم بقوله: و ان عرفت اربابه.

و يؤيد الاول ان المحكى عن الشهيد فى حواشيه على القواعد: انه علق على قول العلامة ان الّذي يأخذه الجائر- الى آخر قوله- و ان لم يقبضها الجائر، انتهى.

______________________________

فى صحة التعامل (فافهم) فانهم لو ارادوا الاعم لم تصرح الجماعة المتقدمة باشتراط الاخذ فى صحة التعامل.

(و يؤيد) الاحتمال (الثانى) الّذي بينه بقوله: «و اما المأخوذ فعلا» (سياق كلام بعضهم حيث يذكرون هذه المسألة) اى مسألة حلية اخذ الخراج من الجائر (عقيب مسألة الجوائز).

و من المعلوم: ان الجوائز عبارة عما يعطيه السلطان بعد اخذه من الناس، فليكن المراد بالخراج أيضا ما يأخذه خراجا، ثم يعطيه (خصوصا عبارة القواعد، حيث صرح بتعميم الحكم) بالجواز (بقوله: و ان عرفت اربابه) فانه حلال، فان العبارة كالنص فى ان «المستثنى منه» المأخوذ

(و يؤيد الاول) الّذي ذكره بقوله «اما الاعم» (ان المحكى عن الشهيد فى حواشيه على القواعد: انه علق على قول العلامة ان الّذي يأخذه الجائر- الى آخر قوله- و ان لم يقبضها الجائر انتهى) حيث صرح بعدم قبض الجائر، حتى كان مراد العلامة: الاعم من المقبوض، و مما يبنى على

ص: 277

[الثانى هل يختص حكم الخراج من حيث الخروج عن قاعدة كونه مالا مغصوبا محرما، بمن ينتقل إليه]

الثانى هل يختص حكم الخراج من حيث الخروج عن قاعدة كونه مالا مغصوبا محرما، بمن ينتقل إليه، فلا استحقاق للجائر فى اخذه اصلا فلم يمض الشارع من هذا المعاملة إلا حل ذلك للمنتقل إليه، او يكون الشارع قد امضى سلطنة الجائر عليه فيكون منعه عنه، او عن بدله المعوض عنه فى العقد معه حراما

______________________________

قبضه و ان لم يأخذه فعلا.

(الثانى) من الامور التى ينبغى التنبيه عليها (هل يختص حكم الخراج من حيث الخروج) اى خروجه (عن قاعدة كونه مالا مغصوبا محرما بمن ينتقل إليه) «بمن» يتعلق ب «يختص» اى يختص حلية الخراج بالآخذ من السلطان (فلا استحقاق للجائر فى اخذه اصلا).

و انما تجرى القاعدة الاولية من حيث الحرمة بالنسبة الى الجائر (فلم يمض الشارع من هذه المعاملة) التى هى بين السلطان و بين الناس (الا حلّ ذلك) الخراج (للمنتقل إليه) فقط (او يكون الشارع قد امضى سلطنة الجائر عليه) اى على الخراج (فيكون منعه عنه) بان لا يعطى زارع الارض- مثلا- الخراج للجائر (او عن بدله المعوض عنه) اى عن ذلك الخراج (فى العقد معه) اى مع الجائر.

كما لو عقد الزارع مع السلطان ان يعطيه عوض الخراج الف دينار مثلا- ثم يمنع الجائر عن اعطائه الألف (حراما).

و لا يخفى انه لا يراد بالاحتمال الثانى ان للجائر الحق فى هذه التصرفات، و انما يراد ان الشارع لمصلحة المسلمين جعل الجائر بمنزلة

ص: 278

صريح الشهيدين، و المحكى عن جماعة، ذلك.

قال المحقق الكركى فى رسالته ما زلنا نسمع من كثير ممن عاصرناهم- لا سيّما شيخنا الاعظم الشيخ على بن هلال ره-: انه لا يجوز لمن عليه الخراج سرقته و لا جحوده، و لا منعه و لا شي ء منه لان ذلك حق واجب عليه انتهى.

و فى المسالك فى باب الارضين و ذكر الاصحاب: انه لا يجوز لاحد جحدها

______________________________

العادل فى امر الخراج و المقاسمة و الزكاة و الجزية، و ان كان الجائر و اعوانه معاقبين حتى على اخذهم الجزية و الزكاة و الخراج.

ف (صريح الشهيدين، و المحكى عن جماعة) هو (ذلك) الاحتمال الثانى بامضاء الشارع سلطة الجائر على الخراج، فلا يجوز منعه منه.

(قال المحقق الكركى فى رسالته ما زلنا نسمع من كثير ممن عاصرناهم لا سيّما شيخنا الاعظم الشيخ على بن هلال ره-: انه لا يجوز لمن عليه الخراج سرقته و لا جحوده) و انكاره و انه ليس عليه الخراج (و لا منعه) بالقوة مع الاعتراف بانه عنده (و لا) منع (شي ء) و جزء (منه) كان يدعى ان عليه الف دينار، و الحال ان عليه الفا و خمسمائة- مثلا- (لان ذلك) الخراج (حق واجب عليه) اى على من عليه الخراج، فكيف يجحده او يمنعه (انتهى) كلام الكركى.

(و فى المسالك فى باب الارضين) جمع الارض، قال (و ذكر الاصحاب:

انه لا يجوز لاحد جحدها) اى المقاسمة او كل ما يجب دفعه الى السلطان

ص: 279

و لا منعها، و لا التصرف فيها بغير اذنه بل ادعى بعضهم الاتفاق عليه، انتهى.

و فى آخر كلامه أيضا ان ظاهر الاصحاب ان الخراج و المقاسمة لازم للجائر حيث يطلبه، او يتوقف على اذنه، انتهى.

و على هذا عوّل بعض الاساطين فى شرحه على القواعد حيث قال: و يقوى حرمة سرقة الحصة و خيانتها و الامتناع عن تسليمها و عن تسليم ثمنها بعد شرائها الى الجائر و ان حرمت عليه و دخل تسليمها فى الاعانة

______________________________

(و لا منعها، و لا التصرف فيها بغير اذنه) اى اذن السلطان (بل ادعى بعضهم الاتفاق عليه، انتهى).

(و فى آخر كلامه أيضا) قال (ان ظاهر الاصحاب ان الخراج و المقاسمة لازم للجائر حيث يطلبه) اى يلزم ان يعطى له اذا طلبه (او يتوقف على اذنه) اذا اراد المالك ان يتصرف فيه.

و الحاصل: ان الجائر كالعادل فى وجوب الدفع إليه او استيذانه (انتهى) كلام المسالك.

(و على هذا) و هو عدم جواز منع الجائر عن الخراج (عوّل بعض الاساطين فى شرحه على القواعد حيث قال: و يقوى حرمة سرقة الحصة) التى للسلطان من الزراعة (و خيانتها و الامتناع عن تسليمها و عن تسليم ثمنها بعد شرائها) من السلطان (الى الجائر) متعلق ب: تسليم (و ان حرمت) الحصة من الخراج (عليه) اى على الجائر، و «ان» وصلية (و دخل تسليمها) الى الجائر (فى) عنوان (الاعانة

ص: 280

على الاثم بالبداية، او الغاية لنص الاصحاب على ذلك، و دعوى الاجماع عليه، انتهى.

اقول ان اريد منع الحصة مطلقا، فيتصرف فى الارض من دون اجرة، فله وجه لانها ملك المسلمين، فلا بد لها من اجرة تصرف فى مصالحهم.

و ان اريد منعها من خصوص الجائر، فلا

______________________________

على الاثم) لانه تقوية للسلطان الجائر (بالبداية) اذا قلنا بان مجرد قبض الجائر حرام، فان اعطائه للحصة اعانة على الاثم (او الغاية) لو قلنا: بان اخذه ليس بحرام، لانه تسليط للجائر من المالك، و انما يحرم تصرف الجائر الّذي هو غاية تسلّمه للحصة، و على اى حال يكون الاعطاء له اعانة على الاثم.

و انما قلنا بحرمة سرقة الحصة- مع ان القاعدة الاولية تقتضى حرمة الاعطاء للجائر- (لنص الاصحاب على ذلك) و انه يجب اعطاء الجائر الخراج و المقاسمة (و دعوى الاجماع عليه) فبالاجماع نخرج عن مقتضى القاعدة الاولية (انتهى) كلام بعض الاساطين.

(اقول ان اريد) من حرمة سرقة الحصة (منع الحصة مطلقا) بان لا يعطيها لا للجائر، و لا للعادل (فيتصرف) المزارع (فى الارض) المفتوحة عنوة (من دون اجرة، فله وجه) وجيه (لانها) اى الارض (ملك المسلمين فلا بد لها من اجرة تصرف فى مصالحهم) فيكون منع الحصة خيانة بالنسبة الى المسلمين اصحاب الارض.

(و ان اريد) بالتحريم (منعها) اى الحصة (من خصوص الجائر، فلا

ص: 281

دليل على حرمته لان اشتغال ذمة مستعمل الارض بالاجرة لا يوجب دفعها الى الجائر، بل يمكن القول بانه لا يجوز مع التمكن، لانه غير مستحق، فيسلم الى العادل، او نائبه الخاص، او العام.

و مع التعذر يتولى صرفه فى المصالح حسبة مع ان فى بعض الاخبار ظهورا فى جواز الامتناع.

مثل صحيحة زرارة، اشترى ضريس بن عبد الملك و اخوه ارزا

______________________________

دليل على حرمته).

و الاجماع الّذي ادعاه منظور فيه صغرى و كبرى (لان اشتغال ذمة مستعمل الارض بالاجرة) لكونها للمسلمين (لا يوجب دفعها) اى الاجرة (الى الجائر، بل يمكن القول بانه) اى الدفع الى الجائر (لا يجوز) اطلاقا (مع التمكن) من الامتناع عن الجائر (لانه) اى الجائر (غير مستحق) للاجرة، بل لعلّه حرام من جهتين، جهة انه غير مستحق، وجهة انه موجب لتقوية سلطان الباطل (فيسلم) الاجرة (الى) السلطان (العادل او نائبه الخاص، او العام) و هو المجتهد الجامع للشرائط.

(و مع التعذر) عن وصوله الى العادل و النائب (يتولى) نفس المستأجر (صرفه فى المصالح) للمسلمين (حسبة) اى احتسابا و قربة الى الله تعالى.

هذا كله مقتضى القاعدة الاولية (مع ان فى بعض الاخبار ظهورا فى جواز الامتناع) عن اعطاء الحصة للجائر.

(مثل صحيحة زرارة) قال: (اشترى ضريس بن عبد الملك و اخوه ارزا

ص: 282

من هبيرة بثلاثمائة الف درهم قال: فقلت له: و يلك او ويحك انظر الى خمس هذا المال، فابعث به إليه و احتبس الباقى، فابى عليّ وادى المال و قدم هؤلاء، فذهب امر بنى امية، قال: فقلت ذلك لابى، عبد الله عليه السلام: فقال: مبادرا للجواب هو له، فقلت له: انه قد ادّاها فعضّ على اصبعه.

فان اوضح محامل هذا الخبر ان يكون الارز من المقاسمة.

______________________________

من هبيرة) و كان من عمال بنى امية (بثلاثمائة الف درهم) او دينار (قال:

فقلت له: و يلك او ويحك انظر الى خمس هذا المال، فابعث به إليه) اى الى الامام «ع» بان تعطيه ستين الف فقط (و احتبس الباقى) من الثمن، و قد كان قادرا على ذلك لاضطراب حسابات الولاة فى ذلك الوقت لاشتغالهم بالملاهى و الترف (فابى عليّ) مقالتى (وادى المال) الى هبيرة كاملا (و قدم هؤلاء) اى بنو العباس الى الحكم (فذهب امر بنى امية، قال: فقلت ذلك لابى عبد الله عليه السلام: فقال) الصادق عليه السلام قبل ان ابين له ان «ضريس» ادّى المال الى هبيرة (مبادرا للجواب) اى اسرع فى الجواب، قبل انتهاء كلامى (هو) اى المال (له) اى لضريس، فلا يعطيه لهبيرة (فقلت له: انه قد ادّاها) و اعطاها (فعضّ) الصادق عليه السلام (على اصبعه) تحسّر الذهاب المال من كف ضريس.

(فان اوضح محامل هذا الخبر ان يكون الارز من المقاسمة) فيدل الخبر على جواز منع الجائر عن المال.

ص: 283

و اما حمله على كونه مال الناصب، اعنى هبيرة او بعض بنى امية فيكون دليلا على حلّ مال الناصب بعد اخراج خمسه، كما استظهره فى الحدائق.

فقد ضعف فى محله بمنع هذا الحكم، و مخالفته لاتفاق اصحابنا- كما تحقق فى باب الخمس- و ان ورد به غير واحد من الاخبار.

______________________________

(و اما حمله على كونه مال الناصب، اعنى هبيرة او بعض بنى امية) الذين كانوا نواصب (فيكون) الخبر (دليلا على حلّ مال الناصب بعد اخراج خمسه، كما استظهره فى الحدائق).

و تؤيده الاخبار الواردة بحلية مال الناصب بعد اخراج الخمس و انه لا خمس فى مال المقاسمة، كما تؤيده القرينة الحالية، و هى ان بنى امية و عمالهم كانوا من اظهر مصاديق النواصب الا من شذ منهم.

(فقد ضعف فى محله) جواب «اما» (بمنع هذا الحكم) اى وجوب تخميس مال الناصب لمن وجده، و باقيه حلال له (و مخالفته لاتفاق اصحابنا- كما تحقق فى باب الخمس-) فانهم لا يقولون بالخمس الا فى اشياء معيّنة معلومة (و ان ورد به) اى باعطاء الخمس من مال الناصب (غير واحد من الاخبار).

كقول الصادق عليه السلام فى خبر ابن البخترى-: خذ مال الناصب حيث وجدته و ادفع إلينا الخمس.

و قد حملوا هذه الاخبار على محامل، من جملتها ان مال الناصب حلال لمن اخذ، و ليس عليه شي ء الا الخمس الثابت على زيادة الفوائد- و

ص: 284

و اما الامر باخراج الخمس فى هذه الرواية فلعلّه من جهة اختلاط مال المقاسمة لغيره من وجوه الحرام، فيجب تخميسه، او من جهة احتمال اختلاطه بالحرام فيستحب تخميسه، كما تقدم فى جوائز الظلمة.

و ما روى من ان على بن يقطين قال له الامام عليه السلام: ان كنت و لا بدّ فاعلا

______________________________

تفصيل الكلام فى باب الخمس-.

(و اما الامر باخراج الخمس فى هذه الرواية) مع ان المقاسمة لا خمس فيها (فلعله من جهة اختلاط مال المقاسمة لغيره من وجوه الحرام، فيجب تخميسه) من باب تخميس الحلال المختلط بالحرام (او من جهة احتمال اختلاطه بالحرام فيستحب تخميسه، كما تقدم فى جوائز الظلمة).

او المراد خمس الفائدة، اما من جهة بيان انه لا شي ء عليه الا الخمس فى وقته، او من جهة ان الخمس- ابتداءً- على كل فائدة، و يجوز تأخيره الى السنة.

ثم ان الخمس هو كلام زرارة و لا يجب ان يعمل به لانه ليس نقلا عن المعصوم، و انما نحترمه حيث نظن ظنا قويا بان زرارة لا يقول الا ما سمعه من المعصوم.

و كيف كان فالخبر دليل على جواز الامتناع عن تسليم المقاسمة للظالم.

(و) مثله (ما روى من ان على بن يقطين قال له الامام عليه السلام ان كنت و لا بدّ فاعلا) للولاية من قبل العباسيين

ص: 285

فاتق اموال الشيعة و انه كان يجبيها من الشيعة علانية، و يردّ عليهم سرا

قال المحقق الكركى- فى قاطعة اللجاج-: انه يمكن ان يكون المراد به ما يجعل عليهم من وجوه الظلم المحرمة.

و يمكن ان يراد به وجوه الخراج و المقاسمات و الزكوات، لانها و ان كانت حقا عليهم لكنها ليست حقا للجائر، فلا يجوز جمعها لاجله الا عند الضرورة و ما زلنا نسمع من كثير ممن عاصرناهم لا سيما شيخنا الاعظم، الى آخر ما تقدم نقله عن مشايخه.

______________________________

(فاتق اموال الشيعة) فلا تأخذها (و انه كان يجبيها من الشيعة علانية و يردّ عليهم سرا) فانه يدل على جواز الامتناع عن اعطاء المقاسمة للظالم اذ لو لا الجواز لم يجز ارجاعه إليهم بدون اجازة الجائر.

(قال المحقق الكركى- فى قاطعة اللجاج-: انه يمكن ان يكون المراد به) اى بالمال الّذي كان يجبيه على بن يقطين، ثم يرده (ما يجعل عليهم من وجوه الظلم المحرمة) كالضرائب الباطلة.

(و يمكن ان يراد به وجوه الخراج و المقاسمات و الزكوات، لانها و ان كانت حقا عليهم) شرعا لانها ملك عامة المسلمين (لكنها ليست حقا للجائر فلا يجوز) لابن يقطين (جمعها لاجله) اى لاجل الجائر (الا عند الضرورة) و لا ضرورة مع امكان ردّ ابن يقطين لهم سرا- كما كان يفعل- (و ما زلنا نسمع من كثير ممن عاصرناهم لا سيما شيخنا الاعظم، الى آخر ما تقدم نقله عن مشايخه) انتهى كلام الكركى.

ص: 286

اقول: ما ذكره من الحمل على وجوه الظلم المحرمة مخالف لظاهر العام، فى قول الامام عليه السلام: فاتق اموال الشيعة.

فالاحتمال الثانى اولى، لكن بالنسبة الى ما عدا الزكوات لانها كسائر وجوه الظلم المحرمة خصوصا بناء على عدم الاجتزاء بها عن الزكاة الواجبة، لقوله عليه السلام: انما هؤلاء قوم غصبوكم اموالكم، و انما الزكاة لاهلها.

و قوله عليه السلام: لا تعطوهم

______________________________

(اقول: ما ذكره) أولا (من الحمل على وجوه الظلم المحرمة مخالف لظاهر العام، فى قول الامام عليه السلام: فاتق اموال الشيعة) اذ الاموال عام شامل للخراج، و المظالم، و غيرهما.

(فالاحتمال الثانى) و هو الخراج، و المقاسمة، و غيرهما (اولى لكن بالنسبة الى ما عدا الزكوات، لانها كسائر وجوه الظلم المحرمة) صفة للوجوه (خصوصا بناء على عدم الاجتزاء بها عن الزكاة الواجبة) اذا دفعها للجائر (لقوله عليه السلام: انما هؤلاء) الخلفاء (قوم غصبوكم اموالكم، و انما الزكاة لاهلها).

فان الخراج و المقاسمة لمطلق مصالح المسلمين، فاخذ الجائر لها لا يكون غصبا لمال الفقراء من الشيعة، بخلاف الزكاة فانها خاصة لفقراء الشيعة فيكون اخذ الوالى لها، غصبا لها، فتكون الزكاة من قبيل سائر وجوه الظلم، لا من قبيل الخراج و المقاسمة.

(و قوله عليه السلام: لا تعطوهم) من الزكاة- اذا طلبها العمال-

ص: 287

شيئا ما استطعتم، فان المال لا ينبغى ان يزكى مرّتين.

و فيما ذكر المحقق من الوجه الثانى دلالة على ان مذهبه ليس وجوب دفع الخراج و المقاسمة الى خصوص الجائر، و جواز منعه عنه و ان نقل بعد

______________________________

(شيئا ما استطعتم، فان المال لا ينبغى ان يزكى مرّتين).

اذ الاعطاء للعمال لا يكفى، فاللازم ان يزكى مرة ثانية.

و لذا ورد فى الاحاديث ان المخالف اذا استبصر يعيد الزكاة، لانه وضعها فى غير موضعها.

و الحاصل: ان المحقق الثانى كان اللازم ان يدخل الزكاة فى الاحتمال الاول، اى ما يجعل عليهم من وجوه الظلم، لا فى الاحتمال الثانى، لان اخذ الزكاة ظلم، كما ان اخذ ضريبة اضافية ظلم، فادخاله الزكاة فى الاحتمال الثانى منظور فيه.

(و فيما ذكر المحقق) الثانى (من الوجه الثانى) بقوله «و يمكن ان يراد به» (دلالة على ان مذهبه ليس وجوب دفع الخراج و المقاسمة الى خصوص الجائر، و جواز منعه عنه) و «جواز» عطف على «ليس».

و انما دلّ كلام المحقق الثانى على ذلك، لانه لو كان مذهبه وجوب الدفع الى الجائر، لم يكن يحتمل انطباق «اتق اموال الشيعة» على الخراج، فان معنى الاتقاء ان لا يأخذ، و معنى وجوب الدفع الى الجائر ان يأخذ.

فاحتمال شمول الاتقاء للخراج ينافى وجوب الدفع الى الجائر (و ان نقل بعد) اى بعد الاحتمال الثانى

ص: 288

عن مشايخه فى كلامه المتقدم ما يظهر منه خلاف ذلك.

لكن يمكن، بل لا يبعد ان يكون مراد مشايخه: المنع عن سرقة الخراج او جحوده رأسا، حتى عن نائب العادل، لا منعه عن خصوص الجائر، مع دفعه الى نائب العادل، او صرفه حسبة فى وجوه بيت المال.

كما يشهد لذلك تعليل المنع بكونه حقا واجبا عليه فان وجوبه عليه انما يقتضي حرمة منعه رأسا، لا عن خصوص الجائر، لانه ليس حقا واجبا له.

______________________________

(عن مشايخه فى كلامه المتقدم ما يظهر منه خلاف ذلك) و انه يجب على الانسان دفع خراجه الى الجائر، فانه ينافى احتمال منع الجائر- المستفاد من اتق اموال الشيعة-.

(لكن يمكن، بل لا يبعد ان يكون مراد مشايخه: المنع عن سرقة الخراج او جحوده رأسا) بان لا يدفعه اطلاقا (حتى عن نائب العادل، لا) ان مرادهم حرمة (منعه عن خصوص الجائر، مع دفعه الى نائب العادل، او صرفه حسبة) و قربة الى الله- فيما اذا لم يكن نائب العادل- (فى وجوه بيت المال) التى هى عبارة عن مصالح المسلمين.

(كما يشهد لذلك) اى لان مراد مشايخه حرمة منعه رأسا، لا ان مرادهم حرمة منعه عن الجائر و ان دفعه الى العادل (تعليل المنع) اى تعليل حرمة الجحود و السرقة (بكونه حقا واجبا عليه) اى على من بذمته الخراج.

وجه الشهادة هو ما ذكره بقوله: (فان وجوبه) اى الخراج (عليه) اى على من بذمته (انما يقتضي حرمة منعه رأسا، لا) حرمة منعه (عن خصوص الجائر، لانه ليس حقا واجبا له) اى لخصوص الجائر.

ص: 289

و لعل ما ذكرنا هو مراد المحقق حيث نقل هذا المذهب عن مشايخه ره، بعد ما ذكره من التوجيه المتقدم بلا فصل من دون اشعار بمخالفته لذلك الوجه.

و مما يؤيد ذلك ان المحقق المذكور بعد ما ذكران هذا، يعنى حلّ ما يأخذه الجائر من الخراج و المقاسمة مما وردت به النصوص و اجمع عليه الاصحاب بل المسلمون قاطبة، قال: فان قلت:

______________________________

(و لعل ما ذكرنا) من ان المراد منعه رأسا، لا عن خصوص الجائر (هو مراد المحقق) الثانى (حيث نقل هذا المذهب) اى مذهب حرمة جحود الخراج (عن مشايخه ره، بعد ما ذكره من التوجيه المتقدم) اى توجيه قوله عليه السلام «اتق اموال الشيعة» بانّها «و ان كانت حقا عليهم الخ» (بلا فصل) بين التوجيه و بين كلام المشايخ (من دون اشعار) فى كلام المحقق (بمخالفته) اى مخالفة نقله عن المشايخ (لذلك الوجه) الّذي ذكره بقوله «و ان كانت حقا عليهم» فانه لو قلنا ان مراد المشايخ المنع رأسا كان التوافق بين التوجيه و بين كلام المشايخ، و الا كان التنافى

و حيث لم يشعر المحقق الثانى بالتنافى، كان اللازم ان نقول بالتوافق، و ان مراد المشايخ أيضا المنع مطلقا لا خصوص المنع عن الجائر

(و مما يؤيد ذلك) و ان مراد المحقق الثانى حرمة المنع رأسا المنع عن خصوص الجائر مع اعطائه للعادل (ان المحقق المذكور بعد ما ذكر ان هذا- يعنى حلّ ما يأخذه الجائر من الخراج و المقاسمة- مما وردت به النصوص، و اجمع عليه الاصحاب بل المسلمون قاطبة، قال: فان قلت:

ص: 290

فهل يجوز ان يتولى من له النيابة حال الغيبة ذلك اعنى الفقيه الجامع للشرائط؟ قلنا: لا نعرف للاصحاب فى ذلك تصريحا.

لكن من جوّز للفقهاء حال الغيبة تولى استيفاء الحدود، و غير ذلك من توابع منصب الامامة ينبغى له تجويز ذلك بطريق اولى، لا سيّما و المستحقون لذلك موجودون فى كل عصر، و من تأمل فى احوال كبراء علمائنا الماضين مثل علم الهدى، و علم المحققين نصير الملة و الدين، و بحر العلوم جمال الملة و الدين العلامة رحمه الله و غيرهم نظر متأمل منصف لم يشك فى انهم كانوا يسلكون هذا المسلك

______________________________

فهل يجوز ان يتولى من له النيابة حال الغيبة) للامام عليه السلام (ذلك) الاخذ للخراج (اعنى) بمن له النيابة (الفقيه الجامع للشرائط؟

قلنا: لا نعرف للاصحاب فى ذلك تصريحا) و انه يجوز، او لا يجوز.

(لكن من جوّز للفقهاء حال الغيبة تولى استيفاء الحدود، و غير ذلك من توابع منصب الامامة) كالجهاد، و نحوه (ينبغى له تجويز ذلك) التولى لجمع الخراج، و نحوه (بطريق اولى) لان الدماء اصعب من الاموال (لا سيّما و المستحقون لذلك) الخراج، و نحوه (موجودون فى كل عصر، و من تأمل فى احوال كبراء علمائنا الماضين مثل علم الهدى) السيد المرتضى (و علم المحققين نصير الملة و الدين) الطوسى (و بحر العلوم جمال الملة و الدين العلامة) الحلى (رحمه الله و غيرهم نظر متأمل منصف لم يشك فى انهم كانوا يسلكون هذا المسلك) من تجويز تولى الفقيه لجمع الخراج و المقاسمة و غيرهما.

ص: 291

و ما كانوا يودعون فى كتبهم الا ما يعتقدون صحته، انتهى.

و حمل ما ذكره من تولى الفقيه على صورة عدم تسلط الجائر خلاف الظاهر.

و اما قوله: و من تأمل الخ، فهو استشهاد على اصل المطلب و هو حل ما يؤخذ من السلطان من الخراج على وجه الاتهاب، و من الاراضى على وجه الانقطاع و لا دخل له بقوله: فان قلت، و قلته اصلا.

فان علمائنا المذكورين و غيرهم لم يعرف منهم الاستقلال على

______________________________

او المراد بهذا المسلك ما سيأتى من المصنف رحمه الله (و) لم يشك فى انهم (ما كانوا يودعون فى كتبهم الا ما يعتقدون صحته انتهى).

(و) هذا الكلام دال على احتماله، بل ترجيحه اعطاء العادل و المنع عن الجائر، و (حمل ما ذكره) المحقق (من تولى الفقيه على صورة عدم تسلط الجائر خلاف الظاهر) بل الظاهر منه، اما الاطلاق و اما خصوص صورة تسلط الجائر، كما لا يخفى.

(و اما قوله: و من تأمل الخ، فهو استشهاد على اصل المطلب و هو حلّ ما يؤخذ من السلطان من الخراج على وجه الاتهاب) اى هبة سلطان الجور للانسان (و من الاراضى على وجه الانقطاع) بان يقطع الجائر قطعة من الارض لاحد الاشخاص، فلا يأخذ منه الخراج- مثلا- (و لا دخل له بقوله: فان قلت، و قلته اصلا) و انما نقول انه مربوط باصل المطلب

(فان علمائنا المذكورين و غيرهم لم يعرف منهم الاستقلال على

ص: 292

اراضى الخراج بغير اذن السلطان.

و ممن يتراءى منه القول بحرمة منع الخراج عن خصوص الجائر شيخنا الشهيد رحمه الله فى الدروس، حيث قال رحمه الله: يجوز شراء ما يأخذه الجائر باسم الخراج و الزكاة و المقاسمة، و ان لم يكن مستحقا له

ثم قال: و لا يجب رد المقاسمة و شبهها على

______________________________

اراضى الخراج بغير اذن السلطان).

اقول: لا يبعد ان يكون كلام المحقق مربوطا بقول السلطان العادل و لذا مثل بهؤلاء الثلاثة من العلماء دون غيرهم، و الا فالمشهور بين الفقهاء: الحل، و لا وجه لتخصيص الحل بهؤلاء الثلاثة.

و مما يؤيد ذلك ان السيد المرتضى كان يتولى نقابة الطالبين، و نصير الدين كان يتولى الوزارة فى عهد هلاكو، و العلامة الحلّى و بعض الفقهاء الآخرين تصالحوا مع المغوليين فى ان لا يمسّوا الحلة بسوء فى قضايا مفصلة مذكورة فى الكتب، فكان تصرفاتهم تصرفا من نائب الامام لا من عامل السلطان، كما لا يخفى.

(و ممن يتراءى منه القول بحرمة منع الخراج عن خصوص الجائر) و ان بذله المانع الى العادل (شيخنا الشهيد رحمه الله) الاول (فى الدروس، حيث قال رحمه الله: يجوز شراء ما يأخذه الجائر باسم الخراج و الزكاة و المقاسمة، و ان لم يكن) الجائر (مستحقا له) لان هذه الاشياء للمسلمين و المتولى عليها الامام او نائبه الخاص او العام.

(ثم قال: و لا يجب رد المقاسمة و شبهها) كالزكاة و الخراج (على

ص: 293

المالك و لا يعتبر رضاه، و لا يمنع تظلمه من الشراء.

و كذا لو علم ان العامل يظلم الا ان يعلم الظلم بعينه.

نعم يكره معاملة الظلمة، و لا يحرم لقول الصادق عليه السلام: كل شي ء فيه حلال و حرام، فهو حلال حتى تعرف الحرام بعينه.

و لا فرق بين قبض الجائر اياها

______________________________

المالك) فيما اذا اخذ الجائر من زيد مثلا: الزكاة، فاشتريت تلك الزكاة من الجائر، لا يجب عليّ ردّها على زيد (و لا يعتبر رضاه) اى رضا زيد- كما فى المثال- فى اخذ الجائر منه، فانه سواء رضى، أم لا، صح اشترائى من الجائر (و لا يمنع تظلمه) اى تظلم زيد- فى المثال- عن زيد الجائر (من الشراء) بل يجوز لى الشراء، و ان تظلم و تشكى زيد عن الجائر.

فقوله «من» متعلق ب «يمنع».

(و كذا لو علم) المشترى من الظالم (ان العامل يظلم) فيأخذ الفا مكان خمسمائة مثلا (الا ان يعلم) المشترى (الظلم بعينه).

كما لو علم ان هذه الشاة بعينها مغصوبة، فانه لا يجوز للانسان شرائها، و اذا اشتراها وجب ردها الى مالكها.

(نعم يكره معاملة الظلمة، و لا يحرم).

و انما قلنا: بعدم الحرمة (لقول الصادق عليه السلام: كل شي ء فيه حلال و حرام، فهو حلال حتى تعرف الحرام بعينه).

و المفروض ان المشترى من الجائر لا يعرف ان ما اشتراه حرام بعينه (و لا فرق) فى جواز الشراء فى الجائر (بين قبض الجائر اياها) اى

ص: 294

او وكيله، و بين عدم القبض.

فلو احاله لها و قبل الثلاثة او وكله فى قبضها، او باعها و هى فى يد البائع، او فى ذمته جاز التناول و يحرم على المالك المنع.

و كما يجوز الشراء يجوز سائر المعاوضات و الوقف و الهبة و الصدقة و لا يحل تناولها بغير ذلك، انتهى.

لكن الظاهر من قوله: و يحرم على المالك المنع، انه عطف على قوله: جاز

______________________________

للمقاسمة، و نحوها (او وكيله، و بين عدم القبض).

(فلو احاله) اى احال الجائر- مثلا: زيدا على عمرو (بها) اى بالمقاسمة (و قبل الثلاثة) المحيل و المحال، و المحال عليه.

او المراد الزكاة و الخراج و المقاسمة- فتأمل- (او وكله فى قبضها) كان و كل الجائر زيدا فى قبض المقاسمة (او باعها و هى فى يد البائع) بان باع المقاسمة من المزارع نفسه (او فى ذمته) لا فى يده (جاز التناول) لذلك الشي ء الّذي تصرف فيه الجائر (و يحرم على المالك المنع) و عدم الجرى على مقتضى تصرف الجائر.

(و كما يجوز الشراء) من الجائر (يجوز سائر المعاوضات) كالاجارة و الصلح و الرهن (و الوقف و الهبة و الصدقة) من الجائر (و لا يحل تناولها) اى المقاسمة، و نحوها (بغير ذلك) النحو من التصرف الّذي تصرف فيها الجائر (انتهى) كلام الشهيد.

(لكن الظاهر من قوله: و يحرم على المالك المنع انه عطف على قوله: جاز

ص: 295

التناول فيكون من احكام الاحالة بها و التوكيل و البيع، فالمراد منع المالك المحال و المشترى عنهما.

و هذا لا اشكال فيه، لان اللازم من فرض صحة الاحالة و الشراء تملك المحال و المشترى.

فلا يجوز منعهما عن ملكهما.

و اما قوله ره: و لا يحل تناولها بغير ذلك، فلعل المراد به ما تقدم فى

______________________________

التناول) لا انه جملة مستأنفة لاصل حكم الخراج و المقاسمة و الزكاة (فيكون من احكام الاحالة بها) اى بالثلاثة (و التوكيل و البيع، فالمراد) بجملة «يحرم» (منع المالك، المحال و المشترى عنهما) اى عما احيل عليه، و اشترى من الجائر.

(و هذا لا اشكال فيه) و انه يحرم المنع (لان اللازم من فرض صحة الاحالة و الشراء تملك المحال و المشترى) لمال المقاسمة الّذي بيد الزارع- مثلا-.

(فلا يجوز) للزارع (منعهما عن ملكهما) الّذي انتقل إليهما بسبب بيع السلطان و حوالته.

و هذا بخلاف ما لو جعلنا الجملة مستأنفة، لان معناها حينئذ تحريم منع المالك الخراج و المقاسمة و الزكاة عن السلطان الجائر مطلقا و ان اداها الى العادل.

(و اما قوله ره: و لا يحل تناولها بغير ذلك) الاذن من السلطان الجائر (فلعل المراد به ما تقدم فى

ص: 296

كلام مشايخ المحقق الكركى من إرادة تناولها بغير اذن احد، حتى الفقيه النائب عن السلطان العارف.

و قد عرفت ان هذا مسلم، فتوى، و نصا، و ان الخراج لا يسقط من مستعملى اراضى المسلمين.

ثم ان ما ذكره من جواز الوقف، لا يناسب ذكره فى جملة التصرفات فيما يأخذه الجائر.

و ان اراد وقف الارض المأخوذة منه اذا نقلها السلطان إليه لبعض مصالح المسلمين فلا يخلو عن اشكال

______________________________

كلام مشايخ المحقق الكركى من إرادة) حرمة (تناولها بغير اذن احد حتى الفقيه النائب عن السلطان العارف).

(و قد عرفت ان هذا) بان يمنع المالك الخراج عن كل احد حتى الفقيه (مسلم، فتوى، و نصا، و) عرفت (ان الخراج لا يسقط من مستعملى اراضى المسلمين).

(ثم ان ما ذكره) الشهيد رحمه الله (من جواز الوقف، لا يناسب ذكره فى جملة التصرفات فيما يأخذه الجائر) و الظاهر انه لا بأس به لجواز وقف الشاة المأخوذة زكاة و هكذا.

(و ان اراد وقف الارض المأخوذة منه) اى من الجائر (اذا نقلها السلطان إليه لبعض مصالح المسلمين) بان رأى السلطان مصلحة فى ان يعطى الارض لبعض الناس، لان فى هذا الاعطاء صلاح حال المسلمين (فلا يخلو عن اشكال) و انه هل يحق للسلطان مثل هذا التصرف

ص: 297

و اما ما تقدم من المسالك من نقل الاتفاق على عدم جواز المنع و الجحود.

فالظاهر منه أيضا ما ذكرنا من جحود الخراج، و منعه رأسا، لا عن خصوص الجائر، مع تسليمه الى الفقيه النائب عن العادل، فانه ره بعد ما نقلنا عنه من حكاية الاتفاق، قال بلا فصل: و هل يتوقف التصرف فى هذا القسم منها على اذن الحاكم الشرعى اذا كان متمكنا فى صرفها فى وجهها بناء على كونه نائبا عن المستحق، و مفوضا إليه ما هو اعظم من ذلك، الظاهر ذلك.

______________________________

أم لا؟

(و اما ما تقدم من المسالك من نقل الاتفاق على عدم جواز المنع) عن الجائر (و الجحود) و الانكار للخراج مما ظاهره عدم الجواز مطلقا و ان كان يؤديها الى الفقيه.

(فالظاهر منه أيضا) كالظاهر من الشهيد الاول (ما ذكرنا من جحود الخراج، و منعه رأسا) بان لا يدفعه اصلا لا الى الجائر، و لا الى العادل (لا) ان المراد منعه (عن خصوص الجائر، مع تسليمه الى الفقيه النائب عن) السلطان (العادل، فانه) اى الشهيد الثانى (ره بعد ما نقلنا عنه من حكاية الاتفاق، قال بلا فصل) ما لفظه: (و هل يتوقف التصرف فى هذا القسم منها على اذن الحاكم الشرعى اذا كان متمكنا فى صرفها فى وجهها) بان لم يخف الجائر (بناء على كونه) اى الحاكم الشرعى (نائبا عن المستحق و مفوضا إليه ما هو اعظم من ذلك) اى من امر الخراج، كامور الدفاع و الحدود بل و الجهاد ابتداءً- على قول- (الظاهر ذلك) اى توقف التصرف على

ص: 298

و حينئذ فيجب عليه صرف حاصلها فى مصالح المسلمين.

و مع عدم التمكن امرها الى الجائر.

و اما جواز التصرف فيها كيف اتفق لكل واحد من المسلمين، فبعيد جدا، بل لم اقف على قائل به لان المسلمين بين قائل بأولوية الجائر، و توقف التصرف على اذنه، و بين مفوض الامر الى الامام (ع) فمع غيبته يرجع الامر الى نائبه فالتصرف بدونهما لا دليل عليه انتهى.

______________________________

اذن الحاكم.

(و حينئذ فيجب عليه صرف حاصلها) اى حاصل الارض من خراج و مقاسمة (فى مصالح المسلمين) من اعطاء الفقراء، و ابناء السبيل و تعمير القناطر و تجهيز الجيش، و ما اشبه.

(و مع عدم التمكن) من صرفها على وجهها (امرها) راجع (الى الجائر).

(و اما جواز التصرف فيها كيف اتفق لكل واحد من المسلمين، فبعيد جدا، بل لم اقف على قائل به) لعدم مساعدة الدليل على ذلك.

فان الدليل الاولى دال على انه يعطى للامام.

و الدليل الثانوى على انه يعطى للجائر (لان المسلمين بين قائل بأولوية الجائر، و توقف التصرف على اذنه) و هم العامة الذين يرون الجائرين خلفاء و ولاة الامر (و بين مفوض الامر الى الامام (ع) فمع غيبته يرجع الامر الى نائبه) و هم الشيعة (فالتصرف بدونهما لا دليل عليه انتهى).

و لا يجوز لكل احد ان يقوم بالتصرف استقلالا.

و الظاهر: ان مراده ليس عدم جواز تصرف عدول المؤمنين فى صورة

ص: 299

و ليس مراده رحمه الله من التوقف: التوقف على اذن الحاكم بعد الاخذ من الجائر، و لا خصوص صورة عدم استيلاء الجائر على الارض، كما لا يخفى.

و كيف كان فقد تحقق مما ذكرناه ان غاية ما دلت عليه النصوص و الفتاوى كفاية اذن الجائر فى حلّ الخراج.

و كون تصرفه بالاعطاء، و المعاوضة، و الاسقاط، و غير ذلك نافذا.

______________________________

عدم وجود النائب، لان ذلك من توابع القول باحقية الامام، بالإضافة الى ان الاعطاء للجائر اضطرارى، فاذا امكن المنع عنه وجب لعدم حقه أولا، و لانه تقوية للظالمين ثانيا.

(و ليس مراده رحمه الله من التوقف) على اذن الحاكم الشرعى (التوقف على اذن الحاكم بعد الاخذ من الجائر، و لا خصوص صورة عدم استيلاء الجائر على الارض، كما لا يخفى) حتى يدل على الاحتياج الى اذن الجائر مطلقا، بل مراده التوقف عند من يرى احقية الامام و هم الشيعة.

(و كيف كان) و سواء دلت عبارة الشهيد على المراد أو لا (فقد تحقق مما ذكرناه ان غاية ما دلت عليه النصوص و الفتاوى: كفاية اذن الجائر فى حل الخراج) لمن اذن له الجائر، سواء كان بالاعطاء، او المعاملة، او ما اشبه.

(و كون تصرفه) اى الجائر (بالاعطاء، و المعاوضة، و الاسقاط، و غير ذلك) كالارث (نافذا) و لا يعارض ذلك بمقالة الامام امير المؤمنين عليه السلام فى قطائع عثمان: و الله لو رايته قد تزوج به الاماء، الى آخره، لانه لا اشكال فى ولاية الامام فى الابقاء، و الانتزاع كولايته فى الاجازة

ص: 300

اما انحصاره بذلك فلم يدل عليه دليل، و لا أمارة، بل لو نوقش فى كفاية تصرفه فى الحلية و عدم توقفها على اذن الحاكم الشرعى مع التمكن، بناء على ان الاخبار الظاهرة فى الكفاية منصرفة الى الغالب من عدم تيسر استيذان الامام عليه السلام، او نائبه امكن ذلك، الا ان المناقشة فى غير محلها، لان المستفاد من الاخبار الاذن العام من الائمة بحيث لا يحتاج بعد ذلك الى اذن خاص- فى الموارد الخاصة- منهم عليهم السلام، و لا من نوابهم.

______________________________

و المنع، أو لا (اما انحصاره) اى انحصار الحلّ (بذلك) الاذن من الجائر (فلم يدل عليه دليل، و لا أمارة) اى قرينة تساعد على ذلك (بل لو نوقش فى كفاية تصرفه) اى الجائر (فى الحلية) للخراج (و عدم توقفها) اى الحلية (على اذن الحاكم الشرعى مع التمكن) من استيذان الحاكم (بناء على ان الاخبار الظاهرة فى الكفاية) لاذن الجائر (منصرفة الى الغالب من عدم تيسر استيذان الامام عليه السلام، او نائبه) الخاص، او العام.

اما مع تيسر ذلك لا يحلّ التصرف بدون استيذان الحاكم الشرعى (امكن ذلك) النقاش (الا ان المناقشة فى غير محلّها، لان المستفاد من الاخبار الاذن العام من الائمة) فى جواز التصرف فى ما يعطيه الجائر خراجا كان او غيره- الا اذا كان مالا معلوم المالك، على التفصيل المتقدم- (بحيث لا يحتاج بعد ذلك) الاذن العام (الى اذن خاص- فى الموارد الخاصة- منهم عليهم السلام، و لا من نوابهم).

ص: 301

هذا كله مع استيلاء الجائر على تلك الارض، و التمكن من استيذانه.

و اما مع عدم استيلائه على ارض خراجية لقصور يده عنها لعدم انقياد اهلها له ابتداءً، او طغيانهم عليه بعد السلطنة عليهم.

فالاقوى- خصوصا مع عدم الاستيلاء ابتداءً- عدم جواز استيذانه، و عدم مضى اذنه فيها، كما صرح به بعض الاساطين حيث قال- بعد بيان ان الحكم مع حضور الامام- مراجعته و مراجعة الجائر مع التمكن:

______________________________

(هذا كله) الّذي ذكرنا من كفاية تصرف الجائر و استيذانه فى الحلية (مع استيلاء الجائر على تلك الارض) الخراجية (و التمكن من استيذانه).

الظاهر: ان المراد التمكن الفعلى بمعنى ان الاستيلاء يحقق موضوع الاستيذان، اذ بدون التمكن لا يقول احد بصحة التصرفات كما عرفت.

(و اما مع عدم استيلائه على ارض خراجية لقصور يده عنها) كالامويين الذين كانوا فى الاندلس بالنسبة الى اراضى العراق (لعدم انقياد اهلها له ابتداءً، او طغيانهم عليه بعد السلطنة) للجائر (عليهم) كالعراق بعد خلعها للامويين.

(فالاقوى- خصوصا مع عدم الاستيلاء ابتداءً- عدم جواز) اى عدم نفوذ (استيذانه، و عدم مضى اذنه فيها) اى فى ارض الخراج (كما صرح به بعض الاساطين) كما ان الظاهر عدم نفوذ اذن جائر فى غير القطر بالنسبة الى القطر الآخر، كعدم نفوذ اذن بنى العباس فى مصر الفاطمية مثلا- (حيث قال- بعد بيان ان الحكم مع حضور الامام- مراجعته و مراجعة الجائر) أيضا (مع التمكن) جمعا بين الدليلين

ص: 302

و اما مع فقد سلطان الجور او ضعفه عن التسلط، او عدم التمكن من مراجعته، فالواجب الرجوع الى الحاكم الشرعى، اذ ولاية الجائر انما ثبت على من دخل فى قسم رعيته، حتى يكون فى سلطانه، و يكون مشمولا لحفظه من الاعداء و حمايته، فمن بعد عن سلطانهم، او كان على الحد فيما بينهم او قوى عليهم فخرج عن مأموريتهم فلا يجرى عليه حكمهم اقتصارا على المقطوع به من الاخبار، و كلام الاصحاب فى قطع الحكم بالاصول و القواعد.

______________________________

(و اما مع فقد سلطان الجور او ضعفه عن التسلط، او عدم التمكن من مراجعته) بالنسبة الى ما فى يد الانسان من الخراج و شبهه (فالواجب الرجوع الى الحاكم الشرعى) فقط (اذ ولاية الجائر انما ثبت على من دخل فى قسم رعيته، حتى يكون فى سلطانه، و يكون) الانسان الداخل فى سلطة الجائر (مشمولا لحفظه) اى حفظ الجائر له (من الاعداء و حمايته، فمن بعد عن سلطانهم) لكونه فى قطر آخر (او كان على الحد فيما بينهم) بحيث لا يشمله سلطان هذا و لا ذاك (او قوى عليهم فخرج عن مأموريتهم) اى كونه مأمورا تحت ايديهم (فلا يجرى عليه) الضمير عائد الى «من» فانه يجوز فى ضمير: من، و ما، مراعات اللفظ و المعنى (حكمهم) اى حكم الجائرين فى لزوم مراجعتهم فى امر الخراج (اقتصارا على المقطوع به من الاخبار، و كلام الاصحاب فى قطع الحكم بالاصول و القواعد) اى ان المقطوع به من مخالفة الاصول و القواعد- التى تقتضى عدم سلطة الجائر- هو صورة كون الانسان تحت سلطة الجائر.

اما صورة عدم سلطة الجائر فباقية على الاصل، من عدم استيذان

ص: 303

و تخصيص ما دل على المنع عن الركون إليهم و الانقياد لهم.

[الثالث: أن ظاهر الأخبار و إطلاق الأصحاب: حل الخراج و المقاسمة المأخوذين من الأراضى التي يعتقد الجائر كونها خراجية]

«الثالث:» ان ظاهر الاخبار و اطلاق الاصحاب: حل الخراج و المقاسمة المأخوذين من الاراضى التى يعتقد الجائر كونها خراجية و ان كانت عندنا من الانفال و هو الّذي يقتضيه نفى الحرج.

______________________________

الجائر فى امر الخراج.

(و تخصيص ما دل على المنع عن الركون إليهم) بقوله سبحانه «وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا» (و الانقياد لهم) قوله «و تخصيص» عطف على «الاخبار».

فان القدر المتيقن من التخصيص صورة سلطتهم، اما غير صورة سلطتهم، فالمرجع عموم: لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا.

«الثالث» من التنبيهات (ان ظاهر الاخبار) المطلقة للجواز (و اطلاق الاصحاب: حل الخراج و المقاسمة المأخوذين من الاراضى التى يعتقد الجائر كونها خراجية) اى يعامل معها معاملة اراضى الخراج.

اما الاعتقاد بذلك، فغير لازم، لوضوح ان كثيرا من الجائرين يعتقدون العقائد الصحيحة، و لكن جحدوا بها بعد ما استيقنتها انفسهم (و ان كانت عندنا من الانفال) التى هى راجعة للامام، لا للمسلمين (و) الاطلاق فى الحلية (هو الّذي يقتضيه نفى الحرج) اذ الانفال أيضا مما كانت تحت يد الخلفاء و كان الناس مبتلين بها، فاذا اراد و الاجتناب وقعوا فى حرج شديد.

اللهم الا ان يقال: ان الحرج شخصى، و ليس بنوعى بحيث ترفعه الشريعة، فاللازم ملاحظته بالنسبة الى كل انسان انسان، بالإضافة الى ان

ص: 304

نعم مقتضى بعض ادلتهم، و بعض كلماتهم، هو الاختصاص.

فان العلامة قد استدل فى كتبه على حل الخراج و المقاسمة، بان هذا ما لم يملكه الزارع، و لا صاحب الارض، بل هو حق الله اخذه غير مستحقه فبرئت ذمته، و جاز شرائه.

و هذا الدليل و ان كان فيه ما لا يخفى من الخلل الا انه كاشف عن اختصاص محل الكلام بما كان من الاراضى التى لها حق على الزارع

______________________________

الحرج انما يرفع الحكم التكليفى لا الوضعى.

(نعم مقتضى بعض ادلتهم، و بعض كلماتهم، هو الاختصاص) بما ليست من الانفال.

(فان العلامة قد استدل فى كتبه على حل الخراج و المقاسمة، بان هذا) المال الّذي يعطيه الجائر بما جمعه من الخراج (ما لم يملكه الزارع و لا صاحب الارض) و هو الّذي تقبل الخراج من السلطان، و اخذ الارض ليزرعها، و الزارع مباشر للزراعة (بل هو حق الله اخذه غير مستحقه) الّذي هو الجائر (فبرئت ذمته) اى ذمة المعطى، لانه اعطاه حسب ما امره الشرع فان الشارع امره باعطائه الجائر (و جاز شرائه) من الجائر الّذي هو غير مستحق، لكنه اجاز الشارع اعطائه اياه.

(و هذا الدليل و ان كان فيه ما لا يخفى من الخلل) اذ اخذ غير المستحق لا يكفى فى صحة الشراء، بل يحتاج الى مقدمة اخرى، و هى ما ذكرناها بقولنا «لانه اعطاه حسب ما امره الشارع» (الا انه كاشف عن اختصاص محل الكلام بما كان من الاراضى التى لها حق على الزارع) بان تكون من المفتوحة

ص: 305

و ليس الانفال كذلك لكونها مباحة للشيعة.

نعم: لو قلنا بان غيرهم يجب عليه اجرة الارض، كما لا يبعد، امكن تحليل ما يأخذه الجائر منهم بالدليل المذكور لو تم.

و مما يظهر منه الاختصاص ما تقدم من الشهيد، و مشايخ المحقق الثانى من حرمة جحود الخراج و المقاسمة، معللين ذلك بان ذلك حق عليه فان الانفال لا حق و لا اجرة فى التصرف فيها.

______________________________

عنوة (و ليس الانفال كذلك) فانها ليست فيها حق على الزارع (لكونها مباحة للشيعة) لما ورد من الادلة انها للامام، و قد اباحها عليه السلام للشيعة.

(نعم: لو قلنا بان غيرهم) اى غير الشيعة من الذين يتصرفون فى الانفال (يجب عليه اجرة الارض، كما لا يبعد) هذا القول (امكن تحليل ما يأخذه الجائر منهم) اى من غير الشيعة (بالدليل المذكور) فى كلام العلامة (لو تم) الدليل، و لم يرد عليه ما اشرنا إليه بقولنا «فيه ما لا يخفى من الخلل».

(و مما يظهر منه الاختصاص) للحلية بما ليست بانفال (ما تقدم من الشهيد، و مشايخ المحقق الثانى من حرمة جحود الخراج و المقاسمة، معللين ذلك) اى تحريم الجحود و الانكار (بان ذلك) المال الّذي يدفعه الى السلطان (حق عليه).

و انما يظهر من هذا الكلام الاختصاص (فان الانفال لا حق) فيها على المتصرف (و لا اجرة فى التصرف فيها) لإباحة الائمة عليهم السلام للشيعة.

ص: 306

و كذا ما تقدم من التنقيح حيث ذكر بعد دعوى الاجماع على الحكم ان تصرف الجائر فى الخراج و المقاسمة من قبيل تصرف الفضولى اذا اجاز المالك.

و الانصاف: ان كلمات الاصحاب بعد التأمل فى اطرافها ظاهرة فى الاختصاص باراضى المسلمين، خلافا لما استظهره المحقق الكركى قدس سره، من كلمات الاصحاب و اطلاق الاخبار مع ان الاخبار اكثرها لا عموم فيها و لا اطلاق.

نعم: بعض الاخبار الواردة فى المعاملة على الاراضى الخراجية-

______________________________

(و كذا ما تقدم من التنقيح) فانه يستفاد منه الاختصاص (حيث ذكر بعد دعوى الاجماع على الحكم) اى إباحة التقبل من الجائر عطية او شراء او ما اشبه (ان تصرف الجائر فى الخراج و المقاسمة من قبيل تصرف الفضولى اذا اجاز المالك) فان ذكره للخراج و المقاسمة فقط دليل على عدم ارادته الانفال.

(و الانصاف: ان كلمات الاصحاب بعد التأمل فى اطرافها) دليلا و مدلولا، و نقضا وردا (ظاهرة فى الاختصاص) لحكم الحلية (باراضى المسلمين) المفتوحة عنوة (خلافا لما استظهره المحقق الكركى قدس سره، من كلمات الاصحاب و اطلاق الاخبار) حيث عمم الحكم للانفال (مع ان الاخبار اكثرها لا عموم فيها و لا اطلاق) بحيث يشمل الانفال أيضا.

(نعم: بعض الاخبار الواردة فى المعاملة على الاراضى الخراجية-

ص: 307

التى جمعها صاحب الكفاية- شاملة لمطلق الارض المضروب عليها الخراج من السلطان.

نعم لو فرض انه ضرب الخراج على ملك غير الامام، او على ملك الامام لا بالامامة، او على الاراضى التى اسلم اهلها عليها طوعا لم يدخل فى منصرف الاخبار قطعا.

______________________________

التى جمعها صاحب الكفاية-) السبزوارى قدس سره (شاملة لمطلق الارض المضروب عليها الخراج من السلطان).

و من المعلوم ان الجائر يضرب الخراج على الانفال كضربه على المفتوحة عنوة.

كصحيحة محمد بن مسلم، و ابى بصير، عن ابى جعفر عليه السلام، انهما قالا له هذه الارض التى يزرع اهلها ما ترى فيها؟ فقال عليه السلام:

كل ارض دفعها أليك السلطان فما حرثته فيها فعليك مما اخرج الله منها الّذي قاطعك عليه، و ليس على جميع ما اخرج الله منها العشر، انما عليك العشر فيما يحصل فى يدك بعد مقاسمته لك، و مثل هذه الرواية غيرها.

(نعم لو فرض انه ضرب الخراج على ملك غير الامام) كالاملاك التى غصبها من اصحابها الشرعيين (او على ملك الامام لا بالامامة) كالارض التى اشتراها الامام او ورثها من مورثه (او على الاراضى التى اسلم اهلها عليها طوعا) كما كانت عادة بنى امية حتى زمن عمر بن عبد العزيز فابطله، و لما مات رجع الامر الى ما كان (لم يدخل فى منصرف الاخبار قطعا) فلا يحل الا برضى اصحابها.

ص: 308

و لو اخذ الخراج من الارض المجهولة المالك معتقدا لاستحقاقه اياها، ففيه وجهان.

[الرابع ظاهر الاخبار و منصرف كلمات الأصحاب الاختصاص بالسلطان المدعى للرئاسة العامة و عماله]

«الرابع» ظاهر الاخبار.

و منصرف كلمات الاصحاب الاختصاص بالسلطان المدعى للرئاسة العامة و عماله، فلا يشمل: من تسلط على قرية او بلدة خروجا على سلطان الوقت فيأخذ منهم حقوق المسلمين.

نعم ظاهر الدليل المتقدم من العلامة شموله له.

______________________________

(و لو اخذ) الجائر (الخراج من الارض المجهولة المالك معتقدا لاستحقاقه اياها) اى اعتقد الجائر استحقاقه لتلك الارض و خراجها (ففيه وجهان).

من اطلاق بعض الاخبار، فيحل كسائر اقسام الخراج.

و من انصراف الاخبار و كلمات الفقهاء الى اراضى الخراج، لا مطلقا.

«الرابع»: من التنبيهات (ظاهر الاخبار) انصرافا الى سلاطين الجور المعاصرين للأئمة الطاهرين عليهم السلام.

(و منصرف كلمات الاصحاب الاختصاص) للحكم بحلية ما يعطون و يعاملون على الخراج و المقاسمة (بالسلطان المدعى للرئاسة العامة و عماله، فلا يشمل) الحكم المذكور (من تسلط على قرية او بلدة خروجا على سلطان الوقت فيأخذ منهم حقوق المسلمين) فالحكم بالنسبة إليه تابع للقواعد الاولية المقتضية لبطلان تصرفاته.

(نعم ظاهر الدليل المتقدم من العلامة) فى التنبيه الثالث (شموله) اى الحكم (له) اى للمتسلط على قرية او بلدة و هو قوله «بان هذا مال لا يملكه الزارع».

ص: 309

لكنك عرفت انه قاصر عن افادة المدعى.

كما ان ظاهره عدم الفرق بين السلطان المخالف، المعتقد لاستحقاق اخذ الخراج، و المؤمن، و الكافر، و ان اعترفا بعدم الاستحقاق الا ان ظاهر الاخبار الاختصاص بالمخالف.

و المسألة مشكلة من اختصاص موارد

______________________________

(لكنك عرفت انه قاصر عن افادة المدعى) فلا يمكن التمسك به للمقام بطريق اولى اقول: و لكن لا يخفى ان مقتضى الاطلاقات العموم، و لا انصراف، اذ تصرف الخلفاء المعاصرين للأئمة عليهم السلام فى الامور لا يوجب الا الانصراف البدوى، كيف و كثير من الاصحاب كانوا معاصرين لملوك الطوائف الّذي لا يزيد ملك احدهم من أمارة صغيرة.

نعم لا اعتبار بثائر افسد فى قطعة من الارض و لم يستقر فيها للانصراف القطعى عن مثله.

(كما ان ظاهره) اى ظاهر الدليل المتقدم عن العلامة (عدم الفرق بين السلطان المخالف) اى العامى (المعتقد لاستحقاق اخذ الخراج، و المؤمن) الشيعى (و الكافر) المتسلط على بلاد المسلمين (و ان اعترفا) اى المؤمن و الكافر (بعدم الاستحقاق) للخراج، لان المؤمن لا يرى نفسه ولى الامر، و الكافر لا يعتقد بالخراج و المقاسمة (الا ان ظاهر الاخبار الاختصاص بالمخالف) من جهة الانصراف الى سلاطين الجور الذين كانوا معاصرين للأئمة الطاهرين عليهم السلام.

(و المسألة مشكلة) فوجه التخصيص بالمخالف (من) جهة (اختصاص موارد

ص: 310

الاخبار المعتقد لاستحقاق اخذه و لا عموم فيها لغير المورد، فيقتصر فى مخالفة القاعدة عليه.

و من لزوم الحرج.

و دعوى الاطلاق فى بعض الاخبار المتقدمة مثل قوله عليه السلام فى صحيحة الحلبى: لا بأس بان يتقبل الرجل الارض و اهلها من السلطان.

و قوله عليه السلام فى صحيحة محمد بن مسلم: كل ارض دفعها أليك سلطان، فعليك فيما اخرج الله منها الّذي قاطعك عليه، و غير ذلك.

______________________________

الاخبار بالمخالف المعتقد) اعتقادا صوريا (لاستحقاق اخذه) للخراج، فان خلفاء الجور كانوا يظهرون انهم يعتقدون كونهم مستحقين لاخذ الخراج (و لا عموم فيها) اى فى تلك الاخبار (لغير المورد) لها، فلا تشمل المؤمن و الكافر (فيقتصر فى مخالفة القاعدة) الاولية التى تقتضى حرمة تصرف غير الامام و نائبه (عليه) اى على المخالف.

(و) وجه التعميم بالنسبة الى كل سلطان (من) جهة (لزوم الحرج) فى الاختصاص بالمخالف.

(و) جهة (دعوى الاطلاق) الشامل للكافر و المؤمن أيضا (فى بعض الاخبار المتقدمة مثل قوله عليه السلام فى صحيحة الحلبى: لا بأس بان يتقبل الرجل الارض و اهلها من السلطان) فانه لا وجه لاختصاص السلطان بالمخالف.

(و قوله عليه السلام فى صحيحة محمد بن مسلم: كل ارض دفعها أليك سلطان، فعليك فيما اخرج الله منها) اى فعليك فى حاصلها (الّذي قاطعك عليه) اى المقدار الّذي صار من المقرر ان تعطيه له (و غير ذلك)

ص: 311

و يمكن ان يرد لزوم الحرج بلزومه على كل تقدير، لان المفروض ان السلطان المؤمن- خصوصا فى هذه الازمنة- يأخذ الخراج عن كل ارض و لو لم تكن خراجية و انهم يأخذون كثيرا من وجوه الظلم المحرمة منضما الى الخراج، و ليس الخراج عندهم ممتازا عن سائر ما يأخذونه ظلما من العشور و سائر ما يظلمون به الناس كما لا يخفى على من لاحظ سيرة عمالهم، فلا بد اما من الحكم كله لدفع الحرج.

______________________________

من الاخبار المطلقة.

(و يمكن ان يرد) دليل الجواز بالنسبة الى المؤمن و الكافر، و هو (لزوم الحرج بلزومه على كل تقدير) و لو عممنا الجواز بالنسبة الى غير المخالف (لان المفروض ان السلطان المؤمن) اى الاثنى عشرى (- خصوصا فى هذه الازمنة-) التى ضعف فيها حكم الاسلام عند السلاطين و الحكام (يأخذ الخراج عن كل ارض و لو لم تكن خراجية) بان كانت انفالا، و لم تكن مفتوحة عنوة (و انهم يأخذون كثيرا من وجوه الظلم المحرمة منضما الى الخراج) كالضرائب التى ما انزل الله بها من سلطان (و ليس الخراج عندهم ممتازا عن سائر ما يأخذونه ظلما من العشور) «من» بيان «ما» (و سائر ما يظلمون به الناس) عطف على «سائر» (كما لا يخفى) هذا الظلم و الاختلاط بين الخراج و غيره (على من لاحظ سيرة عمالهم) و اعمالهم.

و حينئذ (فلا بد اما من الحكم) بحل ذلك (كله لدفع الحرج) الّذي يلزم من الحكم بالحرمة، لابتلاء الناس باموال السلاطين و احتياجهم الى معاملتهم فى الخراج و فى غير الخراج.

ص: 312

و اما من الحكم بكون ما فى يد السلطان و عماله من الاموال المجهولة المالك.

و اما الاطلاقات فهى مضافا الى امكان دعوى انصرافها الى الغالب كما فى المسالك مسوقة لبيان حكم آخر كجواز ادخال اهل الارض الخراجية فى تقبل الارض فى صحيحة الحلبى لدفع توهم حرمة ذلك

______________________________

(و اما من الحكم بكون ما فى يد السلطان و عماله من الاموال المجهولة المالك) الّذي يجب ان يعامل معها معاملة سائر المجهول مالكه.

لكن الحكم بالحلية المطلقة لا وجه له.

و الحكم بانها مجهولة المالك موجب للحرج أيضا.

فقوله رحمه الله: الحرج لازم على كل تقدير، معناه انه سواء قلنا بحلية الخراج، أم لا، يلزم الحرج.

اما ان قلنا بحلية الخراج فيلزم الحرج من سائر اموال السلاطين.

و اما ان قلنا بعدم حلية الخراج يلزم الحرج من الخراج و غيره من اموال السلاطين.

(و اما الاطلاقات) التى استدل بها لعموم الحكم للمؤمن و الكافر- أيضا- (فهى مضافا الى امكان دعوى انصرافها الى الغالب) فى زمن ورود الروايات، و هم السلاطين المخالفون (كما فى المسالك) ليس لها اطلاق اصلا، لانها (مسوقة لبيان حكم آخر كجواز ادخال اهل الارض الخراجية فى تقبل الارض فى صحيحة الحلبى) بان يقبل متقبّل الارض و اهلها بان يعطى شيئا للسلطان فى قبال اخذه خراج الارض، و جزية الرءوس الكافرة الموجودة فيها (لدفع توهم حرمة ذلك) اى ادخال اهل الارض فى

ص: 313

كما يظهر من اخبار اخر، و كجواز اخذ اكثر ما تقبل به الارض من السلطان فى رواية الفيض بن المختار، و كغير ذلك من احكام قبالة الارض و استيجارها فيما عداها من الروايات.

و الحاصل: ان الاستدلال بهذه الاخبار على عدم البأس باخذ اموالهم، مع اعترافهم بعدم الاستحقاق مشكل.

______________________________

خراج الارض (كما يظهر من اخبار اخر) جواز ذلك، كصحيح اسماعيل المتقدم (و كجواز اخذ اكثر ما تقبل به الارض من السلطان) كان يأخذ الارض من السلطان بالف و يعطيها لغيره بالف و خمسمائة- و هذا عطف على قوله «كجواز ادخال».

كما (فى رواية الفيض بن المختار) المتقدمة (و كغير ذلك من احكام قبالة الارض و استيجارها فيما عداها من الروايات).

و من المعلوم ان الرواية لو كانت فى بيان جهة خاصة لا اطلاق لها كما قالوا فى قوله تعالى «فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ» انه لا اطلاق لها من حيث حلية محرمات الذبيحة.

حيث انها ليست فى مقام الاطلاق من جهة ذلك، بل انما هى مسوقة لبيان اصل حلية الصيد.

(و الحاصل: ان الاستدلال بهذه الاخبار على عدم البأس باخذ اموالهم) اى اموال السلاطين المؤمن و الكافر (مع اعترافهم) من نفس السلاطين (بعدم الاستحقاق) لتلك الاموال فى مقابل السلطان المخالف الّذي يدعى استحقاقه (مشكل).

ص: 314

و مما يدل على عدم شمول كلمات الاصحاب ان عنوان المسألة فى كلامهم ما يأخذه الجائر لشبهة المقاسمة او الزكاة- كما فى المنتهى- او باسم الخراج او المقاسمة- كما فى غيره-.

و ما يأخذه الجائر المؤمن، ليس لشبهة الخراج و المقاسمة، لان المراد بشبهتهما شبهة استحقاقهما الحاصلة فى مذهب العامة.

نظير شبهة تملك سائر ما يأخذون مما لا يستحقون، لان مذهب الشيعة ان

______________________________

لكن الانصاف انه لا اشكال فى ذلك، للاطلاق و الاعتقاد لفظا فى الجميع.

فان كل جائر يأخذ المال، يقول بانى استحق الاخذ، و عدم الاعتقاد واقعا فى الجميع أيضا، حتى ان خلفاء بنى امية، و بنى العباس كانوا يعرفون انهم ليسوا على حق، و لكنهم حليت الدنيا فى اعينهم، و راقهم زبرجها- كما قال الامام المرتضى عليه الصلاة و السلام-.

(و مما يدل على عدم شمول كلمات الاصحاب ان عنوان المسألة فى كلامهم) ب (ما يأخذه الجائر لشبهة المقاسمة او الزكاة- كما فى المنتهى- او باسم الخراج او المقاسمة- كما فى غيره-) قوله «ان عنوان» مبتدأ متأخر لقوله «مما يدل».

(و) من المعلوم: ان (ما يأخذه الجائر المؤمن، ليس لشبهة الخراج و المقاسمة، لان المراد بشبهتهما شبهة استحقاقهما الحاصلة) تلك الشبهة (فى مذهب العامة) حيث يرون انفسهم اولياء الامور.

(نظير شبهة تملك سائر ما يأخذون) من اموال الناس (مما لا يستحقون).

و انما قلنا: باختصاص الشبهة بالمخالف (لان مذهب الشيعة ان

ص: 315

الولاية فى الاراضى الخراجية انما هى للامام او نائبه الخاص او العام، فما يأخذه الجائر و المعتقد لذلك انما هو شي ء يظلم به فى اعتقاده، معترفا بعدم براءة ذمة زارع الارض من اجرتها شرعا.

نظير ما يأخذه من الاملاك الخاصة التى لا خراج عليها اصلا و لو فرض حصول شبهة الاستحقاق لبعض سلاطين الشيعة من بعض الوجوه لم يدخل بذلك فى عناوين الاصحاب قطعا، لان مرادهم من الشبهة الشبهة

______________________________

الولاية فى الاراضى الخراجية انما هى للامام او نائبه الخاص او العام) كالفقيه الجامع للشرائط (فما يأخذه الجائر و المعتقد لذلك) اى كون الولاية للامام او نائبه (انما هو شي ء يظلم به فى اعتقاده) فى حالكون السلطان الشيعى (معترفا بعدم براءة ذمة زارع الارض من اجرتها شرعا) للزوم دفع الاجرة- باسم الخراج او المقاسمة- الى الامام او نائبه.

(نظير) اعتقاده فى (ما يأخذه) الشيعى (من الاملاك الخاصة التى لا خراج عليها اصلا) مما يعلم انه لا يستحقه (و لو فرض حصول شبهة الاستحقاق) لما يأخذه من الخراج و المقاسمة (لبعض سلاطين الشيعة) بان حصلت الشبهة (من بعض الوجوه).

مثل كون ولاية الامام خاصة بزمان حضوره، اما زمان الغيبة فالولاية للمتسلط، لانه ينظم امور الناس مما لا يقدر الفقيه على تنظيمها، او ما اشبه كما هو الشائع فى زماننا هذا- (لم يدخل) السلطان الشيعى (بذلك) اى بحصول تلك الشبهة له (فى عناوين الاصحاب) كعنوان المنتهى المتقدم (قطعا، لان مرادهم من الشبهة) الحاصلة للسلطان (الشبهة

ص: 316

من حيث المذهب التى امضاها الشارع للشيعة، لا الشبهة فى نظر شخص خاص، لان الشبهة الخاصة ان كانت عن سبب صحيح، كاجتهاد او تقليد فلا اشكال فى حليته له و استحقاقه للاخذ، بالنسبة إليه، و الا كانت باطلة غير نافذة فى حق احد.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 4، ص: 317

و الحاصل ان آخذ الخراج و المقاسمة لشبهة الاستحقاق- فى كلام الاصحاب- ليس الا الجائر المخالف.

و مما يؤيّده أيضا عطف الزكاة عليها مع ان الجائر الموافق لا يرى لنفسه ولاية

______________________________

من حيث المذهب التى امضاها الشارع للشيعة) بان اباح لهم التصرف فى المال الّذي وصل إليهم بواسطة سلطان له شبهة الاستحقاق (لا الشبهة فى نظر شخص خاص) كالشيعى الّذي حصلت له شبهة فردية (لان الشبهة الخاصة ان كانت عن سبب صحيح، كاجتهاد او تقليد) صارا سببا لشبهة الشيعى فى استحقاقه (فلا اشكال فى حليته له) اى لصاحب الشبهة (و استحقاقه للاخذ، بالنسبة إليه) الجار متعلق ب «لا اشكال» (و الا) تكن الشبهة عن سبب صحيح (كانت باطلة غير نافذة فى حق احد) لا السلطان، و لا المتقبل.

(و الحاصل ان آخذ الخراج و المقاسمة لشبهة الاستحقاق- فى كلام الاصحاب-) الذين عنونوا المسألة هكذا (ليس الا الجائر المخالف) فلا يشمل كلامهم المؤمن.

(و مما يؤيده أيضا عطف الزكاة عليها مع) وضوح (ان الجائر الموافق) الشيعى (لا يرى لنفسه ولاية

ص: 317

جباية الصدقات.

و كيف كان فالذى اتخيل كلما ازداد المنصف التأمل فى كلماتهم، يزداد له هذا المعنى وضوحا، فما اطنب به بعض فى دعوى عموم النص و كلمات الاصحاب مما لا ينبغى ان يغتربه.

و لاجل ما ذكرنا و غيره

______________________________

جباية) و جمع (الصدقات) اى الزكاة، و قوله «مع» ليس الا بقية المؤيد، لا انه مؤيد جديد كما لا يخفى.

(و كيف كان فالذى اتخيل) انه (كلما ازداد المنصف التأمل فى كلماتهم يزداد له هذا المعنى) و هو اختصاص الحلية بالمخالف، لا الموافق (وضوحا، فما اطنب به بعض فى دعوى عموم النص و كلمات الاصحاب مما لا ينبغى ان يغتربه).

لكن الظاهر صحة ما ذكره البعض.

اما النص فقد عرفت عموم جملة منها.

و اما كلمات الاصحاب فقد رأيت ان الشيخ انما اتى بكلام العلامة، و بعض آخر فقط.

و استدل بكلامهما لما فهمه استدلالا، لا ان كلامهما كان صريحا فى المطلب، خصوصا و ان كثيرا من الاصحاب كانوا معاصرين لسلاطين الشيعة كآل بويه، و خدا بنده، و الحمد انيين، و الصفويين، و غيرهم، و قد اطلقوا.

(و لا جل ما ذكرنا) من اختصاص الحكم بالمخالف (و غيره) اى غير ما

ص: 318

فسر صاحب إيضاح النافع فى ظاهر كلامه المحكى: الجائر فى عبارة النافع: بمن تقدم على امير المؤمنين عليه السلام و اقتفى اثر الثلاثة.

فالقول بالاختصاص كما استظهر فى المسالك، و جزم به فى إيضاح النافع، و جعله الاصح فى الرياض، لا يخلو عن قوة.

______________________________

ذكرنا من سائر الشواهد (فسر صاحب إيضاح النافع فى ظاهر كلامه المحكى: الجائر فى عبارة النافع: بمن تقدم على امير المؤمنين عليه السلام و اقتفى اثر الثلاثة) الذين تقدموا على الامام.

لكن لا يخفى عدم دلالة هذا الكلام أيضا، اذ خلفاء بنى العباس المتأخرون منهم بعد سنة المائتين و خمسة و خمسين لم يزحزحوا إماما، و انما كانوا كامراء الشيعة فى انهم لم يتركوا المقام لنائب الامام.

فان قال الشيخ بشمول كلام الايضاح لاؤلئك الخلفاء لزم منه شمول كلامه للامراء أيضا.

و ان قال: بالاختصاص بالذين زحزحوا الائمة عليهم السلام، لزم ان يكون الحكم بالحلية خاصا بالخلفاء المعاصرين للأئمة عليهم السلام و هذا مما لا يقول به.

(فالقول بالاختصاص) لحكم الحلية بالجائر المخالف (كما استظهره فى المسالك، و جزم به فى إيضاح النافع، و جعله الاصح فى الرياض، لا يخلو عن قوة) عند المصنف، و ان كان الا قوى عندنا تبعا لاطلاق الاخبار و الاصحاب و بعض المؤيدات الاخر عدم الاختصاص.

ص: 319

فينبغى فى الاراضى التى بيد الجائر الموافق، فى المعاملة على عينها، او على ما يؤخذ عليها، مراجعة الحاكم الشرعى و لو فرض ظهور سلطان مخالف لا يرى نفسه مستحقا لجباية تلك الوجوه، و انما اخذ ما يأخذ، نظير ما يأخذ على غير الاراضى الخراجية من الاملاك الخاصة فهو أيضا غير داخل فى منصرف الاخبار، و لا فى كلمات الاصحاب، فحكمه حكم السلطان الموافق

______________________________

(فينبغى فى الاراضى التى بيد الجائر الموافق، فى المعاملة على عينها) اى مقدار الخراج، و ما اشبه (او) المعاملة (على ما يؤخذ عليها) بان اراد تبديل الخراج، و ما اشبه (مراجعة الحاكم الشرعى) لانه النائب عن الامام عليه السلام، و قد كان الوالد رحمه الله يرى مساهلة الحاكم الشرعى مع المستأجر، و نحوه، من جهة ان الارض التى استولى عليها الجائر لا تسوى بالمقدار الّذي تسوى سائر الاراضى، فاذا كان خراجها الواقعى الفا آجرها الحاكم بخمسين مثلا، لان الخمسين هى القيمة العرفية لارض استولى عليها جائر يأخذ منها الألف، فتأمل (و لو فرض ظهور سلطان مخالف لا يرى نفسه مستحقا لجباية تلك الوجوه، و انما اخذ ما يأخذ) من الضرائب، ضريبة اجبارية (نظير ما يأخذ على غير الا راضى الخراجية من الاملاك الخاصة) بالناس، لا العامة لكل المسلمين (فهو أيضا غير داخل فى منصرف الاخبار، و لا فى كلمات الاصحاب) لما عرفت من لزوم كون الاخذ لشبهة- كما فى كلام العلامة- (فحكمه) اى هذا السلطان المخالف (حكم السلطان الموافق) الشيعى، هذا كله فى

ص: 320

و اما السلطان الكافر فلم اجد فيه نصا.

و ينبغى لمن تمسك بإطلاق النص و الفتوى التزام دخوله فيهما.

لكن الانصاف انصرافهما الى غيره، مضافا الى ما تقدم فى السلطان الموافق، من: اعتبار كون الاخذ بشبهة الاستحقاق.

و قد تمسك فى ذلك بعض بنفى السبيل للكافر على المؤمن، فتأمل.

______________________________

الموافق.

(و اما السلطان الكافر فلم اجد فيه نصا) من الاصحاب.

(و ينبغى لمن تمسك بإطلاق النص و الفتوى) فى الموافق (التزام دخوله) اى الكافر (فيهما) اى فى اطلاق النص و الفتوى.

(لكن الانصاف انصرافهما الى غيره) اى غير الكافر (مضافا الى ما تقدم فى السلطان الموافق، من: اعتبار كون الاخذ بشبهة الاستحقاق) و لا شبهة عند الكافر.

(و قد تمسك فى ذلك) اى فى خروج الكافر عن الحكم بالحلية (بعض بنفى السبيل للكافر على المؤمن).

فانه لو قلنا بحلية الخراج الّذي يأخذه الكافر يلزم منه ان يكون للكافر سبيل على المؤمن بتقدير الخراج، و تقبل الارض و ما اشبه ذلك (فتأمل).

اذ: القول بعدم الحلية اقرب الى كونه سبيلا، مضافا الى ان الحلية، لمنفعة المسلم، لا انها امضاء لسيطرة الكافر- كما لا يخفى-.

ص: 321

[الخامس الظاهر أنه لا يعتبر في حل الخراج المأخوذ، أن يكون المأخوذ منه ممن يعتقد استحقاق الآخذ للأخذ.]

الخامس الظاهر انه لا يعتبر فى حل الخراج المأخوذ، ان يكون المأخوذ منه ممن يعتقد استحقاق الآخذ للاخذ.

فلا فرق حينئذ بين المؤمن، و المخالف، و الكافر، لاطلاق بعض الاخبار المتقدمة، و اختصاص بعضها الآخر بالمؤمن، كما فى روايتى الحذاء، و اسحاق بن عمار، و بعض روايات قبالة الا راضى الخراجية.

______________________________

(الخامس) من التنبيهات (الظاهر) من اطلاق النص و الفتوى (انه لا يعتبر فى حل الخراج المأخوذ، ان يكون المأخوذ منه ممن يعتقد استحقاق الآخذ للاخذ).

فلو اخذ المؤمن شيئا من الخراج من كافر اخذه هو من السلطان المخالف، كان حلالا للمؤمن، و ان كان الكافر الآخذ لا يعتقد استحقاق المخالف للخراج.

(فلا فرق حينئذ) اى حين كان الآخذ مؤمنا (بين) كون الّذي اخذه من السلطان المخالف (المؤمن، و المخالف، و الكافر، لاطلاق بعض الاخبار المتقدمة) الشامل لكل آخذ (و اختصاص بعضها الآخر بالمؤمن، كما فى روايتى الحذاء، و اسحاق بن عمار، و بعض روايات قبالة الا راضى الخراجية) و «اختصاص» عطف على «لاطلاق» و هو علة لقوله «لا يعتبر» و هذا علة ثانية.

لان المؤمن لا يرى استحقاق الجائر، فتحليل الامام عليه السلام للخراج الّذي يأخذه المؤمن من المخالف، دليل على انه لا يعتبر ان يكون الآخذ يرى السلطان مستحقا للاخذ.

ص: 322

و لم يستبعد بعض اختصاص الحكم بالمأخوذ من معتقد استحقاق الاخذ مع اعترافه بان ظاهر الاصحاب التعميم.

و كانه ادخل هذه المسألة- يعنى مسألة حل الخراج و المقاسمة فى القاعدة المعروفة من الزام الناس بما الزموا به انفسهم، و وجوب المضى معهم فى احكامهم على ما

______________________________

(و لم يستبعد بعض) و هو الفاضل القطيفى (اختصاص الحكم بالمأخوذ من معتقد استحقاق الاخذ).

فاذا اخذ الخراج من السلطان مخالف يرى استحقاق السلطان كان حلالا لنا ان نأخذه منه، لان المخالف يرى استحقاق السلطان.

اما اذا اخذه من السلطان شيعى لا يرى استحقاق السلطان لا يحل لنا ان نأخذه من ذلك الشيعى (مع اعترافه بان ظاهر الاصحاب التعميم) لمن يرى استحقاق السلطان، و لمن لا يرى استحقاقه.

(و كانه) رحمه الله (ادخل هذه المسألة- يعنى مسألة حل الخراج و المقاسمة- فى القاعدة المعروفة من الزام الناس) بما التزموا به، او (بما الزموا به انفسهم) كما ورد بذلك النص و الفتوى و يذكرونه فى كتاب النكاح و الطلاق (و وجوب المضى معهم) اى مع الناس (فى احكامهم) بترتيب آثار الصحة على الصحيح عندهم، سواء كان صحيحا لدينا، أم باطلا، فاذا طلق زوجته طلاقا باطلا عندنا جاز لنا تزوجها، و اذ اورث من قريب له إرثا لا يصح عندنا، صح لنا ان نعامل مع ذلك المال معاملة ماله، و اذا باع خراجا جاز لنا ان نأخذ الثمن منه باعتبار كونه ماله، و هكذا (على ما

ص: 323

يشهد به تشبيه بعضهم ما نحن فيه باستيفاء الدين من الذمى من ثمن ما باعه من الخمر و الخنزير.

و الاقوى: ان المسألة اعم من ذلك و انما الممضى فيما نحن فيه تصرف الجائر فى تلك الاراضى مطلقا.

[السادس ليس للخراج قدر معين]

السادس ليس للخراج قدر معين، بل المناط فيه ما تراضى فيه السلطان و مستعمل الارض

______________________________

يشهد به) اى بكون اختصاص الحلية من باب ادخال المسألة فى مسألة «ما التزموا به» (تشبيه بعضهم ما نحن فيه ب) باب (استيفاء الدين من الذمّى) او سائر الكفار غير المحاربين (من ثمن) عين (ما باعه من الخمر و الخنزير).

فان ثمن الخمر غير صحيح عندنا، لان الله اذا حرم شيئا حرم ثمنه.

لكن حيث انه يصح عند الذمى جاز لنا ان نتعامل مع الثمن معاملة الصحيح.

(و) لكن (الاقوى: ان المسألة اعم من ذلك) و لا اختصاص للحلية بصورة كون الآخذ يرى السلطان مستحقا للاخذ (و انما الممضى) من قبل الائمة الطاهرين عليهم السلام (فيما نحن فيه) بالنسبة الى الآخذين (تصرف الجائر فى تلك الاراضى) الخراجية (مطلقا) سواء كان طرف الجائر من يعتقد استحقاقه، أم لا.

(السادس) من التنبيهات (ليس للخراج قدر معين، بل المناط فيه ما تراضى فيه السلطان و مستعمل الارض) نصفا او ثلثا او ربعا او اقل او

ص: 324

لان الخراج هى اجرة الارض فينوط برضى المؤجر و المستأجر.

نعم لو استعمل احد الارض قبل تعيين الاجرة، تعين عليه اجرة المثل، و هى مضبوطة عند اهل الخبرة.

و اما قبل العمل فهو تابع لما يقع التراضي عليه.

و نسب ما ذكرناه الى ظاهر الاصحاب، و يدل عليه قول ابى الحسن عليه السلام- فى مرسلة حماد بن عيسى-: و الارض التى اخذت عنوة بخيل و ركاب فهى موقوفة متروكة فى يد من يعمرها و يحييها على صلح ما يصالحهم الوالى على قدر طاقتهم من

______________________________

اكثر (لان الخراج هى اجرة الارض فينوط برضى المؤجر و المستأجر) قلّت الاجرة او كثرت.

(نعم لو استعمل احد الارض قبل تعيين الاجرة، تعين عليه اجرة المثل) من حيث المؤجر و المستأجر، و الارض و الزمان و المكان، و سائر المقدمات للاجرة بنظر العرف (و هى مضبوطة عند اهل الخبرة).

(و اما قبل العمل فهو تابع لما يقع التراضي عليه) زاد عن اجرة المثل او نقص.

(و نسب ما ذكرناه) من عدم قدر خاص للأجرة (الى ظاهر الاصحاب و يدل عليه قول ابى الحسن عليه السلام- فى مرسلة حماد بن عيسى-:

و الارض التى اخذت عنوة) و قهرا (بخيل) الفرس (و ركاب) الابل (فهى موقوفة) اى لاتباع (متروكة) لشأنها لا تنتقل (فى يد من يعمرها، و يحييها على صلح) و مقدار مال (ما يصالحهم) عليه (الوالى على قدر طاقتهم من

ص: 325

الخراج النصف او الثلث او الثلثان، و على قدر ما يكون لهم صالحا، و لا يضرّ بهم، الحديث.

و يستفاد منه انه اذا جعل عليهم من الخراج او المقاسمة ما يضرّ بهم، لم يجز ذلك كالذى يؤخذ من بعض مزارعى بعض بلادنا، بحيث لا يختار الزارع الزراعة من كثرة الخراج، فيجبرونه على الزراعة.

و حينئذ ففى حرمة كلما يؤخذ او المقدار الزائد على ما يضرّ الزيادة عليه، وجهان

______________________________

الخراج) بيان «ما» (النصف او الثلث او الثلثان، و على قدر ما يكون لهم صالحا، و لا يضرّ بهم) مما يتبين منه بالإضافة الى اشتراط المقدار المصالح عليه لزوم ان لا يكون الخراج مما يضربهم (الحديث).

(و يستفاد منه انه اذا جعل عليهم من الخراج او المقاسمة ما يضرّ بهم لم يجز ذلك).

و ذلك (كالذى يؤخذ من بعض مزارعى بعض بلادنا، بحيث لا يختار الزارع الزراعة من كثرة الخراج، فيجبرونه على الزراعة).

و ليت الشيخ رحمه الله كان يرى هذا الزمان الّذي يأخذون فيه الضرائب التصاعدية و احيانا تصل الى التسعين فى المائة بالإضافة الى سائر القيود و الشروط التى ما انزل الله بها من سلطان.

(و حينئذ) اى حين جعلوا عليهم ما يضرّ بحالهم (ففى حرمة كلما يؤخذ) لان المجموع اجرة، و الحال ان الشارع لم يأذن لمثل هذه الاجر (او المقدار الزائد على ما يضرّ الزيادة عليه وجهان) فما تضرّ الزيادة عليه الف- مثلا- و المقدار الزائد خمسمائة، فيما اذا اباعه بالف و خمسمائة.

ص: 326

و حكى عن بعض انه يشترط ان لا يزيد على ما كان يأخذه المتولى له الامام العادل الا برضاه.

و التحقيق ان مستعمل الارض بالزرع و الغرس ان كان مختارا فى استعمالها فمقاطعة الخراج و المقاسمة، باختياره و اختيار الجائر.

فاذا تراضيا على شي ء فهو الحق قليلا كان او كثيرا، و ان كان لا بدّ له من استعمال الارض، لانها كانت مزرعة له مدة سنين، و يتضرر بالارتحال عن تلك القرية الى غيرها

______________________________

(و حكى عن بعض انه يشترط ان لا يزيد على ما كان يأخذه المتولى له الامام العادل الا برضاه) اى يرضى المستعمل للارض.

(و التحقيق ان مستعمل الارض بالزرع و الغرس ان كان مختارا فى استعمالها) كما لو اراد ان يتقبل هذه الارض فعلا بدون استعمال سابق لها (فمقاطعة الخراج و المقاسمة، باختياره و اختيار الجائر) لانهما طرفا العقد.

(فاذا تراضيا على شي ء فهو الحق) الّذي يجب ان يعطيه المستعمل و للجائر ان يأخذه (قليلا كان او كثيرا، و ان كان لا بد له من استعمال الارض، لانها مزرعة له مدة سنين، و يتضرر بالارتحال عن تلك القرية الى غيرها) و ان لم يكن جبر فى البين- بمعناه الشرعى- بل الانجبار كان بمعناه العرفى.

فان الزارع- خصوصا اذا كان أبا عن جدّ- مجبور مضطر للبقاء فى نفس الارض التى اعتاد زراعتها، لانه لا يتمكن تمكنا عرفيا ان ينتقل الى

ص: 327

فالمناط ما ذكر فى المرسلة من عدم كون المضروب عليهم مضرا بان لا يبقى لهم بعد اداء الخراج ما يكون بإزاء ما انفقوا على الزرع من المال و بذلوا له من ابدانهم الاعمال.

[السابع ظاهر إطلاق الأصحاب: أنه لا يشترط- فيمن يصل إليه الخراج أو الزكاة من السلطان على وجه الهدية أو يقطعه الأرض الخراجية إقطاعا- أن يكون مستحقا له.]

السابع ظاهر اطلاق الاصحاب: انه لا يشترط- فيمن يصل إليه الخراج او الزكاة من السلطان على وجه الهدية او يقطعه الارض الخراجية اقطاعا- ان يكون مستحقا له.

و نسبه الكركى ره فى رسالته الى اطلاق الاخبار و الاصحاب، و لعله اراد اطلاق ما دل

______________________________

ارض اخرى، او عمل آخر (فالمناط ما ذكر فى المرسلة من عدم كون المضروب عليهم مضرا) و المضر عبارة (بان لا يبقى لهم بعد اداء الخراج ما يكون بإزاء ما انفقوا على الزارع من المال، و بذلوا له من ابدانهم الاعمال) او كان الباقى لهم شيئا يسيرا لا يعد فى مقابل تعبهم و عملهم كما لو كان مقتضى القاعدة ان يبقى لهم الف فبقى لهم خمسون مثلا.

(السابع) من التنبيهات (ظاهر اطلاق الاصحاب: انه لا يشترط فيمن يصل إليه الخراج او الزكاة من السلطان) وصولا (على وجه الهدية او يقطعه الارض الخراجية اقطاعا-) بان يعطيها اياه بدون اخذ ثمن و اجرة (ان يكون مستحقا له) فلا يشترط ان يكون فقيرا فى باب الزكاة، مثلا.

(و نسبه الكركى ره فى رسالته) قاطعة اللجاج (الى اطلاق الاخبار و الاصحاب، و لعله اراد اطلاق ما دل) من الاخبار و كلمات الاصحاب

ص: 328

على حل جوائز السلطان و عماله، مع كونها غالبا من بيت المال.

و الا فما استدلوا به لاصل المسألة انما هى الاخبار الواردة فى جواز ابتياع الخراج و المقاسمة و الزكاة، و الواردة فى حل تقبيل الارض الخراجية من السلطان.

و لا ريب فى عدم اشتراط كون المشترى و المتقبل مستحقا لشي ء من بيت المال.

و لم يرد خبر فى حل ما يهبه السلطان من الخراج حتى يتمسك

______________________________

(على حل جوائز السلطان و عماله، مع كونها غالبا من بيت المال) الّذي فيه الخراج و الجزية و الزكاة.

(و الا) يكن مراده اخبار الجوائز (ف) لا اخبار اخر فى البين لها اطلاق يمكن التمسك بها لهذه المسألة.

اذ (ما استدلوا به لاصل المسألة) اى مسألة حلية الخراج (انما هى الاخبار الواردة فى جواز ابتياع الخراج و المقاسمة و الزكاة، و) الاخبار (الواردة فى حلّ تقبيل الارض الخراجية من السلطان).

(و) هاتان الطائفتان لا دلالة فيهما على مسألتنا.

اذ (لا ريب فى عدم اشتراط كون المشترى و المتقبل مستحقا لشي ء من بيت المال).

لانهما انما يتعاملان معاملة، و لا يأخذان عطية او هدية.

(و لم يرد خبر فى حل ما يهبه السلطان من الخراج) مطلقا (حتى يتمسك

ص: 329

بإطلاقه، عدا اخبار جوائز السلطان مع ان تلك الاخبار واردة أيضا فى اشخاص خاصة، فيحتمل كونهم ذوى حصص من بيت المال.

فالحكم بنفوذ تصرف الجائر على الاطلاق فى الخراج من حيث البذل و التفريق كنفوذ تصرفه على الاطلاق فيه بالقبض و الاخذ و المعاملة عليه مشكل.

و اما قوله عليه السلام- فى رواية الحضرمى السابقة-: ما يمنع ابن ابى سماك ان يبعث أليك بعطائك، أ ما علم ان لك نصيبا من بيت المال،

______________________________

بإطلاقه) لكون الآخذ مستحقا للاخذ، او غير مستحق له (عدا اخبار جوائز السلطان مع ان تلك الاخبار) لا دلالة لها أيضا لمسألتنا.

فانها (واردة أيضا فى اشخاص خاصة، فيحتمل كونهم ذوى حصص من بيت المال).

فهى كما لو ورد: ان الامام اعطى زيدا دينارا من الزكاة، فانه لا دلالة فى ذلك على جواز اعطاء كل احد، و لو كان غنيا.

(فالحكم بنفوذ تصرف الجائر على الاطلاق) بالنسبة الى الآخذ سواء كان مستحقا، أم لا (فى الخراج من حيث البذل) و الاعطاء (و التفريق) لمال بيت المال بين الناس (كنفوذ تصرفه على الاطلاق فيه بالقبض و الاخذ) للخراج و الزكاة (و المعاملة عليه) بتقبيل الارض الخراجية (مشكل) اذ لا اطلاق، و مقتضى القاعدة عدم جواز الاخذ الا لمستحقه.

(و اما قوله عليه السلام- فى رواية الحضرمى السابقة-: ما يمنع ابن ابى سماك ان يبعث أليك بعطائك، أ ما علم ان لك نصيبا من بيت المال)

ص: 330

فانما يدل على ان كل من له نصيب فى بيت المال، يجوز له الاخذ لا ان كل من لا نصيب له لا يجوز اخذه.

و كذا تعليل العلامة رحمه الله- فيما تقدم من دليله- بان الخراج حق للّه اخذه غير مستحقه.

فان هذا لا ينافى امضاء الشارع لبذل الجائر اياه كيف شاء.

______________________________

فلا يدل على ان لكل احد نصيبا من بيت المال (فانما يدل على ان كل من له نصيب فى بيت المال، يجوز له الاخذ) و (لا) يدل على (ان كل من لا نصيب له لا يجوز اخذه) حتى يستدل به على عدم جواز اخذ كل احد الا الّذي له نصيب.

(و كذا تعليل العلامة رحمه الله- فيما تقدم من دليله- بان الخراج حق لله اخذه غير مستحقه) لا يدل على اشتراط استحقاق الاخذ- فانه ربما يستدل بتعليل الرواية و تعليل العلامة على اشتراط كون الآخذ مستحقا-.

(فان هذا) التعليل من العلامة (لا ينافى امضاء الشارع لبذل الجائر اياه كيف شاء) سواء كان الآخذ مستحقا، أم لا.

و الحاصل: انا استدللنا على عدم جواز اخذ غير المستحق، بمقتضى القاعدة الاولية.

و بعض اضاف على استدلالنا، الاستدلال بالرواية و كلام العلامة لكن لا دلالة فيهما، فمن المحتمل ان ينفذ تصرف الجائر مطلقا.

ص: 331

كما ان للامام (ع) ان يتصرف فى بيت المال كيف شاء، فالاستشهاد بالتعليل المذكور فى الرواية المذكورة و المذكور فى كلام العلامة ره على اعتبار استحقاق الاخذ بشي ء من بيت المال كما فى الرسالة الخراجية، محل نظر.

ثم اشكل من ذلك تحليل الزكاة المأخوذة منه لكل احد كما هو ظاهر اطلاقهم القول بحل اتهاب ما يؤخذ باسم الزكاة.

و فى المسالك: انه يشترط ان يكون صرفه لها على وجهها المعتبر عندهم بحيث لا يعدّ عندهم عاصيا، اذ يمتنع الاخذ منه عندهم أيضا.

______________________________

(كما ان للامام (ع) ان يتصرف فى بيت المال كيف شاء فالاستشهاد بالتعليل المذكور فى الرواية المذكورة) للحضرمى (و المذكور فى كلام العلامة ره على اعتبار استحقاق الاخذ بشي ء من بيت المال كما) استدل بهذين الدليلين (فى الرسالة الخراجية، محل نظر).

لما عرفت من عدم منافاتهما لجواز اخذ غير المستحق.

(ثم اشكل من ذلك) التقييد باستحقاق الاخذ (تحليل الزكاة المأخوذة منه) اى من بيت المال (لكل احد) و لو كان غنيا (كما هو ظاهر اطلاقهم القول بحل اتهاب ما يؤخذ باسم الزكاة).

اذ كيف يمكن الخروج عن مقتضى القاعدة بما لم يعلم اطلاقه.

(و فى المسالك: انه يشترط ان يكون صرفه لها) اى للزكاة (على وجهها المعتبر عندهم) اى عند العامة (بحيث لا يعدّ عندهم عاصيا، اذ يمتنع) حينئذ (الاخذ منه عندهم أيضا) و الادلة انما دلت على نفوذ ما يصح

ص: 332

ثم قال و يحتمل الجواز مطلقا، نظرا الى اطلاق النص و الفتوى.

قال و يجي ء مثله فى المقاسمة و الخراج فان مصرفها بيت المال و له ارباب مخصوصون عندهم أيضا، انتهى.

[الثامن أن كون الأرض الخراجية بحيث يتعلق بما يؤخذ منها ما تقدم من أحكام الخراج و المقاسمة، يتوقف على أمور ثلاثة.]
اشارة

الثامن ان كون الارض الخراجية بحيث يتعلق بما يؤخذ منها ما تقدم من احكام الخراج و المقاسمة، يتوقف على امور ثلاثة.

______________________________

عندهم، لا مطلقا.

(ثم قال) المسالك (و يحتمل الجواز) للآخذ (مطلقا) سواء جاز عند الاخذ، أم لا، و سواء جاز عندهم، أم لا (نظرا الى اطلاق النص) فى الجائزة (و الفتوى).

فاذا اعطى الجائر الزكاة للغنى، و كان بحيث لا يجوز عند الجائر أيضا، جاز الاخذ منه.

(قال) المسالك (و يجي ء مثله) اى على الاطلاق (فى المقاسمة و الخراج، فان مصرفها بيت المال و له ارباب مخصوصون عندهم أيضا، انتهى).

فاذا خالف الجائر و اعطى منه لغير المستحق بنظره جاز الاخذ منه لاطلاق النص و الفتوى.

و يحتمل عدم الجواز تمشيا مع مقتضى القاعدة الاولية.

(الثامن) من التنبيهات (ان كون الارض الخراجية بحيث يتعلق بما يؤخذ منها ما تقدم من احكام الخراج و المقاسمة، يتوقف على امور ثلاثة) و الا لم يكن المأخوذ منه خراجا، و لم يجر على المأخوذ احكام الخراج، مما

ص: 333

[الأول: كونها مفتوحة عنوة أو صلحا]

الاول: كونها مفتوحة عنوة او صلحا على ان يكون الارض للمسلمين اذ: ما عداهما من الارضين لا خراج عليها.

نعم لو قلنا بان حكم ما يأخذه الجائر من الانفال حكم ما يأخذه من ارض الخراج دخل ما يثبت كونه من الانفال فى حكمها، فنقول: يثبت الفتح عنوة بالشياع الموجب للعلم

______________________________

تقدم، و غيره مما ذكروه فى كتب الفقه المفصلة.

(الاول: كونها مفتوحة عنوة او صلحا) بان يقهر المسلمون الكافرين على فتحها، و الصلح بان يصالحوا معهم باعطائهم الجزية، او عدم التعرض لهم اذا سلموهم الارض، او ما اشبه ذلك (على ان يكون الارض للمسلمين).

و انما نشترط هذا الشرط (اذ: ما عداهما من الارضين لا خراج عليها) و انما هى لاهلها، او للامام، او لمن احياها.

(نعم لو قلنا بان حكم ما يأخذه الجائر من الانفال) التى هى للامام كبطون الاودية، و الآجام، و شطوط الانهار، و ما اشبه (حكم ما يأخذه من ارض الخراج) كما تقدم تفصيل الكلام حول ذلك (دخل ما يثبت كونه من الانفال فى حكمها) اى حكم اراضى الخراج فى كون خراج الانفال أيضا كخراج المفتوحة عنوة.

و كيف كان (فنقول: يثبت الفتح عنوة بالشياع الموجب للعلم) لحجية العلم، كما ذكروا فى مبحث القطع من الاصول.

و انما يذكرون الشياع مع انه لا خصوصية له، لانه من الطرق العادية

ص: 334

و بشهادة العدلين، و بالشياع المفيد للظن المتاخم للعلم، بناء على كفايته فى كل ما يعسر اقامة البينة عليه كالنسب و الوقف و الملك المطلق.

و اما ثبوتها بغير ذلك من الامارات الظنية، حتى قول من يوثق به من المؤرخين، فمحل اشكال،

______________________________

للعلم (و بشهادة العدلين) لانه ثبت شرعا حجيتهما مطلقا، الا ما خرج بالدليل مما يحتاج الى ازيد من عدلين كما فصل فى كتاب القضاء و الشهادات (و بالشياع المفيد للظن المتاخم) اى المتقارب (للعلم، بناء على) القول ب (كفايته فى كل ما يعسر اقامة البينة عليه).

لانه من الاستبانة المنصوصة فى قوله عليه السلام: الا ان تستبين، او تقوم به البينة.

و كبعض العلل المنصوصة، او المستنبطة الواردة فى روايات مذكورة فى باب ما يثبت بالشياع (كالنسب و الوقف و الملك المطلق) و ما اشبه، و لانه طريق عقلائى لم يردع الشارع عنه فيكون حجة، و قد فصلنا الكلام فى مسألة حجية الشياع فى كتاب التقليد من شرح العروة (و اما ثبوتها) اى كون الارض مفتوحة عنوة (بغير ذلك من الامارات الظنية، حتى قول من يوثق به من المؤرخين، فمحل اشكال) هذا بناء على ما اختاره الشيخ فى الاصول من احتياج الثبوت فى كل شي ء الى العدد، و العدالة حتى فى اهل الخبرة.

اما على قول المشهور من حجية قول اهل الخبرة مطلقا الا ما خرج- كالبينة- و لذا يعمل بقولهم فى الروايات و سائر الامور.

ص: 335

لان الاصل عدم الفتح عنوة، و عدم تملك المسلمين.

نعم الاصل عدم تملك غيرهم أيضا.

فان فرض دخولها بذلك فى الانفال و الحقناها بارض الخراج فى الحكم فهو.

و الا فمقتضى القاعدة حرمة تناول ما يؤخذ قهرا من زراعها.

______________________________

فمقتضى القاعدة ثبوت الفتح عنوة بقولهم: (لان الاصل عدم الفتح عنوة) فانه حادث فاذا شك فيه كان الاصل عدمه (و) الاصل أيضا (عدم تملك المسلمين) لانه مسبوق بالعدم فاذا شك فيه كان الاصل عدمه.

(نعم الاصل عدم تملك غيرهم أيضا) لانه أيضا حادث.

(فان فرض دخولها) اى هذه الارض المشكوكة (بذلك) الاصل فى عدم تملك المسلمين، و عدم تملك غيرهم (فى الانفال) لان كل ارض لا مالك لها فهى من الانفال، سواء علمنا بعدم مالك لها، او كان مقتضى الاصل ذلك (و الحقناها) اى الانفال (بارض الخراج فى الحكم) كما تقدم احتمال ذلك (فهو) بان كان اللازم ان يعامل مع هذه الارض معاملة اراضى الخراج.

(و الا فمقتضى القاعدة) الاولية (حرمة تناول ما يؤخذ قهرا من زراعها) لاصالة بقاء النتاج فى ملك الزارع.

اللهم الا اذا كان الزارع مخالفا معتقد الصحة ما يفعله السلطان المخالف و ذلك لقاعدة: الزموهم، بل اطلاقات ادلة الخراج مع العلم ان المستفتين للأئمة عليهم السلام، لم يكونوا يعلمون باحوال الاراضى

ص: 336

و اما الزراع، فيجب عليهم مراجعة حاكم الشرع، فيعمل فيها معهم على طبق ما يقتضيه القواعد عنده، من كونه مال الامام (ع) او مجهول المالك، او غير ذلك.

و المعروف بين الامامية بلا خلاف ظاهر: ان ارض العراق فتحت عنوة و حكى ذلك عن التواريخ المعتبرة.

و حكى عن بعض العامة انها فتحت صلحا.

______________________________

الخراجية، و ان أية ارض للخراج، و أية ارض لا خراج عليها، و انما يأخذون منهم جبرا، او تسالما.

(و اما الزراع فيجب عليهم مراجعة حاكم الشرع، فيعمل فيها) اى فى تلك الاراضى التى بيدهم (معهم على طبق ما يقتضيه القواعد عنده، من كونه مال الامام «ع») لانه راى ان مقتضى الاصل: انها ليست لاحد فهى من الانفال (او مجهول المالك، او غير ذلك) مما ثبت لديه ان الارض من ذلك القسم، اذ الارضون على اقسام، كما ثبت فى كتاب الجهاد.

(و المعروف بين الامامية بلا خلاف ظاهر: ان ارض العراق فتحت عنوة و حكى ذلك) الفتح عنوة (عن التواريخ المعتبرة) كالطبرى، و ابن اثير و ابن الجوزى، و اليعقوبى، و جرجى زيدان، و المسعودى، و غيرهم.

(و حكى عن بعض العامة انها فتحت صلحا).

و لا يبعد عدم المنافات بينهما لفتح بعضها عنوة، و فتح بعضها صلحا

كما ان مكة كذلك حيث فتح جانب منها عنوة و جانب منها صلحا- كما يدل على ذلك مقاومة خالد بن الوليد و اصحابه للمسلمين فى احدى

ص: 337

و ما دل على كونها ملكا للمسلمين، يحتمل الامرين.

ففى صحيحة الحلبى انه سئل ابو عبد الله عليه السلام عن ارض السواد ما منزلته؟ فقال هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم مسلم، و لمن يدخل فى الاسلام بعد اليوم و لمن يخلق بعد.

و رواية ابى الربيع الشامى: لا تشتر من ارض السواد شيئا الا من كانت له ذمة، فانما هى فى ء للمسلمين.

______________________________

جوانب مكة-.

(و ما دل) من الاخبار (على كونها ملكا للمسلمين، يحتمل الامرين) الصلح و القهر.

(ففى صحيحة الحلبى انه سئل ابو عبد الله عليه السلام عن ارض السواد) اى العراق، و كانت تسمى سواد الكثرة زرعها، لان الزرع الاخضر يميل الى السواد فى نظر الناظر (ما منزلته؟) اى ما حكمه (فقال هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم مسلم، و لمن يدخل فى الاسلام بعد اليوم) من الكفار (و لمن يخلق بعد) من المسلمين.

(و رواية ابى الربيع الشامى: لا تشتر من ارض السواد شيئا الا من كانت له ذمة) فان الذمى لا مانع لديه من الاشتراء، لانه لا يدين بالاسلام، و حكام الجور ما كان لهم مانع عن البيع، لانهم كانوا يريدون المال (فانما هى فى ء للمسلمين) من: فاء، اذا رجع، فان الارض للّه و الكفار يتصرفون فيها باطلا فاذا صارت بيد المسلمين كانت راجعة الى اربابها.

ص: 338

و قريب منها صحيحة ابن الحجاج.

و اما غير هذه الارض مما ذكر، و اشتهر فتحها عنوة فان اخبر به عدلان يحتمل حصول العلم لهما من السماع و الظن المتاخم من الشياع، اخذ به على تامل فى الاخير.

كما فى العدل الواحد، و الا فقد عرفت الاشكال فى الاعتماد على مطلق الظن.

______________________________

(و قريب منها صحيحة ابن الحجاج) و غيرها، فانها تدل على كون العراق مفتوحة عنوة.

(و اما غير هذه الارض مما ذكر، و اشتهر) بين المؤرخين (فتحها عنوة فان اخبر به عدلان يحتمل) السامع (حصول العلم لهما من السماع او الظن المتاخم) اى القريب الى العلم (من الشياع، اخذ به).

لان قول العدلين المستند الى الحسّ حجة، و كذا الشياع الظنى المتاخم للعلم (على تامل فى الاخير) اى الشياع، لما تقدم من الاشكال فيه.

(كما) يكون التأمل (فى العدل الواحد).

من ان الشارع انما جعل الحجة قول عدلين.

و من ان قول اهل الخبرة حجة و ان كان واحدا لانه من الاستنابة المذكورة فى الرواية المتقدمة (و الا فقد عرفت الاشكال فى الاعتماد على مطلق الظن) فى مثل هذه الابواب بل قوله تعالى: إِنَّ الظَّنَّ لٰا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً،* محكما الا ان يثبت المخرج عنه، و ليس بثابت فى المقام.

ص: 339

و اما العمل بقول المؤرخين بناء على ان قولهم فى المقام نظير قول اللغوى فى اللغة، و قول الطبيب و شبههما فدون اثباته خرط القتاد.

و اشكل منه اثبات ذلك باستمرار السيرة على اخذ الخراج من ارض لان ذلك اما من جهة ما قيل من كشف السيرة عن ثبوت ذلك من الصدر الاول من غير نكير.

______________________________

(و اما العمل بقول المؤرخين بناء على ان قولهم فى المقام نظير قول اللغوى فى اللغة، و قول الطبيب و شبههما) كالمهندس (فدون اثباته خرط القتاد).

القتاد شوك مؤلم، و خرطه القبض من اعلاه، و امرار اليد الى اسفله لازالة الاشواك.

و من المعلوم صعوبة مثل هذا العمل.

و وجه عدم اثبات ذلك بقول المؤرخ انه لا يفيد الا الظن، و الظن ليس بحجة

اللهم الا ان يقال بالحجية من باب بناء العقلاء و عدم ردع الشارع

(و اشكل منه اثبات ذلك) اى كون الارض مفتوحة عنوة (باستمرار السيرة على اخذ الخراج من ارض).

وجه الا شكلية (لان ذلك) الاثبات بالسيرة (اما من جهة ما قيل من كشف السيرة عن ثبوت ذلك) اى كون الارض مفتوحة عنوة (من الصدر الاول من غير نكير).

فاذا ثبت الفتح عنوة ترتب عليه احكامه.

ص: 340

اذ لو كان شيئا حادثا لنقل فى كتب التواريخ لاعتناء اربابها بالمبتدعات و الحوادث.

و اما من جهة وجوب حمل تصرف المسلمين و هو اخذهم الخراج على الصحيح.

و يرد على الاول مع ان عدم التعرض يحتمل كونه لاجل عدم اطلاعهم الّذي لا يدل على العدم ان هذه الامارات ليس باولى من تنصيص اهل التواريخ الّذي عرفت حاله.

و على الثانى انه ان اريد بفعل المسلم: تصرف السلطان باخذ الخراج فلا

______________________________

(اذ لو كان) ضرب الخراج على هذه الارض (شيئا حادثا لنقل) كونه حادثا (فى كتب التواريخ لاعتناء اربابها بالمبتدعات و الحوادث) فاذ لم ينقلوا انه حادث مبتدع، دل ذلك على كونها مفتوحة عنوة حقيقة.

(و اما من جهة وجوب حمل تصرف المسلمين و هو اخذهم الخراج على الصحيح) لقوله عليه السلام: ضع امر اخيك على احسنه.

(و يرد على الاول) اى كشف السيرة (مع ان عدم التعرض) بكون الخراج بدعة، من ارباب التواريخ (يحتمل كونه لاجل عدم اطلاعهم الّذي لا يدل على العدم) اى عدم الابتداع فى وضع الخراج (ان هذه الامارات ليس باولى من تنصيص اهل التواريخ الّذي عرفت حاله) و انه ليس بحجة، لما عرفت من اعتبار العدد و العدالة فى التاريخ.

(و) يرد (على الثانى) اى حمل فعل المسلم على الصحيح (انه ان اريد بفعل المسلم: تصرف السلطان باخذ الخراج، فلا

ص: 341

ريب ان اخذه حرام، و ان علم كون الارض خراجية فكونها كذلك لا يصحح فعله.

و دعوى ان اخذه الخراج من ارض الخراج اقل فسادا من اخذه من غيرها، توهم.

لان مناط الحرمة فى المقامين واحد، و هو اخذ مال الغير من غير استحقاق.

______________________________

ريب ان اخذه حرام) و مع العلم بالحرمة، لا مجال لاجراء اصالة الصحة (و ان علم كون الارض خراجية) «ان» وصلية (فكونها كذلك) خراجية (لا يصحح فعله) فلا مجال للتمسك باصل الصحة.

(و دعوى) انه من الممكن التفكيك بين كون السلطان مرتكبا الحرامين لان الارض ليست خراجية فالمال و الاخذ حرامان، و بين كونه مرتكبا حراما واحدا، و هو كون الارض خراجية مما يستلزم كون الاخذ حراما، لا كون المال حراما.

و من المعلوم ان ارتكاب شخص لمحرم واحد، لا يوجب حمل سائر افعاله على غير الصحيح.

ف (ان اخذه الخراج من ارض الخراج اقل فسادا من اخذه) الخراج (من غيرها) اى غير الارض الخراجية (توهم) خبر «دعوى».

(لان مناط الحرمة فى المقامين) اخذ الخراج من ارض الخراج، و اخذه من غير ارض الخراج (واحد، و هو اخذ مال الغير من غير استحقاق) سواء كان الاخذ و المال حراما، أم مجرد الاخذ حراما.

ص: 342

و اشتغال ذمة المأخوذ منه باجرة الارض الخراجية و عدمه فى غيرها لا يهوّن الفساد.

نعم بينهما فرق من حيث الحكم المتعلق بفعل غير السلطان، و هو من يقع فى يده شي ء من الخراج بمعاوضة، او تبرع، فيحل فى الارض الخراجية دون غيرها

______________________________

(و) من المعلوم: ان (اشتغال ذمة المأخوذ منه باجرة الارض الخراجية) فان الزارع مشغول الذمة بالاجرة، فيما اذا كانت الارض خراجية (و عدمه) اى عدم اشتغال ذمته (فى غيرها) اى غير الارض الخراجية (لا يهون الفساد).

لان اخذ السلطان الفاسد اخذه لا يصحح باشتغال ذمة الزارع، او عدم اشتغال ذمته.

فهما من قبيل اللص الّذي يأخذ المال من الانسان الّذي لا يخمس و الانسان الّذي يخمس، فكما ان الخمس غير مربوط باللص و اخذه حرام على كل تقدير- و ان قصد ان ما يأخذه خمس- كذلك الخراج غير مربوط بالجائر، ففعله حرام، سواء كانت ذمة الزارع مشغولة بالخراج، أم لا.

(نعم بينهما) اى كون الارض خراجية، أم لا (فرق من حيث الحكم المتعلق بفعل غير السلطان، و هو من يقع فى يده شي ء من الخراج بمعاوضة) كما لو اشترى زيد الخراج من السلطان (او تبرع) كما لو اعطاه السلطان الخراج بعنوان الجائزة (فيحل) المال (فى الارض الخراجية) لانه حق للمسلمين، و قد اباحه الأئمة عليهم السلام (دون غيرها) لانه

ص: 343

مع انه لا دليل على وجوب حمل الفاسد على اقل فسادا اذا لم يتعدد عنوان الفساد كما لو دار الامر بين الزنا مكرها للمرأة، و بين الزنا برضائها حيث ان الظلم محرم آخر غير الزنا بخلاف ما نحن فيه.

______________________________

مال أخذ من صاحبه قهرا، و لا دليل على الحلية.

هذا (مع انه) بعد تمامية ان اخذ الخراج من الارض الخراجية، اقل فسادا من اخذ الخراج من الارض غير الخراجية (لا دليل على وجوب حمل الفاسد على اقل فسادا).

فان الدليل انما دل على وجوب الحمل على الصحة، فيما شك فى انه صحيح، أم لا، و لم يدل على وجوب الحمل على اقل فسادا فيما علم انه فاسد (اذا لم يتعدد عنوان الفساد) بان دار الامر بين عنوانين و عنوان واحد، فان فى هذا المقام يمكن القول بان العنوان المشكوك الاصل عدمه (كما لو دار الامر) فى من نعلم بانه زنى بامرأة (بين الزنا مكرها للمرأة، و بين الزنا برضائها) فان عنوان الفساد متعدد هنا (حيث ان) الاكراه ظلم، و (الظلم محرم آخر غير الزنا).

فاذا شك فى انه زنا و ظلم، او زنا فقط، كان اللازم ان ننفى الظلم و لا نرتب عليه الاحكام المربوطة بالظلم، الا اذا ثبت ذلك بدليل خارجى (بخلاف ما نحن فيه) فان الاخذ حرام، و ليس عنوانين فيما اذا كانت الارض غير خراجية- كما لا يخفى- بل العنوان واحد، و هو تناول مال الغير بدون الاستحقاق.

ص: 344

مع ان اصالة الصحة لا يثبت الموضوع، و هو كون الارض خراجية.

الا ان يقال: ان المقصود ترتب آثار الاخذ الّذي هو اقلّ فساد او هو حل تناوله من الاخذ، و ان لم يثبت كون الارض خراجية بحيث يترتب عليه الآثار الاخر مثل وجوب دفع اجرة الارض الى حاكم الشرع ليصرفه فى المصالح

______________________________

(مع ان اصالة الصحة لا يثبت الموضوع، و هو كون الارض خراجية) لان الاصول لا تثبت لوازمها.

فهو كما لو شك فى ان زيدا سلّم او شتم، فان حمل فعل المسلم على الصحيح، يقتضي ان يقال: انه لم يشتم، اما انه سلّم فيجب جوابه فلا كما حقق فى محلّه.

(الا ان يقال: ان المقصود) من اجراء اصل الصحة (ترتب آثار الاخذ) اى اخذ الجائر للخراج (الّذي هو اقلّ فسادا).

يعنى انا و ان علمنا ان اخذ الجائر للمال فاسد، الا ان اخذه قد يكون اقل فسادا- فيما اذا كانت الارض خراجية- و قد يكون اخذه اكثر فسادا- فيما اذا كانت الارض غير خراجية-.

فمقصودنا من اصل الصحة ترتيب اثر الاقل فسادا (و هو حل تناوله) اى ما اعطاه الجائر (من الاخذ) فان الارض اذا كانت خراجية جاز تناول الاخذ من السلطان للمال (و ان لم يثبت كون الارض خراجية) بسبب اجراء اصالة الصحة (بحيث يترتب عليه الآثار الاخر) لارض الخراج (مثل وجوب دفع اجرة الارض الى حاكم الشرع ليصرفه فى المصالح) للمسلمين

ص: 345

اذا فرض عدم السلطان الجائر، و مثل حرمة التصرف فيه من دون دفع اجرة اصلا، لا الى الجائر، و لا الى حاكم الشرع.

و ان اريد بفعل المسلم تصرفا لمسلمين فيها يتناولونه من الجائر من خراج هذه الارض.

ففيه انه لا عبرة بفعلهم، اذا علمنا بانهم لا يعلمون حال هذه

______________________________

(اذا فرض عدم السلطان الجائر، و مثل حرمة التصرف فيه) اى فى هذا الموضوع- اى الارض- (من دون دفع اجرة اصلا، لا الى الجائر، و لا الى حاكم الشرع).

و ذلك لما تحقق فى محله من ان الاصل انما يثبت مجراه دون لوازمه الاخر.

فاصالة الصحة فى عمل السلطان المسلم الجائر تصحح حلية التصرف فى المال، لا ان الارض خراجية حتى تثبت سائر آثار الارض الخراجية هذا كله ان اريد بصحة فعل المسلم تصرف السلطان.

(و ان اريد بفعل المسلم) الموجب لحمله على الصحة (تصرف المسلمين فيما يتناولونه من الجائر من خراج هذه الارض) لانه اذا لم تكن الارض خراجية، لم يجز تصرفهم فى ما يعطيه السلطان لهم مما اخذه من تلك الارض.

فاذا رأيناهم تصرفوا فى عطاء السلطان، دلّ ذلك على كون الارض للخراج حملا لفعلهم على الصحيح.

(ففيه انه لا عبرة بفعلهم، اذا علمنا بانهم لا يعلمون حال هذه

ص: 346

الاراضى، كما هو الغالب فى محل الكلام.

اذ نعلم بفساد تصرفهم من جهة عدم احراز الموضوع.

و لو احتمل تقليدهم لمن يرى تملك الارض الخراجية لم ينفع.

و لو فرض احتمال علمهم بكونها خراجية، كان اللازم من ذلك جواز

______________________________

الاراضى، كما هو الغالب فى محل الكلام).

فانك اذا سألت من المسلمين الآخذين للمال من السلطان، هل تعلمون ان ارض البحرين- مثلا- التى اعطى السلطان لكم من خراجها، مفتوحة عنوة، أم لا؟ تريهم يجيبون بالنفى و انهم لا يعلمون ذلك.

(اذ نعلم بفساد تصرفهم من جهة عدم احراز الموضوع).

فانا نريهم يتصرفون فى هذه الاراضى تصرف الملاك، مع انهم لم يحرزوا انها ليست مفتوحة عنوة.

فحمل فعلهم على الصحة، لا مجال له بعد ان علمنا فساد تصرفاتهم فتأمل-.

(و لو احتمل تقليدهم لمن يرى تملك الارض الخراجية لم ينفع) لان ما يحتاج الى المخرج لا ينفع فيه احتمال المخرج.

فمن رايناه يبيع الوقف لا يصح ان نشترى منه الا اذا علمنا انه يبيعه على وجه صحيح.

(و لو فرض احتمال علمهم بكونها خراجية، كان اللازم من ذلك جواز

ص: 347

التناول من ايديهم، لا من يد السلطان كما لا يخفى.

[الثانى أن يكون الفتح بإذن الإمام عليه السلام]

الثانى ان يكون الفتح باذن الامام عليه السلام، و الا كان المفتوح مال الامام (ع) بناء على المشهور.

بل عن المجمع، انه كاد يكون اجماعا، و نسبه فى المبسوط الى رواية اصحابنا، و هى مرسلة العباس الوراق، و فيها انه اذا غزا قوم بغير اذن الامام (ع) فغنموا، كانت الغنيمة كلها للامام.

قال فى المبسوط و على هذه الرواية يكون جميع ما فتحت بعد النبي «ص»-

______________________________

التناول من ايديهم) لان احتمال الصحة كاف فى حمل فعل المسلم على الصحيح (لا من يد السلطان) لانا نعلم ان يد السلطان باطلة (كما لا يخفى) لمن تدبّر.

(الثانى) من الامور الثلاثة التى توجب كون الارض خراجية (ان يكون الفتح باذن الامام عليه السلام) او نائبه الخاص او العام و فى المجتهد خلاف (و الا كان) المحلّ (المفتوح) من الاراضى (مال الامام «ع» بناء على المشهور) بالنسبة الى هذا الشرط.

(بل عن المجمع، انه كاد يكون اجماعا، و نسبه) اى نسب هذا الشرط (فى المبسوط الى رواية اصحابنا، و هى مرسلة العباس الوراق و فيها انه اذا غزا قوم بغير اذن الامام «ع» فغنموا، كانت الغنيمة كلها للامام) و الغنيمة شاملة للمنقول و للارض- كما لا يخفى-.

(قال فى المبسوط و على هذه الرواية يكون جميع ما فتحت بعد النبي «ص»-

ص: 348

الا ما فتحت فى زمان الوصى- من مال الامام «ع» انتهى.

اقول: فيبتنى حل المأخوذ منها خراجا على ما تقدم من حل الخراج المأخوذ من الانفال.

و الظاهر: ان ارض العراق، مفتوحة بالاذن، كما يكشف عن ذلك ما دل على انها للمسلمين.

و اما غيرها مما فتحت فى زمان خلافة الثانى- و هى اغلب ما فتحت- فظاهر

______________________________

الا ما فتحت فى زمان الوصى- من مال الامام «ع» انتهى).

اقول: لم تذكر التواريخ انه فتحت فى زمان الوصى شي ء من البلاد.

اذ المراد بزمان الوصى ان كان فى زمن الثلاثة، فالامام لم يباشر حربا، و لم يجهز جيشا، و ان كان بعد الثلاثة فالجمل و الصفين و نهروان اشغلت الامام عن الفتوح، بل لعل الامام عليه السلام كان من نظره الدعوة الى الاسلام، ثم الحرب، و لذا ترك الحرب الابتدائية.

(اقول: فيبتنى حل المأخوذ منها خراجا على ما تقدم من حل الخراج المأخوذ من الانفال).

اذ لو لا ذلك، فالاراضى للامام، و قد اباحوها لشيعتهم.

(و الظاهر: ان ارض العراق، مفتوحة بالاذن) من الامام امير المؤمنين (ع) فتكون من المفتوحة عنوة (كما يكشف عن ذلك ما دل على انها للمسلمين) من الروايات التى تقدم بعضها.

(و اما غيرها) اى غير العراق (مما فتحت فى زمان خلافة الثانى- و هى اغلب ما فتحت-) فى زمن الخلفاء الثلاثة (فظاهر

ص: 349

بعض الاخبار كون ذلك أيضا باذن مولانا امير المؤمنين عليه السلام و امره

ففى الخصال فى ابواب السبعة- فى باب ان الله تعالى- يمتحن اوصياء الأنبياء فى حياة الأنبياء فى سبعة مواطن و بعد وفاتهم فى سبعة مواطن- عن ابيه و شيخه، عن سعد بن عبد الله عن احمد بن الحسين ابن سعيد، عن جعفر بن محمد النوفلى، عن يعقوب الرائد عن ابى عبد الله جعفر بن احمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن على بن عبد الله بن جعفر ابن ابى طالب، عن يعقوب بن عبد الله الكوفى، عن موسى بن عبيد، عن عمرو بن ابى المقدام، عن جابر الجعفى، عن ابى جعفر عليه

______________________________

بعض الاخبار كون ذلك) الفتح (أيضا باذن مولانا امير المؤمنين عليه السلام و امره).

(ففى الخصال فى ابواب السبعة- فى باب ان الله تعالى يمتحن اوصياء الأنبياء فى حياة الأنبياء فى سبعة مواطن، و بعد وفاتهم فى سبعة مواطن- عن ابيه) اى والد الصدوق، و هو على بن بابويه (و شيخه عن سعد بن عبد الله عن احمد بن الحسين بن سعيد، عن جعفر بن محمد النوفلى، عن يعقوب الرائد).

و لا يخفى ان ذكر السند فى كتب الاستدلال للتذكر لاهل العلم بالاسانيد، و الا فمحل ذكر الاسناد كتب الاخبار (عن ابى عبد الله جعفر ابن احمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن على بن عبد الله بن جعفر بن ابى طالب، عن يعقوب بن عبد الله الكوفى، عن موسى بن عبيد، عن عمرو ابن ابى المقدام، عن جابر الجعفى، عن ابى جعفر) الامام الباقر (عليه

ص: 350

السلام: انه اتى يهودى امير المؤمنين عليه السلام فى منصرفه عن وقعة نهروان، فسأله عن تلك المواطن و فيه قوله عليه السلام و اما الرابعة- يعنى من المواطن الممتحن بها بعد النبي صلى الله عليه و آله،- فان القائم بعد صاحبه- يعنى عمر بعد ابى بكر- كان يشاورنى فى موارد الامور و مصادرها فيصدرها عن امرى، و يناظرنى فى غوامضها، فيمضيها عن رأيى لا يعلمه احد، و لا يعلمه اصحابى و لا يناظرنى غيره الخبر.

و الظاهر ان عموم الامور اضافى بالنسبة الى ما لا يقدح فى رئاسته مما يتعلق بالسياسة.

______________________________

السلام: انه اتى يهودى امير المؤمنين عليه السلام فى منصرفه عن وقعة نهروان، فسأله عن تلك المواطن) السبعة، و السبعة التى اختبر الله سبحانه الامام فيها (و فيه قوله عليه السلام و اما الرابعة- يعنى من المواطن الممتحن بها بعد النبي صلى الله عليه و آله،- فان القائم بعد صاحبه- يعنى عمر بعد ابى بكر- كان يشاورنى فى موارد الامور) جمع مورد (و مصادرها فيصدرها عن امرى) و يعملها حسب اشارتى (و يناظرنى فى غوامضها، فيمضيها عن رأيى لا يعلمه احد) اى لا يعلم بانه يشاورنى احد (و لا يعلمه اصحابى) لان الثانى كان يأنف من ذلك (و لا يناظرنى غيره) اى بمثل مناظرته و استفهامه الى آخر (الخبر).

(و الظاهر ان عموم الامور) فى كلام الامام عليه السلام (اضافى بالنسبة الى ما لا يقدح فى رئاسته مما يتعلق بالسياسة) و الا فمن المعلوم انه كان يخالف الامام عليه السلام فى كثير من الموارد.

ص: 351

و لا يخفى ان الخروج الى الكفار و دعائهم الى الاسلام من اعظم تلك الامور، بل لا اعظم منه.

و فى سند الرواية جماعة تخرجها عن حدّ الاعتبار الا ان اعتماد القميين عليها و روايتهم لها مع ما عرف من حالهم لمن تتبعها من انهم لا يثبتون فى كتبهم رواية فى راويها ضعف، الا بعد احتفافها بما يوجب الاعتماد عليها جابر لضعفها فى الجملة.

______________________________

ثم ان وجه الابتلاء و الامتحان فى ذلك ان الامام عليه السلام كان مأمورا من قبل الله تعالى بتقديم الاسلام و لو كان ذلك يحسب فى حساب غير الامام ممن يناوئ الامام و يغصب مكانه، و هذا من اعظم الابتلاء ان يساعد الانسان عدوه بما ترجع بالنسبة، الحسنة إليه، فيقول الناس فعل فلان كذا، بينما ان التخطيط و التفكير من الامام عليه السلام بحيث لولاه لم يكن من الاسلام عين و لا اثر.

(و) هذه الرواية و ان لم تصرح باسم الحروب و الفتوح.

و لكن (لا يخفى ان الخروج الى الكفار و دعائهم الى الاسلام من اعظم تلك الامور، بل لا اعظم منه) هذا من جهة الدلالة.

(و فى سند الرواية جماعة تخرجها عن حدّ الاعتبار) لعدم وثاقتهم (الا ان اعتماد القميين عليها و روايتهم لها مع ما عرف من حالهم) اى حال القميين (لمن تتبعها من انهم لا يثبتون فى كتبهم رواية فى راويها ضعف الا بعد احتفافها بما يوجب الاعتماد عليها) من القرائن الحالية او المقالية (جابر لضعفها فى الجملة) و ان لم يوصلها الى حدّ الصحاح.

ص: 352

مضافا الى ما اشتهر من حضور ابى محمد الحسن عليه السلام، فى بعض الغزوات و دخول بعض خواص امير المؤمنين عليه السلام من الصحابة، كعمار فى امرهم.

و فى صحيحة محمد بن مسلم، عن ابى جعفر عليه السلام، قال سألته عن سيرة الامام (ع) فى الارض التى فتحت بعد رسول الله صلى الله عليه و آله، فقال ان امير المؤمنين عليه السلام قد سار فى اهل العراق بسيرة فهى امام لسائر الارضين الخبر.

______________________________

(مضافا الى ما اشتهر من حضور ابى محمد الحسن عليه السلام، فى بعض الغزوات) بل فى الجواهر و غيره ان الامام الحسن عليه السلام كما ينقل- صلى فى مسجد اصفهان، و فى جملة من التواريخ ان الامامين الحسن و الحسين عليهما السلام حضرا غزوات افريقيا (و دخول بعض خواص امير المؤمنين عليه السلام من الصحابة، كعمار فى امرهم) الّذي يظن منه انه كان باذن الامام عليه السلام، و الا لم يكن يشترك مثله فى هذه الغزوة.

(و فى صحيحة محمد بن مسلم، عن ابى جعفر عليه السلام، قال سألته عن سيرة الامام (ع)) اى ما هى طريقة تصرفه (فى الارض التى فتحت) عنوة (بعد رسول الله صلى الله عليه و آله، فقال) عليه السلام (ان امير المؤمنين عليه السلام قد سار فى اهل العراق بسيرة فهى امام) و اسوة (لسائر الارضين) المفتوحة عنوة الى آخر (الخبر).

ص: 353

و ظاهرها ان سائر الارضين المفتوحة بعد النبي (ص) حكمها حكم ارض العراق.

مضافا الى انه يمكن الاكتفاء عن اذن الامام المنصوص فى مرسلة الوراق بالعلم بشاهد الحال برضا امير المؤمنين و سائر الأئمة بالفتوحات الاسلامية الموجبة لتأيّد هذا الدين، و قد ورد ان الله تعالى يؤيد هذا الدين باقوام لا خلاق لهم منه بحمل الصادر من الغزات من فتح البلاد على وجه صحيح، و هو كونه بامر الامام (ع).

______________________________

(و ظاهرها) بالإضافة الى كون العراق مفتوحة عنوة (ان سائر الارضين المفتوحة بعد النبي «ص» حكمها حكم ارض العراق) مما يدل على وجود اذن الامام فى الفتح حقيقة، او ان المأمور به العمل بموازين الفتح، و ان كانت للامام واقعا- لانه لم يؤذن فى فتحها-.

(مضافا الى انه يمكن الاكتفاء عن اذن الامام المنصوص فى مرسلة الوراق) اشتراطه فى اجراء احكام المفتوحة عنوة (بالعلم بشاهد الحال برضا امير المؤمنين) عليه السلام (و سائر الأئمة) عليهم السلام (بالفتوحات الاسلامية الموجبة) تلك الفتوحات (لتأيّد هذا الدين، و قد ورد ان الله تعالى يؤيّد هذا الدين باقوام لاخلاق) اى لا نصيب (لهم منه) اى من الدين، كالامويين و من اشبههم.

و اذا علمنا بالرضا منهم عليهم السلام، و كان الرضا قائما مقام الاذن صح كونها مفتوحة عنوة (بحمل) الفعل (الصادر من الغزات من فتح البلاد على وجه صحيح، و هو كونه بامر الامام (ع)).

ص: 354

مع انه يمكن ان يقال: ان عموم ما دل من الاخبار الكثيرة على تقيد الارض المعدودة من الانفال بكونها مما لا يوجف عليه بخيل و لا ركاب، و على ان ما اخذت بالسيف من الارضين يصرف حاصلها فى مصالح المسلمين، معارض بالعموم من وجه لمرسلة الوراق فيرجع الى عموم قوله تعالى: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ الآية، فيكون

______________________________

(مع انه يمكن ان يقال) و هذا وجه ثالث لاجراء حكم المفتوحة عنوة على هذه الارضين المفتوحة بعد النبي صلى الله عليه و آله (ان عموم ما دل من الاخبار الكثيرة على تقيد الارض المعدودة من الانفال بكونها مما لا يوجف) اى لم يسر- من الوجف و هو السير بسرعة- (عليه بخيل) اى الفرس (و لا ركاب) اى الابل (و) ما دل (على ان ما اخذت بالسيف من الارضين يصرف حاصلها فى مصالح المسلمين، معارض بالعموم من وجه لمرسلة الوراق).

لان المرسلة شاملة للاراضى الخراجية و غيرها، و اخبار الفتح خاصة بالاراضى الخراجية.

ثم ان اخبار الفتح اعم من اذن الامام و عدمه، و المرسلة خاصة باذن الامام، فبينهما عموم من وجه.

و مادة التعارض الاراضى التى غنمها المسلمون بدون اذن الامام (فيرجع) فى مادة التعارض التى تقتضى اخبار الفتح كونها للمسلمين و المرسلة كونها للامام (الى عموم قوله تعالى: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ، الآية، ف) الخمس لهم و (يكون

ص: 355

الباقى للمسلمين، اذ ليس لمن قاتل شي ء من الارضين نصا و اجماعا.

[الثالث أن يثبت كون الأرض المفتوحة عنوة بإذن الإمام (ع) محياة حال الفتح]

الثالث ان يثبت كون الارض المفتوحة عنوة باذن الامام (ع) محياة حال الفتح ليدخل فى الغنائم و يخرج منها الخمس أولا، على المشهور و يبقى الباقى للمسلمين.

فان كانت حينئذ مواتا كانت للامام، كما هو المشهور بل المتفق عليه على

______________________________

الباقى) اى الاربعة الاخماس الاخر (للمسلمين، اذ) امر الباقى دائر بين الامام و المسلمين و المقاتلين، لكن الامام له الخمس فقط بظاهر الآية.

و (ليس لمن قاتل شي ء من الارضين نصا و اجماعا) و انما للمقاتلين المنقولات فلم يبق الا ان تكون الارضين لجميع المسلمين.

اقول لا يخفى ما فى هذا الوجه اذ مرسلة الوراق على فرض تماميتها حاكمة، و لا تلاحظ النسبة بين الحاكم و المحكوم، كما قرر فى الاصول.

من شروط كون الارض خراجية (ان يثبت كون الارض المفتوحة عنوة باذن الامام «ع» محياة حال الفتح ليدخل فى الغنائم و يخرج منها الخمس أولا، على المشهور) مقابل انه لا يخرج من الارض الخمس و قد فصلنا ذلك فى كتاب الخمس من شرح العروة، فراجع (و يبقى الباقى للمسلمين) و تكون من اراضى الخراج.

(فان كانت حينئذ) اى حين الفتح (مواتا كانت للامام كما هو المشهور) و تكون من الانفال، كما حقق فى كتاب الخمس (بل المتفق عليه على

ص: 356

الظاهر المصرح به عن الكفاية، و محكى التذكرة، و يقتضيه اطلاق الاجماعات المحكية على ان الموات من الانفال، لاطلاق الاخبار الدالة على ان الموات- بقول مطلق- له (ع).

و لا يعارضها اطلاق الاجماعات، و الاخبار الدالة على ان المفتوحة عنوة للمسلمين، لان موارد الاجماعات هى الارض المغنومة عن الكفار، كسائر الغنائم التى يملكونها منهم، و يجب فيها الخمس، و ليس الموات من اموالهم، و انما هى مال الامام.

و لو فرض جريان ايديهم عليه، كان بحكم المغصوب لا يعدّ فى الغنيمة

______________________________

الظاهر المصرح به عن الكفاية، و محكى التذكرة، و يقتضيه اطلاق الاجماعات المحكية على ان الموات من الانفال) فهى للامام، لا للمسلمين (لاطلاق الاخبار الدالة على ان الموات- بقول مطلق- له «ع») بدون تقييد بعدم كونها فى المفتوحة عنوة.

(و لا يعارضها اطلاق الاجماعات، و الاخبار الدالة على ان المفتوحة عنوة للمسلمين) حتى يقال بوقوع التعارض حينئذ بين الطائفتين من الاخبار (لان موارد الاجماعات) الدالة على ان المغنومة للمسلمين (هى الارض المغنومة عن الكفار، كسائر الغنائم التى يملكونها منهم، و يجب فيها الخمس، و) الحال انه (ليس الموات من اموالهم، و انما هى مال الامام) حتى قبل الفتح.

(و لو فرض جريان ايديهم) اى الكفار (عليه، كان بحكم المغصوب) و (لا يعدّ فى الغنيمة) فلا يشمل الموات دليل الغنائم أصلا حتى يقع

ص: 357

و ظاهر الاخبار خصوص المحياة مع ان الظاهر عدم الخلاف.

نعم لو مات المحياة حال الفتح، فالظاهر بقائها على ملك المسلمين

بل عن ظاهر الرياض استفادة عدم الخلاف فى ذلك من السرائر لاختصاص ادلة الموات بما اذا لم يجر عليه ملك مسلم، دون ما عرف صاحبه.

ثم انه يثبت الحياة حال الفتح بما كان يثبت به الفتح عنوة.

______________________________

التعارض بينه و بين دليل الانفال.

(و ظاهر الاخبار) ان للمسلمين (خصوص المحياة) من الاراضى المغنومة (مع ان الظاهر عدم الخلاف) فى كون الموات للامام.

(نعم لو مات المحياة حال الفتح، فالظاهر بقائها على ملك المسلمين) استصحابا، و لا يدخل فى الانفال بسبب الموت.

(بل عن ظاهر الرياض استفادة عدم الخلاف فى ذلك من السرائر) لابن ادريس (لاختصاص ادلة الموات) الدالة على كونها من الانفال (بما اذا لم يجر عليه ملك مسلم) و هو: اعم مما كان له صاحب خاص، أم لا (دون ما عرف صاحبه) اى لا تخصص ادلة الموات- التى هى للامام- بما عرف صاحبه، حتى يقال: ان المفتوحة عنوة حيث لم يكن لها صاحب خاص، فهى داخلة فى عموم الموات التى هى للامام.

(ثم انه يثبت الحياة) للارض (حال الفتح بما كان يثبت به الفتح عنوة) من البينة العادلة- كما تقدم-.

ص: 358

و مع الشك فيها، فالاصل العدم و ان وجدناها الآن محياة لاصالة عدمها حال الفتح.

فيشكل الامر فى كثير من محياة اراضى البلاد المفتوحة عنوة.

نعم ما وجد منها فى يد مدّع للملكية حكم بها له.

اما اذا كانت بيد السلطان، او من اخذها منه، فلا يحكم لاجلها بكونها خراجية، لان يد السلطان عادية على الاراضى الخراجية أيضا.

______________________________

(و مع الشك فيها) اى فى الحياة حال الفتح (فالاصل العدم) لان الحياة حالة طارئة لا يعلم بها حال الفتح (و ان وجدناها الآن محياة لاصالة عدمها حال الفتح) فان هذه الحياة جديدة بلا اشكال، و ليس المقام من مجهولى التاريخ، بل تاريخ الفتح معلوم و تاريخ الحياة مجهولة.

(ف) حيث ان الاصل عدم الحياة (يشكل الامر فى كثير من محياة اراضى البلاد المفتوحة عنوة) حيث لم يعلم حياتها حال الفتح حتى يجرى عليها احكام المفتوحة عنوة فى الخراج، و غيرها.

(نعم ما وجد منها) اى من تلك الاراضى (فى يد مدّع للملكية حكم بها له) لاجراء اصالة الصحة.

(اما اذا كانت بيد السلطان، او من اخذها منه، فلا يحكم لاجلها) اى لاجل يد السلطان (بكونها خراجية، لان يد السلطان عادية على الاراضى الخراجية أيضا) و اليد العادية لا تحمل على الصحة، لان الحمل على الصحة انما هو فى المشكوك، لا فى المتيقن فساده.

ص: 359

و ما لا يد لمدعى الملكية عليها، كان مردّدا بين المسلمين و مالك خاص مردد بين الامام، لكونها تركة من لا وارث له، و بين غيره، فيجب مراجعة حاكم الشرع فى امرها و وظيفة الحاكم فى الاجرة المأخوذة منها اما القرعة، و اما صرفها فى مصرف مشترك بين الكل، كفقير يستحق الانفاق من بيت المال لقيامه ببعض مصالح المسلمين.

ثم اعلم: ان ظاهر الاخبار تملك المسلمين لجميع ارض العراق المسمى بارض السواد، من غير تقييد بالعامر فينزل

______________________________

(و ما لا يد لمدعى الملكية عليها) لا من السلطان و لا من سائر الناس (كان مرددا بين المسلمين) لكونها مفتوحة عنوة (و) بين (مالك خاص) و هو (مردد) أيضا (بين الامام، لكونها تركة من لا وارث له) فيصل الى الامام (و بين غيره، فيجب مراجعة حاكم الشرع فى امرها) لمن يريد التصرف فيها (و وظيفة الحاكم فى الاجرة المأخوذة منها اما القرعة) بين المسلمين و الامام و مجهول المالك، لانها لكل امر مشكل (و اما صرفها فى مصرف مشترك بين الكل، كفقير يستحق الانفاق من بيت المال لقيامه ببعض مصالح المسلمين).

فاذا كان مجهول المالك، كان مصرفه الفقير.

و اذا كان سهم الامام او من بيت المال كان مصرفه من يقوم ببعض مصالح المسلمين.

(ثم اعلم: ان ظاهر الاخبار تملك المسلمين لجميع ارض العراق المسمّى بارض السواد، من غير تقييد بالعامر) فقط (فينزل) تلك الاخبار

ص: 360

على ان كلها كانت عامرة حال الفتح.

و يؤيده انهم ضبطوا ارض الخراج- كما فى المنتهى و غيره- بعد المساحة، بستة او اثنين و ثلاثين الف الف جريب.

و حينئذ فالظاهر ان البلاد الاسلامية المبنية فى العراق هى و ما يتبعها من القرى، من المحياة حال الفتح التى تملكها المسلمون.

و ذكر العلامة ره فى كتبه تبعا لبعض ما عن المبسوط، و الخلاف: ان حدّ سواد العراق ما بين منقطع الجبال بحلوان الى طرف القادسية

______________________________

(على ان كلها كانت عامرة حال الفتح) بعد ان عرفت انه لو كانت غير عامرة تكون من الانفال و للامام عليه السلام.

(و يؤيده انهم ضبطوا ارض الخراج- كما فى المنتهى و غيره- بعد المساحة، بستة او اثنين و ثلاثين الف الف جريب) و الجريب ستون ذراعا فى ستين ذراعا، و المسّاح هو عثمان بن حنيف بامر الثانى.

(و حينئذ فالظاهر ان البلاد الاسلامية المبنية فى العراق هى و ما يتبعها من القرى، من المحياة حال الفتح التى تملكها المسلمون) «من المحياة» خبر «ان البلاد».

(و ذكر العلامة ره فى كتبه) كالمنتهى و التذكرة و التحرير و غيرها (تبعا لبعض ما عن المبسوط، و الخلاف: ان حدّ سواد العراق) المفتوحة عنوة (ما بين منقطع الجبال بحلوان) اى آخر الجبال.

و حلوان بلد بينه و بين بغداد خمس مراحل من طرف المشرق (الى طرف القادسية) و هى الطرف الغربى من العراق، و هى بلدة معروفة

ص: 361

المتصل بعذيب من ارض العرب عرضا، و من تخوم الموصل الى ساحل البحر ببلاد عباد ان طولا.

و زاد العلامة ره قوله من شرقى دجلة، فاما الغربى الّذي يليه البصرة، فانما هو اسلامى مثل شطّ عثمان بن ابى العاص و ما والاها، كانت مماتا فاحياها عثمان.

و يظهر من هذا التقييد ان ما عدا ذلك كانت محياة.

كما يؤيده ما تقدم من تقدير الارض المذكورة بعد المساحة بما ذكر من الجريب.

______________________________

الى الآن (المتصل بعذيب من ارض العرب عرضا، و من تخوم الموصل) اى حدودها، جمع تخم كفلس و فلوس (الى ساحل البحر ببلاد عباد ان طولا).

(و زاد العلامة ره) على التحديد المذكور (قوله من شرقى دجلة فاما الغربى الّذي يليه البصرة، فانما هو اسلامى) اى عمّر فى زمان الاسلام (مثل شطّ عثمان بن ابى العاص و ما والاها، كانت مماتا) حال الفتح (فاحياها عثمان).

و المراد بالاحياء اجراء النهر و الزرع و العمارة و ما اشبهها.

(و يظهر من هذا التقييد) فى كلام العلامة (ان ما عدا ذلك) الّذي استثناه من غربى دجلة (كانت محياة) حال الفتح.

(كما يؤيده ما تقدم من تقدير الارض المذكورة بعد المساحة بما ذكر من الجريب) المقدر بستة و ثلاثين مليون.

ص: 362

فما قيل من ان البلاد المحدثة بالعراق مثل بغداد، و الكوفة و الحلة و المشاهد المشرفة اسلامية بناها المسلمون و لم تفتح عنوة، و لم يثبت ان ارضها يملكها المسلمون بالاستغنام.

و التى فتحت عنوة، و اخذت من الكفار قهرا، قد انهدمت، لا يخلو عن نظر، لان المفتوح عنوة لا يختص بالابنية، حتى يقال: انها انهدمت.

فاذا كانت البلاد المذكورة و ما يتعلق بها من قراها غير مفتوحة عنوة فاين ارض العراق المفتوحة عنوة المقدر بستة و ثلاثين الف الف جريب.

______________________________

(فما قيل من ان البلاد المحدثة بالعراق مثل بغداد، و الكوفة و الحلة و المشاهد المشرفة اسلامية بناها المسلمون) بعد ان كانت مواتا حال الفتح (و لم تفتح عنوة) فى حال كونها محياة (و لم يثبت ان ارضها يملكها المسلمون بالاستغنام) اى لم يثبت انهم غنموها.

(و التى فتحت عنوة، و اخذت من الكفار قهرا، قد انهدمت) و محى اثرها، فلا يجرى عليه حكم المفتوح عنوة (لا يخلو عن نظر، لان المفتوح عنوة) المحياة (لا يختص بالابنية، حتى يقال: انها انهدمت) اذ المحياة تكون بالماء و الزرع و ما اشبه، و ما ينهدم لا يخرج عن كونه للمسلمين، كما تقدم.

(فاذا كانت البلاد المذكورة) بغداد و الحلة و المشاهد (و ما يتعلق بها من قراها غير مفتوحة عنوة) كما ذكره هذا البعض (فاين ارض العراق المفتوحة عنوة المقدر بستة و ثلاثين الف الف جريب) خصوصا بعد التحديد المذكور عرضا و طولا- كما عرفت-.

ص: 363

و أيضا من البعيد عادة ان يكون بلد المدائن على طرف العراق، بحيث يكون الخارج منها مما يليه البلاد المذكورة مواتا، غير معمورة وقت الفتح و الله العالم و لله الحمد أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا.

______________________________

(و أيضا من البعيد عادة) كلام العلامة (ان يكون بلد المدائن) فى بغداد عاصمة كسرى (على طرف العراق، بحيث يكون الخارج منها) فى الطرف الغربى (مما يليه البلاد المذكورة مواتا، غير معمورة وقت الفتح).

و يمكن ان يكون كلامه رحمه الله هذا اشكالا آخر على من يقول بخروج حلة و المشاهد و بغداد عن المفتوحة عنوة (و الله العالم و لله الحمد أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا).

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين، و صلى الله على محمد و آله الطيبين الطاهرين.

تم بيد شارحه: محمد بن المهدى الحسينى الشيرازى

فى مدينة كربلاء المقدسة 25/ ج 2

ص: 364

الى هنا تمت اجزاء المكاسب المحرمة الاربعة لكتابنا (ايصال الطالب الى المكاسب).

و بعد ذلك يشرع فى البيع، و هو الجزء الخامس من الكتاب.

و اللّه ولى التوفيق.

الناشر

ص: 365

ص: 366

محتويات الكتاب

الموضوع الصفحة

مقدمة الشارح 3

فى التنبيه الثالث من تنبيهات الولاية 6

فى التنبيه الرابع من تنبيهات الولاية 12

فى التنبيه الخامس من تنبيهات الولاية 13

فيما ينبغى للوالى العمل به 19

فى حرمة هجاء المؤمن 50

فى ما يجب على الانسان فعله عينا او كفاية 57

فى جواز اخذ الاجرة على الواجبات 94

فى حرمة بيع المصحف 138

فى جوائز السلطان 158

ص: 367

الموضوع الصفحة

فى تطهير المال بالخمس 169

فى ما لو علم تفصيلا حرمة ما يأخذه 199

فى ما لو علم اجمالا اشتمال الجائزة على الحرام 238

فى الخراج و المقاسمة و الزكاة 248

فى تنبيهات الخراج و المقاسمة 272

محتويات الكتاب 367

ص: 368

المجلد 5

هویة الکتاب

سرشناسه : حسيني شيرازي، محمد، 1380 - 1305، شارح

عنوان و نام پديدآور : ايصال الطالب الي المكاسب: شرح واف بغرض الكتاب، تيعرض لحل مشكلاته و ابداآ مقاصد في ايجاز و توضيح/ محمد الحسيني الشيرازي

مشخصات نشر : تهران : موسسه كتابسراي اعلمي ، 1385.

مشخصات ظاهري : ج 16

شابك : 964-94017-6-8(دوره): ؛ 964-7860-59-5(ج. 1): ؛ 964-7860-58-7(ج. 2): ؛ 964-7860-57-9(ج. 3): ؛ 964-7860-56-0(ج. 4): ؛ 964-7860-54-4(ج. 6): ؛ 964-7860-53-6(ج. 7): ؛ 964-7860-55-2(ج. 8): ؛ 964-7860-52-8(ج. 9): ؛ 964-7860-51-X(ج. 10): ؛ 964-7860-50-1(ج. 11): ؛ 964-7860-49-8(ج. 12): ؛ 964-7860-45-X(ج. 13): ؛ 964-7860-47-1(ج. 15):

يادداشت : عربي

يادداشت : فهرست نويسي براساس اطلاعات فيپا

يادداشت : كتاب حاضر شرحي بر "المكاسب مرتضي بن محمد امين انصاري" است

عنوان ديگر : المكاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1281 - 1214ق. المكاسب -- نقد و تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

شناسه افزوده : انصاري، مرتضي بن محمدامين ، 1281 - 1214ق. المكاسب. شرح

رده بندي كنگره : BP190/1/الف8م702133 1385

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : م 85-16816

ص: 1

اشارة

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين و صلى اللّه على محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه على اعدائهم اجمعين من الآن الى يوم الدين.

و بعد: فهذا هو القسم الاول من كتاب البيع و الجزء الخامس من اجزاء كتابنا (ايصال الطالب الى المكاسب) للشيخ الفذّ آية اللّه الانصارى قدس سره.

كتبته تسهيلا للطالب الكريم عسى ان انتفع به فى يوم لا ينفع فيه مال و لا بنون الّا من اتى اللّه بقلب سليم.

كربلاء المقدسة

محمد بن المهدى الحسينى الشيرازى

ص: 2

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين، و لعنة الله على اعدائهم الى يوم الدين،

كتاب البيع

[في معنى البيع]

[البيع لغة]

و هو فى الاصل- كما عن المصباح-: مبادلة مال بمال و الظاهر اختصاص المعوض بالعين فلا يعم ابدال المنافع بغيرها. و عليه

______________________________

(الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين، و لعنة اللّه على اعدائهم الى يوم الدين.) لعل التخصيص فى فاتحة الكتب للعنة الى يوم الدين ان اللعنة بمعنى الطرد عن الرحمة او العقاب ابدية، اما من باب دخول الغاية فى المغيّا، و اما ان المراد دوام اللعنة الى يوم الجزاء، اما يوم الجزاء فان كل انسان يجزى بما عمل فلا مورد للدعاء عليهم بعد ذلك، و اما هذا كناية عن الدوام كقوله «خالدين فيها ما دامت السموات و الارض» فان ما دامت السماء كناية عن الابدية. كعدد سبعين الّذي هو كناية عن الكثرة فى قوله سبحانه «ان تستغفر لهم سبعين مرة».

(كتاب البيع) يذكر فيه احكام البيع. فهو من اضافة العام الى الخاص فان لكل حكم من الاحكام كتابا (و هو فى الاصل) عند اهل العرف و اللغة (- كما عن المصباح-: مبادلة مال بمال) بأن يعطى احد الشخصين شيئا فى مقابل ان يأخذ من الشخص الاخر شيئا آخر، كأن يعطى الفرس بمقابل مائة دينار.

(و الظاهر) من العرف لدى اطلاقهم البيع- بضميمة اصالة عدم النقل المفيدة لكونه كذلك لغة و فى لسان الشرع- (: اختصاص المعوض بالعين فلا يعم) البيع (ابدال المنافع بغيرها) كما لو بدل منفعة هذه الجارية بدينار فانه لا يسمى بيعا (و عليه) اى على كون البيع المبادلة لعين بشي ء آخر

ص: 3

استقر اصطلاح الفقهاء فى البيع.

نعم ربما يستعمل فى كلمات بعضهم فى نقل غيرها، بل يظهر ذلك، من كثير من الاخبار كالخبر الدال على جواز بيع خدمة المدبر، و بيع سكنى الدار التى لا يعلم صاحبها، و كاخبار بيع الارض الخراجية و شرائها

______________________________

(استقر اصطلاح الفقهاء فى البيع).

(نعم ربما يستعمل) البيع (فى كلمات بعضهم فى نقل غيرها) اى نقل غير العين، كالشيخ فى المبسوط حيث استعمل لفظ البيع فى نقل خدمة العبد (بل يظهر ذلك) اى استعمال البيع فى نقل غير العين (من كثير من الاخبار كالخبر الدال على جواز بيع خدمة المدبر) المدبر- بصيغة المفعول-: هو العبد الّذي يدبره مولاه، بان يقول له: انت حر دبر وفاتى. كخبر السكونى عن على- عليه السلام- قال «باع رسول الله- صلى الله عليه و آله و سلم- خدمة المدبر و لم يبع رقبته» (و بيع سكنى الدار التى لا يعلم صاحبها) كخبر إسحاق بن عمار عن العبد الصالح- عليه السلام- قال «سألته عن رجل فى يده دار ليست له، و لم تزل فى يده و يد آبائه من قبله، قد اعلمه من مضى من آبائه انها ليست لهم، و لا يدرون لمن هى؟ فيبيعها و يأخذ ثمنها؟ قال- ع-:

ما احب ان يبيع ما ليس له. قلت: فانه ليس يعرف صاحبها، و لا يدرى لمن هى و لا اظن يجي ء لهارب ابدا، قال- عليه السلام-: ما احب ان يبيع ما ليس له. قلت: فيبيع سكناها او مكانها فى يده؟ فيقول: ابيعك سكناى و تكون فى يدك كما هى فى يدى. قال عليه السلام: نعم يبيعها على هذا» (و كاخبار بيع الارض الخراجية و شرائها) مع انها لا تباع عينها لانها ملك لجميع المسلمين.

و المراد بالارض الخراجية: المفتوحة عنوة، كما تقدم الكلام فيه فى المكاسب المحرمة و قد تقدم بعض الاخبار الدالة على ذلك فى المكاسب المحرمة، بل و هناك اخبار اخر دالة على ذلك كخبر ابن سنان عن ابى عبد الله عليه السلام:

ص: 4

و الظاهر: انها مسامحة فى التعبير، كما ان لفظ الاجارة، تستعمل عرفا، فى نقل بعض الاعيان كالثمرة على الشجرة:

و اما المعوض فلا اشكال فى جواز كونها منفعة، كما فى غير موضع من القواعد، و عن التذكرة و جامع المقاصد، و لا يبعد عدم الخلاف فيه، نعم نسب الى بعض الاعيان الخلاف فيه و لعله لما اشتهر فى كلامهم من ان البيع نقل الاعيان.

______________________________

عن الرجل يريد ان يتزوج المرأة فينظر الى شعرها؟ فقال عليه السلام: «نعم انما يريد ان يشتريها باغلى الثمن»

(و الظاهر: انها مسامحة فى التعبير) و مجاز و ليس بحقيقة. لما نرى من تبادر غير هذه المعانى من لفظ البيع، و التبادر آية الحقيقة، كما ان تبادر الغير آية المجاز. (كما ان لفظ الاجارة) الموضوعة لنقل المنفعة (تستعمل) احيانا (عرفا) مجازا (فى نقل بعض الاعيان كالثمرة على الشجرة) فيما اذا آجر البستان او كما لو آجر الدار فان ماء بئرها أيضا ينقل بالاجارة. و هذا اما مجاز و اما ان العرف لا يعتبر ذلك الا من قبيل المنافع، اذ عين البستان عبارة عن الارض و الشجر لا الفواكه و الحطب هذا تمام الكلام فى العوض و انه يلزم ان يكون عينا.

(و اما المعوض فلا اشكال فى جواز كونها منفعة) كما لو اشترى الدار بمقابل انتفاع البائع من دابته (كما فى غير موضع من القواعد، و عن التذكرة و جامع المقاصد، و لا يبعد عدم الخلاف فيه.) لانهم بين ساكت و بين من صرح بالجواز (نعم نسب الى بعض الاعيان) كالوحيد البهبهانى رحمه الله (الخلاف فيه) و انه لا يصح كون عوض البيع منفعة (و لعله) اى الاشكال (لما اشتهر فى كلامهم: من ان البيع نقل الاعيان) و من المعلوم ان المنفعة ليست عينا

ص: 5

و الظاهر ارادتهم المبيع، نظير قولهم: ان الاجارة لنقل المنافع.

و اما عمل الحر، فان قلنا: انه، قبل المعاوضة عليه من الاموال فلا اشكال و الا ففيه اشكال، من حيث احتمال اعتبار كون العوضين- فى البيع- مالا قبل المعاوضة، كما يدل عليه ما تقدم عن المصباح.

و اما الحقوق

______________________________

(و) لكن (الظاهر ارادتهم) بالاعيان (المبيع) اى المثمن، لا الثمن (نظير قولهم: ان الاجارة لنقل المنافع) و مرادهم العين الموجرة لا الاجرة.

(و اما عمل الحر) فهل يصح بيعه أم لا بأن يقول لانسان حر خياط:

اشتريت عملك الخياطى فى هذا اليوم بدينار- مثلا- (فان قلنا: انه) اى العمل (قبل المعاوضة عليه من الاموال) لاطلاق المال على العمل التقديرى (فلا اشكال) فى صحة بيعه لانه مال، اما عمل العبد فالظاهر انه يصدق المال عليه و انه ملك للسيد (و الا) يصدق على عمل الحر المال (ففيه اشكال، من حيث احتمال اعتبار كون العوضين) المثمن و الثمن (- فى البيع- مالا قبل المعاوضة، كما يدل عليه ما تقدم عن المصباح.) حيث قال: مبادلة مال بمال.

ثم ان كونه مالا او ليس بمال انما ينفع فى جعله ثمنا، اما جعله مثمنا فقد عرفت انه متوقف على صدق العين عليه.

ثم ان قول المصنف: «قبل المعاوضة» لاخراج بعد المعاوضة، لانه مال حينئذ قطعا، مثلا لو استاجر زيد عمل عمرو فى هذا اليوم بدينار حتى صار عمل عمرو لزيد، صح لزيد ان يجعل هذا العمل الّذي له، عوضا فى المبيع، كان يشترى سلعة من خالد و يجعل الثمن عمل عمرو الّذي يستحقه عليه

(و اما الحقوق). الحق يطلق على العين، و على المال، و على ما ليس بمال و لا عين، كحق الشفعة او حق المضاجعة- مثلا- و حيث تقدم

ص: 6

فان لم تقبل المعاوضة بالمال كحق الحضانة و الولاية، فلا اشكال و كذا لو لم تقبل النقل كحق الشفعة و حق الخيار لان البيع تمليك الغير و لا ينتقض ببيع الدين على من هو عليه لانه لا مانع من كونه تمليكا.

______________________________

الكلام فى العين و المال ننقل الكلام فى الحقوق الاخر فى انها هل تكون مثمنا او ثمنا أم لا كحق الشفعة و حق الخيار (فان لم تقبل المعاوضة بالمال كحق الحضانة و الولاية) و الحيازة فان لكل انسان ان يجوز من البحر مثلا ما يشاء و هذا الحق غير قابل بان يعوض بالمال كأن يأخذ زيد دينارا فى مقابل ان يعطى هذا الحق لعمرو حتى لا يكون لزيد حق الحيازة بعد ذلك (فلا اشكال) فى عدم صحة جعل مثل هذا الحق ثمنا و لا مثمنا لان مقوم البيع المقابلة بالمال (و كذا لو) قبل المعاوضة بالمال و لكنه (لم تقبل النقل كحق الشفعة و حق الخيار) كما لو صح اسقاطه فى مقابل المال و ذلك كحق الخيار، فانه غير قابل لان ينقل الى غير ذى الخيار بالمال، و لكنه قابل للاسقاط بإزاء مال يأخذه من الطرف الاخر او الشخص الثالث فيسقط خياره، و انما نقول بوضوح عدم صحة جريان البيع على هذا الحق (لان البيع تمليك العين) فاذا كان الحق غير قابل للانتقال لم يكن معنى لتمليك الغير (و لا ينتقض) ما ذكرناه من انه كلما لم يصح الانتقال لم يصح البيع (ببيع الدين على من هو عليه) كما لو طلبت من زيد دينارا فانه يصح ان ابيعه بزيد المدين بقلم مثلا.

و وجه الانتقاض من انه كيف تقولون بصحة بيع الدين على من هو عليه، مع انه لا يصح الانتقال، لان الدين على زيد فى ذمة زيد فاذا بعناه له لم ينتقل شي ء إليه.

و وجه عدم الانتقاض (لانه لا مانع من كونه تمليكا) اى كون بيع الدين على من هو عليه (تمليكا) اى انه نقل. لانى انقل دينارى الّذي لى بذمة زيد الى زيد

ص: 7

فيسقط، و لذا جعل الشهيد فى قواعده الابراء مرددا بين الاسقاط و التمليك

و الحاصل انه يعقل ان يكون الانسان مالكا لما فى ذمته فيؤثر تمليكه السقوط و لا يعقل ان يتسلط على نفسه، و السر ان مثل هذا الحق سلطنة فعلية لا يعقل قيام طرفيها بشخص واحد بخلاف الملك فانه نسبة بين المالك و المملوك و لا يحتاج الى من يملك عليه حتى يستحيل اتحاد المالك و المملوك عليه

______________________________

(فيسقط) لانه لا معنى لان يملك زيد فى ذمة نفسه (و لذا) الّذي ذكرنا من معقولية تمليك المديون الدين الّذي هو انتقال (جعل الشهيد) الاول (فى قواعده الابراء) كما لو طلبت دينارا من زيد فأبرأته (مرددا بين الاسقاط) لما فى ذمته (و التمليك) فان من كلام الشهيد يعرف انه يعقل تمليك الدين للمديون.

(و الحاصل) من جواب النقض (انه يعقل ان يكون) الانسان (مالكا لما فى ذمته فيؤثر تمليكه) اى تمليك الدائن دينه للمديون (السقوط) فلا يكون فى ذمة المديون شي ء بعد ان ملكه الدائن

(و) ان قلت: اذا صححتم ان يملك الانسان لما فى ذمته، يلزمكم ان تصححوا سلطة الانسان على نفسه، لكن الثانى بديهى البطلان، فكذا الاول. قلت:

بينهما فرق لانه (لا يعقل ان يتسلط) الانسان (على نفسه،) و يعقل ان يملك الانسان ما فى ذمته (و السر) فى الفرق (ان مثل هذا الحق سلطنة فعلية لا يعقل قيام طرفيها) المتسلط و المتسلط عليه (بشخص واحد) يكون هو المتسلط و هو المتسلط عليه (بخلاف الملك فانه نسبة بين المالك و المملوك) فهو نسبة بين صاحب الذمة و الدينار الّذي فى ذمته (و لا يحتاج الى من يملك عليه) حتى يكون زيد المديون مالكا و مملوكا عليه- مسلطا و مسلطا على نفسه- (حتى يستحيل اتحاد المالك و المملوك عليه) فانه اذا احتاج الى مملوك عليه استحال

ص: 8

فافهم.

و اما الحقوق القابلة للانتقال كحق التحجير و نحوه، فهى و ان قبلت النقل و قوبلت بالمال فى الصلح الا ان فى جواز وقوعها عوضا للبيع اشكالا من اخذ المال فى عوضى المبايعة لغة و عرفا، مع ظهور كلمات الفقهاء عند التعرض لشروط العوضين، و لما يصح ان يكون اجرة فى الاجارة فى حصر الثمن فى المال

[تعاريف الفقهاء و المناقشة فيها]
اشارة

ثم الظاهر ان لفظ البيع ليس له حقيقة شرعية و لا متشرعية

______________________________

لانه كان كالمسلط و المسلط عليه (فافهم) لان نسبة المالك الى الملك كنسبة المسلط الى المسلط عليه، فاذا قلتم: انه لا يمكن ان يتسلط الانسان على نفسه، لزم ان تقولوا بانه لا يمكن ان يملك الانسان لشي ء فى ذمته فالتفكيك بينهما لا وجه له.

(و اما الحقوق القابلة للانتقال كحق التحجير و نحوه) كحق المضاجعة بالنسبة الى الضرة (فهى و ان قبلت النقل و قوبلت بالمال فى الصلح) فلا اشكال فيه من هاتين الجهتين (الا ان فى جواز وقوعها) اى هذه الحقوق (عوضا للبيع اشكالا،) لان الثمن يجب ان يكون مالا و نشك فى صدق المال على الحق و هذا مراده بقوله: (من اخذ المال فى عوضى المبايعة) اى يجب ان يكون العوض و المعوض مالا (لغة و عرفا،) لان البيع لغة «مبادلة مال بمال» و عرفا انه مقابلة مال بمال (مع ظهور كلمات الفقهاء عند التعرض لشروط العوضين، و) عند التعرض (لما يصح ان يكون اجرة فى الاجارة فى حصر الثمن فى المال) فاخذهم المال فى التعريف و فى الشروط دليل على انه لا يمكن غير المال و من المعلوم ان مثل حق التعجير و ما اشبه لا يسمى مالا.

(ثم الظاهر) من مراجعة اللغة و الشرع حيث لا نجد ان الشارع غير المفهوم اللغوى (ان لفظ البيع ليس له حقيقة شرعية و لا متشرعية) بان يكون

ص: 9

بل هو باق على معناه العرفى كما سنوضحه إن شاء الله تعالى. الا ان الفقهاء قد اختلفوا فى تعريفه:

ففى المبسوط و التذكرة و غيرهما: انتقال عين من شخص الى غيره بعوض، مقدر، على وجه التراضي.

و حيث ان فى هذا التعريف مسامحة واضحة عدل آخرون الى تعريفه بالايجاب و القبول الدالين على الانتقال.

و حيث ان البيع من مقولة المعنى دون اللفظ مجردا، او

______________________________

المتشرعون احدثوا اصطلاحا جديدا فى معنى البيع حتى اذا قالوا هذه اللفظة فهم منها معنى جديد غير المعنى اللغوى (بل هو باق على معناه العرفى) اللغوى الّذي كان متداولا فى زمان الشارع و قبل زمان الشارع (كما سنوضحه إن شاء اللّه تعالى. الا ان الفقهاء قد اختلفوا فى تعريفه:) و من جراء هذا الاختلاف يكون بعض الافراد داخلا او خارجا مما يوجب اختلاف الحكم أيضا.

(ففى المبسوط و التذكرة و غيرهما: انتقال عين من شخص الى غيره بعوض مقدر،) اى لا يكون مجهولا (على وجه التراضي.) اذ لو لا الرضا لم يكن نقل و انتقال.

(و حيث ان فى هذا التعريف مسامحة واضحة) فان البيع هو النقل و الانتقال لا الانتقال فقط (عدل آخرون الى تعريفه بالايجاب و القبول الدالين على الانتقال) مقابل الايجاب و القبول فى النكاح و نحوه مما ليس فيه انتقال.

(و حيث ان البيع من مقولة المعنى دون اللفظ مجردا) و قد كان هذا التعريف مفيدا لان البيع لفظ حيث عرف بانه ايجاب و قبول (او) اللفظ

ص: 10

بشرط قصد المعنى، و الا لم يعقل انشاؤه باللفظ عدل جامع المقاصد الى تعريفه بنقل العين بالصيغة المخصوصة.

و يرد عليه مع ان النقل ليس مرادفا للبيع و لذا صرح فى التذكرة بان ايجاب البيع لا يقع بلفظ نقلت و جعله من الكنايات و ان المعاطاة عنده بيع، مع خلوها عن الصيغة: ان النقل بالصيغة- أيضا- لا يعقل انشاؤه

______________________________

(بشرط قصد المعنى) اذ لا ربط للفظ فى البيع اصلا (و الا) فلو كان اللفظ دخل فى تعريف البيع (لم يعقل انشاؤه) اى البيع (باللفظ) فان اللفظ لا يعقل ان ينشأ باللفظ مع انا نرى صحة قولهم «انشأ البيع بالايجاب و القبول» (عدل جامع المقاصد الى تعريفه ب) ان البيع هو (نقل العين بالصيغة المخصوصة) اى بعت و اشتريت.

(و يرد عليه- مع ان النقل ليس مرادفا للبيع) مع وضوح انه يشترط ترادف المعرّف و المعرّف، و الا لم يعقل ان يكون احدهما مبينا للآخر، و اما النقل فليس مرادفا للبيع لانه اعم من البيع فالصلح و الهبة و ما اشبه توجب النقل أيضا. و ليست بيعا، (و لذا) الّذي ذكرنا من ان النقل ليس مرادفا للبيع (صرح فى التذكرة بان ايجاب البيع لا يقع بلفظ نقلت) فلا يصح ان يقول «نقلت» و يريد البيع (و جعله من الكنايات) لانه من باب ذكر اللازم و إرادة الملزوم فان لازم البيع النقل كما ان لازم البخل ظرافة المطبخ (و) مع (ان المعاطاة عنده) اى عند جامع المقاصد (بيع مع خلوها عن الصيغة) فليزم ان لا يكون تعريف البيع جامعا لان المعاطاة بيع و الحال انه لا يشملها التعريف الّذي ذكره بقوله «نقل العين بالصيغة المخصوصة» (-: ان النقل بالصيغة) هذا فاعل قوله «يرد» (أيضا) كتعريف البيع بانه الايجاب و القبول (لا يعقل انشاؤه

ص: 11

بالصيغة و لا يندفع هذا بان المراد:

ان البيع نفس النقل الّذي هو مدلول الصيغة، فجعله مدلول الصيغة اشارة الى تعيين ذلك الفرد من النقل لا انه مأخوذ فى مفهومه حتى يكون مدلول بعت: نقلت بالصيغة لانه ان اريد بالصيغة خصوص «بعت» لزم الدور

______________________________

بالصيغة) فيرد على تعريف جامع المقاصد ما ورد على تعريف غيره الّذي عرّفه بانه الايجاب و القبول (و لا يندفع هذا) الاشكال (بان المراد ان البيع نفس النقل الّذي هو مدلول الصيغة) فليس «بالصيغة» فى تعريف الكركى جزء من تعريف البيع حتى تقولوا: ان الصيغة لا تنشأ بالصيغة بل معرف البيع فى كلامه انه «النقل» و انما هو قسم خاص من النقل و هو النقل بالصيغة و من المعلوم ان النقل يمكن انشاؤه بالصيغة (فجعله) اى البيع (مدلول الصيغة اشارة الى تعيين ذلك الفرد من النقل، لا انه) اى الصيغة (مأخوذ فى مفهومه) اى مفهوم البيع (حتى يكون مدلول بعت: نقلت بالصيغة) و يلزم منه المحذور المتقدم اعنى انه لا يعقل انشاؤه بالصيغة، و انما قلنا «لا يندفع هذا» لانه يسلم ان قول الكركى «بصيغة مخصوصة» يراد به المعرف «للنقل» لا انه جزء من «المعرّف» لكن فى ذلك أيضا اشكالا (لانه ان اريد بالصيغة) فى المعرف «للنقل» (خصوص «بعت» لزم الدور) فكانه قال «البيع» هو النقل بلفظ بعت و من المعلوم ان «مادة كلمة» اذا كانت فى المعرّف و المعرّف لزم الدور،

ص: 12

لان المقصود معرفة مادة «بعت». و ان اريد بها ما يشمل ملكت وجب الاقتصار على مجرد التمليك و النقل.

فالأولى تعريفه بانه «إنشاء تمليك عين بمال».
اشارة

و لا يرد عليه شي ء مما تقدم.

نعم يبقى عليه امور:
منها: انه موقوف على جواز الايجاب بلفظ ملكت،

و الا لم يكن مرادفا له.

و يرده: انه الحق كما سيجي ء.

______________________________

فاذا قلت «الانسان حيوان انسانى» كان دورا لتوقف المعرّف على المعرّف و المعرّف على المعرّف (، لان المقصود معرفة مادة «بعت»). اى «البيع» فلا يمكن ان تقع صيغة «بعت» معرفة لمادتها (و ان اريد بها) اى بالصيغة فى كلام الكركى (ما يشمل ملكت) فكانه قال «البيع نقل العين ب «بعت او «ملكت» او «ما اشبه» (وجب الاقتصار) فى تعريف البيع (على مجرد التمليك و النقل) بان يقول الكركى «البيع هو النقل» و لا يزيد على التعريف بقوله «بصيغة مخصوصة» اذ على هذا لا صيغة مخصوصة لجواز اجراء البيع بكل صيغة ك «نقلت» و «ملكت» و «بعت» و ما اشبه و حيث ان التعريفات المذكورة غير تامة.

(فالاولى تعريفه بانه «إنشاء تمليك عين بمال». و لا يرد عليه شي ء مما تقدم) من الاشكالات الواردة على تلك التعريفات.

(نعم يبقى عليه امور:) من الاشكال.

(منها: انه) اى هذا التعريف (موقوف على جواز الايجاب بلفظ ملكت، و الا لم يكن مرادفا له) اى للبيع- الّذي هو المعرف بالفتح-.

(و يرده: انه الحق) و انه يجوز الايجاب بلفظ ملكت (كما سيجي ء) عن قريب.

ص: 13

و منها: انه لا يشمل بيع الدين على من هو عليه

لان الانسان لا يملك مالا على نفسه.

و فيه- مع ما عرفت، و ستعرف من تعقل تملك ما على نفسه، و رجوعه الى سقوطه عنه، نظير تملّك ما هو مسا و لما فى ذمته، و سقوطه بالتهاتر-: انه لو لم يعقل التمليك لم يعقل البيع اذ ليس للبيع لغة و عرفا معنى غير المبادلة و النقل و التمليك و ما يساويها من الالفاظ، و لذا قال فخر الدين: معنى بعت- فى لغة العرب- ملكت غيرى فاذا لم يعقل ملكية ما فى ذمة نفسه لم يعقل شي ء مما يساويها، فلا يعقل البيع

______________________________

(و منها: انه لا يشمل بيع الدين من هو عليه كان الانسان لا يملك مالا على نفسه) و لا على ذمته شيئا فليس بيع الدين عليه «تمليكا».

(و فيه- مع ما عرفت) من قولنا «لانه لا مانع من كونه تمليكا» (و ستعرف من تعقل تملك) الانسان (ما على نفسه، و رجوعه) اى ان مرجع التمليك (الى سقوطه) الى المملوك (عنه) اى عن المالك (، نظير تملك ما هو مساو لما فى ذمته، و سقوطه بالتهاتر) كما اذا طلب زيد من عمرو دينارا و طلب عمرو من زيد دينارا أيضا فان زيدا مثلا- يملك دينار عمرو الّذي عنده و يسقط عن ذمة فلا يطلبه عمرو بعد ذلك، و هكذا بالنسبة الى عمرو (- انه) متعلق ب «فيه» (لو لم يعقل التمليك) للدين الّذي فى ذمته (لم يعقل البيع اذ ليس للبيع لغة و عرفا معنى غير المبادلة و النقل و التمليك و ما يساويها من الالفاظ،) و الحاصل، التلازم بين الامرين فيصح التمليك- كما بين فى الاشكال- فلا وجه له (و لذا) الّذي ذكرنا من التلازم بين البيع و التمليك (قال فخر الدين: ان معنى بعت- فى لغة العرب ملكت غيرى، فاذا لم يعقل ملكية) الانسان ل (ما فى ذمة نفسه) للدائن (لم يعقل شي ء ما يساويها، فلا يعقل البيع) أيضا.

ص: 14

و منها: انه يشمل التمليك بالمعاطاة

مع حكم المشهور بل دعوى الاجماع على انها ليست بيعا.

و فيه: ما سيجي ء من كون المعاطاة بيعا، و ان مراد النافين نفى صحته.

و منها: صدقه على الشراء،

فان المشترى بقبوله للبيع يملك ماله بعوض المبيع.

و فيه: ان التمليك فيه ضمنى و انما حقيقته التملك بعوض، و لذا لا يجوز الشراء بلفظ ملكت، تقدم على الايجاب او تأخر، و به يظهر اندفاع الايراد بانتقاضه بمستأجر العين بعين

______________________________

(و منها: انه) الى هذا التعريف (يشمل التمليك بالمعاطاة) لانها إنشاء تمليك عين بمال (مع حكم المشهور بل دعوى الاجماع على انها ليست بيعا) و انما تفيد الملك المستقر الّذي هو نتيجة البيع بالتصرف او التلف.

(و فيه: ما سيجي ء من كون المعاطاة بيعا، و ان مراد النافين) الذين ينفون كونها بيعا (نفى صحته) فهى بيع غير صحيح لا انها ليست بيعا.

(و فيه ان التمليك فيه) اى فى الشراء (ضمنى و انما حقيقته) اى حقيقة الشراء (التملك) و الظاهر من التعريف كون التمليك ابتدائيا لا ضمنيا فلا يشمل التعريف الشراء (و لذا) الّذي ذكرنا من ان الشراء تملك لا تمليك (لا يجوز الشراء بلفظ ملكت، تقدم على الايجاب او تأخر،) و عدم جوازه لانه ليس مألوفا عند الناس فلم يمضه الشارع لان الشارع انما امضى المألوف من العقد لانصراف: أحل الله البيع، الى البيع المتعارف (و به) اى بالجواب عن هذا الاشكال (يظهر اندفاع الايراد) على التعريف المذكور (بانتفاضه بمستأجر العين بعين) كما لو استجر الدار بمائة دينار، فان المستاجر ينشئ تمليك عين المائة بمال هى السكنى فى الدار.

ص: 15

حيث ان الاستيجار يتضمن تمليك العين بمال اعنى المنفعة.

و منها: انتقاض طرده بالصلح على العين بمال، و بالهبة المعوضة.

و فيه: ان حقيقة الصلح- و لو تعلق بالعين، ليس هو التمليك على وجه المقابلة و المعاوضة، بل معناه الاصلى هو التسالم، و لذا لا يتعدى بنفسه الى المال.

نعم هو متضمن للتمليك اذا تعلق بعين، لا انه نفسه. و الّذي يدلك على هذا، ان الصلح قد يتعلق بالمال عينا

______________________________

و وجه الاشكال ما بينه بقوله: (حيث ان الاستيجار يتضمن تمليك العين) التى هى الاجرة (بمال اعنى المنفعة) اى منفعة الدار و وجه الاندفاع ان التمليك ضمنى و انما مصب الاجارة قبول منفعة الدار- من طرف المستاجر-.

(و منها: انتقاض طرده) اى ليس التعريف مانعا للاغيار (بالصلح على العين بمال) كما لو صالح زيد عن داره بالف دينار (و بالهبة المعوضة) كما لو وهب زيد داره بعوض الف دينار فانها إنشاء تمليك عين بمال مع انهما ليسا بيعا.

(و فيه: ان حقيقة الصلح- و لو تعلق بالعين) فى مقابل ما لو تعلق باسقاط حق او غيره (ليس هو التمليك على وجه المقابلة و المعاوضة، بل معناه الاصلى هو التسالم) و انما يفيد احيانا فائدة البيع كما يفيد سائر الفوائد فى سائر الموارد (و لذا) الّذي ذكرنا من انه ليس هو التمليك (لا يتعدى بنفسه الى المال) فلا يقال صالحتك المال، و التمليك يتعدى بنفسه الى المال، فيقال ملكتك المال، و لو كان الصلح بمعنى التمليك لكان اللازم ان يتعدى بنفسه.

(نعم هو) اى الصلح (متضمن للتمليك اذا تعلق بعين، لا انه نفسه) اى نفس التمليك (و الّذي يدلك على هذا) الّذي ذكرناه من انه ليس تمليكا ابتداء- (ان الصلح قد يتعلق بالمال عينا) كصالحتك عن هذه المائة

ص: 16

او منفعة فيفيد التمليك، و قد يتعلق بالانتفاع فيفيد فائدة العارية، و هو مجرد التسليط، و قد يتعلق بالحقوق فيفيد فائدة الاسقاط او الانتقال، و قد يتعلق بتقرير امر بين المتصالحين كما فى قول احد المشركين لصاحبه: صالحتك على ان يكون الربح لك و الخسران عليك. فيفيد مجرد التقرير، فلو كان حقيقة الصلح هى عين كل من هذه المفادات الخمسة لزم كونه مشتركا لفظيا، و هو واضح البطلان فلم يبق الا ان يكون مفهومه معنى آخر، و هو التسالم، فيفيد فى كل موضع فائدة من الفوائد المذكورة بحسب ما يقتضيه متعلقه، فالصلح على العين بعوض تسالم عليه، و هو

______________________________

(او منفعة) كصالحتك على سكنى هذه الدار (فيفيد التمليك) للعين او المنفعة (و قد يتعلق بالانتفاع) كصالحتك لانتفاعك بهذه الدار (فيفيد فائدة العارية، و هو مجرد التسليط) بدون ان تكون فائدة الدار ملكا له (و قد يتعلق بالحقوق) كما لو قال صالحتك عن حقى فى المضاجعة (فيفيد فائدة الاسقاط) لحقها (أو الانتقال) الى الضرة مثلا (و قد يتعلق بتقرير امر بين المتصالحين كما فى قول احد المشركين لصاحبه صالحتك على ان يكون الربح لك و الخسران عليك) و هذا خلاف مقتضى الشركة المطلقة التى تقتضى التشارك فى الربح و الخسارة (فيفيد مجرد التقرير) لما بنيا عليه (فلو كان حقيقة الصلح هى عين كل من هذه المفادات الخمسة لزم كونه مشتركا لفظيا) بين هذه الامور (و هو واضح البطلان) لانا لا نجد فى الجميع الا معنى واحدا هو التسالم لكن متعلق التسالم قد يكون هذا و قد يكون ذاك من الامور الخمسة المذكورة (فلم يبق) بعد ان لم يكن مشتركا لفظيا (الا ان يكون مفهومه معنى آخر و هو التسالم فيفيد فى كل موضع فائدة من الفوائد المذكورة) اى الفوائد الخمسة (بحسب ما يقتضيه متعلقه،) اى الشي ء الّذي انصب الصلح عليه (فالصلح على العين بعوض تسالم عليه، و هو) اى هذا التسالم

ص: 17

يتضمن التمليك، لا ان مفهوم الصلح فى خصوص هذا المقام و حقيقته هو إنشاء التمليك، و من هنا لم يكن طلبه من الخصم اقرارا، بخلاف طلب التمليك.

و اما الهبة المعوضة، و المراد بها هنا: ما اشترط فيها العوض فليست إنشاء تمليك بعوض على جهة المقابلة بين المالين و الا لم يعقل تملك احدهما لاحد العوضين من دون تملك الاخر للآخر مع ان ظاهرهم: عدم تملك العوض بمجرد تملك الموهوب له الهبة

______________________________

(يتضمن التمليك، لا ان مفهوم الصلح فى خصوص هذا المقام و حقيقته) عند تعلقه بذلك (هو إنشاء التمليك، و من هنا) الّذي هو تسالم (لم يكن طلبه من الخصم اقرارا، بخلاف طلب التمليك) فانه لو اختصم زيد و عمرو فى مال فقال زيد هيا بنا نصالح لم يكن ذلك اقرارا منه بان المال لعمر و بخلاف ما لو قال له ملكنى فانه اقرار بان المال لعمرو و الا لم يكن معنى لطلب تمليكه.

(و اما الهبة المعوضة، و المراد بها هنا: ما اشترط فيها العوض) كأن يقول: اهبك هذا الشي ء فى مقابل الشي ء الفلانى الّذي لك. و هذا يقال الهبة المعوضة بمعنى ان يهب له ثم يهب الموهوب له شيئا للواهب- فانه يطلق عليه أيضا الهبة المعوضة (فليست إنشاء تمليك بعوض على جهة المقابلة بين المالين) بان يخرج احد المالين الى ملك الاخر وقت خروج مال الاخر الى ملك الاول (و الا لم يعقل تملك احدهما لاحد العوضين من دون تملك الاخر ل) العوض (الاخر) بان يملك زيد دون ان يملك عمرو، و انما نقول لم يعقل لانه اذا كان الامر مقابلة بين المالين كيف يمكن ان يصير احدهما دون الاخر (مع ان ظاهرهم: عدم تملك العوض بمجرد تملك الموهوب له الهبة) فانك اذا وهبت دينارا لزيد فى مقابل قلمه لم تملك قلمه بمجرد هبتك

ص: 18

بل غاية الامر ان المتهب لو لم يؤد العوض كان للواهب الرجوع فى هبته.

فالظاهر ان التعويض المشترط فى الهبة كالتعويض غير المشترط فيها فى كونه تمليكا مستقلا يقصد به وقوعه عوضا، لا ان حقيقة المعاوضة و المقابلة مقصودة فى كل من العوضين كما يتضح ذلك بملاحظة التعويض غير المشترط فى ضمن الهبة الاولى.

فقد تحقق مما ذكرنا: ان حقيقة تمليك العين بالعوض ليست الا البيع.

فلو قال: ملكتك كذا بكذا كان بيعا و لا يصح صلحا، و لا هبة معوضة، و ان قصدهما. اذ التمليك على جهة المقابلة الحقيقية

______________________________

بل يحتاج تملكك للقلم الى ان يهبك هو القلم (بل غاية الامر ان المتهب) كزيد فى المثال (لو لم يؤد العوض كان للواهب الرجوع فى هبته.) بخيار تخلف الشرط- مثلا- (فالظاهر ان التعويض المشترط فى الهبة كالتعويض غير المشترط فيها) كما لو اعطاه زيد دينارا هبة، فاعطى لزيد قلما مثلا (فى كونه) اى العوض (تمليكا مستقلا يقصد به و وقوعه عوضا، لا ان حقيقة المعاوضة و المقابلة مقصودة فى كل من العوضين) حتى يكون كالبيع من مقابلة مال بمال (كما يتضح ذلك، بملاحظة التعويض غير المشترط فى ضمن الهبة الاولى) فكما ان المال لا يقابل بالمال فى غير المشترط كذلك لا يقابل المال بالمال فى المشترط.

(فقد تحقق مما ذكرنا: ان حقيقة تمليك العين بالعوض ليست الا البيع) و المراد بما ذكرنا، دفع الاشكالات المتقدمة (فلو قال: ملكتك كذا بكذا كان بيعا) و ان لم يأت بلفظ البيع لما تقدم من التساوى بين البيع و التمليك (و لا يصح صلحا، و لا هبة معوضة و ان قصدهما) اذ القصد بدون اللفظ لا ينفع فى تحقق العقد (اذ التمليك على جهة المقابلة الحقيقية) بين المالين

ص: 19

ليس صلحا و لا هبة، فلا يقعان به نعم لو قلنا بوقوعهما بغير الالفاظ الصريحة، توجه تحققهما مع قصدهما

فما قيل- من ان البيع هو الاصل فى تمليك الاعيان بالعوض فيقدم على الصلح و الهبة المعوضة- محل تأمل، بل منع لما عرفت من ان تمليك الاعيان بالعوض هو البيع لا غير نعم لو أتى بلفظ التمليك بالعوض و احتمل إرادة غير حقيقته كان مقتضى الاصل اللفظى حمله على المعنى الحقيقى فيحكم بالبيع لكن الظاهر ان الاصل بهذا المعنى ليس مراد القائل المتقدم

______________________________

(ليس صلحا و لا هبة، فلا يقعان به) اى بلفظ التمليك (نعم لو قلنا بوقوعهما بغير الالفاظ الصريحة: توجه تحققهما مع قصدهما) من لفظ التمليك.

(فما قيل) فى وجه عدم تحقق الصلح و الهبة بلفظ التمليك (من ان البيع هو الاصل فى تمليك الاعيان بالعوض) و ان كان يصح الصلح و الهبة أيضا (فيقدم) الاصل (على الصلح و الهبة المعوضة) لدى اطلاق لفظ التمليك (- محل تأمل، بل منع. لما عرفت من ان تمليك الاعيان بالعوض هو البيع لا غير) لا انه مقدم على غيره (نعم لو أتى بلفظ التمليك بالعوض) كما لو قال: ملكتك القلم بعوض درهم (و احتمل إرادة غير حقيقته) اين غير حقيقة التمليك (كان مقتضى الاصل اللفظى) اى أصالة الحقيقة فى اللفظ المستعمل الّذي لم يدر هل انه اريد به الحقيقة او المجاز (حمله على المعنى الحقيقى) الّذي هو البيع (فيحكم بالبيع) و يرتب اثر البيع على المعاملة المذكورة لا الصلح و الهبة (لكن الظاهر: ان الاصل بهذا المعنى) اى، اصالة الحقيقة (ليس مراد القائل المتقدم) لانه يرى التمليك حقيقة فى البيع و الصلح و الهبة، و انما يقدم البيع للانصراف، فمراده من الاصل: الانصراف

ص: 20

و سيجي ء توضيحه فى مسألة المعاطاة فى غير البيع إن شاء الله تعالى

بقى القرض داخلا فى ظاهر الحد

و يمكن اخراجه بان مفهومه ليس نفس المعاوضة بل هو تمليك على وجه ضمان المثل او القيمة لا معاوضة للعين بهما و لذا لا يجرى فيه ربا المعاوضة و لا الغرر المنفى فيها و لا ذكر العوض و لا العلم به

______________________________

بخلاف ما ذكرناه من ان التمليك حقيقية فى البيع فقط مجاز فيما عداه، فمرادنا بالاصل اصالة الحقيقة (و سيجي ء توضيحه فى مسألة المعاطاة فى غير البيع إن شاء الله تعالى) كما لو صالح صلحا معاطاتيا- مثلا-

(بقى القرض داخلا فى ظاهر الحد) اى تعريفنا للبيع بأنه إنشاء تمليك عين بمال لان المقرض ينشئ تمليك عينه بمقابل المثل او القيمة الّذي يسترده من المقترض (و يمكن اخراجه) من الحد (بان مفهومه) اى مفهوم القرض (ليس نفس المعاوضة بل هو تمليك على وجه ضمان المثل او القيمة) لا تمليكا مجانيا، (لا معاوضة للعيب بهما) اين بالمثل و القيمة (و لذا لا يجرى فيه ربا المعاوضة) و انما يجرى فيه ربا القرض و بينهما فرق كما حقق فى باب الربا (و لا الغرر المنفى فيها) اى فى المعاوضة الّذي اشار إليه النبي صلى الله عليه و آله و سلم بقول الامام عليه السلام «نهى النبي عن بيع الغرر» و ان جرى فيه مطلق الغرر فى الجملة لما ورد من انه «نهى النبي (ص) عن الغرر»- كما فى مستدرك الوسائل و كتب الفتوى- (و لا ذكر العوض، و لا العلم به) بخلاف المعاملة فانه يشترط فيها ذكر العوض، و العلم به (فتأمل) لعله اشارة الى ان القرض ليس معاوضة اصلا و انما رد لفرد توسعى من الشي ء فى طول رد العين و لذا يقول المقترض: رددت ماله. فلا حاجة لاخراج القرض من التعريف المذكور بهذا التكلف.

ص: 21

ثم ان ما ذكرنا تعريف للبيع المأخوذ فى صيغة «بعت» و غيره من المشتقات.

و يظهر من بعض من قارب عصرنا: استعماله فى معانى أخر غير ما ذكر
احدها: التمليك المذكور، لكن بشرط تعقبه بتملك المشترى.

و إليه نظر بعض مشايخنا، حيث أخذ قيد «التعقب بالقبول» فى تعريف البيع المصطلح. و لعله لتبادر التمليك المقرون بالقبول من اللفظ بل و صحته السلب عن المجرد و لهذا لا يقال: باع فلان ماله الا بعد ان يكون قد اشتراه غيره

______________________________

(ثم ان ما ذكرنا) من الحد للبيع (تعريف للبيع المأخوذ فى صيغة «بعت» و غيره من المشتقات.) كباع و يبيع و بع و ما اشبه.

(و يظهر من بعض من قارب عصرنا) و هو صاحب المقابيس (: استعماله فى معانى أخر) «1»

(احدها: التمليك المذكور) اى التمليك بعوض (لكن بشرط تعقبه بتملك المشترى) فالبيع إنشاء تمليك عين بمال متعقبا بتملك المشترى (و إليه نظر بعض مشايخنا، حيث أخذ قيد «التعقيب بالقبول») مأخوذا (فى تعريف البيع المصطلح) لدى المتشرعة (و لعله) اى هذا الاشتراط (لتبادر التمليك المقرون بالقبول من اللفظ) اى لفظ البيع فاذا قال القائل: بعت كتابى، كان المتبادر منه انه باعه و ان المشترى قبل ذلك (بل و صحته السلب عن المجرد) عن القبول فاذا انشأ زيد البيع و لم يقبل خالد، صح ان يقال انه ليس ببيع (و لهذا لا يقال: باع فلان ماله الا بعد ان يكون قد اشتراه غيره) فان هذا يدل

______________________________

(1) و فى نسخة: استعماله فى معانى أخر غير ما ذكر ..

ص: 22

و يستفاد من قول القائل: بعت مالى: انه اشتراه غيره، لا انه اوجب البيع فقط.

الثانى: الأثر الحاصل من الإيجاب و القبول، و هو الانتقال،

كما يظهر من المبسوط، و غيره.

الثالث: نفس العقد المركب من الايجاب و القبول.

و إليه ينظر من عرف البيع بالعقد قال: بل الظاهر اتفاقهم على إرادة هذا المعنى فى عناوين ابواب- المعاملات حتى الاجارة و شبهها

______________________________

على اشتراط القبول فى صدق البيع (و) كذلك (يستفاد من قول القائل: بعت مالى: انه اشتراه غيره، لا انه اوجب البيع فقط) و لا يخفى ان مقصود الشيخ رحمه الله من نقل كلام من قارب عصره، بيان انه لا ينحصر تعريف البيع الّذي ذكره رحمه الله- بما ذكره هذا المقارب للعصر من معانى اخر للبيع، اذ بناء على ما ذكره هذا المقارب للعصر يكون البيع مشتركا بين ما ذكره الشيخ و بين هذه المعانى فلا يكون تعريف الشيخ بانه إنشاء تمليك عين بمال المعنى الوحيد للبيع كما لا يخفى-

(الثانى) من معانى البيع (الاثر الحاصل من الايجاب و القبول، و هو الانتقال كما يظهر من المبسوط، و غيره) و الظاهر ان المراد بالانتقال المعنى القائم بالطرفين نقلا و انتقالا لا الانتقال فقط لان الاثر هو الفعل و الانفعال لا الانفعال وحده.

(الثالث: نفس العقد المركب من الايجاب و القبول. و إليه ينظر من عرف البيع بالعقد) لان العقد عبارة عن الايجاب و القبول (بل الظاهر) «1» من كلماتهم فى تعريف البيع (اتفاقهم على إرادة هذا المعنى) الثالث (فى عناوين ابواب المعاملات حتى الاجارة و شبهها) كالرهن و المزارعة فان

______________________________

(1) و فى نسخة: قال: بل الظاهر.

ص: 23

التى ليست هى فى الاصل اسما لاحد طرفى العقد

[المناقشة في هذه الاستعمالات]

اقول: اما البيع بمعنى الايجاب المتعقب للقبول، فالظاهر انه ليس مقابلا للاول و انما هو فرد انصرف إليه اللفظ فى مقام قيام القرينة على إرادة الايجاب المثمر، اذ لا ثمرة فى الايجاب المجرد فقول المخبر: بعت

______________________________

مرادهم العقد اى الايجاب و القبول (التى ليست هى فى الاصل اسما لاحد طرفى العقد) لان بعض عناوين المعاملات اسم لاحد طرفى العقد، كالبيع و الضمان و الخلع، فانها اسامى للايجاب فقط، و بعضها اسم لطرفى العقد كالشركة و المزارعة و المساقاة و بعضها اسم عين لا يرتبط بالايجاب و لا مجموع العقد، كالوديعة و العارية و الصدقة.

و لا يخفى ان الاجارة من قبيل الثالث- على ما قالوا- فانها فى اللغة نفس الاجرة فاذا صح استعمال اسم العين- كالاجارة- فى العقد كان استعمال ما هو موضوع لاحد طرفى العقد فى مجموع العقد- كالبيع- اولى لوجود علاقة الكل و الجزء فى مثل البيع دون مثل الاجارة فاستعمال الاجارة فى العقد ابعد من مثل استعمال البيع فى العقد.

(اقول) يرد على المعانى الثلاثة التى ذكرها المقابيس ما لا يخفى (اما البيع بمعنى الايجاب المتعقب للقبول، فالظاهر انه ليس مقابلا للاول) اى المعنى الّذي ذكرناه من انه إنشاء تمليك عين بمال (و انما هو) اى الايجاب المتعقب (فرد) من افراد البيع (انصرف إليه اللفظ) اى لفظ البيع (فى مقام قيام القرينة على إرادة الايجاب المثمر) و انما انصرف لفظ البيع إليه (اذ لا ثمرة فى الايجاب المجرد) و هذا كانصراف الانسان الى العاقل لعدم الفائدة فى الانسان المجنون لا ان الانسان موضوع للعاقل فقط (فقول المخبر: بعت،

ص: 24

انما اراد الايجاب المفيد، فالقيد مستفاد من الخارج، لا ان البيع مستعمل فى الايجاب المتعقب للقبول، و كذلك لفظ النقل و الابدال و التمليك و شبهها مع انه لم يقل احد بان تعقيب القبول له دخل فى معناها، نعم تحقق القبول شرط للانتقال فى الخارج لا فى نظر الناقل اذ التأثير لا ينفك عن الاثر فالبيع و ما يساويه معنى من قبيل الايجاب و الوجوب لا الكسر و الانكسار

______________________________

انما اراد الايجاب المفيد) بتعقيب القبول (فالقيد مستفاد من الخارج) الّذي هو قرينة ان المتكلم اراد المثمر (لا ان البيع مستعمل فى الايجاب المتعقب للقبول) كما قال صاحب المقابيس (و كذلك لفظ النقل و الابدال و التمليك و شبهها) كالتبديل (مع انه لم يقل احد بان تعقب القبول له دخل فى معناها) و اى فرق بين هذه الالفاظ و بين البيع (نعم تحقق القبول شرط للانتقال فى الخارج) اذ لو لا القبول لا يكون انتقال خارجى (لا فى نظر الناقل) «1»، فان الناقل يرى انه حيث اوجد المؤثر وجد الاثر سواء اعتبر العقلاء وجوده أيضا بمعنى التأثير فى الخارج- أو لا اذ لا تلازم بين نظر الناقل و بين الخارج و حيث كان هنا محل ان يقال كيف يمكن ان يحصل الاثر فى نظر الناقل دون الخارج اجاب بقوله: (فالبيع و ما يساويه معنى) من النقل و ما اشبه، و قوله: «معنى» اى ما هو بمعنى البيع (من قبيل الايجاب و الوجوب) من الامور الاعتبارية التى يمكن اختلاف الانظار فيها فزيد اذا أمر عمرا كان معتبرا للوجوب، و ان لم يعتبر العقلاء كونه واجبا لعدم حق لزيد فى الايجاب (لا الكسر و الانكسار) من الامور الخارجية التى لا يمكن اختلاف الانظار فيها، بل اما ان يحصل الانكسار بنظر الكل او لا يحصل بنظر الكل و منه يظهر انه من الممكن تحقق الانتقال بنظر البائع الناقل لانه اوجد المؤثر الاعتبارى فلا بد ان يوجد

______________________________

(1) و فى نسخة اخرى: اذ التأثير لا ينفك عن الاثر.

ص: 25

كما تخيله بعض فتامل.

و منه يظهر ضعف اخذ القيد المذكور فى معنى البيع المصطلح، فضلا عن ان يجعل احد معانيه.

و اما البيع- بمعنى الاثر و هو الانتقال- فلم يوجد فى اللغة و لا فى العرف، و انما وقع فى تعريف جماعة تبعا للمبسوط. و قد يوجه بان المراد بالبيع المحدود المصدر من المبنى للمفعول اعنى المبيعية و هو تكلف حسن

______________________________

الاثر الاعتبارى بنظره مع عدم تحقق الانتقال بنظر العقلاء- اى فى الخارج- (كما تخيله بعض) من ان البيع كالكسر و الانكسار (فتأمل) اذ حتى بنظر الناقل لم يحصل النقل، اذ الناقل لا يرى النقل ما لم يلحق القبول بما اوجبه من الايجاب.

(و منه) اى مما ذكرناه من ان القبول ليس له مدخلية فى معنى البيع (يظهر ضعف أخذ القيد المذكور) اى قيد التعقب بالقبول (فى معنى البيع المصطلح) الّذي هو إنشاء تمليك عين بمال (فضلا عن ان يجعل احد معانيه) اى معانى البيع كما صنعه من قارب عصرنا. و الحاصل انه ليس قيدا، فكيف بكونه معنى مستقلا.

(و اما البيع- بمعنى الاثر) الّذي جعله هذا المقارب للعصر معنى ثانيا للبيع (و هو الانتقال- فلم يوجد فى اللغة و لا فى العرف) بان يطلق لفظ البيع و يراد به الانتقال (و انما وقع فى تعريف جماعة) للبيع (تبعا للمبسوط و قد يوجه) هذا المعنى (بان المراد بالبيع المحدود) الّذي عرف بانه الانتقال (المصدر من المبنى للمفعول) اى المجهول (اعن المبيعية) فى مقابل المصدر المبنى للفاعل اى البائعية (و هو تكلف) اذ ليس البيع بهذا المعنى عند الاطلاق. و لكنه (حسن) اذ هو الوجه الوحيد لتصحيح هذا التعريف.

ص: 26

و اما البيع بمعنى العقد فقد صرح الشهد الثانى- رحمه الله- بان طلاقه عليه مجاز لعلاقة السببية. و الظاهر ان السبب هو الاثر الحاصل فى نظر الشارع لانه المسبب عن العقد، لا النقل الحاصل من فعل الموجب، لما عرفت من انه حاصل بنفس إنشاء الموجب، من دون توقف على شي ء، كحصول وجوب الضرب فى نظر الآمر بمجرد الامر، و ان لم يصر واجبا فى الخارج فى نظر غيره. و الى هذا نظر جميع ما ورد فى النصوص و الفتاوى من قولهم: لزم البيع، او وجب، أو لا بيع بينها، او اقاله فى البيع

______________________________

(و اما البيع بمعنى العقد) و هو ثالث المعانى التى ذكرها المقارب للعصر (فقد صرح الشهيد الثانى- رحمه الله- بان اطلاقه عليه مجاز لعلاقة السببية) فالبيع اسم للمسبب وضع على السبب (و الظاهر ان السبب هو الاثر الحاصل فى نظر الشارع لانه المسبب عن العقد) فالبيع- هو المؤثر ذلك المؤثر- وضع للذى يسبب ذلك الاثر و هو السبب اى العقد (لا) ان المسبب (النقل الحاصل من فعل الموجب، لما عرفت) فى قولنا قبل اسطر: «لا فى نظر الناقل» (من انه حاصل بنفس إنشاء الموجب، من دون توقف على شي ء،) آخر- اعنى اعتبار العقلاء- اذ المنشئ يرى حصول الأثر عند انشائه سواء اعتبره الشرع و العقلاء أم لا (كحصول وجوب الضرب فى نظر الآمر) الّذي يقول «اضرب» (بمجرد الامر، و ان لم يصر واجبا فى الخارج فى نظر غيره.)

فان الوجوب امر اعتبارى يمكن ان يكون بنظر و لا يكون بنظر كسائر الامور الاعتبارية (و الى هذا) اى معنى الاثر فى نظر الشارع (نظر جميع ما ورد فى النصوص و الفتاوى من قولهم: لزم البيع، او وجب، أو لا بيع بينها، او اقاله فى البيع) فانه ليس المراد العقد، و الا حصل العقد بينهما، بل المراد الاثر فى نظر الشارع اى تم الاثر فى نظره، او لا اثر، او اقاله فى الاثر ...

ص: 27

و نحو ذلك. و الحاصل: ان البيع الّذي يجعلونه من العقود يراد به النقل بمعنى اسم المصدر مع اعتبار تحققه فى نظر الشارع المتوقف على تحقق الايجاب و القبول فإضافة العقد الى البيع بهذا المعنى ليست بيانية و لذا يقال:

انعقد البيع، و لا ينعقد البيع.

[البيع و نحوه اسم للصحيح أو للأعم]

اشارة

ثم ان الشهيد الثانى نص فى كتاب اليمين من المسالك: على ان عقد البيع و غيره من العقود، حقيقة فى الصحيح مجاز فى الفاسد

______________________________

(و نحو ذلك) من سائر امثال هذه الجمل (و الحاصل) اى حاصل كلام الشهيد بملاحظة التوجيه الّذي ذكرناه من انه من باب علاقة السببية (ان البيع الّذي يجعلونه من العقود يراد به النقل) فقولهم: البيع عقد مركب من ايجاب و قبول، يراد بالبيع النقل فى نظر الشارع المسبب عن العقد و يطلق البيع على العقد بعلاقة السببية و لا يراد بذلك النقل فى نظر الموجب. فالبيع (بمعنى) النقل الّذي هو (اسم المصدر) الحاصل من المصدر كالغسل الّذي هو حاصل من الاغتسال (مع اعتبار تحققه) اى النقل (فى نظر الشارع، المتوقف) هذا النقل (على تحقق الايجاب و القبول) فى الخارج (فإضافة العقد الى البيع) فى قوله: «عقد البيع» (بهذا المعنى) الّذي ذكرناه و هو النقل (ليست بيانية) بل من قبيل: «عقد النقل» فى قبال: «عقد تملك المنفعة» بمعنى الاجارة-، «و عقد تملك المنتقل إليه مجانا»- بمعنى الهبة- و هكذا .. (و لذا يقال) اى لذا الّذي ذكرناه من ان الاضافة ليست بيانية (انعقد البيع) حيث يؤتى بالفعل الدال على الزمان (و لا ينعقد البيع) و لو كان العقد نفس البيع كان من قبيل: «باع البيع» مما كان المضاف إليه تأكيدا لا انه مفيد لمعنى جديد.

(ثم ان الشهيد الثانى نص فى كتاب اليمين من المسالك: على ان عقد البيع و غيره من العقود، حقيقة فى الصحيح مجاز فى الفاسد) و المراد ب

ص: 28

لوجود خواص الحقيقة و المجاز، كالتبادر و صحة السلب. قال: و من ثم حمل الا قرار به عليه

و لو ادعى «1» إرادة الفاسد لم يسمع اجماعا.

و لو كان مشتركا بين الصحيح و الفاسد، لقبل تفسيره بأحدهما كغيره من الالفاظ المشتركة

______________________________

«عقد البيع» مدلول المركب الاضافى- اى اضافة العقد الى البيع-، و الظاهر: ان مراده «العقد» اى المضاف- اذ ليس للاضافة صحيح و فاسد- او «البيع» اى المضاف إليه، و انما نقول بانه حقيقة فى الصحيح و مجاز فى الفاسد (لوجود خواص الحقيقة و المجاز كالتبادر) الى الصحيح (و صحة السلب) عن الفاسد فيهما، و من المعلوم ان التبادر علامة الحقيقة و صحة السلب علامة المجاز (قال) الشهيد (و من ثم) و انه حقيقة فى الصحيح (حمل الاقرار به) اى بالبيع (عليه) اى على الصحيح فان قال: بعت الكتاب لزيد ثم ادعى ان البيع كان فاسدا لم يسمع منه لان الاقرار انما يؤخذ بظاهره و لو لم يكن الظاهر من البيع الصحيح لم يحمل اقراره على البيع الصحيح.

(و لو «1» ادعى إرادة الفاسد لم يسمع اجماعا) فانه من قبيل ان يقول:

لزيد عندى اسد ثم يدعى: ان مراده كان رجلا شجاعا مربوطا بزيد، حيث لا يسمع هذا التفسير منه.

(و لو كان) البيع (مشتركا بين الصحيح و الفاسد، لقبل تفسيره بأحدهما) كأن يفسر بالفاسد المقتضى لعدم امكان مطالبته بشي ء (كغيره من الالفاظ المشتركة) حيث انه اذا اقر باللفظ المشترك قبل تفسيره باحد معانيه، سواء أ كانت تلك المعانى من قبيل افراد الكلى، كما لو اعترفت بان لزيد عليه سيفا ثم فسره بالهندى، او من قبيل المشترك اللفظى، كما لو اعترف بان لزيد عليه عينا ثم فسرها بالذهب- مثلا-

______________________________

(1) و فى نسخة: حتى لو ادعى

ص: 29

و انقسامه الى الصحيح و الفاسد اعم من الحقيقة انتهى

و قال الشهيد الاول فى قواعده: الماهيات الجعلية كالصلاة و الصوم و سائر العقود لا تطلق على الفاسد الا الحج لوجوب المضى فيه. و ظاهره

______________________________

(و) ان قلت: ان العقد ينقسم الى الصحيح و الفاسد، فيقال:

العقد اما صحيح او فاسد، و من المعلوم ان الانقسام علامة كون المقسم حقيقة فى كل الاقسام، اذ لا يصح تقسيم الشي ء الى نفسه و الى غيره. فلا يقال:

الانسان اما انسان و اما بقر نعم يقال: الانسان اما افريقى او آسوى. و الحاصل ان البيع ينقسم الى الصحيح و الفاسد و التقسيم علامة الحقيقة.

قلت: (انقسامه الى الصحيح و الفاسد اعم من الحقيقة) اذ اللفظ يقسم الى المعنى الحقيقى و المجازى، فيقال: الاسد اما مفترس او رجل شجاع، نعم هذا يحتاج الى القرينة لكنها موجودة فى المقام لما نشاهده من صحة السلب من الفاسد (انتهى) كلام المسالك.

(و قال الشهيد الاول فى قواعده) فى بيان كون العقود مجازا فى الفاسد- كما ذكره المسالك بالنسبة الى البيع- (الماهيات الجعلية) اى التى جعلها الشارع فى مقابل الماهيات العرفية التى امضاها الشارع كالمعاملات (كالصلاة و الصوم و سائر العقود) «و سائر» عطف على «الماهيات» لا على «الصلاة» اذ العقود ليست من المهيات الجعلية كما لا يخفى (لا تطلق على الفاسد) فالصلاة الفاسدة لا تتسمى صلاة- الا مجازا- و كذلك الرهن الفاسد لا يسمى رهنا- الا مجازا- (الا الحج) فان فاسده أيضا يسمى حجا (لوجوب المضى فيه) اذ لو لم يكن الفاسد حجا لم يجب المضى فيه و اتمامه، فان الانسان ليس بمكلف باتيان غير الحج. فوجوب المضى علامة انه حج و إن كان فاسدا (و ظاهره)

ص: 30

إرادة الاطلاق الحقيقى

و يشكل ما ذكراه بان وضعها للصحيح يوجب عدم جواز التمسك بإطلاق نحو «احل الله البيع» و اطلاقات ادلة سائر العقود فى مقام الشك فى اعتبار شي ء فيها مع ان سيرة علماء الاسلام التمسك بها فى هذه المقامات.

نعم يمكن ان يقال: ان البيع و شبهه فى العرف اذا استعمل فى الحاصل من لمصدر الّذي يراد

______________________________

اى ظاهر القواعد من قوله: «لا تطلق» (إرادة الاطلاق الحقيقى) يعنى ان العبادة و المعاملة لا تطلق- اطلاقا على سبيل الحقيقة- على الفاسد، لا انه يريد عدم الاطلاق حتى اطلاقا مجازيا لوضوح ان هذه الالفاظ تطلق على الفاسد اطلاقا من باب المشابهة فى الهيكل الصحيح.

(و يشكل ما ذكراه)- الشهيد الاول و الثانى- (بان وضعها) اى وضع الفاظ العبادات و المعاملات (للصحيح) فقط (يوجب عدم جواز التمسك بإطلاق نحو «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» و اطلاقات ادلة سائر العقود) كدليل «الرهن» و «الاجارة» و غيرهما (فى مقام الشك فى اعتبار شي ء فيها) اى فى صحة تلك العقود، مثلا لو شككنا فى انه هل تعتبر العربية فى صيغة البيع كان اللازم ان لا نتمسك ب «احل الله البيع» فى عدم اعتبارها، اذ معنى البيع على قول الشهيد «البيع الصحيح» و المفروض انا نشك فى ان صيغة البيع الفارسية صحيحة أم لا؟ (مع ان سيرة علماء الاسلام التمسك بها) اى بادلة، العقود (فى هذه المقامات) اى مقامات الشك فى ان الشي ء الفلانى هل يعتبر فى العقد أم لا؟

(نعم يمكن ان يقال) فى وجه تصحيح كلام الشهيدين (ان البيع و شبهه فى العرف اذا استعمل فى الحاصل من المصدر الّذي يراد) ذلك

ص: 31

من قول القائل: «بعت» عند إنشاء لا يستعمل حقيقة الا فيما كان صحيحا مؤثرا و لو فى نظرهم ثم اذا كان مؤثرا فى نظر الشارع كان بيعا عنده و الا كان صورة بيع نظير بيع الهازل عند العرف فالبيع الّذي يراد منه ما حصل عقيب قول القائل «بعت» عند العرف و الشرع حقيقة فى الصحيح المفيد للاثر و مجاز فى غيره الا ان الافادة و ثبوت الفائدة مختلف فى نظر العرف و الشرع. و

______________________________

الحاصل (من قول القائل «1»: بعت عند الانشاء) فان الانسان اذا قال: «بعت الكتاب بدرهم» كان الحاصل من كلامه اثرا هو عبارة عن النقل (لا يستعمل حقيقة) اى استعمالا حقيقيا (الا فيما كان صحيحا و مؤثرا) للنقل و الانتقال (و لو فى نظرهم) اى نظر العرف- سواء وافقه نظر الشرع أم لا- (ثم اذا كان مؤثرا فى نظر الشرع) أيضا (كان بيعا عنده) اى عند الشرع (و الا كان صورة بيع) لا تفيد النقل و الانتقال (نظير بيع الهازل عند العرف) الّذي لا يفيد اثر النقل و الانتقال (فالبيع الّذي يراد منه ما حصل عقيب قول القائل «بعت» عند العرف و الشرع حقيقة فى الصحيح المفيد للاثر و مجاز فى غيره) اى الّذي لا يفيد الاثر- كما ذكره الشهيدان- (الا ان، الافادة) اى افادة البيع للاثر (و ثبوت الفائدة) اى ترتب النقل و الانتقال (مختلف فى نظر العرف و الشرع) فالعرف يرى الصحة احيانا فيما لا يراه الشرع كالبيع الربوي الّذي يراه العرف العادى- مقابل العرف المتشرعى- صحيحا و لا يراه الشرع صحيحا.

(و) ان قلت: يبقى فى المقام انه كيف يتمسك العلماء بإطلاق ادلة البيع

______________________________

(1) نسخة بدل

ص: 32

اما وجه تمسك العلماء بإطلاق ادلة البيع و نحوه، فلأن الخطابات لما وردت على طبق العرف حمل لفظ البيع و شبهه فى الخطابات الشرعية على ما هو الصحيح المؤثر عند العرف، او على المصدر الّذي يراد من لفظ بعت، فيستدل بإطلاق الحكم بحله أو بوجوب الوفاء على كونه مؤثرا فى نظر الشارع أيضا فتامل

______________________________

فيما شك فى شرط او جزء، مع ان مقتضى وضعه للصحيح عدم امكان التمسك، قلت: (اما وجه تمسك العلماء بإطلاق ادلة البيع و نحوه) كالرهن و الاجارة و سائر ادلة العقود (فلان الخطابات لما وردت على طبق العرف) لان المخاطب هو العرف فمثل «احل الله البيع» يراد به البيع الّذي يفهم العرف- مثلا- (حمل لفظ البيع و شبهه فى الخطابات الشرعية على ما هو الصحيح المؤثر عند العرف) فمعنى الآية: احل الله البيع المؤثر عند العرف (او على المصدر الّذي يراد من لفظ بعت) و الفرق بين هذا و سابقه ان المراد ب «ما هو الصحيح المؤثر» اسم المصدر و ب «على المصدر» المصدر، و المراد ان «البيع» فى الآية اما «كالغسل» أو «كالاغتسال» (فيستدل بإطلاق الحكم بحله) اى اطلاق الحلية فى الآية، اى حل هذا البيع المؤثر عند العرف المشكوك فى صحته شرعا- للشك فى جزء او شرط- (أو بوجوب الوفاء) فى قوله سبحانه: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (على كونه مؤثرا فى نظر الشارع أيضا) كما هو مؤثر فى نظر العرف. و الحاصل عدم المنافاة بين «كون البيع موضوعا للصحيح» و بين «التمسك بالإطلاق» بتقريب ان البيع موضوع للصحيح عرفا، فاذا كان هناك بيع صحيح عرفا فشك فى صحته شرعا تمسك بالإطلاق فيحكم بصحته شرعا أيضا (فتامل) فان العرف مرجع فى المفاهيم

ص: 33

فان للكلام محلا آخر.

الكلام فى المعاطاة

[الكلام في حقيقة المعاطاة و صورها]

اعلم ان المعاطاة على ما فسره جماعة ان يعطى كل من اثنين عوضا عما يأخذه من الاخر و هو يتصور على وجهين.

احدهما: ان يبيح كل منها للآخر التصرف فيما يعطيه من دون نظر الى تمليكه.

الثانى: ان يتعاطيا على وجه التمليك.

و ربما يذكر وجهان آخران.

احدهما: ان يقع النقل من غير قصد البيع و لا تصريح بالإباحة المزبورة بل يعطى شيئا ليتناول شيئا يدفعه الاخر إليه

______________________________

الكلية لا فى المصاديق الجزئية (فان للكلام محلا آخر) و هو باب الصحيح و الاعم من الاصول.

(الكلام فى المعاطاة) مصدر باب المفاعلة من عاطى يعاطى. (اعلم ان المعاطاة على ما فسره جماعة ان يعطى كل من اثنين عوضا عما يأخذه من الآخر) كأن يعطى زيد دينارا لعمرو فى مقابل ما يأخذه من عمرو من الكتاب (و هو يتصور على وجهين)

(احدهما: ان يبيح كل منهما للآخر التصرف فيما يعطيه من دون نظر الى تمليكه) بان لا يقصد التمليك بل مع الغض عن التمليك.

(الثانى ان يتعاطيا) اى يعطى كل منهما للآخر (على وجه التمليك) بان يملك هذا ذاك، و ذاك هذا.

(و ربما يذكر وجهان آخران) فى المعاطاة.

(احدهما: ان يقع النقل من غير قصد البيع و لا تصريح بالإباحة المزبورة) التى هى الوجه الاول (بل يعطى شيئا ليتناول) و يأخذ (شيئا يدفعه الاخر

ص: 34

و الثانى: ان يقصد الملك المطلق دون خصوص البيع.

و يرد الاول بامتناع خلو الدافع عن قصد عنوان من عناوين البيع أو الاباحه، أو العارية أو الوديعة أو القرض أو غير ذلك من العنوانات الخاصة.

و الثانى: بما تقدم فى تعريف البيع من ان التمليك بالعوض على وجه المبادلة هو مفهوم البيع لا غير نعم يظهر من غير واحد منهم فى بعض العقود كبيع لبن الشاة مدة و غير ذلك، كون التمليك المطلق اعم من البيع

______________________________

إليه) و النقل اعم من الملك.

(و الثانى: ان يقصد الملك المطلق دون خصوص البيع) فهنا أربعة اوجه «الاباحة»، «البيع»، «النقل المطلق»، «الملك المطلق»، و حيث ان كاشف الغطاء- رحمه الله- جعل المعاطاة معاملة مستقلة لا ترتبط بالإباحة و لا البيع اخترع هذين الوجهين.

(و يرد الاول) و هو النقل المطلق (بامتناع خلو الدافع عن قصد عنوان من عناوين البيع أو الاباحة أو العارية أو الوديعة أو القرض أو غير ذلك من العنوانات الخاصة) اذ لا بد للجنس من التلون بفصل اذا اريد وجوده خارجا و ربما لا يتلفظ الدافع بشي ء من هذه الامور، لكنه يقصده قلبا لا محالة، و عليه فلا يمكن تحقق النقل المطلق.

(و) يرد (الثانى: بما تقدم فى تعريف البيع من ان التمليك بالعوض على وجه المبادلة) بين العوض و المعوض (هو مفهوم البيع لا غير) فالتمليك المطلق هو البيع لا انه وجه جديد (نعم يظهر من غير واحد منهم فى بعض العقود- كبيع لبن الشاة مدة و غير ذلك ..- كون التمليك المطلق اعم من البيع) و انه نافذ بدليل: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .. و: تجارة عن

ص: 35

[حكم المعاطاة و أقوال العلماء في ذلك]

ثم ان المعروف بين علمائنا فى حكمها: انها مفيدة لاباحة التصرف و يحصل الملك بتلف احدى العينين.

و عن المفيد و بعض العامة: القول بكونها لازمة كالبيع.

و عن العلامة- رحمه الله- فى النهاية: احتمال كونها بيعا فاسدا، فى عدم افادتها لاباحة التصرف.

و لا بد أولا من ملاحظة ان النزاع فى المعاطاة المقصود بها الاباحة او فى المقصود بها التمليك؟ الظاهر من الخاصة و العامة هو: المعنى الثانى و حيث ان الحكم بالإباحة بدون الملك قبل التلف

______________________________

تراض، لكنك عرفت الاشكال فيه و انه لا بد ان ينوى الدافع احد العنوانات الخاصة فهذا كله تمام الكلام فى موضوع المعاطاة

(ثم ان المعروف بين علمائنا فى حكمها انها مفيدة لاباحة التصرف) من الجانبين (و يحصل الملك) للجانبين (بتلف احدى العينين) فبمجرد ان تلف الثمن- مثلا- انتقل الثمن الى البائع و المثمن الى المشترى.

(و عن المفيد و بعض العامة: القول بكونها) اى المعاطاة (لازمة كالبيع) بالصيغة

(و عن العلامة- رحمه الله- فى النهاية: احتمال كونها بيعا فاسدا فى عدم افادتها لاباحة التصرف) فالاقوال ثلاثة: «الاباحة» و «البيع» و «لا شي ء».

(و لا بد أولا من ملاحظة ان النزاع فى المعاطاة المقصود بها الاباحة) اى ما قصد الدافع الاباحة (او فى المقصود بها التمليك؟. الظاهر من الخاصة و العامة هو: المعنى الثانى) اى المقصود بها التمليك، فاذا قصد المتعاطيان التمليك بعض يقول: بافادتها الملك، و بعض بافادتها الاباحة، و بعض بعدم افادتها لشي ء اصلا (و حيث ان الحكم بالإباحة بدون الملك قبل التلف)

ص: 36

و حصوله بعده لا يجامع ظاهرا قصد التمليك من المتعاطين

نزل المحقق الكركى الاباحة فى كلامهم على الملك الجائز المتزلزل، و انه يلزم بذهاب احدى العينين. و حقق ذلك فى شرحه على القواعد و تعليقه على الارشاد بما لا مزيد عليه، لكن بعض المعاصرين لما استبعد هذا الوجه التجأ الى جعل محل النزاع هى المعاطاة المقصود بها مجرد الاباحة، و رجح بقاء الاباحة فى كلامهم على ظاهرها المقابل للملك، و نزل

______________________________

لاحد العوضين (و حصوله) اى الملك (بعده) اى بعد التلف (لا يجامع ظاهرا قصد التمليك من المتعاطين) اذ لو نفذ قصد الملك لزم ان ينفذ من الاول و لو لم ينفذ قصد الملك لم يوجب التلف الملك اذ لا دليل على ان التلف من المملكات.

(نزل المحقق الكركى الاباحة فى كلامهم) حيث قالوا: المعاطاة تفيد الاباحة (على الملك الجائز المتزلزل، و انه) اى الملك (يلزم بذهاب احدى العينين) اى يكون الملك لازما اذا تلف احد العوضين (و حقق) الكركى (ذلك) القول بان مرادهم الملك المتزلزل (فى شرحه على القواعد و تعليقه على الارشاد بما لا مزيد عليه، لكن بعض المعاصرين) و هو صاحب الجواهر (لما استبعد هذا الوجه) بان يريد الفقهاء بالإباحة الملك المتزلزل، لان الاباحة فى مقابل الملك فكيف يمكن اطلاق احدهما على الاخر بدون القرينة (التجأ الى جعل محل النزاع) فى المعاطاة (هى المعاطاة المقصود بها الاباحة) خلافا لما تقدم من الّذي قلنا: بان مقصودهم ما اريد به الملك (و رجح بقاء الاباحة فى كلامهم) اى قولهم: ان المعاطاة تفيد الاباحة (على ظاهرها المقابل للملك) لا كما صنع المحقق الكركى (و نزل) هذا

ص: 37

حكم قدماء الاصحاب بالإباحة على هذا الوجه، و طعن على من جعل محل النزاع فى المعاطاة بقصد التمليك، قائلا: ان القول بالإباحة الخالية عن الملك مع قصد الملك مما لا ينسب الى اصاغر الطلبة فضلا عن اعاظم الاصحاب و كبرائهم.

و الانصاف ان ما ارتكبه المحقق الثانى فى توجيه الاباحة بالملك المتزلزل بعيد فى الغاية عن مساق كلمات الاصحاب مثل: الشيخ فى المبسوط و الخلاف و الحلى فى السرائر، و ابن زهرة فى الغنية، و الحلبى فى الكافى، و العلامة فى التذكرة و غيرها، بل كلمات بعضهم صريحة فى عدم

______________________________

المعاصر (حكم قدماء الاصحاب بالإباحة) اى افادة المعاطاة الاباحة (على هذا الوجه) اى فيما اذا اراد المتعاملان الاباحة لا ما اذا اراد الملك (و طعن على من جعل محل النزاع) فى ان المعاطاة تفيد الاباحة أو الملك (فى المعاطاة بقصد التمليك قائلا: ان القول بالإباحة الخالية عن الملك مع قصد) المتعاطيين (الملك مما لا ينسب الى اصاغر الطلبة فضلا عن اعاظم الاصحاب و كبرائهم) اذ كيف يمكن ان يقع ما لا يقصده المتعاملان؟

و الحاصل ان الاصحاب قالوا: «المعاطاة تفيد الاباحة» فالكركى قال:

مرادهم «المعاطاة المقصود بها الملك تفيد الملك المتزلزل»، و صاحب الجواهر قال: مرادهم «المعاطاة المراد بها الاباحة تفيد الاباحة».

(و الانصاف ان ما ارتكبه المحقق الثانى فى توجيه الاباحة بالملك المتزلزل بعيد فى الغاية عن مساق كلمات الاصحاب) اى كيفيتهم لسوق الكلام و القرائن المحفوفة (مثل: الشيخ فى المبسوط و الخلاف، و الحلى فى السرائر و ابن زهرة فى الغنية، و الحلبى فى الكافى، و العلامة فى التذكرة و غيرها) من سائر كتبه (بل كلمات بعضهم صريحة فى عدم

ص: 38

الملك كما ستعرف، الا ان جعل محل النزاع ما اذا قصد الاباحة دون التمليك، ابعد منه، بل لا يكاد يوجد فى كلام احد منهم ما يقبل الحمل على هذا المعنى

و لننقل أولا كلمات جماعة من ظفرنا على كلماتهم ليظهر منه بعد تنزيل الاباحة على الملك المتزلزل، كما صنعه المحقق الكركى و أبعدية جعل محل الكلام فى كلمات قدمائنا الاعلام، ما لو قصد المتعاطيان مجرد إباحة التصرفات دون التمليك.

فنقول- و بالله التوفيق-: قال فى الخلاف: «اذا دفع قطعة الى البقلى او الشارب

______________________________

الملك) بل الاباحة (كما ستعرف، الا ان جعل محل النزاع ما اذا قصد الاباحة دون التمليك) كما صنعه الجواهر (ابعد منه) اى من كلام الكركى (بل لا يكاد يوجد فى كلام احد منهم ما يقبل الحمل على هذا المعنى) اى ما اذا قصد المتعاملان الاباحة.

(و لننقل أولا كلمات جماعة) من الفقهاء (ممن ظفرنا على كلماتهم ليظهر منه) اى من هذا النقل (بعد) بضم الباء مقابل قرب (تنزيل الاباحة على الملك المتزلزل، كما صنعه المحقق الكركى و أبعدية جعل محل الكلام فى كلمات قدمائنا الاعلام، ما لو قصد المتعاطيان مجرد إباحة التصرفات دون) ان يقصدا (التمليك) كما ذكره الجواهر.

(فتقول- و بالله التوفيق-: قال فى الخلاف: اذا دفع) المشترى (قطعة) من النقود (الى البقلى) بائع البقل (او الشارب) بائع الماء، قال ابن مالك:

«و مع فاعل و فعال فعل فى نسب اغنى عن اليا فقبل»

ص: 39

فقال: اعطنى بها بقلا أو ماء، فاعطاه فانه لا يكون بيعا، و كذلك سائر المحقرات و انما يكون إباحة له فيتصرف كل منهما فى ما أخذه تصرفا مباحا من دون ان يكون ملكه

و فائدة ذلك ان البقلى اذا اراد ان يسترجع البقل او اراد صاحب القطعة ان يسترجع قطعته كان لهما ذلك، لان الملك لم يحصل لهما و به قال الشافعى و قال ابو حنيفة: يكون بيعا صحيحا و ان لم يحصل الايجاب و القبول و قال ذلك فى المحقرات دون غيرها. دليلنا: ان العقد حكم شرعى

______________________________

فالمراد: المنسوب الى الشرب. (فقال: اعطنى بها بقلا أو ماء، فاعطاه، فانه لا يكون بيعا و كذلك سائر المحقرات) مما ليست بأمور كبيرة كالدار و البستان و ما اشبه ...

(و انما يكون إباحة له) اى للآخذ (فيتصرف كل منهما فى ما أخذه تصرفا مباحا من دون ان يكون ملكه) اى من دون ان يكون ما اخذه ملكا له.

(و فائدة ذلك) الّذي ذكرنا من الاباحة دون الملك (ان البقلى اذا اراد ان يسترجع البقل او اراد صاحب القطعة ان يسترجع قطعته، كان لهما ذلك) الاسترجاع (لان الملك لم يحصل لهما) حتى يلتزم كل منهما بما التزم به من النقل و الانتقال (و به) اى بعدم الملك بل الاباحة (قال الشافعى و قال ابو حنيفة: يكون بيعا صحيحا و ان لم يحصل الايجاب و القبول) اللفظيين، (و قال ذلك) اى كونه بيعا صحيحا (فى المحقرات) كالماء و البقل (دون غيرها) كالدار و البستان.

(دليلنا) على ان التعاطى يفيد الاباحة لا الملك (ان العقد حكم شرعى)

ص: 40

و لا دلالة فى الشرع على وجوده هنا فيجب ان لا يثبت.

و اما الاباحة بذلك فهو مجمع عليه لا يختلف العلماء فيها انتهى.

و لا يخفى صراحة هذا الكلام فى عدم حصول الملك و فى ان محل الخلاف بينه و بين ابى حنيفة ما لو قصد البيع لا الاباحة المجردة كما يظهر أيضا من بعض كتب الحنفية حيث انه بعد تفسير البيع بمبادلة مال بمال قال: و ينعقد بالايجاب و القبول و بالتعاطى. و أيضا فتمسكه بان العقد حكم شرعى يدل على عدم انتفاء قصد البيعية

______________________________

فان الشارع يلزم ان يبين ما ذا يفيد اللزوم، و ما هو موضوع «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (و لا دلالة فى الشرع على وجوده) اى الموضوع للحكم الشرعى (هنا) فى المعاطاة (فيجب ان لا يثبت) اذ عدم الدليل دليل العدم فى امثال هذه المقامات.

(و اما الاباحة بذلك) اى حصول الاباحة للتصرف بسبب المعاطاة (فهو مجمع عليه لا يختلف العلماء فيها) اى فى الاباحة و الاجماع حجة (انتهى) كلام الشيخ.

(و لا يخفى صراحة هذا الكلام فى عدم حصول الملك) بالمعاطاة (و فى ان محل الخلاف بينه و بين ابى حنيفة ما لو قصد) المتعاملان (البيع لا الاباحة المجردة) فالذى يقول بان كلام الاصحاب «حصول الملك المتزلزل» و الّذي يقول ان كلامهم فيما «لو قصد الاباحة» خلاف هذا الكلام من الشيخ (كما يظهر أيضا) كون محل الكلام ما لو قصدا الملك- لا الاباحة- (من بعض كتب الحنفية حيث انه بعد تفسير البيع بمبادلة مال بمال قال: و ينعقد بالايجاب و القبول و بالتعاطى) و معلوم ان المراد بالتعاطى هو المراد بالايجاب و القبول لا الإباحة- (و أيضا فتمسكه) اى الشيخ (بان العقد حكم شرعى يدل) هذا الكلام (على عدم انتفاء قصد البيعية) اى التمليك- لا

ص: 41

و الا لكان الاولى بل المتعين التعليل به اذ مع انتفاع حقيقة البيع لغة و عرفا لا معنى للتمسك بتوقيفية الاسباب الشرعية كما لا يخفى.

و قال فى السرائر- بعد ذكر اعتبار الايجاب و القبول و اعتبار تقدم الاول على الثانى- ما لفظه: فاذا دفع قطعة الى البقلى او الشارب فقال: اعطنى فانه لا يكون بيعا و لا عقدا، لان الايجاب و القبول ما حصلا، و كذلك سائر المحقرات

______________________________

الاباحة- فيما اذا كان تعاط (و الا) بان كان قصد التمليك مفقودا فى المعاطاة (لكان الاولى بل المتعين التعليل به) اى بعدم قصد التمليك.

الا ترى انك اذا وضعت يدك على متاع لزيد لا بقصد انه يكون ملكا لك يقولون:

ان وضع يدك لا يسبب الملك لانه لم تقصد لا لانه لم يقره الشارع، اذ الكلام فى اقرار الشارع و اقراره يأتى بعد وجود اصل القصد (اذ مع انتفاء حقيقة البيع لغة و عرفا لا معنى للتمسك) على انتفائه (بتوقيفية الاسباب الشرعية) و انه لا سبب شرعى فى المقام (كما لا يخفى) فان الانتفاء ينسب الى السابق من العلتين فعدم القصد سبب اوّل و عدم امضاء الشارع سبب ثان فاذا لم يكن السبب الاول لم يكن معنى للتعليل بالسبب الثانى.

(و قال) الحلى (فى السرائر- بعد ذكر اعتبار الايجاب و القبول و اعتبار تقدم الاول على الثانى-) اى يجب ان يكون الايجاب قبل القبول فلا يصح ان يقول المشترى «قبلت» ثم يقول البائع «بعت» (ما لفظه: فاذا دفع قطعة الى البقلى او الشارب فقال اعطنى فانه لا يكون بيعا) حتى يشمله:

«احل الله البيع» (و لا عقدا) حتى يشمله: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (لان الايجاب و القبول ما حصلا، و كذلك) الحال فى (سائر المحقرات) بل

ص: 42

و سائر الاشياء محقرا كان أو غير محقر من الثياب و الحيوان او غير ذلك. و انما يكون إباحة له فيتصرف كل منهما فيما أخذه تصرفا مباحا من غير ان يكون ملكه او دخل فى ملكه و لكل منهما ان يرجع فيما بذله، لان الملك لم يحصل لهما و ليس ذلك من العقود الفاسدة، لانه لو كان عقدا فاسدا لم يصح التصرف فيما، صار الى كل واحد منهما و انما ذلك على جهة الاباحة، انتهى.

فان تعليله عدم الملك بعدم حصول الايجاب و القبول يدل على انه ليس المفروض ما لو لم يقصد التمليك. مع ان ذكره فى حيز شروط العقد يدل على ما ذكرنا. و لا ينافى ذلك

______________________________

(و سائر الاشياء محقرا كان أو غير محقر من الثياب و الحيوان او غير ذلك. و انما يكون) هذا التعاطى (إباحة له) اى لكل واحد من الثمن و المثمن للطرف المقابل (فيتصرف كل منهما فيما أخذه تصرفا مباحا من غير ان يكون ملكه) بسبب التعاطى (او دخل فى ملكه) بعد التعاطى (و لكل منهما ان يرجع فيما بذله لان الملك لم يحصل لهما) حتى يكون كل منهما ملتزما بما فعله من الاخذ و الاعطاء (و ليس ذلك) التعاطى (من العقود الفاسدة، لانه لو كان عقدا فاسدا لم يصح التصرف فيما صار الى كل واحد منهما) فليس التعاطى عقدا مطلقا- لا صحيحا و لا فاسدا (و انما ذلك) التصرف (على جهة الاباحة انتهى) كلام السرائر.

(فان تعليله) اى السرائر (عدم الملك) لهما (بعدم حصول الايجاب و القبول يدل على انه ليس المفروض ما لو لم يقصد التمليك) كما قاله صاحب الجواهر- بان كلامهم فيما لو لم يقصد التمليك- (مع ان ذكره) اى هذا الكلام- و هو الايجاب و القبول- (فى حيز شروط العقد يدل على ما ذكرنا) من انه فيما اذا قصدا الملك (و لا ينافى ذلك) اى كون كلامه فى صورة قصدهما

ص: 43

قوله: و ليس هذا من العقود الفاسدة ... الخ كما لا يخفى.

و قال فى الغنية- بعد ذكر الايجاب و القبول فى عداد شروط صحة انعقاد البيع كالتراضى و معلومية العوضين، و بعد بيان الاحتراز لكل من الشروط عن المعاملة الفاقدة لها- ما هذا لفظه: و اعتبرنا حصول الايجاب و القبول تحرزا عن القول بانعقاده بالاستدعاء من المشترى و الايجاب من البائع، بان يقول:

بعنيه بالف، فيقول: بعتك بالف. فانه لا ينعقد بذلك بل لا بد ان يقول المشترى بعد ذلك اشتريت او قبلت حتى ينعقد و احترازا أيضا

______________________________

الملك (قوله: و ليس هذا من العقود الفاسدة ... الخ) وجه توهم المنافاة. انه لو قصدا الملك فاللازم ان يكون عقدا فاسدا اذا لم يكن عقدا صحيحا (كما لا يخفى) اذ الامر دائر بين عقد صحيح او عقد فاسد أو الاباحة و السرائر انما نفى ذلك ليثبت الاباحة.

(و قال فى الغنية- بعد ذكر الايجاب و القبول فى عداد شروط صحة انعقاد البيع كالتراضى و معلومية العوضين، و بعد بيان الاحتراز لكل من الشروط عن المعاملة الفاقدة لها-) كالاحتراز عن المعاملة التى لا تراضى فيها، او كان احد المعوضين فيها مجهولا (ما هذا لفظه: و اعتبرنا حصول الايجاب و القبول تحرزا عن القول بانعقاده بالاستدعاء من المشترى و الايجاب من البائع بان يقول) المشترى (بعينه بالف. فيقول) البائع (بعتك بالف. فانه لا ينعقد بذلك) البيع (بل لا بد ان يقول المشترى بعد ذلك) القول من البائع (اشتريت أو قبلت، حتى ينعقد) البيع (و احترازا أيضا) عطف على

ص: 44

عن القول بانعقاده بالمعاطاة نحو: ان يدفع الى البقلى قطعة و يقول: اعطنى بقلا فيعطيه، فان ذلك ليس ببيع و انما هو إباحة للتصرف. يدل على ما قلناه الاجماع المشار إليه. و أيضا فما اعتبرناه مجمع على صحة العقد به و ليس على صحة ما عداه دليل. و لما ذكرنا نهى- صلى الله عليه و آله و سلم- عن بيع المنابذة و الملاسة و عن بيع الحصاة، على التأويل الاخر

______________________________

«تحرزا» (عن القول بانعقاده بالمعاطاة نحو: ان يدفع الى البقلى قطعة و يقول: اعطنى بقلا، فيعطيه، فان ذلك) التعاطى (ليس ببيع و انما هو إباحة للتصرف) و (يدل على ما قلناه الاجماع المشار إليه) فى اوّل كلامنا (و أيضا فما اعتبرناه) من الشرائط (مجمع على صحة العقد به و ليس على صحة ما عداه دليل) فالاصل العدم (و لما ذكرنا) من لزوم الايجاب و القبول فى البيع (نهى) النبي (- صلى الله عليه و آله و سلم- عن بيع المنابذة و الملامسة و عن بيع الحصاة).

المنابذة: هى ان ينبذ كل من البائع و المشترى الجنس الى الاخر بدون اختيار الاخر له و معرفة حسنه و عدم حسنه، كأن ينبذ هذا ثوبا الى ذاك و ينبذ ذاك ثوبا آخر الى هذا، و يكون هذا النبذ: ايجاب البيع و قبوله.

و الملامسة: هى ان يكون اللمس ايجابا للبيع كان يلمس زيد ثوب عمر و فيكون ذلك اللمس ايجابا، و بالعكس.

و بيع الحصاة: ان يكون رمى الحصاة الى و المبيع ايجابا.

و فى هذه الثلاثة اقوال أخر اظهرها ما ذكرناه.

(على التأويل الاخر) مقابل التأويل الاول: و هو ان يجرى اللفظ و يكون

ص: 45

و معنى ذلك ان يجعل اللمس بشي ء و النبذ له و القاء الحصاة بيعا موجبا انتهى فان دلالة هذا الكلام على ان المفروض قصد المتعاطيين التمليك من وجوه متعددة، منها: ظهور ادلته الثلاثة فى ذلك

______________________________

اللمس و النبذ و القاء الحصاة موجبا للتعين، كأن يقول: بعتك ثوبا بدينار، ثم يرمى إليه الحصاة ليعين الكلى فى الثوب الّذي اصابته الحصاة.

و انما قال على التأويل الاخر، اذ فى التأويل الاول يكون لفظ الايجاب و القبول فى البين بخلاف التأويل الاخر الّذي لا لفظ فيه.

و التأويل الاول و إن كان باطلا أيضا لدى «الغنية» الا ان كلامه الآن فى العقد الخالى عن اللفظ، و لذا خصص الباطل بالتأويل الآخر.

ثم انه انما سمى تأويلا لان إرادة المتبايعين للعقد و النقل و الانتقال تؤل و تنتهى الى الايجاب و القبول الصحيح او البيع بالمنابذة و الملامسة و الحصاة، و لا يراد بالتأويل معناه المعروف.

(و) كيف كان ف (معنى ذلك) الّذي ذكرناه من اقسام البيع الثلاثة على التأويل الاخر (ان يجعل اللمس بشي ء و النبذ له و القاء الحصاة بيعا موجبا.

انتهى) كلام «الغنية».

(فان دلالة هذا الكلام على ان المفروض) فى كلام «الغنية» (قصد المتعاطيين التمليك) لا الاباحة- كما قاله صاحب الجواهر- (من وجوه متعددة منها: ظهور ادلته الثلاثة) اى قوله «فان ذلك ليس ببيع» و قوله «و أيضا فما اعتبرناه مجمع» و قوله «لما ذكرنا» فانها صريحة فى ان قصد المتعاطيين التمليك لكن لا يقع التمليك للمحاذير الثلاثة، لا ان المتعاطيين لم يقصدا التمليك (فى ذلك) الّذي ذكرناه من ان يريد من اذا قصد المتعاطيان

ص: 46

و منها: احترازه عن المعاطاة و المعاملة بالاستدعاء بنحو واحد.

و قال فى الكافى- بعد ذكر انه يشترط فى صحة البيع امور ثمانية- ما لفظه: و اشترط الايجاب و القبول لخروجه من دونهما عن حكم البيع- الى ان قال:- فان اختل شرط من هذه لم ينعقد البيع و لم يستحق التسليم و ان جاز التصرف مع اخلال بعضها للتراضى، دون عقد البيع، و يصح معه الرجوع و هو فى الظهور قريب من عبارة «الغنية».

و قال المحقق- رحمه الله- فى الشرائع: و لا يكفى

______________________________

التمليك. (و منها: احترازه) بقيد الايجاب و القبول (عن المعاطاة و المعاملة بالاستدعاء) احترازا (بنحو واحد) و من المعلوم ان الاستدعاء انما هو بالنسبة الى التمليك، فالمعاطاة أيضا كذلك.

(و قال فى الكافى- بعد ذكرانه يشترط فى صحة البيع امور ثمانية- ما لفظه: و اشترط الايجاب و القبول لخروجه) اى خروج التعامل (من دونهما) اى دون الايجاب و القبول (عن حكم البيع- الى ان قال:- فان اختل شرط من هذه) الشروط الثمانية (لم ينعقد البيع و لم يستحق) كل من المشترى و البائع (التسليم) للثمن او المثمن (و ان جاز التصرف) فى كل منهما (مع اخلال بعضها) اى بعض الشرائط الثمانية (ل) وجود (التراضي دون) ان يكون هناك (عقد البيع) موجودا (و يصح معه) اى مع التراضي فقط بدون العقد (الرجوع) من، البائع الى سلعته و من المشترى الى ثمنه، لان التراضي ليس عقدا لازم الوفاء به. (و هو فى الظهور) لقصد الكافى ما اذا قصد المتبايعان التمليك- (قريب من عبارة «الغنية»).

(و قال المحقق- رحمه الله- فى الشرائع: و لا يكفى) فى انعقاد المعاملة

ص: 47

التقابض من غير لفظ و ان حصل من الامارات ما دل على إرادة البيع انتهى.

و ذكر كلمة الوصل ليس لتعميم المعاملات لما لم يقصد به البيع بل للتنبيه على انه لا عبرة بقصد البيع من الفعل.

و قال فى التذكرة- فى حكم الصيغة-: الاشهر عندنا انه لا بد منها فلا يكفى التعاطى فى الجليل و الحقير مثل اعطنى بهذا الدينار ثوبا، فيعطيه ما يرضيه فيقول له: خذ هذا الثوب بدينار فيأخذه، و به قال الشافعى لاصالة بقاء الملك

______________________________

(التقابض) اى القبض و الاقباض (من غير لفظ و ان حصل من الامارات) و القرائن اللفظية و الحالية (ما دل على إرادة البيع. انتهى) كلام «الشرائع».

(و ذكر كلمة الوصل) اى قوله «و ان حصل» (ليس لتعميم المعاملات لما لم يقصد به البيع) حتى يقال: «فقسم من المعاطاة لا يقصد فيها البيع» (بل للتنبيه على انه لا عبرة بقصد البيع من الفعل) و التعاطى المجرد عن اللفظ فانه من المعلوم ان «كلمة الوصل» قد تستعمل للتعميم كما لو قال: «اكرم زيدا و ان اهانك» اى سواء اهانك أم لا، و قد تستعمل للتنبيه المجرد.

(و قال فى التذكرة- فى حكم الصيغة-: الاشهر عندنا انه لا بد) فى العقد (منها) اى من صيغة الايجاب و القبول (فلا يكفى التعاطى فى الجليل و الحقير مثل) ان يقول المشترى: (اعطنى بهذا الدينار ثوبا، فيعطيه ما يرضيه) من الثياب (فيقول له) البائع: (خذ هذا الثوب بدينار فيأخذه) المشترى بالدينار (و به قال الشافعى).

و انما نقول بعدم كفاية الفعل (لاصالة بقاء الملك) فانا نشك فى انه خرج الثمن و المثمن عن ملك مالكهما بمجرد التعاطى و التراضي أم لا؟ فالاصل

ص: 48

و قصور الافعال عن الدلالة على المقاصد.

و عن بعض الحنفية و ابن شريح فى الجليل.

و قال احمد ينعقد مطلقا. و نحوه قال مالك، فانه قال: ينعقد بما يقصده الناس بيعا. انتهى

و دلالته على قصد المتعاطيين للملك لا يخفى من وجوه، أدونها: جعل مالك موافقا لاحمد فى الانعقاد، من جهة انه قال: ينعقد بما يقصده الناس بيعا.

و قال الشهيد فى قواعده- بعد قوله: قد يقوم السبب الفعلى مقام

______________________________

بقاء كل ملك على ملك مالكه الاول (و) ل (قصور الافعال عن الدلالة على، المقاصد) لان الفعل ذو وجوه: التمليك و الاباحة و الاعارة و الوديعة و القرض و غيرها- كما لا يخفى-.

(و عن بعض الحنيفة و ابن شريح فى الجليل) اى انه لا ينعقد البيع فى الامور العظيمة بمجرد التعاطى، اما الامور الحقيرة فينعقد البيع فيها بالتعاطى

(و قال احمد) ابن حنبل (ينعقد) بالتعاطى (مطلقا) فى الجليل و الحقير (و نحوه قال مالك، فانه قال: ينعقد) البيع (بما يقصده الناس بيعا انتهى) كلام العلامة.

(و دلالته على قصد المتعاطيين للملك لا يخفى من وجوه) متعددة (ادونها:

جعل مالك موافقا لاحمد فى الانعقاد، من جهة انه) اى مالك (قال ينعقد بما يقصده الناس بيعا) و من المعلوم ان قصد الناس الملك لا الاباحة- كما قال فى الجواهر-.

(و قال الشهيد فى قواعده- بعد قوله، قد يقوم السبب الفعلى مقام

ص: 49

السبب القولى، و ذكر امثلة لذلك ما لفظه-: و اما المعاطاة فى المبايعات، فهى تفيد الاباحة لا الملك و ان كان فى الحقير- عندنا-

و دلالتها على قصد المتعاطيين للملك مما لا يخفى هذا كله مع ان الواقع فى ايدى الناس هى المعاطاة بقصد التمليك و يبعد فرض الفقهاء من العامة و الخاصة الكلام فى غير ما هو الشائع بين الناس، مع انهم صرحوا بإرادة المعاملة المتعارفة بين الناس ثم انك قد عرفت ظهور اكثر العبارات المتقدمة فى عدم حصول الملك، بل صراحة بعضها كالخلاف و السرائر و التذكرة و القواعد

______________________________

السبب القولى، و ذكر امثلة لذلك) كالهبة بالاعطاء القائمة مقام الهبة باللفظ.

و ما اشبه (ما لفظه-: و اما المعاطاة فى المبايعات فهى تفيد الاباحة لا الملك و ان كان فى الحقير- عندنا-) انتهى كلام القواعد.

(و دلالتها) اى هذه العبارة (على قصد المتعاطيين للملك) لا الاباحة (مما لا يخفى) فلا وجه لكلام صاحب الجواهر من ان كلام الفقهاء فى المعاطاة المراد بها الاباحة. (هذا كله مع ان الواقع فى ايدى الناس) فى المعاطاة التى يوقعونها (هى المعاطاة بقصد التمليك) كما لا يخفى لمن راجع المتعارف (و يبعد فرض الفقهاء من العامة و الخاصة الكلام فى غير ما هو الشائع بين الناس) بان يأتوا بهذا الكلام الطويل حول المعاطاة التى يراد بها الاباحة مما لا خارج لها اطلاقا الا فى بعض الاحيان النادرة (مع انهم صرحوا بإرادة المعاملة المتعارفة بين الناس) لقرينة امثلتهم و غيرها (ثم انك قد عرفت ظهور اكثر العبارات المتقدمة فى عدم حصول الملك) من المعاطاة (بل صراحة بعضها كالخلاف و السرائر و التذكرة و القواعد) لانهم صرحوا بافادة المعاطاة

ص: 50

و مع ذلك كله، فقد قال المحقق الثانى فى جامع المقاصد: انهم أرادوا بالإباحة الملك المتزلزل. فقال: المعروف بين الاصحاب ان المعاطاة بيع و ان لم يكن كالعقد فى اللزوم، خلافا لظاهر عبارة المفيد. و لا يقول احد بانها بيع فاسد سوى المصنف فى النهاية، و قد رجع عنه فى كتبه المتأخرة. و قوله تعالى: الا ان تكون تجارة عن تراض، عام الا ما أخرجه الدليل. و ما يوجد فى عبارة جمع من متأخرى الاصحاب من انها تفيد الاباحة و تلزم بذهاب احدى العينين يريدون به عدم اللزوم فى اوّل الامر

______________________________

الاباحة. (و مع ذلك كله، فقد قال المحقق الثانى فى جامع المقاصد: انهم أرادوا بالإباحة الملك المتزلزل) و ان المعاطاة تفيد ذلك (فقال: المعروف بين الاصحاب ان المعاطاة بيع و ان لم يكن كالعقد فى اللزوم، خلافا لظاهر عبارة المفيد) الّذي يقول بانها بيع لازم (و لا يقول أحد بأنها بيع فاسد) حتى لا يترتب عليها حتى الاباحة (سوى المصنف) اى العلامة (فى النهاية، و قد رجع عنه) اى عن كونه بيعا فاسدا (فى كتبه المتأخرة) عن النهاية (و قوله تعالى: الا ان تكون تجارة عن تراض، عام) شامل للمعاطاة و غيرها (الا ما أخرجه الدليل) كبيع الكالى بالكالى و ما اشبه، مما هو تجارة عن تراض و مع ذلك باطل لوجود دليل خاص على بطلانه، و ليس مما اخرجه الدليل المعاطاة فهى باقية تحت عموم «تجارة عن تراض» (و ما يوجد فى عبارة جمع من متأخرى الاصحاب من انها تفيد الاباحة و تلزم بذهاب احدى العينين) اى تلف الثمن او المثمن (يريدون به) اى بالإباحة بتأويلها ب «الكلام» (عدم اللزوم فى اوّل الامر) حين المعاطاة، لا انهم يريدون الاباحة حقيقة

ص: 51

و بالذهاب يتحقق اللزوم، لامتناع إرادة الاباحة المجردة من اصل الملك اذ المقصود للمتعاطيين انما هو الملك، فاذا لم يحصل كان بيعا فاسدا و لم يجز التصرف و كافة الاصحاب على خلافه. و أيضا فان الاباحة المحضة لا تقتضى الملك اصلا و راسا فكيف يتحقق ملك شخص بذهاب مال آخر فى يده. و انما الافعال،

______________________________

(و بالذهاب) اى فقد احدى العينين (يتحقق اللزوم)

و انما اوّلنا كلامهم «الاباحة» الى «الملك المتزلزل» (لامتناع إرادة) الاصحاب من لفظ «الاباحة» الموجودة فى كلامهم (الاباحة المجردة من اصل الملك) اى إباحة بلا ملك، بل مرادهم إباحة التصرفات مع انه ملك متزلزل (اذ المقصود للمتعاطيين الملك، فاذا لم يحصل) الملك اطلاقا- لا ملكا لازما و لا ملكا متزلزلا- (كان بيعا فاسدا و لم يجز التصرف) اصلا، لا انه يجوز التصرف لانه مباح (و كافة الاصحاب على خلافه) اى خلاف البيع الفاسد، فان احدا منهم لا يقول بالمعاملة الفاسدة (و أيضا) يدل على ان مرادهم بالإباحة الملك المتزلزل (فان الاباحة المحضة لا تقتضى الملك اصلا) و لو بعد فقد احدى العينين (و راسا) اى اطلاقا (فكيف) يقولون بانه (يتحقق ملك شخص) كالبائع مثلا للثمن (بذهاب مال آخر فى يده)، كذهاب الثمن فى يد البائع، اى لا وجه لان نقول: ان البائع يملك الثمن بذهاب هذا الثمن- الّذي هو مال للمشترى فى يد البائع، و يصح ان يقال، فى مقام الاستعباد: انه كيف يملك المشترى المثمن بذهاب ثمنه فى يد البائع (و) ان قلت: مقتضى ما ذكرتم ان يكون، البيع لازما، فلما ذا تقولون انه ملك متزلزل، قلت: (انما الافعال) كالمعاطاة

ص: 52

لما لم تكن دلالتها على المراد فى الصراحة كالاقوال لانها تدل بالقرائن، منعوا لزوم العقد بها، فيجوز التراد ما دام ممكنا و مع تلف احدى العينين يمتنع التراد فيتحقق اللزوم و يكفى تلف بعض احدى العينين لامتناع التراد فى الباقى اذ هو موجب لتبعض الصفقة و الضرر انتهى.

و نحوه المحكى منه فى تعليقه على الارشاد و زاد فيه: ان مقصود المتعاطيين إباحة مترتبة على ملك الرقبة كسائر البيوع فان حصل مقصودهما ثبت ما قلناه

______________________________

- فى المقام- (لما لم تكن دلالتها على المراد بالصراحة كالقول) الّذي دلالته بالصراحة (لانها) اى الافعال (تدل بالقرائن) مثل الاعطاء يدل بالقرينة على انه بيع، و الا فالاعطاء يمكن ان يكون هبة و غيرها (منعوا من لزوم العقد بها) اى بالافعال (فيجوز) لكل من البائع و المشترى (التراد) فيرد كل جنس صاحبه ليأخذ جنسه (ما دام) التراد (ممكنا و مع تلف احدى العينين يمتنع التراد فيتحقق اللزوم) و يكون الملك المتزلزل ملكا لازما (و يكفى) فى افادة اللزوم (تلف بعض احدى العينين لامتناع التراد فى الباقى) كأن يتلف دينار من الثمن الّذي هو مائة دينار- مثلا-، و معنى امتناع التراد انه لا يتمكن البائع- فى المثال- ان يرد عين مائة دينار التى اخذها من المشترى (اذ هو) اى تراد البعض (موجب لتبعض الصفقة و الضرر) يعنى فى بعض الموارد، و الا فليس جميع الموارد كذلك كما لا يخفى (انتهى) كلام الكركى فى جامع المقاصد.

(و نحوه المحكى منه فى تعليقه على الارشاد و زاد فيه: ان مقصود المتعاطيين) من التعامل (إباحة مترتبة على ملك الرقبة كسائر البيوع) فان المتبايعين يريدان ان يباح لكل منهما التصرف إباحة مترتبة على الملك لا إباحة مترتبة على الهبة أو ما اشبه (فان حصل مقصودهما ثبت ما قلناه) من ترتب

ص: 53

و الا لوجب ان لا تحصل إباحة بالكلية بل يتعين الحكم بالفساد اذ المقصود غير واقع فلو وقع غيره لوقع بغير قصد و هو باطل. و عليه يتفرع النماء و جواز و طى الجارية و من منع فقد اغرب انتهى.

و الّذي يقوى فى النفس ابقاء ظواهر كلماتهم على حالها و انهم يحكمون بالإباحة المجردة عن الملك فى المعاطاة على فرض قصد المتعاطيين التمليك و ان الاباحة لم يحصل بانشائها

______________________________

الملك المتزلزل على المعاطاة (و الا) يحصل مقصودهما (لوجب ان لا تحصل إباحة بالكلية) اى اطلاقا- خلافا لما نسب الى المشهور من انهم يقولون بالإباحة المطلقة- (بل يتعين الحكم بالفساد) للمعاملة و انه لا يترتب عليه إباحة و لا ملك (اذ المقصود) للمتعاطيين (غير واقع فلو وقع غيره) اى الاباحة المطلقة- لا المترتبة على الملك- (لوقع بغير قصد) منهما، لانهما لم يقصداه (و هو باطل) اذ الامور المتوقفة على القصد لا تكون الا بالقصد، و ان شئت قلت: «ما وقع لم يقصد و ما قصد لم يقع» (و عليه) اى على الملك (يتفرع النماء و جواز و طى الجارية) فان قلنا بالملك كان النماء للمشترى و جاز له الوطي، و ان لم نقل بالملك فلا ملك و لا إباحة، فليس له نماء و لا يجوز له وطى الجارية (و من منع) مما ذكرناه، بل قال بعدم الملك (فقد أغرب) اى اتى بشي ء غريب (انتهى) كلام الكركى رحمه الله.

(و الّذي يقوى فى النفس ابقاء ظواهر كلماتهم على حالها) فمرادهم المعاطاة المراد بها الملك- لا الاباحة- كما قال الجواهر (و انهم يحكمون بالإباحة المجردة عن الملك فى المعاطاة) اى ان المعاطاة تفيد الاباحة (على فرض قصد المتعاطيين التمليك) لا ان المعاطاة تفيد الملك المتزلزل- كما قال الكركى- (و ان الاباحة لم تحصل بانشائها) اى إنشاء الاباحة

ص: 54

ابتداء بل انما حصلت- كما اعترف به فى المسالك- من استلزام اعطاء كل منهما سلعته مسلطا عليها، الاذن فى التصرف فيه بوجوه التصرفات فلا يرد عليهم عدا ما ذكره المحقق المتقدم فى عبارته المتقدمة.

و حاصله ان المقصود هو الملك، فاذا لم يحصل فلا منشأ لاباحة التصرف اذ الاباحة إن كانت من المالك فالمفروض انه لم يصدر منه الا التمليك و إن كانت من الشارع فليس عليها دليل و لم يشعر كلامهم بالاستناد الى نص فى ذلك مع ان الغاء الشارع للاثر المقصود

______________________________

(ابتداء) لانهما لم ينشئا الا الملك (بل انما حصلت) الاباحة (- كما اعترفت به فى المسالك- من استلزام اعطاء كل منهما سلعته) فى حالكون المعطى (مسلطا) الطرف الاخر (عليها، الاذن فى التصرف فيه) «الاذن» مفعول «استلزم» (بوجوه التصرفات) حتى المتلفة منها (فلا يرد عليهم) اى على المشهور القائلين بهذا القول (عدا ما ذكره المحقق المتقدم فى عبارته المتقدمة).

(و حاصله) اى حاصل الايراد (ان المقصود) للمتعاطيين (هو الملك، فاذا لم يحصل) لعدم وجود الايجاب و القبول (فلا منشأ لاباحة التصرف) و انما لا يكون منشأ للاباحة (اذ الاباحة إن كانت من المالك) و ان المالك اباح (فالمفروض انه لم يصدر منه) اى من المالك (الا التمليك) لانه قصد الملك (و إن كانت) الاباحة (من الشارع فليس عليها) اى على الاباحة الشرعية (دليل و لم يشعر كلامهم بالاستناد الى نص فى ذلك) بان يدل نص على انه متى ما تعاطيا افاد التعاطى الاباحة الشرعية (مع) ان الاباحة الشرعية يرد عليه (ان الغاء الشارع للاثر المقصود)

ص: 55

و ترتيب غيره بعيد جدا، مع ان التأمل فى كلامهم يعطى إرادة الاباحة المالكية لا الشرعية.

و يؤيد إرادة الملك ان ظاهر اطلاقهم إباحة التصرف، شمولها للتصرفات التى لا تصح الا من المالك كالوطى و العتق و البيع لنفسه و التزامهم حصول الملك مقارنا لهذه التصرفات- كما اذا وقعت هذه التصرفات من ذى الخيار او من الواهب الّذي يجوز له الرجوع- بعيد.

______________________________

الّذي هو الملك (و ترتيب غيره) الّذي هو الاباحة (بعيد جدا) فان المعروف من سيرة الشارع انه او كل الامور القصدية- من هذا القبيل- الى اصحاب القصد، لا انه تصرف فيها على خلاف رغبة اصحابه (مع ان التأمل فى كلامهم يعطى) و يفيد (إرادة الاباحة المالكية لا) الاباحة (الشرعية) فالقول بالإباحة الشرعية خلاف ظاهر كلماتهم.

(و يؤيد إرادة) المشهور (الملك) المتزلزل من الاباحة، لا الاباحة الاصطلاحية- و هذا الكلام من تتمة الاشكال من قبل الكركى على من يقول بإرادة الفقهاء الاباحة المصطلحة- (ان ظاهر اطلاقهم) ب (إباحة التصرف، شمولها) اى الاباحة (للتصرفات التى لا تصح الا من المالك كالوطى و العتق و البيع لنفسه) لا عن المالك، فانه ورد: لا وطى الا فى ملك، و لا عتق الا فى ملك، و لا بيع الا فى ملك (و التزامهم حصول الملك مقارنا لهذه التصرفات- كما اذا وقعت هذه التصرفات من ذى الخيار او من الواهب الّذي يجوز له الرجوع-) فان الهبة الى ذى الرحم، و الى الزوجة، و مع الشرط، و ما اشبه لا يصح فيها الرجوع (بعيد) خبر قولهم: التزامهم.

ص: 56

و سيجي ء ما ذكره بعض الاساطين من ان هذا القول مستلزم لتاسيس قواعد جديدة لكن الانصاف ان القول بالتزامهم لهذه الامور اهون من توجيه كلماتهم فان هذه الامور لا استبعاد فى التزامها اذا اقتضى الاصل عدم الملكية و لم يساعد عليها

______________________________

و الحاصل من هذا الاشكال: انكم اما تقولون بانه لا يجوز ان يتصرف المتعاطيان مثل هذه التصرفات فى السلعة، او تقولون بصحة هذه التصرفات. و الاول خلاف اطلاق الفقهاء انه يجوز كل تصرف فى السلعة، و الثانى لا يخلو: اما ان تقولون بسبق الملك عليها- و هذا هو المطلوب- و اما ان تقولون بتقارنها مع الملك- كتصرف ذى الخيار- حيث ان البائع للامة بخيار له اذ وطأها كان الوطي تصرفا و اخذا بالخيار حيث انها بمجرد الوطي تكون ملكا له، اى ترجع الى ملكه، و هذا بعيد جدا، يحتاج الى دليل قوى و حيث وجد الدليل فى باب الهبة و الخيار نقول بذلك و لكن لا دليل هنا على ان التصرف مملك و لذا لا نقول به (و سيجي ء ما ذكره بعض الاساطين من ان هذا القول) اى الاباحة المجردة عن الملك (مستلزم لتاسيس قواعد جديدة) فى الفقه. و الحاصل ان اللازم ان نقول بافادة المعاطاة الملك لا الاباحة، هذا حاصل الاشكال الّذي يوجه الى كلام الشيخ الّذي يقول بان مراد الفقهاء الاباحة، لا الملك المتزلزل (لكن الانصاف ان القول بالتزامهم) اى الفقهاء (لهذه الامور) و الاشكالات التى ترد على القول بالإباحة (اهون من توجيه كلماتهم) بصرفها عن ظاهرها الى الملك المتزلزل (فان هذه الامور) و الاشكالات، الواردة على القول بالإباحة (لا استبعاد فى التزامها اذا اقتضى الاصل عدم الملكية) فى المعاطاة (و لم يساعد عليها) اى على

ص: 57

دليل معتبر و اقتضى الدليل صحة التصرفات المذكورة مع ان المحكى عن حواشى الشهيد على القواعد، المنع عما يتوقف على الملك كاخراجه فى خمس او زكاة، و كوطى الجارية و صرح الشيخ فى المبسوط بان الجارية لا تملك بالهدية العارية عن الايجاب و القبول، و لا يحل وطيها.

و مما يشهد على نفى البعد عما ذكرنا من ارادتهم الاباحة المجردة مع قصد المتعاطيين التمليك انه قد صرح الشيخ فى المبسوط، و الحلى فى السرائر، كظاهر العلامة فى

______________________________

الملكية (دليل معتبر) من ناحية (و اقتضى الدليل صحة التصرفات المذكورة) اى المالكية من ناحية اخرى- هذا أولا- (مع ان المحكى عن حواشى الشهيد على القواعد، المنع عما) اى عن التصرف الّذي (يتوقف على الملك كاخراجه) اى اخراج ما اخذه بالمعاطاة (فى خمس او زكاة، و كوطى الجارية) ثانيا. و الحاصل انا نقول بالإباحة، و نرد اشكال: انه كيف يمكن التصرف المالكى فى السلعة؟ بانه لا مانع منه اذ دل الدليل، أولا، و بانه لا نسلم بجواز مثل هذا التصرف، كما قاله الشهيد، ثانيا.

(و) يؤيد عدم جواز التصرف المالكى فى السلعة التى اخذت بالمعاطاة انه (صرح الشيخ فى المبسوط بان الجارية لا تملك بالهدية العارية) اى الفاقدة (عن الايجاب و القبول، و لا يحل وطيها) لانها لم تدخل فى ملك الموهوب له.

(و مما يشهد على نفى البعد عما ذكرنا من ارادتهم الاباحة المجردة مع قصد المتعاطيين التمليك) فى المعاملة المعاطاتية (انه قد صرح الشيخ فى المبسوط، و الحلى فى السرائر، كظاهر العلامة فى

ص: 58

القواعد: بعدم حصول الملك باهداء الهدية بدون الايجاب و القبول و لو من الرسول نعم يفيد ذلك إباحة التصرف لكن الشيخ استثنى وطى الجارية.

ثم ان المعروف بين المتأخرين ان من قال بالإباحة المجردة فى المعاطاة قال بانها ليست بيعا حقيقية كما هو ظاهر بعض العبائر المتقدمة و معقد اجماع الغنية

______________________________

القواعد: بعدم حصول الملك باهداء الهدية بدون الايجاب و القبول و لو من الرسول) الواسطة فى ايصال الهدية، و انما يكون هذا الكلام منهم مؤيدا، لا دليلا، لان كلامهم فى الهداية، لا فى البيع، نعم هو مؤيد لان البابين من واد واحد، من هذا الحيث (نعم يفيد ذلك) الاهداء الخالى عن الايجاب و القبول (إباحة التصرف) من الموهوب له فى الموهوب (لكن الشيخ استثنى وطى الجارية) فلا يجوز هذا التصرف

(ثم ان المعروف بين المتاخرين ان من قال بالإباحة المجردة فى المعاطاة قال بانها ليست بيعا حقيقة كما هو ظاهر بعض العبائر المتقدمة) كعبارة التذكرة و غيرها (و معقد اجماع الغنية) اى اللفظ الّذي ادعى عليه الاجماع، فان الاجماع قد يكون منصبا على جملة خاصة فتسمى تلك الجملة معقدا، و قد يكون الاجماع فى قول آخر فلا يكون له معقد، مثلا قد يقول الفقيه: «تلزم الصيغة فى البيع اجماعا» فان «لزوم الصيغة» معقد الاجماع، و قد يقول: «لم يشترط فلان الصيغة فى البيع، و الّذي يظهر لى اشتراطها دليلنا على ذلك الاجماع» فان الاجماع فى المثال لا معقد له، اى ليس هناك لفظ خاص حتى يرجع فى

ص: 59

و ما ابعد ما بينه و بين توجيه المحقق الثانى من إرادة نفى اللزوم، و كلاهما خلاف الظاهر.

و يدفع الثانى تصريح بعضهم بان شرط لزوم البيع منحصر فى مسقطات الخيار، فكل بيع عنده لازم من غير جهة الخيارات و تصريح غير واحد بان الايجاب و القبول من شرائط صحة انعقاد البيع بالصيغة.

______________________________

مورد الشك إليه (و ما ابعد ما بينه) اى بين كون المعاطاة ليست مفيدة للملك و انها ليست بيعا حقيقة (و بين توجيه المحقق الثانى من إرادة) الاصحاب (نفى اللزوم) و انها بيع حقيقة و تفيد الملك المتزلزل (و كلاهما خلاف الظاهر) من الاصحاب.

(و يدفع الثانى) اى كلام المحقق (تصريح بعضهم بانه شرط لزوم البيع منحصر فى مسقطات الخيار، فكل بيع عنده) اى عند هذا القائل (لازم من غير جهة الخيارات) فكيف يقول المحقق: ان المعاطاة بيع غير لازم و يلزم من غير جهة مسقطات الخيار، اذ لزوم المعاطاة عنده بالتصرف المتلف فى احد العوضين (و تصريح غير واحد بان الايجاب و القبول من شرائط صحة انعقاد البيع بالصيغة) فلا ينعقد البيع بدون الايجاب و القبول، فكيف ينسب المحقق إليهم انهم يقولون بانعقاد البيع و لكنه متزلزل؟

و الظاهر ان قوله «بالصيغة» متعلق بقوله «الايجاب و القبول» و الا لم يكن هذا الكلام ردا على من يقول بالانعقاد بالمعاطاة، اذ لو قلنا «ان الانعقاد بالصيغة مشروط بالايجاب و القبول» كان لازمه ان الانعقاد يمكن بغير الايجاب و القبول، فتامل.

ص: 60

و اما الاول فان قلنا بان البيع عند المتشرعة حقيقة فى الصحيح و لو بناء على ما قدمناه فى آخر تعريف البيع من ان البيع فى العرف: اسم للمؤثر منه فى النقل، فإن كان فى نظر الشارع او المتشرعة من حيث انهم متشرعة و متدينون بالشرع صحيحا مؤثرا فى الانتقال كان بيعا حقيقيا، و الا كان بيعا صوريا نظير بيع الهازل فى نظر العرف فيصح على ذلك نفى البيعية على وجه الحقيقة فى كلام كل من اعتبر فى صحته الصيغة او فسره بالعقد، لانهم فى

______________________________

(و اما الاول) اى انها ليست بيعا و لا مفيدة للملك (فان قلنا بان البيع عند المتشرعة حقيقة فى الصحيح) المفيد للاثر (و لو بناء على ما قدمناه فى آخر تعريف البيع) قبل بحث المعاطاة فى بيان كلام الشهيد (من ان البيع فى العرف: اسم للمؤثر منه فى النقل، فإن كان فى نظر الشارع او المتشرعة من حيث انهم متشرعة و متدينون بالشرع) حيث يصح الانتساب الى الشرع (صحيحا مؤثرا فى الانتقال كان بيعا حقيقيا، و الا) يكن مؤثرا (كان بيعا صوريا نظير بيع الهازل فى نظر العرف) و انه بيع صورى و ليس بيعا حقيقيا (فيصح على ذلك) التقدير، و هذا جواب الشرط الّذي هو قوله «فان قلنا» (نفى البيعية على وجه الحقيقة) اى المعاطات ليست بيعا حقيقيا (فى كلام كل من اعتبر فى صحته) اى صحة البيع (الصيغة) اذ لا صيغة فى المعاطاة فلا بيع حقيقة (او فسره بالعقد) اى فسر البيع بالعقد، اذ لا عقد فى المعاطات، فلا بيع حقيقة، و «او» عطف على «من اعتبر». و انما قلنا انه بناء على كون البيع حقيقة فى الصحيح يصح نفى البيعية عن المعاطاة (لانهم فى

ص: 61

مقام تعريف البيع بصدد بيان ما هو المؤثر فى النقل فى نظر الشارع.

اذا عرفت ما ذكرنا

فالأقوال في المعاطاة- على ما يساعد، ظواهر كلماتهم- ستة:
اللزوم مطلقا

كما هو ظاهر المفيد و يكفى فى وجود القائل به قول العلامة رحمه الله- فى التذكرة: الاشهر عندنا انه لا بدّ من الصيغة

______________________________

مقام تعريف البيع بصدد بيان ما هو المؤثر فى النقل فى نظر الشارع) و من المعلوم ان المؤثر فى النقل ليس الا بيعا صحيحا. ثم ان قوله:

«فان قلنا بان البيع» له عدل مطوى فى الكلام لم يذكره لوضوحه، و هو هكذا: و ان قلنا بان البيع حقيقة فى الاعم فلا يصح نفى البيعية.

و الحاصل من قوله: «ثم ان المعروف» .. الى هنا، ان فى المعاطاة قولين: افراطى و تفريطى، الاول: انها ليست بيعا، و الثانى انها بيع يفيد الملك المتزلزل، و كلاهما غير تام، اما الثانى: فلان المشهور يقولون بان المعاطاة تفيد الاباحة لا الملك، و اما الاول فان قلنا بان البيع حقيقة فى الصحيح، و قلنا: بان البيع يحتاج الى الصيغة يصح قوله بانها ليست بيعا و ان قلنا بان البيع حقيقة فى الاعم، لا يصح قوله

(اذا عرفت ما ذكرنا) من توجيه كل من المحقق و الجواهر لكلام المشهور، و مما ذكرناه فى بيان كلام المشهور (ف) اعلم ان (الاقوال فى المعاطاة- على ما يساعده ظواهر كلماتهم- ستة):

الاول (اللزوم مطلقا) كسائر انواع البيع (كما هو ظاهر المفيد، و يكفى فى وجود القائل به قول العلامة- رحمه الله- فى التذكرة:

الاشهر عندنا انه لا بد من الصيغة) مما يدل على ان غير الاشهر عدم الاحتياج الى الصيغة

ص: 62

و اللزوم بشرط كون الدال على التراضي او المعاملة لفظا

حكى عن بعض معاصرى الشهيد الثانى بعض متأخري المحدثين لكن فى عدّ هذا من الاقوال فى المعاطاة تاملا.

و الملك غير اللازم،

ذهب إليه المحقق الثانى و نسبه الى كل من قال بالإباحة و فى النسبة ما عرفت.

و عدم الملك مع إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك،

كما هو ظاهر عبائر كثير بل

______________________________

(و) الثانى (اللزوم بشرط كون الدال على التراضي او المعاملة لفظا) كما يقول: نرضى بهذا التبادل، او نعامل هذه المعاملة- بدون الايجاب و القبول- فى قبال ان لا يقولا لفظا اصلا كما لو وضع النقد و اخذ الجنس فى حضور صاحب الجنس (حكى عن بعض معاصرى الشهيد الثانى بعض متأخري المحدثين لكن) لا يخفى ان (فى عدّ هذا من الاقوال فى المعاطاة تاملا) اذ جماعة اعتبروا فى المعاطاة خلوها من اللفظ اطلاقا، و عليه فليس هذا من الاقوال فى المعاطاة لخروجه موضوعا عنها.

(و) الثالث (الملك غير اللازم، ذهب إليه المحقق الثانى و نسبه الى كل من قال بالإباحة) الذين هم المشهور، مدعيا ان مرادهم بالإباحة الملك المتزلزل (و فى النسبة ما عرفت) من انها خلاف ظواهر كلماتهم بل صريح بعضهم ينفيها.

(و) الرابع (عدم الملك مع إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك) كالوطى و العتق و البيع و ما اشبه (كما هو ظاهر عبائر كثير بل

ص: 63

ذكر فى المسالك ان كل من قال بالإباحة يسوّغ جميع التصرفات.

و إباحة ما لا يتوقف على الملك

و هو الظاهر من الكلام المتقدم عن حواشى الشهيد على القواعد و هو المناسب لما حكيناه عن الشيخ فى اهداء الجارية من دون ايجاب و قبول

و القول بعدم إباحة التصرف مطلقا

نسب الى ظاهر النهاية، لكن ثبت رجوعه عنه فى غيرها.

و المشهور بين علمائنا عدم ثبوت الملك بالمعاطاة

و ان قصد

______________________________

ذكر فى المسالك ان كل من قال بالإباحة يسوّغ) و يجوّز (جميع التصرفات) حتى المتوقفة على الملك.

(و) الخامس (إباحة ما لا يتوقف على الملك) من التصرفات كالاستعمال و نحوه .. لا الوطي و العتق و نحوهما .. (و هو الظاهر من الكلام المتقدم عن حواشى الشهيد) الاول (على القواعد و) هذا القول (هو المناسب لما حكيناه عن الشيخ فى اهداء الجارية من دون ايجاب و قبول) حيث اباح كل تصرف باستثناء وطى الجارية، اذ لو جاز كل تصرف كالقول الرابع- لجاز وطيها أيضا.

(و) السادس (القول بعدم إباحة التصرف مطلقا) حتى غير التصرفات المستلزمة للملك فلا يجوز استخدام الجارية- مثلا- فضلا عن وطيها (نسب) هذا القول (الى ظاهر النهاية، لكن ثبت رجوعه عنه فى غيرها) اى غير النهاية من سائر كتبه.

(و المشهور بين علمائنا عدم ثبوت الملك بالمعاطاة و ان قصد

ص: 64

المتعاطيان بها التمليك، بل لم نجد قائلا به الى زمان المحقق الثانى الّذي قال به و لم يقتصر على ذلك حتى نسبه الى الاصحاب.

نعم ربما يوهمه ظاهر عبارة السرائر حيث قال فيه: الاقوى ان المعاطاة غير لازمة بل لكل منهما فسخ المعاوضة ما دامت العين باقية فان تلفت لزمت انتهى و لذا نسب ذلك إليه فى المسالك لكن قوله بعد ذلك و لا يحرم على كل منهما الانتقاع بما قبضه، بخلاف البيع الفاسد ظاهر فى ان مراده مجرد الانتفاع اذ لا معنى لهذه العبارة بعد الحكم بالملك.

[الأقوى حصول الملك]
اشارة

و اما قوله و الاقوى ... الخ، فهو اشارة الى خلاف

______________________________

المتعاطيان بها) اى بالمعاطاة (التمليك، بل لم نجد قائلا به) اى بالملك (الى زمان المحقق الثانى) الكركى (الّذي قال به و لم يقتصر على ذلك) القول لنفسه (حتى نسبه الى الاصحاب.)

(نعم ربما يوهمه) اى الملك (ظاهر عبارة السرائر حيث قال فيه:

الا قوى ان المعاطاة غير لازمة بل لكل منهما) البائع و المشترى (فسخ المعاوضة ما دامت العين باقية فان تلفت لزمت) و ظاهر قوله «غير لازمة» الملك غير اللازم، لا الاباحة (و لذا نسب ذلك) القول بالملك (إليه) اى الى السرائر (فى المسالك، لكن قوله) اى السرائر (بعد ذلك) الكلام المتقدم (و لا يحرم على كل منهما الانتفاع بما قبضه، بخلاف البيع الفاسد) الّذي لا يجوز لكل منهما التصرف فيما قبضه (ظاهر فى ان مراده) اى السرائر- من كلامه المتقدم- (مجرد الانتفاع) لا الملك (اذ لا معنى لهذه العبارة): و لا يحرم .. الخ (بعد الحكم بالملك) الظاهر من عبارته السابقة.

(و اما قوله) اى السرائر (و الاقوى ... الخ، فهو اشارة الى خلاف

ص: 65

المفيد و العامة القائلين باللزوم و اطلاق المعاوضة عليها باعتبار ما قصده المتعاطيان و اطلاق الفسخ على الرد بهذا الاعتبار أيضا، و كذا اللزوم و يؤيد ما ذكرنا، بل يدل عليه: ان الظاهر من عبارة السرائر فى الهبة توقفها على الايجاب و القبول ثم قال و هل يستغنى عن الايجاب و القبول فى هدية الاطعمة؟ الاقرب عدمه، نعم يباح التصرف بشاهد الحال انتهى.

______________________________

المفيد و العامة القائلين باللزوم) فى المعاطاة، فكلامه ردّ لمن قال باللزوم، و لمن قال بالمعاوضة الفاسدة، و الوسط بينهما الاباحة فقط (و) اما ما نجده فى عبارة السرائر من (اطلاق المعاوضة عليها) اى على المعاطاة، الظاهر فى الملك، اذ لا معاوضة فى الاباحة، فانما هو (باعتبار ما قصده المتعاطيان) من المعاوضة (و اطلاق الفسخ على الردّ) فى كلام السرائر- مع ان ظاهر الفسخ الملك- (بهذا الاعتبار) اى باعتبار ما قصده المتعاطيان (أيضا و كذا اللزوم) فى قوله «لزمت» الظاهر فى انها معاوضة فان لفظ اللزوم باعتبار قصد المتعاطيين.

(و يؤيد ما ذكرنا) من ان السرائر لا يقول بالملك فى المعاطاة (بل يدل عليه: ان الظاهر من عبارة السرائر فى الهبة توقفها على الايجاب و القبول) و من المعلوم ان الهبة لو كانت متوقفة عليهما كان توقف البيع بطريق اولى- و لذا اضرب المصنف بقوله: بل يدل عليه- (ثم قال) السرائر فى الهبة: (و هل يستغنى عن الايجاب و القبول فى هدية الاطعمة؟) كاناء حلواء و ما اشبه من المحقرات، المتعارف اهداؤها بدون ايجاب و قبول (الاقرب عدمه، نعم يباح التصرف) فيها (بشاهد الحال) فان حال الاهداء شاهد بان المالك اباح التصرف (انتهى)

ص: 66

و صرح بذلك أيضا فى الهدية فاذا لم يقل فى الهبة بصحة المعاطاة فكيف يقول بها فى البيع.

[الاستدلال بالسيرة]

و ذهب جماعة تبعا للمحق الثانى الى حصول الملك و لا يخلو من قوة للسيرة المستمرة على معاملة الماخوذ بالمعاطاة معاملة الملك فى التصرف فيه بالعتق و البيع و الوطي و الايصاء و توريثه و غير ذلك من آثار الملك

[الاستدلال بآية أحل الله البيع]

و يدل عليه عموم قوله تعالى: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ.

______________________________

كلام السرائر. (و صرح بذلك) التوقف على الايجاب و القبول (أيضا فى الهدية) و الهبة اعم من الهدية، و لذا يقال: وهبت حقك، و لا يقال:

اهديت حقك (فاذا لم يقل فى الهبة بصحة المعاطاة) التى هى ادون من البيع (فكيف يقول بها) اى بصحة المعاطات (فى البيع) الّذي مبناه على الدقة شرعا و عرفا.

(و ذهب جماعة تبعا للمحقق الثانى الى حصول الملك) بالمعاطاة (و لا يخلو) هذا القول (من قوة للسيرة المستمرة) من المتشرعة على المعاطاة و ترتيب اثر الملك عليها، فان بناء المتشرعة (على معاملة الماخوذ بالمعاطاة معاملة الملك فى التصرف فيه بالعتق و البيع و الوطي و الايصاء و توريثه و غير ذلك من آثار الملك) كالهبة و الهدية و التخميس و التزكية و الحج الحاصل بالاستطاعة به و التمهير، و من المعلوم ان هذه السيرة متصلة بزمان المعصوم و لم يرد ردع عنه عليه السلام، فهى حجة.

(و يدل عليه) اى على الملك أيضا (عموم قوله تعالى: احل الله البيع) و المراد بالعموم الاطلاق- فان احدهما يطلق على الاخر

ص: 67

حيث انه يدل على حلية جميع التصرفات المترتبة على البيع بل قد يقال بان الآية دالة عرفا بالمطابقة على صحة البيع لا مجرد الحكم التكليفى لكنه، محل تامل.

و اما منع صدق البيع عليه فمكابرة

______________________________

بمعناهما اللغوى- (حيث انه يدل على حلية جميع التصرفات المترتبة على البيع) فيما يسمى فى العرف بيعا، و من المعلوم ان حلية جميع التصرفات حتى التى تتوقف على الملك تلازم الملك، و ان شئت قلت: ان المعاطاة بيع عرفا فيشملها قوله تعالى: احل الله البيع، و انما قال المصنف «حيث انه .. الخ» لبيان ان الآية انما تدل على الملك على الحكم التكليفى المستلزم للحكم الوضعى اى الملك، فدلالة الآية على الملك بالالتزام (بل قد يقال بان الآية دالة عرفا بالمطابقة) فالدلالة المطابقية- عرفا- لا لغة، اذ الدلالة المطابقية اللغوية ان يقال:

«البيع يوجب الملك» (على صحة البيع) فان معنى «الحلية» عرفا «الصحة» (لا مجرد الحكم التكليفى) اى الحلية المستلزمة للصحة حتى تكون الدلالة التزامية (لكنه محل تامل) بسبب قوله سبحانه «و حرم الربا» فالحرمة فى الربا تكليفية و الحلية فى البيع أيضا تكليفية لكن قد يقال: ان الحرمة فى الربا أيضا وضعية لان المعاملة الربوية فاسدة، و فيه ان الظاهر من الحرمة و الحلية التكليف لا الوضع، و فى الربا أيضا نقول بالفساد لدليل خارج.

(و اما منع صدق البيع عليه) اى على التعاطى بدون الصيغة (فمكابرة) و تشكيل القياس هكذا: «المعاطاة بيع، و كل بيع حلال.

ص: 68

و اما دعوى الاجماع فى كلام بعضهم على عدم كون المعاطاة بيعا، كابن زهرة فى الغنية فمرادهم بالبيع المعاملة اللازمة التى هى احدى العقود و لذا صرح فى الغنية بكون الايجاب و القبول من شرائط صحة البيع.

و دعوى- ان البيع الفاسد عندهم ليس بيعا-

______________________________

ثم: الحلية مستلزمة للملك، فكلما يستلزم الحلية يستلزم الملك»، فقول المصنف أو لا «حيث انه ..» بيان للقياس الثانى و «قوله: و اما منع» بيان للقياس الاول.

(و اما دعوى الاجماع فى كلام بعضهم على عدم كون المعاطاة بيعا، كابن زهرة فى الغنية ف) ليس منافيا لما ذكرناه اذ (مرادهم بالبيع) المنفى عن المعاطاة (المعاملة اللازمة التى هى احدى العقود) لا انها ليست بيعا اطلاقا (و لذا صرح فى الغنية بكون الايجاب و القبول من شرائط صحة البيع) فيدل هذا الكلام ان البيع عبارة عن المعاملة اللازمة حتى جعل الايجاب و القبول شرطا له، و الا فلو كانت المعاملة التى فيها الايجاب و القبول بيعا، لم يعقل ان يكون الايجاب و القبول شرطا، فان الشي ء لا يكون شرطا لنفسه و الحاصل ان جعل اللفظ من شرائط صحة البيع لا من مقومات حقيقته- فى كلام السيد- يشهد على ان مراده بالبيع المعاملة لا مطلق البيع، فلا يكون كلامه دالا على عدم صدق البيع على المعاطاة فالمراد بالبيع المنفى لا حقيقة البيع الصحيح لا حقيقة البيع.

(و) ان قلت: على هذا يلزم ان يكون البيع الفاسد بيعا، مع انه ليس يبيع- عندهم- قلت: (دعوى- ان البيع الفاسد عندهم ليس بيعا-

ص: 69

قد عرفت الحال فيها.

[الاستدلال بآية التجارة]

و مما ذكر يظهر وجه التمسك بقوله تعالى: إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ.

[الاستدلال بحديث السلطنة و المناقشة فيه]

و اما قوله عليه السلام: الناس مسلطون على اموالهم

______________________________

قد عرفت الحال فيها) قبيل الكلام فى المعاطاة، فى شرح كلام الشهيد رحمه الله، و قوله «عندهم» متعلق ب «ليس بيعا».

(و مما ذكر) فى وجه التمسك لصحة المعاطاة و ايجابها الملك، بآية: احلّ الله البيع (يظهر وجه التمسك بقوله تعالى: الّا ان تكون تجارة عن تراض) فان المعاطاة تجارة عرفا، و التجارة حيث استثنت عن «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» جائزة الاكل، و الاكل عبارة عن كل تصرف يسمى فى العرف اكلا، كعتق العبد و وطى الجارية و الهدية و الهبة، فمعنى الآية: لا تتصرفوا التصرفات المالكية فى الاموال الا اذا انتقلت إليكم تلك الاموال بالتجارة فيجوز تلك التصرفات. و هذا الجواز يلازم الملك فاذا ضممنا ذلك الى ما هو معلوم لدى العرف من ان «المعاطاة تجارة» ثبت المطلوب.

(و اما قوله عليه السلام: الناس مسلطون على اموالهم) لا يخفى ان المشهور على الالسنة «الناس مسلطون على انفسهم و اموالهم» و هذا ليس بحديث و انما استفيد تسلط الناس على انفسهم من قوله تعالى:

«النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم» و من قوله صلى الله عليه و آله:

«الست اولى بكم من انفسكم» مما يدل على انه للانسان ولاية على نفسه لكن النبي اولى، فاذا تعارض امر النبي و إرادة الشخص قدم امر النبي لكونه اولى،

ص: 70

فلا دلالة فيه على المدعى

______________________________

و هذا يدل على ان للانسان الاختيار التام و الحرية الكاملة فى التصرفات فى نفسه الا اذا كان ذلك التصرف محرما شرعا، بدليل، كأن يقتل الانسان نفسه او يقطع عضوا من اعضائه او يذهب قوة من قواه كأن يعمى نفسه او يعمل عملا موجبا للذلة، و يدل على الاول قوله تعالى: و لا تقتلوا انفسكم. و على الثانى انه مثلة و يشملها قوله صلى الله عليه و آله: اياكم و المثلة. و على الثالث قوله صلى الله عليه و آله: لا ضرر و لا ضرار، اما الاضرار القليل كالفصد و الحجامة و اللطم و التطبير و ما اشبه فهى جائزة اما نصا و اما لانه لا دليل على كلية حرمة الاضرار بالنفس بدليل تعبّد النبي و الائمة الطاهرين- صلوات الله عليهم- حتى كانت تتورم أقدامهم، و حتى كان الامام كالشّن البالى، و حتى ابيض عين يعقوب من الحزن، و من المعلوم ان مثل هذه الاضرار لو كانت محرمة لم تسقط الحرمة بالتعارض مع الاستحباب، بل بدون الاستحباب كقصة يعقوب و يوسف- عليهما السلام- و من المعلوم ان النبي لا يتغلب عاطفته لفراق ولده حتى يأتى بالمعصية! و كون البكاء كان غير مقدور له يبطله عتاب الله اياه- كما ورد فى الاحاديث و الكلام طويل ليس هنا محله. و على الرابع قوله صلى الله عليه و آله: ليس للمؤمن ان يذل نفسه (فلا دلالة فيه على المدعى) اى كون المعاطاة، موجبة للملك، وجه توهم الدلالة: ان الانسان اذا كان مسلطا على ماله، جاز له ان يعطيه معاطاة فى قبال ثمن يأخذه معاطاة، و انما قلنا لا يدل: لانه دال على ان الانسان مسلط على ماله لا انه مسلط على حكمه فليس للانسان ان يشرّع تشريعا جديدا فى ماله، مثلا

ص: 71

لان عمومه باعتبار انواع السلطنة فهو انما يجدى فيما اذا شك فى ان هذا النوع من السلطنة ثابتة للمالك و ماضية شرعا فى حقه أم لا؟ اما اذا قطعنا بان سلطنة خاصة كتمليك ماله للغير نافذة فى حقه ماضية شرعا، لكن شك فى ان هذا التمليك الخاص هل يحصل بمجرد التعاطى مع القصد أم لا بد من القول الدال عليه؟ فلا يجوز الاستدلال على سببية المعاطاة فى الشريعة للتمليك بعموم تسلط الناس على اموالهم.

______________________________

ليس له ان يقول: كلما عطست صار مالى وقفا، او كلما حركت يدى صار مالى منذورا للامام، فكذلك ليس له ان يقول: كلما اعطيت مالى مقابل شي ء آخذه كان مالى لمن اخذه معاطاة (لان عمومه) اى عموم الناس مسلطون (باعتبار انواع السلطنة) كسلطنة الانسان على اعطاء ماله تمليكا و عارية و اجارة و رهنا و هبة ... و ما اشبه (فهو انما يجدى فيما اذا شك فى ان هذا النوع من السلطنة ثابتة للمالك و ماضية شرعا فى حقه أم لا؟) و الحاصل انه عام بالنسبة الى كل نوع نوع كما لو فرضنا الشك فى انه هل له ان يعطى ماله فى مقابل تامين حياته- كما هو المعتاد الآن- أم لا؟ (اما اذا، قطعنا بان سلطنة خاصة كتمليك ماله للغير نافذة فى حقه ماضية شرعا، لكن شك فى ان هذا التمليك الخاص هل يحصل بمجرد التعاطى مع القصد أم لا بد من القول الدال عليه؟) بان الشك فى سببية السبب لا فى اصل المسبب (فلا يجوز) اى لا يصح (الاستدلال على سببية المعاطاة فى الشريعة للتمليك) متعلق ب «سببية» (بعموم تسلط الناس على اموالهم) اذ ليس فى «الناس» عمومان بل عموم واحد، و لا يخفى ان هذا الكلام لو ارجع الى ما تقدم من «ان الناس مسلطون على اموالهم

ص: 72

و منه يظهر أيضا عدم جواز التمسك به لما سيجي ء من شروط الصيغة

[المناقشة في دلالة الآيتين]

و كيف كان ففى الآيتين مع السيرة كفاية

اللّهم الا ان يقال: انهما لا تدلان على الملك و انما تدلان على إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك كالبيع و الوطي و العتق و الايصاء

______________________________

لا على احكامهم» كان له وجه، و الا فلا وجه لان نقول بان له عموما، من جهة لا من جهة اخرى.

(و منه) اى من عدم صحة التمسك لكون المعاطاة موجبة للملك، بالناس مسلطون (يظهر أيضا عدم جواز التمسك به) اى بالناس مسلطون (لما سيجي ء من شروط الصيغة) فلو شك فى انه هل تشترط العربية فى الصيغة أم لا- مثلا-؟ لا يصح التمسك بالناس مسلطون، لعدم الاشتراط، لما عرفت من ان هذه القاعدة انما تفيد العموم بالنسبة الى انواع السلطة لا بالنسبة الى سببية بعض الاسباب المشكوك فيها (و كيف كان) سواء صحت هذه القاعدة دليلا على التمليك أم لا (ففى الآيتين مع السيرة كفاية) بل كل واحد من الآيتين، بل حتى السيرة وحدها، كاف فى الافادة.

(اللهم الا ان يقال: انهما لا تدلان على الملك و انما تدلان حتى إباحة جميع التصرفات حتى) التصرفات (المتوقفة على الملك كالبيع و الوطي و العتق و الايصاء) لان آية «احل الله البيع» دلت على الحلية، لا الملك، و آية «الا ان تكون تجارة» دلت على جواز الاكل، و جواز الاكل غير الملك (و) ان قلت: حلية هذه التصرفات المستفادة من

ص: 73

و إباحة هذه التصرفات انما تستلزم الملك بالملازمة الشرعية الحاصلة فى سائر المقامات من الاجماع و عدم القول بالانفكاك دون المقام الّذي لا يعلم ذلك منهم حيث قد اطلق القائلون بعدم الملك إباحة التصرفات و صرح فى المسالك بان من اجاز المعاطاة سوّغ جميع التصرفات غاية الامر انه لا بد من التزامهم بان التصرف المتوقف على الملك يكشف عن سبق الملك عليه آنا ما فان الجمع بين إباحة هذه التصرفات و بين توقفها على الملك يحصل بالتزام هذا المقدار

______________________________

الآيتين تلازم الملك كما سبق تقريره، قلت: (إباحة هذه التصرفات انما يستلزم الملك بالملازمة الشرعية الحاصلة) تلك الملازمة (فى سائر المقامات) التى دل الدليل فيها على صحة هذه التصرفات (من الاجماع) بيان «الحاصلة» (و عدم القول بالانفكاك) بين الملك و بين جواز هذه التصرفات (دون المقام) اى المعاطاة (الّذي لا يعلم ذلك) التلازم بين جواز التصرفات و بين الملك (منهم حيث) نراهم (قد اطلق القائلون بعدم الملك إباحة التصرفات) «إباحة» مفعول «اطلق» (و صرح فى المسالك بان من اجاز المعاطاة سوّغ) و جوّز (جميع التصرفات) حتى المتوقفة على الملك، ان قلت: فكيف يمكن ان يقال بان التصرف متوقف على الملك، و يقال بان هذه التصرفات جائزة، فيما ليس بملك قلت: (غاية الامر انه لا بد من التزامهم بان التصرف المتوقف على الملك) كالوطى و العتق (يكشف عن سبق الملك عليه) اى على ذلك، التصرف (آنا مّا) جمعا بين الدليلين: دليل انه ليس بملك و دليل لا وطى الا فى ملك- مثلا- (فان الجمع بين إباحة هذه التصرفات و بين توقفها على الملك يحصل بالتزام هذا المقدار) الآنامائى

ص: 74

من الملك و لا يتوقف على الالتزام بالملك من اوّل الامر فيقال ان مرجع هذه الاباحة أيضا الى التمليك.

[المناقشة في دلالة السيرة]

اما ثبوت السيرة و استمرارها على التوريث فهى كسائر سيراتهم الناشئة عن المسامحة و قلّة المبالاة فى الدين مما لا يحصى فى عباداتهم و معاملاتهم و سياساتهم كما لا يخفى.

______________________________

(من الملك و لا يتوقف) الجمع (على الالتزام بالملك من اوّل الامر) حين المعاطاة (فيقال) نتيجة لهذا الجمع (ان مرجع هذه الاباحة) المعاطاتية (أيضا الى التمليك) لان الاباحة منتهية الى الملك السابق على الوطي مثلا.

(و) ان قلت: فما ذا تقولون فى الارث، و هل تلتزمون بان ملك المبيح يدخل بموت المباح له فى ملك وراثه، او تقولون انه قبل موت المباح له آنا مّا يدخل المال فى ملك المباح له ثم ينتقل منه الى وراثه و من المعلوم ان كليهما خلاف القواعد و لا دليل عليه،.

قلت: (اما ثبوت السيرة و استمرارها) قديما و حديثا (على التوريث فهى كسائر سيراتهم) اى بعض المتشرعة (الناشئة عن المسامحة و قلة المبالاة فى الدين مما لا يحصى فى عباداتهم و معاملاتهم و سياساتهم) كعدم اعتنائهم بمسائل الصلاة خصوصا الشك و السهو، و عدم تفقههم فى مسائل المعاملة و دخولهم فى وظائف الظلمة بلا ضرورة و لا اجبار (كما لا يخفى) و عليه فمقتضى القاعدة- عند من لا يرى المعاطاة مملكا ان يقول بان المال يرجع الى المالك و الثمن الى المشترى فيما اذا مات المشترى قبل التصرف، ثم انك قد عرفت انا جمعنا بين عدم كون المعاطاة

ص: 75

و دعوى: انه لم يعلم من القائل بالإباحة جواز مثل هذه التصرفات المتوقفة على الملك كما يظهر من المحكى عن حواشى الشهيد على القواعد من منع اخراج المأخوذ بالمعاطاة فى الخمس و الزكاة و ثمن الهدى و عدم جواز وطى الجارية المأخوذة بها و قد صرح الشيخ- رحمه الله- بالاخير فى معاطاة الهدايا فيتوجه التمسك حينئذ بعموم الآية على جوازها فيثبت الملك

______________________________

مملكة و بين جواز هذه التصرفات كالوطى بالملك آنا مّا، و هناك احتمال انه ليس يجوز التصرفات المالكية اصلا.

(و) لكن هذا الاحتمال ليس فى محله اذ (دعوى: انه لم يعلم من القائل بالإباحة) فى المعاطاة (جواز مثل هذه التصرفات المتوقفة على الملك كما يظهر) عدم الجواز (من المحكى عن حواشى الشهيد على القواعد من منع اخراج المأخوذ بالمعاطاة فى الخميس و الزكاة و ثمن الهدى) لان هذه الامور يجب ان تكون من مال الانسان، و الحال ان المأخوذ بالمعاطاة ليس مالا للآخذ (و عدم جواز وطى الجارية الماخوذة بها) اى المعاطاة لانه لا وطى الا فى ملك (و قد صرح الشيخ- رحمه الله- بالاخير) اى بعدم جواز و طى الجارية الماخوذة بالمعاطاة (فى معاطاة الهدايا) و حيث لا يجوز هذه الامور (فيتوجه التمسك حينئذ) اى حين لم يجز هذه الامور- بمقتضى القاعدة الاولية- (بعموم الآية) اى آية: احل الله البيع (على جوازها) اى جواز هذه الامور (فيثبت الملك) للتلازم بين جواز هذه الامور و بين الملك.

و الحاصل انه تلازم بين الجواز و الملك و بين عدم الملك و عدم الجواز و لذا لما لم يقل الشيخ و الشهيد بالملك لم يقولا بالجواز، و عليه فمن

ص: 76

- مدفوعة بانه و ان لم يثبت ذلك الا انه لم يثبت ان كل من قال بإباحة جميع هذه التصرفات قال بالملك من اوّل الامر فيجوز للفقيه حينئذ التزام إباحة جميع التصرفات مع التزام حصول الملك عند التصرف المتوقف على الملك لا من اوّل الامر.

[الأولى في الاستدلال على المختار]
اشارة

فالاولى حينئذ التمسك فى المطلب.

______________________________

اجاز هذه الامور قال بالملك (- مدفوعة بانه و ان لم يثبت ذلك) اى لم يثبت ان من يقول بالإباحة يقول بجواز هذه التصرفات (الا انه لم يثبت ان كل من قال بإباحة جميع هذه التصرفات قال بالملك من اوّل الامر)، عند المعاطاة، مقابل الملك آنا مّا قبل التصرفات المالكية كالعتق- مثلا- (فيجوز للفقيه حينئذ) اى حين لم يكن تلازم بين الملك من الاول و بين، إباحة جميع التصرفات (التزام إباحة جميع التصرفات مع التزام حصول الملك عند التصرف المتوقف على الملك لا من اوّل الامر) و هو الملك آنا مّا.

و حيث تقدم أولا ان الآية لا تدل على الملك بالمطابقة، لان حل التصرف ليس عبارة عن الملك، و لا تدل على الملك بالالتزام لان حل التصرف ليس يلازم الملك من اوّل الامر لامكان القول بالملك آنا مّا، فلا دلالة فى الآية على الملك، و كذلك لا حجية للسيرة، كما عرفت من عدم معلومية كونها سيرة صحيحة فيبقى كلام المصنف القائل بان المعاطاة تفيد الملك- تبعا للمحقق الثانى- خاليا عن الدليل، و لذا رجع عن كلامه الاول و قال بدلالة الآية على الملك بالمطابقة بقوله:

(فالاولى حينئذ التمسك فى المطلب) اى اثبات افادة المعاطاة

ص: 77

بان المتبادر عرفا من حل البيع صحته شرعا هذا مع امكان اثبات صحة المعاطاة فى الهبة و الاجارة ببعض اطلاقاتها و تتميمه فى البيع بالاجماع المركب.

هذا مع ان ما ذكر من ان للفقيه التزام حدوث الملك عند التصرف المتوقف عليه لا يليق بالمتفقه فضلا عن الفقيه

[دعوى كاشف الغطاء أن القول بالإباحة يستلزم تأسيس قواعد جديدة]
اشارة

و لذا

______________________________

الملك (بان المتبادر عرفا من حل البيع صحته شرعا) و انه يوجب الملك، (و هذا) وجه لاثبات افادة المعاطاة الملك، و هناك وجه آخر اشار إليه بقوله: (مع امكان اثبات صحة المعاطاة فى الهبة و الاجارة ببعض اطلاقاتها) الشاملة لما اذا كانت هناك صيغة أم لم تكن صيغة (و تتميمه) اى كون المعاطاة مفيدا للملك (فى البيع بالاجماع المركب) فان كل من قال بافادة المعاطاة لما يفيده اللفظ قال بذلك فى الهبة و البيع و من لم يقل به لم يقل به فى الهبة و البيع، لكن ثبت فى الهبة بالدليل فيثبت فى الجميع أيضا.

(هذا مع) ان القول بعدم افادة المعاطاة الملك و الالتجاء الى الملك آنا مّا غير تام ف (ان ما ذكر من ان للفقيه التزام حدوث الملك عند التصرف المتوقف عليه) كالعتق و الوطي و ما اشبه (لا يليق بالمتفقه فضلا عن الفقيه) اذ يكون الملك حينئذ بلا سبب و لا دليل اما عدم الدليل فواضح و اما عدم السبب فإن كان السبب التعاطى فاللازم ان يكون الملك حال التعاطى و إن كان السبب التصرف فالمفروض ان الملك قبل التصرف و المتاخر لا يؤثر فى المتقدم (و لذا) الّذي ذكرناه من ان المعاطاة تفيد الملك لا الاباحة و انها ان افادت الاباحة لزم من ذلك

ص: 78

ذكر بعض الاساطين فى شرحه على القواعد فى مقام الاستبعاد ان القول بالإباحة المجردة مع فرض قصد المتعاطيين التمليك و البيع مستلزم لتأسيس قواعد جديدة، منها ان العقود و ما قام مقامها لا تتبع القصود.

و منها: ان يكون إرادة التصرف من المملكات فيملك العين او المنفعة بإرادة التصرف بهما او معه دفعة و ان لم يخطر ببال المالك الاول الاذن فى شي ء من هذه التصرفات لانه قاصد للنقل من حين الدفع و انه لا سلطان له بعد ذلك

______________________________

محاذير (ذكر بعض الاساطين) هو الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء (فى شرحه على القواعد فى مقام الاستبعاد) لافادة المعاطاة الاباحة (ان القول بالإباحة المجردة مع فرض قصد المتعاطيين التمليك و البيع مستلزم لتاسيس قواعد جديدة)- و من المستبعد جدا ان تكون القواعد السابقة التى بنا عليها الفقهاء منذ قرون كلها تكون باطلة و خلاف الظواهر و الادلة

(منها: ان العقود و ما قام مقامها) كالايقاعات (لا تتبع القصود) اذ قصد المتعاطيين الملك، فحصلت الاباحة، و من المشهور عندهم ان العقود تتبع القصود، لانها امور بيد العاقد، و ليست من الامور التكوينية التى لا مدخلية لقصد الانسان فيها.

(و منها: ان يكون إرادة التصرف من المملكات) بناء على الملك آنا مّا (فيملك العين او المنفعة بإرادة التصرف بهما) اى بالعين و المنفعة (او معه) اى مع التصرف (دفعة) و فورا (و ان لم يخطر ببال المالك الاول) المنتقل عنه المال (الاذن فى شي ء من هذه التصرفات) اى كالوطى و العتق و الهبة و ما اشبه (لانه قاصد للنقل من حين الدفع) لا من حين التصرف (و انه لا سلطان له بعد ذلك) فان البائع

ص: 79

بخلاف من قال اعتق عبدك عنى و تصدق بمالى عنك.

و منها: ان الاخماس و الزكوات و الاستطاعة و الديون و النفقات و حق المقاسمة و الشفعة و المواريث و الربا و الوصايا تتعلق بما فى اليد.

______________________________

يقصد انه بالبيع ينتقل المال الى المشترى و انه لا سلطة له على السلعة بعد ان باعها، ان قلت: فليكن هذا من قبيل من قال: «اعتق عبدك عنى» فانه حين العتق يملّك القائل العبد آنا ما ثم يعتقه عنه، و فى ما نحن فيه اذا اعطاه العبد معاطاة و اراد المشترى عتق العبد يملك العبد لنفسه آنا مّا ثم يعتقه، قلت: المعاطاة (بخلاف من قال: اعتق عبدك عنى و تصدق بمالى عنك) فان القائل يوكل الفاعل فى تمليكه العبد و المال عند إرادة العتق و الصدقة، و ليس المعاطاة كذلك، اذ بمجرد المعاطاة يقطع كل واحد منهما صلته عن الثمن و المثمن.

(و منها: ان الاخماس و الزكوات و الاستطاعة) للحج (و الديون) للناس (و النفقات) للزوجة و الاقربين (و حق المقاسمة) للسلطان فى الاراضى المفتوحة عنوة (و الشفعة) فى الدار المشتركة التى باعها احد الشريكين لاجنبى مما لشريكه الحق فى اخذها بنفس القيمة التى باعها بها (و المواريث) فيما اذا مات ورثة الوارث (و الربا) الّذي يعطى اكثر مما يأخذ قرضا (و الوصايا) كما لو اوصى بان يعطى لزيد الف دينار و (تتعلق بما فى اليد) اى ما هو ملك للانسان، فلو قلنا: بان المعاطاة لا تفيد الملك بل الاباحة، لزم احد امرين: اما ان نقول بعدم جريان هذه الامور فى الماخوذ بالمعاطاة، و هو خلاف المقطوع، و اما ان نقول بجريانها فيلزم اجراء ما هو حكم الملك فيما ليس بملك ...

ص: 80

..........

______________________________

فكيف يتعلق الخمس و الزكاة بما ليس بماله مما اخذه معاطاة؟

و كيف يجب عليه الحج بسبب الاستطاعة الحاصلة بمال المعاطاة؟

و كيف يجب عليه وفاء دينه عن مال الناس الّذي اخذه معاطاة، و الحال انه مباح له التصرف فيه لا انه ماله و ملكه؟

و كيف يتعلق عليه اعطاء نفقة زوجته و والده من الماخوذ بالمعاطاة الّذي ليس بملك له؟

و كيف يعطى حق السلطان من مال انتقل إليه بالمعاطاة، و الحال انه ليس بمال المنتقل إليه؟

و كيف يتعلق حق الشفعة للشريك بدار لم تنتقل الى المشترى بالمعاطاة؟ لان المعاطاة اباحت تصرف الاجنبى فى الدار، و لم تملكه اياها، فاذا صح للشريك ان يأخذ بالشفعة لزم وقوع الشفعة على المال الّذي لم ينتقل عن المالك، لان الدار بعد ملك للبائع المعاطاتى.

و كيف يرث الولد من والده المال الّذي انتقل إليه بالمعاطاة، و الحال ان المال لم يصر ملكا للاب بل هو باق فى ملك البائع؟

و كيف انه يحرم ان يعطى الانسان المال الّذي انتقل إليه بالمعاطاة فى مقابل الزيادة، و الحال ان الربا فى الملك، و هذا المال ليس بملك له؟، مثلا اخذ زيد وزنة من الشعير معاطاة ثم باعها بوزنة و نصف فانه يلزم عدم حرمة ذلك، اذ ليست الوزنة ملكا له، و الربا انما يأتى فى الملك.

و كيف يتمكن ان يوصى الانسان بمال ليس له مما اخذه بالمعاطاة؟

ثم لا يخفى ان فى بعض العبارات السابقة- كالمقاسمة و الربا و ما

ص: 81

مع العلم ببقاء مقابله و عدم التصرف فيه او عدم العلم به فينفى بالاصل فتكون متعلقة بغير الاملاك.

و ان صفة الغنى و الفقر تترتب عليه كذلك.

______________________________

اشبه ..- احتمالا آخر فى تفسير مراد كاشف الغطاء.

و كيف كان، فهذا المال المنتقل إليه معاطاة لا يجرى عليه الاحكام المذكورة (مع العلم) من المنتقل إليه (ببقاء مقابله) خلافا لصورة علمه بذهاب المقابل، حيث عرفت ان تلف احد المالين يوجب ملكية الطرف الاخر للمال (و عدم التصرف) من المنتقل إليه (فيه) اى فى المال، فان التصرف من احد الجانبين يوجب الملك- كما تقدم- عند القائلين بالإباحة (او عدم العلم) من المنتقل إليه (به) اى بتصرف الطرف فى ماله (فينفى) التصرف (بالاصل) لاصالة عدم التصرف، و اصالة عدم الانتقال (فتكون) هذه الامور التى ذكرناها (متعلقة بغير الاملاك) و قد عرفت ان هذه الامور كالارث و الوصايا و سائر ما ذكر انما تتعلق بالاملاك، لا باموال الناس المباحة لهذا الشخص الّذي يريد التصرف.

(و) أيضا لازم القول بالإباحة (ان صفة الغنى و الفقر تترتب عليه) اى على ما ليس بملك (كذلك) اى فى صورة العلم بعدم تلف المال المقابل، او عدم العلم بالتلف، فانك اذا اشتريت قالب ثلج بدينار و سقط الثلج عن المالية يلزم ان تكون فقيرا حينئذ- اذا لم يكن لك مال آخر- و الحال ان الدينار بعد لك، و انت لا تكون فقيرا اذا كان لك دينار، و بالعكس يلزم ان يكون البائع للثلج غنيا، و الحال ان

ص: 82

فيصير ما ليس من الاملاك بحكم الاملاك.

و منها: كون التصرف من جانب مملكا للجانب الآخر مضافا الى غرابة استناد الملك الى التصرف.

و منها: جعل التلف السماوى من جانب مملكا للجانب الاخر و التلف من الجانبين معينا للمسمى من الطرفين و لا رجوع الى قيمة المثل حتى يكون له الرجوع بالتفاوت.

______________________________

الدينار ليس له، لانه بعد باق على ملك مالكه (فيصير ما ليس من الاملاك بحكم الاملاك) بالنسبة الى بائع الثلج، كما يصير ما من الاملاك ليس بحكم الاملاك بالنسبة أليك.

(و منها: كون التصرف من جانب مملكا من جانب آخر) فيكون تصرف زيد فى الثمن مملكا لعمرو المثمن (مضافا الى غرابة استناد الملك الى التصرف) فانه لم يرد فى الشريعة دليل على ان التصرف يوجب الملك فكيف بتصرف انسان لملك انسان آخر.

(و منها: جعل التلف السماوى من جانب) كما لو تلف المثمن بصاعقة مثلا (مملكا للجانب الاخر) لان القائلين بالإباحة يقولون: بان تلف احد الشيئين سواء كان التلف سماويا او اختياريا مملك للجانبين (و)، جعل (التلف من الجانبين معينا للمسمى من الطرفين) فلو اعطى دارا بالف لزم ان تكون الدار فى قبال الألف و الألف فى قبال الدار، مع ان مقتضى القاعدة ان يكون تلف المال مقابلا لضمان المثل فيما يكون مثليا و ضمان القيمة فيما يكون قيما، و المسمى لا شان له بعد عدم انعقاد البيع (و) على هذا ف (لا رجوع) لمن تلف داره- مثلا- و هو المنتقل عنه (الى قيمة المثل) كالفين مثلا (حتى يكون له الرجوع بالتفاوت) بين

ص: 83

و مع حصوله فى يد الغاصب او تلفه فيها فالقول بانه المطالب لانه تملك بالغصب او التلف فى يد الغاصب غريب و القول بعدم الملك بعيد جدا مع ان فى التلف القهرى ان ملك التالف قبل التلف فعجيب و معه

______________________________

المسمى و بين المثل- كألف فى المثال-.

ثم انه لو غصب الماخوذ بالمعاطاة غاصب و اتلفه يأتى الكلام فى انه هل صار ملكا للآخذ حتى يكون هو المطالب او انه لم يملك لانه لم يتلفه بل باق على ملك المنتقل عنه حتى يكون هو المطالب- و كلاهما خلاف القواعد-، و الى هذا اشار بقوله: (و مع حصوله) اى الماخوذ بالمعاطاة (فى) يد الغاصب (او تلفه) اى الماخوذ بالمعاطاة (فيها) اى فى يد الغاصب (فالقول بانه) اى الاخذ بالمعاطاة (المطالب)- بصيغة اسم الفاعل- للمال عن الغاصب (لانه) اى الاخذ بالمعاطاة (تملك) المال (ب) سبب (الغصب) لانه من انحاء التصرف، و قد سبق ان التصرف موجب للملك (او) لانه تملك بسبب (التلف فى يد الغاصب) و التلف تصرف (غريب) خبر «فالقول» و وجه الغرابة ان غصب الغاصب او اتلافه يكون مملكا للمال، و مثل هذا غير مألوف من الشريعة (و القول بعدم الملك) بان بقى المال على ملك المنتقل عنه حتى يكون هو المطالب عن الغاصب (بعيد جدا) اذ اى ربط للمال بالمنتقل عنه بعد ان اعطاه و اخذ ثمنه، حتى يقال له: خذ مالك او بدله من الغاصب (مع ان فى التلف القهرى) للمال فى يد المنتقل إليه الاخذ بالمعاطاة (ان ملك التالف قبل التلف) آنا ما (فعجيب) اذ لا سبب للملك (و معه)

ص: 84

بعيد لعدم قابليته و بعده ملك معدوم و مع عدم الدخل فى الملك يكون ملك الاخر بغير عوض، و نفى الملك مخالف للسيرة و بناء المتعاطيين.

و منها: ان التصرف ان جعلناه من النواقل القهرية، فلا يتوقف على النية فهو بعيد.

______________________________

اى مع التلف بان يقال: انه يملك حين التلف (بعيد) وجه البعد (لعدم قابليته) اى قابلية المال حال التلف للملكية، لان الملكية علاقة بين الوجودين لا بين موجود و شي ء متوسط بين العدم و الوجود (و بعده) اى ان قلنا: ان الآخذ ملك المال المعاطاتى بعد التلف (ملك معدوم) و المعدوم لا يملك- كما هو واضح- (و) ان قلت: انه لا يملك الآخذ المال المعدوم لا قبل الانعدام و لا مع الانعدام و لا بعد الانعدام، و انما تلف هذا المال بسبب دخول مقابله فى ملك الطرف الاخر، قلت: (مع عدم الدخول) لهذا التالف (فى الملك) للمنتقل إليه (يكون ملك الاخر بغير عوض) و كيف يمكن ان يقال ان الملك المعاطاتى بغير عوض؟

(و) ان قلت: نقول بانه لم يملك المنتقل عنه المال الّذي تلف، و لا يملك الطرف الاخر المال الّذي هو عوض، قلت: (ففى الملك) لا لهذا و لا ذاك (مخالف للسيرة) اذ سيرة المتشرعة: المعاملة مع المالين المبدلين بالمعاطاة معاملة الملك (و) مخالف ل (بناء المتعاطيين) و قد سبق: ان العقود تتبع القصود.

(و منها: ان التصرف) لاحد الطرفين فى المال المنتقل إليه (ان جعلناه من النواقل القهرية، فلا يتوقف على النية) اى نية التملك (فهو بعيد) اذ كيف يمكن ان ينتقل مال زيد الى خالد بدون نية احدهما للملكية

ص: 85

و ان اوقفناه عليها كان الواطئ للجارية من غيرها واطيا بالشبهة و الجانى عليه و المتلف له جانيا على مال الغير و متلفا له.

و منها: ان النماء الحاصل قبل التصرف ان جعلنا حدوثه مملكا له، دون العين فبعيد او معها فكذلك و كلاهما مناف لظاهر الاكثر و

______________________________

- حال التصرف- (و ان اوقفناه) اى النقل (عليها) اى على النية (كان) اللازم ان يكون (الواطئ للجارية من غيرها) اى بدون نية التملك (واطيا بالشبهة) و لا يقول بذلك احد، (و الجانى عليه) اى على الماخوذ بالمعاطاة (و المتلف له جانيا على مال الغير و متلفا له) لا جانيا على مال نفسه، فاللازم ان يعطى الدية للجناية او التلف للمنتقل عنه، و هذا ما لا يقول به احد.

(و منها: ان النماء الحاصل قبل التصرف) من المنتقل إليه، كما لو اشترى البستان بالمعاطاة، و قبل ان يتصرف فيه اعطى الثمر (ان جعلنا حدوثه) اى النماء (مملكا له) اى للنماء (دون العين) اما العين فلانه لم يتصرف فيها، و اما النماء فلانه حدث فى ملكه (فبعيد) لان العين اذا لم تصر ملكا للمشترى فالنماء تابع للعين (او معها) اى مع العين (فكذلك) بعيد، اذا لم يتصرف فى العين حتى تكون ملكا له و قد سبق ان القائلين بالإباحة يقولون بان التصرف مملك دون غيره (و كلاهما مناف لظاهر الاكثر) فان كون حدوث النماء ملكا للنماء وحده، او مملكا للنماء و للعين، خلاف ظاهر اكثر الفقهاء، لان الظاهر منهم حصر الملك فى التصرف (و) ان قلت: نقول بانه لم يملك النماء و لا

ص: 86

شمول الاذن له خفى.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 5، ص: 87

و منها: قصر التمليك على التصرف مع الاستناد فيه الى: ان اذن المالك فيه اذن فى التمليك فيرجع الى كون المتصرف فى تمليك نفسه موجبا قابلا و ذلك جار فى القبض بل هو اولى منه لاقترانه بقصد التمليك دونه انتهى.

[المناقشة في ما ادعاه كاشف الغطاء]

و المقصود من ذلك كله استعباد هذا

______________________________

العين- قبل التصرف- و انما يجوز له التصرف فى العين و النماء إباحة من المالك و قبل التصرف كلاهما باق على ملك المالك الاول، قلت: (شمول الاذن له) اى للنماء (خفى) اذ الاذن انما كان بالنسبة الى العين دون النماء، فكيف يجوز ان يتصرف المنتقل إليه فى النماء؟

(و منها: قصر التمليك) اى حصر المشهور تمليك المأخوذ بالمعاطاة (على التصرف) فيه (مع الاستناد) اى استنادهم (فيه) اى فى كون التصرف مملكا (الى: ان اذن المالك فيه) اى فى التصرف (اذن فى التمليك) لنفسه (فيرجع الى كون المتصرف فى تمليك نفسه موجبا قابلا) موجبا من طرف المالك قابلا من طرف نفسه (و ذلك) المناط فى حصول الملك بالتصرف (جار فى القبض) اى قبض المال من المالك، فاذا قلتم بان التصرف مملك لأذن المالك فى التمليك، لم لا تقولون بان القبض مملك لأذن المالك فى التمليك؟ (بل هو اولى منه) اى يكون القبض مملكا اولى من كون التصرف مملكا (لاقترانه) اى القبض (بقصد) المالك (التمليك) لان المالك يعطى بقصد التمليك (دونه) اى دون التصرف، فانه ليس مقترنا بقصد المالك التمليك (انتهى) كلام شارح القواعد.

(و المقصود من ذلك كله) مما ذكره بعض الاساطين (استعباد هذا

ص: 87

القول لا ان الوجوه المذكورة تنهض فى مقابل الاصول و العمومات اذ ليس فيها تأسيس قواعد جديدة لتخالف القواعد المتداولة بين الفقهاء.

اما حكاية تبعية العقود و ما قام مقامها للقصود، ففيها:

أولا: ان المعاطاة ليست عند القائل بالإباحة المجردة من العقود و لا من القائم مقامها شرعا فان تبعية العقد للقصد و عدم انفكاكه عنه انما هو لأجل دليل صحة ذلك العقد بمعنى ترتب الأثر المقصود عليه فلا يعقل حينئذ الحكم بالصحة مع عدم ترتب الاثر المقصود عليه.

______________________________

القول) اى افادة المعاطاة الاباحة دون الملك، لا أنها أدلة لامتناع القول المذكور (لا ان الوجوه المذكورة تنهض فى مقابل الاصول و العمومات) الدالة على عدم افادة المعاطاة الملك (اذ ليس فيها) اى فى الوجوه المذكورة (تأسيس قواعد جديدة لتخالف القواعد المتداولة بين الفقهاء) كما ذكره كاشف الغطاء- رحمة اللّه عليه- و ذلك لوجود الاشكال فى الوجوه التى ذكرها:

(اما حكاية تبعية العقود و ما قام مقامها) من الايقاعات (للمقصود، ففيها:)

(أولا: ان المعاطاة ليست عند القائل بالإباحة المجردة من العقود، و لا من القائم مقامها) اى مقام العقود (شرعا).

ثم بين المصنف- رحمه الله- الوجه فى تبعية العقد للقصد بقوله: (فان تبعية العقد للقصد و عدم انفكاكه) اى العقد (عنه) اى عن القصد (انما هو لاجل دليل صحة ذلك العقد بمعنى ترتب الأثر المقصود عليه) فإن معنى: أن العقد الفلاني صحيح، أنه يترتب عليه الأثر المقصود (فلا يعقل حينئذ) اى حين كانت الصحة بمعنى ترتب الاثر (مع عدم ترتب الاثر المقصود عليه) الى على العقد.

ص: 88

اما المعاملات الفعلية التى لم يدل على صحتها دليل فلا يحكم بترتب الاثر المقصود عليها كما نبه عليه الشهيد فى كلامه المتقدم، من ان السبب الفعلى لا يقوم مقام السبب القولى فى المبايعات.

نعم اذا دل الدليل على ترتب اثر عليه حكم به و ان لم يكن مقصودا.

و ثانيا

______________________________

و كيف كان فالمعاطاة- على هذا القول- خارجة موضوعا عن قولهم «العقود تتبع القصود» لأنها ليست بعقد اصلا.

ان قلت: لما ذا لا تجرون قاعدة «العقود تتبع القصود» فى المعاطاة، أ ليست هى معاملة فعلية فتشملها «القاعدة» قلت: (اما المعاملات، الفعلية) اى التى تكون بالتعاطى (التى لم يدل على صحتها دليل) خاص (فلا يحكم بترتب الاثر المقصود) كالملك فى بيع المعاطاة (عليها، كما نبه عليه الشهيد فى كلامه المتقدم، من ان السبب الفعلى لا يقوم مقام السبب القولى فى) المعاملات و (المبايعات) حيث قال: و اما المعاطاة فى المبايعات فهى لا تفيد الا الاباحة لا الملك- فان ذكره لهذه الجملة بعد قوله «قد يقوم السبب الفعلى مقام السبب القولى» استثناء منه- فكأنه قال: السبب الفعلى يقوم مقام السبب القولى الا فى المعاملات و المبايعات.

(نعم اذا دل الدليل على ترتب اثر عليه) اى على المبايعات الفعلية بتأويل «ما ذكرناه» ليستقيم ارجاع ضمير المذكور إليه- (حكم به) اى، بترتب ذلك الاثر (و ان لم يكن مقصودا) للمتعاملين.

(و ثانيا) يرد على قوله: كيف يتخلف العقد عن مقصود المتعاقدين

ص: 89

ان تخلف العقد عن مقصود المتبايعين كثير فانهم اطبقوا على ان عقد المعاوضة اذا كان فاسدا يؤثر فى ضمان كل من العوضين القيمة لإفادة العقد الضمان عندهم فيما يقتضيه صحيحه مع أنهما لم يقصدا الاضمان كل منهما بالآخر.

و توهم ان دليلهم على ذلك قاعدة اليد مدفوع بانه لم يذكر هذا الوجه الا بعضهم معطوفا على الوجه الاول و هو اقدامهما على الضمان فلاحظ المسالك

______________________________

(ان تخلف العقد عن مقصود المتبايعين كثير ف) من ذلك (انهم اطبقوا على ان عقد المعاوضة اذا كان فاسدا يؤثر ضمان كل من العوضين القيمة) لا المثل، فاذا اشترى شاة بدينار ثم ظهر فساد العقد فانه يضمن الشاة بقيمتها الواقعية سواء كان دينارا او اقل او اكثر، لا القيمة المسماة (لإفادة العقد الضمان عندهم فيما يقتضيه صحيحه) للقاعدة المشهورة: ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده (مع انهما) اى المتبايعان (لم يقصدا الا ضمان كل منهما) اى من العوضين (بالآخر) فارادا تبديل الدينار بشاة- فى المثال-.

(و توهم ان) ذلك الضمان ليس مقتضى العقد، فلا يقاس بما نحن فيه حيث ان الاباحة مقتضى المعاطاة- و الحال انهما لم يريدا الاباحة التى هى مقتضى المعاطاة- بل (دليلهم على ذلك) الضمان (قاعدة اليد) لأن: على اليد ما أخذت، تقتضى ان يضمن الانسان ما أخذه بدون عقد صحيح (مدفوع بانه لم يذكر هذا الوجه) اى اقتضاء قاعدة: على اليد الضمان (الا بعضهم معطوفا على الوجه الاول) اى اقتضاء العقد الفاسد ذلك الضمان (و هو اقدامهما على الضمان فلاحظ المسالك) و الحاصل ان تخلف العقد عن القصد شي ء ممكن فلتكن المعاطاة

ص: 90

و كذا الشرط الفاسد لم يقصد المعاملة الا مقرونة به غير مفسد عند اكثر القدماء

و بيع ما يملك و ما لا يملك صحيح عند الكل و بيع الغاصب لنفسه يقع للمالك مع اجازته على قول كثير.

و ترك ذكر الاجل فى العقد المقصود به الانقطاع يجعله دائما على قول نسبه فى المسالك و كشف اللثام الى المشهور.

نعم الفرق بين العقود و ما نحن فيه ان التخلف عن القصود يحتاج الدليل المخرج عن ادلة صحة العقود

______________________________

كذلك فانهما و ان قصدا التمليك لكن يمكن ان تفيد الاباحة (و كذا الشرط الفاسد لم يقصد المعاملة الا مقرونة به غير مفسد عند اكثر الدماء)، فلو عقد بشرط كذا كان القصد المعاملة المقرونة به فاذا فسد الشرط تخلف العقد عن القصد.

(و بيع ما يملك و ما لا يملك) كبيع الشاة و الخنزير، فانه يفسد بالنسبة الى الخنزير دون الشاة مع ان القصد كان بيع الاثنين لا الواحد (و بيع الغاصب لنفسه) كما لو غصب من زيد داره و باعها لنفسه (يقع للمالك)، الّذي هو زيد مثلا (مع اجازته) معاملة الغاصب (على قول كثير) فالعقد لم يتبع قصد العاقد.

(و ترك ذكر الاجل) و المدة (فى العقد المقصود به الانقطاع) فى باب النكاح (يجعله دائما) مع ان مقصودهما الانقطاع (على قول نسبه فى المسالك و كشف اللثام الى المشهور) فالعقد لم يتبع القصد.

(نعم الفرق بين العقود و ما نحن فيه) من المعاطاة المفيدة للاباحة (ان التخلف عن المقصود يحتاج الى الدليل المخرج عن ادلة صحة العقود) لان معنى صحة العقد- كما تقدم- تأثيره الاثر المقصود

ص: 91

و فيما نحن فيه عدم الترتب مطابق للاصل.

و اما ما ذكره من لزوم كون إرادة التصرف مملكا فلا بأس بالتزامه اذا كان مقتضى الجمع بين الاصل و دليل جواز التصرف المطلق و ادلة توقف بعض التصرفات على الملك فيكون كتصرف ذى الخيار و الواهب فيما انتقل عنهما بالوطى و البيع و العتق و شبهها

______________________________

للعاقد (و فيما نحن فيه) من قولنا: المعاطاة لا تؤثر الملك- الّذي هو مقصود للمتعاطيين- (عدم الترتب مطابق للاصل) اذ الاصل عدم الملك.

(و اما ما ذكره) كاشف الغطاء (من لزوم كون إرادة التصرف مملكا) بناء على قول المشهور القائلين بالإباحة، فاذا اراد ان يتصرف بمثل الوطي و العتق تكون الإرادة مملكة، حتى لا يلزم الوطي فى غير الملك، بعد ما ورد انه: لا وطى الا فى الملك (ف) لا يرد على هذا ما أورده كاشف الغطاء من انه: كيف يمكن ان تكون الإرادة مملكة (لا بأس بالتزامه اذا كان) هذا القول (مقتضى الجمع بين الاصل) الدال على انه لا تؤثر المعاطاة الملك (و دليل جواز التصرف المطلق) الشامل لمثل الوطي و العتق- كاطلاقات ادلة حل البيع و التجارة عن تراض- (و) بين (ادلة توقف بعض التصرفات على الملك) كقوله- صلى الله عليه و آله و سلم-: لا تبع ما ليس عندك، و: لا عتق الا فى ملك، و: لا وطى الا فى ملك، و ما اشبه ذلك (فيكون) تصرف القابض بالمعاطاة فى السلعة (كتصرف ذى الخيار و الواهب فيما انتقل عنهما) بان باع بيعا خياريا، أو وهب هبة له الخيار فى ارجاع المال الى نفسه، ثم تصرف فى المال (بالوطى و البيع و العتق و شبهها) من التصرفات المتوقفة على الملك، فان المشهور التزموا على انه يملك الشي ء آنا مّا ثم يكون تصرفه بهذه التصرفات واقعا فى ملكه جمعا بين دليل: لا عتق الا فى ملك، و بين دليل: جواز هذا التصرف

ص: 92

و اما ما ذكره من تعلق الاخماس و الزكوات .. الى آخر ما ذكره، فهو استبعاد محض و دفعها بمخالفتها للسيرة رجوع إليها مع ان تعلق الاستطاعة الموجبة للحج و تحقق الغنى المانع عن استحقاق الزكاة لا يتوقفان على الملك.

و اما كون التصرف مملكا للجانب الآخر فقد ظهر جوابه.

______________________________

(و أما ما ذكره) كاشف الغطاء- من الاشكال على القول بالإباحة- (من تعلق الاخماس و الزكوات .. الى آخر ما ذكره، فهو استبعاد محض) و الاستبعاد لا يصادم الدليل، و اى مانع من تعلق هذه الامور بالشي ء الّذي يجوز ان يتصرف الانسان فيه كل تصرف و ان لم يكن ملكا؟

(و دفعها) اى هذه الامور (بمخالفتها للسيرة) بان يقال: ان القول بالإباحة المستلزمة لهذه المحاذير مخالف للسيرة، فالسيرة تمنع هذا، القول (رجوع إليها) اى الى السيرة، و قد عرفت ان امثال هذه السيرات الناشئة من قلة المبالاة بالدين لا حجية فيها (مع ان تعلق الاستطاعة الموجبة للحج و تحقق الغنى المانع عن استحقاق الزكاة) حيث قال كاشف الغطاء: كيف يمكن تعلق الاستطاعة و تحقق الغنى بالمال المنتقل بالمعاطاة- على القول بأنها لا تفيد الملك- (لا يتوقفان على الملك) لامكان ان يستطيع الانسان بمال غيره كما فى صورة البذل، و امكان ان ليستغنى الانسان بما ليس ملكه كما لو كان فى يده وقف يكفيه.

(و اما كون التصرف) من جانب (مملكا للجانب الآخر) مما استبعده كاشف الغطاء (فقد ظهر جوابه) حيث انه مقتضى الجمع بين اصالة عدم الملك- قبل التصرف- و بين دليل جواز تصرف مالكى كالوطى، فانه يقتضي القول بكون التصرف مملكا او انه يملك قبله آنا مّا.

ص: 93

و اما كون التلف مملكا للجانبين فان ثبت باجماع او سيرة- كما هو الظاهر- كان كل من المالين مضمونا بعوضه فيكون تلفه فى يد كل منهما من ماله، مضمونا بعوضه نظير تلف المبيع قبل قبضه فى يد البائع لان هذا هو مقتضى الجمع بين هذا الاجماع و بين عموم: على اليد ما اخذت، و بين اصالة عدم الملك الا فى الزمان المتيقن بوقوعه فيه.

توضيحه ان الاجماع لما دل على عدم ضمانه بمثله او قيمته حكم بكون التلف من مال ذى اليد

______________________________

(و اما كون التلف مملكا للجانبين) من تلف عنده المال و الطرف الاخر فان ثبت باجماع او سيرة- كما هو الظاهر- كان وجهه كون (كل من المالين مضمونا بعوضه) المسمى (فيكون تلفه) اى تلف كل من المالين (فى يد كل منهما، من ماله، مضمونا بعوضه) الجعلى، لا المثل او القيمة، و قوله «من ماله» متعلق ب «يكون» اى يكون التلف من مال من تلف الجنس فى يده، لا من مال المنتقل عنه (نظير تلف المبيع قبل قبضه فى يد البائع) حيث يكون التلف من مال البائع، و لا يضمن للمشترى بالمثل او القيمة (لأن هذا) الّذي ذكرناه من كون المال مضمونا بعوضه المسمى (هو مقتضى الجمع بين هذا الاجماع) الدال على كون التلف مملكا من الجانبين (و بين عموم: على اليد ما اخذت) الّذي يدل على ان كل منهما ضامن لما اخذه (و بين اصالة عدم الملك الا فى الزمان المتيقن بوقوعه) اى الملك (فيه) اى فى ذلك الزمان، و هو آنا مّا قبل التلف.

(توضيحه) اى توضيح هذا الجمع (ان الاجماع لما دل على عدم ضمانه) اى ضمان التالف فى يد كل من المتعاطيين (بمثله) فى المثلى (او قيمته) فى القيمى (حكم بكون التلف من مال ذى اليد) و ان ضرره عليه، لا ان

ص: 94

رعاية لعموم: على اليد ما اخذت فذلك الاجماع مع العموم المذكور بمنزلة الرواية الواردة فى ان تلف المبيع قبل قبضه من مال بايعه فاذا قدر التلف من مال ذى اليد فلا بد من ان يقدر فى آخر ازمنة امكان تقديره رعاية لاصالة عدم حدوث الملكية قبله كما يقدر ملكية المبيع للبائع و فسخ البيع من حين التلف استصحابا لأثر العقد.

______________________________

التلف من مال المالك الاول (رعاية لعموم: على اليد ما اخذت) اذ لو قلنا ببقاء كل من المالين فى ملك مالكه الاصلى- حين التلف- لزم اما الحكم بضمان المثل او القيمة- و هو خلاف الاجماع، او ضمان المسمى و يلزم منه تخصيص قاعدة ضمان الشي ء بمثله فاللازم- حفظا لعموم على اليد- ان نقول بان المال لذى اليد حتى يكون التلف منه (فذلك الاجماع مع العموم المذكور) لقاعدة اليد (بمنزلة الرواية الواردة فى ان تلف المبيع قبل قبضه من مال بايعه) فكما ان كونه من مال البائع يقتضي رجوع المال إليه آنا مّا ثم تلفه من مالكه كذلك ما نحن فيه «من الاجماع و ابقاء عموم على اليد المقتضى لضمان المثل او القيمة- و تحفظا على عمومه» يقتضي دخول المال فى ملك القابض آنا مّا ثم تلفه عليه ليكون ضمانه بالمسمى لا بالمثل (فاذا قدر التلف) فى قاعدة: التلف قبل القبض (من مال ذى اليد فلا بد من ان يقدر فى آخر ازمنة امكان تقديره) و هو آن قبل التلف، و انما نقدر ملكية ذى اليد للسلعة التالفة فى آخر ازمنة امكان تقديره (رعاية لا صلاة عدم حدوث الملكية قبل) اى قبل الآن الاخير (كما يقدر ملكية المبيع للبائع) فيما اذا تلف القبض (و) يقدر (فسخ البيع من حين التلف استصحابا لأثر العقد) الّذي كان يقتضي ملكية كل من الطرفين للمال إليه.

ص: 95

و اما ما ذكره من صورة غصب المأخوذ بالمعاطاة فالظاهر- على القول بالإباحة- ان لكل منهما المطالبة ما دام باقيا، فاذا تلف فظاهر اطلاقهم التمليك بالتلف تلفه من مال المغصوب منه نعم لو قام اجماع كان تلفه من مال المالك لو لم يتلف عوضه قبله.

و اما ما ذكره من حكم النماء فظاهر المحكى عن بعض ان القائل بالإباحة لا يقول بانتقال النماء الى الآخذ بل حكمه حكم اصله و يحتمل ان يحدث النماء فى ملكه بمجرد الاباحة

______________________________

(و اما ما ذكره) كاشف الغطاء (من صورة غصب المأخوذ بالمعاطاة) و ان ايهما المطالب، المالك الاول او المنتقل إليه المال- الى آخر ما تقدم- (فالظاهر- على القول بالإباحة- ان لكل منهما) اى من المتعاطين (المطالبة) للمال من الغاصب (ما دام) المال (باقيا، فاذا تلف) المال فى يد الغاصب (فظاهر اطلاقهم التمليك بالتلف) «التمليك» مفعول «اطلاقهم» فانهم قالوا: «التلف موجب للملك» و هذا الكلام لما اذا تلف فى يد المنتقل إليه بسببه او بسبب الغاصب او بتلف سماوى (تلفه من مال المغصوب منه) المنتقل إليه (نعم لو قام اجماع) على ان التلف من مال المنتقل عنه (كان تلفه من مال المالك) الاول (لو لم يتلف عوضه قبله) و الا فلو تلف عوضه قبله، انتقل الى ملك المنتقل إليه، لما تقدم من ان تلف احد الشيئين يوجب الملك لكل منهما.

(و اما ما ذكره) كاشف الغطاء (من حكم النماء) و انه لمن؟ ..

(فظاهر المحكى عن بعض ان القائل بالإباحة لا يقول بانتقال النماء الى الآخذ بل حكمه) اى حكم النماء (حكم اصله) فى انه مباح للمنتقل إليه الا اذا تلف او تصرف فيه (و يحتمل ان يحدث النماء فى ملكه بمجرد الاباحة)

ص: 96

ثم انك بملاحظة ما ذكرنا تقدر على التخلص عن سائر ما ذكره مع انه رحمه الله- لم يذكرها للاعتماد.

و الانصاف انها استبعادات فى محلها.

و بالجملة، فالخروج عن اصالة عدم الملك المعتضد بالشهرة المحققة الى زمان المحقق الثانى و بالاتفاق المدعى فى الغنية و القواعد هنا و فى المسالك فى مسألة توقف الهبة على الايجاب و القبول مشكل.

و رفع اليد عن عموم ادلة البيع و الهبة و نحوهما المعتضدة

______________________________

لان معنى الاباحة تمليك النماء- بالدلالة العرفية-.

(ثم انك بملاحظة ما ذكرنا) من اجوبة ايرادات كاشف الغطاء- رحمة الله عليه- (تقدر على التخلص عن سائر ما ذكره مع انه- رحمه الله- لم يذكرها للاعتماد) و الاستدلال.

(و الانصاف انها استبعادات فى محلها) فالقول بالملك المتزلزل كما ذكره المحقق الثانى هو الاقوى.

(و بالجملة، فالخروج عن اصالة عدم الملك المعتضد) هذا الاصل (بالشهرة المحققة الى زمان المحقق الثانى) الّذي خرج عن الشهرة و قال بالملك المتزلزل (و بالاتفاق المدعى فى الغنية و القواعد هنا) فى باب المعاطاة (و فى المسالك فى مسألة توقف الهبة على الايجاب و القبول) كما تقدم نقل كلامه (مشكل) خبر «فالخروج».

(و رفع اليد عن عموم ادلة البيع) كأحل الله البيع، و تجارة عن تراض، الشامل هذا العموم للمعاطاة (و الهبة و نحوهما) كالاجارة و الرهن، فى الاجارة و الرهن بالمعاطاة (المعتضدة) تلك الادلة العامة الشاملة

ص: 97

بالسيرة القطعية المستمرة و بدعوى الاتفاق المتقدم عن المحقق الثانى بناء على تأويله لكلمات القائلين بالإباحة اشكل.

فالقول الثانى لا يخلو عن قوة.

[هل المعاطاة لازمة أم جائزة]

و عليه فهل هى لازمة ابتداءً مطلقا- كما حكى عن ظاهر المفيد، رحمه الله او بشرط كون الدال على التراضي لفظا- كما حكى عن بعض معاصرى الشهيد الثانى، و قواه جماعة من متأخرى المحدثين- او هى غير لازمة مطلقا فيجوز لكل منهما الرجوع فى ماله- كما عليه اكثر القائلين بالملك، بل كلهم عدا من عرفت- وجوه.

______________________________

للمعاطاة (بالسيرة القطعية) فانهم يعاملون، بالسلع المعاطاتية معاملة السلعة التى انتقلت إليهم بالعقد (المستمرة) من الازمنة القديمة (و بدعوى الاتفاق المتقدم عن المحقق الثانى) و انما ادعى الاتفاق مع ان ظاهر كلمات المشهور الاباحة (بناء على تأويله لكلمات القائلين بالإباحة) بان مرادهم الملك المتزلزل (اشكل).

و مع ذلك (فالقول الثانى) اى الملك المتزلزل (لا يخلو عن قوة).

(و عليه) اى على القول بالملك (فهل هى) اى المعاطاة (لازمة ابتداءً مطلقا- كما حكى عن ظاهر المفيد، رحمه الله) حتى تكون كالبيع بالعقد (او بشرط كون الدال على التراضي لفظا) غير عقد، كما لو قال «اعط الكتاب و خذ دينارا» مثلا (- كما حكى عن بعض معاصرى الشهيد الثانى، و قواه جماعة من متأخرى المحدثين- او هى غير لازمة مطلقا) سواء كان الدال عليها لفظ أو لا (فيجوز لكل منهما الرجوع فى ماله- كما عليه اكثر القائلين بالملك، بل كلهم عدا من عرفت-) من المفيد و بعض معاصرى الشهيد و اتباعه (وجوه).

ص: 98

اوفقها بالقواعد هو الاول بناء على اصالة اللزوم فى الملك للشك فى زواله بمجرد رجوع مالكه الاصلى.

و دعوى ان الثابت هو الملك المشترك بين المتزلزل و المستقر، و المفروض انتفاء الفرد الاول بعد الرجوع و الفرد الثانى كان مشكوك الحدوث من اوّل الامر فلا ينفع الاستصحاب بل ربما يزاد استصحاب بقاء علقة المالك الاول مدفوعة مضافا الى امكان دعوى كفاية تحقق القدر المشترك فى الاستصحاب فتأمل.

______________________________

(او فقها بالقواعد هو الاول) اى اللزوم مطلقا (بناء على اصالة اللزوم فى الملك) اى ان كل ملك لازم الا اذا دل الدليل على جواز ابطاله كما كان هناك خيار او نحوه، و ذلك الاصل انما نشأ بما ذكره المصنف رحمه الله- بقوله: (للشك فى زواله) اى الملك (بمجرد رجوع مالكه الاصلى) فالاصل بقاؤه، و عليه فكلما علمنا بتزلزل الملك خرجنا عن الاصل المذكور و كلما لم نعلم اجرينا الملك حتى يعرف المخرج.

(و دعوى) انه لا صحة لأصالة اللزوم فى الملك ل (ان الثابت هو الملك) فى الجملة اى (المشترك بين المتزلزل و المستقر، و المفروض انتفاء الفرد الاول) اى المتزلزل (بعد الرجوع) من المالك الاصلى (و الفرد الثانى)، اى المستقر (كان مشكوك الحدوث من اوّل الامر) و من المعلوم ان شرط الاستصحاب اليقين السابق (فلا ينفع الاستصحاب) فى بقاء الملك بعد الشك فى زواله (بل ربما يزاد استصحاب بقاء علقة المالك الاول) لانا نشك فى زوال علقته فالاصل بقاؤها (مدفوعة) خبر الدعوى (مضافا الى امكان دعوى كفاية تحقق القدر المشترك فى الاستصحاب) لأنه علم اجمالا حصول العلقة و لم يعلم زوالها (فتأمل) لانه من قبيل القسم الثانى من

ص: 99

بأن انقسام الملك الى المتزلزل و المستقر ليس باعتبار اختلاف فى حقيقته و انما هو باعتبار حكم الشاعر عليه فى بعض المقامات بالزوال برجوع المالك الاصلى.

و منشأ هذا الاختلاف اختلاف حقيقة السبب المملك لا اختلاف حقيقة الملك فجواز الرجوع و عدمه من الاحكام الشرعية للسبب لا من الخصوصيات المأخوذة فى المسبب

______________________________

استصحاب الكلى الّذي اشكل جماعة فيه لأن المحقق بقاؤه غير معلوم الحدوث و المعلوم حدوثه لا يعلم صلوحه للبقاء كما ذكروا ذلك مفصلا فى الاصول، لكن لا يخفى انه من النوع الثانى من القسم الثانى، و قد ذكروا جريان الاستصحاب فيه و تفصيل الكلام فى محله (بأن انقسام الملك الى المتزلزل و المستقر ليس باعتبار اختلاف فى حقيقته) كاختلاف الانسان و الفرس حيث يقسم الحيوان إليهما (و انما هو باعتبار حكم الشارع عليه فى بعض المقامات) كما لو كان هناك خيار (بالزوال برجوع المالك الاصلى) فهو كالنكاح الّذي يطرأ عليه الطلاق او الفسخ و الّذي لا يطرأ عليه فانه ليس لاختلاف فى حقيقة النكاح الّذي طرأ عليه و الّذي لم يطرأ عليه، بل لحكم الشارع بان الطلاق لو طرأ زال النكاح.

(و منشأ هذا الاختلاف) فى باب الملك (اختلاف حقيقة السبب المملك) فبعض اقسام السبب المملك شديد التأثير بحيث لا يزول كالعقد المطلق، و بعض اقسامه ضعيف التأثير كالبيع الخيارى (لا اختلاف حقيقة الملك) اى العلقة و الأثر المترتب على السبب حتى لا يصح الاستصحاب (فجواز الرجوع و عدمه من الاحكام الشرعية للسبب لا من الخصوصيات المأخوذة فى المسبب) اى العلقة و الأثر، و حيث علمنا وجود المسبب و شككنا فى زواله نستصحب

ص: 100

و يدل عليه- مع انه يكفى فى الاستصحاب الشك فى ان اللزوم من خصوصيات الملك او من لوازم السبب المملك و مع ان المحسوس بالوجدان ان إنشاء الملك فى الهبة اللازمة و غيرها على نهج واحد- ان اللزوم و الجواز لو كانا من خصوصيات الملك فاما ان يكون تخصيص القدر المشترك باحدى الخصوصيتين بجعل المالك او بحكم الشارع فإن كان الاول كان اللازم التفصيل بين اقسام التمليك المختلفة بحسب قصد الرجوع و قصد عدمه او عدم قصده و هو

______________________________

بقائه (و يدل عليه) اى على ان اللزوم و الجواز من الاحكام الشرعية المربوطة بالسبب لا المسبب (- مع انه يكفى فى الاستصحاب الشك فى ان اللزوم من خصوصيات الملك او من لوازم السبب المملك) لأن هذا الشك لا يزيدنا شيئا، لبقاء الشك فى ان الملك زال أم لا (و مع ان المحسوس بالوجدان إن إنشاء الملك فى الهبة اللازمة) كالهبة المعوضة (و غيرها-) مما ليس فيها احد اسباب اللزوم- كالعوض او كونها لذى رحم و ما اشبه- (ان اللزوم) فاعل «يدل عليه» (و الجواز لو كانا من خصوصيات الملك) الداخلين فى حقيقته كالناطقية و الناهقية الداخلتين فى حقيقة الانسان و الحمار (فاما ان يكون تخصيص القدر المشترك) اى اصل «الملك» الموجود فى اللازم و الجائز (باحدى الخصوصيتين بجعل المالك) بان ينشأ المالك الملك تارة هكذا .. و تارة هكذا .. (او بحكم الشارع) بدون ربط بالمالك (فإن كان الاول) اى بجعل المالك (كان اللازم التفصيل بين اقسام التمليك المختلفة بحسب قصد) المملّك (الرجوع و قصد عدمه) اى عدم الرجوع (او عدم قصده) من باب الماهية لا بشرط (و هو) اى التفصيل

ص: 101

بديهى البطلان، اذ لا تأثير لقصد المالك فى الرجوع و عدمه و إن كان الثانى لزم امضاء الشارع العقد على غير ما قصده المنشى و هو باطل فى العقود لما تقدم ان العقود المصححة عند الشارع تتبع القصود و ان امكن القول بالتخلف هنا فى مسألة المعاطاة بناء على ما ذكرنا سابقا- انتصارا للقائل بعدم الملك- من منع وجوب امضاء المعاملات الفعلية على طبق قصود المتعاطين لكن الكلام فى قاعدة اللزوم فى الملك

______________________________

(بديهى البطلان، اذ لا تأثير لقصد المالك فى الرجوع و عدمه) فاذا باع المالك شيئا بالعقد و قصد الرجوع لم يؤثر قصده فى جواز الرجوع و لو باع بيعا خياريا و قصد عدم الرجوع لم يسقط قصده جواز رجوعه (و إن كان الثانى) اى بجعل الشارع (لزم امضاء الشارع العقد على غير ما قصده المنشى) فيكون المالك قصد الرجوع و ابطله الشارع، او قصد عدم الرجوع و قال الشارع لا رجوع لك (و هو) اى امضاء الشارع على غير قصد العاقد (باطل فى العقود لما تقدم) من (ان العقود المصححة عند الشارع تتبع القصود) فلا دليل على ان العقد لا يتبع القصد بامضاء الشارع على خلاف قصد العاقد (و ان امكن القول بالتخلف هنا) بين العقد و القصد (فى مسألة المعاطاة بناء على ما ذكرنا سابقا- انتصارا للقائل بعدم) افادة المعاطاة (الملك من منع وجوب امضاء) الشارع (المعاملات الفعلية) بالتعاطى مقابل المعاملات اللفظية بالعقد (على طبق قصود المتعاطين، لكن الكلام) الآن ليس فى ان المعاطاة تفيد الملك من جهة قاعدة العقود تتبع القصود بل (فى قاعدة اللزوم فى الملك) و انه هل ان الملك الاصل فيه اللزوم او الجواز، و قد عرفت ان مقتضى الاستصحاب اللزوم فى باب العقود اللفظية

ص: 102

تشمل العقود أيضا.

و بالجملة فلا اشكال فى اصالة اللزوم فى كل عقد شك فى لزومه شرعا و كذا لو شك فى ان الواقع فى الخارج هو العقد اللازم او الجائز كالصلح من دون عوض و الهبة نعم لو تداعيا

______________________________

و نجرى الاستصحاب أيضا فى باب العقود الفعلية، لعدم الفصل بين الامرين.

و الحاصل انا قد نتمسك لاثبات اللزوم فى المعاطاة ب «قاعدة العقود تتبع القصود» لكن هذا غير تام لما عرفت من انها ليست جارية فى المعاملات الفعلية، و قد نتمسك بقاعدة «استصحاب الملك» الثابتة فى المعاملات اللفظية بناء على عدم الفرق بين المعاملات اللفظية و الفعلية من جهة جريان استصحاب اللزوم، و كيف كان فالقاعدة المذكورة (تشمل العقود أيضا) كما تشمل سائر اقسام الملك التى لم تحصل بالعقد كما لو حصلت بالارث و ما اشبه.

(و بالجملة فلا اشكال فى اصالة اللزوم فى كل عقد شك فى لزومه شرعا) سواء كان عقدا لفظيا او فعليا، بان كان الشك فى الشبهة المفهومية، بان قرر الشارع هذا العقد لازما أم لا؟ فان استصحاب الملك يكفى فى القول بلزومه (و كذا لو شك فى ان) العقد (الواقع فى الخارج هو العقد اللازم او الجائز) بسبب الشبهة المصداقية بعد ان علمنا ان العقد الفلانى لازم و العقد الفلانى جائز، لكن شككنا ان ما اوقعناه هل كان من قسم اللازم او من قسم الجائز (كالصلح من دون عوض و الهبة) فالصلح لازم و الهبة جائزة (نعم) لا تجري اصالة اللزوم فى الشبهة المصداقية (لو تداعيا) بان قال احدهما: صالحته فهو لازم، و قال الاخر: بل هبة

ص: 103

احتمل التحالف فى الجملة.

و يدل على اللزوم مضافا الى ما ذكر عموم قوله عليه السلام: الناس مسلطون على اموالهم، فان مقتضى السلطنة ان لا يخرج عن ملكه بغير اختياره فجواز تملكه عنه بالرجوع فيه من دون رضاه مناف للسلطنة المطلقة

فاندفع ما ربما

______________________________

فلا يحكم الحاكم بالصلح اتباعا لقاعدة اصالة اللزوم، بل (احتمل التحالف) بان يحلف كل واحد على طبق ما ادعاه (فى الجملة) فيما اذا حرّرا الدعوى فى الخصوصية اى قال احدهما: صلح، و قال الاخر: هبة، اما لو حررا الدعوى بحيث صار احدهما مدعيا و الاخر مدعى عليه. بان قال احدهما: الملك باق بعد الفسخ، و قال الاخر: لا بقاء للملك بعد الفسخ، فان المسألة حينئذ مسئلة المدعى و المنكر فيلزم على المدعى الاثبات بالبينة و على المنكر الحلف- اذا لم تكن له بينة-.

(و يدل على اللزوم) فى المعاطاة (مضافا الى ما ذكر) من اصالة اللزوم- التى قدمنا تقريرها- (عموم قوله عليه السلام: الناس مسلطون على اموالهم، فان) المال انتقل بالمعاطاة و صار ملكا لكل واحد منهما و (مقتضى السلطنة ان لا يخرج عن ملكه بغير اختياره، فجواز تملكه عنه) بالفسخ (بالرجوع) من المالك الاول (فيه) اى فى المال (من دون رضاه) اذ مع الرضا يبطل الملك حتى فى العقود اللازمة قطعا- لأنه من التقايل (مناف للسلطنة المطلقة) المقتضية لبقاء الملك حتى بعد رجوع الطرف.

و الحاصل، اخراج البائع لملك المشترى- مثلا- خلاف سلطنة المشترى فمنعه «الناس مسلطون» الشامل للمشترى (فاندفع ما ربما

ص: 104

يتوهم من ان غاية مدلول الرواية سلطنة الشخص على ملكه و لا نسلم ملكيته له بعد رجوع المالك الاصلى.

و لما ذكرنا تمسك المحقق فى الشرائع على لزوم القرض بعد القبض بان فائدة الملك السلطنة. و نحوه العلامة فى موضع آخر. و منه يظهر جواز التمسك بقوله عليه السلام: لا يحل مال امرئ الا عن طيب نفسه. حيث دل

______________________________

يتوهم من ان غاية مدلول الرواية سلطنة الشخص على ملكه) كسلطنة المشترى- فى المثال- (و لا نسلم ملكيته له) اى السلعة للمشترى- مثلا- (بعد رجوع المالك الاصلى) كالبائع- مثلا-.

وجه الاندفاع، انا لا نتكلم فى ان المشترى مسلط بعد الرجوع أم لا، بل كلامنا فى انه هل البائع مسلط على ملك المشترى حتى يتمكن من اخراجه عن ملكه أم لا؟ و من المعلوم ان قاعدة سلطنة المشترى تمنع تسلط البائع و عليه فلا يتمكن البائع من اخراج ملك المشترى، فليس الملك- بعد رجوع، البائع- خارجا عن ملك المشترى.

(و لما ذكرنا) من قاعدة «الناس مسلطون» (تمسك المحقق فى الشرائع على لزوم القرض بعد القبض) و انه لا يحق للمقرض ان يسترد ما اقرضه (بان فائدة الملك السلطنة) فالمال بعد القرض ملك للمقترض فله سلطان عليه، فلا سلطان للمقرض على الاسترجاع (و نحوه العلامة فى موضع آخر) غير باب القرض (و منه) اى من صحة التمسك بقاعدة «الناس مسلطون» للزوم المعاطاة بعد فسخ احد الطرفين (يظهر جواز التمسك) للزوم (بقوله عليه السلام: لا يحل مال امرئ إلا عن طيب نفسه) فان السلعة صارت مالا للمشترى فلا تحل للبائع إلا عن طيب نفس المشترى (حيث دل

ص: 105

على انحصار سبب حلّ مال الغير او جزء سببه فى رضا المالك فلا يحل بغير رضاه و توهم تعلق الحلّ بمال الغير و كونه مال الغير بعد الرجوع اوّل الكلام مدفوع بما تقدم من ان تعلق الحل بالمال يفيد العموم حيث يشمل التملك أيضا فلا يحل التصرف فيه و لا تملكه الا بطيب نفس المالك.

و يمكن الاستدلال أيضا بقوله تعالى: و لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و لا ريب

______________________________

على انحصار سبب حلّ مال الغير او جزء سببه فى رضا المالك) السببية الكاملة فى الاباحة، و جزء السبب فى التمليك فان جزءا من السبب الرضا و الجزء الآخر العقد قولا او فعلا (فلا يحل) المال الّذي انتقل الى شخص بالمعاطاة (بغير رضاه و توهم تعلق الحلّ) المنفى، فى قوله «لا يحل» (بمال الغير) لانه عليه السلام قال: «لا يحل مال امرئ» (و كونه) اى هذا الشي ء بعد الفسخ (مال الغير بعد الرجوع اوّل الكلام) مثلا البائع اذا استردّ السلعة فكونها مال المشترى بعد رجوع البائع اوّل الكلام لان القائل بالإباحة يقول بانها ليست ماله، بعد ان رجع البائع الى السلعة (مدفوع بما تقدم من ان تعلق الحل بالمال) فى قوله «لا يحل» (يفيد العموم) لجميع التصرفات (حيث يشمل) العموم (التمليك أيضا) فالسلعة كانت ملكا للمشترى فلا يحل التصرف فيها و لو بالتمليك من البائع الا برضا المشترى (فلا يحل التصرف فيه) تصرفا غير مملك (و لا تملكه الا بطبيب نفس المالك) الّذي هو المشترى. (و يمكن الاستدلال) للزوم المعاطاة (أيضا بقوله تعالى: و لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) فالمال اذا كان للمشترى، لا يجوز اكله للبائع الا بتجارة عن تراض و صرف الرجوع ليس تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (و) ذلك لانه (لا ريب

ص: 106

ان الرجوع ليست تجارة و لا عن تراض فلا يجوز اكل المال و التوهم المتقدم فى السابق جار هنا لأن حصر مجوّز اكل المال فى التجارة انما يراد به اكله على ان يكون ملكا للآكل لا لغيره.

و يمكن التمسك أيضا بالجملة المستثنى منها حيث ان اكل المال و نقله عن مالكه بغير رضى المالك اكل و تصرف بالباطل عرفا.

نعم بعد اذن المالك الحقيقى- و هو الشارع- و حكمه بالتسلط على فسخ المعاملة من دون رضى المالك

______________________________

ان الرجوع ليست تجارة و لا عن تراض فلا يجوز) للبائع- مثلا- (اكل المال) الّذي هو للمشتري الآن (و التوهم المتقدم فى السابق) ببيان انه بعد الرجوع ليس المال للمشترى- مثلا- (جار هنا) فى هذه الآية، و جوابه واضح مما تقدم (لأن حصر مجوز اكل المال فى التجارة انما يراد به) اى بالحصر، المنع عن (اكله على ان يكون ملكا للآكل)- بصيغة اسم الفاعل- (لا لغيره) اى لغير الآكل، فاذا لم يعلم البائع انه صار ملكا له بالرجوع لم يجز له اكله اذ لا تجارة عن تراض، هذا فيما اذا استدل للمطلب بالمستثنى اى قوله سبحانه «الا ان تكون تجارة عن تراض».

(و يمكن التمسك) للزوم المعاطاة (أيضا بالجملة المستثنى منها) اى قوله سبحانه «لا تأكلوا اموالكم» (حيث ان اكل المال و نقله عن مالكه) الّذي هو المشترى- مثلا- فيما اذا اراد البائع معاطاة الرجوع (بغير رضى المالك اكل و تصرف بالباطل عرفا) فيقال: انه تصرف فى اموال الناس.

(نعم) قد يجوز التصرف بدون اذن المالك فيما اذا اذن الشارع فانه (بعد اذن المالك الحقيقى- و هو الشارع- و حكمه بالتسلط على فسخ المعاملة من دون رضى المالك) كما فى الخيارات التى جعلها الشارع،

ص: 107

يخرج عن البطلان و لذا كان اكل المارة من الثمرة الممرور بها اكلا بالباطل لو لا اذن المالك الحقيقى و كذا الاخذ بالشفعة و الفسخ بالخيار و غير ذلك من النواقل القهرية هذا كله مضافا الى ما دل على لزوم خصوص البيع مثل قوله عليه السلام: البيعان بالخيار ما لم يفترقا.

و قد يستدل أيضا بعموم قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، بناء على ان العقد هو مطلق العهد كما فى صحيحة عبد الله بن سنان او العهد المشدّد كما عن بعض اهل اللغة.

______________________________

كخيار الحيوان و المجلس- مثلا- (يخرج) الاكل (عن البطلان) فلا يقال ان الفاسخ اكل مال غيره بالبطلان، بل ليس هذا من اكل مال الناس اصلا (و لذا) الّذي ذكرناه من انه مع اجازة الشارع ليس اكلا بالباطل (كان اكل المارة) اى الجماعة التى تمر، او النفس المارة (من الثمرة الممرور بها) مع وجود الشرائط- المذكورة فى كتب الفقه- (اكلا بالباطل لو لا اذن المالك الحقيقى) الّذي هو الله سبحانه (و كذا الاخذ بالشفعة و الفسخ بالخيار و غير ذلك من النواقل القهرية) بدون رضى المالك (هذا كله) يدل على لزوم المعاطاة (مضافا الى ما دل على لزوم خصوص البيع) الشامل للمعاطاة عرفا (مثل قوله عليه السلام: البيعان بالخيار ما لم يفترقا) فاذا افترقا وجب البيع.

(و قد يستدل أيضا) للزوم المعاطاة (بعموم قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، بناء على ان العقد) ليس خاصا باللفظ فقط، بل (هو مطلق العهد) و من المعلوم ان فى المعاطاة عهدا من الطرفين بالتبادل (كما فى صحيحة عبد الله بن سنان) حيث فسر العقد بالعهد (او العهد المشدد كما عن بعض اهل للغة) و المعاطاة أيضا عهد مشدّد لان الشدّة

ص: 108

و كيف كان فلا يختص باللفظ فيشمل المعاطاة و كذلك قوله عليه السلام:

المؤمنون عند شروطهم، فان الشرط فى اللغة مطلق الالتزام فيشمل ما كان بغير اللفظ

و الحاصل ان الحكم باللزوم فى مطلق الملك و فى خصوص البيع مما لا ينكر الا ان الظاهر فيما نحن فيه قيام الاجماع على عدم لزوم المعاطاة بل ادعاه صريحا بعض الاساطين فى شرح القواعد، و يعضده الشهرة المحققة بل لم يوجد به

______________________________

فى مقابل العهد الجائز كما فى الهبة و ما اشبه، لا فى مقابل العهد الّذي ليس فيه لفظ (و كيف كان) معنى العقد «العهد» مطلقا، او «العهد المشدد» (فلا يختص) العقد (باللفظ فيشمل المعاطاة) أيضا (و كذلك) يشمل المعاطاة (قوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم، فان الشرط فى اللغة مطلق الالتزام فيشمل ما كان بغير اللفظ) نعم لو قيل: ان الظاهر من الشرط الالتزام فى ضمن التزام لم يشمل العقد حتى باللفظ، الا اذا كان التزاما فى ضمن التزام آخر اللّهم الا ان يقال انه يفهم لزوم العقد من هذا الحديث بطريق اولى، اذ لو كان الالتزام فى ضمن الالتزام لازم الوفاء كان اصل الالتزام لازم الوفاء بطريق اولى.

(و الحاصل، ان الحكم باللزوم فى مطلق الملك و فى خصوص البيع مما لا ينكر) فاذا ضممنا ذلك الى ان المعاطاة تفيد الملك و انها بيع تم المطلوب و هو افادة المعاطاة اللزوم (الا ان الظاهر فيما نحن فيه) من المعاطاة (قيام الاجماع على عدم لزوم المعاطاة بل ادعاه) اى، الاجماع (صريحا بعض الاساطين) الشيخ جعفر كاشف الغطاء- رحمه اللّه- (فى شرح القواعد، و يعضده الشهرة المحققة بل لم يوجد به) اى

ص: 109

قائل الى زمان بعض متأخرى المتاخرين.

فان العبارة المحكية عن المفيد فى المقنعة لا تدل على هذا القول كما عن المختلف الاعتراف به فان المحكى عنه انه قال: ينعقد البيع على تراض بين الاثنين فيما يملكان التبايع له اذا عرفاه جميعا و تراضيا بالبيع و تقابضا بالابدان، انتهى.

و يقوى إرادة بيان شروط صحة العقد الواقع بين اثنين و تأثيره فى اللزوم و كانه لذلك حكى كاشف الرموز عن المفيد

______________________________

باللزوم (قائل الى زمان بعض متأخرى المتأخرين) هو المحقق الكركى.

(ف) ان قلت: كيف و قد نسب اللزوم الى المفيد؟ قلت: (ان العبارة، المحكية عن المفيد فى المقنعة لا تدل على هذا القول) اى افادة المعاطاة اللزوم (كما عن المختلف الاعتراف به) اى بان كلام المفيد لا يدل على اللزوم (فان المحكى عنه) اى عن المفيد (انه قال: ينعقد البيع على تراض بين الاثنين فيما يملكان التبايع له) اى المعاملة عليه (اذا عرفاه) اى الجنس- احترازا عن الجنس المجهول حيث لا يجوز بيعه- (جميعا) البائع و المشترى (و تراضيا بالبيع و تقابضا و افترقا بالابدان) اشارة الى وجود الخيار ما داما فى المجلس (انتهى) و وجه الاستدلال بهذا الكلام انه لم يذكر اجراء العقد.

(و يقوى إرادة) المفيد (بيان شروط صحة العقد الواقع بين اثنين و تأثيره فى اللزوم) لا انه يريد ان كل ما يلزم فى البيع هو ما ذكره، حتى يدل على عدم اشتراط اللفظ (و كانه لذلك) الّذي ذكرنا من إرادة المفيد شرط العقد (حكى كاشف الرموز عن المفيد

ص: 110

و الشيخ انه لا بد فى البيع عندهما من لفظ مخصوص و قد تقدم دعوى الاجماع من الغنية على عدم كونها بيعا، و هو نص فى عدم اللزوم و لا يقدح كونه ظاهرا فى عدم الملكية الّذي لا نقول به.

و عن جامع المقاصد: يعتبر اللفظ فى العقود اللازمة بالاجماع

نعم قول العلامة فى التذكرة ان الاشهر عندنا انه لا بد من الصيغة يدل على وجود الخلاف المعتد به فى المسألة و لو كان المخالف شاذا لعبر بالمشهور و كذلك نسبته فى المختلف الى الاكثر و فى التحرير: ان الاقوى ان،

______________________________

و الشيخ انه لا بد فى البيع عندهما من لفظ مخصوص) هذا (و قد تقدم دعوى الاجماع من الغنية على عدم كونها) اى المعاطاة (بيعا، و هو) اى الكلام (نص فى عدم اللزوم) لانه اما ان يريد انه ليس ببيع حقيقة او يريد انه ليس يفيد الملك، و على كلا التقديرين يدل على انه ليس بلازم (و لا يقدح كونه) اى الكلام الغنية (ظاهرا فى عدم الملكية الّذي لا نقول به) اذ المقصود بيان عدم قول احد من العلماء باللزوم.

(و عن جامع المقاصد: يعتبر اللفظ فى العقود اللازمة بالاجماع) فالمعاطاة التى ليس لها لفظ لا لزوم لها.

(نعم قول العلامة فى التذكرة «ان الاشهر عندنا انه لا بد من الصيغة» يدل على وجود الخلاف المعتد به فى المسألة) لان «الاشهر» فى مقابل «غير الاشهر» (و لو كان المخالف شاذا لعبر بالمشهور) اذ «الاشهر» تفضيل فيدل على ان للطرف الآخر أيضا شهرة، بخلاف «المشهور» فان فى مقابله الشاذ، و لذا كثيرا ما يعبر الفقهاء بقولهم «الاشهر بل المشهور» (و كذلك نسبته فى المختلف الى الاكثر) فان ظاهره ان القائل باللزوم أيضا كثير (و فى التحرير: ان الاقوى ان

ص: 111

المعاطاة غير لازمة.

ثم لو فرضنا الاتفاق من العلماء على عدم لزومها مع ذهاب كثيرهم او اكثرهم الى انها ليست مملكة، و انما تفيد الاباحة لم يكن هذا الاتفاق كاشفا اذ القول باللزوم فرع الملكية و لم يقل بها الا بعض من تأخر عن المحقق الثانى، و هذا مما يوهن حصول القطع بل الظن من الاتفاق المذكور لان قول الاكثر بعدم الملك سالبة بانتفاء الموضوع

______________________________

المعاطاة غير لازمة) مما يدل على «ان اللزوم» أيضا له قوة.

(ثم لو فرضنا الاتفاق من العلماء على عدم لزومها) اى لزوم المعاطاة (مع ذهاب كثيرهم او اكثرهم الى انها ليست مملكة، و انما تفيد الاباحة) فقط (لم يكن هذا الاتفاق كاشفا) عن وجود الاجماع على عدم اللزوم على تقدير القول بالملك (اذ القول باللزوم فرع الملكية) اى بافادة المعاطاة الملك (و لم يقل بها) اى بالملكية (الا بعض من تأخر عن المحقق الثانى، و هذا) اى، عدم القول بالملكية الا عن نادر (مما يوهن حصول القطع بل) حصول (الظن من الاتفاق المذكور) فلا يحصل لنا قطع بوجود الاجماع (لأن قول الاكثر بعدم اللزوم سالبة بانتفاء الموضوع) فانهم لا يقولون باللزوم، من باب عدم قولهم بالملك- اصلا- فاذا دل الدليل على الملك، لم يكن دليل على انهم لا يقولون باللزوم على فرض الملك مثلا اذا قام الاتفاق على انه: ليس عالم موجودا فى الدار، لكن كان هذا الاتفاق من باب اتفاقهم على عدم وجود انسان فى الدار- اطلاقا- فاذا وجدنا نحن انسانا فى الدار، لا نتمكن ان ننسب الاجماع على عدم وجود العالم، لانهم انما كانوا يقولون بعدم وجود العالم، لظنهم عدم وجود انسان، اما اذا علموا بوجود الانسان، لا دليل على انهم باقون على رأيهم بعدم وجود العالم .. و الحاصل، ان الاجماع

ص: 112

نعم يمكن ان يقال- بعد ثبوت الاتفاق المذكور- أن اصحابنا بين قائل بالملك الجائز و بين قائل بعدم الملك رأسا فالقول بالملك اللازم قول ثالث فتأمل.

و كيف كان، فتحصيل الاجماع على وجه استكشاف قول الامام من قول غيره من العلماء كما هو طريق المتأخرين مشكل لما ذكرنا و إن كان هذا لا يقدح فى الاجماع على طريق القدماء كما بين فى الاصول.

و بالجملة، فما ذكره فى المسالك من قوله- بعد ذكر قول من اعتبر مطلق اللفظ فى اللزوم- «ما حسنه و ما امتن دليله ان لم يكن اجماع على

______________________________

التقييدى ليس بحجة اذا قام الدليل على وجود الموضوع.

(نعم يمكن ان يقال- بعد ثبوت الاتفاق المذكور-) اى الاتفاق على عدم لزوم المعاطاة (ان اصحابنا بين قائل بالملك الجائز) كالمحقق الثانى و من تبعه (و بين قائل بعدم الملك راسا) كالمشهور (فالقول بالملك اللازم قول ثالث) و هو خلاف الاجماع المركب (فتامل) حيث ان هناك قولا بالملك اللازم أيضا كما حكى عن المفيد و غيره.

(و كيف كان، فتحصيل الاجماع على وجه استكشاف قول الامام من قول غيره من العلماء) بسبب الحدس (كما هو طريق المتأخرين) فى حجية الاجماع فى مقابل حجية الاجماع لطفا او دخولا او ما اشبه (مشكل لما ذكرنا) من عدم الاستكشاف (و إن كان هذا) الاشكال (لا يقدح فى الاجماع على طريق القدماء كما بين فى الاصول) لانهم اذا اتفقوا على انه لا يوجب الملك اللازم فالامام فيهم- دخولا- او لو كان هذا مخالفا للواقع لاظهر الواقع- لطفا.

(و بالجملة، فما ذكره فى المسالك من قوله- بعد ذكر قول من اعتبر مطلق اللفظ فى اللزوم-: ما احسنه و ما امتن دليله ان لم يكن اجماع على

ص: 113

خلافه» فى غاية الحسن و المتانة و الاجماع و ان لم يكن محققا على وجه يوجب القطع الا ان المظنون قويا تحققه على عدم اللزوم مع عدم لفظ دال على إنشاء التمليك سواء لم يوجد لفظ اصلا او وجد و لكن لم ينشأ التمليك به بل كان من جملة القرائن على قصد التمليك بالتقابض.

و قد يظهر ذلك من غير واحد من الاخبار بل يظهر منها ان ايجاب البيع باللفظ دون مجرد التعاطى كان متعارفا بين اهل السوق و التجار بل يمكن دعوى السيرة على عدم الاكتفاء فى البيوع الخطيرة التى يراد بها عدم الرجوع، بمجرد

______________________________

خلافه) انتهى كلام المسالك (فى غاية الحسن و المتانة و الاجماع) الّذي اشار إليه المسالك (و ان لم يكن محققا على وجه يوجب القطع) بوجوده (الا ان المظنون قويا تحققه على عدم اللزوم مع عدم) وجود (لفظ دال على إنشاء التمليك سواء لم يوجد لفظ اصلا) كما لو وضع درهما بإزاء الخباز و أخذ خمسة اقراص (او وجد) اللفظ (و لكن لم ينشأ التمليك به بل كان) اللفظ (من جملة القرائن على قصد التمليك بالتقابض) كما لو قال: بكم تبيع الخبز فقال: كل خبز بعشرة، فاعطى عشرة و اخذ خبزا.

(و قد يظهر ذلك) الّذي ذكرنا من عدم افادة المعاطاة اللزوم، بل اللفظ هو الموجب للزوم البيع (من غير واحد من الاخبار) الآتية بعضها (بل يظهر منها) اى من الاخبار (ان ايجاب البيع باللفظ دون مجرد، التعاطى كان متعارفا بين اهل السوق و التجار) لكن لا يخفى عدم دلالة مثل هذه الاخبار، اذ التعارف لهذا القسم لا ينافى التعارف للتعاطى أيضا كما نشاهد القسمين فى الاسواق فى الحال الحاضر (بل يمكن دعوى السيرة على عدم الاكتفاء فى البيوع الخطيرة التى يراد بها عدم الرجوع بمجرد

ص: 114

التراضي نعم ربما يكتفون بالمصافقة فيقول البائع: بارك الله لك، او ما ادى هذا المعنى بالفارسية. نعم يكتفون بالتعاطى فى المحقرات و لا يلتزمون بعدم جواز الرجوع فيها بل ينكرون على الممتنع عن الرجوع مع بقاء العين.

نعم، الاكتفاء فى اللزوم بمطلق الانشاء القولى غير بعيد للسيرة و لغير واحد من الاخبار- كما سيجي ء إن شاء الله تعالى فى شروط الصيغة-.

بقى الكلام فى الخبر الّذي تمسك به فى باب المعاطاة تارة على عدم افادة المعاطاة إباحة التصرف و اخرى على عدم افادتها.

______________________________

التراضي) «بمجرد» متعلق بقوله «عدم الاكتفاء».

(نعم، ربما يكتفون) فى الامور الخطيرة (بالمصافقة) اى صفق البائع يده على يد المشترى (فيقول البائع: بارك الله لك، او ما ادى هذا المعنى بالفارسية) نحو «خدا مبارك نمايد» .. و ما اشبه.

(نعم، يكتفون بالتعاطى فى المحقرات و لا يلتزمون بعدم جواز الرجوع فيها) بل نظرهم الى جواز الرجوع مهما لم يريدوا المتاع (بل ينكرون على الممتنع عن الرجوع مع بقاء العين) فيقال للممتنع: لما ذا لا تقبل و الجنس بعد موجود؟، لكن لا يخفى ان مثل ذلك جار أيضا حتى فى صورة اجراء العقد و ابرام الامر.

(نعم، الاكتفاء فى اللزوم) فى التعاطى (بمطلق الانشاء القولى غير بعيد للسيرة) المستمرة بين المسلمين (و لغير واحد من الاخبار- كما سيجي ء إن شاء الله تعالى فى شروط الصيغة-) لكن لا يخفى وجود السيرة فى مطلق المعاطاة و لو بدون لفظ- كما تقدم- فتخصيصها بما اذا كان هناك لفظ محل نظر.

(بقى الكلام فى الخبر الّذي تمسك به فى باب المعاطاة تارة على عدم افادة المعاطاة إباحة التصرف) اصلا (و) تارة (اخرى على عدم افادتها)

ص: 115

اللزوم جمعا بينه و بين ما دل على صحة مطلق البيع كما صنعه فى الرياض، و هو قوله عليه السلام: انما يحلل الكلام و يحرم الكلام ..، و توضيح المراد منه يتوقف على بيان تمام الخبر، و هو ما رواه ثقة الاسلام فى باب بيع ما ليس عنده و الشيخ فى باب النقد و النسية عن ابن ابى عمير عن يحيى بن الحجاج عن خالد بن الحجاج او ابن نجيح قال: قلت لابى عبد الله- عليه السلام الرجل يجيئنى و يقول: اشتر لي هذا الثوب و اربحك كذا و كذا فقال- عليه السلام-: أ ليس ان شاء اخذ و ان شاء ترك قلت: بلى، قال عليه السلام:

لا بأس، انما يحلل الكلام و

______________________________

اى المعاطاة (اللزوم) و ان افادت الاباحة، بل الملك (جمعا بينه) اى بين هذا الخبر (و بين ما دل على صحة مطلق البيع) فالمعاطاة لانها بيع، تكون صحيحة مفيدة للملك، و لأنها لا كلام فيها و لا لفظ، فلا تفيد اللزوم، للخبر الآتى الّذي يدير اللزوم مدار الكلام (كما صنعه) اى هذا الجمع (فى الرياض، و) الخبر (هو قوله عليه السلام: انما يحلل الكلام و يحرم الكلام ..،

و توضيح المراد منه يتوقف على بيان تمام الخبر، و هو ما رواه ثقة الاسلام)، الكلينى (فى باب بيع ما ليس عنده) بأن يبيع الانسان ما ليس له (و الشيخ فى باب النقد و النسية عن ابن ابى عمير عن يحيى بن الحجاج عن خالد بن الحجاج او ابن نجيح قال: قلت لابى عبد الله- عليه السلام- الرجل يجيئنى و يقول: اشتر لي هذا الثوب و اربحك كذا و كذا) بمعنى ان يشترى الواسطة الثوب من السوق ثم يعطيه للآمر فيعطيعه الآمر زيادة على مقدار الّذي اشترى (فقال- عليه السلام-: أ ليس) الآمر (ان شاء اخذ) الثوب من المأمور بعد ما اشتراه من السوق (و ان شاء ترك) و لم يشتره حتى يبقى الثوب للآمر؟ (قلت: بلى، قال عليه السلام: لا بأس، انما يحلل الكلام و

ص: 116

يحرم الكلام .. و قد ورد بمضمون هذا الخبر روايات اخر- مجردة عن قوله عليه السلام: انما يحلل .. الخ- كلها تدل على انه لا بأس بهذه المواعدة و المقاولة ما لم يوجب بيع المتاع قبل ان يشتريه من صاحبه.

و نقول ان هذه الفقرة مع قطع النظر عن صدر الرواية تحتمل وجوها.

الاول ان يراد من الكلام فى المقامين اللفظ الدال على التحريم و التحليل بمعنى ان تحريم شي ء و تحليله لا يكون الا بالنطق به فلا يتحقق بالقصد المجرد عن الكلام و لا بالقصد المدلول عليه بالافعال دون الاقوال.

______________________________

يحرم الكلام ..) الى آخر الخبر (و قد ورد بمضمون هذا الخبر روايات، اخر- مجردة عن قوله عليه السلام: انما يحلل .. الخ- كلها تدل على انه لا بأس بهذه المواعدة و المقاولة) مشتقة من القول، لانه مجرد قول و ليس بيعا و عقدا (ما لم يوجب بيع المتاع قبل ان يشتريه من صاحبه) اما اذا اوجب فليس فى الايجاب فائدة بل البيع باطل كما ذكروا ذلك فى الفضولى اما الحرمة التكليفية فلا، اذ الاوامر و النواهى المتعلقة بالمعاملات ظاهرة فى الوضع كما حقق فى محله.

(و نقول ان هذه الفقرة): انما يحلل .. الخ (مع قطع النظر عن صدر الرواية تحتمل وجوها):

(الاول: ان يراد من الكلام فى المقامين) يحلل الكلام و يحرم الكلام، (اللفظ الدال على التحريم و التحليل بمعنى ان تحريم شي ء و تحليله لا يكون الا بالنطق به) اى باللفظ (فلا يتحقق بالقصد المجرد عن الكلام و لا بالقصد المدلول عليه بالافعال دون) المدلول عليه (بالاقوال) مثلا النكاح المحلل، و الطلاق المحرم، انما يتأتيان باللفظ، لا بان يقصدا الزوجية او يقصدا فسخ الزوجية، و لا بان يقصدا الزوجية و يفعلا ما يدل على

ص: 117

الثانى: ان يراد بالكلام اللفظ مع مضمونه- كما فى قولك: هذا الكلام صحيح او فاسد- لا مجرد اللفظ اعنى الصوت و يكون المراد ان المطلب الواحد يختلف حكمه الشرعى حلا و حرمة باختلاف المضامين المؤداة بالكلام، فالمقصود الواحد و هو التسليط على البضع مدة معينة يتأتى بقولها: ملكتك بضعى، او سلطتك عليه او آجرتك نفسى، او احللتها لك و بقولها: متعت نفسى بكذا فما عدا الاخير موجب لتحريمه و الاخير محلل، و على هذا المعنى.

______________________________

قصدهما، فالمراد: اللفظ مؤثر دون القصد و الفعل.

(الثانى: ان يراد بالكلام) فى الفقرتين (اللفظ مع مضمونه- كما فى قولك: هذا الكلام صحيح او فاسد-) تريد اللفظ مع المضمون، اذ الصحة و الفساد من صفات المعنى، اما اذا كان نفس اللفظ ذا خلل، فيقال «اللفظ غلط» مثلا (لا) ان يراد بالكلام، فى الفقرتين (مجرد اللفظ اعنى الصوت) و الفرق بين هذا المعنى و بين المعنى الاول، ان «الاول» يقول:

«المعاملة تحتاج الى اللفظ، و لا يكتفى فيها بالقصد» و هذا يقول:

«اللفظ يختلف تحليلا و تحريما باعتبار اختلاف المضمون» (و يكون المراد) من يحلل الكلام و يحرم الكلام (ان المطلب الواحد يختلف حكمه الشرعى حلا و حرمة باختلاف المضامين المؤداة) تلك المضامين (بالكلام، فالمقصود الواحد و هو التسليط على البضع مدة معينة) مثلا (يتأتى بقولها: ملكتك بضعى، او سلطتك عليه، او آجرتك نفسى، او احللتها لك) فان معنى الجميع التسليط (و) يتأتى أيضا (بقولها: متعت نفسى بكذا) الى الاجل المعلوم (فما عدا) اللفظ (الاخير موجب لتحريمه) اى عدم افادته التحليل (و الاخير محلل، و على هذا المعنى) اى كون كلام محللا و كلام آخر غير

ص: 118

ورد قوله عليه السلام: انما يحرم الكلام، فى عدة من روايات المزارعة، منها ما فى التهذيب عن ابن محبوب عن ابى الربيع الشامى عن ابى عبد الله عليه السلام، عن الرجل يزرع ارضا فيشترط عليه للبذر ثلثا و للبقر ثلثا؟ قال، عليه السلام: لا ينبغى له ان يسمى بذرا و لا بقرا فانما يحرم الكلام و لكن يقول لصاحب الارض: ازرع ارضك و لك منها كذا و كذا نصف او ثلث او ما كان من شرط و لا يسمى بذرا و لا بقرا الخبر.

الثالث: ان يراد بالكلام فى الفقرتين الكلام الواحد و يكون تحريمه و تحليله باعتبار و جوده و عدمه فيكون وجوده محللا و عدمه محرما او بالعكس

______________________________

مفيد للتحليل- مع وحدة المضمون فيهما- (ورد قوله عليه السلام: انما يحرم الكلام، فى عدة من روايات المزارعة، منها ما فى التهذيب عن ابن محبوب عن ابى الربيع الشامى عن ابى عبد الله عليه السلام، عن الرجل يزرع ارضا فيشترط عليه للبذر ثلثا و للبقر ثلثا؟) يعنى و الثلث الآخر من الحاصل لهما الزارع و مالك الارض (قال عليه السلام: لا ينبغى له) اى للزارع (ان يسمى بذرا و لا بقرا فانما يحرم الكلام و لكن يقول لصاحب الارض: ازرع ارضك و لك منها كذا و كذا) كنصف الثلث (نصف او ثلث او ما كان من شرط) اى المقدار الّذي يتبانيان عليه (و لا يسمى بذرا و لا بقرا الخبر) فقول الزارع: «ثلثان لى فى مقابل البذر و البقر و ثلث بيننا» محرم، و قوله: «ثلثان و نصف ثلث لى و نصف ثلث لك» محلل، مع ان المضمون فى كليهما واحد.

(الثالث: ان يراد بالكلام فى الفقرتين) يحلل الكلام و يحرم الكلام (الكلام الواحد) بخلاف «الكلام» على المعنى الثانى فانه يراد بالكلام فى كل فقرة كلا ما غير الكلام فى الفقرة الاخرى- كما عرفت- (و يكون تحريمه و تحليله باعتبار وجوده و عدمه فيكون وجوده) اى وجود هذا الكلام الواحد (محللا و عدمه محرما او بالعكس) اى وجوده محرما و عدمه محللا كالظهار فان وجوده محرم

ص: 119

او باعتبار محله و غير محله فيحلل فى محله و يحرم فى غير محله و يحتمل هذا الوجه الروايات الواردة فى المزارعة.

الرابع: ان يراد من الكلام المحلل خصوص المقاولة و المواعدة و من الكلام المحرم ايجاب البيع و ايقاعه.

ثم ان الظاهر عدم إرادة المعنى الاول- لانه مع لزوم تخصيص الاكثر حيث ان ظاهره حصر اسباب التحليل و

______________________________

و عدمه محلل (او باعتبار محله و غير محله فيحلل فى محله و يحرم فى غير محله) ككون الايجاب قبل القبول فانه محلل و كونه بعد القبول فانه محرم (و يحتمل هذا الوجه) الثالث (الروايات الواردة فى المزارعة) بان يراد «الكلام الواحد» لا «الكلامان»- كما فى المعنى الثانى- و عليه فاذا قال المزارع «الثلثان و النصف لى» محلل فى مكان لم يذكر البذر و البقر، و و محرم فى مكان ذكرهما.

(الرابع: ان يراد من الكلام المحلل خصوص المقاولة و المواعدة) فى نفس محل السؤال (و من الكلام المحرم ايجاب البيع و ايقاعه) فلا يكون الحديث عاما و انما يكون خاصا بمورد السؤال.

(ثم ان الظاهر عدم إرادة المعنى الاول) و هو كون اللفظ فقط محرما و محللا (- لانه مع لزوم تخصيص الاكثر) كالهدايا و الضيافات، و الامور الاخر التى توجب تحليل الحرام و تحريم الحلال كالارث، و الوطي بالنسبة الى بنت الزوجة، و انقلاب الخمر خلا، و غليان العصير و ذهاب ثلثيه، و الجلل و وطى حيوان مأكول اللحم، و استبراء المرأة الحامل، و ايقاب الغلام بالنسبة الى اخته و بنته و أمه، الى غيرها من الاسباب المحرمة و المحللة التى لا تعد .. (حيث ان ظاهره) اى ظاهر الحديث (حصر اسباب التحليل و

ص: 120

التحريم فى الشريعة فى اللفظ- يوجب عدم ارتباطه بالحكم المذكور فى الخبر جوابا عن السؤال مع كونه كالتعليل له لان ظاهر الحكم- كما يستفاد من عدة روايات أخر- تخصيص الجواز بما اذا لم يوجب البيع على الرجل قبل شراء المتاع من مالكه و لا دخل لاشتراط النطق فى التحليل و التحريم فى هذا الحكم اصلا فكيف يعلل به.

و كذا، المعنى الثانى اذ ليس هنا

______________________________

التحريم فى الشريعة فى اللفظ-) و قوله «لانه» علة لقوله «الظاهر» و قوله «حيث» علة لقوله «لزوم» (يوجب عدم ارتباطه) اى ارتباط قوله «انما يحلل .. الخ» (بالحكم المذكور فى الخبر جوابا عن السؤال) الّذي سأله السائل بانه يشترى المتاع لغيره (مع كون) اى «انما يحلل» (كالتعليل له) اى للحكم.

و قد بين المصنف- رحمه الله- وجه عدم الارتباط بين هذه العلة و بين الحكم- بناء على المعنى الاول- بقوله: (لأن ظاهر الحكم) فى مورد هذا السؤال (كما يستفاد من عدة روايات أخر- تخصيص الجواز) باشتراء الوسيط للآمر (بما اذا لم يوجب) الوسيط (البيع على الرجل) الآمر (قبل شراء المتاع من مالكه) فالمحلل و المحرم: بيع الوسيط قبل اشترائه و عدم بيعه، فان باع قبل الاشتراء كان حراما و الا كان حلالا (و لا دخل لاشتراط النطق فى التحليل و التحريم فى هذا الحكم) اى الحكم بالحرمة قبل الاشتراء من مالكه و الحلية بعد الاشتراء (اصلا فكيف يعلل) هذا الحكم (به) اى بقوله «انما يحلل».

(و كذا، المعنى الثانى) لا يرتبط بالسئوال اصلا (اذ ليس هنا) فى

ص: 121

مطلب واحد حتى يكون تأديته بمضمون محللا و بآخر محرما.

فتعين المعنى الثالث و هو: ان الكلام الدال على الالتزام بالبيع لا يحرم هذه المعاملة الا وجوده قبل شراء العين التى يريدها الرجل لانه بيع ما ليس عنده.

و لا يحلل الا عدمه اذ مع عدم الكلام الموجب لالتزام البيع لم يحصل الا التواعد بالمبايعة و هو غير مؤثر.

فحاصل الرواية ان سبب التحليل و التحريم فى هذه المعاملة منحصر فى الكلام عدما و وجودا.

او المعنى الرابع و هو ان المقاولة و المراضاة مع المشترى الثانى قبل اشتراء

______________________________

مقام السؤال (مطلب واحد حتى يكون تأديته بمضمون محللا و بآخر محرما) فان المقاولة- المحللة- و البيع- المحرم- امران، لا انهما امر واحد.

(فتعين المعنى الثالث و هو: ان الكلام الدال على الالتزام بالبيع لا يحرم هذه المعاملة الا وجوده قبل شراء العين التى يريدها الرجل) الآمر، من الشخص الوسيط (لانه بيع ما ليس عنده) و قد ورد فى الحديث: «لا تبع ما ليس عندك» فيما اذا كان شخصيا، لا ما اذا كليا (و لا يحلل الا عدمه اذ مع عدم الكلام الموجب لالتزام البيع لم يحصل الا التواعد بالمبايعة و هو غير مؤثر) فى الاثر المقصود فلا يكون حراما، فانه لم يبع ما ليس عنده حتى يحرم.

(فحاصل الرواية) على هذا المعنى الثانى (ان سبب التحليل و التحريم فى هذه المعاملة) التى يريد الآمر عقدها مع الوسيط (منحصر فى الكلام عدما) للتحليل (و وجودا) للتحريم.

(او المعنى الرابع) عطف على قوله «فتعين المعنى الثالث» (و هو: ان المقاولة و المراضاة مع المشترى الثانى) و هو الآمر للوسيط (قبل اشتراء)

ص: 122

العين محلل للمعاملة و ايجاب البيع معه محرم لها.

و على كلا المعنيين يسقط الخبر عن الدلالة على اعتبار الكلام فى التحليل كما هو المقصود فى مسألة المعاطاة.

نعم يمكن استظهار اعتبار الكلام فى ايجاب البيع بوجه آخر بعد ما عرفت، بان المراد بالكلام هو ايجاب البيع بان يقال: ان حصر المحلل و المحرم فى الكلام لا يتأتى الا مع انحصار ايجاب البيع فى الكلام اذ لو وقع بغير الكلام لم ينحصر المحلل و المحرم فى الكلام

______________________________

الوسيط (العين محلل للمعاملة) بمعنى انه لم يحدث شي ء منهى عنه- و هو بيع ما ليس عنده- (و ايجاب) الوسيط (البيع معه) اى مع المشترى الثانى (محرم لها)

(و على كلا المعنيين) الثالث و الرابع (يسقط الخبر عن الدلالة على اعتبار الكلام فى التحليل) فى المعاطاة حتى انه يدل على انه لو يكن كلام لم يجز التصرف فى ما اخذ بالمعاطاة (كما هو المقصود فى مسألة المعاطاة) هذا كله فيما اذا اريد الاستدلال بجملة «انما يحلل الكلام» وحدها.

(نعم) يمكن الاستدلال بجملة «انما يحلل» بضميمة «السؤال و الجواب» فى كلام السائل و الامام بان يقال: (يمكن استظهار اعتبار الكلام فى ايجاب البيع بوجه آخر) و هذا الاستدلال انما هو (بعد ما عرفت بان المراد بالكلام هو ايجاب البيع) وجه الاستظهار (بان يقال: ان حصر المحلل و المحرم فى الكلام لا يتأتى) و لا يصح (الا مع انحصار ايجاب البيع فى الكلام) حتى ان غير الكلام- كالمعاطاة- لا يفيد التحليل (اذ لو وقع) الحل (بغير الكلام لم ينحصر المحلل و المحرم فى الكلام). فتحصل ان هذا الحديث يمكن الاستدلال به على «عدم افادة المعاطاة حلية التصرف» من جهتين، الاولى: قوله:

ص: 123

الا ان يقال: ان وجه انحصار ايجاب البيع فى الكلام فى مورد الرواية هو عدم امكان المعاطاة فى خصوص المورد اذ المفروض ان المبيع عند مالكه الاول فتأمل.

و كيف كان فلا تخلو الرواية عن اشعار او ظهور

______________________________

«انما يحلل الكلام» و فيه انه ليس المراد منه القاعدة عامة- كما تقدم-، الثانية «ان ايجاب البيع منحصر فى الكلام» و هذا يستفاد من «انما يحلل- بضميمة ما سبقه من السؤال و الجواب-» فيدل على ان غير الكلام لا يوجب البيع (الا ان يقال:) بان هذا الاستظهار أيضا غير تام اذ السبب الناقل- فى مورد الرواية، معقولة، اذ لا سلعة بيد «الوسيط» حتى يعطيها للآمر فيبقى السبب يجب ان يكون امرا معقولا، اما المعاطاة فغير المحلل فى الكلام. فالرواية تدل على صحة المعاطاة لكن فى هذا المورد الخاص، الّذي يكون عدم المعاطاة من باب السالبة بانتفاء الموضوع ف (ان وجه انحصار ايجاب البيع فى الكلام فى مورد الرواية) الّذي هو بيع ما ليس عنده (هو عدم امكان المعاطاة فى خصوص المورد اذ المفروض) فى السؤال و الجواب (ان المبيع عند مالكه الاول) فلا يمكن التعاطى بين الوسيط و الآمر على المبيع (فتأمل) فان كون الحصر اضافيا بالنسبة الى مورد السؤال خلاف الظاهر اذ ظاهر الحصر دائما- كونه حقيقيا الا ان تقدم قرينة على الإضافية- كما قرر فى موضعه-.

(و كيف كان فلا تحلو الرواية عن اشعار او ظهور) فى انحصار سبب

ص: 124

كما يشعر به قوله- عليه السلام- فى رواية اخرى واردة فى هذا الحكم أيضا و هى رواية يحيى بن الحجاج عن ابى عبد الله- عليه السلام-: عن رجل قال لى: اشتر لى هذا الثوب او هذه الدابة و بعنيها ابحك فيها كذا و كذا قال- عليه السلام-: لا بأس بذلك اشترها و لا تواجبه البيع قبل ان تستوجبها او تشتريها. فان الظاهر ان المراد من مواجبة البيع ليس مجرد اعطاء العين للمشترى.

و يشعر به أيضا

______________________________

الحلية فى الكلام (كما يشعر به قوله- عليه السلام- فى رواية اخرى واردة فى هذا الحكم) اى حكم من يريد اشتراء شي ء ليبيعه لمن امره بذلك (أيضا) كالرواية المتقدمة (و هى رواية يحيى بن حجاج عن ابى عبد الله- عليه السلام-: عن رجل قال لى: اشتر لى هذا الثوب او هذه الدابة و بعنيها اربحك عنها كذا و كذا) مقدارا من المال (قال- عليه السلام-: لا بأس بذلك اشترها و لا تواجبه البيع) اى من الآمر (قبل ان تستوجبها) من مالكها (او تشتريها) الترديد اما من الراوى و اما من الامام عليه السلام، و لعل الفرق بناء على كونه من الامام ان الاستيجاب اعم من الشراء، اى قبل ان تأخذ السلعة من صاحبها، او تشترى السلعة منه (فان الظاهر ان المراد من مواجبة البيع) فى قوله عليه السلام «لا تواجبه» (ليس مجرد اعطاء العين للمشترى) اى المعاطاة، لانه غير ممكن، فان الجنس بيد مالكه فكيف يمكن ان يعطيه الوسيط للآمر، فلا بد و ان يراد من قوله عليه السلام «لا تواجبه» لا تجرى العقد، فيكون مفاد هذا الحديث كمفاد الحديث السابق القائل بانه يحلل الكلام و يحرم الكلام.

(و يشعر به أيضا) اى يكون ايجاب البيع باللفظ، و ان الكلام محلل و محرم

ص: 125

رواية العلاء- الواردة فى نسبة الربح الى اصل المال- قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام: الرجل يريد ان يبيع بيعا فيقول: ابيعك بده دوازده فقال عليه السلام: لا بأس انما هذه المراوضة فاذا جمع البيع جعله جملة واحدة.

فان ظاهره على ما فهمه بعض الشراح انه لا يكره ذلك فى المقاولة التى قبل العقد، و انما يكره حين العقد.

______________________________

(رواية العلاء- الواردة فى نسبة الربح الى اصل المال- قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام، الرجل يريد ان يبيع بيعا) بيعا مفعول مطلق تأكيدى نحو «مشى مشيا» و ما اشبه .. (فيقول: ابيعك بده دوازده) يعنى «بعشرة، اثنى عشر» و المراد اخذ ربح اثنين فوق كل عشرة فاذا كان شراؤه مائة باعه بمائة و عشرين (فقال عليه السلام: لا بأس انما هذه، المراوضة) يعنى التراضي و المقاولة، و مفهومه انه ليس ببيع، و لو كان بيعا لم يجز (فاذا جمع البيع) اى عزمه (جعله جملة واحدة) اى قال- مثلا-:

بعتك هذه السلعة بمائة و عشرين، اى فى قبال ان يقول: كل عشرة باثنى عشر (فان ظاهره على ما فهمه بعض الشراح انه لا يكره ذلك) اى قول «ابيعك بده دوازده» (فى المقاولة التى قبل العقد، و انما يكره حين العقد) و كأن المصنف اراد استفادة اشعار الرواية بالاحتياج الى اللفظ من هذه العبارة.

و وجه الاشعار ان قوله «جعله جملة واحدة» الاشكال فيما اذا لم يجعله جملة واحدة، مع ان القصد و التعاطى حاصلان، اذ لو كفى التعاطى لم يضر هذه العبارة «اى: ده دوازده» حتى حين العقد بعد حصول التعاطى.

ص: 126

و فى صحيحة ابن سنان: لا بأس بان تبيع الرجل المتاع ليس عندك تساومه ثم تشترى له نحو الّذي طلب ثم توجبه على نفسك ثم تبيعه منه بعد.

و ينبغى التنبيه على امور:
الأول: الظاهر ان المعاطاة قبل اللزوم- على القول بافادتها الملك- بيع

بل الظاهر من كلام المحقق الثانى فى جامع المقاصد انه مما لا كلام فيه حتى عند

______________________________

(و فى صحيحة ابن سنان: لا بأس بان تبيع الرجل المتاع) فى حالكونه (ليس عندك) بان (تساومه) اى تقاوله و تراوضه (ثم تشترى له نحو الّذي طلب) مما قاولت معه (ثم توجبه على نفسك) اى تشتريه (ثم تبيعه منه بعد) اى بعد ان اشتريته لنفسك.

و وجه الاستظهار من هذه الرواية، باحتياج العقد الى اللفظ، انه لو كان المراد المعاطاة، لم يكن وجه لقوله «ثم تبيعه» اذ التعاطى قبل الاشتراء غير ممكن فان السلعة بيد مالكها فالمراد ان اللفظ المحتاج إليه فى العقد لا يصح ان يقع قبل اشتراء الوسيط، و انما تصح المقاولة، فاذا اشترى جاء باللفظ للعقد.

(و) اذ تم مبحث المعاطاة، و انما بقى انها هل تفيد الملك اللازم، او الملك المتزلزل، او الاباحة المجردة، او لا تفيد شيئا ف (ينبغى التنبيه على امور) ملحقة بهذا المبحث:

(الاول: الظاهر ان المعاطاة قبل اللزوم) بتصرف احد الطرفين فيما انتقل إليه (- على القول بافادتها الملك-) فى مقابل القول بافادتها الاباحة (بيع) خبر «ان» (بل الظاهر من كلام المحقق الثانى فى جامع المقاصد انه) اى كونها قبل اللزوم بيعا (مما لا كلام فيه حتى عند

ص: 127

القائلين بكونها فاسدة كالعلامة فى النهاية.

و دل على ذلك تمسكهم بقوله تعالى: احل الله البيع.

و اما على القول بافادتها للاباحة فالظاهر انها بيع عرفى لم تؤثر شرعا الا الاباحة، فنفى البيع عنها فى كلامهم و معاقد اجماعهم هو البيع المفيد شرعا للزوم زيادة على الملك.

هذا على ما اخترناه سابقا من ان مقصود المتعاطيين فى المعاطاة التمليك و البيع و اما على ما احتمله بعضهم بل استظهره من ان محل

______________________________

القائلين بكونها) معاملة (فاسدة كالعلامة فى النهاية) و ستأتى فائدة كونها بيعا أو لا.

(و دل على ذلك) اى كونها بيعا (تمسكهم) للمعاطاة (بقوله تعالى:

احل الله البيع) اذ لو لم تكن بيعا- عندهم- لم يكن للآية ربط بها.

(و اما على القول بافادتها للاباحة فالظاهر انها) اى المعاطاة (بيع عرفى) لا شرعى (لم تؤثر شرعا الا الاباحة، فنفى البيع عنها) بقولهم: انها ليست بيعا (فى كلامهم و معاقد اجماعهم هو البيع المفيد شرعا للزوم زيادة على الملك) يعنى مرادهم انها ليست بيعا مملكا مفيدا للزوم اما لانه بيع مملك متزلزل، و اما لانه بيع لم يفد الا الاباحة.

(هذا) اى كونه بيعا على كل تقدير سواء افاد الملك المستقر او المتزلزل او صرف الاباحة (على ما اخترناه سابقا من ان مقصود المتعاطيين فى المعاطاة التمليك و البيع) كما هو الظاهر من كلمات الفقهاء، و عليه جرت السيرة فى قبال قول الجواهر الّذي نزل كلامهم على صورة ما ارادا الاباحة.

(و اما على ما احتمله بعضهم) كالجواهر (بل استظهره من ان محل

ص: 128

الكلام هو ما اذا قصدا مجرد الاباحة فلا اشكال فى عدم كونها بيعا عرفا و لا شرعا.

و على هذا فلا بد عند الشك فى اعتبار شرط فيها من الرجوع الى الادلة الدالة على صحة هذه الاباحة العوضية من خصوص او عموم.

و حيث ان المناسب لهذا القول التمسك فى مشروعيته

______________________________

الكلام هو ما ذا قصدا) اى المتعاطيان (مجرد الاباحة فلا اشكال فى عدم كونها) اى المعاطاة (بيعا) لا (عرفا و لا شرعا) لأن المتعاطيين لم يقصدا البيع و لم يدل دليل على ان الشارع جعل هذا التعاطى بيعا على خلاف رغبة المتعاطيين و قصدهم.

(و على هذا) الّذي ذكره من كون الكلام فيما اذا قصدا الاباحة- لا الملك- (فلا بد عند الشك فى اعتبار شرط فيها) اى فى المعاطاة المقصود بها الاباحة- كما اذا شككنا فى ان المعاطاة المفيدة للاباحة تشترط بتقديم اعطاء المثمن على اعطاء الثمن او تشترط بتعدد المعطى و القابل أم يكفى وكالة شخص عنها- مثلا- بمعنى انا شككنا فى انه اذا فقدت المعاطاة هذا الشرط هل تنفع فى الاباحة أم لا؟ (من الرجوع الى الادلة الدالة على صحة هذه الاباحة العوضية من خصوص او عموم) فاذا كان الدليل عاما يشمل ذات الشرط- المشكوك فيه- و غير ذات الشرط، نقول بصحة المعاطاة، العوضية الفائدة لذلك الشرط، و اذا كان الدليل خاصا لا يشمل الا ذات، الشرط، و لو من جهة اجمال فى الدليل، نقول بعدم الاباحة اذا كانت المعاطاة بدون ذلك الشرط المشكوك فيه.

(و حيث ان المناسب لهذا القول) الّذي يقول بان كلام الفقهاء فى المعاطاة المراد بها الاباحة (التمسك فى مشروعيته) اى مشروعية التعاطى

ص: 129

بعموم «الناس مسلطون على اموالهم» كان مقتضى القاعدة هو نفى شرطية غير ما ثبت شرطيته كما انه لو تمسك لها بالسيرة، كان مقتضى القاعدة العكس

و الحاصل ان المرجع على هذا عند الشك فى شروطها هى ادلة هذه المعاملة سواء اعتبرت فى البيع أم لا.

و اما على المختار من ان الكلام فيما قصد به البيع هل يشترط فيه شروط البيع مطلقا أم لا

______________________________

العوضى المفيد للاباحة (بعموم «الناس مسلطون على اموالهم» كان مقتضى القاعدة هو نفى شرطية غير ما ثبت شرطيته) فكل شرط شك فيه، كان الاصل عدمه، لان «الناس مسلطون» عام يشمل الفاقد للشرط (كما انه لو تمسك لها) اى للمشروعية (بالسيرة كان مقتضى القاعدة العكس) و انه يجب مراعاة كل شرط شك فى اعتباره، لانه لا عموم للسيرة، فانه دليل لبّى فاللازم الاخذ بالقدر المتيقن، و هو المعاطاة الواجدة لجميع الشرائط المتيقنة و المشكوكة.

(و الحاصل ان المرجع على هذا) الّذي ذكره الجواهر، من كون الكلام فى المعاطاة المقصود بها الاباحة (عند الشك فى شروطها) اى شروط المعاطاة (هى ادلة هذه المعاطاة) الموجبة للاباحة، و المقصود بها الاباحة (سواء اعتبرت) تلك الشرائط المشكوكة (فى البيع أم لا) اذ ليست هذه المعاطاة- على هذا القول- بيعا حتى يأتى فيها الشرائط المعتبرة فى البيع.

(و اما على المختار) عندنا (من ان الكلام فيما قصد به البيع) من جانب المتعاقدين ف (هل يشترط فيه شروط البيع) باستثناء الصيغة فقط (أم لا)

ص: 130

كذلك أم يبتنى على القول بافادتها للملك و القول بعدم افادتها الا الاباحة وجوه.

يشهد للاول كونها بيعا عرفا فيشترط فيها جميع ما دل على اشتراطه فى البيع.

و يؤيده ان محل النزاع بين العامة و الخاصة فى المعاطاة: هو ان الصيغة معتبرة فى البيع كسائر الشرائط أم لا كما يفصح عنه عنوان المسألة فى كتب كثير من العامة و الخاصة فما انتفى فيه غير الصيغة من شروط البيع خارج عن هذا العنوان و ان فرض

______________________________

يشترط فيه شروط البيع (كذلك) مطلقا (أم يبتنى على القول بافادتها للملك) فيشترط فيه شروط البيع (و القول بعدم افادتها الّا الاباحة) فلا يشترط بشروط البيع (وجوه) و احتمالات.

(يشهد للاول) الّذي هو الاشتراط مطلقا (كونها بيعا عرفا فيشترط فيها جميع ما دل على اشتراطه فى البيع) اى يتأتى فيه كل ما دل- و انما فسرنا «يشترط» ب «يتأتى» لان «يشترط» انما يتعلق ب «الشرط» لا ب «ما دل» و لو قال: «فيشترط فيها جميع ما اشترط فى البيع» كان اوجه.

(و يؤيده) اى الاشتراط (ان محل النزاع بين العامة و الخاصة فى المعاطاة: هو ان الصيغة معتبرة فى البيع كسائر الشرائط) المعتبرة فيه (أم لا) يعتبر الصيغة (كما يفصح عنه) اى يدل على كون النزاع فى الجامع للشرائط- باستثناء الصيغة- (عنوان المسألة فى كتب كثير من العامة و الخاصة) بهذا العنوان الّذي ذكرناه، و على هذا (فما) اى فالبيع الّذي (انتفى فيه غير الصيغة من شروط البيع خارج عن هذا العنوان و ان فرض،

ص: 131

مشاركا له فى الحكم و لذا ادعى فى الحدائق ان المشهور بين القائلين بعدم لزوم المعاطاة صحة المعاطاة المذكورة اذا استكمل شروط البيع غير الصيغة المخصوصة و انها تفيد إباحة تصرف كل منهما فيما صار إليه من العوض و مقابل المشهور فى كلامه قول العلامة رحمه الله فى النهاية بفساد المعاطاة كما صرح به بعد ذلك فلا يكون كلامه موهما لثبوت الخلاف فى اشتراط صحة المعاطاة باستجماع شرائط البيع.

______________________________

مشاركا له) اى لهذا العنوان- الّذي هو تجمع سائر الشرائط- باستثناء الصيغة- (فى الحكم) بان يقال: «ما انتفى فيه الشروط» و «ما كان واجد للشروط باستثناء الصيغة» كلاهما يفيد الاباحة، او الملك المتزلزل (و لذا) الّذي ذكرناه من لزوم اشتمال المعاطاة على جميع الشروط باستثناء الصيغة (ادعى فى الحدائق ان المشهور بين القائلين بعدم لزوم المعاطاة صحة المعاطاة المذكورة) اى التى لا تفيد اللزوم- فليس معنى قولهم:

«بعدم اللزوم» عدم الصحة راسا (اذا استكمل شروط البيع غير الصيغة المخصوصة و انها) اى المعاطاة (تفيد) عند استكمال الشرائط (إباحة تصرف كل منهما فيما صار إليه من العوض) فان عبارته نص فى ان كلامهم فى الجامع للشرائط.

(و مقابل المشهور فى كلامه) اى كلام الحدائق (قوله العلامة رحمه الله فى النهاية بفساد المعاطاة- كما صرح به) اى صرح الحدائق بان قول العلامة مقابل المشهور (بعد ذلك) الكلام المتقدم منه (فلا يكون كلامه موهما لثبوت الخلاف فى اشتراط صحة المعاطاة باستجماع شرائط البيع)، يعنى ان قول الحدائق: «المشهور كذا» يريد به مقابل قول العلامة الّذي يقول بالفساد، حتى مع استجماع الشرائط، لا مقابل انه «فى اشتراط

ص: 132

و يشهد للثانى ان البيع فى النص و الفتوى ظاهر فيما حكم فيه باللزوم و ثبت له الخيار فى قولهم البيعان بالخيار ما لم يفترقا و نحوه.

اما على القول بالإباحة فواضح، لان المعاطاة ليست على هذا القول بيعا فى نظر الشارع و المتشرعة، اذ لا نقل فيها عند الشارع.

______________________________

المعاطاة بالشروط خلاف» حتى يكون هناك من يقول بالصحة و لو بدون الشرائط.

(و يشهد للثانى) اى عدم اشتراط المعاطاة بشروط البيع (ان البيع فى النص و الفتوى ظاهر فيما حكم فيه باللزوم و ثبت له) اى لمباشر البيع (الخيار) ما دام فى المجلس (فى قولهم البيعان بالخيار ما لم يفترقا و نحوه) اى نحو هذا الحديث مما دل على الخيار للعيب و نحوه، و من المعلوم ان المعاطاة ليست كذلك لانها- اما غير مفيدة للملك اصلا- على قول من يقول بالإباحة- و اما غير لازمة- على قول من يقول بالملك المتزلزل- و عليه فالشروط المذكورة للبيع لا ربط لها بالمعاطاة، لان المعاطاة ليست بيعا.

و ان شئت قلت: ان البيع ما فيه لزوم او خيار، و المعاطاة ليس فيه لزوم و لا خيار، لانها على الاباحة لا ملك فكيف باللزوم و على الملك فهو متزلزلة من اصلها لا ان الخيار اوجب تزلزلها.

(اما) كون المعاطاة ليست بيعا- حتى يأتى فيها شروط البيع- (على القول بالإباحة فواضح، لان المعاطاة ليست على هذا القول بيعا فى نظر الشارع و المتشرعة، اذ لا نقل فيها) اى فى المعاطاة، فانها على الاباحة لا توجب نقل العين- و النقل من مقومات البيع- (عند الشارع و المتشرعة) تتبع للشارع و ان شئت قلت: البيع يوجب النقل و المعاطاة

ص: 133

فاذا ثبت اطلاق الشارع عليه فنحمله على الجرى على ما هو بيع باعتقاد العرف لاشتماله على النقل فى نظرهم و قد تقدم سابقا فى تصحيح دعوى الاجماع على عدم كون المعاطاة بيعا بيان ذلك.

و اما على القول بالملك فلأنّ المطلق ينصرف الى الفرد المحكوم باللزوم فى قولهم البيعان بالخيار و قولهم: ان الاصل فى البيع اللزوم و الخيار انما ثبت لدليل

و ان البيع بقول مطلق من العقود اللازمة و قولهم: البيع هو العقد الدال على كذا و نحو كذلك.

______________________________

لا توجب النقل» فالمعاطاة ليست ببيع (فاذا ثبت اطلاق الشارع) لفظ البيع (عليه) اى على التعاطى (فنحمله على الجرى) اى جرى الشارع فى كلامه (على ما هو بيع باعتقاد العرف لاشتماله) اى التعاطى (على النقل فى نظرهم) فالشارع اطلق لفظ البيع عليه جريا على اصطلاح العرف لا انه بيع بنظره (و قد تقدم سابقا فى تصحيح دعوى الاجماع على عدم كون المعاطاة بيعا بيان ذلك) اى بيان ان المراد من البيع فى كلام المشرعة حيث ينفون البيع عن المعاطاة هو البيع الصحيح المحكوم عليه باللزوم.

(و اما على القول بالملك) اى بان المعاطاة تفيد الملك (فلأنّ المطلق) اى اذا اطلق «البيع» (ينصرف الى الفرد المحكوم باللزوم فى قولهم البيعان بالخيار) «فى» متعلق ب «المطلق» (و قولهم: ان الاصل فى البيع اللزوم، و الخيار انما ثبت لدليل) قوله: «و الخيار» مبتدأ خبره «انما ثبت» و هذا من تتمة «قولهم» فان المشهور يقولون: ان الاصل فى كل بيع ان يكون لازما فاذا قام الدليل على الخيار قلنا به و الا كان الاصل عدم الخيار.

(و) قولهم (ان البيع بقول مطلق من العقود اللازمة) «بقول مطلق» يراد به فى مقابل «البيع المقيد» بخيار و نحوه (و قولهم: البيع هو العقد الدال على كذا و نحو ذلك) من عبائرهم التى ذكروا فيها لفظ «البيع»

ص: 134

و بالجملة فلا يبقى للمتأمل شك فى ان اطلاق البيع فى النص و الفتوى يراد به ما لا يجوز فسخه، الا بفسخ عقده بخيار أو بتقايل.

و وجه الثالث ما تقدم للثانى على القول بالإباحة من سلب البيع عنه و للاول على القول بالملك من صدق البيع عليه حينئذ و ان لم يكن لازما.

و يمكن الفرق بين الشرط الّذي ثبت اعتباره فى البيع من النص فيحمل

______________________________

و الحاصل ان «المعاطاة لا تفيد اللزوم» و «البيع لازم» فلا يشترط فى المعاطاة شروط البيع لانها غيره.

(و بالجملة فلا يبقى للمتأمل شك فى ان اطلاق) لفظ (البيع فى النص و الفتوى يراد به ما لا يجوز فسخه، الا بفسخ عقده بخيار او بتقايل) و المعاطاة ليست كذلك، اذ قد عرفت انها تفيد الملك المتزلزل، فليست المعاطاة بيعا حتى تكون مشروطة فيها بشروط البيع.

(و وجه الثالث) و هو التفصيل بين القول بافادة المعاطاة للملك فيشترط فيها شروط البيع و بين افادتها للاباحة فلا يشترط فيها شروط البيع (ما تقدم للثانى) اى فى وجه القول الثانى (على القول بالإباحة من سلب البيع عنه) اى عما افاد الاباحة، و اذ لم تكن المعاطاة المفيدة للاباحة بيعا لم تكن مشروطه بشروط البيع (و للاول) اى فى وجه القول الاول (على القول بالملك من صدق البيع عليه حينئذ) اى حين كانت مفيدة للملك و اذا صدق البيع على المعاطاة كانت مشروطة بشروط البيع (و ان لم يكن) هذا التعاطى المفيد للملك (لازما) بل افاد ملكا متزلزلا.

(و يمكن الفرق بين الشرط الّذي ثبت اعتباره فى البيع من النص) متعلق ب «ثبت» اى كان الشارع اعتبره بالنص عليه (فيحمل

ص: 135

على البيع العرفى و ان لم يفد عند الشارع الا الاباحة، و بين ما ثبت بالاجماع على اعتباره فى البيع بناء على انصراف البيع فى كلمات المجمعين الى العقد اللازم.

و الاحتمال الاول لا يخلو عن قوة، لكونها بيعا ظاهرا على القول بالملك كما عرفت عن جامع المقاصد.

و اما على القول بالإباحة فلانها لم يثبت الا فى المعاملة الفائدة للصيغة فقط فلا تشمل الفاقدة للشرط الآخر أيضا.

ثم

______________________________

على البيع العرفى) فاذا حدث البيع العرفى، كان محلا لذلك الشرط فيعتبر مثل ذلك فى المعاطاة لصدق البيع العرفى عليها (و ان لم يفد) ذلك البيع العرفى (عند الشارع الا الاباحة، و بين ما ثبت بالاجماع على اعتباره) بان دل الاجماع على ذلك الشرط (فى البيع) فانه لا يشترط فى المعاطاة- بناء على القول بانها لا تفيد الملك اللازم- (بناء على انصراف البيع فى كلمات المجمعين الى العقد اللازم) فاذا لم تكن المعاطاة توجب اللزوم لم يكن ذلك الشرط معتبرا فيها.

(و الاحتمال الاول) و هو انه يشترط فى المعاطاة جميع شروط البيع (لا يخلو عن قوة، لكونها بيعا ظاهرا على القول بالملك كما عرفت عن جامع المقاصد) حيث قال بافادة المعاطاة الملك المتزلزل.

(و اما على القول بالإباحة فلانها) اى الاباحة (لم يثبت الا فى المعاملة الفاقدة للصيغة فقط) دون الفاقدة لسائر شرائط البيع (فلا تشمل) الاباحة المعاطاة (الفاقدة للشرط الآخر) غير الصيغة (أيضا) علاوة على فقدها للصيغة.

(ثم) يظهر من بعض الفقهاء اعتبار وجود سائر الشرائط فى المعاطاة

ص: 136

انه حكى عن الشهيد ره فى حواشيه على القواعد انه بعد ما منع من اخراج المأخوذ بالمعاطاة فى الخمس و الزكاة و ثمن الهدى الا بعد تلف العين يعنى العين الاخرى- ذكر انه يجوز ان يكون الثمن و المثمن فى المعاطاة مجهولين لانها ليست عقدا و كذا جهالة الاجل و انه لو اشترى امة بالمعاطاة لم يجز له نكاحها قبل تلف الثمن انتهى و حكى عنه فى باب الصرف أيضا انه لا يعتبر التقابض فى المجلس فى معاطاة النقدين.

اقول: حكمه- قدس سره- بعدم جواز اخراج المأخوذ بالمعاطاة فى الصدقات الواجبة و عدم جواز نكاح المأخوذ بها صريح فى عدم افادتها للملك، الا ان حكمه رحمه الله بعدم اعتبار الشروط المذكورة للبيع و الصرف

______________________________

ف (انه حكى عن الشهيد ره فى حواشيه على القواعد انه- بعد ما منع من اخراج المأخوذ بالمعاطاة فى الخمس و الزكاة و ثمن الهدى) لان هذه الامور لا تكون الا فى الملك (الا بعد تلف العين، يعنى العين الاخرى) المقابلة لهذا الشي ء الّذي يراد اعطائه خمسا او زكاة او هديا (- ذكرانه يجوز ان يكون الثمن و المثمن فى المعاطاة مجهولين لانها) اى المعاطاة، (ليست عقدا) و الجهالة انما تضر العقد، دون غير العقد (و كذا جهالة الاجل) و المدة فى النسية و السلف مثلا (، و انه لو اشترى امة بالمعاطاة لم يجز له نكاحها قبل تلف الثمن) لانه لا وطى الا فى ملك (انتهى. و حكى عنه فى باب الصرف أيضا: انه لا يعتبر التقابض فى المجلس فى معاطاة النقدين) مع ان التقابض شرط فى النقدين اذا كان عقدا.

(اقول: حكمه- قدس سره- بعدم جواز اخراج المأخوذ بالمعاطاة فى الصدقات الواجبة و عدم جواز نكاح) اى وطى (المأخوذ بها) اى بالمعاطاة (صريح فى) ان رأيه (عدم افادتها للملك، الا ان حكمه رحمه الله بعدم اعتبار الشروط المذكورة للبيع و الصرف) من المعلومية و القبض

ص: 137

معلّلا بان المعاطاة ليست عقدا يحتمل ان يكون باعتبار عدم الملك حيث ان المفيد للملك منحصر فى العقد و ان يكون باعتبار عدم اللزوم حيث ان الشرائط المذكورة شرائط للبيع العقدى اللازم.

و الاقوى اعتبارها و ان قلنا بالإباحة لانها بيع عرفى و ان لم يفد شرعا الاباحة و مورد الادلة الدالة على اعتبار تلك الشروط هو البيع العرفى لا خصوص العقدى بل تقييدها بالبيع العقدى تقييد بغير الغالب و لما عرفت من ان الاصل فى المعاطاة بعد القول بعدم الملك الفساد و عدم تاثيرها شيئا

______________________________

فى المجلس، (معلّلا بان المعاطاة ليست عقدا يحتمل ان يكون) هذا التعليل (باعتبار عدم الملك) اصلا (حيث ان المفيد للملك) فى نظره (منحصر فى العقد و ان يكون باعتبار عدم اللزوم) و ان افادت المعاطاة الملك (حيث ان الشرائط المذكورة) المعلومية و القبض (شرائط للبيع العقدى اللازم) و حيث ان المعاطاة لا تفيد اللزوم لا تشترط بهذه الشروط.

(و) لكن (الاقوى اعتبارها) اى الشروط المذكورة (و ان قلنا بالإباحة لانها بيع عرفى و ان لم يفد شرعا الا الاباحة و) ان قلت: اذا لم تكن بيعا عند الشارع فكيف تقولون باعتبار الشرائط فيها؟ قلت: (مورد الادلة الدالة على اعتبار تلك الشروط هو البيع العرفى لا خصوص) البيع (العقدى) و ذلك لان موضوعات الاحكام منزلة منزلة العرفى، الا اذا دل الدليل على تصرف الشارع فى الموضوع زيادة او نقيصة (بل تقييدها) اى تقييد تلك الشروط (بالبيع العقدى تقييد بغير الغالب،) و اللفظ انما يحمل على الغالب (و لما عرفت) هذا عطف على قوله «لانها بيع عرفى» و علة ثانية لاحتياج المعاطاة الى الشروط (من ان الاصل فى المعاطاة بعد القول بعدم الملك الفساد، و عدم تاثيره شيئا،) اصلا حتى الاباحة، لانهما

ص: 138

خرج ما هو محل الخلاف بين العلماء، من حيث اللزوم و العدم و هو المعاملة الجامعة للشروط عدا الصيغة و بقى الباقى.

و بما ذكرنا يظهر وجه تحريم الربا فيها أيضا و ان خصصنا الحكم بالبيع بل الظاهر التحريم حتى عند من لا يراها مفيدة للملك لانها معاوضة عرفية و ان لم يفد الملك بل معاوضة شرعية كما اعترف بها الشهيد رحمه الله فى موضع من الحواشى، حيث قال: ان المعاطاة معاوضة مستقلة جائزة او لازمة انتهى.

______________________________

نويا الملك، فاذا لم يقع ما قصدا، كيف يقع ما لم يقصدا (خرج) من اصل الفساد (ما هو محل الخلاف بين العلماء، من حيث اللزوم و العدم) اى، ان المعاطاة التى اختلفوا فيها فى انها تفيد اللزوم أم لا خرجت عن اصل الفساد (و هو المعاملة الجامعة للشروط عدا الصيغة) فان اصل الفساد لا يشمل هذه المعاطاة (و بقى الباقى) و هى المعاطاة الفاقدة للشروط فانها باقية على اصالة الفساد.

(و بما ذكرنا) من ان المعاطاة بيع عرفى (يظهر وجه تحريم الربا فيها أيضا و ان خصصنا الحكم) بالتحريم للربا (بالبيع) لما عرفت من ان المعاطاة بيع و قوله «و ان» وصلية (بل الظاهر التحريم) للربا فى المعاطاة (حتى عند من لا يراها) اى المعاطاة (مفيدة للملك) و وجه التحريم حتى على الاباحة (لانها معاوضة عرفية و ان لم يفد الملك) فما دل على حرمة الربا فى المعاوضة شامل لها (بل معاوضة شرعية كما اعترف بها) اى بكونها معاوضة شرعية (الشهيد رحمه الله فى موضع من الحواشى، حيث قال: ان المعاطاة معاوضة مستقلة جائزة او لازمة انتهى.) فيشملها قوله سبحانه «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا».

ص: 139

و اما حكم جريان الخيار فيها قبل اللزوم فيمكن نفيه على المشهور لانها جائزة عندهم فلا معنى للخيار و ان قلنا بافادة الملك فيمكن القول بثبوت الخيار فيه مطلقا بناء على صيرورتها بيعا بعد اللزوم كما سيأتى، عند تعرض الملزمات فالخيار موجود من زمان المعاطاة الّا ان اثره يظهر بعد اللزوم

______________________________

اللهم الا ان يقال: ان الظاهر من الآية بقرينة المقابلة كون الربا المحرم فى المعاملة المعهودة.

(و اما حكم جريان الخيار فيها) اى فى المعاطاة بناء على انها تفيد الاباحة او الملك المتزلزل (قبل اللزوم) بتلف الطرف الاخر كما لو اعطى دينارا و اخذ سلعة، ثم اتلف ذلك الطرف الدينار، فانه يلزم التعاطى، و حينئذ لا بائس بالقول بجريان الخيار فى السلعة اذا ظهرت معيبة- مثلا-، لان المعاطاة بتلف الدينار صارت لازمة- و اما قبل تلف الدينار فلا معنى لجريان الخيار اذ التعاطى جائز (فيمكن نفيه) اى الخيار (على المشهور) القائلين بافادة المعاطاة الإباحة (، لأنها جائزة عندهم فلا معنى للخيار و إن قلنا بإفادة) المعاطاة (الملك فيمكن القول بثبوت الخيار فيه مطلقا) سواء افادت الملك المستقر او المتزلزل اما الملك المستقر فواضح و اما المتزلزل (بناء على صيرورتها) اى المعاطات (بيعا بعد اللزوم كما سيأتي، عند تعرض، الملزمات) للمعاطاة (ف) ان قلت: كيف و لا معنى للخيار و الملك متزلزل بنفسه؟ قلت: (الخيار موجود من زمان المعاطاة الّا ان اثره يظهر بعد اللزوم) فان من الممكن ان يكون موضع شي ء مقدما على اثره كما فى خيار الشرط الّذي يشترط اذا لم يعطه المال رأس السنة كان له الخيار.

ص: 140

و على هذا فيصح اسقاطه و المصالحة عليه قبل اللزوم، و يحتمل ان يفصل بين الخيارات المختصة بالبيع فلا تجرى لاختصاص ادلتها بما وضع على اللزوم من غير جهة الخيار و بين غيرها كخيار الغبن و العيب بالنسبة الى الرد دون الارش فتجرى لعموم ادلتها.

و اما حكم الخيار بعد اللزوم

______________________________

(و على هذا) اى وجود الخيار من اوّل وقت المعاطاة (فيصح اسقاطه و المصالحة عليه قبل اللزوم) لانه حق و الحق قابل للاسقاط كما هو قابل للمصالحة (و يحتمل ان يفصّل) فى مسئلة جريان الخيار فى المعاطاة، (بين الخيارات المختصة بالبيع) كخيار المجلس (فلا تجرى لاختصاص ادلتها بما وضع على اللزوم من غير جهة الخيار) اذ المنصرف من دليل الخيار انه انما جعل لاجل تمكن ذى الخيار من التخلص عن البيع اللازم، فاذا قلنا بان المعاطاة ليست لازمة فلا مساغ للخيار فيها (و بين غيرها) اى سائر الخيارات التى تجرى فى البيع و غير البيع (كخيار الغبن و العيب بالنسبة الى الرد دون الارش) اذ الارش خلاف الاصل فيقتصر فيه على موضع اليقين و هو البيع.

و انما كان الارش خلاف الاصل لان المتعاملين انما اجريا البيع بان يكون المثمن الحاصل مقابل للثمن الخاص فاسترداد بعض الثمن مع بقاء المثمن من قبيل الجمع بين العوض و المعوّض لكن لا يخفى ما فى هذا الكلام فان عكسه و هو بقاء كل الثمن لدى البائع مع ان الجنس لا يسوى الا ببعضه كل للمال بالباطل و محل الكلام باب الخيارات (فتجرى) هذه الخيارات التى لا تخص البيع (لعموم ادلتها) فتشمل المعاطاة أيضا.

(و اما حكم الخيار بعد اللزوم) للمعاطاة بتلف احد الطرفين- مثلا-

ص: 141

فسيأتى بعد ذكر الملزمات.

الأمر الثاني أن المتيقن من مورد المعاطاة و هو حصول التعاطى فعلا من الطرفين

فالملك او الاباحة فى كل منهما بالاعطاء فلو حصل الاعطاء من جانب واحد و لم يحصل ما يوجب إباحة الآخر او ملكيته فلا يتحقق المعاوضة و لا الاباحة رأسا لان كلا منهما ملك او مباح فى مقابل ملكه الاخر او اباحته الا ان الظاهر من جماعة من متأخرى المتأخرين- تبعا للشهيد فى الدروس جعله من المعاطاة و لا ريب انه لا يصدق معنى المعاطاة لكن هذا لا يقدح

______________________________

(فسيأتي بعد ذكر الملزمات) للمعاطاة.

(الثانى ان المتيقن من مورد المعاطاة هو حصول التعاطى فعلا من الطرفين) بان يعطى هذه السلعة و يعطى ذاك الثمن (فالملك او الاباحة) على الاختلاف فيما توجبه المعاطاة (فى كل منهما) اى الطرفين (بالاعطاء) الفعلى (فلو حصل الاعطاء من جانب واحد و لم يحصل ما يوجب إباحة الآخر او ملكيته) بان لم يعط الآخذ فى مقابل ما اخذه كما لو اخذ المشترى السلعة من الدكان و لم يعط الثمن- مثلا- و قوله «ملكيته» من المصدر المضاف الى المفعول اى «مملوكيته» (فلا يتحقق المعاوضة) المملكة بين الجانبين (و لا الاباحة رأسا) اى اصلا (لان كلا منهما) اى من العوض و المعوض (ملك او مباح فى مقابل ملكه الاخر او اباحته) فللبائع الثمن فى مقابل كون المشترى يملك او يباح له المثمن فاذا لم يحصل احد الطرفين لم يحصل الطرف الاخر، هذا هو مقتضى المعاطاة (الا ان الظاهر من جماعة من متأخرى المتأخرين- تبعا للشهيد) الاول (فى الدروس جعله من المعاطاة) اى جعل ما يكون الاعطاء من طرف جانب واحد فقط (و) اقول:

(لا ريب انه لا يصدق معنى المعاطاة) اذ المعاطاة مصدر باب المفاعلة و هذا الباب لا يصدق المعاطاة لغة على اعطاء طرف واحد فقط (لا يقدح فى جريان حكمها) اى المعاطاة (عليه) اى على اعطاء طرف واحد فقط،

ص: 142

فى جريان حكمها عليه بناء على عموم الحكم لكل بيع فعلى فيكون اقباض احد العوضين من مالكه تمليكا له بعوض او مبيحا له به و اخذ الاخر له تملكا بالعوض او إباحة له بإزائه فلو كان المعطى هو الثمن كان دفعه- على القول بالملك و البيع اشتراء و اخذه بيعا للمثمن به فيحصل الايجاب و القبول الفعليان يفعل واحد فى زمان واحد

______________________________

(فى جريان حكمها) اى المعاطاة (عليه) اى على اعطاء طرف واحد دون الطرف الاخر (بناء على عموم الحكم) اى حكم المعاطاة- من ملك او إباحة (لكل بيع فعلى) فى مقابل البيع القولى (فيكون اقباض احد العوضين من مالكه) او وكيله- مثلا- (تمليكا له) اى لاحد العوضين (بعوض او مبيحا) ذلك المالك (له) اى لاحد العوضين (به) اى بالعوض الاخر (و اخذ الاخر له) كاعطاء البائع و اخذ المشترى (تمليكا له) اى لاحد العوضين (بالعوض) الاخر (او إباحة له) اى يأخذ بعنوان انه مباح له (بإزائه) اى بمقابل العوض.

ثم ان قوله «تمليكا» الخ خبر «فيكون» (و ليس حلالا)- كما لا يخفى (فلو كان المعطى) بصيغة المفعول (هو الثمن) كأن دفع المشترى الى البائع دينارا، و لم يأخذ السلعة (كان دفعه) من المشترى (- على القول بالملك) اى بايجاب المعاطاة البيع (و البيع) اى على القول بان المعاطاة بيع (اشتراء) خبر «كان» اى ان المشترى بهذا الدفع يكون شاريا للسلعة من البائع (و اخذه) اى اخذ البائع هذا للثمن (بيعا للمثمن به) اى بمقابل هذا الثمن (فيحصل الايجاب و القبول الفعليان بفعل واحد) هو «الاخذ من البائع و الاعطاء من المشترى» (فى زمان واحد) فى مقابل ما ذا كان اعطاء للطرفين فانه يكون فى زمانين زمان الاخذ و زمان الاعطاء.

ص: 143

ثم صحة هذا على القول بكون المعاطاة بيعا مملكا واضحة اذ يدل عليها ما دل على صحة المعاطاة من الطرفين.

و اما على القول بالإباحة فيشكل بانه بعد عدم حصول الملك بها لا دليل على تأثيرها فى الاباحة.

اللهم الا ان يدعى السيرة عليها كقيامها على المعاطاة الحقيقة

______________________________

(ثم صحة هذا) النحو من المعاطاة ذات الطرف الواحد (على القول بكون المعاطاة بيعا مملّكا واضحة) كما تصح النسيئة و السلف مع ان الاعطاء يكون من جانب واحد- فيما اذا كان بالصيغة- كذلك تصحان فيما اذا كان الاعطاء من جانب واحد، بدون الصيغة (اذ يدل عليها) اى على المعاطاة- حينئذ- (ما دل على صحة المعاطاة من الطرفين) مثل أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ منتهى الامر ان احدهما مع اللفظ و الاخر بدون لفظ.

(و اما) الصّحة (على القول بالإباحة فيشكل بانه بعد عدم حصول الملك بها) اى بالمعاطاة (لا دليل على تأثيرها فى الاباحة) فان دليل المعاطاة لا يشمل طرفا واحدا، و قد فرض عدم شمول ادلة الملك أيضا فلا دليل على صحة المعاطاة ذات الطرف الواحد.

(اللهم الا ان يدعى السيرة عليها) اى على المعاطاة ذات الطرف، الواحد (كقيامها) اى السيرة (على المعاطاة الحقيقية) فان المتعارف ان يذهب المشترى الى دكان الخباز ليأخذ خبزا بدون ان يعطيه الثمن او يعطى درهما ليرسل له الخبز مثلا و هكذا فى بعض الاجناس الاخر.

ص: 144

و ربما يدعى انعقاد المعاطاة بمجرد ايصال الثمن و اخذ المثمن من غير صدق اعطاء اصلا فضلا عن التعاطى كما تعارف اخذ الماء مع غيبة السقاء و وضع الفلس فى المكان المعد له اذا علم من حال السقاء الرضا بذلك و كذا غير الماء من سائر المحقرات كالخضريات و نحوها.

و من هذا القبيل دخول الحمام و وضع الاجرة فى كوز صاحب الحمام مع غيبته.

______________________________

(و ربما يدعى انعقاد المعاطاة ب) بامر ليس فيه اخذ و اعطاء اصلا حتى من جانب واحد- كما لو كان (مجرد ايصال الثمن و اخذ المثمن من غير صدق اعطاء اصلا) و لو من جانب واحد (فضلا عن) صدق (التعاطى كما تعارف اخذ الماء مع غيبة السقاء و وضع الفلس فى المكان المعد له اذا علم من حال السقاء الرضا بذلك و كذا غير الماء من سائر المحقرات كالخضريات و نحوها) فى مقابل بيع الدار و البستان و ما اشبه و كثير من المعاملات الغربية الآن تجرى على هذا النمط اذ يضع المال فى محل خاص فيخرج الحاجة التى يريدها، بل يصرف المحل المال و يرد البقية بسبب الكهرباء التلقائية المعبر عنها «بالاوتوماتيكية» بل من هذا القبيل اذا صار غير المحقرات أيضا كذلك كالدور التى تبنيها الشركات فاذا وضع الثمن فى مكان خاص خرج للطالب حجة الملك الى واضع المال- نعم لا سيرة عند المسلمين على ذلك-.

(و من هذا القبيل) و ان لم يكن من باب البيع (دخول الحمام و وضع الاجرة فى كوز صاحب الحمام مع غيبته) او وضع المال فى محل معد للنداء التلفونى و ما اشبه ذلك مما هو الآن كثير جدا و يكون من قبيل الاجارة.

ص: 145

فالمعيار فى المعاطاة وصول العوضين او احدهما مع الرضا بالتصرف و يظهر ذلك من المحقق الاردبيلى أيضا فى مسألة المعاطاة و سيأتى توضيح ذلك فى مقامه إن شاء الله تعالى.

ثم انه لو قلنا بان اللفظ غير المعتبر فى العقد كالفعل فى انعقاد المعاطاة، امكن خلو المعاطاة من الاعطاء و الايصال رأسا فيتقاولان على مبادلة شي ء بشي ء من غير ايصال. و لا يبعد صحته مع صدق البيع عليه بناء على الملك.

______________________________

(فالمعيار فى المعاطاة وصول العوضين او احدهما) و الوصول لا يلزم ان يكون الى الطرف بل الى جهته كدكّانه و ما اشبه كما عرفت فى الامثلة المتقدمة.

(و يظهر ذلك) اى انه يكفى وصول احد الطرفين فى صدق المعاطاة، (من المحقق الاردبيلى أيضا فى مسئلة المعاطاة و سيأتي توضيح ذلك فى مقامه إن شاء الله تعالى).

(ثم انه لو قلنا بان اللفظ غير المعتبر) شرعا كصورة تقديم القبول على الايجاب او اللفظ غير العربى- اذا شرطنا العربية- (فى العقد) اى فى عقد البيع (كالفعل) اى التعاطى (فى انعقاد المعاطاة امكن خلو المعاطاة من الاعطاء و الايصال راسا) بان يكون هناك لفظ مجرد بدون كونه جامعا لشرائط العقد، حتى يكون بيعا بالصيغة، و لا كونه اعطاء او ايصالا حتى يكون معاطاة فعلية، (ف) مثلا (يتقاولان على مبادلة شي ء بشي ء من غير ايصال) للمال (و لا يبعد صحته مع صدق البيع عليه بناء على الملك) اى افادة المعاطاة للملك و ليس هذا من بيع الكالى بالكالى الباطل اذ هو فيما اذا كان السلعة و المال نسيئة و هذا نقد منتهى الامر لم يسلم الطرفان فى المجلس.

ص: 146

و اما على القول بالإباحة فالإشكال المتقدم هنا آكد

الثالث: تميز البائع من المشترى فى المعاطاة الفعلية

مع كون احد العوضين مما تعارف جعله ثمنا كالدراهم و الدنانير و الفلوس المسكوكة واضح فان صاحب الثمن هو المشترى ما لم يصرح بالخلاف.

و اما مع كون العوضين من غيرها فالثمن ما قصدا قيامه مقام الثمن فى العوضية فاذا اعطى الحنطة فى مقابل اللحم قاصدا ان

______________________________

(و اما على القول ب) افادة المعاطاة (الاباحة فالاشكال المتقدم) فى قولنا «ثم صحة هذا على القول بكون المعاطاة بيعا مملكا» الخ (هنا آكد) لان فى السابق كان ايصال للمال و هنا لا ايصال اصلا (الثالث تميز البائع من المشترى فى المعاطاة الفعلية مع كون احد العوضين مما تعارف جعله ثمنا كالدراهم و الدنانير و الفلوس المسكوكة واضح) بخلاف، المعاملات القولية فانها لا تحتاج الى التميز بذلك بل التميز يقع باللفظ، فان البائع هو الّذي يقول: بعت و المشترى هو الّذي يقول اشتريت، او قبلت

اللهم الا اذا قلنا فيما اذا لم يقصدا البائعية و المشتريئية و صح ان يقول كل منهما بعت اذ البيع لغة و الشراء بمعنى واحد ثم انه انما نحتاج الى تميز البائع من المشترى لاجل بعض الخيارات كخيار الحيوان على المشهور من عدم جريانه بالنسبة الى البائع. و كيف كان (فان صاحب الثمن هو المشترى ما لم يصرح بالخلاف) كان يقول: بعتك الدينار بهذه الشاة فيقول صاحبها قبلت.

(و اما مع كون العوضين من غيرها) او كانا النقدين (فالثمن ما قصدا قيامه مقام الثمن فى العوضية فاذا اعطى الحنطة فى مقابل اللحم قاصدا ان

ص: 147

هذا المقدار من الحنطة يسوى درهما هو ثمن اللحم، فيصدق عرفا انه اشترى اللحم بالحنطة و اذا انعكس انعكس الصدق فيكون المدفوع بنية البدلية عن الدينار و الدرهم هو الثمن، و صاحبه هو المشترى و لو لم يلاحظ الا كون احدهما بدلا عن الاخر من دون نية قيام احدهما مقام الثمن فى العوضية او لوحظ القيمة فى كليهما بان لوحظ كون المقدار من اللحم بدرهم و ذلك المقدار من الحنطة بدرهم فتعاطيا من غير سبق مقاولة تدل على كون احدهما بالخصوص

______________________________

هذا المقدار من الحنطة يسوّى درهما هو ثمن اللحم، فيصدق عرفا انه اشترى اللحم بالحنطة) فيكون اللحم مثمنا و الحنطة ثمنا (و اذا انعكس) بان قصد ان هذا المقدار من اللحم يسوى درهما (انعكس الصدق) فيكون اللحم ثمنا، و كذا فيما اذا اعطى عشرة دراهم فى مقابل دينار فان قصد كون الدينار كالخبز- الّذي يسوى بعشرة دراهم- كان الدينار مثمنا، و ان قصد كون الدينار كذلك كان الدينار ثمنا (فيكون المدفوع بنية البدلية عن الدينار و الدرهم هو الثمن، و صاحبه هو المشترى) هذا فيما اذا قصدا البدلية و لو لاحظ احدهما دون الاخر ففى كونه كالاول الّذي ذكرناه او كالآتي اى الّذي لم يلاحظ احدهما او كونه بالنسبة الى الملاحظ بيعا و شراء و بالنسبة الى غير الملاحظ معاملة مستقلة احتمالات (و لو لم يلاحظ)- بصيغة المجهول- فى المعاطاة (الا كون احدهما بدلا عن الاخر من دون نية قيام احدهما مقام الثمن فى العوضية) فكان كل واحد منهما مثمنا- لانه مقتضى كونهما سلعة- (او لوحظ القيمة فى كليهما بان لوحظ كون المقدار من اللحم بدرهم و ذلك المقدار من الحنطة بدرهم) أيضا (فتعاطيا) بعنوان مقابلة درهم بدرهم (من غير سبق مقاولة تدل على كون احدهما بالخصوص

ص: 148

بائعا ففى كونه بيعا و شراء بالنسبة الى كل منهما بناء على ان البيع لغة- كما عرفت- مبادلة مال بمال و الاشتراء ترك شي ء و الاخذ بغيره- كما عن بعض اهل اللغة- فيصدق على صاحب اللحم انه باعه بحنطة و انا اشترى الحنطة فيحنث لو حلف على عدم بيع اللحم و عدم شراء الحنطة

نعم لا يترتب عليهما احكام البائع و المشترى، لانصرافهما فى ادلة تلك الاحكام الى من اختص بصفة البيع و الشراء فلا يعم من كان فى معاملة واحدة مصداقا لهما باعتبارين او كونه بيعا.

______________________________

بائعا) و الاخر مشتريا (ففى كونه بيعا و شراء بالنسبة الى كل منهما) فكل واحد بائع باعتبار و مشتر باعتبار آخر (بناء على ان البيع لغة- كما عرفت-) فى اوّل مبحث البيع (مبادلة مال بمال و الاشتراء ترك شي ء و الاخذ بغيره- كما عن بعض اهل اللغة-) فيصدق هذان التعريفان على كل من صاحب اللحم و صاحب الحنطة (فيصدق على صاحب اللحم ان باعه بحنطة و انه اشترى الحنطة) باللحم (فيحنث لو حلف على عدم بيع اللحم و عدم شراء الحنطة) لانه بائع و مشتر فى حال واحد بل تكون عليه كفارتان لو حلف مرتين مرة على عدم بيع اللحم و مرة على عدم شراء الحنطة.

(نعم لا يترتب عليهما) اى صاحبى اللحم و الحنطة (احكام البائع و لا المشترى، لانصرافهما فى ادلة تلك الاحكام الى من اختص بصفة البيع و الشراء) بان كان بايعا فقط او مشتريا فقط، اما الاحكام الشاملة لهما كقوله عليه السلام: «البيعان بالخيار ما لم يفترقا» و ما اشبه فيعمهما (فلا يعم) الاحكام الخاصة باحدهما (من كان فى معاملة واحدة مصداقا لهما) اى للبائع و المشترى (باعتبارين) فباعتبار انه معطى للحم بايع و باعتبار انه اخذ للحنطة مشتر (او كونه) عطف على قوله «ففى كونه بيعا و شراء» (بيعا

ص: 149

بالنسبة الى من يعطى أولا لصدق الموجب عليه و شراء بالنسبة الى الآخذ لكونه قابلا عرفا او كونها معاطاة مصالحة لانها بمعنى التسالم على شي ء و لذا حملوا الرواية الواردة فى قول احد الشركين لصاحبه: لك ما عندك و لى ما عندى، على الصلح او كونها معاوضة مستقلة لا يدخل تحت العناوين المتعارفة وجوه لا يخلو ثانيها عن قوة، لصدق تعريف البائع لغة و عرفا على الدافع أوّلا دون الاخر و صدق المشترى على الاخذ أوّلا دون الاخر فتدبر.

______________________________

بالنسبة الى من يعطى أولا لصدق الموجب عليه) عرفا (و شراء بالنسبة الى الاخذ) أو لا (لكونه قابلا عرفا) فيما اذا اعطى احدهما أولا- لا اذا تحقق الاخذ و الاعطاء فى آن واحد- (او كونها معاطاة مصالحة) لا معاطاة بيع (لانها بمعنى التسالم على شي ء و لذا) الّذي كان التصالح بمعنى التسالم (حملوا الرواية الواردة فى قول احد الشريكين لصاحبه: لك ما عندك و لى ما عندى، على الصلح) لا على البيع (او كونها معاوضة مستقلة) جديدة لا بيعا و لا صلحا (لا يدخل تحت العناوين المتعارفة) فيشمله قوله تعالى:

«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» او «تجارة عن تراض منكم» (وجوه) أربعة (لا يخلو ثانيها) اى كونه بيعا الى من يعطى أولا (عن قوة، لصدق تعريف البائع لغة و عرفا على الدافع أولا دون الاخر) الدافع ثانيا (و صدق المشترى على الاخذ أولا دون الاخر فتدبر) بانه:

أولا لا يتحقق فى صورة المعاطاة العرفية بان اعطى كل منهما فى آن اخذه من الاخر.

و ثانيا الصدق العرفى محل اشكال بعد ان لم يكن احدهما ثمنا و لا قصدا ذلك لان الثمن يعطى أولا و ثانيا أ رأيت ان مشترى الخبز قد

ص: 150

الرابع: أن أصل المعاطاة و هي إعطاء كل منهما الآخر ماله يتصور بحسب قصد المتعاطين على وجوه:
أحدها: أن يقصد كل منهما تمليك ماله بمال الآخر

فيكون الاخر فى اخذه قابلا و متملكا بإزاء ما يدفعه، فلا يكون فى دفعه العوض إنشاء تمليك بل دفع لما التزمه على نفسه بإزاء ما تملكه فيكون الايجاب و القبول بدفع العين الاولى و قبضها فدفع العين الثانية خارج عن حقيقة المعاطاة فلو مات الآخذ قبل دفع ماله مات بعد تمام المعاطاة و بهذا الوجه

______________________________

يعطى الثمن أوّلا ثم يأخذ الخبز فدعوى الصدق العرفى فضلا عن الشرعى محل اشكال.

(الرابع: ان اصل المعاطاة و هى اعطاء كل منهما الاخر ماله يتصور بحسب قصد المتعاطين على وجوه) تسعة، حاصلة من ضرب ابدال كل من التمليك و الاباحة و نفس العين بالآخر، مثلا قد يكون ابدال تمليك بتمليك او تمليك باباحة، او تمليك بعين، و كذلك قل بالنسبة الى الاباحة و نفس العين.

(احدها: ان يقصد كل منهما تمليك ماله بمال الاخر فيكون الاخر فى اخذه قابلا و متملكا بإزاء ما يدفعه، فلا يكون فى دفعه العوض إنشاء تمليك) جديد- بخلاف صورة كون التمليك فى مقابل التمليك- (بل دفع لما التزمه على نفسه بإزاء ما تملكه فيكون الايجاب و القبول بدفع العين الاولى و قبضها) و عليه (فدفع العين الثانية) من الشخص الاخر (خارج عن حقيقة المعاطاة ف) النتيجة انه (لو مات الآخذ) كعمرو (قبل دفع ماله) الّذي هو الدينار (مات بعد تمام المعاطاة و بهذا الوجه) اى وجه حصول المعاطاة بطرف

ص: 151

صحّحنا سابقا عدم توقف المعاطاة على قبض كلا العوضين فيكون اطلاق المعاطاة عليه من حيث حصول المعاملة فيه بالعطاء دون القول لا من حيث كونها متقوّمة بالعطاء من الطرفين.

و مثله فى هذا الاطلاق لفظ المصالحة و المساقاة و المزارعة و المؤاجرة و غيرها.

و بهذا الاطلاق يستعمل المعاطاة فى الرهن و القرض و الهبة و ربما يستعمل فى المعاملة الحاصلة

______________________________

واحد (صحّحنا سابقا) فى الامر الثانى (عدم توقف المعاطاة على قبض كلا العوضين) بل يكفى قبض احدهما (فيكون اطلاق المعاطاة عليه) مع ان المعاطاة مصدر باب المفاعلة الظاهرة فى كونها بين اثنين- كما تقدم- (من حيث حصول المعاملة فيه بالعطاء دون) حصول المعاملة ب (القول) و اللفظ (لا من حيث كونها متقوّمة بالعطاء من الطرفين) لانه لا طرفين فيها.

(و مثله) اى لفظ المعاطاة فى المقام (فى هذا الاطلاق) على ما كان له جانب واحد (لفظ المصالحة و المساقاة و المزارعة و المؤاجرة و غيرها) حيث ان الموجود لفظ «الصلح» و «السقى» و «الزراعة» و «الاجارة» لا ان الامر من الطرفين، اذ احدهما موجب و الاخر قابل لا ان كل واحد منهما يفعل عين ما يفعله الاخر- كما فى المضاربة- فانه يضرب كل واحد منهما الاخر.

(و بهذا الاطلاق) اى وجود المبدأ العطائى لا كون الامر من الطرفين (يستعمل المعاطاة فى الرهن و القرض و الهبة) فيقال «الرهن المعاطاتى» مثلا مع انه لا يعطى كل واحد منهما جنسه رهنا، بل الراهن متقدم بالرهن و القبول (و ربما يستعمل) لفظ المعاطاة (فى المعاملة الحاصلة

ص: 152

بالفعل و لو لم يكن عطاء و فى صحته تامل.

ثانيها: أن يقصد كل منهما تمليك الآخر ماله بإزاء تمليك ماله اياه

فالمقابلة بين التمليكين لا الملكين و المعاملة متقومة بالعطاء من الطرفين فلو مات الثانى قبل الدفع لم يتحقق المعاطاة و هذا بعيد عن معنى البيع و قريب الى الهبة المعوضة، لكون كل من المالين خاليا عن العوض لكن اجراء حكم الهبة المعوضة عليه مشكل، اذ لو لم يملكه الثانى هنا

______________________________

بالفعل) كأن اخذ زيد مال عمرو، و اخذ عمرو مال زيد (و لو لم يكن عطاء) من المالك و الحاصل ان «المعاطاة» قد يصدق بدون «التعاطى» و قد يصدق بدون «العطاء» اصلا (و فى صحته تأمل) لانه لا إنشاء تمليك قولا و لا فعلا، اما قولا فواضح، و اما فعلا فلان المالك لم يعط شيئا و انما اخذ الطرف ماله.

(ثانيها: ان يقصد كل منهما تمليك الاخر ماله بإزاء تمليك) الاخر (ماله اياه) فيملك محمدا داره عليا فى مقابل تمليك على الف دينار لمحمد (فالمقابلة بين التمليكين لا الملكين) اى الفعل يقع فى مقابل الفعل لا ان العين تقع فى مقابل العين (و المعاملة متقومة بالعطاء من الطرفين فلو مات الثانى قبل الدفع) و التمليك (لم يتحقق المعاطاة)- بمعناها اللغوى- اذ العطاء و التمليك صار من جانب واحد (و هذا) القسم اى المقابلة بين التمليكين (بعيد عن معنى البيع) اذ المقابلة فى البيع بين العوضين، لا الفعلين (و قريب الى الهبة المعوضة، لكون كل من المالين خاليا عن العوض) قوله «لكون» علة لقوله «بعيد»، (لكن اجراء حكم الهبة المعوضة عليه) أيضا (مشكل، اذ لو لم يملكه الثانى هنا) فى باب

ص: 153

لم يتحقق التمليك من الاول لانه انما ملكه بإزاء تمليكه فما لم يتحقق تمليك الثانى لم يتحقق تملكه الا ان يكون تمليك الاخر له ملحوظا عند تمليك الاول على نحو الداعى لا العوض فلا يقدح تخلفه.

فالاولى ان يقال: انها مصالحة و تسالم على امر معين او معاوضة مستقلة

ثالثها: ان يقصد الأول إباحة ماله بعوض

______________________________

التمليك (لم يتحقق التمليك من الاول) و الهبة المعوضة ليست كذلك اذ تتحقق الهبة و ان لم يتحقق العوض (لانه انما ملكه بإزاء تمليكه) فمحمد انما ملك عليا بإزاء ملك على اياه (فما لم يتحقق تمليك الثانى لم يتحقق تملكه) اى تملك الثانى لان التمليك فى مقابل التمليك (الا ان يكون تمليك الاخر) كعلي (له) للاول كمحمد- فى المثال- (ملحوظا عند تمليك الاول) كمحمد (على نحو الداعى لا العوض) كما لو كان داعى محمد فى تمليك على ان يملكه على الف دينار بان كان تمليك محمد له بلا مقابل و حينئذ يمكن ان يقال: انه من قبيل الهبة المعوضة (ف) حينئذ الّذي كان بنحو الداعى (لا يقدح تخلفه) فى تمليك عليّ للدار- مثلا- كما قرر فى سائر مباحث تخلف الداعى كما لو اشترى الخبز بداعى وجود الضيف ثم تبين ذهابهم او اشترى الدواء بداعى سقيه المريض ثم تبين شفائه قبل ذلك.

(فالاولى ان يقال: انها) اى التمليك فى مقابل التمليك (مصالحة و تسالم على امر معين) و الصلح جائز بين المسلمين سواء افاد فائدة احدى المعاملات المعروفة أم لا (او معاوضة مستقلة) و نقول بصحة مثل هذه المعاوضات لاطلاق ادلة تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و امثال ذلك.

(ثالثها: ان يقصد الاول) كمحمد (إباحة ماله) الدار (بعوض) هو

ص: 154

فيقبل الاخر باخذه اياه فيكون الصادر من الاول الاباحة بالعوض و من الثانى بقبوله لها التمليك كما لو صرح ابحت لك كذا بدرهم

رابعها أن يقصد كل منهما الإباحة بإزاء إباحة أخرى

فيكون إباحة بإزاء إباحة او إباحة لداعى إباحة على ما تقدم نظيره فى الوجه الثانى من امكان تصوّره على نحو الدّاعى و على نحو العوضية.

و كيف كان فالاشكال فى حكم القسمين الاخيرين على فرض قصد المتعاطين لهما.

______________________________

الف دينار (فيقبل الاخر) كعلى (باخذه اياه) المال (فيكون الصادر من الاول الاباحة بالعوض و) الصادر (من الثانى بقبوله لها التمليك) اى يصدر من الثانى تمليك الف دينار فى ضمن قبوله للاباحة، فمعنى قبول على دار محمد تمليكه لالف دينار فقوله «التمليك» خبر «يكون» اى «يكون الصادر من الثانى التمليك بضمن قبوله للاباحة من الاول» (كما لو صرح) الاول بقوله (ابحت لك كذا بدرهم) فقال الثانى قبلت (رابعها ان يقصد كل منهما الاباحة بإزاء إباحة اخرى فيكون إباحة بإزاء إباحة) كما لو قال ابحت دارى فى قبال اباحتك دنانيرك (او إباحة لداعى إباحة) كما لو إباحة الدار و كان داعيه فى هذه الاباحة ان يبيح له دنانيره (على ما تقدم نظيره) اى نظير الاباحة فى قبال إباحة، او فى الداعى الاباحة (فى الوجه الثانى من امكان تصوره على نحو الدّاعى و على نحو العوضية) اما سائر الوجوه التسعة فتعرف من هذه الوجوه فلا حاجة الى تفصيل الكلام حولها.

(و كيف كان فالاشكال فى حكم القسمين الاخيرين) الثالث و الرابع (على فرض قصد المتعاطيين لهما) قوله «فالاشكال» مبتدأ حذف خبره اى «واقع»

ص: 155

و منشأ الاشكال: أوّلا الاشكال فى صحة إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على ملكية المتصرف بان يقول: ابحت لك كل تصرف من دون ان يملكه العين، و ثانيا الاشكال فى صحة الاباحة بالعوض الراجعة الى عقد مركب من إباحة و تمليك.

فنقول: اما إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك فالظاهر انه لا يجوز اذ التصرف الموقوف على الملك لا يسوغ لغير المالك بمجرد اذن المالك فان اذن المالك ليس مشرعا و انما يمضى فيما يجوز شرعا فاذا كان بيع الانسان مال غيره لنفسه بان يملك الثمن مع خروج المبيع عن ملك غيره غير معقول، كما صرح به العلامة فى

______________________________

(و منشأ الاشكال: أوّلا الاشكال فى صحة إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على ملكية التصرف) كالوطى و الهبة و العتق و ما اشبه (بان يقول:

ابحت لك كل تصرف من دون ان يملكه العين) و قد تقدم هذا الاشكال فى اوّل المعاطاة.

(و ثانيا: الاشكال فى صحة الاباحة بالعوض الراجعة الى عقد مركب من إباحة و تمليك،) اذ يبيح الاول ماله بإزاء تمليك الثانى اياه (فنقول: اما) الاشكال الاول اى (إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك فالظاهر انه لا يجوز اذ التصرف الموقوف على الملك لا يسوغ لغير المالك بمجرد اذن المالك) فانه لا حق للمالك الى هذا المقدار و انما حقه فى حدود الشرع، و المقدار الّذي اجازه لا اكثر من ذلك (فان اذن المالك ليس مشرعا) بان يبيح ما لا يبيحه الشرع (و انما يمضى) اذن المالك (فيما يجوز شرعا) فيكون اذنه فى عتق عبده عن نفس المعتق كاذنه فى قطع يد عبده، فكما لا يجوز الثانى كذلك لا يجوز الاول فان الشارع لم يأذن فى ايهما (فاذا كان بيع الانسان مال غيره لنفسه) كان يبيع زيد مال عمرو لنفسه (بان يملك) البائع (الثمن مع خروج المبيع عن ملك غيره غير معقول، كما صرح به العلامة فى

ص: 156

القواعد فكيف يجوز للمالك ان يأذن فيه.

نعم يصح ذلك باحد وجهين، كلاهما فى المقام مفقود.

احدهما ان يقصد المبيح بقوله: ابحت لك ان تبيع مالى لنفسك إنشاء توكيل له فى بيع ماله له ثم نقل الثمن الى نفسه بالهبة او فى نقله أولا الى نفسه ثم بيعه او تمليكا له بنفس هذه الاباحة فيكون إنشاء تمليك له و يكون بيع المخاطب بمنزلة قبوله، كما صرح فى التذكرة بان قول الرجل لمالك العبد: اعتق عبدك عنى بكذا استدعاء لتمليكه و اعتاق المولى عنه جواب لذلك

______________________________

القواعد) لان مفهوم المبادلة: خروج البدل عن ملك من يدخل المبدل فى ملكه (فكيف يجوز للمالك) اى كيف يعقل للمالك (ان يأذن فيه) و هل هو الا اذن بالمستحيل، و كذلك بالنسبة الى غير الجائز شرعا و ان جاز عقلا.

(نعم يصح ذلك) البيع لمال المالك ليدخل الثمن فى كيس البائع (باحد وجهين، كلاهما فى المقام مفقود) اى مقام إباحة جميع التصرفات.

(احدهما ان يقصد المبيح بقوله: ابحت لك ان تبيع مالى لنفسك إنشاء توكيل له) اى للطرف (فى بيع ماله) اى مال المبيح (له) اى للطرف، (ثم نقل الثمن) الّذي يكون للمبيح (الى نفسه بالهبة او) إنشاء توكيل للطرف (فى نقله) اى نقل مال المبيح (أولا الى نفسه) بالهبة (ثم بيعه) حتى يدخل الثمن فى ملك الطرف راسا (او) يقصد (تمليكا له) اى للطرف (بنفس هذه الاباحة فيكون) ما بصورة الاباحة (إنشاء تمليك له و يكون بيع المخاطب بمنزلة قبوله،) اى قبول ذلك التمليك (كما صرح فى التذكرة بان قول الرجل لمالك العبد: اعتق عبدك عنى بكذا) اى بمقابل ان اعطيك لا عوض عبدك (استدعاء) من الرجل القائل (لتمليكه) اى تمليك المالك العبد للرجل (و اعتاق المولى عنه) اى عن المستدعى (جواب لذلك

ص: 157

الاستدعاء فيحصل النقل و الانتقال بهذا الاستدعاء و الجواب و يقدّر وقوعه قبل العتق انا ما فيكون هذا بيعا ضمنيا لا يحتاج الى الشروط المقررة لعقد البيع و لا شك ان المقصود فى ما نحن فيه ليس الاذن فى نقل المال الى نفسه أولا و لا فى نقل الثمن إليه ثانيا و لا قصد التمليك بالإباحة المذكورة و لا قصد المخاطب التمليك عند البيع حتى يتحقق تمليك ضمنى مقصود للمتكلم و المخاطب كما كان مقصودا و لو اجمالا فى مسئلة اعتق عبدك عنى

______________________________

الاستدعاء) فهو استيجاب و ايجاب (فيحصل النقل و الانتقال بهذا الاستدعاء و) ب (الجواب) الى المعتق (و يقدر وقوعه) اى الملك للعبد (قبل العتق انا ما فيكون هذا) الاعطاء و عتق المخاطب (بيعا ضمنيا لا يحتاج الى الشروط المقررة لعقد البيع) و انما لا يحتاج لما نرى من صحة ذلك شرعا هذا غاية تقريب الوجه الاول حيث قلنا «نعم يصح ذلك باحد وجهين» (و لا شك) فى عدم جريانه فى مقامنا الّذي هو إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك بالمعاطاة التى تفيد الاباحة اذ (ان المقصود فى ما نحن فيه ليس الاذن فى نقل المال الى نفسه أولا) فان معنى ابحت لك، ليس «انك انقل المال الى نفسك» (و لا فى نقل الثمن إليه) اى الى نفسه (ثانيا) بان يبيع السلعة للمالك ثم ينقل ثمنها الى نفسه (، و لا قصد التمليك بالإباحة المذكورة) فانه حين قال: «ابحت لك» لم يقصد «ملكتك اياه» (و لا قصد المخاطب) الاخذ للمال (التمليك عند البيع) فيكون الاباحة نقلا، و بيع المخاطب تملكا- مثل اعتق العبد عنى- (حتى يتحقق تمليك ضمنى مقصود للمتكلم و المخاطب كما كان) التمليك الضمنى (مقصودا و لو اجمالا فى مسئلة اعتق عبدك عنى) كما تقدم وجه كونه تمليكا اجماليا

ص: 158

و لذا عدّ الخاصة و العامة من الاصوليين دلالة هذا الكلام على التمليك من دلالة الاقتضاء التى عرفوها بانها دلالة مقصودة للمتكلم يتوقف صحة الكلام عقلا او شرعا عليه فمثلوا للعقلى بقوله تعالى و اسألوا القرية و للشرعى بهذا المثال و من المعلوم- بحكم الفرض ان المقصود فيما نحن فيه ليس الا مجرد الاباحة.

الثانى- ان يدل دليل شرعى على حصول الملكية للمباح له بمجرد الاباحة فيكون كاشفا عن ثبوت الملك له عند إرادة البيع

______________________________

(و لذا) الّذي ذكرنا انه مقصود اجمالى فى «اعتق عبدك عنى» (عدّ الخاصة و العامة من الاصوليين دلالة هذا الكلام) اى اعتق عبدك عنى (على التمليك من دلالة الاقتضاء التى عرفوها بانها دلالة مقصودة للمتكلم يتوقف صحة الكلام عقلا او شرعا عليه) اى على تلك الدلالة حتى انه لو لم تكن تلك الدلالة لزم بطلان الكلام عقلا، او فساده شرعا (فمثلوا للعقلى بقوله تعالى و اسألوا القرية) حيث ان القرية ليست اهلا للتوجيه الكلام فاللازم ان يراد «اسئل اهل القرية» (و للشرعى بهذا المثال) اى اعتق عبدك عنى» حيث انه لا يصح عتق الانسان الا فى مال نفسه فمعنى «اعتق عبدك عنى» اعتقه بعد ان تجعله ملكا لى (و من المعلوم بحكم الفرض) اى ان الاباحة مفروض المسألة (ان المقصود فيما نحن فيه ليس الا مجرد الاباحة) فمن اين يكون «ابحت لك» مثل «اعتق عبدك عنى» حتى يفيد تمليك المخاطب للمال لنفسه أولا، ثم بيعه، او بيعه أولا ثم تمليك الثمن لنفسه.

(الثانى- ان يدل دليل شرعى على حصول الملكية للمباح له بمجرد الاباحة فيكون) ذلك الدليل (كاشفا عن ثبوت الملك له عند إرادة البيع

ص: 159

آنا ما فيقع البيع فى ملكه او يدل دليل شرعى على انتقال الثمن عن المبيح بلا فصل بعد البيع فيكون ذلك شبه دخول العمودين فى ملك الشخص انا ما لا يقبل غير العتق فانه حينئذ يقال بالملك المقدر انا ما للجمع بين الادلة و هذا الوجه مفقود فيما نحن فيه اذ المفروض انه لم يدل دليل بالخصوص على صحة هذه الاباحة العامة

______________________________

آنا ما فيقع البيع فى ملكه) قوله «بمجرد الاباحة» لا يريد به وقت الاباحة حتى يناقض مع قوله «عند إرادة البيع» بل المراد «بصرف الاباحة» بدون قصد المعطى الملك، (او يدل دليل شرعى على انتقال الثمن عن المبيح بلا فصل بعد البيع) الى المباح له بان يقع البيع للمبيح و ينتقل الثمن إليه ثم ينتقل الثمن الداخل فى ملك المبيح الى ملك المباح له (فيكون ذلك) الّذي ذكر من دخول «المثمن قبل البيع آنا ما فى ملك المباح له»، او دخول «الثمن» بعد البيع فى ملك المباح له، بعد كونه آنا ما دخل فى ملك المبيح (شبه دخول العمودين فى ملك الشخص) الأب، و الابن (انا ما لا يقبل غير العتق) و ذلك جمعا بين دليل لا عتق الا فى ملك، و بين دليل ان الانسان لا يملك العمودين- الاباء و الاولاد- (فانه حينئذ) حين ورد دليل صحة ملك العمودين و عتقهما (يقال بالملك المقدر انا ما) و معنى «المقدر» انه ليس حقيقا حتى يثبت بالنسبة إليه ما يثبت لسائر الاملاك (للجمع بين الادلة) كما عرفت (و هذا الوجه) اى الجمع بين الادلة المقضية للملك انا ما (مفقود فيما نحن فيه) اى دخول المباح فى ملك المباح له انا ما قبل البيع او دخول ثمنه بعد البيع (اذ المفروض انه لم يدل دليل بالخصوص على صحة هذه الاباحة العامة) اى إباحة التصرف، بجميع انواع التصرف حتى البيع.

ص: 160

و اثبات صحته بعموم مثل «الناس مسلطون على اموالهم» يتوقف على عدم مخالفة مؤداها لقواعد اخر مثل توقف انتقال الثمن الى الشخص على كون المثمن مالا له و توقف صحة العتق على الملك و صحة الوطي على التحليل بصيغة خاصة لا بمجرد الاذن فى مطلق التصرف.

و لاجل ما ذكرنا صرح المشهور- بل قيل لم يوجد خلاف-:

فى انه لو دفع الى غيره مالا، و قال: اشتر به لنفسك طعاما، من غير قصد الاذن فى اقتراض المال قبل الشراء

______________________________

(و اثبات صحته) اى صحة عموم الاباحة (بعموم مثل «الناس مسلطون على اموالهم») بان يقال المالك كان مسلطا على ماله فاذا اباحه للطرف بقول مطلق- جاز للطرف ان يتصرف فيه بكل انواع التصرف حتى البيع و نحوه (يتوقف على عدم مخالفة مؤداها) اى مؤدّى قاعدة الناس مسلطون (لقواعد اخر) مما هى مقدمة على «الناس مسلطون» (مثل توقف انتقال الثمن الى الشخص على كون المثمن مالا له) لما تقدم من انه لا يعقل ان يخرج المثمن من كيس شخص ليدخل ثمنه فى كيس شخص اخر (و توقف صحة العتق على الملك و صحة الوطي على التحليل بصيغة خاصة) اذ لا عتق الا فى ملك و لا وطى الا بالملك او التحليل او النكاح دواما و انقطاعا و ليس فى الاباحة احد المذكورات ف (لا) يصح الوطي (بمجرد الاذن فى مطلق التصرف) و من المعلوم ان هذه القواعد مقدمة على «الناس مسلطون».

(و لاجل ما ذكرنا) من ان «الناس مسلطون» لا يفى باجازة التصرف المملك و ما اشبه (صرح المشهور- بل قيل لم يوجد خلاف-: فى انه لو دفع الى غيره مالا و قال: اشتر به لنفسك طعاما، من غير قصد الاذن) من المعطى (فى اقتراض المال قبل الشراء) حتى يكون المال للآخذ فيكون

ص: 161

او اقتراض الطعام او استيفاء الدين منه بعد الشراء لم يصح كما صرح به فى مواضع من القواعد و علّله فى بعضها بانه لا يعقل شراء شي ء لنفسه بمال الغير و هو كذلك فان مقتضى مفهوم المعاوضة و المبادلة دخول العوض فى ملك من خرج المعوض عن ملكه و الا لم يكن عوضا و بدلا.

و لما ذكرنا حكم الشيخ و غيره بان الهبة الخالية عن الصيغة تفيد إباحة التصرف.

______________________________

الطعام له (او اقتراض الطعام) بعد الشراء (او استيفاء الدين منه) اى دينه الّذي عليه من صاحب الطعام بان اشترى الطعام لنفسه، و جعل المال الّذي اقترضه من المالك، اداء لذلك الدين (بعد الشراء لم يصح) اشتراء الطعام لنفسه من مال المالك (كما صرح به) اى بعدم الصحة (فى مواضع من القواعد و علّله فى بعضها) اى بعض تلك المواضع (بانه لا يعقل شراء شي ء لنفسه بمال الغير) بان يخرج الثمن من كيس المعطى ليدخل الطعام فى كيس الآخذ (و هو كذلك) اى ما ذكره القواعد من التعليل صحيح (فان مقتضى مفهوم المعاوضة و المبادلة دخول العوض فى ملك من خرج المعوض عن ملكه و الا لم يكن عوضا و بدلا) و مثله ما لو كانت الاطراف، أربعة، كما لو اعطى زيد لعمر دينارا فى مقابل ان يعطى خالد لبكر طعاما، و ربما قيل بالصحة فى الفرضين لان المقصود التبادل بين الشيئين و هو حاصل و ان لم يحصل التبادل بين محل المالين الذين هما كيس البائع و كيس المشترى- و قد تقدم الكلام حول هذا المبحث اجمالا-

(و لما ذكرنا) من ان الاباحة لا تفيد جميع التصرفات (حكم الشيخ و غيره بان الهبة الخالية عن الصيغة تفيد إباحة التصرف) اى تصرف الموهوب له

ص: 162

لكن لا يجوز و طى الجارية مع ان الاباحة المتحققة من الواهب تعم جميع التصرفات و عرفت أيضا ان الشهيد فى الحواشى لم يجوز اخراج المأخوذ بالمعاطاة فى الخمس و الزكاة و ثمن الهدى و لا وطى الجارية مع ان مقصود المتعاطيين الاباحة المطلقة.

و دعوى ان الملك التقديرى هنا أيضا لا يتوقف على دلالة دليل خاص بل يكفى الدلالة بمجرد الجمع بين عموم «الناس مسلطون على اموالهم» الدال على جواز هذه الاباحة المطلقة و بين ادلة توقف مثل العتق و البيع على الملك

______________________________

(لكن لا يجوز و طى الجارية) الموهوبة (مع ان الاباحة المتحققة من الواهب تعمّ جميع التصرفات) فلو كانت مؤثرة لجاز الوطي أيضا (و عرفت أيضا ان الشهيد فى الحواشى لم يجوز اخراج المأخوذ بالمعاطاة فى الخمس و الزكاة و ثمن الهدى و لا وطى الجارية) لان هذه الامور تتوقف على الملك و لا ملك مع المعاطاة (مع ان مقصود المتعاطيين الاباحة المطلقة) الشاملة لهذه الامور فيدل كلام الشهيد انه لا اثر لمثل هذه الاباحة.

(و دعوى ان الملك التقديرى) اى تقديرنا للملك آنا ما، ليصح الامر المتوقف على الملك (هنا) فى باب المعاطاة (أيضا) كباب اعتق عبدك عنى و باب عتق العمودين (لا يتوقف على دلالة دليل خاص) يدل على الملك التقديرى (بل يكفى الدلالة) الاقتضائية (بمجرد الجمع بين عموم «الناس مسلطون على اموالهم» الدال على جواز هذه الاباحة المطلقة) الشاملة للوطى و العتق و ما اشبه (و بين ادلة توقف مثل العتق و البيع على الملك) فدليل السلطنة تقول ان المعطى له سلطة على مثل هذه الاباحة و دليل «لا عتق» يقول لا يصح ان يعتق الاخذ مال المعطى فالجمع بينهما بان نقول ان العبد يكون مال الآخذ- آنا ما- حين إرادة عتقه فيعتق من قبل

ص: 163

نظير الجمع بين الادلة فى الملك التقديرى.

مدفوعة بان عموم «الناس مسلطون على اموالهم» انما يدل على تسلط الناس على اموالهم لا على احكامهم فمقتضاه

______________________________

الآخذ (نظير الجمع بين الادلة) دليل لا عتق الا فى ملك و دليل ان الانسان لا يملك العمودين و دليل انه يعتق العمودان بمجرد شرائهما مثلا-.

(مدفوعة) خبر «دعوى» (ب) الفرق بين الادلة الخاصة الموجودة فى مسألة عتق العمودين، و بين مسألة المعاطاة اذ لو نقل هناك بالملك التقديرى لزم اسقاط دليل عن الدلالة، بخلاف ما نحن فيه فانه اذا لم نقل بالملك التقديرى لا يلزم منه الا عدم الاخذ بعموم «الناس مسلطون»، و عدم الاخذ بهذا العموم لا محذور فيه لانه:

أولا- لا دلالة فيه اذ الظاهر منه ان عموم الناس مسلطون على اموالهم انما يدل على تسلط الناس على اموالهم لا على احكامهم.

و ثانيا على تقدير الدلالة لزم تخصيصه ف (ان عموم الناس مسلطون على اموالهم انما يدل على تسلط الناس على اموالهم لا على احكامهم) كما سبق مثلا الانسان مسلط ان يبيع داره، و ليس مسلطا ان يوقع صيغة البيع على نحو تقديم القبول على الايجاب- لو قلنا باشتراط تقديم الايجاب على القبول- و كذلك تسلط الناس على انفسهم المستفاد من قوله تعالى «النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم» انما يكون تسلط فى نطاق الشرع فلا يحق للمرأة ان توهب نفسها لرجل- مثلا- لان الهبة لم يجعلها الشارع مبيحا للبضع و هكذا. اذا (فمقتضاه) اى مقتضى تسلط الناس على اموالهم

ص: 164

امضاء الشارع لاباحة المالك كل تصرف جائز شرعا فالاباحة و إن كانت مطلقة الا انه لا يباح بتلك الاباحة المطلقة الا ما هو جائز بذاته فى الشريعة.

و من المعلوم ان بيع الانسان مال غيره لنفسه غير جائز بمقتضى العقل و النقل الدال على لزوم دخول العوض فى ملك مالك المعوض فلا يشمله العموم فى «الناس مسلطون على اموالهم» حتى يثبت التنافى بينه و بين الادلة الدالة على توقف البيع على الملك فيجمع بينهما بالتزام الملك التقديرى انا ما.

و بالجملة دليل عدم جواز بيع ملك الغير او عتقه لنفسه

______________________________

(امضاء الشارع لاباحة المالك كل تصرف جائز شرعا) لا التصرف الّذي ليس بجائز شرعا- كالوطى بدون الملك او العتق بدون الملك، او ما اشبه- (فالاباحة) من المالك (و إن كانت مطلقة الا انه لا يباح بتلك الاباحة المطلقة الا ما هو جائز بذاته فى الشريعة) كالتصرف و الاكل و الاهداء و ما اشبه بالنسبة الى المال المباح له كان يأكل الطعام و يتصرف اللباس باللبس و يوقد بالحطب و ما اشبه.

(و من المعلوم ان بيع الانسان مال غيره لنفسه غير جائز بمقتضى العقل) الّذي يقول بان البدل يلزم ان يدخل فى ملك من خرج المبدل من ملكه (و النقل) الّذي يقول لا بيع الا فى ملك (الدال على لزوم دخول العوض فى ملك مالك المعوض فلا يشمله) اى لا يشمل «بيع الانسان مال غيره لنفسه» (العموم فى «الناس مسلطون على اموالهم» حتى يثبت التنافى بينه) اى بين العموم المذكور (و بين الادلة الدالة على توقف البيع على الملك) كقوله عليه السلام لا بيع الا فى ملك (فيجمع) اى حتى يجمع (بينهما) اى بين العموم و بين دليل توقف البيع على الملك (بالتزام الملك التقديرى انا ما).

(و بالجملة دليل عدم جواز بيع ملك الغير او عتقه لنفسه) مقابل عتقه

ص: 165

حاكم على عموم «الناس مسلطون على اموالهم» الدال على امضاء الاباحة المطلقة من المالك على اطلاقها نظير حكومة دليل عدم جواز عتق مال الغير على عموم وجوب الوفاء بالنذر و العهد اذا نذر عتق عبد غيره له او لنفسه فلا يتوهم الجمع بينهما بالملك القهرى للناذر نعم لو كان هناك تعارض و تزاحم من الطرفين بحيث امكن تخصيص كل منهما لأجل الآخر، امكن الجمع بينهما بالقول بحصول الملك القهرى آنا مّا.

______________________________

عن المالك (حاكم على عموم «الناس مسلطون» على اموالهم الدال على امضاء) الشارع (الاباحة المطلقة من المالك- على اطلاقها-) من «على»، متعلق ب «امضاء» و الحكومة هنا (نظير حكومة دليل عدم جواز عتق مال الغير على عموم وجوب الوفاء بالنذر و العهد) فيما (اذا نذر عتق عبد غيره له) اى للغير (او لنفسه) اى لنفس الناذر كان ينذر زيد عتق عبد بكر لبكر او عن نفسه فان النذر باطل (فلا يتوهم الجمع بينهما) اى بين دليل: «ف بنذرك» و دليل «لا نذر الا فى ملك» (بالملك القهرى للناذر) آنا مّا، بل دليل «لا نذر الا فى ملك» يدل على تخصيص «يوفون بالنذر» بما اذا كان متعلق النذر مملوكا للناذر (نعم لو كان هناك تعارض و تزاحم من الطرفين) بأن لم يكن احد الدليلين حاكما على الدليل الآخر (بحيث امكن تخصيص كل منهما لأجل الآخر، امكن الجمع بينهما بالقول بحصول الملك القهرى آنا مّا) كما لو كان هناك دليل خاص يدل على جواز الاباحة المطلقة حتى المتوقفة على الملك، فالجمع بين دليل يقول:

«لا وطى الا فى ملك» و بين دليل يقول «يصح كل تصرف حتى الوطي» ان الأمة تكون آنا مّا للمباح له ثم يطأها، لكن ليس فى المقام دليل يدل على أنه يصح كل تصرف، و انما الدليل هو: «الناس مسلطون على اموالهم»

ص: 166

فتأمل.

و اما حصول الملك فى الآن المتعقب بالبيع و العتق فيما اذا باع الواهب عبده الموهوب او اعتقه، فليس ملكا تقديريا نظير الملك التقديرى فى الدية بالنسبة الى الميت

______________________________

(فتأمل) فانه لو كان هناك أيضا دليل خاص لا يمكن الجمع المذكور لأنه اذا كان هناك بينهما عموم من وجه فان كان لاحدهما ترجيح على الاخر فى مورد الاجتماع- يلزم القول بتقديم ذى المرجّح، و ان لم يكن لأحدهما ترجيح، يلزم القول بالتساقط فى صورة التعارض، و مرجّحات التزاحم فى صورة التزاحم، فلا مجال للقول بالملك آنا مّا.

(و) ان قلت: فكيف التزمتم بالملك التقديرى فيما اذا باع الواهب عبده الموهوب، او عتقه، حيث جمعتم بين «صحة الهبة» المقتضية لكون العبد للموهوب له، و بين «لا بيع الّا فى ملك» المقتضى لعدم صحة بيع الواهب بيع عبد الموهوب له، و بين «ما دلّ على صحة بيع الواهب» لما وهبه، قلت (اما حصول الملك فى الآن المتعقب بالبيع و العتق) اى الآن الّذي يعقبه البيع و العتق (فيما اذا باع الواهب عبده الموهوب) هبة جائزة (او اعتقه، فليس ملكا تقديريا) و هو ما يكون فى حكم الملك، و ليس بملك حقيقة، و معنى كونه فى حكم الملك، ترتب آثار الملك عليه اذ اقسام الملك ثلاثة:

الملك الحقيقى المطلق الّذي فيه مقتضى البقاء.

و الملك الحقيقى الآني الّذي لا اقتضاء للبقاء فيه.

و الملك التقديرى و يسمى بالملك الحكمى و هو ليس بملك اصلا و انما فيه آثار الملك (نظير الملك التقديرى فى الدية بالنسبة الى الميت) حيث يقدر

ص: 167

او شراء العبد المعتق عليه بل هو ملك حقيقى حاصل قبل البيع من جهة كشف البيع عن الرجوع قبله فى الآن المتصل بناء على الاكتفاء بمثل هذا فى الرجوع و ليس كذلك فيما نحن فيه.

و بالجملة، فما نحن فيه لا ينطبق على التمليك الضمنى المذكور او لا فى اعتق عبدك عنى لتوقفه على القصد و لا على الملك المذكور ثانيا فى شراء من ينعق عليه، لتوقفه على التنافى بين دليل التسلط و دليل توقف العتق على الملك و

______________________________

ملك الميت للدية- فيما اذا قتل- ثم ينتقل المال من الميت الى ورثته، فأن الميت لا يملك، لكنه يحكم على الدية بحكم مال الميت (او شراء العبد المعتق عليه) فى مسألة العمودين حيث ان الولد لا يملك الأب اصلا، و انما يقدر بانه صار ملكا له مقدمة لانعتاقه عليه (بل هو) اى ملك الواهب للموهب قبل ان يعتقه، آنا ما- (ملك حقيقى حاصل) للواهب (قبل البيع من جهة كشف البيع عن الرجوع قبله) اى قبل ان يبيعه الواهب (فى الآن المتصل) بالبيع او بالعتق (بناء على الاكتفاء بمثل هذا) الملك الآنى (فى الرجوع) اى رجوع الواهب فيما وهبه (و ليس كذلك فيما نحن فيه) الّذي هو إباحة التصرفات فى المعاطاة.

(و بالجملة، فما نحن فيه لا ينطبق على التمليك الضمنى المذكور أولا فى اعتق عبدك عنى) الّذي كان معناه: ملكنى عبدك ثم اعتقه (لتوقفه)، اى التمليك الضمنى (على القصد) و لا يقصد مبيح التصرفات التمليك (و لا على الملك) الآنى (المذكور ثانيا فى شراء من ينعتق عليه، لتوقفه على التنافى بين دليل التسلط) اى: الناس مسلطون على اموالهم.

(و دليل توقف العتق على الملك) اى لا عتق الا فى ملك (و) توقفه على

ص: 168

عدم حكومة الثانى على الاول و لا على التمليك الضمنى المذكور ثالثا فى بيع الواهب و ذى الخيار لعدم تحقق سبب الملك هنا سابقا بحيث يكشف البيع عنه فلم يبق الا الحكم ببطلان الأذن فى بيع ماله لغيره سواء صرح بذلك كما لو قال: بع مالى لنفسك، او اشتر بمالى لنفسك، أم ادخله فى عموم قوله:

ابحت لك كل تصرف فاذا باع المباح له على هذا الوجه وقع البيع للمالك اما لازما بناء على ان قصد البائع

______________________________

(عدم حكومة الثانى) لا عتق الّا فى ملك (على الاول) الناس مسلطون. و قد عرفت حكومة لا عتق على الناس مسلطون (و لا على التمليك الضمنى المذكور ثالثا فى بيع الواهب و ذى الخيار) ما انتقل عنهما بالهبة و البيع الخيارى حيث ان البيع لا يكون الا بعد انتقال المال إليهما (لعدم تحقق سبب الملك هنا) اى فى المعاطاة (سابقا) على التصرف المالكى كالوطى و ما اشبه (بحيث يكشف البيع) اى بيع المباح له (عنه) اى عن ذلك السبب لما سبق من انه لا دليل على صحة مثل هذه الاباحة العامة حتى اذا تصرف المباح له تصرفا متوقفا على الملك. نقول: بان دليل الاباحة العامة يقتضي دخول المباح فى ملك المباح له آنا مّا ثم وطيه او عتقه او بيعه مثلا، فمراد المصنف رحمه الله من قوله «عدم تحقق سبب الملك» عدم تحقق ما يقتضي ملك المباح له- من دليل عام على الاباحة- (فلم يبق الّا الحكم ببطلان الاذن) من المالك (فى بيع ماله لغيره سواء صرح بذلك) اى: بالاذن (كما لو قال: بع مالى لنفسك، او اشتر بمالى لنفسك، أم ادخله) اى: ادخل الاذن (فى عموم قوله: ابحت لك كل تصرف) و كذا بالنسبة الى الوطي و العتق و سائر التصرفات المتوقفة على الملك (فاذا باع المباح له على هذا الوجه) الّذي ذكرنا من انه لا حق له (وقع البيع للمالك) لا لنفسه (اما) بيعا (لازما بناء على ان قصد البائع

ص: 169

لنفسه غير مؤثر او موقوفا على الاجازة بناء على ان المالك لم ينو تملك الثمن

هذا و لكن الّذي يظهر من جماعة منهم قطب الدين و الشهيد رحمهما الله فى باب بيع الغاصب ان تسليط المشترى للبائع الغاصب على الثمن و الاذن فى اتلافه يوجب جواز شراء الغاصب به شيئا و انه يملك المثمن بدفعه إليه فليس للمالك اجازه هذا الشراء.

______________________________

لنفسه غير مؤثر) اذ المهم فى باب البيع العوضان لا الشخصان و لذا اذا باعه المتاع ثم تبين لدى البائع ان المشترى كان وكيلا لم يضر ذلك فقوله:

«بعتك الكتاب بدرهم» يراد بالخطاب اى «الكاف» كونه طرف البيع لا كونه من ينتقل المال إليه (او) بيعا (موقوفا على الاجازة بناء على ان المالك لم ينو تملك الثمن) فكيف يدخل فى ملك الانسان ما لم ينوه- فى الأمور الاختيارية- فهو من قبيل الفضولى، ان اجاز المالك صح و الا بطل

(هذا، و لكن الّذي يظهر من جماعة منهم قطب الدين و الشهيد رحمه الله فى باب بيع الغاصب ان تسليط المشترى للبائع الغاصب على الثمن) فيما اذا علم المشترى ان البائع غاصب و مع ذلك اشترى منه و اعطاه الثمن (و الاذن) الضمنى (فى اتلافه) للثمن اذ المشترى باعطائه الثمن للبائع يكون آذنا فى اتلافه (يوجب جواز شراء الغاصب به) اى بالثمن (شيئا) لنفسه (و انه يملك) الغاصب (المثمن بدفعه إليه فليس للمالك اجازة هذا الشراء) لأن تسليطه يتضمن اذنه فى كل ما يفعل.

و على ما ذكره القطب و الشهيد يقتضي ان يكون ما نحن فيه أيضا كذلك فاذا اباح المعاطاتى للطرف كل تصرف فى ما اعطاه كان اللازم صحة تصرف الطرف فيه بالبيع و نحوه اذا اى فرق بين المشترى المبيح للغاصب ماله و بين المشترى المبيح لطرف المعاطاة ماله.

ص: 170

و يظهر أيضا من محكى المختلف حيث استظهر من كلامه فيما لو اشترى جارية بعين مغصوبة ان له وطى الجارية مع علم البائع بغصبية الثمن فراجع و مقتضى ذلك ان يكون تسليط الشخص لغيره على ماله- و ان لم يكن على وجه الملكية- يوجب جواز التصرفات المتوقفة على الملك فتأمل و سيأتى توضيحه فى مسألة الفضولى إن شاء الله تعالى.

______________________________

(و يظهر أيضا) صحة البيع لنفسه بمال الناس (من محكى المختلف حيث استظهر)- بصيغة المجهول (من كلامه) اى كلام المختلف (فيما لو اشترى جارية بعين مغصوبة ان له) اى للمشترى (وطى الجارية مع علم البائع بغصبية الثمن فراجع) كلام العلامة فاذا كان التسليط من البائع لجاريته يقتضي جواز وطيها، كان التسليط من المبيح فى المعاطاة يجوز وطى المباح له للجارية (و مقتضى ذلك) الّذي ذكره القطب و الشهيد و العلامة (ان يكون تسليط الشخص لغيره على ماله- و ان لم يكن) التسليط (على وجه الملكية- يوجب جواز التصرفات المتوقفة على الملك) من المسلّط كالوطى و البيع و ما أشبه (فتأمل) للفرق بيت ما نحن فيه من إباحة جميع التصرفات و بين الأمثلة المذكورة فان من يسلّط الغاصب على ماله يكون قد اعرض عن ماله فيصح ملكية الغاصب له. و اذا كان ملكا له جاز ان يتصرف فيه بانواع التصرفات من الوطي و البيع و غيرهما، و يكون حال المال حينئذ حال المال الّذي يعرض عنه المالك فيلقيه فى الشارع فانه يجوز لكل احد تملكه و التصرف فيه بالتصرفات المالكية، و هذا بخلاف ما نحن فيه فان المبيح لم يعرض عن ماله و انما اباح للطرف التصرف فى ماله و الاباحة لا تجوز التصرفات المالكية (و سيأتي توضيحه فى مسألة الفضولى إن شاء الله تعالى) و هل ان تسليط الغاصب يوجب جواز تصرف الغاصب أم لا؟

ص: 171

و أما الكلام فى صحة الإباحة بالعوض سواء صححنا إباحة التصرفات المتوقفة على الملك أم خصصنا الاباحة بغيرها فمحصّله: ان هذا النحو من الاباحة المعوّضة ليست معاوضة مالية ليدخل كل من العوضين فى ملك مالك العوض الآخر، بل كلاهما ملك للمبيح الّا ان المباح له يستحق التصرف فيشكل الأمر فيه من جهة خروجه عن المعاوضات المعهودة شرعا و عرفا مع التأمل فى صدق التجارة عليها فضلا عن البيع

______________________________

(و أما الكلام فى صحة الاباحة بالعوض) هذا عطف على ما تقدم- بعد ذكر الوجوه الاربعة- على قوله «اما إباحة جميع التصرفات» حيث ذكر هناك ان الاشكال يقع فى مقامين ... الخ (سواء صححنا إباحة التصرفات المتوقفة على الملك) كالوطى و العتق و البيع (أم خصصنا الاباحة بغيرها) من سائر انواع التصرفات (فمحصّله: ان هذا النحو من الاباحة المعوّضة ليست معاوضة مالية ليدخل كل من العوضين فى ملك مالك العوض الآخر، بل كلاهما ملك للمبيح) اذ يبقى الثمن فى ملكية المشترى و المثمن فى ملكية البائع، فانهما لم يفعلا الّا الاباحة، و الاباحة لا تخرج من ملكية المبيح، فيما كان إباحة فى مقابل إباحة، و كذلك فيما اذا اباح فى مقابل الملك فكلاهما ملك للمبيح، اما ماله فواضح و اما مال الطرف فلانه ملكه اياه (الّا ان المباح له يستحق التصرف فيشكل الأمر فيه) اى فى هذا التصرف المستند الى الاباحة المعوضة (من جهة خروجه عن المعاوضات المعهودة شرعا و عرفا) اذ لم نجد فى الشريعة معاوضة مركبة من اباحتين او إباحة و تمليك، و كذلك ليست فى المعاملات العرفية معاملة هكذا (مع التأمل فى صدق التجارة عليها) فلا يشمله: تجارة عن تراض، لأن التجارة ظاهرة فى التمليك لا الإباحة (فضلا عن) صدق (البيع) حتى يشمله «احل الله البيع» اذ ليس

ص: 172

الا ان يكون نوعا من الصلح لمناسبته له لغة لأنه فى معنى التسالم على أمر بناء على انه لا يشترط فيه لفظ الصلح، كما يستفاد من بعض الاخبار الدالة على صحته بقول المتصالحين: لك ما عندك ولى ما عندى، و نحوه ما ورد فى مصالحة الزوجين و لو كانت معاملة مستقلة كفى فيها عموم الناس مسلطون على اموالهم و المؤمنون عند شروطهم و على تقدير الصحة ففى لزومها مطلقا لعموم: «المؤمنون عند شروطهم»، او من طرف المباح له

______________________________

ببيع قطعا (الا ان يكون نوعا من الصلح لمناسبته له) اى للصلح (لغة، لأنه) اى الصلح (فى معنى التسالم على أمر) و الاباحة فى مقابل الاباحة تسالم كما لا يخفى (بناء على انه لا يشترط فيه) اى فى الصلح (لفظ الصلح، كما يستفاد) عدم الاشتراط (من بعض الاخبار الدالة على صحته) اى الصلح (بقول المتصالحين: لك ما عندك ولى ما عندى، و نحوه ما ورد فى مصالحة الزوجين) ففى الصحيح عن الباقر و الصادق- عليهما السلام- انهما قالا- فى رجلين كان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه و لا يدرى كل واحد منهما كم له عند صاحبه فقال كل واحد منهما لصاحبه لك ما عندك و لى ما عندى، فقال عليه السلام-: «لا بأس بذلك اذا تراضيا» (و لو كانت) الاباحة المعوضة- التى هى محل الكلام- (معاملة مستقلة) لا بيعا و لا صلحا و قلنا بأنه لا يشترط ان تكون المعاملة مألوفة فى زمان الشارع، بل كلما صح عند العرف يصح عند الشرع (كفى فيها) صحته (عموم: الناس مسلطون على اموالهم، و المؤمنون عند شروطهم) اذ الشرط لا يجب ان يكون فى ضمن معاملة، على ما سيأتى من بعض الاقوال (و على تقدير الصحة) لهذه الاباحة المعوضة (ففى لزومها مطلقا) فلا يصح لأحدهما رفع اليد عن اباحته (لعموم:

«المؤمنون عند شروطهم»، او من طرف المباح له) فيما اذا اباح زيد

ص: 173

حيث انه يخرج ماله عن ملكه دون المبيح حيث ان ماله باق على ملكه فهو مسلط عليه او جوازها مطلقا وجوه اقواها اولها ثم اوسطها.

و اما حكم الاباحة بالإباحة فالاشكال فيه أيضا يظهر مما ذكرنا فى سابقه

و الاقوى فيها أيضا الصحة و اللزوم للعموم او الجواز من الطرفين لأصالة التسلّط

______________________________

لعمرو ماله بعوض اعطاء عمرو لزيد دينارا- مثلا- فعمرو لا يتمكن من الرجوع فى ديناره، و انما يكون لازما من طرفه دون طرف المبيح (حيث انه) اى المباح له (يخرج ماله عن ملكه) فانه يعطيه لزيد عوضا (دون المبيح حيث ان ماله باق على ملكه) الفرض ان المبيح اباح فقط، و لم يملك (فهو) اى المبيح (مسلط عليه) لا يخرج عن تحت نفوذه (او جوازها مطلقا) من طرف المبيح و المباح له (وجوه اقواها اولها) اى اللزوم مطلقا، لانها معاملة مستقلة فيشملها عموم: الناس مسلطون .. (ثم اوسطها) هذا كله حكم الاباحة فى مقابل الملك

(و اما حكم الاباحة بالإباحة) بأن اباح احدهما للآخر فى مقابل ان اباح الآخر له (فالاشكال فيه أيضا يظهر مما ذكرنا فى سابقه) اى الاباحة فى مقابل الملك من انه لا معهودية لمثل هذه المعاملة فى الشريعة فلا يشملها دليل المعاوضات من: تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ، و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و ما اشبه.

(و الاقوى فيها أيضا الصحة) لانهما معاملة عرفية فيشملها الدليل المتقدم (و اللّزوم) و ذلك (للعموم) المتقدم نحو: «المؤمنون عند شروطهم» (او الجواز من الطرفين) لا من احدهما فقط- كما كان هذا الاحتمال فى السابق- (لاصالة التسلط) فان المبيح قبل الاباحة المعوضة بالإباحة كان مسلطا على ماله

ص: 174

الخامس: في حكم جريان المعاطاة فى غير البيع من العقود و عدمه.

اعلم انه ذكر المحقق الثانى (ره) فى جامع المقاصد على- ما حكى عنه- ان فى كلام بعضهم ما يقتضي اعتبار المعاطاة فى الاجارة و كذا فى الهبة و ذلك لأنه اذا امره بعمل على عوض معين فعمله استحق الاجرة و لو كانت هذه اجارة فاسدة لم يجز له العمل و لم يستحق اجرة مع علمه بالفساد

______________________________

فاذا شككنا فى انه هل سقط تسلطه أم لا، كان الاستصحاب مقتضيا لبقاء التسلط اللّهم الّا ان يقال انه لا مورد للاستصحاب بعد الشك فى بقاء الموضوع، بل يقال بأن: المؤمنون عند شروطهم، لا يدع مجالا للاستصحاب.

(الخامس: فى حكم جريان المعاطاة فى غير البيع من العقود و عدمه) اى و عدم الجريان.

(اعلم انه ذكر المحقق الثانى «ره» فى جامع المقاصد- على ما حكى عنه- ان فى كلام بعضهم ما يقتضي اعتبار المعاطاة فى الاجارة و كذا فى الهبة) كما لو اعطاه مالا بإزاء السكنى فى داره بدون ان يلفظا بشي ء و كذلك فى المثال الآتى أو اعطاه شيئا و دلت القرائن على ارادته الهبة له (و ذلك لأنه اذا امره بعمل على عوض معين فعمله) بدون اجراء صيغة الاجارة (استحق) العامل (الأجرة و لو كانت هذه اجارة فاسدة) من جهة عدم اجراء صيغة الاجارة، و قلنا بعدم صحة المعاطاة فى الاجارة (لم يجز له العمل) فيما اذا كان تصرفا فى مال المستأجر كما لو اعطاه ثوبه ليخيطه فان تصرف الاجير فى الثوب لا يجوز لأنه ليس تصرفا باجارة و لا اذن من غير جهة الاجارة فلا يجوز التصرف (و لم يستحق اجرة مع علمه بالفساد) اذ الاجارة فاسدة فلا اجرة مسمى، و حيث انه علم بعدم الاجارة فلا اجرة مثل

ص: 175

و ظاهرهم الجواز بذلك و كذا لو وهب بغير عقد فان ظاهرهم جواز الاتلاف و لو كانت هبة فاسدة لم يجز بل منع من مطلق التصرف و هو ملحظ وجيه انتهى.

و فيه: ان معنى جريان المعاطاة فى الاجارة- على مذهب المحقق الثانى- الحكم بملك المأمور الأجر المعين على الآمر و ملك الأمر العمل المعين على المأمور و لم نجد من صرح به فى المعاطاة

______________________________

له لأنه اقدم على ضرر نفسه لعدم الأذن من مالك الثوب فى العمل حتى يستحق عليه اجرة المثل اما اذا لم يعلم الاجير بالفساد استحق اجرة المثل لأن عمل المسلم محترم و لانه مغرور فيرجع الى من غرّه (و ظاهرهم الجواز بذلك) اى جواز عمل الاجير بذلك الامر، فيدل على انهم يقولون بالمعاطاة فى الاجارة (و كذا لو وهب بغير عقد فان ظاهرهم جواز الاتلاف) من الموهوب له (و لو كانت هبة فاسدة لم يجز) لانه مال الغير فيدل اجازتهم الاتلاف على قولهم بجريان المعاطاة فى الهبة (بل) لو كانت فاسدة (منع) الآخذ (من مطلق التصرف) لأن التصرف فى مال الغير لا يجوز ثم قال جامع المقاصد (و هو) اى كلام هذا البعض الّذي نسب الى ظاهر الفقهاء اجازتهم لجريان المعاطاة فى الاجازة و الهبة (ملحظ) اى ملاحظة (وجيه) و هذا منه موافقة على جريان المعاطاة (انتهى) كلام المقاصد.

(و فيه: ان معنى جريان المعاطاة فى الاجارة- على مذهب المحقق الثانى-) القائل بافادة المعاطاة الملك- كما تقدم فى مسألة المعاطاة فى البيع- (الحكم بملك المأمور) فى الاجارة المعاطاتية (الاجر المعين على الآمر) الّذي امره بخياطة ثوبه- مثلا- (و ملك الأمر العمل المعين على المأمور، و) هذا بالإضافة الى انه (لم نجد من صرح به فى المعاطاة)

ص: 176

و اما قوله: لو كانت اجارة فاسدة لم يجز له العمل فموضع نظر، لأنّ فساد المعاملة لا يوجب منعه عن العمل سيّما اذا لم يكن العمل تصرفا فى عين من اموال المستأجر.

و قوله: لم يستحق اجرة مع علمه بالفساد ممنوع لان الظاهر ثبوت اجرة المثل لانه لم يقصد التبرع و انما قصد عوضا لم يسلم له.

______________________________

فى الاجارة ينافى ظاهر قوله (و ظاهرهم الجواز بذلك) لأن معناه ان الامر مجوز للعمل لا أنه موجب له اللّهم الّا أن يقال ان المحقق يقول بالملك و ان الجواز يراد به مقابل الفساد الجواز مقابل اللزوم.

(و اما قوله: لو كانت اجارة فاسدة لم يجز له العمل فموضع نظر، لأن فساد المعاملة لا يوجب منعه عن العمل) لوجود الاذن، و الامر على نحو تعدد المطلوب فانه يريد خياطة الثوب و يريد ان يكون ذلك بالاجارة، نعم فى صورة التقييد لا يجوز العمل لكن الغالب خلاف التقييد (سيّما اذا لم يكن العمل تصرفا فى عين عن اموال المستأجر) كما لو استأجره لحفر بئر فى الارض المباحة فانه و ان بطلت الإجارة و كانت على وجه التقييد جاز للأجير العمل.

(و قوله: لم يستحق اجرة مع علمه بالفساد ممنوع) بل يستحق الاجرة (لأن الظاهر ثبوت أجرة المثل لأنه) أمره بذلك و (لم يقصد التبرع و انما قصد عوضا) مسمى (لم يسلم له) و كلما انتفى المسمى جاء المثل، نعم فى صورة التقييد بأن قال: اريد ذلك بالاجارة دون سواها، لا حق للأجير فى أجرة المثل اذ مع علمه بالفساد لا يكون منبعثا عن أمر المستأجر حتى يكون على المستأجر اجرته.

ص: 177

و اما مسألة الهبة فالحكم فيها بجواز اتلاف الموهوب لا يدل على جريان المعاطاة فيها الّا اذا قلنا فى المعاطات بالإباحة فان جماعة كالشيخ و الحلى و العلامة صرحوا بان اعطاء الهدية من دون الصيغة يفيد الاباحة دون الملك لكن المحقق الثانى ممن لا يرى بكون المعاطاة عند القائلين بها مفيدا للإباحة المجردة

______________________________

(و أما مسألة الهبة) التى ذكر البعض ان اجازتهم للاتلاف دليل على قولهم بجريان المعاطاة فيها (فالحكم فيها بجواز اتلاف الموهوب لا يدل على جريان المعاطاة فيها) اذ جواز الاتلاف اعم من الملك، فان كلا من الملك و الاباحة يقتضي جواز الاتلاف، فاستدلال من يقول بالملك- فى الهبة المعاطاتية- كالمحقق الثانى، بقولهم انه يجوز الاتلاف، استدلال بالأعم على الاخص، لأن الاتلاف اعم من الملك.

و الحاصل ان المحقق يقول بان الهبة المعاطاتية تفيد الملك، و يستدل لذلك بان الفقهاء قالوا بجواز اتلاف الموهوب بالهبة المعاطاتية، و من المعلوم ان هذا الاستدلال ليس بتام، لأن قولهم بجواز الاتلاف يمكن ان يكون مستندا لانهم يرون كون الهبة المعاطاتية تفيد الاباحة، (الّا اذا قلنا فى المعاطاة بالإباحة) فان قلنا ان المعاطاة تفيد الاباحة تمكنا ان نستدل لذلك بفتواهم انه يجوز اتلاف الموهوب بالمعاطاة (فان جماعة كالشيخ و الحلى و العلامة صرحوا بان اعطاء الهدية من دون الصيغة يفيد الاباحة دون الملك) فهم انما يقولون بجواز الاتلاف لانه إباحة، لا أنه ملك كما يريد المحقق الثانى- (لكن المحقق الثانى ممن لا يرى بكون المعاطاة عند القائلين بها) اى يجوز المعاطاة (مفيدا للإباحة المجردة)

ص: 178

و توقف الملك فى الهبة على الايجاب و القبول كاد ان يكون متفقا عليه كما يظهر من المسالك و مما ذكرنا يظهر المنع فى قوله: بل مطلق التصرف.

هذا و لكن الأظهر- بناء على جريان المعاطاة فى البيع- جريانها فى غيره من الاجارة و الهبة لكون الفعل مفيدا للتمليك فيهما و ظاهر المحكى عن التذكرة عدم القول بالفصل بين البيع و غيره حيث قال فى باب الرهن: ان الخلاف

______________________________

عن الملك (و توقف الملك فى الهبة على الايجاب و القبول كاد ان يكون متفقا عليه كما يظهر من المسالك) فكيف يمكن ان نقول بجريان المعاطاة فيها.

نعم نقول بأن المعاطاة تفيد الاباحة- لا الهبة الشرعية- و الاباحة لا يفتى بها جامع المقاصد بل يقول بالملك- كما عرفت-.

(و مما ذكرنا) من انه لو كانت هبة فاسدة لم يمنع الاتلاف بل يجوز الاتلاف لوجود الاباحة- و ان لم تكن هبة صحيحة- (يظهر المنع فى قوله:

بل مطلق التصرف) حيث قال: انه لو كانت هبة فاسدة يمنع مطلق التصرف فى الموهوب- و لو لم يكن تصرفا متلفا- وجه الظهور، انه على تقدير الاباحة لم يمنع مطلق التصرف كما لا يمنع الاتلاف الّذي هو اهم من التصرف غير المتلف

(هذا) تمام الكلام حول ما ذكره جامع المقاصد (و لكن الأظهر- بناء على جريان المعاطاة فى البيع- جريانها فى غيره) اى غير البيع مطلقا (من الاجارة و الهبة) و غيرهما (لكون الفعل)- مقابل اللفظ- (مفيد التمليك فيهما) اى فى الاجارة و الهبة (و ظاهر المحكى عن التذكرة عدم القول بالفصل بين البيع و غيره) فان قلنا بالمعاطاة فى البيع لزم ان نقول بالمعاطاة فى غيره (حيث قال فى باب الرهن الخلاف: ان الخلاف

ص: 179

بالاكتفاء فيه بالمعاطاة و الاستيجاب و الايجاب عليه المذكور فى البيع آت هنا انتهى.

لكن استشكله فى محكى جامع المقاصد بان البيع ثبت فيه حكم المعاطاة بالاجماع، بخلاف ما هنا.

و لعل وجه الاشكال عدم تأتى المعاطاة- بالاجماع- فى الرهن على النحو الّذي اجروها فى البيع لانها هناك اما مفيدة للاباحة او الملكية الجائزة على الخلاف و الاول غير مقصود هنا.

______________________________

بالاكتفاء فيه) اى فى التعامل (بالمعاطاة و الاستيجاب و الايجاب) بان يقول المشترى بعنى، فيقول البائع: بعتك، (عليه) اى على الاستيجاب بان يكون الايجاب مؤخرا و واقعا على الاستيجاب (المذكور) ذلك الخلاف (فى البيع آت هنا) فى باب الرهن أيضا (انتهى).

(لكن استشكله فى محكى جامع المقاصد بان البيع ثبت فيه حكم المعاطاة بالاجماع، بخلاف ما هنا) فى باب الرهن فانه لا اجماع فيمكن الفرق بالقول بصحة المعاطاة فى باب البيع دون الرهن.

(و لعل وجه الاشكال) الّذي ذكره جامع المقاصد (عدم تأتى المعاطاة بالاجماع فى الرهن على النحو الّذي اجروها) اى المعاطاة (فى البيع) قوله «بالاجماع» متعلق ب «عدم تأتى» (لانها هناك) اى المعاطات (مفيدة للاباحة او الملكية الجائزة على الخلاف) الّذي عرفته، اما القول بالملكية اللازمة فقد تقدم انه غير مشهور بينهم.

(و الاول) اى الاباحة (غير مقصود هنا) فى باب الرهن اذ لا معنى للاباحة هنا لا من جانب المقترض بأن يكون المال الّذي اقترضه مباحا له، فان القرض يكون ملكا للمقترض، و لا من جانب المقرض الّذي يأخذ الوثيقة اذ لا معنى

ص: 180

و اما الجواز فكذلك لأنه ينافى الوثوق الّذي به قوام مفهوم الرهن خصوصا بملاحظة انه لا يتصور هنا ما يوجب رجوعها الى اللزوم ليحصل به الوثيقة فى بعض الاحيان

و ان جعلناها مفيدة للزوم كان مخالفا لما اطبقوا عليه من توقف العقود اللازمة على اللفظ و كان هذا.

______________________________

لأن تكون الدار- مثلا- مباحة التصرف للمقرض اذ الراهن و المرتهن كلاهما ممنوعان عن التصرف.

(و اما الجواز) اى ان يحصل الرهن، لكن يكون رهنا جائزا- بحيث يتمكن صاحب المال من استرجاعه- كما فى المعاطاتى البيعى الّذي يحصل الملك لكنه ملك جائز (فكذلك) غير مقصود هنا فى باب الرهن (لأنه) اى، الجواز (ينافى الوثوق الّذي به قوام مفهوم الرهن) اذ معنى الرهن: ان يكون وثيقة بيد المقرض حتى اذا لم يتمكن من تحصيل ماله باع الوثيقة و استوفى دينه منها و اذا كان الرهن جائزا لم تكن وثيقة لأن صاحب الوثيقة يأخذها متى ما شاء (خصوصا بملاحظة انه لا يتصور هنا) فى باب الرهن (ما يوجب رجوعها الى اللزوم) كما كان كذلك فى البيع المعاطاتى حيث قلنا بان تصرّف احد الطرفين او تلف احد الشيئين يوجب لزوم المعاطاة اذ لا تلف و لا تصرف هنا بحيث يوجب اللزوم (ليحصل به الوثيقة فى بعض الاحيان) حتى يقال بتصور مفهوم الرهن فى الجملة.

(و ان جعلناها) اى المعاطاة فى باب الرهن (مفيدة للزوم) ليرتفع المحذور المتقدم (كان مخالفا لما اطبقوا عليه من توقف العقود اللازمة على اللفظ) فالقول باللزوم باطل لأنه خلاف الاجماع (و كان هذا) الّذي ذكرناه

ص: 181

هو الّذي دعى المحقق الثانى الى الجزم بجريان المعاطاة فى مثل الاجارة و الهبة و القرض و الاستشكال فى الرهن.

نعم من لا يبالى مخالفة ما هو المشهور، بل المتفق عليه بينهم من توقف العقود اللازمة على اللفظ او حمل تلك العقود على اللازمة من الطرفين فلا يشمل الرهن و لذا جوز بعضهم الايجاب بلفظ الامر كخذه، و الجملة الخبرية امكن ان يقول بافادة المعاطاة فى الرهن اللزوم لإطلاق بعض ادلة الرهن و لم يقم هنا اجماع على عدم اللزوم كما قام فى المعاوضات.

______________________________

من الاشكال فى جريان المعاطاة فى الرهن (هو الّذي دعى المحقق الثانى الى الجزم بجريان المعاطاة فى مثل الاجارة و الهبة و القرض و الاستشكال فى الرهن) لأنه لا محذور فى الثلاثة مثل المحذور فى باب الرهن.

(نعم من لا يبالى مخالفة ما هو المشهور، بل المتفق عليه بينهم من توقف العقود اللازمة على اللفظ) «من» بيان «ما» (او حمل تلك العقود)- فى كلامهم- التى قالوا انها تحتاج الى اللفظ (على اللازمة من الطرفين) كالبيع و ما اشبه (فلا يشمل الرهن) الّذي هو جائز من طرف الآخذ للوثيقة (و لذا جوز بعضهم الايجاب بلفظ الامر) فى باب الرهن، و ان لم يجوز ذلك فى باب العقود اللازمة من الطرفين- كالبيع- (كخذه، و الجملة الخبرية) كأن يقول: «يأخذ دارى صاحب المال». (امكن) خبر قوله: «نعم من لا يبالى» (ان يقول بإفادة المعاطاة فى) باب (الرهن اللزوم، لإطلاق بعض ادلة الرهن) الشاملة للرهن المعاطاتى كقوله سبحانه «فَرِهٰانٌ مَقْبُوضَةٌ» اذ الرهن المعاطاتى يسمى رهنا- عرفا- (و لم يقم هنا) فى باب الرهن (اجماع على عدم اللزوم) فى ما اذا كان بالمعاطاة (كما قام) الاجماع على عدم اللزوم (فى المعاوضات) و الحاصل ان المقتضى موجود

ص: 182

و لاجل ما ذكرنا فى الرهن يمنع من جريان المعاطاة فى الوقف بأن يكتفى فيه بالاقباض لأن القول فيه باللزوم مناف لما اشتهر بينهم من توقف اللزوم على اللفظ و الجواز غير معروف فى الوقف من الشارع فتأمل.

نعم احتمل الاكتفاء بغير اللفظ- فى باب وقف المساجد- من الذكرى تبعا للشيخ

ثم ان الملزم للمعاطاة فيما تجرى

______________________________

و المانع مفقود فيلزم ان يحكم بصحة المعاطاة فى الرهن.

(و لاجل ما ذكرنا فى الرهن) من الاشكال الّذي حاصله ان «الاباحة» لا معنى لها، و «الجواز» ينافى كونه وقفا (يمنع من جريان المعاطاة فى الوقف بأن يكتفى فيه بالاقباض) مع وجود القرينة على إرادة الوقف (لأن القول فيه باللزوم مناف لما اشتهر بينهم من توقف اللزوم على اللفظ) بل قد تقدم دعوى الاجماع على ذلك (و) ان قلت: اللزوم متوقف على اللفظ فليكن الوقف بلا لفظ جائزا قلت: (الجواز غير معروف فى الوقف من الشارع) اذ الوارد من الشرع كون الوقف مفيدا لبقاء العين، و تسبيل المنفعة اما ان يكون هناك وقف جائز فليس بمعروف (فتأمل) لأن الوقف الجائز وارد فى الشريعة أيضا و هو ما اذا اشترط الرجوع كما هو مذكور فى كتاب الوقف

(نعم احتمل الاكتفاء بغير اللفظ- فى باب وقف المساجد- من الذكرى) للشهيد (تبعا للشيخ) بأن يبنى مسجدا ثم يسلمه الى المصلين بدون ان يجرى صيغة الوقف و ذلك لشمول قوله صلى الله عليه و آله و سلم «الوقوف و حسب ما وقفها اهلها» له.

(ثم ان الملزم للمعاطاة) اى ما يوجب لزومها (فيما تجرى) للمعاطاة

ص: 183

فيه من العقود الاخر هو الملزم فى باب البيع كما سنبينه بعد هذا الامر.

السادس: في ملزمات المعاطاة على كل من القول بالملك و القول بالإباحة.

اعلم: ان الاصل على القول بالملك اللزوم لما عرفت من الوجوه الثمانية المتقدمة

و اما على القول بالإباحة، فالأصل عدم اللزوم لقاعدة تسلط الناس على اموالهم و اصالة سلطنة المالك الثابتة قبل المعاطاة

______________________________

(فيه من العقود الأخر) «من» بيان «ما» و ذلك مثل المزارعة و المساقاة و الرهن و الاجارة و غيرها- فيما اذا كانت لازمة بدون النظر الى انها اجريت بصورة المعاطاة- و قوله «الاخر» يراد بها ما يقابل البيع (هو الملزم فى باب البيع كما سنيه) اى ما يلزم البيع (بعد هذا الامر) فى الأمر السادس.

(السادس: فى ملزمات المعاطاة على كل من القول ب) افادة المعاطاة (الملك) المتزلزل (و القول بالإباحة) اما على القول بافادتها الملك اللازم فلا كلام فيه.

(اعلم: ان الاصل على القول بالملك اللزوم لما عرفت من الوجوه الثمانية المتقدمة) و هى: الاصل و ان فائدة الملك السلطة، و الناس مسلطون، و تجارة عن تراض، و لا يحل مال امرئ، و لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ، و المؤمنون عند شروطهم، و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 5، ص: 184

(و اما على القول بالإباحة، فالأصل عدم اللزوم لقاعدة تسلط الناس على اموالهم) فالمبيح انما اعطى المال إباحة فهو مسلط على ماله (و اصالة سلطنة المالك الثابتة قبل المعاطاة) فانا اذا شككنا ان سلطنته قطعت

ص: 184

و هى حاكمة على اصالة بقاء الاباحة الثابتة قبل رجوع المالك لو سلم جريانها

اذا عرفت هذا فاعلم ان تلف العوضين ملزم اجماعا على الظاهر المصرح به فى بعض العبائر اما على القول بالإباحة فواضح لأن تلفه من مال مالكه و لم يحصل ما يوجب ضمان كل منهما مال صاحبه

و توهم جريان قاعدة الضمان باليد هنا

______________________________

بالإباحة أم بقيت كان مقتضى الاستصحاب البقاء، و لا يخفى ان الأصل الاول اجتهادى و هو: «الناس مسلطون على اموالهم» و الاصل الثانى عملى (و هى) اى استصحاب السلطنة (حاكمة على اصالة بقاء الاباحة الثابتة قبل رجوع المالك لو سلم جريانها) بأن كانت الاباحة مطلقة ثم شك فى ارتفاعها اما اذا كانت الاباحة محدودة من اوّل الامر، فالشك فى بقائها من باب الشك فى المقتضى و لا يجرى الاصل فيه، و اما وجه حكومة استصحاب السلطة على استصحاب الاباحة فهو ان الشك فى الاباحة مسبب عن الشك فى بقاء السلطة فاذا استصحب السلطة كان محكما كما ان استصحاب الكرية محكمة بالنسبة الى استصحاب النجاسة فى اليد التى غسلت فيه.

(اذا عرفت هذا) الّذي ذكرناه من مقتضى الأصل (فاعلم ان تلف العوضين ملزم) للمعاطاة (اجماعا على الظاهر المصرح به فى بعض العبائر اما على القول بالإباحة فواضح) وجه كون تلفهما ملزما (لأن تلفه من مال مالكه) المبيح (و لم يحصل ما يوجب ضمان كل منهما مال صاحبه) فاذا اعطى محمد عليا كتابا فى مقابل دينار. فتلفا، ذهب الدينار من على و الكتاب من محمد، و لا وجه لضمان احدهما مال الآخر.

(و توهم جريان قاعدة الضمان باليد هنا) فان على اليد ما اخذت حتى

ص: 185

مندفع بما سيجي ء.

و اما على القول بالملك فلما عرفت من اصالة اللزوم و المتيقن من مخالفتها جواز تراد العينين و حيث ارتفع مورد التراد امتنع و لم يثبت قبل التلف جواز المعاملة على نحو جواز البيع الخيارى حتى يستصحب بعد التلف لان ذلك الجواز من عوارض العقد لا العوضين فلا مانع من بقائه

______________________________

تؤدى فالمشترى الآخذ للسلعة ضامن لها (مندفع بما سيجي ء) من انه اذا كان اليد بحق لا تجرى هذه القاعدة فان الضمان اما شرعى كاللقطة أو مالكى و كلاهما مفقود فى المقام.

(و أما على القول ب) افادة المعاطاة (الملك ف) واضح أيضا وجه كون تلفهما ملزما (لما عرفت من اصالة اللزوم) للمعاطاة- بالأدلّة الثمانية المتقدمة- (و المتيقن من مخالفتها) اى مخالفة الاصل (جواز تراد العينين و حيث ارتفع مورد التراد) لأنه مع التلف لا يعقل التراد (امتنع) التراد و تبقى اصالة اللزوم سالمة (و) ان قلت فليكن ما نحن فيه مثل باب الخيار فكما ان تلف العين لا يسقط خيار من له الخيار كذلك تلف العين فى باب المعاطاة لا يسقط جواز التراد منتهى الأمر حيث لا يمكن رد العين يرد بدلها، قلت (لم يثبت قبل التلف جواز المعاملة) المعاطاتية (على نحو جواز البيع الخيارى حتى يستصحب) هذا الجواز (بعد التلف) و ينتج الاستصحاب جواز تراد القيمة- مثلا- و انما نقول بالفرق بين الجواز هنا و الجواز فى باب الخيار (لان ذلك الجواز) فى باب الخيار (من عوارض العقد) و العقد باق بعد التلف أيضا فيمكن الأخذ بذلك الجواز و ابطال العقد (لا) عوارض (العوضين) كما فى باب المعاطاة فان محل الجواز العوضين فاذا تلفا ذهب محل الجواز (فلا مانع من بقائه) اى جواز الخيارى بعد التلف، اذ محل الجواز و هو العقد

ص: 186

بل لا دليل على ارتفاعه بعد تلفها بخلاف ما نحن فيه فان الجواز فيه هنا بمعنى جواز الرجوع فى العين نظير جواز الرجوع فى العين الموهوبة فلا يبقى بعد التلف متعلق الجواز بل الجواز هنا يتعلق بموضوع التراد لا مطلق الرجوع الثابت فى الهبة هذا مع ان الشك فى ان متعلق الجواز هل هو اصل المعاملة او الرجوع فى العين او تراد العينين يمنع من استصحابه فان المتيقن تعلقه بالتراد، اذ لا دليل فى مقابل اصالة اللزوم على ثبوت ازيد

______________________________

باق (بل لا دليل على ارتفاعه) اى جواز (بعد تلفها) اى تلف العين (بخلاف ما نحن فيه) اى الجواز فى المعاطاة (فان الجواز فيه) اى فيما نحن فيه (هنا بمعنى جواز الرجوع فى العين نظير جواز الرجوع فى العين الموهوبة فلا يبقى بعد التلف متعلق الجواز) كما فى باب الهبة لا يبقى متعلق الجواز (بل الجواز هنا) اضيق من الجواز فى الهبة لأنه (يتعلق بموضوع التراد لا مطلق الرجوع الثابت فى الهبة) فالجواز فى الهبة يتقوم بشي ء واحد، و هنا يتقوم بشيئين فاذا انتفى باحدهما بان تلف احد العوضين لم يمكن التراد (هذا) كله فيما اذا ثبت ان الجواز فى المقام متعلق- بالتراد- الّذي تعذر بتلف احدى العينين و اذا شك فى ذلك فالاصل أيضا عدم بقاء الجواز (مع ان الشك فى ان متعلق الجواز) فى باب المعاطاة (هل هو اصل المعاملة) حتى يبقى الجواز بعد تلف العينين- كالجواز الخيارى- (او الرجوع فى العين) حتى يبقى الجواز بعد تلفت احدى العينين- كالجواز فى الهبة- (او تراد العينين) حتى لا يبقى الجواز اذا تلفت احدى العينين، فكيف بصورة تلفهما (يمنع من استصحابه) اى استصحاب الجواز (فان المتيقن تعلقه) اى الجواز (بالتراد، اذ لا دليل فى مقابلة اصالة اللزوم) للمعاطاة (على ثبوت ازيد

ص: 187

من جواز تراد العينين الّذي لا يتحقق الا مع بقائهما و منه يعلم حكم ما لو تلف احدى العينين او بعضها على القول بالملك و اما على القول بالإباحة فقد استوجه بعض مشايخنا- وفاقا لبعض معاصريه تبعا للمسالك- اصالة عدم اللزوم لأصالة سلطنة مالك العين الموجودة و ملكه لها و فيه انها معارضة بأصالة براءة ذمته عن مثل التالف عنده او قيمته و التمسك بعموم على اليد هنا فى غير محله بعد القطع بأن هذه اليد

______________________________

من جواز تراد العينين الّذي لا يتحقق) ذلك التراد (الا مع بقائهما) فان الاصل اللزوم- كما عرفت بالأدلّة الثمانية- و الخارج عن هذا الأصل باجماع- صورة امكان تراد العينين فيبقى غير صورة تراد العينين داخلا فى اصالة اللزوم (و منه) اى مما ذكرنا فى مسألة تلف كلتا العينين (يعلم حكم ما لو تلف احدى العينين او بعضها) اى بعض احدى العينين (على القول ب) افادة المعاطاة (الملك) و انه يحكم الاصل اللزوم (و اما على القول ب) افادة المعاطاة (الاباحة فقد استوجه بعض مشايخنا- وفاقا لبعض معاصريه تبعا للمسالك- اصالة عدم اللزوم) فى صورة تلف احد العينين او بعضها (لأصالة سلطنة مالك العين الموجودة و) بقاء (ملكه لها) فاذا اعطى محمد عليا كتابا بدينار و تلف الدينار كان لمحمد استرداد كتابه الموجود، و عليه يكون ضامنا لدينار على حيث اتلفه بدون ان يعطى شيئا لعلى فى مقابل ديناره (و فيه انها) اى اصالة سلطنة مالك العين الموجودة (معارضة باصالة براءة ذمته عن مثل التالف عنده او قيمته) لأن مقتضى ذلك الأصل اشتغال الذمة و مقتضى هذا الاصل براءة الذمة فيتعارضان (و) ان قلت فليسقط الاصلان و يتمسك للاشتغال بالدليل الاجتهادى. قلت (التمسك بعموم على اليد هنا) لاشتغال الذمة (فى غير محله بعد القطع بأن هذه اليد

ص: 188

قبل تلف العين لم تكن يد ضمان بل و لا بعده اذا بنى مالك العين الموجودة على امضاء المعاطاة و لم يرد الرجوع انما الكلام فى الضمان اذا اراد الرجوع و ليس هذا من مقتضيات اليد قطعا و لكن يمكن ان يقال: ان اصالة بقاء السلطنة حاكمة على اصالة عدم الضمان بالمثل او القيمة مع ان ضمان التالف ببدله معلوم الا ان الكلام فى ان البدل هو البدل الحقيقى اعنى المثل او القيمة- او البدل الجعلى اعنى

______________________________

قبل تلف العين لم تكن يد ضمان) و على اليد انما يأتى فى اليد الضمانية (بل و لا بعده) اى بعد التلف (اذا بنى مالك العين الموجودة على امضاء المعاطاة و لم يرد الرجوع) كما لو تلف سلعة زيد فى يد عمرو فلم يرد عمرو الرجوع فى ديناره فانه لا شك فى ان عمرو لا يكون ضامنا للسلعة لأن مقابلها فى يد عمرو فعلا- و هو الدينار- (انما الكلام فى الضمان) اى ضمان ما تلف فى يده (اذا اراد) من تلف فى يده (الرجوع) الى ماله (و ليس هذا) الضمان (من مقتضيات اليد قطعا) اذ لو كان من مقتضيات اليد كان اللازم ان يكون موجودا سواء اراد الرجوع او لم يرد الرجوع.

(و لكن يمكن ان يقال) بحكومة اصل الضمان على اصل البراءة و ينتج ذلك عدم لزوم المعاطاة حتى مع تلف احدى العينين ف (: ان اصالة بقاء السلطنة) لمن اتلف مال الغير على مال نفسه الموجود فى يد الغير (حاكمة على اصالة عدم الضمان) لأن الشك فى الضمان مسبب عن الشك فى السلطنة فاذا جرت اصالة السلطنة لم يكن مجال لأصل عدم الضمان (بالمثل) فى المثلى (او القيمة) فى القيمى (مع ان ضمان التالف ببدله معلوم) فلا يجرى اصالة عدم الضمان (الا ان الكلام فى ان البدل هو البدل الحقيقى- اعنى المثل او القيمة- او البدل الجعلى) اى الّذي جعله المتعاطيان (اعنى

ص: 189

العين الموجودة فلا اصل.

هذا مضافا الى ما قد يقال من ان عموم «الناس مسلطون على اموالهم» يدل على السلطنة على المال الموجود بأخذه و على المال التالف بأخذ بدله الحقيقى و هو المثل او القيمة، فتدبر.

و لو كان احد العوضين دينا فى ذمة احد المتعاطيين

______________________________

العين الموجودة) لدى طرف المعاطاة (فلا اصل) لعدم الضمان حتى يعارض اصالة الضمان و الحاصل ان اصالة عدم الضمان لا تجرى لامرين:

الاول: لحكومة اصالة السلطنة عليها. الثانى: لأنها معارضة بالعلم الاجمالى بالضمان.

(هذا) لتقريب بقاء حق الفسخ فيما اذا كانت احدى العينين باقية (مضافا الى ما قد يقال من ان عموم «الناس مسلطون على اموالهم» يدل على السلطنة) لزيد صاحب الكتاب- مثلا- (على المال الموجود) و هو الكتاب- فيما اذا تلف دينار عمرو لدى زيد و بقى كتاب زيد لدى عمرو سالما (بأخذه) فلزيد اخذ كتابه من عمرو (و) السلطنة لعمرو (على المال التالف) كالدينار الّذي تلف عند زيد (بأخذ بدله الحقيقى) مقابل البدل الجعلى الّذي هو الكتاب (و هو البدل او القيمة فتدبر) اذ «الناس مسلطون على اموالهم» ظاهر فى كون المال موجودا، فاذا تلف الدينار لا يصدق عليه المال حتى يقال لشمول: «الناس مسلطون» للدينار التالف و لذا لم يعد الفقهاء الناس مسلطون من ادلة الضمان فى سائر الموارد، اللهم الا ان يقال: ان مقتضى الناس مسلطون تسلط صاحب الكتاب على رد كتابه و مقتضى هذا التسلط تسلط صاحب الدينار على رد مثل ديناره او قيمته.

(و لو كان احد العوضين دينا فى ذمة احد المتعاطيين) كما لو اعطى

ص: 190

فعلى القول بالملك يملكه من فى ذمته فيسقط عنه و الظاهر انه فى حكم التلف، لأن الساقط لا يعود و يحتمل العود و هو ضعيف.

و الظاهر ان الحكم كذلك على القول بالإباحة، فافهم

و لو نقل العينان او احداهما بعقد لازم فهو كالتلف

______________________________

محمد كتابا لعلى فى مقابل الدينار الّذي يطلبه على من محمد (فعلى القول ب) افادة المعاطاة (الملك يملكه) اى الدينار (من فى ذمته) كمحمد- فى المثال- (فيسقط عنه و الظاهر انه) اى السقوط لما فى الذمة (فى حكم التلف، لأن الساقط) عن الذمة (لا يعود) بحكم الاصل فانه اذا شك فى انه يعود الى ذمته ما سقط عنه كان اصل عدم العود محكما (و يحتمل العود) لأن الشك فى العود مسبب عن الشك فى حق محمد لاسترجاع كتابه، فاذا كان مقتضى أصالة السلطنة حق استرجاع محمد لكتابه كان محكما على اصالة عدم العود فاذا ارجع محمد كتابه عاد الدينار الى ذمته فتشتغل به لعلى (و هو) اى احتمال العود (ضعيف) لأنه لا دليل له من الشرع و لا شبه له.

(و الظاهر ان الحكم كذلك) اى كالملك فى انه لا يعود الدين فيما اذا كان احد العوضين دينا (على القول ب) افادة المعاطاة (الاباحة، فافهم) فانه فرق بين الاباحة و الملك اذ الناس مسلطون يجرى على تقدير الاباحة دون تقدير الملك فاللازم الفرق فى الدين بين القول بالملك و القول بالإباحة.

(و لو نقل) الطرفان (العينين او احداهما بعقد لازم) كأن باع على الكتاب، و اشترى محمد بالدينار سلعة (فهو) اى العقد اللازم (كالتلف)

ص: 191

على القول بالملك لامتناع التراد. و كذا على القول بالإباحة اذا قلنا بإباحة التصرفات الناقلة. و لو عادت العين بفسخ ففى جواز التراد على القول بالملك لإمكانه فيستصحب و عدمه لأن المتيقن من التراد هو المحقق قبل خروج العين عن ملك مالكه وجهان اجودهما ذلك اذ لم يثبت فى مقابلة اصالة اللزوم جواز التراد بقول مطلق بل المتيقن منه غير ذلك

______________________________

للعين فى انه لا يمكن الرجوع فى المعاطاة- على التفصيل المتقدم- (على القول ب) افادة المعاطاة (الملك لامتناع التراد) اذ العقد اللازم كالتلف موجب لعدم قدرة المالك الاول على استرداد الملك فان الامتناع الشرعى كالامتناع العقلى (و كذا على القول بالإباحة اذا قلنا بإباحة التصرفات الناقلة) كما لو أخذ المشترى المال بالمعاطاة، و كان المال مباحا له، ثم باعه من شخص، اما لو قلنا بعدم إباحة التصرفات الناقلة فليس للمشترى المعاطاتى نقل العين فلا موضوع لهذه المسألة (و لو) نقل المعاطاتى العين بعقد لازم و بعد ذلك (عادت العين لفسخ) اقالة او عيبا او غير ذلك (ففى جواز التراد) بين المتعاطيين (على القول ب) افادة المعاطاة (الملك لإمكانه) اى امكان التراد قبل نقله للعين فاذا شك فى انه بعد ان نقل العين و استرجعها هل يبقى حق التراد أم لا (فيستصحب) جواز التراد (و عدمه) اى عدم جواز التراد (لأن المتيقن من التراد هو المحقق قبل خروج العين عن ملك مالكه) فاذا خرج العين تبدل الموضوع فلا مجال للاستصحاب (وجهان) اى الجواز و عدمه (اجودهما ذلك) اى عدم جواز التراد (اذ لم يثبت فى مقابلة اصالة اللزوم) التابعة للملك- حيث قلنا بأن المعاطاة تفيد الملك (جواز التراد بقول مطلق) سواء قبل خروج المال عن الملك المتعاطيين او بعد (بل المتيقن عنه) اى من الخروج عن اصل اللزوم (غير ذلك) المورد اى غير مورد خروج مال

ص: 192

فالموضوع غير محرز فى الاستصحاب و كذا على القول بالإباحة لأن التصرف الناقل يكشف عن سبق الملك للمتصرف فيرجع بالفسخ الى ملك الثانى فلا دليل على زواله بل الحكم هنا اولى منه على القول بالملك لعدم تحقق جواز التراد فى السابق هنا حتى يستصحب بل المحقق اصالة بقاء سلطنة المالك الاول المقطوع بانتفائها

______________________________

عن ملكها (فالموضوع غير محرز فى الاستصحاب) فلا يجرى استصحاب جواز التراد و انما يتمسك بعد الخروج عن ملكهما باصالة اللزوم (و كذا) اى الاجود عدم جواز التراد- بعد الخروج عن ملكهما- (على القول ب) افادة المعاطاة (الاباحة لان التصرف الناقل) عن المتعاطيين (يكشف عن سبق الملك) على النقل (للمتصرف) ملكا آنا مّا- كما سبق- (فيرجع) المال (بالفسخ الى ملك الثانى) اى الناقل، لا الى ملك الاول الّذي هو طرف الناقل- مثلا اعطى محمد عليا كتابا بالمعاطاة، و قلنا بافادة المعاطاة الاباحة، ثم نقل على الكتاب الى الحسن ثم فسخت المعاملة، فان الكتاب يرجع الى على لا الى محمد، اذ وقت بيع على الكتاب صار الكتاب ملكا له

انا ما- فاذا فسخ البيع رجع الى ملكه الى ملك محمد، اذ لا دليل على رجوعه الى ملك الاول (فلا دليل على زواله) اى زوال ملك على للكتاب (بل الحكم) بعدم جواز الرجوع (هنا) على القول بالإباحة (اولى منه) اى من الحكم (على القول بالملك) اى بافادة المعاطاة الملك (لعدم تحقق جواز التراد) للمتعاطيين (فى السابق) على النقل (هنا) فى باب الاباحة (حتى يستصحب) هذا الحكم بالتراد بعد النقل (بل المحقق) قبل النقل (اصالة بقاء سلطنة المالك الاول المقطوع) ذلك الاصل (بانتفائها) اى انتفاء سلطنة المالك الاول بالنقل و الحاصل على الملك، كان الكتاب لعلى، و كان لمحمد الحق فى الاسترداد، فاذا نقله على ثم عاد الى ملكه استصحبنا بقاء حق محمد فى الاسترداد، اما على الاباحة كان الكتاب لمحمد- فى يد على- فاذا نقله على ثم رجع الكتاب إليه، لم يكن- سابقا حق استرداد حتى

ص: 193

نعم لو قلنا بان الكاشف عن الملك هو العقد الناقل فاذا فرضنا ارتفاعه بالفسخ عاد الملك الى المالك الاول و ان كان مباحا لغيره ما لم يسترد عوضه كان مقتضى قاعدة السلطنة جواز التراد لو فرض كون العوض الآخر باقيا على ملك مالكه الاول او عائدا إليه بفسخ

______________________________

يستحب- اذ فى السابق كان الكتاب لمحمد، لا ان محمدا كان يحق له الاسترداد.

(نعم) يمكن ان نقول بعود الملك الى المالك الاول- اى محمدا فى المثال- على القول بالإباحة، بتقريب ان الكتاب كان لمحمد- فى يد علي- و صار ملكا لعلى من جهة انه نقله، فاذا فسخ النقل انفسخ ملكية علي أيضا، فالكتاب عاد الى محمد فانه (لو قلنا بان الكاشف عن الملك) اى الّذي يكشف عن كون الكتاب صار ملكا لعلى- المباح له- (و هو العقد الناقل) الّذي اجراه علي مع الحسن المشترى منه (فاذا فرضنا ارتفاعه) اى العقد (بالفسخ) الّذي جرى بين علي و الحسن (عاد الملك الى المالك الاول) الّذي هو محمد (و ان كان) الملك (مباحا لغيره) الّذي هو علي فكما كان قبل بيع علي مباحا لعلي كذلك بعد ان فسخ البيع (ما لم يسترد) على المباح له- (عوضه) فما لم يأخذ علي ديناره من محمد كان الكتاب مباحا له سواء قبل ان يبيعه من الحسن او بعد ان باعه و فسخ البيع (كان) جواب «لو» (مقتضى قاعدة السلطنة) لمحمد- فى المثال- (جواز التراد لو فرض كون العوض الآخر) كالدينار فى المثال (باقيا على ملك مالكه الاول) الّذي هو علي بأن لم يتصرف فيه محمد (او عائدا إليه) اي الى مالكه الاول، (بفسخ) بأن اشترى بالدينار محمد شيئا ثم فسخ بأن عاد الدينار الى محمد، و صار الى ملك علي، اما اذا تلف الدينار، فتدخل المسألة فيما

ص: 194

و كذا لو قلنا بأن البيع لا يتوقف على سبق الملك بل يكفى فيه إباحة التصرف و الاتلاف و يملك الثمن بالبيع كما تقدم استظهاره عن جماعة فى الامر الرابع

لكن الوجهين ضعيفان بل الاقوى رجوعه بالفسخ الى البائع.

______________________________

تقدم من انه اذا تلف احد العوضين فهل هناك حق التراد أم لا.

(و كذا) عطف على قوله «نعم لو قلنا» (لو قلنا بأن البيع لا يتوقف على سبق الملك) للمباح له بان قلنا: ان بيع علي الكتاب لا يتوقف على سبق ملكه له- آنا مّا- (بل يكفى فيه) اى فى بيعه (إباحة التصرف و الاتلاف) لعلى و ان كان الملك لمحمد (و) قلنا بان عليا (يملك الثمن) للكتاب (بالبيع) بان يعطى علي كتاب محمد و يأخذ ثمنه لنفسه (كما تقدم استظهاره عن جماعة فى الامر الرابع) من انه يجوز خروج المال عن كيس شخص ليدخل الثمن فى كيس غيره، فانه على هذا الاحتمال- الّذي ذكرناه بقولنا: و كذا لو قلنا- أيضا يصح التراد اذا رجع المال الى المباح له بالفسخ لأنه لم يحدث ملك للمباح له اصلا حتى يمنع التراد.

(لكن الوجهين) اللذين ذكرناهما لصحة رجوع المال الى المالك الاول، كمحمد، بعد انفساخ بيع على من الحسن، و الوجهان هما ما ذكرناها بقولنا: «نعم لو قلنا» و «و كذا لو قلنا» (ضعيفان) لما عرفت سابقا (بل الاقوى رجوعه) اى المال- كالكتاب- (بالفسخ الى البائع) المباح له- كعلى- الا الى طرف البائع الّذي كان الكتاب له أولا، كمحمد- فى المثال- هذا كله فيما اذا كان على نقل الكتاب بالعقد اللازم، كما لو باعه مثلا.

ص: 195

و لو كان الناقل عقدا جائزا لم يكن لمالك العين الباقية الزام الناقل بالرجوع فيه و لا رجوعه بنفسه الى عينه فالتراد غير متحقق و تحصيله غير واجب.

و كذا على القول بالإباحة لكون المعاوضة كاشفة عن سبق الملك

نعم لو كان غير معاوضة، كالهبة و قلنا بان التصرف فى مثله.

______________________________

(و لو كان الناقل عقدا جائزا) كما لو وهب علي الكتاب هبة جائزة (لم يكن لمالك العين الباقية) كمحمد الّذي صار مالكا للدينار (الزام الناقل) اى علي (بالرجوع فيه) بان يقول له ارجع فى هبتك لانى اريد ارجاع الكتاب و اعطائك الدينار (و لا رجوعه بنفسه الى عينه) بان يرجع محمد الى الكتاب الّذي عند الموهوب له (فالتراد غير متحقق) فانه و ان تمكن من ارجاع الدينار لكنه لا يتمكن من استرجاع الكتاب (و تحصيله) اى تحصيل ما يحقق التراد (غير واجب) على علي بأن يسترجع الكتاب من عند الموهوب له و ذلك لأنه لا دليل على وجوب ذلك على علي كما لا دليل على جواز ذلك لمحمد بان يسترجع الكتاب من الموهوب له بدون استرجاع علي اياه.

(و كذا) التراد غير متحقق (على القول بالإباحة) فيما اذا كان نقل العين نقلا جائزا (لكون المعاوضة) الجائزة التى اجراها علي على الكتاب (كاشفة عن سبق الملك) فان الكتاب و ان كان مباحا لعلي لكن لما وهبه او اجرى عليه معاوضة جائزة صار الكتاب ملكا له- آنا مّا- كما تقدم، فالاباحة انتهت، و عليه ليس الكتاب بعد المعاوضة الجائزة ملكا لمحمد حتى يقال بانه يحق له الرجوع فيه.

(نعم لو كان) النقل الجائز الّذي اجراه على علي الكتاب (غير معاوضة كالهبة) فانها ليست معاوضة و انما ايقاع (و قلنا بان التصرف مثله)

ص: 196

لا يكشف عن سبق الملك اذ لا عوض فيه حتى لا يعقل كون العوض ما لا لواحد و انتقال المعوض الى الاخر بل الهبة ناقلة للملك من ملك المالك الى المتهب فيتحقق حكم جواز الرجوع بالنسبة الى المالك لا الواهب، اتجه الحكم بجواز التراد مع بقاء العين الاخرى او عودها الى مالكها بهذا النحو من العود

______________________________

اى مثل ما ليس بمعاوضة و كان جائزا، لا مثل تحرير العبد الّذي هو لازم و ليس بجائز (لا يكشف عن سبق الملك) الآنى لعلى (اذ لا عوض فيه) اى فى النقل غير المعاوضى (حتى لا يعقل كون العوض مالا لواحد) كعلي (و انتقال المعوض من الاخر) كانتقال الكتاب من محمد- و الحاصل ان الجهة التى تسبب عدم المعقولية- و هى ان يدخل العوض فى كيس من لا يخرج المعوض من كيسه- مفقودة فى المقام، اذ الهبة لا عوض لها حتى يقال كيف يدخل العوض فى كيس علي بينما يخرج المعوض من كيس محمد (بل الهبة ناقلة للملك) اى الكتاب (من ملك المالك) الّذي هو محمد (الى المتهب) الّذي هو الحسن، و النقل انما اجراه علي (فيتحقق) مربوط ب «نعم» (حكم جواز للرجوع) الى الكتاب (بالنسبة الى المالك) فللمالك ان يرجع الى الكتاب بان يفسخ الهبة و يأخذ الكتاب من الحسن (لا الواهب) الّذي هو علي اذ ليس المال لعلي حتى يكون له الرجوع، لفرض ان الكتاب كان مباحا لعلي لا انه ملك له (اتجه) جواب «نعم» (الحكم بجواز التراد مع بقاء العين الاخرى) كالدينار، بان يرد محمد الدينار لعلى و يأخذ الكتاب- الّذي هو بدل الدينار- من الحسن (او عودها) اى العين الاخرى (الى مالكها) الّذي هو «علي» (بهذا النحو من العود) بان كان محمد أيضا واهبا الدينار للحسين، فعلي يسترد الدينار من الحسين

ص: 197

اذ لو عاد بوجه آخر كان حكمه حكم التلف.

و لو باع العين ثالث فضولا فاجاز المالك الاول على القول بالملك لم يبعد كون اجازته رجوعا كبيعه و سائر تصرفاته الناقلة.

و لو اجاز المالك الثانى نفذ بغير اشكال و ينعكس الحكم

______________________________

و محمد يسترد الكتاب من الحسن (اذ لو عاد) اى العين الاخرى- كالدينار- الى علي (بوجه آخر) بان اشترى علي الدينار من الحسين مثلا- (كان حكمه حكم التلف) فلا يحق لمحمد ان يسترد الكتاب من الحسن، اذ لا يمكن لعلي ان يسترد ديناره من الحسين، فانه اشتراه منه قبل ذلك، و قد عرفت ان محمدا يحق له استرجاع الكتاب فيما اذا تمكن علي من استرجاع الدينار.

(و لو باع العين) المعاطاتية (ثالث فضولا) كما لو باع الكتاب الّذي عند علي العباس فضولا- بدون اجازه علي- (فاجاز المالك الاول) الّذي هو محمد (على القول بالملك) اى بافادة المعاطاة الملك- بأن افادت المعاطاة ملك علي للكتاب ملكا جائزا- (لم يبعد كون اجازته) اى اجازه محمد للبيع الفضولى (رجوعا) عن معاملته المعاطاتية- السابقة- (كبيعه) اى بيع محمد الكتاب (و سائر تصرفاته الناقلة) كالهبة المعوّضة و ما اشبه، اذ المعاطاة ملك جائز، فاذا باع محمد او اجرى عليه معاملة ناقلة او اجاز معا معاملة فضولية وقعت على الكتاب كان ذلك رجوعا منه الى الكتاب الّذي باعه من على معاطاة.

(و لو) باع العباس كتاب علي فضولة ثم (اجاز المالك الثانى) الّذي هو علي (نقذ) الفضولى (بغير اشكال) لأنه كان مالكا له فنفذ اجازته (و ينعكس الحكم) الّذي ذكرناه بقولنا فى المالك الاول: «لم يبعد» و فى المالك

ص: 198

اشكالا و وضوحا على القول بالإباحة و لكل منهما رده قبل اجازة الآخر، و لو رجع الاول فأجاز الثانى فان جعلنا الاجازة كاشفة لغى الرجوع و يحتمل عدمه لأنه رجوع قبل تصرف الآخر فينفذ و يلغو الاجازة و ان جعلناها ناقلة

______________________________

الثانى: «نفذ بغير اشكال» (اشكالا) بالنسبة الى «على» (و وضوحا) بالنسبة الى «محمد» (على القول بالإباحة) فلو باع الفضولى الكتاب الّذي ابيح لعلي- بالمعاطات- فاجاز محمد «نفذ بلا اشكال» و لو اجاز علي «لم يبعد نقوذ اجازته» (و لكل منهما) اى من محمد و على فى مثال بيع العباس للكتاب فضولة (رده) اى رد المتعامل الفضولى (قبل اجازة الآخر) اما بعد الاجازة- على تقدير صحة الاجازة- فلا مورد للرد اذ نفذت الفضولية بعد لحوق الاجازة بها (و لو رجع الاول) اى محمد فى الكتاب الّذي باعه عباس- من عند علي- فضولية (فأجاز الثانى) اى علي للمعاملة الفضولية (فان جعلنا الاجازة كاشفة) عن صحة البيع فى محله (لغى الرجوع) الّذي اجراه محمد، اذ الاجازة من علي- و لو كان متأخرا عن رد محمد، زمانا- لحقت المعاملة الفضولية فى حين المعاملة فلا ينفع ردّ محمد و لو كان الرد سابقا على الاجارة (و يحتمل عدمه) اى عدم لغوية رجوع محمد، و انما يلغوا اجازة على (لأنه رجوع) من محمد (قبل تصرف الآخر) اى علي (فيفسد و يلغو الاجازة) من على، بعد ان ردّها محمد، و قوله: «و يلغو» عطف بيان ليفسد، و فى بعض النسخ:

«فينفذ الرجوع و يلغو الاجازة» (و ان جعلناها) اى الاجازة (ناقلة) من حين الاجازة- على الاختلاف الآتي فى باب الفضولي من ان الاجازة كاشفة

ص: 199

لغت الاجازة قطعا.

و لو امتزجت العينان او احداهما سقط الرجوع على القول بالملك، لامتناع التراد و يحتمل الشركة و هو ضعيف اما على القول بالإباحة، فالاصل بقاء التسلط على ماله الممتزج بمال الغير، فيصير المالك شريكا مع مالك الممتزج به نعم لو كان المزج ملحقا له بالاتلاف جرى عليه حكم التلف و لو تصرف فى العين

______________________________

او ناقلة- و قوله: «و ان جعلناها» عطف على قوله: «فان جعلنا الاجازة» (لغت الاجازة) من علي (قطعا) لأن ردّ محمد سابق و قد بطلت الفضولية بردّه فلا موقع لاجازة على.

(و لو امتزجت العينان او احداهما) كما لو باع الدهن بالدبس معاطاة فامتزجا، او امتزج الدهن فقط- مثلا- (سقط الرجوع على القول به) افادة المعاطاة (الملك، لامتناع التراد) لأن الممتزج غير ممكن رده، (و يحتمل الشركة) بين صاحب الدهن- مثلا- و الشخص الّذي امتزج ماله بالدهن، فيصح التراد (و هو ضعيف) لأن القدر المتيقن من مورد الرجوع على القول بالملك- بقاء كل من العينين سالما- كما تقدم- (أما على القول به) افادة المعاطاة (الاباحة، فالاصل بقاء التسلّط) لصاحب الدهن الّذي اباحه للمشترى (على ماله الممتزج بمال الغير، فيصير المالك) للدهن فى المثال (شريكا مع مالك الممتزج به) مثلا: امتزج بالدهن العسل فصاحب الدهن يكون شريكا مع صاحب العسل (نعم لو كان المزج) بحيث يكون (ملحقا له) اى للمال الممزوج (بالاتلاف) كما لو امتزج سكره بماء كر بحيث لم يظهر طعم الحلاوة فى الماء (جرى عليه) اى على المال الممتزج (حكم التلف) فلا يصح الرجوع (و لو تصرف) احد المتعاطيين (فى العين

ص: 200

تصرفا مغيرا للصورة كطحن الحنطة و فصل الثوب فلا لزوم على القول بالإباحة و على القول بالملك ففى اللزوم وجهان مبنيان على جريان استصحاب جواز التراد.

و منشأ الاشكال ان الموضوع فى الاستصحاب عرفى او حقيقى.

ثم انك قد عرفت مما ذكرنا انه ليس جواز الرجوع فى مسألة المعاطاة نظير الفسخ فى العقود اللازمة حتى يورث بالموت و يسقط بالاسقاط ابتداءً او فى ضمن المعاملة بل هو.

______________________________

تصرفا مغيرا للصورة) العرفية (كطحن الحنطة و فصل الثوب) اما التصرف المغير للصورة النوعية كحرق الخشب و ما اشبه، فهذا يعد فى العرف اتلافا (فلا لزوم على القول ب) افادة المعاطاة (الاباحة) لاستصحاب بقاء سلطته و حقه على المال المتغير (و على القول بالملك ففى اللزوم) للمعاطاة بسبب تغيير الصورة (وجهان مبنيان على جريان استصحاب التراد) فاذا قلنا بالاستصحاب لا نقول باللزوم. و ان لم نقل بالاستصحاب لزم القول باللزوم

(و منشأ الاشكال) و الاحتمالين (ان الموضوع فى الاستصحاب عرفى) و عليه فالحنطة نفس الطحين عرفا فلا لزوم (او حقيقى) و عليه فالحنطة غير الطحين فالمعاطاة لازمة.

(ثم انك قد عرفت مما ذكرنا) من ان المعاطاة اما تفيد الملك المتزلزل او الاباحة (انه ليس جواز الرجوع فى مسألة المعاطاة نظير الفسخ فى العقود اللازمة) لأنها ليست كالعقود اللازمة (حتى يورث بالموت) فاذا مات المعاطاتى ورثه وارثه فى فسخ المعاطاة التى اجراها (و يسقط بالاسقاط ابتداءً) كان يقول المتعاطى: اسقطت حقى فى الرجوع (او فى ضمن المعاملة) بان يعاملا معاملة اخرى و يشترطا فى ضمن تلك المعاملة سقوط حقها فى الرجوع فى المعاطات (بل هو) اى الرجوع فى المعاطاة

ص: 201

على القول بالملك نظير الرجوع فى الهبة و على القول بالإباحة نظير الرجوع فى إباحة الطعام بحيث يناط الحكم فيه بالرضى الباطنى بحيث لو علم كراهة المالك باطنا لم يجز له التصرف.

فلو مات احد المالكين لم يجز لوارثه الرجوع على القول به الملك للاصل لأن من له و إليه الرجوع هو المالك الاصلى و لا يجرى الاستصحاب.

و لو جن احدهما فالظاهر قيام وليه مقامه فى الرجوع على القولين

______________________________

(على القول بالملك نظير الرجوع فى الهبة) الجائزة الّذي هو استرجاع لملك الغير (و على القول بالإباحة نظير الرجوع فى إباحة الطعام) كما اذا اباح زيد لعمرو طعامه ثم قال: رجعت فيه، بل (بحيث يناط الحكم فيه) اى، فى كونه مباحا (بالرضى الباطنى بحيث لو علم كراهة الملك باطنا لم يجز له التصرف) فانه لا يحل مال امرئ الا بطيب نفسه و اذا كان المأخوذ حياء كالمأخوذ غصبا.

(فلو مات احد المالكين لم يجز لوارثه الرجوع) فى ما اعطاه الطرف (على القول به) افادة المعاطاة (الملك للاصل) فان حق الرجوع شي ء لم يعلم ثبوته لوارثه (لأن من له و إليه الرجوع) اى له ان يرجع فيما اعطاه له (هو المالك الاصل) و الوارث ليس بمالك اصلى (و لا يجرى الاستصحاب) اى استصحاب بقاء الحق، لأن الوارث قبلا لم يكن له حق حتى يستصحب، و المالك الّذي كان له الحق لم يبق بل مات. اما على القول بالإباحة فالمال للمعطى، و كل ما كان للمعطى ينتقل الى وارثه و لا دليل على ان الموت يوجب نقل المال من الميت الى المعطى له.

(و لو جن احدهما فالظاهر قيام وليه مقامه فى الرجوع على القولين):

ص: 202

السابع: أن الشهيد الثانى ذكر فى المسالك وجهين فى صيرورة المعاطاة بيعا بعد التلف او معاوضة مستقلة.

قال: يحتمل الاول لأن المعاوضات محصورة و ليست احداها و كونها معاوضة برأسها يحتاج الى دليل و يحتمل الثانى لإطباقهم على انها ليست بيعا حال وقوعها فكيف يصير بيعا بعد التلف و تظهر الفائدة

______________________________

القول بالملك و القول بالإباحة، اما على الاباحة فلأنه ملك للمجنون و لا دليل على ان الجنون ينقل الملكية الى المعطى له، و من المعلوم ان حق التصرف فى الملك للولى، و اما على القول بالملك فلأن اسقاط الجنون لحق المجنون فى الارجاع خلاف الأصل فاذا ثبت الحق بالاستصحاب قام الولى مقامه فى هذا الحق (السابع: ان الشهيد الثانى ذكر فى المسالك وجهين) و احتمالين (فى صيرورة المعاطاة بيعا بعد التلف) حتى يجرى عليها احكام البيع (او معاوضة مستقلة) ليست بالمعاملات المتعارفة، و القاعدة فى مثل هذه المعاوضة ان لا تجرى عليها احكام المعاوضة المتعارفة، و انما تجرى الاحكام الكلية نحو: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ. و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ، و المؤمنون عند شروطهم. و ما اشبه.

(قال) الشهيد (: يحتمل الاول) و كونها بيعا (لأن المعاوضات محصورة) فى الامور التى ذكرت فى الكتب الفقهية (و ليست) المعاطاة (احداها) فلا بد و ان تكون بيعا (و كونها معاوضة) مستقلة (برأسها يحتاج الى دليل) و لا دليل على ذلك. (و يحتمل الثانى) و انها معاوضة مستقلة (لإطباقهم) اى اتفاق الفقهاء (على انها ليست بيعا حال وقوعها) اى حال التعاطى (فكيف يصير بيعا بعد التلف) اذ لا دليل على ان التلف يصبغ المعاطاة بصبغة البيع (و تظهر الفائدة) فى كونها بيعا

ص: 203

فى ترتب الاحكام المختصة بالبيع عليها كخيار الحيوان لو كان التالف الثمن او بعضه و على تقدير ثبوته فهل الثلاثة من حين المعاطاة او من حين اللزوم كل محتمل.

و يشكل الاول بقولهم: انها ليست بيعا.

______________________________

او معاملة مستقلة (فى ترتب الاحكام المختصة بالبيع عليها كخيار الحيوان لو كان التالف الثمن) فى ضمن ثلاثة ايام (او بعضه) اى بعض الثمن، فانه ان كان بيعا كان للمشترى الخيار فى رد الحيوان و الرجوع الى الثمن مثلا او قيمته، و ان لم يكن بيعا لم يكن له الخيار، اذ لا دليل على ان كل مبادلة طرفها الحيوان يجرى فيها الخيار، و كذلك خيار المجلس فيما لو تلف فى المجلس. و هكذا (و على تقدير ثبوته) اى ثبوت خيار الحيوان فى المعاطاة لكونها بيعا (فهل الثلاثة) الايام التى هى ايام الخيار (من حين المعاطاة) حتى اذا كان التلف فى اليوم الثانى لم يكن له الخيار الّا فى يوم و بعض يوم و لو كان التلف بعد الثلاثة سقط الخيار لانقضاء الثلاثة (او من حين اللزوم) المحقق بتلف الثمن او بعضه فى اى وقت حصل التلف (كلّ) من كون الخيار من حين التلف، او من وقت المعاطات (محتمل) اما احتمال كونه من حين المعاطاة، لأنه وقت الانتقال، و الخيار يثبت من وقت النقل و الانتقال. و اما احتمال كونه من حين اللزوم فلأن الخيار انما يرفع اللزوم و المعاطاة قبلا لم تكن لازمة حتى تحتاج الى الخيار، بالإضافة الى ان المعاطاة قبل اللزوم لم تكن بيعا و خيار الحيوان انما هو فى البيع.

(و يشكل الاول) اى كونه من حين المعاطاة (بقولهم: انها ليست بيعا) فكيف يثبت الخيار فيما ليس ببيع.

ص: 204

و يشكل الثانى بأن التصرف ليس معاوضة بنفسها.

اللهم الّا ان يجعل المعاطاة جزء السبب و التلف تمامه و الاقوى عدم ثبوت خيار الحيوان هنا بناء على انها ليست لازمة و انما يتم على قول المفيد و من تبعه و اما خيار العيب و الغبن فيثبتان على التقديرين كما ان خيار المجلس منتف انتهى

و الظاهر ان هذا تفريع على القول بالإباحة فى المعاطاة.

و اما على القول بكونها مفيدة للملك المتزلزل

______________________________

(و) يشكل (الثانى) اى كونه من حين اللزوم (بأن التصرف ليس معاوضة بنفسها) حتى يكون مبدأ الخيار، و مبدأ الخيار انما هو من حين المعاوضة.

(اللهم الّا ان يجعل المعاطاة جزء السبب و التلف تمامه) فيتحقق بالتلف السبب فيكون ذلك وقت المعاوضة و مبدأ الخيار (و الاقوى عدم ثبوت خيار الحيوان هنا) فى المعاطاة اصلا، (بناء على انها ليست لازمة) و ما لا لزوم له لا خيار فيه (و انما يتم) خيار الحيوان فى المعاطاة (على قول المفيد و من تبعه) من ان المعاطاة معاملة لازمة- كما تقدم- (و اما خيار العيب و الغبن) فى المعاطاة (فيثبتان على التقديرين) اى تقدير كون المعاطاة بيعا او معاملة مستقلة لأنهما ليسا خاصين بالبيع (كما ان خيار المجلس منتف) لأن مجلس المعاطاة لا لزوم له حتى يثبت الخيار و حال التلف ليس بمجلس المعاملة حتى يثبت الخيار (انتهى) كلام الشهيد.

(و الظاهر) من سياق كلام الشهيد (ان هذا) الكلام كله (تفريع على القول بالإباحة فى المعاطاة).

(و اما على القول بكونها مفيدة للملك المتزلزل) كما قاله المحقق الثانى

ص: 205

فينبغى الكلام فى كونها معاوضة مستقلة او بيعا متزلزلا قبل اللزوم حتى يتبعه حكمها بعد اللزوم اذ الظاهر انه عند القائلين بالملك المتزلزل بيع بلا اشكال فى ذلك عندهم على ما تقدم من المحقق الثانى فاذا لزم صار بيعا لازما فيلحقه احكام البيع عدا ما استفيد من دليله ثبوته للبيع العقدى الّذي مبناه على اللزوم لو لا الخيار، و قد تقدم ان الجواز هنا لا يراد به ثبوت الخيار

______________________________

(فينبغى الكلام فى كونها معاوضة مستقلة او بيعا متزلزلا قبل اللزوم) الّذي يتحقق بالتلف (حتى يتبعه حكمها) اى حكم المعاطاة (بعد اللزوم) و الحاصل، انه لو قلنا بافادة المعاطاة الاباحة صح ان يقال انها بعد التلف بيع او معاوضة مستقلة، و اما لو قلنا بافادة المعاطاة الملك المتزلزل فلا مجال لأن يقال انها بعد اللزوم بيع او معاوضة مستقلة، اذ الملك المتزلزل المتحقق قبل التلف هو نفس البيع فلا معنى لاحتمال كونها بيعا بعد اللزوم، و قد ذكر سبب قوله «فيلغى» بقوله: (اذ الظاهر انه) التعامل المعاطاتى (عند القائلين بالملك المتزلزل بيع) فلا وجه لاحتمال كونها بيعا بعد اللزوم (بل لا اشكال فى ذلك) اى فى كونها بيعا- عند القائل بالملك المتزلزل- (عندهم على ما تقدم من المحقق الثانى) و عليه (فاذا لزم) بتلف احد الطرفين (صار بيعا لازما) بعد ان كان بيعا جائزا (فيلحقه احكام البيع عدا ما استفيد من دليله) الضمير عائد الى «ما» و مصداق «ما» «الحكم» اى سوى الحكم الّذي استفيد من دليل ذلك الحكم (ثبوته للبيع العقدى الّذي مبناه) اى مبنى ذلك البيع (على اللزوم لو لا الخيار، و) ليس المعاطاة مما بنى على اللزوم لو لا الخيار لما (قد تقدم ان الجواز هنا) فى باب المعاطاة (لا يراد به ثبوت الخيار) بل الجواز ذاتى للمعاطاة كالجواز فى الهبة، ثم انه لا يخفى ان بعض المحشين

ص: 206

و كيف كان فالاقوى انها- على القول بالإباحة-: بيع عرفى لم يصححه الشارع و لم يمضه الا بعد تلف احدى العينين او ما فى حكمه و بعد التلف يترتب عليه احكام البيع عدا ما اختص دليله بالبيع الواقع صحيحا من اوّل الامر.

و المحكى عن حواشى الشهيد ره ان المعاطاة معاوضة مستقلة جائزة او لازمة و الظاهر انه اراد التفريع على مذهبه من الاباحة

______________________________

صححوا عبارة المتن بما هو خلاف الظاهر من غير حاجة إليه- فراجع حواشى الشهيد «ره» و غيره- كما ان استظهار المصنف ما ذكره محل مناقشه.

(و كيف كان فالاقوى انها) اى المعاطاة (- على القول بالإباحة بيع عرفى لم يصحه الشارع و لم يمضه الا بعد تلف احدى العينين) اما انه بيع عرفى فلانا نرى العرف يحكمون عليها بأنها بيع و اما ان الشارع لم يمضه و ان الامضاء بعد التلف فلما تقدم من الدليل على ذلك (او ما فى حكمه) اى ما فى حكم التلف كالنقل اللازم و ما اشبه- مما قد سبق- (و بعد التلف يترتب عليه احكام البيع عدا ما) اى الحكم الّذي (اختص دليله) اى دليل ذلك الحكم (بالبيع الواقع صحيحا من اوّل الامر) كخيار المجلس و ما اشبه.

(و) الظاهر ان (المحكى عن حواشى الشهيد ره) من (ان المعاطاة معاوضة مستقلة جائزة او لازمة، و الظاهر انه اراد التفريع على مذهبه من الاباحة) يعنى ان المعاطاة بناء على القول بالإباحة معاوضة جائزة او لازمة

ص: 207

و كونها معاوضة قبل اللزوم من جهة كون كل من العينين مباحا عوضا عن الاخرى لكن لزوم هذه المعاوضة لا يقتضي حدوث الملك كما لا يخفى فلا بد ان يقول بالإباحة اللازمة فافهم.

الثامن: لا اشكال فى تحقق المعاطاة المصطلحة- التى هى معركة الآراء بين الخاصة و العامة- بما اذا تحقق إنشاء التمليك او الاباحة بالفعل و هو قبض العينين اما اذا حصل بالقول غير الجامع لشرائط اللزوم فان قلنا بعدم اشتراط اللزوم بشي ء زائد على الانشاء اللفظى كما قويناه

______________________________

(و كونها معاوضة) اباحية (قبل اللزوم) الحاصل بالتلف (من جهة كون كل من العينين مباحا عوضا عن الاخرى) «من» متعلق ب «معاوضة» (لكن لزوم هذه المعاوضة لا يقتضي حدوث الملك) لما عرفت سابقا من ان لزوم امر لا يلازم الملك بل المعاوضة لازمة من باب: المؤمنون عند شروطهم .. و ما اشبه (كما لا يخفى فلا بد ان يقول) الشهيد (بالإباحة اللازمة فافهم) فان القول بالإباحة اللازمة غير مألوف عندهم بل قد عرفت سابقا ان المعاطاة اما إباحة او ملك، و بعد التلف ملك.

(الثامن: لا اشكال فى تحقق المعاطاة المصطلحة- التى هى معركة الآراء) و مصب الافكار (بين الخاصة و العامة- بما اذا تحقق إنشاء التمليك او الاباحة بالفعل) خارجا (و هو قبض العينين) سواء كان القابض اصيلا او وكيلا (اما اذا حصل) التعاطى (بالقول) فقط (غير الجامع لشرائط اللزوم) كما اذا اجريا اللفظ غير العربى، او قدم القبول على الايجاب، او ما اشبه، مما قلنا باعتباره فى عقد البيع.

(فان قلنا بعدم اشتراط اللزوم) فى البيع (بشي ء زائد على الانشاء اللفظى- كما قويناه سابقا) فالمعتبر فى العقد لفظ دال على الانشاء

ص: 208

بناء على التخلص بذلك عن اتفاقهم على توقف العقود اللازمة على اللفظ فلا اشكال فى صيرورة المعاملة بذلك عقدا لازما.

و ان قلنا بمقالة المشهور من اعتبار امور زائدة على اللفظ فهل يرجع ذلك الانشاء القولى الى حكم المعاطاة مطلقا او بشرط تحقق قبض العين معه أو لا يتحقق به مطلقا.

نعم اذا حصل إنشاء آخر بالقبض المتحقق بعده تحقق

______________________________

فقط (بناء على التخليص بذلك) اى بانشاء اللفظ (من اتفاقهم على توقف العقود اللازمة على اللفظ) حتى انه لو لم يكن الاتفاق المذكور لقلنا بعدم الاحتياج الى اللفظ مطلقا، بل قد عرفت سابقا ان الترجيح مع هذا القول فان الاتفاق محصله غير حاصل و منقوله غير مقبول، فالاقوى ان المعاطاة الفعلية كالبيع فى جميع الامور (فلا اشكال فى صيرورة المعاملة بذلك) اى باللفظ غير الواجد لجميع الشرائط (عقدا لازما) لوجود الانشاء باللفظ فيه- و قد عرفت ان المعتبر هذا فقط-

(و ان قلنا بمقالة المشهور من اعتبار امور زائدة على اللفظ) فى انعقاد البيع كالعربية و تقديم الايجاب و الموالاة و ما اشبه (فهل يرجع ذلك الانشاء القولى) الّذي لم يقارنه التعاطى و لا شرائط العقد اللفظى (الى حكم المعاطاة مطلقا او بشرط تحقق قبض العين معه) فاذا كان لفظ و قبض كان فى حكم المعاطاة (او لا يتحقق به) اى بالانشاء (مطلقا) سواء قبض العين أم لا.

(نعم اذا حصل إنشاء آخر بالقبض المتحقق بعده) اى بعد الانشاء اللفظى بان إنشاء أولا باللفظ، ثم لما اراد اعطاء العين لم يعطها اداء لما عليه و انما انشأ المعاطاة الفعلية (تحقق

ص: 209

المعاطاة فالانشاء القولى السابق كالعدم لا عبرة به و لا بوقوع القبض بعده خاليا عن قصد الانشاء بل بانيا على كونه حقا لازما لكونه من آثار الانشاء القولى السابق نظير القبض فى العقد الجامع للشرائط.

ظاهر كلام غير واحد من مشايخنا المعاصرين الاول تبعا لما يستفاد من ظاهر كلام المحقق و الشهيد الثانيين قال المحقق فى صيغ عقوده انه لو اوقع البيع بغير ما قلناه و علم التراضي منهما كان معاطاة.

______________________________

المعاطاة) بهذا الانشاء الفعلى المتأخر لا بالإنشاء اللفظى المتقدم (فالانشاء القولى السابق) على الاعطاء (كالعدم) اى كعدم الانشاء (لا عبرة به) لانه ليس جامعا للشرائط حتى يكون عقدا و لا مقترنا بالتعاطى حتى يكون المعاطاة (و لا) عبرة (بوقوع القبض بعده) اى بعد ذلك الانشاء (عن مقصد الانشاء بل) كان القبض (بانيا على كونه حقا لازما لكونه من آثار الانشاء القولى السابق) فهو وفاء لا إنشاء (نظير القبض فى العقد الجامع للشرائط) حيث ان هذا القبض ليس إنشاء مستقلا بل من آثار الانشاء السابق.

(ظاهر كلام غير واحد من مشايخنا المعاصرين الاول) اى رجوع ذلك الانشاء القولى الناقل للشرائط و للتعاطى الى حكم المعاطات (تبعا لما يستفاد من ظاهر كلام المحقق و الشهيد الثانيين قال المحقق فى) كتاب (صيغ عقوده) على ما حكى عنه- بعد ذكر الشروط المعتبرة فى الصيغة (انه لو اوقع البيع بغير ما قلناه) من الشرائط المقررة فى البيع (و علم التراضي منهما) بالتبادل (كان معاطاة) و اطلاقه شامل لما اذا اقترن بالتعاطى أم لا.

ص: 210

و فى الروضة فى مقام عدم كفاية الاشارة مع القدرة على النطق انها تفيد المعاطاة مع الافهام الصريح و ظاهر الكلامين صورة وقوع الانشاء بعد القبض بل يكون القبض من آثاره.

و ظاهر كثير كصريح جماعة منهم المحقق و العلامة بانه لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملك و كان مضمونا عليه هو الوجه الاخير لان مرادهم بالعقد الفاسد اما خصوص ما كان فساده من جهة مجرد اختلال شروط، الصيغة كما ربما يشهد به ذكر هذا الكلام بعد شروط الصيغة

______________________________

(و فى الروضة فى مقام عدم كفاية الاشارة مع القدرة على النطق) فى مسألة اجراء الصيغة، قال: (انها) اى الاشارة (تفيد المعاطاة مع الافهام الصريح) فاذا كانت الاشارة مفيدة للمعاطاة كانت الصيغة غير الجامعة للشرائط مفيدة للمعاطاة بطريق اولى (و ظاهر الكلامين) من المحقق و و الشهيد (صورة وقوع الانشاء) باللفظ (بعد القبض بل يكون القبض من آثاره) اى آثار الانشاء اللفظى السابق، هذا.

(و) لكن (ظاهر كثير) من الفقهاء (كصريح جماعة منهم المحقق و العلامة) حيث قالوا: (بانه لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملك و كان) الشي ء المقبوض (مضمونا عليه) اى على القابض (هو الوجه الاخير) و ان الانشاء القولى الفاقد للشرائط، غير المقترن بالقبض لا يفيد بيعا و لا معاطاة (لان مرادهم بالعقد الفاسد اما خصوص ما كان فساده من جهة مجرد اختلال شروط الصيغة) كالعربية، و تقديم الايجاب على القبول و غيرهما (كما ربما يشهد به) اى بكون مرادهم اختلال شروط الصيغة (ذكر) المشهور (هذا الكلام) اى قولهم: «ما ابتاعه بالعقد الفاسد» (بعد شروط الصيغة و

ص: 211

و قبل شروط العوضين و المتعاقدين او ما يشمل هذا و غيره كما هو الظاهر.

و كيف كان فالصورة الاولى داخلة قطعا، و لا يخفى ان الحكم فيها بالضمان مناف لجريان حكم المعاطاة و ربما يجمع بين هذا الكلام و ما تقدم من المحقق و الشهيد الثانيين فيقال: ان موضوع المسألة- فى عدم

______________________________

و قبل شروط العوضين و) شروط (المتعاقدين) مثل شرط كون العوض مالا مملوكا، و كون العاقدين بالغين عاقلين- الى غيرها- (او) مرادهم بالعقد الفاسد (ما يشمل هذا) اى اختلال شروط الصيغة (و غيره) اى ما كان مختلا للشروط من جهة المتعاقدين او العوضين (- كما هو الظاهر) اى كون مرادهم الاعم من اختلال شروط الصيغة او العوضين و المتعاقدين

(و كيف كان) سواء كان مرادهم خصوص اختلال شروط الصيغة، او الاعم منه و من اختلال شروط العوضين و المتعاقدين (فالصورة الاولى) اى ما كان مختلا لشروط الصيغة (داخلة) فى قولهم: «لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد .. الخ» (قطعا، و لا يخفى ان الحكم فيها) اى فى الصورة الاولى (بالضمان) لما قبضه (مناف لجريان حكم المعاطات) اذ لو كان محكوما بحكم المعاطاة لم يكن ضمان (و) لكن (بما يجمع بين هذا الكلام) اى قولهم المقبوض بالعقد الفاسد يوجب الضمان (و) بين (ما تقدم من المحقق الشهيد الثانيين) حيث قالوا ان المقبوض بالعقد الفاسد فى حكم المعاطاة و الحاصل انه يجمع بين دعواه الاتفاق على ان المقبوض بالعقد الفاسد يوجب الضمان، و بين فتوى المحقق و الشهيد بأن المقبوض بالعقد الفاسد معاطاة- مما معناه عدم الضمان- (فيقال: ان موضوع المسألة فى عدم

ص: 212

جواز التصرف بالعقد الفاسد- ما اذا علم عدم الرضا الا بزعم صحة المعاملة فاذا انتفت الصحة انتفى الاذن لترتبه على زعم الصحة فكان التصرف تصرفا بغير اذن و أكلا للمال بالباطل لانحصار وجه الحلّ فى كون المعاملة بيعا او تجارة عن تراض او هبة او نحوها من وجوه الرضا بأكل المال من غير عوض و الا و لان قد انتفيا بمقتضى الفرض و كذا البواقى للقطع- من جهة زعمهما صحة المعاملة- بعدم الرضا بالتصرف مع عدم بذل شي ء فى المقابل فالرضا المقدم كالعدم فان تراضيا بالعوضين بعد العلم بالفساد

______________________________

جواز التصرف بالعقد الفاسد-) مما ادعى عليه الاتفاق (ما اذا علم عدم الرضا الا بزعم صحة المعاملة) بان كان الرضا على نحو التقييد (فاذا انتفت الصحة انتفى الاذن) فى التصرف (لترتبه) اى الاذن (على زعم الصحة فكان التصرف تصرفا بغير اذن و اكلا للمال بالباطل) فان الاذن المعاملى قد انتفى و الاذن غير المعاملى ليس بموجود (لانحصار وجه الحل فى كون المعاملة بيعا او تجارة عن تراض) غير البيع كسائر انحاء التجارة (او هبة او نحوها من وجوه الرضا بأكل المال من غير عوض) كالهدية و الضيافة و ما اشبه (و الاولان) اى البيع و التجارة (قد انتفيا بمقتضى الفرض) لأن المفروض فساد المعاملة (و كذا البواقى) اى الهبة و نحوها (للقطع- من جهة زعمهما صحة المعاملة- بعدم الرضا بالتصرف مع عدم بذل شي ء فى المقابل)، «بعدم» متعلق ب: القطع، يعنى انا نقطع انهما لا يرضيان بان يكون مالها بلا بدل، اذ انهما يزعمان ان المعاملة صحيحة و ان كل مال بإزائه بدل، (فالرضا المقدم) الّذي كان موجودا بالتعامل (كالعدم) اذ لم يتحقق بسبب بطلان المعاملة (فان تراضيا بالعوضين بعد العلم بالفساد)

ص: 213

و استمر رضاهما فلا كلام فى صحة المعاملة، و رجعت الى المعاطاة كما اذا علم الرضا من اوّل الامر باباحتهما التصرف باى وجه اتفق سواء صحت المعاملة او فسدت فان ذلك ليس من البيع الفاسد فى شي ء.

اقول: المفروض ان الصيغة الفاقدة لبعض الشرائط لا تتضمن الا إنشاء واحدا هو التمليك و من المعلوم ان هذا المقدار لا يوجب بقاء الاذن، الحاصل فى ضمن التمليك بعد فرض انتفاء التمليك.

______________________________

للمعاملة (و استمر رضاهما) الى زمان القبض بان كان قبضا عن إنشاء رضى معاطاتى (فلا كلام فى صحة المعاملة، و رجعت الى المعاطاة) و ذلك مثل المعاطاة الابتدائية (كما اذا علم الرضا من اوّل الامر باباحتهما التصرف بأى وجه اتفق سواء صحت المعاملة او فسدت) بان كان مقصودهما الوصول الى العوضين من كون مدخلية المعاملة فى نظرهما الا طريقا الى التوصل المذكور (فان ذلك) الرضا (ليس من البيع الفاسد فى شي ء) هذا غاية تقريب صحة التصرف بعد فساد المعاملة، و حيث ان هذا التقريب اشتمل على صحة التصرف أولا: من جهة حصول المعاطاة بالتراضى الجديد حيث قال: «فان تراضيا» و ثانيا: من جهة حصول المعاطاة بالتراضى الضمنى حال العقد حيث قال «كما اذا علم الرضا» اجاب المصنف عن الامرين فاجاب عن الثانى بقوله: «المفروض» و اجاب عن الاول بقوله: «و منه يعلم»

(اقول: المفروض ان الصيغة الفاقدة لبعض الشرائط لا تتضمن الا إنشاء واحدا هو التمليك) العقدى (و من المعلوم ان هذا المقدار) من التمليك (لا يوجب بقاء الاذن الحاصل فى ضمن التمليك بعد فرض انتفاء التمليك) اذ الاذن و الرضا كان مقيدا لا ان التمليك كان على نحو التعدد فى المطلوب فان من

ص: 214

و الموجود بعده ان كان إنشاء آخر فى ضمن التقابض خرج عن محل الكلام لأن المعاطاة حينئذ انما تحصل به لا بالعقد الفاقد للشرائط مع انك قد عرفت ان ظاهر كلام الشهيد و المحقق الثانيين حصول المعاوضة و المراضاة بنفس الاشارة المفهمة بقصد البيع و بنفس الصيغة الخالية و عن الشرائط لا بالتقابض الحاصل بعدهما و منه يعلم فساد ما ذكره من حصول المعاطاة

______________________________

يعامل معاملة لا يريد شيئين، و لا ينشأ إنشاءين حتى اذا فقد الانشاء المقيد بقى الانشاء المطلق (الموجود بعده) اى بعد التمليك (ان كان إنشاء آخر فى ضمن التقابض) بان تقولون: بان الانشاء المعاطاتى لم يحصل فى ضمن العقد الفاسد و انما حصل فى ضمن التقابض- فأثر (خرج عن محل الكلام) الّذي هو حصول الانشاء بالعقد (لأن المعاطاة حينئذ) اى حين كون انشائها بالتقابض (انما تحصل به) اى بالانشاء الجديد حال التقابض (لا بالعقد الفاقد للشرائط) و هذا خلاف كلام المصحح للمعاطاة بالعقد الفاسد فكيف يمكن ان ينسب هذا الكلام الى المصحح (مع انك قد عرفت ان ظاهر كلام الشهيد و المحقق الثانيين حصول المعاوضة و المراضاة بنفس الاشارة المفهمة بقصد البيع و بنفس الصيغة الخالية من الشرائط) فكيف يجمع بين كلامهما بالصحة و كلام المشهور بالفساد، بان كلامهم فى ما اذا لم يكن رضى، و كلامهما فيما اذا حدث الرضا بعد ذلك، اذ كلامهما فيما اذا كان الرضا بنفس العقد (لا بالتقابض الحاصل بعدهما) اى بعد الاشارة و بعد الصيغة الفاقدة للشرائط (و منه) اى مما ذكرنا من ان كلامهما فى حصول الرضا بنفس العقد- لا بأمر جديد- (يعلم فساد ما ذكره) الّذي اراد الجمع بين الكلام المشهور و بين كلامهما (من حصول المعاطاة

ص: 215

بتراض جديد بعد العقد غير مبنى على صحة العقد.

ثم ان ما ذكره من التراضي الجديد- بعد العلم بالفساد- مع اختصاصه بما اذا علما بالفساد دون غيره من الصور- مع ان كلام الجميع مطلق- يرد عليه ان هذا التراضي إن كان تراضيا آخر حادثا بعد العقد فان كان لا على وجه المعاطاة بل كل منهما رضى بتصرف الآخر فى ماله من دون ملاحظة رضى صاحبه بتصرفه فى ماله فهذا ليس من المعاطاة بل هى إباحة مجانية من الطرفين تبقى ما دام العلم بالرضا و لا يكفى.

______________________________

بتراض جديد بعد العقد) اى تراض (غير مبنى على صحة العقد) و هذا جواب قوله: «فان تراضيا»، و انما يعلم ذلك، لانك علمت ان كلامهما فى التراضي الحاصل بالاشارة حال العقد، لا انه تراض جديد.

(ثم ان ما ذكره) الجامع (من التراضي الجديد- بعد العلم بالفساد) العقد (مع اختصاصه) اى هذا التراضي المتوقف على العلم بالفساد (بما اذا علما بالفساد دون غيره من الصور) بان قطعا بعدم الفساد، او شكا فيه، او ظنا، او وهما له (- مع ان كلام الجميع مطلق-) شامل لصورة العلم بالفساد و غيره (يرد عليه ان هذه التراضي إن كان تراضيا آخر) غير التراضي العقدى (حادثا بعد العقد فان كان) التراضي (لا على وجه المعاطاة بل كل منهما رضى بتصرف الآخر فى ماله من دون ملاحظة رضى صاحبه بتصرفه فى ماله) كان رضى محمد بتصرف على فى الكتاب من دون ملاحظة رضى على بتصرف محمد فى الدينار- و كذا العكس- حتى يكون الرضا ابتدائيا، لا رضا معاوضيا (فهذا ليس من المعاطاة بل هى إباحة مجانية من الطرفين) هذا اباح لذاك ماله، و ذاك اباح لهذا ماله (تبقى) هذه الاباحة المجانية (ما دام العلم بالرضا) فاذا انتفى العلم بالرضا انتفت (و لا يكفي

ص: 216

فيه عدم العلم بالرجوع لأنه كالإذن الحاصل من شاهد الحال و لا يترتب عليه اثر المعاطاة من اللزوم بتلف احدى العينين او جواز التصرف الى حين العلم بالرجوع و إن كان على وجه المعاطاة فهذا ليس الا التراضي السابق على ملكية كل منهما لمال الآخر و ليس ترضيا جديدا بناء على ان المقصود بالمعاطاة التمليك كما عرفته من كلام المشهور خصوصا المحقق الثانى

______________________________

فيه) اى فى جواز التصرف المستند الى هذه الاباحة المجانية (عدم العلم بالرجوع) فاذا شك فى ان صاحبه رجع فى اذنه أم لا، لا يجوز له التصرف بعد ذلك، و انما لا يكفى عدم العلم بالرجوع (لأنه كالأذن الحاصل من شاهد الحال) لا يحقّ للمأذون ان يتصرف فى المال بعد الشك كما اذا كان صديقا لزيد و علم من شاهد الحال ان زيدا راض بان يتصرف فى داره ثم حدثت بينهما عداوة فانه اذا شك فى بقاء الاذن و عدمه لا يجوز له ان يتصرف فانه لا يحل مال امرئ الا بطيب نفسه، و المفروض انه شك فى طيب نفس زيد (و لا يترتب عليه) اى على هذا النحو من الاباحة و الاذن (اثر المعاطاة من اللزوم بتلف احدى العينين، او جواز التصرف الى حين العلم بالرجوع) فلا يمكن تصحيح قول المعاطاتى، بمثل هذا الاذن الاباحى (و إن كان على وجه المعاطاة) هذا شق لقوله: «فإن كان لا على وجه المعاطاة» (فهذا ليس الا التراضي السابق على ملكية كل منهما المال الآخر) «على» متعلق ب «التراضي» (و ليس ترضيا جديدا) اذ لا رضى جديد بالملك بعد العقد الفاسد (بناء على ان المقصود بالمعاطاة التمليك كما عرفته من كلام المشهور) على ما استظهرناه سابقا خلافا لمن نسب إليهم من ان، مرادهم الاباحة (خصوصا المحقق الثانى) الّذي كان كلامه صريحا فى

ص: 217

فلا يجوز له ان يريد بقوله المتقدم- عن صيغ العقود- ان الصيغة الفاقدة للشرائط مع التراضي تدخل فى المعاطاة التراضي الجديد الحاصل بعد العقد لا على الوجه المعاوضة.

و تفصيل الكلام ان المتعاملين بالعقد الفاقد بعض الشرائط اما ان يقع تقابضهما بغير رضى من كل منها فى تصرف الاخر بل حصل قهرا عليهما أو على احدهما

______________________________

التمليك و الحاصل ان الرضا بالتصرف اللاحق لا يلائم الملك و انما يلائم الملك الرضى العقدى السابق و ذلك لان الرضا اللاحق ليس على الوجه المعاوضة فالرضا المعاوضى المعاطاتى ليس بموجود الا حين العقد الفاسد (ف) ان المحقق الّذي يقول بالتمليك (لا يجوز له ان يريد بقوله المتقدم- عن صيغة العقود-) «عن» متعلق ب «المتقدم» (ان الصيغة الفاقدة للشرائط مع التراضي تدخل فى المعاطاة) هذا مفعول قوله: لقوله» (للتراضى الجديد الحاصل بعد العقد لا على وجه المعاوضة) فتحصل ان الجامع قال بوجود الرضا- اللاحق على العقد الفاسد- و الشيخ اشكل عليه بانه ان اراد الرضا لا على وجه المعاطاة، فانه لا يترتب عليه اثر المعاطاة، و الحال ظاهر الشهيد و المحقق ان الرضا يؤثر اثر المعاطاة و ان اراد الرضا على وجه المعاطاة فانه لا رضى معاطاتى بعد العقد الفاسد و انما هو مقارن بالعقد فقط.

(و تفصيل الكلام ان المتعاملين بالعقد الفاقد) ذلك العقد (بعض الشرائط اما ان يقع تقابضهما) للمالين (بغير رضى كل منهما فى تصرف الآخر بل حصل) التقابض (قهرا عليهما) كما لوند ندما بعد العقد و ودا لو لم يعقدا ذلك العقد (او) قهرا (على احدهما) بان لم يرض احدهما

ص: 218

و اجبارا على العمل بمقتضى العقد فلا اشكال فى حرمة التصرف فى المقبوض على هذا الوجه و كذا اذا وقع على وجه الرضا الناشئ عن بناء كل منهما على ملكية الآخر اعتقادا او تشريعا كما فى كل قبض وقع على هذا الوجه لأن حيثية كون القابض مالكا مستحقا لما يقبضه جهة تقييدية مأخوذة فى الرضا ينتفى بانتفائها فى الواقع كما فى نظائره.

______________________________

بالتقابض لانه ندم على ما فعل (و اجبارا على العمل بمقتضى العقد) حتى انه لو لم يكن عقد سابقا لم يعقد حالا (فلا اشكال) حينئذ سواء كان الكره من كليهما او من احدهما (فى حرمة التصرف فى القبوض على هذا الوجه) الكرهى اذ المفروض ان العقد فاسد و الرضا ليس بحاصل (و كذا اذا وقع) التقابض (على وجه الرضا الناشئ عن بناء كل منهما على ملكية الآخر) بان كان الرضا مقيدا و الا لم يكن راضيا (اعتقادا) بان العقد صحيح (او تشريعا) كالغاصب الّذي يقبض ما اشتراه و يعطى ما باعه، فان قبضه و اقباضه انما يكون على وجه الرضا الناشئ من بناءه ملكية الطرف تشريعا- بحيث انه لو لا ذلك التشريع لم يكن راضيا فيما اذا ندم على المعاملة- (كما فى كل قبض وقع على هذا الوجه) اى وجه الرضا المقيد (لأن حيثية كون القابض مالكا مستحقا لما قبضه جهة تقييدية مأخوذ فى الرضا) فالرضا مقيد بكون المال مستحقا للغير (ينتفى) الرضا (بانتفائها) اى بانتفاء هذه الجهة التقييدية (فى الواقع) متعلق «بانتفائها» (كما فى نظائره) اى نظائر هذا المقام مما كان الرضا مقيدا بقيد فرضى الشخص بناء على ذلك القيد فانه اذا لم يكن القيد فى الواقع انتفى الرضا أيضا.

ص: 219

و هذان الوجهان مما لا اشكال فيه فى حرمة التصرف فى العوضين كما انه لا اشكال فى الجواز اذا اعرضا عن اثر العقد و تقابضا بقصد إنشاء التمليك ليكون معاطاة صحيحة عقيب عقد فاسد و اما ان وقع الرضا بالتصرف بعد العقد من دون ابتنائه على استحقاقه بالعقد السابق و لا قصد لانشاء تمليك بل وقع مقارنا لاعتقاد الملكية الحاصلة بحيث لولاها كان الرضا أيضا موجودا و كان المقصود الاصلى من المعاملة التصرف و اوقعا العقد الفاسد وسيلة له و يكشف عنه انه لو سئل كل منهما من رضاه بتصرف صاحبه على تقدير عدم التمليك

______________________________

(و هذان الوجهان) اى كون التقابض بغير الرضا و التقابض بالرضا المقيد بالجهة المذكورة (مما لا اشكال فيه فى حرمة التصرف فى العوضين) فيما اذا تحقق احد الوجهين (كما انه لا اشكال فى الجواز) اى جواز التصرف فى العوضين (اذا اعرضا عن اثر العقد) بان لم يكن التقابض مستندا الى اثر العقد (و تقابضا بقصد إنشاء التمليك ليكون) التقابض الحالى (معاطاة صحيحة عقب عقد فاسد) فلا اثر للعقد الفاسد اصلا (و اما ان وقع الرضا بالتصرف بعد العقد من دون ابتنائه) اى ابتناء الرضا (على استحقاقه) اى التقابض (بالعقد السابق) كالقسم الاول (و لا قصد لانشاء تمليك) جديد كالقسم الثانى (بل وقع) التقابض (مقارنا لاعتقاد الملكية الحاصلة) بسبب العقد (بحيث لولاها) اى الملكية (كان الرضا أيضا موجودا) لأن الطرفين احتاجا الى الملكين فرضيا رضا مطلقا سواء قارن الملك أم لا، فلم يكن الرضا على وجه التقييد (و كان المقصود الاصلى من المعاملة التصرف) فى المالين (و اوقعا العقد الفاسد وسيلة له) اى للتصرف (و يكشف عنه) اى عن ان مقصودهما التصرف (انه لو سئل منهما من رضاه بتصرف صاحبه على تقدير عدم التمليك) فيقال للبائع- مثلا-: هب ان الملك لم يحصل لك، فهل ترضى

ص: 220

او بعد تنبيهه على عدم حصول الملك كان راضيا. فادخال هذا فى المعاطاة يتوقف على امرين:

الاول كفاية هذا الرضا المركوز فى النفس بل الرضا الشأنى لأن الموجود بالفعل هو رضاه من حيث كونه مالكا فى نظره.

و قد صرح بعض من قارب عصرنا بكفاية ذلك و لا يبعد رجوع الكلام المتقدم ذكره الى هذا و لعله لصدق طيب النفس على هذا الامر المركوز فى النفس.

______________________________

انت بتصرف المشترى فى متاعك؟ (او بعد تنبيهه على عدم حصول الملك كان راضيا) و اظهر الرضا بالتصرف (فادخال هذا) القسم و هو الرضا المطلق (فى المعاطاة يتوقف على امرين) قوله: «فادخال» جواب «و اما ان وقع»

(الاول كفاية هذا) القسم من (الرضا المركوز فى النفس بل الرضا الشأنى) الّذي ليس فعلا مركوزا- و انما كان بحيث لو التفت رضى- و انما قلنا انه شأنى (لأن الموجود بالفعل) فى نفس المتعاطى (هو رضاه من حيث كونه مالكا فى نظره) اى نظر نفسه فان البائع انما يرضى بتصرف المشترى من حيث كونه مالكا لا من حيث ان البائع هو المالك و انما رضى تصرف المشترى من باب الاباحة له.

(و قد صرح بعض من قارب عصرنا بكفاية ذلك) الرضا المركوز فى النفس (و لا يبعد رجوع الكلام المتقدم ذكره) عن المحقق الثانى بقوله ان الصيغة الفاقدة للشرائط مع التراضي تدخل فى المعاطاة (الى هذا) الّذي ذكرناه من الرضا الارتكازى، و لعل المراد من الكلام المتقدم، ما تقدم من الجامع من انه اذا علم من الرضا اوّل الامر باباحتهما التصرف باى وجه اتفق (لصدق طيب النفس على هذا الامر) اى الرضا (المركوز فى النفس) فيشمله المستثنى فى قوله عليه السلام: لا يحل مال امرئ الا بطيب نفسه، بل يشمله أيضا قوله

ص: 221

الثانى: انه لا يشترط فى المعاطاة إنشاء الاباحة او التمليك بالقبض، بل و لا بمطلق الفعل بل يكفى وصول كل من العوضين الى المالك الآخر و الرضا بالتصرف قبله او بعده على الوجه المذكور.

و فيه اشكال من ان ظاهر محل النزاع بين العامة و الخاصة هو العقد الفعلى كما ينبئ عنه قول العلامة فى رد «كفاية المعاطاة فى البيع» ان الافعال قاصره عن افادة المقاصد و كذا استدلال المحقق الثانى على عدم لزومها بان الافعال ليست كالاقوال فى صراحة الدلالة و كذا ما تقدم من الشهيد رحمه الله فى

______________________________

تعالى: تجارة عن تراض، اذا قلنا بصدق التجارة على ذلك.

(الثانى: انه لا يشترط فى المعاطاة إنشاء الاباحة او التمليك بالقبض، بل و لا) يشترط (بمطلق الفعل) الصادر من الطرفين (بل يكفى وصول كل من العوضين الى المالك الآخر و الرضا بالتصرف قبله) اى قبل وصول العوضين (او بعده على الوجه المذكور) و قد حصل فيما نحن الوصول، و الرضا فهو داخل فى المعاطاة.

(و فيه) اى فى هذا الثانى (اشكال من) جهة (ان ظاهر محل النزاع بين العامة و الخاصة هو العقد الفعلى) فما لا فعل فيه لا يكون معاطاة (كما ينبئ عنه) اى عن اعتبار العقد الفعلى فى المعاطاة (قول العلامة فى رد «كفاية المعاطاة فى البيع» ان الافعال قاصرة عن افادة المقاصد) فالظاهر منه ان الكلام فيما اذا كان هناك فعل (و كذا استدلال المحقق الثانى على عدم لزومها) اى لزوم المعاطاة (بان الافعال ليست كالاقوال، فى صراحة الدلالة) فان ظاهره ان يكون هناك فعل، فما ليس فيه فعل ليس محل كلامهم فى المعاطاة (و كذا ما تقدم من الشهيد) الاول (رحمه الله فى

ص: 222

قواعده من ان الفعل فى المعاطاة، لا يقوم مقام القول و انما يفيد الاباحة الى غير ذلك من كلماتهم الظاهرة فى ان محل الكلام هو الانشاء الحاصل بالتقابض و كذا كلمات العامة فقد ذكر بعضهم ان البيع بالايجاب و القبول و بالتعاطى.

و من ان الظاهر ان عنوان التعاطى فى كلامهم لمجرد الدلالة على الرضا و ان عمدة الدليل على ذلك هى السيرة- و لذا تعدوا الى ما ذا لم يحصل الا قبض احد العوضين و السيرة موجودة فى المقام.

______________________________

قواعده من ان الفعل فى المعاطاة، لا يقوم مقام القول و انما يفيد الاباحة) فانه انما يكون فى مقام كان فيه فعل (الى غير ذلك من كلماتهم الظاهرة فى ان محل الكلام هو الانشاء الحاصل بالتقابض) فالثانى الّذي هو كفاية الوصول و الرضا بدون الفعل غير تام (و كذا كلمات العامة) ظاهرة فى اشتراط الفعل فى صدق المعاطاة (فقد ذكر بعضهم ان البيع ينعقد بالايجاب و القبول و بالتعاطى) و من المعلوم ان التعاطى فعل، هذا كله وجه الاشكال فى صدق المعاطاة بمجرد الوصول و الرضا (و من ان الظاهر) هذا وجه عدم الاشكال، و شق آخر لقوله: «من ان ظاهر محل النزاع» (ان عنوان التعاطى فى كلامهم) انما هو (لمجرد الدلالة على الرضا) من التعاطى لا ان للتعاطى و التقابض موضوعية، فاذا حصل الرضا بدون التعاطى كفى فى صدق المعاطاة (و ان عمدة الدليل على ذلك) التعاطى (هى السيرة- و لذا تعدوا) اى الفقهاء من صورة التعاطى من الجانبين (الى ما ذا لم يحصل الا قبض احد العوضين-) فانه لا تعاطى فيه، و انما تعدوا للملاك (و السيرة موجودة فى المقام) اى المقام الّذي فيه وصول و رضى، و ان لم يكن تعاط و قوله: «و السيرة» مربوط بقوله: «هى

ص: 223

فان بناء الناس على اخذ الماء و البقل و غير ذلك من الجزئيات من دكاكين اربابها مع عدم حضورهم و يضعون الفلوس فى الموضع المعد له و على دخول الحمام مع عدم حضور صاحبه و وضع الفلوس فى كوز الحمامى فالمعيار فى المعاطاة وصول المالين او احدهما مع التراضي بالتصرف و هذا ليس ببعيد على القول بالإباحة

______________________________

السيرة» و قوله: «و لذا .. الخ» جملة معترضة (فان بناء الناس على اخذ الماء و البقل و غير ذلك من الجزئيات من دكاكين اربابها) اى ارباب هذه الجزئيات (مع عدم حضورهم) اى عدم حضور ارباب الدكاكين (و يضعون الفلوس فى الموضع المعد له) اى المعدّ للفلس (و) كذا بنى الناس (على دخول الحمام مع عدم حضور صاحبه و وضع الفلوس فى كوز الحمامى) فان ذلك كله يكشف عن وجود السيرة بكفاية الرضا و اذا كفى الوصول بدون الفعل اذا اقترن الوصول بالرضا (فالمعيار فى المعاطاة وصول المالين او احدهما مع التراضي) من الجانبين (بالتصرف) و بهذا يتم «الثانى» أيضا و (و هذا ليس ببعيد على القول بالإباحة) لانه يصدق طيب النفس الّذي هو معيار الحلية اما الملكية فمشكل لما عرفت سابقا.

ص: 224

مقدمة فى خصوص الفاظ عقد البيع.

[اعتبار اللفظ في العقود و كفاية الإشارة أو الكتابة مع العجز عن التلفظ]

قد عرفت ان اعتبار اللفظ فى البيع بل فى جميع العقود مما نقل عليه الاجماع و تحققت فيه الشهرة العظيمة مع الاشارة إليه فى بعض النصوص لكن هذا يختص بصورة القدرة اما مع العجز عنه كالاخرس فمع عدم القدرة على التوكيل لا اشكال و لا خلاف فى عدم اعتبار اللفظ و قيام الاشارة مقامه و كذا مع القدرة على التوكيل لا لأصالة عدم وجوبه كما قيل لأن الوجوب بمعنى الاشتراط

______________________________

(مقدمة) لمبحث شروط العوضين و البائعين و شروط العقد.

(فى خصوص الفاظ عقد البيع) اى خصوصياتها من حيث الهيئة و المادة (قد عرفت ان اعتبار اللفظ فى البيع بل فى جميع العقود مما نقل عليه الاجماع) و إن كان محل مناقشة كبرى و صغرى (و تحققت فيه الشهرة العظيمة مع الاشارة إليه) اى الى اعتبار اللفظ (فى بعض النصوص) و هو قوله عليه السلام يحلل الكلام و يحرم الكلام (لكن هذا) الاعتبار للفظ (يختص بصورة القدرة) على اللفظ (اما مع العجز عنه كالاخرس) و من لا يقدر على التكلم لآفة عارضة (فمع عدم القدرة على التوكيل لا اشكال و لا خلاف فى عدم اعتبار اللفظ) حتى فى النكاح (و قيام الاشارة مقامه) اى مقام اللفظ (و كذا مع القدرة على التوكيل) فانه تكفى اشارة الاخرس و ان قدر على ان يوكل غيره فى اجراء لفظ العقد (لا لأصالة عدم وجوبه) اى التوكيل (كما قيل) اى استدل لعدم اشتراط اللفظ فى الاخرس على التوكيل، باصالة عدم وجوب اللفظ بالنسبة إليه لكن هذا الاصل غير تام (لأن الوجوب) للفظ (بمعنى الاشتراط) اذ معنى الوجوب و الحرمة فى الاجزاء و الشرائط فى باب المركبات و العقود، هو

ص: 225

كما فى ما نحن فيه هو الاصل بل لفحوى ما ورد من عدم اعتبار اللفظ فى طلاق الاخرس فان حمله على صورة عجزه عن التوكيل حمل المطلق على الفرد النادر مع ان الظاهر عدم الخلاف فى عدم الوجوب.

ثم لو قلنا بان الاصل فى المعاطاة اللزوم- بعد القول بإفادتها للملكية فالقدر المخرج صورة قدرة المتابعين على مباشرة اللفظ.

______________________________

الاشتراط و الفساد بدون وجود الشرط و الجزء، فان الاوامر و النواهى فى المركبات و فى العقود تفيد الوضع، كما حقق فى محله (كما فى ما نحن فيه) من العقد للاخرس (هو الاصل) لاصالة الفساد بدون اللفظ، اذ كلما شك فى تحقق العقد كان الاصل عدمه، كالاخرس اذا و كل كان عقده صحيحا قطعا اما اذا اشار و شك فى ان اشارته تكفى أم لا، فالاصل عدم حصول النقل و الانتقال (بل) انما نقول بعدم اعتبار توكيل الاخرس مع القدرة عليه (لفحوى ما ورد من عدم اعتبار اللفظ فى طلاق الاخرس) فاذا لم يعتبر اللفظ فى الطلاق الّذي هو من باب الفروج التى احرز من الشارع كمال الاهمية لها فعدم الاعتبار فى البيع و نحوه بطريق اولى (ف) ان قلت: لعل عدم اعتبار اللفظ فى الطلاق انما هو فى صورة عدم قدرة الاخرس على التوكيل، قلت:

(ان حمله) اى النص (على صورة عجزه عن التوكيل حمل المطلق على الفرد النادر) اذ الغالب تمكن الاخرس من التوكيل، فلا وجه لمثل هذا الحمل (مع ان الظاهر عدم الخلاف فى عدم الوجوب) اى عدم وجوب التوكيل حتى فى صورة تمكنه من التوكيل.

(ثم لو قلنا بان الاصل فى المعاطاة للزوم- بعد القول بإفادتها للملكية-) بان لم نقل بانها تفيد الاباحة، و لا الملك المتزلزل (فالقدر المخرج) من اللزوم (صورة قدرة المتابعين على مباشرة اللفظ) ففى هذه

ص: 226

و الظاهر أيضا كفاية الكتابة مع العجز عن الاشارة لفحوى ما ورد من النص على جوازها فى الطلاق مع ان الظاهر عدم الخلاف فيه و اما مع القدرة على الاشارة فقد رجح بعض الاشارة و لعله لأنها اصرح فى الانشاء من الكتابة و فى بعض روايات الطلاق ما يدل على العكس

______________________________

الصورة لا لزوم، اما اذا لم يقدرا على اللفظ فهو باق تحت اصل اللزوم، و ان كانا قدرا على التوكيل.

و قوله: «ثم» .. الخ انما يريد بذلك تاييد كون الاخرس يحتاج، الى التوكيل و ان قدر عليه فان الاجماع على احتياج العقود اللازمة الى اللفظ منتفى فى مثل الاخرس اذ المشهور ذكروا كفاية اشارته حتى مع القدرة على التوكيل.

(و الظاهر أيضا) من اطلاق النص اى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و نحوه الشامل لكل ما يصدق عليه انه عقد (كفاية الكتابة مع العجز عن الاشارة) كما لو كان هناك حائل يمنع عن مشاهدة الاشارة، او كانت الاشارة معرض خطر- مثلا- او ما اشبه ذلك، فانه يصدق على الكتابة العقد عرفا بالإضافة الى ما ذكره رحمه الله- من قوله (لفحوى ما ورد من النص على جوازها) اى الكتابة (فى) باب (الطلاق) فانه اذا جاز الطلاق بالكتابة مع اهمية الطلاق فبالاولى جازت الكتابة فى مثل البيع الّذي هو اقل اهمية من الطلاق (مع ان الظاهر عدم الخلاف فيه) و انه يتأتى بالكتابة فى صورة العجز عن الاشارة (و اما مع القدرة على الاشارة) فهل تكفى الكتابة أم لا؟ (فقد رجع بعض الاشارة) على الكتابة (و لعله لأنها) اى الاشارة (اصرح فى الانشاء من الكتابة، و فى بعض روايات الطلاق ما يدل على العكس) بتقديم الكتابة على

ص: 227

و إليه ذهب الحلى هناك.

ثم الكلام فى الخصوصيات المعتبرة فى اللفظ

تارة يقع فى مواد الالفاظ من حيث افادة المعنى بالصراحة و الظهور و الحقيقة و المجاز و الكناية

______________________________

الاشارة (و إليه) اى العكس (ذهب الحلى هناك) فى باب الطلاق و ما ورد من الكتابة فى باب الطلاق فكخبر يونس فى رجل اخرس كتب فى الارض بطلاق امرأته، قال عليه السلام: اذا فعل ذلك فى قبل الطهر بشهود و فهم عنه كما يفهم عن مثله و يريد الطلاق جاز طلاقه على السنة» و كصحيح. ابى، بصير، قال: سألت الرضا عليه السلام عن الرجل تكون عنده المرأة، فيصمت و لا يتكلم؟ قال عليه السلام اخرس؟ قلت: نعم قال: يعلم منه بغض لامرأته و كراهته لها؟ قلت: نعم، يجوز ان يطلق عنه وليه؟ قال عليه السلام: لا، و لكن يكتب و يشهد على ذلك، قلت: اصلحك الله، لا يكتب و لا يسمع كيف يطلقها؟

قال: بالذى يعرف من فعله مثل ما ذكرت من كراهته لها او بغضه لها.

و لا يخفى ان الرواية الثانية دلت على تقديم الكتابة على الاشارة اللّهم الا ان يناقش بان الطلاق يحتاج الى الكتابة فلذا قدم على الاشارة فليس المناط معلوما حتى يتعدى منه الى البيع بان يقال ان الكتابة فى البيع أيضا مقدمة على الاشارة.

(ثم الكلام فى الخصوصيات المعتبرة فى اللفظ تارة يقع فى مواد الفاظ) كمادة «ب ى ع» و «م ل ك» (من حيث افادة المعنى) البيعى (بالصراحة) مما لا يحتمل الخلاف (و الظهور) ما يحتمله (و الحقيقة و المجاز و الكناية) و هى قسم من المجاز الّذي كانت علاقته التلازم بذكر اللازم و إرادة اللزوم مثل «كثير الرماد» و «مهزول الفصيل» و «جبان الكلب» كناية عن

ص: 228

و من حيث اللغة المستعملة فى معنى المعاملة.

و اخرى فى هيئة كل من الايجاب و القبول من حيث اعتبار كونه بالجملة الفعلية و كونه بالماضى.

و ثالثة فى هيئة تركيب الايجاب و القبول من حيث الترتيب و الموالاة.

اما الكلام من حيث المادة فالمشهور عدم وقوع العقد بالكنايات قال فى التذكرة: الرابع من شروط الصيغة التصريح فلا يقع بالكناية مع النية مثل قوله ادخلته فى ملك، او جعلته لك، او خذه منى او سلطتك عليه بكذا عملا باصالة بقاء الملك

______________________________

الكرم و هكذا (و من حيث اللغة المستعملة فى معنى المعاملة) و هل انه يشترط ان يكون بلغة العرب أم يكفى سائر اللغات

(و اخرى فى هيئة كل من الايجاب و القبول من حيث اعتبار كونه بالجملة الفعلية) لا بالجملة الاسميّة نحو: «البيع صادر منى» (و كونه بالماضى) كبعت لا ابيع.

(و ثالثة: فى هيئة تركيب الايجاب و القبول من حيث الترتيب) بتقديم الايجاب على القبول (و الموالاة) بالتتابع بان لا يكون فصل معتد به بين الايجاب و القبول.

(اما الكلام من حيث المادة فالمشهور) بين الفقهاء (عدم وقوع العقد بالكنايات) سواء كانت كناية قريبة أم بعيدة (قال فى التذكرة: «الرابع من شروط الصيغة التصريح) بالصيغة (فلا يقع) العقد (بالكناية مع النية) اما بدون النية فلا اشكال فى عدم الوقوع (مثل قوله: ادخلته فى ملك، او جعلته لك، او خذه منى او سلطتك عليه بكذا) من المال، و انما نقول بعدم وقوع العقد بالكناية (عملا باصالة بقاء الملك) فى سلطة مالكه ما لم يخرجه بلفظ صريح

ص: 229

و لأن المخاطب لا يدرى بم خوطب.

و زاد فى غاية المراد على الأمثلة مثل قوله: اعطيتكه بكذا او تسلط عليه بكذا و ربما يبدل هذا باشتراط الحقيقة فى الصيغة فلا ينعقد بالمجازات، حتى صرح بعضهم بعدم الفرق بين المجاز القريب و البعيد.

و المراد بالتصريح كما يظهر من جماعة من الخاصة و العامة فى باب الطلاق و غيره ما كان موضوعا بعنوان ذلك العقد لغة او شرعا و من الكناية ما افاد لازم ذلك العقد- بحسب الوضع- فيفيد إرادة نفسه بالقرائن و هى.

______________________________

(و لأن المخاطب لا يدرى بم خوطب) فلا يقبل العقد، و اذا لم يكم قبول لم يكن بيع.

(و زاد) على العلامة (فى غاية المراد على الأمثلة) المذكورة (مثل قوله:

اعطيتكه بكذا او تسلط عليه بكذا) من الثمن (و ربما يبدل) هذا الشرط- اى عدم كونه كناية- (باشتراط الحقيقة) فى قبال المجاز (فى صيغة فلا ينعقد) البيع (بالمجازات، حتى صرح بعدم الفرق بين المجاز القريب و البعيد) فى عدم الانعقاد، فالمجاز القريب مثل قوله: هذا لك، فان كونه له لازم ان يكون ادخله البائع فى ملكه، و المجاز البعيد مثل قوله: لا يتصرف احد فى مالك، و يشير الى السلعة.

(و المراد بالتصريح كما ظهر من جماعة من الخاصة و العامة فى باب الطلاق و غيره- كان) من الالفاظ (موضوعا بعنوان ذلك العقد) الّذي، يريدون اجرائه: كعقد البيع و الرهن و الاجارة، و ما اشبه (لغة او شرعا و) المراد (من الكناية ما افاد لازم ذلك العقد- بحسب الوضع-) اى ان اللفظ له لازم وضعى فى مقابل اللازم العقلى (فيفيد) اللازم المأتى به (إرادة نفسه) اى نفس العقد، افادة (بالقرائن) الحالية و المقالية (و هى) اى القرائن

ص: 230

على قسمين عندهم جلية و خفية.

و الّذي يظهر من النصوص المتفرقة فى ابواب العقود اللازمة و الفتاوى المتعرضة لصيغها فى البيع بقول مطلق و فى بعض انواعه و فى غير البيع من العقود اللازمة هو الاكتفاء بكل لفظ له ظهور عرفى معتد به فى المعنى المقصود فلا فرق بين قوله بعت و ملكت، و بين قوله: نقلت الى ملكك او جعلته ملكا لك بكذا او هذا هو الّذي قواه جماعة من متأخرى المتأخرين.

______________________________

(على قسمين عندهم جلية) بحيث اذا كانت ظهرت إرادة الملزوم ظهورا واضحا (و خفية) ليست بتلك المنزلة الظاهرة.

(و الّذي يظهر من النصوص المتفرقة فى ابواب العقود اللازمة) مقابل العقود الجائزة التى يصح فسخها (و) يظهر من (الفتاوى المتعرضة لصيغها) اى صيغ العقود اللازمة (فى البيع بقول مطلق) اى مطلق اقسام البيع كالنقد و السلم و النسيئة (و فى بعض انواعه) كالسلم فقط. او المرابحة- مثلا- (و فى غير البيع من العقود اللازمة) كالاجارة مثل (هو الاكتفاء بكل لفظ له ظهور عرفى معتد به) عتد العقلاء (فى المعنى المقصود) لدى العاقدين و «فى» متعلق ب «ظهور» (فلا فرق) فى صحة اجراء العقد (بين قوله: بعت و ملكت، و بين قوله: نقلت الى ملكك او جعلته ملكا لك بكذا) من الثمن و الا و لان حقيقة، و الآخر ان كناية، لكن لما كان الظهور موجودا فيهما كفيا فى اجراء البيع بهما (و هذا) الّذي ذكرنا من كفاية الظهور و لو كان مجازا و كناية (هو الّذي قواه جماعة من متأخرى المتأخرين) و قد اراد المصنف من قوله:

«و الفتاوى» رد من نسب الى المشهور عدم تجويزهم بالكناية كما ان المراد من النصوص ما ورد من النصوص بذكر الالفاظ للمعاملة فان بعض الالفاظ الواردة فيها حقيقة، و بعض الالفاظ مجاز كما لا يخفى لمن راجعها.

ص: 231

و حكى عن جماعة ممن تقدمهم كالمحقق. على ما حكى عن تلميذه كاشف الرموز انه حكى عن شيخه المحقق: ان عقد البيع لا يلزم فيه لفظ مخصوص و انه اختاره أيضا.

و حكى عن الشهيد فى حواشيه: انه جوز البيع بكل لفظ دل عليه مثل:

اسلمت أليك و عاوضتك و حكاه فى المسالك عن بعض مشايخه المعاصرين، بل هو ظاهر العلامة فى التحرير حيث قال: ان الايجاب اللفظ الدال على النقل مثل: بعتك او، ملكتك او ما يقوم مقامها و نحوه المحكى عن التبصرة و الارشاد و شرحه لفخر الاسلام فاذا كان الايجاب هو اللفظ الدال على النقل فكيف لا ينعقد بمثل نقلته الى ملك او

______________________________

(و حكى عن جماعة ممن تقدمهم) اى تقدم متأخرى المتأخرين (كالمحقق على ما حكى عن تلميذه كاشف الرموز انه حكى عن شيخه المحقق: ان عقد البيع لا يلزم فيه لفظ مخصوص و انه) اى كاشف الرموز (اختاره) اى مقالة المحقق (أيضا).

(و حكى عن الشهيد فى حواشيه: انه جوز البيع بكل لفظ دل عليه مثل اسلمت أليك) المال بكذا من الثمن (و عاوضتك) و ما اشبه (و حكاه فى المسالك عن بعض مشايخه المعاصرين، بل هو) اى الاكتفاء بكل لفظ له ظهور و إن كان مجازا (ظاهر العلامة فى التحرير حيث قال: ان الايجاب) هو (اللفظ الدال على النقل مثل: بعتك او ملكتك او ما يقوم مقامها) فان المجاز أيضا يدل على النقل و يقوم مقام اللفظين (و نحوه المحكى عن التبصرة و الارشاد و شرحه لفخر الاسلام) ابن العلامة.

(فاذا كان الايجاب هو اللفظ الدال على النقل) كما ذكره العلامة و غيره- فيما تقدم من عبائرهم- (فكيف لا ينعقد بمثل: نقلته الى ملكك، او

ص: 232

جعلته ملكا لك بكذا بل قد يدعى انه ظاهر كل من اطلق اعتبار الايجاب و القبول فيه من دون ذكر لفظ خاص كالشيخ و اتباعه و قد حكى عن الاكثر تجويز البيع حالا بلفظ السلم و صرح جماعة أيضا فى بيع لتولية بانعقاده، بقوله: وليتك العقد، او وليتك السلعة و التشريك فى المبيع بلفظ شركتك و عن المسالك فى مسألة تقبيل احد الشريكين فى النخل حصة صاحبه بشي ء معلوم من الثمرة

______________________________

جعلته ملكا لك بكذا) من الثمن؟، أ ليس اللفظان دالين على النقل (بل قد يدعى انه) اى ان اللفظ الدال على النقل كاف فى الايجاب (ظاهر كل من اطلق اعتبار الايجاب و القبول فيه) اى فى العقد (من دون ذكر لفظ خاص) يعنى لم يذكر لفظا خاصا للايجاب، فان الاطلاق شامل لكل لفظ له ظهور فى النقل و إن كان مجازا (كالشيخ و اتباعه) الذين اطلقوا و لم يذكر لفظا خاصا (و قد حكى عن الاكثر تجويز البيع حالا) نقدا (بلفظ السلم) كأن يقول: اسملتك المال فى مقابل دينار، مع ان السلم انما هو فى مقابل النسيئة، بأن يعطى الثمن و يؤجل المثمن، فهو مجاز بالنسبة الى الحال (و صرح جماعة أيضا فى بيع التولية) بان لم يأخذ البائع ربحا و لم يخسر خسارة، و انما اعطى السلعة بنفس الثمن الّذي اشتراها به كما لو اشترى المال بالف فاعطاه بالف أيضا (بانعقاده) اى بيع التولية (بقوله: وليتك العقد او وليتك السلعة) مع ان وليتك ليس لفظا حقيقة للبيع و انما له ظهور فيه- مجازا- (و التشريك فى المبيع) بان يبيعه بعض المال، لاكله (بلفظ: شركتك) مع انه ليس حقيقة فى البيع، و انما هو مجاز ظاهر (و عن المسالك فى مسألة تقبيل احد الشريكين فى النخل حصة صاحبه بشي ء معلوم من الثمرة) كما لو كان شريكان فى نخيل فقال احدهما لآخر آخذ منك الف رطل من التمر

ص: 233

ان ظاهر الاصحاب جواز ذلك بلفظ التقبيل مع انه لا يخرج عن البيع او الصلح او معاملة ثالثة لازمة هذا ما حضرنى من كلماتهم فى البيع.

و اما فى غيره فظاهر جماعة فى القرض عدم اختصاصه بلفظ خاص فجوزوه بقوله: تصرف فيه، او انتفع به و عليك رد عوضه او خذه بمثله و اسلفتك و غير ذلك مما عدوا مثله فى البيع من الكنايات مع ان القرض من العقود اللازمة على حسب لزوم البيع و الاجارة.

______________________________

مقابل حصتى، سواء زادت عن الحصة او نقصت (ان ظاهر الاصحاب جواز ذلك) التعامل (بلفظ التقبيل مع انه) اى هذا القسم من التقبيل (لا يخرج عن البيع او الصلح او معاملة ثالثة لازمة) تلك المعاملة الثالثة عند جماعة و لفظه الصريح: بعت او صالحت، او ما اشبه، لا قبلت، فانه مجاز له ظهور فيظهر من الشهيد عدم اعتبار كون اللفظ الصريح حقيقة فى الانعقاد (هذا ما حضرنى من كلماتهم فى) باب (البيع) و قد رأيتها دالة على كفاية المجاز، و عدم اعتبار الحقيقة.

(و اما فى غيره) اى غير البيع (فظاهر جماعة فى القرض عدم اختصاصه بلفظ خاص فجوزوه) اى جوزوا وقوع القرض (بقوله: تصرف فيه، او انتفع به و عليك رد عوضه) بدون الاتيان بمادة «ق ر ض» (او خذه بمثله و اسلفتك) اى اعطيتك المال فى مقابل بدل تعطينى بعد ذلك (و غير ذلك مما عدوا مثله) اى مثل ذلك اللفظ (فى) باب (البيع، من الكنايات) التى قال جماعة بعدم صحة وقوع البيع بها (مع ان القرض من العقود اللازمة على حسب لزوم البيع و الاجارة) اى بمثل كون البيع لازما، و من ذلك يتبين ان العقود اللازمة لا تتوقف على الالفاظ الصريحة.

ص: 234

و حكى عن جماعة فى الرهن ان ايجابه يؤدى بكل لفظ يدل عليه مثل قوله: هذه وثيقة عندك و عن الدروس تجويزه بقوله: خذه او امسكه بمالك.

و حكى عن غير واحد تجويز ايجاب الضمان- الّذي هو من العقود اللازمة- بلفظ تعهدت المال او تقلدته و شبه ذلك.

و قد ذكر المحقق و جماعة ممن تأخر عنه جواز الاجارة بلفظ العارية معللين بتحقق القصد

و تردد جماعة فى انعقاد الاجارة بلفظ بيع المنفعة.

______________________________

(و حكى عن جماعة فى الرهن ان ايجابه يؤدى بكل لفظ يدل عليه مثل قوله: هذه وثيقة عندك) مع العلم ان مثل هذا اللفظ ليس صريحا فى الرهن (و عن الدروس تجويزه بقوله: خذه او امسكه بمالك) اى فى مقابل ان تعطى مالك.

(و حكى عن غير واحد تجويز ايجاب الضمان- الّذي هو من العقود اللازمة-) كما ان الرهن أيضا كان من العقود اللازمة (بلفظ: تعهدت المال و تقلدته) اى جعلته قلادة فى عنقى (و شبه ذلك) من الالفاظ التى ليست صريحة فى الضمان.

(و لقد ذكر المحقق و جماعة ممن تأخر عنه جواز الاجارة بلفظ العارية) كأن يقول اعرتك الدار سنة بمبلغ مائة دينار (معللين) الجواز (بتحقق القصد) للاجارة، و العقود تتبع القصود.

(و تردد جماعة فى انعقاد الاجارة بلفظ بيع المنفعة) كان يقول: بعتك منفعة هذه الدار سنة بمائة دينار، و من المعلوم انه لو كانت العقود اللازمة لا بدلها من الفاظ خاصة لم يكن وجه للتردد.

ص: 235

و قد ذكر جماعة جواز المزارعة بكل لفظ يدل على تسليم الارض للمزارعة، و عن مجمع البرهان كما فى غيره انه لا خلاف فى جوازها بكل لفظ يدل على المطلوب مع كونه ماضيا.

و عن المشهور جوازها بلفظ ازرع و قد جوز جماعة الوقف بلفظ: حرمت او تصدقت مع القرينة الدالة على إرادة الوقف مثل ان لا يباع و لا يورث، مع عدم الخلاف- كما عن غير واحد- على انهما من الكنايات، و جوز جماعة وقوع النكاح الدائم بلفظ التمتع مع انه ليس صريحا فيه.

و مع هذه الكلمات كيف يجوز ان يستند الى العلماء او اكثرهم وجوب ايقاع العقد باللفظ الموضوع.

______________________________

(و قد ذكر جماعة جواز المزارعة بكل لفظ يدل على تسليم الارض) من المزارع (للمزارعة، و عن مجمع الرهان كما فى غيره انه لا خلاف فى جوازها) اى المزارعة (بكل لفظ يدل على المطلوب مع كونه ماضيا) فلا يصح ان يقول:

ازارعك، بلفظ المضارع- مثلا-

(و عن المشهور جوازها بلفظ ازرع) بان يقوله صاحب الارض للزارع (و قد جوز جماعة بلفظ: حرمت) عينها (او تصدقت) مع القرينة (الدالة على إرادة الوقف مثل) ان يقول: بعقب «حرمت» و «تصدقت» (ان لا يباع و لا يورث، مع عدم الخلاف- كما غير واحد-) اى دعوى عدم الخلاف (على انهما) اى حرمت و تصدقت (من الكنايات، و جوز جماعة وقوع النكاح الدائم بلفظ التمتع) كان تقول الزوجة متعتك نفسى بمبلغ كذا (مع انه) اى لفظا لتمتع (ليس صريحا فيه) اى فى النكاح الدائم، بل هو كناية عنه.

(و مع هذه الكلمات) التى نقلناها منهم فى مختلف ابواب العقود اللازمة (كيف يجوز ان يستند الى العلماء او اكثرهم وجوب ايقاع العقد باللفظ الموضوع

ص: 236

له و انه لا يجوز بالالفاظ المجازية خصوصا مع تتميمها بالقرينة كما تقدم عن بعض المحققين.

و لعله لما عرفت- من تنافى ما اشتهر بينهم: من عدم جواز التعبير بالالفاظ المجازية فى العقود اللازمة، مع ما عرفت منهم من الاكتفاء فى اكثرها بالالفاظ غير الموضوعة لذلك العقد جمع المحقق الثانى- على ما حكى عنه- فى باب السلم و النكاح بين كلماتهم، بحمل المجازات الممنوعة على المجازات البعيدة

______________________________

له) اى للعقد مثل: «ر ه ن» و «ن ك ح» و «زرع» و «ض م ن» مثلا فى ابواب العقود اللازمة (و انه لا يجوز) الإيقاع للعقد (بالالفاظ المجازية خصوصا مع تتميمها) اى تلك الالفاظ المجازية (بالقرينة) المعينة للقصد (كما تقدم) هذه النسبة الى العلماء (عن بعض المحققين)

هذا (و لعله لما عرفت- من تنافى ما اشتهر بينهم: من عدم جواز التعبير بالالفاظ المجازية فى العقود اللازمة، مع) شق ثان ل: «ما اشتهر» اى التنافى بين ما اشتهر و بين (ما عرفت منهم) فى الكلمات التى نقلناها (من الاكتفاء فى اكثرها) اى اكثر العقود اللازمة (بالالفاظ غير الموضوعة لذلك العقد) كالنكاح بلفظ التمتع، و التمتع لم يوضع للنكاح الدائم، و هكذا (جمع المحقق الثانى- على ما حكى عنه- فى باب السلم و النكاح بين كلماتهم بحمل المجازات الممنوعة) التى منعوها فى باب العقود اللازمة (على المجازات البعيدة) فما ذكروا من لزوم كون العقود اللازمة بالالفاظ المتعارفة يراد بذلك الاعم من الالفاظ الحقيقية، او المجازية القريبة مثلا «عقد النكاح» لفظ «نكح» حقيقة فيه، و لفظ «تمتع» مجاز قريب، و لفظ «انتفع بى»- فيما اذا قالته الزوجة- مجاز بعيد، فمنعهم عن الالفاظ غير

ص: 237

و هو جمع حسن و لعل الأولى ان يراد باعتبار الحقائق فى العقود اعتبار الدلالة اللفظية الوضعية سواء كان اللفظ الدال على إنشاء العقد موضوعا له بنفسه او مستعملا فيه مجازا بقرينة لفظ موضوع آخر ليرجع الافادة بالاخرة الى الوضع اذ لا يعقل الفرق فى الوضوح الّذي هو مناط الصراحة بين افادة لفظ للمطلب بحكم الوضع او افادته له بضميمة لفظ آخر يدل بالوضع على إرادة المطلب

______________________________

المتعارفة يراد به مثل «انتفع بى» لا مثل «تمتع» (و هو) اى جمع المحقق الثانى (جمع حسن) اذ لا محيص فى رفع المنافاة عن كلماتهم، الا بهذا الجمع (و لعل الاولى) فى الجمع بين الكلامين (ان يراد باعتبار الحقائق فى العقود) اى بقولهم يعتبر ان يكون اللفظ الّذي يؤتى به فى العقد حقيقة، لا مجازا (اعتبار الدلالة اللفظية الوضعية) فى مقابل الدلالة العقلية كالدخان على النار و الطبيعية كالنبض على حالة البدن، و فى مقابل اللفظية غير الوضعية كدلالة «اح» على وجود لافظ (سواء كان اللفظ الدال على إنشاء العقد موضوعا له) اى للعقد (بنفسه) نحو بعت فى الدلالة على البيع (او مستعملا فيه مجازا) نحو «هذا مالك» (بقرينة لفظ موضوع آخر) يدل ذلك اللفظ الثانى على إرادة البيع من اللفظ الاول (ليرجع الافادة بالاخرة) سواء باللفظ الاول الموضوع حقيقة، او اللفظ الثانى الّذي هو قرينة (الى الوضع) و انما قلنا ان هذا الجمع احسن من الجمع الّذي ذكره المحقق الثانى (اذ لا يعقل الفرق) بين المجاز الجائز استعماله و بين الحقيقة (فى الوضوح الّذي هو مناط الصراحة) اى المناط فى العقد ان يكون اللفظ صريحا فى افادة العقد (بين افادة لفظ للمطلب بحكم الوضع) بان يكون حقيقة (او افادته له) اى للمطلب (بضميمة لفظ آخر) و هو القرينة (يدل بالوضع على إرادة المطلب) العقدى

ص: 238

من ذلك اللفظ و هذا بخلاف اللفظ الّذي يكون دلالته على المطلب لمقارنة حال او سبق مقال خارج عن العقد فان الاعتماد عليه فى متفاهم المتعاقدين و إن كان من المجازات القريبة جدا رجوع عما بنى عليه من عدم العبرة بغير الاقوال فى إنشاء المقاصد و لذا لم يجوزوا العقد بالمعاطاة و لو مع سبق مقال او اقتران حال تدل على إرادة البيع جزما

______________________________

(من ذلك اللفظ) الاول، مثلا كل واحد من «الرجل الشجاع» و «اسد يرمى» واضح فى إرادة الانسان الشجاع لكن الاول يفيد بحكم الوضع، و الثانى يفيد بضميمة لفظ آخر، و هو «يرمى» و يرمى يدل بالوضع أيضا، لا بالعقل او بالطبع (و هذا) المجاز الّذي يدل بضميمة لفظ موضوع آخر (بخلاف اللفظ الّذي يكون دلالته على المطلب لمقارنة حال) كما لو كان السوق موضوعا للبيع فجاء المشترى و قال- مشيرا الى الثمن- هذا لك، فقال البائع- مشيرا الى المثمن- و هذا لك «مثلا» (او سبق مقال خارج عن العقد) كما لو تعاملا و تقاولا، ثم قالا «هذا لك» (فان الاعتماد عليه) اى على اللفظ الدال بحال او مقال (فى متفاهم المتعاقدين و إن كان من المجازات القريبة جدا) لكنه لا يجوز لانه (رجوع عما بنى عليه) اى بنى الفقهاء عليه (من عدم العبرة بغير الاقوال فى إنشاء المقاصد) فانه اعتماد على حال او قرينة سابقة لا ربط لها بالعقد- و إن كانت تلك القرينة لفظا- و ما بنى عليه الفقهاء يدل بالإنّ على ان «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و نحوه يراد بها العقود اللفظية (و لذا) الّذي ذكرنا من بنائهم على عدم العبرة بالاقوال (لم يجوزوا العقد بالمعاطاة و لو مع سبق مقال او اقتران حال تدل على إرادة) المتعاطين (البيع) دلالة (جزما) فانهم يقولون ان المعاطاة ليس بيعا كما سبق تفصيل الكلام فيه-.

ص: 239

و مما ذكرنا يظهر الاشكال فى الاقتصار على المشترك اللفظى اتكالا على القرينة الحالية المعينة.

و كذا المشترك المعنوى و يمكن ان ينطبق على ما ذكرنا الاستدلال المتقدم فى عبارة التذكرة بقوله قدس سره: لان المخاطب لا يدري بم خوطب اذ ليس المراد ان المخاطب لا يفهم منها المطلب و لو بالقرائن الخارجية بل المراد ان الخطاب بالكناية لما لم يدل على المعنى المنشأ

______________________________

(و مما ذكرنا) من عدم صحة الاعتماد على القرينة الحالية و المقالية- السابقة على العقد- (يظهر الاشكال فى الاقتصار على المشترك اللفظى) فى مقام العقد (اتكالا على القرينة المعينة) فى افادة العقد.

(و كذا) الاقتصار على (المشترك المعنوى) اعتمادا على القرينة الحالية و المشترك اللفظى هو الّذي وضع اللفظ- فيه- تارة لهذا المعنى و اخرى لمعنى آخر، و المعنوى هو الّذي وضع اللفظ فيه، لمعنى شامل لكلا المعنيين مثلا اذا قلنا ان «الامر» وضع تارة للوجوب، و تارة للاستحباب كان مشتركا لفظيا، و ان قلنا انه وضع للطرف الراجح- الشامل لهما- كان مشتركا معنويا (و يمكن ان ينطبق على ما ذكرنا) من عدم جواز الاعتماد على القرائن الحالية و المقالية، (الاستدلال المتقدم فى عبارة التذكرة) على عدم صحة المجاز (بقوله قدس سره: لان المخاطب لا يدرى بم خوطب) و انما ينطبق كلامنا على كلام التذكرة (اذ ليس المراد) من «لا يدري» (ان المخاطب لا يفهم منها) اى من الكناية المستعملة فى العقد «المطلب» و لو فهما (بالقرائن الخارجية) عن العقد مقالية او حالية- اذ من الواضح ان المخاطب يفهم المطلب بالكناية المحفوفة بالقرينة- (بل المراد) من «لا يدرى» فى كلام التذكرة (ان الخطاب بالكناية لما لم يدل على المعنى المنشأ) الّذي

ص: 240

ما لم يقصد الملزوم لان اللازم الاعم- كما هو الغالب بل المطرد فى الكنايات- لا تدل على الملزوم ما لم يقصد المتكلم خصوص الفرد المجامع من الملزوم الخاص فالخطاب فى نفسه محتمل لا يدري المخاطب بم خوطب و انما يفهم المراد بالقرائن الخارجية الكاشفة عن قصد المتكلم و المفروض- على ما تقرر فى مسألة المعاطاة ان النية بنفسها او مع انكشافها بغير الاقوال لا تؤثر فى النقل و الانتقال فلم يحصل هنا عقد لفظى يقع التفاهم به

______________________________

انشائه و قصده المكنّى (ما لم يقصد الملزوم) مثلا «هذا ملكك» لا يدل على «العقد» ما لم يقصد المتكلم «التمليك» فعلا (لان اللازم الاعم) من الملزوم فان كون الشي ء ملكا للطرف اعم من كونه تمليكا له فعلا او كونه ملكا له سابقا مثلا- (- كما هو الغالب بل المطرد فى الكنايات-) اى الغالب و المطرد كون الكناية تتأتى باللازم الاعم (لا تدل على الملزوم) بذاته، مثلا جبان الكلب لا يدل على كثرة الضيف، لان جبن الكلب اعم (ما لم يقصد المتكلم خصوص الفرد المجامع من الملزوم الخاص) كخصوص جبن الكلب المجامع مع الضيافة- التى هى ملزوم خاص لجبن الكلب- (ف) مراد العلامة من قوله «ره» «لا يدرى» كون (الخطاب فى نفسه) مع قطع النظر عن القرينة (محتمل لا يدرى المخاطب بم خوطب) هل بالعقد او بغيره (و انما يفهم) المخاطب (المراد بالقرائن الخارجية الكاشفة عن قصد المتكلم) سواء كانت تلك القرائن حالية او مقالية (و المفروض- على ما تقرر فى مسألة المعاطاة- ان النية) للبيع (بنفسها او مع انكشافها بغير الاقوال) اى الحال او المقال السابق- عند المقاولة- (لا تؤثر فى النقل و الانتقال) لان العقد- حسب الفهم العرفى- ما كان باللفظ (فلم يحصل هنا) فيما اذا كانت القرينة حالية او مقالية- خارجة عن العقد- (عقد لفظى يقع التفاهم به) و انما صار

ص: 241

لكن هذا الوجه لا يجرى فى جميع ما ذكروه من امثلة الكناية ثم انه ربما يدعى ان العقود المؤثرة فى النقل و الانتقال اسباب شرعية توقيفيّة- كما حكى عن الايضاح من ان كل عقد لازم وضع الشارع له صيغة مخصوصة بالاستقراء فلا بد من الاقتصار على المتيقن و هو كلام لا محصل له عند من لاحظ فتاوى العلماء فضلا عن الروايات المتكثرة الآتى بعضها.

و اما ما ذكره الفخر قدس سره فلعل المراد فيه من الخصوصية المأخوذة فى الصيغة، شرعا

______________________________

الاعتماد على النية (لكن هذا الوجه) الّذي ذكرناه من عدم صحة الاعتماد على القرينة غير اللفظية- و لذا لا يصح المجاز فى العقد- (لا يجرى فى جميع ما ذكروه من امثلة الكناية) اذ بعضها تعتمد على القرينة اللفظية، و مع ذلك قالوا بعدم صحة العقد بها (ثم انه ربما يدعى ان العقود المؤثرة فى النقل و الانتقال اسباب شرعية) اخترعها الشارع او امضاها (توقيفيّة) متوقفة على ان نعلم تقرير الشارع لها (- كما حكى عن الايضاح) حيث قال (من ان كل عقد لازم وضع الشارع له صيغة مخصوصة) و علم ذلك (بالاستقراء) و التتبع فى الروايات (فلا بد من الاقتصار على المتيقن) فاذا شك فى انه هل يصح العقد بالعربية أم لا- مثلا- لزم الاجراء بالعربية اذ العقد العربى صحيح قطعا، و يشك فى ما عداه فالاصل عدم تصحيح الشارع له (و هو) اى «ما ربما يدعى» (كلام لا محصل له عند من لاحظ فتاوى العلماء) الظاهرة فى ان صيغة العقود ليست توقيفيّة (فضلا عن الروايات المتكثرة الآتى بعضها) مما يدل على انعقاد العقد بكل لفظ دال على المقصود.

(و اما ما ذكره الفخر قدس سره) المؤيّد للادعاء المتقدم (فلعل المراد فيه) اى فى كلامه (من الخصوصية المأخوذة فى الصيغة، شرعا) ليس خصوص

ص: 242

هى اشتمالها على العنوان المعبر عن تلك المعاملة به فى كلام الشارع فاذا كانت العلاقة الحادثة بين الرجل و المرأة، معبرا عنها فى كلام الشارع- بالنكاح او الزوجية او المتعة فلا بد من اشتمال عقدها على هذه العناوين فلا يجوز بلفظ الهبة او البيع او الاجارة او نحو ذلك

و هكذا الكلام فى العقود المنشأة للمقاصد الاخر كالبيع و الاجارة و نحوهما

______________________________

صيغة خاصة نحو «بعت» مثلا مقابل «ابيعك» و الحاصل ليس المراد هيئة خاصة، بل المراد المادة فالخصوصية (هى اشتمالها) اى صيغة العقد، فلا بد ان تشتمل الصيغة (على العنوان المعبر عن تلك المعاملة به) اى بذلك العنوان (فى كلام الشارع) مثلا لفظ «النكاح» المعبر فى كلام الشارع فى باب الزواج، لا يصح التعدى عنه الى «الاجارة» فلا يصح ان يقال فى عقد النكاح «آجرتك» و انما اللازم الاتيان بمادة النكاح (فاذا كانت العلاقة الحادثة بين الرجل و المرأة، معبرا عنها) اى عن تلك العلاقة (فى كلام الشارع- بالنكاح او الزوجية او المتعة) فى قوله سبحانه: «فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ» و قوله: «زَوَّجْنٰاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ» و قوله «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» مثلا (فلا بد من اشتمال عقدها) اى العقد الّذي نريد ان يؤثر العلاقة المذكورة (على هذه العناوين) الثلاثة (فلا يجوز) احداث العلاقة- اى لا يصح- (بلفظ الهبة او البيع او الاجارة او نحو ذلك) كالصلح و الرهن.

(و هكذا الكلام فى العقود المنشئة) بصيغة اسم الفاعل، او اسم المفعول (للمقاصد الاخر) غير النكاح (كالبيع و الاجارة و نحوهما) فلا تصح الاجارة، بلفظ «هبة المنفعة» و لا يصح البيع بلفظ «الصلح» و هكذا

ص: 243

فخصوصية اللفظ من حيث اشتمالها على هذه العنوانات الدائرة فى لسان الشارع او ما يراد فها لغة او عرفا لانها بهذه العنوانات موارد للاحكام الشرعية التى لا تحصى

و على هذا فالضابط وجوب ايقاع العقد بانشاء العناوين الدائرة فى لسان الشارع اذ لو وقع بانشاء غيرها فإن كانت لا مع قصد تلك العناوين.

كما لو لم تقصد المرأة الاهبة نفسها او اجارة نفسها مدة الاستمتاع لم يترتب عليه الآثار المحمولة فى الشريعة على الزوجية الدائمة

______________________________

(فخصوصية اللفظ) التى اعتبرها فخر المحققين، هى (من حيث اشتمالها على هذه العنوانات الدائرة) و المذكورة (فى لسان الشارع او ما يراد فها لغة او عرفا) مثل «فروختن» فى الفارسية المرادفة للبيع، او مثل «الشراء» المرادف للبيع شرعا كما قال سبحانه: «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اللّٰهِ» (لانها بهذه العنوانات) المذكورة فى الشرع، او ما يرادفها (موارد للاحكام الشرعية التى لا تحصى) فالبيع- مثلا- بعنوان «ب ى ع» مورد «اللزوم» و «السلم» و «النسيئة» و خيار العيب و المجلس و الصرف و الربا الى غيرها من الامور المذكورة فى كتاب «البيع» و هكذا بالنسبة الى «النكاح» و احكامه و «الطلاق» و مسائله، الى غير ذلك.

(و على هذا فالضابط وجوب ايقاع العقد بانشاء العقد بانشاء العناوين الدائرة فى لسان الشارع) بان يكون العقد بتلك المادة (اذ لو وقع بانشاء غيرها) اى غير تلك العناوين (فإن كانت) صيغة العقد (لا مع قصد تلك العناوين) كما لو قالت المرأة «وهبت نفسى لك» و لم تقصد النكاح.

(كما لو لم تقصد المرأة الاهبة نفسها) كهبة الاموال (او اجارة نفسها مدة الاستمتاع) فى العقد المنقطع (لم يترتب عليه) اى على ما انشئه من المعنى (الآثار المحمولة فى الشريعة على الزوجية الدائمة) فى الهبة

ص: 244

او المنقطعة و إن كانت بقصد هذه العناوين دخلت فى الكناية التى عرفت ان تجويزها رجوع الى عدم اعتبار افادة المقاصد بالاقوال فما ذكره الفخر مؤيد لما ذكرناه و استفدناه من كلام والده و إليه يشير أيضا ما عن جامع المقاصد من ان العقود متلقاة من الشارع فلا ينعقد عقد بلفظ آخر ليس من جنسه

______________________________

(او المنقطعة) فى الاجارة، من حلية البضع مطلقا و النفقة و الارث فى الدائم الى غيرها (و إن كانت بقصد هذه العناوين) بان قالت وهبت و قصدت النكاح (دخلت فى الكناية) بذكر اللازم و إرادة الملزوم فان حلية البضع من لوازمها كون المرأة تحت اختيار الزوج مثل كون السلعة تحت اختيار الموهوب له (التى عرفت ان تجويزها رجوع الى عدم اعتبار افادة المقاصد بالاقوال) فانك اذا قلت «فلان جبان الكلب» لم تفد «كونه كريما» بالقول و انما افادته بالانتقال العقلى الحادث بسبب القول فحال «جبان الكلب» حال العلم الّذي يوضع على الفرسخ لافادة مقدار المسافة (فما ذكره الفخر) من ان كل عقد لازم وضع له الشارع صيغة مخصوصة (مؤيد لما ذكرناه و استفدناه من كلام والده) العلامة «ره» من عدم صحة الكناية فى العقود، و ليس كلام الفخر مؤيدا لما ادعاه المدعى من كون النقل و الانتقال اسباب شرعية توقيفية (و إليه) اى ما استفدناه من كلام العلامة و فخر المحققين (يشير أيضا ما عن جامع المقاصد من ان العقود متلقاة من الشارع فلا ينعقد عقد بلفظ آخر) غير اللفظ الدائر فى لسان الشارع (ليس من جنسه) اى من جنس لفظ الشارع و الحاصل يعتبر وجود مادة «لفظ الشارع» فى العقد مثلا الشارع قال «زوجناكها» فاللازم وجود مادة «زوج» فى العقد، اما جنس آخر كمادة «و ه ب» فلا يصح به العقد.

ص: 245

و ما عن المسالك من انه يجب الاقتصار فى العقود اللازمة على الألفاظ المنقولة شرعا المعهودة لغة و مراده بالمنقولة شرعا هى المأثورة فى كلام الشارع.

و عن كنز العرفان فى باب النكاح انه حكم شرعى حادث فلا بد له من دليل يدل على حصوله و هو العقد اللفظى المتلقى من النص ثم ذكر لايجاب النكاح الفاظا ثلاثة و عللها بورودها فى القرآن و لا يخفى ان تعليله هذا كالصريح فيما ذكرناه من توقيفية العقود و انها متلقاة من الشارع و وجوب الاقتصار على المتيقن و من هذا الضابط

______________________________

(و) كذلك أيضا يشير الى ما ذكرناه (ما عن المسالك من انه يجب الاقتصار فى العقود اللازمة على الألفاظ المنقولة شرعا المعهودة لغة) كون تلك الألفاظ للعقود الفلانية (و مراده بالمنقولة شرعا) ليس التوقيف الّذي ذكره المدعى بل (هى المأثورة فى كلام الشارع) كما عرفت.

(و عن كنز العرفان فى باب النكاح انه) اى النكاح (حكم شرعى حادث) بمعنى ان الشارع يحكم بحدوث علاقة بين الرجل و المرأة (فلا بد له من دليل يدل على حصوله) اى حصول هذا الحكم الحادث (و هو العقد اللفظى المتلقى من النص) اى لفظ «النكاح» و «الزواج» و «المتعة» مثلا (ثم ذكر لايجاب النكاح الفاظ ثلاثة و عللها) اى جواز هذه الالفاظ الثلاثة المتقدمة- (بورودها فى القرآن) قال تعالى «زوجناكها» و «انكحوا الايامى» و «فما استمتعتم» (و لا يخفى ان تعليله هذا) اى قوله «بورودها فى القرآن» (كالصريح فيما ذكرناه من توقيفية العقود) اى لزوم اتباع العناوين الموجودة فى الشرع (و انها) اى العناوين (متلقاة من الشارع و وجوب الاقتصار على المتيقن) من الّذي ورد فى الشرع (و من هذا الضابط)

ص: 246

تقدر على تمييز الصريح المنقول شرعا المعهود لغة من الالفاظ المتقدمة فى باب العقود المذكورة من غيره.

و ان الاجارة بلفظ العارية غير جائزة و بلفظ بيع المنفعة او السكنى- مثلا- لا يبعد جوازه و هكذا.

اذا عرفت هذا فلنذكر الفاظ الايجاب و القبول
اشارة

منها لفظ «بعت» فى الايجاب و لا خلاف فيه فتوى و نصا و هو و إن كان من الاضداد بالنسبة الى البيع و الشراء لكن كثرة استعماله فى

______________________________

و هو لزوم اتباع العناوين الشرعية فى إنشاء العقود (تقدر على تميز الصريح المنقول شرعا المعهود لغة من الالفاظ المتقدمة فى باب العقود المذكورة) كلفظ «ن ك ح» و «ر ه ن» و «ب ى ع» فى النكاح و الرهن و الاجارة و هكذا (من غيره) متعلق ب «تميز».

(و) بذلك تعرف (ان الاجارة بلفظ العارية غير جائزة) لعدم الورود شرعا و لا معهود لغة (و بلفظ بيع المنفعة او السكنى) كان يقول صاحب الدار للمستأجر بعتك منفعة هذه الدار سنة، بمائة دينار، او يقول بعتك سكنى هذه الدار الخ (- مثلا- لا يبعد جوازه) لوروده فى بعض الاخبار و العبارات (و هكذا) بالنسبة الى سائر اقسام العقود و الايقاعات (اذا عرفت هذا فلنذكر الفاظ الايجاب و القبول) فى باب البيع (منها لفظ «بعت» فى الايجاب).

اما استعماله فى القبول بمقتضى ان «البيع موضوع لكل من البيع و الشراء» فسيأتى الكلام فيه (و لا خلاف) فيه نصا و فتوى (و هو) اى لفظ «البيع» (و إن كان من الاضداد) اى يستعمل فى معنيين متقابلين ككثير من الالفاظ الاخر، كالقرء و نحوه (بالنسبة الى البيع و الشراء) فان باع يستعمل فى البائع و فى المشترى على حد سواء (لكن كثرة استعماله فى

ص: 247

وقوع البيع تعينه

و منها لفظ شريت فلا اشكال فى وقوع البيع به لوضعه له كما يظهر من المحكى عن بعض اهل اللغة بل قيل لم يستعمل فى القرآن الكريم الا فى البيع.

و عن القاموس شراه يشريه ملّكه بالبيع و باعه كاشتراه فهما ضد و عنه أيضا كل من ترك شيئا و يتمسك بغيره فقد اشتراه و ربما يستشكل فيه بقلة

______________________________

وقوع البيع) مقابل الشراء وصلت الى حدّ (تعينه) و تغنيه عن القرينة المعيّنة فاذا قال صاحب السلعة بعت تبادر معنى «البيع» منه و ترتب عليه احكام البيع، لا احكام الشراء، و ان قلنا بجواز تقديم القبول على الايجاب فلا اشكال فى وقوع البيع به كما ربما توهم من ان لفظ «ب ى ع» مشترك، و لا يجوز استعمال المشترك فى العقود و الايقاعات.

(و منها لفظ شريت فلا اشكال فى وقوع البيع به) فيقول الموجب «شريتك الكتاب بدينار» فيقول القابل «قبلت» (لوضعه) اى شريت (له) اى للبيع (كما يظهر من المحكى عن بعض اهل اللغة) فهو حقيقة فى البيع (بل قيل لم يستعمل) الشراء (فى القرآن الكريم الا فى البيع) كقوله سبحانه: «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اللّٰهِ».

(و عن القاموس شراه يشريه ملّكه بالبيع) ثم قال (و باعه كاشتراه) بمعنى واحد (فهما ضد) اى كل واحد منهما يدل على معنيين متقابلين (و عنه) اى القاموس (أيضا كل من ترك شيئا) كالبائع الّذي يترك السلعة (و يتمسك بغيره) كالثمن (فقد اشتراه) و هذا التعريف صادق على البائع و على المشترى على حداء سواء- (و ربما يستشكل فيه) اى فى جواز استعمال «الشراء» فى ايجاب البيع كان يقول البائع «شريت هذا الكتاب بدينار» (بقلة

ص: 248

استعماله عرفا فى البيع و كونه محتاجا الى القرينة المعينة و عدم نقل الايجاب به فى الاخبار و كلام القدماء و لا يخلو من وجه.

و منها لفظ ملكت بالتشديد و الاكثر على وقوع البيع به بل ظاهر نكت الارشاد الاتفاق حيث قال انه لا يقع البيع بغير اللفظ المتفق عليه كبعت و ملكت و يدل عليه ما سبق فى تعريف البيع من ان التمليك بالعوض- المنحل الى مبادلة العين بالمال- هو المرادف للبيع لغة و عرفا

______________________________

استعماله عرفا فى البيع) فيحتاج الى القرينة و يكون من قبيل المجاز الممنوع استعماله فى العقود (و كونه محتاجا الى القرينة المعينة) كما هو الحال فى كل مشترك لفظى (و عدم نقل الايجاب به) اى بلفظ الشراء (فى الاخبار و كلام القدماء) و قد عرفت لزوم ان تكون المادة مستعملة فى الاخبار (و لا يخلو) هذا الاشكال (من وجه) و إن كان الاوجه خلافه اذ قلة الاستعمال لا تمنع عن صحة الاستعمال، و الاحتياج الى القرينة ليس بمانع بعد كونه حقيقة كاحتياج لفظ «البيع» أيضا الى القرينة، منتهى الامر ان القرينة فى البيع «الشهرة» و فى الشراء القرائن الحالية او المقالية، و الايجاب به فى الاخبار لا يحتاج إليه بل يكفى وروده فى القرآن و اللغة و كلام غير واحد من الفقهاء، فالاقوى الكفاية.

(و منها لفظ ملكت بالتشديد) اما التخفيف فهو بمعنى التملّك (و الاكثر على وقوع البيع به) فيصح ان يجعل ايجابا للبيع (بل ظاهر نكت الارشاد الاتفاق) على كونه ايجابا للبيع (حيث قال انه لا يقع البيع بغير اللفظ المتفق عليه كبعت و ملكت) فانه يدل على الاتفاق على صحة لفظ «ملكت» فى ايجاب البيع (و يدل عليه) اى جواز «ملكت» فى الايجاب (ما سبق فى تعريف البيع من ان التمليك بالعوض- المنحل الى مبادلة العين بالمال- هو المرادف للبيع لغة و عرفا) حيث انه ليس هناك مورد يكون فيه «تمليك بعوض» الا و هو

ص: 249

كما صرح به فخر الدين حيث قال: ان معنى «بعت» فى لغة العرب: ملكت غيرى و ما قيل من ان التمليك يستعمل فى الهبة- بحيث لا يتبادر عند الاطلاق غيرها

فيه ان الهبة انما تفهم من تجريد اللفظ عن العوض لا من مادة التمليك فهى مشتركة بين ما يتضمن المقابلة و بين المجرد عنها فان اتصل بالكلام ذكر العوض افاد المجموع المركب بمقتضى الوضع التركيبى البيع و ان تجرد اقتضى تجريده الملكية المجانية

______________________________

كما تقدم- من اعتبار الالفاظ الواردة فى الشرع و اللغة، و مراد فاتها (كما صرح به فخر الدين حيث قال: ان معنى «بعت» فى لغة العرب: ملكت غيرى) فالبيع هو التمليك، و انما قيد المصنف بقوله «المنحل» الخ، لوضوح ان «التمليك» اعم من البيع، اما «التمليك المنحل» اى الّذي ذكره فيه لفظ العوضين- كما لو قال ملكت الكتاب بدينار- فليس هو الا البيع (و ما قيل من ان التمليك يستعمل فى الهبة- بحيث لا يتبادر عند الاطلاق) للفظ «التمليك» (غيرها) اى غير الهبة، فاذا قيل ملك زيد ماله لعمرو، كان الظاهر منه انه وهب ماله لعمرو (فيه ان الهبة انما تفهم) من «التمليك» (من تجريد اللفظ عن العوض) بان قال «ملك» دون ما لو قال «ملك بعوض» (لا) ان الهبة مستفادة (من مادة التمليك) اى «م ل ك» (فهى) اى مادة التمليك (مشتركة بين ما يتضمن المقابلة) نحو ملكتك الكتاب بدينار (و بين المجرد عنها) اى عن المقابلة، نحو ملكتك الكتاب (فان اتصل بالكلام ذكر العوض افاد المجموع المركب) من التمليك و العوض (بمقتضى الوضع التركيبى) لا بمقتضى ذى القرينة و القرينة- حتى يكون مجازا- (البيع و ان تجرد) الكلام عن ذكر العوض (اقتضى تجريده الملكية المجانية) اى الهبة.

ص: 250

و قد عرفت سابقا ان تعريف البيع بذلك تعريف بمفهومه الحقيقى فلو اراد منه الهبة المعوضة او قصد المصالحة بنى على صحة العقد بلفظ غيره مع النية و يشهد لما ذكرنا قول فخر الدين فى شرح الارشاد: ان معنى بعت فى لغة العرب ملكت غيرى.

و اما الايجاب باشتريت ففى مفتاح الكرامة انه قد يقال بصحته- كما هو الموجود، فى بعض نسخ التذكرة و المنقول عنها فى نسختين من تعليق الارشاد.

القول: و قد يستظهر ذلك من عبارة كل من عطف على بعت و ملكت شبههما او ما يقوم مقامهما

______________________________

(و قد عرفت سابقا) عند تعريفنا للبيع (ان تعريف البيع بذلك) اى بالتمليك بعوض (تعريف بمفهومه) اى بمفهوم التمليك (الحقيقى) لا ان التمليك ليس معنى للبيع الا مجازا (فلو اراد) المتكلّم (منه) اى من التمليك (الهبة المعوضة او قصد المصالحة) بان قال ملكتك الكتاب بدينار، و اراد «وهبتك او صالحتك» (بنى على صحة العقد) اى عقد الهبة و المصالحة (بلفظ غيره مع النية) لان «التمليك» ليس للهبة و لا للمصالحة (و يشهد لما ذكرنا) من ان التمليك حقيقة فى البيع (قول فخر الدين فى شرح الارشاد: ان معنى بعت فى لغة العرب ملكت غيرى) فانه صريح فى كون التمليك معنى حقيقيا للبيع.

(و اما الايجاب باشتريت) بان يقول اشتريت الكتاب منك بدينار، فيقول صاحب الدينار قبلت (ففى مفتاح الكرامة انه قد يقال بصحته- كما هو الموجود فى بعض نسخ التذكرة و المنقول عنها) اى عن التذكرة (فى نسختين من تعليق الارشاد) انتهى كلام مفتاح الكرامة.

(القول: و قد يستظهر ذلك) اى جواز الايجاب بلفظ اشتريت (من عبارة كل من عطف على بعت و ملكت شبههما) بان قال ايجاب البيع ببعت و ملكت و شبههما (او) عطف قوله (و ما يقوم مقامها) و انما يشمل كلامهم لنحو

ص: 251

اذ إرادة خصوص لفظ اشتريت من هذا بعيد جدا و حمله على إرادة ما يقوم مقامها فى اللغات الاخر للعاجز عن العربية ابعد فتعين إرادة ما يراد فها لغة او عرفا فيشمل شريت و اشتريت لكن الاشكال المتقدم فى شريت اولى بالجريان هنا لان شريت استعمل فى القرآن الكريم فى البيع بل لم يستعمل فيه الا فيه بخلاف اشتريت و دفع الاشكال

______________________________

«اشتريت» (اذ إرادة خصوص لفظ اشتريت من هذا) اى من «شبههما» و «ما يقوم مقامها» (بعيد جدا) اذ لو كان لفظ واحد لجي ء به، و لا داعى للاتيان بلفظ كلى لا مصداق له الا واحد، فان المتعارف ان يؤتى باللفظ الكلى فيما اذا كان هناك افراد متعددة (و حمله) اى حمل لفظ «شبههما» و «ما يقوم مقامهما» (على إرادة ما يقوم مقامها فى اللغات الاخر) كالفارسية و الهندية و التركية (للعاجزين العربية) او مطلقا (ابعد) اذ الظاهر كون الكلام فى لغة العرب (فتعين إرادة) العاطف «للشبه» و «ما يقوم» (ما يراد فها) اى يرادف بعت و ملكت (لغة او عرفا فيشمل شريت و اشتريت) هذا غاية ما يقال فى تصحيح البيع بلفظ الاشتراء (لكن الاشكال المتقدم فى شريت) من عدم تعارف جعله ايجابا للبيع (اولى بالجريان هنا) فى اشتريت (لان شريت استعمل فى القرآن الكريم فى البيع بل لم يستعمل) شريت (فيه) اى فى القرآن الحكيم (الا فيه) اى فى البيع (بخلاف اشتريت) فانه لم يستعمل فى القرآن الكريم فى معنى البيع، و قد عرفت سابقا توقيفية الصنع (و دفع الاشكال) اى الاعتماد، و هذا اشكال آخر على الايجاب بلفظ «اشتريت» و حاصله انه غير ظاهر فى كونه ايجابا.

و ان قلت: يظهر كونه للايجاب بقرينة تقديمه، قلت: هذا لا يصح اذ

ص: 252

فى تعيين المراد منه بقرينة تقديمه الدال على كونه ايجابا اما بناء على لزوم تقديم الايجاب على القبول و اما لغلبة ذلك.

غير صحيح لان الاعتماد على القرينة غير اللفظية فى تعيين المراد من الفاظ العقود قد عرفت ما فيه الا ان يدعى ان ما ذكر سابقا من اعتبار الصراحة مختص بصراحة اللفظ من حيث دلالته على خصوص العقد و تميزه عما عداه من

______________________________

الاعتماد حينئذ يكون على قرينة غير لفظية و قد سبق منع الاعتماد على القرائن غير اللفظية فقوله «و الاشكال» مبتدأ خبره «غير صحيح» فان الاعتماد (فى تعيين المراد منه) اى من لفظ اشتريت (بقرينة) اى على قرينة (تقديمه) اى تقديم لفظ اشتريت (الدال) ذلك التقديم (على كونه ايجابا) لا قبولا (اما بناء على لزوم تقديم الايجاب على القبول) فاذا تقدم «اشتريت» عرف انه ايجاب.

(و اما لغلبة ذلك) التقديم و ان صحّ التأخير كما فى الاستيجاب و الايجاب بان يقول المشترى يعنى الكتاب بدينار فيقول البائع بعتك- و قوله «اما» بيان لوجه قرينية التقديم لكونه ايجابا- (غير صحيح) خبر قوله «و الاتكال» (لان الاعتماد على القرينة غير اللفظيّة فى تعيين المراد من الالفاظ العقود) «من» متعلق ب «المراد» (قد عرفت ما فيه) اذ قد سبق ان العقد بجميع شئونه يلزم ان يكون لفظيا حتى يكون صريحا (الا ان يدعى) ان الاعتماد على التقديم فى تعيين الايجاب لا يضر بالصراحة اذ (ان ما ذكر سابقا من اعتبار الصراحة) فى العقد (مختص بصراحة اللفظ من حيث دلالته على خصوص العقد و تميزه) اى العقد (عما عداه من) سائر العقود مثلا لا يأتى بلفظ «الصلح» و يريد «البيع» او بلفظ «الاجارة» و يريد «المتعة» و هكذا، و الحاصل

ص: 253

و اما تمييز ايجاب عقد معين عن قبوله الراجع الى تميز البائع عن المشترى فلا يعتبر فيه الصراحة بل يكفى استفادة المراد و لو بقرينة المقام او غلبته او نحوهما. و فيه اشكال.

و اما القبول فلا ينبغى الاشكال فى وقوعه بلفظ قبلت و رضيت و اشتريت و شريت و ابتعت و تملكت و ملكت مخففا و اما بعت فلم ينقل الا من الجامع مع ان المحكى عن جماعة من اهل اللغة اشتراكه بين البيع و الشراء

______________________________

يلزم ان يكون العقد صريحا فى مفاده، (و اما تميز ايجاب عقد معين عن قبوله) بان يعلم «اشتريت» المقدم «ايجاب» لا انه «قبول» (الراجع الى تمييز البائع عن المشترى) اذ المقدم هو البائع (فلا يعتبر فيه) اى فى التمييز (الصراحة بل يكفى استفادة المراد) و انه بائع او مشتر (و لو بقرينة المقام) اى مقام التقديم- اذا قلنا بجواز تقديم الايجاب- (او غلبته) اى غلبة المقام- اذا قلنا باغلبية تقديم الايجاب- (او نحوهما) من سائر القرائن المقامية غير المربوطة باللفظ (و) لكن لا يخفى ما (فيه) اى فى «الا ان يدعى» من (اشكال) اذ الكلام السابق الّذي اشترط الصراحة كان مفاده الصراحة فى كل شي ء مربوط بالعقد سواء من جهة مفاده او من جهة تميز البائع عن المشترى او غيرهما.

(و اما القبول) للعقد (فلا ينبغى الاشكال فى وقوعه بلفظ قبلت و رضيت و اشتريت و شريت و ابتعت و تملكت و ملكت مخففا) اى لا من باب التفعيل و انما لا اشكال فى هذه الالفاظ لوضعها لغة و استعمالها عرفا، و بعضها واردة فى القرآن الحكيم، و السنة المطهرة (و اما بعت) بان يقول البائع «بعتك الكتاب بدينار» فيقول المشترى «بعت» لان البيع حقيقة فى كل واحد من البيع و الشراء (فلم ينقل الا من الجامع مع) انه يؤيّده (ان المحكى عن جماعة من اهل اللغة اشتراكه بين البيع و الشراء) فيصح ان يقوله المشترى

ص: 254

و لعل الاشكال فيه كالاشكال اشتريت فى الايجاب.

و اعلم ان المحكى عن نهاية الاحكام و المسالك ان الاصل فى القبول «قبلت» و غيره بدل لان القبول على الحقيقة ما لا يمكن به الابتداء و الابتداء بنحو اشتريت و ابتعت ممكن و سيأتى توضيح ذلك فى اشتراط تقديم الايجاب.

ثم ان فى انعقاد القبول بلفظ الامضاء و الاجازة و الانقاذ و شبهها وجهان

______________________________

(و لعل الاشكال فيه كاشكال اشتريت فى الايجاب) بانه اعتماد على القرينة المقامية و هو لا يجوز فى العقود، لكن مقتضى القاعدة الصحة فيه كالصحة فى الايجاب بلفظ «اشتريت».

(و اعلم ان المحكى عن نهاية الاحكام و المسالك ان الاصل فى القبول «قبلت» و غيره) كرضيت و نحوه (بدل) عنه (لان القبول على الحقيقة) اى قبولا حقيقيا (ما لا يمكن به الابتداء) فانه مطاوعة و المطاوعة لا يعقل الابتداء بها (و الابتداء بنحو اشتريت و ابتعت ممكن) اذ يصح افادة البدلية من جانب المشترى قبل ان يعقدها البائع، و من المعلوم ان ما لا يحتمل امرين ك «قبلت» اصل بالنسبة الى ما يحتمل امرين نحو «اشتريت» (و سيأتى توضيح ذلك فى اشتراط تقديم الايجاب) على القبول.

(ثم ان فى انعقاد القبول بلفظ الامضاء و الاجازة و الانفاذ و شبهها) كأن يقول المشترى امضيت و اجزت و انفذت و اجريت (وجهان) من انها دالات على القبول فتصح، و من انها ليست مما ورد فى الشريعة و قد عرفت لزوم ورود الالفاظ فى الشريعة، فلا تصح.

ص: 255

فرع لو اوقعا العقد بالالفاظ المشتركة بين الايجاب و القبول ثم اختلفا فى تعيين الموجب و القابل

اما بناء على جواز تقديم القبول و اما من جهة اختلافهما فى المتقدم فلا يبعد الحكم بالتحالف.

ثم عدم ترتب الآثار المختصة بكل من البيع و الاشتراء على واحد منهما

______________________________

(فرع) على الالفاظ المشتركة (لو اوقعا العقد بالالفاظ المشتركة بين الايجاب و القبول) كأن قالا: «بعت» (ثم اختلفا فى تعيين الموجب و القابل) مما كان له اثر شرعى كما لو باع الحيوان بالصوف فإن كان صاحب الحيوان بائعا كان للمشترى خيار الحيوان و الا كان البيع لازما- بناء على المشهور من اختصاص خيار الحيوان بالمشترى (اما بناء على جواز تقديم القبول) و كان تقدم احدهما على الاخر واضحا (و اما من جهة اختلافهما فى المتقدم) و قلنا بعدم جواز تقديم القبول، اما لو كان المتقدم معلوما انه زيد مثلا، و قلنا بعدم جواز تقديم القبول فلا اشكال فى عدم صحة الاختلاف، لان المتقدم ان نوى كونه بائعا فلا اشكال و ان نوى كونه مشتريا فالمعاملة باطلة، (فلا يبعد الحكم بالتحالف) اذ ليست المسألة هنا من باب المدعى و المنكر، بل من باب الدعويين، و لا يقال «المدعى من اذا ترك ترك» و الاخذ للحيوان هو الّذي يكون كذلك، لانه الّذي يريد رد الحيوان فى ضمن الثلاثة ايام، لانه يقال هذا المقياس ليس كليا كما حقق فى باب القضاء.

(ثم) اذا تحالفا يجب (عدم ترتب الآثار المختصة بكل من البيع و الاشتراء على واحد منهما) كما هو مقتضى التحالف فى موارد الدعويين، و لا يضر ذلك

ص: 256

مسألة المحكى عن جماعة منهم السيد عميد الدين و الفاضل المقداد و المحقق و الشهيد الثانيان اعتبار العربية فى العقد

للتأسى كما فى جامع المقاصد و لان عدم صحته بالعربى غير الماضى يستلزم عدم صحته بغير العربى بطريق اولى و فى الوجهين ما لا يخفى و اضعف منهما منع صدق العقد على

______________________________

بالعلم الاجمالى، لانه من قبيل درهمى الودعى.

نعم لو تبدل بالعلم التفصيلى لزم الاخذ به كما لو كان العوضان حيوانين و فسخا انفسخ العقد، لان ايهما كان هو المشترى يكون فسخه موجبا لابطال البيع، و المسألة تحتاج الى تطويل خارج عن شأن الشرح و اللّه سبحانه العالم.

«مسألة» فى اعتبار العربية فى العقد (المحكى عن جماعة منهم السيد عميد الدين و الفاضل المقداد و المحقق و الشهيد الثانيان) صاحب جامع المقاصد و الروضة، (اعتبار العربية فى العقد للتأسى) بالرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم و الائمة لقوله سبحانه «و لكم برسول اللّه اسوة حسنة» فاذا اجرينا العقد بالعربية كفى قطعا، بخلاف ما ذا اجريناه بغير العربية فاذا شك فى الانعقاد كان الاصل عدمه (كما فى جامع المقاصد) فانه استدل للعربية بالتأسى (و لان عدم صحته بالعربى غير الماضى) كما لو قال «ابيعك» (يستلزم عدم صحته بغير العربى) كالفارسى (بطريق اولى) لان العربية اهم من الماضوية (و فى الوجهين ما لا يخفى) اذ يرد على الوجه الاول ان الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و الائمة انما كان لسانهم العربى و لا اطلاق لادلة التأسى على وجوبه فى كل شي ء، و على الوجه الثانى انه لا اولوية للعربية على الماضوية (و اضعف منهما منع صدق العقد على

ص: 257

غير العربى مع التمكن من العربى فالاقوى صحته بغير العربى و هل يعتبر عدم اللحن من حيث المادة و الهيئة بناء على اشتراط العربى الاقوى ذلك بناء على ان دليل اعتبار العربية هو لزوم الاقتصار على المتيقن من اسباب النقل و كذا اللحن فى الاعراب و حكى عن فخر الدين الفرق بين ما لو قال بعتك- بفتح الباء- و بين ما لو قال زوجتك بدل زوجتك فصحح الاول دون

______________________________

غير العربى مع التمكن من العربى) لان المنع باطل قطعا فان العقد هو ابرام امر سواء كان بالعربى او بغيره (فالاقوى صحته بغير العربى) فى باب البيع و سائر العقود و الايقاعات.

نعم وقع الاشكال فى باب النكاح و الطلاق لمسألة الفروج كما فصل الكلام حوله فى كتابهما (و هل يعتبر عدم اللحن) اى ان لا يقرأ الصيغة غلطا (من حيث المادة) كان يقول «عبت» مكان «بعت» او يبدل «العين» «همزة» مثلا (و الهيئة) كان يفتح الباء من «بعت» (بناء على اشتراط العربى) اذ لو لم نقل باشتراط العربى لم يكن وجه للاشكال فى الملحون اذ الملحون الدال، حكمه حكم الفارسى فتأمل (الاقوى ذلك) الاعتبار لعدم اللحن (بناء على ان دليل اعتبار العربية هو لزوم الاقتصار على المتيقن من اسباب النقل) و هذا الدليل آت فى غير الملحون، فكما ان المتيقن العربى كذلك المتيقن غير الملحون (و كذا اللحن فى الاعراب) المتيقن انعقاد العقد بالصحيح فيلزم ان لا يكون ملحونا، كان يقول «بعتك الكتاب» برفع الكتاب او بفتح «التاء» مثلا (و حكى عن فخر الدين الفرق بين ما لو قال بعتك- بفتح الباء-) الّذي هو لحن فى هيئة الكلمة (و بين ما لو قال جوزتك بدل زوجتك) الّذي هو لحن فى مادة الكلمة (فصحح الاول) و انه يقع به العقد (دون

ص: 258

الثانى الا مع العجز عن التعلم و التوكيل و لعله لعدم معنى صحيح فى الاول الا البيع بخلاف التجويز فانه له معنى آخر فاستعماله فى التزويج غير جائز و منه يظهر ان اللغات المحرفة لا بأس بها اذا لم يتغير بها المعنى ثم هل المعتبر عربية جميع اجزاء الايجاب و القبول كالثمن و المثمن أم تكفى عربية الصيغة الدالة على إنشاء الايجاب و القبول حتى لو قال: بين اين كتاب را بدل درهم كفى و الاقوى هو الاول لان غير العربى كالمعدوم فكانه لم يذكر فى الكلام

______________________________

الثانى) فلا يقع به العقد (الا مع العجز عن التعلم و التوكيل) فانه يصح مع العجز (و لعله) اى لعل وجه الفرق (لعدم معنى صحيح فى الاول) بعتك بفتح الباء- (الا البيع) فيؤخذ به (بخلاف التجويز) فى «جوزتك» (فانه له معنى آخر) غير النكاح (فاستعماله فى التزويج غير جائز) لكن الظاهر ان الفخر يريد الفرق بين اللحن فى الهيئة و بين اللحن فى المادة، لا انه يريد خصوص «جوزت» حتى اذا قال العاقد «زوجت» يقول بالصحة، لانه لا معنى له الا «الزواج» (و منه) اى مما ذكرنا فى وجه كلام الفخر بقولنا «لعله» (يظهر ان اللغات المحرفة لا بأس بها اذا لم يتغير بها المعنى) بان لم يكن من قبيل «زوج» و «جوز» (ثم هل المعتبر) على القول باشتراط العربية (عربية جميع اجزاء الايجاب و القبول كالثمن و المثمن) و سائر المتعلقات كزمان التسليم فى السلم و الشرط و غيرها (أم تكفى عربية الصيغة الدالة على إنشاء الايجاب و القبول حتى لو قال: بعتك اين كتاب را بده درهم كفى) احتمالان (و الاقوى هو الاول لان غير العربى) على هذا القول (كالمعدوم) فكانه ذكر البيع بدون المتعلق (فكانه لم يذكر فى الكلام) هذا بناء على لزوم ذكر المتعلقات حتى انه اذا قال البائع «بعتك» و قال المشترى «قبلت» لم يصح.

ص: 259

نعم لو لم يعتبر ذكر متعلقات الايجاب كما لا يجب فى القبول و اكتفى بانفهامها و لو من غير اللفظ صح الوجه الثانى لكن الشهيد «ره» فى غاية المراد فى مسألة تقديم القبول نص على وجوب ذكر العوضين فى الايجاب.

ثم انه هل يعتبر كون المتكلم عالما تفصيلا بمعنى اللفظ بان يكون مفرقا بين معنى «بعت» و ابيع و انا بائع او يكفى مجرد علمه بان هذا اللفظ يستعمل فى لغة العرب لانشاء البيع الظاهر هو الاول لان عربية الكلام ليست باقتضاء نفى الكلام بل بقصد المتكلم منه المعنى الّذي وضع له عند العرب

______________________________

(نعم لو لم يعتبر ذكر متعلقات الايجاب كما لا يجب) ذكر المعلقات (فى القبول) بلا اشكال (و اكتفى بانفهامها) اى المتعلقات (و لو من غير اللفظ) كما لو اخذ السلعة بيده و اعطاها المشترى قائلا بعتك (صح الوجه الثانى) بان يأتى بالفارسية- مثلا- سائر المتعلقات لان كونها كالمعدوم حينئذ غير ضائر (لكن الشهيد «ره» فى غاية المراد فى مسألة تقديم القبول) على الايجاب (نص على وجوب ذكر العوضين فى الايجاب) بمعنى لزوم ذكر المتعلقات.

(ثم انه هل يعتبر كون المتكلم عالما تفصيلا بمعنى اللفظ) الّذي يتلفظ به فى العقد (بان يكون مفرقا بين معنى) «بعت» الماضى (و ابيع) المضارع (و انا بائع) اسم الفاعل (او يكفى مجرد علمه بان هذا اللفظ يستعمل فى لغة العرب لانشاء البيع) و ان لم يفرق بين الالفاظ الثلاثة (الظاهر هو الاول) و لزوم عرفانه (لان عربية الكلام ليست باقتضاء نفى الكلام) فان قال انسان «بعت» و اراد «الامر بالخروج» مثلا، لم يكن تكلم بالعربية (بل بقصد المتكلم منه) اى من اللفظ العربى (المعنى الّذي وضع له عند العرب) فاذا لم يعرف معنى «بعت» لم يقصد المعنى تفصيلا فيكون حاله حال ما لو

ص: 260

فلا يقال انه تكلم و ادّى المطلب على طبق لسان العرب الا اذا ميز بين معنى بعت و ابيع و اوجدت البيع و غيرها بل على هذا لا تكفى معرفة ان بعت مرادف لقوله «فروختم» حتى يعرف ان الميم فى الفارسى عوض تاء المتكلم فيميز بين بعتك و بعت بالضم و بعت بالفتح فلا ينبغى ترك الاحتياط و إن كان فى تعينه نظر

______________________________

قال بعت مريدا الامر بالخروج- مثلا- (فلا يقال) عرفا (انه تكلم وادى المطلب على طبق لسان العرب الا اذا اميز بين معنى بعت و ابيع و اوجدت البيع) اى الماضى و المضارع و المصدر (و غيرها) من سائر المشتقات كهذا مبيع- فى اسم المفعول- و انا بائع فى اسم الفاعل، و هكذا (بل على هذا) الّذي ذكرنا من لزوم كونه مفرقا و عارفا باللغة تفصيلا (لا تكفى) فى اجراء العقد (معرفة ان بعت مرادف لقوله «فروختم») بدون معرفة التفاصيل بين اللفظين (حتى يعرف ان الميم فى الفارسى عوض تاء المتكلم ف) اللازم ان (يميز بين بعتك) بكاف الخطاب بعد الفاعل (و بعت بالضم) بدون الخطاب (و بعت بالفتح) و انه خطاب لا إنشاء (فلا ينبغى ترك الاحتياط) فى معرفة تفاصيل الصيغة (و إن كان فى تعينه) اى لزوم هذه المعرفة (نظر) لانه فرق بين «عدم المعرفة اصلا» بان يستعمل «بعت» فى الامر بالخروج- مثلا- و بين المعرفة اجمالا، فان من كان قاصدا للمعنى و اجرى اللفظ يقال عرفا انه تكلم بالعربية الا ترى انه من يقرأ القرآن يقال انه يقرأ العربية و ان لم يكن عارفا لمعانيه فكيف بمعنى يعرف معانيه اجمالا كما لو علم اجمالا بان «سلام عليكم» تحية و لم يعلم تفاصيل المعنى، و قاله بقصد التحية يقال عرفا انه سلّم باللغة العربية.

و الحاصل انه لا دليل على اكثر من التلفظ بقصد المعنى اما كون ذلك

ص: 261

و لذا نص بعض على عدمه.

مسألة المشهور كما عن غير واحد: اشتراط الماضوية

بل فى التذكرة الاجماع على عدم وقوعه بلفظ ابيعك او اشتر منى و لعله لصراحته فى الانشاء اذ المستقبل اشبه بالوعد و الامر استدعاء لا ايجاب مع ان قصد الانشاء فى المستقبل خلاف المتعارف و عن القاضى فى الكامل و المهذب عدم اعتبارها و لعله لاطلاق البيع و التجارة و عموم العقود

______________________________

المعنى مفهوما عنده من اللفظ تفصيلا او اجمالا فلا دليل على اعتبار المعرفة التفصيلية (و لذا) الّذي ذكرناه من التطرف فى اشتراط المعرفة التفصيلية (نص بعض على عدمه) اى عدم لزوم المعرفة تفصيلا.

(مسألة) فى اعتبار ماضوية صيغة العقد (المشهور كما عن غير واحد: اشتراط الماضوية) فى صيغة العقد بان يقول «بعت» فلا يصح ان يقول «ابيع» او «انا بائع» او ما اشبه (بل فى التذكرة الاجماع على عدم وقوعه بلفظ ابيعك او اشتر منى) بلفظ الامر (و لعله) اى اشترط الماضوية (لصراحته) اى الماضى (فى الانشاء) و هو معتبر فى العقد (اذ المستقبل اشبه بالوعد) و إن كان يصح استعماله فى الانشاء، لكنه ليس بصريح، و قد عرفت سابقا لزوم الصراحة (و الامر) كاشتر منى (استدعاء) و طلب من المشترى ان يشتريه (لا ايجاب) فلا يصح به ان قصد الامر، و ان قصد الانشاء كان مجازا، و هو ممنوع فى العقد- كما سبق- (مع ان قصد الانشاء فى المستقبل خلاف المتعارف) فيكون غير صريح و ان اتى بقرينة تدل على المراد (و عن القاضى فى الكامل و المهذب عدم اعتبارها) اى الماضوية فى الصيغة (و لعله لاطلاق البيع) فى قوله سبحانه «احل اللّه البيع» فانه يقال انه باع ماله- و إن كان اتى بلفظ المضارع- (و التجارة) فى قوله: الا ان تكون تجارة عن تراض (و عموم العقود) فى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ- فان كل ذلك

ص: 262

و ما دل فى بيع الآبق و اللبن فى الضرع من الايجاب بلفظ المضارع و فحوى ما دل عليه فى النكاح و لا يخلو هذا من قوة لو فرض صراحة المضارع فى الانشاء على وجه لا يحتاج الى قرينة المقام فتأمل.

______________________________

صادق فى ما اذا أتى بلفظ المضارع او ما اشبه- (و)- (ما دل فى بيع الآبق و اللبن فى الضرع من الايجاب بلفظ المضارع) كصحيحة رفاعة قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام قلت له: أ يصلح لى ان اشترى من القوم الجارية الآبقة و اعطيهم الثمن و اطلبها انا؟ قال عليه السلام: لا يصلح شرائها الا ان تشترى منهم معها ثوبا او متاعا فتقول لهم اشترى منكم جاريتكم فلانة بكذا و كذا درهما فان ذلك جائز و نحوها غيرها.

و كموثقة سماعة عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: سألته عن اللبن يشترى و هو فى الضرع؟ قال عليه السلام: لا الا ان يحلب فى سكرّجة فتقول اشتر منى هذا اللبن الّذي فى السكرجّة و ما فى ضروعها بثمن مسمى، الخبر فان الاول بلفظ «المضارع» و الثانى بلفظ «الامر»، و مراد المصنف من «لفظ المضارع» انما هو بالنسبة الى الاول (و فحوى ما دل عليه فى النكاح) فان جاز غير الماضى فى النكاح الّذي هو اهم- لمكان الفرج- جاز فى البيع الّذي هو ليس بتلك الاهمية، كخبر ابن ابى نصر، قال: «اتزوجك متعة على كتاب الله و سنة نبيه، الحديث و كذا ما ورد فى بيع ورق المصحف، قال عليه السلام: قل اشترى منك هذا بكذا و كذا، الى غيرهما من الروايات (و لا يخلو هذا) اى عدم اشتراط الماضوية (من قوة لو فرض صراحة المضارع) و غيره (فى الانشاء على وجه لا يحتاج الى قرينة المقام) ليخرج من كونه لفظا، اذ قد عرفت الاشكال فى كون العقد و لو ببعض اجزائه غير اللفظ (فتأمل) فانه كيف يمكن الفتوى بذلك مع

ص: 263

مسألة الأشهر كما قيل لزوم تقديم الايجاب على القبول

و به صرح فى الخلاف و الوسيلة و السرائر و التذكرة- كما عن الايضاح- و جامع المقاصد و لعله للاصل بعد حمل آية وجوب الوفاء على العقود المتعارفة كاطلاق البيع و التجارة فى الكتاب و السنة و زاد بعضهم ان القبول فرع الايجاب فلا يتقدم عليه و انه

______________________________

دعوى العلامة الاجماع، لكن لا يخفى ما فى الاجماع المدعى صغرى لمخالفة القاضى و غيره و كبرى لانه محتمل الاستناد الى الوجوه المذكورة، و الاجماع المحتمل الاستناد ليس بحجة.

(مسألة) فى تقديم الايجاب (الاشهر كما قيل لزوم تقديم الايجاب على القبول و به) اى باللزوم (صرح فى الخلاف و الوسيلة و السرائر و التذكرة- كما عن الايضاح-) أيضا نقل قوله باللزوم (و) كذا عن (جامع المقاصد و لعله للاصل) اى ان المعتاد فى البيوع تقديم الايجاب (بعد حمل آية وجوب الوفاء) فى قوله سبحانه «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (على العقود المتعارفة) فلا يقال ان اطلاق الآية شامل لصورة تقديم القبول أيضا (كإطلاق) آية (البيع و التجارة) «احل اللّه البيع» و «تجارة عن تراض» فان الاطلاق فيهما محمول على المتعارف- و هو ما كان ايجابه مقدما على قبوله- (فى الكتاب و السنة) فانه ورد فى السنة روايات اطلق فيها حلية البيع و التجارة، و قوله «آية» المراد بها المثال، اى «آية و رواية» ليلائم قوله «و السنة» فهو من قبيل قول الشاعر: «علفتها تبنا و ماء باردا» اى سقيتها ماء (و زاد بعضهم) فى الاستدلال على لزوم تقديم الايجاب- زيادة على الاصل الّذي ذكرناه- (ان القبول فرع الايجاب) لانه قبول لامر، فاذا لم يكن امر سابق، لا معنى للقبول (فلا يتقدم عليه) اذ هو حينئذ فرع بدون اصل (و انه) اى القبول

ص: 264

تابع له فلا يصح تقدمه عليه و حكى فى غاية المراد عن الخلاف الاجماع عليه و ليس فى الخلاف فى هذه المسألة الا ان البيع مع تقديم الايجاب متفق عليه فيوخذ به فراجع خلافا للشيخ فى المبسوط فى باب النكاح و ان وافق الخلاف فى البيع الا انه عدل عنه فى باب النكاح بل ظاهر كلامه عدم الخلاف فى صحته بين الامامية حيث انه بعد ما ذكر ان تقديم القبول بلفظ الامر فى النكاح «بان يقول زوجنى فلانة» جائز بلا خلاف قال اما البيع فانه اذا قال

______________________________

(تابع له) اى للايجاب (فلا يصح تقدمه عليه) و إلا لزم الخلف، اذ معنى التابع البعدية (و حكى عن غاية المراد) انه حكى (عن الخلاف الاجماع عليه) اى على لزوم تقديم الايجاب (و) الحال انه (ليس فى الخلاف فى هذه المسألة) اى مسألة تقديم الايجاب (الا ان البيع مع تقديم الايجاب متفق عليه) و انه صحيح (فيوخذ به) و من المعلوم ان هذا ليس دعوى لاجماع تقديم الايجاب، بل دعوى للاجماع على ان ما قدم فيه الايجاب كان صحيحا- و لا يخفى الفرق بينهما- (فراجع) كتاب الخلاف ليظهر لك الحق (خلافا للشيخ فى المبسوط فى باب النكاح) فانه اجاز تقديم القبول (و ان وافق) الشيخ فى المبسوط، كتاب (الخلاف) فى لزوم تقديم الايجاب (فى) كتاب (البيع) منه (الا انه) اى الشيخ (عدل عنه) اى عما ذكره فى باب البيع من المبسوط- من لزوم تقديم الايجاب (فى باب النكاح) من المبسوط، و اجاز تقديم القبول (بل ظاهر كلامه) اى كلام الشيخ فى نكاح المبسوط (عدم الخلاف فى صحته) اى تقديم القبول (بين الامامية) و من المعلوم انه لو جاز تقديم القبول فى باب النكاح جاز فى البيع بطريق اولى (حيث انه بعد ما ذكر ان تقديم القبول بلفظ الامر فى النكاح «بان يقول زوجنى فلانه» جائز بلا خلاف، قال اما البيع فانه اذا قال) المشترى

ص: 265

بعنيها فقال بعتكها صح عندنا و عند قوم من المخالفين و قال قوم منهم لا يصح حتى يسبق الايجاب، انتهى.

و كيف كان فنبسة القول الاول الى المبسوط مستند الى كلامه فى باب البيع و اما فى باب النكاح فكلامه صريح فى جواز التقديم كالمحقق فى الشرائع و العلامة فى التحرير و الشهيدين فى بعض كتبهما و جماعة ممن تأخر عنهما للعمومات السليمة عما يصلح لتخصيصها و فحوى جوازه فى النكاح الثابت بالاخبار مثل خبر ابان بن تغلب الوارد فى كيفية الصيغة المشتمل على صحة تقديم

______________________________

(بعنيها فقال) البائع (بعتكها، صح عندنا و عند قوم من المخالفين، و قال قوم منهم لا يصح حتى يسبق الايجاب، انتهى) فان ظاهر قوله «عندنا» و انه قابل ذلك باختلاف المخالفين فى الصحة و العدم ان المسألة غير مختلف فيها عند الامامية.

(و كيف كان فنبسة القول الاول) اى عدم جواز تقديم القبول (الى المبسوط مستند الى كلامه فى باب البيع و اما فى باب النكاح فكلامه صريح فى جواز التقديم) للقبول على الايجاب (ك) صراحة كلام (المحقق فى الشرائع و العلامة فى التحرير و الشهيدين فى بعض كتبهما و جماعة ممن تأخر عنهما) فانهم اجازوا تقديم القبول (للعمومات السلمية عما يصلح لتخصيصها) فان أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و غيرها شاملة لما كان القبول مقدما، و لا مخصص لهذه العمومات يدل على اشتراط تقديم الايجاب (و) يدل على جواز التقديم فى باب البيع (فحوى جوازه) اى جواز التقديم (فى النكاح الثابت) ذلك الجواز (بالاخبار مثل خبر ابان بن تغلب الوارد فى كيفية الصيغة المشتمل على صحة تقديم

ص: 266

القبول بقوله للمرأة اتزوجك متعة على كتاب اللّه و سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم الى ان قال- فاذا قالت نعم فهى امرأتك و انت اولى الناس بها.

و رواية سهل الساعدى المشهور فى كتب الفريقين- كما قيل- المشتملة على تقديم القبول من الزوج بلفظ زوجنيها و التحقيق ان القبول اما ان يكون بلفظ قبلت و رضيت و اما ان يكون بطريق الامر و الاستيجاب

______________________________

القبول) على الايجاب (بقوله للمرأة اتزوجك متعة على كتاب اللّه و سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم- الى ان قال- فاذا قالت نعم فهى امرأتك و انت اولى الناس بها) فاذا جاز تقديم القبول على الايجاب فى باب النكاح الّذي له اهمية- لمكان البضع- كان جوازه فى باب البيع اولى.

(و رواية سهل الساعدى المشهور فى كتب الفريقين- كما قيل-) بانه مشهور فى كتبهم (المشتملة على تقديم القبول من الزوج بلفظ زوجنيها) و الرواية هى ان امرأة انت النبي صلى اللّه عليه و آله، و قالت يا رسول اللّه انى و هبت لك نفسى و قامت قياما طويلا فقام رجل فقال: يا رسول اللّه زوجنيها ان لم يكن لك بها حاجة؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: هل عندك من شي ء تصدقها اياه؟ فقال: ما عندى الا ازارى هذا، فقال صلى اللّه عليه و آله ان اعطيتها ازارك حبست بلا ازار التمس و لو خاتما من حديد، فلم يجد شيئا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: هل معك من القرآن شي ء؟ قال:

نعم سورة كذا و سورة كذا سور سماها فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله زوجتك بما معك من القرآن، و نحوها الصحيح عن ابى جعفر عليه السلام (و التحقيق ان القبول اما ان يكون بلفظ قبلت و رضيت و اما ان يكون بطريق الامر و الاستيجاب) اى طلب الايجاب- و هو عطف بيان للامر.

ص: 267

نحو بعنى، فيقول المخاطب بعتك و اما ان يكون بلفظ اشتريت و ملكت مخففا و ابتعت، فإن كان بلفظ قبلت فالظاهر عدم جواز تقديمه وفاقا لمن عرفت فى صدر المسألة بل المحكى عن الميسيّة و المسالك و مجمع الفائدة انه لا خلاف فى عدم جواز تقديم لفظ «قبلت» و هو المحكى عن نهاية الاحكام و كشف اللثام فى باب النكاح و قد اعترف به غير واحد من متأخرى المتأخرين أيضا بل المحكى هناك عن ظاهر التذكرة الاجماع عليه و يدل عليه مضافا الى ما ذكر و الى كونه خلاف المتعارف من العقد ان القبول الّذي هو احد ركنى عقد المعاوضة فرع الايجاب فلا يعقل تقدمه عليه و ليس المراد من هذا

______________________________

نعم قد يكون الاستيجاب بغير الامر، فالامر (نحو بعنى، فيقول المخاطب بعتك) و غير الامر نحو الاستفهام مثل هل تبيعنى فيقول بعتك (و اما ان يكون بلفظ اشتريت و ملكت مخففا و ابتعت، فإن كان) القبول (بلفظ قبلت فالظاهر عدم جواز تقديمه) على الايجاب (وفاقا لمن عرفت فى صدر المسألة) كالخلاف و الوسيلة و التحرير و غيرها (بل المحكى عن الميسيّة و المسالك و مجمع الفائدة انه لا خلاف فى عدم جواز تقديم لفظ «قبلت» و هو المحكى عن نهاية الاحكام و كشف اللثام فى باب النكاح) حيث ادعيا عدم الخلاف (و قد اعترف به) اى بعدم الخلاف (غير واحد من متأخرى المتأخرين أيضا بل المحكى هناك) فى باب النكاح (عن ظاهر التذكرة الاجماع عليه و يدل عليه) اى على عدم الجواز (مضافا الى ما ذكر) من الاجماع (و الى كونه خلاف المتعارف من العقد) فالادلة لا تشمله لان الادلة- ك أَوْفُوا بِالْعُقُودِ- منصرفة الى العقود المتعارفة (ان القبول) فاعل «يدل» (الّذي هو احد ركنى عقد المعاوضة فرع الايجاب) لان مطاوعة، و المطاوعة لا تكون الا بعد الفعل اذ لا يفعل الانفعال بدون الفعل (فلا يعقل تقدمه) اى الفرع (عليه) اى على الاصل (و ليس المراد من هذا

ص: 268

القبول الّذي هو ركن للعقد مجرد الرضا بالايجاب حتى يقال الرضا بشي ء لا يستلزم تحققه فى الماضى فقد يرضى الانسان بالامر المستقبل بل المراد منه الرضا بالايجاب على وجه يتضمن إنشاء نقل ماله- فى الحال- الى الموجب على وجه العوضية لان المشترى ناقل كالبائع و هذا لا يتحقق الا مع تأخر الرضا عن الايجاب اذ مع تقدمه لا يتحقق النقل فى الحال فان من رضى بمعاوضة ينشئها الموجب فى المستقبل لم ينقل ماله فى الحال الى الموجب بخلاف من رضى بالمعاوضة التى انشأها الموجب سابقا فانه يرفع- بهذا الرضا يده من ماله و ينقله الى غيره على وجه العوضية

______________________________

القبول الّذي هو ركن للعقد مجرد الرضا بالايجاب حتى يقال) يصح تقدم (الرضا بشي ء لا يستلزم تحققه) اى تحقق ذلك الشي ء (فى الماضى) و انما لا يستلزم (فقد يرضى الانسان بالامر المستقبل) قوله «فقد» علة لقوله «لا يستلزم» (بل المراد منه) اى من القبول- الّذي قلنا لا يمكن تقدمه على الايجاب- (الرضا بالايجاب على وجه يتضمن) هذا الرضا (إنشاء نقل ماله- فى الحال-) قبل الايجاب (الى الموجب على وجه العوضية) و علّل كون المشترى ينقل ماله فى الحال بقوله (لان المشترى ناقل كالبائع) بالإضافة الى انه قابل لمال البائع (و هذا) اى النقل فى الحال (لا يتحقق الا مع تاخر الرضا عن الايجاب اذ مع تقدمه) الى الرضا، على الايجاب (لا يتحقق النقل فى الحال) و انما لا يتحقق النقل فى الحال (فان من رضى بمعاوضة ينشئها الموجب فى المستقبل لم ينقل ماله فى الحال الى الموجب) بل رضى بنقل ماله الى الموجب بعد ايجابه- لا فى الحال- (بخلاف من رضى بالمعاوضة التى انشأها الموجب سابقا) بان كان القبول بعد الايجاب (فانه يرفع- بهذا الرضا-) المتأخر (يده من ماله و ينقله الى غيره على وجه العوضية) و الحاصل «القبول: رضى بانشاء النقل المتأخر

ص: 269

و من هنا يتضح فساد ما حكى عن بعض المحققين فى رد الدليل المذكور و هو كون القبول فرع الايجاب و تابعا له و هو ان تبعية القبول للايجاب ليس تبعية اللفظ للفظ و لا القصد للقصد حتى يمتنع تقديمه و انما هو انما على سبيل الفرض و التنزيل بان يجعل القابل نفسه متناولا لما يلقى إليه من الموجب و الموجب مناولا كما يقول السائل فى مقام الانشاء: انا راض بما تعطينى و قابل لما تمنحنى فهو متناول

______________________________

عن الايجاب» «فلا يعقل تقدم القبول على الايجاب» و الا لزم الخلف، و لا يخفى ما فى الادلة الثلاثة، اذ الاجماع غير حجة لانه محتمل الاستناد على تقدير وجوده، و كونه خلاف المتعارف ليس بحيث يوجب انصراف الدليل فأي فرق بين ان يقول «زوجنى» و بين ان يقول «انى اقبل زواجك»، و عدم المعقولية غير تام، اذ اى مانع من ان ينشئ المشترى نقل ماله فى الحال فى مقابل النقل الّذي يحدثه البائع بعد ذلك فقوله «القبول رضى الخ» غير تام (و) كيف كان ف (من هنا) الّذي ذكرنا ان القبول يتضمن إنشاء النقل (يتضح فساد ما حكى عن بعض المحققين فى رد الدليل المذكور) الّذي ذكرناه بقولنا «ان القبول الّذي هو احد ركن المعاوضة، الخ» (و) حاصله (هو كون القبول فرع الايجاب و تابعا له و) حاصل رد ذلك المحقق (هو ان تبيعة القبول للايجاب ليس تبعية اللفظ للفظ) كالتابع فى اصطلاح النحاة فما يقصد منه تبعية اللفظ للفظ (و لا القصد للقصد) كتبعية قصد القربة لقصد الفعل القربى (حتى يمتنع تقديمه) و الا لم يكن تابعا (و انما هو) اى كونه تبعا، فى باب قبول البيع و نحوه (انما هو على سبيل الفرض و التنزيل) و معنى الفرض و التنزيل (بان يجعل القابل نفسه متناولا) و آخذا (لما يلقى إليه من الموجب و) يجعل (الموجب مناولا) و معطيا (كما يقول السائل فى مقام الانشاء: انا راض بما تعطينى و قابل) اى اقبل (لما تمنحنى ف) على كل حال (هو متناول

ص: 270

قدم انشاءه اواخر فعلى هذا يصح تقديم القبول و لو بلفظ قبلت و رضيت ان لم يقم اجماع على خلافه انتهى، و وجه الفساد ما عرفت سابقا من ان الرضا بما يصدر من الموجب فى المستقبل من نقل ماله بإزاء مال صاحبه ليس فيه إنشاء نقل من القابل فى الحال بل هو رضى منه بالانتقال فى الاستقبال و ليس المراد ان اصل الرضا بشي ء تابع لتحققه فى الخارج أولا

______________________________

قدم إنشاء) اى إنشاء التناول (اواخر) عن الايجاب (فعلى هذا) الّذي ذكرناه من انه على سبيل الفرض و التنزيل (يصح تقديم القبول و لو بلفظ قبلت و رضيت ان لم يقم اجماع على خلافه انتهى).

و الحاصل: انه لو كان هناك محذور شرعى من تقديم القبول لزم القول بعدم جوازه و الا فلا محذور عقلى فى ذلك (و وجه الفساد) لكلام هذا المحقق (ما عرفت سابقا من ان) القبول يتضمن امرين:

الاول: الرضا بما يفعله الموجب و هذا يمكن ان يقدم و يمكن ان يؤخر.

الثانى: نقل القابل مال نفسه الى الموجب نقلا هو كالانفعال لنقل الموجب، و من المعلوم ان النقل الانفعالى لا يعقل ان يقدم على نقل الموجب الّذي هو فعل، و عليه ف (الرضا بما يصدر من الموجب فى المستقبل) اى بعد القبول (من نقل ماله) اى مال الموجب (بإزاء مال صاحبه) اى المشترى (ليس فيه إنشاء نقل من القابل فى الحال بل هو) اى الرضا بما يصدر من الموجب (رضى منه) اى من القابل (بالانتقال فى الاستقبال) فليس الكلام و وجه الاشكال فى تقديم القبول من جهة «الرضا» حتى يقول ذلك المحقق انه يمكن ان يقدم على الايجاب، كما يمكن ان يؤخر (و ليس المراد) من الاشكال (ان اصل الرضا بشي ء تابع لتحققه) اى تحقق ذلك الشي ء (فى الخارج أولا

ص: 271

قبل الرضا به حتى يحتاج الى توضيحه بما ذكره من المثال بل المراد الرضا الّذي بعد قبولا و ركنا فى العقد.

و مما ذكرنا يظهر الوجه فى المنع عن تقديم القبول بلفظ الامر كما لو قال بعنى هذا بدرهم فقال بعتك لان غاية الامر دلالة طلب المعاوضة على الرضا بها لكن لم يتحقق بمجرد الرضا بالمعاوضة المستقبلة نقل

______________________________

قبل الرضا به) اى بذلك الشي ء مثلا الرضا من المشترى بالبيع تابع لتحقق البيع من البائع و لا يستلزم ذلك ان يكون المرضى به متحققا فعلا قبل الرضا به (حتى يحتاج) اثبات ان الرضا ليس بتابع لتحقق الشي ء- كالبيع- (الى توضيحه) اى توضيح عدم التابعية للتحقق (بما ذكره من المثال) بقوله كما يقول السائل فى مقام الانشاء، الخ (بل المراد) اى مرادنا من الاشكال فى عدم صحة تقديم القبول (الرضا الّذي يعد قبولا و ركنا فى العقد) المشتمل ذلك الرضا على امرين: الرضا بفعل البائع، و إنشاء نقل المشترى ماله انفعالا لنقل البائع و قد عرفت ان الانفعال لا يعقل قبل الفعل.

(و مما ذكرنا) من ان الرضا لا يعقل تقديمه لانه مشتمل على الانفعال (يظهر الوجه فى المنع عن تقديم القبول بلفظ الامر) كما يمتنع تقديم القبول بلفظ «قبلت» (كما لو قال) المشترى (بعنى هذا بدرهم فقال) البائع (بعتك) وجه المنع (لان غاية الامر) اى غاية المطلب (دلالة طلب) المشترى (المعاوضة) بقوله «بعنى» (على الرضا بها) اى بالمعاوضة (لكن لم يتحقق بمجرد الرضا بالمعاوضة المستقبلة) التى يجريها البائع (نقل) من المشترى

ص: 272

فى الحال للدرهم الى البائع كما لا يخفى.

و اما ما يظهر من المبسوط من الاتفاق هنا على الصحة به فموهون بما ستعرف من مصير الاكثر على خلافه و اما فحوى جوازه فى النكاح ففيها بعد الاغماض عن حكم الاصل بناء على منع دلالة رواية سهل على كون لفظ الامر هو القبول لاحتمال تحقق القبول بعد ايجاب النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و يؤيده انه لولاه يلزم الفصل الطويل بين الايجاب و القبول

______________________________

(فى الحال) اى حال قوله «بعنى» (للدرهم) الثمن (الى البائع كما لا يخفى) فوجه المنع فى تقديم «قبلت» آت هنا فى تقديم «بعنى».

(و اما ما يظهر من المبسوط هنا) فى تقديم القبول بلفظ الامر (على الصحة) للعقد (به) اى بالقبول المقدم بلفظ «بعنى» (فموهون بما ستعرف من مصير الاكثر على خلافه) و انهم لا يجوزون تقديم القبول بلفظ «الامر» (و اما فحوى جوازه) اى تقديم القبول بلفظ الامر (فى النكاح) لانه اذا جاز فى النكاح جاز فى البيع بطريق اولى (ففيها) اى الفحوى (بعد الاغماض عن حكم الاصل) الّذي هو نكاح، بان نقول انه لا يجوز فى النكاح أيضا (بناء على منع دلالة رواية سهل) المتقدمة (على كون لفظ الامر) المتقدم على الايجاب (هو القبول) للنكاح (لاحتمال تحقق القبول) من الصحابى (بعد ايجاب النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم) لنكاحها له (و يؤيده) اى كون القبول كان بعد الايجاب من النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم، (انه لو لا) وجود قبول متأخر- بان كان امر الصحابى قبولا- (يلزم الفصل الطويل بين الايجاب و القبول) اذ صار بين قول الصحابى زوجنيها يا رسول اللّه و بين قول زوجتكها كلمات- كما لا يخفى- و حيث ان الفصل الطويل بين الايجاب و القبول ضار كان اللازم ان نقول، ان الصحابى اجرى لفظ القبول بعد ايجاب النبي صلى

ص: 273

منع الفحوى و قصور دلالة رواية ابان من حيث اشتمالها على كفاية قول المرأة «نعم» فى الايجاب.

ثم اعلم ان فى صحة تقديم القبول بلفظ الامر اختلافا كثيرا بين كلمات الاصحاب فقال فى المبسوط ان قال بعنيها بالف فقال بعتك صح و الاقوى عندى انه لا يصح حتى يقول

______________________________

اللّه عليه و آله و سلم للنكاح (منع الفحوى) و الاولوية، و قوله «منع» مربوط بقوله «ففيها» اذ من الممكن ان يكون الشارع وسع فى باب النكاح بما لم يوسع مثله فى باب البيع فانه لو ضيق فى باب النكاح لزم كثرة السفاح الّذي هو من اشد المحرمات، بخلاف التضييق فى باب البيع اذ لا يلزم منه الا الضمان الّذي امره سهل (و) اما رواية ابان الدالة على جواز تقديم القبول، ففيه انه لا يمكن الاعتماد عليها ل (قصور دلالة رواية ابان) على جواز تقديم القبول (من حيث اشتمالها على كفاية قول المرأة «نعم» فى الايجاب) للنكاح، و من المعلوم ان «نعم» ليس ايجابا فاللازم ان نقول ان مراد الامام عليه السلام:

«ايجابها» ركن عن ايجابها ب «نعم» لا ان نعم ايجاب، و اذا كان قوله عليه السلام كناية كان اللازم ان نقول ان مراد الامام: «ان رضيت و اجرى النكاح الشرعى» هذا و لكن انت خبير بعدم وجه لهذه المناقشات، اذ اى دليل على عدم جواز الفصل الطويل، و اى دليل على عدم كفاية «نعم» و اى وجه لإنكار الفحوى، و اى مانع من اشتمال القبول المتقدم على الرضا و الانشاء لنقل الثمن فى مقابل نقل المثمن المستقبل، و اللّه الموفق.

(ثم اعلم ان فى صحة تقديم القبول بلفظ الامر اختلافا كثيرا بين كلمات الاصحاب) فهل انه يعقد به البيع أم لا؟ (فقال فى المبسوط ان قال بعنيها بالف فقال) البائع (بعتك صح) عند قوم (و الاقوى عندى انه لا يصح حتى يقول

ص: 274

المشترى بعد ذلك: اشتريت و اختار ذلك فى الخلاف و صرح به فى الغنية فقال و اعتبرنا حصول الايجاب من البائع و القبول من المشترى حذرا من القول بانعقاده بالاستدعاء من المشترى و هو ان يقول بعنيه بالف فيقول بعتك فانه لا ينعقد حتى يقول المشترى بعد ذلك اشتريت او قبلت و صرح به فى السرائر و الوسيلة و عن جامع المقاصد ان ظاهرهم ان هذا الحكم اتّفاقى و حكى الاجماع عن ظاهر الغنية أيضا او صريحها و عن المسالك المشهور بل قيل ان هذا الحكم ظاهر كل من اشترط الايجاب و القبول و مع ذلك فقد صرح الشيخ فى المبسوط فى باب النكاح بجواز التقديم بلفظ الامر فى البيع و نسبه إلينا

______________________________

المشترى بعد ذلك: اشتريت) ليكون القبول متأخرا (و اختار ذلك) اى عدم الصحة (فى الخلاف و صرح به) السيد ابن زهرة (فى الغنية فقال و اعتبرنا حصول الايجاب من البائع و القبول من المشترى حذرا من القول بانعقاده بالاستدعاء من المشترى و هو) مثل (ان يقول بعنيه بالف فيقول) البائع (بعتك فانه لا ينعقد حتى يقول المشترى بعد ذلك اشتريت او قبلت و صرح به) اى بعدم الانعقاد (فى السرائر و الوسيلة و عن جامع المقاصد ان ظاهرهم ان هذا الحكم) بعدم الانعقاد فى صورة الاستدعاء و الايجاب (اتّفاقى و حكى الاجماع عن ظاهر الغنية أيضا او صريحها) الاجماع ظاهرا، كان يقول «عندنا» و صريحا كان يقول بالاجماع- مثلا- (و عن المسالك المشهور) اى عدم الانعقاد (بل قيل ان هذا الحكم ظاهر كل من اشترط الايجاب و القبول) اذ لا قبول فى صورة الاستدعاء و الايجاب (و مع ذلك) الّذي رأيته من الاقوال و دعاوى الشهرة و الاجماع على عدم الانعقاد (فقد صرح الشيخ فى المبسوط فى باب النكاح بجواز التقديم بلفظ الامر) اى تقديم القبول (فى) باب (البيع و نسبه إلينا) بان قال «عندنا» الظاهر فى الاتفاق من

ص: 275

مشعرا- بقرينة السياق- الى عدم الخلاف فيه بيننا فقال اذا تعاقدا فان تقدم الايجاب على القبول فقال زوجتك فقال قبلت التزويج صح و كذا اذا تقدم الايجاب على القبول فى البيع صح بلا خلاف

و اما تأخر الايجاب و سبق القبول فإن كان فى النكاح فقال الزوج زوجنيها فقال زوجتكها صح و ان لم يعد الزوج القبول بلا خلاف لخبر الساعدى قال زوجنيها يا رسول اللّه فقال زوجتكها بما معك من القرآن فقدم القبول و تأخر الايجاب و إن كان هذا فى البيع فقال بعنيها فقال بعتكها صح عندنا و عند قوم من المخالفين و قال قوم منهم

______________________________

الخاصة (مشعرا- بقرينة السياق- الى عدم الخلاف فيه بيننا) و قرينة السياق عبارة، عبارة عن انه «ره» قال ذلك فى مقابل كلام العامة، فليس المراد من «عندنا» فى كلامه، عنده فقط بل عند الامامية (فقال اذا تعاقدا فان تقدم الايجاب على القبول فقال) العاقد و هى المرأة (زوجتك فقال) الزوج (قبلت التزويج صح و كذا اذا تقدم الايجاب على القبول فى البيع صح بلا خلاف) بان قال البائع: بعت، فقال المشترى: قبلت.

(و اما ان تأخر الايجاب و سبق القبول فإن كان فى النكاح فقال الزوج) لولى الزوجة (زوجنيها فقال) الولى (زوجتكها صح و ان لم يعد الزوج القبول) بان لم يقل بعد قول الولى «زوجتكها»، قبلت، و قوله «لم يعد» من اعاد يعيد (بلا خلاف) فى الصحة (لخبر الساعدى قال زوجنيها يا رسول اللّه فقال زوجتكها بما معك من القرآن) اى بان يكون تعليمك لها ما تعرفه من القرآن مهرا لها (فقدم القبول و تأخر الايجاب و إن كان هذا) التقديم للقبول على الايجاب (فى البيع فقال) المشترى (بعنيها فقال) البائع (بعتكها) اى السلعة (صح عندنا و عند قوم من المخالفين و قال قوم منهم

ص: 276

لا يصح حتى يسبق الايجاب، انتهى و حكى جواز التقديم بهذا اللفظ عن القاضى فى الكامل بل يمكن نسبة هذا الحكم الى كل من جوز تقديم القبول على الايجاب- بقول مطلق- و تمسك له فى النكاح برواية سهل الساعدى المعبر فيها عن القبول بطلب التزويج الا ان المحقق مع تصريحه فى البيع بعدم كفاية الاستيجاب و الايجاب صرح بجواز تقديم القبول على الايجاب.

و ذكر العلامة (قدّس سرّه) الاستيجاب و الايجاب و جعله خارجا عن قيد اعتبار الايجاب و القبول- كالمعاطاة-

______________________________

لا يصح حتى يسبق الايجاب، انتهى) كلام المبسوط (و حكى جواز التقديم) للقبول فى باب البيع (بهذا اللفظ) اى بلفظ الامر (عن القاضى فى الكامل بل يمكن نسبة هذا الحكم) بجواز التقديم بلفظ الامر (الى كل من جوز تقديم القبول على الايجاب- بقول مطلق-) فانه شامل لصورة كون القبول بلفظ الامر أيضا- (و تمسك له) اى لجواز التقديم (فى النكاح برواية سهل الساعدى المعبر فيها عن القبول) للتزويج (بطلب التزويج) فان الاستدلال بهذه الرواية لباب البيع يدل على ان مثله فى باب البيع، بتقديم القبول بلفظ الامر، كاف فى الانعقاد (الا ان المحقق مع تصريحه فى البيع بعدم كفاية الاستيجاب و الايجاب صرح بجواز تقديم القبول على الايجاب) فانه يدل على عدم التلازم بين القول بجواز تقديم القبول، و بين القول بصحة الاستيجاب و الايجاب، و قوله «الا» استثناء عن قوله «بل يمكن».

(و) كذلك العلامة فانه تردد فى اعتبار تقديم القبول، مع انه جزم بعدم صحة الاستيجاب و الايجاب فانه (ذكر العلامة (قدّس سرّه) الاستيجاب و الايجاب و جعله خارجا عن قيد اعتبار الايجاب و القبول- كالمعاطاة-) فكما ان المعاطات لا ايجاب و قبول فيها، قال الاستيجاب و الايجاب أيضا لا ايجاب

ص: 277

و جزم بعدم كفايته مع انه تردد فى اعتبار تقديم القبول.

و كيف كان فقد عرفت ان الاقوى المنع فى البيع لما عرفت بل لو قلنا بكفاية التقديم بلفظ قبلت يمكن المنع هنا بناء على اعتبار الماضوية فيما دل على القبول ثم ان هذا كله بناء على المذهب المشهور بين الاصحاب من عدم كفاية مطلق اللفظ فى اللزوم و عدم القول بكفاية مطلق الصيغة فى الملك.

و اما على ما قوّيناه سابقا- فى المعاطاة- من ان البيع العرفى موجب

______________________________

و قبول فيه، فقولهم فى باب البيع «يعتبر فيه الايجاب و القبول» يخرج المعاطاة، و الاستيجاب و الايجاب (و جزم بعدم كفايته) اى الاستيجاب و الايجاب (مع انه تردد فى كفاية تقديم القبول) على الايجاب.

(و كيف كان) اقوال الفقهاء (فقد عرفت ان الاقوى المنع) عن القبول بلفظ الامر- المتقدم- (فى البيع لما عرفت) من ان القبول يتضمن رضى و إنشاء و الرضا و ان تحقق فى المتقدم لكن الانشاء لا يتحقق.

نعم يصح القول بذلك فى النكاح لمكان الروايات المتقدمة (بل لو قلنا بكفاية التقديم) للقبول (بلفظ قبلت يمكن المنع هنا) فى لفظ الامر (بناء على اعتبار الماضوية فيما دل على القبول) اذ الامر فى قبال الماضى (ثم ان هذا كله) الّذي نذكره من عدم الانعقاد بتقديم القبول سواء بلفظ قبلت او بلفظ الامر (بناء على المذهب المشهور بين الاصحاب من عدم كفاية مطلق اللفظ فى اللزوم و عدم القول بكفاية مطلق الصيغة فى الملك) قوله «و عدم كفاية» اعم من قوله «و عدم القول» لان الاول يعتبر مطلق اللفظ و لو لم يكن بصورة الصيغة، و الثانى يعتبر صورة الصيغة و ان لم تكن مشتملة على شرائط العقد من الايجاب و القبول و العربية و الماضوية و ما اشبه.

(و اما على ما قوّيناه سابقا- فى المعاطاة- من ان البيع العرفى موجب

ص: 278

للملك و ان الاصل فى الملك اللزوم فاللازم الحكم باللزوم فى كل مورد لم يقم اجماع على عدم اللزوم و هو ما اذا خلت المعاملة عن الانشاء باللفظ رأسا او كان اللفظ المنشأ به المعاملة مما قام الاجماع على عدم افادتها اللزوم و اما فى غير ذلك فالاصل اللزوم و قد عرفت ان القبول على وجه طلب البيع قد صرح فى المبسوط بصحته بل يظهر منه عدم الخلاف فيه بيننا و حكى عن الكامل أيضا فتأمل و إن كان التقديم بلفظ اشتريت او ابتعت او تملكت او ملكت هذا بكذا فالاقوى جوازه لانه انشأ ملكيته بإزاء ماله عوضا ففى الحقيقة انشأ المعاوضة كالبائع الا ان البائع ينشئ ماله لصاحبه بإزاء مال صاحبه و المشترى ينشئ ملكية مال صاحبه لنفسه مال نفسه

______________________________

للملك و ان الاصل فى الملك اللزوم) فالبيع العرفى ملك لازم (فاللازم الحكم باللزوم فى كل مورد لم يقم اجماع على عدم اللزوم و هو) اى المورد الّذي قام الاجماع على عدم اللزوم (ما اذا خلت المعاملة عن الانشاء باللفظ رأسا) كالمعاطاة العملية (او كان اللفظ المنشأ به المعاملة مما قام الاجماع على عدم افادتها اللزوم) كالكنايات مثلا (و اما فى غير ذلك) الموردين بأن كان لفظ و لم يقم اجماع على عدم افادة ذلك اللفظ اللزوم (فالاصل اللزوم و) حيث (قد عرفت ان القبول على وجه طلب البيع) بصيغة الامر (قد صرح فى المبسوط بصحته، بل يظهر منه عدم الخلاف فيه بيننا و حكى عن الكامل) للقاضى (أيضا) فاللازم ان نقول بكفاية ذلك فى افادة الملك اللازم (فتأمل) لان كلام المبسوط و الكامل لا يضر بالاجماع الّذي صرح به جماعة من عدم صحة الاستيجاب، و الايجاب فهو لفظ قام الاجماع على عدم افادته اللزوم هذا كله فيما اذا كان القبول المتقدم بلفظ «قبلت» او بلفظ «بعنى» (و إن كان التقديم بلفظ اشتريت او ابتعت او تملكت او ملكت) بالتخفيف (هذا بكذا) من الثمن (فالاقوى جوازه لانه انشأ ملكيته) اى المشترى (للمبيع بإزاء ماله) الّذي هو الثمن (عوضا، ففى الحقيقة) هذا (إنشاء المعاوضة) اى المشترى (كالبائع الا ان البائع ينشئ ملكية ماله لصاحبه بإزاء مال صاحبه) اى المشترى (و المشترى ينشئ ملكية مال صاحبه) اى البائع (لنفسه) بإزاء

ص: 279

ففى الحقيقة كل منهما يخرج ماله الى صاحبه و يدخل مال صاحبه فى ملكه الا ان الادخال فى الايجاب مفهوم من ذكر العوض و فى القبول مفهوم من نفس الفعل و الاخراج بالعكس و حينئذ فليس فى حقيقة الاشتراء- من حيث هو- معنى القبول لكنه لما كان الغالب وقوعه عقيب الايجاب و إنشاء انتقال مال البائع الى نفسه اذا وقع عقيب نقله له إليه يوجب تحقق المطاوعة و مفهوم القبول اطلق عليه القبول و هذا المعنى مفقود فى الايجاب المتاخر لان المشترى انما ينقل ماله الى البائع بالالتزام الحاصل من جعل ماله

______________________________

و الفرق اعتبارى (ففى الحقيقة كل منهما) البائع و المشترى (يخرج ماله الى صاحبه و يدخل مال صاحبه فى ملكه الا ان الادخال) لمال المشترى (فى الايجاب مفهوم من ذكر العوض) لان قول البائع «بعتك الكتاب بدينار يكون قوله «بدينار» منهما بان البائع ادخل الدينار فى ملك نفسه (و فى القبول مفهوم من نفس الفعل) اى «قبلت» فانه يفهم ادخال الكتاب فى ملك المشترى (و الاخراج بالعكس) ففى الايجاب مفهوم من «بعت» و فى القبول مفهوم من ذكر العوض اى قول المشترى «بدينار» (و حينئذ) الّذي كل منهما يدخل و يخرج (فليس فى حقيقة الاشتراء- من حيث هو-) اشتراء (معنى القبول لكنه لما كان الغالب وقوعه) اى الاشتراء (عقيب الايجاب و إنشاء انتقال مال البائع الى نفسه) اى نفس المشترى و قوله «و إنشاء» مبتدأ خبره «يوجب» و قوله «اطلق جواب» «لما» (اذا وقع عقيب نقله) اى البائع (له) اى للمال (إليه) اى الى المشترى (يوجب تحقق المطاوعة و مفهوم القبول) لان البائع نقل، و المشترى قبل (اطلق عليه) اى على الاشتراء (القبول و هذا المعنى) اى تحقق المطاوعة و مفهوم القبول (مفقود فى الايجاب المتأخر لان المشترى انما ينقل ماله الى البائع بالالتزام الحاصل من جعل ماله

ص: 280

عوضا و البائع انما ينشئ انتقال الثمن إليه كذلك لا بمدلول الصيغة و قد صرح فى النهاية و المسالك على ما حكى بان اشتريت ليس قبولا حقيقة و انما هو بدل و ان الاصل فى القبول: قبلت لأن القبول- فى الحقيقة- ما لا يمكن الابتداء به و لفظ اشتريت يجوز الابتداء به و مرادهما: انه بنفسه لا يكون قبولا فلا ينافى ما ذكرنا من تحقق مفهوم القبول فيه اذا وقع عقيب تمليك البائع كما ان رضيت بالبيع ليس فيه إنشاء لنقل ماله- الى

______________________________

عوضا) لان المشترى ينقل الثمن ابتداءً (و البائع انما ينشئ انتقال الثمن إليه) اى الى نفسه (كذلك) التزاما (لا بعد لول الصيغة) للبيع اذ مدلولها نقل المثمن فلا مطاوعة فى طرف البائع، و لا نقل صريح فى طرف المشترى (و قد صرح فى النهاية و المسالك على ما حكى) بما يدل على ان «الاشتراء» ليس فى مفهومه القبول و هذا يؤيد كلامنا المتقدم و هو قولنا «فليس فى حقيقة الاشتراء من حيث هو معنى القبول» فانهما قالا (بان اشتريت ليس قبولا حقيقة و انما هو بدل) عن القبول (و ان الاصل فى القبول: قبلت) ثم استدلا على كون اشتريت بدلا، و ليس قبولا، بقولهما: (لأن القبول- فى الحقيقة ما لا يمكن الابتداء به) اذ هو انفعال و مطاوعة، و من المعلوم ان الانفعال يقع بعد الفعل، و المطاوعة انما تكون بعد التأثير (و لفظ اشتريت يجوز الابتداء به) اذ الاشتراء معناه المبادلة من جانب المشترى و ذلك قابل للابتداء به كما ان البيع مبادلة من جانب البائع فيجوز الابتداء به (و مرادهما) اى النهاية و المسالك (انه) اى اشتريت (بنفسه لا يكون قبولا) بدون قرينة (فلا ينافى ما ذكرنا من تحقق مفهوم القبول فيه اذا وقع عقيب تمليك البائع) و الحاصل ان «قبلت» نص فى القبول و «اشتريت» انما يكون للقبول اذا كانت هناك قرينة (كما ان رضيت بالبيع ليس فيه إنشاء لنقل ماله- الى

ص: 281

البائع الا اذا وقع متأخرا و لذا منعنا من تقديمه فكل من رضيت و اشتريت بالنسبة الى افادة نقل المال و مطاوعة البيع- عند التقدم و المتأخر متعاكسان

فان قلت: ان الاجماع على اعتبار القبول فى العقد يوجب تأخير قوله اشتريت حتى يقع قبولا لان إنشاء مالكيته لمال الغير اذا وقع عقيب تمليك الغير له يتحقق فيه معنى الانتقال و قبول الاثر، فيكون اشتريت متأخرا التزاما بالاثر.

______________________________

البائع الا اذا وقع متأخرا) عن البيع، فاشتريت مثل رضيت، و ليس مثل قبلت (و لذا) الّذي ذكرنا من انه ليس نصا و انما يكون دالا بقرينة التأخير (منعنا من تقديمه) على البيع (فكل من رضيت و اشتريت بالنسبة الى افادة نقل المال و مطاوعة البيع- عند التقدم و التأخر- متعاكسان) فاذا تقدم «اشتريت» كان نقلا لا مطاوعة و اذا تأخر كان مطاوعة للبيع الّذي تقدم عليه و اذا تقدم «رضيت» كان مطاوعة و رضى بما سيصدر من البائع، و لم يكن نقلا. و اذا تأخر كان نقلا فرضيت عكس اشتريت ففى الصورة التى احداهما للنقل يكون الاخر للمطاوعة. (فان قلت) كيف تقولون بجواز تقدم «اشتريت» و الحال انه اذ تقدم يكون «العقد» ايجابا بلا قبول. اذ «بعت» المتأخر ليس قبولا، و «اشتريت» المتقدم ليس قبولا و من الواضح ان من اركان العقد القبول اذ (ان الاجماع على اعتبار القبول فى العقد يوجب تأخير قوله اشتريت) عن «البيع» (حتى يقع) اشتريت (قبولا) و انما يكون «اشتريت» قبولا، اذا تأخر (لان إنشاء مالكيته لمال الغير) اى مالكية المشترى لمال البائع (اذا وقع عقيب تمليك الغير له) بأن قال «اشتريت» عقيب قول البائع «بعت» (يتحقق فيه) اى فى اشتريت المتاخر (معنى الانتقال و) معنى (قبول الاثر، فيكون اشتريت) فى حال كونه (متأخرا) عن البيع (التزاما بالاثر

ص: 282

عقيب إنشاء التأثير من البائع بخلاف ما لو تقدم فان مجرد إنشاء المالكية لمال لا يوجب تحقق مفهوم القبول كما لو نوى تملك المباحات او اللقطة فانه لا قبول فيه راسا.

قلت: المسلم من الاجماع هو اعتبار القبول من المشترى بالمعنى الشامل للرضا بالايجاب.

و اما وجوب تحقق مفهوم القبول المتضمن للمطاوعة و قبول الاثر فلا فقد تبين من جميع ذلك ان إنشاء القبول لا بد ان يكون جامعا لتضمن إنشاء النقل و للرضا بانشاء البائع تقدم او تأخر و لا يعتبر

______________________________

عقيب إنشاء التأثير من البائع بخلاف ما لو تقدم) على «بعت» فلا يتحقق القبول- الّذي هو شرط فى العقد اجماعا- (فان مجرد إنشاء) المشترى (المالكية لمال) هو مال البائع (لا يوجب تحقق مفهوم القبول) فان التملّك لا يلازم القبول (كما لو نوى تملك المباحات او اللقطة فانه) تملّك (و لا قبول فيه رأسا) و على هذا- فاللازم رفع اليد اما عن اشتراط العقد بالقبول و اما عن جواز تقدم «اشتريت» (قلت) لا نسلم اشتراط العقد بالقبول- بمعنى المطاوعة- و لا اجماع على ذلك- فان (المسلم من الاجماع هو اعتبار القبول من المشترى بالمعنى الشامل للرضا بالايجاب) فاذا تحقق الرضا تحقق القبول- المجمع على اعتباره فى العقد-.

(و اما وجوب تحقق مفهوم القبول المتضمن للمطاوعة و- قبول الاثر فلا) اجماع على ذلك و كيف كان (فقد تبين من جميع ذلك) الّذي ذكرنا من الادلة على اشتراط العقد- بالقبول (ان إنشاء القبول لا بدّ ان يكون جامعا) لامرين: (لتضمن إنشاء النقل) من المشترى للثمن الى البائع (و للرضا بانشاء البائع) سواء (تقدم) هذا النوع من القبول (او تأخر) عن البيع (و لا يعتبر)

ص: 283

إنشاء انتقال نقل البائع فقد حصل مما ذكرناه صحة تقديم القبول اذا كان بلفظ اشتريت وفاقا لمن عرفت بل هو ظاهر اطلاق الشيخ فى الخلاف حيث انه لم يتعرض الا للمنع عن الانعقاد- بالاستيجاب و الايجاب.

و قد عرفت عدم الملازمة بين المنع عنه و المنع عن تقديم مثل اشتريت و كذا السيد فى الغنية حيث اطلق اعتبار الايجاب و القبول و احترز بذلك عن انعقاده بالمعاطاة و بالاستيجاب و الايجاب و كذا ظاهر اطلاق الحلبى فى الكافى حيث

______________________________

فى القبول (إنشاء انتقال نقل البائع) حتى يقال بان الانتقال لا بدّ من تأخيره فلا يصح تقديم «اشتريت» على «بعت» (فقد تحصل مما ذكرناه) من الفرق بين «اشتريت» و «قبلت» (صحة تقديم القبول اذا كان بلفظ اشتريت) لا ما اذا كان بلفظ «قبلت» (وفاقا لمن عرفت) (بل هو) اى جواز تقديم القبول بلفظ اشتريت (ظاهر اطلاق الشيخ فى الخلاف) حيث قال:

«لان ما عداه- اى الاستيجاب و الايجاب- مجمع على صحته» فان لفظ «ما» الموصولة يشمل تقديم «اشتريت» أيضا (حيث انه لم يتعرض الا للمنع عن الانعقاد- بالاستيجاب و الايجاب) الّذي ظاهره عدم المنع عن تقديم لفظ «اشتريت».

(و قد عرفت عدم الملازمة بين المنع عنه) اى الاستيجاب و الايجاب (و) بين (المنع عن تقديم مثل اشتريت) فلا يدل منع الشيخ «الاستيجاب» على منعه عن تقديم «اشتريت» (و كذا) مثل الشيخ (السيد فى الغنية حيث اطلق اعتبار الايجاب و القبول و احترز بذلك) الاعتبار (عن انعقاده بالمعاطاة و بالاستيجاب و الايجاب) مما يدل على صحة تقديم «اشتريت» عنده و الا اخرجه أيضا (و كذا ظاهر اطلاق الحلبى- فى الكافى حيث) انه

ص: 284

لم يذكر تقديم الايجاب من شروط الانعقاد.

و الحاصل ان المصرح بذلك فيما وجدت من القدماء الحلبى و ابن حمزة فمن التعجب بعد ذلك حكاية الاجماع عن الخلاف على تقديم الايجاب مع انه يزد على الاستدلال لعدم كفاية الاستيجاب و الايجاب بان ما عداه مجمع على صحته و ليس على صحته دليل و لعمرى ان مثل هذا مما يوهن الاعتماد على الاجماع المنقول و قد نبهنا على امثال ذلك فى مواردها.

______________________________

ذكر شروط انعقاد العقد و (لم يذكر تقديم الايجاب من شروط الانعقاد) و لو كان تقديم الايجاب شرط عنده لذكره فى عداد الشروط.

(و الحاصل ان المصرح بذلك) اى بلزوم تقديم الايجاب- مطلقا- (فيما وجدت من القدماء الحلبى و ابن حمزة) فقط (فمن التعجب بعد ذلك) الّذي رأيت من ان المصرح بذلك فقط نفران، و اطلاق غيرهما دال على جواز التقديم (حكاية الاجماع عن الخلاف على) اشتراط (تقديم الايجاب) فى الانعقاد (مع انه لم يزد على الاستدلال) على اشتراط تقديم الايجاب (لعدم كفاية الاستيجاب و الايجاب) اى موضع استدلاله «عدم كفاية الاستيجاب» و دليله هو (بان ما عداه) اى ما عدا الاستيجاب و الايجاب (مجمع على صحته و على صحته) اى الاستيجاب و الايجاب (دليل) و من المعلوم ان هذا الدليل لا يكفى للمنع عن تقديم القبول اذا كان بلفظ «اشتريت» (و لعمرى ان مثل هذا) الاجماع الّذي لا يوافقه الا نفران فقط (مما يوهن الاعتماد على الاجماع المنقول و قد نبهنا على امثال ذلك) الاجماع الّذي ليس بمشهور فكيف بمجمع عليه (فى مواردها) اى موارد الاجماعات، خصوصا فى كتاب الرسائل فى باب الاجماع فراجع.

ص: 285

نعم يشكل الامر بان المعهود المتعارف من الصيغة تقديم الايجاب و لا فرق بين المتعارف هنا و بينه فى المسألة الآتية و هو الوصل بين الايجاب و القبول فالحكم لا يخلو عن شوب الاشكال.

ثم ان ما ذكرنا جار فى كل قبول يؤدى بانشاء مستقل كالاجارة التى يؤدى قبولها بلفظ تملكت منك منفعة كذا او ملكت و النكاح الّذي يؤدى قبولها بلفظ نكحت و تزوجت.

______________________________

(نعم يشكل الامر) بتقديم القبول (بان المعهود المتعارف من الصيغة تقديم الايجاب) فاللازم تنزيل طلقات حلية البيع و تجارة عن تراض و الوفاء بالعقود عليه (و لا فرق بين المتعارف هنا) فى باب تقديم الايجاب (و بينه) اى بين المتعارف (فى المسألة الآتية و هو الوصل) اى الموالاة (بين الايجاب و القبول) فكما ان هناك نقول بالموالاة المتعارفة، كذلك يلزم ان نقول بتقديم الايجاب هنا لكونه المتعارف أيضا (فالحكم) بصحة تقديم القبول (لا يخلو عن شرب الاشكال) اللهم الا ان يفرق بين- المسألتين ببعض النصوص الواردة فى هذه المسألة الدالة على تقديم القبول، و هذا هو الاقرب.

(ثم ان ما ذكرنا) من الاشكال فى جواز تقديم القبول (جاز فى كل قبول يؤدى بانشاء مستقل) بان كان القبول إنشاء لامر، لا مجرد قبول فعل الموجب- (كالاجارة التى يؤدّى قبولها بلفظ تملكت منك منفعة كذا) كالدار- مثلا- (او ملكت) بالتخفيف حيث ان المستأجر يأخذ شيئا و يعطى شيئا (و النكاح الّذي يؤدى قبولها) اى قبول صيغة النكاح (بلفظ نكحت و تزوجت) يقولهما الزوج بعد ايجاب الزوجة او قبل ايجابها، فان الزوج يعطى شيئا فى قبال اخذه لشي ء.

ص: 286

و اما ما لا إنشاء فى قبوله الا قبلت او ما يتضمنه كارتهنت فقد يقال بجواز تقديم القبول فيه اذ لا التزام فى قبوله لشي ء كما كان فى قبول البيع التزاما بنقل ماله الى البائع بل لا ينشئ به معنى غير الرضا بفعل الموجب و قد تقدم ان الرضا يجوز تعلقه بامر مترقب كما يجوز تعلقه بامر محقق فيجوز ان يقول رضيت برهنك هذا عندى فيقول: رهنت و التحقيق عدم الجواز لان اعتبار القبول فيه من جهة تحقق عنوان المرتهن و لا يخفى انه لا يصدق الارتهان على قبول الشخص الا بعد تحقق الرهن

______________________________

(و اما ما لا إنشاء فى قبوله الا قبلت او ما يتضمنه) اى يتضمن القبول (كارتهنت) يقوله من يأخذ الوثيقة (فقد يقال بجواز تقديم القبول فيه) بدون ورود الاشكال الّذي كان يرد فى باب البيع و ما اشبه، (اذ لا التزام فى قبوله) اى قبول ما لا إنشاء فيه- (لشي ء كما كان فى قبول البيع التزاما بنقل ماله الى البائع) فان المشترى- فى باب البيع- يفعل امرين: «القبول و الاعطاء» اما فى باب الرهن- مثلا- فلا يفعل اخذ الوثيقة الا القبول (بل لا ينشئ به) اى بالقبول فيما لا إنشاء فى قبوله الا قبلت (معنى غير الرضا بفعل الموجب و قد تقدم ان الرضا يجوز تعلقه بامر مترقب) فى المستقبل (كما يجوز تعلقه بامر محقق) فى الماضى (فيجوز ان يقول) آخذ الرهن (رضيت برهنك هذا) الشي ء- كالدار مثلا (عندى فيقول) معطى الرهن (رهنت) و كذا فى سائر الاشياء المماثلة للرهن. مما لا يزيد قبوله على مجرد إنشاء القبول (و التحقيق عدم الجواز) هنا أيضا، فلا يصح تقديم القبول (لان اعتبار القبول فيه) اى فى الرهن (من جهة تحقق عنوان المرتهن) فان الرهن قائم بالراهن و المرتهن فاذا لم يتحقق عنوان المرتهن لم يتحقق الرهن، و عنوان المرتهن انما ينطبق على آخذ الوثيقة اذا قبل الرهن (و لا يخفى انه لا يعد الارتهان) اى هذا العنوان- (على قبول الشخص الا بعد تحقق الرهن) و تحقق الرهن متوقف على إنشاء الراهن

ص: 287

لأن الايجاب إنشاء للفعل و القبول إنشاء للانفعال و كذا القول فى الهبة و القرض فانه لا يحصل من إنشاء القبول فيهما التزام بشي ء و انما يحصل به الرضا بفعل الموجب و نحوها قبول المصالحة المتضمنة للاسقاط او التمليك بغير عوض.

و اما المصالحة المشتملة على المعاوضة فلما كان ابتداء الالتزام بها جائزا من الطرفين

______________________________

فاللازم كون القبول بعد الايجاب- أيضا كباب البيع- و انما قلنا انه لا يصدق عنوان «الارتهان» الا بعد القبول الّذي هو بعد الايجاب (لأن الايجاب إنشاء للفعل و القبول إنشاء للانفعال) فالانفعال يتوقف على الفعل و عليهما يتوقف العنوان، و قوله «لان» علة لقوله «لا يصدق».

(و كذا) مثل الرهن (القول فى الهبة و القرض) فانهما ليسا كالبيع (فانه لا يحصل من إنشاء القبول فيهما التزام بشي ء) زائدا على مجرد الرضا (و انما يحصل به) اى بالقبول فيهما (الرضا بفعل الموجب) فيمكن القول بجواز تقديم القبول فيهما و ان لم نقل بذلك فى باب البيع (و نحوها) اى الرهن و الهبة و القرض (قبول المصالحة المتضمنة للاسقاط او التمليك) نحو ان يقول الدائن للمدين صالحتك لما بذمتك، او ان يقول مالك العارية للمستعير صالحتك عما فى يدك، اذا كان اسقاطا و تمليكا (بغير عوض) اذ الصلح كما قد عرفت فى بعض المباحث السابقة- تفيد فائدة جميع العقود.

(و اما المصالحة المشتملة على المعاوضة) كصلح داره لزيد فى مقابل مائة دينار (ف) لا تنطبق عليها القاعدة المتقدمة فى باب البيع من عدم جواز تقديم القبول لانه (لما كان ابتداء الالتزام بها) اى بالمصالحة (جائزا من الطرفين)

ص: 288

و كان نسبتها إليهما على وجه سواء و ليس الالتزام الحاصل من احدهما امرا مغايرا للالتزام الحاصل من الاخر كان البادى منهما موجبا لصدق الموجب عليه لغة و عرفا ثم لما انعقد الاجماع على توقف العقد على القبول لزم ان يكون الالتزام الحاصل من الاخر بلفظ القبول اذ لو قال أيضا صالحتك كان ايجابا آخر فيلزم تركيب العقد من ايجابين و تحقق من جميع ذلك

______________________________

صاحب الدار و صاحب الدينار- فى المثال- (و كان نسبتها) اى المصالحة (إليهما) اى الى الطرفين (على وجه سواء و ليس الالتزام الحاصل من احدهما امر مغايرا للالتزام الحاصل من الاخر) فكل واحد منهما يلتزم باعطاء شي ء و اخذ شي ء (كان البادى) و الاول (منهما) بتلفظ لفظ الصلح (موجبا لصدق الموجب عليه) اى على البادى (لغة و عرفا) فالصلح خارج عن موضوع الكلام اذ موضوع البحث- فى انه هل يصح تقديم القبول أم لا- انما هو فيما اذا كان القبول مغاير للايجاب، و هنا يصلح ان يكون كل طرف موجبا كما يصلح ان يكون قابلا، فلا يتصور تقديم القبول، و لا يخفى ما فى هذا الكلام من الاشكال.

(ثم) ان قلت: فاذا كان كل طرف يصح ان يكون مصالحا فلم لا يصح ان يقول كل منهما: «صالحتك».

قلت: (لما انعقد الاجماع على توقف العقد على القبول لزم ان يكون الالتزام الحاصل من الاخر) اى الثانى منهما فى التلفظ (بلفظ القبول) فيقول زيد- مثلا- «صالحتك» و يقول خالد «قبلت» (اذ لو قال أيضا صالحتك كان ايجابا آخر) لا قبولا (فيلزم تركيب العقد من ايجابين و تحقق من جميع ذلك) الّذي ذكرنا من ان العقد يحتاج الى القبول، و لذا لا يصح تكرار

ص: 289

ان تقديم القبول فى الصلح أيضا غير جائز اذ لا قبول فيه بغير لفظ قبلت و رضيت.

و قد عرفت ان قبلت و رضيت مع التقديم لا يدل على إنشاء لنقل العوض فى الحال فتلخص مما ذكرنا ان القبول فى العقود على اقسام، لانه اما ان يكون التزاما بشي ء من القابل كنقل مال عنه او زوجية.

و اما ان لا يكون فيه سوى الرضا بالايجاب و الاول على قسمين لان الالتزام الحاصل من القابل اما ان يكون نظير الالتزام الحاصل

______________________________

صالحتك، فى باب الصلح (ان تقديم القبول فى الصلح أيضا غير جائز اذ لا قبول فيه بغير لفظ قبلت و رضيت) و شبههما كامضيت و انفذت.

(و قد عرفت) سابقا (ان قبلت و رضيت مع التقديم) على الايجاب (لا يدل على إنشاء لنقل العوض فى الحال) و نقل العوض فى الحال هو المحقق للعقد، و الا كان اخبارا عن امر مستقبل، و الاخبار مقابل الانشاء، و بهذا كله تحقق ان «البيع» و «الرهن» و «الصلح» كلها من واد واحد من حيث عدم صحة تقديم القبول فيها على الايجاب، و الفروق المذكورة لا تصلح ان تكون فارقة من جهة جواز تقديم القبول (فتلخص مما ذكرنا ان القبول فى العقود على اقسام، لانه اما ان تكون التزاما بشي ء من القابل) بالإضافة الى كونه قبولا و رضى بما اوجبه الموجب (كنقل مال عنه) اى عن القابل، فى باب المشترى (او زوجية) من القابل فان الزوج بالإضافة الى انه يقبل ايجاب الزوجة يجعل نفسه زوجا لها.

(و اما ان لا يكون فيه) اى فى القبول (سوى الرضا بالايجاب) كما عرفت من مثال الرهن و الهبة و القرض (و الاول) و هو ما كان قبولا و زيادة (على قسمين لان الالتزام الحاصل من القابل اما ان يكون نظير الالتزام الحاصل

ص: 290

من الموجب كالمصالحة او متغايرا كالاشتراء و الثانى أيضا على قسمين لانه اما ان يعتبر فيه عنوان المطاوعة كالارتهان و الاتهاب و الاقتراض.

و اما ان لا يثبت فيه اعتبارا زيد من الرضا بالايجاب كالوكالة و العارية و شبههما و تقديم القبول على الايجاب لا يكون الا فى القسم الثانى من كل من القسمين ثم ان مغايرة الالتزام فى قبول البيع لالتزام ايجابه

______________________________

من الموجب كالمصالحة) فان كل طرف يعطى شيئا فى مقابل شي ء فكل منهما يصالح شيئا فى مقابل مصالحة طرفه شيئا (او متغايرا كالاشتراء) فان عمل المشترى ليس مثل عمل البائع (و الثانى) و هو ما لا يكون فيه الارضى بالايجاب (أيضا على قسمين لانه اما ان يعتبر فيه عنوان المطاوعة) و قبول الاثر من المؤثر و الانفعال عن الفعل (كالارتهان و الاتهاب و الاقتراض) و قد سبق تفصيل ذلك.

(و اما ان لا يثبت فيه اعتبار ازيد من الرضا بالايجاب كالوكالة و العارية و شبههما) و الفرق بين الارتهان و قبول الوكالة واضح فان الارتهان مطاوع للرهن، و لا يكون الا بعده كالانكسار الّذي لا يكون الا بعد الكسر.

اما قبول الوكالة فليس الا رضى سواء كانت الوكالة قبلا او بعدا (و تقديم القبول على الايجاب لا يكون) جائزا و صحيحا (الا فى القسم الثانى من كل من القسمين) اى كالاشتراء و قبول الوكالة، و هذا مع الغض عن وجود الاجماع المدعى على عدم جواز تقديم القبول.

(ثم) حيث ذكرنا الفرق بين المصالحة و الاشتراء كان للقائل ان يقول بعدم الفرق بينهما، لان الاشتراء أيضا كالبيع فلا فرق بينه و بين المصالحة و لذا اجاب عنه بقوله: (ان مغايرة الالتزام فى قبول البيع لالتزام ايجابه) اى

ص: 291

اعتبار عرفى فكل من التزم بنقل ماله على وجه العوضية لمال آخر يسمى مشتريا و كل من نقل ماله على ان يكون عوضه مالا من آخر يسمى بايعا و بعبارة اخرى كل من ملك ماله غيره بعوض فهو البائع و كل من ملك مال غيره بعوض ماله فهو المشترى و إلا فكل منهما- فى الحقيقة- يملك ماله غيره بإزاء مال غيره و يملك مال غيره بإزاء ماله

و من جملة شروط العقد الموالاة بين ايجابه و قبوله

ذكره الشيخ فى المبسوط فى باب الخلع ثم العلامة و الشهيدان و المحقق الثانى و الشيخ المقداد.

______________________________

التزام المشترى لالتزام البائع (اعتبار عرفى) لا ان المغايرة حقيقة واقعية (ف) العرف يرى ان (كل من التزم بنقل ماله على وجه العوضية لمال آخر يسمى مشتريا) فان المشترى ينقل الثمن عوضا عن المثمن (و كل من نقل ماله على ان يكون عوضه مالا من آخر يسمى بايعا) فان البائع ينقل المثمن على ان يكون عوضه ثمنا من المشترى (و بعبارة اخرى كل من ملك ماله) ل (غيره بعوض فهو البائع) بان ابتدأ فى املاك ماله (و كل من ملك مال غيره بعوض ماله فهو المشترى) بان ابتدأ فى تملك مال الغير (و الا ف) لا فرق فى الحقيقة بين البائع و المشترى اذ (كل منهما- فى الحقيقة-) و الواقع (يملّك ماله غيره بإزاء مال غيره و يملك مال غيره بإزاء ماله) «يملك» الاول بالتشديد، و الثانى بالتخفيف هذا تمام الكلام فى اشتراط تقديم الايجاب على القبول (و من جملة شروط العقد الموالاة) اى التتابع من «والى» «يوالى» (بين ايجابه و قبوله) سواء كان القبول مقدما او مؤخرا (ذكره الشيخ فى المبسوط فى باب الخلع ثم العلامة و الشهيدان و المحقق الثانى و الشيخ المقداد) ثم سائر الفقهاء.

ص: 292

قال الشهيد فى القواعد: الموالاة معتبرة فى العقد و نحوه و هى مأخوذة من اعتبار الاتصال بين الاستثناء و المستثنى منه فقال بعض العامة لا يضر قول الزوج- بعد الايجاب- الحمد لله و الصلاة على رسول اللّه:

قبلت نكاحها و منه الفورية فى استتابة المرتد فيعتبر فى الحال و قيل الى ثلاثة ايام و منه السكوت فى اثناء الاذان فان كان كثيرا ابطله و منه السكوت الطويل فى اثناء القراءة او قراءة غيرها خلالها

______________________________

(قال الشهيد فى القواعد: الموالاة معتبرة فى العقد و نحوه) اى نحو العقد كالصلاة و الاذان و غيرهما (و هى) اى الموالاة (مأخوذة) اى الاصل فى اعتبار هذا الشرط (من اعتبار الاتصال بين الاستثناء و المستثنى منه) فى باب الاقرار قطعا فلو قال له على الف ثم قال بعد ساعة الا عشرة، لم يقبل منه بخلاف ما لو اوصله، و فى سائر الابواب لغة، فانه يقبح بالخطيب ان يقول «ان الانسان لفى خسر» ثم يقول بعد ساعة «الا المؤمن» مثلا (فقال بعض العامة لا يضر قول الزوج- بعد الايجاب-) من الزوجة، بان قالت الزوجة: «زوجتك نفسى بمائة» فيقول الزوج (الحمد لله و الصلاة على رسول اللّه: قبلت نكاحها) مثلا فقد فصل بين الايجاب و القبول بالتحميد و التصلية (و منه) اى من نحو العقد المعتبر فيه الفورية فالضمير فى «منه» عائد الى قوله «و نحوه» (الفورية فى استتابة المرتد) الملّى (فيعتبر) فى قبول توبته ان يتوب (فى الحال و قيل الى ثلاثة ايام) فلا يضر التأخير الى هذا المقدار (و منه السكوت فى اثناء الاذان فان كان كثيرا ابطله) كما لو قال «اللّه اكبر» ثم بعد ربع ساعة قال «اشهد ان لا إله الا اللّه» (و منه السكوت الطويل فى اثناء القراءة) فى الصلاة (او قراءة غيرها) اى غير القراءة كالتسبيحات الاربع و اذكار الركوع و السجود و نحوهما (خلالها) اى خلال القراءة.

ص: 293

و كذا التشهد و منه تحريم المأمومين فى الجمعة قبل الركوع فان تعمدوا اونسوا حتى ركع فلا جمعة و اعتبر بعض العامة تحريمهم معه قبل الفاتحة و منه الموالاة فى التعريف بحيث لا ينسى انه تكرار و الموالاة فى سنة التعريف، فلو رجع فى اثناء المدة استونفت ليتوالى انتهى.

اقول: حاصله ان الامر المتدرّج شيئا فشيئا اذا كان له صورة اتصالية فى العرف

______________________________

(و كذا) السكوت الطويل فى اثناء (التشهد) او السلام (و منه تحريم المأمومين فى) صلاة (الجمعة قبل الركوع) للامام (فان تعمدوا) التأخير (اونسوا) التكبير (حتى ركع) الامام (فلا جمعة) لهم (و اعتبر بعض العامة تحريمهم معه قبل الفاتحة) فلا يجوز تأخيرهم حتى فى اثناء الفاتحة (و منه الموالاة فى التعريف) للضالة سنة (بحيث لا ينسى انه تكرار) اى لا ينسى السامعين انه تكرار للتعريف السابق فانه اذا عرف متاعا فى هذا اليوم، ثم عرفه بعد شهر لم يعرف الناس انه تكرار للتعريف السابق (و الموالاة فى سنة التعريف، فلو رجع فى اثناء المدة) اى اثناء مدة السنة (استونفت) السنة (ليتوالى) فهناك فى تعريف اللقطة نوعان من الموالاة الاول المولاة فى التعريف بحيث يكون التعريف الثانى بعد التعريف الاول، و هكذا الثانى الموالاة فى شهور السنة فلا يصح التعريف فى كل سنة شهرا بان يعرف اثنتى عشرة سنة و لو متفرقة فى ضمن سنوات، بل اللازم ان تكون الاشهر فى سنة واحدة و الى النوع الاول اشار بقوله: و منه الموالاة و الى النوع الثانى اشار بقوله و الموالاة الخ (انتهى) كلام الشهيد «ره».

(اقول: حاصله ان الامر المتدرّج شيئا فشيئا اذا كان له صورة اتصالية فى العرف) بان كان للمجموع وحدة عرفية بحيث لا تتحقق تلك الوحدة

ص: 294

فلا بد فى ترتب الحكم المعلق عليه فى الشرع من اعتبار صورته الاتصالية فالعقد المركب من الايجاب و القبول القائم بنفس المتعاقدين بمنزلة كلام واحد مرتبط بعضه ببعض فيقدح تخلل الفصل المخل بهيئة الاتصالية و لذا الا يصدق المعاقدة اذا كان الفصل مفرطا فى الطول كسنة او ازيد و انضباط ذلك انما يكون بالعرف فهو فى كل امر بحسبه فيجوز الفصل بين الايجاب و القبول بما لا يجوز بين كلمات كل واحد منهما و يجوز بين الكلمات بما لا يجوز بين الحروف

______________________________

العرفية الا بالموالاة (فلا بد فى ترتب الحكم المعلق عليه فى الشرع) اى الحكم المعلق ذلك الحكم على ذلك الامر المتدرج (من اعتبار صورته الاتصالية) بأن يسميه العرف بذلك الامر، مثلا يسميه العرف «فاتحة الكتاب» التى هى موضوع للوجوب و هكذا فى سائر الامور التى يعتبر فيها الموالات (فالعقد المركب من الايجاب و القبول القائم) ذلك العقد (بنفس المتعاقدين) انما هو (بمنزلة كلام واحد مرتبط بعضه ببعض) و عليه (فيقدح تخلل الفصل المخل بهيئة الاتصالية) فلا يكون عقدا (و لذا لا يصدق المعاقدة اذا كان الفصل) بين الايجاب و القبول (مفرطا فى الطول كسنة او ازيد) او اقل من ذلك كشهر و نحوه (و انضباط ذلك) الفصل الطويل (انما يكون بالعرف) و حسب رؤيته انه هل تحقق الفصل الطويل أم لا (فهو) اى التوالى- و عدم الفصل الطويل (فى كل امر بحسبه) اى بحسب ذلك الامر عند العرف (فيجوز الفصل بين الايجاب و القبول بما) اى بمقدار (لا يجوز بين كلمات كل واحد منهما و يجوز بين الكلمات بما لا يجوز بين الحروف) فمثلا بين «بعتك الكتاب بدرهم» و «قبلت ذلك» يجوز فصل عشر دقائق، بينما لا يجوز بين «بعتك» و «الكتاب» الافصل دقيقتين، ثم لا يجوز الفصل بين «ب» و «ع» من «بعتك» الا مقدار عشر ثانية، و هكذا

ص: 295

كما فى الاذان و القراءة و ما ذكره حسن لو كان حكم الملك و اللزوم فى المعاملة منوطا بصدق العقد عرفا كما هو مقتضى التمسك بآية الوفاء بالعقود و بإطلاق كلمات الاصحاب فى اعتبار العقد فى اللزوم بل الملك.

اما لو كان منوطا بصدق البيع او التجارة عن تراض فلا يضره عدم صدق العقد و اما جعل المأخذ فى ذلك اعتبار الاتصال بين الاستثناء و المستثنى منه

______________________________

(كما فى الاذان و القراءة) أيضا كذلك، لا يجوز الفصل بين فصول الاذان و آيات الحمد باكثر من المتعارف (و ما ذكره) الشهيد من اشتراط الموالاة فى العقد (حسن لو كان حكم الملك) اى الحكم بالملكية التابعة للمعاملة (و اللزوم) للمعاملة (فى المعاملة منوطا بصدق العقد عرفا) فانه- على هذا- لو لا الموالاة لا يكون عقد، و لو لم يكن عقد، لم يتحقق الملكية و اللزوم (كما هو) اى اناطة الملك و اللزوم بصدق العقد (مقتضى التمسك باية الوفاء بالعقود و بإطلاق كلمات الاصحاب فى اعتبار العقد فى اللزوم) حتى انه لو لم يكن عقد لم يكن لزوم (بل) لم يكن (ملك) اصلا.

(اما لو كان) الملك و اللزوم (منوطا بصدق البيع او التجارة عن تراض) فى قوله سبحانه: احل اللّه البيع، و تجارة عن تراض منكم (فلا يضره صدق العقد) فلا يشترط بالتوالى، لان صدق العقد كان منوطا بالتوالى بين الايجاب و القبول، اما صدق التجارة فلا يناط بالموالاة فانه اذا قال البائع لزيد بعتك الكتاب بدينار فقال زيد- بعد سنة- قبلت، و اعطى البائع و اخذ المشترى، صدق انه تجارة عن تراض.

(و اما جعل) الشهيد (المأخذ فى ذلك) الموالاة (اعتبار الاتصال بين الاستثناء) اى المستثنى (و المستثنى منه) حيث قال- فى كلامه المتقدم

ص: 296

فلأنه منشأ الانتقال الى هذه القاعدة فان اكثر الكليات انما يلتفت إليها من التأمل فى مورد خاص و قد صرح فى القواعد- مكررا- بكون الاصل فى هذه القاعدة كذا و يحتمل بعيدا ان يكون الوجه فيه ان الاستثناء اشد ربطا بالمستثنى منه من سائر اللواحق لخروج المستثنى منه معه عن حد الكذب الى الصدق فصدقه يتوقف عليه فلذا كان طول الفصل هناك اقبح

______________________________

(و هى مأخوذة) الخ (فلأنه) اى باب الاستثناء (منشأ الانتقال الى هذه القاعدة) اى قاعدة الموالات (فان اكثر الكليات) التى يعرفها الانسان (انما يلتفت إليها من التأمل فى مورد خاص) مثلا الانتقال الى «رفع كل فاعل» و «كون الضرب كذا» و «قاعدة ارخميدس فى الماء» و ما اشبه انما كان من بعض الجزئيات- كما لا يخفى- (و قد صرح) الشهيد «ره» (فى القواعد مكررا- بكون الاصل فى هذه القاعدة كذا) و اراد بالاصل المنشأ فى الانتقال (و يتحمل بعيدا ان) لا (يكون) مراد الشهيد من قوله «و هى مأخوذة» مجرد الاول فى الالتفات، بل المراد الموضع الّذي يكون الاتصال فيه اقوى ف (الوجه فيه) اى فى كون الاستثناء اصلا، فى باب الموالاة (ان الاستثناء اشد ربطا بالمستثنى منه من سائر اللواحق) كالوصف و الحال و التميز و المفعول و ما اشبه (لخروج المستثنى منه معه) اى من وجود المستثنى- متصلا به- (عن حد الكذب الى الصدق) فانك اذا قلت «لم يأت احد» و سكت كنت كاذبا فلما الحقته ب «الازيد» صار الكلام صدقا، و هذا بخلاف سائر اللواحق فانك اذا قلت «ضربت زيدا» و لم تأت ب «فى الدار» او «بالعصا» او ما اشبه لم تك كاذبا (فصدقه) اى المستثنى منه (يتوقف عليه) اى على المستثنى (فلذا كان طول الفصل هناك) فى باب الاستثناء (اقبح

ص: 297

فصار اصلا فى اعتبار الموالاة بين اجزاء الكلام ثم تعدى منه الى سائر الامور المرتبطة بالكلام لفظا او معنى او من حيث صدق عنوان خاص عليه لكونه عقدا او قراءة او اذانا و نحو ذلك.

ثم فى تطبيق بعضها على ما ذكره خفاء كمسألة توبة المرتد فان غاية ما يقال فى توجيهه ان المطلوب فى الاسلام الاستمرار فاذا انقطع فلا بد من اعادته فى اقرب الاوقات اما فى مسألة الجمعة

______________________________

فصار) الاستثناء- من هذه الجهة- (اصلا فى اعتبار الموالاة بين اجزاء الكلام ثم تعدى منه الى سائر الامور المرتبطة بالكلام) ارتباطا (لفظا) كالعطف- خصوصا بدل الغلط مثلا- (او معنى) كالوصف (او من حيث صدق عنوان خاص عليه) اى على الارتباط (لكونه عقدا) فانه لا ربط بين الايجاب و القبول لفظا و لا معنى، و انما صدق عنوان العقد متوقف على الموالاة (او قراءة) كالحمد، فان آياتها لا ترتبط بعضها ببعض لفظا او معنى، و انما صدق عنوان العقد متوقف على ذلك (او اذانا و نحو ذلك) من سائر الامور المنوطة صدقها على الاتصال.

(ثم) لا يخفى ان (فى تطبيق بعضها على ما ذكره) من الموالاة (خفاء كمسألة توبة المرتد) التى جعلها الشهيد «ره» من امثلة الموالاة اذ لا معنى للموالاة هنا (فان غاية ما يقال فى توجيهيه) اى توجيه كون توبة المرتد مثالا للموالاة (ان المطلوب فى الاسلام الاستمرار فاذا انقطع) الاستمرار بسبب الارتداد (فلا بد من اعادته) اى الاسلام (فى اقرب الاوقات) و هو ان بعد الارتداد.

و (اما) الموالاة (فى المسألة) صلاة (الجمعة) التى ذكرها الشهيد «ره»

ص: 298

فلان هيئة الاجتماع فى جميع احوال الصلاة من القيام و الركوع و السجود مطلوبة فيقدح الاخلال بها و للتأمل فى هذه الفروع و فى صحة تفريعها على الاصل المذكور مجال.

ثم ان المعيار فى الموالاة موكول الى العرف كما فى الصلاة و القراءة و الاذان و نحوها و يظهر من رواية سهل الساعدى المتقدمة فى مسألة تقديم القبول جواز الفصل بين الايجاب و القبول بكلام اجنبى بناء على ما فهمه الجماعة من ان القبول

______________________________

(فلان هيئة الاجتماع فى جميع احوال الصلاة من القيام و الركوع و السجود) و سائر احوال الصلاة (مطلوبة) عند الشرع (فيقدح الاخلال بها) و لو بتأخير النية، او يقال ان الموالاة بين تكبيرة الاحرام للمأموم و الامام مطلوبة لقوله عليه السلام: انما جعل الامام إماما ليؤتم به. فالفصل الطويل ضار (و) لا يخفى ان (للتأمل فى هذه الفروع) و انها يشترط فيها الموالاة أم لا- حسب ما ذكره الشهيد «ره»- (و فى صحة تفريعها على الاصل المذكور) اى اعتبار الاتصال بين المستثنى و المستثنى منه (مجال) واسع لعدم ارتباط بين ذلك الاصل و هذه الفروع، ثم لا دليل على بعض هذه الفروع، و اللّه سبحانه العالم.

(ثم ان المعيار فى الموالاة موكول الى العرف كما فى الصلاة) حيث يلزم التتابع فيها و الا انمحت صورة الصلاة (و القراءة و الاذان و نحوها) كاعمال العمرة و غيرها (و يظهر من رواية سهل الساعدى المتقدمة) فى قصة النكاح (فى مسألة تقديم القبول جواز الفصل بين الايجاب و القبول بكلام اجنبى) عن النكاح (بناء على ما فهمه الجماعة) من الرواية و ان القبول كان مقدما لان القبول كان بعد الايجاب- مباشرة- كما هو محتمل، فقالوا (ان القبول

ص: 299

فيها قول ذلك الصحابى: زوجنيها و الايجاب قوله- ص- بعد فصل طويل:

زوجتكها بما معك من القرآن و لعل هذا موهن آخر للرواية فافهم.

و من جملة الشرائط التى ذكرها جماعة: التنجيز فى العقد

بان لا يكون معلقا على شي ء باداة الشرط بان يقصد المتعاقد ان انعقاد المعاملة فى صورة وجود ذلك الشي ء لا فى غيرها و ممن صرح بذلك الشيخ و الحلى و العلامة و جميع من تأخر عنه كالشهيدين و المحقق الثانى و غيرهم قدس اللّه ارواحهم و عن فخر الدين فى شرح الارشاد فى باب الوكالة: ان تعليق الوكالة على الشرط لا يصح عند الامامية، و كذا غيرها من العقود لازمة كانت او جائزة.

______________________________

فيها قول ذلك الصحابى: زوجنيها و الايجاب قوله) صلى اللّه عليه و آله و سلم (بعد فصل طويل زوجتكها بما معك من القرآن و) لكن (لعل) الفصل الطويل (هذا) الّذي ذكرناه (موهن آخر) غير تقديم القبول (للرواية) المذكورة (فافهم) فقد عرفت انه لا دليل على اشتراط تقديم الايجاب، كما انه لا دليل على الموالاة الا العرف، و من المعلوم ان هذا المقدار من الفصل المذكور فى الرواية لا يضر الموالاة (و من جملة الشرائط التى ذكرها جماعة) من العلماء (التنجيز فى العقد بان لا يكون) العقد (معلقا على شي ء باداة الشرط) كأن يقول البائع «بعتك ان جاء زيد» (بان يقصد المتعاقد ان انعقاد المعاملة فى صورة ذلك الشي ء) الّذي ذكر بصورة الشرط (لا فى غيرها) اى غير تلك الصورة (و ممن صرح بذلك الشيخ و الحلى و العلامة و جميع من تأخر عنه) اى عن العلامة (كالشهيدين و المحقق الثانى و غيرهم قدس الله ارواحهم و عن فخر الدين فى شرح الارشاد فى باب الوكالة ان تعليق الوكالة على الشرط لا يصح عند الامامية، و كذا غيرها من العقود لازمة كانت) كالبيع (او جائزة) كالهبة و قوله لا يصح ظاهرة عدم صحة تلك المعاملة المعلقة لا عدم صحة الشرط.

ص: 300

و عن تمهيد القواعد دعوى الاجماع عليه، و ظاهر المسالك فى مسألة اشتراط التنجيز فى الوقف الاتفاق عليه و الظاهر عدم الخلاف فيه كما اعترف به غير واحد و ان لم يتعرض الاكثر فى هذا المقام و يدل عليه فحوى فتاويهم و معاقد الاجماعات فى اشتراط التنجيز فى الوكالة مع كونها من العقود الجائزة التى يكفى فيها كلما دل على الاذن حتى ان العلامة ادعى الاجماع على ما حكى عنه على عدم صحة ان يقول الموكل انت وكيلى فى يوم الجمعة فى ان تبيع عبدى و على صحة قوله انت وكيلى و لا تبع عبدى الا فى يوم الجمعة مع كون المقصود

______________________________

المعاملة المعلقة لا عدم صحة الشرط.

(و عن تمهيد القواعد دعوى الاجماع عليه، و ظاهر المسالك فى مسألة اشتراط التنجيز فى الوقف الاتفاق عليه) هذا (و الظاهر) لدى التتبع فى كلمات الفقهاء- (عدم الخلاف فيه كما اعترف به غير واحد و ان لم يتعرض الاكثر) لهذا الشرط (فى هذا المقام) اى مقام البيع فان تعرضهم له فى متفرقات الابواب دال على ان رأيهم عدم الانعقاد فى باب البيع (و يدل عليه) اى على عدم الخلاف (فحوى) و اولوية (فتاويهم و معاقد الاجماعات فى اشتراط التنجيز فى الوكالة مع كونها من العقود الجائزة التى يكفى فيها كلما دل على الاذن) فاذا كان التنجيز شرط فى العقد الجائز كان شرطا فى العقد اللازم بطريق اولى اذ العقد الجائز اخف مئونة من العقد اللازم (حتى ان العلامة ادعى الاجماع على ما حكى عنه على عدم صحة ان يقول الموكل) لمن يريد توكيله (انت وكيلى فى يوم الجمعة فى ان تبيع عبدى) حيث علق الوكالة على يوم الجمعة (و على صحة قوله انت وكيلى و لا تبع عبدى الا فى يوم الجمعة) اذ الوكالة مطلقة، و انما ظرف العمل يوم الجمعة (مع كون المقصود)

ص: 301

واحدا و فرق بينهما جماعة- بعد الاعتراف بان هذا فى معنى التعليق- بان العقود لما كانت متلقاة من الشارع انيطت بهذه الضوابط و بطلت فيما خرج عنها و ان افادت فائدتها فاذا كان الامر كذلك عندهم فى الوكالة فكيف الحال فى البيع و بالجملة فلا شبهة فى اتفاقهم على الحكم

و اما الكلام فى وجه الاشتراط فالذى صرح به العلامة فى التذكرة انه مناف للجزم حال الانشاء بل جعل الشرط هو الجزم ثم فرع عليه عدم جواز التعليق قال الخامس من الشروط الجزم فلو

______________________________

من العبارتين (واحدا) هو البيع يوم الجمعة (و فرق بينهما جماعة- بعد الاعتراف بان هذا فى معنى التعليق-) اى التسليم ان العبارتين كليهما تعليق لكن احدهما تعليق لفظى و الاخر تعليق معنوى (بان العقود لما كانت متلقاة من الشارع انيطت بهذه الضوابط) التى من جملتها عدم التعليق (و بطلت) العقود (فيما خرج عنها) اى عن تلك الضوابط فلا ينافى اتحاد المعنى فى العبارتين صحة احداهما دون صحة الاخرى (و ان افادت فائدتها) اى و ان افادت «ما خرج» فائدة «ما اذا كانت مشمولة للضابطة» مثلا «استأجرتك» و «متعتك» يفيدان معنى واحد و مع ذلك جاز الثانى- فى باب المتعة- دون الاول (فاذا كان الامر كذلك) مشروطا بعدم التعليق (عندهم فى الوكالة فكيف الحال فى البيع) الّذي هو اهم بالنظر الى كونه عقدا لازما (و بالجملة فلا شبهة فى اتفاقهم على الحكم) الّذي هو اشتراط التنجيز.

(و اما الكلام فى وجه الاشتراط فالذى صرح به العلامة فى التذكرة انه مناف للجزم حال الانشاء) و ما لا جزم فيه لا عقد (بل جعل) العلامة (الشرط هو الجزم ثم فرع عليه عدم جواز التعليق، قال الخامس من الشروط الجزم فلو

ص: 302

علق العقد على شرط لم يصح و ان كان الشرط المشية للجهل بثبوتها حال العقد و بقائها مدته و هو احد قولى الشافعى و اظهرهما عندهم الصحة لان هذه صفة يقتضيها اطلاق العقد لانه لو لم يشأ لم يشتر انتهى.

و تبعه على ذلك الشهيد فى قواعده قال لأن الانتقال بحكم الرضا و لا رضا الا مع الجزم و الجزم ينافى التعليق، انتهى. و مقتضى ذلك ان المعتبر هو عدم التعليق على امر مجهول الحصول كما صرح به المحقق فى باب الطلاق و ذكر المحقق و الشهيد الثانيان فى الجامع و المسالك فى مسألة-

______________________________

علق العقد على شرط لم يصح و ان شرط المشية) اى مشية المشترى كما لو قال بعتك ان شئت، فقال المشترى: قبلت، و انما لم يصح و لو كان التعليق بالمشية (للجهل بثبوتها) اى مشية المشترى (حال العقد و) للجهل ب (بقائها) اى المشية (مدته) اى مدة العقد لاحتمال انه شاء اوّل العقد و لم يشأ اخر العقد بان تبدل رأيه فى الوسط (و هو) اى البطلان و ان علق على المشية (احد قولى الشافعى و اظهرهما عندهم) اى العامة (الصحة لان هذه)- المشية (صفة يقتضيها اطلاق العقد لانه لو لم يشاء) المشترى (لم يشتر) فالتعليق عليه غير ضار (انتهى) كلام العلامة.

(و تبعه على ذلك الشهيد فى قواعده قال لأن الانتقال) للعوضين انما هو (بحكم الرضا) اى ان الرضا يحكم، و يوجب الانتقال لقوله تعالى: «الا ان تكون تجارة عن تراض منكم» (و لا رضا الا مع الجزم) اذ لو لا الجزم يكون التردد المنافى للرضا (و الجزم ينافى التعليق، انتهى. و مقتضى ذلك) الوجه و هو ان التعليق ينافى الجزم- المعتبر فى البيع- (ان المعتبر هو عدم التعليق على امر مجهول الحصول) اذ التعليق على امر معلوم الحصول لا ينافى الجزم (كما صرح به) اى بكون التعليق على المجهول محظور (المحقق فى باب الطلاق و ذكر المحقق و الشهيد الثانيان فى الجامع و المسالك فى مسألة

ص: 303

ان كان لى فقد بعته ان التعليق انما ينافى الانشاء فى العقود و الايقاعات حيث يكون المعلق عليه مجهول الحصول.

لكن الشهيد فى قواعده ذكر فى الكلام المتقدم ان الجزم ينافى التعليق لانه بعرضة عدم الحصول و لو قدر العلم بحصوله كالتعليق على الوصف لان الاعتبار بجنس الشرط دون انواعه فاعتبر المعنى العام دون خصوصيات الافراد.

ثم قال فان قلت فعلى هذا يبطل قوله فى صورة انكار التوكيل

______________________________

ان كان لى فقد بعته) هل يصح مثل هذا البيع أم لا؟ (ان التعليق انما ينافى الانشاء فى العقود و الايقاعات حيث يكون المعلق عليه مجهول الحصول) كقدوم زيد لا مثل طلوع الشمس.

(لكن الشهيد فى قواعده ذكر فى الكلام المتقدم ان الجزم ينافى التعليق) مطلقا و لو بامر معلوم الحصول (لانه) اى الشرط (بعرضة) و معرضية (عدم الحصول) اذ الشرط فى نفسه له وجهان (و لو قدر) و فرض (العلم بحصوله كالتعليق على الوصف) الّذي هو معلوم الحصول، و انما نقول بان فرض علمنا بحصول الشرط لا يكفى (لأن الاعتبار بجنس الشرط) و الشرط فى نفسه له وجهان- كما تقدم- (دون انواعه) التى منها معلوم الحصول (فاعتبر) الشهيد (المعنى العام) فى الشرط و هو كونه ذا وجهين: الحصول و العدم (دون خصوصيات الافراد) اى افراد الشرط كالفرد الّذي نعلم انه يحصل مثلا-.

(ثم قال) الشهيد (فان قلت فعلى هذا) الّذي ذكرتم من ان التعليق مبطل للعقد (يبطل قوله) اى العاقد (فى صورة انكار التوكيل) كما لو قيل لزيد المال مالك و انت وكلت خالدا فى بيعه، فينكر أن يكون المال ماله

ص: 304

ان كان لى فقد بعته.

قلت هذا تعليق على واقع لا متوقع الحصول فهو علة

______________________________

و ينكر توكيله لخالد فى بيع ماله- و لا يخفى ان قوله: «فى صورة انكار التوكيل» لا ربط له بالاشكال و الجواب، و انما هو كالجملة المعترضة (ان كان لى فقد بعته) و حاصل الاشكال انه لو كان الاعتبار بجنس الشرط دون انواعه، لزم بطلان العقد بهذه الصورة بان قال البائع: «إن كان لى فقد بعته» فى حال كون المال له، مع بداهة صحة مثل هذا البيع، و عليه فالضار انما هو بعض انواع التعليق، لا كل تعليق اذ التعليق على ثلاثة اقسام:

الاول: التعليق على امر متوقع لا يعلم حصوله كقوله: «ان جاء زيد فقد بعتك».

الثانى: التعليق على امر يحصل قطعا و هما يعلمان بذلك فيقول: «ان جاء زيد بعتك هذا الشي ء».

الثالث: ان يكون الشرط واقعا الآن نحو: «إن كان لى فقد بعتك»

و الشهيد يقول: ببطلان القسم الثانى أيضا، كبطلان القسم الاول و المستشكل يقول: و على هذا فاللازم بطلان القسم الثالث أيضا.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 5، ص: 305

(قلت) لا تلازم بين بطلان القسم الثانى و بطلان القسم الثالث فان (هذا) القسم الثالث ليس تعليقا فى الواقع بل هو صورى محض، لانه (تعليق على واقع) اذ الملك واقع و ثابت للعاقد- و كلاهما يعلمان بذلك- (لا) على امر (متوقع الحصول) فى المستقبل بخلاف القسم الثانى فانه تعليق على امر مستقبل لكنهما يعلمان وقوعه، فحاله حال القسم الاول الّذي هو تعليق على امر مستقبل لا يعلمان حصوله (فهو) اى قول البائع: «ان كان لى» (علة

ص: 305

للوقوع او مصاحب له لا معلق عليه الوقوع.

و كذا لو قال فى صورة انكار وكالة التزويج- حيث تدعيه المرأة- ان كانت زوجتى فهى طالق انتهى كلامه و علل العلامة فى القواعد صحة «ان كان لى فقد بعته» بانه امر واقع يعلمان وجوده فلا يضر جعله شرطا

______________________________

للوقوع) اى وقع البيع فقوله: «إن كان لى فقد بعته» بمنزله «لما كان لى فقد بعته» فالعلة فى البيع كونه للبائع (او مصاحب له) اى للوقوع فقوله «إن كان لى فقد بعته» بمنزله «هو لى فبعته» حيث ان العلة للبيع شي ء آخر، و على كلا التقديرين (لا) يكون قوله «ان كان لى» (معلق عليه الوقوع) فالبيع لم يعلق على شي ء، اذ «الشرط» اما علة او مصاحب و ليس «شرطا» واقعيا بل هو صورة الشرط فقط و عليه ففرق بين القسم الثانى الّذي هو شرط واقعا و بين القسم الثالث الّذي هو شرط صورة فقط فلا يلزم من بطلان الثانى بطلان الثالث.

(و كذا) لا تلازم بين بطلان التعليق و بطلان صورة التعليق فى مسئلة الطلاق كما (لو قال) الرجل فى صورة ما اذا نسب إليه انه و كلّ خالدا فى تزويج هند- مثلا- فقال (فى صورة انكار وكالة التزويج) و انكار التزويج- (حيث تدعيه المرأة-) فيما اذا جاءت الى الحاكم و قالت: ان فلانا وكل فى زواجى لنفسه و قد زوجت منه فقال الرجل (إن كانت زوجتى فهى طالق) فان الطلاق يقع لو كانت زوجته- واقعا- اذ ليست الزوجية امرا متوقعا فى المستقبل بل انما هو امر حاصل واقع (انتهى كلامه) اى كلام الشهيد «ره» (و علّل العلامة فى القواعد صحة «إن كان لى فقد بعته») المعلق على شرط و قد كان مقتضى القاعدة بطلانه- لما عرفت من لزوم التنجيز فى العقد- (بانه امر واقع يعلمان وجوده فلا يضر جعله شرطا) لانه شرط صورى- و ليس

ص: 306

و كذا كل شرط علم وجوده فانه لا يوجب شكا فى البيع و لا وقوفه انتهى.

و تفصيل الكلام ان المعلق عليه اما ان يكون معلوم التحقق، و اما ان يكون محتمل التحقق و على الوجهين فاما ان يكون تحققه المعلوم او المحتمل فى الحال او المستقبل و على التقادير فاما ان يكون الشرط مما يكون مصححا للعقد ككون الشي ء مما يصح تملكه شرعا او مما يصح اخراجه عن الملك كغير أمّ الولد و غير الموقوف عليه و نحوه و

______________________________

شرطا حقيقيا.

(و كذا كل شرط علم وجوده فانه لا يوجب شكا فى البيع) و انه هل وقع أم لا؟ بخلاف الشرط الّذي لا يعلم هل يكون أم لا؟ كما لو قال بعتك ان جاء زيد (و لا) شكا فى (وقوعه) اذ الشرط المحقق لا يجعل العقد ذا احتمالين، احتمال الوقوع و احتمال العدم (انتهى) كلام العلامة.

(و تفصيل الكلام) فى باب الشرط (ان المعلق عليه اما ان يكون معلوم التحقق، و اما ان يكون محتمل التحقق و على الوجهين فاما ان يكون تحققه المعلوم او) تحققه (المحتمل فى الحال او المستقبل) فمعلوم التحقق فى الحال نحو «ان كان لى» و فى المستقبل نحو «ان طلعت الشمس» و محتمل التحقق فى الحال نحو «ان كان زيد جائيا» و فى المستقبل نحو «ان جاء زيد» (و على التقادير) الاربعة (فاما ان يكون الشرط مصححا للعقد) بحيث لو لا هذا الشرط لم يصح العقد (ككون) الشرط كون (الشي ء مما- يصح تملكه شرعا) كقوله «ان لم يكن خنزيرا فقد بعته» (او مما يصح اخراجه عن الملك) بان كان ملكا لكنه لا يصح اخراجه عن الملك (كغير أمّ الولد و غير الموقوف عليه و نحوه) كغير منذور التصدق بعينه كما لو قال «ان لم يكن وقفا فقد بعته» و الفرق ان «الخنزير» لا يصح ملكه و الوقف الخاص لا يصح اخراجه عن الملك مع انه بذاته ملك (و

ص: 307

كون المشترى ممن يصح تملكه شرعا كأن لا يكون عبدا او ممن يجوز العقد معه بان يكون بالغا. و اما ان لا يكون كذلك.

ثم التعليق اما مصرح به، و اما لازم من الكلام كقوله ملكتك هذا بهذا يوم الجمعة و قوله فى القرض و الهبة خذ هذا بعوضه او خذه بلا عوض يوم الجمعة فان التمليك معلق على تحقق الجمعة فى الحال او فى الاستقبال و لهذا احتمل العلامة فى النهاية و ولده فى الايضاح بطلان بيع الوارث

______________________________

كون المشترى ممن يصح تملكه شرعا كأن لا يكون عبدا) على القول بعدم ملك العبد، فيقول: «ان لم تكن عبدا فقد بعتك» فان القلم الّذي يريد بيعه مثلا- ملك و قابل للاخراج عن الملك لكن المشترى ليس قابلا للانتقال إليه (او ممن يجوز العقد معه) بان يصح تملكه لكنه لا يجوز العقد معه (بان يكون بالغا) فان غير البالغ لا يصح العقد معه و ان صح تملّكه، فانه ليس كالعبد.

(و اما ان لا يكون كذلك) اى ليس شرطا مصححا للعقد (ثم التعليق اما مصرح به) بان صاغه فى صورة الشرط كما يقول «إن كان اليوم جمعة فقد بعتك».

(و اما لازم من الكلام كقوله ملكتك هذا بهذا يوم الجمعة) فان يوم الجمعة شرط فى هذه الصورة (و قوله فى) بابى (القرض و الهبة «خذ هذا بعوضه») يوم الجمعة (او خذه بلا عوض يوم الجمعة فان) يوم الجمعة شرط اذ (التمليك معلق على تحقق الجمعة فى الحال او فى الاستقبال) فيما كانت صورته الشرطية «إن كان هذا اليوم الجمعة» او «ان جاء يوم الجمعة» (و لهذا احتمل العلامة فى النهاية و ولده فى الايضاح بطلان بيع الوارث

ص: 308

لمال موروثه بظن موته معللا بان العقد و إن كان منجزا فى الصورة الا انه معلق و التقدير ان مات مورثى فقد بعتك فما كان منها معلوم الحصول حين العقد فالظاهر انه غير قادح، وفاقا لمن عرفت كلامه كالمحقق و العلامة و الشهيدين و المحقق الثانى و الصيمرى، و حكى أيضا عن المبسوط و الايضاح فى مسألة ما لو قال «ان كان لى فقد بعته» بل لم يوجد فى ذلك خلاف صريح و لذا ادعى فى الرياض فى باب الوقف عدم الخلاف فيه صريحا

و ما كان معلوم الحصول فى المستقبل و هو المعبّر عنه بالصفة فالظاهر انه داخل فى معقد اتفاقهم على

______________________________

لمال موروثه بظن موته معللا) البطلان (بان العقد و إن كان منجزا فى الصورة) لانه يقول «بعتك هذه الدار التى هى لابى» (الا انه معلق) فى التقدير و الواقع، (و التقدير ان مات مورثى فقد بعتك) فقول المصنف «و لذا» بيان ان الشرط قد يكون تقديريا، و ان لم يكن صوريا، و ان حاله كحال الشرط الصورى (فما كان منها) اى من اقسام الشرط (معلوم الحصول حين العقد فالظاهر انه غير قادح، وفاقا لمن عرفت كلامه) من الفقهاء (كالمحقق و العلامة و الشهيدين و المحقق الثانى و الصيمرى، و حكى أيضا عن المبسوط و الايضاح فى مسألة ما لو قال «ان كان لى فقد بعته») فى حال كون المال له واقعا (بل لم يوجد فى ذلك) اى صحة مثل هذا التعليق (خلاف صريح و لذا ادعى فى الرياض فى باب الوقف عدم الخلاف فيه) اى فى التعليق على الشرط المعلوم حصوله (صريحا و ما كان معلوم الحصول فى المستقبل) مثل ان طلعت الشمس (و هو المعبّر عنه) فى كلام الفقهاء (بالصفة) لان اوّل هذا الشرط الى الوصف اذ معنى «ان طلعت الشمس فقد بعتك» «بعتك وقت طلوع الشمس» فوقت الطلوع صفة للبيع (فالظاهر انه داخل فى معقد اتفاقهم على

ص: 309

عدم الجواز و إن كان تعليلهم للمنع باشتراط الجزم لا يجري فيه كما اعترف به الشهيد فيما تقدم عنه و نحو الشهيد الثانى فيما حكى عنه بل يظهر من عبارة المبسوط فى باب الوقف كونه مما لا خلاف فيه بيننا بل بين العامة فانه قال اذا قال الواقف «اذا جاء رأس الشهر فقد وقفته» لم يصح الوقف بلا خلاف لانه مثل البيع و الهبة و عندنا مثل العتق أيضا انتهى فان ذيله يدل على ان مماثلة الوقف للبيع و الهبة غير مختص بالامامية.

نعم مماثلته للعتق مختصة بهم و ما كان منها مشكوك الحصول و ليس صحة العقد معلقة فى الواقع عليه

______________________________

عدم الجواز، و إن كان تعليلهم للمنع) و عدم الجواز (باشتراط الجزم لا يجرى فيه) اذ الشرط هنا مجزوم به فانهما يعلمان طلوع الشمس- مثلا- (كما اعترف به) اى بكون الوصف مجزوما به، و ليس كالشرط المجهول حصوله (الشهيد فيما تقدم عنه و نحوه الشهيد الثانى فيما حكى عنه بل يظهر من عبارة المبسوط فى باب الوقف كونه) اى عدم الجواز (مما لا خلاف فيه بيننا بل بين العامة) أيضا (فانه قال اذا قال الواقف «اذا جاء رأس الشهر فقد وقفته» لم يصح الوقف بلا خلاف لانه مثل البيع و الهبة) فكما لا يصح الشرط فيهما كذلك لا يصح فى الوقف (و عندنا) معاشر الشيعة (مثل العتق أيضا) لا يصح ان يقول «اذا جاء رأس الشهر اعتقتك» بخلافه عندهم فان العامة يصححون العتق المشروط (انتهى) كلام المبسوط (فان ذيله) و هو قوله «و عندنا مثل العتق» (يدل على ان مماثلة الوقف للبيع و الهبة غير مختص بالامامية) بل العامة أيضا قائلون ببطلان مثل هذا الشرط.

(نعم مماثلة) اى الوقف (للعتق مختص بهم) هذا تمام الكلام فى معلوم الحصول فى الحال، و فى المستقبل (و ما كان منها) اى من الشرائط (مشكوك الحصول و) الحال انه (ليس صحة العقد معلة عليه فى الواقع) اى ليس من قبيل

ص: 310

كقدوم الحاج فهو المتيقن من معقد اتفاقهم و ما كان صحة العقد معلقة عليه كالامثلة المتقدمة فظاهر اطلاق كلامهم يشمله الا ان الشيخ فى المبسوط حكى فى مسألة «إن كان لى فقد بعته» قولا من بعض الناس بالصحة و ان الشرط لا يضره مستدلا بانه لم يشترط الا ما يقضيه اطلاق العقد لانه انما يصح البيع لهذه الجارية من الموكل اذا كان اذن له فى الشراء فاذا اقتضاه

______________________________

قابلية المبيع للملك، او قابليته للاخراج عن الملك او ما اشبه مما تقدم (كقدوم الحاج) فان صحة العقد ليس معلقا على قدوم الحاج و انما هو شرط يشترط المتعاملان فيما لو قال بعتك اذا جاء الحاج (فهو المتيقن من معقد اتفاقهم) بالبطلان (و ما كان) من الشروط (صحة العقد معلقة عليه) فى الواقع (كالامثلة المتقدمة) من الملكية، و الاخراج عن الملك، و قابلية المشترى للملك و قابليته للعقد (فظاهر اطلاق كلامهم) بعدم صحة التعليق (يشمله) فاذا قال «إن كان هذا شاة لا خنزيرا» او «اذا كان طلقا لا وقفا» او «اذا كنت ايها المشترى حرا لا عبدا» او «اذ كنت ايها المشترى بالغا لا مراهقا»- مثلا- فقد بعتك، لم يصح البيع و ان كان الشرط شرطا فى الواقع (الا ان الشيخ فى المبسوط حكى فى مسألة «إن كان لى فقد بعته» قولا من بعض الناس بالصحة) مع انه تعليق على شرط صحة العقد المتوقف عليه (و) قال (ان- الشرط لا يضره) اى لا يضرّ العقد (مستدلا بانه لم يشترط الا ما يقضيه اطلاق العقد) فانه اذا اطلق العقد، و قال «بعتك» كان معناه «ان كان لى هذا المبيع» (لانه انما يصح البيع لهذه الجارية من الموكل) اى يصح البيع للوكيل من قبل الموكل (اذا كان اذن) الموكل (له) اى للوكيل (فى الشراء) اى فى البيع (فاذا اقتضاه) اى هذا الشرط

ص: 311

الاطلاق لم يضر اظهاره و شرطه كما لو شرط فى البيع تسليم الثمن او تسليم المثمن او ما اشبه ذلك انتهى و هذا الكلام و ان حكاه عن بعض الناس الا ان الظاهر ارتضاؤه له و حاصله انه كما لا يضر اشتراط بعض لوازم العقد المترتبة عليه كذلك لا يضر تعليق العقد بما هو معلق عليه فى الواقع و تعليقه ببعض مقدماته كالالزام ببعض غاياته فكما لا يضر الزام بما يقتضي العقد التزامه كذلك التعليق بما كان الاطلاق معلقا عليه و مقيدا به و هذا الوجه و ان لم ينهض لدفع محذور التعليق فى إنشاء العقد

______________________________

(الاطلاق) للعقد (لم يضر اظهاره) لفظا (و شرطه) فى ضمن العقد (كما لو شرط فى البيع تسليم الثمن او تسليم المثمن او ما اشبه ذلك) مما يقتضيه الاطلاق (انتهى) كلام الشيخ (و هذا الكلام و ان حكاه) الشيخ (عن بعض الناس الا ان الظاهر) من سكوته عليه و عدم مناقشته له (ارتضاؤه له و حاصله انه كما لا يضر اشتراط بعض لوازم العقد المترتبة عليه) كالقبض او فعلية التسليم او ما اشبه (كذلك لا يضر تعليق العقد بما هو) اى العقد (معلق عليه فى الواقع) نحو ان كان لى فقد بعته (و تعليقه) اى العقد (ببعض مقدماته) اى مقدمات العقد ككون المال للبائع (كالالزام ببعض غاياته) مثل الزام المشترى بان يدفع الثمن حالا، قوله «و تعليقه» مبتدأ خبره «كالالزام» (فكما لا يضر الالزام) كإلزام البائع للمشترى تسليم الثمن حالا- مثلا- (بما يقتضي) اطلاق (العقد التزامه) اذ لو لا هذا الشرط فى اللفظ، اقتضاه العقد فى نفسه (كذلك) لا يضر (التعليق بما كان الاطلاق) للعقد (معلقا عليه) فى الواقع (و مقيدا به) فى الحقيقة (و هذا الوجه) الّذي ذكره الشيخ لتصحيح التعليق (و ان لم ينهض لدفع محذور التعليق فى إنشاء العقد) اذ ظاهر الشرط انه شرط للانشاء و الحال انه شرط للأثر فكون المثمن مال البائع فى قوله

ص: 312

لان المعلق على ذلك الشرط- فى الواقع-: هو ترتب الاثر الشرعى على ذلك العقد دون إنشاء مدلول الكلام الّذي هو وظيفة المتكلم فالمعلق فى كلام المتكلم غير معلق فى الواقع على شي ء و المعلق على شي ء ليس معلقا فى كلام المتكلم على شي ء بل و لا منجزا بل هو خارج عن مدلول الكلام الا ان ظهور ارتضاء الشيخ له كاف فى عدم الظن بتحقق الاجماع عليه مع ان ظاهر هذا التوجيه

______________________________

«إن كان لى فقد بعتك» شرط لترتب الاثر، انه شرط للانشاء، فان الاثر لا يحصل الا بكون المثمن مال البائع، اما الانشاء فهو يحصل و لو لم يكن المثمن مال البائع (لان المعلق على ذلك الشرط) نحو «إن كان لى» (- فى الواقع-:

هو ترتب الاثر الشرعى على ذلك العقد) فلولا الشرط لم يحصل نقل و انتقال (دون إنشاء مدلول الكلام) اى مدلول «بعت» (الّذي) اى الانشاء الّذي (هو وظيفة المتكلم) و ليس من وظائف الشارع، فالانشاء وظيفة المتكلم و ترتيب الاثر وظيفة الشارع (فالمعلق فى كلام المتكلم) الّذي هو الانشاء (غير معلق فى الواقع) و الحقيقة (على شي ء) اذ الانشاء للبيع ليس معلقا على كون المال للمتكلم (و المعلق على شي ء) و هو الاثر شرعى الترتب على الانشاء (ليس معلقا فى كلام المتكلم على شي ء) لان البائع لم يعلق الاثر الشرعى، و انما علق انشائه (بل و لا منجزا) فى كلامه، فان الاثر الشرعى وظيفة الشارع فلم يعلقه البائع و لم ينجّزه، اذ هو خارج عن عمله و وظيفة (بل هو) اى الاثر (خارج عن مدلول الكلام) لانه امر واقعى (الا ان ظهور ارتضاء الشيخ له) اى لكلام هذا القائل بصحة الشرط (كاف فى عدم الظن بتحقق الاجماع عليه) فلا اجماع على بطلان التعليق و كيف ينعقد الاجماع مع مخالفة مثل الشيخ (مع ان ظاهر هذا التوجيه) الّذي وجه الشيخ به كلام القائل بجواز التعليق

ص: 313

لعدم قدح التعليق يدل على ان محل الكلام فيما لم يعلم وجود المعلق عليه و عدمه فلا وجه لتوهم اختصاصه بصورة العلم و يؤيد ذلك ان الشهيد فى قواعده جعل الاصح صحة تعليق البيع على ما هو شرط فيه كقول البائع بعتك ان قبلت و يظهر منه ذلك أيضا فى اواخر القواعد.

ثم انك قد عرفت ان العمدة فى المسألة هو الاجماع و ربّما يتوهم ان الوجه فى اعتبار التنجيز هو عدم قابلية الانشاء للتعليق

______________________________

(لعدم قدح التعليق) بالمعاملة (يدل على ان محل الكلام) فى جواز التعليق و عدمه، انما هو (فيما لم يعلم وجود المعلق عليه و عدمه) اما اذا علم وجود المعلق عليه فلا بأس بالتعليق (فلا وجه لتوهم اختصاصه) اى اختصاص محلّ الكلام (بصورة العلم) بان يقال ان صورة الجهل بوجود الشرط مفروغ عنها فى كونه موجبا للبطلان، و ان محل الخلاف صورة العلم بوجود الشرط، و الحاصل ان محل الكلام صورة الجهل، اما صورة العلم فلا كلام فى صحته (و يؤيد ذلك) الّذي ذكرنا من عدم الاجماع فى التعليق على شرط معلوم الحصول (ان الشهيد فى قواعده جعل الاصح صحة تعليق البيع على ما هو شرط فيه) واقعا (كقول البائع بعتك ان قبلت) فان القبول شرط فى انعقاد البيع، فاشتراط البائع له لا بأس به (و يظهر منه) اى من الشهيد (ذلك) الجواز و الصحة (أيضا فى اواخر القواعد) فلا اجماع فى المسألة حتى يستند إليه فى بطلان التعليق فى صورة العلم.

(ثم انك قد عرفت ان العمدة فى المسألة) اى مسألة عدم صحة التعليق (هو الاجماع) و اذا لم يكن اجماع فلا مستند لعدم الجواز (و ربّما يتوهم ان الوجه فى اعتبار التنجيز) فى العقد و بطلان التعليق (هو عدم قابلية الانشاء للتعليق) لان الانشاء ايجاد و الايجاد بين وجود و عدم، اما ان يكون معلقا

ص: 314

و بطلانه واضح لان المراد بالانشاء ان كان هو مدلول الكلام فالتعليق غير متصور فيه الا ان الكلام ليس فيه و ان الكلام فى انه كما يصح إنشاء الملكية المتحققة على كل تقدير فهل يصح إنشاء الملكية المتحققة على تقدير دون آخر كقوله هذا لك ان جاء زيد و خذ المال قرضا او قراضا اذا اخذته من فلان و نحو ذلك فلا ريب فى انه امر متصور واقع فى العرف و الشرع كثيرا فى الا و امر و المعاملات من العقود و الايقاعات و يتلو هذا الوجه فى الضعف ما قيل من ان ظاهر ما دل على سببية

______________________________

فلا يعقل (و بطلانه) اى بطلان «ان الانشاء ليس قابلا للتعليق» (واضح) لدى التأمّل (لان المراد بالانشاء) الّذي قلتم بانه لا يعقل فيه التعليق (ان كان هو مدلول الكلام) و معناه (فالتعليق غير متصور فيه) اى المدلول يوجد بوجود الكلام فليس له حاله معلقه (الا ان الكلام) اى كلامنا «فى صحة تعليق الانشاء» (ليس فيه) اى ليس فى الانشاء الّذي بمعنى مدلول الكلام (و ان الكلام) فى عدم صحة تعليق الانشاء- على ما ذكره القائل بالبطلان- (فى انه كما يصح إنشاء الملكية المتحققة على كل تقدير) مثلا سواء جاء زيد أم لا (فهل يصح إنشاء الملكية المتحققة على تقدير دون) تقدير (آخر) أم لا يصح هذا النحو من التعليق (كقوله هذا لك ان جاء زيد و خذ المال قرضا) فى باب القرض (او قراضا) فى باب المضاربة (اذا اخذته من فلان و نحو ذلك) من الشرائط (فلا ريب فى انه) هذا النحو من التعليق (امر متصور واقع فى العرف و الشرع كثيرا فى الاوامر) كان يقال اضف زيدا ان احترمك و كقوله سبحانه:

«كاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا» (و المعاملات من العقود و الايقاعات) كقولك بعتك ان جاء زيد، و زوجته طالق ان فعل كذا، فتبين ان قول القائل «لا يعقل التعليق فى الانشاء» ليس بتام «و يتلو هذا الوجه» اى عدم امكان التعليق فى الانشاء (فى الضعف ما قيل من ان ظاهر ما دلّ على سببية

ص: 315

العقد ترتب مسببه عليه حال وقوعه فتعليق اثره بشرط من المتعاقدين مخالف لذلك و فيه بعد الغض عن عدم انحصار ادلة الصحة و اللزوم فى مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لان دليل حلية البيع و تسلط الناس على اموالهم كاف فى اثبات ذلك ان العقد سبب لوقوع مدلوله فيجب الوفاء به على طبق مدلوله فليس مفاد أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الا مفاد اوفوا بالعهد فى ان العقد كالعهد اذا وقع على وجه التعليق فترتب تحقق المعلق

______________________________

العقد) للاثر الخاص كسببية عقد البيع الانتقال الملك و سببية النكاح للزوجية و كذلك فى الايقاعات كسببية الطلاق للتفرقة بل و فى الاحكام كسببية الزنا للجلد- مثلا- (ترتب مسببه عليه) فى (حال وقوعه) اى وقوع السبب (فتعليق اثره) اى اثر العقد (بشرط من المتعاقدين) كتعليق اثر البيع بشرط طلوع الشمس او قدوم زيد (مخالف لذلك) الاقتضاء و التلازم بين السبب و المسبب (و فيه بعد الغض عن عدم انحصار ادلة الصحة) للعقد (و) ادلة (اللزوم فى مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) حتى يقال بان ظاهر اوفوا لزوم الوفاء بعد العقد مباشرة، مما لازمه كون الاثر بعد العقد متصلا بالعقد (لان دليل حلية البيع) نحو احل اللّه البيع (و تسلط الناس على اموالهم) فى الحديث الوارد بان الناس مسلطون على اموالهم (كاف فى اثبات ذلك) التعليق، اذ حلية البيع ظاهرها الحلية كيف ما اوقعاه و سلطنة الناس تقتضى صحة ايقاع المعاملة و لو معلقة بالشرط لان الناس مسلطون على مالهم يبيعونه بلا شرط او بشرط (ان العقد) كما فى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (سبب لوقوع مدلوله فيجب الوفاء به على طبق مدلوله) ان مطلقا او معلقا فلا دلالة ل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ على كون العقد سبب لوقوع الاثر بعده مباشرة (فليس مفاد أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الا) مثل (مفاد اوفوا بالعهد فى ان العقد كالعهد اذا وقع على وجه التعليق فترتب تحقق المعلق

ص: 316

عليه فى تحقق المعلق لا يوجب عدم الوفاء بالعهد.

و الحاصل انه ان اريد بالمسبب هو مدلول العقد فعدم تخلفه عن إنشاء العقد من البديهيات التى لا يعقل خلافها و ان اريد به الاثر الشرعى و هو ثبوت الملكية فيمنع كون اثر مطلق البيع الملكية المنجزة بل هو مطلق الملك فان كان البيع غير معلق كان اثره الشرعى الملك غير المعلق و ان كان معلقا فاثره الملكية المعلقة مع ان تخلف الملك عن العقد كثير جدا

______________________________

عليه) اى الشرط (فى تحقق المعلق) اى العهد (لا يوجب عدم الوفاء بالعهد) فلو قال اعاهدك عدم الحرب من اوّل السنة الآتية كان مقتضى العهد ذلك لا ان مقتضاه عدم الحرب بعد التلفظ بالعهد مباشرة و كذلك فى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

(و الحاصل انه) اى المستشكل (ان اريد بالمسبب) للعقد الّذي قال بانه يلزم اتصاله بالعقد الّذي هو سبب (هو مدلول العقد) اللفظى (فعدم تخلفه عن إنشاء العقد من البديهيات التى لا يعقل خلافها) اذ مدلول كل شي ء لا يتخلف عنه، لكن هذا الكلام لا ربط له بما نحن فيه الّذي هو عبارة عن صحة العقد المعلق و عدم صحته (و ان اريد به) اى بالمسبب (الاثر الشرعى و هو ثبوت الملكية) بان يكون مراده ان الملك يثبت بمجرد التلفظ بلفظ العقد فلا يصح تأخير الملكية بسبب الشرط و التعليق (فيمنع كون اثر مطلق البيع الملكية المنجزة) الحالية، حتى يقال بانه كيف تخلف الملك عن العقد؟ (بل هو) اى الاثر (مطلق الملك فإن كان البيع غير معلق كان اثره الشرعى الملك غير المعلق) فيكون الاثر بعد اجراء لفظ العقد (و ان كان) البيع (معلقا فاثره الملكية المعلقة) انما يحصل بعد ذلك الشرط (مع ان تخلف الملك عن العقد كثير جدا) فالعقد ليس سببا تاما بل السبب العقد و امور اخر، فاذا كان

ص: 317

مع ان ما ذكره لا يجرى فى مثل قوله بعتك ان شئت او ان قبلت فقال قبلت فانه لا يلزم هنا تخلف اثر العقد عنه مع ان هذا لا يجرى فى الشرط المشكوك المتحقق فى الحال فان العقد حينئذ يكون مراعى لا موقوفا مع ان ما ذكره لا يجرى فى غيره من العقود التى قد يتأخر مقتضاها عنه

______________________________

بعض السبب متأخرا- كالشرط- يكون المسبب الّذي هو الملك متأخرا عنهما و من جملة تخلف الملك عن العقد الفضولى على القول بالنقل و الوصية بالنسبة الى ملك الموصى له، و الوقف الخاص بالنسبة الى البطون و غيرها (مع ان ما ذكره) من لزوم التخلف فى ما اذا كان البيع معلقا و التخلف غير ممكن فالتعليق غير صحيح (لا يجرى فى مثل قوله) اى قول البائع (بعتك ان شئت) بصيغة الخطاب (او ان قبلت) او ان رضيت او ما اشبه (فقال) المشترى (قبلت فانه لا يلزم هنا تخلف اثر العقد عنه) اى عن العقد، فلا بطلان، مع انه تعليق فالكلية التى ادعاها المستدل من ان كل شرط تعليق و التعليق مستلزم للتخلف الباطل، غير تام اذ ليس كل تعليق مستلزما للتخلف (مع ان هذا) الاستدلال الّذي ذكره لبطلان الشرط من انه مستلزم للتخلف (لا يجزى فى الشرط المشكوك التحقق فى الحال) فيما كان فى الواقع موجودا كما لو قال بعتك ان كان زيد فى الدار (فان العقد حينئذ) اى حين شرط الشرط المشكوك (يكون مراعى) بوجوده فى الخارج و عدمه- مراعى ظاهريا- (لا موقوفا) و متوقفا على شرط استقبالى (مع ان ما ذكره) من ان التخلف غير جائز فلا يصح التعليق (لا يجرى فى غيره) اى غير البيع (من العقود التى قد يتأخر مقتضاها عنها) فهذا الاستدلال لو تم فانما يتم فى البيع لا فى مثل

ص: 318

كما لا يخفى و ليس الكلام فى خصوص البيع و ليس هذا الشرط فى كل عقد دليل على حدة ثم الاضعف من الوجه المتقدم التمسك فى ذلك بتوقيفية الاسباب الشرعية الموجبة لوجوب الاقتصار فيها على المتيقن و ليس الا العقد العارى عن التعليق اذ فيه ان اطلاق الادلة مثل «حلية البيع» و «تسلط الناس على اموالهم» و «حل التجارة عن تراض»

______________________________

الوقف و الوصية و نحوهما (كما لا يخفى) فاذا صح تأخير المسبب عن السبب فى تلك العقود فى الجملة فلم لم يجز التأخير فيها بسبب الشرط (و ليس الكلام) فى انه هل يجوز الشرط أم لا (فى خصوص البيع) فمن يريد منع الشرط فى العقد يلزم عليه ان يأتى بدليل جار فى البيع و غير البيع لا بدليل جار فى البيع دون ما سواه (و) الحال انه (ليس على هذا الشرط) اى شرط التنجيز فى العقود، و بطلان التعليق (فى كل عقد دليل على حده) حتى يقال بانه نشترط فى البيع التنجيز بهذا الدليل- اى عدم امكان تخلف المسبب عن السبب و نشترط فى سائر العقود التنجيز بدليل آخر.

ثم لا يخفى ان قوله «و ليس الكلام» و «ليس على هذا الشرط» من تتمة قوله «مع ان ما ذكره لا يجرى» (ثم الاضعف) فى كونه دليلا على اشتراط التنجيز فى البيع (من الوجه المتقدم) الّذي بينه بقوله «و يتلو هذا الوجه فى الضعف ما قيل» (التمسك فى ذلك) اى فى اشتراط التنجيز فى العقود (بتوقيفية الاسباب الشرعية الموجبة) تلك التوقيفية (لوجوب الاقتصار فيها) اى فى الاسباب الشرعية (على المتيقن) كونه سببا (و ليس) ذلك المتيقن (الا العقد العارى عن التعليق) فاللازم الاقتصار عليه (اذ فيه ان اطلاق الادلة مثل «حلية البيع» و «تسلط الناس على اموالهم» و «حل التجارة عن تراض»

ص: 319

و «وجوب الوفاء بالعقود» و ادلة سائر العقود كاف فى التوقيف و بالجملة فاثبات هذا الشرط فى العقود مع عموم ادلتها و وقوع كثير منها فى العرف على وجه التعليق بغير الاجماع محققا او منقولا مشكل.

ثم ان القادح هو تعليق الانشاء و اما اذا إنشاء من غير تعليق صح العقد و إن كان المنشئ مترددا فى ترتب الاثر

______________________________

و «وجوب الوفاء بالعقود» و ادلة سائر العقود) كالدليل الدال على صحة الرهن و المزارعة و المساقاة و المضاربة و ما اشبه (كاف فى التوقيف) اى فى ان الشارع اجاز ما يسمى بهذه العقود سواء كان المسمى بدون التعليق او مع التعليق.

و الحاصل انا نسلم توقيفية العقود لكن نقول ان الاطلاقات شاملة للعقد المعلق أيضا فلا وجه لقولكم بان القدر المتيقن العقد بدون التعليق اذ القدر المتيقن انما يلزم فى صورة الاجمال فى الدليل لا فى صورة الاطلاق (و بالجملة فاثبات هذا الشرط) اى شرط التنجيز (فى العقود مع عموم ادلتها) اى ادلة العقود، العموم الشامل للمعلق أيضا كشموله للمنجّز (و وقوع كثير منها) اى من العقود (فى العرف على وجه التعليق) مما يسبب كون الاطلاقات الشرعية- المنزلة على الامور العرفية، لانهم المخاطبون بتلك الاطلاقات- شاملة للعقود ذوات التعليق (بغير الاجماع محققا او منقولا مشكل) فالمستند منحصر فى الاجماع، و الاجماع مناقش فيه كبرى و صغرى لكونه- بعد وجوده- محتمل الاستناد كما فى قرر الاصول من عدم حجية الاجماع المحتمل الاستناد.

(ثم ان القادح) بالعقد- على القول بقدح التعليق- (هو تعليق الانشاء) كان يقول «بعتك ان جاء زيد» (و اما اذا إنشاء من غير تعليق صح العقد و إن كان المنشئ) بصيغة اسم الفاعل (مترددا فى ترتب الاثر

ص: 320

عليه شرعا او عرفا كمن ينشئ البيع و هو لا يعلم ان المال له او ان المبيع مما يتمول او ان المشترى راض حين الايجاب أم لا؟ او غير ذلك مما يتوقف صحة العقد عليه عرفا او شرعا بل الظاهر انه لا يقدح اعتقاد عدم ترتب الاثر عليه اذا تحقق القصد الى التمليك العرفى.

و قد صرح بما ذكرنا بعض المحققين حيث قال لا يخل زعم فساد المعاملة ما لم يكن سببا لارتفاع القصد.

نعم ربما يشكل الامر فى فقد الشروط المقومة كعدم الزوجية

______________________________

عليه شرعا او عرفا) بان لم يعلم هل ان الشارع يصحح هذا البيع أم لا؟ او لم يعلم هل ان العرف يرون نفوذ هذا البيع أم لا؟ (كمن ينشئ البيع) على مال خاص (و هو لا يعلم ان المال له او ان المبيع ما يتمول) او ليس مما يتمول عرفا كبيع الهرة مثلا (او ان المشترى راض حين الايجاب أم لا) ليس براض بناء على اشتراط رضايتهما من اوّل الايجاب الى اخر القبول (او غير ذلك) من الشرط (مما يتوقف صحة العقد عليه عرفا او شرعا) اذ الشروط العرفية أيضا مما امضاها الشارع غالبا (بل الظاهر انه لا يقدح اعتقاد عدم ترتب الاثر عليه) اى على العقد (اذا تحقق القصد الى التمليك العرفى) اذ مقومات البيع حينئذ موجودة و الاعتقاد لا يضر فان المعاملات ليست من الامور الاعتقادية.

(و قد صرح بما ذكرنا) من عدم قدح الاعتقاد بعدم ترتب الاثر (بعض المحققين حيث قال لا يخل زعم فساد المعاملة ما لم يكن) الزعم المذكور (سببا لارتفاع القصد) فالضار حينئذ عدم القصد لا زعم الفساد.

(نعم ربما يشكل الامر فى فقد الشروط المقومة ك) اعتقاد (عدم الزوجية

ص: 321

او الشك فيها فى إنشاء الطلاق فانه لا يتحقق القصد إليه منجّزا من دون العلم بالزوجية.

و كذا الرقية فى العتق و حينئذ فاذا مست الحاجة الى شي ء من ذلك للاحتياط و قلنا بعدم جواز تعليق الانشاء على ما هو شرط فيه فلا بد من ابرازه بصورة التنجيز و ان كان فى الواقع معلقا او يوكل غيره الجاهل بالحال بايقاعه

______________________________

او الشك فيها) هل انها زوجة أم لا؟ (فى إنشاء الطلاق) و انما نقول بفقد الشرط المقدم (فانه لا يتحقق القصد إليه منجّزا من دون العلم بالزوجية) فمع الشك يفقد القصد المقدم فكيف بما اذا قطع بانها ليست زوجة.

(و كذا الرقية فى العتق) فانه اذا لم يعلم انه عبده سواء شك فى ذلك او قطع بانه ليس عبده لا يتمكن من القصد الى إنشاء الحرية (و حينئذ) اى حين اذ لا يمكن الانشاء فى الطلاق و العتق مع الشك (فاذا مست الحاجة الى شي ء من ذلك) الطلاق او العتق او نحوهما (للاحتياط) كما لو تزوج امرأة ثم شك فى انها رضيعة معه أم لا فأراد طلاقها حتى يتخلص من الشبهة و تتمكن المرأة من الزواج بلا شبهة و كذلك لو نذر عتق عبد ثم شك فى انه عبده أم لا و اراد الاحتياط بالعتق (و قلنا بعدم جواز تعليق الانشاء) تعليقا (على ما هو شرط فيه) اى على الزوجية العبدية- فى المثالين- فانهما شرطان فى العتق و الطلاق (فلا بد من ابرازه) اى الطلاق و العتق (بصورة التنجيز) بان يقول فلان طالق و فلان حرّ (و ان كان فى الواقع معلقا) فان الطلاق و العتق معلقان فى الواقع على الزوجية و العبدية له (او يوكل غيره الجاهل بالحال) اى الجاهل بكون الطلاق و العتق للاحتياط، و انما يشرط الجهل حتى يتمكن من قصد الانشاء (بايقاعه) اى لايقاع الطلاق و العتق

ص: 322

و لا يقدح فيه تعليق الوكالة واقعا على كون الموكل مالكا للفعل لان فساد الوكالة بالتعليق لا يوجب ارتفاع الاذن الا ان ظاهر الشهيد فى القواعد الجزم بالبطلان فيما لو زوج امرأة يشك فى انها محرمة عليه فظهر حلها و علل ذلك بعدم الجزم حال العقد قال و كذا الايقاعات كما لو خالع امرأة او طلقها و هو شاك فى زوجتيها او ولى نائب الامام قاضيا لا يعلم اهليته و ان ظهر اهلا ثم قال و يخرج من هذا بيع مال مورثه لظنه حياته فبان

______________________________

(و لا يقدح فيه تعليق الوكالة واقعا على كون الموكل مالكا للفعل) اى لفعل الطلاق و العتق، اذ لو لم يكن الموكل يملك مورد الوكالة كانت الوكالة باطلة كما لو و كله زيد لبيع دار ليست له، و انما قلنا لا يقدح (لان فساد الوكالة بالتعليق) الواقعى- و ان لم يأت بالشرط فى اللفظ- (لا يوجب ارتفاع الاذن) و من المعلوم ان الاذن كاف فى صحة الطلاق و العتق اذا كانت زوجة الموكل و كان عبدا له (الا ان ظاهر الشهيد فى القواعد الجزم بالبطلان) فى صورة التعليق (فيما لو زوج امرأة يشك فى انها محرمة عليه) لرضاع او نسب او مصاهرة، أم لا؟ (فظهرت)، تلك المرأة بعد الزواج (حلها و علل ذلك) البطلان للزواج (بعدم الجزم حال العقد) ثم (قال) الشهيد (و كذا الايقاعات) باطلة اذا لم يكن هناك جزم- و هذا الكلام من الشهيد مناف لما ذكرناه من صحة الطلاق و العتق و ان لم يكن جازما- قال (كما لو خالع امرأة او طلقها و هو شاك فى زوجيتها) له (او ولى نائب الامام قاضيا لا يعلم اهليته) اذ تولية القاضى من الايقاعات فمع الشك فى اهليته لا يصح توليته (و ان ظهر) بعد ذلك كونه (اهلا) للقضاء (ثم قال) الشهيد (و يخرج من هذا) الّذي ذكرناه من عدم صحة العقد و الايقاع مع الشك (بيع مال مورثه لظنه حياته) و ان البيع فضولى بالنسبة الى البائع (فبان) انه حين

ص: 323

ميتا لان الجزم هنا حاصل لكن خصوصية البائع غير معلومة و ان قيل بالبطلان امكن لعدم القصد الى نقل ملكه و كذا لو زوج امة ابيه فظهر ميتا انتهى.

و الظاهر الفرق بين مثال الطلاق و طرفيه بامكان الجزم فيهما دون مثال الطلاق فافهم و قال فى موضع اخر و لو طلق بحضور خنثيين

______________________________

البيع كان (ميتا) و انما نقول بصحة البيع مع ان البائع لا يجزم بكون المال لنفسه (لان الجزم) بالبيع (هنا حاصل لكن خصوصية البائع) و انه المورث او الوارث (غير معلومة و ان قيل) هنا (بالبطلان) للبيع (امكن) اذ له وجه (لعدم القصد) من الوارث (الى نقل ملكه) و انما قصد نقل ملك مورثه (و كذا لو زوج امة ابيه فظهر) الأب (ميتا) و ان الامة كانت لنفسه فان له وجهين الصحة و البطلان لما عرفت (انتهى) كلام الشهيد «ره».

(و الظاهر الفرق بين مثال الطلاق و طرفيه) المراد بالطلاق الاعم من الخلع- لانه أيضا طلاق- و الطرفان هما مسألة الزواج و مسألة تولية القاضى (بامكان الجزم فيهما دون مثال الطلاق) اذ الطلاق اخذ فى مفهومه ازاله علقة الزوجية- فاللازم الجزم بالزوجية حتى يتحقق مفهوم الطلاق- بخلاف الزواج فانه لم يؤخذ فى مفهوم «عدم المحرمية» و كذلك لم يؤخذ فى مفهوم التولية للقاضى «العدالة» فمن الممكن جزم الشاك فى المحرمية و العدالة عند اجراء الزواج و التولية، و لكن الطلاق لا يمكن الجزم به فى حال شكه فى انها زوجة أم لا (فافهم) اذ لا فرق فى عدم امكان الجزم مع الشك، فى كون شي ء داخلا فى المفهوم او شرطا، فان الشاك فى المحرمية لا يتمكن من ان يجزم بالزواج كما ان الشاك فى الزوجية لا يتمكن من ان يجزم بالطلاق فحشر الشهيد الامثلة الثلاثة فى باب واحد لا بأس به (و قال فى موضع اخر و لو طلق بحضور خنثيين) فانه يشك فى صحة الطلاق

ص: 324

فظهرا رجلين امكن الصحة و كذا بحضور من يظنه فاسقا فظهر عدلا و يشكلان فى العالم بالحكم لعدم قصدهما الى طلاق صحيح انتهى

و من جملة شروط العقد التطابق بين الايجاب و القبول
اشارة

فلو اختلفا فى المضمون بان اوجب البائع البيع على وجه خاص من حيث خصوص المشترى او المثمن او الثمن او توابع العقد من الشروط فقبل المشترى على وجه اخر لم ينعقد و وجه هذا الاشتراط واضح و هو مأخوذ من اعتبار القبول و هو الرضا بالايجاب

______________________________

حينئذ اذ شرط الطلاق حضور رجلين عدلين و الخنثى لا يعرف انه رجل او انثى (فظهرا) بعد الطلاق كونها (رجلين امكن الصحة) لانه جازم بالطلاق و انما الشك فى الشرط، و قد كان الشرط موجودا واقعا (و كذا) اذا طلق (بحضور من يظنه فاسقا فظهر عدلا) ثم قال (و يشكلان) اى صحة الطلاق فى موردى الشك فى الذكورة و فى العدالة (فى العالم بالحكم) بان علم بانه لا يصح الطلاق بحضور غير الرجل و غير العادل (لعدم قصدهما الى طلاق صحيح) فلا يتمش منهما الانشاء (انتهى) كلام الشهيد «و من جملة شروط العقد» المعتبرة فيه (التطابق بين الايجاب و القبول فلو اختلفا فى المضمون بان اوجب البائع البيع على وجه خاص من حيث خصوص المشترى) كما لو باع مقيدا بكون المشترى زيدا فبان عمروا (او الثمن) كان باع الفرس، لا الحمار (او الثمن) كان باع بالف دينار، لا عشرة آلاف درهم (او توابع العقد من الشروط) كان باع بشرط سكنى زيد فيها- مثلا- لا سكنى عمرو (فقبل المشترى على وجه اخر) كما لو اشتراه بقيد عمرو او الحمار او الدرهم او سكنى عمرو (لم ينعقد) البيع (و وجه هذا الاشتراط واضح و هو مأخوذ من اعتبار القبول و هو الرضا بالايجاب) و هنا لا رضى للمشترى بالايجاب الصادر من البائع، و انما رضى بشي ء اخر، و ان شئت قلت: لم ينصب

ص: 325

و حينئذ لو قال بعته من موكلك بكذا فقال اشتريته لنفسى لم ينعقد و لو قال بعت هذا من موكلك فقال الموكل غير المخاطب: قبلت، صح.

و كذا لو قال بعتك فامر المخاطب وكيله بالقبول فقبل و لو قال بعتك العبد بكذا فقال اشتريت نصفه بتمام الثمن او نصفه لم ينعقد.

و كذا لو قال بعتك العبد بمائة درهم فقال اشتريته بعشرة دنانير و لو قال للاثنين بعتكما العبد بالف فقال احدهما اشتريت نصفه بنصف الثمن لم

______________________________

البيع و الشراء على شي ء واحد فلا معاملة و لا عقد (و حينئذ) اى حين اشتراط هذا الشرط (لو قال) البائع للمشترى (بعته من موكلك بكذا فقال) المشترى (اشتريته لنفسى لم ينعقد) البيع (و لو قال) البائع (بعت هذا) الشي ء كالفرس (من موكلك فقال الموكل) الّذي هو (غير المخاطب: قبلت، صح) لان اركان المعاملة تامة فان البيع كان من زيد الموكل فعدم جواب الوكيل لا يضرّ.

(و كذا لو قال بعتك) خطابا لزيد (فامر المخاطب وكيله بالقبول فقبل) صح أيضا اذ الاعتبار بوحدة البائع و المشترى و قد حصلت اما كون الجواب صادرا من الموكل او الوكيل فليس من مقومات المعاملة (و لو قال بعتك العبد بكذا) دينارا (فقال اشتريت نصفه بتمام الثمن او) اشتريت نصفه ب (نصفه) اى نصف الثمن (لم ينعقد) اذ البيع كان للكل و الاشتراء للنصف فلم يصب الايجاب و القبول على شي ء واحد و لكن يحتمل الصحة هنا اذ هو من قبيل ظهور بعض السلعة للغير و انما يتدارك بالخيار.

(و كذا لو قال بعتك العبد بمائة درهم فقال اشتريته بعشرة دنانير) لم يصح لان الثمن فى القبول غير الثمن فى الايجاب (و لو قال للاثنين) اى لنفرين (بعتكما العبد بالف فقال احدهما اشتريت نصفه بنصف الثمن لم

ص: 326

يقع و لو قال كل منهما ذلك لا يبعد الجواز و نحوه لو قال البائع بعتك العبد بمائة فقال المشترى اشتريت كل نصف منه بخمسين و فيه اشكال

و من جملة الشروط فى العقد ان يقع كل من ايجابه و قبوله فى حال

يجوز لكل واحد منهما الانشاء فلو كان المشترى فى حال ايجاب البائع غير قابل للقبول او خرج البائع حال القبول عن قابلية الايجاب لم ينعقد ثم ان عدم قابليتهما ان كان لعدم كونهما قابلين للتخاطب كالموت و الجنون و الاغماء بل النوم فوجه الاعتبار عدم تحقق معنى المعاقدة

______________________________

يقع) لان البائع انما اوقع البيع على المجموع و لم يكن الاشتراء كذلك و انما كان على نصفه و تحتمل هنا الصحة لما تقدم (و لو قال كل منهما) اى من الاثنين (ذلك) اللفظ، بان قالا اشترينا نصفه بنصف الثمن (لا يبعد الجواز) اى الصحة لان الايجاب و القبول انصبا على شي ء واحد (و نحوه لو قال البائع بعتك العبد بمائة فقال المشترى اشتريت كل نصف منه بخمسين) فانه لا يبعد الجواز (و فيه اشكال) اذ الايجاب كان منصبا على المجموع بما هو مجموع و القبول انصب على كل نصف نصف فلم يتواردا على شي ء واحد (و من جملة الشروط فى العقد) و هذا الشرط ليس فى الحقيقة راجعا الى العقد كما لا يخفى (ان يقع كل من ايجابه و قبوله فى حال يجوز لكل واحد منهما الانشاء فلو كان المشترى فى حال ايجاب البائع غير قابل للقبول) كأن كان مجنونا ثم افق فى حال القبول (او خرج البائع حال القبول عن قابلية الايجاب) بان اوجب فاغمى عليه و فى حال اغمائه قال المشترى: قبلت- مثلا- (لم ينعقد) العقد (ثم ان عدم قابليتهما) فى وقت الايجاب او القبول (إن كان لعدم كونهما قابلين للتخاطب كالموت و الجنون و الاغماء بل النوم) لان النائم أيضا غير قابل (فوجه الاعتبار) لهذا الشرط (عدم تحقق معنى المعاقدة

ص: 327

و المعاهدة حينئذ.

و اما صحة القبول من الموصى له بعد موت الموصى فهو شرط حقيقة لا ركن فان حقيقة الوصية الايصاء و لذا لو مات قبل القبول قام وارثه مقامه و لو رد جاز له القبول بعد ذلك و ان كان لعدم الاعتبار برضاهما فلخروجه أيضا عن مفهوم التعاهد و التعاقد لان المعتبر فيه

______________________________

و المعاهدة حينئذ) فانه لا يسمى عقدا ما لو كان احد الطرفين حين العقد مجنونا، اذ العقد انما يتحقق من اوّل الايجاب الى تمام القبول و من المعلوم ان المجنون- مثلا- فى نصف العقد موجب لعدم صدق معاقدة العاقل فلا يشمله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

(و اما) الاشكال فى ذلك بانه لو اشترط كون الايجاب و القبول فى حال توفر الشروط فيها فكيف تقولون ب (صحة القبول من الموصى له بعد موت الموصى) مع انه حال القبول ميت (ف) الجواب عنه انه (هو) اى القبول (شرط حقيقة لا ركن) بخلاف ما نحن فيه اى الايجاب و القبول، اذ هما ركنان (فان حقيقة الوصية الايصاء) و الايصاء يتحقق بالايجاب فقط (و لذا) الّذي ذكرنا من انه ايصاء لا معاقدة (لو مات) الموصى له (قبل القبول قام وارثه مقامه و) كذلك (لو رد) الموصى له الوصية (جاز له القبول بعد ذلك) و لو كان القبول ركنا لم يكن لقيام الوارث وجه و كذلك لم يكن وجه لصحة القبول بعد الرد فتبين انه فرق بين العقد و بين الوصية (و إن كان) عدم قابليتهما و هذا عطف على قوله «ثم ان عدم»- (لعدم الاعتبار برضاهما) كما لو كان الموجب حال الايجاب محجورا، او صار حال القبول محجورا (ف) لا يصح البيع أيضا (لخروجه أيضا عن مفهوم التعاهد و التعاقد لان المعتبر فيه) اى

ص: 328

- عرفا- رضى كل منهما لما ينشئه الآخر حين انشائه كمن يعرض له الحجر بفلس او سفه او رق- لو فرض- او مرض موت و الاصل فى جميع ذلك ان الموجب لو فسخ قبل القبول لغى الايجاب السابق.

و كذا لو كان المشترى فى زمان الايجاب غير راض او كان ممن لا يعتبر رضاه كالصغير

______________________________

فى التعاهد (- عرفا- رضى كل منهما لما ينشئه الآخر حين انشائه) و الرضا لا بدّ ان يكون موجبا للاثر و من المعلوم ان رضى المحجور- سواء فى حال إنشاء نفسه او فى حال إنشاء طرفه- لا قيمة له عرفا (كمن يعرض له الحجر بفلس او سفه او رق- لو فرض-) كما لو كان كافرا حربيا فاجرى الايجاب و قبل قبول الطرف استرق او ذميّا خرج بين الايجاب و القبول عن شرائط الذمة مثلا- (او مرض موت) بناء على عدم صحة منجزات المريض، فانه فى كل ذلك لا تصح المعاملة (و الاصل) اى الوجه (فى جميع ذلك) الّذي ذكرنا من انه لا يصح البيع حال كون ايجاب او القبول فى حال كون احد الطرفين خارجا عن القابلية (ان الموجب لو فسخ قبل القبول لغى الايجاب السابق) بخلاف ما لو قلنا بان الالغاء لا يوجب اللغوية- لانه فعل ما من طرفه، فلم يبق الا ان يأتى قابل بما من طرفه- فانه على هذا اذا اوجب و هو حي أو حر مثلا- ثم مات قبل القبول او استرق، كان اللازم القول بالصحة، لانه- على هذا- الايجاب اذا ثبت دام، لا يرفعه لا الالغاء و لا خروج الموجب عن اهلية الايجاب.

(و كذا) لا يصح البيع (لو كان المشترى فى زمان الايجاب غير راض) ثم رضى حال القبول فانه لا يصح اذ المعاقدة المتوقفة على الطرفين لا تصدق مع عدم رضائهما من اوّل العقد الى آخره (او كان ممن لا يعتبر رضاه كالصغير)

ص: 329

فصحة كل من الايجاب و القبول بكون معناه قائما فى نفس المتكلم من اوّل العقد الى ان يتحقق تمام السبب و به يتم معنى المعاقدة فاذا لم يكن هذا المعنى قائما فى نفس احدهما او قام و لم يكن قيامه معتبرا لم يتحقق معنى المعاقدة ثم انهم صرحوا بجواز لحوق الرضا لبيع المكره و مقتضاه عدم اعتباره من احدهما حين العقد بل يكفى حصوله بعده فضلا عن حصوله بعد الايجاب اللهم الا ان يلتزم بكون الحكم فى المكره على خلاف القاعدة لاجل الاجماع.

______________________________

و على هذا (فصحة كل من الايجاب و القبول) انما هى (بكون معناه قائما فى نفس المتكلم) الّذي يصح منه الايجاب و القبول (من اوّل العقد الى ان يتحقق تمام السبب و به) اى بهذا القيام من البدو الى الختم (يتم معنى المعاقدة) المصححة للمعاملة (فاذا لم يكن هذا المعنى قائما فى نفس احدهما او قام و لم يكن قيامه معتبرا لم يتحقق معنى المعاقدة) المصححة للمعاملة (ثم انهم صرحوا بجواز لحوق الرضا لبيع المكره و مقتضاه عدم اعتباره) اى الرضا (من احدهما حين العقد بل يكفى حصوله) اى الرضا (بعده) اى بعد العقد (فضلا عن حصوله بعد الايجاب) حال القبول، و هذا ينافى ما ذكرناه من الاشتراط (اللهم الا ان يلتزم بكون الحكم فى المكره على خلاف القاعدة لاجل الاجماع) و لا يخفى ان فى بعض الاستدلالات السابقة نظر فلا تبعد الصحة فى بعض الامور الصور السابقة و اللّه العالم.

ص: 330

فرع لو اختلف المتعاقدان اجتهادا او تقليدا فى شروط الصيغة

فهل يجوز ان يكتفى كل منهما بما يقتضيه مذهبه أم لا؟ وجوه. ثالثها: اشتراط عدم كون العقد المركب منهما مما لا قائل بكونه سببا فى النقل كما لو فرضنا انه لا قائل بجواز تقديم القبول على الايجاب و جواز العقد بالفارسى. اردئها: اخيرها. و الاولان مبنيان على ان الاحكام الظاهرية المجتهد

______________________________

(فرع) مبنى على شروط الصيغة (لو اختلف المتعاقد ان اجتهادا او تقليدا) او اجتهادا و تقليدا (فى شروط الصيغة) كالعربية مثلا بان قال احدهما بالاشتراط و قال الاخر بعدم الاشتراط (فهل يجوز ان يكتفى كل منهما بما يقتضيه مذهبه) فيأتى المشترط للعربية بالعربى و غير المشترط بالفارسى و يصح العقد حتى للمشترط (أم لا وجوه) الاكتفاء مطلقا و عدم الاكتفاء مطلقا (ثالثها اشتراط عدم كون العقد المركب منهما مما لا قائل بكونه سببا فى النقل) مثلا (كما لو فرضنا) هناك قائل بجواز الفارسية لا يقول بجواز تقديم القبول و قائل بجواز تقديم القبول لا يقول بالفارسية ف (انه لا قائل بجواز تقديم القبول على الايجاب و جواز العقد بالفارسى) فان اجريا عقدا منهما كان باطلا بنظر الكل فمثل هذا العقد باطل بنظر المفصل بخلاف ما اذا كان المحذور تقديم القبول فقط، او كونه فارسيا فقط (اردئها) اى الوجوه (اخيرها) فان هذا التفصيل مما لا وجه له اذ بعد كون العقد مركبا من الصحيح بنظر هذا فى جزء و بنظر الاخر فى جزئه الاخر لم يكن وجه للقول ببطلانه لانه لا يطابق بمجموعه نظر احد (و) القولان (الا و لان مبنيان على ان الاحكام الظاهرية المجتهد

ص: 331

فيها بمنزلة الواقعية الاضطرارية فالايجاب بالفارسية من المجتهد القائل بصحته عند من يراه باطلا بمنزلة اشارة الاخرس و ايجاب العاجز عن العربية و كصلاة المتيمم بالنسبة الى واجد الماء أم هى احكام عذرية لا يعذر فيها الا من اجتهد او قلد فيها. و المسألة محررة فى الاصول. هذا كله اذا كان بطلان العقد عند كل من المتخالفين مستندا الى فعل الاخر كالصراحة و العربية و الماضوية و الترتيب. و اما الموالاة و التنجيز و بقاء المتعاقدين على صفات صحة الانشاء الى آخر العقد فالظاهر ان اختلافهما يوجب فساد المجموع

______________________________

فيها) و المراد بالحكم الظاهرى ما وصل إليه نظر المجتهد، اذ قد تحقق فى الاصول انه ليس هنا حكم ظاهرى و حكم واقعى، و انما الحكم واقعى فقط منتهى الامر هناك التنجيز و الاعذار (بمنزلة الواقعية الاضطرارية) مما هو صحيح فى هذا الحال (فالايجاب بالفارسية من المجتهد القائل بصحته عند من يراه باطلا بمنزلة اشارة الاخرس و) بمنزلة (ايجاب العاجز عن العربية و كصلاة المتيمم بالنسبة الى واجد الماء) حيث ان اعمال هؤلاء صحيحة و ان لم تكن واقعية اولية فكذلك الامور الاجتهادية المخالفة للواقع هى صحيحة و ان لم تكن صحيحة بالواقعية الاولية (أم هى احكام عذرية لا يعذر فيها الا من اجتهدا و قلد فيها) فالطرف الاخر الّذي ليس اجتهاده او تقليده ذلك لا يصح العمل بالنسبة إليه (و المسألة محررة فى الاصول) و لذا نتركها لمحلّها (هذا كله اذا كان بطلان العقد عند كل من المتخالفين مستندا الى فعل الاخر كالصراحة و العربية و الماضوية و الترتيب) بان اجرى احدهما بالكناية او الفارسية او بصيغة المستقبل او مقدما القبول، و كان رأى الاخر بطلان ذلك (و اما الموالاة و التنجيز و بقاء المتعاقدين على صفات صحة الانشاء الى آخر العقد فالظاهر ان اختلافهما يوجب فساد المجموع) فاذا كان رأى احدهما عدم اشتراط الموالاة

ص: 332

لان الاخلال بالموالاة او التنجيز او البقاء على صفات صحة الانشاء يفسد عبارة من يراها شروطا. فان الموجب اذا علق مثلا او لم يبق على صفة صحة الانشاء الى زمان القبول باعتقاد مشروعية ذلك لم يجز من القائل ببطلان هذا تعقيب هذا الايجاب بالقبول. و كذا القابل اذا لم يقبل الا بعد فوات الموالاة- بزعم صحة ذلك- فانه يجب على الموجب اعادة ايجابه اذا اعتقد اعتبار الموالاة، فتأمل.

______________________________

مثلا، و رأى الاخر اشتراطها فاجريا عقلا بلا موالاة كانت باطلة و ان قلنا بالصحة فى صورة الاختلاف فى الشرائط المتقدمة (لان الاخلال بالموالاة او التنجيز او البقاء على صفات صحة الانشاء) كالبلوغ و العقل و ما اشبه (يفسد عبارة من يراها شروطا) فالعقد باطل مطلقا (فان الموجب اذا علق مثلا) كما لو قال بعتك ان جاء زيد (او لم يبق على صفة صحة الانشاء الى زمان القبول) كما لو نام مثلا قبل ان يقبل المشترى (باعتقاد مشروعية ذلك لم يجز من القائل ببطلان هذا) القسم من العقد (تعقيب هذا الايجاب بالقبول) و معنى لم يجز: عدم الصحة، لا عدم جوازه شرعا (و كذا القابل اذا لم يقبل الا بعد قوات الموالاة- بزعم صحة ذلك-) و ان العقد بدون الموالاة صحيح (فانه يجب على الموجب اعادة ايجابه اذا اعتقد اعتبار الموالاة) و الا كان العقد بنظره فاسدا (فتأمل) فانه أىّ فرق بين فوات هذه الشرائط و بين شرط تقديم الايجاب مثلا، اذ يمكن ان يقال: ان الموجب اذا اعتقد عدم تأثير الايجاب المتأخر لم يجز له ان يأتى بالايجاب المتأخر، و الحاصل ان الشرائط كلها من مساق واحد فاذا قلنا بالصحة مع الاختلاف لزم ان نقول بها فى الجميع و الا فالبطلان فى الجميع.

الى هنا ينتهى الجزء الاول من اجزاء كتاب البيع حسب تجزئتنا. و يبدأ الجزء

ص: 333

التالى بمسألة المقبوض بالعقد الفاسد.

و للّه الحمد أولا و اخيرا و صلى الله على خير رسله و اشرف بريته محمد و على آله الطيبين الطاهرين.

كربلاء المقدسة محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي

ص: 334

تفصيل محتوى الكتاب

الموضوع رقم الصفحة

كتاب البيع 3

البيع لغة 3

فى بيان حقيقة البيع 4

فى وقوع الحقوق مورد البيع 7

البيع حقيقة عرفية 10

فى تعريفات البيع 11

فى التعريف المختار للبيع 13

فى عكس التعريف و طرده 14

ملخص تعريف البيع 19

القرض ليس بيعا 21

فى معانى اخر للبيع 22

فى نقض هذه المعانى 24

هل البيع اسم للصحيح او للاعم؟ 29

عدم جواز التمسك بالإطلاق على الصحيحى 31

فى توجيه كلام الشهيدين فى المقام 33

ص: 335

الموضوع رقم الصفحة

(الكلام فى المعاطاة)

فى تعريف المعاطاة 34

فى الوجوه المحتملة فى المعاطاة 35

فى تحقيق مفاد المعاطاة 37

فى نقل كلمات العلماء فى المقام 41

فى ان المشهور قائلون بالإباحة دون الملك 54

فى ان القائل بالإباحة ينفى كون المعاطاة بيعا 59

فى عدم امكان توجيه كلماتهم فى المقام 61

فى ان الاقوال فى المعاطاة ستة 62

فى ان المشهور عدم ثبوت الملك 64

فى تأييد افادة المعاطاة للملك 67

فى ان منع صدق اسم البيع على المعاطاة مكابرة 68

فى الاستدلال على افادة المعاطاة الملك 70

فى كلام بعض الاساطين: من استلزام تأسيس قواعد جديدة 79

فى نقض هذا الكلام و الرد عليه 88

فى ان الايرادات المذكورة استبعادات محضة 97

فى التمسك باصالة اللزوم فى المقام 99

فى الاستدلال على افادة المعاطاة اللزوم 102

فى كفاية مطلق اللفظ الدال على الرضا 115

فى تفسير «انما يحلل الكلام و يحرم الكلام» 117

فى استظهار اعتبار اللفظ فى الايجاب 125

ص: 336

الموضوع رقم الصفحة

يشترط فى المعاطاة جميع شروط البيع ما عدا الصيغة 131

جريان احكام البيع جميعا فى المعاطاة 141

فيما تتحقق به المعاطاة خارجا 143

المعيار فى المعاطاة هو وصول العوضين إليهما 146

فى تمييز البائع عن المشترى فى المعاطاة 147

فى الوجوه المتصورة فى المعاطاة 151

فى توجيه التصرفات المتوقفة على الملك 157

فى احتمال ان تكون المعاطاة معاملة مستقلة 173

هل تجرى المعاطاة فى غير البيع؟ 175

فى ملزمات المعاطاة 184

فيما اذا وقعت المعاطاة بعقد فاسد 213

فى عدم كفاية الرضا الشأنى فى المعاملة 221

(مقدمة)

فى خصوص الفاظ البيع 225

فى اعتبار اللفظ فى البيع 225

فى كفاية الكتابة عن اللفظ 227

فى الخصوصيات المعتبرة فى اللفظ 228

فى عدم وقوع الكناية و اعتبار الصراحة 229

فى الاشكال فى استعمال الالفاظ المشتركة 240

فى الاختلاف فى تعيين الموجب عن القابل 256

ص: 337

الموضوع رقم الصفحة

فى اعتبار العربية فى الصيغة 257

فى اعتبار العلم بتفاصيل اللفظ 261

فى اعتبار كون اللفظ ماضيا 262

فى لزوم تقديم الايجاب على القبول 264

فى عدم صحة الاستيجاب و الايجاب 273

فى عدم صحة القبول بلفظ الامر 275

فى اعتبار الموالاة فى العقد 293

فى اعتبار التنجيز فى العقد 300

فى عدم صحة التعليق 303

فى اعتبار الجزم فى العقد 323

فى اعتبار التطابق بين الايجاب و القبول 325

فى اعتبار بقاء المتعاقدين على الشرائط 327

فيما اذا اختلف المتعاقدان نظرا او تقليدا 331

الفهرست 335

ص: 338

المجلد 6

هویة الکتاب

سرشناسه : حسيني شيرازي، محمد، 1380 - 1305، شارح

عنوان و نام پديدآور : ايصال الطالب الي المكاسب: شرح واف بغرض الكتاب، تيعرض لحل مشكلاته و ابداآ مقاصد في ايجاز و توضيح/ محمد الحسيني الشيرازي

مشخصات نشر : تهران : موسسه كتابسراي اعلمي ، 1385.

مشخصات ظاهري : ج 16

شابك : 964-94017-6-8(دوره): ؛ 964-7860-59-5(ج. 1): ؛ 964-7860-58-7(ج. 2): ؛ 964-7860-57-9(ج. 3): ؛ 964-7860-56-0(ج. 4): ؛ 964-7860-54-4(ج. 6): ؛ 964-7860-53-6(ج. 7): ؛ 964-7860-55-2(ج. 8): ؛ 964-7860-52-8(ج. 9): ؛ 964-7860-51-X(ج. 10): ؛ 964-7860-50-1(ج. 11): ؛ 964-7860-49-8(ج. 12): ؛ 964-7860-45-X(ج. 13): ؛ 964-7860-47-1(ج. 15):

يادداشت : عربي

يادداشت : فهرست نويسي براساس اطلاعات فيپا

يادداشت : كتاب حاضر شرحي بر "المكاسب مرتضي بن محمد امين انصاري" است

عنوان ديگر : المكاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1281 - 1214ق. المكاسب -- نقد و تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

شناسه افزوده : انصاري، مرتضي بن محمدامين ، 1281 - 1214ق. المكاسب. شرح

رده بندي كنگره : BP190/1/الف8م702133 1385

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : م 85-16816

ص: 1

اشارة

[تتمة كتاب البيع]

[تتمة مقدمة في خصوص ألفاظ البيع]

[مسألة أحكام المقبوض بالعقد الفاسد]
[الأول ضمان المقبوض بالعقد الفاسد]
مسئلة

لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه و كان مضمونا عليه.

اما عدم الملك فلانه مقتضى فرص الفساد و اما الضمان بمعنى كون تلفه عليه و هو احد الامور المتفرعة على القبض بالعقد الفاسد فهو المعروف.

و ادعى الشيخ فى باب الرهن و فى موضع من البيع الاجماع عليه صريحا و تبعه فى ذلك فقيه عصره فى شرح القواعد و فى السرائر أن البيع الفاسد يجرى عند المحصلين مجرى الغصب فى الضمان.

______________________________

(مسئلة: لو قبض ما ابتاعه) بيعا او شراء (بالعقد الفاسد) كما لو كان طرفه حال العقد محجورا عليه- مثلا- (لم يملكه و كان مضمونا عليه) بان وجب رده.

(اما عدم الملك) للأخذ (فلأنه مقتضى فرض الفساد) اذ: معنى الفساد هنا بقاء كل ملك على ملك مالكه الاول (و اما الضمان بمعنى كون تلفه عليه، و هو احد الامور المتفرعة على القبض بالعقد الفاسد) فان القبض بالعقد الفاسد يوجب الرد و الضمان، و حرمة التصرف، و غيرها (فهو المعروف) بين العلماء.

(و ادعى الشيخ فى باب الرهن، و فى موضع من البيع الاجماع عليه صريحا و تبعه فى ذلك) الدعوى للاجماع (فقيه عصره) كاشف الغطاء (فى شرح القواعد و) قال ابن ادريس (فى السرائر: أن البيع الفاسد يجرى- عند المحصلين- مجرى الغصب فى الضمان) فكما ان الغصب موجب للضمان، و ان لم يعلم الغاصب بأنه غصب- كذلك البيع الفاسد، و ان لم يعلما بالفساد، و قوله: عند المحصلين، ظاهر فى الاجماع.

ص: 2

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على محمد و آله الطيبين الطاهرين، و لعنة الله على اعدائهم اجمعين. الى يوم الدين

و بعد: هذا هو القسم الثانى من البيع، من كتابنا: (ايصال الطالب) فى شرح كتاب (المكاسب) للعالم العامل التقى الزاهد آية الله الحاج الشيخ المرتضى الانصارى قدس الله سره، و اجزل اجره.

كتبته تبصرة للمبتدئين، و اللّه المسئول ان يوفقنى للاتمام، و يجعله مبينا لمنهج الاسلام، و خالصا لوجهه الكريم، و هو المستعان.

كربلاء المقدسة

محمد بن المهدى الحسينى الشيرازى

ص: 3

و فى موضع آخر نسبه الى اصحابنا،

[الاستدلال على الضمان]

و يدل عليه النبوى المشهور:

على اليد ما اخذت حتى تؤدّى.

و الخدشة فى دلالته بأن كلمة- على- ظاهرة فى الحكم التكليفى، فلا يدل على الضمان، ضعيفة جدا، فان هذا الظهور انما هو اذا اسند الظرف الى فعل من افعال المكلفين، لا الى مال من الاموال، كما يقال: عليه دين فان لفظة- على- حينئذ لمجرد الاستقرار فى العهدة عينا

______________________________

(و فى موضع آخر) من السرائر (نسبه الى اصحابنا و يدل عليه النبوى المشهور) و ان لم يرد فى كتب الخاصة او لا، و رواية سمرة بن جندب الّذي لا يخفى ما فيه لقصة ضرره بالصحابى، و ضربه ناقة رسول اللّه (ص) حتى شجّها، و كونه من جملة المحرضين على قتل الحسين (ع) حيث انخرط فى سلك شرطة ابن زياد- كما قالوا- ثانيا.

لكن ضعفه سندا مجبور بالعمل به لدى فقهائنا قديما و حديثا مما يجعله من القطعيات (على اليد ما اخذت حتى تؤدّى) و فى بعض الروايات «حتى تؤدّيه» باضافة الضمير.

(و الخدشة فى دلالته بان كلمة على) فى قوله «على اليد» (ظاهرة فى الحكم التكليفى) فمعناه انه واجب عليه الأداء، لا انه ضامن (فلا يدل على الضمان، ضعيفة جدا، فان هذا الظهور انما هو اذا اسند الظرف الى فعل من افعال المكلفين) كما لو قال: عليه صلاة الظهر، او حج البيت او صلة الرحم او ما اشبه ذلك (لا الى مال من الاموال كما يقال عليه دين) او عليه الف دينار لزيد، او ما اشبه (فان لفظة- على- حينئذ لمجرد الاستقرار فى العهدة عينا

ص: 4

كان او دينا.

و من هنا كان المتّجه صحة الاستدلال به على ضمان الصغير، بل المجنون، اذا لم يكن يدهما ضعيفة لعدم التميز و الشعور.

و يدل على الحكم المذكور أيضا قوله عليه السلام فى الامة المبتاعة اذا وجدت مسروقة بعد ان اولدها المشترى، انه يأخذ الجارية صاحبها و يأخذ الرجل ولده بالقيمة

______________________________

كان) نحو عليه بيع هذه الدار (او دينا) نحو عليه الف دينار.

و لا يخفى ان العين بذاتها لا تكون فى الذمة و انما العمل، و لذا مثّلناه بقولنا: عليه بيع هذه الدار.

(و من هنا) الّذي ذكرنا ان ظاهر «على اليد» الضمان، لا الحكم التكليفى (كان المتّجه صحة الاستدلال به على ضمان الصغير، بل المجنون اذا لم يكن يدهما ضعيفة لعدم التميز و الشعور) فان الضمانات لا يشترط فيها العقل و البلوغ.

نعم اذا كانت يدهما ضعيفة، لم يضمنا لعدم الاستناد إليهما فلا يشملهما- على اليد- لانه لا يدلهما عرفا.

(و يدل على الحكم المذكور) اى الضمان (أيضا) بالإضافة الى: الاجماع و: على اليد (قوله عليه السلام فى الامة المبتاعة- اذا وجدت مسروقة بعد ان اولدها المشترى- انه يأخذ الجارية صاحبها و يأخذ الرجل ولده بالقيمة) و هى رواية جميل عن الصادق عليه السلام قال: الرجل يشترى الجارية من السوق فيولدها، ثم يجئ مستحق الجارية، فقال: يأخذ

ص: 5

فان ضمان الولد بالقيمة مع كونه نماء لم يستوفه المشترى، يستلزم ضمان الاصل بطريق اولى

فليس استيلادها من قبيل اتلاف النماء بل من قبيل احداث انمائها غير قابل للملك فهو كالتالف لا كالمتلف فافهم.

______________________________

الجارية المستحق، و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد، و يرجع على من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التى اخذت منه (فان ضمان) المشترى للمالك (الولد بالقيمة) حيث قال عليه السلام: انه يدفع الى البائع قيمة الولد (مع كونه) اى الولد (نماء لم يستوفه المشترى) اذ الولد انعقد حرا، و مثله ليس بملك، فهو كالنماء غير المستوفات (يستلزم ضمان الاصل) اى الجارية (بطريق اولى) عرفا فيدل الخبر على ضمان اليد.

(ف) ان قلت: الاستيلاد للجارية من قبيل اتلاف النماء فيدخل فى قاعدة: من اتلف مال الغير فهو له ضامن، فلا يدل الخبر على قاعدة:

على اليد ما اخذت.

قلنا: (ليس استيلادها) بجعل الولد فى بطنها (من قبيل اتلاف النماء) حتى يدخل فى قاعدة- من اتلف- (بل من قبيل احداث انمائها غير قابل للملك) لأنه حرّ، و الحرّ غير قابل للملك (فهو) اى النماء (كالتالف) بنفسه (لا كالمتلف) الّذي اتلفه المشترى، فهو كما لو وضع اليد على ضأن و ولده، ثم تلف الولد بتلف سماوى فانه مشمول لقاعدة- على اليد- لا لقاعدة- من اتلف- لان واضع اليد لم يتلف الولد (فافهم) فان الاستيلاد و ان لم يكن باستيفاء منفعة بالدقة العقلية، لكن بالنظر العرفى استيفاء

ص: 6

[قاعدة ما يضمن بصحيحه و عكسها]
[البحث في قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده]
اشارة

ثم ان هذه المسألة من جزئيات القاعدة المعروفة، كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

و هذه القاعدة اصلا و عكسا و ان لم اجدها بهذه العبارة فى كلام من تقدم على العلامة (ره) الّا أنها يظهر من

______________________________

اذ: الولد مربوط بوالده و نفعه للوالد فيشمله دليل- من اتلف- لا دليل- على اليد- فلا يكون الخبر شاهد القاعدة: على اليد.

هذا مضافا الى انه يمكن ان يقال: أن المدعى جريان قاعدة اليد فى كل مورد من الغصب، و تسليط المالك بالعقد الفاسد، و نحوه.

و الرواية انما دلت فى مورد الغصب، فسحب الحكم الى مورد تسليط المالك يحتاج الى القطع بالمناط، و هو غير موجود.

اللّهم الّا أن يقال يفهم من الحديث ان الملاك فى الضمان وضع اليد على مال الغير لا انه للغصب مدخلية.

(ثم ان هذه المسألة) اى مسئلة ضمان ما اخذه بالعقد الفاسد (من جزئيات القاعدة المعروفة، كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده و) قاعدة (ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده) فان المشترى الّذي يشترى المتاع انما يدخل فى المعاملة بعنوان ضمان قيمة المتاع، فاذا كانت المعاملة صحيحة كان ضامنا لقيمة المتاع، فاذا كان فاسدا لزم ضمانه للقيمة أيضا.

(و هذه القاعدة اصلا) اى ما يضمن (و عكسا) اى ما لا يضمن، و المراد العكس اللغوى، لا العكس المنطقى كما لا يخفى (و ان لم اجدها بهذه العبارة) المتقدمة (فى كلام من تقدم على العلامة- ره- الا انها يظهر من

ص: 7

كلمات الشيخ (ره) فى المبسوط فانه علّل الضمان فى غير واحد من العقود الفاسدة بانه دخل على ان يكون المال مضمونا عليه.

و حاصله: أن قبض المال مقدما على ضمانه بعوض واقعى، او جعلى موجب للضمان.

و هذا المعنى يشمل القبوض بالعقود الفاسدة التى تضمن بصحيحها و ذكر أيضا فى مسئلة عدم الضمان فى الرهن الفاسد أن صحيحه لا يوجب الضمان.

______________________________

كلمات الشيخ- ره- فى المبسوط فانه علّل الضمان فى غير واحد) اى فى كثير (من العقود الفاسدة بانه دخل على ان يكون المال مضمونا عليه) اى أن اخذ المال انما دخل فى هذه المعاملة بعنوان ان يكون المال المأخوذ فى قبال ضمانه.

(و حاصله) اى حاصل تعليل الشيخ (أن قبض المال مقدما على ضمانه)- مقدم- اسم فاعل من: اقدم، باب الافعال (بعوض واقعى) هى قيمته واقعا (او جعلى) هى القيمة المجعولة بينهما سواء كانت اكثر من القيمة الواقعية، او اقل (موجب للضمان) حين قبض المال.

(و هذا المعنى) اى الدخول مقدما على الضمان (يشمل القبوض بالعقود الفاسدة التى تضمن بصحيحها) اى فيها اذا كانت صحيحة كالاجارة، و البيع، و الهبة المعوّضة و نحوها.

(و ذكر) الشيخ (أيضا فى مسئلة عدم الضمان فى الرهن الفاسد أن صحيحه لا يوجب الضمان) فان الانسان اذا اخذ دار زيد رهنا فى مقابل

ص: 8

فكيف يضمن بفاسده.

و هذا يدل على العكس المذكور و لم اجد من تأمل فيها عدا الشهيد فى المسالك فيما لو فسد عقد السبق فهل يستحق السابق اجرة المثل؟ أم لا

و كيف كان فالمهمّ بيان معنى القاعدة اصلا و عكسا ثم بيان المدرك فيها

فنقول و من اللّه الاستعانة: أن المراد بالعقد اعم من الجائز و اللازم بل مما كان فيه شائبة الايقاع

______________________________

قرضه الف دينار، اذا تلفت الدار فى يده من غير تعد، او تفريط، لا يضمن الدار (فكيف يضمن بفاسده) فيما اذا ظهر الرهن فاسدا.

(و هذا) الكلام من الشيخ فى باب الرهن الفاسد (يدل على العكس المذكور) اى على قاعدة- ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده- (و لم اجد من تأمّل فيها) اى استشكل فى قاعدة- ما لا يضمن (عدا الشهيد فى المسالك فيما لو فسد عقد السبق فهل يستحق السابق) من المتسابقين بالخيل و نحوها (اجرة المثل؟ أم لا) مع ان مقتضى القاعدة الاستحقاق لانه من مصاديق: ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

(و كيف كان) سواء ذكر هذه القاعدة الفقهاء قبل العلامة أم لا؟ (فالمهمّ بيان معنى القاعدة اصلا، و عكسا) و تشخيص مواردها و خصوصياتها (ثم بيان المدرك فيها) لان القاعدة بهذا اللفظ لم يرد فى خبر، او نحوه.

(فنقول و من اللّه الاستعانة ان المراد بالعقد) اذ: مصداق- ما- فى ما يضمن، او ما لا يضمن- هو- العقد- (اعم من الجائز) كالهبة (و اللازم) كالبيع (بل) اعم (مما كان فيه شائبة الايقاع) بان كان عقدا مثل الايقاع فى

ص: 9

او كان اقرب إليه فيشمل الجعالة و الخلع.

و المراد بالضمان فى الجملتين هو كون درك المضمون عليه بمعنى كون خسارته و دركه فى ماله الاصلى فاذا تلف وقع نقصان فيه لوجوب تداركه منه

و اما مجرد كون تلفه فى ملكه بحيث يتلف مملوكا له كما يتوهم فليس هذا معنى للضمان اصلا، فلا يقال: ان الانسان ضامن لامواله

______________________________

كونه متقدما بطرف واحد، فلا يشترط فيه شروط العقد فان الجعالة مثلا لا يشترط فيها معرفة الجاعل للطرف، و لا معرفة الطرف لمقدار المال، و هكذا (او كان اقرب إليه) اى عقدا اقرب الى الايقاع كالخلع، فانه طلاق، و الطلاق ايقاع (فيشمل) كل- ما يضمن- و- ما لا يضمن- (الجعالة و الخلع) أيضا.

(و المراد بالضمان فى الجملتين) الاصل، و العكس (هو كون درك) اى خسارة (المضمون عليه)- عليه- خبر- كون- اى خسارة المتاع على الاختلاف (بمعنى كون خسارته و دركه فى ماله الاصلى فاذا تلف) المتاع عند المشترى- مثلا- (وقع نقصان فيه) اى فى مال المشترى (لوجوب تداركه) اى تدارك التلف (منه) اى من ماله الاصلى، فلم تقع الخسارة فى مال البائع، و انما وقعت فى مال المشترى.

(و اما مجرد كون تلفه) اى المتاع (فى ملكه) اى المشترى- مثلا- (بحيث يتلف مملوكا له) بان يكون معنى: الضمان، ان المتاع تلف فى ملك المشترى. (كما يتوهم) من لفظ: ما يضمن بصحيحه. (فليس هذا معنى للضمان اصلا، فلا يقال ان الانسان ضامن لامواله) فالمراد بالضمان:

الخسارة، لا: ان المال يتلف مملوكا للمشترى، فالمراد ب: يضمن،

ص: 10

ثم تداركه من ماله تارة يكون باداء عوضه الجعلى الّذي تراضى هو و المالك على كونه عوضا و أمضاه الشارع كما فى المضمون بسبب العقد الصحيح و اخرى باداء عوضه الواقعى و هو المثل او القيمة و ان لم يتراضيا عليه و ثالثة باداء اقل الامرين من العوض الواقعى، و الجعلى كما ذكره بعضهم فى بعض المقامات مثل تلف الموهوب بشرط التعويض قبل دفع العوض

______________________________

فى الجملتين: يغرم، لا ان المراد: يتلف

و لا يخفى ان هذا الكلام لاجل تفسير العبارة فى- القاعدة- خلافا، لصاحب الرياض- كما نسب إليه التوهم المذكور فى معنى العبارة- (ثم تداركه) المستفاد من- يضمن- (من ماله تارة يكون باداء عوضه الجعلى) اى الّذي جعلاه، كما لو جعلا فى مقابل المتاع دينارا (الّذي تراضى هو) الّذي تلف عنده المتاع (و المالك) الاصلى- كالبائع، مثلا- (على كونه عوضا و أمضاه الشارع) بقوله:- احل اللّه البيع- (كما فى المضمون بسبب العقد الصحيح) حيث ان تلف المتاع، يكون مضمونا على المشترى، بعوضه المجعول، و هو الدينار- فى المثال- (و اخرى باداء عوضه الواقعى و هو المثل) فى المثلى (او القيمة) فى القيمى (و ان لم يتراضيا عليه) فيما اذا ظهر العقد فاسدا (و ثالثة باداء اقل الامرين من العوض الواقعى، و الجعلى) فأيّهما كان اقل كان آخذ المتاع ضامنا لذلك الاقل (كما ذكره) اى اقل الامرين (بعضهم فى بعض المقامات مثل تلف الموهوب بشرط التعويض) اى الهبة المعوضة (قبل دفع العوض) فان آخذ الهبة يضمن اقل الامرين من العوض الّذي جعلاه، و من قيمة الموهوب واقعا، و ذلك لان القيمة اذا كانت اقل،

ص: 11

فاذا ثبت هذا فالمراد بالضمان بقول مطلق هو لزوم تداركه بعوضه الواقعى لأن هذا هو التدارك حقيقة.

و لذا لو اشترط ضمان العارية لزم غرامة مثلها او قيمتها و لم يرد فى اخبار ضمان المضمونات من المغصوبات و عيرها عدا لفظ الضمان بقول مطلق

______________________________

كان الآخذ انما اتلف هذا المقدار من الواهب فيضمنه، و ان كان المجعول اقل كان الواهب اهدر احترام الزائد من ماله بتسليمه للآخذ بهذا المقدار فقط، و لذا كان الضمان لاقل الامرين.

(فاذا ثبت هذا) الّذي ذكرناه: من ان المراد بالضمان التدارك الصادق تارة على الجعلى، و اخرى على الواقعى، و ثالثة على اقل الامرين، (فالمراد بالضمان بقول مطلق) فى قولهم: يضمن، بدون تعيين اىّ قسم من الاقسام الثلاثة (هو لزوم تداركه) اى التالف (بعوضه الواقعى) لا الجعلى، و لا اقل الامرين، اذ هو المنصرف من لفظ: الضمان، (لأن هذا) الّذي ذكرناه من: العوض الواقعى، (هو التدارك حقيقة) و ما عداه من: الجعلى و: اقل الامرين، يحتاج الى القرينة.

(و لذا) الّذي ذكرناه من ان: التدارك حقيقة هو العوض الواقعى فقط، (لو اشترط ضمان العارية لزم غرامة مثلها او قيمتها) لانه التدارك حقيقة، دون سواه.

(و لم يرد فى اخبار ضمان المضمونات من المغصوبات، و غيرها) التى بيّن الشارع ضمانها (عدا لفظ: الضمان، بقول مطلق) بدون تقييد بشي ء، فلا بد و ان نقول: ان المراد بالضمان، هو المتبادر منه من قيمته الواقعية،

ص: 12

و اما تداركه بغيره فلا بد من ثبوته من طريق آخر، مثل تواطئهما عليه بعقد صحيح يمضيه الشارع.

فاحتمال ان يكون المراد بالضمان فى قولهم: يضمن بفاسده هو وجوب اداء العوض المسمّى نظير الضمان فى العقد الصحيح

ضعيف فى الغاية لا لان ضمانه بالمسمّى يخرجه من فرض الفساد.

______________________________

لا الجعلية، و لا اقل الامرين، لأن المطلق يحمل على الفرد المنصرف منه.

(و اما تداركه بغيره) اى غير عوضه الواقعى (فلا بد من ثبوته من طريق آخر مثل تواطئهما) اى تبانى المتعاقدين (عليه) اى على ذلك العوض الّذي هو مخالف للعوض الواقعى (بعقد صحيح يمضيه الشارع) و الّا فلو لم يمضه الشارع لم يكن التواطى موجبا بتغير القيمة الواقعية الى القيمة الجعلية

و على هذا الّذي ذكرناه من ان الاصل فى الضمان القيمة الواقعية (فاحتمال ان يكون المراد بالضمان، فى قولهم) فى القاعدة المتقدمة (يضمن بفاسده، هو وجوب اداء العوض المسمى) فى العقد الفاسد (نظير الضمان فى العقد الصحيح) الّذي يراد به المسمّى

فهذا الاحتمال (ضعيف فى الغاية).

و (لا) نقول بأنه ضعيف (لأن ضمانه بالمسمّى يخرجه من فرض الفساد)

حتى يقال: لا تلازم بين الضمان بالمسمّى، و بين عدم الفساد فانه من الممكن، الفساد، و ضمان المسمّى.

ص: 13

اذ يكفى فى تحقق فرض الفساد بقاء كل من العوضين على ملك مالكه، و ان كان عند تلف احدهما يتعين الآخر للعوضية،

نظير المعاطاة على القول بالإباحة.

بل لأجل ما عرفت من معنى الضمان، و ان التدارك بالمسمى فى الصحيح لامضاء الشارع ما تواطيا على عوضيته، لا لأنّ معنى الضمان فى الصحيح مغاير لمعناه فى الفاسد حتى يوجب ذلك تفكيكا فى العبارة

______________________________

(اذ يكفى فى تحقق فرض الفساد بقاء كل من العوضين على ملك مالكه، و ان كان عند تلف احدهما يتعين الآخر للعوضية) فالعقد فاسد، و انما المسمى يكون عند التلف.

(نظير المعاطاة على القول بالإباحة) حيث ان العوضين يبقيان على ملك مالكهما، فاذا تلف احدهما تعين الآخر للعوضية.

(بل) نقول: بانه ضعيف (لأجل ما عرفت من معنى الضمان) و انه منصرف الى القيمة الواقعية، لا الجعلية (و ان التدارك بالمسمى فى) العقد (الصحيح) انما خرج بالدليل (لامضاء الشارع ما تواطيا على عوضيته لا لأنّ معنى الضمان فى الصحيح مغاير لمعناه فى الفاسد حتى يوجب ذلك) التغاير (تفكيكا فى العبارة) اى فى قولهم: ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده حتى يقال: كيف يمكن ان يراد من: يضمن بصحيحه، ضمان القيمة الجعلية و من: يضمن بفاسده، ضمان القيمة الواقعية؟.

و الحاصل ان معنى: الضمان، التدارك، و ظاهره التدارك بالقيمة الواقعية، لكن الشارع امضى القيمة الجعلية، فى الصحيح فذلك خارج بدليل

ص: 14

فافهم.

ثم العموم فى العقود، ليس باعتبار خصوص الانواع، ليكون افراده مثل البيع، و الاجارة، و الصلح و نحوها، لجواز كون نوع لا يقتضي بنوعه الضمان، و انما المقتضى له بعض اصنافه.

فالفرد الفاسد من ذلك الصنف يضمن به دون الفرد الفاسد من غير ذلك الصنف.

______________________________

خاص (فافهم) فان التفكيك موجود على كل تغاير، منتهى الامر، ان التفكيك انما حصل من دال آخر، و هو حكم الشارع، لا ان التفكيك ليس بموجود، كما ادعيتم بقولكم: حتى يوجب ذلك تفكيكا فى العبارة،

(ثم) بعد تمام الكلام فى لفظة: يضمن، فى القاعدة المذكورة نتكلم حول لفظة: ما، من حيث ان مصداقه العقود، و هى عام،

فنقول: (العموم فى العقود ليس باعتبار خصوص الانواع، ليكون افراده) اى افراد العام (مثل: البيع، و الاجارة، و الصلح و نحوها) بدون تعرض للافراد من كل واحد من هذه الكليات، بل المراد بالعام كل صنف من البيع، و كل صنف من الاجارة، و هكذا.

و ذلك (لجواز كون نوع) من العقود (لا يقتضي بنوعه الضمان، و انما المقتضى له بعض اصنافه) فقط.

(فالفرد الفاسد من ذلك الصنف) المقتضى للضمان (يضمن به) فاسدا و صحيحا (دون الفرد الفاسد من غير ذلك الصنف) فانه لا يضمن بفاسده، كما لا يضمن بصحيحه.

ص: 15

مثلا الصلح بنفسه، لا يوجب الضمان، لانه قد لا يفيد الّا فائدة الهبة غير المعوضة، او الابراء.

فالموجب للضمان، هو المشتمل على المعاوضة.

فالفرد الفاسد من هذا القسم موجب للضمان أيضا.

و لا يلتفت الى ان نوع الصلح الصحيح- من حيث هو- لا يوجب ضمانا، فلا يضمن بفاسده.

______________________________

(مثلا الصلح بنفسه) بقول مطلق (لا يوجب الضمان، لانه) اى الصلح (قد لا يفيد الّا فائدة الهبة غير المعوضة) لما تحقق فى محله من ان الصلح يفيد فائدة غالب العقود حسب اختلاف متعلقاته (او) فائدة (الابراء) كما لو كان له على زيد دين، فقال لزيد: صالحتك عن دينى مجانا، فقال قبلت- مثلا-

(ف) الصلح (الموجب للضمان، هو المشتمل على المعاوضة) سواء كان صحيحا او فاسدا، كما لو اريد بالصلح فائدة البيع، او الاجارة او الهبة المعوضة- مثلا-

(فالفرد الفاسد من هذا القسم) من الصلح، اى القسم المعاوض (موجب للضمان أيضا) اذا صار الصلح صنفان: صنف يضمن بصحيحه و فاسده، و صنف لا يضمن لا بصحيحه و لا بفاسده.

(و) على هذا (لا يلتفت الى ان نوع الصلح الصحيح- من حيث هو- لا يوجب ضمانا، فلا يضمن بفاسده) بان يؤخذ الصحيح من صنف: غير المعاوض، و الفاسد من صنف: المعاوض بل اللازم ملاحظة كل صنف بنفسه.

ص: 16

و كذا الكلام فى الهبة المعوضة.

و كذا عارية الذهب و الفضة.

نعم ذكروا فى وجه عدم ضمان الصيد الّذي استعاره المحرم، ان صحيح العارية لا يوجب الضمان، فينبغى ان لا يضمن بفاسدها.

و لعل المراد عارية غير الذهب و الفضة و غير المشروط ضمانها.

ثم المتبادر من اقتضاء الصحيح للضمان

______________________________

(و كذا الكلام فى الهبة المعوضة) فان الهبة بقول مطلق، و ان لم توجب الضمان، لكن الفاسد من الهبة المعوضة توجب الضمان.

(و كذا عارية الذهب و الفضة) فان فاسدها و صحيحها توجب الضمان و ان كانت العارية بقول مطلق، لا توجب الضمان.

(نعم ذكروا فى وجه عدم ضمان الصيد الّذي استعاره المحرم) فاتلفه- مثلا- (ان صحيح العارية لا يوجب الضمان، فينبغى ان لا يضمن بفاسدها)

و هذا خلاف ما ذكرناه، من ان اللازم ملاحظة كل صنف صنف، لانهم لم يلاحظوا حينئذ الّا: العارية بقول مطلق.

(و) لكن يمكن الجواب عن ذلك بأنه (لعل المراد) من قولهم:

العارية لا توجب الضمان، الصنف أيضا ك (عارية غير الذهب و الفضة، و غير المشروط ضمانها) و حيث ان الصيد غيرهما، فهو داخل فى الصنف الّذي لا يضمن من اصناف العارية.

(ثم المتبادر من اقتضاء الصحيح للضمان) فان قولهم: ما يضمن،

ص: 17

اقتضائه له بنفسه فلو اقتضاه الشرط المتحقق فى ضمن العقد الصحيح ففى الضمان بالفاسد، من هذا الفرد المشروط فيه الضمان تمسكا بهذه القاعدة اشكال، كما لو استأجر اجارة فاسدة، و اشترط فيها ضمان العين، و قلنا بصحة هذا الشرط، فهل يضمن بهذا الفاسد؟ لان صحيحه يضمن به و لو لأجل الشرط، أم لا؟

و كذا الكلام فى الفرد الفاسد من العارية المضمونة

______________________________

اى ما يقتضي الضمان (اقتضائه) اى الصحيح (له) اى للضمان (بنفسه فلو اقتضاه) اى الضمان (الشرط المتحقق فى ضمن العقد الصحيح) حيث لا يقتضي الصحيح بدون الشرط الضمان (ففى الضمان بالفاسد من هذا الفرد المشروط فيه الضمان)- المشروط- صفة: الفرد- (تمسكا بهذه القاعدة) اى قاعدة ما يضمن بصحيحه (اشكال).

اما لو كان مدرك القاعدة: الاقدام، لزم الضمان فى الفاسدة اذا شرط لانه اقدم على الضمان (كما لو استأجر اجارة فاسدة و اشترط فيها ضمان العين، و قلنا بصحة هذا الشرط) ببيان ان عدم الضمان ليس مقتضى العقد حتى يكون هذا الشرط خلاف مقتضى العقد، و حينئذ فيشمله عموم المؤمنون عند شروطهم (فهل يضمن بهذا) الشرط (الفاسد) من الإجارة المشروط فيها هذا الشرط- (لان صحيحه يضمن به و لو) كان الضمان (لاجل الشرط- أم لا) يضمن، لان اصل الاجارة لا ضمان فيها، احتمالان

(و كذا الكلام فى الفرد الفاسد من العارية المضمونة) فهل يضمنها لان صحيحها مع الشرط مضمونة، أم لا يضمنها باعتبار اصل العارية احتمالان.

ص: 18

و يظهر من الرياض: اختيار الضمان بفاسدها مطلقا، تبعا لظاهر المسالك، و يمكن جعل الهبة المعوضة من هذا القبيل، بناء على انها هبة مشروطة، لا معاوضة.

و ربما يحتمل فى العبارة ان يكون معناه ان كل شخص من العقود يضمن به لو كان صحيحا، يضمن به مع الفساد

______________________________

(و يظهر من الرياض: اختيار الضمان بفاسدها) اى فاسد العارية (مطلقا) اى و لو كان الضمان لاجل الشرط (تبعا لظاهر المسالك) حيث قال: بالضمان أيضا (و يمكن جعل الهبة المعوضة، من هذا القبيل) فان الهبة بلا عوض، و ان لم توجب الضمان اذا ظهرت فاسدة، لكن المعوضة توجبه اذا ظهرت فاسدة، لأن هذا الفرد من صحيح الهبة مضمونة، فكذا فاسدها (بناء على انها هبة مشروطة، لا معاوضة) اذ لو كانت معاوضة كان الضمان باقتضاء نفس العقد، لا باقتضاء الشرط، و كلامنا الآن فيما كان باقتضاء الشرط.

(و ربما يحتمل فى العبارة) اى فى عبارة: كلما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، (أن يكون معناه أن كل شخص من العقود، يضمن به لو كان صحيحا، يضمن به مع الفساد) بان يكون المراد بالقاعدة: الفرد الواحد، لا: الفردان، و الفرق انه قد نقول: أن المراد بالقاعدة:

ما كان له فردان، فرد صحيح و فرد فاسد، يكون فرد فاسده فى الضمان و عدمه، تابعا لفرده الصحيح فاذا كان ضمان فى الفرد الصحيح، كان ضمان فى الفرد الفاسد، و اذا لم يكن ضمان فى الفرد الصحيح، لم يكن

ص: 19

و رتب عليه عدم الضمان فيما لو استأجر بشرط أن لا اجرة- كما اختاره الشهيدان-، او باع بلا ثمن كما هو احد وجهى العلامة، فى القواعد و يضعف بان الموضوع هو العقد الّذي وجد له بالفعل، صحيح و فاسد لا ما

______________________________

ضمان فى الفرد الفاسد- و هذا هو المعنى الاول للقاعدة، و قد سبق الكلام فيه- و قد نقول أن المراد بالقاعدة: الفرد الّذي ان كان صحيحا كان له ضمان يكون له ضمان ان كان فاسدا، و ذلك فيما اذا لم يكن للعقد الّا فرد واحد فاسد، فانه يقدر و يفرض انه ان كان هذا الفرد بنفسه صحيحا، ما ذا كان حاله من الضمان و عدمه؟ فليكن كذلك فى حال كونه فاسدا.

و هذا هو المعنى الثانى للقاعدة الّذي اشار إليه بقوله: ان يكون معناه اه.

(و رتب عليه) اى على هذا المعنى الثانى للقاعدة (عدم الضمان فيما لو استأجر بشرط أن لا اجرة- كما اختاره) اى عدم الضمان (الشهيدان) فى هذه المسألة، و ذلك لأنه- و ان كان مثل هذه الاجارة باطلا اذ شرط عدم الاجرة خلاف مقتضى العقد- الا انه لو فرض صحتها كانت بلا ضمان، فكذلك فى حالة فسادها.

(او باع بلا ثمن) فانه باطل، لكنه لا ضمان، اذ لو فرض هذا الفرد صحيحا لم يكن ضمان، فكذلك حالة فساده (كما هو) اى عدم الضمان، فى مسئلة البيع بلا ثمن (احد وجهى العلامة فى القواعد و) لكن هذا المعنى الثانى للقاعدة (يضعف بان الموضوع) لقاعدة: ما يضمن، (هو العقد الّذي وجد له بالفعل، صحيح و فاسد لا ما) اى العقد الّذي

ص: 20

يفرض تارة صحيحا، و اخرى فاسدا فالمتعين بمقتضى هذه القاعدة:

الضمان فى مسئلة البيع، لان البيع الصحيح يضمن به.

نعم ما ذكره بعضهم: من التعليل لهذه القاعدة، بانه اقدم على العين مضمونة عليه، لا يجرى فى هذا الفرع.

لكن الكلام فى معنى القاعدة لا فى مدركها

______________________________

(يفرض تارة صحيحا، و اخرى فاسدا) بان كان له فرد واحد فقط (فالمتعين بمقتضى هذه القاعدة) اى قاعدة: ما يضمن، (الضمان فى مسئلة البيع) بلا ثمن (لأن البيع الصحيح يضمن به) اى بالصحيح، فيضمن بالفاسد، و كذلك الضمان فى مسئلة الاجارة، لأن البيع و الاجارة لكل واحد منهما فردان، صحيح و فاسد، و يضمن بالصحيح منهما فاللازم الضمان بالفاسد منهما أيضا.

(نعم ما ذكره بعضهم من: التعليل لهذه القاعدة) اى قاعدة ما يضمن (بأنه) انما يضمن فيما اذا (اقدم على العين) فى حال كونها (مضمونة عليه) فان المشترى يقدم على العين مضمونة عليه بالثمن، و المستأجر يقدم على العين مضمونة عليه بالايجار (لا يجرى) هذا التعليل (فى هذا الفرع) و هو البيع بلا ثمن، و الاجارة بلا اجرة، لان المشترى، و المستأجر- حينئذ- لم يقد ما على العين مضمونة، بل اقدما عليه بلا ضمان.

(لكن الكلام) الآن (فى معنى القاعدة) و ها أن معناها ماله فردان فرد صحيح، و فرد فاسد، او فرد واحد يفرض تارة صحيحا، و تارة فاسدا (لا فى مدركها) حتى يقال انه لو كان مدركها كذا، لزم الضمان، و لو كان مدركها

ص: 21

ثم ان لفظة الباء فى: بصحيحه، و: بفاسده، اما بمعنى: فى بأن يراد كلما تحقق الضمان فى صحيحه، تحقق فى فاسده.

و اما لمطلق السببية الشامل للناقصة، لا العلة التامة

______________________________

كذا لم يلزم الضمان.

(ثم ان لفظة الباء فى: بصحيحه، و: بفاسده، اما بمعنى: فى) فالباء بمعنى السببية التامة (بان يراد: كلما تحقق الضمان فى صحيحه تحقق) الضمان (فى فاسده) اى أن العقد الّذي هو علة تامة للضمان، اذا كان صحيحا، هو علة تامة للضمان، اذا كان فاسدا.

(و اما لمطلق السببية الشامل للناقصة، لا) أن المراد: بالباء، (العلة التامة) اى أن العقد الّذي هو علة ناقصة للضمان، اذا كان صحيحا، هو علة ناقصة للضمان، اذا كان فاسدا.

و هذا الكلام انما ذكره المصنف (ره) دفعا لاشكال، ربما يرد على المعنى الاول- اى كون: الباء، بمعنى: فى، و علة تامة-.

و حاصل الاشكال انه لا يمكن أن يكون: الباء، بمعنى العلة التامة، اذ يفسد معنى: القاعدة، فان معناها حينئذ: كل عقد هو علة تامة للضمان اذا كان صحيحا، يكون علة تامة للضمان اذا كان فاسدا،

و هذا باطل اذ العقد الفاسد، لا يكون علة تامة للضمان و انما القبض فى العقد الفاسد يكون علة تامة للضمان.

الا ترى انك اذا اشتريت مال الطفل من غير وليه، لا تكون ضامنا بمجرد العقد، و انما تضمن اذا قبضت المال.

ص: 22

فان العقد الصحيح قد لا يوجب الضمان، الّا بعد القبض، كما فى السلم و الصرف بل مطلق البيع حيث أن المبيع قبل القبض مضمون على البائع بمعنى: ان دركه عليه

______________________________

و حاصل جواب المصنف- ره- عن هذا الاشكال: أن كون العقد الفاسد علة تامة للضمان، معناه: أن العقد هو المنشأ للقبض الموجب للضمان، او أن العقد سبب حكمنا بالضمان، فيما اذا قبض، فمعنى القاعدة:

كل عقد صحيح هو منشأ للضمان، او سبب لحكمنا بالضمان، يكون فاسده أيضا كذلك.

(ف) ان قلت: قولكم: الباء فى بصحيحه، معناها: العلة الناقصة للضمان يستلزم ان يكون الضمان متوقفا على شي ء آخر غير العقد، فما هو ذلك الشي ء الآخر؟.

قلت: ذلك الشي ء الآخر، هو القبض ف (ان العقد الصحيح قد لا يوجب الضمان، الا بعد القبض، كما فى: السلم) و هو مقابل النسيئة، بان يعطى الثمن مقدما و يؤخر المثمن، و النسيئة أن يعطى المثمن حالا، و يكون الثمن مؤجلا (و الصرف) و هو بيع النقدين، فان فيه يشترط القبض فى المجلس، و الا بطل البيع،

و عليه يكون الضمان متوقفا على القبض، فالعقد بدون القبض، لا ضمان فيه (بل) الضمان فى (مطلق البيع) متوقف على القبض (حيث أن المبيع قبل القبض، مضمون على البائع، بمعنى: ان دركه) اى درك المبيع و خسارته (عليه) اى على البائع، لما ثبت فى محله من ان التلف

ص: 23

و يتداركه برد الثمن فتأمل.

و كذا الاجارة، و النكاح، و الخلع، فان المال فى ذلك كله مضمون على من انتقل عنه الى أن يتسلمه من انتقل إليه

______________________________

قبل القبض من مال مالكه (و يتداركه) اى المبيع المتلف، البائع- اذا تلف قبل القبض- (برد الثمن) و هذا البيان ان المراد، بالدرك:

المسمى، لا القيمة.

فاذا باع داره بالف، ثم خربت الدار قبل القبض، ارجع البائع الألف، لا انه يعطى المشترى قيمة الدار الفا كانت او اقل او اكثر (فتأمل) لعله اشارة الى ان كون: الباء، فى بصحيحه، بمعنى: العلة التامة، لا ينافى توقف الضمان فى الصرف، و السلم على القبض، و ذلك لان صحة العقد فيهما متوقفة على القبض، فالعقد فيهما سبب تام للضمان، اذ لو لا القبض، لا عقد اصلا.

(و كذا) العقد، و الايقاع علة ناقصة- لا تامة- كما أن فى مطلق البيع- خصوصا الصرف و السلم- العقد علة ناقصة فى باب (الاجارة، و النكاح، و الخلع) و ذلك (فان المال فى ذلك كله) الاجرة، و المهر، و عوض الخلع (مضمون على من انتقل عنه) اى المستأجر، و الزوج، و الزوجة (الى ان يتسلمه من انتقل إليه) فاذا اخذ الاجرة الموجر، و اخذ المهر الزوجة، و اخذ عوض الخلع الزوج، انتهى ضمان المنتقل عنه

و الحاصل: ان العقد فى هذه الموارد الثلاثة، علة ناقصة للضمان لا علة تامة.

ص: 24

و اما العقد الفاسد، فلا يكون علة تامة ابدا بل يفتقر فى ثبوت الضمان الى القبض، فقبله لا ضمان، فجعل الفاسد سببا، اما لانه المنشأ للقبض، على وجه الضمان الّذي هو سبب للضمان.

و اما لانّه سبب الحكم بالضمان بشرط القبض

______________________________

و على هذا فقد ظهر: أن العقد الصحيح قد يكون علة تامة للضمان و قد يكون علة ناقصة، فيصح ان نقول: الباء، فى: بصحيحه، تارة بمعنى: فى، اى العلة التامة، و تارة بمعنى: مطلق السببية، الشامل للعلة الناقصة أيضا.

(و اما العقد الفاسد، فلا يكون علة تامة) للضمان (ابدا، بل يفتقر فى ثبوت الضمان الى القبض) حتى يضمن القابض ما اخذه بسبب العقد الفاسد (فقبله، لا ضمان) للعاقد، عقدا فاسدا

و على هذا فالباء فى: بفاسده، لا يمكن ان يكون بمعنى: العلة التامة، (فجعل الفاسد سببا) اى علة تامة، حتى ينسجم الباء فى:

بصحيحه، و: بفاسده، فيما اذا اخذ: بصحيحه، بمعنى العلة التامة

(اما لانه المنشأ للقبض على وجه الضمان)- على- متعلق ب: القبض اى القبض الموجب للضمان (الّذي) صفة: قبض (هو سبب للضمان) فالعقد الفاسد علة تامة للضمان، بمعنى كونه سببا للقبض الّذي هو علة تامة

(و اما لانه سبب الحكم بالضمان بشرط القبض) فالعقد الفاسد سبب لحكمنا بالضمان فيما اذا قبض.

ص: 25

و لذا علّل الضمان الشيخ و غيره، بدخوله على ان يكون العين، مضمونة عليه، و لا ريب ان دخوله على الضمان، انما هو بانشاء العقد الفاسد، فهو سبب لضمان ما يقبضه

و الغرض من ذلك كله دفع ما يتوهم: ان سبب الضمان فى الفاسد، هو القبض، لا العقد الفاسد فكيف يقاس الفاسد، على الصحيح فى سببية الضمان، و يقال: كلما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

______________________________

(و لذا) الّذي ذكرنا من: ان العقد الفاسد علة تامة، باعتبار كونه سببا للقبض الّذي هو علة الضمان (علّل الضمان) فى العقد الفاسد (الشيخ و غيره بدخوله) اى القابض بالعقد الفاسد (على ان يكون العين مضمونة عليه).

و وجه الاستدلال بكلام الشيخ على: كون العقد الفاسد علة تامة، ما ذكره بقوله (و لا ريب ان دخوله على الضمان) اى دخول الآخذ على أن يضمن ما يأخذه (انما هو بانشاء العقد الفاسد فهو) اى العقد الفاسد (سبب لضمان ما يقبضه) فيصح ان يطلق على: العقد الفاسد، كونه سببا تاما باعتبار انه سبب القبض، و القبض سبب تام للضمان.

(و الغرض من ذلك) الكلام من قولنا: ثم ان لفظة الباء، الى هنا (كله دفع ما يتوهم ان سبب الضمان فى) العقد (الفاسد هو القبض، لا العقد الفاسد ف) يستشكل بانه (كيف يقاس الفاسد على الصحيح فى سببية الضمان و يقال: كلما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده) مع ان الصحيح سبب تام، و الفاسد سبب ناقص، قوله: و يقال، اى: كيف يقال، عطف على:

يقاس.

ص: 26

و قد ظهر من ذلك أيضا فساد توهم ان ظاهر القاعدة عدم توقف الضمان فى الفاسد الى القبض، فلا بد من تخصيص القاعدة باجماع، و نحوه

[الكلام في مدرك القاعدة]

ثم ان المدرك لهذه الكلية على ما ذكره فى المسالك فى مسئلة الرهن المشروط بكون المرهون مبيعا بعد انقضاء الاجل، هو اقدام الاخذ على الضمان

______________________________

(و قد ظهر من ذلك) الّذي بينّاه من ان: العقد الفاسد سبب تام للضمان، (أيضا) اى كما ظهر صحة القياس فى: بصحيحه و بفاسده ظهر (فساد توهم ان ظاهر القاعدة) اى قاعدة: ما يضمن، (عدم توقف الضمان فى الفاسد على القبض)

وجه التوهم: ان معنى القاعدة: كما ان العقد الصحيح علة تامة للضمان، العقد الفاسد أيضا علة للضمان، و الحال ان الفاسد ليس علة تامة (ف) قال المتوهم: (لا بدّ من تخصيص القاعدة باجماع، و نحوه) بان يقال الفاسد- المخصوص بالمقبوض- علة تامة، بان نخصّص اطلاق: بفاسده ب: المقبوض، فالمعنى «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده المقبوض»

وجه: ظهور دفع هذا التوهم، انه لا حاجة الى هذا التخصيص اذ الفاسد علة تامة باعتبار كونه المنشأ للقبض الّذي هو علة.

اقول: الانصاف ان ما ذكره الشيخ هنا تكلف، و ان كان لا يبعد ظهور كلمات من ذكر «القاعدة» فى ذلك التكلف فتأمل.

(ثم ان المدرك لهذه الكلية): ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده (على ما ذكره فى المسالك، فى مسئلة الرهن المشروط بكون المرهون مبيعا بعد انقضاء الاجل) اى ان بيع الرهن بعد انقضاء اجل الرهن و مدته (هو اقدام الاخذ على الضمان) فان الاخذ

ص: 27

ثم اضاف الى ذلك: قوله (ص) على اليد ما اخذت حتى تؤدى، و الظاهر انه تبع فى استدلاله بالاقدام، الشيخ فى المبسوط حيث علل الضمان فى موارد كثيرة، من: البيع، و الاجارة الفاسدين بدخوله على ان يكون المال مضمونا عليه بالمسمّى، فاذا لم يسلم له المسمى رجع الى المثل، او القيمة و هذا الوجه لا يخلو عن تأمل لانهما انما اقدما، و تراضيا، و تواطئا بالعقد الفاسد على ضمان خاص لا الضمان بالمثل و القيمة، و

______________________________

للسلعة بالعقد الفاسد، انما اخذها لا مجانا بل فى مقابل المال الّذي يبذله عوضا.

(ثم اضاف) المسالك (الى ذلك) الدليل «الاقدام» (قوله عليه السلام على اليد ما اخذت حتى تؤدى) فان القابض وضع يده على السلعة فعليه ادائها بالمثل او القيمة- بعد ان ظهر فساد العوض المجعول لفساد العقد (و الظاهر انه) اى المسالك (تبع فى استدلاله بالاقدام، الشيخ فى المبسوط حيث علل الضمان فى موارد كثيرة من: البيع، و الاجارة الفاسدين) فالاخذ للمال انما يضمن (ب) سبب (دخوله) و اخذه للمال (على ان يكون المال) المبيع و الموجر (مضمونا عليه بالمسمى، فاذا لم يسلم له المسمى) لفساد العقد (رجع الى المثل) فى المثلى (او القيمة) فى القيمى (و هذا الوجه) و هو ما اذا لم يسلمه المسمى رجع الى المثل، او القيمة (لا يخلو عن تأمل، لانهما) اى المتعاقدان (انما اقدما، و تراضيا، و تواطئا بالعقد الفاسد على ضمان خاص) و هو ضمان المسمى (لا الضمان بالمثل و القيمة).

(و) لكن دليل: الاقدام، الّذي ذكره الشيخ، و المسالك لا يخلو من

ص: 28

المفروض عدم امضاء الشارع لذلك الضمان الخاص، و مطلق الضمان لا يبقى بعد انتفاء الخصوصية حتى يتقوم بخصوصية اخرى، فالضمان بالمثل او القيمة ان ثبت فحكم شرعى تابع لدليله و ليس مما اقدم عليه المتعاقدان.

هذا كله مع ان مورد هذا التعليل اعمّ من وجه من المطلب، اذ قد يكون الاقدام موجودا و لا ضمان كما قبل القبض،

______________________________

اشكال اذ: (المفروض عدم امضاء الشارع لذلك الضمان الخاص) الّذي قرره المتعاقدان (و مطلق الضمان) الشامل للمثل و القيمة (لا يبقى بعد انتفاء الخصوصية حتى يتقوم بخصوصية اخرى) فانتفاء خصوصية المسمى موجب لنفى اصل الضمان، لا لنفى خصوص المسمى ليتقوم الضمان حينئذ بالمثل، او القيمة، اذ الجنس يرتفع بارتفاع فصله المقوم له (فالضمان بالمثل او القيمة ان ثبت فحكم شرعى تابع لدليله) ان كان هناك دليل يدل على انه عند انتفاء المسمى يبقى المثل او القيمة (و ليس) الضمان الجديد (مما اقدم عليه المتعاقدان)

و الحاصل: ان ما اقدما عليه انتفى، و ما يريد اثباته ليس مما اقدما عليه فالاستدلال بالاقدام على اثبات المثل، او القيمة محل نظر.

(هذا كله) الاشكال الاول على دليل الشيخ، و المسالك (مع ان مورد هذا التعليل) اى تعليل الضمان بانه اقدم (اعمّ من وجه من المطلب) اذ بين الاقدام، و الضمان عموم من وجه، فلا يصح ان يكون الاقدام دليلا على الضمان فهو كالاستدلال بوجود الانسان فى الدار، بدليل انه يوجد فيه شي ء ابيض (اذ قد يكون الاقدام موجودا، و لا ضمان، كما قبل القبض) فان

ص: 29

و قد لا يكون اقدام فى العقد الفاسد مع تحقق الضمان، كما اذا شرط فى عقد البيع ضمان المبيع على البائع اذا تلف فى يد المشترى، و كما اذا قال بعتك بلا ثمن، او آجرتك بلا اجرة.

نعم قوى الشهيدان فى الاخير عدم الضمان، و استشكل العلامة فى مثال البيع فى باب السلم.

______________________________

المشترى اقدم على ضمان السلعة، و الحال انه ان تلفت لا ضمان عليه،

اللهم الّا ان يقال: انه لم يقدم مطلقا، بل بشرط القبض، مما لا قبض لا اقدام، او يقال: ان ذلك خارج بدليل شرعى يقول: التلف قبل القبض من مال مالكه (و قد لا يكون اقدام فى العقد الفاسد، مع تحقق الضمان، كما اذا شرط فى عقد البيع ضمان المبيع على البائع اذا تلف فى يد المشترى) فان المبيع حينئذ فاسد (و) اذا تلف المبيع كان ضمانه على المشترى مع انه لم يقدم على الضمان، بل اقدم على المجانية (كما اذا قال:

بعتك بلا ثمن، او آجرتك بلا اجرة) فان البيع، و الاجارة فاسدان، لانهما لا يتحققان بدون الثمن، و الاجرة اذ هما كالبيع بدون الثمن، او الاجارة بدون العين الموجرة، و مع ذلك يضمن الآخذ الاعمال، و الحال انه لم يقدم على الضمان.

(نعم) هذا الاشكال لا يرد على من يقول: بعدم الضمان فى الموردين المذكورين- اى البيع بلا ثمن، و الاجارة بدون الاجرة- فانه (قوى الشهيدان فى الاخير) اى الاجارة بلا اجرة (عدم الضمان، و استشكل العلامة فى مثال البيع) بلا ثمن (فى باب السلم) و هل انه يوجب الضمان

ص: 30

و بالجملة فدليل الاقدام مع انه مطلب يحتاج الى دليل لم نحصله، منقوض طردا و عكسا.

و اما خبر: اليد، فدلالته و ان كانت ظاهرة و سنده منجبرا، الّا ان مورده مختص بالاعيان، فلا يشمل المنافع، و الاعمال المضمونة فى الاجارة الفاسدة.

______________________________

أم لا؟ فقولنا: و قد لا يكون اقدام فى العقد الفاسد الخ، ليس بتام على رأيهما.

(و بالجملة فدليل الاقدام) لاثبات الضمان فى العقد الفاسد (مع انه مطلب يحتاج الى دليل لم نحصله، منقوض طردا) دفعا للاغيار بان هناك ليس باقدام و مع ذلك، الضمان موجود كالاجارة بلا اجرة (و عكسا) اى جمعا للافراد بان هناك اقدام و ليس بضمان كما فى البيع قبل القبض. و لا يخفى ان: الطرد، عبارة عن قضية: كلما لم يصدق الحدّ لم يصدق المحدود، و عكسه: كلما صدق الحدّ صدق المحدود،- و لهذا سمى بالعكس-

هذا تمام الكلام فى الاستدلال للقاعدة بدليل: الاقدام،

(و اما خبر اليد) و الاستدلال به على القاعدة (فدلالته و ان كانت ظاهرة) كما تقدم فى افادة: على، الوضع، لا التكليف المجرد (و سنده منجبرا) كما عرفت أيضا لعمل العلماء به قديما و حديثا (الّا ان مورده مختص بالاعيان فلا يشمل المنافع و الاعمال المضمونة فى الاجارة الفاسدة) سواء كانت اجارة عين، كما لو استأجر الدار، او اجارة شخص للعمل، كما لو استأجر لخياطة ثوبه، و انما لا يشمل الخبر المنافع و الاعمال لان ظاهر: ما اخذت، العين،

ص: 31

اللهم الا ان يستدل على الضمان فيها: بما دلّ على احترام مال المسلم و انه لا يحل الا عن طيب نفسه، و ان حرمة ماله كحرمة دمه، و انه لا يصلح ذهاب حق احد.

مضافا الى ادلة: نفى الضرر، فكل عمل وقع من عامل لاحد بحيث يقع بامره، و تحصيلا لغرضه، فلا بد من اداء

______________________________

فالمنفعة و العمل ليسا بمأخوذين.

(اللهم) الّا ان يقال: انهما أيضا مأخوذان، فانه يصدق عرفا ان زيدا اخذ منافع دار عمرو، او اخذ منافع العبد، اذ اخذ كل شي ء بحسبه او (الا ان يستدل على الضمان فيها) اى الاعمال و المنافع (بما دل على احترام مال المسلم، و انه لا يحل الا عن طيب نفسه، و ان حرمة ماله كحرمة دمه، و انه لا يصلح ذهاب حق احد) كقوله (ع): لا يقوى حق امرئ مسلم، و قوله (ع):

لا يصلح ذهاب حق احد، و قوله (ع): لا يصلح ذهاب حق امرئ مسلم، فان المنافع و الاعمال لا شك فى كونها مالا و حقا، و معنى احترامه: اعطائه بنفسه، او بدله الى مالكه و صاحبه.

(مضافا الى ادلة نفى الضرر) فانه لا يجوز ضرر صاحب المنفعة، و صاحب العمل باستيفاء عمله، و منفعته بدون اعطاء مثله له (فكل عمل وقع من عامل لاحد بحيث يقع) ذلك العمل (بامره) اى بامر ذلك الاحد (و تحصيلا لغرضه) اذ لو لم يكن تحصيلا لغرضه، كان عبثا بالنسبة إليه، فلا شي ء عليه، كما لو امر بصب ماء النهر فى مكان آخر من نفس النهر الجارى، فان العمل و ان وقع بامره، لكنه ليس تحصيلا لغرضه العقلائى فتأمل (فلا بد من اداء

ص: 32

عوضه لقاعدتى: الاحترام، و نفى الضرار.

ثم انه لا يبعد ان يكون مراد الشيخ، و من تبعه من الاستدلال على الضمان: بالاقدام و الدخول عليه، بيان ان العين و المنفعة اللذين تسلمهما الشخص، لم يتسلمهما مجانا و تبرعا حتى لا يقضى احترامهما بتداركهما بالعوض، كما فى العمل المتبرع به، و العين المدفوعة مجانا او امانة فليس دليل الاقدام دليلا مستقلا، بل هو بيان لعدم المانع عن مقتضى اليد

______________________________

عوضه لقاعدتى الاحترام و نفى الضرار)

و على هذا فيقام: قاعدة كلما يضمن، فى جميع مواردها، الاعيان، و الاعمال، و المنافع.

(ثم انه لا يبعد ان يكون مراد الشيخ و من تبعه من الاستدلال على الضمان بالاقدام و) ب (الدخول عليه) اى دخل على ان يكون ضامنا، فالضمير المجرور راجع الى: على الضمان (بيان ان العين و المنفعة اللذين تسلمهما الشخص لم يتسلمهما مجانا و متبرعا حتى لا يقضى احترامهما) الثابت لهما بالأدلّة (بتداركهما بالعوض) فان الاحترام قاض بالتدارك فيما اذا لم يكن المالك اذهب الاحترام بالاعطاء مجانا، فيكون اخذ الآخذ دخولا فيما احترام فيه، فلا ضمان (كما فى العمل المتبرع به، و العين المدفوعة، مجانا او امانة) فان المعطى و المعامل اذهبا احترام عملهما و مالهما، فلذا لا ضمان على من عمل له، او اعطى له اعمال (فليس دليل الاقدام) الّذي ذكره الشيخ- دليلا على عدم الضمان- (دليلا مستقلا، بل هو بيان لعدم المانع عن مقتضى) دليل (اليد) اذ: اليد، تقتضى الضمان، و تبرع العامل و اعطائه

ص: 33

فى الاموال، و احترام الاعمال.

نعم فى المسالك ذكر كلا من: الاقدام و اليد، دليلا مستقلا فيبقى عليه ما ذكر سابقا من النقض و الاعتراض.

و يبقى الكلام حينئذ فى بعض الاعمال المضمونة التى لا يرجع نفعها الى الضامن، و لم يقع بامره، كالسبق فى المسابقة الفاسدة، حيث حكم الشيخ، و المحقق و غيرهما بعدم استحقاق السابق اجرة المثل خلافا لآخرين

______________________________

المال مجانا، يمنع عن الضمان، فكان الشيخ اراد ان يقول: المقتضى للضمان- و هو: اليد- موجود، و: المانع من الضمان- و هو اعطاء المال مجانا و التبرع بالعمل- مفقود، فاللازم الضمان- فيما اذا كان الشي ء مضمونا بصحيحه- فمقتضى اليد (فى الاموال، و احترام الاعمال) اذا لم يمنع عنهما مانع اثّر اثرهما، و هذا تامّ فى كلام الشيخ الّذي لم يذكر: اليد، و: الاقدام، دليلين مستقلين.

(نعم فى المسالك ذكر كلا من: الاقدام و اليد، دليلا مستقلا، فيبقى عليه) اى على المسالك (ما ذكر سابقا من: النقض و الاعتراض) على دليل:

الاقدام، و انّ بينه و بين: ما يضمن، عموما من وجه.

(و) اذ تمّ كلام الشيخ فى استدلاله: بالاقدام، للضمان (يبقى الكلام حينئذ فى بعض الاعمال المضمونة التى لا يرجع نفعها الى الضامن و لم يقع بامره) فان على اليد لا يشمله، و كذا دليل: احترام عمل المسلم و ماله، و مع ذلك ربما قيل فى الضمان فيه (كالسبق فى المسابقة الفاسدة حيث حكم الشيخ و المحقق و غيرهما بعدم استحقاق السابق اجرة المثل خلافا لآخرين) الذين

ص: 34

و وجهه ان عمل العامل لم يعد نفعه الى الآخر، و لم يقع بامره أيضا.

فاحترام الاموال التى منها الاعمال لا يقضى بضمان الشخص له، و وجوب عوضه عليه، لانه ليس كالمستوفى له، و لذا كانت شرعيته على خلاف القاعدة حيث انه بذل مال فى مقابل عمل لا ينفع الباذل

______________________________

قالوا باستحقاقه الاجرة.

(و وجهه) اى وجه كلام الشيخ و غيره بعدم الاستحقاق (ان عمل العامل لم يعد نفعه الى الآخر، و لم يقع بامره أيضا) فان الباذل للمال لمن سبق- لا ينتفع بالسابق- و لم يأمر بالمسابقة، و انما قرر على نفسه اعطاء مال للسابق منهما.

(فاحترام الاموال التى منها الاعمال) و منها عمل السابق- فى المسابقة الفاسدة- (لا يقضى بضمان الشخص له) اى شخص الباذل، لذلك العمل الّذي اتى به السابق (و) لا يقضى ب (وجوب عوضه عليه، لانه) اى العمل (لبس كالمستوفى له) اى للباذل، فان الباذل لا ينتفع بالعمل المسابقى (و لذا) الّذي ذكرناه من انه ليس استيفاء للباذل (كانت شرعيته) اى المسابقة (على خلاف القاعدة) و لا يجوز الّا فى الخف و النصال و الحافى- بدليل خاص- (حيث انه بذل مال فى مقابل عمل لا ينفع الباذل) فيخرج المال من كيس من لا يدخل العوض فى كيسه.

هذا كله وجه كلام الشيخ بعدم الضمان فى المسابقة الفاسدة.

اما وجه كلام القائل: بالضمان، هو: ان العوض يدخل فى كيس الباذل حيث يحصل على المدح و التحسين بالبذل فى مثل هذا الامر المهمّ الّذي تتوقف الغلبة على العدو عليه، و هذا من اهم الاغراض العقلائية

ص: 35

و تمام الكلام فى بابه.

ثم انه لا فرق فيما ذكرنا من الضمان فى الفاسد بين جهل الدافع بالفساد، و بين علمه مع جهل القابض.

و توهم ان الدافع فى هذه الصورة هو الّذي سلطه عليه، و المفروض ان القابض جاهل،

مدفوع بإطلاق النص و الفتوى، و ليس الجاهل مغرورا لانه اقدم

______________________________

التى يبذلون المال لاجلها، بالإضافة الى انه يمكن المناقشة فى لزوم دخول العوض فى كيس الباذل فان العقلاء يعطون الاجرة لمن بنى بيت الفقير، او خاط ثوب المجاهد او ما اشبه ذلك (و) يأتى (تمام الكلام فى بابه، ثم انه لا فرق فيما ذكرنا من الضمان فى الفاسد) فيما يضمن بصحيحه (بين جهل الدافع بالفساد، و بين علمه مع جعل القابض) كما لو سلمه الدار الموجرة بالاجارة الفاسدة، و كان الدافع جاهلا بالفساد، او عالما به لكن القابض كان جاهلا بالفساد، فان الصور اربع، جهلهما، و علمهما، و علم الدافع لا القابض، و العكس.

(و توهم) عدم الضمان فى صورة علم الدافع بالفساد و جهل القابض اذ: (ان الدافع فى هذه الصورة هو الّذي سلطه عليه، و المفروض: أن القابض جاهل) فكان الدافع اذهب احترام ماله.

(مدفوع: بإطلاق النص و الفتوى) على الضمان فى صورة عدم قصد المجانية (و ليس الجاهل مغرورا) حتى يقال: المغرور يرجع الى من غرّه فيرجع الى الدافع، و لا يدفع له المال (لانه اقدم

ص: 36

على الضمان قاصدا، و تسليط الدافع العالم لا يجعلها امانة مالكية، لأنه دفعه على انه ملك المدفوع إليه، لا انه امانة عنده، او عارية.

و لذا لا يجوز له التصرف فيه و الانتفاع به

و سيأتى تتمة ذلك فى مسئلة بيع الغاصب مع علم المشترى

هذا كله فى اصل الكلية المذكورة.

______________________________

على الضمان قاصدا) و ليس من قبيل من قدم طعام الغير الى زيد فاكله بعنوان المجانية بل من قبيل من قدم طعام الغير الى زيد فاكله بعنوان اعطاء الثمن (و تسليط الدافع العالم) بالفساد (لا يجعلها) اى العين (امانة مالكية) حتى يقال ان الامانة لا ضمان فى تلفها بدون تعدّ أو تفريط، و انما: لا يجعلها (لانه) اى الدافع (دفعه على انه ملك المدفوع إليه، لا انه امانة عنده او عارية) حتى يقال: ما لا يضمن بصحيحه، لا يضمن بفاسده.

(و لذا) الّذي كان امانة او عارية (لا يجوز له التصرف فيه) اذ الامانة لا يجوز التصرف فيها (و الانتفاع به) اذ العارية لا يجوز الانتفاع بها انتفاعا مالكيا.

و قوله: و لذا، معناه: هذا بعنوان الملك، لا بعنوان الامانة و العارية حتى لا يجوز التصرّف، فجواز التصرف دليل انه ليس بامانة و عارية بل ملك و لا يخفى عدم بلاغة العبارة- و يمكن ان يكون: لا، زائدة، فتستقيم العبارة لان المعنى حينئذ: انه ملك و لذا جاز التصرف فيه و الانتفاع به و الله العالم

(و سيأتى تتمة ذلك فى مسئلة بيع الغاصب مع علم المشترى) إن شاء الله

(هذا كله فى اصل الكلية المذكورة) و هى: ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

ص: 37

و اما عكسها و هو: ان ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده

فمعناه أن كل عقد لا يفيد صحيحه ضمان مورده، ففاسده لا يفيد ضمانا كما فى عقد الرهن و الوكالة و المضاربة، و العارية غير المضمونة، بل المضمونة، بناء على انّ المراد بافادة الصحيح للضمان، افادته بنفسه لا بامر خارج عنه كالشرط الواقع فى متنه و غير ذلك من العقود اللازمة و الجائزة.

______________________________

(و اما عكسها، و هو: ان ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، فمعناه ان كل عقد لا يفيد صحيحه ضمان مورده) اى مورد الصحيح، كالامانة مثلا التى لا يفيد صحيحها ضمان مورد الامانة (ففاسده لا يفيد ضمانا) فاذا كانت الامانة فاسدة لم يضمن الامين اذا تلفت تحت يده بدون تعدّ او تفريط (كما فى عقد الرهن، و الوكالة، و المضاربة، و العارية غير المضمونة) اذ: لو يشترط فى العارية الضمان لم تكن مضمونة (بل) العارية (المضمونة) أيضا لا توجب الضمان لدى التلف، و لكن عدم الضمان هنا (بناء على ان المراد بافادة الصحيح للضمان افادته بنفسه لا بامر خارج عنه، كالشرط الواقع فى متنه) كما تقدم الالماع الى ذلك فان طبيعة العارية بنفسها لا تقتضى الضمان و لذا فاسدها أيضا لا تقتضى الضمان، اما شرط الضمان الموجب للضمان فى صحيحها فانه امر خارج عن الطبيعة.

نعم لو قلنا: ان العبرة بشخص الصحيح لا بطبيعته، فحيث ان العارية الصحيحة المشروطة بالضمان توجب الضمان، كان اللازم القول بايجاب فاسدها أيضا الضمان (و غير ذلك من العقود اللازمة و الجائزة) فان كل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، سواء كان ذلك العقد لازما او جائزا.

ص: 38

ثم ان مقتضى ذلك عدم ضمان العين المستأجرة فاسدا، لان صحيح الاجارة غير مفيد لضمانها كما صرح به فى القواعد و السرائر و حكى عن التذكرة و اطلاق الباقى، الّا ان صريح الرياض الحكم بالضمان، و حكى فيها عن بعض نسبته الى المفهوم من كلمات الاصحاب، و الظاهر ان المحكى عنه هو المحقق الاردبيلى فى مجمع الفائدة

______________________________

(ثم ان مقتضى ذلك) اى: ما لا يضمن، (عدم ضمان العين المستأجرة فاسدا) اى استيجارا فاسدا (لان صحيح الاجارة غير مفيد لضمانها) اى لضمان العين، فان الانسان اذا استأجر دارا بمائة- مثلا- فتلفت الدار بدون التعدّى و التفريط لا يكون ضامنا للدار التالفة، و انما التلف من كيس صاحب الدار، فكذلك اذا كانت الاجارة فاسدة لقاعدة: ما لا يضمن، (كما صرح به فى القواعد و السرائر، و حكى عن التذكرة و) عن (اطلاق الباقى) اى باقى الفقهاء، فان اطلاق كلماتهم يدل على عدم الضمان.

(الّا ان صريح الرياض الحكم بالضمان) للعين المستأجرة استيجارا فاسدا (و حكى فيها) اى فى الرياض (عن بعض نسبته) اى الضمان (الى المفهوم من كلمات الاصحاب، و الظاهر ان المحكى عنه) اى المراد بكلمات الاصحاب (هو المحقق الاردبيلى فى مجمع الفائدة) و لا يخفى انه لا يضر كون «الاردبيلى» واحدا فى النسبة الى كلمات الاصحاب، فلا يقال: ان كلام الرياض خلاف الواقع، اذ قد يقال: الجمع و يراد به: الجنس، كما لو قلت ان الاطباء وصفوا لى هذا العلاج، او المؤرخون يذكرون واقعة كذا، او اهل العربية كذا قالوا، فان المراد جنس المنسوب إليه الشامل للواحد أيضا.

ص: 39

و ما ابعد ما بينه و بين ما عن جامع المقاصد، حيث قال فى باب الغصب ان الّذي يلوح من كلامهم هو عدم ضمان العين المستأجرة فاسدا باستيفاء المنفعة، و الّذي ينساق إليه النظر، هو: الضمان، لان التصرف فيه حرام، لانه غصب فيضمنه.

ثم قال: الّا ان كون الاجارة الفاسدة لا يضمن بها كما لا يضمن بصحيحها مناف لذلك.

فيقال: انه دخل على عدم الضمان بهذا الاستيلاء و ان لم يكن مستحقا

______________________________

(و ما ابعد ما بينه) اى بين الرياض (و بين ما عن جامع المقاصد، حيث قال- فى باب الغصب-: ان الّذي يلوح) و يظهر (من كلامهم، هو: عدم ضمان العين المستأجرة فاسدا باستيفاء المنفعة) «باستيفاء» متعلق ب «عدم ضمان» اى ان استيفاء المنفعة لا يوجب ضمانه.

ثم قال المحقق: (و الّذي ينساق) و ينتهى (إليه النظر، هو:

الضمان) للعين المستأجرة فاسدا (لان التصرف فيه حرام، لانه غصب فيضمنه) لان الغاصب ضامن.

(ثم قال) المحقق: (الا) ان الضمان مناف لقاعدة: ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، ف (ان كون الإجارة الفاسدة، لا يضمن بها) اى بسبب هذه الاجارة (كما لا يضمن بصحيحها مناف لذلك) الّذي ذكرنا من ضمان العين

(فيقال) فى وجه عدم الضمان (انه) اى المستأجر (دخل) فى الاجارة (على عدم الضمان بهذا الاستيلاء) على العين (و ان لم يكن مستحقا)

ص: 40

و الاصل براءة الذمة من الضمان، فلا يكون العين بذلك مضمونة، و لو لا ذلك لكان المرتهن ضامنا مع فساد الرهن، لان استيلائه بغير حق و هو باطل انتهى.

و لعل الحكم بالضمان فى المسألة، اما لخروجها عن قاعدة: ما لا يضمن لان المراد بالمضمون مورد العقد، و مورد العقد فى الاجارة: المنفعة، فالعين يرجع فى حكمها الى القواعد، و حيث كانت فى صحيح الاجارة امانة

______________________________

للاستيلاء، لغرض كون الاجارة فاسدة.

(و الاصل براءة الذمة من الضمان) اذ الضمان خلاف الاصل، فاذا شك فيه كان الاصل البراءة (فلا يكون العين بذلك) الاستيلاء فاسدا (مضمونة و لو لا ذلك) اى عدم الضمان فى الاجارة الفاسدة (لكان) اللازم القول بكون (المرتهن ضامنا مع فساد الرهن، لأن استيلائه) على العين المرهونة (بغير حق) لفرض فساد الرهن (و هو) اى الضمان للعين المرهونة (باطل) قطعا، فاللازم ان الاجارة أيضا كذلك (انتهى) كلام جامع المقاصد.

(و لعل الحكم بالضمان فى المسألة) اى لعل حكم جامع المقاصد:

بالضمان فى مسئلة الاجارة الفاسدة: (اما لخروجها عن قاعدة: ما لا يضمن لان المراد بالمضمون) فى: ما يضمن، و: ما لا يضمن، (مورد العقد، و مورد العقد فى الاجارة المنفعة) لان الاجارة عقدت للمنافع، و لا ترتبط بالاعيان الا ارتباطا توصليا (فالعين) المستأجرة (يرجع فى حكمها) اى فى حكم انها مضمونة أم لا؟ (الى القواعد) غير قاعدة: ما لا يضمن، (و) القاعدة هى الضمان، فانه (حيث كانت) العين (فى صحيح الاجارة امانة

ص: 41

مأذونا فيها شرعا، و من طرف المالك لم يكن فيه ضمان.

و اما فى فاسدها فدفع الموجر للعين انما هو للبناء على استحقاق المستأجر لها، لحق الانتفاع فيه، و المفروض عدم الاستحقاق، فيده عليه يد عدوان موجبة للضمان.

و اما لان قاعدة ما لا يضمن معارضة هنا بقاعدة اليد، و الاقوى عدم الضمان، فالقاعدة المذكورة غير مخصّصة

______________________________

مأذونا فيها شرعا و) اما (من طرف المالك، لم يكن فيها ضمان) لمقتضى قاعدة الامانة.

(و اما فى فاسدها فدفع الموجر للعين انما هو للبناء على استحقاق المستأجر لها) لانه يظن: ان الاجارة صحيحة، فيستحق المستأجر للعين لان ينتفع بها (لحق الانتفاع فيه) اللام متعلق ب: الاستحقاق (و المفروض عدم الاستحقاق) لبطلان الاجارة (فيده) اى المستأجر (عليه) اى على الشي ء المستأجر- بالفتح- (يد عدوان) بلا امانة مالكية، و لا امانة شرعية (موجبة للضمان) فالضمان الّذي ذكر فى جامع المقاصد اما من هذه الجهة.

(و اما لان قاعدة ما لا يضمن معارضة هنا بقاعدة اليد) اى على اليد ما اخذت، و تقدم قاعدة اليد لانها قاعدة منصوصة، و قاعدة ما لا يضمن مصطيدة (و) لكن (الاقوى عدم الضمان) للعين، فى الاجارة الفاسدة اذ قاعدة ما لا يضمن، مقدمة على قاعدة اليد، كما ان العين امانة بيد الآخذ، و ليست يده عدوانية.

(فالقاعدة المذكورة) اى: ما لا يضمن، (غير مخصّصة)- بالفتح-

ص: 42

بالعين المستأجرة، و لا متخصصة.

ثم انه يشكل اطراد القاعدة فى موارد.

منها: الصيد الّذي استعاره المحرم من المحل، بناء على فساد العارية فانهم حكموا بضمان المحرم له بالقيمة، مع ان صحيح العارية لا يضمن به، و لذا ناقش الشهيد الثانى فى الضمان على تقديرى الصحة و الفساد

______________________________

(بالعين المستأجرة، و لا متخصصة) بان تكون قاعدة: ما لا يضمن، بحيث لا تشمل مورد العين المستأجرة، و التخصص اشارة الى قوله: اما لخروجها عن قاعدة الخ، و التخصيص اشارة الى قوله: و اما لأن قاعدة ما لا يضمن.

(ثم انه يشكل اطراد القاعدة) اى جريان قاعدة: ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، (فى موارد، منها: الصيد الّذي استعاره المحرم من المحل) فان الصيد حرام للمحرم (بناء على فساد العارية) اذ: الصيد، لا يكون فى حوزة المحرم اصلا ملكا، او عارية او ما اشبه (فانهم حكموا بضمان المحرم له) اى للصيد (بالقيمة) فيدفع القيمة الى المحل الّذي استعاره منه (مع ان صحيح العارية لا يضمن به) اى لا يضمن بصحيح العارية- فالباء اشارة الى القاعدة-

(و لذا ناقش الشهيد الثانى فى الضمان على تقديرى) القول ب (الصحة و) القول ب (الفساد) للعارية، اذ كيف يمكن: لا يضمن بصحيحه و يضمن بفاسده، فيما اذا قلنا بفساد العارية.

اما لو قلنا: بصحة العارية، يمكن، فعدم الضمان اوضح.

ص: 43

الّا ان يقال: ان وجه ضمانه- بعد البناء على انه يجب على المحرم ارساله و اداء قيمته- ان المستقر عليه قهرا بعد العارية هى القيمة، لا العين، فوجوب دفع القيمة ثابت قبل التلف بسبب وجوب الاتلاف الّذي هو سبب لضمان ملك الغير فى كل عقد، لا بسبب التلف.

و يشكل اطراد القاعدة أيضا فى البيع فاسدا بالنسبة الى المنافع التى لم يستوفها، فان هذه المنافع غير مضمونة فى العقد الصحيح

______________________________

(الّا ان يقال: ان وجه ضمانه) اى الصيد (- بعد البناء على انه يجب على المحرم ارساله) و اطلاقه (و اداء قيمته-) الى صاحب الصيد (ان المستقر عليه) اى على المحرم (قهرا بعد العارية هى القيمة، لا العين) لان الشارع امر بالقيمة.

(فوجوب دفع القيمة، ثابت قبل التلف) للعين (بسبب وجوب الاتلاف) اى الاطلاق للصيد الّذي هو كالاتلاف (الّذي هو سبب لضمان ملك الغير فى كل عقد، لا) ان الضمان (بسبب التلف) فعارية الصيد أيضا، لا يضمن بفاسدها، كما لا يضمن بصحيحها، و انما الضمان هنا لامر خارجى هو حكم الشارع بالضمان حتى قبل التلف.

(و يشكل اطراد) و شمول (القاعدة) و هى: ما لا يضمن، (أيضا) كالاشكال فى عارية المحرم للصيد (فى البيع فاسدا بالنسبة الى المنافع التى لم يستوفها، فان هذه المنافع غير مضمونة فى العقد الصحيح) فان الانسان اذا اشترى شاة و لم يشرب حليبها، لم يكن ضامنا لشي ء فى مقابل الحليب، فان الثمن الّذي اعطاه انما هو فى مقابل عين الشاة، لا فى

ص: 44

مع انها مضمونة فى العقد الفاسد.

الّا ان يقال: ان ضمان العين، يستتبع ضمان المنافع، فى العقد الصحيح و الفاسد.

و فيه نظر لان نفس المنفعة غير مضمونة بشي ء فى العقد الصحيح، لان الثمن انما هو بإزاء العين دون المنافع.

و يمكن نقض القاعدة أيضا، بحمل المبيع فاسدا

______________________________

مقابل الحليب (مع انها مضمونة فى العقد الفاسد) لانه تلف الحليب الّذي هو ملك للبائع على يده، فيشمله: على اليد ما اخذت.

(الا ان يقال: ان ضمان العين، يستتبع ضمان المنافع فى العقد الصحيح و الفاسد) فمعنى: ضمان العين بالثمن فى العقد الصحيح، ضمانها و ضمان منافعها، فالحليب مضمون فى العقد الصحيح تبعا للعين، و كذلك مضمون فى العقد الفاسد تبعا للعين.

(و فيه نظر) اذ لا نسلم تبعية المنافع للعين، فى الضمان (لان نفس المنفعة غير مضمونة بشي ء فى العقد الصحيح) اذ: الثمن انما يقع بإزاء نفس العين، لا بإزاء العين و المنافع معا (لان الثمن انما هو بإزاء العين دون المنافع) عرفا.

و يدل عليه ان الشاة لو لم تعط الحليب- مثلا- لم يكن للمشترى استرجاع بعض الثمن من البائع

(و يمكن نقض القاعدة) اى قاعدة: ما لا يضمن، (أيضا بحمل المبيع) اى ولد الحيوان المبيع الّذي فى بطنه فيما كان البيع (فاسدا) فانه

ص: 45

على ما صرح به فى المبسوط و الشرائع و التذكرة و التحرير: من كونه مضمونا على المشترى، خلافا للشهيدين، و المحقق الثانى، و بعض آخر، تبعا للعلامة فى القواعد، مع ان الحمل غير مضمون فى البيع الصحيح بناء على انه للبائع، و عن الدروس توجيه كلام العلامة بما اذا اشترط الدخول فى البيع، و حينئذ لا نقض على القاعدة

و يمكن النقض أيضا بالشركة الفاسدة، بناء على انه لا يجوز التصرف بها

______________________________

مضمون على المشترى، فيلزم عليه اعطاء عوض الحمل اذا تلف بناء (على ما صرح به فى المبسوط، و الشرائع، و التذكرة، و التحرير: من كونه مضمونا على المشترى خلافا للشهيدين و المحقق الثانى و بعض آخر) حيث قالوا بعدم الضمان للحمل (تبعا للعلامة فى القواعد) القائل بعدم الضمان (مع ان الحمل غير مضمون فى البيع الصحيح) اذ الثمن بإزاء الامّ، لا بإزاء الشاة و الحمل معا (بناء على انه للبائع) اما على البناء بانه ليس للبائع اصلا، فعدم ضمانه للثمن فى الصحيح اوضح.

(و عن الدروس توجيه كلام العلامة) فى التذكرة القائل: بالضمان للحمل فى العقد الفاسد (بما اذا اشترط الدخول) للحمل (فى البيع) بان قال المشترى: اشترى منك هذه الشاة بشرط حملها بمائة (و حينئذ) اى حين الاشتراط (لا نقض على القاعدة) اذ كان الحمل فى مقابل الثمن صحيحا، فكان يضمن بصحيحه، و عليه فيضمن بفاسده أيضا.

(و يمكن النقض) لقاعدة ما لا يضمن (أيضا بالشركة الفاسدة بناء على انه لا يجوز التصرف بها) اى بسبب الشركة الفاسدة، اذ الاذن للتصرف

ص: 46

فاخذ المال المشترك حينئذ عدوانا موجب للضمان.

[مبنى عدم الضمان في عكس القاعدة هو الأولوية و المناقشة فيها]

ثم ان مبنى هذه القضية السالبة- على ما تقدم من كلام الشيخ فى المبسوط- هى الاولوية.

و حاصلها: ان الرهن لا يضمن بصحيحه، فكيف بفاسده.

و توضيحه: ان الصحيح من العقد اذا لم يقتض الضمان- مع امضاء الشارع له- فالفاسد الّذي هو بمنزلة

______________________________

فى المال المشترك كان خاصا بصورة الشركة، و المفروض انتفاء الشركة.

(فاخذ المال المشترك حينئذ) اى حين بطلان الشركة (عدوانا) اى ليس امانة شرعية، و لا مالكية، فهو: (موجب للضمان) مع ان صحيح الشركة لا يوجب الضمان.

ثم ان قوله: بناء على انه لا يجوز، هو فى مقابل البناء على جواز التصرف فى المال، و ان بطلت الشركة، لان الاذن باق و ان بطلت الشركة و انما كان الضمان: بناء على انه لا يجوز التصرف، لان مع جواز التصرف الناشئ من الاذن يكون المال امانة مالكية، فلا ضمان.

(ثم ان مبنى هذه القضية السالبة) و هى: كلما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده (- على ما تقدم من كلام الشيخ فى المبسوط- هى الاولوية) فى عدم الضمان.

(و حاصلها: ان الرهن لا يضمن بصحيحه فكيف بفاسده) و هذه الاولوية ليست استحسانا، بل قد استفيدت من الادلة.

(و توضيحه: ان الصحيح من العقد) اىّ عقد كان (اذا لم يقتض.

الضمان- مع امضاء الشارع له-) قيد توضيحى (فالفاسد الّذي هو بمنزلة

ص: 47

العدم لا يؤثر فى الضمان، لان اثر الضمان، اما من: الاقدام على الضمان و المفروض عدمه، و الّا لضمن بصحيحه، و اما من حكم الشارع بالضمان- بواسطة هذه المعاملة الفاسدة- و المفروض انها لا تؤثر شيئا.

و وجه الاولوية ان الصحيح اذا كان مفيدا للضمان، امكن ان يقال ان الضمان من مقتضيات الصحيح فلا يجرى فى الفاسد، لكونه لغوا غير مؤثر، على ما سبق تقريبه: من انه اقدم على ضمان خاص، و الشارع لم يمضه فيرتفع اصل الضمان

______________________________

العدم، لا يؤثر فى الضمان) بطريق اولى (لان اثر الضمان) اى الاثر الّذي هو الضمان (اما من: الاقدام) اى اقدام الآخذ (على الضمان، و المفروض عدمه) اذ الآخذ اقدم على المجانية، لا على الضمان (و الّا لضمن بصحيحه) الّذي اقدم عليه (و اما من حكم الشارع بالضمان- بواسطة هذه المعاملة الفاسدة- و المفروض انها) اى المعاملة الفاسدة (لا تؤثر شيئا) لانها بمنزلة العدم، و اما لقاعدة: اليد، و سيأتى عدم افادتها:

الضمان، فى المقام.

(و وجه الاولوية) دون المساوات (ان الصحيح، اذا كان مفيدا للضمان، امكن ان يقال: ان الضمان من مقتضيات الصحيح، فلا يجرى) الضمان (فى الفاسد، لكونه) اى العقد الفاسد (لغوا غير مؤثر، على ما سبق تقريبه) اى تقريب عدم الضمان فى الفاسد (من انه: اقدم على ضمان خاص) بمقابل المال (و الشارع لم يمضه) لفرض فساد العقد (فيرتفع اصل الضمان) و عليه فوجه الاولوية، انه إن كان الصحيح موجبا للضمان

ص: 48

لكن يخدشها: انه يجوز ان يكون صحة الرهن، و الاجارة- المستلزمة لتسلط المرتهن و المستأجر على العين شرعا- مؤثرة فى رفع الضمان، بخلاف الفاسد الّذي لا يوجب تسلطا لهما على العين، فلا اولوية.

فان قلت: ان الفاسد و ان لم يكن له دخل فى الضمان، الا ان مقتضى

______________________________

امكن ان يقال: بعدم الضمان فى الفاسد، فكيف اذا كان الصحيح لا يوجب الضمان؟

(لكن يخدشها) اى الاولوية التى كانت مستندة لعدم الضمان فى الفاسد فيما اذا كان الصحيح غير موجب للضمان.

و وجه الخدشة عكس الاولوية، بان يقال: يمكن ان يكون الصحيح بدون الضمان، و يكون الفاسد مع الضمان ف (انه يجوز ان يكون صحة الرهن و الاجارة-) مثلا (المستلزمة) تلك الصحة (لتسلط المرتهن و المستأجر على العين) تسلطا (شرعا- مؤثرة فى رفع الضمان) ف: مؤثرة، خبر: صحة، (بخلاف الفاسد الّذي لا يوجب تسلطا لهما) اى للمرتهن، و المستأجر، (على العين، فلا اولوية) اذ الشارع، و المالك، لما سلطا على العين، رفعا الضمان، و فى الفاسد لا تسليط من الشارع، و لا المالك و لذا فلا رفع للضمان، بل يبقى الضمان على حاله.

(فان قلت:) كيف تقولون بان: ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده من باب انه لا عقد، فلا اثر فى الضمان، و الحال ان قاعدة: اليد، قاضية بالضمان ف (ان الفاسد و ان لم يكن له دخل فى الضمان، الّا ان مقتضى

ص: 49

عموم: على اليد هو الضمان، خرج منه المقبوض بصحاح العقود التى يكون مواردها غير مضمونة على القابض، و بقى الباقى.

قلت: ما خرج به المقبوض بصحاح تلك العقود، يخرج به المقبوض بفاسدها و هى: عموم ما دل على ان من لم يضمنه المالك، سواء ملكه اياه بغير عوض او سلطه على الانتفاع به او استأمنه عليه لحفظه، او دفعه إليه لاستيفاء حقه، او العمل فيه بلا اجرة، او معها، او غير ذلك، فهو غير ضامن

______________________________

عموم: على اليد، هو الضمان) لما وقع فى يد الشخص من اموال غيره و (خرج منه) اى من العموم (المقبوض بصحاح العقود) اى بالعقد الصحيح فى العقود التى لا يضمن بصحيحها- اى (التى يكون مواردها غير مضمونة على القابض) كالهبة غير المعوضة، و العارية، و ما اشبه (و يبقى الباقى) تحت عموم: اليد.

(قلت: ما) اى الدليل الّذي (خرج به) اى بسبب ذلك الدليل (المقبوض بصحاح تلك العقود، يخرج به) اى بنفس ذلك الدليل (المقبوض بفاسدها) اى فاسد العقود، فالدليل فى المقامين واحد (و هى عموم ما دل على ان من لم يضمنه المالك سواء ملكه) المالك (اياه) المال (بغير عوض) كالهبة (او سلطه على الانتفاع به) كالعارية (او استأمنه عليه لحفظه) كالوديعة (او دفعه إليه لاستيفاء حقه) كالاجارة (او العمل فيه بلا اجرة) كما لو تبرع بخياطة ثوبه، فدفعه إليه لخياطته مجانا (او معها) بان استأجره لخياطة ثوبه (او غير ذلك فهو غير ضامن) للعين اذا تلفت.

ص: 50

اما فى غير التمليك بلا عوض اعنى الهبة، فالدليل المخصص لقاعدة الضمان، عموم ما دلّ على: انّ من استأمنه المالك على ملكه غير ضامن بل ليس لك ان تتهمه.

اما فى الهبة الفاسدة، فيمكن الاستدلال على خروجها من عموم:

اليد، بفحوى ما دل على خروج مورد الاستيمان، فان استيمان المالك لغيره على ملكه اذا اقتضى عدم ضمانه له، اقتضى التسليط المطلق عليه مجانا عدم ضمانه بطريق اولى،

و التقييد بالمجانية لخروج التسليط المطلق بالعوض كما فى المعاوضات

______________________________

(اما) عدم الضمان (فى غير التمليك بلا عوض اعنى) بالتمليك بلا عوض (الهبة، فالدليل المخصص لقاعدة الضمان) اى قاعدة: على اليد ما اخذت (عموم ما دلّ على ان من استأمنه المالك على ملكه غير ضامن) نحو ليس على الامين الّا اليمين (بل ليس لك ان تتهمه) لان الامين مؤتمن و (اما فى الهبة الفاسدة) فانها ليست بأمانة (فيمكن الاستدلال على خروجها من عموم: اليد، بفحوى ما دل على خروج مورد الاستيمان) اى بالاولوية من الاستيمان الّذي لا يوجب فساده ضمان من فى يده الامانة (فان استيمان المالك لغيره على ملكه اذا اقتضى عدم ضمانه له) فيما فسدت الامانة و تلف المال، مع انه لم يهب المال للآخذ (اقتضى التسليط المطلق) بتجويز كل انواع التصرف (عليه) اى على المال (مجانا) و بلا عوض (عدم ضمانه بطريق اولى) اذ هذا اقل من الامانة التى يراد استردادها (و التقييد) فى كلامنا (بالمجانية) انما هو (لخروج التسليط المطلق بالعوض، كما فى المعاوضات)

ص: 51

فانه عين التضمين.

فحاصل ادلة: عدم ضمان المستأمن، ان من دفع المالك إليه ملكه على وجه لا يضمنه بعوض واقعى، اعنى المثل و القيمة، و لا جعلى فليس عليه ضمان.

«الثانى» من الأمور المتفرعة على عدم تملك المقبوض بالبيع الفاسد وجوب رده فورا الى المالك.

______________________________

فان البائع يسلط المشترى على ماله تسليطا مطلقا، و لكنه بمقابل العوض (فانه) اى هذا القسم من التسليط (عين التضمين) لانه فى مقابل العوض

(فحاصل ادلة عدم ضمان المستأمن) بالفتح- اى من اخذ المال امانة- (انّ من دفع المالك إليه ملكه على وجه لا يضمنه بعوض واقعى) اى القيمة الواقعية (اعنى المثل، و القيمة، و لا جعلى) فانهما لم يجعلا فى مقابل المال عوضا (فليس عليه ضمان)

هذا و لكن الاولى الاستدلال فى كل مورد للضمان او عدم الضمان بأدلتهما لا بدليل: ما يضمن، او: ما لا يضمن، لأنهما قاعدتان مصطيدتان و من المعلوم ان القاعدة المصطيدة لا تصلح دليلا.

(فى وجوب فورية الرد الى المالك)-

(الثانى: من الامور المتفرعة على عدم تملك المقبوض بالبيع الفاسد) فان الكلام كان فى ذلك و انما استطرد الكلام حول قاعدة: ما يضمن، و:

ما لا يضمن، لارتباط لها بالمسألة- كما عرفت- (وجوب رده فورا الى المالك) و المراد الفور العرفى، لا الدقى العقلى، لان الأدلة لا تدل على

ص: 52

و الظاهر انه مما لا خلاف فيه على تقدير عدم جواز التصرف فيه، كما يلوح من مجمع الفائدة، بل صرح فى التذكرة، كما عن جامع المقاصد: ان مئونة الرد على المشترى، لوجوب ما لا يتم الردّ الّا به.

و اطلاقه يشمل: ما لو كان فى ردّه مئونة كثيرة، الّا ان يقيد بغيرها بادلة نفى الضرر.

______________________________

اكثر من العرفى، فان الدليل اذا قال: إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا، استفاد العرف منه كون الرد فورا عرفيا، لادقيا عقليا.

(و الظاهر انه) وجوب الرد فورا (مما لا خلاف فيه على تقدير عدم جواز التصرف فيه) اذ لا مجال لحفظه، فان الابقاء أيضا نوع من التصرف المنهى عنه (كما يلوح من مجمع الفائدة) كما يظهر منه وجوب الرد فورا (بل صرح فى التذكرة، كما عن جامع المقاصد: انّ مئونة الرد على المشترى) و هذا امر زائد على اصل الرد لامكان كون الرد واجبا، و لكن المئونة لا تكون على المشترى بان لزم على المالك او غيره (لوجوب ما لا يتم الرد الّا به) و مقدمة الواجب واجبة.

(و اطلاقه) اى اطلاق كلام التذكرة (يشمل: ما لو كان فى ردّه مئونة كثيرة) كما لو كانت المئونة مائة دينار- مثلا- (الّا ان يقيد) الوجوب المستفاد من كونه مقدمة الواجب (بغيرها) اى بغير المئونة الكثيرة (بادلة نفى الضرر) فانه لا ضرر و لا ضرار، فلا وجه لتضرر اخذ المتاع بالعقد الفاسد بهذا القدر الكبير من الضرر.

و الفرق بينه و بين الضرر اليسير- و ان كان هو ضررا واقعا أيضا-

ص: 53

و يدل عليه ان الامساك آنا مّا، تصرف فى مال الغير بغير اذنه، فلا يجوز، لقوله عجل الله تعالى فرجه لا يجوز لاحد ان يتصرف فى مال غيره الّا باذنه.

و لو نوقش فى كون الامساك تصرفا، كفى عموم قوله (ص): لا يحل مال امرئ مسلم لاخيه الّا عن طيب نفسه، حيث يدل على تحريم جميع الافعال المتعلقة به التى منها: كونه فى يده.

______________________________

ان اليسير لا يسمى ضررا عرفا، فلا يشمله دليل: نفى الضرر، فيشمله دليل مقدمة الواجب بدون مزاحم.

(و يدل عليه) اى على وجوب الرد فورا مطلقا- اى سواء احتاج الى المال أم لا- (ان الامساك آنا مّا، تصرف فى مال الغير بغير اذنه، فلا يجوز) هذا التصرف.

اما كونه تصرفا فلوضوح ان التصرف اعم من الامساك.

و اما كونه لا يجوز ف (لقوله عجل الله تعالى فرجه: لا يجوز لاحد ان يتصرف فى مال غيره الّا باذنه) و حيث انتفى الاذن، لفساد المعاملة و الاذن كان مقيدا بالمعاملة، اذ لا اذن مطلق فى المقام- حرم التصرف

(و لو نوقش فى كون: الامساك تصرفا) بدعوى ان المنصرف من التصرف: التقليب و الحمل فى الشي ء (كفى) فى الحرمة (عموم قوله (ص):

لا يحل مال امرئ مسلم لاخيه الّا عن طيب نفسه) فان: لا يحل، شامل للامساك قطعا (حيث يدل على تحريم جميع الافعال المتعلقة به التى منها) اى من تلك الافعال (كونه فى يده) و لو بدون تقليب، و عمل فيه.

ص: 54

و اما توهم: ان هذا باذنه، حيث انه دفعه باختياره، فمندفع بانه انما ملكه اياه عوضا، فاذا انتفت صفة العوضية باعتبار عدم سلامة العوض له شرعا و المفروض ان كونه على وجه الملكية المجانية مما لم ينشأها المالك.

و كونه مالا للمالك و امانة فى يده أيضا، مما لم يؤذن فيه، و لو اذن له، فهو استيداع جديد، كما انه لو ملكه مجانا كانت هبة جديدة.

______________________________

(و اما توهم ان هذا) الامساك (باذنه) فهو داخل فى المستثنى لا المستثنى منه (حيث انه) اى صاحب المال (دفعه باختياره، فمندفع بانه انما) اذن اذنا معامليا، فاذا انتفت المعاملة، لفسادها، لم يكن اذن، فان البائع دفعه و (ملكه اياه عوضا، فاذا انتفت صفة العوضية باعتبار) متعلق بانتفت (عدم سلامة العوض له شرعا) لحكم الشارع بفساد المعاملة، انتفى الاذن، هذا هو جواب: فاذا انتفت، و كانه ساقط فى عبارة المصنف او عبارة الناسخ، و يمكن ان يكون: فاذا، بالتنوين و لكنه تكلف فلا يحتاج الى الجواب (و المفروض ان كونه على وجه الملكية المجانية مما لم ينشأها المالك) حتى يكون هناك اذن وراء الاذن المعاوضى.

(و كونه مالا للمالك و امانة فى يده) اى فى يد الآخذ حتى يكون امانة مالكية، و اذنا (أيضا، مما لم يؤذن فيه، و لو) فرض انه (اذن له،) امانة (فهو استيداع جديد،) لا ربط له بالاذن المعاوضى السابق

و كلامنا نحن فى جواز الامساك بالاذن المعاوضى السابق الّذي كان فاسدا (كما انه لو ملكه مجانا كانت هبة جديدة) و يكون خارجا عن محل الكلام.

ص: 55

هذا و لكن الّذي يظهر من المبسوط: عدم الاثم فى قبضه، معللا بانه: قبضه باذن مالكه.

و قد تقدم أيضا من التحرير: التصريح بعدم الاثم فى امساكه، و كذا السرائر ناسبا له الى الاصحاب، و هو ضعيف، و النسبة غير ثابتة، و لا يبعد إرادة صورة الجهل لانه لا يعاقب.

«الثالث»: انه لو كان للعين المبتاعة منفعة استوفاها المشترى

______________________________

و الحاصل ان قوله عليه السلام: الا باذنه، منتف اذ الاذن المعاوضى انتفى، و الاذن الهبى او الامانى لم يكن، فلا اذن.

(هذا و لكن الّذي يظهر من المبسوط: عدم الاثم فى قبضه معللا بانه قبضه باذن مالكه) و هذا مناف لما ذكرناه من انه لا اذن.

(و قد تقدم أيضا من التحرير التصريح بعدم الاثم فى امساكه و كذا السرائر ناسبا له الى الاصحاب و) كانهم قالوا بانحلال الاذن المعاوضى الى جنس الاذن، و فصل خاص هو المعاوضة، فاذا انتفى الخاص لم يعلم انتفاء الاذن الّذي هو جنس.

لكن (هو ضعيف) فان بانتفاء الفصل ينتفى الجنس (و النسبة) الى الاصحاب (غير ثابتة و لا يبعد إرادة) الشيخ و العلامة و ابن ادريس (صورة الجهل) من الآخذ بفساد المعاملة (لانه لا يعاقب) حينئذ على امساكه المال لا ان مرادهم الاذن المالكى.

(الثالث) من الامور المتفرعة على عدم تملك المقبوض بالبيع الفاسد (انه لو كان للعين المبتاعة منفعة استوفاها المشترى

ص: 56

قبل الرد كان عليه عوضها على المشهور، بل ظاهر ما تقدم من السرائر- من كونه بمنزلة المغصوب- الاتفاق على الحكم.

و يدل عليه عموم قوله: (ع) لا يحل مال امرئ مسلم لاخيه الا عن طيب نفسه بناء على صدق المال على المنفعة.

و لذا يجعل ثمنا فى البيع و صداقا فى النكاح خلافا للوسيلة، فنفى الضمان محتجا: بان الخراج بالضمان.

______________________________

قبل الرد) كما لو شرب لبن الشاة المبتاعة بيعا فاسدا (كان عليه عوضها على المشهور بل ظاهر ما تقدم من السرائر- من كونه) اى المبيع بالبيع الفاسد (بمنزلة المغصوب-) لان كليهما مال انسان آخر فى يد شخص لم يأذنا بكونه فى يده (الاتفاق على الحكم) اى ضمان المنفعة المستوفاة.

(و يدل عليه عموم قوله (ع): لا يحل مال امرئ مسلم لاخيه الا عن طيب نفسه بناء على صدق المال على المنفعة) فان الحليب المستوفى من الشاة مال لمالك الشاة، و لا طيب نفس للمالك فى استيفاء الآخذ له، و لا يخفى ان مثل الحليب مال قطعا.

نعم: يمكن الشك فى صدق المال على مثل الاستنفاع بالدار بالجلوس فيها- مثلا-

(و لذا) الّذي يصدق المال على المنفعة (يجعل) المنفعة (ثمنا فى البيع) مع انه مبادلة مال بمال (و صداقا فى النكاح) و المهر يلزم ان يكون مالا (خلافا للوسيلة فنفى الضمان) للمنفعة المستوفاة (محتجا: بان الخراج بالضمان) اى ان الفائدة فى مقابل الضمان فحيث كان المشترى بالعقد الفاسد

ص: 57

كما فى النبوى المرسل، و تفسيره: ان من ضمن شيئا و تقبله لنفسه فخراجه له، فالباء للسببية، او المقابلة، فالمشترى لما اقدم على ضمان المبيع، و تقبله على نفسه بتقبيل البائع و تضمينه اياه على ان يكون الخراج له مجانا كان اللازم من ذلك ان خراجه له على تقدير الفساد، كما ان الضمان عليه على هذا التقدير أيضا.

و الحاصل: ان ضمان العين لا يجتمع مع ضمان الخراج، و مرجعه الى: ان الغنيمة، و الفائدة

______________________________

ضامنا، كانت الفائدة له (كما فى النبوى المرسل) روى عن النبي (ص) فى غوالى اللئالى (و تفسيره: ان من ضمن شيئا و تقبله لنفسه، فخراجه له) فكما انه يضمنه، كذلك ارباحه للضامن (فالباء) فى: بالضمان، (للسببية) اى: الخراج بسبب الضمان، لكن على هذا فالجملة ناقصة تحتاج الى التقدير (او) ان الباء ل (المقابلة) اى: الخراج فى مقابل الضمان (فالمشترى لما اقدم على ضمان المبيع) لأن معنى اعطائه المال فى عوض المبيع: انه ضمنه بعوض (و تقبله) اى الضمان (على نفسه) و ذلك (بتقبيل البائع، و تضمينه اياه، على ان يكون الخراج له مجانا) «على» متعلق ب: اقدم، اى اقدم بناء منه على ان تكون الفائدة له (كان اللازم من ذلك) الاقدام (ان خراجه له على تقدير الفساد، كما ان الضمان عليه على هذا التقدير أيضا) هذا هو معنى الحديث.

(و الحاصل) منه (ان ضمان العين لا يجتمع مع ضمان الخراج) و الفائدة فمن ضمن العين لا يضمن الخراج (و مرجعه الى ان الغنيمة، و الفائدة)

ص: 58

بإزاء الغرامة.

و هذا المعنى مستنبط من اخبار كثيرة متفرقة مثل قوله (ع)- فى مقام الاستشهاد على كون منفعة المبيع فى زمان الخيار للمشترى- الا ترى انها لو احترقت كانت من مال المشترى، و نحوه فى الرهن و غيره

______________________________

عطف بيان (بإزاء الغرامة) و لو التقديرية منها، بان كان ضامنا للعين

(و هذا المعنى مستنبط من اخبار كثيرة متفرقة، مثل قوله (ع)- فى مقام الاستشهاد على كون منفعة المبيع فى زمان الخيار للمشترى- الا ترى انها لو احترقت كانت من مال المشترى) فى موثقة اسحاق بن عمار، قال سمعت من يسأل أبا عبد الله (ع) يقول: و قد سأله عن رجل مسلم احتاج الى بيع داره، فمشى الى اخيه فقال له ابيعك دارى هذه، و يكون لك احبّ إليّ من ان يكون لغيرك، على ان تشترط لى انى اذا جئتك بثمنها الى سنة تردها عليّ، قال (ع): لا بأس بهذا ان جاء بثمنها، و هما عليه قلت: أ رأيت لو كان للدار غلة لمن يكون؟ قال (ع): للمشترى الا ترى انها لو احترقت كان من ماله، و قريب منها رواية معاوية عنه (ع) فان ظاهر الرواية: ان فائدة الدار للمشترى حيث ان خسارتها- فيما لو احترقت- تكون عليه، فالخراج بالضمان (و نحوه فى الرهن و غيره) ففى خبر اسحاق بن عمار، قلت لابى ابراهيم (ع)، عن الرجل يرهن الغلام و الدار فتصيبه الآفة على من يكون؟ قال (ع): على مولاه، ثم قال:

أ رأيت لو قتل قتيلا على من يكون؟ قلت: هو فى عنق العبد، قال (ع) الا ترى فلم يذهب مال هذا، ثم قال (ع): أ رأيت لو كان ثمنه مائة دينار

ص: 59

و فيه: ان هذا الضمان، ليس هو ما اقدم عليه المتبايعان، حتى يكون الخراج بإزائه، و انما هو امر قهرىّ حكم به الشارع كما حكم بضمان المقبوض بالسوم، و المغصوب.

فالمراد بالضمان الّذي بإزائه الخراج، التزام الشي ء على نفسه، و تقبله له مع امضاء الشارع له.

______________________________

فزاد و بلغ مائتي دينار، لمن كان يكون؟ قلت: لمولاه، قال (ع) كذلك يكون عليه، ما يكون له.

(و فيه) اى فى استدلال ابن حمزة (ان هذا الضمان) للخراج (ليس هو ما اقدم عليه المتبايعان حتى يكون الخراج بإزائه) و قد عرفت ان الضمان الّذي اقدم عليه المتبايعان يكون بإزائه الخراج (و انما هو امر قهرى حكم به الشارع، كما حكم بضمان المقبوض بالسوم) و هو ما يأخذه المشترى من المتاع لارادة اشترائه فيتلف فى يده، فان المشترى لم يقدم على الضمان فيه، و انما حكم الشارع بالضمان.

(و) كذا (المغصوب) فان ضمانه على الغاصب بحكم الشارع، اذ الغاصب لم يقدم على الضمان.

(فالمراد بالضمان) فى مرسلة: الخراج بالضمان، (الّذي بإزائه الخراج) هو (التزام الشي ء على نفسه، و تقبله له) اى للشي ء (مع امضاء الشارع له) كالبيع، فان خراجه فى مقابل ضمانه الحاصل ذلك الضمان بسبب تقبل المشترى للمبيع، و امضاء الشارع لهذا التقبل، فلا تشمل القاعدة ما نحن فيه مما قبضه بظن صحة المعاملة، فظهر فسادها، اذ

ص: 60

و ربما ينتقض ما ذكرنا فى معنى الرواية بالعارية المضمونة، حيث انه اقدم على ضمانها، مع ان خراجها ليس له، لعدم تملكه للمنفعة، و انما تملك الانتفاع الّذي عينه المالك فتأمل.

و الحاصل ان دلالة الرواية لا تقصر عن سندها فى الوهن، فلا يترك، لاجلها قاعدة ضمان: مال المسلم و احترامه، و عدم حلّه الّا عن طيب النفس،

______________________________

التقبل من المشترى و ان كان موجودا، لكن الشارع لم يمضه.

(و ربما ينتقض ما ذكرنا فى معنى الرواية) اى قولنا: فالمراد بالضمان الّذي بإزائه الخراج الخ، فى ذيل ردّ ابن حمزة (بالعارية المضمونة) بان استعار شيئا، و ضمن ان يكون تلفها عليه (حيث انه اقدم على ضمانها) و الشارع امضى ذلك (مع ان خراجها ليس له لعدم تملكه للمنفعة) فان الشاة العارية، اذا ولدت لم يكن الولد للمستعير، و انما هو للمعير (و انما تملك) باخذ العارية (الانتفاع الّذي عينه المالك) له فان المعروف فى باب العارية، انها تملك الانتفاع لا تملك المنفعة (فتأمل) اذ: أولا على تقدير تسليم ان العارية تملك انتفاع، لا تملك منفعة نقول: انها تخصيص فى قاعدة: الخراج بالضمان، و ثانيا: لا نسلم كون العارية تملك انتفاع فقط، بل نقول: بانها تملك منفعة، فالهبة تملك العين، و العارية تملك الانتفاع.

(و الحاصل) من هذه المعانى المحتملة فى رواية الخراج بالضمان (ان دلالة الرواية لا تقصر عن سندها فى الوهن) فكلاهما موهونان (فلا يترك لاجلها، قاعدة ضمان مال المسلم و احترامه، و عدم حلّه الّا عن طيب النفس)

ص: 61

و ربما يرد هذا القول بما ورد: فى شراء الجارية المسروقة من ضمان قيمة الولد، و عوض اللبن، بل عوض كل ما انتفع.

و فيه ان الكلام فى البيع الفاسد الحاصل بين مالكى العوضين، من جهة ان مالك العين جعل خراجها له بإزاء ضمانها بالثمن

______________________________

مما قد عرفت ورود الاخبار بهذه المضامين الثلاثة، و على هذا فلو اخذ شيئا بالعقد الفاسد، كانت الفوائد لذلك الشي ء للبائع.

(و ربما يرد هذا القول) اى عدم وجوب رد الفوائد المستوفاة الى البائع، فيما ظهر فساد المعاملة (بما ورد: فى شراء الجارية المسروقة من ضمان) المشترى (قيمة الولد، و عوض اللبن، بل عوض كل ما انتفع) فان الولد حيث يصبح حرّا، يكون ذلك تفويتا على مالك الجارية، و كذا لبن الجارية الّذي شربه الولد، و قيمة البضع الّذي استعمله، الى غيرها من الفوائد المستوفاة، كالخدمة و ما اشبه.

(و فيه) ان هذا لا يصلح ردّا اذ الكلام فى كون: الخراج فى مقابل الضمان المعاوضى، و الردّ انما هو: وجوب الرد فى ما كان الضمان يدويا اذ مفروض الكلام: كون الجارية مسروقة، ف (ان الكلام) لابن حمزة (فى البيع الفاسد) فانه يقول: لا ضمان فى منافعه المستوفاة (الحاصل) ذلك البيع (بين مالكى العوضين، من جهة ان مالك العين جعل خراجها) اى خراج العين (له) اى للمشترى (بإزاء ضمانها) اى ضمان العين (بالثمن) الّذي دفعه المشترى.

ص: 62

لا ما كان فساده من جهة التصرف فى مال الغير

و اضعف من ذلك ردّه بصحيحة ابى ولّاد، المتضمنة لضمان منفعة المغصوب المستوفاة، ردّا على ابى حنيفة القائل: بانه اذا تحقق ضمان العين و لو بالغصب، سقط كراها كما يظهر من تلك الصحيحة

______________________________

(لا) ان الكلام فى (ما كان فساده من جهة التصرف فى مال الغير) فابن حمزة يقول: الخراج بالضمان، فيما كان هناك معاوضة، و الرادّ يقول: لا ضمان فيما لم يكن هناك معاوضة، و من المعلوم ان هذا الردّ لا يلائم كلام ابن حمزة.

اللهم الا ان يقال: مقتضى اطلاق: الخراج بالضمان، الّذي يستدل به ابن حمزة: عدم ضمان فوائد الجارية المسروقة فضمانها- كما استفيد من الرواية- مناف لقاعدة: الخراج بالضمان،

(و اضعف من ذلك) الردّ (ردّه) اى ابن حمزة (بصحيحة ابى ولّاد، المتضمنة لضمان منفعة المغصوب المستوفاة) تلك المنفعة (ردا على ابى حنيفة القائل: بانه اذا تحقق ضمان العين) بان ضمن الشخص العين المغصوبة (و لو) كان الضمان (بالغصب، سقط كراها) اى كرى العين، و اجرتها (كما يظهر) قول ابى حنيفة بعدم الضمان (من تلك الصحيحة).

و وجه كون هذا الردّ اضعف من الردّ السابق، ان فى المقام: غصب بدون البيع- اصلا- و الردّ السابق كان فى مورد: الغصب مع البيع، و كلام ابن حمزة فى: البيع المجرد

ص: 63

نعم: لو كان القول المذكور موافقا لقول ابى حنيفة، فى اطلاق القول: بان الخراج بالضمان، انتهضت الصحيحة و ما قبلها ردّا عليه

هذا كله فى المنفعة المستوفاة.

و اما المنفعة الفائتة بغير استيفاء فالمشهور فيها أيضا الضمان و قد عرفت عبارة السرائر المتقدمة.

و لعله لكون المنافع اموالا فى يد من بيده العين فهى مقبوضة فى يده

______________________________

(نعم: لو كان القول المذكور) اى قول ابن حمزة (موافقا لقول ابى حنيفة، فى اطلاق القول: بان الخراج بالضمان) سواء: فى البيع الفاسد، او الغصب و البيع، او الغصب فقط (انتهضت الصحيحة) لابى ولّاد (و ما قبلها) من رواية الجارية (ردّا عليه) اى على قول ابن حمزة، اذ الصحيحة ترد الثالث، و رواية الجارية ترد الثانى

(هذا كله) تمام الكلام (فى المنفعة المستوفاة) من المبيع بالبيع الفاسد (و اما المنفعة الفائتة بغير استيفاء) كما لو لم يحلب الشاة المشتراة، شراء فاسدا، او لم يستعمل الدار فذهبت منفعتها هباء، او ما اشبه ذلك (فالمشهور فيها أيضا الضمان) اى ضمان المشترى (و قد عرفت عبارة السرائر المتقدمة) الّذي حكم بكونه كالمغصوب.

(و لعله) اى الضمان (لكون المنافع اموالا فى يد من بيده العين) فكما ان عين الدار بيده، كذلك اجرتها (فهى مقبوضة فى يده) فيشمل المنافع، قاعدة: على اليد ما اخذت.

ص: 64

و لذا يجرى على المنفعة، حكم المقبوض اذا قبض العين فتدخل المنفعة فى ضمان المستأجر، و يتحقق قبض الثمن فى السلم، بقبض الجارية المجعول خدمتها ثمنا.

و كذا الدار المجعول سكناها ثمنا

مضافا الى انه مقتضى: احترام مال المسلم اذ كونه فى يد

______________________________

(و لذا) الّذي تعتبر المنافع اموالا فى يد من فى يده العين (يجرى على المنفعة حكم المقبوض اذا قبض العين فتدخل المنفعة) للدار (فى ضمان المستأجر) و لو لم تكن المنافع مقبوضة لم يكن وجه لدخولها فى ضمان المستأجر (و) لذا أيضا (يتحقق قبض الثمن فى) بيع (السلم) و هو:

تقديم الثمن، و تأخير المثمن مقابل النسيئة- التى هى تقديم المثمن، و تأخير الثمن (بقبض الجارية المجعول خدمتها ثمنا) فاذا اشترى زيد وزنة من الحنطة عن خالد ليسلمها له بعد ستة اشهر، و جعل ثمنها خدمة جاريته هند، ثم سلم خالد البائع هندا ليستوفى خدمتها صح سلما، لأن الثمن قد قبضه البائع، و لو لم تكن المنفعة قابلة للقبض، لزم فساد البيع اذ: السلم يحتاج الى القبض فى المجلس، و الّا فلا- كما قرر فى محله-.

(و كذا الدار المجعول سكناها ثمنا)، لبيع السلف، فانه يقبض بتسليم الدار.

(مضافا الى انه) اى ضمان المنافع غير المستوفاة (مقتضى: احترام مال المسلم) و هذا غير دليل: على اليد ما اخذت، فانه مستفاد من قوله (ص): و حرمة ماله كحرمة دمه، (اذ كونه) اى المبيع بالبيع الفاسد (فى يد

ص: 65

غير مالكه، مدة طويلة، من غير اجرة، مناف للاحترام

لكن يشكل الحكم- بعد تسليم كون المنافع اموالا حقيقة- بان مجرد ذلك لا يكفى فى تحقق الضمان، الّا ان يندرج فى عموم: على اليد ما اخذت، فلا اشكال فى عدم شمول الموصول للمنافع و حصولها فى اليد بقبض العين، لا يوجب صدق الاخذ

و دعوى انه: كناية عن مطلق الاستيلاء الحاصل

______________________________

غير مالكه، مدة طويلة) بل او قصيرة (من غير اجرة، مناف للاحترام) فاللازم ان نقول: يجب اعطاء المشترى- فى البيع الفاسد- اجرة الدار الى المالك، و ان لم يستوفها المشترى.

(لكن يشكل الحكم) بضمان المشترى للمنافع غير المستوفاة (- بعد تسليم كون المنافع اموالا حقيقة-) و عدم المناقشة فى انها ليست اموالا، فلا تشملها على اليد، و: حرمة ماله، (بان مجرد ذلك) اى كونها اموالا حقيقة (لا يكفى فى تحقق الضمان، الا ان يندرج فى عموم: على اليد ما اخذت) اذ: لا دليل لنا على ضمان المال المأخوذ، بل الدليل: على اليد، (فلا اشكال فى عدم شمول الموصول) اى: ما، فى: على اليد ما اخذت، (للمنافع) فان الظاهر من الموصول: الاعيان الخارجية (و حصولها): مبتدأ، خبره:

لا يوجب، اى حصول المنافع (فى اليد ب) سبب (قبض العين لا يوجب صدق الاخذ) حتى يقال: فيشمله: ما اخذت.

(و دعوى انه) اى: ما اخذت، (كناية عن مطلق الاستيلاء الحاصل)

ص: 66

فى المنافع بقبض الاعيان، مشكلة.

و اما احترام مال المسلم فانما يقتضي عدم حلّ التصرف فيه و اتلافه بلا عوض و انما يتحقق ذلك فى الاستيفاء فالحكم بعدم الضمان مطلقا، كما عن الايضاح، او مع علم البائع بالفساد كما عن بعض آخر موافق للاصل السليم

مضافا الى انه قد يدعى شمول قاعدة: ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن

______________________________

ذلك الاستيلاء (فى المنافع بقبض الاعيان) فيشمل: ما اخذت، للمنافع أيضا

فهذه الدعوى (مشكلة) اذ: الظاهر، الاخذ، لا مطلق الاستيلاء

لكن الانصاف ان المستفاد عرفا من: الاخذ، الاستيلاء، و لذا يشمل لبس الخف، و ركوب الدابة، و بعث من يمنع المالك من ملكه، بقطع استيلائه، و هكذا.

(و اما احترام مال المسلم ف) لا يقتضي بضمان من تلفت المنافع تحت يده بدون استيفاء لها، لان الاحترام (انما يقتضي عدم حل التصرف فيه و) عدم (اتلافه بلا عوض، و انما يتحقق ذلك) الاتلاف بلا عوض (فى الاستيفاء) و لا استيفاء فى المقام، و التصرف هنا غير محرم فعلى، لعدم العلم بكونه مال الغير (فالحكم بعدم الضمان) فى المنافع غير المستوفاة (مطلقا) سواء مع علم البائع بالفساد، او جهله، (كما عن الايضاح، او مع علم البائع بالفساد) لانه اقدم على عدم احترام ماله (كما عن بعض آخر موافق للاصل السليم) عن دليل وارد عليه.

(مضافا الى انه قد يدعى شمول قاعدة: ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن

ص: 67

بفاسده، و من المعلوم ان صحيح البيع لا يوجب ضمانا للمشترى للمنفعة لانها له مجانا، و لا يتقسط الثمن عليها.

و ضمانها مع الاستيفاء لاجل الاتلاف، فلا ينافي القاعدة المذكورة، لانها بالنسبة الى التلف، لا الاتلاف.

مضافا الى الاخبار الواردة فى ضمان المنافع المستوفاة من الجارية

______________________________

بفاسده) للمقام (و) ذلك، لانه لو كان البيع صحيحا، لم يضمن المشترى للمنافع غير المستوفاة، فكذلك لا يضمن فى صورة فساد البيع، فانه (من المعلوم ان صحيح البيع لا يوجب ضمانا للمشترى للمنفعة) غير المستوفاة (لانها) اى المنفعة (له) اى للمشترى (مجانا، و لا يتقسط الثمن عليها) اى على المنفعة، اذ الثمن فى مقابل العين فقط.

(و) ان قلت على هذا يلزم عدم ضمان المنافع المستوفاة اذ المستوفاة أيضا لا يضمن فى صورة صحة البيع.

قلت (ضمانها) اى المنافع (مع الاستيفاء) انما هو (لاجل) ما ذكرنا من (الاتلاف فلا ينافى) الضمان (القاعدة المذكورة) اى قاعدة ما لا يضمن (لانها) اى القاعدة (بالنسبة الى التلف، لا الاتلاف)

فكل: ما لا يضمن بصحيحه فى صورة التلف، لا يضمن بفاسده اما ما لا يضمن بصحيحه فى صورة الاتلاف فيضمن بفاسده، لما عرفت من قاعدة: اليد، و غيرها المخصصة، او الحاكمة على قاعدة: ما لا يضمن.

(مضافا) على ان القاعدة لا تشمل الاتلاف انظر (الى الاخبار الواردة فى ضمان المنافع المستوفاة من الجارية

ص: 68

المسروقة المبيعة الساكتة من ضمان غيرها فى مقام البيان.

و كذا صحيحة محمد بن قيس الواردة: فيمن باع وليدة ابيه بغير اذنه، فقال (ع): الحكم ان يأخذ الوليدة و ابنها و سكت عن: المنافع الفائتة، فان عدم الضمان فى هذه الموارد مع كون العين لغير البائع يوجب عدم الضمان هنا بطريق اولى

______________________________

المسروقة المبيعة الساكتة من ضمان غيرها) اى غير المستوفاة (فى مقام البيان) فانما تدل نصّا على ضمان المستوفاة، و سكوتا على عدم ضمان غير المستوفاة.

(و كذا صحيحة محمد بن قيس الواردة: فيمن باع وليدة ابيه) اى أمّ ولده (بغير اذنه) اى اذن الأب (فقال عليه السلام: الحكم ان يأخذ) اى الأب (الوليدة و ابنها) لان البيع باطل، فالمال يرد على صاحبه (و سكت) عليه السلام (عن: المنافع الفائتة) فلم يقل: انه يجب اعطاء المنافع الفائتة للاب، مع وضوح فوت منافع الجارية، حال كونها فى يد المشترى،

(فان عدم الضمان) للمنافع غير المستوفاة (فى هذه الموارد) الجارية المسروقة، و الجارية المباعة بغير اذن صاحبها (مع كون العين لغير البائع) اذ: الاول سارق، و الثانى غاصب لجارية ابيه (يوجب عدم الضمان هنا) فيما لو كان البائع هو المالك، لكنه ظهر بعد ذلك فساد البيع (بطريق اولى) اذ يستند تلف المنافع غير المستوفاة هنا الى المالك، فكأنه هو الّذي اتلف منافعه، خصوصا فى صورة علمه بالفساد و جهل المشترى بان البيع فاسد، فهو كالغارّ الّذي يرجع المغرور إليه

ص: 69

و الانصاف ان للتوقف فى المسألة كما فى المسالك تبعا للدروس، و التنقيح، مجالا،

و ربما يظهر من القواعد، فى باب الغصب عند التعرض لاحكام البيع الفاسد، اختصاص الاشكال و التوقف بصورة علم البائع، على ما استظهره السيد العميد، و المحقق الثانى، من عبارة الكتاب، و عن الفخر حمل الاشكال فى العبارة على مطلق صورة عدم الاستيفاء.

فتحصل من ذلك كله ان الاقوال فى: ضمان المنافع غير المستوفاة خمسة، الاول: الضمان و كأنه للاكثر.

______________________________

(و الانصاف ان للتوقف فى المسألة) و ان المشترى هل يضمن المنافع غير المستوفاة، او لا يضمنها (كما فى المسالك، تبعا للدروس، و التنقيح) فانهم توقفوا فى الضمان و عدمه (مجالا) لما عرفت من عدم تمامية ادلة امر الطرفين.

(و ربما يظهر من القواعد، فى باب الغصب عند التعرض لاحكام البيع الفاسد، اختصاص الاشكال و التوقف) فى الضمان، و عدمه، للمنافع غير المستوفاة. (بصورة علم البائع على ما استظهره) من كلام العلامة (السيد العميد، و المحقق الثانى، من عبارة الكتاب) اى القواعد (و عن الفخر حمل الاشكال) فى الضمان (فى العبارة) اى عبارة القواعد (على مطلق صورة عدم الاستيفاء) سواء علم البائع بالفساد، أم لا.

(فتحصل من ذلك كله) الّذي ذكرناه من اقوالهم فى: ضمان المنافع غير المستوفاة (ان الاقوال فى ضمان المنافع غير المستوفاة خمسة الاول الضمان) مطلقا (و كانه للاكثر)

ص: 70

الثانى: عدم الضمان كما عن الايضاح، الثالث: الضمان الّا مع علم البائع كما عن بعض من كتب على الشرائع، الرابع: التوقف فى هذه الصورة، كما استظهره جامع المقاصد، و السيد العميد، من عبارة القواعد، الخامس:

التوقف مطلقا كما عن الدروس، و التنقيح، و المسالك، و محتمل القواعد كما يظهر من فخر الدين.

و قد عرفت ان التوقف اقرب الى الانصاف، الّا ان المحكى عن التذكرة ان منافع الاموال من: العبد، و الثياب و العقار و غيرها، مضمونة بالتفويت.

______________________________

فهم قائلون بالضمان (الثانى عدم الضمان) مطلقا (كما عن الايضاح، الثالث الضمان الّا مع علم البائع) فاذا علم البائع، بفساد المعاملة، فلا ضمان على المشترى (كما عن بعض من كتب) حاشية (على الشرائع، الرابع: التوقف) بانه هل يضمن، أم لا (فى هذه الصورة) اى صورة علم البائع (كما استظهره جامع المقاصد، و السيد العميد، من عبارة القواعد) على ما عرفت و القول الاخير و هو: (الخامس التوقف) فى الضمان (مطلقا) حتى فى صورة جهل البائع بالفساد (كما عن الدروس، و التنقيح، و المسالك، و محتمل القواعد، كما يظهر من فخر الدين) فى انه حمل عبارة القواعد على الاطلاق، لا على التقييد كما صنع غيره.

(و قد عرفت ان التوقف) مطلقا (اقرب الى الانصاف، الا ان المحكى عن التذكرة) ما لفظه: (ان منافع الاموال من: العبد، و الثياب، و العقار و غيرها) كالاراضى، و البساتين، و الدور، و ما اشبه (مضمونة بالتفويت

ص: 71

و الفوات تحت اليد العادية. فلو غصب عبدا، او جارية، او عقارا، او حيوانا مملوكا، ضمن منافعه، سواء اتلفها، بان استعملها او فاتت تحت يده، بان بقيت مدة فى يده لا يستعملها، عند علمائنا اجمع.

و لا يبعد ان يراد باليد العادية مقابل اليد الحقة، فيشمل يد المشترى فيما نحن فيه خصوصا مع علمه، سيما مع جهل البائع به.

و اظهر منه، ما فى السرائر فى آخر باب الاجارة من: الاتفاق أيضا على ضمان منافع المغصوب الفائتة، مع قوله فى باب البيع: ان البيع

______________________________

و الفوات تحت اليد العادية) اى سواء فوّتها، او فاتت هى بنفسها.

(فلو غصب) شخص (عبدا، او جارية، او عقارا، او حيوانا مملوكا ضمن) الغاصب (منافعه، سواء اتلفها بان استعملها، او فاتت تحت يده، بان بقيت مدة فى يده لا يستعملها عند علمائنا اجمع) انتهى كلام التذكرة.

(و لا يبعد ان يراد باليد العادية، مقابل اليد الحقة، فيشمل يد المشترى فيما نحن فيه) من البيع الفاسد (خصوصا مع علمه) اى المشترى بالفساد (سيّما مع جهل البائع به) اى بالفساد.

كما انه يحتمل ان يراد باليد العادية من يده، يد تعد و ظلم كالغاصب اذ لا تسمى يد المشترى يدا عاديه و ان كان البيع فاسدا، فلا يكون كلام التذكرة شاهد الضمان المنافع غير المستوفاة فيما نحن فيه.

(و اظهر منه) اى من كلام التذكرة، ظهورا فى الضمان لغير المستوفاة (ما فى السرائر فى آخر باب الاجارة من: الاتفاق أيضا على ضمان منافع المغصوب الفائتة) فانه اذا ضم قوله هذا (مع قوله فى باب البيع: ان البيع

ص: 72

الفاسد عند اصحابنا، بمنزلة الشي ء المغصوب الّا فى ارتفاع الاثم عن امساكه انتهى.

و على هذا: فالقول بالضمان لا يخلو عن قوة، و ان كان المترائى من ظاهر صحيحة ابى ولّاد: اختصاص الضمان فى المغصوب بالمنافع المستوفاة من البغل المتجاوز به الى غير محل الرخصة.

الّا انّا لم نجد بذلك عاملا فى المغصوب الّذي هو موردها

«الرابع»: اذا تلف المبيع [فإن كان مثليا وجب مثله]

______________________________

الفاسد عند اصحابنا، بمنزلة الشي ء المغصوب، الّا فى ارتفاع الاثم عن امساكه، انتهى) فانه لا اثم فى البيع الفاسد و انما الاثم خاص بالغصب، فهم من القولين: ضمان المنافع غير المستوفاة فى باب البيع الفاسد.

(و على هذا) الّذي عرفت كلامى التذكرة، و السرائر (فالقول بالضمان) للمنافع غير المستوفاة (لا يخلو عن قوة، و ان كان المترائى من ظاهر صحيحة ابى ولاد: اختصاص الضمان فى المغصوب بالمنافع المستوفاة)

فالاختصاص فى المقام الّذي هو ادون من الغصب بطريق اولى فالمضمون هى المنافع المستوفاة (من: البغل المتجاوز به الى غير محل الرخصة) لا سائر منافعه التى لم يستوفها.

(الّا انّا لم نجد بذلك) اى باختصاص الضمان بالمنافع المستوفاة (عاملا فى المغصوب الّذي هو موردها) اى مورد الصحيحة فكيف يمكن ان يستند الى الصحيحة فى غير موردها؟.

( «الرابع») من الامور المترتبة على البيع الفاسد (اذا تلف المبيع)

ص: 73

فان كان مثليا، وجب مثله بلا خلاف، الا ما يحكى عن ظاهر الاسكافى.

و قد اختلف كلمات اصحابنا فى تعريف المثلى، فالشيخ، و ابن زهرة و ابن ادريس، و المحقق، و تلميذه، و العلامة، و غيرهم قدس الله ارواحهم، بل المشهور- على ما حكى-: انه ما يتساوى اجزائه من حيث القيمة، و المراد: باجزائه، ما يصدق عليه اسم الحقيقة، و المراد: بتساويها من حيث القيمة، تساويها بالنسبة، بمعنى: كون قيمة كل بعض بالنسبة الى قيمة البعض الآخر، كنسبة نفس البعضين من حيث المقدار.

______________________________

بالبيع الفاسد (فان كان مثليا) كالحنطة (وجب مثله بلا خلاف، الا ما يحكى عن ظاهر الاسكافى) مما يظهر منه صحة دفع القيمة أيضا.

(و قد اختلف كلمات اصحابنا فى تعريف المثلى، فالشيخ و ابن زهرة، و ابن ادريس، و المحقق، و تلميذه، و العلامة، و غيرهم قدس الله ارواحهم بل المشهور- على ما حكى-) عنهم: (انه ما يتساوى اجزائه من حيث القيمة) فاذا كان قيمة هذا الربع منه دينارا كان قيمة ذلك الربع منه أيضا دينارا (و المراد: باجزائه، ما يصدق عليه اسم الحقيقة) كاسم الحنطة فى المثال (و المراد: بتساويها من حيث القيمة تساويها بالنسبة) اى نسبة البعض الى البعض (بمعنى: كون قيمة كل بعض بالنسبة الى قيمة البعض الآخر) كهذا الربع بالنسبة الى ذلك الربع (كنسبة نفس البعضين من حيث المقدار)

فكما ان الربع، يساوى مقداره ربع الآخر، كذلك قيمة هذا الربع،

ص: 74

و لذا قيل فى توضيحه: ان المقدار منه اذا كان يسوى قيمة، فنصفه يسوى نصف تلك القيمة.

و من هنا رجّح الشهيد الثانى: كون المصوغ من النقدين قيميا قال:

اذ لو انفصلت، نقصت قيمتها.

قلت: و هذا يوجب ان لا يكون الدرهم الواحد مثليا، اذ: لو

______________________________

تساوى قيمة الربع الآخر، فقولهم: ما يتساوى اجزائه من حيث القيمة، فى مقابل: الشاة، مثلا، اذ لو فرضنا رأسها: حقة، و يدها: حقة، لم تتساو قيمتهما، بل تختلف

(و لذا قيل فى توضيحه: ان المقدار منه) اى المثلى (اذا كان يسوى قيمة) كالحقة منه تسوى دينارا (فنصفه يسوى نصف تلك القيمة) كنصف الحقة، يسوى نصف دينار، و ربع الحقة ربع دينار، و الحقتين دينارين و هكذا صاعدا، و نازلا.

(و من هنا) اى عدم صدق هذا التعريف (رجّح الشهيد الثانى:

كون المصوغ من النقدين) الذهب و الفضة (قيميا) لا مثليا (قال: اذ لو انفصلت، نقصت قيمتها) فالآنية الذهبية التى تسوى مائة دينار، لا يسوى نصفها خمسين دينارا

(قلت و) فى هذا الكلام الّذي ذكره الشهيد نظر، اذ (هذا) المعيار، و هو نقص القيمة اذا انكسر (يوجب ان لا يكون الدرهم الواحد مثليا) فاذا اتلفه انسان، وجب عليه دفع قيمته لا مثله، و هو خلاف البديهة (اذ: لو

ص: 75

انكسر نصفين نقص قيمة نصفه عن نصف قيمة المجموع.

الّا ان يقال: ان الدرهم مثلى بالنسبة الى نوعه، و هو الصحيح و لذا لا يعد الجريش مثلا للحنطة، و لا الدقاقة مثلا للارز

و من هنا يظهر: ان كل نوع من انواع الجنس الواحد، بل كل صنف من اصناف نوع واحد مثلىّ، بالنسبة الى افراد ذلك النوع، او الصنف فلا يرد ما قيل من

______________________________

انكسر نصفين نقص قيمة نصفه عن نصف قيمة المجموع) حين الاتصال.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 6، ص: 76

(الّا ان يقال: ان الدرهم مثلىّ، بالنسبة الى نوعه) لا بالنسبة الى اجزائه (و هو) اى ان المراد بنوعه (الصحيح) من الدراهم مقابل المكسور منها (و لذا لا يعدّ الجريش) المدقوق (مثلا للحنطة) فالحنطة مثلىّ، بالنسبة الى مثلها، لا بالنسبة الى مثلها الى الجريش (و لا الدقاقة مثلا للارز) فمن الممكن: ان يكون شي ء واحد مثليا بالنسبة الى مثله و قيميا بالنسبة الى اجزائه، فالآنية النقدية مثلية، بالنسبة الى سائر الاوانى و قيمية بالنسبة الى اجزائها

(و من هنا) الّذي عرفت معيار المثلى (يظهر: ان كل نوع من انواع الجنس الواحد) كأنواع الحنطة (بل كل صنف من اصناف نوع واحد) كاصناف الحنطة الكربلائية (مثلىّ بالنسبة الى افراد ذلك النوع او الصنف) فكل افراد الحنطة مثلىّ، و كل اصناف الحنطة الكربلائية مثلىّ، و ذلك لانطباق المعيار المتقدم، و هو تساوى الاجزاء بالنسبة الى القيمة

(فلا يرد) على تعريف المثلى (ما قيل: من) ان هذا التعريف غير

ص: 76

انه ان اريد التساوى بالكلية، فالظاهر عدم صدقه على شي ء من المعرّف اذ ما من مثلىّ الّا و اجزائه مختلفة فى القيمة، كالحنطة فان قفيزا من حنطة تساوى عشرة، و من اخرى تساوى عشرين، و ان اريد التساوى فى الجملة؟

فهو فى القيمى موجود كالثوب و الارض، انتهى.

و قد لوّح هذا المورد فى آخر كلامه الى رفع ايراده بما ذكرنا: من

______________________________

مستقيم اذ: (انه ان اريد التساوى بالكلية) اى تساويا كليّا (فالظاهر:

عدم صدقه على شي ء من المعرف) بالفتح، و المراد بالعرف: المثلى، اى هذا التعريف لا يصدق على ما هو مثلى عند الفقهاء (اذ ما من مثلى، الّا و اجزائه مختلفة فى القيمة، كالحنطة) مثلا، فانها مثلىّ مع عدم صدق التعريف المذكور (فان قفيزا من حنطة تساوى عشرة) دراهم (و من) حنطة (اخرى تساوى عشرين) درهما، فلم يتساو قيمة اجزاء كلى الحنطة (و ان اريد التساوى فى الجملة؟) فالقفيز من الحنطة الكربلائية تساوى عشرة، و قفيز اخرى أيضا منها- لا من مطلق الحنطة- أيضا تساوى عشرة (فهو) اى التساوى فى الجملة (فى القيمى) أيضا (موجود) و لا اختصاص له بالمثلى (كالثوب و الارض) فهما قيميان، مع ان بعض الثياب يساوى بعضها الآخر فى القيمة، و كذلك بعض الاراضى (انتهى) كلام المستشكل على تعريف القيمى.

(و قد لوّح) و اشار (هذا المورد فى آخر كلامه الى رفع ايراده بما ذكرنا):

من اعتبار النوعية، او الصنفية فى المثلى، لا مطلق التساوى، و لو فى الجملة (من

ص: 77

ان كون الحنطة مثلية، معناه: ان كل صنف منها متماثل الاجزاء، و متساو فى القيمة، لا بمعنى ان جميع ابعاض هذا النوع متساوية فى القيمة، فاذا كان المضمون بعضا من صنف، فالواجب دفع مساويه من هذا الصنف، لا القيمة، و لا بعض من صنف آخر

لكن الانصاف: ان هذا خلاف ظاهر كلماتهم، فانهم يطلقون المثلى.

على جنس الحنطة و الشعير، و نحوهما، مع عدم صدق التعريف عليه

______________________________

ان كون الحنطة مثلية، معناه: ان كل صنف منها متماثل الاجزاء، و متساو فى القيمة) فالحنطة الكربلائية، الصنف الخاص منها متماثلة، لا مطلق الحنطة، و لا مطلق الكربلائية (لا بمعنى ان جميع ابعاض هذا النوع متساوية فى القيمة) حتى يقال: ان الكربلائية بعشرة، و البغدادية بخمسة- مثلا-.

و على هذا (فاذا كان المضمون بعضا من صنف) كالكربلائية (فالواجب دفع مساويه من هذا الصنف) الكربلائى أيضا (لا القيمة، و لا بعض من صنف آخر) كالبغدادى- مثلا-.

(لكن الانصاف ان هذا) التقييد للمثلى باعتبار الصنف، لا مطلق النوع (خلاف ظاهر كلماتهم، فانهم) لا يعتبرون الصنف اذ (يطلقون المثلى على جنس الحنطة و الشعير، و نحوهما، مع عدم صدق التعريف) المتقدم، و هو تساوى الاجزاء بالنسبة الى القيمة (عليه) اى على مثل الحنطة و الشعير، اذ: الكربلائية لا تماثل البغدادية، بل لا يماثل صنف من الكربلائية، صنف آخر منها.

ص: 78

و اطلاق المثلى على الجنس باعتبار مثلية انواعه، او اصنافه، و ان لم يكن بعيدا، الّا انّ انطباق التعريف على الجنس بهذا الاعتبار بعيد جدا

الّا ان يهملوا خصوصيات الاصناف الموجبة لزيادة القيمة، و نقصانها كما التزمه بعضهم

غاية الامر وجوب رعاية الخصوصيات عند اداء المثل، عوضا عن

______________________________

(و) ان قلت: انهم يطلقون المثلية على الجنس باعتبار مثلية اصنافه قلت: (اطلاق المثلى على الجنس باعتبار مثلية انواعه، او اصنافه، و ان لم يكن بعيدا) اذ كثيرا ما يطلق الجنس و يراد النوع (الا ان انطباق التعريف على الجنس بهذا الاعتبار) بان يراد بالتعريف للمثلى: إرادة النوع، و الصنف- من الجنس- لا الجنس نفسه (بعيد جدّا) اذ: المعيار فى التعاريف ظاهر الالفاظ، لا المراد منها غيرها، و الا لم يكن التعريف تعريفا صحيحا، فهو كما لو يعرف الانسان بانه حيوان، ثم يقال بان العرف اراد قسما خاصا من الحيوان، و هو: الناطق.

(الّا ان) يلتزم من عرف المثلى بالتعريف السابق، بان الحنطة بعضها مثل بعض- اطلاقا- حتى الكربلائية و البغدادية ف (يهملوا خصوصيات الاصناف الموجبة لزيادة القيمة، و نقصانها) فالحنطة مهما كانت قيمتها راقية، مثل الحنطة مهما كانت قيمتها نازلة (كما التزمه بعضهم) فلم يبال باختلاف القيمة.

(غاية الامر) هذا المهمل قال ب (وجوب رعاية الخصوصيات) الموجبة لاختلاف القيمة (عند اداء المثل، عوضا عن

ص: 79

التالف او القرض.

و هذا ابعد، هذا مضافا الى انه يشكل اطراد التعريف، بناء على هذا بانه، ان اريد تساوى الاجزاء من صنف واحد من حيث القيمة تساويا حقيقيّا، فقلّ ما يتفق ذلك فى الصنف الواحد من النوع، لان اشخاص

______________________________

التالف) كما لو اتلف الحنطة لزيد، ثم يريد ادائها (او) عوضا عن (القرض) كما لو اقترض من زيد حنطة ثم اراد أدائها.

(و هذا) الالتزام بان الحنطة مثل الحنطة مهما اختلف قيمتها (ابعد) من الالتزام السابق، و هو اطلاق الجنس و إرادة الصنف.

و الحاصل ان قولهم: ان الحنطة مثلى، اما يراد: صنف الحنطة مثلى، و هذا هو الالتزام السابق، و اما يراد: مطلق الحنطة مثلى، الّا انه دل الدليل على وجوب مراعات الخصوصيات عند الأداء للتالف و الّذي اقترضه، و هذا هو الالتزام الثانى (هذا مضافا الى انه يشكل اطراد) و عموم (التعريف بناء على هذا) بان يراد الصنف من الجنس.

فقولهم: المثلى ما تساوى اجزائه، يراد به: صنف الحنطة، لا مطلق الحنطة، و المراد: بهذا هو، ما لوّح المورد فى آخر كلامه (بانه ان اريد تساوى الاجزاء من صنف واحد) بعد ان قيّد الجنس: بالصنف، (من حيث القيمة تساويا حقيقيا) بان تكون الكربلائية مثلا متساوية الاجزاء تساويا حقيقيا، (ف) فيه انه (قل ما يتفق ذلك) التساوى الحقيقى (فى الصنف الواحد من النوع) و يعود المحذور الموجود فى الجنس هنا أيضا (لان اشخاص

ص: 80

ذلك الصنف لا يكاد يتساوى فى القيمة، لتفاوتها بالخصوصيات الموجبة لزيادة الرغبة، و نقصانها كما لا يخفى.

و ان اريد تقارب اجزاء ذلك الصنف من حيث القيمة، و ان لم يتساو حقيقة، تحقق ذلك فى اكثر القيميات.

فان لنوع الجارية اصنافا متقاربة فى الصفات الموجبة لتساوى القيمة، و بهذا الاعتبار يصح السلم فيها.

______________________________

ذلك الصنف) أيضا كأشخاص الجنس (لا يكاد يتساوى فى القيمة، لتفاوتها بالخصوصيات الموجبة لزيادة الرغبة، و نقصانها) اى نقصان الرغبة (كما لا يخفى) اذ تختلف الحنطة الكربلائية مثلا: من حيث قطع الارض، و زيادة الماء، و موسم الزرع، و محله من الشمس، و بعض الآفات الجزئية الى غير ذلك من المزايا و الخصوصيات.

(و ان اريد تقارب اجزاء ذلك الصنف من حيث القيمة، و ان لم يتساو) الاجزاء (حقيقة) فان العرف يرون تساوى الحنطة الكربلائية من حيث ان كل قفيز منها بمائة مثلا، و ان تفاوتت فى الجملة (تحقق ذلك) التساوى القيمى- و ان لم يتساو حقيقة- (فى اكثر القيميات) أيضا، و لا يكون تعريف المثلى مانعا للاغيار.

(ف) مثلا (ان لنوع الجارية اصنافا متقاربة فى الصفات الموجبة لتساوى القيمة) و كذلك لنوع الشاة، و الابل، و البقر، و غيرها (و بهذا الاعتبار) اى التقارب فى الصفات (يصح السلم فيها) و السلم: عبارة عن اعطاء الثمن مقدما لاخذ المثمن بعد مدة، و يشترط فى هذا القسم من البيع

ص: 81

و لذا اختار العلامة فى باب القرض من التذكرة، على انّ ما يصح فيه السلم من القيميات، مضمون فى القرض بمثله.

و قد عدّ الشيخ فى المبسوط الرطب و الفواكه من القيميات، مع أن كل نوع منها مشتمل على اصناف متقاربة فى القيمة، بل متساوية عرفا.

ثم لو فرض ان الصنف المتساوى من حيث

______________________________

ذكر المزايا، و الخصوصيات التى تختلف الرغبات فى الجنس باعتبارها فصحة السلم فى الجارية دليل على تقارب الصفات و الا لم يصح السلم، للجهالة.

(و لذا) الّذي ذكرنا من تقارب الصفات الموجب لدخوله فى باب المثلى (اختار العلامة فى باب القرض من التذكرة، على) ما حكى عنه (ان ما يصح فيه) بيع (السلم من القيميات، مضمون فى القرض بمثله) لا بقيمته.

و هذا الكلام دليل على ان بعض القيميات، أيضا تقابل بالمثل.

(و) كذلك يدل على شمول تعريف: المثل، بما تقدم للقيمى ما ذكره الشيخ، فانه (قد عدّ الشيخ فى المبسوط الرطب، و الفواكه، من القيميات مع ان كل نوع منها مشتمل على اصناف متقاربة فى القيمة، بل متساوية عرفا) فاذا عرّفنا المثلى بانه ما تساوى اجزائه بالنسبة الى القيمة شمل بعض القيميات أيضا.

(ثم) ربما يراد اصلاح تعريف المثلى- المتقدم- حتى لا يرد عليه بانه يشمل القيميات أيضا، بالفرق بين المثلى المتساوى الاجزاء، و القيمى المتساوى الاجزاء، اذ الاول: كثير الوجود، و الثانى: قليل الوجود.

و لا يخفى ما فى هذا الاصلاح اذ (لو فرض ان الصنف المتساوى من حيث

ص: 82

القيمة فى الانواع القيمية، عزيز الوجود، بخلاف الانواع المثلية لم يوجب ذلك اصلاح طرد التعريف.

نعم يوجب ذلك، الفرق بين النوعين فى حكمة الحكم بضمان المثلى بالمثل، و القيمى بالقيمة

ثم انه قد عرف المثلى: بتعاريف اخر، اعم من التعريف المتقدم او اخص، فعن السرائر: انه ما تماثلت اجزائه و تقاربت صفاته، و عن

______________________________

القيمة فى الانواع القيمية) كالجارية- مثلا- (عزيز الوجود) اى نادر الوجود اذ الغالب تفاوت افراد القيميات- (بخلاف الانواع المثلية) لكثرة تساوى اصنافها (لم يوجب ذلك) الفرق (اصلاح طرد) و مانعية (التعريف) للمثل، اذ يشمل تعريف المثلى حينئذ بعض القيميات، و التعريف الشامل للاغيار غير تام.

(نعم يوجب ذلك الفرق) بندرة التساوى فى القيمى، و كثرة التساوى فى المثلى (بين النوعين) المثلى و القيمى (فى حكمة الحكم بضمان المثلى بالمثل، و القيمى بالقيمة).

فيقال: ان المثل لما كان نادرا فى القيميات، اوجب الشارع القيمة، و لما كان كثيرا فى المثليات، اوجب الشارع المثل.

(ثم انه قد عرف المثلى: بتعاريف اخر) و هذه التعاريف (اعم من التعريف المتقدم، او اخص) منه (فعن السرائر: انه ما تماثلت اجزائه، و تقاربت صفاته) فالحنطة كذلك بخلاف الجارية- مثلا- (و عن

ص: 83

الدروس و الروضة: انه: المتساوى الاجزاء و المنفعة، المتقارب الصفات، و عن المسالك و الكفاية: انه اقرب التعريفات الى السلامة، و عن غاية المراد: ما تساوى اجزائه فى الحقيقة النوعية، و عن بعض العامة: انه ما قدّر بالكيل او الوزن، و عن آخر منهم: زيادة جواز بيعه سلما، و عن ثالث منهم: زيادة جواز بيع بعضه ببعض

______________________________

الدروس و الروضة) تعريف المثلى ب (انه المتساوى الاجزاء و المنفعة، المتقارب الصفات) فان منفعة بعض اجزاء الحنطة مثل منفعة بعض اجزائها الاخر، و ليست منفعة هذه الجارية متساوية لمنفعة جارية اخرى (و عن المسالك و الكفاية: انه) اى التعريف السابق عن الدروس و الروضة (اقرب التعريفات الى السلامة) عن الاشكال بطرده، او عكسه (و عن غاية المراد: ما تساوى اجزائه فى الحقيقة النوعية) مقابل ما تختلف اجزائه فى الحقيقة النوعية فهذه الجارية تختلف عن الجارية الاخرى فى النوعية- بخلاف القسمين من الحنطة- و لا يخفى انه ليس مراده من النوع المنطقى، بل النوع العرفى (و عن بعض العامة: انه ما قدر بالكيل او الوزن) كالحنطة و اللبن (و عن آخر منهم) اى من العامة (زيادة:

جواز بيعه سلما) على التعريف المتقدم، و انما زاد ذلك، لان السلم لا يجوز الّا فى متقارب الصفات (و عن ثالث منهم) اى من العامة (زيادة:

جواز بيع بعضه ببعض) على التعريف المتقدم، و كان مراده بذلك ان معرفة البعض كافية فى معرفة بعضه الاخر لتساوى اجزائه، فيعطى: حقة من الحنطة، فى قبال حقة اخرى، و ان لم يشاهد الثانى، بخلاف القيميات

ص: 84

الى غير ذلك مما حكاه فى التذكرة عن العامة، ثم لا يخفى انه ليس للفظ المثلى حقيقة شرعية، و لا متشرعة، و ليس المراد معناه اللغوى، اذ المراد بالمثل، لغة المماثل.

فان اريد من جميع الجهات، فغير منعكس

و ان اريد من بعضها، فغير مطرد و ليس فى النصوص حكم يتعلق بهذا العنوان حتى يبحث عنه

______________________________

فانه لا يجوز بيع ما لم يشاهد، و لم يوصف و صفا رافعا للضرر منه اذا كان غير مشاهد (الى غير ذلك) من التعريفات (مما حكاه) العلامة (فى التذكرة عن العامة، ثم لا يخفى انه ليس للفظ المثلى حقيقة شرعية) بان يكون الشارع نقله من معناه اللغوى الى معنى آخر، (و لا متشرعة) بان يكون المتشرعة نقلوه الى معنى خاص (و ليس المراد) فى كلام الفقهاء (معناه اللغوى، اذ المراد بالمثل لغة المماثل) و هذا غير مراد للفقهاء.

(فان اريد) المماثل (من جميع الجهات فغير منعكس) اى غير جامع للافراد، فالفقهاء يذكرون- مثلا- ان الحنطة مثلى مع ان بعض الحنطة ليس مثلا- من جميع الجهات- لبعضها الآخر.

(و ان اريد) المماثل (من بعضها) اى بعض الجهات (فغير مطرد) اى غير مانع للاغيار، اذ الجارية- و هى ليست مثلية فى عرف الفقهاء- بعض افرادها تماثل بعضها الآخر فى بعض الجهات (و ليس فى النصوص حكم يتعلق بهذا العنوان) اى بعنوان ان: المثلى حكمه كذا، (حتى يبحث عنه) للزوم تنقيح موضوعات الاحكام

ص: 85

نعم وقع هذا العنوان فى معقد اجماعهم على ان المثلى يضمن بالمثل و غيره بالقيمة.

و من المعلوم انه لا يجوز الاتكال فى تعيين معقد الاجماع على قول بعض المجمعين مع مخالفة الباقين.

و حينئذ فينبغى ان يقال: كلما كان مثليا باتفاق المجمعين فلا اشكال فى ضمانه بالمثل، للاجماع

______________________________

(نعم وقع هذا العنوان فى معقد اجماعهم) و المراد بمعقد الاجماع اللفظ الّذي انصب كلماتهم عليه، مثلا كلهم قالوا: المثلى يضمن بالمثل، مقابل الاجماع الّذي لا معقد له، كما لو قال بعض: الحنطة تضمن بالمثل و آخر: الشعير يضمن بالمثل، و ثالث: الارز يضمن بالمثل، و هكذا حتى استنبطنا من كلامهم ان المراد بهذه الا مثلة المذكورة: المثلى، فمن كلامهم معقد فى المقام لانهم ذهبوا (على ان المثلى يضمن بالمثل و غيره بالقيمة، و) حينئذ فاللازم ان نفهم مرادهم من لفظ: المثلى، حتى نأخذ بذلك المراد فى مورد الاجماع.

و (من المعلوم انه لا يجوز الاتكال فى تعيين معقد الاجماع) عن لفظ: المثلى، فى المقام (على قول بعض المجمعين مع مخالفة الباقين) كما عرفت من اختلاف تفاسيرهم للمثلى اختلافا كثيرا.

(و حينئذ فينبغى ان يقال: كلما كان مثليا باتفاق المجمعين) اى قال كلهم بانه مثلى (فلا اشكال فى ضمانه بالمثل، للاجماع) على ذلك.

ص: 86

و يبقى ما كان مختلفا فيه بينهم كالذهب و الفضة غير المسكوكين، فان صريح الشيخ فى المبسوط: كونهما من القيميات، و ظاهر غيره كونهما مثليين، و كذا الحديد و النحاس و الرصاص، فان ظواهر عبائر المبسوط و الغنية، و السرائر: كونها قيمية، و عبارة التحرير صريحة فى: كون اصولها مثلية، و ان كان المصوغ منها قيميا، و قد صرح الشيخ فى المبسوط بكون الرطب، و العنب قيميا، و التمر و الزبيب مثليا، و قال فى محكى المختلف: ان فى الفرق اشكالا، بل صرح بعض من قارب عصرنا بكون الرطب و العنب مثليين.

______________________________

(و يبقى ما كان مختلفا فيه بينهم كالذهب و الفضة غير المسكوكين ف) انه مختلف فيه اذ: (ان صريح الشيخ فى المبسوط: كونهما ممن القيميات، و ظاهر غيره كونهما مثليين، و كذا) اختلفوا فى (الحديد و النحاس و الرصاص، فان ظواهر عبائر المبسوط، و الغنية، و السرائر كونها قيمية، و عبارة التحرير صريحة فى: كون اصولها) قبل طرو حالة الصب و التقليب (مثلية، و ان كان المصوغ منها قيميا، و) كذا اختلفوا فى بعض الثمار ف (قد صرّح الشيخ فى المبسوط بكون الرطب و العنب قيميا، و التمر و الزبيب مثليا، و قال فى محكى المختلف: ان فى الفرق اشكالا) اذ: الرطب كالتمر، و العنب كالزبيب، فما الفارق فى كون الاولين قيميا و الآخرين مثليا؟ (بل صرح بعض من قارب عصرنا: بكون الرطب و العنب مثليين) خلافا للشيخ

ص: 87

و قد حكى عن موضع من جامع المقاصد: ان الثوب مثلى و المشهور خلافه، و أيضا فقد مثلوا للمثلى بالحنطة و الشعير، و لم يعلم ان المراد، نوعهما او كل صنف، و ما المعيار فى الصنف؟ و كذا التمر

و الحاصل: ان موارد عدم تحقق الاجماع على المثلية فيها كثيرة فلا بد من ملاحظة ان الاصل الّذي يرجع إليه عند الشك، هو الضمان بالمثل او بالقيمة، او تخيير المالك، او الضامن بين المثل و القيمة، و لا يبعدان يقال: ان الاصل هو تخيير الضامن، لاصالة براءة

______________________________

(و قد حكى عن موضع من جامع المقاصد: ان الثوب مثلى و المشهور خلافه) و انه قيمىّ (و أيضا) هناك تأمل فيما اتفقوا فى كونه مثليا (فقد مثلوا للمثلى: بالحنطة و الشعير، و لم يعلم ان المراد نوعهما، او كل صنف) فعلى الاول: الكربلائية مثل للبغدادية، بخلاف الثانى، فانهما ليسا بمثلين (و) لو كان المراد الصنف ف (ما المعيار فى الصنف؟) هل البلد، كالكربلائية و البغدادية، او اللون كالسمراء الفاتح و السمراء الشديدة، او الطعم، او الحجم، او الديمية، او ما اشبه (و كذا التمر) هل المثلية فى نوعه او صنفه كالخستاوى، و البربن.

(و الحاصل: ان موارد عدم تحقق الاجماع على المثلية فيها) اى فى مسألة القيمة (كثيرة) و اذا وقع الشك (فلا بد من ملاحظة ان الاصل الّذي يرجع إليه عند الشك، هو الضمان بالمثل، او بالقيمة، او تخيير المالك) بين ان يأخذ المثل او القيمة (او الضامن بين) ان يعطى (المثل و القيمة، و لا يبعد ان يقال: ان الاصل هو تخيير الضامن، لاصالة براءة

ص: 88

ذمته عما زاد على ما يختاره.

فان فرض اجماع على خلافه، فالاصل تخيير المالك، لاصالة عدم براءة ذمته، بدفع ما لا يرضى به المالك.

مضافا الى: عموم على اليد ما اخذت حتى تؤدى، فان مقتضاه عدم ارتفاع الضمان بغير اداء العين، خرج ما اذا رضى المالك بشي ء آخر.

و الاقوى تخيير المالك من اوّل الامر، لاصالة الاشتغال

______________________________

ذمته عما زاد على ما يختاره).

فاذا اراد اعطاء المثل كان الاصل، و اذا اراد اعطاء القيمة كانت الاصل أيضا، فالواجب عليه هو القادر الجامع بين الامرين، و الاصل عدم وجوب الخصوصية الزائدة سواء كانت تلك الخصوصية مثلا، او قيمة

(فان فرض اجماع على خلافه) بان ثبت انه لا تخيير للضامن قطعا (فالاصل تخيير المالك) ان يأخذ المثل، او القيمة (لاصالة عدم براءة ذمته) اى الضامن (بدفع ما لا يرضى به المالك) فانه حق للمالك، فاذا لم يرض بشي ء كان حقه لم يصل إليه.

(مضافا الى: عموم على اليد ما اخذت حتى تؤدى) فانه يدل على تخيير المالك (فان مقتضاه عدم ارتفاع الضمان بغير اداء العين، خرج) من هذا العموم (ما اذا رضى المالك بشي ء آخر) مثلا كان، او قيمة، فاذا لم يرض كان مقتضى العموم بقاء الضمان على الضامن

(و الاقوى تخيير المالك من اوّل الامر) فلا تخيير للضامن اصلا، حتى يسقط بالاجماع، و نحوه (لاصالة الاشتغال) فان ذمة الضامن مشغولة

ص: 89

و التمسك باصالة البراءة لا يخلو من منع.

نعم يمكن ان يقال:- بعد عدم الدليل لترجيح احد الاقوال، و الاجماع على عدم تخيير المالك- التخيير فى الاداء من جهة دوران الامر بين المحذورين اعنى تعين المثل، بحيث لا يكون للمالك مطالبة القيمة و لا للضامن الامتناع، و تعين القيمة كذلك، فلا متيقن فى البين

و لا يمكن البراءة اليقينية عند التشاح

______________________________

ما لم يرض المالك بما يريد: من المثل او القيمة.

(و) ان قلت: ان البراءة مقدمة على الاشتغال، لانا نشك فى تكليف الضامن بازيد من القدر الجامع بين المثل و القيمة.

قلت: (التمسك باصالة البراءة، لا يخلو من منع) لان المقام من المتباينين، لا: الاقل و الاكثر، و فى المتباينين، المرجع: الاشتغال، فانما علمنا بتكليف الضامن، و لم نعلم انه: المثل او القيمة، فاللازم الخروج عن هذا التكليف، و لا يتحقق الخروج القطعى الّا بارضاء المالك

(نعم يمكن ان يقال:- بعد عدم الدليل لترجيح احد الاقوال) المتقدمة (و الاجماع على عدم تخيير المالك-) يكون (التخيير) للضامن (فى الاداء، من جهة دوران الامر بين المحذورين اعنى: تعين) دفع (المثل بحيث لا يكون للمالك مطالبة القيمة، و لا للضامن الامتناع و:) بين (تعين) دفع (القيمة كذلك) بحيث لا يكون للمالك مطالبة المثل، و لا للضامن الامتناع (فلا متيقن فى البين) حتى يؤخذ به (و لا يمكن البراءة اليقينية عند التشاح) و التنازع بين المالك و الضامن، اذا اراد كل منهما غير ما اراده

ص: 90

فهو من باب تخيير المجتهد فى الفتوى فتأمل.

هذا، و لكن يمكن ان يقال: ان القاعدة المستفادة من: اطلاقات الضمان فى المغصوبات، و الامانات المفرط فيها و غير ذلك هو الضمان بالمثل، لانه اقرب الى التالف من حيث المالية و الصفات، ثم بعده قيمة التالف من النقدين و شبههما، لانهما اقرب من حيث المالية، لان

______________________________

الآخر (فهو من باب تخيير المجتهد فى الفتوى) فيتخير الضامن، بين دفع المثل او القيمة (فتأمل) لعله اشارة الى: ان هذا التخيير العقلى متوقف على عدم دليل ترجيح احد الاقوال الاربعة، و عدم الدليل محل اشكال لان مقتضى القاعدة: ترجيح تخيير الضامن، لان المسألة من: الاقل و الاكثر، لا من المتباينين، كما تقدم تقريبه.

و لا يخفى ان نتيجة المبحثين، و ان كان تخيير الضمان، الا انه فى السابق من باب التخيير الشرعى، و هنا من باب التخيير العقلى

(هذا: و لكن يمكن ان يقال:) بضمان المثل فقط (ان القاعدة المستفادة من: اطلاقات الضمان فى) باب (المغصوبات، و الامانات المفرط فيها) مما يضمنها الغاصب، و الأمين (و غير ذلك) من سائر اقسام الضمان (هو: الضمان بالمثل، لانه) اى المثل (اقرب الى) الشي ء (التالف من حيث المالية، و الصفات) و ان لم يكن مساويا للتالف من جميع الجهات (ثم بعده) اى بعد المثل (قيمة التالف من النقدين) الذهب و الفضة (و شبههما) من النقود المتعارفة، و رقية كانت او فلزية، او ما اشبه (لانهما اقرب من حيث المالية) الى التالف (لان

ص: 91

ما عداهما يلاحظ مساواته للتالف بعد ارجاعه إليهما.

و لاجل الاتكال على هذا الظهور لا تكاد تظفر على مورد واحد من هذه الموارد- على كثرتها- قد نصّ الشارع فيه على ذكر المضمون به بل كلها، الّا ما شذ و ندر، قد اطلق فيها الضمان، فلو لا الاعتماد على ما هو المتعارف، لم يحسن من الشارع اهماله فى موارد البيان

فقد استدل فى المبسوط و الخلاف، على: ضمان المثلى بالمثل، و

______________________________

ما عداهما) من سائر الاجناس (يلاحظ مساواته للتالف بعد ارجاعه إليهما) فمثلا اذا تلف ثوب زيد، و اراد تعويضه بالسكر، قوم الثوب بدينار و اعطى بمقدار الدينار من السكر، و هكذا

(و لاجل الاتكال على هذا الظهور) اى ظهور: على اليد ما اخذت فى لزوم كون المعطى بدلا اقرب الى التالف، اما وصفا و قيمة، او قيمة فقط (لا تكاد تظفر على مورد واحد من هذه الموارد) اى موارد الضمانات و نحوها (- على كثرتها-) فى الاحاديث (قد نص الشارع فيه على ذكر المضمون به) اى المال الّذي يقع فى مقابل التالف (بل كلها، الّا ما شذ و ندر، قد اطلق فيها الضمان) مما يدل على: ان للضمان معنى عرفيا، اعتمد إليه الشارع بدون حاجة له الى مزيد البيان (فلو لا الاعتماد على ما هو المتعارف) فى فهم معنى الضمان (لم يحسن من الشارع اهماله فى موارد البيان) و الّذي يفهم العرف هو القيمة ان لم يتيسر المثل.

(فقد استدل فى المبسوط و الخلاف على: ضمان المثلى بالمثل، و

ص: 92

القيمى بالقيمة، بقوله تعالى: «فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ» بتقريب: ان مماثل ما اعتدى، هو المثل فى المثلى، و القيمة فى غيره، و اختصاص الحكم بالمتلف عدوانا لا يقدح بعد عدم القول بالفصل.

و ربما يناقش فى الآية، بان مدلولها: اعتبار المماثلة فى مقدار الاعتداء، لا المعتدى به.

______________________________

القيمى بالقيمة، بقوله تعالى: «فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ: مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ».) بعد فهم الاطلاقات، و انه يشمل الاعتداءات الجسمية و المالية، و فهم ان: الاعتداء عليكم، اعم من ما يصدق عليه الاعتداء عرفا، كالغصب او لا كالقرض، اما بالمناط، او بالفهم العرفى، من جهة كون المذكور من باب المثال، و على كل فالاستدلال بالآية (بتقريب ان مماثل ما اعتدى هو المثل فى المثلى، و القيمة فى غيره، و) قد عرفت ان (اختصاص الحكم) فى الآية (بالمتلف عدوانا) حتى يصدق الاعتداء (لا يقدح) فى تعميمنا الكلام للتعرض و نحوه (بعد عدم القول بالفصل) فى وجوب المثل فى المثلى، و القيمة فى القيمى، بين المتلف عدوانا، او بغير عدوان.

(و ربما يناقش فى) دلالة (الآية) على ما ذكره الشيخ (بان مدلولها اعتبار المماثلة فى مقدار الاعتداء لا المعتمدى به) اى تدل على الكمية، لا الكيفية، فاذا اضرّ بك بمقدار دينار جاز التقابل بمقدار دينار، و لا دلالة على المتقابل بكيفية المعتدى به، كما لو كان اضرارا بسلب: الملح

ص: 93

و فيه نظر

نعم الانصاف عدم وفاء الآية كالدليل السابق عليه بالقول المشهور لان مقتضاهما وجوب المماثلة العرفية فى الحقيقة و المالية، و هذا يقتضي اعتبار المثل حتى فى القيميات، سواء وجد المثل فيها، أم لا اما مع وجود المثل فيها، كما لو اتلف دراعا من كرباس طوله عشرون ذراعا متساوية من جميع الجهات، فان مقتضى العرف، و الآية: الزام الضامن بتحصيل ذراع آخر من ذلك و لو باضعاف

______________________________

كان لك اخذ: الملح، و هكذا (و فيه نظر) اذ: ظاهر الآية اعتبار المماثلة من جميع الجهات.

(نعم الانصاف عدم وفاء الآية كالدليل السابق عليه) و هو اطلاق ادلة الضمان اتكالا على الفهم العرفى (بالقول المشهور) و هو المثل فى المثلى، و القيمة فى القيمى (لان مقتضاهما وجوب المماثلة العرفية فى الحقيقة) بان تكون حقيقة التالف، و البدل واحدة (و المالية) بان يكونا متساويين أيضا من حيث المالية (و هذا) المعنى (يقتضي اعتبار المثل حتى فى القيميات سواء وجد المثل فيها، أم لا)

و حيث هذا ليس بمراد قطعا، لزم ان نقول: بعدم الدلالة فى الآية و الدليل السابق على كلام المشهور (اما مع وجود المثل فيها) اى فى القيميات (كما لو اتلف ذراعا من كرباس طوله عشرون ذراعا متساوية من جميع الجهات) مع ان باقى الكرباس موجود فى الخارج (فان مقتضى العرف و الآية الزام الضامن بتحصيل ذراع اخر من ذلك) الكرباس (و لو باضعاف

ص: 94

قيمته، و دفعه الى مالك الذراع المتلف، مع ان القائل بقيمية الثوب لا يقول به.

و كذا لو اتلف عليه عبدا، و له فى ذمة المالك بسبب القرض، او السلم عبد موصوف بصفات التالف، فانهم لا يحكمون بالتهاتر القهرى كما يشهد به ملاحظة كلماتهم: فى بيع عبد من عبدين.

نعم ذهب جماعة، منهم: الشهيدان فى الدروس، و المسالك

______________________________

قيمته، و دفعه الى مالك الذراع المتلف) لانه مثله حقيقة، و قيمة.

(مع ان القائل بقيمية الثوب لا يقول به) لانهم يقولون بوجوب القيمة فى القيميات و ان وجد المثل.

(و كذا لو اتلف عليه عبدا و له فى ذمة المالك بسبب القرض او السلم) بان اقترض مالك العبد التالف من المتلف- سابقا- عبدا، او اشترى منه سلعة فى مقابل (عبد موصوف بصفات التالف، فانهم لا يحكمون بالتهاتر القهرى)

مع ان مقتضى الآية، و العرف، التهاتر القهرى للمماثلة بين العبدين حقيقة، و قيمة (كما يشهد به) اى بعدم حكمهم بالتهاتر القهرى (ملاحظة كلماتهم فى بيع عبد من عبدين).

لكن ربما يقال ان الظاهر من كلماتهم ما هو المتعارف من عدم تساوى العبدين من جميع الجهات، و كذلك عدم تساوى الاقمشة فى الزمان السابق الّذي كان بالنسج اليدوى.

(نعم ذهب جماعة منهم: الشهيدان فى الدروس، و المسالك

ص: 95

الى جواز رد العين المقترضة، اذا كانت قيمية، لكن لعله من جهة صدق اداء القرض باداء العين، لا من جهة ضمان القيمى بالمثل، و لذا اتفقوا على عدم وجوب قبول غيرها، و إن كان مماثلا لها من جميع الجهات، و اما مع عدم وجود المثل للقيمى التالف، فمقتضى الدليلين عدم سقوط المثل من الذمة بالتعذر، كما لو تعذر المثل فى المثلى، فيضمن بقيمته يوم الدفع كالمثلى

______________________________

الى جواز رد العين المقترضة، اذا كانت قيمية) و هذا يدل على تقديمهم المثل فى القيمى، اذا وجد المثل له (لكن) لا يمكن ان يعتمد على هذه الفتوى فى جواز ان المثل فى القيمى جائز و (لعله) افتى الشهيدان بذلك لا من جهة اعطاء المثل مكان القيمى، بل (من جهة صدق اداء القرض باداء العين) اى اداء عينه التى اقترضها من المالك (لا من جهة ضمان القيمى بالمثل، و لذا) الّذي ذكرنا من ان القيمى انما يعطى القيمة بدلا له، لا المثل، و إن كان المثل يماثله من جميع الجهات (اتفقوا على عدم وجوب قبول غيرها) اى غير القيمة (و إن كان) ذلك العين (مماثلا لها) اى للقيمى (من جميع الجهات)

هذا مع وجود المثل للقيمى (و اما مع عدم وجود المثل للقيمى التالف) كما هو الغالب (فمقتضى الدليلين) السابقين: على اليد ما اخذت، المستفاد منه عرفا المثل، و آية: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ (عدم سقوط المثل من الذمة بالتعذر) بل المثل فى الذمة حتى اذا أراد اعطائه ابد له بالثمن فى نفس وقت الاعطاء (كما لو تعذر المثل فى المثلى فيضمن بقيمته يوم الدفع) لا يوم التلف (كالمثلى) الّذي هو كذلك مضمون بقيمة

ص: 96

و لا يقولون به، و أيضا فلو فرض نقصان المثل عن التالف، من حيث القيمة نقصانا فاحشا، فمقتضى ذلك عدم وجوب الزام المالك بالمثل لاقتضائها اعتبار المماثلة فى الحقيقة و المالية.

مع ان المشهور- كما يظهر من بعض- الزامه به، و ان قوى خلافه بعض

______________________________

يوم الدفع لو تعذر المثل (و) الحال انهم (لا يقولون به) اذ بنائهم على الانتقال الى القيمة بمجرد التلف (و أيضا) يرد على استفادة المثل فى المثلى، و القيمة فى القيمى، من آية: الاعتداء، و اطلاق: دليل الضمان، اشكال آخر- و هذا عطف على قوله: نعم الانصاف- (فلو فرض نقصان المثل عن التالف، من حيث القيمة، نقصانا فاحشا) بان كان التالف من الحنطة يسوى الف دينار، ثم رخصت فصارت مائة دينار (فمقتضى ذلك) الّذي تقدم من: اعتبار المماثلة جنسا و قيمة- لانه المثل حقيقة- (عدم وجوب الزام) المتلف (المالك بالمثل) بل للمالك الحق فى ان يأخذ المثل باعتبار المماثلة فى الجنس، او يأخذ القيمة للمماثلة فى القيمة (لاقتضائها) علة عدم وجوب- و الضمير عائد الى الآية، او: لاقتضائهما، فالضمير عائد الى الآية و العرف، (اعتبار المماثلة فى الحقيقة) اى الجنس (و المالية) فاذا لم يجتمعا جاز للمالك اختيار احدهما، فلا يحق للمتلف جبره بالمثل.

(مع ان المشهور- كما يظهر من بعض- الزامه به) اى بالمثل، و ان كان انقص مالا، نقصانا فاحشا (و ان قوى خلافه) اى خلاف ذلك بان يكون للمالك حق اخذ القيمة (بعض) الفقهاء.

ص: 97

بل ربما احتمل جواز دفع المثل، و لو سقط من القيمة بالكلية، و ان كان الحق خلافه.

فتبين ان النسبة بين مذهب المشهور، و مقتضى العرف و الآية عموم من وجه، فقد يضمن بالمثل بمقتضى الدليلين، و لا يضمن به عند المشهور، كما فى المثالين المتقدمين

______________________________

(بل ربما احتمل جواز دفع المثل، و لو سقط من القيمة بالكلية) كالجمد فى الشتاء، و الورقة النقدية الساقطة عن الاعتبار (و ان كان الحق خلافه) و انه حين السقوط عن القيمة لا يكفى فى كونه اداء للدين، و رفعا للضمان، لعدم صدق: حتى تؤدى، عليه فانه ليس اداء لما اخذه- عرفا-

(فتبين ان النسبة بين مذهب المشهور) القائلين: بالمثل فى المثلى و القيمة فى القيمى (و مقتضى العرف) الّذي استفاده من اطلاقات ادلة الضمان (و الآية) اى قوله سبحانه: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ، (عموم من وجه)

فكيف يمكن ان يجعل العرف و الآية، دليلا على مذهب المشهور (فقد يضمن بالمثل بمقتضى الدليلين) العرف و الآية (و لا يضمن به عند المشهور) اى المشهور لا يقولون: بضمانه بمثله (كما فى المثالين المتقدمين) اى مثال الكرباس، و مثال: اتلف له عبدا، و له فى ذمة المالك عبد مثله فان فى المثالين حسب العرف و الآية، يلزم ان نقول بانه ضامن لمثله، مع ان المشهور لا يقولون بالمثل، و انما بالقيمة.

ص: 98

و قد ينعكس الحكم كما فى المثال الثالث.

و قد يجتمعان فى المضمون به، كما فى اكثر الامثلة.

ثم ان الاجماع على ضمان القيمى بالقيمة- على تقدير تحققه- لا يجدى بالنسبة الى ما لم يجمعوا على كونه قيميا، ففى موارد الشك يجب الرجوع الى المثل، بمقتضى الدليل السابق

______________________________

(و قد ينعكس الحكم) بان يضمن بالمثل، و الحال ان مفاد الدليلين عدم الضمان بالمثل (كما فى المثال الثالث) و هو ما اذا نقصت قيمة المثل نقصانا فاحشا، او سقط عن القيمة اصلا- على قول بعض- فانه لا يضمن بالمثل حسب الآية و العرف، لان الباقى ليس مثل التالف- اذ العرف و الآية حسب ظاهرها، تعتبر المالية و الجنسية، و هذا ليس بمثل التالف قيمة- مع ان المشهور يقولون بانه ضامن بمثله، و إن كان انقص قيمة.

(و قد يجتمعان) اى المشهور، و الآية، و العرف (فى المضمون به) اى ما يضمنه الضامن (كما فى اكثر الامثلة) كما لو اتلف الحنطة و كانت قيمتها وقت الاداء مساوية لقيمتها وقت التلف، فان المشهور يقولون: بوجوب اعطاء المثل، و كذلك هو مفاد الآية و العرف

(ثم ان الاجماع على ضمان القيمى بالقيمة- على تقدير تحققه-) اى تحقق الاجماع (لا يجدى بالنسبة الى ما لم يجمعوا على كونه قيميا) بان اختلفوا فى انه هل هو قيمى او مثلى- كما عرفت فى بعض الامثلة السابقة- (ففى موارد الشك) فى انه مثلى، او قيمى (يجب الرجوع الى المثل، بمقتضى الدليل السابق) و هو اطلاق ادلة الضمان الظاهر، فى المثل- بمعونة فهم

ص: 99

و عموم الآية، بناء على ما هو الحق المحقق من ان: العام المخصص بالمجمل مفهوما، المتردد بين الاقل و الاكثر، لا يخرج عن الحجية بالنسبة الى موارد الشك.

فحاصل الكلام: ان ما اجمع على كونه مثليا، يضمن

______________________________

العرف- (و) بمقتضى (عموم الآية) اى قوله سبحانه: بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ، اذ الظاهر منها: المثل، الا ما خرج بالدليل.

فان قلت: كيف يتمسك بالعموم فى الشبهة المصداقية، اذ نشك فى ان: الشي ء الفلانى، مثلى أم لا؟، فكيف يقال: بوجوب اعطاء المثل بدليل آية: بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ.

قلت: هذا (بناء على ما هو الحق المحقق) فى الاصول (من ان العام المخصص بالمجمل مفهوما، المتردد) ذلك المجمل (بين الاقل و الاكثر) لا بين المتباينين (لا يخرج عن الحجية بالنسبة الى موارد الشك) مثلا لو قال: اكرم العلماء، ثم قال: لا تكرم الفساق، و كان لفظ الفاسق: مجملا مفهوما و انه هل المراد به مرتكب الكبيرة فقط، او الاعم من مرتكب الكبيرة و الصغيرة، فان حجية العام بالنسبة الى مرتكب الصغيرة باقية لان مرتكب الصغيرة داخل فى العام و لم يعلم بخروجه منه، و المقام هكذا، الا أن:

المثل، عام شامل للمثلى و القيمى، خرج منه: القيمى، فاذا شك فى شي ء انه قيمى أم لا كان اللازم التمسك بعموم الآية.

(فحاصل الكلام) فى باب الضمان (ان ما اجمع على كونه مثليا يضمن

ص: 100

بالمثل مع مراعاة الصفات التى يختلف بها الرغبات، و ان فرض نقصان قيمته فى زمان الدفع، او مكانه عن قيمة التالف، بناء على تحقق الاجماع على اهمال هذا التفاوت.

مضافا الى الخبر الوارد: فى ان اللازم على من عليه دراهم الثابت فى ذمة من اقترض دراهم، و اسقطها السلطان، و روج غيرها، هى الدراهم الاولى

و ما اجمع على كونه قيميا يضمن بالقيمة، بناء على ما سيجي ء

______________________________

بالمثل) فيما اذا اتلفه متلف، او نحو ذلك (مع مراعات الصفات التى يختلف بها الرغبات) فى باب الامثال، مثلا اذا كانت صفة الكربلائية و البغدادية فى الحنطة تختلف بها الرغبات، كان اللازم ضمان الكربلائية بالكربلائية و البغدادية بالبغدادية و هكذا (و ان فرض نقصان قيمته) اى قيمة المثل (فى زمان الدفع، او مكانه عن قيمة التالف) كما لو كانت قيمة التالف عشرة، و قيمة المثل خمسة مثلا (بناء على تحقق الاجماع على اهمال هذا التفاوت) فان الفقهاء اجمعوا على انه لا اعتبار بالتفاوت القيمى فى الامثال فالمثل مضمون بمثله سواء كان اكثر قيمة، او اقل، او مساويا،

و (مضافا الى) الاجماع، يدل على اهمال التفاوت (الخبر الوارد فى ان اللازم على من عليه دراهم الثابت فى ذمة من اقترض دراهم، و اسقطها السلطان، و روّج غيرها، هى الدراهم الاولى) مع وضوح ان الدراهم الاولى باسقاط السلطان لها تقل قيمتها، فان للسكة و اعتبار السلطان قسطا من المالية كما لا يخفى.

(و ما اجمع على كونه قيميا يضمن بالقيمة) لا المثل (بناء على ما سيجي ء)

ص: 101

من الاتفاق على ذلك، و ان وجد مثله، او كان مثله فى ذمة المالك

و ما شك فى كونه قيميا، او مثليا، يلحق بالمثلى، مع عدم اختلاف قيمتى المدفوع، و التالف، مع الاختلاف، الحق بالقيمى، فتأمل.

«الخامس»: ذكر فى القواعد: انه لو لم يوجد المثل الّا بأكثر من ثمن المثل

______________________________

فى الامر السابع (من الاتفاق على ذلك) اى ضمانه بالقيمة (و ان وجد مثله) كالكرباس فى المثال المتقدم (او كان مثله فى ذمة المالك) بان اتلف زيد مترا من كرباس عمرو، و كان لزيد فى ذمة عمرو كرباسا مثله، فانه لا يتهاتر المتران تهاترا قهريا، كما فى المثلى الّذي نقول بالتهاتر فيه (و ما شك فى كونه قيميا، او مثليا يلحق بالمثلى) لما عرفت من قاعدة التمسك بالعام فى مورد الشك فى دخول شي ء فى المخصص (مع عدم اختلاف قيمتى المدفوع و التالف) كما لو شك فى ان الرطب مثلى، او قيمى، لاختلاف الفقهاء فيه فانه مع عدم الاختلاف فى القيمة يقال انه مثلى، و (مع الاختلاف)- بان كان التالف عشرة و المدفوع خمسة- (الحق بالقيمى) فيدفع قيمته لا مثله، اذ قد عرفت ان العرف يرى المماثلة فى الجنس و القيمة، فاذا اختلفا كان المعيار القيمة، لان القصد الاول للناس الماليات، لا الشكيات (فتأمل) اذ مع الاختلاف أيضا يجب ان يلحق بالمثلى لما عرفت من: قاعدة التمسك بالعام فى المشكوك خروجه.

( «الخامس») من فروع ما ابتاعه بالعقد الفاسد (ذكر فى القواعد انه لو لم يوجد المثل الا باكثر من ثمن المثل) مثلا: اتلف حقة من الحنطة و

ص: 102

ففى وجوب الشراء تردد انتهى.

اقول: كثرة الثمن ان كانت لزيادة القيمة السوقية للمثل بان صارت قيمته اضعاف قيمة التالف يوم تلفه، فالظاهر انه: لا اشكال فى وجوب الشراء، و لا خلاف، كما صرح به فى الخلاف حيث قال: اذا غصب ماله مثل، كالحبوب «كاللحوم خ ل» و الادهان، فعليه مثل ما تلف فى يده، يشتريه باىّ ثمن كان، بلا خلاف، و فى المبسوط: يشتريه باى ثمن كان اجماعا انتهى، و وجهه: عموم النص و الفتوى بوجوب المثل فى المثلى

______________________________

قيمتها المتعارفة الآن خمسة دراهم، لكنها لم يوجد الآن بعشرة دراهم (ففى وجوب الشراء تردد انتهى) و كأنه لقاعدة: الضمان، المقتضية للشراء، و لقاعدة: لا ضرر، خصوصا فيما اذا لم يكن التلف بمثل الغصب و نحوه

(اقول: كثرة الثمن إن كانت لزيادة القيمة السوقية للمثل بان صارت قيمته اضعاف قيمة التالف يوم تلفه، فالظاهر انه: لا اشكال فى وجوب الشراء، و لا خلاف) بين الفقهاء فى ذلك (كما صرح به فى الخلاف، حيث قال: اذا غصب ماله مثل، كالحبوب و الادهان، فعليه مثل ما تلف فى يده يشتريه باى ثمن كان، بلا خلاف) انتهى كلام الشيخ (و فى المبسوط:

يشتريه باى ثمن كان اجماعا انتهى) كلامه (و وجهه: عموم النص) و هو:

على اليد ما اخذت (و الفتوى: بوجوب المثل فى المثلى) و عموم الفتوى مؤيد اذ يظهر منه فهم الفقهاء من الادلة، ففهمهم دليل انّى للحكم اذ:

مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ رَسُولٍ إِلّٰا بِلِسٰانِ قَوْمِهِ.

ص: 103

و يؤيده: فحوى حكمهم بان تنزل قيمة المثل حين الدفع عن يوم التلف لا يوجب الانتقال الى القيمة، بل ربما احتمل بعضهم ذلك، مع سقوط المثل فى زمان الدفع عن المالية كالماء على الشاطئ، و الثلج فى الشتاء.

و اما ان كان لاجل تعذر المثل، و عدم وجدانه الّا عند من يعطيه بازيد مما يرغب فيه الناس، مع وصف الاعواز بحيث يعدّ بذل ما يريد مالكه بإزائه ضررا

______________________________

(و يؤيده) وجوب الشراء و لو باضعاف القيمة (فحوى) و المفهوم من (حكمهم بان تنزل قيمة المثل حين الدفع عن يوم التلف، لا يوجب الانتقال الى القيمة) مثلا كانت الحنطة عشرة، فصارت خمسة.

و وجه الفحوى انه اذا كان المعيار المثل، فى حال التنزل كان المثل معيارا فى حال الترقى، و الّا لم يصح المثل فى حال التنزل أيضا (بل ربما احتمل بعضهم ذلك) المثل (مع سقوط المثل فى زمان الدفع عن المالية كالماء على الشاطئ و الثلج فى الشتاء)

لكن ربما يقال: بان هذا ليس بمثل، فلا يصدق عليه: ما اخذت، و قد تقدم فى الامر السابق الاشارة إليه.

(و اما إن كان) غلاء المثل (لاجل تعذر المثل و عدم وجدانه الا عند من يعطيه بازيد مما يرغب فيه الناس) فمثلا الناس يرغبون فى الصيف فى الثلج بقيمة درهم، و الّذي عنده يعطيه بدينار (مع وصف الاعواز) و العدم فى الخارج (بحيث يعد بذل ما يريد مالكه) من القيمة (بإزائه ضررا

ص: 104

عرفا و الظاهر: ان هذا هو المراد بعبارة القواعد، لان الثمن فى الصورة الاولى ليس بازيد من ثمن المثل، بل هو ثمن المثل، و انما زاد على ثمن التالف يوم التلف، و حينئذ فيمكن التردد فى الصورة الثانية، كما قيل:

من ان الموجود باكثر من ثمن المثل كالمعدوم كالرقبة فى الكفارة و الهدى و انه يمكن معاندة البائع، و طلب اضعاف القيمة، و هو ضرر

______________________________

عرفا) و يأتى جواب: اما، عند قوله: فحينئذ، اما قوله: و الظاهر، الخ فى الجملة معترضة (و الظاهر ان هذا) المعنى و هو زيادة القيمة لاجل تعذر المثل فى مقابل زيادة القيمة السوقية (هو المراد بعبارة القواعد) المذكورة فى اوّل: الخامس، (لان الثمن فى الصورة الاولى) و هى صورة زيادة القيمة السوقية (ليس بازيد من ثمن المثل، بل هو ثمن المثل و انما زاد) ثمن المثل (على ثمن التالف يوم التلف) فقول القواعد، و الا باكثر من ثمن: المثل، لا ينطبق على الصورة الاولى و انما ينطبق على الصورة الثانية (و حينئذ) اى حين كان الزيادة لاجل التعذر (فيمكن التردد فى الصورة الثانية) و هو صورة الزيادة لاجل التعذر (كما قيل من ان الموجود باكثر من ثمن المثل كالمعدوم، كالرقبة فى الكفارة و الهدى) فانه فى صورة العدم او صورة كونها اكثر الملحق بالمعدوم تنتقل الكفارة الى المرتبة الثانية- فيما لو كانت الكفارة مرتبة- و كذلك الهدى فى باب الحج لو كان معدوما او ملحقا بالمعدوم انتقل التكليف الى الصيام الّذي هو بدل الهدى (و انه يمكن معاندة البائع) للمثل (و طلب اضعاف القيمة، و هو ضرر) على المكلف بالمثل، و لا ضرر فى الاسلام، و هذان الوجهان اى: من ان الموجود

ص: 105

و لكن الاقوى مع ذلك وجوب الشراء وفاقا للتحرير كما عن الايضاح، و الدروس، و جامع المقاصد، بل اطلاق السرائر و نفى الخلاف المتقدم عن الخلاف، لعين ما ذكر فى الصورة الاولى ثم انه لا فرق فى جواز مطالبة المالك بالمثل بين كونه فى مكان التلف، او غيره و لا بين كون قيمته فى مكان المطالبة ازيد من قيمته فى مكان التلف أم لا؟ وفاقا لظاهر المحكى عن السرائر و التذكرة، و الايضاح و الدروس، و جامع لمقاصد، و فى السرائر انه الّذي يقتضيه عدل الاسلام

______________________________

و: انه يمكن، كلاهما وجه الانتقال الى القيمة، اما وجه عدم الانتقال فهو ما ذكره بقوله:

(و لكن الاقوى مع ذلك وجوب الشراء) للمثل و لو بالازيد (وفاقا للتحرير كما عن الايضاح، و الدروس، و جامع المقاصد، بل اطلاق السرائر) يشمله أيضا (و نفى الخلاف المتقدم عن الخلاف) أيضا يشمل ما نحن فيه من صورة زيادة القيمة، و انه يجب اعطاء المثل و إن كان ضررا للمشترى (لعين ما ذكر فى الصورة الاولى) اى صورة زيادة القيمة السوقية، اى عموم النص و الفتوى بلزوم دفع المثل فى المثلى.

(ثم انه لا فرق فى جواز مطالبة المالك) الضامن (بالمثل بين كونه فى مكان التلف، او غيره) لاطلاق الادلة (و لا بين كون قيمته فى مكان المطالبة ازيد من قيمته فى مكان التلف، أم لا؟) كما لو اتلفه فى كربلاء، و طلب منه فى بغداد، و كانت قيمته فى بغداد ضعف قيمته فى كربلاء (وفاقا لظاهر المحكى عن السرائر و التذكرة، و الايضاح، و الدروس، و جامع المقاصد و فى السرائر انه) اى حق المطالبة مطلقا (الّذي يقتضيه عدل الاسلام

ص: 106

و الادلة، و اصول المذهب، و هو كذلك لعموم: الناس مسلطون على اموالهم، هذا مع وجود المثل فى بلد المطالبة، و اما مع تعذره فسيأتى حكمه فى المسألة السادسة

«السادس»: لو تعذر المثل فى المثلى، فمقتضى القاعدة: وجوب دفع القيمة مع مطالبة المالك،
اشارة

لان منع المالك ظلم، و الزام الضامن بالمثل منفى بالتعذر فوجب القيمة جمعا بين الحقين

______________________________

و الادلة، و اصول المذهب) فان العدل يقتضي تسليط المالك على الضامن مطلقا، و الادلة مثل: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ، و اصول المذهب الواردة عن الائمة الطاهرين مما دل على اطلاق الضمان مثل: على اليد، (و هو كذلك) له الحق فى المطالبة مطلقا (لعموم: الناس مسلطون على اموالهم) فان السلطة المطلقة قاضية بجواز الاستيلاء عليه فى كل مكان، و بكل صورة، صورة الزيادة و عدم الزيادة (هذا مع وجود المثل فى بلد المطالبة و اما مع تعذره) فى بلد المطالبة (فسيأتى حكمه فى المسألة السادسة) إن شاء الله تعالى

( «السادس» لو تعذر المثل فى المثلى، فمقتضى القاعدة: وجوب دفع القيمة مع مطالبة المالك) اما مع عدم المطالبة، فلا اشكال فى جواز بقاء الضمان، و هل يجب للمالك اخذ القيمة لو اراد الضامن افراغ ذمته أم لا؟

احتمالان (لان منع المالك) حتى يجد المثل و لو بعد سنوات (ظلم، و الزام الضامن: بالمثل منفى بالتعذر) لأن التكليف بالممتنع محال، و إن كان الشخص، هو الّذي سبب هذا الامتناع (فوجب القيمة، جمعا بين الحقين) حق المالك و حق الغاصب.

ص: 107

مضافا الى قوله تعالى: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ، فان الضامن اذا الزم بالقيمة مع تعذر المثل، لم يعتد عليه ازيد مما اعتدى و اما مع عدم مطالبة المالك فلا دليل على الزامه بقبول القيمة لأن المتيقن ان دفع القيمة علاج لمطالبة المالك و جمع بين حق المالك بتسليطه على المطالبة، و حق الضامن بعدم تكليفه بالمعذور، او المعسور اما مع عدم المطالبة فلا دليل على سقوط حقه عن المثل.

و ما ذكرنا يظهر من المحكى عن التذكرة و الايضاح حيث ذكرا فى رد

______________________________

(مضافا الى قوله تعالى: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ، فان الضامن اذا الزم بالقيمة مع تعذر المثل، لم يعتد عليه ازيد مما اعتدى) بل هو بمثل اعتدائه.

هذا مع مطالبة المالك (و اما مع عدم مطالبة المالك) للقيمة فى صورة تعذر المثل (فلا دليل على الزامه بقبول القيمة) ان اراد الضامن ابراء ذمته (لان المتيقن ان دفع القيمة علاج لمطالبة المالك) فى صورة تعذر المثل (و جمع بين حق المالك بتسليطه) الشارع (على المطالبة، و حق الضامن) الّذي لا يجد المثل (بعدم تكليفه بالمعذور، او المعسور) لعموم ادلة:

رفع العسر (اما مع عدم المطالبة) اى مطالبة المالك (فلا دليل) على الزامه باخذ القيمة و (على سقوط حقه عن المثل) الّذي هو الواجب الاولى على الضامن.

(و ما ذكرنا) من عدم الزام المالك باخذ القيمة فى صورة تعذر المثل (يظهر من المحكى عن: التذكرة، و الايضاح حيث ذكرا فى ردّ

ص: 108

بعض الاحتمالات الآتية- فى حكم تعذر المثل- ما لفظه أن المثل لا يسقط بالاعواز، الا ترى ان المغصوب منه لو صبر الى زمان وجدان المثل ملك المطالبة به و انما المصير الى القيمة وقت تغريمها، انتهى، لكن اطلق كثير منهم الحكم بالقيمة عند تعذر المثل، و لعلهم يريدون صورة المطالبة و الا فلا دليل على الاطلاق.

و يؤيد ما ذكرنا أن المحكى عن الاكثر- فى باب القرض- ان المعتبر فى المثل المتعذر قيمته يوم المطالبة.

______________________________

بعض الاحتمالات الآتية- فى حكم تعذر المثل- ما لفظه) الدال على عدم الالزام فى صورة التعذر (ان المثل لا يسقط بالاعواز، الا ترى أنّ المغصوب منه لو صبر الى زمان وجد ان المثل ملك المطالبة به) و لو كان المثل يسقط بالاعواز، لم يكن وجه لمطالبة المالك بالمثل، زمان وجوده بعد أن فقد، لانه تبدل الى القيمة (و انما المصير الى القيمة وقت تغريمها) اى إرادة المالك اخذ القيمة من الضامن (انتهى، لكن اطلق كثير منهم الحكم بالقيمة عند تعذر المثل) بدون فرق بين المطالبة و عدمها (و لعلهم يريدون صورة المطالبة) من المالك عن الضامن (و الّا فلا دليل على الاطلاق) المذكور اى لصورة عدم المطالبة أيضا.

(و يؤيد ما ذكرنا) من اختصاص القيمة بصورة المطالبة (ان المحكى عن الاكثر- فى باب القرض- ان المعتبر فى المثل المتعذر قيمته يوم المطالبة) فالتحول الى القيمة انما هو لدى المطالبة، و لو كان التحول

ص: 109

نعم: عبر بعضهم بيوم الدفع، فليتأمل.

و كيف كان: فلنرجع الى حكم المسألة، فنقول: ان المشهور انّ العبرة فى قيمة المثل المتعذر بقيمته يوم الدفع، لان المثل، ثابت فى الذمة الى ذلك الزمان، و لا دليل على سقوطه بتعذره كما لا يسقط الدين بتعذر ادائه و قد صرح بما ذكرنا المحقق الثانى، و قد عرفت من التذكرة، و الايضاح: ما يدل عليه و يحتمل اعتبار وقت تعذر المثل، و هو للحلى، فى البيع الفاسد، و للتحرير فى باب

______________________________

عند التعذر لكان اللازم ان يقولوا: قيمة يوم التعذر.

(نعم: عبر بعضهم بيوم الدفع) الظاهر فى صحة اعطاء القيمة يوم يريد المقترض الدفع، لا يوم المطالبة (فليتأمل) اذ من الممكن ان يكون مراده بيوم الدفع، هو يوم المطالبة.

(و كيف كان: فلنرجع الى حكم المسألة) فيما لو تعذر المثل فى المثلى (فنقول: ان المشهور انّ العبرة فى قيمة المثل المتعذر) ذلك المثل (بقيمته يوم الدفع) بقيمة، متعلق: بالعبرة، (لان المثل، ثابت فى الذمة الى ذلك الزمان) الّذي هو زمان الدفع (و لا دليل على سقوطه) اى سقوط المثل (بتعذره) اى فيما لو تعذر المثل (كما لا يسقط الدين بتعذر ادائه) اذ لا وجه للسقوط مع امكان ادائه بعدا (و قد صرح بما ذكرنا) من عدم السقوط بالتعذر (المحقق الثانى، و قد عرفت من التذكرة، و الايضاح:

ما يدل عليه) و ان العبرة بيوم الدفع (و يحتمل اعتبار وقت تعذر المثل و هو) اى هذا الاحتمال (للحلى، فى البيع الفاسد، و للتحرير فى باب

ص: 110

القرض، و محكى عن المسالك، لانه وقت الانتقال الى القيمة

و يضعفه: انه ان اريد بالانتقال انقلاب ما فى الذمة الى القيمة فى ذلك الوقت، فلا دليل عليه، و ان: اريد عدم وجوب اسقاط ما فى الذمة الا بالقيمة فوجوب الاسقاط بها و ان حدث يوم التعذر مع المطالبة الا انه لو اخر الاسقاط بقى المثل فى الذمة الى تحقق الاسقاط، و اسقاطه فى كل زمان باداء قيمته فى ذلك الزمان، و ليس فى الزمان الثانى مكلفا بما

______________________________

القرض، و محكى عن المسالك) أيضا (لانه) اى وقت تعذر المثل (وقت الانتقال الى القيمة) اذ المتعذر لا يعقل ان يكلف به، و السقوط لا وجه له، فلا يبقى الا القيمة.

(و يضعفه: انه ان اريد بالانتقال انقلاب ما فى الذمة الى القيمة فى ذلك الوقت، فلا دليل عليه) اذ الانقلاب خلاف الاصل، و لا يكون الا بقلب المالك بمعاوضة و نحوها، او قلب الشارع، و الاول لم يكن، و الثانى لا دليل عليه (و ان: اريد عدم وجوب اسقاط ما فى الذمة الا بالقيمة) يعنى ان الواجب اسقاط الضامن لما فى ذمته، بدفع قيمته الشي ء الى المالك (فوجوب الاسقاط بها) اى بالقيمة (و ان حدث يوم التعذر مع المطالبة) لان المالك اذا طالب، و لم يمكن المثل وجب ابقاء حقه باعطاء القيمة (الا انه لو اخر الاسقاط) عصيانا، كما لو لم يعطه مع المطالبة او من دون عصيان (بقى المثل فى الذمة الى تحقق الاسقاط، و) من المعلوم ان (اسقاطه فى كل زمان) انما هو (باداء قيمته فى ذلك الزمان) سواء كانت القيمة فى ذلك الزمان اقل، او اكثر (و ليس فى الزمان الثانى مكلفا بما

ص: 111

صدق عليه الاسقاط فى الزمان الاول.

هذا و لكن لو استندنا فى لزوم القيمة فى المسألة الى ما تقدم سابقا من الآية و من: ان المتبادر من اطلاقات الضمان، هو وجوب الرجوع الى اقرب الاموال الى التالف، بعد تعذر المثل، توجه القول بصيرورة التالف قيميا، بمجرد تعذر المثل، اذ لا فرق فى تعذر المثل بين تحققه ابتداءً، كما فى القيميات

______________________________

صدق عليه الاسقاط فى الزمان الاول) فلو كان فى الزمان الاول عشرة، و فى الزمان الثانى خمسة، لم يكن مكلفا بعشرة، لان المثل لم ينقلب الى القيمة فى الزمان الاول، و انما ينقلب حين الاعطاء

(هذا) تمام الكلام فى عدم اعتبار يوم التعذر (و لكن لو استندنا فى لزوم القيمة فى المسألة) اى مسألة تعذر المثل (الى ما تقدم سابقا من الآية) اى آية: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ (و من: ان المتبادر من اطلاقات الضمان هو وجوب الرجوع الى اقرب الاموال الى التالف) و اقرب الاموال الى التالف المثل حين وجوده ف (بعد تعذر المثل، توجه القول بصيرورة التالف قيميا، بمجرد تعذر المثل) فالاعتبار بالقيمة يوم التعذر لا يوم الوفاء، فكانه اذا تلف المال يقول الشارع: اعط اقرب الاموال الى التالف ففى زمان المثل اقرب الاموال هو المثل، و فى زمان تعذره اقرب الاموال هو القيمة، و اذا انتقل الضمان الى القيمة، بقيت القيمة فى الذمة، سواء ارتفعت قيمة المثل بعد ذلك أم لا؟. (اذ لا فرق فى تعذر المثل) الموجب للانتقال الى القيمة (بين تحققه ابتداءً، كما فى القيميات) فانه بمجرد

ص: 112

و بين طروّه بعد التمكن، كما فى ما نحن فيه.

و دعوى اختصاص الآية و اطلاقات الضمان بالحكم بالقيمة بتعذر المثل ابتداءً، لا يخلو عن تحكم.

ثم ان فى المسألة احتمالات آخر ذكر اكثرها فى القواعد، و قوى بعضها فى الايضاح، و بعضها بعض الشافعية، و حاصل جميع الاحتمالات

______________________________

التلف، تجب قيمته، اذ لا مثل له (و بين طروه) اى عروض التعذر (بعد التمكن) من المثل (كما فى ما نحن فيه) حيث كان المثل موجودا حين التلف، و انما تعذر المثل بعد ذلك

(و دعوى) الفرق بين التعذر الابتدائى، و التعذر الطارئ بسبب (اختصاص الآية): فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ (و اطلاقات الضمان) المنصرف الى ما يفهم العرف من المثل فى المثلى، و القيمة فى القيمى (بالحكم بالقيمة ب) سبب (تعذر المثل ابتداءً) لا عروضا بعد ذلك (لا يخلو عن تحكم).

فاللازم: اما القول بانتقال التالف الى الذمة، فان اراد الاعطاء لزم اعطاء قيمة ذلك اليوم فى كليهما.

و اما القول بالتبدل الى القيمة يوم التعذر، سواء فى القيمى او فى المثلى، اما التفكيك بينهما فلا وجه له.

(ثم ان فى المسألة) اى مسألة تعذر المثل (احتمالات اخر) بعد الاحتمالين الاولين، و هما: احتمال اعتبار قيمة يوم التعذر، و احتمال اعتبار قيمة يوم الاداء (ذكر اكثرها فى القواعد، و قوى بعضها فى الايضاح، و بعضها بعض الشافعية، و حاصل جميع الاحتمالات) المتقدمة و الآتية

ص: 113

فى المسألة مع مبانيها انه اما: ان نقول: باستقرار المثل فى الذمة الى او ان الفراغ منه بدفع القيمة و هو الّذي اخترناه تبعا للاكثر من اعتبار القيمة عند الاقباض، و ذكره فى القواعد: خامس الاحتمالات و اما أن نقول: بصيرورته قيميا عند الاعواز فاذا صار كذلك فاما ان نقول: ان المثل المستقر فى الذمة قيمى، فيكون القيمة صفة للمثل، بمعنى انه لو تلف، و جبت قيمته و اما ان نقول: ان المغصوب انقلب قيميا بعد إن كان مثليا

______________________________

(فى المسألة مع مبانيها انه اما: ان نقول: باستقرار المثل فى الذمة الى اوان الفراغ منه بدفع القيمة) اى قيمة يوم الدفع (و هو الّذي اخترناه تبعا للاكثر من اعتبار القيمة عند الاقباض، و ذكره فى القواعد خامس الاحتمالات) فى المسألة (و اما ان نقول: بصيرورته قيميا عند الاعواز) و الفقد للمثل (فاذا صار كذلك) اى قيميا (فاما ان نقول: ان المثل المستقر فى الذمة قيمى، فيكون القيمة صفة للمثل) اى مثله فى القيمة (بمعنى انه لو تلف، وجبت قيمته) لا بمعنى ما لا يتساوى اجزائه.

و الحاصل انه قد يقال: الشي ء الفلانى قيمى، و يراد به ما لا يتساوى اجزائه فى القيمة، و قد يقال: الشي ء الفلانى قيمى، و يراد به انه لو تلف وجبت قيمته، و المراد هنا المعنى الثانى (و اما ان نقول: ان المغصوب انقلب قيميا) بالاعواز (بعد إن كان مثليا).

و الفرق انه بناء على قول الشيخ: باستقرار المثل، ان الحنطة باقية فى الذمة الى يوم اعطاء قيمتها.

و بناء على القول الثانى: المثل المستقر، ان الحنطة عند التلف انقلبت الى

ص: 114

فان قلنا: بالاول، فان جعلنا الاعتبار فى القيمى بيوم التلف، كما هو احد الاقوال، كان المتعين قيمة المثل يوم الاعواز كما صرح به فى السرائر: فى البيع الفاسد، و التحرير فى باب القرض لانه يوم تلف القيمى و ان جعلنا الاعتبار فيه بزمان الضمان كما هو القول الآخر فى القيمى كان المتجه اعتبار زمان تلف العين، لانه

______________________________

قيمة المثل، فالقيمة واجبة، و فى الذمة، لا المثل، لكن قيمة المثل فالمثل ان ترقى وجبت القيمة المترقية و ان تنزل وجبت القيمة المتنزلة.

و بناء على القول الثالث: ان المغصوب، ان الحنطة بمجرد التلف انقلبت الى قيمة جامدة، فسواء ترقى المثل او تنزل تكون فى ذمة التالف قيمة ثابتة هى قيمة يوم التلف (فان قلنا: بالاول) اى ما اشار إليه بقوله:

فاما ان نقول ان المثل المستقر فى الذمة، (فان جعلنا الاعتبار فى القيمى بيوم التلف، كما هو احد الاقوال) و ان الشي ء القيمى اذا تلف لزم على الضامن اعطاء قيمته يوم التلف (كان المتعين قيمة المثل يوم الاعواز) لان حاله حال القيمى حينئذ (كما صرح به فى السرائر: فى البيع الفاسد، و التحرير فى باب القرض لانه يوم تلف القيمى) و حال تعلق القيمة بذمة التالف (و ان جعلنا الاعتبار فيه) اى فى القيمى (بزمان الضمان) لا يوم التلف، كما لو سرق عبد زيد يوم الجمعة، و كان يسوى الفا، و تلف يوم السبت و كان يسوى خمسمائة- مثلا- فان القول الاول، يقول: بضمان الخمسمائة، و القول الثانى يقول: بضمان الألف (كما هو) اى زمان الضمان (القول الآخر فى القيمى كان المتجه) فى المثلى أيضا (اعتبار زمان تلف العين، لانه

ص: 115

اوّل ازمنة وجوب المثل فى الذمة المستلزم لضمانه بقيمته عند تلفه و هذا مبنى على القول بالاعتبار فى القيمى بوقت الغصب، كما عن الاكثر، و ان جعلنا الاعتبار فيه باعلى القيم من زمان الضمان الى زمان التلف، كما حكى عن جماعة من القدماء فى الغصب، كان المتجه، الاعتبار باعلى القيم من يوم تلف العين الى زمان الاعواز

و ذكر هذا الوجه فى القواعد ثانى الاحتمالات و ان قلنا: ان التالف انقلب قيميا

______________________________

اوّل ازمنة وجوب المثل فى الذمة المستلزم) وجوب المثل (لضمانه) اى المثل (بقيمته عند تلفه) و الضميران المجروران يرجعان الى: المثل، و: عند، ظرف للضمان (و هذا: مبنى على القول بالاعتبار فى القيمى بوقت الغصب، كما عن الاكثر) لانه وقت الضمان (و ان جعلنا الاعتبار فيه) اى فى القيمى (باعلى القيم من زمان الضمان الى زمان التلف) سواء كان اعلى القيم حين الضمان، او حين التلف، او فى الوسط؟ (كما حكى عن جماعة من القدماء فى الغصب) فاذا غصب شاة فترقت، و تنزلت، كان اللازم اعطائه لا على القيم، قالوا لأن الغاصب يؤخذ باشقّ الاحوال (كان المتجه) فى المثلى (الاعتبار باعلى القيم، من يوم تلف العين الى زمان الاعواز) فاذا كان يوم التلف عشرة و يوم الاعواز للمثل عشرين، كان اللازم دفع العشرين، و كذلك اذا انعكس الامر، بان كان أولا عشرين، ثم عشرة.

(و ذكر هذا الوجه) اى اعلى القيم (فى القواعد ثانى الاحتمالات) الخمسة التى ذكرها (و ان قلنا: ان التالف انقلب قيميا) بعد ان كان مثليا- و هذا هو

ص: 116

احتمل الاعتبار بيوم الغصب، كما فى القيمى المغصوب، و الاعتبار بالأعلى منه الى يوم التلف، و ذكر هذا اوّل الاحتمالات فى القواعد.

و ان قلنا: ان المشترك بين العين و المثل صار قيميا جاء احتمال الاعتبار بالأعلى من يوم الضمان الى يوم تعذر المثل.

______________________________

الشق الثانى من شقى القول بصيرورته قيميا عند الاعواز- فان الشق الاول مكان ذا احتمالات ثلاثة (احتمل الاعتبار بيوم الغصب كما فى القيمى المغصوب، و) احتمل (الاعتبار بالاعلى منه) اى يوم الغصب (الى يوم التلف، و ذكر هذا) القول اى اعلى القيم (اوّل الاحتمالات فى القواعد) فصارت الاحتمالات المذكورة الى هنا ستة.

الاول استقرار المثل، الثانى استقرار القيمة و له شعبتان: الشعبة الاولى المثل القيمى الشعبة الثانية القيمى المحض، و الشعبة الاولى فيها ثلاث احتمالات:

اشار إليها بقوله: فان جعلنا، و ان جعلنا، و الشعبة الثانية فيها احتمالان اشار إليهما بقوله: احتمل الاعتبار، و الاعتبار، اذا صارت الاحتمالات ستة و هنا احتمالان آخران اشار إليهما بقوله: (و ان قلنا: ان المشترك بين العين و المثل صار قيميا) لا يخفى ان للاشياء المتماثلة جهة مشتركة من حيث المزايا و المالية و الصفات النوعية مثلا الحنطة و الحنطة تشتركان فى صفة كونهما حنطة، و فى المالية، و فى بعض المزايا الاخر، فاذا تعذر المثل و العين صار المشترك بينهما قيميا (جاء احتمال الاعتبار بالأعلى) اى اعلى القيم (من يوم الضمان الى يوم تعذر المثل) مثلا يوم الضمان كانت القيمة عشرة و يوم تعذر المثل صارت عشرين، و انما نقول: باعلى

ص: 117

لاستمرار الضمان فيما قبله، من الزمان، اما للعين و اما للمثل فهو مناسب لضمان الاعلى، من حين الغصب الى التلف.

و هذا ذكره فى القواعد ثالث الاحتمالات، و احتمل الاعتبار بالاعلى من يوم الغصب الى دفع المثل، و وجّهه فى محكى التذكرة و الايضاح بان المثل لا يسقط بالاعواز.

قال الا ترى انه لو صبر المالك الى وجدان المثل استحقه

______________________________

القيم (لاستمرار الضمان فيما قبله) اى قبل تعذر المثل (من الزمان) بيان:

ما، (اما)- بالكسر- اى ان الضمان كان اما (للعين) فيما كان العين موجودا (و اما للمثل) بعد تلف العين (فهو) اى اعلى القيم (مناسب لضمان الاعلى، من حين الغصب الى التلف) اذ: وقت ترقى القيمة صار الآخذ ضامنا لتلك القيمة فتبقى تلك القيمة فى ذمته سواء تنزلت بعد ذلك أم لا؟

(و هذا) اى الاعلى (ذكره فى القواعد ثالث الاحتمالات، و احتمل الاعتبار بالاعلى) اى اعلى القيم (من يوم الغصب الى دفع المثل) لا الى تعذر المثل (و وجهه فى محكى التذكرة و الايضاح، بان المثل لا يسقط) عن ذمة الضامن (بالاعواز) و الفقد، بل يبقى المثل فى ذمة الغاصب، فاذا ترقى المثل- و لو بعد تعذر المثل- كان على الغاصب ان يعطى قيمة المترقى.

(قال) فى الاستدلال على عدم سقوط المثل بسبب الاعواز (الا- ترى انه لو صبر المالك الى وجدان المثل استحقه) و هذا يدل على عدم سقوطه، اذ لو سقط و تبدل بالقيمة لم يكن وجه لعوده، بل الاصل عدم

ص: 118

فالمصير الى القيمة عند تغريمها، و القيمة الواجبة على الغاصب اعلى القيم.

و حاصله: ان وجوب دفع قيمة المثل يعتبر من زمن وجوبه الى وجوب مبدله، اعنى العين، فيجب اعلى القيم منها، فافهم.

اذا عرفت هذا فاعلم: ان المناسب لاطلاق كلامهم لضمان المثل فى المثلى، هو انه مع تعذر المثل لا يسقط المثل عن الذمة.

______________________________

عوده، و عليه (فالمصير الى القيمة) انما هو (عند تغريمها) اى تغريم الغاصب بالقيمة، و هو يوم اعطاء الضامن، فانه فى ذلك اليوم يتبدل المثل الى القيمة (و) حيث ان (القيمة الواجبة على الغاصب اعلى القيم) وجب اعطاء اعلى القيم، و لو كانت اعلى القيم صارت بعد تعذر المثل.

(و حاصله) اى حاصل قوله: احتمل الاعتبار بالاعلى الى دفع القيمة، (ان وجوب دفع قيمة المثل معتبر من زمن وجوبه) اى وجوب المثل (الى وجوب مبدله)- بالفتح- (اعنى العين) فان العين مبدل عن المثل (فيجب اعلى القيم منها) اى من القيم (فافهم) فان القول: ببقاء المثل فى الذمة بعد تعذره لا وجه له، فكما ان العين بالتلف تسقط و تتبدل بالمثل، كذلك المثل بالتعذر يسقط و يتبدل بالقيمة، فان قيل باعلى القيم، فاللازم ان يكون من حين الضمان الى حين تعذر المثل.

(اذا عرفت هذا) الّذي ذكرناه من الاحتمالات فى صورة تعذر المثل (فاعلم: ان المناسب لاطلاق كلامهم لضمان المثل فى) الشي ء (المثلى هو انه مع تعذر المثل لا يسقط المثل عن الذمة) فان كلامهم: المثلى يضمن

ص: 119

غاية الامر: يجب اسقاطه مع مطالبة المالك، فالعبرة بما هو اسقاط حين الفعل فلا عبرة بالقيمة الا يوم الاسقاط، و تفريغ الذمة

و اما بناء على ما ذكرنا من: ان المتبادر من ادلة الضمان، التغريم، بالاقرب الى التالف، فالاقرب كان المثل مقدما مع تيسره، و مع تعذره ابتداءً كما فى القيمى، او بعد التمكن كما فى ما نحن فيه كان المتعين هو القيمة. فالقيمة قيمة للمغصوب من حين صار قيميا، و هو حال الاعواز

______________________________

بالمثل، شامل لصورتى امكان المثل، و تعذر المثل.

(غاية الامر) فى صورة التعذر (يجب اسقاطه) اى المثل (مع مطالبة المالك) له (فالعبرة بما هو اسقاط) للضمان (حين الفعل) اى فعل الاسقاط (فلا عبرة بالقيمة الا يوم الاسقاط) سواء ترقت القيمة، او تنزلت؟

اذ: المثل هو الّذي فى الذمة، و لذا اذا وجد المثل بعد التعذر، و قبل الاسقاط، وجب اعطاء المثل، و لو كان المثل حين التعذر انقلب الى القيمة، لم يكن وجه لرجوع المثل (و) عليه فالعبرة بالقيمة يوم (تفريغ الذمة) عن المضمون هذا بناء على اطلاق كلماتهم.

(و اما بناء على ما ذكرنا من: ان المتبادر من ادلة الضمان) نحو: على اليد ما اخذت (التغريم بالاقرب الى التالف، فالاقرب) حتى يصدق: ما اخذت، فان مصداق: ما، العين، فاذا تعذرت رجع الى الاقرب، فالاقرب (كان المثل مقدما مع تيسره، و مع تعذره) تعذرا (ابتداءً) بان لم يكن الشي ء مثليا (كما فى القيمى، او) التعذر (بعد التمكن كما فى ما نحن فيه) مما صار المثل فيه متعذرا (كان المتعين هو القيمة) و على هذا (فالقيمة قيمة للمغصوب من حين صار قيميا، و هو حال الاعواز) لان فى هذا الحال

ص: 120

فحال الاعواز معتبر من حيث انه اوّل ازمنة صيرورة التالف قيميا، لا من حيث ملاحظة القيمة، قيمة للمثل دون العين.

فعلى القول باعتبار يوم التلف فى القيمى، توجه ما اختاره الحلى (ره) و لو قلنا: بضمان القيمى باعلى القيم من حين الغصب الى حين التلف كما عليه جماعة من القدماء، توجه ضمانه فى ما نحن فيه باعلى القيم من حين الغصب الى زمان الاعواز، اذ: كما ان ارتفاع القيمة مع بقاء العين

______________________________

يتوجه الخطاب الى الغاصب باعطاء القيمة- التى هى الاقرب الى التالف-

(فحال الاعواز معتبر من حيث انه اوّل ازمنة صيرورة التالف قيميا) كما ان حال التلف معتبر فى القيميات، لانه اوّل زمان الانتقال الى القيمة- بعد ان كان الواجب رد العين ما دامت العين موجودة- (لا من حيث ملاحظة القيمة قيمة للمثل، دون العين) فالقيمة فى مقابل العين لا فى مقابل المثل حتى يمكن ان يقال: بترقى القيمة و تنزلها تبعا لترقى المثل و تنزله.

(فعلى القول باعتبار يوم التلف) لا يوم الغصب (فى القيمى) فلو سرق دابة قيمتها عشرة، و فى يوم التلف قيمتها عشرون، وجب دفع العشرين (توجه ما اختاره الحلى (ره)) من انه يوم اعواز المثل تعتبر القيمة، لانه يوم الانتقال الى القيمة (و لو قلنا: بضمان القيمى باعلى القيم من حين الغصب الى حين التلف كما عليه جماعة من القدماء، توجه ضمانه فى ما نحن فيه باعلى القيم من حين الغصب الى زمان الاعواز) كما قاله جماعة و انما نقول: بقيمة يوم تعذر المثل (اذ: كما ان ارتفاع القيمة مع بقاء العين

ص: 121

مضمون بشرط تعذر ادائه المتدارك لارتفاع القيم، كذلك بشرط تعذر المثل فى المثلى، اذ مع رد المثل يرتفع ضمان القيمة السوقية. و

______________________________

مضمون بشرط تعذر ادائه المتدارك) ذلك الاداء (لارتفاع القيم) فانه لو ادّى العين التى ترقت قيمتها لم يكن عليه ضمان ارتفاع القيمة انما هو بشرط عدم اداء العين (كذلك بشرط تعذر المثل فى المثلى) فى ضمان اعلى القيم، اذ لو ترقى المثل، و لكنه ادى نفس المثل، لم يكن ضامنا للترقى، فارتفاع القيمة مع بقاء المثل مضمون بشرط تعذر اداء المثل،

و اعلم ان قوله: و لو، وصلية، و قوله: اذ كما، علة لعدم القول باعلى القيم من زمان الغصب الى زمان تعذر المثل، و انما المعتبر قيمة زمان تعذر المثل.

و حاصل الدليل: ان الانسان الغاصب اذا غصب شيئا ثم ارتفعت قيمته كانت القيمة مضمونة، لكن اذا رد العين سقطت القيمة، و لو تنزلت العين حين الرد، و كذلك اذا غصب الشي ء و تلف، و كان مثليا فانه بارتفاع قيمة المثل لا يضمن الا المثل سواء ارتفعت قيمة المثل أم لا؟ فاذا تعذر المثل كان يوم التعذر يوم الانتقال الى القيمة (اذ مع رد المثل يرتفع ضمان) الغاصب (القيمة السوقية) فانه ما دام المثل موجودا كان المكلف به رد المثل.

(و) ان قلت: فرق بين رد العين و بين رد المثل، اذ الاول غير الشي ء المغصوب، بخلاف ما اذا اراد ردّ مثله او قيمة المثل، فانه ليس عين المال المغصوب، فمن الممكن وجوب قيمة العين فى القيمى و وجوب

ص: 122

حيث كانت العين فيما نحن فيه مثليا، كان اداء مثلها عند تلفها، كردّ عينها فى الغاء ارتفاع القيم، فاستقرار ارتفاع القيم انما يحصل بتلف العين و المثل.

فان قلنا: انّ تعذر المثل يسقط المثل، كما ان تلف العين يسقط العين، توجّه القول بضمان القيمة من زمان الغصب الى زمان الاعواز.

______________________________

اعلى القيم فى المثلى، لا قيمة المثل فى يوم تعذر المثل- كما ذكرتم- قلت: لا فرق بين المقامين، فانه (حيث كانت العين فيما نحن فيه مثليا، كان اداء مثلها عند تلفها، كردّ عينها فى الغاء ارتفاع القيم) اى الغاء اعلى القيم، فكما انه لو ردّ العين لم يكلف باعلى القيم كذلك اذا ردّ المثل (فاستقرار ارتفاع القيم) اى اعلى القيم (انما يحصل بتلف العين) فى القيمى (و المثل) فى المثلى.

(فان قلنا: ان تعذر المثل يسقط المثل كما ان تلف العين) فى القيمى (يسقط العين، توجه القول بضمان القيمة من زمان الغصب الى زمان الاعواز) اذ لما اتلف المثلى ضمن مثله، فلما اعوز مثله انتقل الى القيمة- من يوم تلف المغصوب لا القيمة حين تعذر المثل- و ذلك لان المثل انما يجب حال وجود المثل اما حال عدم المثل «سواء كان العدم من الاول كما فى القيمى، او بعد ذلك، بان كان مثليا ثم اعوز المثل» فهو كالقيمى.

فكما نقول فى القيمى باعلى القيم من حال التلف الى حين الاداء

ص: 123

و هو اصح الاحتمالات فى المسألة عند الشافعية- على ما قيل-.

و ان قلنا: ان تعذر المثل لا يسقط المثل، و ليس كتلف العين كان ارتفاع القيمة فيما بعد تعذر المثل- أيضا- مضمونا، فيتوجّه ضمان القيمة من حين الغصب الى حين دفع القيمة، و هو المحكى عن الايضاح و هو اوجه الاحتمالات على القول بضمان ارتفاع القيمة مراعى بعدم ردّ،

______________________________

كذلك نقول فى المثلى باعلى القيم من حين الغصب الى زمان الاعواز (و) هذا (هو اصح الاحتمالات فى المسألة عند الشافعية- على ما قيل- و ان قلنا ان تعذر المثل لا يسقط المثل، و ليس) تعذر المثل (كتلف العين) فى القيمى و ذلك لاستصحاب كونه مكلفا باعطاء المثل.

نعم حين الاعطاء حيث لا يمكن المثل ينتقل الى القيمة (كان ارتفاع القيمة) للمثل (فيما بعد تعذر المثل- أيضا-) كما قبل تعذر المثل (مضمونا فيتوجه) على هذا القول (ضمان القيمة) للمثلى (من حين الغصب الى حين دفع القيمة، و هو المحكى عن الايضاح) فتحصل: ان الاحتمالات فى المثلى الّذي تعذر مثله بعد مدة: أربعة الاول قيمة يوم التلف الثانى قيمة يوم التعذر للمثل، الثالث اعلى القيم من يوم الغصب الى يوم التعذر، الرابع اعلى القيم من يوم الغصب الى يوم الدفع، و اشار الى الاحتمال الثالث، بقوله: فان قلنا، و الى الاحتمال الرابع، بقوله: و ان قلنا، (و هو) اى اعلى القيم من حين الغصب الى حين اعطاء القيمة- فى المثلى الّذي تعذر مثله- (اوجه الاحتمالات على القول بضمان ارتفاع القيمة مراعى) ذلك الضمان (بعدم ردّ

ص: 124

العين او المثل.

ثم اعلم ان العلامة ذكر فى عنوان هذه الاحتمالات انه لو تلف المثلى، و المثل موجود، ثم اعوز، و ظاهره اختصاص هذه الاحتمالات بما اذا طرأ تعذر المثل بعد تيسره فى بعض ازمنة التلف، لا ما تعذر فيه المثل ابتداءً، و عن جامع المقاصد انه يتعين حينئذ قيمة يوم التلف، و لعلّه لعدم تنجز التكليف

______________________________

فكلما ترقى المغصوب ضمن الغاصب ذلك الترقى الا اذا رد العين فى القيمى- و رد المثل- فى المثلى- هذا.

و لا يخفى ان عبارة المصنف من قوله: فعلى القول باعتبار يوم التلف، الى هنا فيها غموض و اجمال و لعلّ هناك سقطا منها

(ثم اعلم ان العلامة (ره) ذكر فى عنوان هذه الاحتمالات انه لو تلف المثلى و) الحال ان (المثل موجود، ثم اعوز) المثل- ثم فرع ذلك الاحتمالات- (و ظاهره اختصاص هذه الاحتمالات بما اذا طرأ تعذر المثل بعد تيسره فى بعض ازمنة التلف) اى كون تعذر المثل بعد ان تلف المغصوب- و كان التلف فى صورة وجود المثل- (لا ما تعذر فيه المثل ابتداءً) بان كان الشي ء مثليا، ثم تلف فى حال لم يكن له مثل فى الخارج (و عن جامع المقاصد: انه يتعين حينئذ) اى حين تلف المغصوب حال الاعواز امثاله (قيمة يوم التلف) لانه كالقيمى حينئذ (و لعله) اى كلام جامع المقاصد (لعدم تنجز التكليف

ص: 125

بالمثل عليه فى وقت من الاوقات.

و يمكن ان يخدش فيه: بان التمكن من المثل ليس بشرط لحدوثه فى الذمة ابتداءً، كما لا يشترط فى استقراره استدامة على ما اعترف به مع طرو التعذر بعد التلف.

______________________________

بالمثل عليه) اى على الغاصب (فى وقت من الاوقات) اذ: التكليف بالمثل انما هو فيما اذا تلف الشي ء و له مثل فى الخارج، اما اذا لم يكن له مثل، فالعين تنتقل الى القيمة راسا (و يمكن ان يخدش فيه) اى فى كلام جامع المقاصد الحاكم بعدم المثل اصلا (بان التمكن من المثل ليس بشرط لحدوثه) اى المثل (فى الذمة) فالمثل يحدث فى الذمة سواء كان- حين تلف المغصوب- المثل موجودا، أم لا (ابتداءً) متعلق ب «التمكن» اى التمكن الابتدائى للمثل ليس بشرط لضمان المثل (كما لا يشترط) التمكن من المثل (فى استقراره) اى المثل (استدامة) فاذا تعذر المثل بعد مدة مضت على تلفا لمغصوب، يكون ما فى ذمة الضامن هو المثل- و ان تعذر- (على ما اعترف) جامع المقاصد (به) اى باستقرار المثل، حتى بعد تعذره، و عليه فاذا استقر المثل (مع طروّ التعذر) للمثل (بعد التلف) للمغصوب، كذلك ليستقر المثل اذا كان التعذر للمثل حال تلف المغصوب أيضا، اذ لا فرق بين التعذرين.

ص: 126

و لذا لم يذكر احد هذا التفصيل فى باب القرض.

و بالجملة فاشتغال الذمة بالمثل، ان قيد بالتمكن، لزم الحكم بارتفاعه بطرو التعذر، و إلا لزم الحكم بحدوثه مع التعذر من اوّل الامر، الا ان يقال:

______________________________

(و لذا) الّذي ذكرنا من عدم الفرق بين التعذر الابتدائى و التعذر الطارئ (لم يذكر احد هذا التفصيل) بين التعذرين فى وجوب المثل- (فى باب القرض) فاذا اقترض المثلى قالوا بانه استقر فى ذمته المثل و ان تعذر المثل طارئا، او كان المثل متعذرا ابتداءً، اى حين القرض، و من المعلوم ان باب القرض و الضمان، واحد، من هذه الجهة.

(و بالجملة ف) نقول: فى رد التفصيل بين التعذر الطارئ للمثل، و التعذر الابتدائى- حيث يقول جامع المقاصد بالمثل فى الطارئ و لا يقول بالمثل فى الابتدائى- ان (اشتغال الذمة بالمثل، ان قيد بالتمكن) و ان الغاصب انما يشتغل ذمته بالمثل اذا كان متمكنا من المثل (لزم الحكم بارتفاعه) اى المثل (بطرو التعذر) اذ لا تمكن حال التعذر، و ان كان التعذر طارئا (و الا) يقيد المثل بالتمكن، بل قلنا المثلى يضمن بالمثل سواء كان المثل موجودا أم لا (لزم الحكم بحدوثه) اى المثل (مع التعذر) عن المثل (من اوّل الامر) اى حال التلف للمغصوب المثلى (الا ان يقال:)- القائل هو جامع المقاصد- فى الفرق بين التعذر

ص: 127

ان ادلة وجوب المثل ظاهرة فى صورة التمكن، و ان لم يكن مشروطا به عقلا، فلا تعم صورة العجز.

نعم اذا طرأ العجز فلا دليل على سقوط المثل و انقلابه قيميا.

و قد يقال: على المحقق المذكور ان اللازم مما ذكره انه لو ظفر المالك بالمثل قبل اخذ القيمة لم يكن له المطالبة، و لا اظن احدا يلتزمه

______________________________

الطارئ و التعذر البدوى (ان ادلة وجوب المثل ظاهرة) فى الوجوب (فى صورة التمكن) عن المثل (و ان لم يكن مشروطا به) اى بالمثل (عقلا، فلا تعمّ) ادلة وجوب المثل (صورة العجز) الابتدائى عن المثل.

(نعم اذا طرأ العجز) عن المثل (فلا دليل على سقوط المثل، و انقلابه) اى المثل (قيميا).

و الحاصل: ان ادلة المثل، تقول بالمثل فى صورة وجود المثل، لكن الاستصحاب يقتضي المثل فيما اذا كان مقدورا ثم تعذر، فالفارق وجود استصحاب المثل فى صورة التعذر الطارئ، و ليس هذا الاستصحاب موجودا فى صورة التعذر الابتدائى.

(و قد يقال:) و يستشكل (على المحقق المذكور) صاحب جامع المقاصد الفرق بين التعذر الابتدائى للمثل- فلا يجب المثل- و بين التعذر الطارئ- فيجب المثل- ب (ان اللازم مما ذكره) من التفصيل (انه لو ظفر المالك بالمثل قبل اخذ القيمة لم يكن له المطالبة) بالمثل لانه على مبنى المحقق لم يضمن الغاصب المثل- فيما اذا كان متعذرا ابتداءً- (و لا اظن احدا يلتزمه). اى يلتزم بعدم حق للمالك فى مطالبة المثل اذا

ص: 128

و فيه تامل.

ثم ان المحكى عن التذكرة: ان المراد باعواز المثل، ان لا يوجد فى البلد و ما حوله، و زاد فى المسالك قوله مما ينقل عادة منه إليه، كما ذكروا فى انقطاع المسلم فيه، و عن جامع المقاصد: الرجوع فيه الى العرف

و يمكن ان يقال: ان مقتضى عموم وجوب اداء مال الناس

______________________________

كان حين التلف متعذرا، ثم وجد (و فيه) اى فى هذا الاشكال على المحقق (تامل) اذ: المحقق لا يقول: بعدم وجوب المثل حتى فيما اذا وجد المثل، و انما يقول: بعدم وجوب المثل فيما اذا لم يمكن المثل حين التلف، و استمر عدم الامكان الى حال اعطاء القيمة.

(ثم ان المحكى عن التذكرة) فى ميزان اعواز المثل (ان المراد باعواز المثل ان لا يوجد فى البلد و ما حوله) و ان وجد فى سائر البلاد (و زاد فى المسالك قوله مما ينقل عادة منه) اى من: حوله، (إليه) اى الى:

البلد، (كما ذكروا فى انقطاع المسلم فيه) اى اعوازه فى بيع السلم، الّذي هو اعطاء الثمن، و تأخير المثمن، فان اعواز المثمن كان حكمه كذا، و المراد باعوازه ان لا يكون فى البلد و ما حوله (و عن جامع المقاصد: الرجوع فيه الى العرف) فكلما صدق الاعواز و إن كان فى البلد منه شي ء فهو، و الا لم يكن معوزا و إن كان فى البلاد البعيدة.

(و يمكن ان يقال:) ليس الميزان ما حول البلد و لا العرف، بل العدم حتى فى البلاد البعيدة ف (ان مقتضى عموم: وجوب اداء مال الناس

ص: 129

و تسليطهم على اموالهم اعيانا كانت أم فى الذمة، وجوب تحصيل المثل كما كان يجب رد العين اينما كانت، و لو كانت فى تحصيله مئونة كثيرة.

و لذا كان يجب تحصيل المثل باى ثمن كان، و ليس هنا تحديد التكليف بما عن التذكرة.

نعم لو انعقد الاجماع على ثبوت القيمة عند الاعواز، تعين ما عن جامع المقاصد، كما ان المجمعين

______________________________

و تسليطهم على اموالهم اعيانا كانت) تلك الاموال (أم فى الذمة وجوب تحصيل المثل) اذ: المثل اداء، و صدق: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ (كما كان يجب رد العين اينما كانت) فيما لو كانت العين موجودة (و لو كانت فى تحصيله مئونة كثيرة) الا ان يقال: بان دليل: لا ضرر، حاكم عليه فتأمل.

(و لذا) الّذي ذكرنا من وجوب اداء المثل (كان يجب تحصيل المثل باى ثمن كان) و لو كان اكثر من ثمن التلف باضعاف (و ليس هنا) فى باب تحصيل المثل و لو بمئونة كثيرة (تحديد التكليف) بالمثل (بما عن التذكرة) بما تقدم من قوله: المراد باعواز المثل، ان لا يوجد فى البلد و ما حوله، اذ:

التحديد المذكور فى باب الاعواز لا فى باب كثرة الثمن.

(نعم) استثناء عن قوله: و يمكن ان يقال، (لو انعقد الاجماع على ثبوت القيمة عند الاعواز تعين ما عن جامع المقاصد) من الرجوع الى العرف فحيث صدق الاعواز عرفا لزمت القيمة، و حيث لم يصدق الاعواز وجب المثل و لو كان فى تحصيله مئونة كثيرة (كما ان المجمعين) الذين قالوا بالقيمة

ص: 130

اذا كانوا بين معبر بالاعواز، و معبر بالتعذر كان المتيقن الرجوع الى الاخص و هو المتعذر لانه المجمع عليه.

نعم ورد فى بعض اخبار السلم: انه اذا لم يقدر المسلم عليه على ايفاء المسلم فيه تخير المشترى

______________________________

(اذا كانوا بين معبر بالاعواز، و معبر بالتعذر) للرجوع من المثل الى القيمة (كان المتيقن الرجوع الى الاخص و هو المتعذر لانه) اى الاخص هو (المجمع عليه) فان كل من يقول بالاعواز يقول بالتعذر و ليس كل من يقول بالتعذر يقول بالاعواز، مثلا لو اجمعوا بين وجود الانسان فى الدار، و وجود الحيوان كان المجمع عليه وجود الانسان.

(نعم) لا يبعد القول بالاعواز العرفى، و ان لم يتعذر، تنظيرا بباب السلم اذ: المناط فى بابى الغصب و السلم واحد، فان الواجب اداء العين، ثم المثل، ثم القيمة، فانه (ورد فى بعض اخبار السلم:

انه اذا لم يقدر المسلم عليه) و هو البائع (على ايفاء المسلم فيه) و هو المثمن (تخير المشترى) بين الفسخ و الصبر، و المراد ببعض الاخبار حسنة الحلبى عن ابى عبد الله عليه السلام قال: سئل عن الرجل يسلم فى الغنم و نيسان و جذعان و غير ذلك الى اجل مسمى، قال عليه السلام: لا بأس اذا لم يقدر الّذي عليه الغنم على جميع ما عليه، ان يأخذ صاحب الغنم نصفها او ثلثها او ثلثيها، و يأخذ رأس مال ما بقى من الغنم دراهم، و يأخذ دون شروطهم، و لا يأخذون فوق شرطهم، و الا كيسة أيضا مثل الحنطة و الشعير و الزعفران و الغنم.

ص: 131

و من المعلوم ان المراد: بعدم القدرة ليس التعذر العقلى المتوقف على استحالة النقل من بلد آخر، بل الظاهر منه عرفا ما عن التذكرة و هذا يستأنس به للحكم فيما نحن فيه.

ثم ان فى معرفة قيمة المثل مع فرض عدمه اشكالا من حيث ان العبرة بفرض وجوده و لو فى غاية العزة، كالفاكهة فى اوّل زمانها، او آخره او وجوده المتوسط

______________________________

(و من المعلوم ان المراد بعدم القدرة ليس التعذر العقلى المتوقف على استحالة النقل من بلد آخر، بل الظاهر منه) اى من عدم القدرة فى الرواية (عرفا ما عن التذكرة) اى عدم الوجدان فى البلد و ما حوله، و ذلك لان العرف الملقى إليه الخطاب لا يفهم من الخطاب الا ذلك، و حيث ان «الرسول بلسان قومه» فالمتكلم أيضا لم يرد الا هذا المعنى الّذي فهم العرف (و هذا) المعنى لعدم القدرة فى باب السلم (يستأنس به للحكم فيما نحن فيه) اى باب الغصب فانه اذا كان عدم القدرة فى باب السلم ما ذكره التذكرة ناسب ان يكون مراد المجمعين بعدم القدرة «فى باب الغصب» أيضا ما ذكره التذكرة من عدم الوجدان فى البلد و ما حوله، لا التعذر العقلى لان كلام الفقهاء مساقه مساق ما ورد فى الروايات.

(ثم ان فى معرفة قيمة المثل مع فرض عدمه) اى عدم وجود المثل (اشكالا) اذ لو كان المثل سئل عن قيمته اما اذا لم يكن فما ذا سئل (من حيث) هل (ان العبرة بفرض وجوده) اى وجود المثل (و لو فى غاية العزة كالفاكهة فى اوّل زمانها، او) العبرة ب (آخره، او) ب (وجوده المتوسط)

ص: 132

الظاهر هو الاول، لكن مع فرض وجوده بحيث يرغب فى بيعه و شرائه فلا عبرة بفرض وجوده عند من يستغنى عن بيعه بحيث لا يبيعه الا اذا بذل له عوض لا يبذله الراغبون فى هذا الجنس بمقتضى رغبتهم.

نعم لو الجاء الى شرائه لغرض آخر بذل ذلك كما لو فرض الجمد فى الصيف عند ملك العراق بحيث لا يعطيه الا ان يبذله بإزاء عتاق الخيل

______________________________

بين الاول و الاخير اذ: الفاكهة فى اولها غالية و فى وسطها رخيصة و فى آخرها متوسط القيمة (الظاهر، هو: الاول) و هو تحقق صدق وجود المثل حينذاك، فيقال للشي ء مثل- وقت ذاك-

اقول: لكنه خلاف المستفاد عرفا، بل الظاهر الوسط، و كيف كان فعلى القول بالاول (لكن مع فرض وجوده) فى الاسواق و نحوها (بحيث يرغب فى بيعه و شرائه فلا عبرة بفرض وجوده عند من يستغنى عن بيعه بحيث لا يبيعه الا اذا بذل له عوض لا يبذله) حسب المعتاد (الراغبون فى هذا الجنس بمقتضى رغبتهم) العادية كما لو كان التفاح فى اوّل اوانه بدينار، فكان عند انسان لا يعطيه الا بعشرة مما لا يرغب فيه من اعتاد اكل الفاكهة فى اولها و لو بالقيمة الغالية.

(نعم لو الجاء) و اضطر (الى شرائه لغرض آخر بذل ذلك) الثمن المرتفع فان مثل هذا الالجاء لا يكون ميزانا لكونه قيمة للفاكهة، فلا تكون هذه القيمة الغالية جدا معيارا لاخذ القيمة من الغاصب فيما اذا لم يوجد المثل (كما لو فرض الجمد فى الصيف عند ملك العراق بحيث لا يعطيه الّا ان يبذله) الملك (بإزاء عتاق الخيل

ص: 133

و شبهها، فان الراغب فى الجمد فى العراق من حيث انه راغب لا يبذل هذا العوض بإزائه، و انما يبذله من يحتاج إليه لغرض آخر كالاهداء الى سلطان قادم الى العراق- مثلا- او معالجة مشرف على الهلاك به، و نحو ذلك من الاغراض.

و لذا لو وجد هذا الفرد من المثل لم يقدح فى صدق التعذر، كما ذكرنا فى المسألة الخامسة، فكل موجود لا يقدح وجوده فى صدق التعذر فلا عبرة بفرض وجوده- فى

______________________________

و شبهها) كالقصور الشامخة و الجوارى الجميلة (فان الراغب فى الجمد فى العراق من حيث انه راغب) و مستعدلان يشترى الجمد باضعاف قيمته (لا يبذل هذا العوض) الكثير (بإزائه) اذ لا يعتاد بذل مثل هذا الثمن و لو من المترفين (و انما يبذله من يحتاج إليه) اى الى الجمد (لغرض آخر كالاهداء الى سلطان قادم الى العراق- مثلا- او معالجة مشرف على الهلاك به) اى بالجمد (و نحو ذلك من الاغراض) و قوله:

و انما يبذله، بيان لقوله: نعم لو الجاء.

(و لذا) الّذي ذكرنا من: انه لا تبذل العتاق ازاء الجمد، الا للمضطر و نحوه (لو وجد هذا الفرد من المثل لم يقدح فى صدق التعذر) عرفا، اذ العرف يرى انه متعذر، و ان هذا الفرد الموجود عند الملك لا يوجب صدق التمكن منه (كما ذكرنا فى المسألة الخامسة).

و على هذا (فكل موجود لا يقدح وجوده فى صدق التعذر) بل يصدق التعذر- عرفا- و إن كان هذا الفرد موجودا (فلا عبرة بفرض وجوده- فى

ص: 134

التقويم- عند عدمه.

ثم انك قد عرفت: ان للمالك مطالبة الضامن بالمثل عند تمكنه، و لو كان فى غير بلد الضمان، و كان قيمة المثل هناك ازيد، و اما مع تعذره، و كون قيمة المثل فى بلد التلف مخالفا لها فى بلد المطالبة، فهل له المطالبة باعلى القيمتين، أم يتعين قيمة بلد المطالبة، أم بلد التلف؟ وجوه

______________________________

التقويم-) «فى» متعلق ب «عبرة» (عند عدمه) و هذا هو ميزان معرفة قيمة المثل عند عدم وجود المثل.

(ثم انك قد عرفت: ان للمالك مطالبة الضامن بالمثل عند تمكنه) اى تمكن الضامن من المثل (و لو كان) المالك، او كان المثل (فى غير بلد الضمان، و كان قيمة المثل هناك ازيد) كما لو اتلفه فى كربلاء، و طالبه فى النجف، و كانت القيمة فى النجف ازيد، و ذلك لصدق ادلة «حتى تؤدى» و «بمثل ما اعتدى»، و غيرهما، عليه، فلا يلزم اتحاد البلد، و لا تماثل القيمة (و اما مع تعذره) اى تعذر المثل (و كون قيمة المثل فى بلد التلف مخالفا لها فى بلد المطالبة) كما لو فقد المثل، و كانت القيمة فى كربلاء بلد اتلف فيه الضامن المال عشرة و فى النجف بلد المطالبة عشرين (فهل له المطالبة باعلى القيمتين، أم يتعين قيمة بلد المطالبة) بمعنى انه ليس له مطالبة قيمة بلد التلف اذا كان اكثر (أم بلد التلف) فاذا كانت القيمة فى بلد المطالبة اكثر لم يكن له الحق فى مطالبة ذلك (وجوه) ثلاثة وجه الاول: انه ضامن فلا تبرأ ذمته الا بارضاء المالك، و وجه الثانى: ان المثل- الّذي هو القيمة الآن- هو قيمة بلد المطالبة لان الطلب وقع

ص: 135

و فصل الشيخ فى المبسوط- فى باب الغصب- بانه: ان لم يكن فى نقله مئونة كالنقدين، فله المطالبة بالمثل، سواء كانت القيمتان مختلفتين أم لا؟ و إن كان فى نقله مئونة، فإن كانت القيمتان متساويتين كان له المطالبة أيضا لانه لا ضرر عليه فى ذلك، و الا فالحكم ان يأخذ قيمة بلد التلف، او يصبر حتى يوفيه بذلك البلد

______________________________

هناك كما فى القيميات، و وجه الثالث: ان القيمة- التى هى بدل المثل- تعلقت بذمة الغاصب فى بلد التلف.

(و فصل الشيخ فى المبسوط- فى باب الغصب- بانه: ان لم يكن فى نقله مئونة) كثيرة (كالنقدين) فيما اذا كان قليلا (فله المطالبة بالمثل، سواء كانت القيمتان) فى بلد التلف و بلد المطالبة (مختلفتين أم لا؟) و حينئذ كان للمالك المطالبة باى القيمتين شاء (و إن كان فى نقله مئونة) كثيرة (فان كانت القيمتان متساويتين كان له) اى للمالك (المطالبة) بايهما شاء (أيضا) اذ: الغاصب مكلف بالاداء (لانه لا ضرر عليه فى ذلك).

فدليل: لا ضرر، لا يمنع عن مطالبة المالك بايهما يشاء (و الا) بان كانت القيمتان مختلفتين، و كان فى النقل مئونة كثيرة، كما لو كان المثل فى كربلاء: بلد اتلف فيه الغاصب، عشرة، و فى النجف بلد المطالبة عشرين (فالحكم ان يأخذ قيمة بلد التلف) كالعشرة فى المثال (او يصبر) المالك (حتى يوفيه) الغاصب (بذلك البلد) اى يرجعا الى كربلاء فياخذ منه فى كربلاء، و كان الوجه فى ذلك انه فى صورة عدم المئونة للنقل يكون الغاصب مكلفا بالارضاء، فللمالك ان يأخذ ما شاء، اما فى صورة المئونة فلا

ص: 136

ثم قال: ان الكلام فى القرض، كالكلام فى الغصب، و حكى نحو هذا عن القاضى أيضا فتدبر.

و يمكن ان يقال: ان الحكم باعتبار بلد القرض، او السلم على القول به مع الاطلاق، لانصراف العقد إليه، و ليس فى باب الضمان

______________________________

دليل على انه يتضرر الغاصب بهذا الضرر الخارج عن المغصوب، اذ:

مقابل المغصوب مضمون اما الشي ء الخارج عنه- و هو المئونة- فليس مضمونا حتى يكلف به الغاصب.

(ثم قال:) الشيخ: (ان الكلام فى القرض كالكلام فى الغصب) فاذا اقترض زيد من عمرو خبزا، ثم اراد اعطاء قيمة مثله، و اختلفت القيمة فى بلد القرض و بلد المطالبة، كان الحكم ما تقدم من التفصيل (و حكى نحو هذا عن القاضى) ابن براج (أيضا فتدبر) اذ: أولا لا دليل على ذلك التفصيل، فالمئونة و عدمها لا توجب تفصيل الحكم، و ثانيا فرق بين الغصب و القرض، فالغاصب يمكن ان يقال: انه يؤخذ باشقّ الاحوال بخلاف المقترض، و لذا قالوا: فى الغصب، و لم يقولوا: فى القرض.

(و يمكن ان يقال: ان الحكم باعتبار بلد القرض، او السلم) فيما اجرى معاملة القرض و السلم فى بلد، و اراد قبض الجنس فى بلد آخر (على القول به) اى باعتبار بلد القرض، او السلم (مع الاطلاق) لعقد القرض، و السلم بان لم يقيد الاداء ببلد خاص، انما هو (لانصراف العقد إليه) اى الى بلد القرض و السلم، و قوله: باعتبار، متعلق ب:

الحكم، و خبر «ان» قوله: لانصراف، (و ليس فى باب الضمان) اى

ص: 137

ما يوجب هذا الانصراف.

بقى الكلام فى انه: هل يعد من تعذر المثل خروجه عن القيمة؟

كالماء على الشاطئ اذا اتلفه فى مفازة، و الجمد فى الشتاء، اذا اتلفه فى الصيف أم لا؟ الاقوى، بل المتعين هو الاول، بل حكى عن بعض نسبته الى الاصحاب و غيرهم و المصرح به فى محكى التذكرة، و الايضاح و الدروس: قيمة المثل فى تلك المفازة، و يحتمل آخر مكان، او زمان سقط المثل فيه عن المالية

______________________________

الغصب (ما يوجب هذا الانصراف) الى بلد الضمان.

و عليه ففرق بين باب القرض و السلم، و بين باب الضمان.

و عليه: ففى باب الضمان يكون الاختيار بيد المالك، فله ان يطالبه فى اى مكان شاء من بلد الضمان او بلد المطالبة.

(بقى الكلام فى انه هل يعد من تعذر المثل خروجه عن القيمة كالماء على الشاطئ اذا اتلفه) الغاصب (فى مفازة) اى صحراء له فيها قيمة كبيرة، مثلا (و الجمد فى الشتاء اذا اتلفه فى الصيف) و نحو ذلك (أم لا) فلا يعد ذلك من تعذر المثل، لوجوده فعلا، و ان لم يكن له قيمة (الاقوى بل المتعين هو الاول) و انه من تعذر المثل (بل حكى عن بعض نسبته الى الاصحاب و غيرهم) من العامة (و المصرح به فى محكى التذكرة و الايضاح و الدروس قيمة المثل فى تلك المفازة) التى اتلف الماء فيها (و يحتمل آخر مكان او زمان سقط المثل فيه عن المالية) فاذا تحركوا من تلك المفازة الى نحو الشط، كان سقوط الماء عن المالية قرب الشط بفرسخ- مثلا- فقبل الفرسخ

ص: 138

فرع لو دفع القيمة فى المثل المتعذر مثله ثم تمكن من المثل،

فالظاهر عدم عود المثل فى ذمته، وفاقا للعلامة (ره) و من تأخر عنه ممن تعرض للمسألة، لان المثل كان دينا فى الذمة، سقط باداء عوضه مع التراضي فلا يعود، كما لو تراضيا بعوضه مع وجوده.

______________________________

كم كان يسوى الماء؟ كان اللازم اعطاء تلك القيمة، و كذا اذا تلف الجمد و قرب الوقت من الشتاء، فقبل شهر الى الشتاء- مثلا- يسقط الثلج عن القيمة، فآخر زمان القيمة كم كان يسوى الجمد؟ يكون ضامنا بقدر ذلك و سبب هذا الحكم: ان فى هذا الزمان، او المكان للشي ء قيمة فتتعلق بذمة الضامن، و بعدهما يسقط الشي ء عن القيمة، فاللازم ضمانه بهذه القيمة و هى اخير القيمات، اما القيمة قبل ذلك فقد تبدلت الى القيمة الاخيرة.

(فرع) (لو دفع القيمة فى المثل المتعذر مثله) بان تعذر المثل ثم دفع القيمة (ثم تمكن من المثل فالظاهر) من النص و الفتوى (عدم عود المثل فى ذمته وفاقا للعلامة (ره)، و من تأخر عنه ممن تعرض للمسألة) و ذلك (لان المثل كان دينا فى الذمة) ف (سقط باداء عوضه مع التراضي) لانه حق، و الحق يسقط بالاداء (فلا يعود) لان الاعادة تحتاج الى الدليل، و هو مفقود فى المقام (كما لو تراضيا بعوضه مع وجوده).

و لا يمكن ان يقال: بالفرق بان الرضا فى مقام الاعواز على نحو بدل الحيلولة، بخلاف الرضا مع وجوده.

ص: 139

هذا على المختار من عدم سقوط المثل عن الذمة بالاعواز.

و اما على القول بسقوطه و انقلابه قيميا، فان قلنا: بان المغصوب انقلب قيميا عند تعذر مثله، فاولى بالسقوط لان المدفوع نفس ما فى الذمة و ان قلنا: ان المثل بتعذره النازل منزلة التلف صار قيميا احتمل وجوب المثل عند وجوده، لان القيمة حينئذ بدل الحيلولة عن المثل

______________________________

لانه يقال: هذا ليس بفارق، لان الرضا اذا حصل كفى و لو كان الداعى للرضا شيئا خاصا، لانّ تخلف الداعى غير ضائر كما حقق فى محله.

(هذا) الّذي ذكرناه من عدم عود الضمان بوجود المثل (على المختار من عدم سقوط المثل عن الذمة بالاعواز) بل المثل يبقى حتى زمان اعطاء القيمة.

(و اما على القول بسقوطه و انقلابه قيميا) بمجرد الاعواز (فان قلنا:

بان المغصوب انقلب قيميا عند تعذر مثله، فاولى بالسقوط) عند اعطاء القيمة و اولى بعدم عود المثل الى الذمة عند وجود المثل بعد فقدانه (لان المدفوع) اى القيمة- على هذا القول- (نفس ما فى الذمة) الّذي هو القيمة بعد ان تعذر المثل (و ان قلنا: ان المثل بتعذره النازل منزلة التلف صار قيميا) فصار حاله حال الاشياء القيمية- كالشاة و البقر و نحوهما- لا انه انقلب الى القيمة (احتمل وجوب المثل عند وجوده) اى وجود المثل بعد فقده (لان القيمة) التى اعطاها الضامن- عند تعذر المثل- (حينئذ بدل الحيلولة عن المثل) فانه حيث حيل بين مثل المضمون و بين مالكه، انتقل الى القيمة كما انه لو حال بين الشخص و بين

ص: 140

و سيأتى ان حكمه عود المبدل عند انتفاء الحيلولة.

«السابع»: لو كان التالف المبيع فاسدا قيميا،

فقد حكى: الاتفاق على كونه مضمونا بالقيمة.

و يدل عليه الاخبار المتفرقة فى كثير من القيميات.

______________________________

ماله الّذي القاه فى البحر لزم اعطاؤه بدل الحيلولة (و سيأتى ان حكمه) اى بدل الحيلولة (عود المبدل) كالمال الملقى فى البحر (عند انتفاء الحيلولة) بخروج المال من البحر.

( «السابع»: لو كان التالف المبيع فاسدا قيميا) اى كان المبيع بالبيع الفاسد الّذي اتلفه المشترى من القيميات كالشاة- مثلا- (فقد حكى: الاتفاق على كونه مضمونا بالقيمة) فيجب على المشترى الّذي اتلفه ان يدفع ثمنه الى البائع.

(و يدل عليه الاخبار المتفرقة فى كثير من القيميات) كخبر السكونى عن ابى عبد الله عليه السلام: فى السفرة المطروحة قال عليه السلام:

ان امير المؤمنين عليه السلام سئل عن سفرة وجدت فى الطريق مطروحة كثير لحمها و خبزها و جبنها و بيضها و فيها سكين، فقال امير المؤمنين عليه السلام: يقوّم ما فيها ثم يؤكل لانه يفسد و ليس له بقاء فان جاء طالبها غرموا له، فقيل يا امير المؤمنين لا يدرى سفرة مسلم او سفرة مجوسى، فقال هم فى سعة حتى يعلموا، و عن عبد الله بن جعفر، قال: سألت موسى عليه السلام عن رجل اصاب شاة فى الصحراء هل تحل له، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: هى لك او لاخيك او للذئب فخذها و عرفها حيث اصبتها فان عرفت فردها الى صاحبها و ان لم تعرف

ص: 141

فلا حاجة الى التمسك بصحيحة ابى ولاد الآتية فى ضمان البغل، و لا بقوله عليه السلام: من اعتق شقصا من عبد قوم عليه بل الاخبار كثيرة بل قد عرفت ان مقتضى اطلاق ادلة الضمان فى القيميات هو ذلك بحسب

______________________________

فكلها و انت ضامن لها ان جاء صاحبها، يطلب ثمنها ان تردها عليه، و مرسلة الصدوق عن الصادق عليه السلام فى حديث: و ان وجدت طعاما فى مفازة فقومه على نفسك لصاحبه ثم كله فان جاء صاحبه فرد عليه القيمة الى غيرها من الروايات (فلا حاجة الى التمسك بصحيحة ابى ولاد الآتية فى ضمان البغل) كى يمكن ان يناقش فى دلالة الصحيحة لما نحن فيه بانها واردة فى باب الغصب، فلا يمكن التمسك بها لغير باب الغصب لاحتمال اختصاصها بالغصب، حيث ان الغاصب يشدّد بالنسبة إليه، بما لا يشدّد بالنسبة الى غيره (و لا بقوله عليه السلام من اعتق شقصا) اى حصة (من عبد قوم) العبد كله (عليه) لان العتق يسرى، فالمعتق الّذي، له حصة فى العبد سبّب سراية العتق الى باقى العبد الموجب ذلك لاتلاف العبد على اربابه، فيؤخذ منه لهم قيمة حصتهم.

و انما لا نستدل بهذه الرواية لاحتمال اختصاص ذلك بالعبد لسراية العتق على التغليب فلا ينسحب الحكم فيه الى مكان آخر (بل الاخبار) فى باب ضمان القيمى بالقيمة (كثيرة) كما عرفت شطرا منها، فلا حاجة الى الاستدلال بصحيحة ابى ولّاد، و خبر شقص العبد (بل قد عرفت) سابقا (ان مقتضى: اطلاق ادلة الضمان فى القيميات) اى قوله عليه السلام:

هو ضامن، او شبه هذه العبارة (هو ذلك) اى الضمان بالقيمة (بحسب

ص: 142

المتعارف، الا ان المتيقن من هذا المتعارف ما كان المثل فيه متعذرا.

بل يمكن دعوى انصراف الاطلاقات الواردة فى خصوص بعض القيميات كالبغل و العبد و نحوهما- لصورة تعذر المثل كما هو الغالب.

فالمرجع فى وجوب القيمة فى القيمى.

______________________________

المتعارف) فان الضمان اذا القى الى العرف، فهم ضمان القيمى بالقيمة، بل ربما يفهم ضمان كل شي ء بالقيمة، سواء كان مثليا او قيميا (الا ان المتيقن من هذا المتعارف ما كان المثل فيه) اى فى القيمى (متعذرا) اذ لو كان للبغل- مثلا- مثل ربما فهم عرفا وجوب المثل، اما اذا تعذر المثل، فلا اشكال فى فهم العرف الضمان بالقيمة.

(بل يمكن دعوى انصراف الاطلاقات الواردة فى خصوص بعض القيميات كالبغل و العبد و نحوهما- لصورة تعذر المثل) و انما قال: بعض القيميات، لان من القيميات ما لا شبيه له لكونها قيمية، و إن كان لها مثل فى الجملة، كالدار- مثلا- فان العرف لا يرى اعطاء المثل لها، و ان رأى اعطاء المثل فى باب البغل و العبد (كما هو) اى تعذر المثل من جميع الجهات للبغل و العبد (الغالب).

نعم: غير الغالب وجود المثل من غالب الجهات التى يسبب عدم التفاوت بينهما عرفا.

ان قلت: اذا كان المتبادر من الاطلاق المثل فى صورة وجود المثل- فى باب القيميات- فكيف تقولون بوجوب القيمة؟.

قلت: انما نقول بالقيمة للاجماع (فالمرجع فى وجوب القيمة فى القيمى

ص: 143

و ان فرض تيسّر المثل له، كما فى من اتلف عبدا من شخص باعه عبدا موصوفا بصفات ذلك العبد بعينه، و كما لو اتلف عليه ذراعا من مائة ذراع كرباس منسوج على طريقة واحدة لا تفاوت فى اجزائه اصلا، هو الاجماع، كما يستظهر، و على تقديره ففى شموله لصورة تيّسر المثل- من جميع الجهات- تأمل.

______________________________

و ان فرض تيسّر المثل له.) اى للقيمى، و كلمة: ان، وصلية (كما فيمن اتلف عبدا من شخص باعه عبدا موصوفا بصفات ذلك العبد بعينه) كما لو كان لمحمد عبدان صفاتهما متقاربة بحيث عدّا مثلين- عرفا- فباع احدهما من زيد، و لم يسلمه بعد، فاتلف زيد احد العبدين، فان مقتضى اطلاق ادلة الضمان: ان يأخذ محمد العبد الّذي باعه لزيد فى مقابل اتلاف زيد العبد الّذي لمحمد (و كما لو اتلف عليه ذراعا من مائة ذراع كرباس منسوج على طريقة واحدة) مما يعدّ عند الفقهاء قيميا، لا مثليا و (لا تفاوت فى أجزائه اصلا) فان مقتضى القاعدة: ضمانه بمثل ذلك الكرباس، لا بقيمته (هو الاجماع) خبر قوله: فالمرجع، (كما يستظهر) الاجماع على ذلك من كلمات الفقهاء، و الا كان مقتضى القاعدة الاولية: الضمان بالمثل، لا بالقيمة (و على تقديره) اى الاجماع (ففى شموله) اى الاجماع (لصورة تيسّر المثل- من جميع الجهات-) و ان عد قيميا عند الفقهاء (تأمل) اذ القدر المتيقن من الاجماع القيمى الّذي لا مثل له، اما ماله مثل من جميع الجهات، فلا اجماع على لزوم اعطاء القيمة.

فمقتضى القاعدة المستفادة من ادلة الضمان: اعطاء المثل

ص: 144

خصوصا مع الاستدلال عليه- كما فى الخلاف و غيره- بقوله تعالى:

فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ، بناء على: ان القيمة مماثل للتالف فى المالية، فان ظاهر ذلك جعلها من باب الاقرب الى التالف بعد تعذر المثل.

و كيف كان فقد حكى الخلاف فى ذلك عن الاسكافى، و عن الشيخ و المحقق فى الخلاف و الشرائع فى باب القرض

______________________________

(خصوصا مع الاستدلال عليه) اى على الضمان (- كما فى الخلاف و غيره- بقوله تعالى: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ،) فان المنشأ للضمان:

لو كان هذا لزم ان نقول: بالمثل، الا ما خرج بالدليل من القيميات التى لا مثل لها- عرفا- فالمثلى و القيمى الّذي له مثل- عرفا- مشمولان للآية الكريمة- فانهم انما يقولون: بالقيمة- فى القيميات و يستفادون ذلك من الآية (بناء على: ان القيمة مماثل للتالف فى المالية) اذا فالمماثل للتالف، فى الشكل و المالية، اولى بان يكون مستفادا من الآية (فان ظاهر ذلك) الاستدلال بالآية، لوجوب القيمة فى الاشياء القيمية (جعلها) اى القيمة (من باب الاقرب الى التالف بعد تعذر المثل) فاذا لم يتعذر المثل بان كان للعبد، مثل عرفى- مثلا- لم يكن وجه للذهاب الى ضمانه بالقيمة.

(و كيف كان فقد حكى الخلاف فى ذلك) اى فى لزوم القيمة فى القيمى (عن الاسكافى، و عن الشيخ، و المحقق فى الخلاف، و الشرائع فى باب القرض) فقالوا: بالمثل فى القيمى أيضا خلافا للمشهور الذين قالوا

ص: 145

فان ارادوا ذلك مطلقا، حتى مع تعذر المثل، فيكون القيمة عندهم بدلا عن المثل، حتى يترتب عليه وجوب قيمة يوم دفعها كما ذكروا ذلك احتمالا فى مسألة تعين القيمة متفرعا على ذلك القول، فيردّه اطلاقات الروايات الكثيرة، فى موارد كثيرة

منها صحيحة ابى ولاد الآتية

______________________________

بالقيمة فى القيمى (فان ارادوا ذلك) المثل فى القيمى (مطلقا) سواء تعذر المثل أم لم يتعذر؟ (حتى) يجب المثل (مع تعذر المثل، فيكون القيمة عندهم بدلا عن المثل) فاذا اتلف عبدا، و لم يكن له مثل فى الخارج كان اللازم فرض مثل لذلك العبد، و يكون المتلف ضامنا لذلك المثل المفقود، و اذا اعطى القيمة فانما هى قيمة المثل، لا قيمة العين المتلفة (حتى يترتب عليه) اى على وجوب المثل (وجوب قيمة يوم دفعها) فاذا كان العبد فى يوم التلف يسوى الفا، و فى يوم الدفع مائة، او الفين، وجب على المتلف اعطاء المائة او الالفين، لانه يوم تحول المثل الى القيمة (كما ذكروا ذلك) اى وجوب دفع قيمة يوم الدفع (احتمالا فى مسألة تعين القيمة متفرعا على ذلك القول) اى القول بوجوب دفع القيمة، فان القائل بوجوب دفع قيمة العبد- لا مثله- احتمل وجوب قيمة يوم التلف، و قيمة يوم الدفع (فيرده) خبر قوله: فان ارادوا، و جملة: كما ذكروا، معترضة (اطلاقات الروايات الكثيرة، فى موارد كثيرة) حيث: انها اطلقت القيمة، الظاهرة فى انها بدل التالف، لا انها بدل المثل.

(منها صحيحة ابى ولاد الآتية) حيث قال: عليه قيمة بغل، و لم يقل

ص: 146

و منها رواية تقويم العبد، و منها ما دل على: انه اذا تلف الرهن بتفريط المرتهن سقط من دينه، بحساب ذلك، فلو لا ضمان التالف بالقيمة لم يكن وجه لسقوط الدين، بمجرد ضمان التالف و منها غير ذلك من الاخبار الكثيرة و ان ارادوا انه مع تيسر المثل يجب المثل لم يكن بعيدا نظرا الى ظاهر آية:

الاعتداء، و نفى الضرر لان خصوصيات الحقائق قد تقصد

______________________________

مثل بغل (و منها رواية تقويم العبد، و منها ما دل على: انه اذا تلف الرهن بتفريط المرتهن سقط من دينه) اى دين الراهن الّذي اخذ المال من المرتهن (بحساب ذلك) الرهن الّذي تلف مثلا اعطى زيد داره لمحمد فى مقابل الف دينار اخذه محمد قرضا فاذا تلف محمد داره و كانت تسوى خمسمائة دينار سقط من ذمة زيد خمسمائة و وجب عليه ان يعطى لمحمد خمسمائة فقط و هذا يدل على ان الرهن انما يقوم لا انه يجب اعطاء مثله و الا كان اللازم على محمد ان يعطى لزيد مثل داره و يأخذ من زيد الألف الّذي دفعه إليه (فلو لا ضمان التالف بالقيمة) لا بالمثل (لم يكن وجه لسقوط الدين، بمجرد ضمان التالف).

اقول: اشكل السيد صاحب العروة فى وجود هذه الرواية فراجع (و منها غير ذلك من الاخبار الكثيرة) التى مرت جملة منها: دالة على لزوم القيمة فلا وجه لاطلاق القول بلزوم المثل (و ان ارادوا انه مع تيسر المثل يجب المثل) دون القيمة (لم يكن) كلامهم (بعيدا) عن الصواب (نظرا الى ظاهر آية: الاعتداء) فانها تدل: على المثل، الا ما خرج من القيميات التى لا مثل لها (و نفى الضرر) فان اعطاء القيمة دون المثل ضرر على المغصوب منه (لان خصوصيات الحقائق قد تقصد) فقصد المالك ان يكون له عبدا و

ص: 147

اللهم الا ان يحقق اجماع على خلافه و لو من جهة ان ظاهر كلمات هؤلاء اطلاق القول: بضمان المثل، فيكون الفصل بين التيسر و عدمه، قولا ثالثا فى المسألة.

ثم انهم اختلفوا فى تعيين القيمة فى المقبوض بالبيع الفاسد

فالمحكى فى غاية المراد عن الشيخين و اتباعهما، تعين

______________________________

بغل، لا: ان يكون له قيمة ذلك، اذ اشترائه بالقيمة شاق عليه.

بالإضافة الى بعض الروايات الدالة على المثل فى القيمى، كالمروى عن العامة: ان امرأة كسرت قصعة اخرى فدفع النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم قصعة الكاسرة الى صاحبة المكسورة، و حبس المكسورة فى بيته، و فى حديث آخر ان النبي استقرض بكرا، فامر برد مثله، بل خبر اسحاق بن عمار قلت: لابى عبد الله عليه السلام استقرض الرغيف. من الجيران، و نأخذ الكبير و نعطى صغيرا و نعطى كبيرا، قال عليه السلام: لا بأس، الى غيرها من الروايات.

(اللهم الا ان يحقق اجماع على خلافه) و انه لا يجوز فى القيمى الا القيمة لا المثل (و لو من جهة ان ظاهر كلمات هؤلاء اطلاق القول: بضمان المثل) من غير فرق بين ان يكون تيسر المثل أم لا؟ (فيكون الفصل بين التيسر) للمثل، فيجب المثل (و عدمه) اى عدم التيسر، فتجب القيمة (قولا ثالثا فى المسألة) و هذا مما لا يجوز احداثه و الله العالم.

(ثم انهم اختلفوا فى تعيين القيمة فى المقبوض بالبيع الفاسد) قيمة اىّ يوم هى (فالمحكى فى غاية المراد عن الشيخين و اتباعهما، تعين

ص: 148

قيمة يوم التلف، و عن الدروس و الروضة نسبته الى الاكثر.

و الوجه فيه على ما نبّه عليه جماعة، منهم العلامة فى السرائر: ان الانتقال الى البدل، انما هو يوم التلف، اذ: الواجب قبله هو رد العين

و ربما يورد عليه: ان يوم التلف يوم الانتقال الى القيمة، اما كون المنتقل إليها قيمة يوم التلف فلا.

و يدفع بان معنى: ضمان العين عند قبضه، كونه فى عهدته، و معنى ذلك

______________________________

قيمة يوم التلف و عن الدروس و الروضة نسبته) اى هذا القول (الى الاكثر، و الوجه فيه) اى فى كون المعيار قيمة يوم التلف (على ما نبه عليه جماعة:

منهم العلامة فى السرائر: ان الانتقال الى البدل انما هو يوم التلف) لا بعده، و لا قبله (اذ الواجب قبله هو رد العين) و اليوم الّذي بعد يوم التلف ليست العين فى الذمة، بل القيمة فارتفاع العين- لو كانت- و انخفاضها لا يؤثران فى الضمان.

(و ربما يورد عليه: ان يوم التلف يوم الانتقال الى القيمة) هذا صحيح لانه اذا لم يمكن العين وجب قيمتها (اما كون المنتقل إليها قيمة يوم التلف فلا) دليل على ذلك، فلعل المنتقل إليها قيمة ما اعم من قيمة يوم الغصب، او التلف، او ما بعد ذلك، او اعلى القيم.

(و يدفع) هذا الايراد (بان معنى: ضمان العين عند قبضه) المستفاد من قوله: على اليد ما اخذت، (كونه) اى الشي ء المقبوض (فى عهدته) اى عهدة القابض، و ذمته (و معنى ذلك) الكون فى العهدة

ص: 149

وجوب تداركه ببدله عند التلف، حتى يكون عند التلف كانّه لم يتلف، و تداركه على هذا النحو بالتزام مال معادل له قائم مقامه.

و مما ذكرنا ظهر ان الاصل فى ضمان التالف ضمانه بقيمته يوم التلف فان خرج المغصوب من ذلك- مثلا- فبدليل خارج.

نعم لو تم ما تقدم عن الحلى فى هذا المقام من دعوى الاتفاق على كون البيع فاسدا بمنزلة

______________________________

(وجوب تداركه ببدله عند التلف، حتى يكون) الشي ء (عند التلف كانه لم يتلف) لان بدله يوصل الى المالك (و تداركه) ببدله (على هذا النحو) كانه لم يتلف، انما هو (بالتزام مال معادل له قائم مقامه) و قوله: و تداركه، مبتدأ، و: بالتزام، خبره، فالحاصل: انه اذا تلف اعطى المتلف ماليته.

(و مما ذكرنا ظهر: ان الاصل فى ضمان التالف، ضمانه بقيمته يوم التلف) فالضمان بالقيمة يوم التلف، و المنتقل إليها قيمة يوم التلف أيضا و هذا الحكم عام بالنسبة الى كل انواع الضمان، كالمقبوض بالسوم و البيع الفاسد، و الغصب، و غيرها (فان خرج المغصوب من ذلك) الاصل الكلى (مثلا) بان قلنا: المغصوب يضمن بقيمة يوم الغصب، او اعلى القيم او ما اشبه (فبدليل خارج) سبب ذلك الدليل ان نخرج عن الاصل الكلى الّذي مقتضاه قيمة يوم التلف.

(نعم لو تم ما تقدم عن الحلى فى هذا المقام) اى مقام ضمان البيع الفاسد (من دعوى الاتفاق على كون البيع فاسدا) اى بالبيع الفاسد (بمنزلة

ص: 150

المغصوب الا فى ارتفاع الاثم، الحقناه بالمغصوب، ان ثبت فيه حكم مخالف لهذا الاصل، بل يمكن ان يقال: اذا ثبت فى المغصوب الاعتبار بقيمة يوم الغصب، كما هو ظاهر صحيحة ابى ولاد الآتية كشف ذلك عن عدم اقتضاء اطلاقات الضمان لاعتبار قيمة يوم التلف، اذ يلزم حينئذ ان يكون المغصوب عند كون قيمته يوم التلف اضعاف ما كانت يوم الغصب غير واجب التدارك عند التلف، لما ذكرنا من ان معنى التدارك التزام بقيمته يوم وجوب التدارك

______________________________

المغصوب الا فى ارتفاع الاثم) حيث لا اثم فى البيع الفاسد، مما هو موجود فى المغصوب (الحقناه) اى المبيع بالبيع الفاسد (بالمغصوب، ان ثبت فيه) اى فى المغصوب (حكم مخالف لهذا الاصل) الاولى الّذي هو ضمان قيمة يوم الغصب- مثلا- (بل يمكن ان يقال: اذا ثبت فى المغصوب الاعتبار بقيمة يوم الغصب، كما هو ظاهر صحيحة ابى ولاد الآتية) حيث قال عليه السلام: قيمة بغل يوم خالف (كشف ذلك) الاعتبار بقيمة يوم الغصب (عن عدم اقتضاء اطلاقات الضمان لاعتبار قيمة يوم التلف، اذ) كيف يمكن ان يكون المغصوب اخف حكما من غير المغصوب؟ فانه (يلزم حينئذ) اى حين كان الاعتبار فى المغصوب يوم الغصب لا يوم التلف (ان يكون المغصوب عند كون قيمته يوم التلف اضعاف ما كانت) قيمته (يوم الغصب) كما لو كان يوم الغصب يسوى بالف، و يوم التلف بعشرة آلاف (غير واجب التدارك عند التلف)

و انما لم يكن واجبا تداركه (لما ذكرنا من ان معنى التدارك التزام بقيمته يوم وجوب التدارك) فتحصل ان المصنف ذكر أولا: ان مقتضى

ص: 151

نعم لو فرض دلالة الصحيحة على وجوب اعلى القيم، امكن جعل التزام الغاصب بالزائد، على مقتضى التدارك مؤاخذة له باشقّ الاحوال فالمهمّ حينئذ صرف الكلام الى معنى الصحيحة بعد ذكرها ليلحق به البيع الفاسد

______________________________

الاصل فى موارد الضمان مطلق يوم التلف، ثم استثنى المغصوب، فضمانه عند الغصب بمقتضى صحيحة ابى ولاد، ثم الحق بالغصب سائر موارد الضمان- و عليه ينقلب الاصل الاولى- لانه لو كان فى الغصب الاعتبار بيوم الغصب، و فى سائر الموارد بيوم التلف، لزم ان يكون المغصوب احسن حالا.

اللهم الا اذا قلنا: بان مفاد الصحيحة وجوب اعلى القيم، فنقول:

الاصل فى جميع موارد الضمان، يوم التلف، الا المغصوب.

و الى هذا اشار بقوله: (نعم لو فرض دلالة الصحيحة على وجوب اعلى القيم) كما يأتى تقريب ذلك (امكن جعل التزام الغاصب بالزائد) على يوم التلف- فيما كان يوم التلف عشرة، و فى يوم آخر بعشرين- مثلا- (على مقتضى التدارك) و مقتضى التدارك: هو يوم التلف و: على، متعلق ب: الزائد، (مؤاخذة له باشق الاحوال) و حينئذ يبقى الاصل- و هو الضمان يوم التلف- سالما عن الايراد، و يخرج منه الغصب فقط بدليل خاص (فالمهمّ حينئذ) اى حين توقف معرفة الضمان فى سائر الموارد على معرفة الضمان فى الغصب، و انه يوم التلف، او يوم الغصب او اعلى القيم (صرف الكلام الى معنى الصحيحة) لابى ولاد (بعد ذكرها ليلحق به) اى بذلك المعنى (البيع الفاسد) و ان ضمانه يوم التلف،

ص: 152

اما لما ادعاه الحلى، و اما لكشف الصحيحة عن معنى التدارك، و الغرامة فى المضمونات، و كون العبرة فى جميعها بيوم الضمان، كما هو احد الاقوال فيما نحن فيه، من البيع الفاسد.

و حيث ان الصحيحة مشتملة على احكام كثيرة، و فوائد خطيرة، فلا بأس بذكرها جميعا، و ان كان الغرض متعلقا ببعضها.

فروى الشيخ فى الصحيح عن ابى ولاد، قال: اكثريت بغلا الى قصر بنى هبيرة

______________________________

او يوم القبض، اذ حال البيع الفاسد حال الغصب (اما لما ادعاه الحلى) من الاجماع، على ان حال البيع الفاسد حال الغصب (و اما لكشف الصحيحة عن معنى التدارك و الغرامة فى المضمونات) فلما دل الدليل على التدارك و الغرامة فى البيع الفاسد، كان معنى التدارك هنا هو معنى التدارك فى الصحيحة، و قول المصنف: «اما» و «اما» لبيان اتحاد حكم المغصوب و البيع الفاسد، (و كون العبرة فى جميعها) اى المضمونات (بيوم الضمان) الّذي هو مثل يوم الغصب (كما هو) اى كون الاعتبار بيوم الضمان (احد الاقوال فيما نحن فيه، من البيع الفاسد) من بيان «ما» و «كون العبرة» عطف على «معنى التدارك»

(و حيث ان الصحيحة مشتملة على احكام كثيرة، و فوائد خطيرة) فى الفقه (فلا بأس بذكرها جميعا و إن كان الغرض) فى مقامنا هذا (متعلقا ببعضها، ف) نقول (روى الشيخ فى الصحيح عن ابى ولاد، قال: اكثرين بغلا الى قصر بنى هبيرة) و كان بين الكوفة و بغداد بينه و بين كل منهما

ص: 153

ذاهبا، و جائيا بكذا و كذا، و خرجت فى طلب غريم لى فلما صرت قرب قنطرة الكوفة، خبرت ان صاحبى توجه الى النيل، فتوجهت نحو النيل، فلما اتيت النيل، خبرت انه توجه الى بغداد، فاتبعته و ظفرت به، و فرغت مما بينى و بينه، و رجعت الى الكوفة، و كان ذهابى و مجي ء خمسة عشر يوما، فاخبرت صاحب البغل بعذرى، واردت ان اتحلل منه فيما صنعت، و ارضيه، فبذلت له خمسة عشر درهما، فابى ان يقبل، فتراضينا بابى حنيفة، و اخبرته بالقصة، و اخبره الرجل فقال: لى ما صنعت بالبغل؟ فقلت: رجعته سليما، قال:

______________________________

مسافة يومين (ذاهبا و جائيا بكذا و كذا) من الدراهم (و خرجت فى طلب غريم لى) كنت اطلبه شيئا (فلما صرت قرب قنظرة الكوفة، خبرت ان صاحبى توجه الى النيل) المراد بصاحبه، غريمه (فتوجهت نحو النيل، فلما اتيت النيل خبرت انه توجه الى بغداد) و النيل: موضع بين كوفة، و بغداد (فاتبعته و ظفرت به، و فرغت مما بينى و بينه) بتصفية الطلب، (و رجعت الى الكوفة، و كان ذهابى و مجي ء خمسة عشر يوما) مع ان المسافة المقررة بينى و بين صاحب البغل أربعة ايام حسب المسافة بين الكوفة و بنى هبيرة (فاخبرت صاحب البغل بعذرى، و اردت ان اتحلل منه فيما صنعت، و ارضيه فبذلت له خمسة عشر درهما) اى و هو ازيد من الاجرة المقررة أولا (فابى ان يقبل، فتراضينا بابى حنيفة) حكما فى الموضوع (و اخبرته بالقصة، و اخبره الرجل) أيضا (فقال: لى) ابو حنيفة (ما صنعت بالبغل؟) هل ارجعته أم لا؟ (فقلت: رجعته سليما قال:)

ص: 154

نعم بعد خمسة عشر يوما، قال فما تريد من الرجل؟ قال: اريد كراء بغلى فقد حبسه على خمسة عشر يوما، فقال: انى ما ارى لك حقا! لانه اكترى، الى قصر بنى هبيرة، فخالف فركبه الى النيل، و الى بغداد فضمن قيمة البغل، و سقط الكراء، فلما رد البغل سليما، و قبضته لم يلزمه الكراء قال: فخرجنا من عنده، و اخذ صاحب البغل يسترجع فرحمته مما افتى به ابو حنيفة، و اعطيته شيئا، و تحللت منه، و حججت

______________________________

صاحب البغل (نعم بعد خمسة عشر يوما) على خلاف الموعد المقرر (قال) ابو حنيفة لصاحب البغل: (فما تريد من الرجل) المكترى لبغلك؟ (قال) صاحب البغل: (اريد كراء بغلى، فقد حبسه على خمسة عشر يوما فقال) ابو حنيفة (انى ما ارى لك) يا صاحب البغل (حقا) على الرجل (لانه اكتراه الى قصر بنى هبيرة، فخالف فركبه الى النيل، و الى بغداد، فضمن) بسبب هذه المخالفة (قيمة البغل، و سقط الكراء) لانه لم يعمل بمقتضى الاجارة فيكون غاصبا، و الغاصب ضامن للقيمة (فلما رد البغل سليما، و قبضته لم يلزمه الكراء) لانه ساقط بالمخالفة، و الضمان أيضا سقط بالاقباض لك، فلا شي ء على الرجل حتى اصل الاجرة التى كانت بينكما (قال) الرجل: (فخرجنا من عنده، و اخذ صاحب البغل يسترجع) اى يقول: انا لله و انا إليه راجعون، و ذلك لانه لم يحصل على شي ء بعد ان كان لا يرضى بخمسة عشر درهما (فرحمته مما افتى به ابو حنيفة، و اعطيته شيئا) مجانا (و تحللت منه) اى قلت له: اجعلنى فى حل (و حججت

ص: 155

تلك السنة، فاخبرت أبا عبد الله عليه السلام، بما افتى به ابو حنيفة، فقال فى مثل هذا القضاء و شبهه تحبس السماء مائها، و تحبس الارض بركاتها فقلت: لابى عبد الله عليه السلام فما ترى انت، جعلت فداك؟ قال عليه السلام: ارى له عليك مثل كراء البغل ذاهبا من الكوفة الى النيل و ذاهبا من النيل الى بغداد، و مثل كراء البغل من بغداد الى الكوفة و توفيه اياه، قال: قلت: جعلت فداك، فقد علفته بدراهم، فلى عليه علفة، قال: لا، لانك غاصب.

______________________________

تلك السنة، فاخبرت أبا عبد الله) الصادق (عليه السلام بما افتى به ابو حنيفة) و بالقصة (فقال) عليه السلام: (فى مثل هذا القضاء) الّذي قضى به ابو حنيفة (و شبهه) من الحكم بالباطل (تحبس السماء مائها و تحبس الارض بركاتها) لعله اشارة الى قوله سبحانه: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرىٰ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنٰا عَلَيْهِمْ بَرَكٰاتٍ مِنَ السَّمٰاءِ وَ الْأَرْضِ، وَ لٰكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنٰاهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ، (فقلت: لابى عبد الله عليه السلام فما ترى انت جعلت فداك؟ قال عليه السلام: ارى له عليك مثل كراء البغل ذاهبا من الكوفة الى النيل، و ذاهبا من النيل الى بغداد) و لعل الامام لم يقل من الكوفة الى بغداد، لاختلاف القيمة من الكوفة الى بغداد، و من الكوفة الى النيل، ثم منه الى بغداد (و مثل كراء البغل من بغداد، الى الكوفة، و توفيه اياه) عطف على: عليك، اى واجب عليك ذمة و واجب ان تعطيه اياه أيضا (قال: قلت: جعلت فداك فقد علفته) اى البغل (بدراهم فلى عليه علفة قال) عليه السلام (لا، لانك غاصب) بخلاف

ص: 156

قلت: أ رأيت لو عطب البغل او نفق أ ليس كان يلزمنى؟ قال: نعم قيمة بغل يوم خالفته، قلت: فان اصاب البغل عقر، او كسر، او دبر، قال: عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده عليه، قلت: فمن يعرف ذلك؟

قال: انت و هو، اما ان يحلف هو، فيلزمك، و ان ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة، لزمك ذلك او يأتى

______________________________

المأذون الّذي له على المالك ان يوفى ما انفقه على بغله، لاحترام مال المسلم، اما الغاصب فقد اذهب احترام مال نفسه (قلت: أ رأيت) اى اخبرنى (لو عطب البغل) و هلك (او نفق) و صار فيه جرح، او ما اشبه (أ ليس كان يلزمنى؟). شي ء فى الخسارة (قال: نعم) كان يلزمك (قيمة بغل يوم خالفته) اى خالفت مالك البغل (قلت: فان اصاب البغل عقرا و كسر او دبر) ما ذا كان يلزمنى، و العقر الجرح و الدبر بالتحريك قرحة الدابة، و الكسر واضح (قال: عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده عليه) فاذا كانت قيمة الصحيح مائة، و المعيوب تسعين لزمه اعطاء عشرة بالإضافة الى رد الدابة (قلت: فمن يعرف ذلك) التفاوت بين الصحيحة و المعيبة (قال) عليه السلام: (انت و هو) اى انه مربوط بالعرف و انتما من العرف، و لدى الاختلاف فى القيمة (اما ان يحلف هو) صاحب البغل (فيلزمك) بمقدار ما حلف (و ان ردّ اليمين عليك) و لم يحلف (فحلفت) انت (على القيمة، لزمك ذلك) المقدار الّذي انت اعترفت به، مثلا قال صاحب البغل هو مائة، و قلت: انت هو تسعين، فان حلف هو لزمك المائة، و ان رد الحلف و حلفت انت لزمك التسعون (او يأتى

ص: 157

صاحب البغل بشهود يشهدون ان قيمة البغل حين اكترى كذا و كذا فيلزمك، فقلت: انى كنت اعطيته دراهم و رضى بها، و حللنى، فقال عليه السلام: انما رضى بها و حللك حين قضى عليه ابو حنيفة بالجور و الظلم و لكن ارجع إليه فاخبره بما افتيتك به، قال جعلك فى حل بعد معرفته فلا شي ء عليك بعد ذلك، الخبر

و محل الاستشهاد فيه فقرتان، الاولى: قوله: نعم قيمة بغل يوم خالفته الى ما بعد، فان الظاهر ان اليوم قيد للقيمة، اما باضافة القيمة المضافة الى البغل إليه ثانيا، يعنى قيمة يوم المخالفة للبغل ف

______________________________

صاحب البغل بشهود يشهدون ان قيمة البغل حين اكترى كذا و كذا فيلزمك) و يقوم الشهود مقام الحلف (فقلت: انى كنت) قد (اعطيته دراهم و رضى) صاحب البغل (بها) اى بالدراهم (و حللنى، فقال عليه السلام انما رضى) صاحب البغل (بها، و حللك حين قضى عليه ابو حنيفة بالجور و الظلم، و لكن) انت (ارجع إليه) اى الى صاحب البغل (فاخبره بما افتيتك به، قال جعلك فى حل بعد معرفته فلا شي ء عليك بعد ذلك) انتهى موضع الحاجة من (الخبر، و محل الاستشهاد فيه فقرتان، الاولى: قوله) عليه السلام (نعم: قيمة بغل يوم خالفته الى ما بعد) هذه الفقرة (فان الظاهر) عند العرف من هذه الفقرة (ان اليوم قيد للقيمة) اى قيمة يوم المخالفة- و هو يوم الغصب- (اما باضافة القيمة المضافة الى البغل إليه) اى الى: اليوم، (ثانيا) فيكون الكلام هكذا: قيمة بغل،: قيمة يوم، (يعنى قيمة يوم المخالفة للبغل، ف) ان

ص: 158

يكون اسقاط حرف التعريف من: البغل، للاضافة، لا لان ذا القيمة، بغل غير معين، حتى توهم الرواية مذهب من جعل القيمى مضمونا بالمثل، و القيمة، انما هى قيمة المثل.

و اما بجعل: اليوم، قيدا للاختصاص الحاصل من اضافة: القيمة، الى: البغل، و اما ما احتمله جماعة من تعلق الظرف بقوله: نعم، القائم مقام قوله عليه السلام: يلزمك، يعنى: يلزمك يوم المخالفة قيمة بغل، فبعيد جدا.

______________________________

قلت: فاللازم ان يقول: قيمة البغل، باللام، لا: قيمة بغل، بالتنكير، قلت:

(يكون اسقاط حرف التعريف من البغل، للاضافة) الى يوم، اى: بغل يوم المخالفة، (لا لان ذا القيمة بغل غير معين) فليست الكلمة نكرة، و انما هى معرفة، حذفت اللام منها لقصد الاضافة (حتى توهم الرواية) بناء على نكرية البغل (مذهب من جعل القيمى مضمونا بالمثل) لان معناها حينئذ:

قيمة بغل، مماثل للبغل المكترى (و القيمة) التى يجب اعطائها (انما هى قيمة المثل) لا قيمة نفس الشي ء- اى البغل المكترى- (و اما بجعل:

اليوم، قيدا للاختصاص الحاصل من اضافة: القيمة، الى: البغل،) اى قيدا للمعنى- لا انه قيد للقيمة- و إن كان اوّل المعنى الى المعنى الاول أيضا (و اما ما احتمله جماعة من تعلق الظرف) اى: يوم، (بقوله: نعم، القائم مقام قوله عليه السلام: يلزمك،) فيوم، متعلق بيلزمك (يعنى: يلزمك يوم المخالفة قيمة بغل) و عليه فلا دلالة فى الرواية لتعيين مقدار القيمة (فبعيد جدا) لان مقتضى القاعدة الادبية تعلق الظرف بالاقرب فالاقرب

ص: 159

بل غير ممكن، لان السائل انما سئل عما يلزمه بعد التلف، بسبب المخالفة بعد العلم بكون زمان المخالفة زمان حدوث الضمان، كما يدل عليه:

أ رأيت لو عطب البغل، او نفق، أ ليس كان يلزمنى؟ فقوله: نعم، يعنى:

يلزمك بعد التلف بسبب المخالفة، قيمة بغل يوم خالفته،

و قد اطنب بعض من جعل الفقرة ظاهرة فى تعلق الظرف بلزوم القيمة عليه، و لم يأت بشي ء يساعده التركيب اللغوى، و لا المتفاهم العرفى

______________________________

(بل غير ممكن لان السائل انما سئل) الامام عليه السلام (عما يلزمه بعد التلف) للبغل (بسبب المخالفة) الظرف متعلق ب: يلزمه، (بعد العلم) من السائل (بكون زمان المخالفة) هو (زمان حدوث الضمان) فجواب الامام: بان الضمان فى يوم المخالفة، لا فائدة فيه اصلا (كما يدل عليه:) اى على ان السائل كان عالما بكون زمان المخالفة هو زمان الضمان، قوله:

(أ رأيت لو عطب البغل، او نفق أ ليس كان يلزمنى؟) فالسائل يعرف بانه ملتزم، و انما يسأل من شي ء آخر (فقوله) عليه السلام (نعم، يعنى يلزمك بعد التلف بسبب المخالفة) لصاحب البغل (قيمة بغل يوم خالفته) فتدل الرواية: على ان الضمان انما هو بقيمة يوم المخالفة.

(و قد اطنب) و اطال (بعض من جعل الفقرة) المذكورة من الرواية (ظاهرة فى تعلق الظرف بلزوم القيمة عليه) يعنى يلزمك يوم المخالفة (و لم يأت بشي ء يساعده التركيب اللغوى، و لا المتفاهم العرفى) و قد نظر بعض المعلقين فى كلام المصنف بما هو خارج عن وضع الشرح، فعلى الراغب ان يراجع الحواشى و التعليقات.

ص: 160

«الثانية»: قوله او يأتى صاحب البغل بشهود يشهدون ان قيمة البغل يوم اكترى كذا و كذا، فان اثبات قيمة يوم الاكتراء من حيث هو يوم الاكتراء لا جدوى فيه، لعدم الاعتبار به، فلا بد ان يكون الغرض منه اثبات قيمة يوم المخالفة، بناء على انه يوم الاكتراء، لان الظاهر من صدر الرواية انه خالف المالك بمجرد خروجه من الكوفة، و من المعلوم ان اكتراء البغل لمثل تلك المسافة القليلة، انما يكون يوم الخروج، او فى عصر اليوم السابق

______________________________

( «الثانية»: قوله) عليه السلام (او يأتى صاحب البغل بشهود يشهدون ان قيمة البغل يوم اكترى كذا و كذا).

و وجه دلالة هذه الفقرة على ما نحن فيه، الاعتبار بيوم الاكتراء (فان اثبات قيمة يوم الاكتراء من حيث هو يوم الاكتراء لا جدوى) و لا فائدة (فيه لعدم الاعتبار به) اى بيوم الاكتراء اذ: يوم الاكتراء ليس يوم الضمان (فلا بد ان يكون الغرض منه) اى من يوم الاكتراء (اثبات قيمة يوم المخالفة، بناء على انه يوم الاكتراء) أيضا (لان الظاهر من صدر الرواية) حيث قال: فلما صرت قرب قنطرة الكوفة خبّرت الخ، فان قنطرة الكوفة يصل إليها الانسان فى نفس اليوم على الظاهر، و من القنطرة خالف المكترى و (انه خالف المالك بمجرد خروجه من الكوفة، و من المعلوم ان اكتراء البغل لمثل تلك المسافة القليلة) بين الكوفة و بين قنطرتها (انما يكون يوم الخروج، او فى عصر اليوم السابق) بان اكترى البغل عصرا، و خرج صباحا، لان يكترى الانسان البغل فى يوم و يخرج بعد ذلك باسبوع، او شهر، او ما اشبه

ص: 161

و معلوم أيضا عدم اختلاف القيمة فى هذه المدة القليلة.

و اما قوله عليه السلام: فى جواب السؤال عن اصابة العيب: عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده، فالظرف: متعلق ب: عليك، لا قيد للقيمة، اذ لا عبرة فى ارش العيب بيوم الرد اجماعا، لان النقص الحادث تابع فى تعيين يوم قيمته لاصل العين

______________________________

(و معلوم أيضا عدم اختلاف القيمة) للبغل (فى هذه المدة القليلة) بين الاكتراء، و بين المخالفة.

(و اما قوله عليه السلام: فى جواب السؤال عن اصابة العيب:) حيث سئل السائل فان اصاب البغل عقر الخ (عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده) حيث ربما يزعم ان: يوم، متعلق ب: القيمة، فالمعتبر قيمة يوم الرد لا قيمة يوم المخالفة (فالظرف) و هو «يوم» (متعلق بعليك) اى عليك فى يوم الرد ان تعطيه القيمة الفلانية (لا قيد للقيمة).

و ان قلت: ان: عليه، يوم المخالفة، لا يوم الرد، قلت: انما يرد القيمة فى يوم الرد، و بهذا الاعتبار، قال عليه السلام: «يوم ترده» و الا فمن المعلوم ان الضمان انما يكون يوم المخالفة، و انما قلنا: لا قيد للقيمة، (اذ لا عبرة فى ارش العيب بيوم الرد اجماعا) فهذا الاجماع كاشف عن ان مراد الامام عليه السلام: لم يكن القيمة يوم الرد، بل: الضمان، اى- عليك- يوم الرد، (لان النقص الحادث تابع فى تعيين يوم قيمته لاصل العين) «لاصل» متعلق ب: تابع،

فاذا قلنا: بان المدار فى قيمة العين على يوم الغصب، فكذلك

ص: 162

فالمعنى عليك اداء الارش يوم رد البغلة

و يحتمل ان يكون، قيدا للعيب، و المراد العيب الموجود فى يوم الرد، لاحتمال ازدياد العيب الى يوم الرد، فهو المضمون دون العيب القليل الحادث أولا.

لكن، يحتمل ان يكون العيب قد تناقص الى يوم الرد، و العبرة حينئذ بالعيب الموجود حال حدوثه لان المعيب لو ردّ الى الصحة

______________________________

نقول: فى النقص، فتقوم العين فى يوم الغصب صحيحة و معيبة، و يؤخذ بتلك النسبة، و على هذا فلا عبرة فى ارش العيب بيوم الرد (فالمعنى) لقوله عليه السلام: عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده، (عليك اداء الارش يوم رد البغلة) هذا.

(و يحتمل ان يكون) الظرف اى: يوم، فى كلام الامام عليه السلام (قيدا للعيب، و المراد العيب الموجود فى يوم الرد) فعيب يوم الرد مضمون (لاحتمال ازدياد العيب الى يوم الرد) مثلا كان العيب يوم التعيب عشرة، و يوم الرد مائة (فهو المضمون دون العيب القليل الحادث أولا) اوّل الامر لان فى يد الغاصب تعيب البغل بهذا العيب الكثير.

(لكن) هذا الاحتمال ضعيف، لان مقتضاه: انه لو نقص العيب كان الضمان لذلك الناقص فقط، كما لو تعيب او لا بمائة، ثم صار عشرة، كان اللازم على هذا القول ضمانه بعشرة و هذا غير تام، اذ (يحتمل ان يكون العيب قد تناقص الى يوم الرد، و العبرة حينئذ) اى حين التناقص (بالعيب الموجود حال حدوثه) لا حال نقصه (لان المعيب لورد الى الصحة)

ص: 163

او نقص، لم يسقط ضمان ما حدث منه و ارتفع على مقتضى الفتوى، فهذا الاحتمال من هذه الجهة، ضعيف أيضا فتعين تعلقه بقوله: عليك.

و المراد بقيمة ما بين الصحة و العيب: قيمة التفاوت بين الصحة و العيب و لا تعرض فى الرواية ليوم هذه القيمة فيحتمل يوم الغصب، و يحتمل يوم حدوث العيب الّذي هو يوم تلف وصف الصحة الّذي هو

______________________________

بان صح البغل بعد تعيبه (او نقص) العيب، بان صار اقل (لم يسقط ضمان ما حدث منه و ارتفع) فى صورة ارتفاع العيب كليا (على مقتضى الفتوى) فان العلماء يفتون بذلك.

و وجهه ان العيب صار فى ذمة الغاصب، و لا دليل على سقوطه بعد ارتداد البغل صحيحا، او بعد ان قل عيبه (فهذا الاحتمال) اى احتمال تعلق: يوم، فى كلام الامام ب: عيب، (من هذه الجهة) اى الجهة التى ذكرناها بقولنا: لكن، (ضعيف أيضا) كضعف الاحتمال السابق الّذي رددناه بقولنا: اذ لا عبرة فى ارش، (فتعين تعلقه) اى:

يوم، (بقوله: عليك) لا ب: عيب، و لا ب: قيمة، (و المراد بقيمة ما بين الصحة و العيب،) فى كلام الامام عليه السلام (قيمة التفاوت بين الصحة و العيب) كما هو واضح (و لا تعرض فى الرواية ليوم هذه القيمة) و انه يلاحظ اى الايام لاخذ التفاوت (فيحتمل يوم الغصب، و يحتمل يوم حدوث العيب الّذي هو يوم تلف وصف الصحة) بان يؤخذ التفاوت بين يوم الغصب صحيحا و مريضا، او بين يوم العيب صحيحا و مريضا (الّذي هو) اى وصف

ص: 164

بمنزلة جزء العين فى باب الضمانات، و المعاوضات و حيث عرفت ظهور الفقرة السابقة عليه و اللاحقة له، فى اعتبار يوم الغصب، تعين حمل هذا أيضا على ذلك.

نعم: يمكن ان يوهن ما استظهرناه من الصحيحة: بانه لا يبعد ان يكون مبنى الحكم فى الرواية على ما هو الغالب، فى مثل مورد الرواية من عدم اختلاف قيمة البغل فى مدة خمسة عشر يوما

______________________________

الصحة (بمنزلة جزء العين فى باب الضمانات، و المعاوضات) فان للصحة ثمنا فكانما جزء للعين (و حيث عرفت ظهور الفقرة السابقة عليه) اى على قوله: قيمة ما بين الصحة و العيب، (و اللاحقة له) و الفقرة السابقة هى قوله عليه السلام: قيمة بغل يوم خالفته، و اللاحقة هى قوله عليه السلام قيمة البغل حين اكترى، (فى اعتبار يوم الغصب تعين حمل هذا) اى قوله: قيمة ما بين الصحة و العيب، (أيضا على ذلك) لان وحدة المساق تدل على وحدة الإرادة من الفقرات الثلاثة.

(نعم: يمكن ان يوهن ما استظهرناه من الصحيحة) يعنى كون العبرة بيوم الغصب (بانه لا يبعد ان يكون مبنى الحكم) بقيمة يوم الغصب (فى الرواية) لا لاجل انه اذا اختلف يوم الغصب، و يوم التلف يكون الاعتبار أيضا بيوم الغصب، بل ذلك مبنى (على ما هو الغالب فى مثل مورد الرواية من: عدم اختلاف قيمة البغل فى مدة خمسة عشر يوما) كما فى الرواية انها كانت المدة بين اخذ البغل، و رده على صاحبه، و مع امكان هذا الاحتمال فى الرواية لا يبقى لها ظهور فيما ادعيناه من: ان العبرة بيوم

ص: 165

و يكون السرّ فى التعبير بيوم المخالفة، دفع ما ربما يتوهمه امثال صاحب البغل من العوام ان العبرة بقيمة ما اشترى به البغل، و ان نقص بعد ذلك، لانه خسّره المبلغ الّذي اشترى به البغلة

و يؤيده التعبير عن يوم المخالفة فى ذيل الرواية بيوم الاكتراء فان فيه اشعارا بعدم عناية المتكلم بيوم المخالفة، من حيث انه يوم المخالفة

______________________________

الغصب، حتى فى صورة اختلاف القيمة بين يوم الغصب، و بين التلف.

(و) ان قلت: الظاهر من قوله عليه السلام: يوم خالفته، خصوصية يوم المخالفة سواء تنزلت القيمة بعد الغصب أم لا؟

قلت: كلا، بل (يكون السرّ فى التعبير بيوم المخالفة دفع ما ربما يتوهمه امثال صاحب البغل من العوام ان العبرة) فى ضمان الضامن (بقيمة ما اشترى به البغل، و ان نقص بعد ذلك) و انما يتوهمون هذا التوهم (لانه) اى المتلف (خسّره) اى سبب خسارة المالك (المبلغ الّذي اشترى به البغلة) و لذا قال الامام: يوم المخالفة، ليدفع هذا التوهم.

(و يؤيده) اى عدم اعتبار يوم المخالفة، فى مقابل يوم التلف، و انما يوم المخالفة يراد به فى مقابل يوم اشتراء المالك- كما يتوهم العوام (التعبير عن يوم المخالفة فى ذيل الرواية بيوم الاكتراء) حيث قال عليه السلام: يوم اكترى، (فان فيه) اى فى هذا الاختلاف فى التعبير (اشعارا بعدم عناية المتكلم بيوم المخالفة، من حيث انه يوم المخالفة) و الّا لوحّد التعبير فى المقامين.

ص: 166

الا ان يقال: ان الوجه فى التعبير بيوم الاكتراء- مع كون المناط يوم المخالفة- هو: التنبيه على سهولة اقامة الشهود على قيمته فى زمان الاكتراء، لكون البغل فيه غالبا بمشهد من الناس، و جماعة من المكارين بخلاف زمان المخالفة من حيث انه زمان المخالفة فتغيير التعبير ليس لعدم العبرة بزمان المخالفة، بل للتنبيه على سهولة معرفة القيمة بالبينة كاليمين فى مقابل قول السائل: و من يعرف ذلك

______________________________

(الا ان يقال:) لا اشعارية فى ما ذكرتم، اذ: (ان الوجه فى التعبير بيوم الاكتراء) فى ذيل الرواية (- مع كون المناط يوم المخالفة- هو: التنبيه على سهولة اقامة الشهود على قيمته فى زمان الاكتراء) حيث امر الامام عليه السلام: بالاحتياج الى الشهود، فكان محل توهم ان يقال: انه كيف يمكن اقامة الشهود على قيمة البغل يوم المخالفة؟ و الحال ان البغل فى الصحراء و لا شهود حاضرين، فنبّه الامام عليه السلام: الى ان شهود يوم الاكتراء كافية فى ذلك (لكون البغل فيه) اى فى يوم الاكتراء (غالبا بمشهد من الناس، و جماعة من المكارين بخلاف زمان المخالفة) حيث لا مكارى و لا شاهد (من حيث انه زمان المخالفة) نعم من حيث تساوى زمان المخالفة لزمان الاكتراء- فى القيمة- يمكن اقامة الشهود أيضا (فتغيير التعبير) بلفظ: يوم الاكتراء، بعد: يوم خالف، (ليس لعدم العبرة بزمان المخالفة، بل للتنبيه على سهولة معرفة القيمة) للبغل (بالبينة) الموجودة يوم المخالفة، فكلام الامام عليه السلام:

(كاليمين فى مقابل قول السائل: و من يعرف ذلك) لا فى مقابل يوم

ص: 167

فتأمل.

و يؤيده أيضا قوله عليه السلام: فيما بعد فى جواب قول السائل: و من يعرف ذلك؟ قال: انت و هو، اما ان يحلف هو على القيمة فيلزمك، فان رد اليمين عليك فحلفت على القيمة، لزمه، او يأتى صاحب البغل بشهود يشهدون على ان قيمة البغل يوم اكترى كذا و كذا، فيلزمك الخبر فان العبرة لو كان بخصوص يوم المخالفة لم يكن وجه لكون القول

______________________________

المخالفة، حتى يكون تدافع بين: يوم المخالفة، و: يوم الاكتراء، (فتأمل) اذ: يبعد ان يكون تعبير الامام عليه السلام: بيوم اكترى، لاجل دفع توهم مشكلية اقامة البينة للقيمة فى يوم المخالفة.

(و يؤيده) اى يؤيد ما ذكرناه بقولنا: نعم يمكن ان يوهن، و هذا تأييد لعدم اعتبار: يوم المخالفة، (أيضا) كما وهناه سابقا بقولنا: بانه لا يبعد ان يكون، (قوله عليه السلام: فيما بعد فى جواب قول السائل: و من يعرف ذلك؟ قال) عليه السلام (انت و هو، اما ان يحلف هو على القيمة فيلزمك) ذلك المقدار الّذي حلف عليه (فان رد اليمين عليك، فحلفت) له (على القيمة) بان البغل يسوى اقل مما يدّعيه صاحب البغل (لزمه) فلا حق له فى الزيادة (او يأتى صاحب البغل بشهود يشهدون على ان قيمة البغل يوم اكترى كذا و كذا، فيلزمك) لانه مدع للزيادة، فاذا جاء بالشهود فله الحق، و الا فلا حق له اذا حلفت انت (الخبر) فان هذه القطعة من الخبر: تدل على عدم الاعتبار بيوم المخالفة (ف) وجه ذلك، اى قولنا:

يؤيده، (ان العبرة لو كان بخصوص يوم المخالفة لم يكن وجه لكون القول

ص: 168

قول المالك مع كونه مخالفا للاصل.

ثم لا وجه لقبول بينته لان من كان القول قوله، فالبينة بينة صاحبه و حمل الحلف هنا على الحلف المتعارف الّذي يرضى به المحلوف له و يصدقه فيه

______________________________

قول المالك) بحلفه (مع كونه مخالفا للاصل).

و الحاصل: ان الامام جعل: البينة، على المالك، و جعل: الحلف أيضا على المالك، و هذان لا يستقيمان الا بكون العبرة بيوم التلف، لا يوم المخالفة، و ذلك لان المالك ان ادعى الزيادة كان مدعيا، فالبينة، عليه و ان ادعى ان البغل بقى على قيمته السابقة و الغاصب انكر ذلك و قال: بل نقصت قيمته عن السابق، كان المالك منكرا فالحلف عليه، اما اذا كانت العبرة بيوم المخالفة فالمالك مدع، فالبينة عليه، و اذا لم يكن له بينة كان الحلف على الغاصب المنكر، و هذا الا يلائم قول الامام عليه السلام: اما ان يحلف هو على القيمة، فيلزمك، فان رد الحلف الخ.

(ثم) اذا كان الاعتبار بيوم المخالفة (لا وجه لقبول بينته) اى بينة المالك (لان من كان القول قوله) و هو المالك (فالبينة بينة صاحبه) اى الغاصب- لان الغاصب حينئذ مدع- (و حمل الحلف هنا على الحلف المتعارف الّذي يرضى به المحلوف له و يصدقه فيه) بان كانت البينة على المالك لانه يدعى الاكثر قيمة، و الحلف على الغاصب، لكن الامام انما قال: بان الحلف على المالك، باعتبار ان الغاصب، راض بحلفه، فليس الحلف حكما شرعيا، و انما من جهة رضا الغاصب، و كذا فى كل مورد رضى

ص: 169

من دون محاكمة.

و التعبير برده اليمين على الغاصب، من جهة: ان المالك اعرف بقيمة بغله- فكانّ الحلف حق له ابتداءً- خلاف الظاهر.

و هذا بخلاف ما لو اعتبرنا يوم التلف، فانه يمكن ان يحمل توجه

______________________________

المنكر بحلف المدعى، فانه ينجز حلفه، و يكون الحكم تابعا لحلفه (من دون محاكمة) شرعية، و انما بمجرد الرضا الخارجى بان يحلف المدّعى.

(و) ان قلت: هذا لا يلائم (التعبير) فى الرواية (برده اليمين على الغاصب) اذ: الرد اصطلاح فى ان يكون المنكر يرد اليمين، لا ان يرد المدعى.

قلت: هذا التعبير فى الرواية حيث قال عليه السلام: فان رد اليمين فحلفت له، (من جهة: ان المالك اعرف بقيمة بغله، فكانّ الحلف حق له ابتداءً) فان الاعرف احق بالحلف- عرفا- فالتعبير أيضا جار مجرى العرف، لا حسب موازين المدعى و المنكر (خلاف الظاهر) جواب قوله:

و حمل الحلف، اذ: الظاهران الائمة عليهم السلام يتكلمون بالاحكام الشرعية لا بالامور العرفية التى هى خلاف موازين الاوليات الشرعية

(و هذا) الاشكال وارد على اعتبار يوم المخالفة- كما ذكره الشيخ- (بخلاف ما لو اعتبرنا) الضمان فى (يوم التلف) فانه يستقيم توجه البينة على المالك، و الحلف عليه، و الرد الى الغاصب- كما فى الرواية- (فانه يمكن ان يحمل توجه) البينة عليه، لانه يدعى الاكثر فيحتاج الى البينة، و

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 6، ص: 171

ص: 170

اليمين على المالك، على ما اذا اختلفا فى تنزل القيمة يوم التلف، مع اتفاقهما، او الاطلاع من الخارج على قيمته سابقا، و لا شك حينئذ انّ القول قول المالك، و يكون سماع البينة فى صورة اختلافهما فى قيمة البغل سابقا، مع اتفاقهما على بقائه عليها الى يوم التلف، فتكون الرواية قد تكلفت بحكم صورتين من صور تنازعهما

______________________________

توجه (اليمين على المالك) يحمل (على ما اذا اختلفا فى تنزل القيمة يوم التلف، مع اتفاقهما، او الاطلاع من الخارج على قيمته سابقا) كما لو علما بانّ قيمة البغل يوم الاكتراء كانت عشرين، ثم قال: الغاصب انها يوم التلف عشرة، و قال: المالك بل العشرون باق على حاله، فان الغاصب حينئذ مدّع، و يتوجه إليه البيّنة، فاذا لم تكن له بينة كان الحلف على الغاصب، فاذا لم يحلف كان ردّا الى الغاصب (و لا شك حينئذ ان القول) فى عدم تنزل قيمة البغل (قول المالك) لان الاصل معه (و يكون سماع البيّنة) من المالك- كما قال الامام عليه السلام- انما هو فى غير هذه الصورة بل (فى صورة اختلافهما فى قيمة البغل سابقا) كما لو قال المالك كانت القيمة عشرين، و قال الغاصب: بل عشرة (مع اتفاقهما على بقائه عليها) اى على تلك القيمة (الى يوم التلف) حيث لا تكون هناك دعوى ثانية (ف) على هذا الّذي ذكرنا من كون البينة و الحلف كلتيهما على المالك (تكون الرواية قد تكلفت بحكم صورتين من صور تنازعهما) صورة الاختلاف فى قيمة البغل سابقا و البينة على المالك، و صورة الاختلاف فى تنزل القيمة حين الحلف و الحلف على المالك لان المالك فى الصورة الاولى مدع و فى

ص: 171

و يبقى بعض الصور، مثل دعوى المالك: زيادة قيمة يوم التلف عن يوم المخالفة، و لعل حكمها اعنى حلف الغاصب، يعلم من حكم عكسها المذكور فى الرواية.

و اما على تقدير كون العبرة فى القيمة بيوم المخالفة، فلا بد من حمل الرواية، على ما اذا اتفقا على قيمة اليوم السابق على يوم المخالفة، او اللاحق له، و ادعى الغاصب نقصانه عن تلك يوم المخالفة

______________________________

الصورة الثانية منكر (و يبقى بعض الصور) غير مذكورة فى الرواية (مثل دعوى المالك زيادة قيمة يوم التلف عن يوم المخالفة) و البينة هنا على المالك (و لعل حكمها اعنى) كون البينة على المالك و (حلف الغاصب) فى صورة عدم البينة (يعلم من حكم عكسها المذكور فى الرواية) و هو: صورة ادعاء الغاصب تنزل القيمة، و حكمه حلف المالك- لانه منكر-.

(و اما على تقدير كون العبرة فى القيمة بيوم المخالفة) كما استظهرنا أولا من الرواية (فلا بد من حمل الرواية) الدالة على حلف المالك- الظاهر منه كون المالك منكرا- (على ما اذا اتفقا على قيمة اليوم السابق على يوم المخالفة) بان قالا: كانت القيمة عشرين ثم ادعى الغاصب انها تنزلت الى عشرة (او اللاحق له) بان اتفقا ان القيمة بعد يوم المخالفة كانت عشرين (و ادعى الغاصب نقصانه عن تلك، يوم المخالفة) هذا فى صورة: الاتفاق على اليوم السابق، و ادعى الغاصب زيادته على يوم المخالفة و هذا فى صورة الاتفاق على اليوم اللاحق، و المصنف لم يبين هذا اكتفاء بالقرينة فهو من قبيل قول الشاعر: علفتها تبنا، و ماء باردا، اى و سقيتها

ص: 172

و لا يخفى بعده، و ابعد منه حمل النص على التعبد، و جعل حكم خصوص الدابة، او مطلقا، مخالفا للقاعدة المتفق عليها نصا، و فتوى

______________________________

ماء باردا،

و الحاصل: انه اذا كانت العبرة بقيمة يوم المخالفة، و كان يوم المخالفة مثلا الخميس،

فربما يتفقان على ان القيمة يوم الاربعاء عشرين، و يختلفان فى يوم الخميس، فيقول: المالك بقى على ذلك يوم الخميس أيضا، و يقول:

الغاصب بل صارت القيمة عشرة،

و ربما يتفقان على ان القيمة يوم الجمعة عشرين، و يختلفان فى يوم الخميس، فيقول المالك: كانت القيمة أيضا فى يوم الخميس عشرين، و يقول الغاصب: بل كانت القيمة عشرة، فانه فى كلتا الصورتين يحلف المالك، لانه منكر.

(و لا يخفى بعده) اى بعد هذا الحمل، لانه حمل للرواية على الفرد النادر، لانه يندر أن يدعى الغاصب نقصان يوم التلف عن يوم المخالفة، او نقصان يوم المخالفة عن اليوم السابق له، اذ: الغالب بقاء قيمة البغل قبل يوم المخالفة و بعده على ما هو عليه، خصوصا فيما اذا كان الزمان غير طويل (و ابعد منه) اى من هذا الحمل (حمل النص) الّذي الزم المالك البينة و الحلف (على التعبد، و جعل حكم خصوص الدابة) المغصوبة فيحلف المدعى لا المنكر (او مطلقا) فى كل غصب دابة او غيرها (مخالفا للقاعدة المتفق عليها نصا، و فتوى.

ص: 173

من كون البينة على المدعى، و اليمين على من انكر، كما حكى عن الشيخ فى بابى: الاجارة، و الغصب.

و اضعف من ذلك: الاستشهاد بالرواية على اعتبار اعلى القيم من حين الغصب الى التلف، كما حكى عن الشهيد الثانى، اذ لم يعلم لذلك وجه صحيح، و لم اظفر بمن وجه دلالتها

______________________________

من كون البينة على المدعى و اليمين على من انكر، كما حكى) هذا الحمل (عن الشيخ فى بابى: الاجارة، و الغصب) و انما كان هذا الاحتمال ابعد، لانه لا داعى له بعد امكان حمل الرواية على ما ذكرناه مما هو مطابق للقاعدة الاولية خصوصا و ان خرق القاعدة بمثل هذه الرواية مشكل جدا

(و اضعف من ذلك) اى حمل الرواية على: ادعاء الغاصب او: خلاف القاعدة، حتى يكون الاعتبار بيوم الغصب (الاستشهاد بالرواية على اعتبار اعلى القيم من حين الغصب الى التلف، كما حكى عن الشهيد الثانى) فالمراد ب: يوم خالف، فى الرواية جنس يوم المخالفة، لا خصوص اليوم الّذي غصب فيه.

و من المعلوم ان: اعلى القيم، من مصاديق: يوم خالف، و انما نقول:

بذلك لان يوم اعلى القيم تعلق الثمن بذمة الغاصب، منزولة، بان صارت القيمة اقل لا يوجب براءة الذمة لاستصحاب بقاء على القيم.

و انما قلنا هذا الوجه اضعف (اذ لم يعلم لذلك وجه صحيح) فان هذا المعنى: خلاف ظاهر الرواية، اذ: المتبادر من: يوم خالف، خصوص يوم المخالفة، لا جنس يوم المخالفة (و لم اظفر بمن وجه دلالتها) اى

ص: 174

على هذا المطلب.

نعم استدلوا على هذا القول بان العين مضمونة، فى جميع تلك الازمنة، التى منها، زمان ارتفاع قيمته، و فيه: ان ضمانها فى تلك الحال، ان اريد به وجوب قيمة ذلك الزمان لو تلف فيه فمسلم، اذ: تداركه لا يكون الا بذلك.

لكن المفروض انها لم تتلف فيه و ان اريد به استقرار قيمة ذلك الزمان عليه

______________________________

دلالة الرواية (على هذا المطلب) اى اعلى القيم.

(نعم استدلوا على: هذا القول) اى اعلى القيم (بان العين مضمونة) على الغاصب (فى جميع تلك الازمنة) التى كانت تحت حيازة الغاصب فيها (التى منها) اى من تلك الازمنة (زمان ارتفاع قيمته) فاذا ضمن الغاصب ارتفاع القيمة- لانه واضع اليد على الشي ء المرفوع القيمة- لم يكن وجه للقول: بعدم ضمان الزائد اذا تنزلت قيمته بعد ذلك، لاستصحاب بقاء الضمان السابق (و فيه: ان ضمانها) اى ضمان العين (فى تلك الحال) اى حال ارتفاع القيمة (ان اريد به وجوب قيمة ذلك الزمان لو تلف) المغصوب (فيه) اى فى ذلك الزمان (فمسلم، اذ: تداركه) اى المغصوب (لا يكون الا بذلك) الضمان، فدليل: على اليد، يقول: بوجوب التدارك لو تلف.

(لكن المفروض انها) اى العين (لم تتلف فيه) اى فى ذلك الزمان (و ان اريد به) اى بالضمان فى حال ارتفاع القيمة (استقرار قيمة ذلك الزمان عليه) اى على الغاصب

ص: 175

فعلا و ان تنزلت بعد ذلك فهو مخالف لما تسالموا عليه، من عدم ضمان ارتفاع القيمة مع رد العين، و ان اريد استقرارها عليه بمجرد الارتفاع مراعى بالتلف فهو و ان لم يخالف الاتفاق الا انه: مخالف لاصالة البراءة من غير دليل شاغل على ما حكاه فى الرياض عن خاله العلامة ره، من:

______________________________

(فعلا) بعد ان تلف فى حال تنزله عن اعلى القيم (و ان تنزلت) كلمة:

ان، وصلية (بعد ذلك) الزمان الّذي ترقت العين فيه (فهو مخالف لما تسالموا عليه، من عدم ضمان ارتفاع القيمة مع رد العين) فانه اذا صار المغصوب الفا ثم صار مائة، و ردّه الى مالكه، لم يكن عليه ان يعطى تسعمائة أيضا اى مقدار الارتفاع، و عليه فما دامت العين موجودة تكون مضمونة بنفسها، فالعين اذا صارت مائة يكون نفسها مضمونة، فاذا تلف انتقلت العين- التى قيمتها مائة- الى القيمة، فيكون الضمان لمائة فقط لا للالف (و ان اريد) بالضمان فى حال الارتفاع (استقرارها) اى القيمة (عليه بمجرد الارتفاع مراعى بالتلف) بانه ان رد العين فيها و الا وجب عليه رد اعلى القيم ان تلفت العين (فهو و ان لم يخالف الاتفاق) لان الاتفاق يقول: بوجوب رد العين فى حال وجودها، و هو ساكت عن مقدار القيمة، فى حال تلف العين، لانهم اختلفوا فى ذلك- كما عرفت- (الا انه:

مخالف لاصالة البراءة) اذ الغاصب اذا شك فى انه مديون بالف او بمائة كانت اصالة عدم التسعمائة محكمة (من غير دليل شاغل) اى موجب لشغل الذمة، حتى يكون ذلك الدليل واردا على اصالة البراءة (على ما حكاه فى الرياض عن خاله العلامة ره، من:

ص: 176

قاعدة نفى الضرر، الحاصل على المالك، و فيه نظر كما اعترف به بعض من تأخر.

نعم يمكن توجيه الاستدلال المتقدم من كون العين مضمونة فى جميع الازمنة بان العين اذا ارتفعت قيمتها فى زمان، و صارت ماليتها مقومة بتلك القيمة فكما انه اذا تلفت حينئذ يجب تداركها بتلك القيمة فكذا اذا حيل بينها و بين المالك حتى تلفت

______________________________

قاعدة نفى الضرر، الحاصل على المالك) اذ: المالك قد تضرر التسعمائة فانه اذا كانت العين تحت يده، فربما باعها فى حال كونها الفا (و فيه نظر كما اعترف به بعض من تأخر)، اذ هذا: من قبيل تفويت المنفعة، و لا ضمان فيه على المشهور، لا انه ضرر حتى ينفى بقاعدة نفى الضرر، مضافا الى ان القاعدة: تنفى التكليف، لا انها مثبتة لها، فلا تثبت القاعدة وجوب الدفع.

(نعم يمكن توجيه الاستدلال المتقدم) و الاستدلال ما بيّنه بقوله:

(من كون العين مضمونة فى جميع الازمنة) فان هذا الاستدلال: يمكن توجيهه بحيث يفيد وجوب دفع اعلى القيم، و التوجيه هو: (بان العين اذا ارتفعت قيمتها فى زمان، و صارت ماليتها مقومة بتلك القيمة) كالالف فى المثال السابق (فكما انه) اى الشي ء المضمون و هو: العين (اذا تلفت حينئذ) اى حال ارتفاع القيمة، كحال كونها تسوى الف دينار (يجب تداركها بتلك القيمة) لقاعدة: على اليد، لان الغاصب وضع اليد على ما قيمته الف (فكذا اذا حيل بينها و بين المالك حتى تلفت) لان الضمان

ص: 177

اذ: لا فرق مع عدم التمكن منها بين ان تتلف او تبقى.

نعم لوردت، تدارك تلك المالية بنفس العين، و ارتفاع القيمة السوقية امر اعتبارى لا يضمن بنفسه لعدم كونه مالا، و انما هو مقوم لمالية المال، و به تمايز الاموال، كثرة و قلة.

و الحاصل ان للعين فى كل زمان من ازمنة تفاوت قيمته، مرتبة من المالية

______________________________

للالف حدث على عاتق الغاصب، فتبدل الضمان خلاف الاستصحاب (اذ: لا فرق مع عدم التمكن) اى عدم تمكن المالك (منها) اى من العين (بين ان تتلف) فى حال ارتفاع القيمة (او تبقى) و تتلف بعد تنزل قيمتها

(نعم لوردت) العين بعد التنزل لم يجب تدارك التفاوت كما لو ردها حال كونها تسوى مائة، لم يجب على الغاصب تدارك التسعمائة (تدارك) بصيغة المجهول (تلك المالية) الفائتة اى التسعمائة (بنفس العين) اذ: يصدق انه ادى ما ضمنه، فلا يجب عليه تدارك التفاوت (و) ليس التفاوت فى القيمة السوقية كالتفاوت فى العين بالسمن و الهزال، حتى يقال: كما ان التفاوت العينية مضمونة، كذلك التفاوت السوقية، اذ: (ارتفاع القيمة السوقية امر اعتبارى لا يضمن بنفسه لعدم كونه) اى الارتفاع السوقى (مالا، و انما هو مقوم لمالية المال، و به) اى بالارتفاع السوقى (تمايز الاموال، كثرة و قلة) بخلاف الارتفاع العينى، فانه امر حقيقى، و هو مال واقعا، فكونه مضمونا لا يلازم كون الارتفاع السوقى مضمونا أيضا:

(و الحاصل) فى وجه ضمان ارتفاع القيمة السوقية (ان للعين فى كل زمان من ازمنة تفاوت قيمته مرتبة من المالية

ص: 178

ازيلت يد المالك منها، و انقطعت سلطنته عنها فان ردت العين، فلا مال سواها يضمن، و ان تلفت استقرت عليها تلك المراتب لدخول الادنى تحت الاعلى، نظير ما لو فرض للعين منافع متفاوتة، متضادة، حيث انه يضمن الاعلى منها و لاجل ذلك استدل العلامة فى التحرير- للقول باعتبار يوم الغصب- بقوله: لانه زمان ازالة يد المالك

______________________________

ازيلت يد المالك منها) اى من تلك المرتبة بواسطة الغاصب (و انقطعت سلطنته عنها) اى عن تلك المرتبة (فان ردت العين) و لو فى حال تنزلها (فلا مال سواها) اى سوى العين (يضمن) حتى يجب تدارك الغاصب للتفاوت (و ان تلفت) العين- و لو بعد التنزل- (استقرت عليها) اى على ذمة الغاصب (تلك المراتب) جميعا الادنى و الاعلى، و انما يكتفى باعطاء الاعلى (لدخول الادنى) من المراتب (تحت الاعلى) و ذلك (نظير ما لو فرض للعين منافع متفاوتة، متضادة) كالدابة التى غصبها، و لها منفعة الركوب بعشرة دنانير، و منفعة الاستقاء بخمسة و منفعة المدار بدينار، (حيث انه يضمن الاعلى منها) فيلزم على الغاصب اعطاء عشرة فى المثال (و لاجل ذلك) الّذي ذكرنا من: ان الغاصب ضامن لما تلف تحت يده، و لو كان ما تلف اعلى القيم (استدل العلامة فى التحرير للقول باعتبار يوم الغصب بقوله: لانه زمان ازالة يد المالك) فهذه الجملة تدل:

على ان ازالة يد المالك عن اعلى القيم موجبة لضمان اعلى القيم، اذ: ان الغاصب قد ازال يد المالك فى حال كون المغصوب يسوى اعلى القيم.

ص: 179

و نقول: فى توضيحه ان كل زمان من ازمنة الغصب قد ازيلت فيه يد المالك عن العين- على حسب ماليته- ففى زمان ازيلت عن مقدار درهم و فى آخر عن درهمين، و فى ثالث عن ثلاثة، فاذا استمرت الازالة الى زمان التلف، وجبت غرامة اكثرها فتأمل،

و استدل فى السرائر و غيرها على هذا القول

______________________________

(و نقول: فى توضيحه) اى توضيح انطباق كلام العلامة على ضمان اعلى القيم (ان كل زمان من ازمنة الغصب قد ازيلت فيه يد المالك عن العين- على حسب ماليته-) اى العين التى تسوى مالية خاصة ف:

على، متعلق ب: ازيلت، و وضح ذلك المصنف بقوله: (ففى زمان ازيلت) اليد (عن مقدار درهم): زمان، بالجر، اى ففى بعض الازمنة، قد ازيلت عن مقدار درهم حيث كانت العين تسوى درهما (و فى) زمان (آخر عن درهمين، و فى ثالث عن ثلاثة) دراهم (فاذا استمرت الازالة الى زمان التلف، وجبت غرامة اكثرها) اى اكثر الماليات (فتأمل) اذ: ظاهر كلام العلامة يوم الازالة، و هو يوم الغصب، لا ان كل يوم يصدق عليه يوم الازالة ابتداءً او استمرارا.

هذا بالإضافة الى انه لما تنزلت العين كان المفروض اعطائها فاذا لم يعطها يكون اللازم اعطاء بدلها، و هو قيمة ذلك اليوم، كما انه لو كان مثليا وجب اعطاء مثلها، و من المعلوم ان المثل يسوى القيمة الحالية لا اعلى القيم.

(و استدل فى السرائر و غيرها على هذا القول) اى اعلى القيم

ص: 180

باصالة الاشتغال، لاشتغال ذمته بحق المالك، و لا يحصل البراءة الّا بالاعلى.

و قد يجاب بان: الاصل فى المقام البراءة، حيث ان الشك فى التكليف بالزائد.

نعم لا بأس بالتمسك باستصحاب الضمان المستفاد من: حديث اليد

______________________________

(باصالة الاشتغال، لاشتغال ذمته) اى ذمة الغاصب (بحق المالك، و لا يحصل البراءة) اليقينية (الا بالاعلى) لان الاشتغال اليقينى، يحتاج الى البراءة اليقينية.

(و قد يجاب) عن الاشتغال (بان: الاصل فى المقام: البراءة) لا الاشتغال (حيث ان الشك فى التكليف بالزائد) فان وجوب الاقل محرز و وجوب الاكثر مشكوك فيه، و فى مثله تجرى البراءة عن الاكثر، كما لو شك فى انه مديون لزيد بعشرة او خمسة، فان اصالة البراءة عن الخمسة الزائدة توجب عدم الزامه بها، و انما الاشتغال يجرى فيما اذا علمنا بالتكليف، و شككنا فى المكلف به، كما لو علم انه مكلف بخمسة، و شك فى انه و فى أم لا؟ فان اصالة الاشتغال محكّمة هنا.

(نعم لا بأس) للقول باعلى القيم (بالتمسك باستصحاب الضمان المستفاد) اصل الضمان (من: حديث اليد) فان المغصوب لما صارت قيمته عشرة اشتغلت ذمة الغاصب باعطاء العين او العشرة، فاذا تنزلت ثم تلفت استصحب شغل الذمة بعشرة.

لكن قد عرفت الاشكال فى هذا الاستصحاب، اذ: بعد تنزل العين

ص: 181

ثم انه حكى عن المفيد، و القاضى، و الحلبى: الاعتبار بيوم البيع فيما كان فساده، من جهة التفويض الى حكم المشترى، و لم يعلم له وجه و لعلهم يريدون به، يوم القبض

______________________________

صار المكلف به اعطاء العين او قيمته النازلة، فاذا تلفت فى هذا الحال وجب اعطاء القيمة النازلة (ثم انه حكى عن المفيد، و القاضى، و الحلبى:

الاعتبار بيوم البيع) فى باب الضمان (فيما كان فساده) اى فساد البيع (من جهة التفويض الى حكم المشترى) كما لو قال البائع: بعتك هذا المتاع بما شئت من الثمن؟ فان هذا البيع باطل، اذ: من شرائط الصحة تعيين كل من المثمن و الثمن، و عليه فاذا قبض المشترى المتاع، ثم تلف كان اللازم عليه: ان يقدم المتاع فى يوم المبيع، و يعطى تلك القيمة الى البائع (و لم يعلم له وجه) اللهم الا ان يقال: ان وجهه استفادة ذلك من صحيحة النخاس، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام، فقلت ساومت رجلا بجارية له فباعنيها بحكمى، فقبضتها منه، ثم بعثت إليه الف درهم، فقلت له: هذه الف درهم، حكمى عليك ان تقبلها، فابى ان يقبلها منى، و قد كنت مسستها قبل ان ابعث إليه بالف درهم، فقال عليه السلام: ارى ان تقوم الجارية بقيمة عادلة، فان كانت اكثر مما بعثتها إليه كان عليك ان ترد عليه ما نقص من القيمة، و إن كانت قيمتها اقل مما بعثتها إليه، فهو له، الخبر، فان الظاهر: كون المراد تقويمها فى يوم البيع كما ان الظاهر عدم خصوصية لمفروض السؤال، بل كل بيع فوّض ثمنه الى حكم المشترى (و لعلهم يريدون به) اى يوم البيع (يوم القبض) و هذا له وجه على القاعدة

ص: 182

لغلبة اتحاد زمان البيع و القبض فافهم.

ثم انه لا عبرة بزيادة القيمة بعد التلف على جميع الاقوال، الا انه تردد فيه فى الشرائع. و لعله: كما قيل من جهة احتمال كون القيمى مضمونا بمثله، و دفع القيمة انما هو لاسقاط المثل و قد تقدم انه مخالف لاطلاق النصوص و الفتاوى

______________________________

اذ: يوم القبض، هو يوم ضمان المشترى، و انما عبروا عن يوم القبض بيوم البيع (لغلبة اتحاد زمان البيع و القبض) فقيل احد المتلازمين و اريد الآخر (فافهم) فانه يبعد ارادتهم القبض من البيع و مثلهم من الاعلام لا يخفى عليهم كثرة الاختلاف بين يوم القبض، و يوم البيع

(ثم انه لا عبرة بزيادة القيمة بعد التلف على جميع الاقوال) حتى ان القائل باعلى القيم، انما يريد اعلى القيم الى حال التلف، فاذا ارتفعت قيمة البغل بعد التلف لم يلزم الضامن ذلك الارتفاع (الا انه تردد فيه فى الشرائع) لاحتمال وجوب اعلى القيم الى حين الاقباض (و لعله: كما قيل من جهة احتمال كون القيمى) كالمثل، أيضا (مضمونا بمثله) فاذا اتلف الغاصب البغل، كان اللازم عليه دفع بغل مثله الى المالك (و دفع القيمة انما هو لاسقاط المثل) الّذي تعلق بذمة الغاصب، و عليه كلما ارتفع البغل، و لو بعد التلف، ارتفع ما فى ذمة الغاصب، فاذا اراد التخلص وجب عليه اعطاء اعلى القيم الى حال الاقباض (و) لكن (قد تقدم انه) اى ضمان القيمى بمثله (مخالف لاطلاق النصوص و الفتاوى) الظاهرة فى ان القيمى مضمون بقيمته لا بمثله.

ص: 183

ثم ان ما ذكرنا من الخلاف انما هو فى ارتفاع القيمة بحسب الازمنة و اما اذا كان بسبب الامكنة كما اذا كان فى محل الضمان بعشرة، و فى مكان التلف بعشرين، و فى مكان المطالبة بثلاثين فالظاهر اعتبار محل التلف لان مالية الشي ء تختلف بحسب الاماكن، و تداركه بحسب ماليته.

ثم ان جميع ما ذكرنا من الخلاف انما هو فى ارتفاع القيمة السوقية الناشئة

______________________________

(ثم ان ما ذكرنا من الخلاف) فى ان المضمون قيمة يوم الغصب، او يوم التلف، او اعلى القيم (انما هو فى ارتفاع القيمة بحسب الازمنة) كما لو كان البغل يوم الخميس عشرة، و يوم الجمعة عشرين، و يوم السبت ثلاثين (و اما اذا كان بسبب الامكنة) كما لو كان فى النجف عشرة، و فى كربلاء عشرين و فى الكاظمية ثلاثين، و كانت تلك الاماكن مربوطة بالمغصوب (كما اذا كان فى محل الضمان بعشرة، و فى مكان التلف بعشرين، و فى مكان المطالبة بثلاثين) او بالعكس (فالظاهر اعتبار محل التلف) لانه: هو الوقت الّذي انقلب المغصوب الى القيمة فى ذلك المكان، لا فى سائر الاماكن (لان مالية الشي ء تختلف بحسب الاماكن، و تداركه) المستفاد من:

على اليد ما اخذت، انما هو (بحسب ماليته) و لذا لو اتلف مال زيد فى كربلاء لم يجب عليه ان يعطى ما يقوم ذلك المال فى بغداد- فيما كانت ماليته فى بغداد اكثر- كما لا يكتفى بما يقوم به فى النجف فيما اذا كان فى النجف ارخص.

(ثم ان جميع ما ذكرنا من الخلاف) فى باب انه هل يضمن اعلى القيم أم لا؟ (انما هو فى ارتفاع القيمة السوقية الناشئة

ص: 184

من تفاوت رغبة الناس، و اما اذا كان حاصلا من زيادة فى العين فالظاهر كما قيل- عدم الخلاف فى ضمان اعلى القيم، و فى الحقيقة ليست قيم التالف مختلفة، و انما زيادتها فى بعض اوقات الضمان لاجل الزيادة العينية الحاصلة فيه النازلة منزلة الجزء الفائت.

نعم يجرى الخلاف المتقدم فى قيمة هذه الزيادة الفائتة، فان العبرة

______________________________

من تفاوت رغبة الناس) فى الاوقات المختلفة كالفاكهة فى اولها و وسطها و آخرها حيث ان الرغبة فى الاول اكثر من الآخر، و الآخر اكثر من الوسط و لذا تكون فى الاول اغلى من الآخر و فى الآخر اغلى من الوسط (و اما اذا كان) الارتفاع (حاصلا من زيادة فى العين) كما اذا سمن الحيوان ثم هزل (فالظاهر- كما قيل- عدم الخلاف فى ضمان اعلى القيم) فى حال السمن، لان الغاصب وضع اليد على هذه الزيادة فهو ضامن لها (و فى الحقيقة ليست قيم التالف) اى الحيوان (مختلفة) اعلى و اوسط و انزل (و انما زيادتها) اى القيمة (فى بعض اوقات الضمان) و هو حال السمن (لاجل الزيادة العينية الحاصلة فيه) اى فى التالف (النازلة) تلك الزيادة العينية- كالسمن- (منزلة الجزء الفائت) فلا فرق بين ان يغصب الحيوان و ولده، او ان يغصب الحيوان الّذي له من اللحم حقّتين ثم يهزل فيصير لحمه حقة واحدة.

(نعم يجرى الخلاف المتقدم) فى انه يضمن اى القيم (فى قيمة هذه الزيادة الفائتة) كالحقة الفائتة بسبب الهزال (فان العبرة) فى ضمان

ص: 185

بيوم فواتها او يوم ضمانها، او اعلى القيم.

ثم ان فى حكم تلف العين فى جميع ما ذكر: من ضمان المثل، او القيمة حكم تعذر الوصول إليه و ان لم يهلك، كما لو سرق، او غرق اوضاع، او ابق، لما دل على الضمان بهذه الامور فى باب الامانات المضمونة.

و هل يقيد ذلك بما اذا حصل اليأس من الوصول إليه، او بعدم

______________________________

هذه الحقة الفائتة (بيوم فواتها) كدينار- عند ما صار الحيوان هزيلا- (او يوم ضمانها) كدينارين عند ما صار الحيوان سمينا (او اعلى القيم) كما لو سمن فى وقت كانت قيمة الحقة دينارين، و هزل فى وقت كانت قيمة اللحم دينارا، و بينهما ارتفعت قيمة اللحم الى ثلاثة دنانير.

(ثم ان فى حكم تلف العين فى جميع ما ذكر) له (من) الاحكام التى منها ضمان القيمة- ليوم التلف او يوم الغصب او اعلى القيم- و من (ضمان المثل) فى المثل (او القيمة) فى القيمة (حكم تعذر الوصول إليه) اى الى الشي ء المضمون (و ان لم يهلك كما لو سرق، او غرق) المتاع (اوضاع، او ابق) العبد و انما نقول: بان حكم هذه الامور حكم التلف (لما دل على الضمان بهذه الامور فى باب الامانات المضمونة) و من المعلوم وحدة حكم الضمان فى جميع الابواب، و مسئلة: الغاصب يؤخذ باشقّ الاحوال، ان تمّت ففى الجميع، و الّا فحال الغاصب، حال سائر من يضمن.

(و هل يقيد ذلك) الضمان فى صورة عدم التلف (بما اذا حصل اليأس من الوصول إليه) كما لو غرق فى بحر عميق (او) يقيد (بعدم

ص: 186

رجاء وجدانه، او يشمل ما لو علم وجدانه فى مدة طويلة يتضرر المالك من انتظارها و لو كانت قصيرة، وجوه، ظاهر ادلة ما ذكر من الامور الاختصاص باحد الاولين.

لكن ظاهر اطلاق الفتاوى: الاخير، كما يظهر من اطلاقهم، ان اللوح المغصوب فى السفينة، اذا خيف من نزعه غرق مال لغير الغاصب انتقل الى قيمته، الى ان يبلغ الساحل

______________________________

رجاء وجدانه) و لا يخفى ان اليأس اقوى من عدم الرجاء اذ: عدم الرجاء معناه احتمال الامرين، و اليأس يقال: فيما يضعف الرجاء (او يشمل ما لو علم وجدانه فى مدة طويلة) او شبه طويلة (يتضرر المالك من انتظارها و لو كانت قصيرة) كما لو علم بانه بعد عشر سنوات تأتى غواصة تخرج المتاع من البحر، او انه القاه فى البحر و تأتى الغواصة بعد يوم لكنه يحتاجه الآن، لانه وقت مجي ء الوفود مما ينتفع بمتاعه نفعا كبيرا (وجوه) خبر قوله: و هل يقيد، (ظاهر ادلة ما ذكر من الامور) كلمة: من، بيان: ما، و مصداق: ما، الغرق، و الضياع و ما اشبه (الاختصاص) للضمان (باحد الاولين) اليأس، او عدم الرجاء.

(لكن ظاهر اطلاق الفتاوى: الاخير) اى مدة يتضرر المالك و لو كانت المدة قصيرة (كما يظهر من اطلاقهم ان اللوح المغصوب فى السفينة اذا خيف من نزعه غرق مال لغير الغاصب انتقل) الضمان (الى قيمته)- فيأخذ المالك قيمته من صاحب السفينة (الى ان يبلغ الساحل) فيقلعه و يرد القيمة الى الغاصب، و من المعلوم: ان كون السفينة فى البحر

ص: 187

و يؤيده ان فيه جمعا بين الحقين، بعد فرض رجوع القيمة الى ملك الضامن عند التمكن من العين، فان: تسلط الناس على مالهم، الّذي فرض كونه فى عهدته يقتضي جواز مطالبة الخروج عن عهدته عند تعذر نفسه. نظير ما تقدم فى تسلطه على مطالبة القيمة للمثل المتعذر فى المثلى

______________________________

شامل لما تصل بعد يوم الى الساحل.

(و يؤيده) اى ما يفهم من كلام الفقهاء من الضمان، و لو كانت المدة قصيرة (ان فيه جمعا بين الحقين) حق الناس الّذي لهم اموال فى السفينة مما يوجب قلع اللوح غرقها، و حق المغصوب منه الّذي يتضرر ببقاء لوحه فى السفينة (بعد فرض رجوع القيمة) التى اخذها المغصوب منه اللوح (الى ملك الضامن) الغاصب (عند التمكن) اى تمكن المغصوب منه (من العين) عند ارساء السفينة فى الساحل، و انما فرضت هذا، لانه لو لم ترجع القيمة كان اجحافا بحق الغاصب، اذ قد حسن القيمة بدون ان، يكون حصل على ما يقابلها (فان: تسلط الناس على مالهم، الّذي فرض كونه) اى كون ذلك المال (فى عهدته) اى عهدة الضامن، اى تسلط صاحب اللوح على لوحه، الّذي فى عهدة صاحب السفينة (يقتضي) ذلك التسلط من صاحب اللوح (جواز مطالبة الخروج) اى ان يطلب صاحب اللوح خروج الضامن (عن عهدته) باعطاء قيمة اللوح (عند تعذر نفسه) لانه لا يقدر على مطالبة اللوح فى وسط البحر (نظير ما تقدم فى تسلطه) اى المالك (على مطالبة القيمة للمثل المتعذر فى) باب (المثلى) كما لو اتلف حنطة زيد، و تعذرت الحنطة، فان تسلط صاحب الحنطة

ص: 188

نعم لو كان زمان التعذر قصيرا جدا، بحيث لا يحصل صدق عنوان الغرامة و التدارك على اداء القيمة، اشكل الحكم.

ثم الظاهر: عدم اعتبار التعذر المسقط للتكليف، بل لو كان ممكنا بحيث يجب عليه السعى فى مقدماته لم تسقط القيمة زمان السعى.

______________________________

على ماله، قاض بجواز مطالبة الضامن بقيمة الحنطة- و إن كان اللازم أولا و بالذات، اعطاء المثل-.

(نعم لو كان زمان التعذر قصيرا جدا بحيث لا يحصل صدق عنوان الغرامة) اى ان: الضامن يغرم، (و التدارك) اى ان: الضامن يتدارك، (على اداء القيمة، اشكل الحكم) بوجوب الاداء للقيمة، حتى يتمكن من العين.

و وجه الاشكال: عدم شمول الادلة حينئذ له، نعم يمكن ان يقال:

وجوب تدارك ضرر المالك لصدق ادلة: لا ضرر، فلو حال بينه و بين متاعه ساعة، و كان ربحه من هذا المتاع فى هذه الساعة دينارا، وجب على الضامن اعطاء الدينار، و قد فصلوا هذه المسألة فى باب الغصب فراجع

(ثم الظاهر) من دليل: لا ضرر، المقتضى لعدم تضرر المالك، و لزوم تدارك الغاصب، و من دليل: الناس مسلطون، القاضى بتسلط المالك على المثل او البدل (عدم اعتبار التعذر) للعين فى وجوب بدل الحيلولة و ما اشبه (المسقط) ذلك التعذر (للتكليف، بل لو كان) الوصول الى العين (ممكنا بحيث يجب عليه السعى فى مقدماته لم تسقط القيمة زمان السعى) اذ: لا فرق بين زمان السعى، و بين زمان التعذر المطلق.

ص: 189

لكن ظاهر كلمات بعضهم: التعبير بالتعذر، و هو الاوفق باصالة عدم تسلط المالك على ازيد من الزامه برد العين، فتامل.

و لعل المراد به التعذر فى الحال، و ان كان لتوقفه على مقدمات زمانية يتأخر لاجلها ذو المقدمة.

ثم ان ثبوت القيمة مع تعذر العين، ليس كثبوتها مع تلفها فى كون دفعها حقا للضامن.

______________________________

(لكن ظاهر كلمات بعضهم: التعبير بالتعذر) فى وجوب البدل (و هو الاوفق باصالة عدم تسلط المالك على ازيد من الزامه برد العين، فتأمل) فانا اذا شككنا فى ان المالك هل له صلاحية للالزام عرفا- بمعنى استفادة العرف من كونه حقا، انه له الزامه بالعين او البدل- مقدم على الاصل المذكور.

(و لعل المراد به) اى بالتعذر فى كلام من اشترط التعذر (التعذر فى الحال) لا: التعذر المطلق، و على هذا فيوافق كلام من عبر بالتعذر ما ذكرناه من قولنا: بل لو كان ممكنا، (و إن كان) التعذر الحالى (لتوقفه على مقدمات زمانية يتأخر لاجلها) اى لاجل تلك المقدمات الزمانية (ذو المقدمة) و هو: وصول الحق الى صاحبه.

(ثم ان ثبوت القيمة) على الضامن (مع تعذر) اعطائه (العين ليس) هذا الثبوت (كثبوتها) اى القيمة (مع تلفها) اى تلف العين (فى كون دفعها) اى القيمة (حقا للضامن) فان الضامن يحق له ان يفرغ ذمته من القيمة بان يجبر المالك على الاخذ، اذ لا يجب عليه تحمل حق الغير

ص: 190

فلا يجوز للمالك الامتناع، بل له ان يمنع من اخذها و يصبر الى زوال العذر كما صرح به الشيخ فى المبسوط، و يدل عليه قاعدة: تسلط الناس على اموالهم، و كما ان تعذر رد العين فى حكم التلف، فكذا خروجه عن التقويم

ثم ان المال المبذول يملكه المالك بلا خلاف كما فى المبسوط، و الخلاف، و الغنية، و السرائر

______________________________

(فلا يجوز للمالك الامتناع) عن قبول حقه فيما اذا تلفت العين، اما اذا تعذرت بدون التلف، فلا يجب على المالك قبول القيمة (بل له) اى للمالك (ان يمنع من اخذها) اى القيمة (و يصبر الى زوال العذر) بان يقول للضامن: انا اصبر حتى يحصل مالى و لا آخذ منك البدل- الّذي هو القيمة- (كما صرح به) اى بحق المالك فى الصبر (الشيخ فى المبسوط، و يدل عليه) اى حق المالك فى الصبر، و عدم اخذ القيمة (قاعده:

تسلط الناس على اموالهم) فان المال موجود- حسب الفرض- فللمالك ان يقول: انى اريد ابقاء سلطتى على مالى، و لا اريد ان ابدله بالقيمة، و هذا بخلاف ما اذا تلفت العين، فانه ليس لا سلطة للمالك الا على البدل، فيحق للضامن ان يفرغ ذمته من البدل (و كما ان تعذر رد العين فى حكم التلف) فى وجوب البدل (فكذا خروجه عن التقويم) كما لو كان جمدا فصار شتاء، او سقطت قيمة النقد الورقى باسقاط الدولة.

(ثم ان المال المبذول) بدلا عن الشي ء المتعذر (يملكه المالك) من الضامن (بلا خلاف كما فى المبسوط، و الخلاف، و الغنية، و السرائر)

ص: 191

و ظاهرهم إرادة نفى الخلاف بين المسلمين.

و لعل الوجه فيه ان التدارك لا يتحقق الا بذلك و لو لا ظهور الاجماع و ادلة الغرامة فى الملكية لاحتملنا ان يكون مباحا له إباحة مطلقة و ان لم يدخل فى ملكه، نظير الاباحة المطلقة فى المعاطات على القول بها

______________________________

دعوى عدم الخلاف فيه.

(و ظاهرهم إرادة نفى الخلاف بين المسلمين) لا بين علماء الشيعة فقط، و انما كان هذا الاستظهار، لان هذه الكتب تتعرض للخلافات، و إن كان المخالف من العامة، فاذا لم يذكر خلافهم دل ذلك على انهم أيضا غير مختلفين فى المسألة.

(و لعل الوجه فيه) اى فى ملكية الآخذ للبدل (ان التدارك) الواجب على الضامن (لا يتحقق الا بذلك) الملك للبدل، فان كون المال البدل، عند المالك فقط، مع عدم كونه ملكا له، لا يسد مكان ماله المتعذر، فلا يتحقق التدارك بدون الملكية للبدل (و لو لا ظهور: الاجماع و) ظهور: (ادلة الغرامة) نحو: على اليد ما اخذت (فى الملكية) للبدل اذ الاداء، لا يكون الا بملكية المالك للمال الّذي اخذه بدلا (لاحتملنا ان يكون) البدل (مباحا له) اى للمالك (إباحة مطلقة) يتصرف فيه جميع انحاء التصرف، حتى الناقلة و المتلفة (و ان لم يدخل) المال (فى ملكه نظير الاباحة المطلقة فى المعاطات) حيث ان المال غير منتقل، مع انه يجوز للمنقول إليه جميع انحاء التصرف فيه (على القول بها) اى الاباحة

ص: 192

فيها، و يكون دخوله فى ملكه مشروطا بتلف العين، و حكى الجزم بهذا الاحتمال عن المحقق القمي ره فى اجوبة مسائله،

و على اى حال، فلا تنتقل العين الى الضامن، فهى غرامة لا تلازم فيها بين خروج المبذول عن ملكه، و دخول العين فى ملكه، و ليست معاوضة

______________________________

المطلقة (فيها) اى فى المعاطات- كما تقدم تفصيل الكلام فى ذلك فى باب المعاطات- (و يكون دخوله) اى البدل- على هذا الاحتمال، اى الاباحة، لا الملكية- (فى ملكه) اى ملك المالك الآخذ له من الضامن (مشروطا بتلف العين) فاذا تلفت العين صارت ملكا للمنتقل إليه، اى المالك، (و حكى الجزم بهذا الاحتمال عن المحقق القمى ره فى اجوبة مسائله) جامع الشتات، و كان ذلك للجمع بين دليل وجوب: الاداء، و بين استصحاب بقاء مال الضامن على ملكيته السابقة.

(و على اى حال) سواء قلنا بان المالك يملك البدل، او يباح له التصرف فيه إباحة مطلقة؟ (فلا تنتقل العين) المتعذرة- التى كانت للمالك- (الى الضامن، فهى) اى العين التى اعطاها الضامن للمالك (غرامة، لا تلازم فيها) اى فى هذه الغرامة (بين خروج المبذول) بدلا (عن ملكه) اى ملك الضامن (و دخول العين) التى كانت للمالك (فى ملكه) اى فى ملك الضامن، فالمال لم يدخل فى ملك الضامن، لاصالة بقائه على ملك المالك، و البدل خرج عن ملك الضامن، لانه غرامة، و اداء (و ليست) العين التى يعطيها الضامن للمالك (معاوضة) بل غرامة- كما عرفت-

ص: 193

ليلزم الجمع بين العوض و المعوض، فالمبذول هنا كالمبذول مع تلف العين فى عدم البدل له.

و قد استشكل فى ذلك المحقق، و الشهيد الثانيان، قال الاول فى محكى جامعه: ان هنا اشكالا فانه كيف يجب القيمة و يملكها الآخذ و يبقى العين على ملكه؟

و جعلها فى مقابلة الحيلولة

______________________________

(ليلزم الجمع بين العوض و المعوض) حتى يقال: كيف يملك المالك ماله، و مال الضامن (فالمبذول هنا) فى صورة تعذر العين (كالمبذول مع تلف العين، فى عدم البدل له) اى للمبذول، فكما انه لو اتلف الضامن مال المالك اعطى بدله، بدون ان يدخل فى كيس الضامن شي ء، كذلك اذا حال بين المالك و ماله، كما لو اسقطه فى البحر، فانه يجب عليه ان يعطى المالك بدل ماله، بدون ان يدخل فى كيس الضامن شي ء.

(و قد استشكل فى ذلك) اى فى عدم دخول العين فى ملك الضامن (المحقق، و الشهيد الثانيان، قال الاول فى محكى جامعه) اى جامع المقاصد (ان هنا) فى عدم دخول العين فى ملك الضامن (اشكالا فانه كيف يجب القيمة و يملكها الآخذ و يبقى العين) السابقة (على ملكه؟) اى لا تدخل فى ملك الضامن

(و) ان قلت: ان البدل انما هو فى مقابل حيلولة الضامن، لا فى مقابل العين، حتى يستلزم دخول العين فى ملك الضامن.

قلت: (جعلها) اى العين التى هى البدل (فى مقابلة الحيلولة

ص: 194

لا يكاد يتّضح معناه انتهى، و قال الثانى: ان هذا لا يخلو من اشكال، من حيث اجتماع العوض و المعوض على ملك المالك من دون دليل واضح.

و لو قيل بحصول الملك لكل منهما متزلزلا

و توقف تملك المغصوب منه للبدل على اليأس من العين و ان جاز له التصرف كان وجها فى المسألة انتهى، و استحسنه فى محكى الكفاية، اقول الّذي ينبغى ان يقال هنا ان معنى ضمان العين ذهابها

______________________________

لا يكاد يتضح معناه) اذ الحيلولة ليست شيئا حتى تقابل بالبدل (انتهى) كلام المحقق (و قال) الشهيد (الثانى: ان هذا) القول و هو: عدم دخول العين فى ملك الضامن (لا يخلو من اشكال، من حيث اجتماع العوض و المعوض على ملك المالك) لانه ملك البدل، و بقى العين على ملكه أيضا (من دون دليل واضح) على مالكيته لكليهما.

(و لو قيل بحصول الملك لكل منهما متزلزلا) فالمالك يملك البدل متزلزلا، و الضامن يملك العين متزلزلا.

(و توقف تملك المغصوب منه) اى المالك (للبدل) الّذي اعطاه الضامن (على اليأس من العين) كان يأسوا من اخراجها من البحر (و ان جاز له) اى للمالك، (التصرف) فى البدل (كان وجها فى المسألة، انتهى) كلام الشهيد الثانى (و استحسنه) السبزوارى، (فى محكى الكفاية، اقول) لا ورود لهذا الاشكال على ما قدمناه من الكلام، لان (الّذي ينبغى ان يقال هنا) فى باب بدل الحيلولة (ان معنى ضمان العين ذهابها) اى العين

ص: 195

من مال الضامن، و لازم ذلك اقامة مقابله من ماله مقامه ليصدق ذهابه من كيسه.

ثم ان الذهاب ان كان على وجه التلف الحقيقى، او العرفى المخرج للعين عن قابلية الملكية عرفا وجب قيام مقابله من ماله مقامه فى الملكية، و ان كان الذهاب بمعنى انقطاع سلطنته عنه و فوات الانتفاع به فى الوجوه التى بها قوام الملكية.

______________________________

(من مال الضامن، و لازم ذلك) الذهاب (اقامة) الضامن (مقابله) اى مقابل ذلك المال- اى العين- (من ماله مقامه) اى مقام ذلك الذاهب (ليصدق ذهابه) اى المال (من كيسه) اى كيس الضامن، اذ لو لم يجب اقامة مقابله مقامه، لم يكن معنى لضمان الضامن و لا معنى لذهاب المال من كيس الضامن.

(ثم ان الذهاب ان كان على وجه التلف الحقيقى) بان اتلف الضامن المال المغصوب (او) التلف (العرفى المخرج) ذلك التلف العرفى (للعين عن قابلية الملكية عرفا) كما لو طار الطائر، فانه لا يسمى حينئذ ملكا فيما اذا التحق بالغابة و ضاع فيها- مثلا- (وجب قيام مقابله من ماله مقامه فى الملكية) حتى يكون البدل ملكا للمالك فى ازاء ماله الّذي تلف على يد الضامن، تلفا حقيقيا، او تلفا عرفيا (و إن كان الذهاب) للملك عن مالكه (بمعنى انقطاع سلطنته عنه) فان الشي ء الّذي يغرق فى البحر ينقطع تسلط المالك عليه (و) بمعنى (فوات الانتفاع به فى الوجوه التى بها قوام الملكية) فان كون الملك ملكا انما يكون بالانتفاع

ص: 196

وجب قيام مقابله مقامه فى السلطنة، لا فى الملكية ليكون مقابلا و تداركا للسلطنة الفائتة، فالتدارك لا يقتضي ملكية المتدارك فى هذه الصورة

نعم لما كانت السلطنة المطلقة المتداركة للسلطنة الفائتة متوقفة على الملك، لتوقف بعض التصرفات عليها، وجب ملكيه للمبذول

______________________________

به اكلا، و استعمالا، و اجارة، و ما اشبه (وجب قيام مقابله) الّذي هو البدل (مقامه) لا فى الملكية بل (فى السلطنة) بان يكون المالك مسلطا على التصرفات فيه (لا فى الملكية) لان الضامن لم يذهب الملكية، و انما اذهب السلطنة فقط (ليكون) الشي ء العائد الى كيس المالك (مقابلا) لما فات منه (و تداركا للسلطنة الفائتة) لا تداركا للملكية، اذ لم تذهب الملكية (فالتدارك) الواجب على الضامن (لا يقتضي ملكية المتدارك)- بالفتح (فى هذه الصورة) اى صورة عدم التلف.

و الحاصل: ان الضامن مأمور بتدارك ما سبب فواته، فان كان الفائت الملك تدارك باعطاء الملك، و إن كان الفائت السلطة تدارك باعطاء السلطة.

(نعم لما كانت السلطنة المطلقة المتداركة)- بالفتح- التى تعوض (للسلطنة الفائتة متوقفة على الملك) اذ: لا سلطنة مطلقة الا فى صورة الملك (لتوقف بعض التصرفات عليها) اى على السلطنة المطلقة المتوقفة على الملك، فان التلف- غير المعنون بهبة و ما اشبه- لا يجوز الا فى الملك كما ان البيع و العتق و الوطي،- بدون عقد او تحليل- لا يكون الا فى الملك فحينئذ (وجب ملكيته) اى المتصرف (للمبذول) بدلا

ص: 197

تحقيقا لمعنى التدارك و الخروج عن العهدة.

و على اىّ تقدير، فلا ينبغى الاشكال فى بقاء العين المضمونة على ملك مالكها.

انما الكلام فى البدل المبذول، و لا كلام أيضا فى وجوب الحكم بالإباحة و بالسلطنة المطلقة عليها، و بعد ذلك فيرجع محصل الكلام حينئذ الى ان إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك

______________________________

(تحقيقا لمعنى التدارك، و) لمعنى (الخروج عن العهدة) فان الضامن لا يخرج عن العهدة الّا بالسلطنة المطلقة المتوقفة على الملك.

و لا يخفى ان قول المصنف: نعم، استدراك و تأييد لكلام المشهور خلاف المحقق القمى، فهو ردّ لقوله السابق: اقول.

(و على اىّ تقدير) سواء قلنا: بمقالة من يرى الملكية فى بدل الحيلولة، او يرى السلطة فقط بدون الملك (فلا ينبغى الاشكال فى بقاء العين المضمونة) التى ضمنها الضامن باغراقه فى البحر- مثلا- (على ملك مالكها) الاول فلا تنتقل الى ملك الضامن.

(انما الكلام فى البدل المبذول) الّذي اعطاه الضامن للمالك، للحيلولة (و لا كلام أيضا) فى البدل المبذول (فى وجوب الحكم بالإباحة) للمالك (و بالسلطنة المطلقة) للمالك (عليها) اى على العين المبذولة بدلا (و بعد ذلك) الّذي ذكرنا انه لا كلام فيه (فيرجع محصل الكلام) بين المشهور و القمى (حينئذ الى ان إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك) فى بدل الحيلولة.

ص: 198

هل يستلزم الملك من حين الاباحة، او يكفى فيه حصوله من حين التصرف. و قد تقدم فى المعاطاة بيان ذلك.

ثم انه قد تحصّل مما ذكرنا ان تحقيق ملكية البدل، او السلطنة المطلقة عليه مع بقاء العين على ملك مالكها، انما هو مع فوات معظم الانتفاعات به بحيث يعد بذل البدل غرامة و تداركا.

اما لو لم يفت الا بعض ما ليس به قوام الملكية،

______________________________

(هل يستلزم الملك) اى ملك المالك لهذا البدل (من حين الاباحة، او يكفى فيه) اى فى جميع التصرفات (حصوله) اى الملك (من حين التصرف) فالملك مقارن للتصرف الموجب للملك، كالوطى و العتق (و قد تقدم فى المعاطاة بيان ذلك) و ان الجمع بين دليل الاستصحاب المقتضى لبقاء البدل على ملك مالكه، و بين دليل جواز جميع التصرفات، و هو قوله:

حتى تؤدّى، يقتضي كون الملك من حين التصرف.

(ثم انه قد تحصّل مما ذكرنا) فى حال البدل، و انه ملك او إباحة للتصرفات، و تسليط بدون الملك (ان تحقيق ملكية البدل) على المشهور (او السلطنة المطلقة عليه) على ما اختاره القمى «ره» (مع بقاء العين على ملك مالكها) اى الضامن (انما هو مع فوات معظم الانتفاعات به) اى بالملك الّذي ضمنه الضامن (بحيث يعد بذل البدل غرامة و تداركا) فان التدارك يقتضي الملك، او السلطة المطلقة.

(اما لو لم يفت الّا بعض ما ليس به قوام الملكية) كما فى وطى الجانى الحيوان، حيث اسقطه عن قابلية الأكل و الانتفاع بلبنه و ما اشبه، لكنه

ص: 199

فالتدارك لا يقتضي ملكه، و لا السلطنة المطلقة على البدل، و لو فرض حكم الشارع بوجوب غرامة قيمته حينئذ لم يبعد كشف ذلك عن انتقال العين الى الغارم.

و لذا استظهر غير واحد: ان الغارم لقيمة الحيوان الّذي وطئه يملكه، لانه و ان وجب بالوطى نفيه عن البلد، و بيعه فى بلد آخر. لكن هذا لا يعدّ فواتا لما به قوام المالية.

______________________________

صالح بعد للركوب و الحرث و السقى و التحميل و ما اشبه (فالتدارك لا يقتضي ملكه) اى وجوب التدارك على الجانى لا يقتضي ملك المالك الاول للشي ء المبذول (و لا السلطنة المطلقة على البدل) اذ: لم يفوّت الجانى السلطنة المطلقة، حتى يجب عليه تسليط المالك على البدل سلطنة مطلقة (و لو فرض حكم الشارع بوجوب غرامة قيمته) كقيمة الموطوء فى المثال- ف (حينئذ لم يبعد كشف ذلك) الحكم من الشارع (عن انتقال العين)- كالموطوء- (الى الغارم) الواطئ.

(و لذا استظهر غير واحد: ان الغارم لقيمة الحيوان الّذي وطئه، يملكه) اى يملك الموطوء (لانه و ان وجب ب) سبب (الوطي نفيه) اى الحيوان- الّذي يقصد ظهره كالحمار- (عن البلد، و بيعه فى بلد آخر، لكن هذا) النفى و البيع (لا يعدّ فواتا لما به قوام المالية) اذ:

الحيوان المنفى مال أيضا، فاذا اوجب الشارع القيمة على الواطئ، كشف ذلك عن انه حكم بملكية الموطوء للواطى، كشفا عرفيا، لبعد جمعه بين العوض و المعوض.

ص: 200

هذا كله مع انقطاع السلطنة عن العين مع بقائها على مقدار ملكيتها السابقة.

اما لو خرج عن التقويم مع بقائها على صفة الملكية، فمقتضى قاعدة:

الضمان، وجوب كمال القيمة مع بقاء العين على ملك المالك لان القيمة عوض الاوصاف، و الاجزاء التى خرجت العين لفواتها عن التقويم، لا عوض العين نفسها، كما فى

______________________________

(هذا) الّذي ذكرناه من حال بدل الحيلولة فى انه ملك او سلطة فقط و انه ينتقل المبدل الى ملك الضامن أم لا؟ (كله مع انقطاع السلطنة) للمالك (عن العين) لا بالتلف، بل (مع بقائها على مقدار ملكيتها السابقة) فان الشي ء الّذي يغرق فى البحر، باق على ملكيته، و كذلك الموطوء و ان تفاوت مقدار القيمة- و الاجود فى عبارة المصنف هكذا: مقدار من ملكيتها

(اما لو خرج) الملك (عن التقويم) فلا يرى العرف له قيمة (مع بقائها على صفة الملكية) و لا يخفى ان الضمير المذكر يرجع الى: الشي ء، و المؤنث الى: العين، (فمقتضى قاعدة الضمان) المستفاد من: على اليد، (وجوب كمال القيمة) على الضامن، و لا يلاحظ ان الملك باق بعد- على ملك مالكه (مع بقاء العين على ملك المالك، لان القيمة عوض الاوصاف) التالفة (و) عوض (الاجزاء التى خرجت العين لفواتها) اى بسبب فوات تلك الاجزاء (عن التقويم، لا عوض العين نفسها) حتى يقال: ان العين موجودة، فكيف يجب عوضها على الضامن (كما فى

ص: 201

الرطوبة الباقية بعد الوضوء بالماء المغصوب، فانّ بقائها على ملك مالكها لا ينافى معنى الغرامة لفوات معظم الانتفاعات، فيقوى عدم جواز المسح بها الا باذن المالك و لو بذل القيمة.

قال فى شرح القواعد فيما لو خاط ثوبه بخيوط مغصوبة، و لو طلب المالك نزعها- و ان افضى الى التلف- وجب ثم يضمن الغاصب النقص

______________________________

الرطوبة الباقية بعد الوضوء بالماء المغصوب) كما لو لم يعلم بذلك فتوضأ (فان بقائها) اى تلك الرطوبة (على ملك مالكها لا ينافى معنى الغرامة) التى هى عبارة عن اداء ما اتلفه الضامن، و لو كان التلف بحيث بقى بعض الاجزاء، و انما تجب الغرامة (لفوات معظم الانتفاعات) اى بهذا الماء الّذي بقى بعض اجزائه، فان الذرات الندية لا تصلح للشرب و السقى و الغسل فيه و ما اشبه، و ان صلحت لالصاق جسم يحتاج الى الرطوبة به (ف) على ما ذكرناه من بقاء الرطوبة على ملك المالك (يقوى عدم جواز المسح بها) فيما اذا علم بالغصبية قبل ان يمسح (الا باذن المالك و لو بذل) المتوضى (القيمة). لان القيمة لا توجب ملكية الرطوبة، و انما هى لاجل اذهاب المتلف معظم الانتفاعات.

اللهم الا ان يقال: ان العرف يرى المال تالفا، فلا يشمله دليل الملك، فليس هذه الرطوبة- عرفا- ملكا للمالك حتى لا يصح المسح بها

(قال فى شرح القواعد فيما لو خاط) الشخص (ثوبه بخيوط مغصوبة) ما لفظه: (و لو طلب المالك نزعها- و ان افضى) النزع (الى التلف- وجب) النزع و اعطائه قطع الخيوط (ثم يضمن الغاصب النقض) بين

ص: 202

و لو لم يبق لها قيمة غرم جميع القيمة انتهى، و عطف على ذلك قوله: و لا يوجب ذلك خروجها عن ملك المالك كما سبق من ان جناية الغاصب توجب اكثر الامرين، و لو استوعب القيمة اخذها و لم تدفع العين انتهى.

و عن المسالك فى هذه المسألة: انه ان لم يبق له قيمة ضمن

______________________________

الخيوط الصحيحة و الخيوط المقطعة (و لو لم يبق لها) اى للخيوط بعد النزع (قيمة غرم) الغاصب (جميع القيمة انتهى).

فان هذا الكلام دال على وجوب اعطاء قطع الخيوط بالإضافة الى القيمة الكاملة (و عطف على ذلك) الّذي ذكره العلامة من ايجاب القيمة الكاملة فى محكى جامع المقاصد (قوله: و لا يوجب ذلك) اى عدم القيمة للخيوط (خروجها عن ملك المالك) لاصالة بقاء الخيوط المقطعة على ملكه (كما سبق من ان جناية الغاصب) على المغصوب (توجب اكثر الامرين) فهذا دليل ان الغاصب يؤخذ بالاشق، فلا يستبعد ان يكون الغاصب- فى باب الخيوط المقطعة- مكلفا باعطاء القيمة الكاملة و مع ذلك يكون الخيط لمالكه أيضا (و لو استوعب) اى الجناية (القيمة) بان لم يكن للمغصوب قيمة بسبب الجناية (اخذها) اى اخذ الغاصب القيمة كاملة (و لم تدفع العين) اى الى الغاصب، فيجمع المالك بين العين، و بين القيمة (انتهى) كلام جامع المقاصد.

(و عن المسالك فى هذه المسألة) اى فى مسئلة الخيوط المغصوبة (انه ان لم يبق له) اى للخيط (قيمة) بسبب تقطعه بالخياطة (ضمن)

ص: 203

جميع القيمة و لا يخرج بذلك عن ملك مالكه كما سبق فيجمع بين العين و القيمة لكن عن مجمع البرهان فى هذه المسألة: اختيار عدم وجوب النزع، بل قال: يمكن ان لا يجوز، و يتعين القيمة لكونه بمنزلة التلف.

و حينئذ يمكن جواز الصلاة فى هذا الثوب المخيط، اذ: لا غصب فيه يجب ردّه، كما قيل بجواز المسح بالرطوبة الباقية من الماء المغصوب الّذي حصل العلم به بعد اكمال الغسل و قبل المسح انتهى.

______________________________

الغاصب (جميع القيمة، و لا يخرج) الخيط (بذلك) الوجوب على الغاصب لتمام القيمة (عن ملك مالكه كما سبق فيجمع) المالك (بين العين و القيمة، لكن عن مجمع البرهان فى هذه المسألة) اى مسئلة الخيط (اختيار عدم وجوب النزع) على الغاصب (بل قال: يمكن ان لا يجوز) لمالك الخيط ان ينزعه من ثوب الغاصب (و يتعين القيمة) فقط على الغاصب (لكونه بمنزلة التلف) عرفا، و الشي ء التالف ليس مالا و ملكا للمالك الاول.

(و حينئذ) اى حين كان الخيط تالفا عرفا (يمكن) ان نقول: ب (جواز الصلاة فى هذا الثوب المخيط) بالخيط المغصوب (اذ: لا غصب فيه) بحيث (يجب رده) على المالك (كما قيل: بجواز المسح بالرطوبة الباقية من الماء المغصوب الّذي حصل العلم به بعد اكمال الغسل)- بالفتح- (و قبل المسح) بذلك الماء (انتهى) كلام مجمع البرهان.

ص: 204

و استجوده بعض المعاصرين ترجيحا لاقتضاء ملك المالك للقيمة خروج المضمون عن ملكه لصيرورته عوضا شرعا.

و فيه انه لا منشأ لهذا الاقتضاء.

و ادلة الضمان: قد عرفت ان محصلها يرجع الى وجوب تدارك ما ذهب من المالك، سواء كان الذاهب نفس العين، كما فى التلف الحقيقى، او كان الذاهب السلطنة عليها التى بها قوام ماليتها.

______________________________

(و استجوده) اى كلام مجمع البرهان (بعض المعاصرين) و ذلك (ترجيحا لاقتضاء ملك المالك للقيمة، خروج المضمون عن ملكه) اى ترجيحه على استصحاب بقاء ملك المالك على ملكيته (لصيرورته) هذا علة للترجيح و الضمير عائد الى المضمون- كالخيط- (عوضا شرعا) عن القيمة التى دفعها الغاصب الى المالك.

(و فيه انه لا منشأ لهذا الاقتضاء) اى ان ملك المالك للقيمة لا دليل على انه يقتضي خروج الخيط عن ملك مالكه.

(و) ان قلت: ادلة الضمان تقتضى خروج الخيط عن ملك مالكه لان معنى الضمان ان المال انتقل الى الضامن فى مقابل ضمانه للقيمة

قلت: (ادلة الضمان- قد عرفت- ان محصلها يرجع الى وجوب تدارك ما ذهب من المالك سواء كان الذاهب نفس العين كما فى التلف الحقيقى) كما لو القى الملح فى البحر فتلف (او كان الذاهب السلطنة عليها) اى على العين (التى بها) اى بتلك السلطنة (قوام ماليتها) فيما لا يسمى المال مالا الا بالسلطنة عليها

ص: 205

كغرق المال، او كان الذاهب الاجزاء، او الاوصاف التى يخرج بذها بها العين عن التقويم مع بقاء ملكيته.

و لا يخفى ان العين على التقدير الاول خارج عن الملكية عرفا

و على الثانى السلطنة المطلقة على البدل بدل عن السلطنة المنقطعة عن العين، و هذا معنى بدل الحيلولة.

______________________________

(كغرق المال) كالابريق فى البحر، فان العين باقية لكن حيث لا سلطة للمالك عليها كان بنظر العرف اتلف ماليته (او كان الذاهب الاجزاء، او الاوصاف التى يخرج بذهابها العين عن التقويم مع بقاء ملكيته) كماء الوضوء الّذي يذهب بعض اجزائه، و كالخيوط فى المخيط التى يذهب وصف استقلالها، فان الملكية باقية، و ان ذهب الجزء او الوصف.

(و لا يخفى ان العين على التقدير الاول) الّذي هو التلف الحقيقى (خارج عن الملكية عرفا) اذ: التالف، ليس ملكا.

و انما قال: عرفا، لان العرف هو المعيار فى رؤية الشي ء ملكا فاذا قال: بان الشي ء الفلانى ليس بملك، فلا يترتب عليه اثر الملك.

(و على الثانى) فيما كان الذاهب السلطنة على الملك، و ان كان الملك باقيا (السلطنة المطلقة) للمالك (على البدل) الّذي اعطاه الضامن (بدل عن السلطنة المنقطعة عن العين) فالضامن حيث قطع سلطنة المالك وجب عليه ان يسلطه على البدل (و هذا معنى بدل الحيلولة) اى بدل حيلولة الضامن بين مال المالك، و بين المالك.

ص: 206

و على الثالث: فالمبذول عوض عما خرج المال بذهابه عن التقويم لا عن نفس العين، فالمضمون فى الحقيقة هى: تلك الاوصاف التى تقابل بجميع القيمة لا نفس العين الباقية.

كيف و لم تتلف هى؟ و ليس لها على تقدير التلف أيضا عهدة المالية بل الامر بردّها مجرد تكليف، لا يقابل بالمال

______________________________

(و على الثالث) و هو ذهاب الجزء او الوصف (فالمبذول عوض عما خرج المال بذهابه عن التقويم) فالثمن عوض عن الجزء فى ماء الوضوء و عن الوصف فى الخيط (لا عن نفس العين) اذ العين باقية، و لا عن الحيلولة، لان الضامن لم يحل بين المال و بين مالكه (فالمضمون فى الحقيقة) فى الثالث (هى: تلك الاوصاف التى تقابل بجميع القيمة) فان الوصف المفقود، يوجب ذهاب المالية عن العين و إن كانت باقية (لا) ان المضمون (نفس العين الباقية).

و (كيف) تكون العين مضمونة (و) الحال (لم تتلف هى) اى العين بل هى باقية (و ليس لها على تقدير التلف أيضا عهدة مالية) اذ: العين بعد ذهاب وصفها لا مالية لها حتى تكون مضمونة.

فان قلت: فاذا لم يكن لها مالية فلم يؤمر الضامن بردها.

قلت: لا يؤمر الضامن بردها لان لها مالية (بل الامر بردها مجرد تكليف، لا يقابل بالمال) كما لو تصرف انسان فى قطع الخزف التى هى لزيد- مما لا قيمة لها- فانه مأمور بردها لا لأنها مال، بل لانها متعلق

ص: 207

بل لو استلزم رده ضررا ماليا على الغاصب امكن سقوطه فتأمّل.

و لعل ما عن المسالك من ان: ظاهرهم عدم وجوب اخراج الخيط المغصوب عن الثوب بعد خروجه عن القيمة بالاخراج، فتعين القيمة فقط محمول على صورة تضرر المالك بفساد الثوب المخيط، او البناء المستدخل فيه الخشبة، كما لا يأبى عنه عنوان المسألة فلاحظ.

______________________________

حق الغير (بل لو استلزم رده ضررا ماليا على الغاصب) كما لو استلزم اخراج الخيط نقص الثوب عن القيمة، او ما اشبه (امكن سقوطه) اى سقوط الرد لقاعدة: لا ضرر.

لكن هذا انما يستقيم- لو قلنا به- فيما لم يكن الغاصب غصب عالما او لو غصب عالما، سقط بالنسبة إليه دليل لا ضرر، لانه بنفسه اقدم على ذلك (فتأمل) لعله: اشارة الى ما ذكرناه.

(و لعل ما عن المسالك من ان ظاهرهم عدم وجوب اخراج الخيط المغصوب عن الثوب بعد خروجه) اى الخيط (عن القيمة ب) سبب (الاخراج) و عليه (فتعين القيمة فقط) على الغاصب (محمول على صورة تضرر المالك) الغاصب (بفساد الثوب المخيط) اذا اخرج الخيط.

فدليل: لا ضرر، قاض بعدم وجوب الاخراج (او) تضرر المالك بسبب فساد (البناء المستدخل فيه الخشبة) المغصوبة، و لذا يجب على الغاصب قيمتها و لا يجب عليه اعطاء الخشبة الى مالكها (كما لا يأبى، عنه) اى عن كون مرادهم بإطلاق عدم الوجوب صورة تضرر المالك فقط (عنوان المسألة) الظاهر فى كونه صورة التضرر، لا مطلقا (فلاحظ) العنوان

ص: 208

و حينئذ فلا ينافى ما تقدم عنه سابقا، من: بقاء الخيط على ملك مالكه و ان وجب بذل قيمته.

ثم ان هنا قسما رابعا و هو: ما لو خرج المضمون عن الملكية مع بقاء حق الاولوية فيه، كما لو صار الخلّ المغصوب خمرا.

فاستشكل فى القواعد وجوب ردها مع القيمة، و لعله من استصحاب وجوب ردها.

______________________________

(و حينئذ) اى حين كان مرادهم صورة التضرر (فلا ينافى) كلامهم الّذي نقله الشهيد (ما تقدم عنه) و منّا (سابقا من بقاء الخيط على ملك مالكه، و ان وجب بذل قيمته) لان البقاء خاص بصورة عدم تضرر الغاصب و عدم البقاء خاص بصورة تضرر الغاصب.

(ثم ان هنا) فى مسئلة الضمان (قسما رابعا) بالإضافة الى الاقسام الثلاثة السابقة (و هو: ما لو خرج المضمون عن الملكية مع بقاء حق الاولوية فيه) لمالكه (كما لو صار الخل المغصوب خمرا) فان الخمر لا تملك، و لكنها فيها حق الاولوية لصاحبها، حتى انه لو اراد اسقائها شجرة لم يكن لاحد الحيلولة بينه و بين ذلك، و كذا الوارد القائها فى الكنيف لاجل قتل ديدانه مثلا.

(فاستشكل فى القواعد: وجوب ردها مع القيمة) فان الواجب اعطاء القيمة، اما الرد فمحل اشكال (و لعله من) تعارض الدليلين، اما وجوب الرد (فلاستصحاب وجوب ردها) اذ: قبل الخمرية كان واجب الرد فاذا صار خمرا و شك فى انه زال حكم وجوب الرد كان الاصل بقاء وجوب الرد

ص: 209

و من ان الموضوع فى المستصحب ملك المالك- اذ لم يجب إلا رده- و لم يكن المالك الا اولى به.

الا ان يقال: ان الموضوع فى الاستصحاب عرفى.

و لذا كان الوجوب مذهب جماعة، منهم: الشهيدان، و المحقق الثانى.

و يؤيده انه: لو عاد خلا، ردت الى المالك بلا خلاف ظاهر.

______________________________

(و من ان الموضوع فى المستصحب ملك المالك- اذ لم يجب إلا رده-) اى رد ملك المالك، فان الدليل دل على وجوب رد ملك المالك، لا رد شي ء آخر ليس ملكا للمالك (و لم يكن المالك الا اولى به) و الاولوية لا تلازمه الملك الواجب رده.

(الا ان يقال:) ان وجوب الرد اقوى ل (ان الموضوع فى الاستصحاب عرفى) و الموضوع العرفى باق، اذ: العرف يرى الخمر نفس الخل، و انما طرأ عليه حالة جديدة، فالوجه الثانى، اى قوله: و من ان الموضوع الّذي كان مناطه تبدل الموضوع غير تام، فيبقى الاستصحاب بدون معارض

(و لذا كان الوجوب) للرد (مذهب جماعة، منهم: الشهيدان و المحقق الثانى) و غيرهم.

(و يؤيده) اى وجوب الرد (انه لو عاد خلا) بعد الخمرية (ردت الى المالك بلا خلاف ظاهر) و لو كان الموضوع متبدلا لم يكن وجه لرده الى المالك، اذ: الملك قد زال، فاعادته يحتاج الى الدليل.

الا ترى انه: لو صار النبات عذرة، ثم صارت ارضا ثم عادت نباتا لم

ص: 210

ثم ان مقتضى صدق الغرامة على المدفوع خروج الغارم عن عهدة العين، و ضمانها، فلا يضمن ارتفاع قيمة العين بعد الدفع، سواء كان للسوق، او للزيادة المتصلة، بل المنفصلة كالثمرة، و لا يضمن منافعه، فلا يطالب الغارم بالمنفعة بعد ذلك.

______________________________

يكن وجه للقول باعادته الى المالك للنبات الاول.

(ثم ان مقتضى صدق الغرامة على المدفوع) بدلا عن ما اتلفه الضامن (خروج الغارم) بسبب الدفع (عن عهدة العين و) عن (ضمانها فلا يضمن ارتفاع قيمة العين بعد الدفع) كما لو اتلف شاة المالك، ثم اعطى قيمتها، فانه لا يضمن بعد ذلك ارتفاع قيمة الشاة، لان الضامن قد ردّ الشاة بردّ قيمتها، فسقط دليل: على اليد، منه، و كذا لو حال بين المالك و بين العين، فزادت زيادة متصلة او منفصلة، كما لو فك الغزال فشرد فى الغابة، ثم سمن او ولدت فانه بعد اعطاء القيمة لا يضمن السمن و الولد لانه قد برئت ذمته (سواء كان) الارتفاع (للسوق) بدون زيادة عينية (او للزيادة المتصلة) كالسمن (بل المنفصلة كالثمرة) فيما اذا فرضنا حيلولية الغاصب بين الشجرة و بين المالك او المراد بالثمرة ما يشمل مثل ولد الغزال- كما فيما تقدم فى المثال- (و لا يضمن) أيضا (منافعه) المتجددة كما لو سبّب اباق العبد، فانه لا يضمن ايجاره، بعد ان اعطى قيمته لصاحب العبد (فلا يطلب الغارم بالمنفعة بعد ذلك) اى بعد الخروج عن العهدة باعطاء البدل.

ص: 211

و عن التذكرة، و بعض آخر: ضمان المنافع، و قواه فى المبسوط بعد أن جعل الاقوى خلافه.

و فى موضع من جامع المقاصد: انه موضع توقف، و فى موضع آخر:

رجح الوجوب.

ثم ان ظاهر عطف: التعذر على التلف فى كلام بعضهم عند التعرض لضمان المغصوب بالمثل او القيمة، يقتضي عدم ضمان ارتفاع القيمة السوقية الحاصل بعد التعذر، و قبل الدفع كالحاصل

______________________________

(و عن التذكرة و بعض آخر ضمان المنافع) و ان اعطى الغرامة (و قواه فى المبسوط بعد ان جعل) الشيخ، أوّلا (الاقوى خلافه) اى عدم الضمان.

(و فى موضع من جامع المقاصد: انه) اى الضمان للمنافع (موضع توقف، و فى موضع آخر) من جامع المقاصد (رجح الوجوب) اى ضمان المنافع و كان الوجه فى الوجوب ان الضامن انما خرج عن عهدة العين، و اما المنافع فلم يخرج عن عهدتها.

لكن الانصاف عدم الوجوب لصدق الاداء الموجب لبراءة الذمة (ثم ان ظاهر عطف التعذر على التلف) فى قولهم: لو تلف المغصوب او تعذر ايصاله الى صاحبه (فى كلام بعضهم عند التعرض) منهم (لضمان المغصوب بالمثل) فى المثلى (او القيمة) فى القيمى (يقتضي عدم ضمان ارتفاع القيمة السوقية الحاصل) ذلك الارتفاع (بعد التعذر و) ذلك كما لو القى الاناء فى البحر ثم زادت قيمته (قبل الدفع) للقيمة (كالحاصل) اى

ص: 212

بعد التلف، لكن مقتضى القاعدة ضمانه له، لان مع التلف يتعين القيمة و لذا ليس له الامتناع من اخذها، بخلاف تعذر العين فان القيمة غير متعينة، فلو صبر المالك حتى يتمكن من العين، كان له ذلك و يبقى العين فى عهدة الضامن فى هذه المدة، فلو تلفت كان له قيمتها من حين التلف، او اعلى القيم إليه.

______________________________

الارتفاع الحاصل (بعد التلف) حيث لا يضمن ذلك الارتفاع الضامن- لانه بالتلف استقرت القيمة فى الذمة، فلا وجه لضمان الارتفاع-

(لكن مقتضى القاعدة ضمانه) اى الضامن (له) اى للارتفاع الحاصل بعد التعذر، و ليس الارتفاع بعد التعذر مثل الارتفاع بعد التلف.

وجه الفرق (لان مع التلف يتعين القيمة، و لذا ليس له) اى للمالك (الامتناع من اخذها) كما تقدم، لانه لا يكلف الضامن ببقاء ذمته مشغولة بمال الغير (بخلاف تعذر العين) بدون تلفها (فان القيمة) فى صورة التعذر بدون التلف (غير متعينة ف) لذا (لو صبر المالك حتى يتمكن من العين كان له ذلك) لان المالك مسلط على العين، فله ان يبقى سلطته، و له ان يقطعها باخذ القيمة، بخلاف صورة التلف للعين، فان سلطته على العين قد تبدلت الى السلطة على القيمة (و يبقى العين فى عهدة الضامن فى هذه المدة) اى المدة بين التعذر و بين اخذ المالك للبدل (فلو تلفت) العين بعد التعذر، كما لو طار الطير يوم الجمعة، و تلف يوم الثلاثاء (كان له) اى للمالك (قيمتها من حين التلف) اى يوم الثلاثاء (او اعلى القيم إليه) اى من حين

ص: 213

او يوم الغصب، على الخلاف.

و الحاصل ان قبل دفع القيمة يكون العين الموجودة فى عهدة الضامن، فلا عبرة بيوم التعذر.

و الحكم بكون يوم التعذر بمنزلة يوم التلف، مع الحكم بضمان الاجرة و النماء الى دفع البدل، و ان تراخى عن التعذر مما لا يجتمعان ظاهرا

______________________________

الغصب الى يوم التلف (او يوم الغصب) اى يوم الجمعة (على الخلاف) المتقدم، فلو كانت قيمة الطائر يوم الجمعة عشرة، و السبت عشرين، و الثلاثاء خمسة، كان الواجب على الضامن اعطاء احدها على الخلاف الّذي تقدم، فى ان الغاصب يضمن اعلى القيم، كما مر فى صحيحة ابى ولاد

(و الحاصل ان قبل دفع) الضامن (القيمة يكون العين الموجودة) المتعذرة (فى عهدة الضامن) فى هذه المدة (فلا عبرة بيوم التعذر) فى اعتبار القيمة، فلو كانت قيمتها فى يوم التعذر عشرة، و فى يوم الدفع عشرين، وجب عليه عشرون، و لو انعكس وجبت عليه عشرة

(و الحكم) الّذي صدر عن بعض (بكون) الاعتبار ب (يوم التعذر) لانه (بمنزلة يوم التلف) فكما ان الاعتبار بيوم التلف فى صورة التلف، كذلك الاعتبار بيوم التعذر فى صورة التعذر (مع الحكم) من ذلك البعض (بضمان) الضامن (الاجرة و النماء الى دفع البدل، و ان تراخى) دفع البدل (عن) يوم (التعذر) فلو اطلق غزال زيد فى الغابة، و كان يوم التعذر قيمته عشرة، ثم ولدت قبل دفع القيمة، ولدا قيمته خمسة- مثلا- لزم على الضامن اعطاء خمسة عشر (مما لا يجتمعان ظاهرا) هذا خبر قوله:

ص: 214

فمقتضى القاعدة ضمان الارتفاع الى يوم دفع البدل، نظير دفع القيمة عن المثل المتعذر فى المثلى.

ثم انه: لا اشكال فى انه اذا ارتفع تعذر رد العين و صار ممكنا وجب ردها الى مالكها كما صرح به فى جامع المقاصد فورا.

______________________________

و الحكم، و انما لا يجتمعان، لانه ان انتقل الى القيمة فى يوم التعذر لم يكن ضمان للاجرة و النماء، و ان كان ضمان للاجرة و النماء كان اللازم ملاحظة قيمة يوم الاداء- كما لا يخفى-

و انما قال: ظاهرا، لامكان حكم الشارع بالامرين من باب التفكيك بين المتلازمين، كما لو شهدت امرأة بالوصية فان الشارع جعل للموصى له ربع المال، مع ان الوصية إن كانت فى الواقع، فاللازم جميع المال و ان لم تكن، فاللازم عدم استحقاق الربع.

و على كل حال (فمقتضى القاعدة ضمان الارتفاع) قيمة و اجرة و نماء (الى يوم دفع البدل) لان التعذر ليس كالتلف، و انما المال للمالك الى حين دفع البدل فارتفاعه، و اجرته، و نمائه للمالك (نظير دفع القيمة عن المثل المتعذر فى المثلى) بأن كان الشي ء مثليا، ثم تعذر المثل مما لزم على الضامن اعطاء القيمة، فانه يجب عليه اعطاء الارتفاع و ما اشبه.

(ثم انه لا اشكال فى انه اذا ارتفع تعذر ردّ العين و صار ممكنا) كما لو القى الماء الشي ء المغرق الى الساحل، او عاد الحيوان الّذي فرّ الى محله (وجب ردّها الى مالكها كما صرح به فى جامع المقاصد) ردا (فورا)

ص: 215

و إن كان فى احضارها مئونة، كما كان قبل التعذر، لعموم: على اليد ما اخذت حتى تؤدى.

و دفع البدل لاجل الحيلولة، انما افاد خروج الغاصب عن الضمان بمعنى انه لو تلف لم يكن عليه قيمته بعد ذلك و استلزم ذلك على ما اخترناه: عدم ضمان المنافع، و النماء المنفصل و المتصل، بعد دفع الغرامة، و سقوط وجوب الرد حين التعذر للعذر العقلى، فلا يجوز استصحابه.

______________________________

و إن كان الضامن قد دفع البدل- قبلا- (و إن كان فى احضارها) الى المالك (مئونة كما كان) الواجب احضاره عند مالكه و إن كان له مئونة (قبل التعذر) و انما يجب ذلك (لعموم: على اليد ما اخذت حتى تؤدى) و من المعلوم ان بعد التمكن ممكن الاداء، و الاداء من لوازمه تحمل مئونة الاحضار.

(و) ان قلت: دفع البدل سقط لوجوب الرد.

قلت: (دفع البدل لاجل الحيلولة، انما افاد خروج الغاصب عن الضمان) الموقت (بمعنى انه لو تلف) المال المتعذر (لم يكن عليه) اى على الضامن (قيمته بعد ذلك) الدفع للبدل (و) أيضا (استلزم ذلك) التعذر (على ما اخترناه: عدم ضمان المنافع): عدم، فاعل: استلزم، (و النماء المنفصل، و المتصل) عطف على: المنافع (بعد دفع الغرامة و سقوط وجوب الرد حين التعذر للعذر العقلى) فالعذر العقلى بعدم التمكن اسقط وجوب الرد ما دام العذر باقيا (فلا يجوز استصحابه) اى استصحاب عدم

ص: 216

بل مقتضى الاستصحاب، و العموم هو: الضمان المدلول عليه بقوله عليه السلام: على اليد ما اخذت، المغيّى بقوله: حتى تؤدى.

و هل الغرامة المدفوعة تعود ملكه الى الغارم بمجرد طروّ التمكن؟

فيضمن العين من يوم التمكن ضمانا جديدا بمثله او قيمته

______________________________

وجوب الردّ، حال رفع العذر، بامكان الشي ء، كما لو القى البحر المتاع الى الساحل (بل مقتضى الاستصحاب) حيث ان الضامن كان الواجب عليه رد المال، خرج منه، حال التعذر، اما غير حال التعذر فيستصحب وجوب الرد (و العموم) لقاعدة على: اليد، الشامل لحال الامكان (هو الضمان المدلول عليه) اى على ذلك الضمان (بقوله عليه السلام: على اليد ما اخذت، المغيّا) صفة: على اليد (بقوله: حتى تؤدّى) فان الظاهر من الغاية، ان الضمان باق الى حين الاداء، فحال التعذر يسقط: الاداء، لعدم معقولية تكليف الشارع بالشي ء المتعذر، اما لو تمكن الضامن بعد ذلك لم يكن وجه للقول بعدم وجوب الاداء.

هذا كله بالنسبة الى المال اذا سقط التعذر

(و) اما بالنسبة الى الغرامة التى اعطاها الضامن الى المالك فما حالها؟ ف (هل الغرامة المدفوعة تعود ملكه الى الغارم) اى الضامن (بمجرد طرو التمكن) قبل ان يسلم الضامن المال الى المالك.

و عليه (فيضمن) الضامن (العين من يوم التمكن) بإلقاء البحر لها خارجا- مثلا- (ضمانا جديدا) اما (بمثله) إن كان مثليا (او قيمته) إن كان قيميا، يعنى ان الشارع يقول للضامن: خذ بدل الحيلولة، و انت ضامن

ص: 217

يوم حدوث الضمان، او يوم التلف، او اعلى القيم، او انها باقية على ملك مالك العين، و كون العين مضمونة بها لا بشي ء آخر فى ذمة الغاصب، فلو تلفت استقر ملك المالك على الغرامة، فلم يحدث فى العين الّا حكم تكليفى بوجوب رده، و اما الضمان و عهدة جديدة فلا؟ وجهان.

اظهرهما الثانى، لاستصحاب كون العين مضمونة بالغرامة

______________________________

ان تعطى المالك ماله، و ان فقد و تلف، فمثله او قيمته، و القيمة- فى القيمى- انما تقدر ب (يوم حدوث الضمان، او يوم التلف، او اعلى القيم) من يوم الضمان الى يوم التلف (او انها) اى الغرامة لا تعود ملكه الى الغارم، بل هى (باقية على ملك مالك العين، و) ليس جمعا بين العوض و المعوّض، اذ: العين هى ملك المالك، و العوض انما هو لاجل الضمان بمعنى (كون العين مضمونة بها) اى بالغرامة (لا بشي ء آخر فى ذمة الغاصب).

و عليه (فلو تلفت) العين (استقر ملك المالك على الغرامة فلم يحدث فى العين الّا حكم تكليفى بوجوب رده) و ليس حكما وضعيا، اذ: لو كان حكم وضعى، لزم ضمان العين بمثلها او قيمتها- لدى التلف- لا ضمانها بالبدل المعين.

و هذا مراده بقوله (و اما الضمان و عهدة جديدة فلا) و ذلك لان الضمان تعلق بهذه الغرامة فتحوله الى ضمان آخر يحتاج الى الدليل، (وجهان) خبر قوله: و هل الغرامة الخ (اظهرهما الثانى) و هو ان الغرامة باقية على ملك مالك العين (لاستصحاب كون العين مضمونة بالغرامة)

ص: 218

و عدم طروّ ما يزيل ملكيته عن الغرامة، او يحدث ضمانا جديدا

و مجرد عود التمكن، لا يوجب عود سلطنة المالك، حتى يلزم من بقاء ملكيته على الغرامة الجمع بين العوض و المعوض.

غاية ما فى الباب قدرة الغاصب على اعادة السلطنة الفائتة المبدلة عنها بالغرامة و وجوبها عليه.

______________________________

التى عينها الضامن (و) استصحاب (عدم طروّ) و عدم حدوث (ما يزيل ملكيته) اى ملكية مالك العين (عن الغرامة، او) ان (يحدث ضمانا جديدا) بالنسبة الى العين حتى اذا تلفت فى يد الضامن- بعد ذلك وجب عليه ان يدفع المثل او القيمة.

(و) ان قلت: فقد تمكن المالك من عينه فمقتضى القاعدة رجوع الغرامة الى الضامن.

قلت: (مجرد عود التمكن) اى تمكن المالك (لا يوجب عود سلطنة المالك، حتى يلزم من بقاء ملكيته على الغرامة الجمع بين العوض و المعوض) لانّك قد عرفت ان الحكم بارجاع العين تكليفى، و ليس وضعيا

(غاية ما فى الباب) اى غاية ما اوجبه التمكن من العين (قدرة الغاصب) بعد تملكه من العين (على اعادة السلطنة الفائتة) التى كانت للمالك قبل القائه العين فى البحر- مثلا- (المبدلة عنها) اى عن تلك السلطة (بالغرامة و وجوبها) اى وجوب اعادة السلطة الفائتة (عليه) اى على الضامن.

و من المعلوم: ان مجرد الوجوب التكليفى لا يوجب حكما وضعيا

ص: 219

و حينئذ فان دفع العين، فلا اشكال فى زوال ملكية المالك للغرامة

و توهم: ان المدفوع كان بدلا عن القدر الفائت من السلطنة فى زمان التعذر، فلا يعود لعدم عود مبدله.

ضعيف فى الغاية بل كان بدلا عن اصل السلطنة يرتفع بعودها فيجب دفعه، او دفع بدله مع تلفه، او خروجه عن ملكه بناقل لازم

______________________________

حتى يكون من الجمع بين العوض و المعوض (و حينئذ) اى حين قلنا:

ان التمكن احدث حكما تكليفيا لا وضعيا (فان دفع) الضامن (العين، فلا اشكال فى زوال ملكية المالك للغرامة) اذ هى: كانت بدل الحيلولة، فلما زالت الحيلولة، لم يكن وجه لبقاء البدل.

(و توهم) عدم رجوع الغرامة الى الضامن ل (ان المدفوع) غرامة (كان بدلا عن القدر الفائت من السلطنة فى زمان التعذر) عن العين.

مثلا تعذرت العين من السبت الى الثلاثاء، فكانت الغرامة بدلا عن هذا المقدار من التعذر، لا انها بدل عن العين (فلا يعود) المدفوع غرامة، الى الغارم (لعدم عود مبدله) فان مبدله كان التعذر من السبت الى الثلاثاء- على ما عرفت-

(ضعيف فى الغاية) خبر: و توهم، (بل) المدفوع غرامة (كان بدلا عن اصل السلطنة) بحيث (يرتفع) البدل (بعودها) اى عود العين الى المالك (فيجب دفعه) اى دفع المدفوع غرامة، بان يرجع المالك الغرامة الى الغارم (او دفع بدله مع تلفه) فان اتلف المالك، الغرامة، دفع بدلها الى الغارم (او) مع (خروجه) اى خروج المدفوعة غرامة (عن ملكه بناقل لازم)

ص: 220

بل جائز، و لا يجب رد نمائه المنفصل، و لو لم يدفعها لم يكن له مطالبة الغرامة او لا؟ اذ ما لم يتحقق السلطنة لم يعد الملك الى الغارم، فان الغرامة عوض السلطنة، لا عوض قدرة الغاصب على تحصيلها للمالك، فتأمل

نعم للمالك مطالبة عين ماله، لعموم: الناس مسلطون على اموالهم

______________________________

كما لو باع المالك الغرامة (بل جائز) كما لو وهبها هبة غير لازمة (و لا يجب رد نمائه المنفصل) لان النماء حصل فى ملك المالك، لا فى ملك الغارم (و لو لم يدفعها) اى لم يدفع الغارم الملك الى مالكه. (لم يكن له مطالبة الغرامة أو لا) اذ الغرامة بدل، و ما دام لم يسلم الغارم المبدل الى مالكه، لا يحق له مطالبة بدله (اذ ما لم يتحقق السلطنة) للمالك على ماله (لم يعد الملك) اى ملك الغرامة (الى الغارم) و لو شك فى عود الملك الى الغارم، كان مقتضى الاستصحاب العدم (فان الغرامة عوض السلطنة) المفقودة، قبل تسليم المال الى مالكه (لا عوض قدرة الغاصب على تحصيلها) اى تحصيل السلطنة (للمالك)

و لذا ما لم يسلم الغارم المال، لم يكن له حق فى استرجاع الغرامة (فتامل) حيث ان الغرامة انما هى عوض المال، فان امكن المال، لم يكن وجه للغرامة، و لذا فلا وجه لتقديم حق المالك على حق الغارم.

(نعم للمالك مطالبة عين ماله) و لا يحق للغارم ان يقول: ان الغرامة لك و المال لى (لعموم: الناس مسلطون على اموالهم) و لم تقطع سلطة المالك على المال حين الغرق مثلا، حتى يقال عود السلطة يحتاج الى دليل مفقود.

ص: 221

و ليس ما عنده من المال عوضا من مطلق السلطنة، حتى سلطنة المطالبة بل سلطنة الانتفاع بها على الوجه المقصود من الاملاك.

و لذا لا يباح لغيره بمجرد بذل الغرامة.

و مما ذكرنا يظهر انه ليس للغاصب حبس العين، الى ان يدفع المالك القيمة كما اختاره فى التذكرة،

______________________________

(و ليس ما عنده من المال) اى ما عند المالك من الغرامة (عوضا من مطلق السلطنة، حتى سلطنة المطالبة) لماله حال التمكن، حتى يقال:

لا حق له على مطالبة ماله (بل) الغرامة عوض عن (سلطنة الانتفاع بها) اى بعين ماله (على الوجه المقصود) للمالك (من الاملاك) جمع: ملك،

و الحاصل: ان المالك لا يتمكن من تنفيذ سلطنته على ماله، و لذا يجب على الغارم ان يغرم له، اما سلطنة المالك على ماله بحيث يطالبه اذا امكن، فلم تسقط بالغرامة.

(و لذا الا يباح) مال المالك- الّذي تعذر- (لغيره) اى غير المالك (بمجرد بذل الغرامة) و لو كان بذل الغرامة موجبا لقطع سلطة المالك مطلقا، لكان اللازم ان نقول باباحة المال لكل احد، من جهة اخذ المالك غرامته.

(و مما ذكرنا) من بقاء سلطة المالك على ماله- حتى حال التعذر (يظهر انه ليس للغاصب حبس العين) بعد التمكن منها (الى ان يدفع المالك القيمة) اى الغرامة (كما اختاره) اى جواز الحبس (فى التذكرة،

ص: 222

و الايضاح، و جامع المقاصد و عن التحرير الجزم بان له ذلك.

و لعله لان القيمة عوض امّا عن العين، و اما عن السلطنة عليه.

و على اىّ تقدير، فيتحقق التراد، و حينئذ فلكل من صاحبى العوضين حبس ما بيده حتى يتسلّم ما بيد الآخر.

و فيه ان العين بنفسها ليست عوضا و لا معوضا، و لذا تحقق للمالك الجمع بينها و بين الغرامة، فالمالك مسلط عليها

______________________________

و الايضاح، و جامع المقاصد، و عن التحرير الجزم) اى القطع (بان له) اى للغارم (ذلك) الحبس.

(و لعله) اى الجزم المذكور (لان القيمة) اى الغرامة (عوض) فى الجملة (اما عن العين، و اما عن السلطنة عليه) اى على المال الّذي هو العين.

(و على اى تقدير فيتحقق التراد) فللغارم ان يقول: ردّ عليّ الغرامة حتى اردّ عليك السلطة او اردّ عليك العين (و حينئذ) اى حين تحقق العوضية (فلكل من صاحبى العوضين) المال و الغرامة (حبس ما بيده حتى يتسلّم ما بيد الآخر) و ان اراد كل تسلم ما فى يد الآخر أولا، كان اللازم التعاطى آنا واحدا- كما قرر مثله فى مسئلة المتبايعين-.

(و فيه ان العين بنفسها ليست عوضا و لا معوضا) فلا معاوضة فى البين (و لذا تحقق للمالك الجمع بينها) اى بين العين (و بين الغرامة)- كما تقدم- و لو كان الامر عوضا و معوضا، لم يكن الجمع بينهما (فالمالك مسلط عليها) العين لانها ماله، و الغرامة للحيلولة.

ص: 223

و المعوض لغرامة السلطنة الفائتة التى هى فى معرض العود بالتراد. اللهم الا ان يقال: له حبس العين من حيث تضمنه لحبس مبدل الغرامة، و هى السلطنة الفائتة و الاقوى الاول.

ثم لو قلنا بجواز الحبس لو حبسه، فتلفت العين محبوسا، فالظاهر: انه لا يجرى عليه حكم المغصوب. لانه حبسه بحق.

نعم: يضمنه، لانه قبضه لمصلحة نفسه.

______________________________

(و) ان قلت: فلم يخسر الغارم الغرامة؟

قلت: (المعوض لغرامة السلطنة الفائتة التى هى فى معرض العود) الى المالك (بالتراد اللهم الا ان يقال) فى بيان علة حق الغارم مثل حق المالك ان (له حبس العين) التى هى للمالك (من حيث تضمنه) اى تضمن حبس العين (لحبس مبدل الغرامة) فان ما اعطاه الغارم بدل لسلطة المالك فالمالك يحبس الغرامة، و الغارم يحبس العين (و هى) اى مبدل الغرامة (السلطنة الفائتة و) لكن (الاقوى الاول) و هو تقويم المالك.

(ثم لو قلنا بجواز الحبس) اى جواز حبس الضامن، للعين، لاجل ان يعطيه مالكها الغرامة (لو حبسه، فتلفت العين) فى حال كونه (محبوسا) عند الغاصب (فالظاهر: انه لا يجرى عليه حكم المغصوب) لان الحبس لم يكن عدوانا (لانه حبسه بحق) حتى يأخذ الغرامة التى عند المالك.

(نعم: يضمنه) اى يضمن الغارم العين (لانه قبضه لمصلحة نفسه) و كل من قبض شيئا لمصلحة نفسه كان ضامنا، لدليل: على اليد نعم لو

ص: 224

و الظاهر انه بقيمة يوم التلف، على ما هو الاصل: فى كل مضمون، و من قال: بضمان المقبوض باعلى القيم، يقول به هنا من زمان الحبس الى زمان التلف.

و ذكر العلامة فى القواعد: انه لو حبس، فتلف محبوسا، فالاقرب ضمان قيمته الآن، و استرجاع القيمة الاولى.

و الظاهر: ان مراده بقيمة الآن، مقابل القيمة السابقة

______________________________

كان القبض بامر الشارع كاللقطة، و تلف بدون تعد، او تفريط، لم يكن ضامنا.

(و الظاهر: انه) اى ضمان الغارم للعين التالفة (بقيمة يوم التلف على ما هو الاصل: فى كل مضمون) لان الضمان بقدر الشي ء، و قدره يوم التلف القيمة فى ذلك اليوم (و من قال: بضمان المقبوض باعلى القيم) من يوم القبض الى يوم التلف (بقوله به) اى باعلى القيم (هنا) فى قبض الغارم عين المالك (من زمان الحبس الى زمان التلف) لا من زمان وضع الغارم يده أوّلا على العين، و لا من زمان التمكن قبل قبضها، اذ: زمان وضع اليد، خرج الغارم عن عهدته باعطاء الغرامة، و زمان التمكن قبل القبض لم يكن الغارم واضعا يده حتى يضمنها.

و عليه فاول زمان الضامن زمان الحبس.

(و ذكر العلامة فى القواعد: انه لو حبس) الغارم العين (فتلفت محبوسا فالاقرب ضمان قيمته الآن و استرجاع) الضامن (القيمة الاولى) التى اعطاها غرامة الى المالك، لاجل تعذر العين.

(و الظاهر: ان مراده بقيمة الآن، مقابل القيمة السابقة) التى

ص: 225

بناء على زوال حكم الغصب عن العين لكونه، محبوسا بغير عدوان، لا خصوص حين التلف، و كلمات كثير منهم، لا تخلو عن اضطراب.

ثم ان اكثر ما ذكرناه، مذكور فى كلماتهم فى باب الغصب.

لكن الظاهر: ان اكثرها، بل جميعها، حكم المغصوب من حيث كونه مضمونا، اذ ليس فى الغصب خصوصية زائدة.

نعم: ربما يفرق من جهة نص فى المغصوب، مخالف لقاعدة: الضمان،

______________________________

كانت للعين حين وضع اليد، أو لا، قبل التعذر (بناء على زوال حكم الغصب عن العين) اى الغصب الّذي انقطع باعطاء بدل الحيلولة (لكونه) اى العين، الآن بعد التمكن (محبوسا بغير عدوان) فحكم السابق بالغصبية انقطع، و ليس الآن غصبا (لا) ان مراد العلامة ب: الآن (خصوص حين التلف) حتى لا يشمل اعلى القيم (و كلمات كثير منهم) فى باب ضمان العين اذا تلفت، بعد التمكن (لا تخلو عن اضطراب) فراجعها.

(ثم ان اكثر ما ذكرناه) هنا فى باب البيع (مذكور فى كلماتهم فى باب الغصب) فراجع.

(لكن الظاهر: ان اكثرها) اى الكلمات (بل جميعها، حكم المغصوب من حيث كونه مضمونا) فلا مانع من انسحاب تلك الكلمات الى ما نحن فيه و ان لم يكن غصبا (اذ ليس فى الغصب خصوصية زائدة) من جهة اصل الضمان، و فروعه.

(نعم ربما يفرق) بين الغصب و غيره (من جهة نص فى المغصوب، مخالف لقاعدة: الضمان) الاولوية، المستفادة، من قوله عليه السلام:

ص: 226

كما احتمل فى الحكم بوجوب قيمة يوم الضمان من جهة صحيحة ابى ولاد او اعلى القيم، على ما تقدم من الشهيد الثانى: دعوى دلالة الصحيحة عليه، و اما ما اشتهر من: ان الغاصب مأخوذ باشق الاحوال، فلم نعرف له مأخذا واضحا.

و لنختم بذلك احكام المبيع بالبيع الفاسد، و ان بقى منه احكام اخر اكثر مما ذكر، و لعلّ بعضها يجئ فى بيع الفضولى

______________________________

على اليد ما اخذت، (كما احتمل فى الحكم بوجوب قيمة يوم الضمان) اى كما احتمل ان حكم الفقهاء بوجوب قيمة يوم الضمان- المخالف لقاعدة كون الضمان باعتبار يوم التلف- (من جهة صحيحة ابى ولاد) المتقدمة (او) احتمل الحكم بوجوب (اعلى القيم، على ما تقدم من الشهيد الثانى دعوى دلالة الصحيحة عليه) اى اعلى القيم (و اما ما اشتهر من ان الغاصب مأخوذ باشق الاحوال، فلم نعرف له مأخذا واضحا) حتى يكون دليلا لمسألة اعلى القيم، و قد تقدم الكلام فى ذلك فراجع.

(و لنختم بذلك) اى بهذا الكلام (احكام المبيع بالبيع الفاسد، و ان بقى منه احكام اخر اكثر مما ذكر، و لعلّ بعضها يجئ فى بيع الفضولى) إن شاء اللّه تعالى.

و يتمكن اللبيب من استخراج فروع كثيرة لهذه المسألة من ملاحظة باب القضاء، و باب الغصب، و باب البيع لارتباط فروع البيع الفاسد بهذه الابواب، و اللّه المسدّد للصواب.

ص: 227

الكلام فى شروط المتعاقدين

[مسألة من شروط المتعاقدين البلوغ]

«مسئلة»: المشهور كما عن الدروس، و الكفاية بطلان عقد الصبى بل عن الغنية: الاجماع عليه، و ان اجاز الولى.

و فى كنز العرفان نسبة عدم صحة عقد الصبى الى اصحابنا، و ظاهره: إرادة التعميم لصورة اذن الولى.

و عن التذكرة: ان الصغير محجور عليه بالنص و الاجماع، سواء كان مميزا او لا؟

______________________________

(الكلام فى شروط المتعاقدين) البائع و المشترى اصليين كانا أو لا؟

(مسئلة: المشهور كما عن الدروس و الكفاية) للسبزوارى (بطلان عقد الصبى) الّذي لم يبلغ البلوغ الشرعى، او بلغ و لكن لم يكن رشيدا (بل عن الغنية: الاجماع عليه، و ان اجاز الولى) سابقا للعقد، أو لاحقا.

(و فى كنز العرفان نسبة عدم صحة عقد الصبى الى اصحابنا، و ظاهره) حيث اطلق الكلام (إرادة التعميم لصورة اذن الولى) و الا لكان اللازم ان يستثناه.

(و عن التذكرة: ان الصغير محجور عليه بالنص و الاجماع، سواء كان مميزا أو لا؟) و المميّز هو الّذي يميز الاشياء بعضها عن بعض حسنا و قبحا، و رجلا و امرأة، و نفعا و ضررا.

و لا يخفى وجود افراد يشك فى كونهم مميزين كسائر المفاهيم التى

ص: 228

فى جميع التصرفات الا ما استثنى، كعباداته، و اسلامه، و احرامه، و تدبيره، و وصيته، و ايصاله الهدية، و اذنه فى الدخول على خلاف فى ذلك انتهى.

و استثناء ايصاله الهدية، و اذنه فى دخول الدار يكشف بفحواه عن شمول المستثنى منه، لمطلق افعاله، لان الايصال و الاذن ليسا من

______________________________

لها افراد مجملة مشكوكة فيرجع فى تلك الافراد الى الاصول، و قد حققنا الكلام حول ذلك فى كتاب النكاح من شرح العروة موضوعا و حكما.

فعليه فالصغير محجور (فى جميع التصرفات الا ما استثنى، كعباداته) فانه ليس محجورا فيها (و اسلامه) فانه يقبل اسلام الصبى (و احرامه) للحج و سائر افعال الحج (و تدبيره) لعبده (و وصيته) اذا بلغ عشرا، كما ورد فى الدليل (و ايصاله الهدية) اذ: لو لم يكن تصرفه صحيحا لم يكن يجوز للمهدى إليه القبول (و اذنه فى الدخول) فيما اذا لم يعلم الوارد ان صاحب البيت راض بدخوله أم لا؟ فان اذن الصبى الّذي يفتح الباب كاف فى الجواز (على خلاف فى ذلك) اى الّذي ذكرناه من مختلف الموارد لا خصوص الاذن فى الدخول (انتهى) كلام العلامة.

(و استثناء ايصاله الهدية و اذنه فى دخول الدار) فى كلام العلامة (يكشف بفحواه) اى بالمماثلة بين الاذن و الايصال، و بين سائر الافعال (عن شمول المستثنى منه) اى قوله: ان الصغير محجور عليه (لمطلق افعاله) اذ: لو لم يرد من المستثنى منه مطلق الافعال، لم يكن وجه لاستثناء هذين، و انما يكشف (لان الايصال) للهدية (و الاذن) لدخول الدار (ليسا من

ص: 229

التصرفات القولية و الفعلية، و انما الاول آلة فى ايصال الملك كما لو حملها على حيوان، او ارسلها، و الثانى كاشف عن موضوع تعلق عليه إباحة الدخول و هو رضا المالك

______________________________

التصرفات القولية و الفعلية) فانهما ليسا تصرفا اصلا (و انما الاول) اى الايصال (آلة فى ايصال الملك) الى المهدى إليه (كما لو حملها) المالك (على حيوان، و ارسلها، و الثانى) اى الاذن (كاشف عن موضوع) بالتنوين (تعلق عليه إباحة الدخول) «إباحة» فاعل: تعلق، (و هو رضا المالك) و قد كنت قد علقت على هذا الموضع من الكتاب فى بعض الحواشى السابقة ما لفظه الظاهر كراهة بيع الصبى المميز الّذي كان باذن الولى، و المشهور المنع عن ذلك، و قد استدل لذلك بامور أربعة.

الاول- الكتاب و هو قوله سبحانه: وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ، حيث دلت على ان تسليم المال إليهم الملازم للبيع و الشراء و المعاملات، انما يكون بعد البلوغ و الرشد، و فيه: ان الظاهر من الآية جواز المعاملة قبل البلوغ، لان الابتلاء كما ذكر الفقهاء هو الاختبار بالمعاملة، فالمعنى ان الاختبار جائز، قبل البلوغ و الرشد، فاذا بلغ رشيدا سلم إليه المال.

الثانى-: الاخبار الدالة على عدم مضى امر الغلام، و حديث: رفع القلم، و حديث: نهى النبي عن كسب الغلام الصغير الّذي لا يميز صناعة بيده لانه اذا لم يجد سرق، و عمل الصبى خطاء، و فيه ما لا يخفى.

اذ ظاهر القسم الاول: من الاخبار المضى الّذي يكون له بعد البلوغ

ص: 230

..........

______________________________

ليس له قبل البلوغ، و من المعلوم: ان ذلك المضى انما يكون استقلالا، فعدم المضى قبل البلوغ يراد به استقلالا لا مطلقا، كما ذكره الشيخ المرتضى فى المكاسب فى معنى الرواية فراجع.

و لذا قيّدنا صحّة المعاملة للصغير باجازة الولى، و ظاهر: حديث الرفع، ان القلم لم يوضع على الصّغير مطلقا، فحاله حال ما قبل الشرع، و من المعلوم اعتبار معاملته فى ذلك الوقت.

لا يقال: لا بدوان يمضى الشارع المعاملة، و حديث الرفع يقال: لا امضاء.

لانا نقول، لو كان مفاد: حديث الرفع: لا امضاء، كان موضوعا عليه القلم فالصغير خارج عن دائرة التكاليف، حاله حال قبل الاسلام، و ظاهر نهى النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم سواء اريد بالكسب: المصدر، اى معاملاته او: المفعول، اى ما كسبه انه خاص بالذى لا يعرف صناعة، المفهوم منه جواز الكسب لمن يعرف الصناعة.

و اذا علمنا ان المراد بالصناعة: اعم من الصناعة بمعناها الحالى، كان الحديث على المطلوب ادل منه على مطلوب المانع، و اما عمد الصبى خطاء فمضافا الى انه فى الديات، و ما اشبه، بقرينة الذيل، حتى بالنسبة الى ما ليس بمذيل، لان المذيّل صالح لقرينية غير المذيّل، ان الحديث لا يدل على ان الصبى: لا قصد له، كما اراد الشيخ استفادته من الحديث، ليكون لازمه عدم صحة معاملته، لانه معاملة بدون قصد.

الثالث-: الاجماع المدعى فى كلام جماعة، و فيه: ان جماعة خالفوا المشهور كما ذكر اساميهم الشيخ، و غيره، بالإضافة الى انه محتمل الاستناد.

ص: 231

و احتج على الحكم فى الغنية بقوله (ص) رفع القلم عن ثلاثة، عن الصبى حتى يحتلم، و عن المجنون حتى يفيق، و عن النائم حتى يستيقظ و قد سبقه فى ذلك الشيخ فى المبسوط فى مسئلة الاقرار، و قال: ان مقتضى: رفع القلم، ان لا يكون لكلامه حكم، و نحوه الحلى فى السرائر فى مسئلة عدم جواز وصية البالغ عشرا.

و تبعهم فى الاستدلال به: جماعة كالعلامة، و غيره، و استدلوا أيضا بخبر حمزة بن حمران عن مولانا الباقر (ع): ان الجارية اذا زوجت و دخل بها، و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم، و دفع

______________________________

الرابع-: الشهرة و هى ليست بمحل انكار، لكنها ليست بحجة و هناك تفاصيل من الكاشانى و الرياض و كشف الغطاء كلها تدل على الجواز فى الجملة.

هذا مضافا الى السيرة القطعية، و الجرح فى الجملة و التفصيل مذكور فى المكاسب

(و احتج على الحكم) بعدم الجواز (فى الغنية، بقوله (ص) رفع القلم عن ثلاثة، عن الصبى حتى يحتلم، و عن المجنون حتى يفيق، و عن النائم حتى يستيقظ) فحال الصبى حال المجنون و النائم فى عدم اعتبار معاملته (و قد سبقه فى ذلك الشيخ فى المبسوط فى مسئلة الاقرار) و انه لو اقرّ الصبى بشي ء لم يلزمه لانه مرفوع عنه القلم (و قال: ان مقتضى: رفع القلم) عنه (ان لا يكون لكلامه حكم و نحوه الحلى فى السرائر فى مسئلة عدم جواز وصية البالغ عشرا) خلافا لفتوى جماعة من الفقهاء بالصحة لمكان بعض النصوص.

(و تبعهم فى الاستدلال به) اى بحديث: رفع القلم (جماعة كالعلامة، و غيره، و استدلوا أيضا: بخبر حمزة بن حمران عن مولانا الباقر عليه السلام ان الجارية اذا زوجت، و دخل بها، و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم، و دفع

ص: 232

إليها مالها و جاز امرها فى الشراء، و الغلام لا يجوز امره فى البيع و الشراء، و لا يخرج عن اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة الحديث.

و فى رواية ابن سنان متى يجوز امر اليتيم؟ قال: حتى يبلغ اشده، قال:

ما اشده؟ قال عليه السلام: احتلامه، و فى معناهما روايات اخر.

لكن الانصاف ان جواز الامر فى هذه الروايات ظاهر: فى استقلاله فى التصرف، لان الجواز مرادف للمضى.

فلا ينافى عدمه ثبوت الوقوف على الاجازة.

______________________________

إليها مالها، و جاز امرها فى الشراء) و من المعلوم: ان ليس المراد بالتزويج و الدخول: الخصوصية، بل التأكيد فى البلوغ الشرعى (و الغلام لا يجوز امره فى البيع و الشراء، و لا يخرج عن اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة، الحديث) و معنى عدم الجواز الوضعى: بمعنى عدم الصحة. (و فى رواية ابن سنان متى يجوز امر اليتيم؟ قال: حتى يبلغ اشدّه، قال) الراوى: (ما اشده؟ قال (ع): احتلامه و فى معناهما روايات اخر) ذكر جملة منها الجواهر فى كتاب الحجر.

(لكن الانصاف ان جواز الامر) اى قوله (ع): لا يجوز امر الغلام، و ما اشبه (فى هذه الروايات ظاهر: فى استقلاله فى التصرف) فمعنى عدم جواز امر الغلام، عدم صحة استقلاله فى التصرفات بدون اذن الولى (لان الجواز مرادف للمضى، فلا ينافى عدمه) اى عدم الجواز- المذكور فى الرواية- (ثبوت الوقوف على الاجازة) كلمة: عدمه، فاعل: ينافى، و: ثبوت، مفعوله، اى ان:

عدم جواز امر الغلام، لا ينافى: ثبوت وقوف امره على الاجازة من الولى.

اذ: عدم الجواز، ليس مطلقا بحيث يشمل حتى صورة اجازة الولى،

ص: 233

كما يقال: بيع الفضولى غير ماض، بل موقوف.

و يشهد له الاستثناء فى بعض تلك الاخبار بقوله: الا ان يكون سفيها فلا دلالة لها حينئذ على سلب عبارته، و انه اذا ساوم وليه متاعا و عين له قيمته و امر الصبى بمجرد ايقاع العقد مع الطرف الآخر، كان باطلا، و كذا لو اوقع ايجاب النكاح، او قبوله لغيره باذن وليه

______________________________

فقولهم: لا يجوز امر الغلام، انما هو (كما يقال: بيع الفضولى غير ماض، بل موقوف) على اجازة المالك، يعنى ان النفى، بالنسبة الى الاستقلال لا انه مطلقا حتى مع الاجازة

(و يشهد له) اى لكون المراد نفى الاستقلال، لا النفى مطلقا (الاستثناء فى بعض تلك الاخبار بقوله: الا ان يكون سفيها) فان السفيه مطلقا لا يصح امره، سواء كان باجازة الولى أم لا؟ بخلاف الغلام الّذي لا يصح امره، بدون الاجازة، لان الظاهر من الاضافة فى: امر الغلام الامر المستند إليه، اما الامر المستند الى الغلام و الى وليه معا فلم ينف، فلا منافات بين عدم مضى الاول، و مضى الثانى.

و على هذا (فلا دلالة لها) اى لهذه الاخبار النافية لامر الغلام (حينئذ) اى حين كان النفى للاستقلال (على سلب عبارته، و انه اذا ساوم وليه) فاعل ساوم (متاعا و عين له) اى للولى (قيمته و امر) الولى (الصبى بمجرد ايقاع العقد مع الطرف الآخر، كان باطلا، و كذا لو اوقع) الصبى (ايجاب النكاح، او قبوله لغيره باذن وليه) بل و كذا لو قال: وليه:

اذهب و بع و اشتر، او نصبه على دكانه ليبيع و يشترى، لان كل ذلك

ص: 234

و اما حديث: رفع القلم، ففيه أولا: ان الظاهر منه قلم المؤاخذة، لا قلم جعل الاحكام، و لذا بنينا كالمشهور على شرعية عبادات الصبى

و ثانيا: ان المشهور على الالسنة: ان الاحكام الوضعية ليست مختصة بالبالغين فلا

______________________________

ليس بالاستقلال حتى ينفيه الحديث.

(و اما حديث رفع القلم، ففيه أولا: ان الظاهر منه قلم المؤاخذة، لا قلم جعل الاحكام) و وجه هذا الظهور: انه لولاه، لزم كثرة الاستثناءات منه، اذ عبادات الصبى، و كثير من غير العبادات محكومة باحكام شرعية.

مع ان الظاهر اباء الحديث عن الاستثناء (و لذا) الّذي ذكرنا من ظهور الحديث فى المؤاخذة، لا الاحكام (بنينا كالمشهور على شرعية عبادات الصبى) لا التمرينية.

و اذ كان المراد من: الرفع، المؤاخذة كان الحديث غير دال على عدم صحة معاملات الصبى.

اقول، قد ذكرنا فى الفقه ان الظاهر من الحديث: جميع الامور التى جاء بها الشارع، فحاله حال المجنون، و النائم، لا كما ذكره المصنف ره، و التفصيل موكول الى هناك.

(و ثانيا) لو سلمنا ان الحديث ليس ظاهرا فى المؤاخذة، نقول (ان المشهور على الالسنة: ان الاحكام الوضعية ليست مختصة بالبالغين) فالصبى ينجس جسده اذ لاقى النجاسة، و يكون مالكا و يجرى عليه بعض مراتب القصاص و الحدود، كما لو سرق، فانه تقطع اصابعه، و هكذا (فلا

ص: 235

مانع من ان يكون عقده سببا لوجوب الوفاء بعد البلوغ او على الولى اذا وقع باذنه او اجازته كما يكون جنابته سببا لوجوب غسله بعد البلوغ، و حرمة تمكينه من مس المصحف.

و ثالثا: لو سلمنا اختصاص الاحكام حتى الوضعية بالبالغين، لكن لا مانع من كون فعل غير البالغ موضوعا للاحكام المجعولة فى حق البالغين فيكون الفاعل كسائر غير البالغين خارجا عن ذلك الحكم الى وقت البلوغ.

______________________________

مانع من ان يكون عقده) اى العقد الّذي اجراه الصبى (سببا لوجوب الوفاء بعد البلوغ) كما قالوا: لو انه اجنب، وجب عليه الغسل بعد البلوغ، (او) وجوب الوفاء (على الولى اذا وقع) العقد (باذنه) سابقا (او اجازته) لاحقا (كما يكون جنابته سببا لوجوب غسله بعد البلوغ، و) سببا ل (حرمة تمكينه من مس المصحف) و المكث فى المساجد، و اللبث فى المسجدين الى غيرها من الاحكام المتعلقة بنفسه بعد البلوغ، او بالاولياء و البالغين فى هذا الحال.

(و ثالثا: لو سلمنا اختصاص الاحكام حتى الوضعية بالبالغين، لكن لا مانع من كون فعل غير البالغ موضوعا للاحكام المجعولة فى حق البالغين)

فالعقد و ان لم يكن ذا حكم لغير البالغ، لكنه ذا حكم للبالغ (فيكون) الصبى (الفاعل) للعقد (كسائر غير البالغين خارجا عن ذلك الحكم الى وقت البلوغ) فاذا بلغ جرى عليه الحكم.

ص: 236

و بالجملة: فالتمسك بالرواية ينافى ما اشتهر بينهم من: شرعية عبادة الصبى، و ما اشتهر بينهم من: عدم اختصاص الاحكام الوضعية بالبالغين.

فالعمدة فى سلب عبارة الصبى، هو: الاجماع المحكى المعتضد بالشهرة العظيمة، و الا فالمسألة محل اشكال، و لذا تردد المحقق فى الشرائع فى اجارة المميز باذن الولى بعد ما جزم بالصحة فى العارية

و استشكل فيها فى القواعد، و التحرير، و قال فى القواعد: و فى صحة بيع المميز باذن الولى نظر.

______________________________

(و بالجملة: فالتمسك بالرواية) اى حديث رفع القلم، لاجل اثبات بطلان عقد الصبى (ينافى ما اشتهر بينهم من: شرعية عبادة الصبى و ما اشتهر بينهم من: عدم اختصاص الاحكام الوضعية بالبالغين) فلا يكون الحديث دليلا لعدم صحة عقد الصبى، و لا يتمكن المشهور ان يستدلوا بالحديث مع فتواهم بالشرعية و عدم الاختصاص

(فالعمدة فى سلب عبارة الصبى) و ان عقده، كلا عقد (هو: الاجماع المحكى المعتضد بالشهرة العظيمة، و الا) يكن الاجماع و الشهرة (فالمسألة محل اشكال، و لذا تردد المحقق فى الشرائع فى اجارة المميز باذن الولى بعد ما جزم بالصحة فى العارية) و لو كانت عبارته مسلوبة لم يكن وجه للجزم و التردد.

(و استشكل فيها) اى فى معاملات الصبى (فى القواعد، و التحرير، و قال فى القواعد: و فى صحة بيع المميز باذن الولى نظر) و لم يجزم

ص: 237

بل عن الفخر فى شرحه: ان الاقوى الصحة، مستدلا بان العقد اذا وقع باذن الولى كان كما لو صدر عنه، و لكن لم اجده فيه، و قواه المحقق الاردبيلى، على ما حكى عنه، و يظهر من التذكرة: عدم ثبوت الاجماع عنده، حيث قال: و هل يصح بيع المميز و شرائه؟ الوجه عندى انه لا يصح، و اختار فى التحرير: صحة بيع الصبى فى مقام اختبار رشده.

و ذكر المحقق الثانى: انه لا يبعد بناء المسألة على ان افعال

______________________________

بالبطلان (بل عن الفخر فى شرحه:) على القواعد (ان الاقوى الصحة، مستدلا بان العقد اذا وقع باذن الولى كان كما لو صدر عنه) لان عمل المولى عليه عمل الولى- عرفا- (و لكن لم اجده) اى هذا الكلام- و هو صحة عقد الصبى- (فيه) اى فى شرح القواعد (و قواه المحقق الاردبيلى على ما حكى عنه، و يظهر من التذكرة: عدم ثبوت الاجماع عنده) فلا اجماع على البطلان، كما ادعاه بعض من تقدم (حيث قال) العلامة (و هل يصح بيع المميز و شرائه؟ الوجه عندى انه لا يصح) فان هذا الكلام ظاهره عدم الاجماع و وجود المخالف، و الا لم يقل: عندى، (و اختار فى التحرير: صحة بيع الصبى فى مقام اختبار) و امتحان (رشده) لقوله سبحانه: وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ، فان الاختبار فى الولد بالبيع و الشراء- كما ذكروا-

(و ذكر المحقق الثانى: انه لا يبعد بناء المسألة على ان افعال

ص: 238

الصبى و اقواله شرعية أم لا؟.

ثم: حكم بانها غير شرعيّة، و ان الأصح بطلان العقد.

و عن المختلف: انه حكى فى باب المزارعة عن القاضى كلاما يدل على صحة بيع الصبى.

و بالجملة فالمسألة لا تخلو عن اشكال، و ان اطنب بعض المعاصرين فى توضيحه حتى ألحقه بالبديهيات فى ظاهر كلامه، فالانصاف ان الحجة فى المسألة هى: الشهرة المحققة، و الاجماع المحكى عن التذكرة

______________________________

الصبى و اقواله شرعية أم لا؟) فان قلنا بالشرعيّة نقول فى معاملاته بالصحة

(ثم حكم بانها غير شرعيّة و) ذكر (ان الاصح بطلان العقد) من الصبى.

(و عن المختلف انه حكى فى باب المزارعة عن القاضى كلاما يدل على صحة بيع الصبى) الى غير ذلك من كلماتهم التى تدل على التوقف او الصحة.

(و بالجملة فالمسألة لا تخلو عن اشكال، و ان اطنب بعض المعاصرين فى توضيحه) اى توضيح البطلان (حتى ألحقه بالبديهيات فى ظاهر كلامه).

(فالانصاف ان الحجة فى المسألة هى: الشهرة المحققة، و الاجماع المحكى عن التذكرة) و كلاهما لا يصح مستندا، اذ: الشهرة لا حجية فيها، كما حقق فى الاصول، و الاجماع محتمل الاستناد.

ص: 239

بناء على ان استثناء الاحرام الّذي لا يجوز الا باذن الولى، شاهد على ان مراده بالحجر ما يشمل سلب العبارة، لا نفى الاستقلال فى التصرف، و كذا اجماع الغنية بناء على: ان استدلاله بعد الاجماع بحديث: رفع القلم، دليل على شمول معقده للبيع باذن الولى، و ليس المراد نفى صحة البيع المتعقب بالاجازة، حتى يقال: ان الاجازة عند السيد غير مجدية فى تصحيح مطلق العقد الصادر من غير المستقل، و لو كان غير

______________________________

و انما يظهر من التذكرة الاجماع (بناء على ان استثناء الاحرام الّذي لا يجوز الا باذن الولى شاهد على ان مراده بالحجر ما يشمل سلب العبارة) فعبارة الصبى مسلوبة.

و عليه فلا وجه لصحة عقده، اذ العقد عبارة، فكيف يصح ممن لا عبارة له؟ (لا نفى الاستقلال فى التصرف) اذ: لو اريد نفى الاستقلال، لم يكن وجه لنفى الاحرام، فان الاحرام ليس الّا نية و عبارة فكان التذكرة قال: لا لفظ للصبى الا الاحرام (و كذا اجماع الغنية بناء على ان استدلاله) لنفى صحة عقد الصبى (بعد الاجماع بحديث رفع القلم دليل على شمول معقده) اى معقد الاجماع (للبيع باذن الولى) الظاهر فى انه لا اثر له اصلا، لا استقلالا، و لا مشاركة مع الولى- بان كان الاذن منه و العمل من الصبى- (و ليس المراد نفى صحة البيع المتعقب بالاجازة) لانه لو اراد نفى ذلك، لم يفهم من كلامه عدم صحة صورة المشاركة، بل يدل على نفى الاستقلال فقط (حتى يقال: ان الاجازة عند السيد غير مجدية) و غير مفيدة (فى تصحيح مطلق العقد الصادر من غير المستقل، و لو كان غير)

ص: 240

مسلوب العبارة، كالبائع الفضولى، و يؤيد الاجماعين ما تقدم عن كنز العرفان.

نعم: لقائل ان يقول: ان ما عرفت من المحقق، و العلامة، و ولده، و القاضى، و غيرهم خصوصا المحقق الثانى الّذي بنى المسألة على شرعية افعال الصبى، يدل على عدم تحقق الاجماع.

و كيف كان، فالعمل على المشهور.

و يمكن ان يستأنس له أيضا: بما ورد

______________________________

المستقل (مسلوب العبارة، كالبائع الفضولى، و يؤيد الاجماعين) من التذكرة و الغنية (ما تقدم عن كنز العرفان) الّذي نسب عدم الصحة الى الاصحاب.

(نعم لقائل ان يقول: ان ما عرفت من المحقق و العلامة و ولده) فخر المحققين (و القاضى و غيرهم، خصوصا المحقق الثانى الّذي بنى المسألة) اى صحة بيع الصبى و عدمها (على شرعية افعال الصبى) كما تقدم (يدل على عدم تحقق الاجماع).

(و كيف كان) الامر كان الاجماع أم لا؟ (فالعمل على المشهور.) و إن كان النظر ربما يؤيد الخلاف، خصوصا و ان المعاملات التى اجريها الصبى و رتّب احكام عليها، لا مجال للاحتياط فيها بالقول بالبطلان.

نعم الاحتياط عدم اجراء الصبى المعاملة.

(و يمكن ان يستأنس له) اى لبطلان معاملات الصبى (أيضا: بما ورد

ص: 241

فى الاخبار المستفيضة من: ان عمد الصبى و خطائه واحد كما فى صحيحة ابن مسلم و غيرها، و الاصحاب و ان ذكروها فى باب الجنايات الا انه لا اشعار فى نفس الصحيحة، بل و غيرها بالاختصاص بالجنايات.

و لذا تمسك بها الشيخ فى المبسوط، و الحلى فى السرائر: على ان اخلال الصبى المحرم بمحظورات الاحرام التى يختص حرمتها الكفارة فيها بحال التعمد لا يوجب كفارة على الصبى، و لا على الولى لان عمده خطاء

______________________________

فى الاخبار المستفيضة من: ان عمد الصبى و خطائه واحد، كما فى صحيحة ابن مسلم و غيرها) فانه اذا كان عمده كالخطإ لا يكون لعقده اثر، و انما قال يستأنس، لان هذا مجمل قدره المتيقن فى باب الجنايات (و الاصحاب و ان ذكروها) اى هذه الصحيحة (فى باب الجنايات، الا انه لا اشعار فى نفس الصحيحة، بل و غيرها) من الروايات الواردة فى هذا الباب (بالاختصاص بالجنايات) فاللازم القول لعمومها لفظا او مناطا لما نحن فيه أيضا

(و لذا تمسك بها الشيخ فى المبسوط، و الحلى فى السرائر: على ان اخلال الصبى المحرم بمحظورات الاحرام التى يختص حرمتها الكفارة فيها بحال التعمد لا يوجب كفارة على الصبى، و لا على الولى)

اما على الصبى، (لان عمده خطاء)

و اما على الولى، فلانه خلاف الاصل، اذ: لا يكلف الانسان بعمل غيره الا بدليل خاص.

اللهم الا ان يقال: ان شاهد الباب كاف فى تخصيص الرواية، و لذا

ص: 242

و حينئذ فكل حكم شرعى تعلق بالافعال التى يعتبر فى ترتب الحكم الشرعى عليها القصد بحيث لا عبرة بها اذا وقعت بغير القصد فما يصدر منها عن الصبى قصدا بمنزلة الصادر عن غيره بلا قصد فعقد الصبى و ايقاعه مع القصد، كعقد الهازل و الغالط و الخاطى، و ايقاعاتهم، بل يمكن بملاحظة بعض ما ورد من هذه الاخبار فى قتل المجنون و الصبى استظهار المطلب

______________________________

لو ذكر المحدث رواية وجوب الغسل، فى باب غسل الجنابة، استشعر منه الاختصاص و ان لم يكن لها قيد بالجنابة، و هكذا كما انه فرق بين باب الكفارات، و بين باب العقود خصوصا و فى بعض الروايات لفظ: تحمله العاقلة، (و حينئذ) اى حين قلنا بعموم الصحيحة لكل اعمال الصبى و افعاله (فكل حكم شرعى تعلق بالافعال) القصدية- مقابل الافعال التكوينية كصبغ الثوب و نحوه- (التى يعتبر فى ترتب الحكم الشرعى عليها) اى على تلك الافعال (القصد، بحيث لا عبرة بها اذا وقعت بغير القصد) كالعقود و ما اشبه (فما يصدر منها) اى من تلف الافعال (عن الصبى قصدا) اى عن قصد، فهو (بمنزلة الصادر عن غيره) اى غير الصبى (بلا قصد) لان عمده خطاء (فعقد الصبى و ايقاعه مع القصد، كعقد الهازل و الغالط) الّذي يقول العقد غلطا عمدا (و الخاطى) الّذي يخطى، فيقول: لفظا مكان لفظ آخر (و ايقاعاتهم) اى ايقاع الصبى بمنزلة ايقاع هؤلاء (بل يمكن- بملاحظة بعض ما ورد من هذه الاخبار فى قتل المجنون و الصبى) لانسان (استظهار المطلب) اى ما نحن فيه من بطلان بيع الصبى

ص: 243

من حديث رفع القلم، و هو ما عن قرب الاسناد بسنده عن ابى البخترى، عن جعفر عليه السلام، عن ابيه عليه السلام عن على عليه السلام انه كان يقول: المجنون و المعتوه الّذي لا يفيق، و الصبى الّذي لم يبلغ عمدهما خطاء يحمله العاقلة و قد رفع عنهما القلم فان ذكر: رفع القلم، فى الذيل

______________________________

(من حديث رفع القلم) فحديث: رفع القلم، يدل على بطلان عقد الصبى بمعونة ما ورد فى باب الديات، فان العلة فى باب الديات عامة تشمل باب البيع أيضا (و هو ما عن قرب الاسناد بسنده عن ابى البخترى) معرب:

بهتر، (عن جعفر عليه السلام، عن ابيه عليه السلام، عن على عليه السلام انه كان يقول: المجنون و المعتوه الّذي لا يفيق) و هو اخف من المجنون و قيده بمن لا يفيق لاخراج الادوارى، الّذي يصدر العمل فى حال عقله (و الصبى الّذي لم يبلغ) قيد توضيحى (عمدهما خطاء يحمله العاقلة) و هى اقرباء الأب، كالاعمام و الاخوان، و انما تسمى عاقلة- من العقل بمعنى المنع- لان هؤلاء يمنعون المجنون و الصبى عن ارتكاب الآثام و القبائح.

و لا يخفى ان هذا لا ينافى: وَ لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ)*، لان وزر الصبى و المجنون وزر الولى- عرفا-، و اما فى عقل الكبير الرشيد فذلك لمصلحة منع الاقرباء بعضهم بعضا عن ارتكاب الجرية بالإضافة الى ان هذا كما يعقل ذلك فكذلك يعقل ذلك هذا فليس الامر الا مبادلة، و التفصيل موكول الى محله (و قد رفع عنهما القلم) وجه الاستدلال بهذا الحديث لما نحن فيه ما ذكره بقوله (فان ذكر: رفع القلم، فى الذيل

ص: 244

ليس له وجه ارتباط، الا بان تكون علة لاصل الحكم، و هو: ثبوت الدية على العاقلة، او بان تكون معلولة لقوله: عمدهما خطاء، يعنى: انه لما كان قصدهما بمنزلة العدم فى نظر الشارع، و فى الواقع رفع القلم عنهما و لا يخفى ان ارتباطها بالكلام، على وجه العلية و المعلولية للحكم المذكور فى الرواية، اعنى عذم مؤاخذة الصبى، و المجنون، بمقتضى جناية العمد و هو القصاص و لا بمقتضى شبه العمد، و هو الدية فى مالهما، لا يستقيم

______________________________

ليس له وجه ارتباط) بالمقدم (الا بان تكون علة لاصل الحكم، و هو ثبوت الدية على العاقلة) كانه علل عدم ثبوت الدية عليهما، بان القلم مرفوع عنهما، و حيث لا بدّ من الدية فهى على العاقلة (او بان تكون) رفع القلم (معلولة لقوله: عمدهما خطاء، يعنى: انه لما كان قصدهما بمنزلة العدم فى نظر الشارع و فى الواقع) اذ: لا قصد لهما عن دراية و فكر (رفع القلم عنهما و) سواء كان رفع القلم، لاجل ذلك، او هذا، يفيد اطراد الامر الى معاملات الصبى، اذ: (لا يخفى ان ارتباطها) اى: رفع القلم، و تأنيث الضمير باعتبار العلية او المعلولية (بالكلام على وجه العلية) لثبوت الدية على العاقلة (و المعلولية) لكون عمدهما خطاء (للحكم المذكور فى الرواية اعنى) بذلك الحكم (عدم مؤاخذة الصبى، و المجنون بمقتضى جناية العمد) اى لا يحكم عليهما بالشي ء الّذي يقتضيه جناية العمد، فان جناية العمد تقتضى القصاص (و هو القصاص) الضمير عائد الى: مقتضى (و لا بمقتضى شبه العمد، و هو الدية فى مالهما) بل فى مال عاقلتهما (لا يستقيم) خبر: ان ارتباطها، اى لا يرتبط: و قد رفع عنهما القلم، بالكلام

ص: 245

الا بان يراد من: رفع القلم ارتفاع المؤاخذة عنهما شرعا من حيث العقوبة الاخروية، و الدنيوية المتعلقة بالنفس، كالقصاص او المال كغرامة الدية و عدم ترتب ذلك على افعالهما المقصودة المتعمد إليها مما لو وقع من غيرهما، مع القصد و التعمد لترتب عليه غرامة اخروية، او دنيوية.

و على هذا: فاذا التزم على نفسه مالا باقرار، او معاوضة و لو

______________________________

(الا بان يراد من: رفع القلم ارتفاع المؤاخذة عنهما شرعا) فمعنى: رفع القلم: رفع قلم المؤاخذة دنيا و آخرة، و يكون الارتباط هكذا: عمد الصبى خطاء، اذ لا مؤاخذة عليه.

و على هذا تكون العلة عامة شاملة لسائر امور الصبى، كمعاملاته، و اقاريره، و ما اشبه، فكلما لا اعتبار بها، فالصبى و المجنون مرفوع عنهما المؤاخذة شرعا (من حيث العقوبة الاخروية) اى العقاب (و الدنيوية المتعلقة) تلك العقوبة الدنيوية (بالنفس، كالقصاص) فلا يقتص منهما (او المال كغرامة الدية) فلا يغرمان فى شبه العمد (و عدم) عطف على:

ارتفاع، (ترتب ذلك) العقاب الدنيوى و الاخروى (على افعالهما المقصودة المتعمد إليها) اى الى تلك الافعال (ممّا) اى من الافعال التى (لو وقع) ذلك الفعل (من غيرهما، مع القصد و التعمد لترتب عليه غرامة اخروية) بالعقاب (او دنيوية) بالقصاص او الدية.

(و على هذا) المعنى لقوله: رفع عنهما القلم، (فاذا التزم) الصبى (على نفسه مالا باقرار، او معاوضة) بان اشترى شيئا و التزم بان يعطى الثمن (و لو) كان ذلك الالتزام

ص: 246

باذن الولى، فلا اثر له فى الزامه بالمال، و مؤاخذته به، و لو بعد البلوغ فاذا لم يلزمه شي ء بالتزاماته و لو كانت باذن الولى، فليس ذلك الا لسلب قصده، و عدم العبرة بانشائه اذ لو كان ذلك لاجل عدم استقلاله و حجره عن الالتزامات على نفسه لم يكن عدم المؤاخدة شاملا لصورة اذن الولى و قد فرضنا الحكم مطلقا فيدل: بالالتزام

______________________________

(باذن الولى، فلا اثر له) اى لالتزامه (فى الزامه بالمال، و مؤاخذته به) اى بالمال، فلا يحق للبائع ان يلزم الصبى بالمال الّذي جعل الصبى على عاتقه (و لو) كان الزامه (بعد البلوغ) اذ لو قدر البائع الزامه بعد البلوغ كان ذلك خلاف ما ذكرناه: من عدم ترتب الاثر على فعل الصبى (فاذا لم يلزمه) اى الصبى (شي ء بالتزاماته و لو كانت) تلك الالتزامات (باذن الولى فليس ذلك) عدم امكان الزامه (الا لسلب قصده، و عدم العبرة بانشائه) للبيع و نحوه (اذ لو كان ذلك) عدم امكان الزامه، و عدم الاعتبار بالتزاماته (لاجل عدم استقلاله و) لاجل (حجره) لا لاجل عدم الاعتبار مطلقا- اذ:

عدم الاعتبار، اما مطلقا و لو مع اذن الولى، و اما خاص بصورة الاستقلال (عن الالتزامات على نفسه) مستقلا (لم يكن عدم المؤاخذة شاملا لصورة اذن الولى، و قد فرضنا الحكم) بعدم اعتبار التزاماته (مطلقا) و لو مع اذن الولى

فتحصل: ان ظاهر: و قد رفع عنهما القلم، المرفع بالنسبة الى جميع انواع القصد- و لو قصد البيع- و بالنسبة الى حالى الاستقلال و الانضمام مع اذن الولى (فيدل:) رفع القلم (بالالتزام) اى بدلالة

ص: 247

على كون قصده فى انشاءاته و اخباراته مسلوب الاثر.

ثم: ان مقتضى عموم هذه الفقرة بناء على كونها علة للحكم عدم مؤاخذتهما بالاتلاف الحاصل منهما، كما هو ظاهر المحكى عن بعض، الّا ان يلتزم بخروج ذلك عن عموم: رفع القلم، و لا يخلو عن بعد.

و لكن هذا غير وارد على الاستدلال.

______________________________

الالتزام (على كون قصده) اى الصبى (فى انشاءاته و اخباراته مسلوب الاثر)

و انما قلنا الدلالة التزامية، اذ معنى: رفع القلم، مطابقة، عدم التكليف، و لازم عدم التكليف، كون قصده كلا قصد.

هذا و لكن عرفت من حاشيتنا الطويلة النظر فيه.

(ثم: ان مقتضى عموم هذه الفقرة) اى قوله: و قد رفع عنهما القلم (بناء على كونها علة للحكم) اى حمل العاقلة الدية (عدم مؤاخذتهما) الصبى و المجنون (بالاتلاف الحاصل منهما) فلو اتلفا مال انسان لم يكونا ضامنين، لان عمدهما خطاء (كما هو ظاهر المحكى عن بعض) و ذكره صاحب الحدائق فى كتاب الحجر (الا ان يلتزم بخروج ذلك) الضمان (عن عموم: رفع القلم) لان الضمان حكم وضعى، فكما ينجس- بدن الصبى إذا لاقى النجاسة، كذلك يضمن الصبى اذا تلف مال الغير (و لا يخلو) الالتزام بالخروج (عن بعد) اذ: لسان العلة يأبى عن التخصيص.

(و لكن) على فرض الخروج (هذا غير وارد على الاستدلال) بالعلة لسلب قصد الصبى فى باب المعاملات- الّذي هو مورد الكلام-

ص: 248

لانه ليس مبنيا على كون: رفع القلم علة للحكم.

لما عرفت من احتمال كونه معلولا لسلب اعتبار قصد الصبى و المجنون فيختص رفع قلم المؤاخذة بالافعال التى يعتبر فى المؤاخذة عليها قصد الفاعل، فيخرج مثل الاتلاف، فافهم و اغتنم.

______________________________

(لانه) اى الاستدلال (ليس مبنيا على كون: رفع القلم علة للحكم) اى الحكم بحمل العاقلة.

(لما عرفت من احتمال كونه) اى قوله: و قد رفع عنهما القلم، (معلولا لسلب اعتبار قصد الصبى و المجنون) فانه قد نقول: عمد الصبى خطاء لانه رفع عنه القلم، و قد نقول: رفع عن الصبى القلم، لان عمده خطاء

و على الاول: لا بد و ان يكون: قصده فى المعاملة، و: ضمانه للاتلاف، كلاهما مرفوعين: لان: رفع القلم- و هو علة- يقتضي الامرين معا، فاذا استثنينا: الضمان، بان قلنا: انه ضامن اشكل علينا، ان العلة عامة، فكيف تشمل: قصده المعاملى؟، و لا تشمل: ضمانه،

اما اذا قلنا بالثانى: بان: رفع القلم، معلول فلا يرد هذا الاشكال، لانه فى قوة ان يقال: رفع القلم عن الصبى، لان قصده كلا قصد، (فيختص رفع قلم المؤاخذة بالافعال التى يعتبر فى المؤاخذة عليها قصد الفاعل) لتلك الافعال (فيخرج مثل الاتلاف) لانه ليس الضمان امرا مربوطا بالقصد حتى يكون الصبى الّذي لا قصد له خارجا عن قاعدة الضمان (فافهم و اغتنم).

لكن لا يخفى ما فى هذا الكلام من البعد، خصوصا و الامر دائر مدار

ص: 249

ثم ان القلم المرفوع، هو قلم المؤاخذة الموضوع على البالغين، فلا ينافى ثبوت بعض العقوبات للصبى، كالتعزير.

و الحاصل: ان مقتضى ما تقدم من: الاجماع المحكى فى البيع و غيره من: العقود و الاخبار المتقدمة بعد انضمام بعضها الى بعض عدم الاعتبار بما يصدر من الصبى، من الافعال المعتبر فيها القصد الى مقتضاها، كانشاء العقود اصالة، و وكالة.

______________________________

الظهور العرفى، لا الاحتمال العقلى.

(ثم) لا يقال: ان مقتضى رفع القلم عدم المؤاخذة دنيا و آخرة فكيف تثبت فى حق الصبى بعض الحدود؟ كحد السرقة فى الجملة.

لانه يقال (ان القلم المرفوع، هو قلم المؤاخذة الموضوع على البالغين) لانه الظاهر من الانصراف (فلا ينافى) رفع القلم (ثبوت بعض العقوبات للصبى كالتعزير) فى ارتكابه المحرمات المجعولة لها الحدود، كما يظهر من مراجعة كتاب الحدود و التعزيرات.

(و الحاصل) مما تقدم (ان مقتضى ما تقدم من الاجماع المحكى فى البيع و غيره من العقود) على عدم اعتبار عقود الصبى (و الاخبار المتقدمة) الواردة فى شأن الصبى (بعد انضمام بعضها الى بعض) مما يكون بعضها شاهدا لبعضها الآخر (عدم الاعتبار بما يصدر من الصبى من الافعال المعتبر فيها) اى فى تلك الافعال (القصد الى مقتضاها) اى مقتضى تلك الافعال، فى مقابل الافعال التكوينية التى لا يعتبر القصد فيها (كانشاء العقود اصالة) بدون الاذن من الولى (و وكالة) عن الولى، او المالك

ص: 250

و القبض و الاقباض، و كل التزام على نفسه من: ضمان، او اقرار، او نذر، او ايجار و قال فى التذكرة: و كما لا يصح تصرفاته اللفظيّة، كذا لا يصح قبضه، و لا يفيد حصول الملك فى الهبة و ان اتهب له الولى، و لا لغيره و ان اذن الموهوب له بالقبض، و لو قال: مستحق الدين للمديون: سلّم حقى الى هذا الصبى فسلّم مقدار حقه إليه لم يبرأ عن الدين، و بقى المقبوض على ملكه

______________________________

(و القبض و الاقباض) الذين يعتبر فيهما القصد، و يترتب عليهما بعض الاحكام (و كل التزام) الصبى (على نفسه من ضمان، او اقرار، او نذر، او ايجار) فلو قال: ضمنت هذا الشي ء، اوله عليّ كذا، او نذرت ان اصوم مثلا او آجرت دارى بعشرة (و قال فى التذكرة) مما يؤيّد هذا العموم (و كما لا يصح تصرفاته اللفظيّة، كذا لا يصح قبضه، و لا يفيد) قبضه (حصول الملك فى الهبة) فان الهبة لا يملكها الموهوب له، الا بعد القبض، فلو وهب زيد صبيا دينارا او قبضه الصبى كان كلا قبض (و ان اتهب) اى وهب (له) اى للصبى (الولى) فان اذن الولى لا يجعل قبضه صحيحا (و لا) يصح قبض الصبى (لغيره) كما وهب زيد- بالغا- دينارا فامر الصبى ذلك البالغ بان يقبض الدينار عن قبله، فان قبض الصبى كلا قبض (و ان اذن الموهوب له) الصبى (بالقبض) هذه مسئلة القبض (و لو قال: مستحق الدين للمديون سلّم حقى الى هذا الصبى، فسلّم) المديون (مقدار حقه) اى حق الدائن (إليه) اى الى الصبى (لم يبرأ عن الدين، و بقى المقبوض على ملكه) اى ملك الدائن، لان الكلى لا يتشخص الا بالقبض الصحيح، و قبض الصبى ليس قبضا صحيحا حتى يوجب تشخيص الكلى

ص: 251

و لا ضمان على الصبى، لان المالك ضيّعه حيث دفع إليه، و بقى الدين لانه فى الذمة و لا يتعين الا بقبض صحيح، كما لو قال: ارم حقى فى البحر، فرمى مقدار حقه، بخلاف ما لو قال: للمستودع سلّم مالى الى الصبى، او القه فى البحر، لانه امتثل امره فى حقه المعين، و لو كانت الوديعة للصبى، فسلمها إليه ضمن، و إن كان باذن الولى اذ ليس له تضييعها باذن الولى و قال: أيضا لو عرض الصبى دينارا على الناقد.

______________________________

(و لا ضمان على الصبى) اذا تلف المال (لان المالك ضيعه) اى المال، بنفسه، حيث سلّمه الى من لا يضمن، كما لو سلّمه الى حيوان (حيث دفعه إليه) اى الى الصبى (و بقى الدين) على المديون (لانه فى الذمة و لا يتعين) ما فى الذمة (الا بقبض صحيح) و لا قبض صحيح- كما عرفت- (كما لو قال) المديون: (ارم حقى فى البحر، فرمى مقدار حقه) اذ لا يحق للمديون اتلاف المال، و لو كان بامر المالك (بخلاف ما لو قال) صاحب المال:

(للمستودع) الّذي كان مال المالك امانة عنده (سلّم مالى الى الصبى، او القه فى البحر) فانه يبرأ المستودع من المال (لانه امتثل امره) اى امر المالك (فى حقه المعين) الخارجى (و لو كانت الوديعة للصبى) بان استودعها الى زيد ولى الصبى، او وقعت فى يد زيد (فسلمها) اى الوديعة (إليه) اى الى الصبى (ضمن) زيد الوديعة (و ان كان) التسليم (باذن الولى) لانه كالاتلاف، فحاله: حال ما اذا امر الولى ان يلقى بمال الصبى فى البحر (اذ ليس له) اى للولى مثل هذا لاذن و (تضييعها باذن الولى).

(و قال) العلامة فى التذكرة: (أيضا لو عرض الصبى دينارا على الناقد)

ص: 252

لينقده، او متاعا الى مقوّم ليقوّمه فاخذه، لم يجز له ردّه الى الصبى، بل الى وليه إن كان، فلو امره الولى بالدفع إليه فدفعه إليه برء من ضمانه ان كان المال للولى، و إن كان للصبى، فلا، كما لو امره بإلقاء مال الصبى فى البحر، فانه يلزمه ضمانه.

و اذا تبايع الصبيان و تقابضا، و اتلف كل واحد منهما ما قبضه فان جرى باذن الوليين، فالضمان عليهما و الا فلا ضمان عليهما بل على الصبيين

______________________________

اى الصراف (لينقده، او متاعا الى مقوّم ليقوّمه) و يبين قيمته (فاخذه، لم يجز له) اى للآخذ (ردّه الى الصبى، بل) يجب على الآخذ ردّه (الى وليه إن كان) هناك وليه، و الّا فالى الحاكم الشرعى (فلو امره) اى الناقد و المقوم (الولى بالدفع إليه) اى الى الصبى (فدفعه) اى دفع الرجل المال (إليه) اى الى الصبى (برء) الرجل (من ضمانه إن كان المال للولى) لانه حصل باذنه، فكما لو قال: له ضع مالى فى هذا المكان، فوضعه هناك فانه لو سرق او تلف لم يكن ضامنا، لانه كان بامر مالكه (و إن كان) المال (للصبى فلا) برء للدافع فانه (كما لو امره) الولى (بإلقاء مال الصبى فى البحر فانه يلزمه) اى الملقى (ضمانه) اذ: لا يحق اطاعة الولى فى ما لا يجوز، فانه لا صلاحية للولى فى ذلك.

(و اذا تبايع الصبيان و تقابضا) بان قبض كل واحد منهما ما اشتراه من الآخر (و اتلف كل واحد منهما ما قبضه، فان جرى) البيع و القبض (باذن الوليين، فالضمان عليهما) لانهما سبب التلف (و الا) يجرى باذنهما (فلا ضمان عليهما) ان لم يقدر اعلى المنع (بل) الضمان (على الصبيين) يتبع

ص: 253

و يأتى فى باب الحجر تمام الكلام.

و لو فتح الصبى الباب و اذن فى الدخول على اهل الدار، او ادخل الهدية الى انسان عن اذن المهدى، فالاقرب الاعتماد لتسامح السلف فيه انتهى كلامه رفع مقامه.

ثم انه ظهر مما ذكرنا: انه لا فرق فى معاملة الصبى بين ان يكون فى الاشياء اليسيرة او الخطيرة، لما عرفت من: عموم النص و الفتوى، حتى ان العلامة فى التذكرة لما ذكر حكاية ان أبا الدرداء اشترى عصفورا من صبى، فارسله

______________________________

بعد البلوغ (و يأتى فى باب الحجر تمام الكلام) فى المقام.

(و لو فتح الصبى الباب و اذن فى الدخول على اهل الدار، او ادخل) الصبى (الهدية الى انسان) و كان ذلك (عن اذن المهدى) بصيغة الفاعل (فالاقرب الاعتماد) على اذنه، و ايصاله للهدية (لتسامح السلف فيه) اى فى ذلك، مما يدل على وجود السيرة، و الا فمقتضى القاعدة: العدم لأصالة عدم جواز دخول دار الغير الّا باذنه، و أصالة عدم جواز اخذ مال الغير، الا باذنه (انتهى كلامه رفع مقامه) و لا يخفى مواقع النظر فى كلامه.

(ثم انه: ظهر مما ذكرنا انه لا فرق فى معاملة الصبى بين ان يكون فى الاشياء اليسيرة) كشربة ماء او عود كتاب او ما اشبه (او الخطيرة) كالدار و، البستان (لما عرفت من: عموم النص و الفتوى) على عدم الجواز غير فارقين بين القسمين (حتى ان العلامة فى التذكرة لما ذكر حكاية ان أبا الدرداء اشترى عصفورا من صبى فارسله) مما يدل على جواز معاملة الصبى فى

ص: 254

ردها بعدم الثبوت.

و عدم الحجية

و توجيهه بما يخرجه عن محل الكلام.

و به يظهر: ضعف ما عن المحدث الكاشانى، من: ان الاظهر جواز بيعه و شرائه فيما جرت العادة به من الاشياء اليسيرة دفعا للحرج انتهى

______________________________

الاشياء الحقيرة.

(ردها بعدم الثبوت) للقصة أولا.

(و عدم الحجية) فى فعل ابى الدرداء على تقدير الثبوت. ثانيا.

(و توجيهه بما يخرجه عن محل الكلام) ثالثا، كان يقال: كان هذا العمل من ابى الدرداء لحفظ مال الصبى، لانه علم ان العصفور يطير فبدر فى حفظ ماله بهذه الكيفية، و قد قال سبحانه: مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ، او ما اشبه ذلك من التوجيهات.

(و به) اى بما ذكرنا من عدم الفرق بين الاشياء الخطيرة (يظهر:

ضعف ما عن المحدث الكاشانى، من ان الاظهر جواز بيعه و شرائه فيما جرت العادة به من الاشياء اليسيرة).

و انما نقول بالجواز (دفعا للحرج، انتهى) فانه اذا لم يجز بيعه و شرائه فى الاشياء الحقيرة، لزم الحرج المنفى، اذ كثير من المعاملات الحقيرة تتوقف على الصبيان فى العرف و العادة.

و انما يضعف هذا الوجه لان الحرج قد يكون علة لرفع الحكم شرعا، مثل عدم الامر بالسواك، و قد يكون شخصيا كالتيمم لمن يضره الماء و

ص: 255

فان الحرج ممنوع، سواء اراد ان الحرج يلزم من منعهم عن المعاملة فى المحقرات، و التزام مباشرة البالغين لشرائها، أم اراد انه يلزم من التجنب عن معاملتهم بعد بناء الناس على نصب الصبيان للبيع و الشراء فى الاشياء الحقيرة.

ثم لو اراد استقلاله فى البيع و الشراء لنفسه بماله من دون اذن الولى

______________________________

القسم الاول يحتاج الى دليل خاص، و القسم الثانى لا يفيد حكما كليا،

هذا بالإضافة الى ما ذكره المصنف بقوله (فان الحرج ممنوع، سواء اراد ان الحرج يلزم من منعهم عن المعاملة فى المحقرات، و) يلزم من (التزام) الفقيه (مباشرة البالغين لشرائها) اى شراء المحقرات فانه لا حرج فى ذلك.

كيف و انا نشاهد كثيرا من الناس لا يدخلون الصبيان فى معاملاتهم و لا يلزمهم حرج من ذلك؟ (أم اراد) الكاشانى (انه يلزم من التجنب عن معاملتهم) اى الصبيان (بعد بناء الناس) غير المبالين (على نصب الصبيان للبيع و الشراء فى الاشياء الحقيرة).

اذ كيف يلزم الحرج و المتاع يوجد عند الصبى؟ كما يوجد عند غيره.

لكن الانصاف لزوم الحرج فى الجملة و انما الكلام فى كون مثل هذا الحرج موجبا لحكم كلى بالجواز.

(ثم) ان فى كلام الكاشانى احتمالا آخر، فانه (لو اراد استقلاله) اى الصبى (فى البيع و الشراء لنفسه بماله من دون اذن الولى) يعنى:

اراد الكاشانى من الحرج، ان الصبى مستقل فى المعاملة، فى الاشياء

ص: 256

ليكون حاصله: انه غير محجور عليه فى الاشياء اليسيرة، فالظاهر كونه مخالفا للاجماع.

و اما ما ورد فى رواية السكونى عن ابى عبد الله عليه السلام قال: و نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن كسب الغلام الصغير الّذي لا يحسن صناعة بيده، معللا: بانه ان لم يجد سرق، فمحمول على عوض كسبه

______________________________

الحقيرة، لانه لو لم يكن مستقلا، و احتاج كل معاملة حقيرة الى اذن وليه، لزم الحرج (ليكون حاصله: انه غير محجور عليه فى الاشياء اليسيرة، فالظاهر كونه مخالفا للاجماع) اذ: لا احد يقول بالاستقلال- اطلاقا- و انما من قال: بالجواز، قال به مع الاذن.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 6، ص: 257

(و) ان قلت: يدل على الجواز الرواية الآتية، فكيف تقولون بانه لا دليل على جواز معاملة الصبى اطلاقا؟

قلت: (اما ما ورد فى رواية السكونى عن ابى عبد الله عليه السلام قال: و نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن كسب الغلام الصغير الّذي لا يحسن صناعة بيده) المفهوم منه جواز الكسب اذا عرف الصناعة (معللا: بانه ان لم يجد سرق) الظاهر كون الوجه احتمال السرقة، لا ان معاملته فى نفسها محظورة (فمحمول على عوض كسبه) لا على معاملته.

فالحديث لا يريد اثبات جواز الكسب له، و انما يريد نفى اخذ الانسان عوض ما اكتسبه الصبى، فلا يرتبط الحديث بما نحن فيه.

لكن لا يخفى ما فى هذا الحمل، فانه خلاف الظاهر.

و كيف كان فالذى يراه المصنف ره انه محمول على عوض كسبه

ص: 257

من التقاط او اجرة عن اجارة اوقعها الولى او الصبى بغير اذن الولى او عن عمل امر به من دون اجارة فاعطاه المستأجر او الآمر اجرة المثل، فان هذه كلها مما يملكه الصبى، لكن يستحب للولى و غيره اجتنابها اذا لم يعلم صدق دعوى الصبى فيها لاحتمال كونها من الوجوه المحرمة نظير رجحان الاجتناب عن الاموال غيره ممن لا يبالى بالمحرمات

______________________________

(من التقاط) فاذا التقط الصبى مباحا ثم باعه، لا يأخذ الانسان هذا العوض، لانه لا يعلم هل حصل العوض من المعاوضة، او انه سرق، و انما يقول كذبا انه عوض التقاطه (او اجرة عن اجارة اوقعها الولى او الصبى بغير اذن الولى) مثلا آجر الولى الصبى لاجل عمل، ثم جاء الصبى بمال قائلا انه عوض اجارته، فانه لا يجوز للانسان ان بأخذ هذا المال لاحتمال كونه سرقة، و انما يقول الصبى كذبا انه عوض اجارته (او) اجرة (عن عمل امر به) اى بذلك العمل، و: امر، بصيغة المجهول، اى امر به الصبى (من دون اجارة) كما لو قال زيد للصبى: اعمل هذا العمل و اعطيك كذا، ثم جاء الصبى زاعما ان ما بيده من المال عوض عمله (فاعطاه) اى الصبى (المستأجر) الّذي آجر الصبى للخياطة- مثلا- (او الآمر) للصبى بالعمل، من دون اجارة (اجرة المثل فان هذه) الاموال (كلها مما يملكه الصبى لكن يستحب للولى و غيره اجتنابها اذا لم يعلم صدق دعوى الصبى فيها) بان احتمل ان المال الّذي بيد الصبى سرقة، لا اجرة، و عوض التقاط (لاحتمال كونها) اى تلك الاموال (من الوجوه المحرمة) و هذا الاستحباب (نظير رجحان الاجتناب عن الاموال غيره ممن لا يبالى بالمحرمات) فانه و ان جاز

ص: 258

و كيف كان فالقول المذكور: فى غاية الضعف، نعم ربما صحح سيّد مشايخنا فى الرياض هذه المعاملات، اذا كان الصبى بمنزلة الآلة لمن له اهلية التصرف من جهة استقرار السيرة، و استمرارها على ذلك.

و فيه اشكال من جهة قوة احتمال كون السيرة ناشئة عن عدم المبالات فى الدين كما فى سيرهم الفاسدة، و يؤيد ذلك ما يرى من استمرار سيرتهم على عدم الفرق بين المميزين، و غيرهم و لا بينهم و بين المجانين

______________________________

التناول، لاصالة الصحة، لكن المستحب الاجتناب كاستحباب الاجتناب عن سؤر الحائض المتهمة.

(و كيف كان) معنى هذا الحديث (فالقول المذكور) للكاشانى (فى غاية الضعف، نعم ربما صحح سيّد مشايخنا فى الرياض هذه المعاملات) التى يجربها الصبيان (اذا كان الصبى بمنزلة الآلة لمن له اهلية التصرف) كالآلية للولى، و انما اجاز (من جهة استقرار السيرة و استمرارها على ذلك) فالمعاملة فى الحقيقة بين الكبيرين، و انما الصبى آلة الايصال، كما لو باع زيد عمروا شيئا ثم ارسل السلعة بواسطة آلة، او حيوان.

(و فيه اشكال من جهة قوة احتمال كون السيرة ناشئة عن عدم المبالات فى الدين) فلا تكشف عن رضى المعصوم بذلك، و عن تقريره (ع) (كما فى) كثير من (سيرهم الفاسدة، و يؤيد ذلك) و ان السيرة ناشئة عن عدم المبالات (ما يرى من استمرار سيرتهم على عدم الفرق بين المميزين، و غيرهم) مع وضوح ان غير المميز لا تصح معاملته بالضرورة (و لا بينهم و بين المجانين.

ص: 259

و لا بين معاملتهم لانفسهم بالاستقلال بحيث لا يعلم الولى اصلا، و معاملتهم لاوليائهم على سبيل الآلية.

مع ان هذا مما لا ينبغى الشك فى فساده، خصوصا الاخير.

مع ان الاحالة على ما جرت العادة به، كالاحالة على المجهول فان الّذي جرت عليه السيرة، هو الوكول الى كل صبى ماهر فطن فيه بحيث لا يغلب فى المساومة عليه، فيكلون الى من بلغ ست سنين شراء باقة بقل، او

______________________________

و لا بين معاملتهم لانفسهم) اى الصبيان (بالاستقلال بحيث لا يعلم الولى اصلا و معاملتهم لاوليائهم على سبيل الآلية) المجردة.

(مع ان هذا) القسم من معاملات الناس (مما لا ينبغى الشك فى فساده، خصوصا الاخير) اى المعاملة المستقلة، هذا أوّلا.

(مع ان الاحالة) فى الجواز- لاجل السيرة- كما فعله الرياض (على ما جرت العادة به، كالاحالة على المجهول).

و ذلك لا يعرف حدوده فلم يعلم قيام السيرة على اى شي ء، فالاصل الفساد (فان الّذي جرت عليه السيرة) مختلف فى الصبيان، و الاولياء و السلع.

و من المعلوم: ان التفصيل غير صحيح، فالسيرة غير صحيحة.

و بيان ذلك ان ما جرت عليه السيرة (هو الوكول الى كل صبى ماهر فطن فيه) اى فى التعامل (بحيث لا يغلب فى المساومة عليه) اى المعاملة فى الشي ء (فيكلون الى من بلغ ست سنين شراء باقة بقل، او

ص: 260

بيع بيضة دجاج بفلس، و: الى من بلغ ثمانية سنين اشتراء اللحم، و الخبز و نحوهما و: الى من بلغ أربعة عشر سنة شراء الثياب بل الحيوان بل يكون إليه امور التجارة فى الاسواق و البلدان، و لا يفرقون بينه و بين من اكمل خمسة عشر سنة.

و لا يكلون إليه شراء مثل القرى، و البساتين، و بيعها، الا بعد ان يحصل له التجارب.

و لا اظن ان القائل بالصحة: يلتزم العمل بالسيرة على هذا التفصيل

______________________________

بيع بيضة دجاج بفلس، و) الوكول (الى من بلغ ثمانية سنين اشتراء اللحم، و الخبز، و نحوهما) بل يكلون اشتراء الخبز الى من بلغ عمره ثلاث و اكثر (و الى من بلغ أربعة عشر سنة شراء الثياب بل الحيوان) و نحو ذلك (بل يكلون إليه امور التجارة فى الاسواق) بل (و البلدان) القريبة، و احيانا البعيدة (و لا يفرقون بينه) فى هذه الامور (و بين من اكمل خمسة عشر سنة) الّذي بلغ البلوغ الشرعى.

(و لا يكلون إليه شراء مثل القرى، و البساتين، و بيعها، الا بعد ان يحصل له التجارب) و إن كان قد بلغ البلوغ الشرعى.

(و لا اظن ان القائل بالصحة: يلتزم العمل بالسيرة على هذا التفصيل) فالسيرة الموجودة لا تنفع، و غيرها لا سيرة عليها.

اللهم الا ان يقال: بوجود السيرة فى الجملة، فهى كافية فى اثبات الحكم فى الجملة.

ص: 261

و كيف كان فالظاهر: ان هذا القول أيضا مخالف لما يظهر منهم، و قد عرفت حكم العلامة فى التذكرة: بعدم جواز رد المال الى الصبى اذا دفعه الى الناقد لينقده، او المتاع الّذي دفعه الى المقوّم ليقوّمه، مع كونه غالبا فى هذه المقامات بمنزلة الآلة للولى.

و كذا حكمه بالمنع من ردّ مال الطفل إليه باذن الولى، مع انه بمنزلة الآلة فى ذلك غالبا.

______________________________

(و كيف كان) الامر سواء التزم القائل بالعمل بهذه السيرة أم لا؟

(فالظاهر: ان هذا القول أيضا مخالف لما يظهر منهم) ببطلان معاملات الصبى (و قد عرفت) شاهدا لمخالفة هذا القول (حكم العلامة فى التذكرة:

بعدم جواز ردّ المال الى الصبى اذا رفعه) اى الصبى المال (الى الناقد) الصراف (لينقده، او) رد (المتاع) الى الصبى (الّذي دفعه الى المقوّم ليقوّمه مع كونه) اى الصبى (غالبا فى هذه المقامات بمنزلة الآلة للولى) فاذا لم يجز بمثل هذه الامور فى حال كونه آلة كيف يجوز البيع، و الشراء؟ و ان كان آلة بلد الاستقلال.

(و كذا) عرفت (حكمه) اى العلامة (بالمنع من رد مال الطفل إليه باذن الولى) فى الرد، لان الاذن هنا باطل اذ: لا يصلح الطفل لاخذ مال نفسه، فهو كالالقاء فى البحر فى عدم فائدة اذن الولى فى جوازه (مع انه) اى الصبى (بمنزلة الآلة فى ذلك) الاخذ باذن الولى (غالبا).

و انما قال: غالبا لانه ربما كان له استقلال.

و الحاصل: انه يتبين من هذه الكلمات ان آلية الصبى أيضا لا تنفع

ص: 262

و قال كاشف الغطاء ره: بعد المنع عن صحة عقد الصبى اصالة، و وكالة ما لفظه: نعم ثبت الاباحة فى معاملة المميزين اذا جلسوا مقام اوليائهم، او تظاهروا على رءوس الاشهاد حتى يظن ان ذلك من اذن الاولياء، خصوصا فى المحقرات.

ثم قال: و لو قيل: بتملك الاخذ منهم لدلالة مأذونيته فى جميع التصرفات

______________________________

(و قال كاشف الغطاء: بعد المنع عن صحة عقد الصبى اصالة) لنفسه (و وكالة) لغيره (ما لفظه: نعم ثبتت الاباحة فى معاملة المميزين) من الصبيان الذين لهم قوة التميز بين الحسن و القبح، و الضرر و الربح، و الجميل و المشوه (اذا جلسوا مقام اوليائهم) فى الدكان (او تظاهروا) بالتعامل (على رءوس الاشهاد) جمع شاهد، مقابل الخفية و الاختلاس و هذه اللفظة كناية عن منتهى الظهور، لان ما كان فى طرف الرأس يراه كل احد (حتى يظن) من تظاهرهم (ان ذلك) التعامل (من اذن الاولياء خصوصا) تعاملهم (فى المحقرات).

و يظهر من هذه الكلمات جواز معاملاتهم باذن الاولياء.

(ثم قال) كاشف الغطاء (و لو قيل: بتملك الاخذ منهم) اى من الصبيان، بمعنى ان الآخذ كما يملك ولى الطفل، كذلك هو يتملك عن قبل ولى الطفل، فالآخذ يجرى طرفى العقد، و انما الصبى صورة و آلة فقط (لدلالة مأذونيته) اى الآخذ (فى جميع التصرفات) فان وضع الولى الصبى مكانه، دليل على انه اذن للآخذ ان يتملك من قبل الولى،

ص: 263

فيكون موجبا قابلا لم يكن بعيدا انتهى

اما التصرف، و المعاملة باذن الاولياء سواء كان على وجه البيع، او المعاطاة، فهو الّذي قد عرفت انه خلاف المشهور و المعروف، حتى لو قلنا: بعدم اشتراط شروط البيع فى المعاطاة، لانها تصرف لا محالة و ان لم يكن بيعا بل و لا معاوضة، و ان اراد بذلك ان اذن الولى و رضاه المنكشف

______________________________

كما ان الآخذ يملك من قبل نفسه (فيكون) الآخذ (موجبا) عن الولى (قابلا) لنفسه (لم يكن بعيدا) فالمعاملة مع الصبيان ليست معاطاة، و انما عقد يقوم طرفاه بالآخذ (انتهى) كلام كشف الغطاء.

اقول- (اما) ما ذكره من: (التصرف، و المعاملة باذن الاولياء سواء كان على وجه البيع) و العقد (او المعاطاة فهو الّذي قد عرفت انه خلاف المشهور، و المعروف) بين الفقهاء (حتى لو قلنا: بعدم اشتراط شروط البيع فى المعاطاة) فانه خلاف فى المعاطات، بانه يشترط فيها شروط البيع، و انما تفقد المعاطاة الصيغة فقط، او لا يشترط كثير من الشروط، و كلمة: حتى، وصلية.

و انما نقول بانه خلاف المشهور حتى على هذا القول (لانها) اى المعاملة الصادرة عن الصبى و لو معاطاة (تصرف) من الصبى (لا محالة، و ان لم يكن بيعا، بل و لا معاوضة) لانك قد عرفت ان المشهور: عدم جواز تصرف الصبيان، فلا يتوقف عدم الجواز على صدق البيع، و المعاوضة.

(و ان اراد) كشف الغطاء (بذلك) الكلام الّذي ذكره من جواز تعاملهم باذن الولى (ان اذن الولى، و رضاه المنكشف) ذلك الاذن

ص: 264

بمعاملة الصبى، هو المفيد للاباحة، لا نفس المعاملة كما ذكره بعضهم فى اذن الولى فى اعارة الصبى.

فتوضيحه: ما ذكره بعض المحققين من تلامذته، و هو: انه لما كان بناء المعاطاة على حصول المراضاة كيف اتفقت، و كانت مفيدة لاباحة التصرف خاصة، كما هو المشهور، و جرت عادة الناس بالتسامح فى الاشياء اليسيرة و الرضاء باعتماد غيرهم فى التصرف فيها على الأمارات المفيدة للظن بالرضا فى المعاوضات

______________________________

(بمعاملة الصبى) فان كونه فى مكان الولى و يعامل الناس، يكشف من اذن الولى (هو المفيد للاباحة، لا نفس المعاملة).

فالمعاملة كانها لا شي ء و انما يفيد الاباحة الاذن، و الكاشف للاذن هو تعامل الصبى (- كما ذكره بعضهم فى اذن الولى فى اعارة الصبى-) فان الصبى اذا اعطى شيئا اعارة، كشف ذلك عن اذن الولى، و هو يكفى فى تحقق الاعارة، و إن كان المباشر للاعطاء الصبى.

(فتوضيحه) اى توضيح كلام كاشف الغطاء (ما ذكره بعض المحققين من تلامذته، و هو: انه لما كان بناء المعاطاة على حصول المراضاة كيف اتفقت) المراضاة بين الجانبين (و كانت) المعاطاة (مفيدة لاباحة التصرف خاصة، كما هو المشهور) لا الملك، كما هو قول آخرين (و جرت عادة الناس بالتسامح فى الاشياء اليسيرة، و) ب (الرضاء باعتماد غيرهم) اى يتسامحون فى اعتماد غيرهم- كالمشترى- (فى التصرف فيها) اى فى الاشياء اليسيرة (على الامارات المفيدة للظن بالرضا فى المعاوضات).

ص: 265

و كان الغالب فى الاشياء التى يعتمد فيها على قول الصبى تعين القيمة او الاختلاف الّذي يتسامح به فى العادة.

فلاجل ذلك صح القول بالاعتماد على ما يصدر من الصبى من صورة البيع و الشراء مع الشروط المذكورة

______________________________

و الحاصل:

1- المعاطات المفيدة للاباحة تتوقف على الرضا.

2- و الناس يتسامحون للغير ان يكشف ذلك الغير رضاهم بالامارات الظنية اذا كانت الاشياء يسيرة.

3- و الصبى لا يفعل الا تعيين القيمة.

و هذا ما بينه بقوله (و كان الغالب فى الاشياء التى يتعمد فيها على قول الصبى) هو (تعين القيمة) بان يقول الصبى: هذا بكذا (او) مع (الاختلاف الّذي يتسامح به فى العادة) كان يعامل الصبى فى القيمة زيادة و نقيصة.

و الحاصل: يعتمد على قول الصبى سواء قال قيمة و لم يتنازل، او قال قيمة ثم تنازل تنازلا قليلا، كما لو قال بعشرة ثم تنازل الى تسعة، لا مثل ان يتنازل الى ثلاثة- مثلا-.

(ف) بعد تمامية هذه المقدمات الثلاثة (لاجل ذلك) الّذي ذكرناه من المقدمات الثلاثة (صح القول بالاعتماد على ما يصدر من الصبى من صورة البيع و الشراء) و ان لم يكن حقيقتهما، لما عرفت من: انها معاطاة تفيد الاباحة فقط (مع الشروط المذكورة) كون الشي ء يسيرا، و المعاملة كاشفة عن

ص: 266

كما يعتمد عليه فى الاذن فى دخول الدار، و فى ايصال الهدية اذا ظهرت أمارات الصدق، بل ما ذكرنا اولى بالجواز من الهدية، من وجوه

و قد استند فيه فى التذكرة الى تسامح السلف.

و بالجملة فالاعتماد فى الحقيقة: على الاذن المستفاد من حال المالك فى الاخذ، و الاعطاء، مع البناء على ما هو الغالب من كونه صحيح التصرف لا على قول الصبى

______________________________

الرضا، و المورد مما يتسامح به لكونه تعيين قيمة، او مع اختلاف يسير (كما يعتمد عليه فى الاذن فى دخول الدار، و فى ايصال الهدية اذا ظهرت) فى الاذن و الايصال (أمارات الصدق) و ان الولى اذن، و اعطاه الهدية (بل ما ذكرنا) من صحة المعاملة (اولى بالجواز من الهدية، من وجوه) فان الهدية تمليك، و هذا إباحة، و الهدية بدون عوض، و هذا مع العوض و الهدية لا أمارة للرضا فيها، و هذا فيه أمارة الرضا، حيث ان الطفل قائم فى مقام الولى، الى غير ذلك.

(و قد استند فيه) اى فى الجواز (فى التذكرة الى تسامح السلف) و هذا دليل على انه من باب الرضا، لانه الّذي يصح الاستناد فيه الى التسامح اما المعاملة فلا تستند الى التسامح- كما لا يخفى-.

(و بالجملة: فالاعتماد فى الحقيقة) فى صحة معاملة الصبى (على الاذن المستفاد من حال المالك فى الاخذ) من الصبى (و الاعطاء) له (مع البناء على ما هو الغالب من كونه) اى المالك (صحيح التصرف) لحمل فعل المسلم على الصحيح (لا) ان الاعتماد (على قول الصبى) فيما اذا اذن

ص: 267

و معاملته من حيث انه كذلك، و كثيرا ما يعتمد الناس على الاذن المستفاد من غير وجود ذى يد اصلا، مع شهادة الحال بذلك، كما فى دخول الحمام و وضع الاجرة عوض الماء التالف فى الصندوق، و كذا فى اخذ الخضر الموضوعة للبيع و شرب ماء السقائين، و وضع القيمة المتعارفة فى الموضع المعد لهما، و غير ذلك من الامور التى جرت العادة بها كما يعتمد على مثل ذلك فى غير انواع المعاوضات من انواع التصرفات.

______________________________

فى دخول الدار، او قال: هذه هدية من المالك (و معاملته) فيما اذا عامل بيعا، او غير بيع (من حيث انه كذلك) صبى اى بلا كشف عن اذن المالك (و) كيف لا يستكشف الاذن من عمل الصبى و قوله؟ و الحال انه (كثيرا ما يعتمد الناس على الاذن المستفاد من غير وجود ذى يد اصلا، مع شهادة الحال بذلك) الاذن (كما فى دخول الحمام) فى حال عدم وجود الحمامى (و وضع الاجرة عوض الماء التالف) و سائر التصرفات فى الحمام (فى الصندوق) حيث يشهد الحال برضى الحمامى بذلك (و كذا فى اخذ الخضر) جمع خضرة، بل و سائر الاشياء فى الحال الحاضر (الموضوعة للبيع) و جعل المال بإزائه مع عدم وجود المالك (و شرب ماء السقائين و وضع القيمة المتعارفة فى الموضع المعد لهما) اى للخضر و الماء (و غير ذلك من الامور التى جرت العادة بها) لوجود شاهد الحال الكافى فى التصرف، لكونه كاشفا عن الرضا (كما يعتمد على مثل ذلك) الشاهد للحال فى سائر التصرفات (فى غير انواع المعاوضات من انواع التصرفات) فالصديق يتصرف فى مال صديقه لوجود شاهد الحال بالرضا،

ص: 268

فالتحقيق ان هذا ليس مستثنى من كلام الاصحاب و لا منافيا له و لا يعتمد على ذلك أيضا فى مقام الدعوى، و لا فيما اذا طالب المالك بحقه، و اظهر عدم الرضا انتهى.

و حاصله: ان مناط الاباحة، و مدارها فى المعاطاة ليس على وجود تعاط قائم بشخصين او بشخص منزل منزلة شخصين بل على تحقق الرضا من كل منهما بتصرف صاحبه فى ماله

______________________________

فامثال هذه التصرفات معاوضيا و غير معاوضى انما تستند كشف رضى المالك بشاهد الحال، و مثله معاملة الصبيان.

(فالتحقيق ان هذا) التصرف (ليس مستثنى من كلام الاصحاب) الذين قالوا: بعدم صحة معاملة الصبى (و لا منافيا له) اى لكلامهم (و لا يعتمد على ذلك) التصرف (أيضا فى مقام الدعوى) و المرافعة بان قال المالك كانت القيمة كذا و انت اعطيت للصبى اقل- مثلا- (و لا فيما اذا طالب المالك بحقه، و اظهر عدم الرضا) بتصرف المعامل او غير المعامل، كما لو اخذ الشي ء من الصبى بعنوان الهدية، ثم قال المالك كذب الصبى و ليست هدية (انتهى) كلام تلميذ كاشف الغطاء.

(و حاصله: ان مناط الاباحة، و مدارها فى المعاطات) التى يعمل بها الصبى و طرف معاملته (ليس على وجود تعاط قائم بشخصين) الصبى و الكبير (او بشخص) واحد (منزل منزلة شخصين) كالامثلة المتقدمة فى وضع المال فى صندوق الحمامى و غيره (بل) المناط (على تحقق الرضا من كل منهما بتصرف صاحبه فى ماله) و ذلك يتحقق مع كون الصبى

ص: 269

حتى لو فرضنا انه حصل مال كل منهما عند صاحبه باتفاق كاطارة الريح، و نحوها، فتراضيا على التصرف باخبار صبى، او بغيره من الامارات كالكتابة و نحوها، كان هذه معاطاة أيضا، و لذا كان وصول الهدية الى المهدى إليه على يد الطفل الكاشف ايصاله عن رضى المهدى بالتصرف بل التملك كافيا فى إباحة الهدية، بل فى تملكها.

و فيه ان ذلك، حسن، الا انه موقوف أولا: على ثبوت حكم المعاطاة من دون إنشاء إباحة، و تمليك، و الاكتفاء فيها بمجرد الرضا.

______________________________

طرفا، كما يتحقق بلا طرف اصلا (حتى لو فرضنا انه حصل مال كل منهما عند صاحبه باتفاق) بلا وجود طرف واحد أيضا (كاطارة الريح، و نحوها، فتراضيا) المالكان (على التصرف) و كان التراضي (باخبار صبى او بغيره من الامارات) كوساطة الحيوان فى هذه الايام، فانه يضع النقد و يأخذ السلعة كما فى بعض البلاد الغربية و (كالكتابة، و نحوها، كان هذه) المعاملة (معاطاة أيضا و لذا) الّذي ذكرنا من كفاية الرضا المكشوف بايّة وسيلة كانت (كان وصول الهدية الى المهدى إليه على يد الطفل):

على، متعلق ب: وصول، (الكاشف ايصاله عن رضى المهدى بالتصرف) اى تصرف المهدى إليه، فى الهدية (بل) ب (التملك كافيا فى إباحة الهدية بل فى تملكها) هذا حاصل كلام المحقق، التلميذ لكاشف الغطاء.

(و فيه ان ذلك) الوجه فى تصحيح تصرف الصبى (حسن، الا انه موقوف أولا: على ثبوت حكم المعاطاة من دون إنشاء إباحة، و) إنشاء (تمليك، و الاكتفاء فيها) اى فى المعاطاة (بمجرد الرضا) و من المعلوم

ص: 270

و دعوى حصول الانشاء بدفع الولى المال الى الصبى.

مدفوعة: بانه إنشاء إباحة لشخص غير معلوم، و مثله غير معلوم الدخول فى حكم المعاطاة.

مع العلم بخروجه عن موضوعها.

و به يفرق بين ما نحن فيه، و مسئلة ايصال الهدية بيد الطفل، فانه يمكن فيه دعوى: كون دفعه إليه للايصال إباحة، او تمليكا كما ذكران اذن

______________________________

ان الرضا شي ء و المعاملة شي ء آخر.

(و دعوى حصول الانشاء بدفع الولى المال الى الصبى) و كذا باعداده الحمام للداخلين، و الخضر للمشترين.

(مدفوعة: بانه إنشاء إباحة لشخص غير معلوم، و مثله) الّذي ليس الطرف معلوما فيه (غير معلوم الدخول فى حكم المعاطاة).

(مع العلم) اى مع انا نعلم (بخروجه عن موضوعها) اذ ليس هذا معاطاة- قطعا- فانه ليس فيها اخذ و عطاء.

(و به) اى بكون هذا ليس معاطاة (يفرق بين ما نحن فيه) من معاملة الصبيان (و) بين (مسئلة ايصال الهدية بيد الطفل) الّذي نظّر المحقق المذكور مسئلتنا به (فانه يمكن فيه) اى فى ايصال الهدية (دعوى كون دفعه إليه) اى دفع الشي ء- الهدية- الى الطفل (للايصال) الى المهدى إليه (إباحة او تمليكا).

اما المعاملة فتحتاج الى معلومية طرف المعاملة فمع الجهل به لا يكون المعاطاة (كما ذكر) بصيغة المجهول (ان اذن

ص: 271

الولى للصبى فى الاعارة اذن فى انتفاع المستعير.

و اما دخول الحمام، و شرب الماء و وضع الاجرة، و القيمة، فلو حكم بصحتها بناء على ما ذكرنا من حصول المعاطاة بمجرد المراضاة الخالية عن الانشاء انحصر صحة وساطة الصبى فيما يكفى فيه مجرد وصول العوضين دون ما لا يكفى فيه.

و الحاصل: ان دفع الصبى و قبضه، بحكم العدم.

______________________________

الولى للصبى فى الاعارة) بان يعير الشي ء لشخص (اذن فى انتفاع المستعير) و هذا القدر كاف فى جواز تصرف المستعير.

(و اما) تمثيل ما نحن فيه ب (دخول الحمام، و شرب الماء) و اخذ الخضر (و وضع الاجرة، و القيمة) فى المحل المعد لهما (فلو حكم بصحتها) مما هو معاملة فتكون معاملة الصبى من قبيلها، و الصحة (بناء على ما ذكرنا من حصول المعاطاة بمجرد المراضاة الخالية عن الانشاء،) اى عن إنشاء المعاملة (انحصر صحة وساطة الصبى) فى معاملاته (فيما) اى فى المورد الّذي (يكفى فيه) ب (مجرد وصول العوضين) لوجود السيرة، كالسيرة فى الحمام، و شرب الماء (دون ما لا يكفى فيه) فيما لم تجد السيرة فلا يمكن ان نقول: بصحة معاملات الصبى مطلقا، و ننظّرها بالحمام و شرب الماء.

(و الحاصل: ان دفع الصبى و قبضه، بحكم العدم) لعدم ترتيب الشارع الاثر عليه.

ص: 272

فكلما يكتفى فيه بوصول كل من العوضين الى صاحب الآخر- باىّ وجه اتفق- فلا يضرّ مباشرة الصبى لمقدمات الوصول.

ثم ان ما ذكر مختص بما اذا علم اذن شخص بالغ عاقل للصبى، وليا كان أم غيره.

و اما ما ذكره كاشف الغطاء اخيرا من صيرورة الشخص موجبا و قابلا.

ففيه أولا: ان تولى وظيفة الغائب، و هو من اذن للصغير، ان كان باذن منه.

______________________________

(فكلما يكتفى فيه بوصول كل من العوضين الى صاحب) العوض (الاخر- باى وجه اتفق-) الوصول (فلا يضرّ مباشرة الصبى لمقدمات الوصول) لانه بدون الصبى أيضا صحيح.

و كلما لا يكتفى فيه بمجرد الوصول، لم يصح توسط الصبى.

(ثم ان ما ذكر) هذا المحقق فى تصحيح معاملة الصبى- مقدمة الوصول فقط- و انما التعامل بين الولى و المشترى (مختص بما اذا علم اذن شخص بالغ عاقل للصبى، وليا كان، أم غيره).

اما اذا لم يعلم و احتمل استقلال الصبى، او اذن غير المالك ممن لا مدخلية لاذنه، فلا يأتى وجه الجواز المذكور.

(و اما ما ذكره كاشف الغطاء اخيرا من صيرورة الشخص) الطرف للصبى (موجبا و قابلا، ففيه) عدم استقامة ذلك.

اذ: يرد عليه (أولا ان تولى) المشترى (وظيفة) الولى (الغائب و هو من اذن)- بصيغة الماضى- (للصغير ان كان) هذا التولى (باذن منه) اى،

ص: 273

فالمفروض انتفائه.

و ان كان بمجرد العلم برضاه فالاكتفاء به فى الخروج عن موضوع الفضولى مشكل، بل ممنوع.

و ثانيا ان المحسوس بالوجدان عدم قصد من يعامل مع الاطفال النيابة عمن اذن للصبى.

ثم انه لا وجه لاختصاص ما ذكروه من الآلية بالصبى، و لا بالاشياء الحقيرة، بل هو

______________________________

من ذلك الغائب (فالمفروض انتفائه) اذ: لم يأذن الولى للمشترى ان يتولى الايجاب من قبله.

(و ان كان) التولى (بمجرد العلم برضاه) فان المشترى يعلم ان الولى راض بان يتولى هو الايجاب من قبله (فالاكتفاء به) اى بالرضا المجرد (فى الخروج عن موضوع الفضولى مشكل، بل ممنوع).

اذ: الرضا لا يوجب وكالة، و لا بيعا، و لا ما اشبه.

الا ترى انه اذ: علمنا ان زيدا راض بالبيع لم يتحقق البيع، الا بعد اظهاره البيع بعقد او معاطاة.

(و ثانيا ان المحسوس بالوجدان عدم قصد من يعامل مع الاطفال النيابة عمن اذن للصبى) فلا يمكن تصحيح معاملاتهم الخارجية بهذا الوجه.

(ثم انه) لو كان المناط فى صحة معاملة الصبى كونه آلة، و ان الايجاب و القبول يقعان بين الولى و المشترى، ف (لا وجه لاختصاص ما ذكروه من الآلية بالصبى، و لا بالاشياء الحقيرة، بل هو) اى التصحيح بسبب الآلية

ص: 274

جار فى: المجنون، و السكران، بل البهائم فى الامور الخطيرة.

اذ المعاملة اذا كانت فى الحقيقة بين الكبار، و كان الصغير آلة، فلا فرق فى الآلية بينه و بين غيره.

نعم: من تمسك فى ذلك بالسيرة، من غير ان يتجشم لا دخال ذلك تحت القاعدة، فله تخصيص ذلك الصبى، لانه المتيقن من موردها، كما ان ذلك مختص بالمحقرات.

______________________________

(جار فى المجنون و السكران، بل البهائم فى الامور الخطيرة) أيضا.

(اذ: المعاملة اذا كانت فى الحقيقة بين الكبار) الولى و المشترى (و كان الصغير آلة) مجردة (فلا فرق فى الآلية بينه) اى بين الصغير (و بين غيره) من المجنون و البهيمة.

(نعم: من تمسك فى ذلك) الجواز لمعاملة الصبيان (بالسيرة، من غير ان يتجشم) و يتعب (لادخال ذلك تحت القاعدة، فله تخصيص ذلك) الجواز (بالصبى، لانه المتيقن من موردها) اى مورد السيرة (كما ان ذلك مختص بالمحقرات) لان السيرة فيها فقط.

كما انا لو استدللنا بالآلية و الرواية لنا ذلك أيضا، لان الابتلاء فى المحقرات، و كذلك بالنسبة الى ما تقدم من الروايات.

ص: 275

«مسئلة» و من جملة شرائط المتعاقدين، قصدهما لمدلول العقد الّذي يتلفظان به.

و اشتراط القصد بهذا المعنى فى صحة العقد، بل فى تحقق مفهومه مما لا خلاف فيه، و لا اشكال، فلا يقع من دون قصد الى اللفظ، كما فى الغالط او الى المعنى لا بمعنى عدم استعمال اللفظ فيه بل بمعنى عدم تعلق ارادته و ان اوجد مدلوله بالانشاء كما فى الامر الصورى فهو شبيه الكذب فى الاخبار

______________________________

(مسئلة: و من جملة شرائط المتعاقدين، قصدهما لمدلول العقد الّذي يتلفظان به) فيما اذا جريا صيغة العقد، اما اذا تعاملا بالمعاطاة فاللازم قصدهما مدلول التعاطى فى المعاطاة، لان الفعل كالقول له الدلالة، فقد يراد به الدلالة، و قد لا تراد به.

(و اشتراط القصد بهذا المعنى فى صحة العقد) حكما (بل فى تحقق مفهومه) موضوعا، حيث لا يسمى عقدا اذا لم يكن قصد (مما لا خلاف فيه و لا اشكال، فلا يقع) العقد (من دون قصد الى اللفظ، كما فى الغالط) الّذي يريد التكلم بلفظ آخر، فيسبق لسانه فيتكلم بلفظ ثان (او) من دون القصد (الى المعنى- لا بمعنى عدم استعمال اللفظ فيه-) اى فى المعنى (بل بمعنى عدم تعلق ارادته) بالمعنى القصدى (و ان اوجد مدلوله بالانشاء كما فى الامر الصورى) فانه قصد اللفظ، و قصد استعماله فى معناه، لكنه لا يريد تحقق معناه خارجا (فهو) فى الانشاء (شبيه الكذب فى الاخبار) فان الكاذب قصد اللفظ و قصد المعنى، لكنه لا تحقق للمعنى فى الخارج-

ص: 276

كما فى الهازل، او قصد معنى يغاير مدلول العقد، بان قصد الاخبار او الاستفهام، او إنشاء معنى غير البيع مجازا، او غلطا، فلا يقع البيع، لعدم القصد إليه، و لا المقصود اذا اشترط فيه عبارة خاصة.

ثم انه ربما يقال: بعدم تحقق القصد فى عقد الفضولى، و المكره كما صرح به فى المسالك، حيث قال: انهما قاصدان الى اللفظ دون مدلوله

و فيه انه: لا دليل على اشتراط ازيد من القصد المتحقق فى صدق مفهوم العقد

______________________________

اخبارا- (كما فى الهازل) الّذي ينشأ العقد هزلا لا جدا (او قصد) مجرى لفظ العقد (معنى يغاير مدلول العقد بان قصد من الاخبار) عن الماضى فى قوله: بعتك، (او الاستفهام) بان قصد من: بعت،: هل بعت، (او إنشاء معنى غير البيع مجازا) كما لو قصد بيع المنابع (او غلطا) بان اراد ان يقول: وهبت، فقال: بعت، (فلا يقع) فى هذه الصور (البيع، لعدم القصد إليه، و لا) يقع (المقصود) الّذي جاء بلفظ البيع له غلطا او اشتباها (اذا اشترط فيه) اى فى المقصود (عبارة خاصة) فاذا قال: بقصد النكاح: بعت لم يقع البيع، لعدم القصد إليه، و لا يقع النكاح: المقصود، لاشتراط النكاح بعبارة خاصة هى لفظ انكحت- مثلا-.

(ثم انه ربما يقال: بعدم تحقق القصد فى عقد الفضولى، و المكره) بالفتح (كما صرح به) اى بعدم القصد فيهما (فى المسالك، حيث قال:

انهما قاصدان الى اللفظ) فقط (دون مدلوله، و فيه انه: لا دليل على اشتراط ازيد من القصد المتحقق فى صدق مفهوم العقد) اما قصد كونه

ص: 277

مضافا الى ما سيجي ء فى ادلة الفضولى.

و اما معنى ما فى المسالك، فسيأتى فى اشتراط الاختيار.

و اعلم: انه ذكر بعض المحققين ممّن عاصرناه، كلاما فى هذا المقام فى انه هل يعتبر تعيين المالكين الذين يتحقق النقل و الانتقال بالنسبة إليهما أم لا؟.

و ذكران فى المسألة اوجها و اقوالا.

______________________________

هو المالك او قصد انه يعقد بالاختيار او اشتراط تحققهما- اى الملك و الاختيار- فى تحقق المفهوم، فلا (مضافا الى ما سيجي ء فى ادلة الفضولى) من صحة عقده و كيف يصح عقد لا قصد فيه؟

(و اما معنى ما فى المسالك فسيأتى فى اشتراط الاختيار) فى العقد، فان كلام المالك ليس على ظاهره- كما زعم- فاشكل عليه بما ذكرناه.

(و اعلم انه ذكر بعض المحققين ممن عاصرناه، كلاما فى هذا المقام) اى فى باب القصد (فى انه هل يعتبر تعيين المالكين الذين يتحقق النقل و الانتقال بالنسبة إليهما) اى الّذي ينتقل إليه السلعة و الّذي ينتقل إليه النقد (أم لا؟) يعتبر التعيين.

(و ذكران فى المسألة اوجها و اقوالا).

الاشتراط مطلقا.

و عدم الاشتراط مطلقا.

و الاشتراط فى صورة قصد احدهما الى خصوصية الطرف، مثلا: اذا قصد البائع انتقال ملكه الى زيد، لا الى غيره لا يصح ان يشتريه زيد، و

ص: 278

و ان المسألة فى غاية الاشكال، و انه قد اضطربت فيها كلمات الاصحاب قدس اللّه ارواحهم فى تضاعيف ابواب الفقه.

ثم قال: و تحقيق المسألة انه: ان توقف تعين المالك على التعيين حال العقد، لتعدد وجه وقوعه الممكن شرعا اعتبر تعيينه فى النية او مع اللفظ به أيضا كبيع الوكيل و الولى العاقد عن اثنين فى بيع واحد، و الوكيل عنهما و الولى عليهما فى البيوع المتعددة

______________________________

وكالة عن خالد.

و عدم الاشتراط فى صورة عدم القصد.

(و ان المسألة فى غاية الاشكال، و انه قد اضطربت فيها كلمات الاصحاب قدس اللّه ارواحهم) معنى تقديس الروح تنزيهه عن الشوائب الموجبة لتعذيبه (فى تضاعيف ابواب الفقه) اى اثنائه.

(ثم قال: و تحقيق المسألة انه ان توقف تعين المالك على التعيين حال العقد، لتعدد وجه وقوعه) اى وجه وقوع العقد (الممكن شرعا) ذلك التعدد (اعتبر تعيينه) اى المالك (فى النية) و القصد (او مع اللفظ به) اى يتلفظ به المالك (أيضا) اى بالإضافة الى النية، اذ لا يصح اللفظ بدون النية (كبيع الوكيل، و الولى العاقد عن اثنين فى بيع واحد و) ذلك فيما كان (الوكيل) وكيلا (عنهما و الولى عليهما) اى على المولى عليهما (فى البيوع المتعددة) مثلا كان زيد وكيلا عن خالد و بكر، لاشتراء دار لهذا و دار لهذا، فاشترى دارا واحدة لاحدهما، فانه يشترط ان يقصد انها لخالد او لبكر، و كذلك فيما اذا كان زيد وليا لطفلين، و اشترى شيئا لاحدهما

ص: 279

فيجب ان يعين من يقع له البيع او الشراء من نفسه، او غيره، و ان يميز البائع من المشترى، اذا امكن الوصفان فى كل منهما، فاذا عين جهة خاصة تعينت، و ان اطلق فان كان هناك

______________________________

فانه يشترط ان يقصد كون الاشتراء لهذا الطفل، او ذاك الطفل.

ثم لا يخفى: انما شرحنا عبارة الكتاب بحيث يكون قوله: و الوكيل الخ، من تتمة قوله: كبيع الوكيل، و يحتمل فى العبارة كون: و الوكيل، جملة مستقلة، لكن ما ذكرناه اظهر.

و على كل حال (فيجب ان يعين) الوكيل و الولى (من يقع له البيع او الشراء من نفسه، او غيره).

فاذا كان للوكيل دار، و لموكله دار، و قال: بعتك الدار، لزم ان يقصد دار نفسه، او دار موكله،

و كذلك اذا اراد شراء دار لنفسه و شراء دار لموكله، فقال: للبائع اشتريت الدار، لزم ان يقصد كون الاشتراء لنفسه او لموكله.

و كذلك فى الولى (و ان يميز البائع من المشترى اذا امكن الوصفان) اى وصف البائعية و المشتريئية (فى كل منهما) كما لو اراد بيع دار موكله زيد، بدار لموكله الآخر خالد، فانه اذا قال: هذه الدار فى مقابل تلك بيعا، لم يتميزان ايّهما البائع، و ايّهما المشترى، لصلاحية كل منهما لذلك،

و كون الانسان بائعا او مشتريا ينتج فى خيار الحيوان و نحوه، فان خيار الحيوان للمشترى فقط على المشهور (فاذا عين جهة خاصة تعينت) لان الامر بيده و القصد قصده (و ان اطلق) و لم يعين (فإن كان هناك

ص: 280

جهة يصرف إليها الاطلاق، كان كالتعيين، كما لو دار الامر بين نفسه، و بين غيره اذا لم يقصد الابهام، و التعيين بعد العقد. و الّا وقع العقد لاغيا

و هذا جار فى سائر العقود من: النكاح، و غيره.

و الدليل على اشتراط التعيين، و لزوم متابعته فى هذا القسم انه لو لا ذلك لزم بقاء الملك بلا مالك معين فى نفس الامر.

______________________________

جهة يصرف إليها الاطلاق، كان كالتعيين) و ذلك (كما لو دار الامر بين نفسه و بين غيره) فان الاطلاق منصرف الى نفسه.

و كذلك اذا كان وكيلا من اثنين، و كان احدهما هو الموكل.

العمدة الّذي ينصرف إليه، اطلاق اشترائه لموكله.

و لكن يشترط كون المنصرف هو مقصوده أيضا و لو اجمالا، بان يقصد ما يفهم العرف من عقده، و الا لم ينفع الانصراف كما لا يخفى.

فان الانصراف معتبر (اذا لم يقصد الابهام، و) يقصد (التعيين بعد العقد) بان يقول: انما اعقد الآن، ثم اعين هل البيع لنفسى او لموكلى؟

(و الّا) بان قصد الابهام (وقع العقد لاغيا) و ذلك لعدم صدق العقد.

(و هذا) الّذي ذكرناه، من لزوم التعيين فى البيع (جار فى سائر العقود من: النكاح، و غيره) فاذا انكح الزوجة، يلزم تعيين كونها لمن؟ و كذلك العكس.

(و الدليل على اشتراط التعيين، و لزوم متابعته) اى اتباع ما عينه (فى هذا القسم) من البيع، القابل الانطباق على المتعدد.

(انه لو لا ذلك) التعيين (لزم بقاء الملك بلا مالك معين فى نفس الامر)

ص: 281

و ان لا يحصل الجزم بشي ء من العقود التى لم يتعين فيه العوضان و لا بشي ء من الاحكام و الآثار المترتبة على ذلك.

و فساد ذلك ظاهر.

______________________________

لانه حين لم يقصد هذا الموكل، و لا ذاك الموكل، فان خرج الملك من البائع؟ لم يكن لهذا و لا ذاك، اذ: لم يقصد احدهما، و لا لكليهما لانه قصد الواحد دون الاثنين، فيبقى بلا مالك.

(و ان لا يحصل الجزم بشي ء من العقود التى لم يتعين فيه العوضان) هذه الجملة بالنسبة الى ما ذكره بقوله: و ان يميز البائع من المشترى، فانه اذا لم يعلم من البائع و من المشترى؟- فيما لو عاوض حيوانا بسلعة لزم ان لا يجزم بالعقد، و ان يكون مرددا بين ان يكون مالك الحيوان البائع، او مالك السلعة البائع.

و عدم الجزم خلاف المستفاد من الادلة على كون احكام العقود انما هى فى البائع و المشترى.

و الظاهر: ان مراده بعدم الجزم، عدم التعين واقعا، لان التعين يتبع التعيين.

(و) يلزم ان (لا) يحصل الجزم (بشي ء من الاحكام و الآثار المترتبة على ذلك) التعيين، فمثلا ايهما له الخيار فى بيع الحيوان؟

(و فساد ذلك) المحذور الّذي بيّنه من قوله: لو لا ذلك، الى قوله:

على ذلك (ظاهر) لانه خلاف العقد العقلائى المتعارف الّذي يشمله دليل: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

ص: 282

و لا دليل على تأثير التعيين المتعقب، و لا على صحة العقد المبهم، لانصراف الادلة الى الشائع المعروف من الشريعة، و العادة، فوجب الحكم بعدمه.

و على هذا فلو اشترى الفضولى لغيره فى الذمة، فان عين ذلك الغير تعين، و وقف على اجازته، سواء تلفّظ بذلك، أم نواه؟ و ان ابهم

______________________________

(و) ان قلت: لا بأس بان يعين بعد تمام العقد فلا يضر الاجمال و الاهمال و الابهام حال العقد.

قلت: (لا دليل على تأثير التعيين المتعقب) فالاصل عدمه (و لا) دليل (على صحة العقد المبهم، لانصراف الادلة) الدالة على الوفاء بالعقد، و على اصالة صحة العقد (الى الشائع المعروف من الشريعة، و العادة) و ليس على ما سواه دليل، (فوجب الحكم بعدمه) كما لو باع سلعته فضولا من انسان، ثم اذا جاء شخص قال له: هل انت تقبل هذا البيع؟ او زوج بنته لانسان مجهول ثم اذا جاء رجل قال له: هل انت تقبل ان تكون زوجا؟ و هكذا.

(و على هذا) الّذي ذكرنا من اشتراط التعيين (فلو اشترى الفضولى لغيره فى الذمة) كما لو اشترى زيد دار الانسان بذمة ذلك الانسان الف دينار فى مقابل الدار (فان عين ذلك الغير) بان قال: اشتريت الدار لمحمد (تعين) محمد لكونه المشترى- فضولة- (و وقف) البيع (على اجازته) لكونه فضوليا (سواء تلفظ بذلك) التعيين (أم نواه) فى قلبه (و ان ابهم) بان اشتراها لانسان ما،

ص: 283

مع قصد الغير بطل و لا يوقف الى ان يوجد له مجيز.

الى ان قال و ان لم يتوقف تعين المالك على التعيين حال العقد بان يكون العوضان معينين، و لا يقع العقد فيهما على وجه يصح الا لمالكهما.

ففى وجوب التعيين، او الاطلاق المنصرف إليه، او عدمه مطلقا، او

______________________________

(مع قصد الغير) بان قصد كون الدار مشتراة لانسان، فى مقابل ما اذا قصد اشتراء الدار المنصرف الى كونها لنفسه (بطل) البيع (و لا يوقف) البيع (الى ان يوجد له مجيز) لما عرفت من بطلان غير المعين، و ان تعين بعد ذلك.

(الى ان قال) ذلك المحقق: يشترط تعيين المالكين (و ان لم يتوقف تعين المالك على التعيين) من العاقد (حال العقد) و يتصور عدم التوقف (بان يكون العوضان معينين، و) كان بحيث (لا يقع العقد فيهما) اى فى العوضين (على وجه يصح، الا لمالكهما) لعله فى قبال ما يصح العقد لغير المالك أيضا، كما اذا اذن المالك ان يعقد زيد على ملك المالك لنفس زيد، و قلنا: بصحة ذلك، بان يدخل العوض فى ملك من لم يخرج المعوض عن ملكه- و ان ادعى الشيخ ره سابقا عدم امكان ذلك- فتأمل.

(ففى وجوب التعيين) المالكين (او) كفاية (الاطلاق المنصرف إليه) اى الى التعيين (او عدمه) اى عدم كل من التعيين و الاطلاق فلا حاجة الى التعيين، و لا الى الاطلاق المنصرف، بل يكفى الاطلاق و ان لم يكن منصرفا (مطلقا) فى قبال التفصيل الآتى (او

ص: 284

التفصيل بين التصريح بالخلاف فيبطل، و عدمه فيصح اوجه، أقواها الاخير، و اوسطها الوسط، و اشبهها للاصول، الاولى

و فى حكم المعين ما اذا عين المال

______________________________

التفصيل بين التصريح بالخلاف) كان يقول: بعت هذا الكتاب الّذي لزيد عن عمرو، (فيبطل) العقد لان ما يصح لم يقصده، و ما قصده لا يصح (و عدمه) اى عدم التصريح بالخلاف (فيصح).

و لا يخفى ان القول بالصحة مطلقا يقول بالصحة حتى مع التصريح بالخلاف، لانه يرى ان قول العاقد: عن عمرو، فى المثال، زائد لا يخل بالعقد،

فحاله حال ما اذا باع زيد ماله يوم السبت، و قال: ابيعك هذا اليوم فى هذا اليوم و هو يوم الجمعة، فان قوله: يوم الجمعة، زائد لا يضر بالمعاملة (اوجه، أقواها الاخير) لان التصريح بالخلاف تقييد موجب للبطلان، لان ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد، (و اوسطها) فى القوة و الضعف (الوسط) اى ما اشار إليه بقوله: او عدمه، و ذلك لانه لا يشترط المالكان فى العقد و انما المهم العوضان، لانهما ركنا العقد- هذا الجانب الصحة-

و اما وجه الفساد: لان العقود تتبع القصود، و حيث لا قصد و امكن كل من الصحة عن المالك، و البطلان عن غير المالك، لم يكن وجه للصحة (و اشبهها للاصول، الاولى) و هو ما اشار إليه بقوله: وجوب التعيين او الاطلاق المنصرف إليه، لان التعيين او الاطلاق المنصرف هو المتعارف من العقود و إليه ينطبق: اوفوا بالعقود.

(و فى حكم المعين ما اذا عين المال) و ان لم يكن العوض معينا

ص: 285

بكونه فى ذمة زيد- مثلا-

و على الاوسط لو باع مال نفسه عن الغير وقع عنه، و لغى قصد كونه عن الغير.

و لو باع مال زيد عن عمرو، فإن كان وكيلا عن زيد صح عنه.

و الا وقف على اجازته.

و لو اشترى لنفسه بمال فى ذمة زيد، فان لم يكن وكيلا عن زيد، وقع عنه و تعلق المال بذمته، لا عن زيد ليقف على اجازته

______________________________

خارجا (بكونه فى ذمة زيد، مثلا) فانه تعيين للعوض الخاص و ان لم يكن عينا خارجية.

(و على الاوسط) اى عدم اشتراط التعيين مطلقا، لا لفظا و لا انصرافا (لو باع مال نفسه عن الغير) مثلا ما لو كانت الدار لزيد، فقال لخالد:

بعتك هذه الدار عن بكر، (وقع عنه) اى عن نفس المالك (و لغى قصد كونه عن الغير) لانه غير قابل.

(و لو باع) خالد (مال زيد عن عمرو) ليدخل العوض فى كيس عمرو (فان كان وكيلا عن زيد صح) البيع (عنه) اى عن الموكل، لا عن: عمرو.

(و الا) يكن البائع وكيلا عن زيد (وقف) البيع (على اجازته) اى اجازة زيد، لان البيع وقع فضوليا.

(و لو اشترى) خالد (لنفسه بمال فى ذمة زيد، فان لم يكن وكيلا عن زيد، وقع) البيع (عنه) اى عن نفس خالد (و تعلق المال بذمته، لا عن زيد) فالبيع منجز، لا فضولى (ليقف على اجازته) اى اجازة زيد، او

ص: 286

و ان كان وكيلا، فالمقتضى لكل من العقدين منفردا موجود، و الجمع بينهما يقتضي الغاء احدهما، و لما لم يتعين، احتمل البطلان للتدافع.

و صحته عن نفسه، لعدم تعلق الوكالة بمثل هذا الشراء، و ترجيح جانب الاصالة.

و عن الموكل،

______________________________

اجازة نفس البائع-

و عليه فقول البائع: بمال فى ذمة زيد، لغو.

(و ان كان) البائع (وكيلا) عن زيد (فالمقتضى لكل من العقدين) فان قوله: قبلت البيع لنفسى: على مال فى ذمة زيد، بمنزلة عقدين: عقد نفسه.

و: عقد على ذمة زيد، و الاول اصالة، و الثانى وكالة و حيث لا يمكن الجمع بين هذين العقدين نقول المقتضى لكل منهما (منفردا) لا مجتمعا مع الآخر (موجود) لانه اتى بهما فى قبوله (و الجمع بينهما) اى بين العقدين فى صيغة القبول (يقتضي الغاء احدهما) لعدم امكان الجمع بان يكون المال للعاقد و لزيد معا ملكا مستقلا لكل واحد منهما (و لما لم يتعين) احدهما لعدم اولوية هذا العقد من ذاك (احتمل البطلان) للبيع، اطلاقا (للتدافع) بين المقتضيين

(و) احتمل (صحته) اى العقد (عن نفسه) و بطلان قوله: على مال زيد، (لعدم تعلق الوكالة بمثل هذا الشراء) الّذي جمع العاقد نفسه الى موكله فى القبول (و) ل (ترجيح جانب الاصالة) فان النفس مقدم على الغير، اذ: الاصالة حاصلة تكوينا، و الوكالة طارئة.

(و) احتمل صحة العقد (عن الموكل) فالبيع له، دون نفس العاقد

ص: 287

لتعين العوض فى ذمة الموكل فقصد كون الشراء لنفسه لغو، كما فى المعين

و لو اشترى عن زيد بشي ء فى ذمته فضولا و لم يجز فاجاز عمرو لم يصح عن احدهما.

و قس على ما ذكر: حال ما يرد من هذا الباب.

و لا فرق على الاوسط فى الاحكام المذكورة بين النية المخالفة و التسمية

______________________________

(لتعين العوض فى ذمة الموكل) لان العاقد قال: فى ذمة زيد، (فقصد كون الشراء لنفسه لغو) و ذلك (كما فى المعين)- اى غير الذمى- كما لو قال: اشتريت هذه السلعة بهذه العين الخارجية التى هى لزيد، لنفسى، فكما ان لفظة: لنفسى، باطلة، كذلك فيما اذا كان المال: فى ذمة زيد، لا عينا خارجية.

(و لو اشترى عن زيد) الغائب بان صار زيد بائعا (بشي ء فى ذمته) اى ذمة نفسه (فضولا و لم يجز) بان صار الامر متوقفا على اجازة زيد (فاجاز عمرو) البيع بان تخرج السلعة عن ملك عمرو، فى مقابل الثمن الّذي يخرج عن مال البائع (لم يصح عن احدهما) اما عن زيد فلانه لم يجز، و اما عن عمرو، فلانه لم يكن طرف المعاملة.

(و قس على ما ذكر، حال ما يرد من هذا الباب) من الفروع.

(و لا فرق على) الاحتمال (الاوسط) و هو قوله: او عدمه مطلقا (فى الاحكام المذكورة) مثل قوله: و على الاوسط لو باع مال نفسه، (بين النية المخالفة) كان يبيع مال نفسه بنية: كونه عن الغير، (و التسمية) كما لو قال: ابيع مال نفسى عن زيد.

ص: 288

و يفرق بينهما على الاخير، و يبطل الجميع على الاول انتهى كلامه

اقول مقتضى المعاوضة، و المبادلة، دخول كل من العوضين فى ملك مالك الآخر.

و الا لم يكن كل منهما عوضا، و بدلا.

و على هذا فالقصد الى العوض و تعيينه يغنى عن تعيين المالك.

______________________________

(و يفرق بينهما على) الاحتمال (الاخير) و هو: التفصيل بين التصريح بالخلاف فيبطل، و عدمه فيصح (و يبطل الجميع على) الاحتمال (الاول) و هو وجوب التعيين، او الاطلاق المنصرف إليه، لانه اذا نوى الخلاف، او صرح بالخلاف لا تعيين، و لا انصراف (انتهى كلامه) اى كلام بعض المحققين ممن عاصرناه.

(اقول مقتضى المعاوضة) و كون شي ء عوضا عن شي ء آخر (و المبادلة) و كون شي ء بدلا عن آخر (دخول كل من العوضين فى ملك مالك) العوض (الآخر) فتدخل السلعة فى ملك مالك الثمن- كعلىّ- و يدخل الثمن فى ملك مالك السلعة- كمحمّد-

(و الّا) يدخل كل واحد فى ملك مالك الآخر (لم يكن كل منهما عوضا، و بدلا) و اذا انتفت المعاوضة انتفى البيع، لانه مبادلة مال بمال.

(و على هذا) المعيار (فالقصد الى العوض و تعيينه) بان يقصد البائع: هذا عوض ذاك، (يغنى عن تعيين المالك) لانه لا ركنية للمالك.

نعم فى النكاح الركن هو الزوج و الزوجة

ص: 289

الا ان ملكية العوض، و ترتب آثار الملك عليه قد يتوقف على تعيين المالك

فان من الاعواض، ما يكون متشخّصا بنفسه فى الخارج كالاعيان.

و منها ما لا يتشخص الا باضافته الى مالك، كما فى الذمم لان ملكية الكلى لا تكون الا مضافا الى ذمة.

و اجراء احكام الملك على ما فى ذمة الواحد المردّد بين شخصين فصاعدا

______________________________

(الا ان ملكية العوض، و ترتب آثار الملك عليه، قد يتوقف على تعيين المالك) لان العوض لا يتعين الا بالإضافة الى المالك الخاص.

و ذلك (فان من الاعواض) جمع عوض (ما يكون متشخصا بنفسه فى الخارج كالاعيان) الخارجية فلا تحتاج- حال المبادلة- الى الاضافة الى مالكها.

(و منها) اى من الاعواض (ما لا يتشخص الا باضافته الى مالك) ما (كما فى الذمم) مثلا هذا الدينار الخارجى له مالك خاص، اما: دينار، كلى، ليس له مالك خاص، الا اذا اضيف الى ذمة شخص خاص (لان ملكية الكلى) اى تحقق الملكية، فى الامر الكلى (لا تكون الا مضافا) و منسوبا (الى ذمة) خارجية.

(و) ان قلت: لا حاجة الى الاضافة الى ذمة خارجية، فانه يكفى الاضافة الى ذمة ما، فاذا قال: بعت هذا بدينار فى ذمة ما، ثم قبله لزيد كان البيع لزيد.

قلت: (اجراء احكام الملك على ما فى ذمة الواحد المردد بين شخصين فصاعدا) كثلاثة اشخاص، و أربعة، فالدينار الكلى فى ذمة ما

ص: 290

غير معهود.

فتعين الشخص فى الكلى، انما يحتاج إليه لتوقف اعتبار ملكية ما فى الذمم على تعيين صاحب الذمة.

فصح على ما ذكرنا: ان تعيين المالك مطلقا غير معتبر، سواء فى العوض المعين، او فى الكلى، و ان اعتبار التعيين فيما ذكره من الامثلة فى الشق الاول من تفصيله انما هو لتصحيح ملكية العوض بتعيين من يضاف الملك إليه، لا لتوقف المعاملة على تعيين ذلك الشخص- بعد

______________________________

له مالية، و قابلة لكونه ثمنا (غير معهود) فلا يشمله اطلاق: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ

(فتعين الشخص) المضاف إليه: دينار، (فى الكلى، انما يحتاج إليه) اى الى الشخص (لتوقف اعتبار ملكية ما فى الذمم على تعيين صاحب الذمة) اذ: لو لا التعيين، لم تحصل الملكية التى هى ملاك المعاملة.

و على هذا ففى الكلى أيضا لا حاجة الى تعيين المالك فى المبادلة و انما الحاجة إليه لاجل توقف الملكية عليه.

(فصح على ما ذكرنا ان تعيين المالك) فى باب المعاملة (مطلقا) فسره بقوله: سواء، (غير معتبر، سواء) كان (فى العوض المعين، او فى) العوض (الكلى، و ان اعتبار التعيين فيما ذكره) هذا المحقق (من الامثلة فى الشق الاول من تفصيله) و هو اعتبار وجوب التعيين، او الاطلاق المنصرف إليه (انما هو لتصحيح ملكية العوض) الملكية الحاصلة (بتعيين من يضاف الملك إليه) اذ: لو لا الاضافة، لم يمكن ملك اصلا. (لا لتوقف المعاملة على تعيين ذلك الشخص- بعد

ص: 291

فرض كونه مالكا-.

فان من اشترى لغيره فى الذمة اذا لم يعين الغير لم يكن الثمن ملكا لان ما فى الذمة اذا لم يضف الى شخص معين، لم يترتب عليه احكام المال، من جعله ثمنا او مثمنا.

و كذا الوكيل، او الولى العاقد عن اثنين فانه اذا جعل العوضين فى الذمة، بان قال: بعت عبدا بالف، ثم قال: قبلت، فلا

______________________________

فرض كونه مالكا-) فانه لو لا الاضافة، لا ملك و لا مالك، لا انه يكون هناك ملك و مالك، و انما يحتاج المعاملة الى التعيين.

(فان من اشترى لغيره فى الذمة) بان اشترى زيد سلعة لانسان، بان يكون ثمنها فى ذمة ذلك الانسان (اذا لم يعين الغير) لفظا و لا قصدا (لم يكن الثمن ملكا) فلا يحصل الاشتراء اصلا (لان ما فى الذمة اذا لم يضف الى شخص معين لم يترتب عليه) اى على ما فى الذمة (احكام المال، من جعله ثمنا او مثمنا).

فكما لا يصح بيع داره بالف دينار فى ذمة ما، كذلك لا يصح اشتراء دار ما موصوفة بالف دينار عنده، لان: الألف، فى الاول و: الدار، فى الثانى، ليسا بمالين، اذا لم يكن لهما مالك خاص.

(و كذا الوكيل، او الولى العاقد عن اثنين) بان و كله كل واحد منهما بان يشترى عبدا له بالف، و يبيع عبدا له بالف (فانه اذا جعل العوضين فى الذمة، بان قال: بعت عبدا بالف) و لم يعين هل المراد عبد زيد، و الف عمرو، او العكس؟ (ثم قال: قبلت) لا يتحقق العقد (فلا

ص: 292

يصير العبد قابلا للبيع، و لا الألف قابلا للاشتراء به، حتى يسند كلا منهما الى معين، او الى نفسه من حيث انه نائب عن ذلك المعين، فيقول: بعت عبدا من مال فلان، بالف من مال فلان، فيمتاز البائع عن المشترى.

و اما ما ذكره من الوجوه الثلاثة فيما اذا كان العوضان معينين.

فالمقصود اذا كان هى: المعاوضة الحقيقة التى قد عرفت ان من لوازمها العقلية، دخول العوض فى ملك

______________________________

يصير العبد قابلا للبيع، و لا الألف قابلا للاشتراء به) اى بكونه ثمنا (حتى يسند كلا منهما الى معين) كان يقول:- او ينوى- عبد زيد بالف عمرو او عبد عمرو بالف زيد (او الى نفسه) كان يقول: عبدى بالف زيد، او عبد زيد بالف عن نفسى (من حيث انه نائب عن ذلك المعين): من حيث، متعلق ب: الى معين (فيقول: بعت عبدا من مال فلان، بالف من مال فلان، فيمتاز البائع عن المشترى) او عبدا من مالى بالف من مال فلان او عبدا من مال فلان بالف من مالى.

و بهذا كله تحقق ان اشتراط التعيين فى كلام المحقق صحيح.

لكنه لا لما ذكره، بل لعدم تحقق المالية فى الكلى الّذي لم يضف الى احد.

(و اما ما ذكره من الوجوه الثلاثة) اى وجوب التعيين، او عدمه، او التفصيل (فيما اذا كان العوضان معينين) لا كليين.

(فالمقصود اذا كان هى المعاوضة الحقيقة التى قد عرفت ان من لوازمها العقلية) حتى يتحقق صدق المعاوضة (دخول العوض فى ملك

ص: 293

مالك المعوض تحقيقا لمفهوم العوضية و البدلية، فلا حاجة الى تعيين من ينقل عنهما و إليهما العوضان.

و اذا لم يقصد المعاوضة الحقيقية، فالبيع غير منعقد، فان جعل العوض من عين مال غير المخاطب الّذي ملّكه المعوض، فقال: ملكتك فرسى هذا بحمار عمرو، فقال المخاطب: قبلت، لم يقع البيع لخصوص المخاطب، لعدم مفهوم المعاوضة معه.

______________________________

مالك المعوض) و ذلك (تحقيقا) اى لاجل ان يتحقق (لمفهوم العوضية و و البدلية، فلا حاجة الى تعيين من ينقل عنهما و إليهما العوضان) اى البائع و المشترى.

اذ: قد عرفت ان الركن فى المعاوضة تعيين العوضين، لا المالكين نعم: فى النكاح الركن تعيين المالكين.

(و اذا لم يقصد المعاوضة الحقيقية فالبيع غير منعقد) اصلا، فلا حاجة الى التعيين.

و الحاصل ان الاوجه الثلاثة، لا وجه لها على كلا التقديرين (فان جعل العوض) و الثمن (من عين مال غير المخاطب) الّذي هو طرف البيع، المخاطب (الّذي ملّكه) المتكلم (المعوض فقال:) للمخاطب (ملكتك فرسى هذا بحمار عمرو، فقال المخاطب: قبلت) حيث خرج من كيس عمرو الحمار، بدون ان يدخل فى كيسه شي ء و دخل فى كيس المخاطب الفرس، بدون ان يخرج من كيسه شي ء.

فعليه (لم يقع البيع لخصوص المخاطب، لعدم مفهوم المعاوضة معه) اذ: لم

ص: 294

و فى وقوعه اشتراء فضوليا لعمرو كلام يأتى.

و اما ما ذكره من مثال: من باع مال نفسه عن غيره.

فلا اشكال فى عدم وقوعه عن غيره، و الظاهر وقوعه عن البائع، و لغوية قصده عن الغير، لانه امر غير معقول، لا يتحقق القصد إليه حقيقة، و هو: معنى لغويته.

و لذا

______________________________

يخرج من كيسه شي ء (و فى وقوعه) اى البيع (اشتراء فضوليا لعمرو) بان يكون كاف: ملكتك، لغوا، و انما يبدل الفرس بالحمار، فاذا خرج الحمار عن كيس عمرو دخل الفرس فى كيسه (كلام يأتى) من حيث احتمال عدم الفضولية، لان عمرو أ ليس مقصودا بالمعاملة، و احتمال الفضولية، لان مقتضى التبديل بماله، كونه طرف المعاملة فضوليا.

(و اما ما ذكره من مثال: من باع مال نفسه عن غيره) كان يقول: بعتك فرسى عن زيد فى مقابل حمارك، حتى يدخل الحمار فى كيس زيد، لا فى كيس صاحب الفرس.

(فلا اشكال فى عدم وقوعه عن غيره) كزيد فى المثال (و الظاهر وقوعه عن البائع) فيدخل الحمار فى ملك العاقد الّذي هو صاحب الفرس (و لغوية قصده) اى البائع (عن الغير) كزيد (لانه) اى كونه عن الغير (امر غير معقول، لا يتحقق القصد إليه حقيقة، و هو) اى عدم تحقق القصد حقيقة (معنى لغويته) فان ما لا يقصد لغو.

(و لذا) الّذي ذكرنا من عدم معقولية المبادلة، اذا خرج المعوض

ص: 295

لو باع مال غيره عن نفسه، وقع للغير، مع اجازته كما سيجي ء، و لا يقع عن نفسه ابدا.

نعم لو ملكه، فاجاز، قيل بوقوعه له، لكن لا من حيث ايقاعه أولا لنفسه فان القائل به لا يفرق حينئذ بين بيعه عن نفسه او عن مالكه فقصد وقوعه

______________________________

من كيس غير من دخل العوض فى كيسه (لو باع مال غيره عن نفسه) كما لو قال: بعتك دار زيد عن نفسى، حتى يدخل ثمن الدار فى كيس البائع لا فى كيس زيد (وقع) البيع (للغير، مع اجازته) اى اجازة ذلك الغير، فالدار تخرج عن ملك زيد ليدخل المثمن فى ملكه (كما سيجي ء) الكلام فيه لانه باع داره فضولة فاذا اجاز صاحب الدار جاز البيع.

اما قول البائع: عن نفسى، فذلك لغو، لانه غير معقول كما مر مرارا (و لا يقع) البيع (عن نفسه) نفس البائع (ابدا)، و قطعا.

(نعم لو ملكه) اى ملك المالك ما باعه عن نفسه، كما لو باع فرس زيد عن نفسه، فملك زيد الفرس للبائع (فاجاز) البائع- بعد تملكه الفرس- البيع الّذي اوقعه سابقا (قيل بوقوعه) البيع (له) اى لنفسه (لكن لا من حيث ايقاعه أولا) البيع (لنفسه) بل هو من قبيل: من باع ثم ملك، (فان القائل به) اى بوقوع البيع- بعد تمليك المالك المتاع المباع للبائع- (لا يفرق حينئذ) اى حين تمليك المالك السلعة للبائع (بين بيعه عن نفسه) بان باع أولا فرس زيد عن نفسه (او عن مالكه) فضولة.

و على كل حال (فقصد) البائع- غير المالك- (وقوعه) اى البيع

ص: 296

عن نفسه لغو دائما، و وجوده كعدمه.

الا ان يقال: ان وقوع بيع مال نفسه لغيره انما لا يعقل اذا فرض قصده للمعاوضة الحقيقية، لم لا يجعل؟ هذا قرينة على عدم ارادته من البيع المبادلة الحقيقية.

او على تنزيل الغير منزلة نفسه فى مالكية

______________________________

(عن نفسه لغو دائما) سواء اجاز المالك البيع، و حينئذ يكون البيع للمالك، او ملك المالك البائع السلعة ثم اجاز البائع ما باعه أولا، و حينئذ يكون البيع للبائع، لكن بعد تحقق تملكه (و وجوده) اى: عن نفسه، (كعدمه) لا ينفع فى الصورتين.

ثم حيث تصورنا امكان وقوع البيع عن المالك البائع فى مثال: بعتك فرسى عن زيد، اراد المصنف نفى هذا التصور، و ان البيع باطل اطلاقا، فلا يمكن ان نصححه عن نفس البائع أيضا.

فقال: (الا ان يقال: ان وقوع بيع مال نفسه لغيره) اى عن غيره (انما لا يعقل اذا فرض قصده للمعاوضة الحقيقية) لما عرفت من لزوم التبادل فى العوضين.

لكن (لم لا يجعل هذا؟) اى قوله: عن زيد، (قرينة على عدم ارادته من البيع، المبادلة الحقيقية) و انما يريد ان يقول للمخاطب:

اعطيك فرسى لتعطى حمارك لزيد، و هذا ليس بيعا، و لا يترتب عليه احكام البيع.

(او) يحمل (على تنزيل الغير) كزيد فى المثال (منزلة نفسه فى مالكية

ص: 297

المبيع كما سيأتى: ان المعاوضة الحقيقية فى بيع الغاصب لنفسه، لا يتصور الا على هذا الوجه.

و حينئذ فيحكم ببطلان المعاملة، لعدم قصد المعاوضة الحقيقية مع المالك الحقيقى.

و من هنا ذكر العلامة و غيره فى عكس المثال المذكور انه لو قال المالك

______________________________

المبيع) كالفرس فى المثال- و هذا أيضا باطل، اذ ليس غير المالك مالكا و ان نزل منزلة المالك (كما سيأتى) مثل هذا التنزيل- عكسيا- (ان المعاوضة الحقيقية فى بيع الغاصب لنفسه، لا يتصور الا على هذا الوجه) اى تنزيل الغاصب نفسه منزلة المالك.

ففى ما نحن فيه ينزل المالك نفس زيد، منزلة المالك، و فى بيع الغاصب ينزل الغاصب نفسه منزلة المالك، و فى الاول يجعل مال نفسه كانه مال غيره، و فى الثانى يجعل مال غيره كانه مال نفسه.

(و حينئذ) اى حين التنزيل المذكور (فيحكم ببطلان المعاملة، لعدم قصد المعاوضة الحقيقية مع المالك الحقيقى) و المالك التنزيلى لا ينفع فى صحة المعاوضة، اذ: التنزيل لا يجعل غير المالك مالكا، سواء فى بيع مال نفسه عن زيد، او فى بيع الغاصب مال زيد عن نفسه.

(و من هنا) الّذي ذكرنا انه لا يصح بيع المال عن الغير- بالتنزيل- (ذكر العلامة و غيره فى عكس المثال المذكور) المثال المذكور هو بيع الانسان مال غيره عن نفسه (انه لو قال المالك) للدار المرهونة عند زيد،

ص: 298

للمرتهن: بعه لنفسك، بطل.

و كذا لو دفع مالا الى من يطلبه الطعام و قال: اشتر به لنفسك طعاما

هذا و لكن الاقوى: صحة المعاملة المذكورة، و لغوية القصد المذكور لانه راجع الى إرادة ارجاع فائدة البيع الى الغير، لا جعله احد ركنى المعاوضة.

______________________________

«المرتهن» (للمرتهن: بعه لنفسك) حتى يكون الدار مبيعة عن المرتهن- لا عن الراهن- (بطل) لان المرتهن ليس مالكا حتى يكون البيع عن نفسه، و انما اللازم ان يبيع عن المالك ثم ليستوفى دينه من الثمن الّذي هو للمالك.

(و كذا) يبطل (لو دفع مالا الى من يطلبه الطعام) كما لو طلب الفقير من زيد خبزا، فدفع الى الفقير عشرة (و قال: اشتر به لنفسك طعاما).

اذ لا يمكن ان يخرج العشرة من كيس المعطى ليدخل الخبز فى كيس الفقير.

نعم يصح ان يهبه العشرة، او يشترى الخبز للمعطى ثم يهبه الخبز- مثلا-.

(هذا) تمام الكلام فى وجه البطلان (و لكن الاقوى صحة المعاملة المذكورة) و هى ما لو باع مال نفسه عن زيد (و لغوية القصد المذكور) اى قصد كونه عن الغير (لانه) اى القصد المذكور (راجع الى إرادة) البائع المالك (ارجاع فائدة البيع الى الغير) الّذي هو زيد فى المثال (لا جعله) اى الغير (احد ركنى المعاوضة) بمعنى كون المال يدخل فى كيسه- ابتداءً

ص: 299

و اما حكمهم ببطلان البيع فى مثال الرهن و اشتراء الطعام.

فمرادهم عدم وقوعه للمخاطب، لا ان المخاطب اذا قال: بعته لنفسى او اشتريته لنفسى، لم يقع لمالكه اذا اجازه.

و بالجملة: فحكمهم بصحة بيع الفضولى، و شرائه لنفسه، و وقوعه للمالك يدل

______________________________

بعد خروج المثمن من كيس البائع.

(و اما حكمهم ببطلان البيع فى مثال الرهن) فيما لو قال الراهن للمرتهن:

بعه لنفسك، مع انه لو صح: بعت فرسى عن زيد، لصح فى الرهن أيضا لان كليهما من واد واحد (و) مثال: (اشتراء الطعام) فيما لو قال له: اشتر بهذه العشرة خبزا لنفسك.

(فمرادهم) بالبطلان (عدم وقوعه) اى البيع (للمخاطب) فلا يدخل بدل الرهن فى كيس المرتهن، و لا الخبز فى كيس الفقير (لا) ان مرادهم البطلان حقيقة، فليس مرادهم (ان المخاطب اذا قال) فى باب الرهن (بعته لنفسى، او) فى باب الخبز (اشتريته لنفسى، لم يقع) البيع (لمالك) صاحب الوثيقة، و صاحب العشرة (اذا اجازه) اى اجاز البيع لان البيع لنفس المخاطب يقع فضوليا، اذ له، لا يقع، و للمالك لم يكن مأذونا فان المالك اذن البيع للمخاطب، لا انه اذن البيع لنفسه.

(و بالجملة فحكمهم بصحة بيع الفضولى، و شرائه لنفسه) فيما اذا اخذ الغاصب دار زيد، ثم باعها لنفسه او غصب دراهم زيد و اشترى بها سلعة لنفسه (و وقوعه) اى البيع (للمالك) ان اجاز بيع الغاصب الفضول (يدل،

ص: 300

يدل على عدم تأثير قصد وقوع البيع لغير المالك.

ثم ان ما ذكرنا كله حكم وجوب تعيين كل من البائع و المشترى، من يبيع له و يشترى له.

و اما تعيين الموجب لخصوص المشترى المخاطب و القابل لخصوص البائع فيحتمل اعتباره، الا فيما علم من الخارج عدم إرادة خصوص المخاطب

______________________________

على عدم تأثير قصد وقوع البيع لغير المالك) لا انه يوجب البطلان.

ففيما نحن فيه أيضا من مثال الفرس و نحوه يقع البيع، و يلغو قصد انه عن الغير.

(ثم ان ما ذكرنا كله) من الاحكام السابقة الدائرة حول لزوم التعيين فى كل من البائع و المشترى (حكم وجوب تعيين كل من البائع و المشترى، من يبيع له و يشترى له) حتى لا يعين البائع نفسه عوض المالك للمثمن، او لا يعين المشترى نفسه عوض المالك للثمن، فلا يقول: بعت فرس زيد لنفسى، او: اشتريت فرسك بمال زيد.

(و اما تعيين الموجب لخصوص المشترى المخاطب) بان يعرف المشترى ان المعوض لمن؟ (و) تعيين (القابل لخصوص البائع) بان يعرف البائع ان الثمن لمن؟ حتى ان الرجل اذا ذهب الى دكان العطار ليشترى السكر، عرف العطاران القابل مالك الثمن، او هو وكيل عن الغير، و عرف القابل ان العطار هو المالك للسكر، او وكيل عنه (فيحتمل اعتباره) فيجب ان يعرف كل منهما المالك للمثمن و الثمن (الا فيما علم من الخارج عدم إرادة خصوص المخاطب

ص: 301

لكل من المتخاطبين كما فى غالب البيوع و الاجارات فحينئذ يراد من ضمير المخاطب فى قوله ملكتك كذا، او منفعة كذا بكذا هو المخاطب بالاعتبار الاعم، من كونه مالكا حقيقيا او جعليا كالمشترى الغاصب او من هو بمنزلة المالك باذن او ولاية و يحتمل عدم اعتباره الا فيما علم من الخارج إرادة، خصوص الطرفين، كما

______________________________

لكل من المتخاطبين) البائع و المشترى (كما فى غالب البيوع و الاجارات) حيث ان مهم البائع، بيع سلعته سواء كان القابل اصيلا او وكيلا، و كذلك فى المشترى، و هكذا فى باب الاجارة.

(فحينئذ) اى حين كان المراد البيع و الاجارة فى الجملة دون خصوصية للموجب و القابل (يراد من ضمير المخاطب فى قوله) فى البيع (ملكتك) او بعتك (كذا او) فى الاجارة ملكتك (منفعة كذا) كالدار (بكذا) من الثمن- فى الاول- و من الاجرة- فى الثانى- (هو المخاطب) لا باعتبار انه المشترى، او الّذي يريد اجارة الدار لنفسه، بل (بالاعتبار الاعم، من كونه مالكا حقيقيا او جعليا) اى من جعل نفسه مالكا، و ليس بمالك (كالمشترى الغاصب) و الغاصب للاجرة فى اجارة الدار (او من هو بمنزلة المالك باذن) كما لو وكل عبده فى ان يشترى السكر، فقول العطار للعبد: بعتك، يراد بالكاف انه مخاطب، و طرف للكلام، لا انه مالك الثمن (او ولاية) على الصغير و المجنون و ما اشبه (و يحتمل عدم اعتباره) اى تعيين المشترى و البائع- و هذا عطف على قوله: يحتمل اعتباره، (الا فيما علم من الخارج إرادة خصوص الطرفين، كما) فى ما لو علمنا ان البائع انما يريد بيع سلعته لزيد، لا لغيره، او

ص: 302

فى النكاح، و الوقف الخاص، و الهبة، و الوكالة و الوصية، الاقوى هو الاول، عملا بظاهر الكلام الدال على قصد الخصوصية، و تبعية العقود، للقصود.

و على فرض القول الثانى، فلو صرح بإرادة خصوص المخاطب اتبع قصده فلا يجوز للقابل

______________________________

ان صاحب الدار يريد ايجارها لعمرو، و كما (فى النكاح) حيث يقصد الزوج الخاص و الزوجة الخاصة، فلا يصح ان تقول المرأة: زوجتك نفسى و تريد بالكاف انه طرف الخطاب، و لا تعلم انه الزوج او غيره (و الوقف الخاص) فيما لو قال: وقفت هذا لك و لذريتك (و الهبة) فان الواهب يريد الهبة للمخاطب، لا لكل احد (و الوكالة، و الوصية) عملا و ملكا، بان يريد الوصى الخاص، و يريد الوصية بالمال لشخص خاص.

(الاقوى: هو الاول) و انه يعتبر تعيين الموجب لخصوص المشترى و القابل لخصوص البائع، الا فيما علم من الخارج عدم إرادة الخصوصية (عملا بظاهر الكلام) اى كاف الخطاب (الدال) هذا الظاهر (على قصد الخصوصية، و) ذلك لاجل (تبعية العقود للقصود) لان العقد إنشاء بصورة خاصة، فاذا لم تتحقق تلك الصورة الخاصة لم يكن عقد، فلا يشمله دليل: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

(و على فرض القول الثانى) و هو عدم اعتبار الخصوصية الا فيما خرج (فلو صرح بإرادة خصوص المخاطب) بان قال البائع: انما اريد ان ابيع هذا الشي ء لك، لا لغيرك (اتبع قصده فلا يجوز) اى لا يصح (للقابل

ص: 303

ان يقبل عن غيره.

قال فى التذكرة: لو باع الفضولى، او اشترى مع جهل الآخر، فاشكال ينشأ من ان الآخر انما قصد تمليك العاقد.

و هذا الاشكال و إن كان ضعيفا، مخالفا للاجماع، و السيرة، الا انه مبنى على ما ذكرنا من مراعات ظاهر الكلام.

و قد يقال: فى الفرق بين البيع و شبهه، و بين النكاح

______________________________

ان يقبل عن غيره) لان غيره ليس مقصودا.

(قال فى التذكرة: لو باع الفضولى، او اشترى مع جهل الآخر) بانه فضول (فاشكال) فى صحة البيع (ينشأ من) جهة (ان) الطرف (الآخر) للفضول (انما قصد تمليك العاقد) و لم يعلم انه فضولى يتوقف بيعه على اجازة غيره، مثلا باع زيد داره من عمرو فى مقابل الف دينار، و كان عمرو فضولا لا يملك الألف، و انما اخذ الألف من مال خالد، فلزيد الحق فى ان يسحب داره، لانه باعها لعمرو، و لم يعلم بانه فضول يوجب توقف المعاملة على الاجازة، قال الشيخ:

(و هذا الاشكال) من العلامة (و إن كان ضعيفا، مخالفا للاجماع، و السيرة) لصحة بيع الفضولى عند الفقهاء (الا انه) اى الاشكال (مبنىّ على ما ذكرنا من مراعاة ظاهر الكلام) الدال على ان المقصود هو المخاطب لا غيره.

(و قد يقال: فى الفرق بين البيع و شبهه) الّذي لا يعتبر فيه العلم بكون طرف الكلام هو الاصيل او الوكيل و شبهه (و بين النكاح) المعتبر

ص: 304

ان الزوجين فى النكاح، كالعوضين فى سائر العقود، و يختلف الاغراض باختلافها فلا بد من التعيين

______________________________

فيه العلم (ان الزوجين فى النكاح، كالعوضين فى سائر العقود) البيع، و الاجارة، و الرهن، و غيرها.

(و يختلف الاغراض باختلافها) فان اجارة الدار غير اجارة الدكان و بدل الايجار اذا كان عشرة غير ما اذا كان عشرين.

و هكذا فى النكاح، فان تزويج بنت زيد الصغيرة، غير تزويج بنته الكبيرة، كما ان تزويج بنته بزيد، غير تزويج بنته بعمرو (فلا بد من التعيين) فى العوضين فى سائر العقود، و فى الزوجين فى باب النكاح.

قالوا و المراد: بالمعين، فى النكاح فى مقابل امور ستة- و ان امكن ادراج بعضها فى آخر-

المهم كان يزوج بنته من احدهما.

و الكلى كان يزوجها من انسان ما.

و المردّد كان يقول لزيد: زوجتك بنتى، و لا يعلم ان المخاطب هو الزوج، او وكيله- كما لو قال: بعتك الكتاب و لم يعلم انه المشترى او غيره لم يضر.

و غير الموجود كما لو زوج بنته لابن زيد، و هو بعد ليس بموجود، كما يصح الوقف لمثله فى الجملة.

و المشترك كزوجة لزوجين، او زوجتين لزوج اشتراكا بمعنى ان يكون نكاح واحد له آثار واحدة من النفقة و الاطاعة و القسم للزوجتين.

و من لم يعلم صحة النكاح بالنسبة إليه كتزويج نفسها لخضر عليه السلام،

ص: 305

و توارد الايجاب و القبول على امر واحد، و لان معنى: قوله: بعتك كذا بكذا، رضاه بكونه مشتريا للمال المبيع، و المشترى يطلق على المالك و وكيله.

و معنى قولها: زوجتك نفسى، رضاها بكونه زوجا، و الزوج لا يطلق على الوكيل، انتهى.

و يرد على الوجه الاول من وجهى الفرق: ان كون الزوجين كالعوضين، انما يصح وجها

______________________________

فانه لا يعلم حتى وقوعه فضوليا ليسبب تعطيل المرأة- على ما ذكروا فى باب الفضولى-

و ذلك لانصراف الادلة عن مثله، و كيف كان فتفصيل الكلام فى كتاب النكاح (و) لا بدّ من (توارد الايجاب و القبول على امر واحد) اما اذا باع المالك ماله لزيد- القابل- بزعم انه المشترى و قبل زيد المال لعمرو، لم يرد الايجاب و القبول على اى واحد.

(و) أيضا يقال: فى الفرق بين النكاح و البيع (لان معنى قوله بعتك كذا بكذا، رضاه) اى البائع (بكونه) اى كون طرفه القابل (مشتريا للمال المبيع و المشترى يطلق على المالك) الّذي يخرج من كيسه الثمن (و وكيله) او وليه و من اشبه.

(و معنى قولها زوجتك نفسى، رضاها بكونه) اى المخاطب (زوجا) لها (و الزوج لا يطلق على الوكيل، انتهى) كلام القائل بالفرق.

(و يرد على الوجه الاول) و هو كون الزوجين كالعوضين (من وجهى الفرق) بين الزواج و بين البيع (ان كون الزوجين كالعوضين انما يصح وجها

ص: 306

لوجوب التعيين فى النكاح، لا لعدم وجوبه فى البيع، مع ان الظاهر: ان ما ذكرنا من الوقف و اخوته، كالنكاح فى عدم جواز قصد القابل القبول فيها على وجه النيابة او الفضولى، فلا بد من وجه مطّرد فى الكل.

و على الوجه الثانى: ان معنى: بعتك فى لغة العرب- كما نصّ عليه فخر المحققين و غيره- هو: ملّكتك بعوض، و معناه: جعل المخاطب مالكا و من المعلوم: ان المالك لا يصدق

______________________________

لوجوب التعيين فى النكاح) حتى اذا لم يعينا بطل النكاح (لا لعدم وجوبه) اى وجوب تعيين البائع و المشترى (فى البيع).

و كلامنا الآن فى انه هل يجب تعيين المالكين فى البيع أم لا؟

هذا (مع ان الظاهر: ان ما ذكرنا من الوقف و اخوته) كالوصية و الوكالة و الهبة (كالنكاح فى عدم جواز قصد القابل القبول فيها على وجه النيابة او الفضولى) فلا يختص حكم لزوم التعيين بالنكاح (فلا بد) للذى يريد الفرق بين النكاح و بين البيع (من) ذكر (وجه مطرد فى الكل) اى كل من النكاح و الوصية و اخوتها

لكن يمكن ان يقال: ان هذا الوجه- و هو الركنية العرفية- مطرد فى الكل: فكل ما رآه العرف ركنا، كان اللازم تعيينه، و كلما لم يره العرف ركنا لم يلزم تعيينه.

(و) يرد (على الوجه الثانى) و هو ما ذكرناه بقوله: لان معنى قوله بعتك الخ، ان ما ذكره من المعنى غير صحيح ف (ان معنى بعتك فى لغة العرب- كما نص عليه فخر المحققين و غيره- هو ملّكتك بعوض، و معناه) اى معنى ملكتك (جعل المخاطب مالكا، و من المعلوم: ان المالك لا يصدق

ص: 307

على الولى، و الوكيل، و الفضولى.

فالاولى فى الفرق ما ذكرنا من ان الغالب فى البيع و الاجارة هو قصد المخاطب، لا من حيث هو، بل بالاعتبار الاعم من كونه اصالة، او عن الغير، و لا ينافى ذلك عدم سماع قول المشترى فى دعوى كونه غير اصيل

______________________________

على الولى، و الوكيل، و الفضولى) اذ هؤلاء لا يملكون بالبيع، و انما يملك الموكل، و المولى عليه، و صاحب المال.

(فالاولى فى الفرق) بين النكاح المحتاج الى التعيين، و البيع الّذي لا يحتاج الى التعيين (ما ذكرنا من ان الغالب فى البيع و الاجارة هو قصد المخاطب) اى قصد كل من الطرفين مخاطبه (لا من حيث هو) مخاطب (بل بالاعتبار الاعم من كونه اصالة، او عن الغير) فلا يهم كل منهما ان يكون طرفه وكيلا، او وليا، او فضوليا (و لا ينافى ذلك) الّذي ذكرنا من عدم قصد الخصوصية (عدم سماع قول المشترى فى دعوى كونه غير اصيل) فان المشترى اذا قال: لم اكن اصيلا، و موكلى رفض المعاملة بحجة انه لم يأذن لى فى هذه المعاملة، و قد نسيت عدم اذنه، لم يقبل قوله الا اذا اتى بالبينة.

وجه توهم المنافات انه لو كان اعم من الاصيل و الوكيل، لزم سماع قوله، لان قوله حينئذ ليس مخالفا للاصل حتى يحتاج الى البينة.

و من هذا يتبين: ان الاصل فى المشترى كونه اصيلا.

و وجه عدم المنافات: ان ظهور كونه اصيلا كاف فى عدم سماع دعواه

ص: 308

فتأمّل، بخلاف النكاح، و ما اشبهه فان الغالب قصد المتكلم للمخاطب من حيث انه ركن للعقد.

بل ربما يستشكل فى صحة ان يراد من القرينة المخاطب من حيث قيامه مقام الاصيل، كما لو قال: زوجتك مريدا له باعتبار كونه وكيلا عن الزوج

و كذا قوله: وقفت عليك، و اوصيت لك، و وكلتك.

______________________________

(فتأمل) فانه منافات بين الامرين، اذ: البينة انما يؤتى بها لمن خالف قوله الاصل (بخلاف النكاح، و ما اشبهه) من الوقف و اخوته (فان الغالب قصد المتكلم للمخاطب) الخاص (من حيث انه) اى المخاطب (ركن للعقد).

و كذلك قصد المخاطب المتكلم من حيث انه ركن للعقد.

فلو قال: زوجتك، قصد الزوج ان المتكلمة هى الزوجة، لا انها وكيلة عن امرأة اخرى.

(بل ربما يستشكل فى صحة ان يراد من القرينة) الخارجية (المخاطب من حيث قيامه مقام الاصيل) و لو كان الاصل معروفا عند المتكلم.

(كما لو قال: زوجتك، مريدا له) اى للمخاطب (باعتبار كونه وكيلا عن الزوج).

فانه لا يصح اجراء اللفظ بهذه الصيغة، و ان علمت ان الزوج اخو المخاطب، و قصدت من الكاف مجرد الخطاب، لا انه الزوج.

(و كذا قوله: وقفت عليك، و اوصيت لك، و وكلتك) بل فى مثل

ص: 309

و لعل الوجه: عدم تعارف صدق هذه العنوانات على الوكيل فيها فلا يقال للوكيل الزوج، و لا الموقوف عليه، و لا الموصى له، و لا الموكل بخلاف البائع و المستأجر، فتامل حتى لا يتوهم رجوعه الى ما ذكرنا سابقا.

و اعترضنا عليه

______________________________

المزارعة، و المساقات، و المسابقة، و غيرها أيضا.

(و لعل الوجه) فى الاستشكال المذكور (عدم تعارف صدق هذه العنوانات على الوكيل فيها) بخلاف البيع.

(فلا يقال للوكيل الزوج، و لا) يقال له (الموقوف عليه، و لا الموصى له، و لا الموكل) فاذا قال: وكلتك، لم يقل: لوكيل الوكيل وكيل.

(بخلاف البائع و المستأجر) و المشترى و الموجر، فانها تصدق على الوكلاء، فاذا اشترى الوكيل عن الموكل، صدق على كل من الوكيل و الموكل المشترى.

و هكذا (فتامل) فى هذا الجواب (حتى لا يتوهم رجوعه الى ما ذكرنا سابقا) من قولنا: و قد يقال فى الفرق.

(و اعترضنا عليه) فى الرد الاول: بقولنا: و يرد على الوجه الاول

و خلاصته: الفرق بين جواب الشيخ، و جواب: قد يقال، ان جواب الشيخ مبنى على اطلاق: البائع و المستأجر، على الوكيل تسامحا عرفيا، و لذا قال: عدم تعارف و جواب ذلك القائل مبنى على كون الاطلاق، على الوكيل حقيقة، لا تسامح.

ص: 310

مسئلة و من شرائط المتعاقدين: الاختيار،

و المراد به القصد الى وقوع مضمون العقد عن طيب نفس فى مقابل الكراهة، و عدم طيب النفس، لا الاختيار فى مقابل الجبر.

و يدل عليه قبل الاجماع، قوله تعالى: إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ

و قوله عليه السلام: لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه.

______________________________

(مسئلة) (و من شرائط المتعاقدين: الاختيار، و المراد به القصد الى وقوع مضمون العقد عن طيب نفس) و ذلك (فى مقابل الكراهة) لمضمون العقد (و عدم طيب النفس، لا الاختيار فى مقابل الجبر) كحركة المرتعش.

و انما قال المصنف ذلك: لانه يريد الاستدلال لاشتراط الاختيار بحديث الرفع- كما سيأتى-

و المراد بالكراهة فى الحديث: عدم طيب النفس، لا معنى الجبر الّذي هو عبارة عن الالجاء و فقد الاختيار.

(و يدل عليه) اى على اشتراط الاختيار بهذا المعنى (قبل الاجماع قوله تعالى: إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) فما لم يكن رضى، و طيب نفس يكون اكلا للمال بالباطل.

(و قوله عليه السلام: لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه) و الظاهر ان القيد بالمسلم لاخراج المحارب، لا الذمى و المعاهد.

ص: 311

و قوله صلى الله عليه و آله: فى الخبر المتفق عليه بين المسلمين:

رفع او وضع عن امتى تسعة اشياء او ستة.

و منها: ما اكرهوا عليه.

و ظاهره: و ان كان رفع المؤاخذة، الا ان استشهاد الامام عليه السلام به فى رفع بعض الاحكام الوضعية، يشهد لعموم: المؤاخذة فيه، لمطلق الالزام عليه بشي ء.

______________________________

(و قوله صلى الله عليه و آله: فى الخبر المتفق عليه بين المسلمين:

رفع او وضع عن امتى تسعة اشياء، او ستة) كما فى خبر آخر.

(و منها: ما اكرهوا عليه) و ما اضطروا إليه، و ما لا يعلمون، و ما لا يطيقون، و الطيرة، و الحسد ما لم يظهر بيد و لا لسان، و الوسوسة فى التفكر فى الخلق، و الخطاء، و النسيان.

(و ظاهره: و إن كان رفع المؤاخذة) لدلالة الاقتضاء على ذلك، و هى عبارة عما يتوقف صدق الكلام او صحته على ذلك.

فان هذه الاشياء بوجودها التكوينى ليست مرفوعة، فلا بد و ان يراد رفع المؤاخذة الاخروية، او الاعم منها و من الاحكام التكليفية الدنيوية

و الاول اظهر عرفا، لكنه ليس بمحل شاهد لنا فى هذا الباب.

و لذا قال المصنف (الا ان استشهاد الامام عليه السلام به) اى بهذا الحديث (فى رفع بعض الاحكام الوضعية، يشهد لعموم: المؤاخذة) المرفوعة (فيه) اى فى الحديث (لمطلق الالزام عليه) اى على الاكراه (بشي ء) لا المؤاخذة الاخروية، و لا التكليف الالزامى الحكمى، و لا الوضعى

ص: 312

ففى صحيحة البزنطى، عن ابى الحسن عليه السلام فى الرجل، يستكره على اليمين، فيحلف بالطلاق، و العتاق و صدقة ما يملك، أ يلزمه ذلك؟

فقال عليه السلام: لا، قال رسول الله صلى الله عليه و آله: وضع عن امتى ما اكرهوا عليه، و ما لم يطيقوا، و ما أخطئوا.

و الحلف بالطلاق، و العتاق و ان لم يكن صحيحا عندنا

______________________________

و الحاصل: ان كل شي ء يأتى من قبل الشارع سواء كان حكما تكليفيا كالوجوب، او وضعيا، كالكفارة، او اخرويا كالعقاب، مرفوع عن المكره.

(ففى صحيحة البزنطى، عن ابى الحسن عليه السلام) اى موسى بن جعفر (فى الرجل يستكره على اليمين، فيحلف بالطلاق و العتاق) اى ان تكون زوجته مطلقة و عبده عتقا ان كان كذا، او فعل كذا (و صدقة ما يملك) اى جميع امواله صدقة (أ يلزمه ذلك؟) و الحال ان الحلف مكره عليه

(فقال عليه السلام: لا) يلزمه ذلك، لانه (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: وضع عن امتى ما اكرهوا عليه، و ما لم يطيقوا)

و المراد ما هو فى آخر الطاقة بان كان عسرا شديدا، لا عدم القدرة اطلاقا، اذ: لا اشكال فى ان ذلك ليس خاصا بالامة

فهو كقوله سبحانه: لٰا تُحَمِّلْنٰا مٰا لٰا طٰاقَةَ لَنٰا بِهِ، (و ما أخطئوا)

(و) وجه الاستدلال بهذا الحديث على: عموم رفع الاكراه ان (الحلف بالطلاق، و العتاق و ان لم يكن صحيحا عندنا) معاشر الشيعة

ص: 313

من دون الاكراه أيضا.

الا ان مجرد استشهاد الامام عليه السلام فى عدم وقوع آثار ما حلف به بوضع ما اكرهوا عليه، يدل على ان المراد بالنبوى ليس خصوص المؤاخذة، و العقاب الاخروى.

______________________________

(من دون الاكراه أيضا) اذ: هذا الحلف باطل، فى مذهب الشيعة فان الطلاق لا يقع الا بالصيغة الخاصة، و العتق لا يكون الا بلفظ خاص.

(الا ان مجرد استشهاد الامام عليه السلام فى عدم وقوع آثار ما حلف به) الآثار التى هى الطلاق، و العتق، و الصدقة (بوضع ما اكرهوا عليه) بوضع، متعلق ب: استشهاد، (يدل على ان المراد ب) الحديث (النبوى ليس خصوص المؤاخذة، و العقاب الاخروى).

اذ: لو كان المراد من الرفع، خصوص العقاب كان: لمخاطب الامام ان يقول لا ربط لحديث الرفع بما تذكرون من: عدم طلاق المكره.

و الحاصل: ان تطبيق الصغرى على الكبرى ان كان نقية، لا يلزم ان تكون الكبرى بنفسها أيضا تقية.

فكلام الامام عليه السلام هكذا: الحلف مكره عليه، و الاكراه مرفوع.

فقد اراد الامام تطبيق: الحلف بالطلاق، فى الكبرى تقية.

مع انه لا حاجة الى ذلك، لان الحلف بالطلاق باطل بنفسه.

اما الكبرى- اى ان الاكراه يوجب رفع الحكم الوضعى و التكليفى- فلا وجه لان نجعلها تقية، لما تقرر من ان الاصل فى الكلام عدم التقية.

و مهما دار الامر بين تقية، و تقيتين كان الاول اولى.

ص: 314

هذا كله مضافا الى الاخبار الواردة فى اطلاق المكره بضميمة عدم الفرق.

ثم انه يظهر من جماعة، منهم الشهيدان: ان المكره قاصد الى اللفظ غير قاصد الى مدلوله، بل يظهر ذلك من بعض كلمات العلامة و ليس مرادهم انه لا قصد له الا الى مجرد التكلم.

كيف و الهازل الّذي هو دونه فى القصد قاصد للمعنى قصدا صوريا و الخالى عن القصد الى غير التكلم

______________________________

(هذا كله) وجه الاستدلال بالآيات و الروايات لاجل اشتراط طيب النفس فى المعاملة (مضافا الى الاخبار الواردة فى طلاق المكره بضميمة عدم الفرق) بين الطلاق و غيره لوحدة المناط.

اذ لا يفهم العرف خصوصية للطلاق بما هو طلاق.

(ثم انه يظهر من جماعة، منهم الشهيدان) و غيرهما (ان المكره قاصد الى اللفظ غير قاصد الى مدلوله، بل يظهر ذلك) اى عدم قصد المكره الى مدلول اللفظ (من بعض كلمات العلامة، و) لكن من الواضح انه (ليس مرادهم انه لا قصد له) اى للمكره (الا الى مجرد التكلم) و اللفظ

(كيف) يقصد هؤلاء الاعلام هذا المعنى (و) الحال ان (الهازل الّذي هو دونه) اى دون المكره (فى القصد) اذ المكره قاصد فى الجملة، لكن قصده اكراهى، و الهازل لا قصد له الا الهزل (قاصد للمعنى قصدا صوريا) لا انه يقصد عن اعماق نفسه.

(و) اما من لا قصد له اطلاقا اى (الخالى عن القصد الى غير التكلم)

ص: 315

هو من يتكلم تقليدا او تلقينا كالطفل الجاهل بالمعانى،

فالمراد بعدم قصد المكره، عدم القصد الى وقوع مضمون العقد فى الخارج، و ان الداعى له الى الانشاء ليس قصد وقوع مضمونه فى الخارج

لا ان كلامه الانشائى مجرد عن المدلول.

كيف و هو معلول الكلام الانشائى؟ اذا كان مستعملا غير مهمل.

______________________________

الى، متعلق: بالقصد، اى لا قصد له الا مجرد الكلام و اللفظ (هو من يتكلم تقليدا) خصوصا فيمن لا يعرف معنى الكلام كالببغاء (او تلقينا كالطفل الجاهل بالمعانى)

و ليس المكره مثلهما قطعا، فلا بد ان يكون مراد العلامة و الشهيدين شيئا معقولا.

(فالمراد بعدم قصد المكره) فى كلامهم (عدم القصد الى وقوع مضمون العقد فى الخارج).

اذ المكره يتكلم و لا يريد ان يقع فساد كلامه- كالطلاق- فى الخارج (و ان الداعى له الى الانشاء ليس قصد وقوع مضمونه فى الخارج) لانه لا يريده، و انما هو مكره عليه.

(لا ان كلامه الانشائى) كلفظ: طلقت، (مجرد عن المدلول) حتى يكون مثل: طلقت، الصادر عن الببغاء.

(كيف) يكون انشائه مجردا عن المدلول؟ (و) الحال (هو) اى المدلول (معلول الكلام الانشائى)

فالكلام علة، و المعنى معلول (اذا كان) الكلام (مستعملا غير مهمل،

ص: 316

و هذا الّذي ذكرنا، لا يكاد يخفى على من له ادنى تامل فى معنى الاكراه لغة و عرفا، و ادنى تتبع فيما ذكره الاصحاب فى فروع الاكراه التى لا تستقيم مع ما توهمه من خلو المكره عن قصد مفهوم اللفظ، و جعله مقابلا للقصد.

و حكمهم بعدم وجوب التورية فى التفصي عن الاكراه.

و صحة بيعه بعد الرضا.

______________________________

و هذا الّذي ذكرنا) من ان مرادهم عدم إرادة المكره، وقوع المضمون فى الخارج، لا على المدلول لكلامه (لا يكاد يخفى على من له ادنى تامل فى معنى الاكراه، لغة و عرفا).

فان معنى الاكراه فيهما: التلفظ باللفظ و إرادة معناه لكن عن كره، بحيث لا يريد وقوع المضمون فى الخارج (و ادنى تتبع فيما ذكره الاصحاب فى فروع الاكراه التى لا تستقيم) تلك الفروع (مع ما توهمه) عبارة العلامة و الشهيدين (من خلو المكره عن قصد مفهوم اللفظ) من، بيان:

ما، (و جعله) اى الاكراه (مقابلا للقصد): و جعله، عطف على: خلو، اى ما توهمه العبارة من جعل الاكراه مقابلا للقصد، بحيث توهم عبارة الشهيدين: ان المكره لا قصد له، و غير المكره له قصد.

(و) من (حكمهم بعدم وجوب التورية فى التفصي عن الاكراه) و لو كان المكره بلا قصد لم يكن وجه لهذا الكلام، و انه هل يحتاج الى التورية أم لا؟

(و) من حكمهم ب (صحة بيعه بعد الرضا) فانه لو لم يكن للفظه معنى، لم يكن معنى لصحة بيعه، اذ لا بيع يحصل بمجرد اللفظ.

ص: 317

و استدلالهم له بالاخبار الواردة فى طلاق المكره.

و انه لاطلاق الا مع إرادة الطلاق، حيث ان المنفى صحة الطلاق لا تحقق مفهومه لغة و عرفا و فيما ورد فيمن طلق مداراة باهله الى غير ذلك،

______________________________

(و) من (استدلالهم له) اى للمكره فى باب البيع، و انه لا يصح بيعه (بالاخبار الواردة فى طلاق المكره) بوحدة المناط، فانه لا وجه لهذا الاستدلال، اذا اريد: لفظ البيع المجرد عن المعنى.

اذ: طلاق المكره انما هو مع قصد المعنى.

(و) من استدلالهم (انه لاطلاق الا مع إرادة الطلاق) و لذا لا طلاق للمكره، لعدم ارادته الطلاق.

و حال البيع، حال الطلاق، لوحدة المناط (حيث ان المنفى) فى كلامهم- فى باب طلاق المكره- (صحة الطلاق لا) ان المنفى (تحقق مفهومه لغة و عرفا).

و لو كان لفظ المكره بلا معنى، كان اللازم ان يقولوا: انه لاطلاق للمكره- اذ: اللفظ بدون معنى، لا يسمى طلاقا- لا ان يقولوا انه طلاق و لكنه ليس بصحيح (و فيما ورد فيمن طلق مداراة باهله الى غير ذلك) لهذا عطف على قوله: فيما ذكره الاصحاب، فان الطلاق مداراة لا يصح، لانه لم يقصد وقوع الطلاق خارجا، لا انه لا يقع لانه لم يقصد المعنى، و باب الاكراه و باب المداراة واحد.

فكما ان المراد فى باب المداراة: اللفظ مع المعنى غير مقصود التحقق فى الخارج.

ص: 318

و فى ان مخالفة بعض العامة فى وقوع الطلاق اكراها، لا ينبغى ان تحمل على الكلام المجرد عن قصد المفهوم الّذي لا يسمى خبرا، و لا إنشاء، و غير ذلك مما يوجب القطع بان المراد بالقصد المفقود فى المكره هو القصد الى وقوع اثر العقد و مضمونه فى الواقع، و عدم طيب النفس به

لا عدم إرادة المعنى من الكلام.

و يكفى فى ذلك ما ذكره الشهيد الثانى من: ان المكره، و الفضولى

______________________________

كذلك المراد فى باب الاكراه.

(و فى ان مخالفة بعض العامة) للشيعة (فى وقوع الطلاق اكراها) و انه بمنزلة طلاق المختار (لا ينبغى ان تحمل) مخالفتهم (على الكلام المجرد عن قصد المفهوم الّذي لا يسمى خبرا، و لا إنشاء) فانهما فيما للكلام معنى و مفهوما و قوله: فى ان، عطف على قوله: فيما ذكره الاصحاب، (و غير ذلك مما) من الشواهد التى (يوجب القطع بان المراد بالقصد المفقود) ذلك القصد (فى المكره، هو القصد الى وقوع اثر العقد، و) وقوع (مضمونه) اى العقد (فى الواقع) اى الخارج (و عدم طيب النفس به): و عدم، عطف على: القصد الى وقوع اثر.

فمعنى قولهم: المكره لا قصد له انه: لا يريد الاثر، و: لا يطيب نفسه بالاثر،

(لا) ان مرادهم (عدم إرادة) المكره (المعنى من الكلام) حتى يكون كالببغاء.

(و يكفى فى ذلك) الّذي ذكرنا انهم يريدون: عدم الاثر، لا: عدم القصد، (ما ذكره الشهيد الثانى من: ان المكره، و الفضولى

ص: 319

قاصدان الى اللفظ، دون مدلوله.

نعم ذكر فى التحرير، و المسالك فى فروع المسألة ما يوهم ذلك

قال فى التحرير: لو اكره على الطلاق، فطلق ناويا فالاقرب وقوع الطلاق، اذ: لا اكراه على القصد، انتهى.

و بعض المعاصرين بنى هذا الفرع على تفسير القصد بما ذكرنا من متوهم كلامهم.

______________________________

قاصدان الى اللفظ، دون مدلوله) فان الفضول لا شبهة فى انه يقصد المعنى، و انما لا يقصد الاثر، الا باجازة المالك.

فاقتران الفضول- فى كلام الشهيد- بالمكره، يدل على انه يريد:

عدم الاثر، فى المكره لا: عدم المعنى.

(نعم ذكر فى التحرير، و المسالك فى فروع المسألة) اى مسئلة المكره (ما يوهم ذلك) اى عدم قصد المكره للمعنى، لا عدم قصده الاثر.

(قال فى التحرير: لو اكره على الطلاق، فطلق ناويا) لمعنى اللفظ (فالاقرب وقوع الطلاق، اذ لا اكراه على القصد، انتهى) فحيث انه قصد الطلاق كان صحيحا.

(و بعض المعاصرين) الجواهر (بنى هذا الفرع على تفسير القصد بما ذكرنا من متوهم كلامهم) متوهم كلامهم، هو: انه لا قصد للمعنى فى المكره فقال صاحب الجواهر: ان قول التحرير: لو قصد المكره صح طلاقه دليل على ان مرادهم: من عدم قصد المكره،: عدم قصد المعنى، ليمكن الجمع بين كلامهم فى هذا الفرع، و بين كلامهم: ان طلاق المكره باطل،

ص: 320

فرد عليهم بفساد المبنى.

و عدم وقوع الطلاق فى الفرض المزبور.

لكن المتأمل يقطع بعدم ارادتهم لذلك.

و سيأتى ما يمكن توجيه الفرع المزبور به.

______________________________

لانه لا قصد له- و فى عبارة المصنف مسامحة كما لا يخفى-

(فرد عليهم) اى رد الجواهر على من قال بصحة طلاق المكره، اذا قصد المعنى (بفساد المبنى) و ان كلامهم فى انه لا قصد للمكره فاسد، فلا يصح ان يبنى عليه انه اذا قصد المكره صح الطلاق.

(و) اذا فسد المبنى فاللازم ان نقول: ب (عدم وقوع الطلاق فى الفرض المزبور) اى ما اذا قصد المعنى، لان قصد المعنى لا يلازم قصد الاثر، و قصد وقوع الاثر فى الخارج هو الّذي يوجب وقوع الطلاق فى الخارج، و المكره لا يقصد الاثر كما لا يخفى.

(لكن المتأمل يقطع بعدم ارادتهم لذلك) الّذي ذكره الجواهر من ان قولهم: المكره لا قصد له، لا يريدون به عدم القصد، و انما يريدون به عدم قصد الاثر.

(و) ان قلت: فكيف قالوا: اذا قصد المكره صح.

قلت: (سيأتى ما يمكن توجيه الفرع المزبور به) اى بذلك التوجيه، و ان مرادهم انه لو قصد المكره الطلاق واقعا، بان صار الاكراه داعيا كما لو صار سوء خلق المرأة داعيا للطلاق، فانه يقع الطلاق، و ان صدق الاكراه- فى الجملة-

ص: 321

ثم ان حقيقة الاكراه لغة و عرفا: حمل الغير على ما يكرهه.

و يعتبر فى وقوع الفعل من ذلك الحمل اقترانه بوعيد منه مظنون الترتب على ترك ذلك الفعل، مضر بحال الفاعل، او متعلقه نفسا او عرضا، او مالا.

فظهر من ذلك: ان مجرد الفعل لدفع الضرر المترتب على تركه، لا يدخله فى المكره عليه.

______________________________

(ثم ان حقيقة الاكراه لغة و عرفا: حمل الغير على ما يكرهه، و يعتبر فى) تحقق الاكراه (وقوع الفعل من ذلك الحمل اقترانه بوعيد منه) اى من المكره- بالكسر-

اما توعيدا لفظيا، او توعيدا واقعيا (مظنون الترتب) ذلك الوعيد (على ترك ذلك الفعل) المكره عليه (مضر) ذلك الوعيد (بحال الفاعل، او متعلقه) اى بحال متعلقه سواء كان تعلقا بالقرابة، او بالصداقة، او بالارتباط، كتوعيد السلطة العالم بانه ان لم يفعل كذا اضرت بالمسلمين (نفسا، او عرضا) الاعم من الاهل، و الاحترام فان السب خلاف احترام العرض (او مالا) حاصل له فعلا، او مستقبلا، كان يهدده ان فعلت كذا قتلت ابنك الّذي سيولد لك- مثلا-

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 6، ص: 322

(فظهر من ذلك) التعريف (ان مجرد الفعل لدفع الضرر المترتب على تركه لا يدخله) اى لا يدخل الفعل (فى المكره عليه).

مثلا ترك بيع الدار يوجب تسلط السلطة عليها فيبيعها المالك، دفعا لهذا الضرر المترتب على ترك البيع، فلا يكون البيع بذلك مكرها عليه،

ص: 322

كيف و الافعال الصادرة من العقلاء كلها، او جلها ناشئة عن دفع الضرر.

و ليس دفع مطلق الضرر الحاصل من ايعاد شخص يوجب صدق المكره عليه، فان من اكره على دفع مال و توقف على بيع بعض امواله، فالبيع الواقع منه لبعض امواله و إن كان لدفع الضرر المتوعد به على عدم دفع ذلك المال.

و لذا يرتفع التحريم

______________________________

و كذا ان باع اثاثه لاجل اشتراء الدواء لولده المريض، فانه دفع ضرر متوقع لو لا البيع.

و (كيف) يكون مجرد الفعل لدفع الضرر داخلا فى المكره عليه (و) الحال ان (الافعال الصادرة من العقلاء كلها، أو جلها ناشئة عن دفع الضرر) فان من يشترى الاكل، انما هو لدفع ضرر الجوع، و من يبنى الدار انما هو لدفع ضرر البقاء بلا مأوى، و هكذا فى غالب الافعال.

(و) كذلك (ليس دفع مطلق الضرر الحاصل من ايعاد شخص) له (يوجب صدق المكره عليه) ما لم ينصب الضرر على نفس الفعل (فان من اكره) من طرف الظالم (على دفع مال، و توقف) دفع ذلك المال (على بيع بعض امواله فالبيع الواقع منه لبعض امواله) لاجل ايفاء ذلك المال الى الظالم المكره (و إن كان) ذلك البيع (لدفع الضرر المتوعد به على عدم دفع ذلك المال): على، متعلق ب: المتوعد.

(- و لذا) الّذي ذكرنا انه مضطر لبيع المال (يرتفع التحريم) فى بيع

ص: 323

عنه، لو فرض حرمته عليه لحلف، او شبهه- الا انه ليس مكرها.

فالمعيار فى وقوع الفعل مكرها عليه سقوط الفاعل- من اجل الاكراه المقترن بايعاد الضرر- عن الاستقلال فى التصرف، بحيث لا يطيب نفسه بما يصدر منه و لا يتعمد إليه عن رضا، و ان كان يختاره لاستقلال العقل بوجوب اختياره دفعا للضرر، او ترجيحا لاقل الضررين، الا ان هذا المقدار.

______________________________

المال (عنه لو فرض حرمته) اى بيع المال (عليه لحلف، او شبهه-)

لان بيع المال داخل فى: ما اضطروا إليه، المخصص للعمومات الاولية (الا انه ليس مكرها) على بيع ذلك المال، فجملة: لذا، الى: او شبهه، معترضة، و انما ليس بيع المال عن اكراه، لان الظالم يكرهه على بيع المال، و انما اكرهه على دفع المال.

(فالمعيار فى وقوع الفعل مكرها عليه) انصباب الاكراه على نفس الفعل، كان يقول له: بع مالك، ب (سقوط الفاعل- من اجل الاكراه المقترن) ذلك الاكراه (بايعاد الضرر-) على تقدير عدم الفعل (عن الاستقلال فى التصرف): عن، متعلق ب: سقوط، (بحيث لا يطيب نفسه بما يصدر منه) اى من الفاعل (و لا يتعمد) الفاعل (إليه) اى الى الفعل (عن رضى) اى لا يقصد الفعل راضيا بالفعل (و إن كان يختاره) اى الفعل (لاستقلال العقل بوجوب اختياره) اى الاتيان بالفعل، و عدم تركه (دفعا للضرر) المتوعد به (او ترجيحا لاقل الضررين) من ضرر الفعل، و ضرر الوعيد (الا ان هذا المقدار) من طيب النفس، الّذي يحصل من اجل دفع الضرر، او ترجيح اقل الضررين، و الاول فيما لم يكن فى الفعل ضرر

ص: 324

لا يوجب طيب نفسه به فان النفس مجبولة على كراهة ما يحمله غيره عليه، مع الايعاد عليه بما لا يشق تحمله.

و الحاصل: ان الفاعل قد يفعل لدفع الضرر، لكنه مستقل فى فعله و مخلى و طبعه فيه بحيث يطيب نفسه بفعله، و إن كان من باب علاج الضرر، و قد يفعل لدفع ضرر ايعاد الغير على تركه.

و هذا مما لا يطيب النفس به، و ذلك معلوم بالوجدان.

______________________________

و الثانى فيما كان فيه ضرر، الا انه اقل من ضرر الوعيد.

فهذا المقدار من طيب النفس (لا يوجب طيب نفسه به) اى بالفعل (فان النفس مجبولة على كراهة ما يحمله غيره عليه مع الايعاد) من ذلك الغير (عليه) اى على الفعل (بما لا يشق تحمله) فكيف بما يشق تحمله؟ فان الغير لو حمل الانسان على ان يحرك يده كان فيه مشقة عليه، و ان لم يكن فى نفس التحريك صعوبة اذ الامر ينافى رفعة النفس و انفتها.

(و الحاصل: ان الفاعل قد يفعل لدفع الضرر، لكنه مستقل فى فعله و مخلى و طبعه فيه) كما لو باع داره لعلاج ولده، و كان البيع باختياره (بحيث يطيب نفسه بفعله، و إن كان) الفعل (من باب علاج الضرر و قد يفعل) الفعل (لدفع ضرر ايعاد الغير على تركه) كما لو جبره الجابر أن يبيع داره و يعالج ولده.

(و هذا مما لا يطيب النفس به، و ذلك معلوم بالوجدان).

و كذا قد يبيع داره لاعطاء ثمنها للظالم الّذي جبره على دفع هذا

ص: 325

ثم انه هل يعتبر فى موضوع الاكراه او حكمه، عدم امكان التفصي عن الضرر المتوعد به بما لا يوجب به ضرر آخر كما حكى عن جماعة أم لا؟

الّذي يظهر من النصوص و الفتاوى: عدم اعتبار العجز عن التورية

______________________________

المقدار من المال، فهذا بيع عن طيب النفس، و إن كان البيع لعلاج الضرر المتوجه إليه من ايعاد الغير، و قد يبيع داره لان الظالم جبره على بيع داره.

(ثم انه هل يعتبر فى موضوع الاكراه او حكمه) اى دفع حكم الموضوع و ان لم يكن اكراها واقعا- كما فى موضوع: التورية، فانه مع امكان التورية لا اكراه، و مع ذلك، المشهور وجود حكم الاكراه (عدم امكان التفصي عن الضرر المتوعد به بما لا يوجب به) اى بسبب ذلك التفصي مع (ضرر آخر كما حكى عن جماعة) فانهم اعتبروا فى صدق: الاكراه: موضوعا او رفع الاكراه للحكم، عدم امكان التفصي و التخلص حتى انه اذا امكن التخلص لا يسمى اكراها، او لا يكون له حكم الاكراه و ان سمى اكراها (أم لا؟) يعتبر عدم الامكان، بل يصدق الاكراه موضوعا، او يرتب حكم الاكراه: و ان لم يسم بالاكراه، فيما امكن التفصي.

(الّذي يظهر من النصوص و الفتاوى: عدم اعتبار العجز عن التورية) فى صدق الاكراه و وجود حكمه- مع ان التورية تفصى-

فلو قدر على التفصي بالتورية و لم يورّ كان اكراها، و لو قدر على التفصي بغير التورية، لم يكن اكراه، مثلا لو قال له المكره: طلق زوجتك فامكنه ان يقصد بلفظ: الطلاق،: الانطلاق، لا الطلاق المصطلح، و لم

ص: 326

لان حمل: عموم رفع الاكراه.

و خصوص: النصوص الواردة فى طلاق المكره و عتقه.

و معاقد الاجماعات، و الشهرات المدعاة فى حكم المكره، على صورة العجز عن التورية، لجهل، او دهشة، بعيد جدا، بل غير صحيح فى

______________________________

يفعل، بل قصد الطلاق المصطلح كان مكرها- موضوعا، او حكما- و لم يتحقق الطلاق.

و لو امكنه ان يفر عن محضر المكره، حتى لا يجرى صيغة الطلاق و مع ذلك لم يفر لم يتحقق موضوع الاكراه، و لا حكمه، بل حدث الطلاق صحيحا فالعجز بالتفصى عن التورية، غير معتبر فى صدق الاكراه، بخلاف سائر اقسام العجز.

و انما قلنا: لا يعتبر العجز عن التورية.

(لان حمل: عموم رفع الاكراه) فى قوله صلى اللّه عليه و آله: رفع ما استكرهوا عليه.

(و) حمل (خصوص النصوص الواردة فى طلاق المكره و عتقه) بانهما لا يقعان.

(و) حمل (معاقد الاجماعات و الشهرات المدعاة فى حكم المكره) و انه لا يقع منه ما اكره عليه (على صورة العجز عن التورية) عجزا كان (لجهل) عن التورية، بان لم يعرفها (او دهشة) و خوف، اوجب ان ينسى التورية (بعيد جدا) اذ: ظاهر الفتاوى و النصوص، ان الطلاق و العتق الاكراهى، لا يقع و ان تمكن من التورية (بل غير صحيح) هذا الحمل (فى

ص: 327

بعضها من جهة المورد كما لا يخفى على من راجعها.

مع ان القدرة على التورية لا يخرج الكلام عن حيز الاكراه عرفا.

هذا و ربما يستظهر من بعض الاخبار عدم اعتبار العجز عن التفصي بوجه آخر غير التورية أيضا

______________________________

بعضها من جهة المورد كما لا يخفى على من راجعها) كقوله عليه السلام:

انما الطلاق ما اريد به الطلاق من غير استكراه و لا اضرار، فان ظاهر قوله عليه السلام: ما اريد به، انه لو اراد الطلاق عن كره لم يتحقق اطلاق، اذ:

الإرادة ليست خاضعة للكره.

فالمراد إرادة الطلاق واقعا، لكنها حادثة عن اكراه باجراء صيغة الطلاق لان الصيغة هى الداخلة تحت الاكراه.

(مع ان القدرة على التورية لا يخرج الكلام عن حيز الاكراه عرفا) فانه يصدق الاكراه، و ان قدر على التورية.

فمن قال لشيعى: سب الامام عليه السلام قدر ان يقصد بلفظ: الامام امام جماعة، و مع ذلك لو سب صدق الاكراه، و لو كان التفصي بالتورية يخرج الكلام عن الاكراه، لعلم رسول الله صلى الله عليه و آله عمارا حين قال له: و ان عادوا فعد، و علم امير المؤمنين عليه السلام حين قال لاصحابه: اما السب فسبّونى، و علم الائمة عليهم السلام من يكره على الطلاق و العتق و ما اشبه.

(هذا و ربما يستظهر من بعض الاخبار عدم اعتبار العجز عن التفصي بوجه آخر) كالفرار من المكره (غير التورية أيضا)

ص: 328

فى صدق الاكراه مثل رواية ابن سنان عن ابى عبد الله عليه السلام، قال:

لا يمين فى قطيعة رحم، و لا فى جبر و لا فى اكراه.

قلت: اصلحك الله، و ما الفرق بين الجبر و الاكراه؟ قال: الجبر من السلطان، و يكون الاكراه من الزوجة، و الام، و الأب، و ليس ذلك بشي ء، الخبر، و يؤيده: انه لو خرج عن الاكراه عرفا بالقدرة على التفصي بغير التورية خرج عنه بالقدرة عليها.

______________________________

فكما يصدق الاكراه و ان قدر على التورية، كذلك يصدق الاكراه و ان قدر على الفرار (فى صدق الاكراه) متعلق ب: عدم اعتبار العجز، (مثل رواية ابن سنان عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: لا يمين فى قطيعة رحم) فلو حلف ان يقاطع رحمه كانت حلفه باطلة، بل يجب عليه الصلة و لا توجب الصلة عليه كفارة (و لا فى جبر و لا فى اكراه) فاليمين اذا كانت عن جبر او اكراه لا يترتب على حنثها الكفارة.

(قلت: اصلحك الله، و ما الفرق بين الجبر و الاكراه؟ قال: الجبر من السلطان) الّذي يعاقب الانسان الّذي لم يطعه (و يكون الاكراه من الزوجة، و الام، و الأب، و ليس ذلك) الاكراه (بشي ء) فلا يوجب مخالفة اليمين كفارة، فانه من المعلوم امكان التفصي من الزوجة و الابوين و مع ذلك لا يترتب على اليمين التى جاء بها خوفا منهم شي ء، اذا حنث (الخبر و يؤيده) اى عدم اعتبار العجز عن التفصي فى صدق الاكراه (انه لو خرج) الشخص المكره (عن الاكراه عرفا ب) سبب (القدرة على التفصي بغير التورية خرج عنه) اى عن الاكراه (بالقدرة عليها) اى على التورية

ص: 329

لان المناط حينئذ، انحصار التخلص عن الضرر المتوعد به فى فعل المكره عليه.

فلا فرق بين ان يتخلص عنه بكلام آخر، او فعل آخر او بهذا الكلام مع قصد معنى آخر.

و دعوى ان جريان حكم الاكراه مع القدرة على التورية تعبدى، لا

______________________________

أيضا.

فان عدم التفصي إن كان معتبرا فى صدق الاكراه، لزم عدم امكان التورية أيضا، و ان لم يعتبر عدم امكان التفصي فى باب التورية لم يعتبر فى سائر الابواب أيضا.

و انما كان هذا مؤيدا (لان المناط حينئذ) اى حين اشترطنا عدم امكان التفصي- فى صدق الاكراه- (انحصار التخلص عن الضرر المتوعد به فى فعل المكره عليه): عن، متعلق ب: التخلص، و: فى، متعلق ب: انحصار

(فلا فرق) فى عدم صدق الاكراه- اذا كان المناط ذلك- (بين ان يتخلص عنه) اى عن الضرر (بكلام آخر) غير التورية (او فعل آخر)

فاذا لم نشترط التخلص بالتورية، لم نشترط التخلص بفعل آخر أيضا (او بهذا الكلام مع قصد معنى آخر) بالتورية.

(و) ان قلت: هناك فرق بين التفصي بالتورية و بين التفصي بفعل آخر، اذ: ان الشارع حكم بحكم الاكراه و ان امكن التورية، و لم يحكم بحكم الاكراه فيما اذا امكن التفصي بغير التورية.

قلت: (دعوى ان جريان حكم الاكراه مع القدرة على التورية تعبدى لا

ص: 330

من جهة صدق حقيقة الاكراه، كما ترى.

لكن الانصاف ان وقوع الفعل عن الاكراه لا يتحقق الا مع العجز عن التفصي بغير التورية لانه يعتبر فيه ان يكون الداعى عليه هو خوف ترتب الضرر المتوعد به على الترك.

و مع القدرة على التفصي لا يكون الضرر مترتبا على ترك المكره عليه

______________________________

من جهة صدق حقيقة الاكراه.)

فمع امكان التورية: لا اكراه، و لكن الشارع حكم بحكم الاكراه،

و هذا الحكم من الشارع غير متحقق فى باب سائر انحاء التفصي (كما ترى) اذ لم نجد موضعا حكم الشارع بانه مع امكان التورية يتحقق حكم الاكراه لا موضوعه.

بل ظاهر الادلة عدم تحقق موضوع الاكراه- مطلقا- الشامل لصورة امكان التورية أيضا.

هذا غاية ما يمكن ان يقال فى وجه تحقق الاكراه، و ان امكن التفصي بغير التورية.

(لكن الانصاف ان وقوع الفعل عن الاكراه لا يتحقق) و لا يصدق الاكراه عرفا (الا مع العجز عن التفصي بغير التورية) فاذا لم يكن عجز لم يكن اكراه (لانه يعتبر فيه) اى فى باب الاكراه (ان يكون الداعى عليه) اى على الفعل (هو خوف ترتب الضرر المتوعد به على الترك) اى ترك الفعل الاكراهى.

(و) من المعلوم انه (مع القدرة على التفصي لا يكون الضرر مترتبا على ترك المكره عليه) فانه مع امكان الفرار عن الطلاق، لا يكون الضرر مترتبا على

ص: 331

بل على تركه و ترك التفصي معا.

فدفع الضرر يحصل باحد الامرين، من فعل المكره عليه، و التفصي فهو مختار فى كل منهما، و لا يصدر كل منهما الا باختياره فلا اكراه.

و ليس التفصي من الضرر، احد فردى المكره عليه، حتى لا يوجب تخيير الفاعل فيهما سلب الاكراه عنهما.

كما لو اكراهه على احد الامرين حيث يقع كل منهما حينئذ مكرها.

______________________________

ترك الطلاق (بل على تركه و ترك التفصي معا) فانه اذا لم يطلّق و لم يفر تضرر، لا انه اذا لم يطلّق تضرر.

(فدفع الضرر يحصل باحد الامرين من فعل المكره عليه) بان يطلق (و) من (التفصي) بان يفر (فهو مختار فى كل منهما) ان يفر، او يطلّق (و لا يصدر كل منهما الا باختياره) لهذا الفرد الخاص (فلا اكراه).

(و) ان قلت: الاكراه على احد شيئين اكراه على كل منهما، فكما انه لو قال له: طلق او اعتق، كان وقوع احدهما منه اكراها، كذلك اذا:

اكره على الطلاق او الفرار، فاذا طلق و الحال هذا كان طلاقا اكراهيا.

قلت: (ليس التفصي من الضرر احد فردى المكره عليه حتى لا يوجب تخيير الفاعل فيهما) اى فى الفردين (سلب الاكراه عنهما) فانه اذا كان احد فردى المكره، كان كل منهما مكرها عليه.

(كما لو اكرهه على احد الامرين) بان قال له: بع دارك او طلق زوجتك.

فانه ايا منهما اوقعه كان مكرها عليه (حيث يقع كل منهما حينئذ) اى حين كان الاكراه على احدهما (مكرها) عليه.

ص: 332

لان الفعل المتفصى به مسقط عن المكره عليه، لا بدل له.

و لذا لا يجرى عليه احكام المكره عليه اجماعا، فلا يفسد اذا كان عقدا.

و ما ذكرناه و ان كان جاريا فى التورية الا ان الشارع رخص فى ترك التورية، بعد عدم امكان التفصي بوجه آخر.

______________________________

و انما قلنا: التفصي ليس مكرها عليه، (لان الفعل المتفصى به مسقط عن المكره عليه، لا بدل له).

و فرق بين ان يقول المكره بع دارك، او طلق زوجتك، حيث يقع كل منهما مكرها عليه، و بين ان يقول طلق زوجتك، فيفر المكره عليه ببيع داره و الانتقال منها كيلا يعرف المكره مكان الزوجة- مثلا- فيجبره على الطلاق.

(و لذا) الّذي ذكرنا ان المتفصى به ليس احد فردى المكره عليه (لا يجرى عليه احكام المكره عليه اجماعا) فاذا باع داره، ليقول للمكره: طلقت زوجتى، لم يكن بيع الدار مكرها عليه، و باطلا بل يقع صحيحا (فلا يفسد اذا كان) المتفصى به (عقدا).

و لذا لا يكون الفرار عن الاكراه، احد شقى المكره عليه، حتى يكون الاكراه- الممكن فيه الفرار- اكراها على الشي ء، اذا امكنه الفرار و لم يفر.

(و ما ذكرناه) من ان امكان الفرار يوجب عدم تحقق الاكراه- اذا لم يفر، و اوقع المكره عليه- (و إن كان جاريا فى التورية) اذ: امكان التورية يوجب عدم صدق الاكراه على اللفظ، اذا لم يورّ فيه (الا ان الشارع رخص فى ترك التورية) حيث اطلق الاكراه، و إن كان امكن التورية، و لم يقل ان الاكراه انما هو اذا لم يتمكن من التورية (بعد عدم امكان التفصي بوجه آخر) كالفرار

ص: 333

لما ذكرنا من ظهور النصوص، و الفتاوى، و بعد حملها على صورة العجز عن التورية.

مع ان العجز عنها لو كان معتبرا لأشير إليها فى تلك الاخبار الكثيرة المجوزة للحلف كاذبا عند الخوف و الاكراه، خصوصا فى قضية عمار، و ابويه، حيث اكرهوا على الكفر فابى ابواه فقتلا، و اظهر لهم عمار ما ارادوا فجاء باكيا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فنزلت الآية:

______________________________

من عند يد المكره.

و الحاصل: انه ان دار الامر بين الفعل و الفرار، لم يكن اكراه على الفعل، و ان دار الامر بين اللفظ و التورية، كان اكراه على اللفظ- و ان امكن التورية و لم يورّ-

و انما قلنا: ان الشارع رخص (لما ذكرنا من ظهور النصوص و الفتاوى) فى تحقق الاكراه، و ان امكن التورية (و بعد حملها) اى النصوص و الفتاوى (على صورة العجز عن التورية) حتى نقول: بعدم تحقق الاكراه، اذا امكن التورية و لم يورّ.

(مع ان العجز عنها) اى عن التورية، و هذا من تتمة الدليل، لا دليل آخر (لو كان معتبرا) فى تحقق الاكراه (لأشير إليها فى تلك الاخبار الكثيرة المجوزة للحلف كاذبا عند الخوف و الاكراه) لو لم يحلف (خصوصا فى قضية عمار، و ابويه، حيث اكرهوا على الكفر) من جانب كفار مكة (فابى ابواه) التلفظ بالكفر (فقتلا، و اظهر لهم عمار ما ارادوا) من التلفظ بالكفر (فجاء باكيا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله) خائفا من تلفظه بالكفر (فنزلت الآية:)

ص: 334

مَنْ كَفَرَ بِاللّٰهِ مِنْ بَعْدِ إِيمٰانِهِ إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ان عادوا عليك، فعدو لم ينبّهه على التورية فان التنبيه فى المقام و ان لم يكن واجبا الا انه لا شك فى رجحانه خصوصا من النبي صلى اللّه عليه و آله باعتبار شفقته على عمار، و علمه بكراهة تكلم عمار بألفاظ الكفر من دون تورية، كما لا يخفى.

______________________________

لتبرير ساحة عمار (مَنْ كَفَرَ بِاللّٰهِ مِنْ بَعْدِ إِيمٰانِهِ) يعفى له كذا من العقاب (إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ) فانه لا يضرّه التلفظ بالكفر (فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: ان عادوا عليك) و طلبوا منك التلفظ بلفظ الكفر (فعد) و قل ما شاءوا: فانه لا يضرك (و لم ينبّهه) الرسول صلى اللّه عليه و آله (على التورية).

ان قلت: ليس التنبيه واجبا لانه من الموضوعات.

قلت: (فان التنبيه فى المقام و ان لم يكن واجبا الا انه لا شك فى رجحانه خصوصا من النبي صلى اللّه عليه و آله) الّذي كان يرشد الناس، حتى الى امور دنياهم بالاخص (باعتبار شفقته على عمار، و علمه بكراهة تكلم عمار بألفاظ الكفر من دون تورية، كما لا يخفى).

بل ربما يقال: بوجوب الارشاد لانه من ارشاد الجاهل و كيف يقول له النبي صلى اللّه عليه و آله: ان عادوا فعد،؟ مع انه لا يجوز له ان يعود، و الحال انه قادر على التورية فهو كان يقول: اشرب الخمر، بدون ان يقيده بعدم امكان الفرار.

بل يظهر أيضا من قول على عليه السلام: اما السبّ فسبّونى.

ص: 335

هذا و لكن الاولى ان يفرق بين امكان التفصي بالتورية، و امكانه بغيرها بتحقق الموضوع فى الاول، دون الثانى لان الاصحاب- وفاقا للشيخ فى المبسوط- ذكروا من شروط تحقق الاكراه ان يعلم، او يظن المكره بالفتح- انه لو امتنع ما اكره عليه وقع فيما توعد عليه.

و معلوم ان المراد: ليس امتناعه عنه فى الواقع و لو مع اعتقاد المكره- بالكسر-

______________________________

(هذا و لكن الاولى ان يفرق بين امكان التفصي بالتورية، و امكانه بغيرها) من الفرار، او نحو ذلك (بتحقق الموضوع) للاكراه (فى الاول) اى التورية (دون الثانى) اى التفصي بغيرها.

فلو تمكن من التورية و لم يورّ صدق الاكراه.

و لو تمكن من الفرار و لم يفر لم يصدق الاكراه.

فالفرق بينهما فى تحقق الموضوع و عدمه، لا فى ان كليهما ليسا من موضوع الاكراه، و انما الحكم يختلف فيهما، فاحدهما يحكم بحكم الاكراه دون الآخر (لان الاصحاب- وفاقا للشيخ فى المبسوط- ذكروا من شروط تحقق الاكراه) موضوعا (ان يعلم، او يظن المكره- بالفتح- انه لو امتنع ما اكره عليه وقع فيما توعد عليه) من المحذور.

(و معلوم) ان هذا الميزان يصدق و ان تمكن من التورية، و لا يصدق فيما اذا تمكن من التفصي بغيرها.

و ذلك ل (ان المراد) للشيخ (ليس امتناعه) اى المكره- بالفتح- (عنه) اى عن المكره- بالكسر- (فى الواقع و لو مع اعتقاد المكره- بالكسر-

ص: 336

عدم الامتناع.

بل المعيار فى وقوع الضرر اعتقاد المكره لامتناع المكره.

و هذا المعنى يصدق مع امكان التورية، و لا يصدق مع التمكن من التفصي بغيرها لان المفروض تمكنه من الامتناع مع اطلاع المكره عليه، و عدم وقوع الضرر عليه.

و الحاصل ان التلازم بين امتناعه و وقوع الضرر الّذي هو المعتبر

______________________________

عدم الامتناع).

اذا فالتورية امتناع فى الواقع، و ذلك لا ينافى الاكراه.

لما عرفت من ان المناط: الامتناع ظاهرا.

فكلما تحقق الامتناع الظاهرى و اوجب الوقوع فى المحذور صدق الاكراه.

(بل المعيار فى وقوع الضرر اعتقاد المكره)- بالكسر- (لامتناع المكره)- بالفتح-.

(و هذا المعنى يصدق مع امكان التورية، و لا يصدق مع التمكن من التفصي بغيرها) كالفرار من الظالم (لان المفروض تمكنه من الامتناع مع اطلاع المكره عليه، و عدم وقوع الضرر عليه) فانه لو فرّ علم الظالم بامتناعه و لم يتمكن مع وقوع الضرر عليه، فلا يتحقق موضوع الاكراه فى صورة التمكن- مثلا-

(و الحاصل) من الفرق بين التمكن بالتفصى بسبب التورية، او بسبب غيرها (ان التلازم بين امتناعه) اى المكره- بالفتح- (و وقوع الضرر الّذي هو المعتبر

ص: 337

فى صدق الاكراه موجود، مع التمكن بالتورية، لا مع التمكن بغيرها، فافهم.

ثم ان ما ذكرنا من اعتبار العجز عن التفصي: انما هو فى الاكراه المسوغ للمحرمات، و مناطه توقف دفع ضرر المكره على ارتكاب المكره عليه

______________________________

فى صدق الاكراه موجود، مع التمكن بالتورية).

لان المراد بالامتناع الظاهرى (لا مع التمكن بغيرها) فان الفرار يوجب عدم وقوع الضرر (فافهم) اذ: الامتناع فى كل من التورية و الفرار ممكن، و لا يوجب الضرر، فالامتناع فى التورية واقعى لا يعرفه المكره- بالكسر- و الامتناع فى الفرار ظاهرى يعرفه المكره.

و من المعلوم ان عرفان المكره- بالكسر- لا مدخلية له.

الا ترى انه لو جبره بشرب الخمر، لكنه يتمكن ان يشرب الماء بحيث يزعم الظالم انه خمر، لم يجز له شرب الخمر، و إن كان الظالم يظنه خمرا، فان الامتناع هنا ليس بظاهرى، و مع ذلك لا يصدق الاكراه.

فصدق الاكراه متوقف على عدم امكان التفصي باى وجه كان- واقعا او ظاهرا- فلو امكن التفصي و لو واقعا لم يصدق الاكراه.

(ثم ان ما ذكرنا من اعتبار العجز عن التفصي) فى صدق الاكراه، و ترتب حكم الاكراه (انما هو فى الاكراه المسوغ للمحرمات، و مناطه) اى مناط تحقق هذا الاكراه (توقف دفع ضرر المكره) بالكسر (على ارتكاب المكره عليه) بحيث لو لم يأت المجبور بما اجبر تضرر من الجابر.

ص: 338

و اما الاكراه الرافع لاثر المعاملات، فالظاهر ان المناط فيه عدم طيب النفس بالمعاملة.

و قد يتحقق مع امكان التفصي، مثلا من كان قاعدا فى مكان خاص خال عن الغير متفرغا لعبادة، او مطالعة فجائه من اكرهه على بيع شي ء مما عنده، و هو فى هذه الحال، غير قادر على دفع ضرره، و هو كاره للخروج عن ذلك المكان لكن لو خرج كان له فى الخارج خدم يكفونه شر المكره.

فالظاهر: صدق الاكراه حينئذ بمعنى عدم طيب النفس لو باع ذلك الشي ء، بخلاف من كان خدمه حاضرين عنده، و توقف دفع ضرر اكراه الشخص على امر خدمه.

______________________________

(و اما الاكراه الرافع لاثر المعاملات، فالظاهر ان المناط فيه عد طيب النفس بالمعاملة) و ان امكن التفصي و لو يتفصّ.

(و قد يتحقق) عدم طيب النفس (مع امكان التفصي، مثلا من كان قاعدا فى مكان خاص خال عن الغير) فى حالكونه (متفرغا لعبادة، او مطالعة فجائه من اكرهه على بيع شي ء مما عنده) بحيث لو لم يبع اضره باخذ دينار منه اعتباطا- مثلا- (و هو فى هذه الحال) الّذي يريد فيها البقاء فى ذلك المكان (غير قادر على دفع ضرره، و هو كاره للخروج عن ذلك المكان لكن لو خرج كان له فى الخارج خدم يكفونه شر المكره) بالكسر.

(فالظاهر: صدق الاكراه حينئذ) فى هذه المعاملة (بمعنى عدم طيب النفس لو باع ذلك الشي ء) فالبيع باطل و ان امكن التفصي (بخلاف من كان خدمه حاضرين عنده، و توقف دفع ضرر اكراه الشخص على امر خدمه

ص: 339

بدفعه و طرده.

فان هذا لا يتحقق فى حقه الاكراه، و يكذب لو ادعاه.

بخلاف الاول اذا اعتذر فكراهة الخروج عن ذلك المنزل، و لو فرض فى ذلك المثال، اكراهه على محرم، لم يعذر بمجرد كراهة الخروج عن ذلك المنزل و قد تقدم الفرق بين الجبر و الاكراه، فى رواية ابن سنان.

______________________________

بدفعه و طرده) و لم يكن فى ذلك محذور.

(فان هذا) الشخص (لا يتحقق فى حقه الاكراه، و يكذب لو اعاده) بان قال: انى كنت مكرها، و لا طيب لنفسى فى هذه المعاملة التى اجريتها، فهى باطلة.

(بخلاف الاول) الّذي كان خدمه خارجا، و هو لا يريد الخروج (اذا اعتذر، فكراهة الخروج عن ذلك المنزل، و لو فرض فى ذلك المثال) و هو ما اذا اراد المطالعة او العبادة فى المحل المخلى (اكراهه على محرم) فارتكبه اعتذارا بانه لم يرد الخروج (لم يعذر) فى ذلك المحرم (بمجرد) انه ارتكبه ل (كراهة الخروج عن ذلك المنزل).

فتحقق الفرق بين الاكراه على المعاملة، و انه يتحقق بكراهة الخروج لعدم طيب النفس حينئذ.

و بين الاكراه على المحرم، و انه يتوقف على عدم امكان التفصي.

(و) الّذي يؤيّد الفرق المذكور هو ما (قد تقدم) من (الفرق بين الجبر و الاكراه، فى رواية ابن سنان) حيث ذكر الجبر من السلطان، و الاكراه من المرأة، و الأب، و الام.

ص: 340

فالاكراه المعتبر فى تسويغ المحظورات هو الاكراه بمعنى الجبر المذكور، و الرافع لاثر المعاملات، هو: الاكراه الّذي ذكر فيها انه قد يكون من الأب، و الوالد، و المرأة، و المعيار فيه: عدم طيب النفس فيها، لا الضرورة، و الالجاء، و ان كان هو المتبادر من لفظ الاكراه.

و لذا يحمل الاكراه فى حديث: الرفع، عليه، فيكون الفرق

______________________________

فان هذه الرواية تؤيّد تحقق الاكراه من الزوجة.

و من المعلوم ان المراد اكراهها له على المحرم، بل على ايقاع معاملة او نحوها.

(فالاكراه المعتبر فى تسويغ المحظورات) سواء كان ترك واجب، او فعل حرام (هو الاكراه بمعنى الجبر المذكور، و) اما الاكراه (الرافع لاثر المعاملات هو: الاكراه الّذي ذكر فيها) اى فى تلك الرواية (انه قد يكون من الأب، و الوالد، و المرأة، و المعيار فيه) اى فى الاكراه الرافع لاثر المعاملات (عام طيب النفس فيها) اى فى المعاملات (لا الضرورة و الالجاء) بحيث لا يمكن التفصي (و إن كان هو) اى الالجاء و الضرورة (المتبادر من لفظ الاكراه) بقول مطلق.

و الحاصل انا حيث نعلم بان الكره الموجب لفعل المحرم لا يتحقق بسبب الزوجة نحمل الكره فى الرواية على الكره فى المعاملة الحاصل بعدم طيب النفس، و ان امكن الفرار.

(و لذا) الّذي ذكرنا من ان المتبادر من الاكراه، الاضطرار، و الالجاء (يحمل الاكراه فى حديث: الرفع، عليه) اى على الجاء (فيكون الفرق

ص: 341

بينه و بين الاضطرار المعطوف عليه فى ذلك الحديث اختصاص الاضطرار بالحاصل، لا من فعل الغير كالجوع، و العطش، و المرض.

لكن الداعى على اعتبار ما ذكرنا فى المعاملات، هو: ان العبرة فيها بالقصد الحاصل عن طيب النفس حيث استدلوا على ذلك بقوله تعالى:

تجارة عن تراض، و: لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه، و عموم

______________________________

بينه) اى بين الاكراه (و بين الاضطرار) الوارد فى حديث الرفع (المعطوف عليه فى ذلك الحديث، اختصاص الاضطرار بالحاصل، لا من فعل الغير كالجوع، و العطش، و المرض) سواء كانت مقدمات ذلك من فعل الغير كان يمنعه عن طعامه حتى يضطر جوعا أم لا؟

(لكن) استدراك عن قوله: هو المتبادر، اى ان المتبادر من: الاكراه الالجاء.

و انما قلنا لا يعتبر فى المعاملات الالجاء، و انما يكفى بعض الاكراه و ان امكن التفصي عنه.

لما ذكره بقوله: ان (الداعى على اعتبار ما) اى معنى الاكراه الّذي (ذكرنا فى المعاملات، هو: ان العبرة فيها) اى فى المعاملات (بالقصد) الى المعاملة (الحاصل عن طيب النفس) و مع الكره لا طيب للنفس.

و انما اعتبرنا فيها طيب النفس (حيث استدلوا على ذلك بقوله تعالى:

تجارة عن تراض، و) قوله عليه السلام: (لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه، و عموم) ما دل على

ص: 342

اعتبار الإرادة فى صحة الطلاق.

و خصوص ما ورد فى فساد طلاق من طلق للمداراة مع عياله.

فقد تلخص مما ذكرنا ان الاكراه الرافع لاثر الحكم التكليفى، اخص من الرافع لاثر الحكم الوضعى، و لو لوحظ ما هو المناط فى رفع كل منهما من دون ملاحظة عنوان الاكراه كانت النسبة بينهما العموم من وجه، لان المناط فى رفع الحكم التكليفى، هو: دفع الضرر، و

______________________________

(اعتبار الإرادة فى صحة الطلاق).

فان العموم شامل لسائر العقود و الايقاعات، بل المناط كاف، و ان لم يكن عموم.

(و خصوص ما ورد فى فساد طلاق من طلق للمداراة مع عياله) و ليس ذلك الا لاجل عدم طيب النفس، و الا فالمداراة تقابل الاكراه.

(فقد تلخص مما ذكرنا ان الاكراه الرافع لاثر الحكم التكليفى) بان يسقط الحرام عن حرمته، و الواجب عن وجوبه (اخص من الرافع لاثر الحكم الوضعى) بان يوجب بطلان البيع و الطلاق و ما اشبه.

و وجه الاخصية ان الرافع للحكم التكليفى: هو الاكراه بدون مناص، و الرافع للحكم الوضعى: هو الاكراه مطلقا، اى و لو كان هناك مناص.

اذ عدم طيب النفس كاف فى بطلان المعاملة (و لو لوحظ ما هو المناط فى رفع كل منهما) اى من الحكم التكليفى و الحكم الوضعى (من دون ملاحظة عنوان الاكراه، كانت النسبة بينهما: العموم من وجه).

و ذلك (لان المناط فى رفع الحكم التكليفى، هو: دفع الضرر و)

ص: 343

فى رفع الحكم الوضعى، هو: عدم الإرادة، و طيب النفس.

و من هنا لم يتأمل احد فى انه اذا اكره الشخص على احد الامرين المحرمين لا بعينه، فكل منهما وقع فى الخارج، لا يتصف بالتحريم، لان المعيار فى دفع الحرمة، دفع الضرر المتوقف على فعل احدهما.

______________________________

المناط (فى رفع الحكم الوضعى، هو: عدم الإرادة و) عدم (طيب النفس) فيجتمعان فى مورد دفع الضرر، و عدم طيب النفس، كما لو اجبره على طلاق زوجته و لا مناص له فى الفرار.

و يكون الاكراه التكليفى فقط دون الوضعى فى مورد دفع الضرر مع طيب النفس، كما لو اجبره على شرب الخمر بحيث يقتله لو لم يشرب، و لا مناص له، لكنه يرضى بالشرب.

و يكون الاكراه الوضعى فقط دون التكليفى فى مورد كره النفس مع امكان التفصي كما لو اكرهته زوجته بطلاق الضرة مع امكانه عدم طلاقها.

(و من هنا) اى وجود الفرق بين الاكراهين التكليفى و الوضعى، و اختلاف مناطهما (لم يتأمل احد فى انه اذا اكره الشخص على احد الامرين المحرمين لا بعينه) كما لو اكرهه على شرب احد الإناءين، و هما خمر، او اكرهه على خمر، او نجس (فكل منهما وقع فى الخارج، لا يتصف بالتحريم).

و ذلك (لان المعيار فى رفع الحرمة دفع الضرر المتوقف على فعل احدهما)، فالاكراه موجود فى الجامع بينهما.

ص: 344

اما لو كانا عقدين او إيقاعين كما لو اكره على طلاق احدى زوجتيه فقد استشكل غير واحد فى ان ما يختاره من الخصوصيين بطيب نفسه و يرجحه بدواعيه النفسانية الخارجة عن الاكراه مكره عليه باعتبار جنسه أم لا؟ بل افتى فى القواعد: بوقوع الطلاق، و عدم الاكراه.

و ان حمله بعضهم على ما اذا قنع المكره بطلاق

______________________________

و ذلك يكفى فى اتصاف كل منهما بالاكراه فانه اذا لم يفعل احدهما تضرّر.

(اما لو كانا) الامران المكره على احدهما (عقدين) كنكاحين او بيعين (او ايقاعين) كطلاقين و عتقين (كما لو اكره على طلاق احدى زوجتيه فقد استشكل غير واحد) من الفقهاء (فى ان ما يختاره من الخصوصيين) كطلاق هند مثلا (بطيب نفسه) اذ الاختيار لهذه على تلك بطيب النفس، و انما الاكراه على الجامع (و يرجحه) على الآخر ترجيحا (بدواعيه النفسانية الخارجة عن الاكراه).

مثلا انه يرجح زينب على هند، و لذا اذا دار الامر بينهما يرجح بقاء زينب تبعا لداعيه النفسانى، و إن كان فى اصل الطلاق مكرها (مكره عليه باعتبار جنسه أم لا؟) هذا خبر قوله: ان ما يختاره، (بل افتى فى القواعد: بوقوع الطلاق، و عدم الاكراه).

لان المعيار فى الاكراه فى هذا الباب عدم طيب النفس، و هاهنا يوجد طيب النفس، لانه بطيب نفسه يرجح طلاق هند على طلاق زينب.

(و ان حمله) اى كلام القواعد (بعضهم على ما اذا قنع المكره بطلاق

ص: 345

إحداهما مبهمة.

لكن المسألة عندهم غير صافية عن الاشكال، من جهة مدخلية طيب النفس فى اختيار الخصوصية و إن كان الاقوى- وفاقا لكل من تعرض للمسألة- تحقق الاكراه لغة و عرفا.

مع انه لو لم يكن هذا مكرها عليه لم يتحقق الاكراه اصلا.

______________________________

إحداهما مبهمة).

كما لو اكرهه الظالم بان يطلق احدى زوجتيه، و كان قانعا بان يقول الزوج: طلقت إحداهما، مما لا يقع طلاق معه، فباختياره قال: طلقت هندا فانه يقع الطلاق اذ لم يكن مجبورا فى الطلاق، بل كان له المناص.

(لكن المسألة) اى مسئلة الاكراه على إحداهما (عندهم غير صافية عن الاشكال، من جهة مدخلية طيب النفس فى اختيار الخصوصية) فلا اكراه و من جهة الاكراه على الجامع بحيث لولاه لم يطلق، فهو اكراه (و إن كان الاقوى- وفاقا لكل من تعرض للمسألة- تحقق الاكراه لغة و عرفا) فان كل واحد من المكره و المكره عليه قد يكون واحد او قد يكون احد الشخصين او الامرين، كما لو اكرهه زيد او عمرو، او اكره زيد خالدا او بكرا، او اكره زيد عمرو اعلى بيع الثبوت او الدار، او اكره احد شخصين، زيدا او عمروا، على بيع الثوب او الدار- فى صورة التعدد فى كل الجوانب-.

(مع انه لو لم يكن هذا) المجبر على طلاق احدى زوجتيه (مكرها عليه لم يتحقق الاكراه) فى الخارج (اصلا) الا نادرا.

ص: 346

اذ الموجود فى الخارج دائما احدى خصوصيات المكره عليه.

اذ لا يكاد يتفق الاكراه بجزئى حقيقى من جميع الجهات.

نعم: هذا الفرد مختار فيه من حيث الخصوصية، و إن كان مكرها عليه من حيث القدر المشترك بمعنى ان وجوده الخارجى ناش عن اكراه و اختيار.

و لذا لا يستحق المدح و الذم باعتبار اصل الفعل، و يستحقه باعتبار الخصوصية.

______________________________

(اذ الموجود فى الخارج دائما احدى خصوصيات المكره عليه) و انما الاكراه على الجامع.

(اذ لا يكاد يتفق الاكراه بجزئى حقيقى من جميع الجهات).

مثلا لو اجبره على طلاق زوجته، فان خصوصيات الزمان و المكان، و كيفية اجراء الصيغة و ما اشبه، كلها تكون باختياره، اذ المكره لا يجبر الا على اصل الطلاق.

(نعم: هذا الفرد مختار فيه من حيث الخصوصية، و إن كان مكرها عليه من حيث القدر المشترك) فيجتمع فى هذا الفرد الخارجى الاكراه و الاختيار (بمعنى ان وجوده الخارجى ناش عن اكراه) بالجامع (و اختيار) للخصوصية.

(و لذا) الّذي كان هذا الفرد جامعا للامرين (لا يستحق المدح و الذم باعتبار اصل الفعل) لانه ليس باختياره (و يستحقه باعتبار الخصوصية) التى اختارها على ما سواها، فاذا طلق هندا، بعد ان اجبره على طلاق هند او زينب ليسأل عن انه لما اختار طلاق هند على طلاق زينب؟ فقد يكون

ص: 347

و تظهر الثمرة فيما لو ترتب اثر على خصوصية المعاملة الموجودة فانه لا يرتفع بالاكراه على القدر المشترك مثلا لو اكرهه على شرب الماء او شرب الخمر، لم يرتفع تحريم الخمر، لانه مختار فيه و إن كان مكرها فى اصل الشرب

______________________________

ذلك لاجل انطباق الكلى فقط، و قد يكون لترجيح فى طلاقها.

و المدح و الذم انما هما فى صورة الترجيح لا مجرد وجود الكلى فيها كما لا يخفى

(و تظهر الثمرة) فى كون الخصوصية غير مكرهة (فيما لو ترتب اثر على خصوصية المعاملة الموجودة، فانه لا يرتفع بالاكراه على القدر المشترك مثلا) لو اكرهه على طلاق زوجته، او طلاق اجنبية- زاعما انها زوجته أيضا فطلق الزوجة كان الطلاق صحيحا، اذ: لا اكراه على طلاقها، و امكان التفصي باجراء صورة طلاق الاجنبية ان لم يكن هناك محذور آخر، او كان بحيث لم يعلم ذلك، حتى صدر منه طلاق الزوجة كرها.

و كذا (لو اكرهه على شرب الماء او شرب الخمر، لم يرتفع تحريم الخمر، لانه مختار فيه) اى فى هذا الشرب (و إن كان مكرها فى اصل الشرب).

فان الحرام لا يحل، اذا كان طرفه حلالا.

نعم يحل اذا كان طرفه حراما آخر مساويا له، او اقل حرمة منه.

و تفصيل الكلام انه لو كان المكره عليه احد شيئين،

فإن كان كلاهما حراما لوحظ اقلهما حرمة- إن كان بينهما اقل- و الّا جاز ارتكاب ايهما شاء.

و إن كان احدهما حلالا فإن كان فى الحلال ضرر على نفسه، لوحظ

ص: 348

و كذا لو اكرهه على بيع صحيح او فاسد، فانه لا يرتفع اثر الصحيح، لانه مختار فيه، و إن كان مكرها فى جنس البيع.

لكنه لا يترتب على الجنس اثر يرتفع بالاكراه.

و من هنا

______________________________

الاهم من الضرر المرفوع و الحرام، كما لو اكرهه على طلاق زوجته او شرب الخمر.

و ذلك لان الشارع رفع الضرر فليس يقدّم الحلال و الحال هذه- اى ان الحلال اكثر ضررا فى نفسه من حرمة الحرام- على الحرام.

و ان لم يكن فى الحلال ضرر كمثال الماء و الخمر، قدم الحلال قطعا.

(و كذا لو اكرهه على بيع صحيح او فاسد، فانه لا يرتفع اثر الصحيح لانه مختار فيه، و إن كان مكرها فى جنس البيع).

و ذلك فيما اذا لم يكن فى البيع الفاسد ضرر خارجى، كما انه لو اجرى البيع الفاسد كان موجبا لحرام آخر، مثلا خيّره بين بيع داره او بيع دار زيد، فيما لا يرضى زيد بالبيع، و كان بيعه لدار زيد ضررا على زيد لان الغاصب يجعل البيع ذريعة لاغتصابها منه.

(لكنه لا يترتب على الجنس اثر يرتفع) ذلك الاثر (بالاكراه).

مثلا لو نذر ان لا يجرى لفظ البيع لا صحيحا و لا فاسدا، لم يلزمه الحنث و الكفارة.

لان الجامع مكره عليه، و المفروض ان الجامع هو ذو الاثر.

(و من هنا) الّذي ذكرنا من ان اكراه احد امرين لا يكون اكراها

ص: 349

يعلم انه لو اكره على بيع مال، او ايفاء مال مستحق لم يكن اكراها لان القدر المشترك بين الحق و غيره، اذا اكره عليه لم يقع باطلا.

و الا لوقع الايفاء أيضا باطلا.

فاذا اختار البيع صح، لان الخصوصية غير مكره عليها، و المكره عليه و هو القدر المشترك- غير مرتفع الاثر.

و لو اكرهه على بيع مال، او اداء مال غير مستحق، كان اكراها.

______________________________

لخصوص احدهما (يعلم انه لو اكره على بيع مال، او ايفاء مال مستحق) كما لو قال له اما بع دارك، او اعطنى المطلب الّذي استحقه منك (لم يكن اكراها) على بيع المال.

و ذلك (لان القدر المشترك بين الحق و غيره، اذا اكره عليه لم يقع باطلا) اذ: لو صح احد الفردين لم يكن الجامع باطلا.

(و الا) يكن كذلك، بل كان اكراه الجامع اكراها لكل من الفردين (لوقع الايفاء أيضا باطلا).

و الحال ان الايفاء ليس بباطل، فالبيع ليس بمكره عليه.

(فاذا اختار البيع) فى المثال السابق (صح لان الخصوصية) الموجودة فى البيع (غير مكره عليها، و المكره علية و هو القدر المشترك-) بين البيع و الايفاء (غير مرتفع الاثر).

و ذلك لعدم اثر محرّم للنجس، فهو من قبيل السابقة بانتفاء الموضوع.

(و لو اكرهه على بيع مال، او اداء مال غير مستحق، كان اكراها).

ص: 350

لانه لا يفعل البيع الا فرارا من بدله او وعيده المضرين، كما لو اكرهه على بيع داره، او شرب الخمر فان ارتكاب البيع للفرار عن الضرر الاخروى ببدله، او التضرر الدنيوى بوعيده.

ثم ان اكراه احد الشخصين على فعل واحد، بمعنى الزامه عليهما كفاية و ايعاد هما على تركه.

______________________________

فكل من الفردين مكره عليه، فاذا باع كان باطلا.

(لانه لا يفعل البيع الا فرارا من بدله) الّذي هو اعطاء مال غير مستحق (او) فرارا من (وعيده المضرين) صفة: بدله، او: وعيده.

فيكون حال هذا المثال (كما لو اكرهه على بيع داره او شرب الخمر) فباع الدار، كان البيع باطلا (فان ارتكاب البيع) فى هذا الحال انما هو (للفرار عن الضرر الاخروى ببدله) اى شرب الخمر (او التضرر الدنيوى بوعيده) باخذ المال منه.

(ثم ان اكراه) المكره (احد الشخصين على فعل واحد، بمعنى الزامه عليهما كفاية).

كما لو قال: لزيد و عمرو، لا بد و ان يشرب احد كما الخمر، او قال: لا بد و ان يبيع داره، او قال: لا بدّ لاحد كما اما ان يشرب الخمر او يبيع داره بإلزامه عليهما كفاية (و ايعاد هما على تركه).

سواء كان الايعاد لهما، كما لو قال: فان لم تفعلا قتلتكما.

او الايعاد لاحدهما، كما لو قال: قتلت احدكما

اذ العقاب المردد أيضا محل خوف الضرر الموجب لجواز الارتكاب

ص: 351

كاكراه شخص واحد على احد الفعلين فى كون كل منهما مكرها.

و اعلم: ان الاكراه قد يتعلق بالمالك و العاقد كما تقدم.

و قد يتعلق بالمالك، دون العاقد، كما لو اكره على التوكيل فى بيع ماله فان العاقد قاصد مختار، و المالك مجبور، و هو داخل فى العقد الفضولى، بعد ملاحظة عدم تحقق الوكالة مع الاكراه

______________________________

للحرام، و ارتفاع الاثر (كاكراه شخص واحد على احد الفعلين فى كون كل منهما مكرها) يجوز ارتكاب الحرام معه.

كما انه لو اوقع العقد، و الايقاع لم يكن له اثر.

(و اعلم: ان الاكراه قد يتعلق بالمالك و العاقد كما تقدم) سواء كان اثنين، او واحدا؟

(و قد يتعلق بالمالك، دون العاقد، كما لو اكره على التوكيل فى بيع ماله) او اكرهه على البيع فوكّل هو باختياره شخصا ليجرى عقد البيع (فان العاقد) فى الصورتين (قاصد مختار، و المالك مجبور، و هو داخل فى العقد الفضولى) لانه بيع بدون رضى المالك.

اذ الفضولى اعم من عدم علم المالك، او نهيه و عدم رضاه.

نعم عدم الاجازة اللاحق للعقد الفضولى رافع. لاثره، كما حقق فى باب الفضولى (بعد ملاحظة عدم تحقق الوكالة مع الاكراه).

اذ: الاكراه فى الوكالة يوجب عدم تحقق الوكالة، بل و كذا لا تتحقق الوكالة فيما اذا اكره على البيع، و ان وكل اختيارا.

اذ متعلق الوكالة باطل، فهو كما لو و كل فى بيع مال غيره، حيث تقع

ص: 352

و قد ينعكس.

كما لو قال: بع مالى، او طلّق زوجتى، و الا قتلتك.

و الاقوى هنا: الصحة لان العقد هنا- من حيث انه عقد- لا يعتبر فيه سوى القصد الموجود فى المكره اذا كان عاقدا، و الرضا المعتبر من المالك موجود بالفرض فهذا اولى من المالك المكره على العقد اذا رضى لاحقا.

______________________________

الوكالة باطلة.

(و قد ينعكس) بان يكون الوكيل مجبورا دون الموكل.

اذ: قد يكونان مختارين، و قد يكونان مجبورين و قد يكون الموكل مجبورا دون الوكيل، و قد يكون الوكيل مجبورا دون الموكل.

(كما لو قال) الجابر- لمن يريد توكيله- (بع مالى، او طلق زوجتى و الا قتلتك) فطلق او باع مجبورا، فى اجراء العقد و الايقاع.

(و الاقوى هنا: الصحة لان العقد هنا- من حيث انه عقد) فى قبال العقد الّذي وقع على الشي ء المجبور فيه، كما لو كان المالك مجبورا على البيع (لا يعتبر فيه سوى القصد الموجود فى المكره) بالفتح (اذا كان) المكره (عاقدا، و الرضا المعتبر من المالك موجود بالفرض) لفرض كونه راضيا (فهذا) العقد (اولى) بالصحة (من) عقد (المالك المكره على العقد اذا رضى لاحقا) بعد العقد.

و وجه الاولوية واضح، اذ: فى المالك المكره، لا رضى بالمضمون و لا باجراء العقد، و هنا يوجد الرضا بالمضمون و انما لا يوجد الرضا بالاجراء

ص: 353

و احتمل فى المسالك: عدم الصحة نظرا الى ان الاكراه يسقط حكم اللفظ.

كما لو امر المجنون بالطلاق، فطلقها.

ثم قال: و الفرق بينهما ان عبارة المجنون مسلوبة بخلاف المكره فان عبارته مسلوبة لعارض تخلف القصد، فاذا كان الامر قاصدا لم يقدح اكراه المأمور انتهى، و هو حسن.

______________________________

فقط.

(و احتمل فى المسالك: عدم الصحة) لما اذا كان العاقد كارها لاجراء العقد، و إن كان المالك راضيا، (نظرا الى ان الاكراه يسقط حكم اللفظ) لاطلاق دليل: رفع ما استكرهوا عليه.

(كما لو امر المجنون بالطلاق فطلقها).

فكما ان لفظ المجنون لا اثر له، كذلك لفظ المكره- بالفتح.

(ثم قال) المسالك (و الفرق بينهما) اى المكره و المجنون (ان عبارة المجنون مسلوبة) ذاتا، فهى كعبارة الببغاء، لا مقتضى لها (بخلاف، المكره، فان عبارته مسلوبة لعارض تخلف القصد).

فهنا المانع موجود، لا ان المقتضى مفقود (فاذا كان الامر) الّذي امر المكره باجراء صيغة العقد (قاصدا) للمعاملة (لم يقدح اكراه المأمور) اى المكره الحاصل فى جريان اللفظ (انتهى) كلام الشهيد (و هو حسن) و إن كان يرد عليه ان دليل رفع الاكراه منصرف عن مثل اللفظ، فاللفظ اثر، و إن كان المكره حاصلا فى اجرائه.

ص: 354

و قال: أيضا لو اكره الوكيل على الطلاق، دون الموكل ففى صحته وجهان أيضا، من: تحقق الاختيار فى الموكل المالك، و من: سلب عبارة المباشر، انتهى.

و ربما يستدل على فساد العقد فى هذين الفرعين بما دل على رفع حكم الاكراه.

و فيه ما سيجي ء من انه: انما يرفع حكما ثابتا على المكره، لو لا الاكراه

______________________________

(و قال) الشهيد (أيضا لو اكره الوكيل على الطلاق، دون الموكل) كما لو اجبر الزوج زيدا على ان يطلق زوجته، فاجرى زيد صيغة الطلاق (ففى صحته وجهان أيضا) كالوجهين فى باب البيع (من: تحقق الاختيار فى الموكل المالك) للفرج، فيصح الطلاق (و من سلب عبارة المباشر) لانه لا قصد له (انتهى) كلام الشهيد.

(و ربما يستدل على فساد العقد فى هذين الفرعين) البيع و الطلاق و كذا سائر العقود- او المراد بالفرعين، فرع الكره لفظا، و فرع الكره لفظا و معنى- فى المالك المكره على اجراء العقد- حيث قلنا سابقا انه اذا لحقه الرضا، صحّ (بما دل على رفع حكم الاكراه) فلا يصح الطلاق او البيع اذا كان الوكيل فى اجراء الصيغة مكرها و كذلك لا يصح اذا اكره المالك ثم رضى، لعموم دليل: الاكراه.

(و فيه ما سيجي ء من انه) اى الاكراه (انما يرفع حكما ثابتا على المكره) بالفتح (لو لا الاكراه).

مثلا لو اكره المالك على البيع رفع اثر الانتقال الثابت لو لا الاكراه

ص: 355

و لا اثر للعقد هنا بالنسبة الى المتكلم به لو لا الاكراه.

و مما يؤيّد ما ذكرنا حكم المشهور، بصحة بيع المكره بعد لحوق الرضا، و من المعلوم انه انما يتعلق بحاصل العقد الّذي هو امر مستمر، و هو النقل و الانتقال.

و اما التلفظ بالكلام الّذي صدر مكرها فلا معنى للحوق الرضا به، لان ما مضى و انقطع لا يتغير عما وقع عليه، و لا ينقلب.

______________________________

(و لا اثر للعقد هنا بالنسبة الى المتكلم به) المكره بالفتح (لو لا الاكراه) اى لا اثر لو لا الاكراه فسواء كان مجرى اللفظ مكرها أم لا؟ لا اثر له.

(و مما يؤيّد ما ذكرنا) من ان اللفظ لا اثر له، و لذا الاكراه عليه غير ضار (حكم المشهور، بصحة بيع المكره بعد لحوق الرضا).

وجه التأييد ما ذكره بقوله (و من المعلوم انه) اى الرضا اللاحق (انما يتعلق بحاصل العقد) و هو الامر الاعتبارى (الّذي هو امر مستمر) من حين العقد الى وقت الرضا (و هو النقل) من المالك (و الانتقال) الى المشترى.

(و اما التلفظ بالكلام الّذي صدر مكرها) حيث كان اللافظ مكرها فى اجراء اللفظ (فلا معنى للحقوق الرضا به).

و ذلك (لان ما مضى و انقطع لا يتغير عما وقع عليه، و لا ينقلب).

اللهم الا ان يقال: بان العرف يرى الكلام حقا للمتكلم، فاذا تلفظ به مكرها كان اضاعة لحقّه، فاذا رضى كان بنظرهم ارجاعا للحق الى مستحقه، و حيث ان الامر تابع للاعتبار لم يفرق بين اثر العقد، و

ص: 356

نعم ربما يستشكل هنا فى الحكم المذكور بان القصد الى المعنى و لو على وجه الاكراه، شرط فى الاعتناء بعبارة العقد و لا يعرف الا من قبل العاقد فاذا كان مختارا امكن احرازه باصالة القصد فى افعال العقلاء الاختيارية دون المكره عليها.

اللهم الا ان يقال:

______________________________

بين استمرار الاكراه للفظ فى امكان الانقلاب.

(نعم ربما يستشكل هنا فى الحكم المذكور) اى صحة العقد اذا كان اللفظ مكرها (بان القصد الى المعنى و لو على وجه الاكراه، شرط فى الاعتناء بعبارة العقد).

اذ لو لا القصد، لم يكن عقد (و لا يعرف) القصد الى المعنى (الا من قبل العاقد).

فان القصد من الامور القلبية المربوطة معرفتها بنفس الانسان (فاذا، كان) العاقد (مختارا امكن احرازه) اى احراز القصد (باصالة القصد فى افعال العقلاء الاختيارية).

اذ: الظاهر من كل فاعل مختاراته يقصد ما فعله، سواء كان تكلما، او عملا (دون المكره عليها).

فان اصالة القصد ليست من بناء العقلاء.

و عليه فلا يعلم قصد اللفظ المكره، و لا يصح العقد حينئذ بمعنى انه لا يمكن ان يترتب عليه اثر الصحة.

(اللهم الا ان يقال) فى وجه تصحيح عقد اللافظ المكره على التلفظ

ص: 357

ان الكلام بعد احراز القصد، و عدم تكلم العاقد لاغيا او مورّيا، و لو كان مكرها.

مع انه يمكن اجراء اصالة القصد هنا أيضا فتأمل

فرع

______________________________

(ان الكلام بعد احراز القصد، و) بعد (عدم تكلم العاقد لاغيا) بان لا يقصد معنى اصلا (او مورّيا) بان يقصد معنى بغير المعنى الظاهر من اللفظ، فاذا احرزنا ذلك لم يكن وجه لبطلان العقد من جهة كراهة اللافظ فى اجراء اللفظ (و لو كان) العاقد (مكرها): لو، وصلية.

(مع انه يمكن اجراء اصالة القصد) للافظ (هنا) فى صورة اكراهه على اللفظ (أيضا) كما يجرى اصالة القصد فى صورة عدم الاكراه (فتامل)

اذ: ليس بناء العقلاء على اجراء الاصالة فى صورة الاكراه و ليس اصل شرعى يتمسك به كذلك.

(فرع)

الاكراه اما على الجنس او على الفرد.

و لو كان على الجنس.

فاما احد فرديه مستحق، نحو: اعط دينى، او بع دارك.

او احد فرديه حلال غير مرفوع، نحو: بع دارك او اشرب الماء.

او احد فرديه حلال مرفوع نحو اشرب الخمر او بع دارك.

و لو كان كلا فرديه حلالا، او مستحقا، او حلالا غير مرفوع، فالاكراه،

ص: 358

و لو اكرهه على بيع واحد غير معين من عبدين، فباعهما، او باع نصف احدهما، و فى التذكرة اشكال.

______________________________

انما يكون على الاخف.

ثم لو اكره على بيع احد الشيئين، فباعهما.

ففيه احتمالات، الاكراه مطلقا، و العدم مطلقا، و الاكراه بالنسبة الى احدهما.

و لو باعهما تدريجا ففى كون الاول اكراها مطلقا، او ايهما قصد كونه مكرها عليه، او كون الاول مطلقا الا اذا قصد كون الثانى اكراها.

احتمالات.

و لو اكره على بيع النصف، فباع الكل.

او اكره على بيع الكل فباع النصف.

او اكره على البيع، فصالح

او اكره على البيع نسية فباع نقدا.

فالظاهر: فإن كان تفصيا عن الاكراه صح، و إن كان بالاكراه لم يصح

و كذا اذا اكره على البيع صباحا فباع مساء، او العكس، او باختلاف سائر الشرائط و الخصوصيات.

هذه بعض الفروع التى ذكرناها فى حاشية المكاسب فلنرجع الى الشرح (و لو اكرهه على بيع واحد غير معين عن عبدين، فباعهما، او باع نصف احدهما و) قال (فى التذكرة) فيه (اشكال) حيث انه لم يفعل المكره عليه، فلا اكراه، و حيث ان البيع صدر عن الاكراه بحيث انه لو لم

ص: 359

اقول: اما بيع العبدين فإن كان تدريجا، فالظاهر وقوع الاول مكرها دون الثانى.

مع احتمال الرجوع إليه فى التعيين سواء ادعى العكس أم لا؟

و لو باعهما دفعة احتمل صحة الجميع لانه خلاف المكره عليه.

و الظاهر انه لم يقع شي ء منهما عن اكراه.

و بطلان الجميع لوقوع احدهما مكرها عليه

______________________________

يكره لم يبع فهو من مصاديق الاكراه.

(اقول: اما بيع العبدين فإن كان تدريجا، فالظاهر) من صدق، الاكراه عرفا (وقوع الاول مكرها، دون الثانى) فانه لما باع الاول انتهى، الاكراه، فلا اكراه فى بيع الثانى.

(مع احتمال الرجوع إليه) اى الى البائع المكره (فى التعيين) و ان قصد الاكراه بالاول او بالثانى، و يؤخذ بقوله لانه اعرف بقصده (سواء ادعى العكس) بان قال: قصدت الاكراه بالثانى دون الاول (أم لا) بان ادعى قصده الاكراه بالاول.

(و لو باعهما دفعة) حالكون الاكراه كان على احدهما (احتمل صحة الجميع لانه) اى البيع دفعة (خلاف المكره عليه) فان الاكراه، على احدهما لا على كليهما.

(و الظاهر) من حال البائع، عرفا (انه لم يقع شي ء منهما عن اكراه) فيصح البيع فيهما معا.

(و) يحتمل (بطلان الجميع لوقوع احدهما مكرها عليه) لانه اراد بيع

ص: 360

و لا ترجيح.

و الاول اقوى.

و لو اكره على بيع معين فضم إليه غيره، و باعهما دفعة، فالاقوى الصحة فى غير ما اكره عليه.

و اما مسئلة النصف، فان باع النصف بقصد بيع النصف الآخر امتثالا للمكره، بناء اعلى شمول الاكراه لبيع المجموع دفعتين.

______________________________

احدهما بدون الاكراه فبيع الثانى اكراهى (و لا ترجيح) حتى نقول: ان البيع يصح فى احدهما دون الآخر.

(و الاول) و هو صحة الجميع (اقوى).

و ربما يقال: ان الحافز له على بيع الجميع ان كان هو الاكراه، بطل فيهما و الاصح فيهما.

(و لو اكره على بيع) عبد (معين) مثلا (فضم إليه غيره) كعبد ثان (و باعهما دفعة) فى صفقة واحدة (فالاقوى الصحة فى غير ما اكره عليه) لانه صدر عن قصد و اختيار، و لا مانع فى صحة بعض العقد، دون بعض كما لو باع الخمر و الخل، او ما يملكه و ما لا يملكه.

(و اما مسئلة النصف) فيما لو اكره على بيع تمام العبد فباع نصفه (فان باع النصف) بعد الاكراه على الكل (بقصد بيع النصف الآخر) او فرارا عن النصف الاخر بزعم اكتفاء المكره ببيع النصف فقط (امتثالا للمكره بناء على شمول الاكراه لبيع المجموع دفعتين) حتى يكون بيع النصف صادرا عن الاكراه.

ص: 361

فلا اشكال فى وقوعه مكرها عليه، و ان كان لرجاء ان يقنع المكره بالنصف، كان أيضا اكراها.

لكن فى سماع دعوى البائع ذلك مع عدم الامارات نظر.

بقى الكلام فيما وعدنا ذكره من الفرع المذكور فى التحرير، قال فى التحرير: لو اكره على الطلاق، فطلق ناويا، فالاقرب وقوع الطلاق انتهى و نحوه فى المسالك بزيادة احتمال عدم الوقوع، لان الاكراه اسقط اثر اللفظ.

______________________________

(فلا اشكال فى وقوعه) اى بيع النصف (مكرها عليه، و ان كان) بيع النصف (لرجاء ان يقنع المكره) بالكسر (بالنصف، كان أيضا اكراها) لانه بعث على البيع.

(لكن فى سماع دعوى البائع ذلك) و انه انما باع النصف ليبيع النصف الآخر مرة ثانية او لرجاء اكتفاء المكره بالنصف فقط (مع عدم الامارات) العرفية الدالة على صحة دعواه (نظر) لان النصف ليس مكرها عليه و انما المكره عليه الكل، و لم يفعله.

(بقى الكلام فيما وعدنا ذكره من الفرع المذكور فى التحرير، قال فى التحرير: لو اكره على الطلاق، فطلق ناويا) وقوع الطلاق (فالاقرب وقوع الطلاق) لانه لم يكن مكرها على النية، فاذا نوى كان طلاقا اختياريا (انتهى، و نحوه فى المسالك بزيادة احتمال عدم الوقوع) للطلاق (لان الاكراه اسقط اثر اللفظ) فكانه لا لفظ.

ص: 362

و مجرد النية لا حكم لها.

و حكى عن سبطه فى نهاية المرام انه نقله قولا.

و استدل عليه بعموم ما دل من النص و الاجماع: على بطلان عقد المكره،

و الاكراه يتحقق هنا اذ: المفروض انه لو لاه لما فعله.

ثم قال: و المسألة محل اشكال انتهى، و عن بعض الاجلة انه لو علم انه لا يلزمه الا اللفظ و له تجريده عن القصد

______________________________

(و مجرد النية) للطلاق المقارنة لاجراء اللفظ الاكراهى (لا حكم لها) اذ: لا بدّ فى العقود، و الايقاعات، من اللفظ.

(و حكى عن سبطه) اى سبط الشهيد الثانى (فى) كتاب (نهاية المرام انه نقله) اى عدم وقوع الطلاق اذا كان اللافظ مكرها (قولا) لبعض الفقهاء، لا مجرد الاحتمال كما فى كلام المسالك.

(و استدل عليه بعموم ما دل من النص و الاجماع: على بطلان عقد المكره) مثل حديث: رفع الاكراه.

(و الاكراه يتحقق هنا) فلا يقال: انه لا اكراه، اذ: الزوج غير مكره فى طلاق زوجته (اذ: المفروض انه لو لاه) اى لو لا الاكراه فى اجراء اللفظ (لما فعله) اى لما اجرى اللفظ، المكره لفظ الطلاق.

(ثم قال) السبط: (و المسألة محل اشكال، انتهى، و عن بعض الاجلة انه لو علم) مجرى لفظ الطلاق (انه لا يلزمه الا اللفظ و) يمكن (له تجريده) اى اللفظ (عن القصد) بان لا يقصد الطلاق باللفظ

ص: 363

فلا شبهة فى عدم الاكراه.

و انما يحتمل الاكراه مع عدم العلم بذلك سواء ظن لزوم القصد و ان لم يرده المكره أم لا؟ انتهى، ثم ان بعض المعاصرين ذكر الفرع عن المسالك، و بناه على ان المكره لا قصد له اصلا فرده بثبوت القصد للمكره، و جزم بوقوع الطلاق المذكور مكرها عليه.

و فيه ما عرفت سابقا من: انه لم يقل احد بخلو المكره

______________________________

(فلا شبهة فى عدم الاكراه) لانه يتمكن من عدم اجراء لفظ الطلاق، و مع التمكن من الفرار عن المكره لا وجه لصدق الاكراه.

(و انما يحتمل الاكراه مع عدم العلم) من اللفظ (بذلك) اى بانه لا يلزمه الا اللفظ (سواء ظن لزوم القصد) الى وقوع الطلاق (و ان لم يرده) اى لم يرد القصد (المكره) بالكسر (أم لا) بان لم يلتفت الى ذلك اصلا (انتهى، ثم ان بعض المعاصرين ذكر الفرع) اى فرع الاكراه على التلفظ بلفظ الطلاق (عن المسالك، و بناه) اى بنى كلام المسالك الّذي قال: احتمال عدم الوقوع، (على ان المكره) بالفتح (لا قصد له اصلا).

فقد زعم المعاصر ان الشهيد يريد عدم تمشى القصد من المكره اطلاقا.

(فرده) اى رد المعاصر، المسالك (بثبوت القصد للمكره) بالفتح (و جزم) المعاصر (بوقوع الطلاق المذكور) الّذي كان مجريه مكرها فى الاجراء (مكرها عليه) فيبطل، فلا وجه لاحتمال الصحة.

(و فيه) اى فى كلام هذا المعاصر (ما عرفت سابقا من: انه لم يقل احد بخلو المكره) بالفتح

ص: 364

عن قصد معنى اللفظ.

و ليس هذا مرادا من قولهم: ان المكره غير قاصد الى مدلول اللفظ

و لذا شرك الشهيد الثانى بين المكره و الفضولى، فى ذلك كما عرفت سابقا، فبناء هذا الحكم فى هذا الفرع على ما ذكر ضعيف جدا.

______________________________

(عن قصد معنى اللفظ) حتى يكون هذا هو مراد الشهيد فى المسالك

(و ليس هذا) اى الخلو عن القصد (مرادا من قولهم: ان المكره غير قاصد الى مدلول اللفظ).

بل مرادهم ان المكره لا يقصد وقوع المفهوم عن اللفظ.

اذ: هناك لفظ، و معنى، و إرادة وقوع المنشأ بهذا اللفظ.

و الّذي يقول ان المكره لا قصد له يريد نفى الشي ء الثالث، لا الشي ء الثانى.

(و لذا) الّذي ذكرنا، من انه: ليس مرادهم، عدم قصد المدلول فى المكره- (شرك الشهيد الثانى بين المكره) بالفتح (و) بين (الفضولى، فى ذلك) اى فى عدم إرادة المعنى، مع وضوح انه لا يقصد ان الفضولى لا يريد المعنى، بل قصد الشهيد انّ الفضولى لا يقصد قصدا جبريا كقصد الملاك.

فهذا شاهد على ان مراده من نفى القصد عن المكره، نفى قصد الجدية لا نفى المعنى (كما عرفت سابقا، فبناء) المعاصر (هذا الحكم) اى بطلان الطلاق (فى هذا الفرع) اى فرع الاكراه فى اجراء لفظ الطلاق (على ما ذكر) من عدم قصد المعنى من اللفظ (ضعيف جدا).

اذ: القصد موجود سواء قلنا: بالصحة أم بالبطلان؟.

ص: 365

و كذا ما تقدم عن بعض الاجلة من انه: ان علم بكفاية مجرد اللفظ المجرد عن النية فنوى اختيارا صحّ، لان مرجع ذلك الى وجوب التورية على العارف بها المتفطن لها اذ: لا فرق بين التخلص بالتورية و بين تجريد اللفظ عن قصد المعنى بحيث يتكلم به لاغيا.

و قد عرفت ان ظاهر

______________________________

(و كذا) فى الضعف (ما تقدم عن بعض الاجلة من انه: ان علم) المكره على لفظ الطلاق (بكفاية مجرد اللفظ المجرد عن النية) اى كفايته فى التخلص من الاكراه (فنوى) الطلاق (اختيارا) فى قصده (صحّ) الطلاق.

و انما قلنا: بضعف هذا الكلام (لان مرجع ذلك) الكلام (الى وجوب التورية على العارف بها) اى بالتورية (المتفطن لها) حال اجراء اللفظ

اذ: مفاد كلام هذا البعض انه ان تمكن من التورية و لم يورّ كان اختيارا منه فى ايقاع الطلاق فيوجب ذلك صحة الطلاق.

و انما قلنا: بان كلام بعض الاجلة ضعيف ككلام المعاصر (اذ: لا فرق بين التخلص) عن الاكراه (بالتورية) بان يقصد غير المعنى المتعارف من اللفظ (و بين) التخلص ب (تجريد اللفظ) اى لفظ الطلاق (عن قصد المعنى) بان يقول: اللفظ بدون قصد المعنى اطلاقا (بحيث يتكلم) المكره (به) اى باللفظ (لاغيا).

فكلاهما يقولان: بصحة الطلاق ان تمكن من التصرف فى اللفظ و لم يتصرف، اما تصرفا بالتورية او تصرفا بتجريد اللفظ عن المعنى.

(و) انما كان كلا القولين ضعيفا، لما (قد عرفت) من (ان ظاهر

ص: 366

الادلة، و الاخبار الواردة فى طلاق المكره و عتقه، عدم اعتبار العجز عن التورية.

و توضيح الاقسام المتصورة فى الفرع المذكور: ان الاكراه الملحوق بوقوع الطلاق قصدا إليه راضيا به.

اما ان لا يكون له دخل فى الفعل اصلا بان يوقع الطلاق قصدا إليه عن طيب النفس، بحيث لا يكون الداعى إليه هو الاكراه لبنائه على تحمل الضرر المتوعد به.

______________________________

الادلة، و الاخبار الواردة فى طلاق المكره و عتقه، عدم اعتبار العجز عن التورية) و بطريق اولى لا يعتبر العجز عن التجريد.

و عليه: فطلاق المكره باطل، و ان لم يورّ و لم يلغى الكلام و قد كان عارفا بهما.

(و توضيح الاقسام المتصورة فى الفرع المذكور) اى فرع الاكراه، على اجراء لفظ الطلاق (ان الاكراه الملحوق) اى الّذي يلحق (بوقوع الطلاق قصدا إليه) اى الى الطلاق (راضيا به) اى بالطلاق بمعنى ان: الطلاق المقصود المرضى، إذا لحقه الاكراه.

(اما ان لا يكون له) اى للاكراه (دخل فى الفعل) اى فعل الطلاق (اصلا بان يوقع) اللافظ (الطلاق قصد إليه عن طيب النفس بحيث لا يكون الداعى إليه) اى الى الطلاق (هو الاكراه) و انما ليس داعيه الاكراه (لبنائه) اى مجرى لفظ الطلاق (على تحمل الضرر المتوعد به) فلا يكون طلاقه عن خوف، اذ لا يبالى بالضرر اصلا.

ص: 367

و لا يخفى بداهة وقوع الطلاق هنا، و عدم جواز حمل الفرع المذكور عليه فلا معنى لجعله فى التحرير اقرب.

و ذكر احتمال عدم الوقوع فى المسالك، و جعله قولا فى نهاية المرام، و استشكاله فيه، لعموم النص و الاجماع.

و كذا لا ينبغى التأمل فى وقوع الطلاق لو لم يكن الاكراه مستقلا فى داعى الوقوع، بل هو بضميمة شي ء اختيارى للفاعل.

______________________________

(و لا يخفى بداهة وقوع الطلاق هنا) فى صورة عدم اهتمامه بالضرر (و عدم جواز حمل الفرع المذكور) اى فرع بطلان الطلاق بسبب الاكراه (عليه) اى على هذا الحال، و هو حال عدم اهتمام المكره بالاكراه و انما يجرى الطلاق عن اختياره و ارادته (فلا معنى لجعله) اى وقوع الطلاق (فى التحرير اقرب) اذ: لا وجه لعدم الوقوع اصلا.

(و) كذلك لا معنى له (ذكر احتمال عدم الوقوع) للطلاق (فى المسالك) اذ لا وجه لاحتمال عدم الوقوع (و) لا معنى ل (جعله) اى وقوع الطلاق (قولا) حيث قال: قيل بوقوع الطلاق (فى نهاية المرام، و استشكاله فيه) فى وقوع الطلاق (لعموم النص و الاجماع) علة للاستشكال فى الوقوع، من جهة النص و الاجماع، ببطلان ما اكره عليه.

(و كذا لا ينبغى التأمل فى وقوع الطلاق لو لم يكن الاكراه مستقلا فى داعى الوقوع، بل) كان (هو) اى الاكراه (بضميمة شي ء اختيارى للفاعل) بان سبب الطلاق امران، الاكراه و إرادة الزوج التخلص من ثقل النفقة مثلا.

و انما يصح الطلاق، لان الاكراه لم يكن داعيا، و انما هو جزء الداعى.

ص: 368

و إن كان الداعى هو: الاكراه.

فاما ان يكون الفعل لا من جهة التخلص عن الضرر المتوعد به بل من جهة دفع الضرر اللاحق للمكره بالكسر، كمن قال له ولده: طلق زوجتك، و الا قتلتك، او قتلت نفسى، فطلق الوالد خوفا من قتل الولد نفسه او قتل الغير له اذا تعرض لقتل والده.

او كان الداعى على الفعل شفقة دينية على المكره بالكسر، او على المطلقة او

______________________________

و الظاهر من الادلة ان الاكراه الموجب للبطلان هو: ما اذا كان مجرد الاكراه (و إن كان الداعى) الى الطلاق (هو: الاكراه) فقط بدون ضميمة شي ء إليه.

(فاما ان يكون الفعل) الّذي يأتى به اكراها (لا من جهة التخلص عن الضرر المتوعد به، بل من جهة دفع الضرر اللاحق للمكره بالكسر كمن قال له ولده: طلق زوجتك، و الا قتلتك، او قتلت نفسى) على سبيل منع الخلو (فطلق الوالد) زوجته (خوفا من قتل الولد نفسه) اذا لم يطلق (او قتل الغير) الاجنبى (له) اى للولد (اذا تعرض لقتل والده).

فالطلاق انما وقع فى هذه الصورة لخوف ضرر يلحق بالمكره بالكسر لا لخوف ضرر يلحق بالمكره بالفتح، و هذا المثال لما يلحق الضرر بالمكره بالفتح فى النتيجة، و إن كان الضرر ابتداءً لاحقا بالمكره بالكسر.

ثم جاء المصنف بمثال ثان لما يكون الضرر محضا للمكره بالكسر بقوله:

(او كان الداعى على الفعل) كالطلاق (شفقة دينية) من المكره بالفتح (على المكره بالكسر، او على المطلقة او

ص: 369

على غيرهما ممن يريد نكاح الزوجة لئلا يقع الناس فى محرم.

و الحكم فى الصورتين لا يخلو عن اشكال، و إن كان الفعل لداعى التخلص من الضرر، فقد يكون قصد الفعل لاجل اعتقاد المكره ان الحذر لا يتحقق الا بايقاع الطلاق حقيقة لغفلته عن ان التخلص غير متوقف على القصد الى وقوع اثر الطلاق و حصول

______________________________

على عيرهما) انسان ثالث (ممن يريد نكاح الزوجة) بعد طلاق الرجل لها (لئلا يقع الناس فى محرم).

مثلا علم ان المكره يفع فى الحرام بتزوجه اخته الرضاعية اذا لم يطلق زوجته، فيأخذها المكره بالكسر، او علم انه اذا لم يطلقها قتلت نفسها او زنت مع صديق لها، او علم انه اذا لم يطلقها، لتكون فى دارها مشرفة على اخوانها، فسد الاخوان لعدم رقيب عليهم، مثلا.

(و الحكم) ببطلان الطلاق الاكراهى (فى الصورتين) صورة كون الداعى الى الطلاق الخوف على المكره، و صورة كون الداعى شفقة دينية بان لا يقع الناس فى الحرام (لا يخلو عن اشكال).

فمن جهة انه لا ضرر على المكره بالفتح، يلزم القول لصحة الطلاق.

و من جهة صدق الاكراه فى الجملة يلزم القول بالبطلان (و إن كان الفعل) الاكراهى صادرا (لداعى التخلص من الضرر، فقد يكون قصد الفعل لاجل اعتقاد المكره ان الحذر لا يتحقق الا بايقاع الطلاق حقيقة) بان ينوى الطلاق عند اجراء لفظه، اكراها (لغفلته عن ان التخلص) عن الحذر (غير متوقف على القصد الى وقوع اثر الطلاق و) القصد الى (حصول

ص: 370

البينونة فيوطن نفسه على رفع اليد عن الزوجة، و الاعراض عنها فيوقع الطلاق قاصدا.

و هذا كثيرا ما يتفق للعموم، و قد يكون هذا التوطين و الاعراض من جهة جهله بالحكم الشرعى او كونه رأى مذهب بعض العامة فزعم ان الطلاق يقع مع الاكراه فاذا اكره على الطلاق، طلق قاصدا لوقوعه لان القصد الى اللفظ المكره عليه بعد اعتقاد كونه سببا مستقلا فى وقوع البينونة يستلزم القصد الى وقوعها فترضى نفسه بذلك و يوطنها عليه.

و هذا

______________________________

البينونة) يكون غافلا عن هذا فيقصد الطلاق حقيقة (فيوطن نفسه على رفع اليد عن الزوجة و الاعراض عنها) زاعما انه مقتضى الاكراه (فيوقع الطلاق قاصدا) حصول البينونة حقيقة. (و هذا) الزعم (كثيرا ما يتفق للعوام، و قد يكون هذا التوطين) للطلاق حقيقة (و الاعراض) من الزوجة (من جهة جهله بالحكم الشرعى) بان لم يعلم انه اذا لم يقصد لم يقع الطلاق، بل زعم انه و ان لم يقصد يحكم الشارع بوقوع الطلاق (او كونه) اى المطلق (رأى مذهب بعض العامة فزعم ان الطلاق يقع مع الاكراه) و لذا يطلق قاصدا (فاذا اكره على الطلاق طلق قاصدا لوقوعه، لان القصد الى اللفظ المكره عليه) اى لفظ الطلاق، (بعد اعتقاد كونه) اى اللفظ (سببا مستقلا فى وقوع البينونة) و ان لم يقصد (يستلزم القصد الى وقوعها، فترضى نفسه بذلك) الطلاق (و يوطنها) اى النفس (عليه) اى على الطلاق.

(و هذا) اى الجهل بالحكم الشرعى او كونه راى مذهب بعض

ص: 371

أيضا كثيرا ما يتفق للعوام، و الحكم فى هاتين الصورتين لا يخلو عن اشكال.

الا ان تحقق الاكراه اقرب.

ثم المشهور بين المتأخرين: انه لو رضى المكره بما

______________________________

العامة الخ (أيضا كثيرا ما يتفق للعوام، و الحكم) ببطلان الطلاق (فى هاتين الصورتين) اى ما ذكره بقوله: لاجل اعتقاد، و ما ذكره بقوله:

و قد يكون هذا التوطين، (لا يخلو عن اشكال).

اذ: لم يكن مكرها واقعا، و انما جهله و غفلته سبّبا زعمه انه مكره.

(الا ان تحقق الاكراه اقرب) لان العرف يرى انه مكره، فالادلة الدالة على رفع الاكراه شاملة له.

ثم انه لو ظن الاكراه فيما لا اكراه واقعا، بطل، اذ: الفعل صدر عن غير الرضا، و ذلك موجب للبطلان، كما لو زعم ان زيدا جاء ليقتله اذا لم يطلق، و قد كان الجائى واقعا عمرو.

و لو ظن عدم الاكراه فيما كان اكراه واقعا صح كما انه لو لم يسمع التهديد، و انما طلقها بمحض ارادته.

و لو شك فى الاكراه، فان كان فى فعله منبعثا عن الاكراه فى المعاملة لم تصح، اذ: الباعث له الخوف، و الّا صحت.

ثم ان الباعث على الفعل على خمسة اقسام لانه اما اكراه فقط، او اختيار فقط، او كلاهما متساويين، او بزيادة الاكراه، او بزيادة الاختيار.

(ثم) ان (المشهور بين المتأخرين: انه لو رضى المكره) بالفتح (بما

ص: 372

فعله صح العقد.

بل عن الرياض تبعا للحدائق: ان عليه اتفاقهم، لانه عقد حقيقى فيؤثر اثره مع اجتماع باقى شرائط البيع، و هو طيب النفس.

و دعوى: اعتبار مقارنة طيب النفس للعقد.

خالية عن الشاهد، مدفوعة بالإطلاقات.

و اضعف منها دعوى: اعتبارها فى مفهوم العقد اللازم منه

______________________________

فعله) حال الاكراه.

كما لو طلق زوجته اكراها ثم رغب بنفسه عن الزوجة حتى استحسن فعله السابق (صح العقد) او الايقاع.

(بل عن الرياض تبعا للحدائق: ان عليه) اى على ايجاب الرضا اللاحق، صحة العمل الاكراهى السابق (اتفاقهم، لانه) حال وقوعه (عقد حقيقى) و انما كان فاقدا لشرط الرضا، فاذا لحقه ثمّ الاركان و صح العقد (فيؤثر اثره مع اجتماع باقى شرائط البيع، و هو) اى باقى الشرائط الّذي كان مفقودا ثم وجد (طيب النفس).

(و دعوى: اعتبار مقارنة طيب النفس للعقد) حتى يكون صحيحا- و فى بعض النسخ: لصحة العقد

(خالية عن الشاهد) و (مدفوعة بالإطلاقات) الدالة على ان العقد اذا كان معه طيب النفس كان صحيحا.

(و اضعف منها) اى من هذه الدعوى (دعوى: اعتبارها) اى الرضاية و طيب النفس (فى مفهوم العقد اللازم منه) اى من هذا الكلام و هذه الدعوى

ص: 373

عدم كون عقد الفضولى عقدا حقيقة.

و اضعف من الكل دعوى: اعتبار طيب نفس العاقد فى تاثير عقده اللازم منه عدم صحة بيع المكره بحق.

و كون اكراهه على العقد تعبديا لا لتأثير فيه.

و يؤيده فحوى صحة عقد الفضولى حيث ان المالك طيب النفس بوقوع اثر العقد، و غير منشئ للنقل بكلامه.

و امضاء إنشاء الغير ليس الا طيب النفس بمضمونه و ليس إنشاء مستأنفا.

______________________________

(عدم كون عقد الفضولى عقدا حقيقة) اذ لا طيب لنفس المالك حال العقد بل ربما لا يعرف بالعقد اصلا.

(و اضعف من الكل، دعوى: اعتبار طيب نفس العاقد فى تأثير عقده).

و حيث ان العاقد اللافظ لا طيب لنفسه فلا يصح عقده (اللازم منه عدم صحة بيع المكره بحق) كاكراه الكافر لبيع عبده المسلم، و ما اشبه ذلك.

(و) عطف على: عدم (كون اكراهه على العقد تعبديا) بان اراد الشارع ان يجرى المكره لفظ العقد فقط (لا لتأثير فيه) اى فى عقده، لانه على هذا القول لا تأثير لعقد المكره، اذ: لا طيب لنفسه.

(و يؤيده) اى كلام المشهور (فحوى صحة عقد الفضولى حيث ان المالك طيب النفس بوقوع اثر العقد، و غير منشئ للنقل بكلامه) اذ: لا كلام للمالك.

(و) من المعلوم ان (امضاء إنشاء الغير ليس الا طيب النفس بمضمونه) فان المالك يمضى ما انشأه الفضولى (و ليس إنشاء مستأنفا) اى ليس المالك ينشأ إنشاء جديدا

ص: 374

مع انه لو كان فهو موجود هنا فلم يصدر من المالك هنالك الا طيب النفس بانتقاله متأخرا عن إنشاء العقد، و هذا موجود فيما نحن فيه مع زائد و هو انشائه للنقل المدلول عليه بلفظ العقد.

لما عرفت من ان عقده إنشاء حقيقى

______________________________

وجه التأمل انه يدل على ان طيب النفس حيث لحق بالعقد كفى فى الصحة اذ: لا خصوصية للفضولى من هذه الجهة.

(مع انه لو كان) طيب نفس الفضولى إنشاء مستأنفا (فهو موجود هنا) فيما لو رضى المكره (فلم يصدر من المالك هنالك) فى الفضولى (الا طيب النفس بانتقاله) اى انتقال المال منه الى المشترى من الفضولى فى حالكون هذا الطيب (متأخرا عن إنشاء العقد، و هذا) الطيب المتأخر عن الانشاء (موجود فيما نحن فيه) فيما لو رضى المكره بعد اجراء العقد (مع) شي ء (زائد) عن الفضولى (و هو) اى الشي ء الزائد (انشائه) اى المكره (للنقل المدلول عليه بلفظ العقد).

فان المالك فى الفضولى لم ينشأ العقد، و المالك المكره قد إنشاء العقد.

و ان قلت: ان إنشاء المكره ليس عقدا.

قلت: ليس كذلك بل هو عقد.

(لما عرفت من ان عقده إنشاء حقيقى) اذ: لا يشترط فى الانشاء الرضا النفسى.

ص: 375

و توهم ان عقد الفضولى واجد لما هو به مفقود هنا و هو طيب نفس العاقد بما ينشئه.

مدفوع بالقطع بان طيب النفس لا اثر له.

لا فى صدق العقدية اذ يكفى فيه مجرد قصد الانشاء المدلول عليه باللفظ المستعمل فيه.

و لا فى النقل و الانتقال، لعدم مدخلية غير المالك فيه.

______________________________

(و توهم) الفرق بين الفضولى، و بين لحوق الرضا فى المكره حتى اذا قلنا: بالصحة فى الاول، لا يلزم منه الصحة فى الثانى ل (ان عقد الفضولى واجد لما هو به مفقود هنا) فى المكره (و هو طيب نفس العاقد) المجرى للفظ العقد (بما ينشئه) و فى المقام المفروض ان منشئ العقد لا يرضى بانشائه، لانه مجبور فى الانشاء مكره عليه.

(مدفوع بالقطع بان طيب النفس) من العاقد (لا اثر له) اطلاقا.

(لا فى صدق العقدية) عرفا (اذ يكفى فيه) اى فى صدق العقد عرفا (مجرد قصد الانشاء المدلول عليه) اى على هذا القصد (باللفظ المستعمل فيه) اى فى الانشاء.

(و لا فى النقل و الانتقال، لعدم مدخلية غير المالك فيه) اى فى النقل و الانتقال، و المفروض ان المالك راض، و انما المجبور هو العاقد فقط.

و على هذا فلا فرق بين الفضولى و بين اكراه العاقد.

ص: 376

نعم لو صح ما ذكر سابقا: من توهم ان المكره لا قصد له الى مدلول اللفظ اصلا، و انه قاصد نفس اللفظ الّذي هو بمعنى الصوت كما صرح به بعض، صح انه لا يجدى تعقب الرضا، اذ لا عقد حينئذ.

لكن عرفت سابقا انه خلاف المقطوع من النصوص و الفتاوى فراجع

فظهر مما ذكرنا ضعف وجه التأمل فى المسألة، كما عن الكفاية و مجمع الفائدة تبعا للمحقق الثانى فى جامع المقاصد

______________________________

(نعم لو صح ما ذكر سابقا: من توهم ان المكره لا قصد له الى مدلول اللفظ اصلا، و انه) اى المكره (قاصد نفس اللفظ الّذي هو بمعنى الصوت) فقط- (كما صرح به بعض، صح) كلام من قال: (انه لا يجدى) فى صحة عقد المكره (تعقب الرضا، اذ لا عقد حينئذ) اصلا، فان مجرد اللفظ ليس بعقد

(لكن عرفت سابقا انه) اى ان المكره لا قصد له (خلاف المقطوع من النصوص و الفتاوى) لظهورها فى ان عقد المكره فاقد للرضا، لا لمعنى العقدية (فراجع) النصوص و الفتاوى، لتظهر لك ذلك بالإضافة الى ما نجده بالوجدان من قصد المكره المعنى.

(فظهر مما ذكرنا) وجها لكلام المشهور المتأمّلين بصحة عقد المكره اذا لحقه الرضا (ضعف وجه التأمل فى المسألة، كما) نقل التأمل (عن الكفاية و مجمع الفائدة تبعا) تأمل (المحقق الثانى فى جامع المقاصد).

و قد استدل للبطلان، بقوله: الا ان تكون تجارة عن تراض، و بحديث رفع الاكراه، و بانه كالهازل. و بانه لا قصد له، و باصالة عدم الانعقاد، و بانه لو رفض الاصيل ما باعه الفضولى ثم اجاز لم ينفع مع ان الكراهة متوسطة

ص: 377

و ان انتصر لهم بعض من تأخر عنهم بقوله تعالى: إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ، الدال على اعتبار كون العقد عن التراضي.

مضافا الى النبوى المشهور الدال على رفع حكم الاكراه مؤيدا بالنقص بالهازل.

مع انهم لم يقولوا بصحته بعد لحوق الرضا.

و الكل: كما ترى.

لان دلالة الآية على اعتبار وقوع العقد عن

______________________________

و هنا الكراهة فى الاول و الوسط (و ان انتصر لهم) للمتألمين فى المسألة الصحة عند لحوق الرضا (بعض من تأخر عنهم بقوله تعالى: إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ، الدال على اعتبار كون العقد عن التراضي).

و فى المقام لم يبن العقد على التراضي و انما لحقه التراضي، فالمسألة داخلة فى: لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ*.

(مضافا الى النبوى المشهور الدال على رفع حكم الاكراه) فالعقد المبنى على الاكراه لا يترتب عليه حكم سائر العقود (مؤيدا) عدم الصحة (بالنقض بالهازل) فانه اذا اجرى صيغة العقد هزلا، ثم رضى به جدّا لم ينفع بلا اشكال.

(مع انهم لم يقولوا بصحته بعد لحوق الرضا).

و ما نحن فيه قريب منه اذ لفظ المكره كلفظ الهازل.

(و الكل: كما ترى) لا دلالة فيها على بطلان العقد الّذي لحقه الرضا.

(لان دلالة الآية) الا ان تكون تجارة (على اعتبار وقوع العقد عن

ص: 378

التراضي، اما بمفهوم الحصر.

و اما بمفهوم الوصف.

و لا حصر كما لا يخفى.

لان الاستثناء منقطع غير مفرغ.

______________________________

التراضي، اما بمفهوم الحصر) حيث حصرت الآية الصحيح من العقد فيما انشأ عن الرضا، فحيث لا رضى هنا فلا صحة.

(و اما بمفهوم الوصف) حيث ان الآية بمنزلة ان يقال: العقد الناشئ عن التراضي صحيح، و مفهومه: ان ما لا ينشأ عن التراضي ليس بصحيح فالحصر مثل ان يقول: لا تكرم الا الرجل العالم، و الوصف مثل ان يقول:

اكرم الرجل العالم.

(و لا حصر كما لا يخفى).

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 6، ص: 379

اذ الحصر انما يتحقق مع كون الاستثناء متصلا، مثل ان يقول: ما جاءني احد الا زيد و ليست الآية كذلك، لانها نهت عن الاكل بالباطل.

و من المعلوم ان التجارة عن تراض ليست اكلا بالباطل.

(لان الاستثناء منقطع غير مفرغ) و لو كان مفرغا كان الاستثناء متصلا اذ لو كان بمنزلة ان يقال لا تأكلوا اموالكم، بوجه من الوجوه لانه باطل الا ان تكون تجارة عن رضاية.

لكن هذا خلاف ظاهر الآية فان ظاهرها النهى عن الاكل بالباطل و تجويز الاكل بالتجارة.

فالآية بمنزلة ما جاءني انسان إلا حمار و انما يستحسن هذا النحو من

ص: 379

و مفهوم الوصف على القول به، مقيّد بعدم ورود الوصف مورد الغالب، كما فى: رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ.

و دعوى وقوعه هنا مقام الاحتراز ممنوعة

______________________________

الاستثناء، لان السامع قد يتوهم عموم الحكم فى المستثنى منه الى المستثنى، فالاستثناء يدفع هذا التوهم.

و الحاصل انه: لا مفهوم للحصر فى المقام، حتى يدل على ان:

كل ما ليس تجارة عن تراض، فهو باطل، بل الآية تدل على ان: الا كل بالباطل حرام، و التجارة عن تراض صحيح.

اما التجارة التى يلحقها الرضا فليس داخلا فى احدهما فيتمسك لصحته بعموم العقود، و ما اشبه.

(و مفهوم الوصف على القول به) اى بان للوصف مفهوما (مقيد بعدم ورود الوصف مورد الغالب) و الا فلا مفهوم له (كما فى: رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ)

حيث ان الوصف وارد مورد الغالب، فلا مفهوم له، و الآية كذلك اذ الغالب فى التجارات كونها عن تراض، فلا تدل كلمة: عن تراض، على اعتبار الرضا السابق فى صحة المعاملة.

(و دعوى وقوعه) اى الوصف و هو: عن تراض، (هنا) فى الآية (مقام الاحتراز) عن التجارة التى لم يسبقها الرضا (ممنوعة).

اذ: لا ظهور للوصف فى ذلك.

ص: 380

و سيجي ء زيادة توضيح لعدم دلالة الآية على اعتبار سبق التراضي فى بيع الفضولى.

و اما حديث الرفع: ففيه أولا: ان المرفوع فيه هى المؤاخذة، و الاحكام المتضمنة لمؤاخذة المكره، و الزامه بشي ء.

و الحكم بوقوف عقده على رضاه، راجع الى انّ له ان يرضى بذلك و هذا حق له، لا عليه

______________________________

(و سيجي ء زيادة توضيح، لعدم دلالة الآية على اعتبار سبق التراضي) فى باب التجارة، بل يكفى الرضا اللاحق (فى بيع الفضولى) متعلق ب: سيجي ء.

(و اما حديث الرفع: ف) لا دلالة له على عدم صحة التجارة المكرهة الملحوقة بالرضا.

اذ: (فيه أولا: ان المرفوع فيه) اى فى الحديث (هى: المؤاخذة و الاحكام المتضمنة لمؤاخذة المكره، و الزامه بشي ء) و: الاحكام، عطف على قوله: المؤاخذة، اى لا مؤاخذة فى الآخرة على المكره اذا فعل حراما اكراها، كما لا حكم عليه من جهة العمل المكروه فيه، كوجوب التسليم فى البيع الاكراهى، و النفقة فى النكاح الاكراهى، و ما اشبه ذلك.

(و) لا يدخل فى ذلك توقف عقده الاكراهى على رضاه، حتى يقال: بان هذا الحكم أيضا مرفوع، اذ: (الحكم بوقوف عقده على رضاه راجع الى انّ له) اى للمكره (ان يرضى بذلك) العقد الاكراهى (و هذا حق له) اى للمكره (لا عليه) فلا يشمله: حديث الرفع، اذ: الحديث يرفع

ص: 381

نعم قد يلزم الطرف الآخر بعدم الفسخ، حتى يرضى المكره، او يفسخ و هذا الزام لغيره.

و الحديث: لا يرفع المؤاخذة، و الالزام عن غير المكره كما تقدم.

و اما الزامه بعد طول المدة باختيار

______________________________

الاحكام التى عليه، و لا يرفع الاحكام التى له.

(نعم قد يلزم الطرف الآخر) كالمشترى فيما لو باع زيد ماله اكراها (بعدم الفسخ حتى يرضى المكره، او يفسخ).

فاذا اكره الجابر زيدا على بيع داره من عمرو، يلزم على عمرو ان لا يفسخ البيع حتى يظهر ان زيدا يرضى بهذا البيع أم لا؟

فهذا الحكم الالزامى الّذي لزم على الطرف الآخر لم يرفعه: الحديث لكنه لا يضر بما قلنا: بان حديث الرفع يرفع الاحكام الالزامية.

(و) ذلك لان (هذا) الالزام، بان لا يفسخ (الزام لغيره) اى لغير المكره، و ليس الزاما له، حتى يستشكل بانه كيف لم يرفع هذا الالزام حديث الرفع؟

(و) من المعلوم انّ: (الحديث، لا يرفع المؤاخذة، و الالزام عن غير المكره) و انما يرفعهما عن المكره فقط (كما تقدم).

فان قلت: ذكر جماعة من الفقهاء انه يلزم المكره بان يفسخ ما اوقعه اكراها او يميضه، و هذا ينافى رفع الاكراه، لانه حق عليه، لا له.

قلت: (و اما الزامه) اى المكره (بعد طول المدة) مما يوجب ضرر الطرف الآخر، فى الصبر بدون معلومية ان المال انتقل إليه أم لا؟ (باختيار)،

ص: 382

البيع، او فسخه، فهو من توابع الحق الثابت له بالاكراه، لا من احكام الفعل المتحقق على وجه الاكراه.

ثم ان ما ذكرنا واضح على القول بكون الرضا ناقلا.

______________________________

متعلق ب: الزامه، (البيع) الّذي وقع اكراها (او فسخه، ف) ليس هذا حكما على المكره حتى يكون مرفوعا بحديث الرفع، بل (هو من توابع الحق الثابت له بالاكراه) فان الاكراه اوجب له حقا، و هو ان بيده اختيار الفسخ و الامضاء

و من توابع هذا الحق انه يكرهه الحاكم على احد الامرين (لا من احكام الفعل) اى العقد (المتحقق على وجه الاكراه) حتى يقال: ان الاكراه يرفع اثر العقد فكيف يترتب على هذا العقد ان عليه ان يمضى او يفسخ؟

فما يثبت بسبب الاكراه لا يرفعه الحديث، و انما يرفع آثار الشي ء المكره عليه، و ذلك كما لو قالوا ان الاضطرار انما يرفع الآثار التى لو لا الاضطرار كانت، امّا ما يترتب على نفس الاضطرار فلا، مثلا: اكل الميتة حرام، هذا الحكم يرفعه الاضطرار، اما الحلية المترتبة على نفس الاضطرار فلا يرفعها الاضطرار لان الموضوع لا يرفع حكمه.

(ثم ان ما ذكرنا) من ان المكره لا يلزم بشي ء، و انه يتوقف صحة العقد على رضاه (واضح على) كلا (القول) بكون الاجازة ناقلة او كاشفة.

اما على القول (بكون الرضا ناقلا) فلانه حين الاجازة راض، فلا اكراه و يصدق: تجارة عن تراض، و قبل الرضا لا ملكية للمنقول إليه فى مال المكره، فلا يلزم المكره بشي ء.

ص: 383

و كذلك على القول بالكشف بعد التأمل.

و ثانيا انه يدل على ان الحكم الثابت للفعل المكره عليه لو لا الاكراه يرتفع عنه اذا وقع مكرها عليه كما هو معنى: رفع الخطاء،

______________________________

(و كذلك على القول بالكشف بعد التأمل) اذ: قبل الرضا لا كاشف، فلا يلزم بشي ء، و اذا جاء الكاشف كان من: التجارة عن تراض.

و انما قال: بعد التأمل، لانه ربما يتوهم ان الكشف يقتضي الملكية السابقة على الرضا، فالمكره ملزم من حين العقد.

و الجواب ان الالزام الفعلى تابع للعلم، و لا علم قبل الرضا، اذ:

لا كشف،.

(و ثانيا) عطف على: أولا، فى مقام بيان ان: حديث الرفع، لا يدل على فساد البيع الاكراهى، بعد ان لحقه الرضا من المكره.

و حاصله ان اثر العقد اى النقل مرفوع بالاكراه، اما: بعض الاثر، اى قابلية العقد لان يلحقه الرضا، فلم يكن ثابتا للعقد حتى يرفع بالاكراه

اذ: الثابت للعقد تمام الاثر، لا بعضه، ف (انه) اى حديث رفع الاكراه (يدل على ان الحكم الثابت للفعل المكره عليه) اى العقد- و الحكم هو النقل و الانتقال- (لو لا الاكراه) فانه لو لم يكن مكرها ثبت النقل و الانتقال (يرتفع) ذلك الحكم (عنه اذا وقع) الفعل- اى العقد (مكرها عليه كما هو) أيضا (معنى رفع الخطاء) فانه لا يثبت الحكم على الفعل الخطئي، و إن كان ثابتا على الفعل اذا صدر عن عمد، مثلا: الحد الثابت على الشرب العمدى لا يثبت على الشرب الخطئي

ص: 384

و النسيان أيضا.

و هذا المعنى موجود فيما نحن فيه، لان اثر العقد الصادر من المالك- مع قطع النظر عن اعتبار عدم الاكراه- السببية المستقلة لنقل المال

و من المعلوم انتفاء هذا الاثر بسبب الاكراه.

و هذا الاثر الناقص المترتب عليه مع الاكراه، حيث انه

______________________________

(و) معنى: رفع (النسيان) فالشرب النسيانى لاحد عليه، بينما الشرب العمدى عليه الحد (أيضا) اى لا يثبت الحكم على الاكراه، كما لا يثبت على الخطاء و النسيان.

(و هذا المعنى) اى عدم ثبوت الحكم على الفعل الاكراهى (موجود فيما نحن فيه) عن العقد الاكراهى (لان اثر العقد الصادر من المالك) الّذي عقد مكرها (- مع قطع النظر عن اعتبار عدم الاكراه-) فان: رفع الاكراه يرفع اثر العقد، و نحن نلاحظ الاثر، ثم نلحقه بحديث: رفع الاكراه، لنرى ما هو الشي ء الّذي رفعه الاكراه

فاثر العقد (السببية المستقلة لنقل المال) و لو قال المصنف: لان العقد سبب، كان احسن اذ: الاثر، ليس سببا و انما: العقد سبب،

(و من المعلوم انتفاء هذا الاثر بسبب الاكراه) فان العقد الاكراهى لا يؤثر نقلا و انتقالا.

(و) ان قلت: ان للعقد الاكراهى بعض الاثر، و هو: انه قابل لان يلحقه الرضا، فيؤثر الاثر الكامل.

قلت: (هذا الاثر الناقص المترتب عليه مع الاكراه، حيث انه) اى هذا

ص: 385

جزء العلة التامة للملكية، لم يكن ثابتا للفعل، مع قطع النظر عن الاكراه ليرتفع به، اذ: المفروض ان الجزئية ثابتة له، بوصف الاكراه، فكيف يعقل ارتفاعه بالاكراه؟

و بعبارة اخرى: اللزوم الثابت للعقد، مع قطع النظر عن اعتبار عدم الاكراه، هو: اللزوم المنفى بهذا الحديث.

و المدعى ثبوته للعقد بوصف الاكراه، هو: وقوفه على رضى المالك، و هذا غير مرتفع بالاكراه

______________________________

الاثر الناقص (جزء العلة التامة للملكية) و جزئها الآخر الرضا اللاحق (لم يكن ثابتا للفعل) اى العقد (مع قطع النظر عن الاكراه ليرتفع) هذا الاثر الناقص (به) اى بالاكراه.

فان الاكراه انما يرفع الآثار التى هى للفعل، و ليس الاثر الناقص اثرا للفعل (اذ: المفروض ان الجزئية) اى جزئية العقد للنقل، و جزئه الآخر الرضا (ثابتة له) اى للعقد (بوصف الاكراه) فان: العقد الاكراهى، يؤثر اثرا ناقصا (فكيف يعقل ارتفاعه) اى الاثر (بالاكراه؟) فان الشي ء المترتب على الاكراه لا يرتفع بالاكراه، اذ: لا يعقل ان يكون الشي ء موجبا لازالة اثر نفسه. (و بعبارة اخرى) فى بيان ان الاكراه لا يرفع قابلية العقد للحوق الرضا به (اللزوم الثابت للعقد، مع قطع النظر عن اعتبار عدم الاكراه هو اللزوم المنفى بهذا الحديث) اى بحديث نفى الاكراه.

(و المدعى) اى الشي ء ندعى (ثبوته للعقد بوصف الاكراه، هو وقوفه) فى اعطاء الاثر (على رضى المالك، و هذا) الاثر (غير مرتفع بالاكراه) لانه اثر

ص: 386

لكن يرد على هذا: ان مقتضى حكومة الحديث على الاطلاقات هو تقيدها بالمسبوقية بطيب النفس، فلا يجوز الاستناد إليها، لصحة بيع المكره و وقوفه، على الرضا اللاحق، فلا يبقى دليل على صحة بيع المكره فيرجع الى اصالة الفساد.

و بعبارة اخرى ادلة صحة البيع: تدل على سببية مستقلة فاذا قيدت

______________________________

نفس الاكراه.

(لكن يرد على هذا) اى ترتب الاثر الجزئى على عقد المكره ثم تحميله بالرضا، لحصول النقل و الانتقال (ان مقتضى حكومة الحديث) اى حديث لا اكراه (على الاطلاقات) الدالة على تأثير العقد للنقل (هو تقيدها) اى الاطلاقات (بالمسبوقية بطيب النفس).

فالمعنى: انه لا اثر اطلاقا لا كليا و لا جزئيا اذا لم يكن طيب النفس (فلا يجوز الاستناد إليها) اى الى الاطلاقات (لصحة بيع المكره، و وقوفه) اى وقوف اثره اى النقل (على الرضا اللاحق).

و على هذا (فلا يبقى دليل على صحة بيع المكره) بعد سقوط الاطلاقات بسبب: حديث الرفع (فيرجع) عند الشك فى الصحة اذا لحقه الرضا (الى اصالة الفساد) لان الاصل عدم الانعقاد.

(و بعبارة اخرى) لبيان ان حديث: الاكراه لا يبقى مجالا لتأثير عقد المكره و لو اثرا جزئيا (ادلة صحة البيع) مثل: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ، و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و ما اشبه (تدل على سببية مستقلة) و ان البيع سبب مستقل لافادة الاثر و النقل (فاذا قيدت) ادلة: البيع

ص: 387

بغير المكره لم يبق لها دلالة على حكم المكره، بل لو كان هنا ما يدل على صحة البيع بالمعنى الاعم من السببية المستقلة كان دليل الاكراه حاكما عليه مقيدا له، فلا ينفع.

اللهم الا ان يقال: ان الاطلاقات المقيدة للسببية المستقلة مقيدة بحكم الادلة الاربعة المقتضية لحرمة اكل المال بالباطل و مع عدم طيب النفس

______________________________

(بغير المكره) بسبب دليل رفع الاكراه (لم يبق لها) اى لادلّة البيع (دلالة على حكم المكره بل لو كان هنا ما يدل على صحة البيع بالمعنى الاعم من السببية المستقلة كان دليل الاكراه حاكما عليه مقيدا له، فلا ينفع).

و عليه فلا تشمل الاطلاقات بيع المكره و يكون المرجع حينئذ اصالة الفساد

(اللهم الا ان يقال) فى بيان عدم حكومة ادلة: الاكراه على الاطلاقات، فتشمل الاطلاقات بيع المكره ببيان ان الاطلاقات تقول:

البيع المرضى به، صحيح، و لو كان الرضا لاحقا به.

و على هذا فدليل الاكراه لا يشمل البيع المرضى به اذ لا اكراه بعد الرضا

ف (ان الاطلاقات المقيدة للسببية المستقلة) اى سببية البيع للنقل بدون احتياج الى شي ء آخر (مقيدة) تلك الاطلاقات (بحكم الأدلة الاربعة) اى ان التقييد انما نشاء من الادلة الاربعة (المقتضية لحرمة اكل المال بالباطل و مع عدم طيب النفس) فان الكتاب و السنة و الاجماع و العقل: دلت على عدم جواز اكل اموال الناس بدون رضايتهم.

و عليه ف: احل الله البيع، مقيد ب: البيع عن طيب النفس، و قوله:

ص: 388

بالبيع المرضى به، سبقه الرضا، او لحقه؟

و مع ذلك فلا حكومة للحديث عليها.

اذ: البيع المرضى به سابقا لا يعقل عروض الاكراه له.

و اما المرضى به بالرضا اللاحق فانما يعرضه الاكراه من حيث ذات الموصوف، و هو اصل البيع.

و لا نقول بتأثيره بل مقتضى الادلة الاربعة مدخلية الرضا فى تأثيره، و

______________________________

(بالبيع المرضى به) متعلق ب: مقيدة، و قوله بحكم الخ بيان لوجه التقييد (سبقه الرضا) اى سبق البيع الرضا، بان رضى البائع ثم باع (او لحقه) بان باع مكرها ثم رضى به.

(و مع ذلك) اى بعد تقييد الاطلاقات بالبيع المرضى به (فلا حكومة للحديث) اى حديث الاكراه (عليها) اى على تلك الاطلاقات.

(اذ: البيع المرضى به سابقا) اى ما كان الرضا سابقا على العقد (لا يعقل عروض الاكراه له) فلا حكومة للاكراه على الاطلاق فى هذا القسم من البيع.

(و اما المرضى به بالرضا اللاحق) على العقد (فانما يعرضه الاكراه من حيث ذات الموصوف، و هو اصل البيع) قبل الرضا فان البيع قبل الرضا، مكره عليه.

(و لا نقول) نحن (بتأثيره) اى تأثير ذات البيع، قبل لحوق الرضا به (بل) بالعكس نقول بعدم تأثيره.

لان (مقتضى الادلة الاربعة مدخلية الرضا فى تأثيره، و) فى

ص: 389

وجوب الوفاء به.

فالاطلاقات بعد التقييد تثبت التأثير التام لمجموع العقد- المكره عليه- و الرضا به لاحقا.

و لازمه بحكم العقل، كون العقد المكره عليه بعض المؤثر التام، و هذا لا يرتفع بالاكراه، لان الاكراه مأخوذ فيه بالفرض.

الا ان يقال: ان ادلة الاكراه، كما ترفع السببية المستقلة التى افادتها الاطلاقات قبل التقييد

______________________________

(وجوب الوفاء به) فالذى نقول بتأثيره هو الموصوف مع الوصف لا الموصوف المجرد

(فالاطلاقات) لادلة البيع (بعد التقييد) اى تقييدها بالأدلّة الاربعة الدالة على اشتراط الرضا (تثبت التأثير التام لمجموع العقد- المكره عليه- و الرضا به لاحقا) اى مجموع العقد و الرضا.

(و لازمه) اى لازم كون التأثير للمجموع من العقد و الرضا (بحكم العقل) الّذي يرى لكل جزء من اجزاء العلة مدخلية فى التأثير (كون العقد المكره عليه بعض المؤثر التام، و هذا) اى كون: العقد المكره عليه، بعض المؤثر (لا يرتفع بالاكراه، لان الاكراه مأخوذ فيه بالفرض) حيث انا فرضنا: العقد المكره عليه، فكيف يمكن ان يكون: الاكراه، جزءا من الموضوع و يكون حكما للموضوع.

(الا ان يقال) فى بيان رفع الاكراه لكون العقد جزءا من السبب (ان ادلة الاكراه، كما ترفع السببية المستقلة التى افادتها) اى افادت السببية المطلقة (الاطلاقات) لادلة البيع (قبل التقييد) لتلك الاطلاقات بالأدلّة

ص: 390

ترفع مطلق الاثر عن العقد المكره عليه لان التأثير الناقص أيضا استفيد، من الاطلاقات بعد تقييدها بالرضا الاعم من اللاحق.

و هذا لا يفرق فيه أيضا بين جعل الرضا، ناقلا او كاشفا اذ: على الاول يكون تمام المؤثر نفسه.

و على الثانى يكون الامر المنتزع منه العارض للعقد، و هو تعقبه للرضا

______________________________

الاربعة (ترفع) كذلك (مطلق الاثر عن العقد المكره عليه) حتى الاثر الجزئى.

فدليل الاكراه يقول: لا اثر للعقد المكره عليه لا اثرا كليا، و لا اثرا جزئيا.

و انما نقول بان ادلة الاكراه ترفع الاثر الجزئى أيضا (لان التأثير الناقص) للعقد المكره عليه (أيضا) كالتأثير الكامل (استفيد من الاطلاقات بعد تقييدها) اى الاطلاقات (بالرضا) المستفاد من الادلة الاربعة (الاعم من اللاحق).

فان الادلة الاربعة تقول: العقد المرضى به رضا سابقا او لاحقا، صحيح (و هذا) الّذي ذكرنا من عدم التأثير للعقد المكره عليه، حتى التأثير الناقص (لا يفرق فيه أيضا) كما لا يفرق فيه- على القول الآخر و هو التأثير الجزئى (بين جعل الرضا ناقلا، او كاشفا، اذ: على الاول) اى النقل (يكون) الرضا (تمام المؤثر نفسه): نفسه، اسم: يكون.

(و على الثانى) اى الكشف (يكون) تمام المؤثر (الامر المنتزع منه) اى من الرضا (العارض) ذلك الامر المنتزع (للعقد، و هو) اى الامر المنتزع (تعقبه) اى العقد (للرضا) فالمؤثر: الرضا، على النقل و العقد المتعقب

ص: 391

و كيف كان فذات العقد المكره عليه، مع قطع النظر عن الرضا او تعقبه له، لا يترتب عليه الّا كونه جزء المؤثر التام.

و هذا امر عقلى قهرى، يحصل له بعد حكم الشارع بكون المؤثر التام هو المجموع منه و من الرضا، او وصف تعقبه له، فتأمل.

______________________________

للرضا، على الكشف.

(و كيف كان) و هذا رجوع من المصنف عن حكم: الّا أن يقال، لتأييد ما ذكره قبل: يقال، من تأثير عقد المكره بعض الأثر.

و حاصله: أنّ العقد تأثيره الجزئى عقلى، فلا يمكن رفعه بدليل:

الاكراه (فذات العقد المكره عليه، مع قطع النظر عن الرضا) حين العقد (او تعقبه) اى الرضا (له) اى للعقد (لا يترتب عليه) اى على العقد (الّا كونه جزء المؤثر التام) فى النقل و الانتقال.

(و هذا) الجزئية للعقد (امر عقلىّ قهرى، يحصل له بعد حكم الشارع بكون المؤثر التام هو المجموع منه و من الرضا) المقارن له (او وصف تعقبه) اى العقد (له) اى للرضا (فتأمل) فانه و إن كان امرا عقليا، لا يمكن رفعه تشريعا بالاصالة، الّا أنه يمكن رفعه برفع الكل، بان يقول الشارع:

العقد المكره عليه المعقب بالرضا، لم اجعله مؤثرا، كما يمكن الشارع رفع الزوجية برفع الاربعة، و ان لم يكن رفع الزوجية وحدها مع بقاء الاربعة موجودة.

و لا يخفى ان المصنف ره خرج عن المسألة بالاشكال، و انه متوقف فى انه لو تعقب عقد المكره الرضا، هل انه ينفع فى تأثير الاثر، أم لا؟

ص: 392

بقى الكلام فى: ان الرضا المتأخر ناقل، او كاشف.

مقتضى الاصل، و عدم حدوث: حل مال الغير الّا عن طيب نفسه هو الاول.

الّا أن الاقوى بحسب الادلة النقلية، هو الثانى، كما سيجي ء فى مسئلة الفضولى.

و ربما يدعى: ان مقتضى الاصل هنا، و فى الفضولى، هو: الكشف

______________________________

(بقى الكلام فى) انه بناء على صحة العقد الاكراهى المتعقب بالرضا فى (ان الرضا المتأخر) عن العقد (ناقل) حتى يكون الاثر من حين الرضا (او كاشف) حتى يكون الاثر من حين العقد.

(مقتضى الاصل) الّذي يقول: بعدم النقل و الانتقال الا حين اليقين بهما (و) مقتضى (عدم حدوث: حل مال الغير الا عن طيب نفسه) لانه شي ء لم يكن سابقا فاذا شككنا فيه و انه هل هذا الطيب المتأخر اثّر فى السابق أم لا؟ كان الاصل العدم (هو: الاول) اى النقل.

(الا ان الاقوى بحسب الادلة النقلية) الظاهرة فى: ان المالك انما يحدث بالعقد (هو: الثانى) اى الكشف (كما سيجي ء فى: مسئلة الفضولى) إن شاء الله تعالى.

(و ربما يدعى: ان مقتضى الاصل هنا) فى عقد الكاره المتعقب بالرضا (و فى الفضولى: هو: الكشف) فاذا اجاز المالك او الكاره، كشف ذلك عن تقدم النقل و الانتقال.

ص: 393

لان مقتضى الرضا بالعقد السابق هو الرضا بما افاده من نقل الملك حين صدوره فإمضاء الشارع للرضا بهذا المعنى، و هو النقل من حين العقد.

و ترتب الآثار عليه لا يكون الا بالحكم بحصول الملك فى زمان النقل.

و فيه ان مفاد العقد السابق، ليس النقل من حينه بل نفس النقل، الا ان انشائه لما كان فى زمان التكلم فان كان ذلك الانشاء مؤثرا فى نظر الشارع فى زمان التكلم حدث الاثر فيه.

و ان كان مؤثرا بعد حصول امر حدث الاثر بعده.

______________________________

(لان مقتضى الرضا) من المالك (بالعقد السابق) الّذي اوقعه الفضولى، او اوقعه المالك كارها (هو الرضا بما افاده) العقد (من نقل الملك حين صدوره).

و عليه (فإمضاء الشارع للرضا) من المالك (بهذا المعنى) اى من حين الصدور (و هو النقل من حين العقد) لا من حين الرضا و الاجازة.

(و ترتب الآثار عليه) اى على العقد (لا يكون الا بالحكم بحصول الملك فى زمان النقل) و هو حال العقد.

(و فيه) اى فيما ادعى من الكشف نظر ل (ان مفاد العقد السابق،

ليس النقل من حينه) اى من حين العقد (بل) مفاده (نفس النقل الا ان انشائه) اى إنشاء العقد (لما كان فى زمان التكلم) باللفظ (فان كان ذلك الانشاء مؤثرا فى نظر الشارع فى زمان التكلم) فى زمان، متعلق ب: مؤثرا (حدث الاثر فيه) اى فى زمان التكلم.

(و ان كان مؤثرا) فى نظر الشارع (بعد حصول امر حدث الاثر بعده)

ص: 394

فحصول النقل فى نظر الشارع يتبع زمان حكمه الناشئ من اجتماع ما يعتبر فى الحكم.

و لذلك كان الحكم بتحقق الملك بعد القبول

او بعد القبض فى الصرف و السلم، و الهبة.

او بعد انقضاء زمان الخيار على مذهب الشيخ.

______________________________

اى بعد ذلك الامر، و الامر هو الرضا فى المكره، و الاجازة فى الفضولى.

(فحصول النقل فى نظر الشارع يتبع زمان حكمه) اى حكم الشارع بالنقل (الناشئ) ذلك الحكم (من اجتماع ما يعتبر فى الحكم) من العقد، و الرضا.

(و لذلك) الّذي ذكرنا من: ان حصول النقل يتبع زمان حكم الشارع و حكمه تابع لاجتماع الشرائط بنظر الشارع (كان الحكم) من الشارع (بتحقق الملك بعد القبول) من المشترى.

(او بعد القبض فى الصرف) و هو بيع الاثمان اى الذهب و الفضة (و السلم) و هو: ما كان الثمن حالا و المثمن مؤجلا، عكس النسيئة (و الهبة) فان الموهوب لا يملك الهبة، الا بعد قبضها.

(او بعد انقضاء زمان الخيار، على مذهب الشيخ) الطوسى ره، فانه يرى ان الملك لا يحصل الا بعد انقضاء زمان الخيار.

مثلا: الطرفان ما داما فى المجلس الّذي هو زمان الخيار لا يملكان فاذا افترقا ملكا العوضين،

و هذا خلاف نظر المشهور القائلين بالملك فى زمان الخيار.

ص: 395

غير مناف، لمقتضى الايجاب و لم يكن تبعيضا فى مقتضاه بالنسبة الى الازمنة.

فان قلت: حكم الشارع بثبوت الملك، و إن كان بعد الرضا، الا ان حكمه بذلك لما كان من جهة امضائه للرضا بما وقع، فكانه حكم بعد الرضا بثبوت

______________________________

و انما الخيار فائدته التمكن من فسخ العقد.

فكان الحكم بتحقق الملك بعد هذه (غير مناف لمقتضى الايجاب) الّذي هو ظاهر فى الملك حين الايجاب.

و قوله: غير مناف، خبر لقوله: كان الحكم.

و الحاصل: ان حكم الشارع بالملك يتوقف على اجتماع الشرائط، لا انه بمجرد العقد.

و فيما نحن فيه حكم الشارع بالملك فى عقد المكره، انما هو بعد الرضا لا حين العقد (و لم يكن) الحكم بتأخر الملك عن العقد (تبعيضا فى مقتضاه) اى مقتضى الايجاب (بالنسبة الى الازمنة) حتى يقال: ان الايجاب لو كان مؤثرا، لأثّر من اوّل الازمنة، و لو لم يكن مؤثرا لم يؤثر حتى بعد مدة أيضا.

(فان قلت) لبيان ان الرضا كاشف، لا ناقل (حكم الشارع بثبوت الملك و إن كان) ذلك الحكم (بعد الرضا) من المكره (الا ان حكمه بذلك) بثبوت الملك (لما كان من جهة امضائه) اى امضاء الشارع (للرضا بما وقع) فان الشارع قال: ان رضاك ايها المكره بما وقع عن العقد ممضى لدى (فكانه حكم بعد الرضا بثبوت

ص: 396

الملك قبله.

قلت: المراد هو: الملك شرعا، و لا معنى لتخلف زمانه عن زمان الحكم الشرعى بالملك.

و سيأتى توضيح ذلك فى بيع الفضولى إن شاء الله تعالى و ان شئت توضيح ما ذكرنا فلاحظ: مقتضى فسخ العقد، فانه و إن كان حلا للعقد السابق، و جعله كان لم يكن الا انه لا يرتفع به الملكية السابقة على الفسخ لان العبرة بزمان حدوثه، لا بزمان متعلقه.

ثم على القول بالكشف هل للطرف غير المكره ان يفسخ قبل

______________________________

الملك قبله) اى قبل الرضا، فاللازم ان نقول بالكشف.

(قلت: المراد) من حصول الملك بعد الرضا (هو: الملك شرعا) لا الملك الّذي قصده المالك (و لا معنى لتخلف زمانه) اى زمان الملك الشرعى (عن زمان الحكم الشرعى بالملك) الّذي هو بعد الرضا.

(و سيأتى توضيح ذلك فى بيع الفضولى إن شاء الله تعالى، و ان شئت توضيح ما ذكرنا) من ان حكم الشارع بالملك، من حين الرضا، لا من حين العقد، و انه لا يستلزم تبعيضا فى مقتضى الايجاب (فلاحظ: مقتضى فسخ العقد، فانه) اى الفسخ (و إن كان حلا للعقد السابق، و جعله) اى العقد للسابق (كان لم يكن الا انه لا يرتفع به الملكية السابقة على الفسخ) بل الملكية من حين الفسخ (لان العبرة بزمان حدوثه، لا بزمان متعلقه) الّذي هو العقد السابق.

(ثم على القول بالكشف هل للطرف) الآخر (غير المكره ان يفسخ قبل

ص: 397

رضا المكره أم لا؟ يأتى بيانه فى الفضولى إن شاء الله تعالى.

______________________________

رضا المكره) و فسخه (أم لا) ليس له الفسخ (يأتى بيانه فى الفضولى إن شاء الله تعالى)

و سيصدر القسم الثالث من كتاب البيع عن قريب إن شاء الله تعالى

ص: 398

محتويات الكتاب

الموضوع الصفحة

فى المقبوض بالعقد الفاسد 3

فى بيان قاعدة: ما يضمن بصحيحه 7

فى مدرك قاعدة: ما يضمن بصحيحه 11

فى عكس قاعدة: ما يضمن بصحيحه 38

فى وجوب: فورية الرد الى المالك 52

فى ما لو كان للعين المبتاعة منفعة 56

فى تعريف المثلى و القيمى 73

فى حكم ما اذا لم يوجد المثل الا باكثر من ثمن المثل 102

فى ما لو تعذر المثل فى المثلى 107

فى ضمان المثلى و تحقيق القول فيه 127

فى ما لو دفع القيمة فى المثل المتعذر مثله 139

فى ما لو كان التالف المبيع فاسدا 141

فى ذكر صحيحة ابى ولاد 153

فى تحقيق معنى الخبر الشريف 159

فى نقل الاقوال فى الضمان 185

ص: 399

الموضوع الصفحة

فى معنى ضمان العين 196

فى ان الغرامة هل تعود ملكه الى الغارم أم لا؟ 217

فى شروط المتعاقدين 228

فى عدم جواز تصرفات الصبى 246

فى لزوم قصد مدلول العقد 276

فى اعتبار تعيين الموجب و القابل و عدمه 307

فى شرطية الاختيار للمتعاقدين 311

فى صحة عقد المكره اذا تعقبه الرضا 381

محتويات الكتاب 399

ص: 400

المجلد 7

هویة الکتاب

سرشناسه : حسيني شيرازي، محمد، 1380 - 1305، شارح

عنوان و نام پديدآور : ايصال الطالب الي المكاسب: شرح واف بغرض الكتاب، تيعرض لحل مشكلاته و ابداآ مقاصد في ايجاز و توضيح/ محمد الحسيني الشيرازي

مشخصات نشر : تهران : موسسه كتابسراي اعلمي ، 1385.

مشخصات ظاهري : ج 16

شابك : 964-94017-6-8(دوره): ؛ 964-7860-59-5(ج. 1): ؛ 964-7860-58-7(ج. 2): ؛ 964-7860-57-9(ج. 3): ؛ 964-7860-56-0(ج. 4): ؛ 964-7860-54-4(ج. 6): ؛ 964-7860-53-6(ج. 7): ؛ 964-7860-55-2(ج. 8): ؛ 964-7860-52-8(ج. 9): ؛ 964-7860-51-X(ج. 10): ؛ 964-7860-50-1(ج. 11): ؛ 964-7860-49-8(ج. 12): ؛ 964-7860-45-X(ج. 13): ؛ 964-7860-47-1(ج. 15):

يادداشت : عربي

يادداشت : فهرست نويسي براساس اطلاعات فيپا

يادداشت : كتاب حاضر شرحي بر "المكاسب مرتضي بن محمد امين انصاري" است

عنوان ديگر : المكاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1281 - 1214ق. المكاسب -- نقد و تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

شناسه افزوده : انصاري، مرتضي بن محمدامين ، 1281 - 1214ق. المكاسب. شرح

رده بندي كنگره : BP190/1/الف8م702133 1385

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : م 85-16816

ص: 1

اشارة

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله و كفى، و صلى الله على محمد المصطفى، و آله اهل الوفاء هذا هو القسم الثالث من البيع من كتابنا (ايصال الطالب) فى شرح كتاب (المكاسب) للعالم العامل الزاهد آية الله الحاج الشيخ المرتضى الانصارى (قدس سره)

كتبته تصبرة للمبتدئين، و تذكرة لغيرهم، و الله الموفق للاتمام، و ان يجعله ذخرا ليوم «لا ينفع فيه مال و لا بنون»

كربلاء المقدسة

محمد بن المهدى الحسينى الشيرازى

ص: 2

[تتمة كتاب البيع]

[تتمة الكلام في شروط المتعاقدين]

اشارة

مسئلة و من شروط المتعاقدين اذن السيد لو كان العاقد عبدا،

فلا يجوز للمملوك ان يوقع عقدا الا باذن سيّده، سواء كان لنفسه فى ذمته، او بما فى يده، أم لغيره؟ لعموم: ادلة عدم استقلاله فى اموره قال الله تعالى: ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ.

و عن الفقيه: بسنده الى زرارة عن ابى جعفر و ابى عبد الله عليهما السلام قالا: المملوك لا يجوز نكاحه و لا طلاقه الا باذن سيّده قلت: فإن كان السيد زوجه بيد من الطلاق؟ قال عليه السلام: بيد السيد، ضرب الله مثلا

______________________________

(مسأله: و من شروط المتعاقدين: اذن السيد لو كان العاقد عبدا فلا يجوز للمملوك ان يوقع عقدا الا باذن سيّده، سواء كان) العقد (لنفسه فى ذمته) نسية (او بما فى يده) نقدا (أم لغيره) ممن اجازه فى العقد.
اشارة

و انما يحتاج عقد العبد الى اذن السيد (لعموم: ادلة عدم استقلاله فى اموره قال الله تعالى: ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا) اى مثلا للآلهة الباطلة التى لا تقدر على اى شي ء من التصرفات، و المثل هو (عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ) فانه يدل على ان العبد لا يقدر- تشريعا- من التصرفات، كما ان الآلهة الباطلة كالاصنام و ما اشبه لا تقدر- تكوينا- على التصرفات.

(و عن الفقيه بسنده الى زرارة عن ابى جعفر و ابى جعفر و ابى عبد الله عليهما السلام، قالا: المملوك لا يجوز نكاحه، و لا طلاقه، الا باذن سيده، قلت:

فإن كان السيد زوجه بيد من الطلاق) كانه يريد ان يقول: حيث ان السيد زوجه، فاللازم ان يكون الطلاق بيد العبد، اذ: الطلاق من توابع النكاح الّذي اجازه السيد (قال عليه السلام: بيد السيد، ضرب الله مثلا

ص: 3

عبدا مملوكا لا يقدر على شي ء، فشي ء الطلاق.

و الظاهر من القدرة خصوصا بقرينة الرواية هو: الاستقلال.

اذ: المحتاج الى غيره فى فعل غير قادر عليه.

فيعلم عدم استقلاله فيما يصدق عليه انه شي ء فكل ما صدر عنه من دون مدخلية المولى، فهو- شرعا- بمنزلة العدم لا يترتب عليه الاثر المقصود منه، لا انه لا يترتب عليه حكم شرعى اصلا.

______________________________

عبدا مملوكا لا يقدر على شي ء، فشي ء: الطلاق).

و صورة القياس هكذا: الطلاق شي ء، و العبد لا يقدر على شي ء، فلا يقدر على الطلاق.

(و الظاهر من القدرة خصوصا بقرينة الرواية، هو: الاستقلال).

فالمعنى: ان العبد لا يتمكن من الاستقلال فى تصرفاته اما التصرف باذن السيد فلا تنفيه الآية.

(اذ: المحتاج الى غيره فى فعل غير قادر عليه) عرفا، فيصدق انه:

لا يقدر على شي ء.

(فيعلم) من الآية (عدم استقلاله) اى العبد (فيما يصدق عليه انه شي ء)

اما ما لا يصدق عليه انه شي ء عرفا، مثل ان يذكر الله تعالى و ما اشبه، و إن كان شي ء لغة، فلا بأس به (فكل ما صدر عنه من دون مدخلية المولى فهو شرعا- بمنزلة العدم لا يترتب عليه الأثر المقصود منه) كالنقل و الانتقال فى باب البيع و الحلّية و الحرمة فى باب النكاح و الطلاق، و هكذا (لا انه لا يترتب عليه) اى على ما يصدر عن العبد (حكم شرعى اصلا).

ص: 4

كيف و افعال العبيد موضوعات لاحكام كثيرة، كالاحرار.

[هل ينفذ إنشاء العبد إذا لحقته إجازة السيد]

و كيف كان فانشاءات العبد لا يترتب عليها آثارها من دون اذن المولى اما مع الاذن السابق، فلا اشكال.

______________________________

و (كيف) يمكن، ان يقال: بعدم ترتب اىّ اثر (و) الحال ان (افعال العبيد موضوعات لاحكام كثيرة، كالاحرار) فاجراماته توجب ترتب الحدود عليه، و ضماناته توجب تبعة الضمان و عباداته تسقط القضاء و الكفارة، و جنابته توجب الغسل، الى غيرها من الاحكام الكثيرة.

فمعنى: لا يقدر على شي ء ممّا يرى العرف انه تصرف فى حق المولى، أو نص على ذلك الشرع.

لكن ربما يقال: بعدم شمول الآية و الرواية، لمثل عقد البيع، فاذا عقد رتب عليه الأثر، اذ: الآية الكريمة بقرينة ذيلها: ينفق منه سرا و جهرا، لا تدل على ان العبد مطلقا محجور التصرف، و الرواية انما هى بصدد بيان ان المحرم ما يقال له فى العرف: انه شي ء.

و من المعلوم ان اجراء العقد للغير الّذي لا ينافى حق المولى، ليس:

بشي ء.

فالقول بالحرمة تكليفا و الاحتياج الى اجازة المولى فى تأثير عقده الاثر المطلوب منه وضعا محل اشكال.

(و كيف كان فانشاءات العبد لا يترتب عليها آثارها من دون اذن المولى) سابقا أو لاحقا.

(اما مع الاذن السابق فلا اشكال) فى الصحة و تأثير الأثر.

ص: 5

و اما مع الاجازة اللاحقة فيحتمل عدم الوقوع، لان المنع فيه ليس من جهة العوضين اللذين يتعلق بهما حق المجيز فله ان يرضى بما وقع على ماله من التصرف فى السابق و ان لا يرضى، بل المنع من جهة راجعة الى نفس الانشاء الصادر، و ما صدر على وجه لا يتغير منه بعده.

و بتقرير آخران الاجازة انما تتعلق بمضمون العقد، و حاصله: اعنى انتقال المال بعوض، و هذا فيما نحن فيه ليس منوطا برضى المولى قطعا اذ:

______________________________

(و اما مع الاجازة اللاحقة) كما لو عقد بدون اجازة المولى ثم اجاز العقد (فيحتمل عدم الوقوع) لمقتضى العقد (لان المنع فيه) اى منع الشارع عن هذا العقد (ليس من جهة العوضين اللذين يتعلق بهما حق المجيز) كالفضولى، اذ: المنع فيه من جهة تعلق حق المالك المجيز، بالمال (فله) اى للمالك- فى مثل الفضولى- (ان يرضى بما وقع على ماله من التصرف فى السابق، و ان لا يرضى) فلا يؤثر العقد الفضولى اثرا (بل المنع) هنا فى باب عقد العبد بدون اجازة السيد (من جهة راجعة الى نفس الانشاء الصادر) فكانّ الانشاء لا إنشاء (و ما صدر على وجه) كالبطلان للانشاء فى المقام (لا يتغير منه) الى وجه آخر (بعده) بعد ان صدر على وجه خاص، لانه من قبيل انقلاب الموجود الى موجود آخر، و هذا غير معقول.

(و بتقرير آخران الاجازة) اللاحقة (انما تتعلق بمضمون العقد و حاصله) اى حاصل العقد، و: الواو، عطف على: مضمون (اعنى انتقال المال بعوض و هذا فيما نحن فيه ليس منوطا برضى المولى قطعا اذ) المال ليس للمولى فان

ص: 6

المفروض انه اجنبى عن العوضين، و انما له حق فى كون إنشاء هذا المضمون قائما بعبده، فاذا وقع على وجه يستقل به العبد، فلحوق الاجازة لا يخرجه عن الاستقلال الواقع عليه قطعا الا ان الاقوى، هو: لحوق اجازة المولى لعموم ادلة: الوفاء بالعقود.

و المخصص انما دلّ على عدم ترتب الأثر على عقد العبد، من دون مدخلية المولى اصلا سابقا، و لاحقا، لا مدخلية اذنه السابق.

و لو شك أيضا وجب الاخذ: بالعموم فى مورد الشك.

______________________________

(المفروض انه) اى المولى (اجنبى عن العوضين، و انما له) اى للمولى (حق فى كون إنشاء هذا المضمون) اى إنشاء النقل و الانتقال (قائما بعبده فاذا وقع) هذا الانشاء (على وجه يستقل به العبد، فلحوق الاجازة) الى الانشاء من المولى (لا يخرجه عن الاستقلال الواقع عليه) الانشاء (قطعا)

هذا وجه عدم تصحيح الاجازة اللاحقة لعمل العبد (الا ان الاقوى هو: لحوق اجازة المولى) فاذا اجاز اثمر العقد ثمره (لعموم: ادلة الوفاء بالعقود) فيجب على المالكين ان يفيا بما عقداه.

(و المخصص) و هو: عبدا مملوكا لا يقدر على شي ء، (انما دلّ على عدم ترتب الأثر على عقد العبد، من دون مدخلية المولى اصلا) لا (سابقا و) لا (لاحقا لا مدخلية اذنه السابق) فقط.

(و لو شك أيضا) فى الاذن اللاحق هل يكفى، أم لا؟ (وجب الاخذ:

بالعموم) لاوفوا بالعقود (فى مورد الشك).

اذ: العام، شامل و الخارج هو دون الاذن، فاذا شك فى فرد آخر- هل هو

ص: 7

و يؤيد إرادة الاعم من الإجازة، الصحيحة السابقة فان جواز النكاح يكفيه لحوق الاجازة.

فالمراد بالاذن، هو: الاعم، الا انه خرج الطلاق بالدليل.

و لا يلزم تأخير البيان، لان الكلام المذكور مسوق لبيان نفى استقلال

______________________________

خارج أم لا؟ كان اللازم التمسك بعموم العام.

(و يؤيد) اى يؤيّد كفاية الاذن اللاحق (إرادة الاعم من) الاذن السابق و (الاجازة) اللاحقة (الصحيحة السابقة) و هى: رواية زرارة (فان جواز النكاح يكفيه لحوق الاجازة) مع انه تصرف انشائى فى ملك المولى، و ربط لنفسه بالزواج، و فى العقد للعين تصرف انشائى فقط.

(فالمراد بالاذن) الّذي يحتاج إليه صحة عمل العبد (هو: الاعم) من السابق و اللاحق (الا انه خرج الطلاق بالدليل) فانه قام الدليل على انه اذا طلق العبد بطل طلاقه، و ان اجاز المولى طلاقه بعد ذلك.

(و) ان قلت: فاذا لم يصح الطلاق بالاجازة اللاحقة، يلزم ان يكون اطلاق الامام، فى الصحيحة صحة النكاح و الطلاق بالاذن: الشامل للاذن السابق و اللاحق بدون التنبيه على ان الطلاق لا يصح بالاجازة اللاحقة تأخيرا للبيان عن وقت الحاجة.

و على هذا: فلا بد ان نقول: المراد بالاذن فى الصحيحة الاذن السابق فقط فلا يكن الاستدلال بها للصحة، اذ الحق عقد العبد الاجازة.

قلت: (لا يلزم) من ذلك (تأخير البيان لان الكلام المذكور) فى الصحيحة (مسوق لبيان نفس استقلال

ص: 8

العبد فى الطلاق بحيث لا يحتاج الى رضى المولى أصلا بل و مع كراهة المولى كما يرشد إليه التعبير عن السؤال بقوله: بيد من الطلاق؟

و يؤيد المختار بل يدل عليه ما ورد فى صحة نكاح العبد الواقع بغير اذن المولى اذا اجازه، معللا بانه لم يعص الله تعالى و انما عصى سيده فاذا اجازه جاز، بتقريب ان الرواية تشتمل ما لو كان العبد هو العاقد على نفسه.

______________________________

العبد فى الطلاق، بحيث لا يحتاج الى رضى المولى اصلا بل و مع كراهة المولى كما يرشد إليه) اى الى كون البيان بهذا الصدد، لا بصدد بيان الاحتياج الى الاذن، حتى يقال: عدم ذكر استثناء الاجازة اللاحقة فى الطلاق يوجب تأخير البيان (التعبير عن السؤال بقوله: بيد من الطلاق) فانه يظهر منه انه فى مقام السؤال عن ان الطلاق بيد السيد، كالنكاح او بيد العبد بعد ان اذن له السيد فى النكاح.

(و يؤيّد المختار) من كفاية الاجازة اللاحقة (بل يدل عليه ما ورد فى صحة نكاح العبد الواقع بغير اذن المولى اذا اجازه) المولى بعد ذلك (معللا) وجه الصحة (بانه) اى العبد فى نكاحه بدون الاجازة (لم يعص الله تعالى) اى معصية ابتدائية كشرب الخمر، و ما اشبه (و انما عصى سيده) حيث اوقع النكاح بدون اجازته (فاذا اجاز) السيد النكاح (جاز) و صح.

و وجه التأييد (بتقريب ان الرواية تشتمل ما لو كان العبد هو العاقد على نفسه) فاذا صح لحوق الاجازة بهذا العقد فصحة لحوقها بعقد

ص: 9

و حمله على ما اذا عقد الغير له مناف لترك الاستفصال.

مع ان تعليل الصحة بانه لم يعص الله تعالى الى آخره فى قوة ان يقال: انه اذا عصى الله بعقد كالعقد على ما حرم الله تعالى على ما مثل به الامام (ع) فى روايات أخر واردة فى هذه المسألة

______________________________

العبد على غيره بطريق اولى.

(و حمله) اى الحديث (على ما اذا عقد الغير له) اى للعبد (مناف لترك الاستفصال) فانه لو كان المراد من هذا الحديث هذه الصورة فقط لكان اللازم ان يخصصها الامام بالذكر (مع ان تعليل الصحة) لعقده اذا اجاز سيده (بانه لم يعص الله تعالى الى آخره) كاف فى الدلالة على ان الاجازة تكفى فى صحة العقد المتقدم، بتقريب ان هذا التعليل (فى قوة ان يقال: انه) اى العبد (اذا عصى الله بعقد كالعقد) اى كان يعقد (على ما حرم الله تعالى) كالاخت، و الام (على ما مثل به الامام (ع) فى روايات اخر، واردة فى هذه المسألة) اى مسئلة عقد العبد لنفسه بدون اذن السيد، فقد روى زرارة عن ابى جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل تزوج عبده بغير اذنه فدخل بها، ثم اطلع على ذلك مولاه فقال عليه السلام: ذلك الى مولاه ان شاء فرق بينهما و ان شاء اجاز نكاحهما و للمرأة ما اصدقها الا ان يكون اعتدى فاصدقها صداقا كثيرا، فان اجاز نكاحه فهما على نكاحهما الاول، فقلت: لابى جعفر عليه السلام، فانه فى اصل النكاح كان عاصيا فقال عليه السلام: انما اتى شيئا حلالا، و ليس بعاص لله و انما عصى سيده و لم يعص الله ان ذلك ليس كإتيانه ما حرّم الله عليه

ص: 10

كان العقد باطلا، لعدم تصور رضاء الله تعالى بما سبق من معصيته اما اذا لم يعص الله، و عصى سيده، امكن رضا سيده فيما بعد بما لم يرض به سابقا فاذا رضى به، و اجاز صح، فيكون الحاصل: ان معيار الصحة فى معاملة، العبد بعد كون المعاملة فى نفسها مما لم ينه عنه الشارع هو: رضى سيده بوقوعه سابقا، أو لاحقا، و انه اذا عصى سيده بمعاملة ثم رضى السيد بها صح، و ان ما قاله المخالف من: ان معصية السيد لا يزول حكمها برضاه بعده و انه لا ينفع الرضا اللاحق كما نقله السائل عن طائفة من العامة

______________________________

من نكاح فى عدة و اشباهه.

فعليه: اذا عصى الله بعقد (كان العقد باطلا لعدم تصور رضاء الله تعالى بما) اى بالعمل الّذي (سبق من معصيته) كان يزنى الشخص مثلا ثم يرضى الله تعالى سبحانه به (اما اذا لم يعص الله، و عصى سيده امكن رضا سيده فيما بعد بما لم يرض به سابقا) فان للانسان ان يرضى فيما بعد بما كرهه فيما قبل (فاذا رضى به و اجاز، صح) ذلك الشي ء (فيكون الحاصل) من الحديث (ان معيار الصحة فى معاملة العبد بعد كون المعاملة فى نفسها مما لم ينه عنه الشارع) بان لا يكون كالربا و بيع الخمر مثلا (هو: رضى سيده بوقوعه) رضا (سابقا) على العقد (أو لاحقا و انه انا عصى سيده بمعاملة ثم رضى السيد بها) اى بتلك المعاملة (صح و ان ما قاله المخالف) اى السنة (من: ان معصية السيد لا يزول حكمها برضاه بعده) اى بعد ان خالف (و انه لا ينفع الرضا اللاحق كما نقله السائل عن طائفة من العامة).

ففى موثقه زرارة عن ابى جعفر عليه السلام سألته عن مملوك تزوج

ص: 11

غير صحيح، فافهم و اغتنم.

و من ذلك: يعرف ان استشهاد بعض بهذه الروايات على صحة عقد العبد و ان لم يسبقه اذن و لم يلحقه اجازة بل و مع سبق النهى أيضا لان غاية الامر هو: عصيان العبد و اثمه فى ايقاع العبد و التصرف فى لسانه الّذي هو ملك للمولى.

______________________________

بغير اذن سيده فقال عليه السلام: ذاك الى سيده ان شاء اجازه و ان شاء فرق بينهما قلت: اصلحك اللّه انّ الحكم ابن عيينة و ابراهيم النخعى و اصحابهما يقولون: ان اصل النكاح فاسد و لا يحلله اجازة السيد فقال، عليه السلام: انه لم يعص الله و انما عصى سيده فاذا اجاز فهو جائز له.

فالقول المخالف للسنة (غير صحيح، فافهم و اغتنم) لما فيه من الدقة و الفائدة.

(و من ذلك) الّذي ذكرنا من توقف عقد العبد على اذن السيد سابقا أو لاحقا- لانه تصرف فى حقه فيتوقف على اجازته (يعرف ان استشهاد بعض بهذه الروايات) التى مرت اثنتان منها (على صحة عقد العبد و إن لم يسبقه اذن و لم يلحقه اجازة بل و مع سبق النهى أيضا) من السيد.

فان صور المسألة ان العبد قد يعقد لنفسه و قد يعقد لغيره.

و كل منهما اما مع سبق الاجازة من المولى او سبق المنع، أو لا هذا و لا ذاك او لحوق الاجازة او المنع، او السكوت (لان غاية الامر هو: عصيان العبد و اثمه فى ايقاع العبد و التصرف) من العبد (فى لسانه الّذي هو ملك للمولى) حيث حركه تحريكا باجراء العقد بدون اجازة المولى

ص: 12

لكن النهى مطلقا لا يوجب الفساد، خصوصا النهى الناشئ عن معصية السيد كما يؤمى إليه هذه الاخبار الدالة على ان معصية السيد لا يقدح بصحة العقد.

فى غير محله، بل الروايات ناطقة- كما عرفت- بان الصحة من

______________________________

(لكن النهى) عن التصرف (مطلقا) اىّ قسم من اقسام النهى كان (لا يوجب الفساد) حتى اذا كان من الله تعالى.

كما نرى فى النهى عن البيع وقت النداء، فانه لا يوجب فساد البيع، و انما كان البائع (خصوصا النهى الناشئ عن معصية السيد) لانه ليس ذات العمل عصيانا لله تعالى (كما يؤمى إليه) اى الى ان عصيان السيد لا يوجب الفساد (هذه الاخبار الدالة على ان معصية السيد لا يقدح بصحة العقد)

و قوله: (فى غير محله) خبر: ان استشهاد،

و وجه استشهاد البعض بهذه الروايات على الصحة، انه لو كان العقد بدون الاذن باطلا، لم يفده تعقب الرضا، فاذا دلت الروايات على افادة تعقب الرضا، دلت على صحة العقد، و اذا صح العقد فى صورة عدم الاذن، صح فى صورة النهى أيضا، لانه يتبين منها ان هذا العقد ليس من التصرف فى مال المولى.

و لا يخفى ان مراد البعض، هو: فيما اذا عقد على مال غير المولى اما العقد على مال المولى، فلا اشكال فى احتياجه الى الاذن السابق او الاجازة اللاحقة. (بل الروايات ناطقة- كما عرفت- بان الصحة) للعقد (من

ص: 13

جهة ارتفاع كراهة المولى، و تبدله بالرضا بما فعله العبد،

و ليس ككراهة الله عز و جل، بحيث يستحيل رضاه بعد ذلك بوقوعه السابق، فكانّه قال: لم يعص الله، حتى يستحيل تعقبه للاجازة و الرضا، و انما عصى سيده، فاذا اجاز جاز، فقد علق الجواز صريحا على الاجازة.

و دعوى: ان

______________________________

جهة ارتفاع كراهة المولى، و تبدّله) اى تبدل كرهه (بالرضا) من المولى (بما فعله العبد) من العقد.

(و ليس) كره المولى (ككراهة الله عز و جل) لشي ء كالعقد على المحارم (بحيث يستحيل رضاه بعد ذلك) الكره (بوقوعه) اى وقوع العمل المكروه (السابق).

فيمكن من المولى الرضا، و لذا يصح عقد العبد، و لا يمكن فى الله الرضا على محرم، فلا يصح العقد (فكانه) اى الامام عليه السلام (قال لم يعص) العبد (الله، حتى يستحيل تعقبه) اى تعقب العقد (للاجازة و الرضا، و انما عصى سيده، فاذا اجاز، جاز) العقد و نفذ (فقد علق) الامام (الجواز) تعليقا (صريحا على الاجازة).

فكيف يمكن ان يقال: بصحة العقد و لو بدون الاجازة، او مع النهى السابق.

(و دعوى) هذا البعض لتصحيح العقد، و لو بدون اجازة المولى او نهيه، بما حاصله: (ان) المولى قد يملك: مضمون العقد، فقط

ص: 14

تعليق الصحة على الاجازة، من جهة مضمون العقد، و هو: التزويج المحتاج الى اجازة السيد اجماعا، لا نفس إنشاء العقد، حتى لو فرضناه للغير يكون محتاجا الى اجازة مولى العاقد.

مدفوعة: بان المنساق من الرواية اعطاء قاعدة كلية بان رضا المولى بفعل العبد بعد وقوعه، يكفى فى كل ما يتوقف على

______________________________

دون: الانشاء، كما لو زوج اجنبى لعبد المولى، فان المولى لا يملك الانشاء و انما يملك المضمون.

و قد يملك المولى: الانشاء، دون: المضمون، كما لو انشأ عبده عقدا لانسان آخر، فان المولى يملك الانشاء دون العقد.

و قد يملكهما، كما اذا عقد العبد لنفسه، و اللازم ان نخصص ما دل على تعليق صحة عقد العبد على اجازة السيد بالقسم الثالث حيث انه تصرف فى مال المولى.

ف (تعليق الصحة) للعقد (على الاجازة) من المولى، انما هو: (من جهة مضمون العقد، و هو) اى المضمون (التزويج المحتاج الى اجازة السيد اجماعا، لا) ان المحتاج الى الاجازة (نفس إنشاء العقد، حتى لو فرضناه) اى الانشاء (للغير) بان عقد العبد لانسان غير مربوط بالمولى (يكون) عقده (محتاجا الى اجازة مولى العاقد) حتى اذا لم يجز لم يصح العقد.

(مدفوعة: بان المنساق من الرواية اعطاء قاعدة كلية بان رضا المولى بفعل العبد بعد وقوعه) اى وقوع ذلك الفعل (يكفى فى كل ما يتوقف على

ص: 15

مراجعة السيد و كان فعله من دون مراجعة او مع النهى عنه، معصيته له، و المفروض ان نفس العقد من هذا القبيل.

ثم ان ما ذكره: من عصيان العبد بتصرفه فى لسانه، و انه لا يقتضي الفساد، يشعر بزعم ان المستند فى بطلان عقد العبد لغيره، هو حرمة تلفظه بألفاظ العقد، من دون رضا المولى.

و فيه، أولا: منع حرمة هذه التصرفات الجزئية، للسيرة المستمرة

______________________________

مراجعة السيد) سواء كان عقدا انشائيا، او مضمونا للعقد؟ (و كان فعله) اى العبد (من دون مراجعة) السيد (او مع النهى) من السيد (عنه) عن ذلك الفعل (معصيته له) يتوقف على اجازته (و المفروض ان نفس العقد) إنشاء- و لو كان لاجنبى- (من هذا القبيل)

و صورة القياس: العقد إنشاء يتوقف على مراجعة السيد، و كل ما يتوقف على مراجعة السيد يتوقف على اجازته ان صدر بدون المراجعة

(ثم ان ما ذكره) هذا المعاصر (من عصيان العبد بتصرفه فى لسانه) بدون اجازة السيد (و انه) اى هذا التصرف (لا يقتضي الفساد) اذ:

ليس تصرفا فى المضمون (يشعر بزعم) هذا المعاصر (ان المستند فى بطلان عقد العبد لغيره، هو حرمة تلفظه بألفاظ العقد، من دون رضى المولى) بهذا التصرف.

(و فيه) ان سبب التحريم ليس ذلك.

اذ: يرد عليه (أولا: منع حرمة هذه التصرفات الجزئية) مما لا يعد تصرفا عرفا و منافيا لملك المولى (للسيرة المستمرة

ص: 16

على مكالمة العبيد، و نحو ذلك من المشاغل الجزئية.

و ثانيا: بداهة ان الحرمة فى مثل هذه، لا توجب الفساد، فلا يظن استناد العلماء فى الفساد الى الحرمة.

و ثالثا: ان الاستشهاد بالرواية لعدم كون معصية السيد بالتكلم بألفاظ العقد، و التصرف فى لسانه، قادحا فى صحة العقد، غير صحيح

لان مقتضاه: ان التكلم، ان كان معصية لله تعالى، يكون مفسدا.

______________________________

على مكالمة العبيد) بدون اذن السيد (و نحو ذلك: من المشاغل الجزئية) كحركة اليد، و شرب الماء، و ما اشبه.

(و ثانيا: بداهة ان الحرمة فى مثل هذه) الفعلة اى التلفظ بلفظ العقد (لا توجب الفساد) للعقد.

فان متعلق النهى عنوان مغاير لعنوان المعاملة، مقارن له فى الوجود فهو من قبيل النهى عن البيع وقت النداء، لا من قبيل النهى عن البيع الربوي، و ما اشبه (فلا يظن استناد العلماء فى الفساد الى الحرمة) المذكورة.

(و ثالثا: ان الاستشهاد بالرواية لعدم كون معصية السيد) عصيانا (ب) سبب (التكلم بألفاظ العقد، و) بسبب (التصرف فى لسانه، قادحا فى صحة العقد): قادحا، خبر: كون، (غير صحيح) خبر: ان الاستشهاد.

(لان مقتضاه) اى مقتضى ان عصيان السيد لا يضر (ان التكلم، ان كان معصية لله تعالى، يكون مفسدا) لان الحديث قال: لم يعص الله و انما عصى سيده.

و من المعلوم ان مفهومه انه لو عصى الله تعالى كان النكاح باطلا، و

ص: 17

مع انه لا يقول به احد، فان حرمة العقد من حيث انه تحريك اللسان، كما فى الصلاة، و القراءة المضيقة، و نحوهما، لا يوجب فساد العقد اجماعا.

فالتحقيق: ان المستند فى الفساد هو الآية المتقدمة، و الروايات الواردة فى عدم جواز امر العبد، و مضيه مستقلا، و انه ليس له من الامر شي ء.

فرع: لو امر العبد آمر ان يشترى نفسه من مولاه، فباعه مولاه [صح و لزم]

______________________________

التلفظ العصيانى لا يوجب البطلان.

(مع انه لا يقول به) اى بالفساد (احد) كما فصلوا ذلك فى الاصول (فان حرمة العقد من حيث انه تحريك اللسان، كما فى الصلاة) بان عقد عقدا فى الصلاة مما كان حراما، لانه اوجب بطلان الصلاة، و بطلان الفريضة حرام (و القراءة المضيقة) كان نذر قراءة قبل الغروب و حان الغروب مما ضاقت القراءة، فعقد عقدا فى هذا الحال (و نحوهما) كالتلبية المضيقة، و ما اشبه (لا يوجب فساد العقد اجماعا).

لان متعلق النهى عنوان مغاير لعنوان المعاملة.

(فالتحقيق: ان المستند فى الفساد) اذا اجرى العبد العقد بدون اذن السيد (هو الآية المتقدمة) عبدا مملوكا لا يقدر على شي ء (و الروايات الواردة فى عدم جواز امر العبد، و مضيه) اى نفوذ فعل العبد (مستقلا) عن المولى (و انه ليس له) اى للعبد (من الامر شي ء) بل و التعليل فى قوله عليه السلام: فشي ء الطلاق و نحوه.

(فرع: لو امر العبد آمر ان يشترى نفسه من مولاه، فباعه مولاه) بأن صار

ص: 18

صح، و لزم، بناء اعلى كفاية رضى المولى الحاصل من تعريضه للبيع من اذنه الصريح، بل يمكن جعل نفس الايجاب موجبا للاذن الضمنى.

و لا يقدح عدم قابلية المشترى للقبول فى زمان الايجاب لان هذا الشرط، ليس على حد غيره من الشروط المعتبرة فى كل من المتعاقدين، من اوّل

______________________________

العبد طرف القبول عن قبل ذلك الموكل (صح) البيع (و لزم) و ان لم يأذن المولى صريحا، فى اجراء العبد عقد اشتراء نفسه (بناء اعلى كفاية رضى المولى) بانشاء عبده (الحاصل) ذلك الرضا (من تعريضه للبيع) اى جعل المولى العبد فى معرض البيع (من اذنه الصريح) متعلق ب: كفاية، اى:

يكفى الرضى عن الاذن، فلا يحتاج الى ان يصرح بالاذن (بل يمكن جعل نفس الايجاب موجبا للاذن الضمنى).

فانه لو لا اجازة المولى و رضاه بالعقد الّذي يجريه العبد، لم يوجب البيع.

(و) ان قلت: العبد فى حال ايجاب مولاه بيعه من نفسه غير قابل، اذ: هو عبد غير مأذون فيكون حاله، كما لو اوجب الشخص بيعا مع المجنون، فكما انه باطل كذلك فى المقام.

قلت: (لا يقدح عدم قابليه المشترى) الّذي هو العبد (للقبول فى زمان الايجاب) «فى» متعلق ب: عدم قابلية.

و انما لا يقدح (لان هذا الشرط) اى شرط اذن المولى فى صحة معاملة العبد (ليس على حد غيره من الشروط المعتبرة فى كل من المتعاقدين من اوّل

ص: 19

الايجاب الى آخر القبول، بل هو نظير اذن مالك الثمن فى الاشتراء حيث يكفى تحققه بعد الايجاب و قبل القبول الّذي بنى المشترى على انشائه فضولا.

و عن القاضى البطلان فى المسألة، مستدلا عليه: باتحاد عبارته مع عبارة السيد، فيتحد الموجب، و القابل.

و فيه:- مع اقتضائه المنع لو اذن له السيد سابقا- منع الاتحاد أوّلا.

______________________________

الايجاب الى آخر القبول) كشرط البلوغ، و العقل، و الحياء، و ما اشبه (بل هو نظير اذن مالك الثمن) كعمرو- مثلا- (فى الاشتراء) كاشتراء زيد الفضول من خالد داره بثمن عمرو (حيث يكفى تحققه) اى تحقق الاذن (بعد الايجاب و قبل القبول الّذي) حفه القبول (بنى المشترى) الفضول (على انشائه) اى إنشاء القبول (فضولا) فانه يكفى الاذن المتوسط، و لا يحتاج الى الاذن من اوّل الايجاب.

(و عن القاضى البطلان) للعقد (فى المسألة) اى اشتراء العبد نفسه من مولاه (مستدلا عليه: باتحاد عبارته مع عبارة السيد) اذ: العبد امتداد للسيد (فيتحد الموجب) اى المولى (و القابل) اى العبد.

(و فيه) اى فى منع القاضى (- مع) اى بالإضافة الى (اقتضائه) اى اقتضاء هذا الدليل (المنع) عن صحة بيع العبد (لو اذن له السيد سابقا-) قبل تلفظه بالايجاب (منع الاتحاد) بين الموجب و القابل (أو لا) اذ لا وجه للاتحاد، فانه لا وحدة، لا عقلا، و لا شرعا، و لا عرفا.

ص: 20

و منع قدحه ثانيا،

هذا اذا امره الآمر بالاشتراء من مولاه، فان امره بالاشتراء من وكيل المولى، فعن جماعة منهم: المحقق، و الشهيد الثانيان، انه لا يصح، لعدم الاذن من المولى.

و ربما قيل بالجواز حينئذ، أيضا بناء اعلى ما سبق منه، من: ان المنع لاجل النهى، و هو: لا يستلزم الفساد.

و فيه: ما عرفت من ان وجه المنع: ادله عدم استقلال العبد فى شي ء، لا منعه عن التصرف فى لسانه، فراجع ما تقدم و الله اعلم.

______________________________

(و منع قدحه) اى الاتحاد (ثانيا) اذ لا دليل على لزوم تعدد الموجب و القابل، اذا كان هناك اثنينية فى الموجب و القابل.

(هذا اذا امره الآمر بالاشتراء) لنفسه (من مولاه، فان امره بالاشتراء من وكيل المولى، فعن جماعة منهم: المحقق، و الشهيد الثانيان، انه لا يصح، لعدم الاذن) للعبد فى اشتراء نفسه (من) قبل (المولى) فبيعه يكون كالفضولى.

(و ربما قيل بالجواز حينئذ، أيضا بناء اعلى ما سبق منه، من: ان المنع) عن هذا البيع (لاجل النهى، و هو) اى النهى (لا يستلزم الفساد).

(و فيه) اى فى القبول بالصحة (ما عرفت من ان وجه المنع) عن معاملة العبد بدون اذن السيد (ادلة عدم استقلال العبد فى شي ء) كالآية، و الرواية السابقة (لا منعه عن التصرف فى لسانه،) باجراء لفظ العقد (فراجع ما تقدم و الله اعلم).

ص: 21

مسئلة: و من شروط المتعاقدين، ان يكونا مالكين، او مأذونين من المالك، او الشارع،

فعقد الفضولى لا يصح، اى لا يترتب عليه ما يترتب على عقد غيره من اللزوم.

و هذا: مراد من جعل الملك و ما فى حكمه شرطا، ثم فرع عليه بان بيع الفضولى موقوف على الاجازة، كما فى القواعد.

______________________________

و ربما يقال: بالفرق بين ما اذا كان الوكيل وكيلا حتى من هذه الجهة، فيصح بيعه للعبد من نفسه، او كان وكيلا لا من هذه الجهة.

لكن الظاهر من القولين المجوز و المانع صورة عدم الوكالة.

(مسئلة) (مسئلة: و من شروط المتعاقدين، ان يكونا مالكين، او مأذونين من المالك) كالوكيلين (او) من (الشارع) كالحاكم و الولى، او بالاختلاف كالمأذون و الحاكم، و هكذا (فعقد الفضولى) و هو من ليس بمالك مجاز فى التصرف، و لا مأذون من المالك او الشارع.

و انما قلنا: مجاز فى التصرف، لاخراج المالك غير المجاز كالراهن و المحجور: ف (لا يصح، اى لا يترتب عليه ما يترتب على عقد غيره من اللزوم) بما يتبعه من الآثار.

(و هذا) اى عدم اللزوم فى عقد الفضولى (مراد من جعل الملك و ما فى حكمه) كالإذن المالكى او الشرعى (شرطا، ثم فرع عليه) اى على هذا الشرط (بان بيع الفضولى موقوف على الاجازة، كما فى القواعد) للعلامة.

ص: 22

فاعتراض جامع المقاصد عليه بان التفريع فى غير محله، لعله فى غير محله.

[الكلام في عقد الفضولي]
اشارة

و كيف كان فالمهم التعرض لمسألة عقد الفضولى التى هى من اهم المسائل، فنقول:

اختلف الاصحاب و غيرهم فى بيع الفضولى،

بل مطلق عقده- بعد اتفاقهم على بطلان ايقاعه

______________________________

(فاعتراض جامع المقاصد عليه بان التفريع فى غير محله) حيث زعم المحقق ان المتبادر من الشرط: كونه شرط الصحة اللازم منه البطلان اذا لم يوجد هذا الشرط (لعله فى غير محله).

اذ: المراد بالشرط، ما عرفت من عدم اللزوم، بدون هذا الشرط لا البطلان، و لا نسلم التبادر المذكور.

(و كيف كان فالمهم التعرض لمسألة عقد الفضولى التى هى من اهم المسائل، فنقول: اختلف الاصحاب و غيرهم فى بيع الفضولى، بل مطلق عقده) رهنا، و اجارة، و صلحا، و نكاحا، و غيرها (- بعد اتفاقهم على بطلان ايقاعه) كالطلاق و العتق.

قالوا لاصالة عدم الوقوع، و لا دليل على الوقوع.

اما من الشرع فواضح، اذ: لا آية، و لا رواية تدل على ذلك، و ما ورد فى باب العقود لا يمكن سحبه الى الايقاع، لعدم العلم بوحدة المناط.

و اما من العقل فاوضح، اذ: لا ربط لمثل هذه الامور بالعقل.

و اما من العرف، فان العرف مرجع فى التطبيق، لا فى التشريع، مثلا كون هذا كرا أم لا؟ من شأن العرف، اما ان الكر: لا ينجس بملاقات النجاسة

ص: 23

كما فى غاية المراد- على اقوال.

و المراد بالفضولى:- كما ذكره الشهيد هو: الكامل غير المالك للتصرف و لو كان غاصبا، و فى كلام بعض العامة: انه العاقد بلا اذن من يحتاج الى اذنه.

و قد يوصف به نفس العقد، و لعله تسامح.

و كيف كان فيشمل العقد الصادر من الباكرة الرشيدة بدون اذن الولى.

______________________________

فليس الا من شأن الشرع (كما فى غاية المراد- على اقوال) كما سيأتى توضيحه

(و المراد بالفضولى) الّذي يقوم به العقد (- كما ذكره الشهيد- هو:

الكامل غير المالك للتصرف) بدون ولاية او اجازة (و لو كان غاصبا، و فى كلام بعض العامة) فى تعريف الفضولى (انه العاقد بلا اذن من يحتاج الى اذنه)- و لم يذكر عدم كونه مالكا لوضوحه-.

(و قد يوصف به) اى بالفضولى (نفس العقد) فعلى هذا يقال: العقد الفضولى، و على الاول يقال عقد الفضولى (و لعله تسامح) لانه من باب الوصف بحال متعلق الموصوف.

و اعلم انه ان اضاف العقد الى الفضولى كان الياء للنسبة، لان العاقد غير المأذون منسوب الى الفضول، و ان جي ء به على سبيل الوصف كان الياء للمبالغة كالاحمرى بمعنى المبالغ فى حمرته.

(و كيف كان، فيشمل) الفضولى (العقد الصادر من الباكرة الرشيدة بدون اذن الولى) على القول باحتياج عقدها الى اذن وليها.

ص: 24

و من المالك، اذا لم يملك التصرف لتعلق حق الغير بالمال، كما يؤمى إليه استدلالهم لفساد الفضولى، بما دل على المنع من نكاح الباكرة بغير اذن وليها، و حينئذ فيشمل بيع: الراهن، و السفيه، و نحوهما، و بيع العبد بدون اذن السيد.

و كيف كان، فالظاهر شموله لما اذا تحقق رضى المالك للتصرف باطنا، و طيب نفسه بالعقد من دون حصول اذن منه صريحا، او فحوى لان العاقد لا يصير

______________________________

(و) العقد الصادر (من المالك، اذا لم يملك التصرف) فى ملكه (لتعلق حق الغير بالمال) كالمرهون، و المحجور، و المنذور، و ما اشبه (كما يؤمى إليه) اى الى شمول الفضولى لهذين القسمين (استدلالهم لفساد الفضولى بما دل على المنع من نكاح الباكرة بغير اذن وليها) فاذا عقدت نفسها بدون اذنه كان تصرفا فى حق الغير، فيكون فضوليا (و حينئذ) اى حين كان الفضولى شاملا حتى للمالك غير المالك للتصرف (فيشمل) الفضولى (بيع:

الراهن، و السفيه، و نحوهما) كالصغير، و المريض، ان قيل بانه محجور من التصرف فى الزائد من الثلث (و بيع العبد بدون اذن السيد) ان قلنا بملكه.

(و كيف كان، ف) هل المعيار فى تحقق الفضولية عدم الرضا لفظا و قلبا، أم يكفى عدم الرضا لفظا و ان رضى قلبا؟ (الظاهر شموله) اى الفضولى (لما اذا تحقق رضى المالك للتصرف باطنا، و) تحقق (طيب نفسه بالعقد، من دون حصول اذن منه صريحا) كان يقول: اذنت لك (او فحوى) كان يأذن فى افنائه، فانه بطريق اولى آذن فى بيعه- مثلا-

و انما قلنا لا يكفى الرضا قلبا (لان العاقد، لا يصير

ص: 25

مالكا للتصرف، و مسلطا عليه بمجرد علمه برضى المالك.

و يؤيده: اشتراطهم فى لزوم العقد كون العاقد مالكا، او مأذونا، او وليا.

و فرعوا عليه بيع الفضولى.

و يؤيده أيضا استدلالهم على صحة الفضولى، بحديث عروة البارقى، مع ان الظاهر علمه برضى النبي صلى الله عليه و آله و سلم، بما يفعله و إن كان الّذي يقوى

______________________________

مالكا للتصرف، و مسلطا عليه بمجرد علمه برضى المالك) و العاقد لا بدو ان يكون مالكا للتصرف.

(و يؤيده) اى يؤيد عدم كفاية الرضا فقط (اشتراطهم فى لزوم العقد كون العاقد مالكا، او مأذونا، أو وليا) و لم يذكروا، او عالما برضى المالك.

(و فرعوا عليه) اى على هذا الشرط (بيع الفضولى) مما يدل على ان الفضول عبارة عمن ليس احد الثلاثة، و ان علم برضى المالك.

(و يؤيده) اى عدم كفاية الرضا (أيضا استدلالهم على صحة الفضولى، بحديث عروة البارقى) و هو من اصحاب النبي صلى الله عليه و آله و سلم وكّله النبي صلى الله عليه و آله و سلم فى اشتراء شاة فاشترى شاتين بالثمن فى تفصيل يأتى، فان هذا عدّوه من الفضولى (مع ان الظاهر) من الحال (علمه) اى عروة (برضى النبي صلى الله عليه و آله و سلم، بما يفعله) و لو كان الرضى من المالك يخرج العقد عن الفضولى، لما استدل الاصحاب بالحديث على صحة الفضولى، اذ لم يكن عمل عروة حينذاك فضوليا.

هذا (و إن كان الّذي يقوى

ص: 26

فى النفس- لو لا خروجه عن ظاهر الاصحاب- عدم توقفه على الاجازة اللاحقة، بل يكفى فيه رضى المالك المقرون بالعقد، سواء علم به العاقد؟

او انكشف بعد العقد حصوله حينه؟ او لم ينكشف اصلا؟ فيجب على المالك فيما بينه و بين الله تعالى امضاء ما رضى به، و بترتيب الآثار عليه، لعموم:

وجوب الوفاء بالعقود، و قوله تعالى: إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ

و لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه،

و ما دل على: ان علم المولى بنكاح العبد

______________________________

فى النفس- لو لا خروجه) اى خروج ما يقوى (عن ظاهر الاصحاب- عدم توقفه) اى البيع (على الاجازة اللاحقة، بل يكفى فيه) اى فى عدم كونه فضوليا (رضى المالك المقرون) ذلك الرضا (بالعقد، سواء علم به) اى بالرضا (العاقد؟) حين العقد (او انكشف بعد العقد حصوله) اى الرضا (حينه؟) اى حين العقد.

و ذلك لان العلم ليس الا طريقيا، فلا مدخلية له، و انما المدخلية للرضا (او لم ينكشف اصلا؟) للعاقد (فيجب على المالك) الراضى بالعقد (فيما بينه و بين الله تعالى امضاء ما رضى به) بان يعمل على طبقه (و بترتيب الآثار عليه).

و انما نقول بكفاية الرضا (لعموم: وجوب الوفاء بالعقود) فهذا عقد يجب الوفاء به (و قوله تعالى: إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) فهى تجارة فيها رضى المالك (و لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه) فمال البائع حلال للمشترى، لان انتقاله صادر عن طيب النفس (و ما دل على:

ان علم المولى بنكاح العبد

ص: 27

و سكوته اقرار منه، و رواية عروة البارقى الآتية، حيث اقبض المبيع، و قبض الدينار، لعلمه برضى النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و لو كان فضوليا موقوفا على الإجازة لم يجز التصرف فى المعوض و العوض، بالقبض و الاقباض.

و تقرير النبي صلى الله عليه و آله و سلم له على ما فعل، دليل على جوازه هذا، مع ان كلمات الاصحاب فى بعض المقامات، يظهر منه خروج هذا الفرض عن الفضولى، و عدم وقوفه على الإجازة، مثل قولهم فى الاستدلال

______________________________

و سكوته اقرار منه) مع انه ليس فى البين الا الرضا (و رواية عروة البارقى الآتية، حيث اقبض) عروة (المبيع، و قبض الدينار) فاشترى أولا شاه ثم باعها، و اشترى بنصف الثمن شاه و جاء بالدينار و الشاه الى الرسول (لعلمه برضى النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و لو كان فضوليا موقوفا على الإجازة، لم يجز التصرف فى المعوض و العوض، بالقبض و الاقباض) اذ:

لا يجوز للفضول التصرف.

(و تقرير النبي صلى الله عليه و آله و سلم له على ما فعل) من القبض و الاقباض (دليل على جوازه) اذ: لو لا الجواز لكان حراما فكان النبي صلى الله عليه و آله و سلم ينبهه على ذلك.

(هذا) ادله كفاية الرضا فى خروج العقد عن الفضولية (مع ان كلمات الاصحاب فى بعض المقامات، يظهر منه خروج هذا الفرض) اى فرض رضى المالك (عن الفضولى، و عدم وقوفه على الإجازة) فليس الاصحاب متفقين على عدم كفاية الرضا (مثل قولهم فى الاستدلال

ص: 28

على الصحة: ان الشرائط كلها حاصلة الارضى المالك، و قولهم: ان الاجازة لا يكفى فيها السكوت، لانه اعم من الرضا، و نحو ذلك.

ثم: لو سلم كونه فضوليا، لكن ليس كل فضولى يتوقف لزومه على الاجازة لانه لا دليل على توقفه مطلقا على الاجازة اللاحقة، كما هو احد الاحتمالات فيمن باع ملك غيره، ثم ملكه.

______________________________

على الصحة) لبيع الفضولى: (ان الشرائط كلها حاصلة) اى شرائط صحة المعاملة (الارضى المالك) فان الظاهر منه: ان الشرط هو الرضا لا الاجازة (و قولهم: ان الاجازة لا يكفى فيها السكوت، لانه) اى السكوت (اعم من الرضا) اذ: قد يسكت الانسان و هو كاره.

وجه الاستدلال بهذا القول لكفاية الرضا: ان المفهوم من هذا الكلام انه لو كان السكوت مساويا للرضا لكفى، فيدل على كفاية الرضا (و نحو ذلك) من ساير الكلمات التى وردت بهذا الصدد، مما ظاهرها كفاية الرضا.

(ثم: لو سلم كونه) اى التعامل مع الرضا (فضوليا، لكن ليس كل فضولى يتوقف لزومه على الاجازة) فهذا القسم من المعاملة المقرونة بالرضا فضولى لا يتوقف على الاجازة (لانه لا دليل على توقفه) اى الفضولى (مطلقا) سواء كان مقرونا بالرضا، أم لا؟ (على الإجازة اللاحقة، كما هو احد الاحتمالات) اى عدم التوقف على الإجازة (فيمن باع ملك غيره، ثم ملكه) كما لو باع زيد دار ابيه، ثم مات الأب و ملك زيد الدار، فان بعض الفقهاء قال: بانه لا يحتاج البيع الفضولى السابق الى الاجازة.

ص: 29

مع انه يمكن الاكتفاء فى الاجازة بالرضا الحاصل بعد البيع المذكور آنا مّا.

اذ: وقوعه برضاه، لا ينفك عن ذلك مع الالتفات.

ثم: انه لو اشكل فى عقود غير المالك فلا ينبغى الاشكال فى عقد العبد نكاحا، او بيعا،- مع العلم برضى السيد و لو لم يأذن له- لعدم تحقق المعصية التى هى مناط المنع فى الاخبار.

و عدم منافاته، لعدم استقلال

______________________________

(مع انه يمكن الاكتفاء فى الاجازة بالرضا الحاصل بعد البيع المذكور آنا مّا) بان امتد الرضا الى ما بعد البيع، فهذا الرضا اجازة.

(اذ: وقوعه) اى البيع (برضاه) المقارن للعقد (لا ينفك عن ذلك) اى تأخر الرضا آنا مّا عن العقد (مع الالتفات) الى العقد بعد تمامه.

نعم لو ذهل عند تمام العقد عن ذلك لم يكن له رضى فعلى بعد العقد.

(ثم انه لو اشكل فى) كفاية الرضا فقط فى (عقود غير المالك) و غير الوكيل، و المأذون (فلا ينبغى الاشكال فى عقد العبد نكاحا) لنفسه (او بيعا) لنفسه على القول بملك العبد (- مع العلم) من العبد (برضى السيد و لو لم يأذن) السيد (له-).

و انما نقول بالكفاية هنا، و لم نقل بها فى سائر الفضوليات (لعدم تحقق المعصية التى هى مناط المنع فى الاخبار) فى صورة رضى السيد، اذ: لا يصدق ان العبد عصى السيد.

(و عدم منافاته) اى نكاح العبد مع علمه برضى سيده (لعدم استقلال

ص: 30

العبد فى التصرف.

[صور بيع الفضولي]
اشارة

ثم اعلم: ان الفضولى، قد يبيع للمالك، و قد يبيع لنفسه.

و على الاول فقد لا يسبقه منع من المالك، و قد يسبقه المنع،

فهنا مسائل ثلاث.
الأولى: ان يبيع للمالك مع عدم سبق منع من المالك،
اشارة

و هذا هو المتيقن من عقد الفضولى،

و المشهور الصحة

______________________________

العبد فى التصرف) حتى يقال: ان العبد لا يحق له ان يتصرف تصرفا مستقلا.

و انما قلنا: لعدم، لوضوح ان عمل العبد برضى السيد لا يعد استقلالا فى العرف.

(ثم اعلم: ان الفضولى، قد يبيع للمالك، و قد يبيع لنفسه) كالغاصب الّذي يبيع مال الناس بقصد انه له، و ان الثمن عائد إليه، لا الى المالك الاصلى.

(و على الاول) و هو: ما اذا باعه للمالك (فقد لا يسبقه منع من المالك، و قد يسبقه المنع، فهنا مسائل ثلاث).

المسألة (الاولى:) (ان يبيع للمالك مع عدم سبق منع من المالك، و هذا هو المتيقن من عقد الفضولى) الّذي رفع الكلام فيه بين الاصحاب، هل هو صحيح، أم لا؟

(و المشهور الصحة) و استدل لها بامور ستة- كما يأتى فى الجملة-
اشارة

الاول: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، بعد الاستناد الى المالك باجازته له أو رضاه به.

الثانى: حديث عروة البارقى.

الثالث: حديث محمد بن قيس.

ص: 31

بل فى التذكرة نسبه الى علمائنا، تارة صريحا، و اخرى ظاهرا بقوله عندنا.

الا انه ذكر عقيب ذلك، ان لنا فيه قولا بالبطلان.

و فى غاية المراد حكى الصحة عن العمانى، و المفيد، و المرتضى و الشيخ فى النهاية، و سلار و الحلبى، و القاضى، و ابن حمزة، و حكى عن الاسكافى، و استقر عليه رأى من تأخر، عدا فخر الدين، و بعض متأخرى المتأخرين كالاردبيلى، و السيد الداماد، و بعض متأخرى المحدثين لعموم

______________________________

الرابع: بناء العقلاء و عدم ردع الشارع.

الخامس: اصل الصحة فيما اذا شك فى انه هل يشترط شرط زائد أم لا؟

السادس: فحوى صحة نكاح الفضولى (بل فى التذكرة) للعلامة (نسبه) اى القول بالصحة (الى علمائنا، تارة) نسبه (صريحا، و اخرى ظاهرا بقوله عندنا) فانه ظاهر بان المراد عند علماء الامامية لا عنده نفسه فقط.

(الا انه ذكر عقيب ذلك) اى عقيب: عندنا، (ان لنا فيه) اى فى الفضولى (قولا بالبطلان) و هذا يوجب ضعف ظهور: عندنا، فى كونه نسبة الى العلماء.

(و فى غاية المراد، حكى الصحة عن العمانى، و المفيد، و المرتضى و الشيخ فى النهاية، و سلار، و الحلبى، و القاضى، و ابن حمزه، و حكى عن الاسكافى، و استقر عليه رأى من تأخر، عدا فخر الدين) ابن العلامة (و بعض متأخرى المتأخرين كالاردبيلى، و السيد الداماد، و بعض متأخرى المحدثين).

و انما ذهبوا الى الصحة (لعموم:

ص: 32

ادلة البيع، و العقود، لان خلوه عن اذن المالك، لا يوجب سلب اسم العقد و البيع عنه.

و اشتراط ترتب الأثر بالرضا و توقفه عليه أيضا لا مجال لانكاره، فلم يبق الكلام الا فى اشتراط سبق الاذن.

و حيث لا دليل عليه، فمقتضى الاطلاقات: عدمه.

و مرجع ذلك كله الى: عموم حل البيع، و وجوب الوفاء بالعقد خرج منه العارى عن الاذن، و الاجازة معا، و لم يعلم خروج ما فقد الاذن و لحقه الاجازة.

______________________________

ادلة البيع) نحو: احل الله البيع، فانه يشمل الفضولى أيضا (و العقود) نحو:

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (لان خلّوه) اى الفضولى (عن اذن المالك، لا يوجب سلب اسم العقد و البيع عنه) فانه عقد و بيع عرفا، فيدخل تحت العموم.

(و اشتراط ترتب الأثر) المطلوب من النقل و الانتقال (بالرضا) من المالك (و توقفه) اى الأثر (عليه) اى على الرضا (أيضا لا مجال لانكاره) اذ:

لا يقول احد بترتب الاثر بدون رضا المالك (فلم يبق الكلام الا فى اشتراط سبق الاذن) على العقد حتى يقال: بعدم صحة الفضولية.

(و حيث لا دليل عليه) اى على هذا الاشتراط (فمقتضى الاطلاقات:

عدمه) و المراد بالإطلاقات اطلاقات ادلة البيع و ادله الاشتراط بالرضا.

(و مرجع ذلك) الدليل على الصحة (كله الى: عموم حل البيع و وجوب الوفاء بالعقد) مطلقا (خرج منه) اى من هذا العموم (العارى عن الاذن، و الاجازة معا) بان لا يكون له اذن سابق، و لا اجازة لاحقة (و لم يعلم خروج ما فقد الاذن و لحقه الاجازة) فاللازم الرجوع فى هذا الفرد الى: عموم العام كما

ص: 33

و الى ما ذكرنا يرجع استدلالهم، بانه عقد صدر عن اهله فى محله.

فما ذكره فى غاية المراد، من انه: من باب المصادرات لم اتحقق وجهه لان كون العاقد اهلا للعقد، من حيث انه بالغ عاقل، لا كلام فيه و كذا كون المبيع قابلا للبيع، فليس محل الكلام الا خلو العقد عن مقارنة اذن المالك و هو

______________________________

لو علمنا بخروج مرتكب الكبيرة عن: اكرم العلماء، و لم نعلم بخروج مرتكب الصغيرة، فان الاصل قاض بوجوب اكرامه.

(و الى ما ذكرنا) من شمول العموم له (يرجع استدلالهم) لصحة الفضولى (بانه عقد صدر عن اهله فى محله) فلا نقص له من جانب الفاعل الّذي هو العاقد الجامع للشرائط، و لا من جهة القابل الّذي هو الجنس المبتاع، فليس كعقد السفيه، و لا كالعقد على الخمر- مثلا-

(فما ذكره فى غاية المراد) لابطال هذا الدليل: انه عقد صدر ... (من انه: من باب المصادرات) و هو الاستدلال على المطلوب بنفس المطلوب، كان يقول الدليل على حدوث العالم هو حدوث العالم، فكانه اراد بذلك ان هذا الدليل معناه: ان عقد الفضولى عقد صدر عن اهله فلذا يصح، بدليل انه صدر عن اهله.

فهذا الّذي ذكره غاية المراد (لم اتحقق وجهه) لانه ليس مصادرة (لان كون العاقد اهلا للعقد، من حيث انه بالغ عاقل، لا كلام فيه) لفرض كون الفضول كذلك مستجمعا لجميع الشرائط ما خلا كونه مالكا او مأذونا (و كذا كون المبيع قابلا للبيع، فليس محل الكلام) و الاشكال (الا خلو العقد عن مقارنة اذن المالك، و هو) غير ضار.

ص: 34

مدفوع بالاصل.

و لعل مراد الشهيد: ان الكلام فى اهلية العاقد.

و يكفى فى اثباتها: العموم المتقدم،

و قد اشتهر الاستدلال عليه بقضية عروة البارقى،

حيث دفع إليه النبي صلى الله عليه و آله و سلم دينارا، و قال له: اشتر لنا به شاة للاضحية، فاشترى به شاتين، ثم باع احدهما فى الطريق بدينار، فاتى النبي صلى الله عليه و آله و سلم بالشاة و الدينار فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: بارك الله لك فى صفقة يمينك، فان بيعه وقع فضولا،- و ان وجهنا شرائه على وجه يخرج

______________________________

لان اشتراطه (مدفوع بالاصل) اى اصالة عدم اشتراط مقارنة الاذن للعقد.

(و لعل مراد الشهيد) من كونه مصادرة (ان الكلام فى اهلية العاقد) حيث انه لم يكن مالكا، و لا مأذونا.

(و) لكن (يكفى فى اثباتها) اى الاهلية (العموم المتقدم) اى عموم:

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ (و قد اشتهر الاستدلال عليه) اى على الفضولى (بقضية عروة البارقى، حيث دفع إليه النبي صلى الله عليه و آله و سلم دينارا، و قال له: اشتر لنا به شاة للاضحية، فاشترى به شاتين، ثم باع احدهما فى الطريق بدينار، فاتى النبي صلى الله عليه و آله و سلم بالشاة و الدينار فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: بارك الله لك فى صفقة يمينك) و صفقة اليمين كناية عن عقد البيع، حيث ان المتعاملين يصفق احدهما يمينه على يمين الآخر دلالة على تمام المعاملة (فان بيعه) لاحدى الشاتين (وقع فضولا) قطعا (- و ان وجهنا شرائه) للشاتين (على وجه يخرج

ص: 35

عن الفضولى-.

هذا، و لكن لا يخفى ان الاستدلال بها يتوقف على دخول المعاملة المقرونة برضى المالك فى بيع الفضولى.

توضيح ذلك: ان الظاهر علم عروة برضى النبي صلى الله عليه و آله و سلم بما يفعل، و قد اقبض المبيع و قبض الثمن، و لا ريب ان الاقباض و القبض فى بيع الفضولى حرام، لكونه تصرفا فى مال الغير.

______________________________

عن الفضولى-) بان نقول: ان التنوين فى: شاة، فى كلام النبي صلى الله عليه و آله و سلم للتمكن، لا للوحدة، فالمراد بها الجنس الشامل للاكثر من واحده.

(هذا) تمام الكلام فى الاستدلال بحديث عروة، لصحة الفضولى (و لكن لا يخفى: ان الاستدلال بها يتوقف على دخول المعاملة المقرونة برضى المالك فى بيع الفضولى).

اذ: قد عرفت الاشكال فى ذلك و انه لو كان رضى من المالك و ان لم يكن اذن، لم يكن من الفضولى على ما قواه الماتن.

و (توضيح ذلك) الاشكال فى الاستدلال على صحة الفضولى بحديث عروة (ان الظاهر) من الحال (علم عروة برضى النبي صلى الله عليه و آله و سلم بما يفعل) من البيع و الشراء (و قد اقبض) عروة (المبيع) و هو الشاة الثانية (و قبض الثمن) من المشترى (و لا ريب ان الاقباض و القبض فى بيع الفضولى حرام، لكونه تصرفا فى مال الغير) فان الفضول البائع لمال زيد يحرم عليه ان يتصرف فى مال زيد اقباضا، كما يحرم عليه ان يقبض الثمن

ص: 36

فلا بد اما من: التزام ان عروة فعل الحرام فى القبض و الاقباض، و هو:

مناف لتقرير النبي صلى الله عليه و آله و سلم.

و اما من القول بان البيع الّذي يعلم بتعقبه للاجازة، يجوز التصرف فيه قبل الإجازة بناء على كون الاجازة كاشفه- و سيجي ء ضعفه، فيدور الامر بين ثالث، و هو جعل هذا الفرد من البيع- و هو المقرون برضاء

______________________________

من عمرو.

لانه اما صار لزيد فاخذه بدون اذنه حرام.

و اما بقى على ملك عمرو فاخذه بعنوان انه ثمن، حرام، اذ عمرو لم يجوز الاخذ الا بهذا العنوان، و هذا العنوان مفقود حسب الفرض، فتدبر.

(فلا بد اما من: التزام ان عروة فعل الحرام فى القبض و الاقباض) اذا لم يكن النبي صلى الله عليه و آله و سلم راضيا و كان البيع فضوليا (و هو: مناف لتقرير النبي صلى الله عليه و آله و سلم) عمله، اذ: الظاهر انه لم يؤنبه، بل العكس اذ: بارك عمله.

(و اما من القول بان البيع الّذي يعلم بتعقبه للاجازة، يجوز التصرف فيه) اى فى المبيع (قبل الاجازة- بناء على كون الاجازة كاشفة-) اذ: بناء على النقل لا مجال للقول بجواز التصرف المعاملى (و سيجي ء ضعفه) اى ضعف جواز التصرف حتى على الكشف.

و اذ: لم يتم الامران، اى ان عروة فعل حراما، و جواز التصرف على الكشف (فيدور الامر بين ثالث، و هو جعل هذا الفرد من البيع- و هو المقرون برضا

ص: 37

المالك- خارجا عن الفضولى كما قلناه، و رابع، و هو: علم عروة برضى النبي صلى الله عليه و آله و سلم باقباض ماله للمشترى حتى يستأذن و علم المشترى بكون البيع فضوليا حتى يكون دفعه للثمن بيد البائع على وجه الامانة، و الا فالفضولى ليس مالكا، و لا وكيلا، فلا يستحق قبض المال، فلو كان المشترى عالما، فله ان يستأمنه على الثمن حتى ينكشف الحال بخلاف ما لو كان جاهلا.

و لكن الظاهر، هو: اوّل الوجهين،

______________________________

المالك- خارجا عن الفضولى، كما قلناه) و ان الفضولى هو الّذي لا يقرن برضا المالك اطلاقا (و) بين (رابع، و هو:) فضولية بيع عروة، اما تسليمه و تسلمه ف (علم عروة برضى النبي صلى الله عليه و آله و سلم باقباض ماله للمشترى) اذ: الشاة كانت للنبى صلى الله عليه و آله و سلم و اقبضها عروة لمن اشتراها بدرهم (حتى يستأذن) فيقرن الاذن بالرضا الموجب لنفوذ التصرف (و علم المشترى) عطف على: علم عروة، (بكون البيع فضوليا حتى يكون دفعه للثمن بيد البائع) لا على وجه الثمنية حتى يحرم تصرف البائع فيه، بل (على وجه الأمانة، و الا) يكن على وجه الامانة (فالفضولى) لا يجوز له التصرف فى المال لانه (ليس مالكا، و لا وكيلا، فلا يستحق قبض المال، فلو كان المشترى عالما) بان البائع فضول (فله ان يستأمنه على الثمن حتى ينكشف الحال) و ان المالك هل يجيز، أم لا؟ (بخلاف ما لو كان جاهلا) فلا يحق للفضول اخذ المال، لانه ليس امانة مالكية، و لا انه وكيل عن مالك المثمن.

(و لكن الظاهر) من حال عروة وكيل الرسول صلى الله عليه و آله و سلم فى اشتراء الشاه (هو: اوّل الوجهين) الاخيرين الّذي عبر عنه المصنف بالثالث

ص: 38

كما لا يخفى.

خصوصا بملاحظة ان الظاهر وقوع تلك المعاملة على جهه المعاطاة.

و قد تقدم ان المناط فيها: مجرد المراضاة و وصول كل من العوضين الى صاحب الآخر، و حصوله عنده باقباض المالك، او غيره، و لو كان صبيا، او حيوانا، فاذا حصل التقابض بين الفضوليين، او فضولى و غيره مقرونا برضا المالكين، ثم وصل كل من

______________________________

اى ان البيع حيث كان مقرونا بالرضا كان خارجا عن الفضولية (كما لا يخفى) عند اهل العرف الذين هم المستند فى فهم قوله تعالى: تجارة عن تراض، و ما اشبه، فانهم لا يفهمون الا كفاية الرضا.

(خصوصا بملاحظة ان الظاهر وقوع تلك المعاملة على جهة المعاطاة) لا على جهة الرضا من الرسول صلى الله عليه و آله و سلم بتسليم ماله، و تسلم عروة الثمن امانة مالكية.

(و قد تقدم ان المناط فيها) اى المعاطاة (مجرد المراضاة) بين الفضول، و الطرف.

(و وصول كل من العوضين الى صاحب الآخر) بوصول المثمن الى صاحب الثمن، و بالعكس (و حصوله عنده) اى حصول كل من العوضين عند صاحب العوض الآخر، سواء كان (باقباض المالك) كالمعاطاة العادية (او غيره) كالفضول (و لو كان) المعطى (صبيا، او حيوانا) كمن يعلّم الكلب او الحمام بإيصال الثمن، و اخذ المثمن من صاحب الدكان (فاذا حصل التقابض بين الفضوليين، او فضولى و غيره) كالمالك (مقرونا برضا المالكين ثم وصل كل من

ص: 39

العوضين الى صاحب الآخر، و علم برضى صاحبه، كفى فى صحة التصرف.

و ليس هذا من معاملة الفضولى، لان الفضولى صار آلة فى الايصال، و العبرة برضا المالك المقرون به.

______________________________

العوضين الى صاحب) العوض (الآخر، و علم برضى صاحبه، كفى فى صحة التصرف) لانه تصرف برضا، و يصدق عرفا التعامل، و التجارة عن الرضا و ما اشبه.

و ما ابعد الفرق بين قول من يكفى الرضا فى الفضولية، و قول من لا يصحح الفضولى حتى بالاذن اللاحق، بحجة ان استناد فعل الفضول الى المالك مجاز، فلا يتحقق: عقودكم، المستفاد من: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، اذ: ليس المراد مطلق عقد اىّ احد، بل: العقود، المستندة إليكم.

و الجواب عدم تسليم انه مجاز، بل انما يكون مجازا اذا كان فعلا تكوينيا مثلا لو امر بجلوس زيد يكون استناد الجلوس الى الآمر مجازا، اما اذا كان الفعل اعتباريا صح الاستناد حقيقة، مثلا لو امر بالبيع صح ان يقال باع الآمر، و مثله لو امر بقتل انسان، صح ان يقال: قتله الآمر.

و الحاصل انما يراد استناد اسم المصدر اى: البيع، لا المصدر، و الكلام حول الموضوع طويل خارج عن مقصود الشرح.

(و ليس هذا من معاملة الفضولى، لان الفضولى صار آلة فى الايصال) كالحيوان، و الصبى، بل و الآلة التى تشتغل تلقائيا (و العبرة برضا المالك المقرون به) اى بالايصال.

ص: 40

و استدل له أيضا تبعا للشهيد فى الدروس، بصحيحة محمد بن قيس

عن ابى جعفر الباقر عليه السلام، قال: قضى امير المؤمنين (ع) فى وليدة باعها ابن سيدها و ابوه غائب، فاستولدها الّذي اشتراها فولدت منه فجاء سيدها فخاصم سيدها الآخر فقال: وليدتى باعها ابنى بغير اذنى فقال عليه السلام:

الحكم ان يأخذ وليدته و ابنها فناشده الّذي اشتراها فقال: له خذ ابنه الّذي باعك الوليدة حتى ينفذ البيع لك فلما رآه ابوه قال: له ارسل ابنى، قال:

لا و الله، لا ارسل ابنك، حتى

______________________________

(و استدل له) اى لكون الفضولى صحيحا (أيضا تبعا للشهيد فى الدروس بصحيحة محمد بن قيس عن ابى جعفر الباقر عليه السلام، قال: قضى امير المؤمنين (ع) فى وليدة) اى أم ولد (باعها ابن سيدها، و ابوه) اى ابو ابن السيد (غائب، فاستولدها الّذي اشتراها، فولدت) الامة (منه، فجاء سيدها) بعد الولادة (فخاصم سيدها الآخر) اى المشترى (فقال:) السيد:

(وليدتى باعها ابنى بغير اذنى) فلاحق لك ايها المشترى فيها (فقال عليه السلام: الحكم ان يأخذ) السيد الاول (وليدته، و ابنها) الّذي اتت به من السيد المشترى (فناشده الّذي اشتراها) و انه كيف يحق للمولى الاول ان يأخذ ولد المشترى! (فقال: له) الامام عليه السلام (خذ) ايها المشترى (ابنه) اى ابن السيد الاول (الّذي باعك الوليدة) فضوليا (حتى ينفذ) السيد الاول (البيع لك) فان للمشترى الحق فى اخذ الابن الّذي غره، و اخذ منه المال حتى يرد عليه خسائره (فلما رآه ابوه) و انه مأخوذ بيد المشترى (قال له) اى للمشترى (ارسل ابنى، قال) المشترى (لا و الله، لا ارسل ابنك، حتى

ص: 41

ترسل ابنى، فلما رأى ذلك سيد الوليدة، اجاز بيع ابنه، الحديث، قال فى الدروس: و فيها دلالة على صحة الفضولى، و ان الاجازة كاشفة.

و لا يرد عليها شي ء مما يوهن الاستدلال بها، فضلا عن ان يسقطه.

______________________________

ترسل ابنى) الّذي اولدته من الامة (فلما رأى ذلك) المنع من المشترى لتسليم ولده (سيد الوليدة، اجاز بيع ابنه) للوليدة و استراح المشترى (الحديث، قال فى الدروس: و فيها دلالة على صحة الفضولى) لانه لو لم يصح لم يكن معنى للإجازة (و ان الاجازة كاشفة) لانها لو كانت ناقلة، لم يكن الولد للمشترى، لانه حصل فى ملك السيد الاول.

(و لا يرد عليها) اى على هذه الرواية (شي ء مما يوهن الاستدلال بها) على صحة الفضولى (فضلا عن ان يسقطه) عن الدلالة رأسا.

و الموهنات التى ذكروها، هى الحكم باخذ الوليدة قبل ان يسمع من المشترى دعواه.

فلعله كان يدعى وقوع العقد باذن السيد و رضاه.

و الحكم باخذ الوليدة و ابنها مع عدم السؤال بانه يريد الاجازة أولا.

و الحكم باخذ ابنها مع انه ولد الحر، اذ: الظاهر كون الوطي بالشبهة و الحكم باخذ ابن السيد، مع انه لا يجوز، اذ كون الابن غاصبا لا يوجب اخذه.

بالإضافة الى: تعليم الامام عليه السلام للمشترى الحيلة، مع انه ليس من شأنه.

و الحكم بصحة الاجازة بعد الرد، مع ان المصنف ادعى الاجماع

ص: 42

و جميع ما ذكر فيها من الموهنات، موهونة، الا ظهور الرواية فى تأثير الاجازة المسبوقة بالرد،

من جهة ظهور المخاصمة فى ذلك،

و اطلاق حكم الامام عليه السلام بتعين اخذ الجارية، و انها من المالك بناء على

______________________________

بعدم الصحة.

و عدم ورود هذه الموهنات، اذ: الظاهر عدم ادعاء المشترى كون العقد باذن السيد.

و كذلك الظاهر ان السيد لم يرد الاجازة،

و كذلك الظاهران المشترى كان يعلم انه فضولى فليس الولد حرا.

و اخذ ابن السيد لاجل مطالبته بما دفع إليه من الثمن.

و الحيلة الشرعية اى علاج حل المشكلة من شأن الائمة عليهم السلام بيانها.

(و) على هذا ف (جميع ما ذكر فيها من الموهنات، موهونة، الا ظهور الرواية فى تأثير الاجازة المسبوقة بالرد).

و استدل المصنف ره لهذا الظهور ب: ظهور المخاصمة، و: اطلاق، و:

مناشدة، و: حتى ترسل.

(من جهة ظهور المخاصمة) بين السيد و المشترى (فى ذلك) الرد من السيد للمعاملة، اذ: لو لا الرد لم تكن مخاصمة.

(و) من جهة (اطلاق حكم الامام عليه السلام بتعين اخذ الجارية، و انها من المالك) اى المشترى فان الظاهر منه ان السيد رد البيع (بناء على

ص: 43

انه لو لم يرد البيع، وجب تقييد الاخذ بصورة اختيار الرد.

و مناشدة المشترى للامام (ع) و الحاجة إليه فى علاج فكاك ولده.

و قوله: حتى ترسل ابنى الظاهر فى انه حبس الولد و لو على قيمته يوم الولادة.

و

______________________________

انه لو لم يرد) السيد (البيع، وجب تقييد الاخذ) اى تقييد الامام اخذ السيد لهما (بصورة اختيار) السيد (الرد) كان يقول عليه السلام: ان رددت البيع فخذ الجارية و ولدها.

فاطلاق كلام الامام دال على انه رد البيع.

(و) من جهة (مناشدة المشترى للامام ع) و طلبه منه تخليصه وليده من يد السيد (و الحاجة) من المشترى (إليه) اى الى الامام عليه السلام (فى علاج فكاك ولده) فانه لو لا الرد من المالك، لم يكن وجه للمناشدة، و الحاجة.

(و) من جهة (قوله: حتى ترسل ابنى الظاهر فى انه) اى المالك (حبس الولد) للمشترى (و لو) كان الحبس (على قيمته) اى الولد (يوم الولادة) بان يأخذ المالك من المشترى قيمة الولد- الّذي هو له تبعا لامه- فانه لو لم يكن المالك رد البيع لم يكن وجه لحبسه حتى يأخذ قيمته من المشترى.

(و) ان قلت: انا نسلم ان المالك اخذ الوليدة و الولد، و لكن لم يكن ذلك لاجل رد البيع، بل لاجل تحصيل ثمنها، فلا دليل فى الرواية على ان المالك رد البيع، ليكون مخالفا للاجماع الّذي ادعاه المصنف ره على عدم

ص: 44

حمل امساكه الوليدة على حبسها لاجل ثمنها، كحبس ولدها على القيمة.

ينافيه قوله عليه السلام: فلما رأى ذلك سيد الوليدة، اجاز بيع الوليد و الحاصل ان ظهور الرواية فى رد البيع أولا، مما لا ينكره المنصف.

الا ان الانصاف ان ظهور الرواية فى ان اصل الاجازة مجدية فى الفضولى مع قطع النظر عن الاجازة الشخصية فى مورد الرواية.

______________________________

فائدة للاجازة بعد الرد.

قلت: (حمل امساكه) اى المالك (الوليدة على حبسها لاجل) استيفاء (ثمنها) من المشترى (كحبس ولدها على القيمة) حيث ان: الاجازة ناقلة، فالولد للمالك، فلم يكن اخذه للولد لاجل رد البيع، بل لاجل ان الولد له، فاخذه لاجل ان يستوفى من المشترى قيمته ليرده عليه، فلا دلالة فى اخذ المالك الام و الولد، على انه رد البيع.

(ينافيه قوله عليه السلام: فلما رأى ذلك) اى اخذ المشترى ولد السيد (سيد الوليدة اجاز بيع الوليد) اذ: ظاهره ان المالك اجاز البيع بعد اخذ ولده لا من الاول.

(و الحاصل: ان ظهور الرواية فى رد البيع أولا، مما لا ينكره المنصف) فلا بد اما من رفع اليد عن: الاجماع الّذي يقول: بعدم صحة الاجازة بعد الرد، و اما من رفع اليد عن: هذه الرواية.

(الا ان الانصاف: ان ظهور الرواية فى ان اصل الاجازة مجدية فى الفضولى) فالاجازة تقلب الفضولى عقدا مالكيا (مع قطع النظر عن الاجازة الشخصية فى مورد الرواية) حيث ان هذه الاجازة فى مورد الرواية ترد عليها

ص: 45

غير قابل للانكار.

فلا بد من تاويل ذلك الظاهر، لقيام القرينة- و هى الاجماع- على اشتراط الاجازة بعدم سبق الرد.

و الحاصل: ان مناط الاستدلال لو كان نفس القضية الشخصية من جهة اشتمالها على تصحيح بيع الفضولى بالاجازة بناء على قاعدة اشتراك جميع القضايا المتحدة نوعا فى الحكم الشرعى

______________________________

مخالفتها للاجماع القائم على عدم فائدة الاجازة بعد الرد.

قوله (غير قابل للانكار) خبر: ظهور، و اذ كانت الاجازة الشخصية فى هذه الرواية محل نظر لمصادمتها للاجماع.

(فلا بد من تأويل ذلك الظاهر) الّذي يقول بان الاجازة كانت بعد الرد، و انما كان لا بد من التأويل (لقيام القرينة- و هى الاجماع- على اشتراط الاجازة) النافعة فى كون العقد مالكيا (بعدم سبق الرد) بان نأول ان الظهور المستفاد من الرواية ليس مما يعتمد عليه، بل لا بد و ان نقول: بان الاجازة حصلت قبل الرد (و الحاصل) فى الاستدلال بالرواية على كون الاجازة نافعة (ان مناط الاستدلال) بالرواية لتصحيح الفضولى (لو كان نفس القضية الشخصية) المذكورة فى الرواية- الظاهرة فى كون الاجازة بعد الرد- (من جهة) متعلق ب: نفس (اشتمالها) اى الرواية (على تصحيح بيع الفضولى بالاجازة) يعنى ان القضية الشخصية لو كانت جهة استدلالنا بالرواية لتصحيح البيع الفضولى (بناء على قاعدة اشتراك جميع القضايا المتحدة نوعا) اى فى النوع (فى الحكم الشرعى) كما لو قال الامام لزرارة:

ص: 46

كان ظهورها فى كون الاجازة الشخصية فى تلك القضية مسبوقة بالرد مانعا عن الاستدلال بها، موجبا للاقتصار على موردها، لوجه علمه الامام عليه السلام. مثل كون مالك الوليدة كاذبا فى دعوى عدم الاذن للولد، فاحتال عليه السلام حيلة يصل بها الحق الى صاحبه،

______________________________

اغسل يدك من بول صبيك، حيث يكون هذا الكلام موجبا لاستفادة قاعدة كلية هى: وجوب غسل اليد من بول كل صبى.

و قوله بناء، وجه لقوله: مناط الاستدلال.

و قوله: فى الحكم متعلق ب: اشتراك (كان) مربوط بقوله: لو كان (ظهورها) اى الرواية (فى كون الاجازة الشخصية فى تلك القضية) اى قضية الوليدة، فى حال كون الاجازة (مسبوقة بالرد) من المالك (مانعا) خبر: كان (عن الاستدلال بها) اى بالرواية، لانها اجازة بعد الرد، و مثله غير صحيح فى مقام نفسه، فكيف بسائر المقامات و (موجبا) عطف على:

مانعا (للاقتصار) فى تصحيح الاجازة (على موردها) اى مورد الرواية بان نقول: قام الاجماع على عدم صحة الاجازة بعد الرد، الا انه حيث فى المقام ورد حديث خاص بصحتها، نقول بها خلافا للقاعدة (لوجه علمه) اى علم ذلك الوجه (الامام عليه السلام) قوله: لوجه، علة لقوله: موجبا، و الوجه (مثل كون مالك الوليدة كاذبا فى دعوى عدم الاذن للولد) فقد كان اذن سابقا، و علم الامام به، لكنه حيث لم يكن اعتراف و لا شهود (فاحتال عليه السلام حيلة) اى عالج الامر علاجا (يصل بها الحق) اى كون الوليدة للمشترى (الى صاحبه) بان امر المشترى بأخذ ولد السيد ليصير

ص: 47

اما لو كان مناط الاستدلال ظهور سياق كلام الامير عليه السلام فى قوله:

خذ ابنه حتى ينفذ لك البيع، و قول الباقر عليه السلام فى مقام الحكاية:

فلما رأى ذلك سيد الوليدة اجاز بيع ابنه فى ان للمالك ان يجيز العقد الواقع على ملكه، و ينفذه لم يقدح فى ذلك ظهور الاجازة الشخصية فى وقوعها بعد الرد.

فيئول ما يظهر منه الرد بإرادة عدم الجزم، بالاجازة و الرد.

______________________________

مجبورا لاجازة البيع (اما لو كان مناط الاستدلال) بالرواية لتصحيح الاجازة فى الفضولى (ظهور سياق كلام الامير عليه السلام فى قوله: خذ ابنه حتى ينفذ لك البيع، و) ظهور (قول الباقر عليه السلام فى مقام الحكاية: فلما رأى ذلك سيد الوليدة اجاز بيع ابنه) اى البيع الفضولى الصادر من ابنه (فى ان للمالك ان يجيز العقد الواقع على ملكه، و ينفذه) بان صرفنا النظر عن القضية الشخصية (لم يقدح فى ذلك) اى فى هذا الظهور (ظهور الاجازة الشخصية فى وقوعها بعد الرد).

و عليه فللرواية ظهور ان.

ظهور فى ان الاجازة مصححة.

و ظهور فى ان الاجازة كانت بعد الرد.

و وجه الاستدلال بالرواية الظهور الاول، اما الظهور الثانى فيجب ان يرفع اليد عنه.

(فيئول ما يظهر منه الرد) اى رد السيد أولا- ثم اجازته- (بإرادة عدم الجزم) اى ان السيد لم يجزم- ابتداءً- (بالاجازة و الرد) فاوّلا: كان

ص: 48

او كون حبس الوليدة على الثمن.

او نحو ذلك.

و كانه قد اشتبه مناط الاستدلال على من لم يستدل بها فى مسئلة الفضولى، او يكون الوجه فى الاغماض عنها، ضعف الدلالة المذكورة فانها لا تزيد على الاشعار، و لذا لم يذكرها فى الدروس، فى مسئلة الفضولى بل ذكرها فى موضع آخر، لكن الفقيه فى غنى منه بعد العمومات المتقدمة.

و ربما يستدل أيضا بفحوى صحة عقد النكاح

من

______________________________

السيد مرددا، ثم اجاز، لا انه أوّلا ردّ، ثم اجاز.

(او كون حبس) السيد (الوليدة على الثمن) ليستوفيه من المشترى لا انه كان لاجل انه رد البيع.

(او نحو ذلك) من التأويلات.

(و كانه قد اشتبه مناط الاستدلال) بهذه الرواية حيث ان المناط ظهور الاجازة فى الكفاية، لا ظهور القضية الشخصية، ليكون مصادما للاجماع (على من لم يستدل بها) اى بهذه الرواية (فى مسئلة الفضولى، او يكون الوجه فى الاغماض عنها) اى عن الرواية و عدم الاستدلال بها فى الفضولى (ضعف الدلالة المذكورة) اى دلالة الرواية على كفاية الاجازة (فانها لا تزيد على الاشعار) اذ الظاهر منها كون الاجازة بعد الرد و لا نقول به (و لذا لم يذكرها) اى الرواية (فى الدروس فى مسئلة الفضولى بل ذكرها فى موضع آخر لكن الفقيه فى غنى منه) اى من الاستدلال بهذه الرواية لتصحيح الفضولى (بعد العمومات المتقدمة) الدالة على صحة الفضولى كأحلّ الله البيع، و: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و: تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ

(و ربما يستدل) لتصحيح الفضولى (أيضا بفحوى صحة عقد النكاح من

ص: 49

الفضولى، فى الحر، و العبد الثابتة بالنص، و الاجماعات المحكية، فان تمليك بضع الغير، اذ الزم بالاجازة كان تمليك ماله اولى بذلك.

مضافا: الى ما علم من شدة الاهتمام فى عقد النكاح، لانه يكون منه الولد كما فى بعض الاخبار

______________________________

الفضولى، فى الحر، و العبد) اى سواء كان الذكر نكح حرا او عبدا (الثابتة بالنص، و الاجماعات المحكية)

وجه الفحوى و الاولوية: ما ذكره بقوله: (فان تمليك بضع الغير، اذا لزم بالاجازة كان تمليك ماله) اى مال الغير (اولى بذلك) اى باللزوم بسبب الاجازة، اذ: البضع اهم فى نظر الشارع، فاذا مشى الفضولى فالاهم مشى فى المهم بطريق اولى.

(مضافا: الى ما علم) من الشارع (من شدة الاهتمام فى عقد النكاح لانه يكون منه الولد) فان الاهمية العرفية بالإضافة الى الاهمية الشرعية توجبان الفحوى المذكورة، و انه اذا صح فى النكاح صح فى البيع بطريق اولى (كما فى بعض الاخبار) الّذي اشار الى اهمية النكاح، لان منه الولد، و هو صحيح علاء بن سيابة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة وكلت رجلا بان يزوجها من رجل، فقبل الوكالة، فاشهدت له بذلك، فذهب الوكيل فزوجها، ثم انها انكرت ذلك الوكيل، و زعمت انها عزلته عن الوكالة فاقامت شاهدين انها عزلته، فقال عليه السلام: ما يقول من قبلكم فى ذلك؟ قال: قلت: يقولون ينظر فى ذلك، فإن كانت عزلته قبل ان يزوج، فالوكالة باطلة و التزويج باطلة، و ان عزلته و قد زوجها

ص: 50

و قد اشار الى هذه الفحوى فى غاية المراد، و استدل بها فى الرياض بل قال: انه لولاها اشكل الحكم، من جهة الاجماعات المحكية على المنع و هو حسن الا انها ربما توهن بالنص الوارد فى الرد على العامة الفارقين بين تزويج الوكيل المعزول مع جهله بالعزل و بين

______________________________

فالتزويج ثابت على ما زوج الوكيل، و على ما اتفق معها من الوكالة اذا لم يتعد شيئا مما امرت به و اشترطت عليه فى الوكالة، قال: ثم قال: يعزلون الوكيل عن وكالتها و لم تعلم بالعزل، قلت: نعم يزعمون انها لو وكلت رجلا و اشهدت فى الملاء و قالت فى الخلاء اشهدوا انى قد عزلته و ابطلت وكالته بلا ان تعلم فى العزل و ينقضون جميع ما فعل الوكيل فى النكاح خاصة و فى غيره لا يبطلون الوكالة الا ان يعلم الوكيل بالعزل، و يقولون المال منه عوض لصاحبه، و الفرج ليس منه عوض اذا وقع منه ولد، فقال عليه السلام: سبحان الله ما اجور هذا الحكم و افسده، ان النكاح احرى و اجدر ان يحتاط فيه، و هو فرج، و منه يكون الولد، ان عليا عليه السلام اتته امرأة تستعديه على اخيها فقالت يا امير المؤمنين انى وكلت هذا اخى، الحديث.

(و قد اشار الى هذه الفحوى فى غاية المراد، و استدل بها فى الرياض) لصحة الفضولى (بل قال: انه لولاها) اى الفحوى (اشكل الحكم) بصحة الفضولى (من جهة الاجماعات المحكية على المنع) عن الفضولى (و هو) اى الاستدلال لصحة الفضولى فى البيع، بفحوى الفضولى فى النكاح (حسن، الا انها) اى الفحوى (ربما توهن بالنص الوارد فى الرد على العامة الفارقين بين تزويج الوكيل المعزول مع جهله) اى الوكيل (بالعزل، و بين

ص: 51

بيعه بالصحة فى الثانى لان المال له عوض و البطلان فى الاول لان البضع ليس له عوض حيث قال الامام:- فى مقام ردهم و اشتباههم فى وجه الفرق-

______________________________

بيعه) اى بيع الوكيل المعزول مع جهله بالعزل (بالصحة فى الثانى) اى البيع دون الاول.

و وجه الوهن: ان الصحة فى البيع ليست اولى من الصحة فى النكاح بل الامر بالعكس، كما يستفاد من الرواية على ما يأتى.

و انما قالت العامة بالصحة فى الثانى (لان المال له عوض) فصاحب المال لم يتضرر، اذا قلنا بصحة الفضولية فانه ذهب منه شي ء و جاء فى مكانه شي ء آخر (و البطلان فى الاول) اى النكاح (لان البضع ليس له عوض) فانه لكثرة فوائده لا يعد المهر عوضا عنه بل كانه تسليط للزوج على البضع بدون عوض لها فاذا قلنا بصحة نكاح الفضول كان معناه: ان الفضول اخرج البضع من المرأة الى الزوج بدون ان يدخل عوضه الى الزوجة فلذا نقول بفساد النكاح الفضولى- هذا كلام العامة- فى تصحيحهم المعاملة الفضولية، دون النكاح الفضولى.

فهم يقولون: بأولوية البيع من النكاح، و الامام فى مقام ردهم، جعل الاولى النكاح.

و عليه: فما دلّ على صحة الفضولية فى النكاح لا يدل على صحة الفضولية فى البيع، فيسقط الاستدلال لصحة الفضولى فى البيع، بما ورد من صحته فى النكاح (حيث) بيان قوله: ربما يوهن (قال الامام:- فى مقام ردهم) اى العامة (و اشتباههم فى وجه الفرق-) اى ان ما بينوا من وجه

ص: 52

سبحان الله ما اجور هذا الحكم و افسده؟ فان النكاح اولى و اجدر ان يحتاط فيه لانه الفرج، و منه يكون الولد، الخبر.

و حاصله: ان مقتضى الاحتياط، كون النكاح الواقع اولى بالصحة من البيع، من حيث الاحتياط المتأكد فى النكاح، دون غيره.

فدل: على ان صحة البيع يستلزم صحة النكاح بطريق اولى، خلافا للعامة حيث عكسوا و حكموا بصحة البيع دون النكاح، فمقتضى حكم الامام عليه السلام ان صحة المعاملة المالية

______________________________

الفرق بين النكاح الّذي قالوا ببطلانه، و بين البيع الّذي قالوا بصحته (سبحان الله ما اجور هذا الحكم و افسده) اى الحكم بصحة البيع دون النكاح (فان النكاح اولى و اجدر ان يحتاط فيه) بان لا يقال ببطلانه، اذ: معنى بطلانه ان تتزوج المرأة برجل آخر، و الحال انها زوجة للاول (لانه الفرج، و منه يكون الولد) الموجب للنسب و سائر الاحكام المترتبة عليه، الى آخر (الخبر).

(و حاصله) اى حاصل كلام الامام فى رد العامة (ان مقتضى الاحتياط كون النكاح الواقع اولى بالصحة من البيع، من حيث الاحتياط المتأكد فى النكاح) المقتضى لعدم ابطال النكاح الواقع (دون غيره) من سائر المعاملات، لان امر المال اهون من امر الفرج.

(فدل) كلام الامام عليه السلام الّذي جعل صحة النكاح اولى من صحة البيع (على ان صحة البيع يستلزم صحة النكاح بطريق اولى، خلافا للعامة حيث عكسوا) فيما يظهر من الحديث السابق (و حكموا بصحة البيع دون النكاح)

و على هذا (فمقتضى حكم الامام عليه السلام ان صحة المعاملة المالية

ص: 53

الواقعة فى كل مقام يستلزم صحة النكاح الواقع بطريق اولى،

و حينئذ فلا يجوز التعدى من صحة النكاح فى مسئلة الفضولى الى صحة البيع، لان الحكم فى الفرع، لا يستلزم الحكم فى الاصل فى باب الاولوية، و الّا لم يتحقق الاولوية، كما لا يخفى. فالاستدلال بصحة النكاح على صحة البيع مطابق لحكم العامة من كون النكاح اولى بالبطلان من جهة ان البضع غير قابل للتدارك بالعوض.

______________________________

الواقعة فى كل مقام، يستلزم صحة النكاح الواقع بطريق اولى) لوجود الاحتياط فى النكاح و عدم وجوده فى المعاملة.

(و حينئذ ف) فى مسئلتنا (لا يجوز التعدى من صحة النكاح فى مسئلة الفضولى الى صحة البيع) اذ: صار البيع الاصل، و النكاح الفرع (لان الحكم) بالصحة (فى الفرع) الّذي هو النكاح (لا يستلزم الحكم) بالصحة (فى الاصل) الّذي هو البيع (فى باب الاولوية) فانه ينسحب الحكم من غير الاولى الى الاولى، لا من الاولى الى غير الاولى (و الا لم يتحقق الاولوية، كما لا يخفى)

فمثلا: اذا نهى عن الضرب لم يدل على النهى عن قوله: اف، بخلاف العكس.

و على هذا (فالاستدلال بصحة النكاح على صحة البيع) كما تقدم فى الاستدلال بفحوى الفضولية فى النكاح (مطابق لحكم العامة، من كون النكاح اولى بالبطلان) من بطلان البيع فى صورة الفضولية فى مسئلة الوكيل المعزول (من جهة) ما استدل العامة به من (ان البضع غير قابل للتدارك بالعوض) لانه لكثرة فائدته لا يعوض، بخلاف البيع لانه فى

ص: 54

بقى الكلام فى وجه جعل الامام (ع) الاحتياط فى النكاح هو ابقائه دون ابطاله، مستدلا: بانه يكون منه الولد مع ان الامر فى الفروج كالاموال دائر بين محذورين، و لا احتياط فى البين.

و يمكن ان يكون الوجه فى ذلك ان ابطال النكاح فى مقام الاشكال، و الاشتباه يستلزم التفريق بين الزوجين على تقدير الصحة واقعا فيتزوج المرأة

______________________________

مقابل الثمن، فيمكن الصحة فى البيع دون النكاح.

(بقى الكلام فى وجه جعل الامام (ع) الاحتياط فى النكاح) فى صورة عزل الوكيل و (هو ابقائه دون ابطاله مستدلا) لوجوب الابقاء (بانه يكون منه) اى من النكاح (الولد مع ان الامر فى الفروج، كا) لامر فى ا (لاموال دائر بين محذورين) الوجوب و التحريم، لانه ان قيل: بصحة النكاح، و كان باطلا واقعا، لزم ترتب المحرمات الواقعية عليه من: الوطي، و الارث، و ما اشبه.

و ان قيل: ببطلانه، و كان صحيحا واقعا، لزم ترتب المحرمات الواقعية أيضا، من زواج المرأة برجل آخر و الحال انها زوجة للاول، و اخذ الزوج الخامسة، و غير ذلك (و لا احتياط فى البين).

اذ: ليس الامر دائرا بين الوجوب و الجواز، حتى يقال: بترجيح الفعل، او بين الحرمة و الجواز، حتى يقال: بترجيح الترك.

(و يمكن ان يكون الوجه فى ذلك) الترجيح للنكاح (ان ابطال النكاح فى مقام الاشكال) فى صحته (و الاشتباه) بانه هل وقع صحيحا أم لا؟ (يستلزم التفريق بين الزوجين على تقدير الصحة) للنكاح (واقعا، فيتزوج المرأة

ص: 55

و يحصل الزنا بذات البعل بخلاف ابقائه فانه على تقدير بطلان النكاح لا يلزم منه الا وطى المرأة الخالية عن المانع، و هذا اهون من وطى ذات البعل.

فالمراد بالاحوط: هو الاشد احتياطا.

و كيف كان: فمقتضى هذه الصحيحة انه اذا حكم بصحة النكاح الواقع من الفضولى، لم يوجب ذلك التعدى الى الحكم بصحة بيع الفضولى.

______________________________

و يحصل الزنا بذات البعل) و ذلك من اشد المحرمات (بخلاف ابقائه) اى النكاح (فانه على تقدير بطلان النكاح لا يلزم منه، الا وطى المرأة الخالية عن المانع، و هذا اهون من وطى ذات البعل).

بل ربما يمكن ان يكون صحيحا أيضا، اذا كان الرجل و المرأة راضيين، لانه من المعاطات التى ربما قيل بانها نوع نكاح أيضا.

(فالمراد بالاحوط: هو الاشد احتياطا) لا الاحوط المطلق، فان العقل حيث يرى التخيير بين المحذورين كان الاولى الجنوح الى الاشد احتياطا، هذا بالنسبة الى التكليف حسب القواعد الاولية.

اما بحسب الواقع، فالتكليف هو هذا، بعد ان حكم به الامام عليه السلام كما لا يخفى، فالاحتياط التام و ان امكن لكن مولى الموالى لم يرد الاحتياط.

(و كيف كان) فى وجه كون الابقاء احوط (فمقتضى هذه الصحيحة انه اذا حكم بصحة النكاح الواقع من الفضولى لم يوجب ذلك) الحكم بالصحة فى النكاح (التعدى الى الحكم بصحة بيع الفضولى) حسب ما جعل الامام عليه السلام النكاح اقل مئونة

ص: 56

نعم لو ورد الحكم بصحة البيع، امكن الحكم بصحة النكاح، لان النكاح اولى بعدم الابطال، كما هو نص الرواية.

ثم ان الرواية و ان لم يكن لها دخل بمسألة الفضولى الا ان المستفاد منها قاعدة كلية، هى: ان امضاء العقود المالية، يستلزم امضاء النكاح من دون العكس الّذي هو مبنى الاستدلال فى مسئلة الفضولى، هذا.

[ما يؤيد لصحة بيع الفضولي]

ثم انه ربما يؤيد صحة الفضولى بل يستدل عليها بروايات كثيرة وردت فى مقامات خاصة مثل: موثقة جميل عن ابى عبد اللّه عليه السلام فى رجل دفع الى رجل مالا ليشترى به ضربا من المتاع مضاربة.

______________________________

من البيع بملاحظة هذا الاحتياط، و لا يتعدى من الاضعف الى الاقوى.

(نعم) مقتضى هذا الحديث انه (لو ورد الحكم بصحة البيع امكن الحكم بصحة النكاح لان النكاح اولى بعدم الابطال كما هو نص الرواية).

و عليه فلا فحوى لما دل على صحة النكاح الفضولى حتى يتعدى عنه الى صحة بيع الفضولى (ثم ان الرواية) المتقدمة (و ان لم يكن لها دخل بمسألة الفضولى، الا ان المستفاد منها قاعدة كلية هى: ان امضاء العقود المالية) كالبيع و الاجارة (يستلزم امضاء النكاح من دون العكس) فإمضاء النكاح لا يستلزم امضاء العقود المالية (الّذي) اى العكس الّذي (هو مبنى الاستدلال فى مسئلة الفضولى) بفحوى الصحة فى النكاح (هذا) تمام الكلام فى باب الفحوى.

(ثم انه ربما يؤيد صحة الفضولى بل يستدل عليها بروايات كثيرة وردت فى مقامات خاصة مثل: موثقة جميل عن ابى عبد اللّه عليه السلام، فى رجل دفع الى رجل مالا ليشترى به ضربا) اى قسما (من المتاع مضاربة) بان يكون

ص: 57

فاشترى غير الّذي امره قال: هو ضامن و الربح بينهما على ما شرطه.

و نحوها، غيرها الواردة فى هذا الباب.

فانها ان ابقيت على ظاهرها من عدم توقف ملك الربح على الاجازة كما نسب الى ظاهر الاصحاب، و عدّ هذا خارجا عن بيع الفضولى بالنص كما فى المسالك و غيره.

______________________________

المال من الدافع و العمل من العامل و الربح بينهما (فاشترى) العامل (غير) المتاع (الّذي امره) الدافع (قال: هو) اى العامل (ضامن) للخسارة (و الربح) إن كان فهو (بينهما على ما شرطه) الدافع حسب ما تباينا عليه، من:

الثلث، و النصف، و ما اشبه.

(و نحوها، غيرها الواردة فى هذا الباب) اى باب تخلف العامل عن الّذي امره صاحب المال.

و وجه الاستدلال بهذه الاحاديث انها اما من مسئلة الفضولى، فتدل على صحتها و اما ليست من مسئلة الفضولى فيستأنس بهذه الاحاديث لمسألة الفضولى.

(فانها) اى هذه الاخبار (ان ابقيت على ظاهرها من عدم توقف ملك) الدافع و العامل (الربح على الاجازة) من الدافع، لما اوقعه العامل من العقد على ماله بدون اذنه (كما نسب) هذا الابقاء و الفتوى بمقتضاه (الى ظاهر الاصحاب، و عدّ هذا) العمل من العامل بدون اذن الدافع (خارجا عن بيع الفضولى بالنص، كما فى المسالك و غيره) من ان هذا خارج عن الفضولى بالنص، و الا فمقتضى القاعدة اما اذن المالك لتصحيح المعاملة

ص: 58

كان فيها استيناس لحكم المسألة من حيث عدم اعتبار اذن المالك سابقا فى نقل مال المالك الى غيره و ان حملناها على صورة رضى المالك بالمعاملة بعد ظهور الربح- كما هو الغالب- و بمقتضى الجمع بين هذه الاخبار، و بين ما دل على اعتبار رضى المالك فى نقل ماله، و النهى عن اكل المال بالباطل اندرجت المعاملة فى الفضولى و صحتها فى خصوص المورد- و ان احتمل كونها للنص الخاص- الا انها لا تخلو عن تأييد للمطلب.

______________________________

و اما بطلانها اذا لم يأذن (كان) جواب: ان، (فيها) اى فى هذه الاخبار (استيناس لحكم المسألة) اى مسئلة الفضولى (من حيث عدم اعتبار اذن المالك سابقا فى نقل مال المالك الى غيره) بل مسئلة الفضولى اولى بالصحة لان فيها اجازة المالك (و ان حملناها) اى اخبار المضاربة (على صورة رضى المالك بالمعاملة بعد ظهور الربح- كما هو الغالب-) حيث: ان الانسان يرضى بمعاملة الفضول اذا وجد فيها ربحا (و بمقتضى) متعلق ب:

حملناها، اى ان الروايات و إن كانت مطلقه، الا انها محموله على صوره رضى المالك بمقتضى (الجمع بين هذه الاخبار) المطلقة (و بين ما دل على اعتبار رضى المالك فى نقل ماله) المخصص لهذه الاخبار (و النهى عن اكل المال بالباطل) الّذي من اظهر مصاديقه صورة عدم رضاه، و: النهى عطف على: اعتبار (اندرجت) خبر: و ان حملناها (المعاملة) المضاربية (فى الفضولى، و صحتها) اى هذه المعاملة (فى خصوص المورد) اى المضاربة (- و ان احتمل كونها للنص الخاص- الا انها) اى الصحة فى هذا المورد (لا تخلو عن تأييد للمطلب) اذ: يستأنس

ص: 59

و من هذا القبيل: الاخبار الواردة فى اتجار غير الولى فى مال اليتيم و ان الربح لليتيم، فانها ان حملت على صوره اجازه الولى، كما هو صريح جماعة تبعا للشهيد، كان من افراد المسألة و ان عمل بإطلاقها كما عن جماعة ممن تقدمهم خرجت عن مسئلة الفضولى.

لكن يستأنس لها بالتقريب المتقدم.

و ربما احتمل دخولها فى المسألة،

______________________________

الفقيه منها كون مطلق الفضولى هكذا.

(و من هذا القبيل) الدال على صحة الفضولى (الاخبار الواردة فى اتجار غير الولى فى مال اليتيم، و ان الربح لليتيم) و الاخبار و ان لم تكن صريحة فى غير الولى لكن بإطلاقها تشمل غير الولى، كصحيحة الربعى عن الصادق عليه السلام، فى رجل عنده مال اليتيم، فقال عليه السلام: إن كان محتاجا ليس له مال، فلا يمس ماله، و ان هو اتّجر به فالربح لليتيم، و هو ضامن (فانها ان حملت على صورة اجازة الولى، كما هو صريح جماعة، تبعا للشهيد) حيث استفاد من هذه الاخبار صورة اجازة الولى (كان من افراد المسألة) اذ: تدل على ان الاجازة لعقد الفضولى تكفى فى صحة العقد (و ان عمل بإطلاقها) اى ان المعاملة صحيحة سواء اجاز الولى، أم لا؟ (كما عن جماعة ممن تقدمهم) اى تقدم الشهيد، و جماعته (خرجت عن مسئلة الفضولى) لانها صحيحة بحكم الامام لا بسبب اجازة المالك و وليه.

(لكن يستأنس لها) اى لمسألة الفضولى (بالتقريب المتقدم) من حيث عدم اعتبار اذن المالك سابقا فى نقل مال المالك الى غيره.

(و ربما احتمل دخولها) اى مسئلة الاتجار بمال الصغير (فى المسألة)

ص: 60

من حيث ان الحكم بالمضى اجازة إلهية لاحقه للمعاملة، فتأمل.

و ربما يؤيد المطلب أيضا برواية ابن اشيم الواردة فى العبد المأذون الّذي دفع إليه مال ليشترى به نسمة، و يعتقها و يحجه عن ابيه فاشترى اباه، و اعتقه، ثم تنازع مولى المأذون، و مولى الأب، و ورثة الدافع، و ادعى كل منهم انه اشتراه بماله.

______________________________

اى مسئلة الفضولية- على القول بالإطلاق- (من حيث ان الحكم، بالمضى اجازه إلهية لاحقة للمعاملة) فيستفاد منها: ان الاجازة المالكية أيضا كذلك، فاذا الحقت بالمعاملة صحت (فتامل) اذ: الاجازة الالهية سابقة، و ليست لاحقة بالإضافة الى انه لا ملازمة بين الصحة بسبب الاجازة الالهية و الاجازة المالكية.

(و ربما يؤيد المطلب) اى صحة الفضولى اذا لحقتها الاجازة (أيضا برواية ابن اشيم الواردة فى العبد المأذون الّذي دفع إليه مال ليشترى به نسمة، و يعتقها، و يحجه عن ابيه) اى يرسل العبد المعتوق الى الحج نيابة عن والد صاحب المال (فاشترى) العبد (اباه، و اعتقه ثم تنازع مولى المأذون) اى مولى العبد (و مولى الأب) اى العبد الّذي هو اب للعبد المأذون (و ورثة الدافع) للمال، حيث مات نفس الدافع (و ادعى كل منهم) اى من الثلاثة (انه) اى العبد المأذون (اشتراه) اى اباه (بماله).

مثلا: محمد، و على، و الحسن، احرار و كان لمحمد عبد اسمه فيروز و كان لعلى عبد اسمه مبارك، و كان مبارك أبا لفيروز، و كان فيروز عنده مال كل واحد من الثلاثة الاحرار، و طلب منه الحسن ان يشترى عبدا و يعتقه

ص: 61

فقال ابو جعفر عليه السلام: يرد المملوك رقا لمولاه، و اى الفريقين اقاموا البينة بعد ذلك على انه اشتراه بماله كان رقّا له، الخبر، بناء على انه لو لا كفاية الاشتراء بعين المال فى تملك المبيع، بعد مطالبة المتضمّنة: لاجازه البيع، لم يكن مجرد دعوى الشراء

______________________________

و يحجه عن والد الحسن، فاشترى فيروز مباركا و اعتقه و احجه، فتنازع الثلاثة الاحرار، قال محمد: انه اشترى مباركا بمالى، فالمبارك لى و عتقه باطل، لانى لم آذن له فى العتق، و قال على: انه اشترى مباركا بمالى فالبيع باطل من اصله، لانه اشترى عبدى بدرهمى، و مثل هذا الاشتراء لا يصح، و قال الحسن: بل انه اشتراه بمالى فالبيع، و العتق، صحيحان (فقال ابو جعفر عليه السلام: يرد المملوك رقّا لمولاه) فالمبارك يبقى على ملكية على، لاصالة عدم الانتقال (و اى الفريقين) من محمد، و الحسن (اقاموا البينة بعد ذلك على انه) اى العبد المأذون- و هو فيروز- (اشتراه بماله كان رقّا له) فان اقام محمد البينة، كان مبارك رقّا له، و ان اقام الحسن البينة كان مبارك حرا (الخبر).

و انما يؤيد هذا الخبر المطلب (بناء على) ان محمدا كان له مال عند عبده فيروز، فاشترى فيروز المبارك له- حسب الفرض من انه ان اقام البينة كان العبد له- و كان هذا الاشتراء فضوليا، فاجازه محمد، فصار العبد اى المبارك، بسبب هذه الإجازة له ف (انه لو لا كفاية الاشتراء بعين المال فى تملك المبيع، بعد مطالبة المتضمنة: لاجازة البيع) كمطالبة صاحب المال و هو: محمد للمبيع، و هو: المبارك فى المثال (لم يكن مجرد دعوى الشراء

ص: 62

بالمال و لا اقامة البينة عليها كافية فى تملك المبيع.

و مما يؤيد المطلب أيضا: صحيحه الحلبى، عن الرجل يشترى ثوبا، و لم يشترط على صاحبه شيئا فكرهه، ثم رده على صاحبه فابى ان يقبله الا بوضيعة، قال: لا يصلح له ان يأخذه بوضيعه، فان جهل فاخذه فباعه باكثر من ثمنه يرد على صاحبه الاول ما زاد.

______________________________

بالمال) اى دعوى محمد ان فيروز اشترى المبارك بمالى (و لا اقامة البينة عليها) اى على هذه الدعوى (كافية فى تملك المبيع) فالكفاية تلازم صحة الفضولية التى تلحقها الاجازة.

و لكن ان هذا البناء محل ايراد، حيث يحتمل ان يكون كل من الاحرار موكلا لفيروز فى الاتجار بماله، بل يؤيده وجود مال كل واحد منهم عنده.

(و مما يؤيد المطلب) اى صحه الفضولية (أيضا: صحيحه الحلبى، عن الرجل يشترى ثوبا، و لم يشترط على صاحبه شيئا) بان يرده اذا كرهه (فكرهه) اى المشترى (ثم رده على صاحبه فابى ان يقبله الا بوضيعة) اى التنقيص فى الثمن (قال) عليه السلام (لا يصلح له ان يأخذه بوضيعة) لان الزائد من الثمن عند البائع، من اكل المال بالباطل (فان جهل) البائع انه لاحق له فى الاخذ بوضيعة (فاخذه) اى الثوب بوضيعة (فباعه باكثر من ثمنه) كما لو باع زيد عمروا ثوبا بدينار، ثم رده عمرو عليه، و اخذ من ثمنه نصف دينار فقط، ثم باع زيد الثوب مرة ثانية بثلاثة ارباع الدينار (يرد على صاحبه الاول) اى المشترى (ما زاد) اى الربع الزائد رده على عمرو، لان الثوب له، و رده على زيد لم يوجب بطلان البيع.

ص: 63

فان الحكم برد ما زاد لا ينطبق بظاهره الاعلى صحة بيع الفضولى لنفسه.

و يمكن التأييد له أيضا: بموثقة عبد الله، عن ابى عبد الله عليه السلام:

عن السمسار يشترى بالاجر، فيدفع إليه الورق فيشترط عليه: انك تأتى بما تشترى، فما شئت اخذته، و ما شئت تركته، فيذهب ليشترى، ثم يأتى بالمتاع، فيقول خذ ما رضيت ودع ما كرهت، قال: لا بأس، الخبر. بناء على ان الاشتراء من السمسار يحتمل ان يكون لنفسه ليكون الورق عليه قرضا فيبيع على صاحب

______________________________

(فان الحكم بردّ ما زاد لا ينطبق بظاهره) اى ظاهر الرد، مقابل ان عمروا اودعه ثانيا عند زيد ليبيعه له (الاعلى صحة بيع الفضولى لنفسه) فان زيدا فضول، و قد باع الثوب لنفسه، لكنه ملك لعمرو واقعا، فالبيع صحيح و الزائد له.

فاذا صح بيع الفضول لنفسه، فبيعه للمالك يصح بطريق اولى.

(و يمكن التأييد له) اى للفضولى (أيضا: بموثقة عبد الله، عن ابى عبد الله عليه السلام: عن السمسار يشترى بالاجر) اى اجرة عمله (فيدفع إليه) المالك (الورق) اى الدرهم (فيشترط) المالك للورق (عليه: انك تأتى بما تشترى، فما شئت اخذته، و ما شئت تركته، فيذهب) السمسار (ليشترى، ثم يأتى بالمتاع، فيقول) السمسار بعد ما اشترى المتاع، لصاحب الورق (خذما رضيت، و دع ما كرهت) فهل يصح هذا (قال) عليه السلام (لا بأس، الخبر).

و دلالته على صحة الفضولى (بناء على ان الاشتراء) الصادر (من السمسار) عن بائع للمتاع (يحتمل ان يكون لنفسه، ليكون الورق) من صاحب الورق (عليه قرضا، فيبيع) السمسار (على صاحب

ص: 64

الورق ما رضيه من الامتعة، و يوفيه دينه.

و لا ينافى هذا الاحتمال، فرض السمسار فى الرواية ممن يشترى بالاجر، لان توصيفه بذلك باعتبار اصل حرفته و شغله، لا بملاحظة هذه القضية الشخصية.

و يحتمل ان يكون لصاحب الورق باذنه، مع جعل خيار له على بائع الامتعة، فيلتزم بالبيع فيما رضى، و يفسخه فيما كره.

______________________________

الورق ما رضيه من الامتعة، و يوفيه) اى يوفى السمسار صاحب الورق (دينه) لانه يعطيه المتاع عوض ما اقترض منه من الورق.

(و) ان قلت: هذا ينافى قوله: يشترى بالاجر، اذ: ظاهره ان السمسار يشترى لصاحب الورق، و يأخذ منه الأجرة،

قلت: (لا ينافى هذا الاحتمال فرض السمسار فى الرواية ممن يشترى بالاجر) الظاهر فى ان الاشتراء ليس لنفسه (لان توصيفه بذلك) الاشتراء بالاجر (باعتبار اصل حرفته و شغله) و انه شأنه الاشتراء بالأجرة (لا بملاحظة هذه القضية الشخصية) هذا هو الاحتمال الاول فى الرواية.

(و يحتمل ان يكون) الاشتراء الصادر من السمسار (لصاحب الورق باذنه، مع جعل خيار له على بائع الامتعة) حتى لا يكون صاحب الورق ملزما بقبول كل ما اشتراه (فيلتزم) صاحب الورق (بالبيع فيما رضى) من الاجناس المبيعة (و يفسخه فيما كره) و هذا هو الاحتمال الثانى فى الرواية.

ص: 65

و يحتمل ان يكون فضوليا عن صاحب الورق، فيتخير ما يريد، و يرد ما يكره.

و ليس فى مورد الرواية ظهور فى اذن صاحب الورق للسمسار على وجه ينافى كونه فضوليا كما لا يخفى.

فاذا احتمل مورد السؤال لهذه الوجوه و حكم الامام عليه السلام بعدم البأس من دون استفصال عن المحتملات، افاد ثبوت الحكم على جميع الاحتمالات.

______________________________

(و يحتمل ان يكون) اشتراء السمسار (فضوليا عن صاحب الورق، فيتخير) صاحب الورق (ما يريد) من الامتعة (و يرد ما يكره).

(و) ان قلت: ظاهر الرواية اذن صاحب الورق للسمسار فى الاشتراء فكيف يكون فضوليا؟

قلت: (ليس فى مورد الرواية ظهور فى اذن صاحب الورق للسمسار على وجه ينافى كونه فضوليا) لان المالك انما يريد الّذي يرضاه وقت رؤيته المتاع، و قبل الرؤية لم يكن اذن فى الاشتراء (كما لا يخفى) و هذا هو الاحتمال الثالث.

(فاذا احتمل مورد السؤال) فى هذه الرواية (لهذه الوجوه) الثلاثة (و حكم الامام عليه السلام بعدم البأس) فى ذلك (من دون استفصال عن المحتملات) بان لم يقل انه يصح على احتمال دون احتمال آخر (افاد) الحديث (ثبوت الحكم) بالجواز (على جميع الاحتمالات) فيدل على صحة الفضولى.

و لا يخفى ما فى احتمال الرواية للفضولى أولا، و الاستدلال بها على تقدير الاحتمال ثانيا نظر ظاهر.

ص: 66

و ربما يؤيد المطلب: بالاخبار الدالة على عدم فساد نكاح العبد بدون اذن مولاه معللا: بانه لم يعص الله و انما عصى سيده، و حاصله:

ان المانع من صحه العقد، اذا كان لا يرجى زواله، فهو الموجب لوقوع العقد باطلا، و هو عصيان الله تعالى.

و اما المانع الّذي يرجى زواله كعصيان السيد، فبزواله يصح العقد.

و رضى المالك من هذا القبيل فانه لا يرضى أولا و يرضى ثانيا بخلاف سخط الله عز و جل بفعل فانه يستحيل رضاه.

______________________________

(و ربما يؤيد المطلب) اى صحة الفضولى (بالاخبار الدالة على عدم فساد نكاح العبد بدون اذن مولاه معللا) عدم الفساد (بانه) اى العبد (لم يعص الله و انما عصى سيده) و التأييد بهذا الحديث لا من جهة الاولوية كما سبق بل ما ذكره بقوله (و حاصله: ان المانع من صحه العقد) الّذي اجراه العبد (اذا كان لا يرجى زواله، فهو الموجب لوقوع العقد باطلا، و هو عصيان الله تعالى) اذ: المعصية لا تنقلب طاعة.

(و اما المانع الّذي يرجى زواله كعصيان) العبد (السيد، فبزواله يصح العقد) اذ: حينما يزول المانع يعمل المقتضى عمله.

(و رضى المالك) فى العقد الفضولى (من هذا القبيل، فانه) اى المالك (لا يرضى أولا) حين جريان العقد (و يرضى ثانيا) حين الاجازة (بخلاف سخط الله عز و جل بفعل، فانه يستحيل رضاه) فاذا باع الخمر مثلا لم يمكن صحة البيع، اما اذا باع فضولا فانه يمكن صحة البيع.

ص: 67

[مختار المصنف الصحة]

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 7، ص: 68

هذا غاية ما يمكن ان يحتج، و يستشهد به، للقول بالصحة، و بعضها و إن كان مما يمكن الخدشة فيه الا ان فى بعضها الآخر غنى و كفاية.

و احتج للبطلان: بالأدلّة الاربعة
اما الكتاب [الاستدلال بآية التجارة]

فقوله تعالى: لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ دل بمفهوم الحصر، او سياق التحديد على ان غير التجارة عن تراض او التجارة لا عن تراض غير مبيح لا كل مال الغير، و ان لحقها الرضا، و من المعلوم: ان الفضولى غير داخل فى المستثنى.

و فيه: ان دلالته على الحصر ممنوعة، لانقطاع الاستثناء

______________________________

(هذا) الّذي ذكرناه من مختلف الاستدلالات للفضولى بالآية، و الرواية و القاعدة (غاية ما يمكن ان يحتج، و يستشهد به، للقول بالصحة، و بعضها و إن كان مما يمكن الخدشة فيه، الا ان فى بعضها الآخر غنى و كفاية).

(و احتج للبطلان) اى بطلان الفضولى (بالأدلّة الاربعة اما الكتاب فقوله تعالى: لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ، إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) الآية، (دل بمفهوم الحصر) حيث حصر الجائز بالتجارة عن رضى (او سياق التحديد) و المراد: مفهوم الوصف، حيث حددت التجارة فى الآية بتوصيفها ب: عن تراض (على ان غير التجارة عن تراض) هذا مستفاد من مفهوم الحصر (او التجارة لا عن تراض) هذا مستفاد من مفهوم الوصف (غير مبيح لاكل مال الغير، و ان لحقها الرضا) لاطلاق المستفاد من الحصر، او الوصف (و من المعلوم: ان الفضولى غير داخل فى المستثنى) و هو: عن تراض فيدخل فى المستثنى منه و هو: لا تأكلوا.

(و فيه: ان دلالته على الحصر ممنوعة، لانقطاع الاستثناء) اذ: التجارة

ص: 68

كما هو ظاهر اللفظ، و صريح المحكى عن جماعة من المفسرين، ضرورة عدم كون: التجارة عن تراض، فردا من الباطل خارجا عن حكمه.

و اما سياق التحديد الموجب لثبوت مفهوم القيد، فهو مع

______________________________

عن تراض، ليس اكلا بالباطل- الّذي هو المستثنى منه- (كما هو) اى الانقطاع (ظاهر اللفظ) اذ: المستثنى، ليس من جنس المستثنى منه (و صريح المحكى عن جماعه من المفسرين) و اذا كان الاستثناء منقطعا لم يفد الحصر، اذ لم يدل على ان الخارج من المستثنى منه المستثنى فقط- الّذي هو قوام الحصر- فانك اذا قلت: ما جاءني احد إلا زيدا، أفاد أن الخارج من حكم: عدم المجي ء زيد، فقط، فيدل على انه لم يجئ عمرو، و خالد و بكر، اما اذا قلت: ما جاءني احد إلا حمار، كان: الا، بمعنى: لكن، و من المعلوم ان مجرد قولة العام اى: ما جاءني احد، ليست منافية لوجود مخصص له كسائر العمومات.

و انما نقول بان الاستثناء فى الآية منقطع ل (ضرورة عدم كون: التجارة عن تراض، فردا من الباطل) المستثنى منه (خارجا عن حكمه).

نعم ربما قيل: ان الاستثناء فى الآية ليس منقطعا لانه فى قوة ان يقال لا تأكلوا اموالكم باى نوع من انواع الاكل، لانه اكل بالباطل، الا اذا كان تجارة عن تراض، ف: بالباطل، ليس الا علة.

كما انه ربما قيل: بان الاستثناء المنقطع يفيد الحصر أيضا، لانه فى قوة ان يقال لم يأتنى انسان و حيوان، إلا حمار، و لتفصيل الكلام يراجع المفصلات.

(و اما سياق التحديد الموجب لثبوت مفهوم القيد) اى الوصف (فهو مع

ص: 69

تسليمه مخصوص بما اذا لم يكن للقيد فائدة اخرى لكونه واردا مورد الغالب كما فى ما نحن فيه، و فى قوله تعالى: وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ، مع احتمال ان يكون: عن تراض خبرا بعد خبر، ليكون على قراءة نصب التجارة لا قيدا لها.

و إن كان غلبه توصيف النكرة تؤيد التقييد، فيكون المعنى: الا ان يكون

______________________________

تسليمه) اذ: لا نسلم ان المفهوم فى الآية من قبيل مفهوم الوصف (مخصوص بما اذا لم يكن للقيد فائدة اخرى لكونه) اى القيد (واردا مورد الغالب، كما فى ما نحن فيه) فان الغالب ان يكون غير التجارة عن تراض، اكلا بالباطل (و) كما (فى قوله تعالى: وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ) فان الغالب ان تكون الربيبة، و هى بنت المرأة فى حجر الزوج الثانى و الا فلا خصوصية لكونها فى الحجر (مع احتمال ان يكون: عن تراض) فى الآية (خبرا بعد خبر، ليكون) فاسم: يكون، الضمير العائد الى: الاكل، المفهوم من:

لا تأكلوا، و خبره: تجارة، و كلمة: عن تراض، خبر ثان، و ليس بوصف، و قيل حتى يكون له مفهوم الوصف (على قراءة نصب التجارة) اما على قراءة الرفع فاوضح، لان: التجارة، اسم، و: عن تراض، خبر، فلا وصف فى البين اصلا (لا قيدا لها) اى للتجارة، ليكون له مفهوم.

(و إن كان غلبة توصيف النكرة) مثل: تجارة، فى الآية (تؤيد التقييد) بان يكون: عن تراض، قيدا، لا خبرا بعد خبر (فيكون المعنى) بناء على كونه خبرا بعد خبر (الا ان يكون

ص: 70

سبب الاكل تجارة، و يكون عن تراض، و من المعلوم ان السبب الموجب لحل الاكل فى الفضولى انما نشأ عن التراضي مع ان الخطاب لملّاك الاموال.

و التجارة فى الفضولى انما تصير تجارة المالك بعد الاجازة فتجارته عن تراض.

و قد حكى عن المجمع ان مذهب الامامية، و الشافعية، و غيرهم، ان معنى التراضي

______________________________

سبب الاكل تجارة، و يكون) ذلك السبب (عن تراض، و من المعلوم ان) الفضولى داخل حينئذ فى المستثنى، اذ: (السبب الموجب لحل الاكل فى الفضولى انما نشأ عن التراضي) فزيد الّذي يأكل الثمن بعد رضاية المشترى اكل المال عن رضى من صاحب الثمن (مع ان الخطاب) فى: لا تأكلوا (لملّاك الاموال) اى صاحب المثمن، و صاحب الثمن.

فعلى تقدير كون: عن تراض، قيدا، لا يلزم أيضا عدم صحة الفضولى اذ: التجارة قبل الاجازة، لا تكون تجارة المالك، فلا يجوز الاكل حينذاك و بعد ان صح نسبتها الى المالك بعد الاجازة، تكون تجارة عن تراض.

(و) ذلك لوضوح ان: (التجارة فى الفضولى انما تصير تجارة المالك بعد الاجازة) و حينذاك (فتجارته عن تراض).

و على هذا، فالآية دالة على جواز الاكل بعد الرضا، سواء قلنا بان:

عن تراض، قيد، او انه خبر بعد خبر.

(و قد حكى عن المجمع ان مذهب الامامية، و الشافعية، و غيرهم) من بعض العلماء الآخرين مقابل مذهب مالك، و ابى حنيفة (ان معنى التراضي

ص: 71

بالتجارة امضاء البيع بالتصرف او التخاير بعد العقد.

و لعله يناسب ما ذكرنا من: كون الظرف خبرا بعد خبر.

و اما السنة فهي أخبار،

منها: النبوى المستفيض، و هو

______________________________

بالتجارة) فى الآية (امضاء البيع) الّذي فيه الخيار (بالتصرف) فى المبيع، فانه مسقط للخيار (او التخاير) بان يقول: من له الخيار: اخترت البيع، فان الاول امضاء عملى، و الثانى امضاء قولى (بعد العقد) خلافا لمالك، و ابى حنيفة، حيث قالا: ان التراضي هو التراضي بالعقد فقط، و لا يحتاج الى الامضاء عملا، او قولا.

(و لعله) اى كلام المجمع (يناسب ما ذكرنا من: كون الظرف) اى: عن تراض، (خبرا بعد خبر) و ليس قيدا.

وجه المناسبة ان المراد بالرضى- على هذا القول- الرضى باسقاط الخيار عملا، او قولا، فلا يراد منه الرضا بالعقد.

و عليه فاذا لم يكن فى باب الفضولى، رضى بالعقد حين العقد، لم يضر و لم يوجب ان تشمله الآية.

و الحاصل: انه على هذا القول يلزم الرضى بعد العقد، و هو حاصل بعد الاجازة فى الفضولى، كما لا يخفى، و لو كان: عن تراض، قيدا، لزم ان يراد به الرضا حين العقد، لا بعد العقد.

(و اما السنة) الدالة على بطلان الفضولى، على ما ذكره القائلون بالبطلان (فهى اخبار منها: النبوى المستفيض) و هو و إن كان عاصيا، لكن استفاضته، و ورود مثله فى اخبار الخاصة كاف فى الحجية، او الاستناد (و هو

ص: 72

قوله صلى الله عليه و آله و سلم، لحكيم بن حزام: لا تبع ما ليس عندك، فان عدم حضوره عنده، كناية عن عدم تسلطه على تسليمه لعدم تملكه، فيكون مساوقا للنبوى الآخر: لا بيع الا فيما يملك، بعد قوله صلى الله عليه و آله و سلم لا طلاق الا فيما يملك، و لا عتق الا فيما يملك.

و لما ورد فى توقيع العسكرى الى الصفار: لا يجوز بيع ما ليس يملك.

و ما عن الحميرى ان مولانا عجل الله فرجه كتب فى جواب بعض مسائله:

ان الضيعة لا يجوز ابتياعها الا عن مالكها او بامره، او رضى منه.

______________________________

قوله صلى الله عليه و آله و سلم، لحكيم بن حزام: لا تبع ما ليس عندك)

و من المعلوم: ان الفضولى ليس عنده الشي ء الّذي يجرى المعاملة عليه (فان عدم حضوره عنده) فى الخبر (كناية عن عدم تسلطه على تسليمه لعدم تملكه) لاغيا به عنه، و إن كان ملكا له و قادرا على تسلميه (فيكون) هذا الخبر (مساوقا) و مساويا (للنبوى الآخر: لا بيع الا فيما يملك) بالمعلوم، و المراد ملك البيع، و ان لم يكن له، بل كان وليا او وكيلا (بعد قوله صلى الله عليه و آله و سلم: لا طلاق الا فيما يملك، و لا عتق الا فيما يملك) مما يكون قرينة على ان الفعل مبنى للمعلوم، لا للمجهول اذ: لا معنى لطلاق لا يملك بالمجهول.

(و) مساوق (لما ورد فى توقيع العسكرى) عليه السلام (الى الصفار: لا يجوز بيع ما ليس يملك) بناء على قراءة يملك معلوما.

(و ما عن الحميرى ان مولانا عجل الله فرجه كتب فى جواب بعض مسائله ان الضيعة لا يجوز ابتياعها الا عن مالكها، او بامره، او رضى منه).

و من المعلوم ان الكلام فيما اذا لم نعلم رضى المالك.

ص: 73

و ما فى الصحيح عن محمد بن مسلم الوارد فى ارض، بفم النيل اشتراها رجل، و اهل الارض يقولون: هى ارضنا، و اهل الاستان يقولون: هى من ارضنا، فقال: لا تشترها الا برضى اهلها.

و ما فى الصحيح عن محمد بن القاسم بن الفضل، فى رجل اشترى من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم، فكتب إليها كتابا قد قبضت المال، و لم تقبضه فيعطيها المال أم يمنعها؟، قال: قل يمنعها اشد المنع، فانها باعت ما لم تملكه.

______________________________

(و ما فى الصحيح عن محمد بن مسلم الوارد فى ارض، بفم النيل اشتراها رجل، و اهل الارض يقولون: هى ارضنا، و اهل الاستان) بالضم و فى اخيره نون، اربع كور ببغداد و (يقولون: هى من ارضنا، فقال: لا تشترها الا برضى اهلها) اى اهل الارض المشرفون عليها، لا اهل الاستان، و المراد بفم النيل محل فى العراق قرب بغداد، لا انه نيل مصر، كما ربما زعم.

(و ما فى الصحيح عن محمد بن القاسم بن الفضل، فى رجل اشترى من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم) و الظاهر ان المراد آل عباس، لكن ترك الاسم خوفا (فكتب إليها) اى الى تلك الامرأة (كتابا) بانها (قد قبضت المال) اى الثمن (و) الحال انها (لم تقبضه) كما هو المعتاد بانهم يكتبون الكتاب قبل القبض و الاقباض (فيعطيها المال أم يمنعها؟، قال) الامام عليه السلام (قل) للمشترى (يمنعها) اى المرأة البائعة (اشد المنع، فانها باعت ما لم تملكه).

اما من جهة ان ارض العراق مفتوحة عنوة.

و اما من جهة ان الامام عليه السلام هو المالك، فلا حق لها فى الثمن.

ص: 74

و الجواب عن النبوى أولا: ان الظاهر من الموصول هى العين الشخصية، للاجماع و النص على جواز البيع الكلى، و من البيع البيع لنفسه لا عن مالك العين، و حينئذ: فاما ان يراد بالبيع مجرد الانشاء، فيكون دليلا على عدم جواز بيع الفضولى لنفسه فلا يقع له، و لا للمالك بعد اجازته.

و اما ان يراد ما عن التذكرة: من ان يبيع عن نفسه ثم يمضى ليشتريه من مالكه قال

______________________________

(و الجواب) عن الاستدلال بهذه الروايات لبطلان الفضولى (عن النبوى) اى: لا تبع ما ليس عندك (أولا: ان الظاهر من الموصول) اى: ما فى: ما ليس عندك (هى العين الشخصية) اى شي ء شخصى ليس لك، كان يبيع الانسان دار زيد، بيعا لنفسه (للاجماع و النص على جواز بيع الكلى) كما فى السلف حيث: ان الجنس كلى، و ليس موجودا الحال عند البائع، بل ربما ليس بموجود فى الخارج اصلا، و كما فى النسيئة بالنسبة الى الثمن (و من البيع) اى المراد من قوله صلى الله عليه و آله و سلم: لا تبع (البيع لنفسه لا عن مالك العين) لانه هو المنصرف من: لا تبع، اذ: كلام النبي صلى الله عليه و آله و سلم وقع جوابا لسؤال هو نص فى ذلك- كما سيأتى- (و حينئذ) اى حين كان المراد: البيع لنفسه (فاما ان يراد بالبيع مجرد الانشاء) اى لا تنشأ عقد البيع (فيكون) الحديث (دليلا على عدم جواز بيع الفضولى لنفسه) هذا الانشاء باطل (فلا يقع له، و لا للملاك بعد اجازته) فهو اجنبى عما نحن بصدده من كون البيع عن المالك فضوله.

(و اما ان يراد ما عن التذكرة: من ان يبيع) الجنس الموجود لزيد مثلا (عن نفسه، ثم يمضى ليشتريه من مالكه، قال) العلامة و انما نفسر كلام

ص: 75

لانه صلى الله عليه و آله و سلم ذكره جوابا لحكيم بن حزام، حيث سأله عن ان يبيع الشي ء، فيمضى و يشتريه، و يسلمه، فان هذا البيع غير جائز و لا نعلم فيه خلافا، للنهى المذكور.

و للغرر، لان صاحبها قد لا يبيعها، انتهى.

و هذا المعنى يرجع الى المراد من روايتى خالد، و يحيى، الآتيتين فى بيع الفضولى لنفسه، و يكون بطلان البيع بمعنى عدم وقوع البيع للبائع، بمجرد انتقاله إليه بالشراء فلا ينافى اهليته لتعقب الاجازة من المالك.

______________________________

الرسول صلى الله عليه و آله و سلم هكذا (لانه صلى الله عليه و آله و سلم ذكره جوابا لحكيم بن حزام، حيث سأله عن ان يبيع الشي ء، فيمضى و يشتريه، و يسلمه، فان هذا البيع غير جائز، و لا نعلم فيه خلافا).

أولا (للنهى المذكور) فى كلام الرسول صلى الله عليه و آله و سلم.

(و) ثانيا (للغرر) بالنسبة الى البائع و المشترى (لان صاحبها) اى صاحب العين (قد لا يبيعها، انتهى) كلام التذكرة.

(و هذا المعنى) الثانى لقوله صلى الله عليه و آله و سلم: لا تبع ما ليس عندك (يرجع الى المراد من روايتى خالد و يحيى الآيتين فى بيع الفضولى لنفسه) اى مسئلة من باع شيئا ثم ملكه (و يكون بطلان البيع) المستفاد من النهى (بمعنى عدم وقوع البيع للبائع بمجرد انتقاله إليه بالشراء) كما لو باع زيد دار محمد لخالد ثم اشترى زيد الدار من محمد، فان بمجرد انتقال الدار الى زيد لا ترجع الدار الى خالد (فلا ينافى) البطلان بهذا المعنى (اهليته) اى البيع الفضولى هكذا (لتعقب الإجازة من المالك) الّذي هو محمد فيما اذا اجاز البيع.

ص: 76

و بعبارة اخرى: نهى المخاطب عن البيع، دليل على عدم وقوعه مؤثرا فى حقه، فلا يدل على الغائه بالنسبة الى المالك، حتى لا تنفعه باجازة المالك فى وقوعه له.

و هذا المعنى اظهر من الاول، و نحن نقول به، كما سيجي ء.

و ثانيا: سلمنا دلالة النبوى على

______________________________

(و بعبارة اخرى: نهى المخاطب عن البيع، دليل على عدم وقوعه مؤثرا فى حقه) فاذا باع ما ليس له، ثم انتقل إليه، لم يكن هذا الانتقال موجبا لانتقاله الى المشترى فورا بدون اجازة لاحقة (فلا يدل) هذا النهى (على الغائه) اى البيع (بالنسبة الى المالك) كمحمد فى المثال (حتى لا تنفعه باجازة المالك فى وقوعه) اى البيع (له) اى للمالك.

و الحاصل: ان هنا اربع احتمالات، صورة البيع لمحمد، و صورة البيع لنفسه، و كل مع اجازة المالك، او هو بعد الانتقال إليه، و بدون ذلك.

و الحديث ظاهره: انه سواء باع لنفسه او للمالك، لم يكن البيع مؤثرا بدون الاجازة.

(و هذا المعنى) الّذي ذكره العلامة للحديث (اظهر من) المعنى (الاول) الّذي ذكرناه ابتداءً.

و وجه الاظهرية ان المنساق من الحديث، بعد كونه جوابا لسؤال حكيم (و نحن نقول به) اى بهذا المعنى (كما سيجي ء) إن شاء الله تعالى.

(و ثانيا) جوابا عن الاستدلال بالنبوى نقول: (سلمنا دلالة النبوى على

ص: 77

المنع، لكنها بالعموم، فيجب تخصيصه بما تقدم من الادلة الدالة على تصحيح بيع ما ليس عند العاقد لمالكه اذا اجاز.

و بما ذكرناه من الجوابين، يظهر الجواب عن دلالة قوله: لا بيع الا فى ملك فان الظاهر منه كون المنفى هو البيع لنفسه، و ان النفى راجع الى نفى الصحة فى حقه، لا فى حق المالك، مع: ان العموم لو سلم، وجب تخصيصه بما دل على وقوع البيع للمالك اذا اجاز.

و اما الروايتان

______________________________

المنع، لكنها) اى الدلالة (بالعموم، فيجب تخصيصه بما تقدم من الادلة الدالة على تصحيح بيع ما ليس عند العاقد لمالكه) متعلق بالبيع، اى يبيع الفضولى الجنس لمالكه (اذا اجاز) المالك.

(و بما ذكرناه من الجوابين) عن الاستدلال بالنبوى (يظهر الجواب عن دلالة قوله) عليه السلام (لا بيع الا فى ملك) حيث استدل به لعدم صحة بيع الفضول، لان الشي ء ليس ملكا له.

(ف) وجه الجواب (ان الظاهر منه) اى من هذا الحديث (كون المنفى هو البيع لنفسه) بان يبيع زيد دار محمد لنفسه، لا لمحمد (و ان النفى) فى الرواية (راجع الى نفى الصحة فى حقه لا فى حق المالك) فيمكن ان يكون صحيحا فى حق المالك، اذا دل الدليل على ذلك (مع: ان العموم) فى الحديث (لو سلم) بحيث يشمل نفى الصحة له، و للمالك (وجب تخصيصه بما دل على وقوع البيع للمالك اذا اجاز) كما يأتى مفصلا.

(و اما الروايتان) اى روايتا خالد و يحيى، الآتيتان فى بيع الفضولى

ص: 78

فدلالتهما على ما حملنا عليه السابقين اوضح، و ليس فيهما ما يدل- و لو بالعموم- على عدم وقوع البيع الواقع من غير المالك له اذا اجاز.

و اما الحصر فى صحيحة ابن مسلم، و التوقيع، فانما هو فى مقابله عدم رضى اهل الارض، و الضيعة رأسا، على ما يقتضيه السؤال فيهما.

و توضيحه: ان النهى فى مثل المقام و إن كان يقتضي الفساد، الا انه بمعنى عدم ترتب الأثر المقصود من المعاملة عليه.

______________________________

لنفسه (فدلالتهما على ما حملنا عليه السابقين) اى انه لو باع، ثم ملك لم ينتقل الى المشترى بمجرد ان ملكه الفضول بدون اجازة لاحقة (اوضح) كما سيأتى (و ليس فيهما ما يدل- و لو بالعموم- على عدم وقوع البيع الواقع) ذلك البيع (من غير المالك له) اى للمالك (اذا اجاز) فهما اوضح دلالة من هذه الجهة، من النبوى الّذي احتملنا العموم فيه، و قلنا بانه على تقدير عمومه يجب تخصيصه.

(و اما الحصر فى صحيحه ابن مسلم، و) فى (التوقيع) اى المروى عن الحميرى (فانما هو فى مقابلة عدم رضى اهل الارض، و الضيعة رأسا، على ما يقتضيه السؤال فيهما) فذلك فى مقابل انتفاء الرضا سابقا و لاحقا، لا فى مقابل انتفاء الرضا سابقا، حتى يكون دليلا لمن يقول: بعدم صحة الفضولى حتى فيما تعقبه الرضا.

(و توضيحه: ان النهى فى مثل المقام و إن كان يقتضي الفساد) لانه نهى عن الاثر (الا انه) فساد (بمعنى عدم ترتب الأثر المقصود من المعاملة) و هو النقل و الانتقال (عليه) اى على بيع الفضول.

ص: 79

و من المعلوم: ان عقد الفضولى لا يترتب عليه بنفسه الملك المقصود منه و لذا يطلق عليه الباطل، فى عباراتهم كثيرا.

و لذا عدّ فى الشرائع و القواعد، من شروط المتعاقدين، اعنى شروط الصحة كون العاقد مالكا، او قائما مقامه.

و ان ابيت الّا عن ظهور الروايتين فى لغوية عقد الفضولى رأسا، وجب تخصيصها بما تقدم من: ادلة الصحة.

و اما رواية القاسم بن فضل، فلا دلالة فيها الاعلى عدم جواز اعطاء الثمن للفضولى، لانه باع ما لا يملك.

______________________________

(و من المعلوم: ان عقد الفضولى لا يترتب عليه بنفسه الملك المقصود منه، و لذا) الّذي ذكرنا من عدم ترتب الأثر المقصود (يطلق عليه الباطل، فى عباراتهم كثيرا) فيقولون عقد الفضولى باطل.

(و لذا) الّذي يعدونه باطلا (عد فى الشرائع و القواعد، من شروط المتعاقدين، اعنى شروط الصحة) للعقد (كون العاقد مالكا، او قائما مقامه) كالولى و الوكيل.

فما فى الرايتين من ما ظاهره بطلان العقد يراد به عدم ترتب الأثر لا البطلان المطلق.

(و ان ابيت إلا عن ظهور الروايتين فى لغوية عقد الفضولى رأسا، وجب تخصيصها بما تقدم من: ادلة الصحة) للفضولى اذا لحقته الاجازة.

(و اما رواية القاسم بن فضل، فلا دلالة فيها الاعلى عدم جواز اعطاء الثمن للفضولى، لانه باع ما لا يملك) لان الملك للامام او للمسلمين.

ص: 80

و هذا حق لا ينافى صحه الفضولى.

و اما توقيع الصفار، فالظاهر منه: نفى جواز البيع فيما لا يملك، بمعنى وقوعه للبائع على جهة الوجوب و اللزوم.

و يؤيد تصريحه عليه السلام بعد تلك الفقرة بوجوب البيع فيما يملك، فلا دلالة على عدم وقوعه لمالكه اذا اجاز.

و بالجملة: فالانصاف انه لا دلالة فى تلك الاخبار باسرها على عدم وقوع بيع غير المالك للمالك اذا اجاز و لا تعرض فيها الّا لنفى وقوعه للعاقد.

______________________________

(و هذا) اى عدم جواز اعطاء الثمن للفضولى (حق لا ينافى صحة الفضولى) بل فى الرواية اشعار بصحة المعاملة فى الجملة.

(و اما توقيع الصفار، فالظاهر منه: نفى جواز البيع فيما لا يملك) اى لا يملكه البائع (بمعنى) نفى (وقوعه للبائع على جهة الوجوب و اللزوم).

اما نفى الصحة مطلقا حتى للمالك، اذا اجاز فلا دلالة له على ذلك.

(و يؤيد) ما ذكرناه من المعنى (تصريحه عليه السلام بعد تلك الفقرة) المتقدمة (بوجوب البيع فيما يملك) مما يظهر ان المراد بالفقرة السابقة عدم الوجوب (فلا دلالة) للتوقيع (على عدم وقوعه لمالكه اذا اجاز) البيع كما لا دلالة له على عدم وقوعه للبائع الفضول اذا انتقل الى نفسه، فى مسئلة من باع، ثم ملك.

(و بالجملة: فالانصاف انه لا دلالة فى تلك الاخبار باسرها) اى باجمعها (على عدم وقوع بيع غير المالك للمالك اذا اجاز) المالك بعد ذلك (و لا تعرض فيها الا لنفى وقوعه للعاقد) او للمالك بدون اجازته.

ص: 81

الثالث: الاجماع على البطلان،

ادعاه الشيخ فى الخلاف معترفا: بان الصحة مذهب قوم من اصحابنا معتذرا عن ذلك بعدم الاعتداد بخلافهم.

و ادعاه ابن زهرة أيضا فى الغنية، و ادعى الحلى فى باب المضاربة:

عدم الخلاف فى بطلان شراء الغاصب اذا اشترى بعين المغصوب.

و الجواب: عدم الظن بالاجماع، بل الظن بعدمه بعد ذهاب معظم القدماء، كالقديمين، و المفيد، و المرتضى، و الشيخ بنفسه فى النهاية التى هى آخر مصنفاته- على ما قيل- و اتباعهم على الصحة و اتباع المتأخرين

______________________________

(الثالث) من ادلة القائلين ببطلان الفضولى (الاجماع على البطلان، ادعاه الشيخ فى الخلاف معترفا: بان الصحة مذهب قوم من اصحابنا معتذرا عن ذلك) الخلاف، و انه كيف يمكن الجمع بين دعوى الاجماع و وجود الخلاف؟ (بعدم الاعتداد بخلافهم) لشذوذهم، أو لأنهم معلومى النسب، او ما اشبه ذلك من الاعذار التى يذكرونها فى مقام عدم مضرة المخالف بوجود الاجماع (و ادعاه ابن زهرة أيضا فى الغنية) بان قال: بوجود الاجماع فى المسألة (و ادعى الحلى) ابن ادريس (فى باب المضاربة: عدم الخلاف فى بطلان شراء الغاصب اذا اشترى بعين المغصوب) كما لو غصب دينار او اشترى به شيئا فانه لو كان الفضولى صحيحا لم يكن وجه لبطلان المعاملة.

(و الجواب: عدم الظن) منا (بالاجماع، بل الظن بعدمه) و انه لا اجماع فى المسألة اصلا (بعد ذهاب معظم القدماء، كالقديمين، و المفيد، و المرتضى و الشيخ بنفسه فى النهاية التى هى آخر مصنفاته- على ما قيل- و اتباعهم) من سائر الفقهاء (على الصحة، و اتباع المتأخرين) اى متابعة المتأخرين، للفقهاء

ص: 82

عليه عدا فخر الدين، و بعض متأخرى المتأخرين.

الرابع: ما دل من العقل و النقل: على عدم جواز التصرف فى مال الغير الا باذنه،

فان الرضا اللاحق لا ينفع فى رفع القبح الثابت حال التصرف ففى التوقيع المروى فى الاحتجاج، لا يجوز لاحد ان يتصرف فى مال غيره الا باذنه.

و لا ريب ان بيع مال الغير تصرف فيه عرفا.

______________________________

المذكورين (عليه) اى على انه تصح معامله الفضولى (عدا فخر الدين) ولد العلامة (و بعض متأخرى المتأخرين) فكيف يمكن بعد هذا دعوى الاجماع على البطلان؟

(الرابع) من ادلة القول ببطلان الفضولى مطلقا (ما دل من العقل و النقل: على عدم جواز التصرف فى مال الغير إلا بإذنه).

و من المعلوم ان البيع تصرف، و ليس باذن المالك، فهو قبيح باطل (فان الرضا اللاحق لا ينفع فى رفع القبح الثابت حال التصرف) الّذي هو ملاك البطلان، فان ذلك مثل ان يزنى ثم يعقد على المرأة، فان العقد اللاحق لا يرفع آثار الزنا السابقة.

(ففى التوقيع المروى فى الاحتجاج لا يجوز لاحد ان يتصرف فى مال غيره الا باذنه) هذا من النقل، و اما العقل فهو بديهى لكل احد.

(و لا ريب ان بيع مال الغير تصرف فيه عرفا).

الا ترى ان العقلاء يقولون: لم فعلت هكذا؟ و هكذا لو نكح بنت الغير و لو لم يكن تصرفا لم يلمه العقلاء.

ص: 83

و الجواب: ان العقد على مال الغير متوقعا لاجازته غير قاصد لترتيب الآثار عليها ليس تصرفا فيه.

نعم: لو فرض كون العقد علة تامة- و لو عرفا- لحصول الآثار، كما فى بيع المالك او الغاصب المستقل، كان حكم العقد جوازا او منعا، حكم معلوله المترتب عليه.

ثم لو فرض كونه تصرفا

______________________________

(و الجواب) منع الصغرى، فان القياس مكون هكذا: هذا تصرف، و كل تصرف غير جائز، ف (ان العقد على مال الغير متوقعا لاجازته غير قاصد لترتيب الآثار عليها ليس تصرفا فيه) اى فى مال الغير.

(نعم: لو فرض كون العقد علة تامة- و لو عرفا- لحصول الآثار) بان رآه العرف علة تامة تتوقف على شي ء آخر، و ان بمجرد العقد يرتب العرف الآثار عليه (كما فى بيع المالك) فانه علة تامة لحصول الآثار، اذ: لا ينتظر بعد ذلك الى شي ء- و هذا مثال للعلية شرعا- (او الغاصب المستقل) كالدولة بدون توقف من الغاصب لاذن المالك- و هذا مثال للعلية عرفا- (كان حكم العقد جوازا) بان يكون جائزا شرعا (او منعا) بان يكون محرما (حكم معلوله المترتب عليه) اى الآثار، فإن كانت محرمة كان العقد حراما، و الا كان جائزا.

و الحاصل: ان ترتب الأثر على هذا العقد، إن كان جائزا كما فى عقد المالك، كان العقد جائزا و إن كان حراما كما فى عقد الغاصب المستقل كان العقد حراما.

(ثم لو فرض كونه) اى عمل الفضول غير المستقل (تصرفا) بان سلمنا

ص: 84

فمما استقل العقل بجوازه مثل الاستضاءة و الاصطلاء بنور الغير، و ناره، مع انه قد يفرض الكلام فيما اذا علم الاذن فى هذا، من المقال، او الحال بناء على ان ذلك لا يخرجه عن الفضولى.

مع ان تحريمه لا يدل على الفساد.

______________________________

الصغرى (ف) لا نسلم الكبرى، و هى: ان كل تصرف حرام، اذ: مثل هذا التصرف المتوقع للحوق الاجازة (مما استقل العقل بجوازه) فلا يشمله دليل العقل بحرمة التصرف فى مال الغير، و لا التوقيع المتقدم (مثل الاستضاءة و الاصطلاء بنور الغير، و ناره) من قبيل اللف و النشر المرتب، و من قبيل الاستظلال بظله، و الاستبراد بمبردته و التلذذ ببنائه او عمله او ما اشبه ذلك.

نعم لا يخفى: ان ذلك فيما لم يعد تصرفا كما لو اوقد النار، و حوطها بعنايته، و يأخذ من كل احد يتقرب الى المحوطة درهما مثلا (مع انه) قال التوقيع: بعدم الجواز فى صورة عدم الاذن، و (قد يفرض الكلام) فى باب الفضولى (فيما اذا علم) الفضول (الاذن فى هذا) الفضولى الخاص (من المقال) بان قال المالك: شيئا دل على اذنه المستقبل، كما لو قال:

سآذن لكل من باع عبدى فضولة (او الحال) كما لو عرفنا من حال المالك انه يأذن (بناء على ان ذلك) العلم بالاذن (لا يخرجه) اى البيع (عن الفضولى) كما تقدم سابقا، بل يحتاج فى الاخراج الى الاذن الصريح المتقدم.

(مع ان تحريمه) اى هذا التصرف الصادر من الفضول، لو قلنا بحرمة هذا التصرف (لا يدل على الفساد) اذ: النهى التحريمى لا يلازم الفساد

ص: 85

مع انه: لو دل لدل على بطلان البيع، بمعنى عدم ترتب الأثر عليه.

و عدم استقلاله فى ذلك، و لا ينكره القائل بالصحة، خصوصا اذا كانت الاجازة ناقلة.

و مما ذكرنا ظهر: الجواب عن ما لو وقع العقد من الفضولى، قاصدا لترتيب الأثر، من دون مراجعة المشترى، بناء على ان العقد المقرون

______________________________

كما فى البيع وقت النداء، و انما الدال على الفساد، النهى الارشادى، كالنهى عن المعاملة الربوية الّذي هو ارشاد الى عدم الانعقاد.

(مع انه) اى النهى (لو دل) على الفساد (لدل على بطلان البيع بمعنى عدم ترتب الأثر عليه) من النقل، و الانتقال، و ما اشبه.

(و) بمعنى (عدم استقلاله) اى عقد البيع (فى ذلك) اى ترتب الأثر بل يتوقف تأثيره على الاذن (و لا ينكره) اى البطلان بهذا المعنى فى الفضولى (القائل بالصحة) اى بصحة الفضولى (خصوصا اذا كانت الاجازة) على مسلكه (ناقلة) لا كاشفة اذ: لا اثر على النقل اطلاقا و انما يأتى الأثر بعد الاجازة.

(و مما ذكرنا) من وجه عدم بطلان بيع الفضولى فيما اذا قصد الفضول تحصيل الاجازة (ظهر: الجواب عن) القول بالبطلان فى (ما لو وقع العقد من الفضولى قاصدا) ذلك الفضول (لترتيب الأثر من دون مراجعة المشترى) اى المالك- فانه أيضا فضولى يحتاج الى الاجازة، و ليس بباطل اطلاقا حتى يقال: بان الاجازة لا تفيد صحته (بناء) هذا وجه البطلان فى هذا المقام الّذي قلنا بانه ظهر الجواب عنه- (على ان العقد المقرون

ص: 86

بهذا القصد قبيح محرم، لا نفس القصد المقرون بهذا العقد.

و قد يستدل للمنع بوجوه اخر ضعيفه.

أقواها ان القدرة على التسليم، معتبرة فى صحه البيع، و الفضولى غير قادر.

و: ان الفضولى، غير قاصد حقيقة الى مدلول اللفظ، كالمكره كما صرح فى المسالك.

______________________________

بهذا القصد قبيح محرم) لانه تصرف فى مال الغير عرفا (لا) ان المحرم (نفس القصد المقرون بهذا العقد).

و وجه ظهور الجواب، ما ذكرناه بقولنا: مع انه لو دل لدل.

و حاصله ان التحريم للعقد، لا يلازم البطلان، بمعنى عدم صلاحيته عن لحوق الاجازة.

(و قد يستدل للمنع) عن صحة الفضولى حتى اذا لحقته الاجازة (بوجوه اخر ضعيفة) غير الكتاب، و السنة، و الاجماع، و العقل- مما تقدم-

(أقواها ان القدرة على التسليم، معتبرة فى صحة البيع)

و لذا: لا يصح بيع العبد الآبق، و الطير فى الهواء، و السمك فى الماء (و الفضولى غير قادر) على التسليم شرعا، و إن كانت له قدرة خارجية.

(و) الثانى: (ان الفضولى، غير قاصد حقيقة الى مدلول اللفظ) اى لفظ العقد (كالمكره) الّذي يأتى باللفظ فقط غير قاصد مدلوله (كما صرح) بذلك الشهيد (فى المسالك).

ص: 87

و يضعف الاول، مضافا: الى ان الفضولى قد يكون قادرا على رضا المالك بان هذا الشرط غير معتبر فى العاقد قطعا، بل يكفى تحققه فى المالك فحينئذ يشترط فى صحة العقد مع الاجازة، قدرة المجيز على تسليمه، و قدرة المشترى على تسلمه- على ما سيجي ء-.

و يضعف الثانى: بان المعتبر فى العقد، هو: هذا القدر من القصد الموجود فى الفضولى، و المكره، لا ازيد منه، بدليل: الاجماع على صحة نكاح الفضولى، و بيع المكره بحق.

______________________________

(و يضعف) الوجه (الاول، مضافا: الى ان الفضولى قد يكون قادرا على رضا المالك) فيقدر على التسليم، خصوصا اذا قلنا: بان رضى المالك المقارن لا يخرج العقد عن الفضولية (بان هذا الشرط) اى شرط التسليم (غير معتبر فى العاقد قطعا).

و لذا: يصح ان يعقد الوكيل غير القادر على التسليم (بل يكفى تحققه فى المالك) فقط (فحينئذ يشترط فى صحة العقد مع الاجازة) اللاحقة (قدرة المجيز على تسليمه، و قدرة المشترى على تسلمه- على ما سيجي ء-) من كفاية احد الامرين فى صحة البيع.

(و يضعف الثانى) و هو: اشكال ان الفضول غير قاصد (بان المعتبر فى العقد، هو: هذا القدر من القصد الموجود فى الفضولى، و المكره، لا ازيد منه) بان يكون كعقد القاصد المختار المالك (بدليل: الاجماع على صحة نكاح الفضولى و بيع المكره بحق) كالذى يكرهه الحاكم على البيع، لاداء دينه مثلا-.

ص: 88

فان دعوى عدم اعتبار القصد فى ذلك للاجماع كما ترى.

المسألة الثانية: ان يسبقه منع المالك،

و المشهور أيضا صحته، و حكى عن فخر الدين: ان بعض المجوزين للفضولى اعتبر عدم سبق نهى المالك.

و يلوح إليه ما عن التذكرة، فى باب النكاح من: حمل النبوى: ايما عبد تزوج بغير اذن مولاه، فهو عاهر، بعد تضعيف السند على انه ان نكح بعد منع مولاه

______________________________

(ف) ان قلت: نقول بانه لا يشترط القصد فى نكاح الفضول، و بيع المكره للاجماع المذكور، و ما دل على صحتها.

قلت: (ان دعوى عدم اعتبار القصد فى ذلك) اى فى كل من نكاح الفضولى، و بيع المكره بحق (للاجماع كما ترى).

اذ: ليس الامر على خلاف القاعدة، بل المتيقن ان المفقود فيهما الملكية و الإرادة، لا القصد.

(المسألة الثانية) من مسائل بيع الفضولى (ان يسبقه) اى العقد (منع المالك) بان يقول المالك: لزيد لا تبع دارى، ثم يبيعها زيد فضولة (و المشهور أيضا صحته، و حكى عن فخر الدين: ان بعض المجوزين للفضولى اعتبر عدم سبق نهى المالك) و الا كان باطلا قطعا.

(و يلوح) اى يشير (إليه) اى شرط عدم سبق النهى (ما عن التذكرة فى باب النكاح من: حمل) التذكرة الحديث (النبوى: ايما عبد تزوج بغير اذن مولاه، فهو عاهر) اى زان (بعد تضعيف) العلامة (السند على انه ان نكح بعد منع مولاه

ص: 89

و كراهته فانه يقع باطلا.

و الظاهر: انه: لا يفرق بين النكاح، و غيره.

و يظهر من المحقق الثانى، حيث: حكم بفساد بيع الغاصب نظرا الى القرينة الدالة على عدم الرضا، و هى الغصب.

و كيف كان فهذا القول لا وجه له ظاهرا، عدا تخيل ان المستند فى عقد الفضولى، هى رواية عروة المختصة بغير المقام، و ان العقد اذا وقع منهيا عنه فالمنع الموجود بعد العقد، و لو آنا مّا، كاف فى الرد، فلا ينفع الاجازة اللاحقة

______________________________

و كراهته) للنكاح (فانه يقع باطلا).

(و الظاهر) من وحده الملاك (انه: لا يفرق) الحكم بالبطلان، على مذاق العلامة (بين النكاح، و غيره) من سائر العقود.

(و يظهر من المحقق الثانى) أيضا، البطلان، مع النهى السابق (حيث:

حكم بفساد بيع الغاصب نظرا الى القرينة الدالة على عدم الرضا، و هى) اى تلك القرينة (الغصب) فان المغصوب منه، غير راض قطعا.

(و كيف كان) فسواء قال العلامة، و المحقق الثانى بالبطلان أم لا؟ (فهذا القول) ببطلان الفضولى، مع النهى السابق (لا وجه له ظاهرا) اى وجها ظاهرا (عدا تخيل ان المستند فى عقد الفضولى، هى رواية عروة) البارقى المتقدّمة (المختصّة بغير المقام) اى مقام النهى، لانها فى حال رضى المالك (و ان العقد اذا وقع منهيا عنه فالمنع) من المالك (الموجود بعد العقد و لو آنا مّا، كاف فى الرد فلا ينفع الاجازة اللاحقة) اذ الاجازة بعد الرد لا تنفع كما سيأتى

ان قلت: لا رد موجود بعد العقد.

ص: 90

بناء على انه لا يعتبر فى الرد سوى عدم الرضا الباطنى بالعقد، على ما يقتضيه حكم بعضهم، بانه اذا حلف الموكل على نفى الاذن فى اشتراء الوكيل انفسخ العقد، لان الحلف عليه أمارة عدم الرضا.

هذا و لكن الاقوى: عدم الفرق.

لعدم انحصار المستند حينئذ فى رواية العروة.

و كفاية العمومات.

مضافا: الى ترك الاستفصال فى صحيحة محمد بن قيس.

______________________________

قلت: الرد موجود (بناء على انه لا يعتبر فى الرد سوى عدم الرضا الباطنى بالعقد) فانه ممتد الى ما بعد العقد (على ما يقتضيه حكم بعضهم، بانه اذا حلف الموكل على نفى الاذن فى اشتراء الوكيل انفسخ العقد) قال:

(لان الحلف عليه أمارة عدم الرضا) فيتبين منه، ان عدم الرضا، كاف فى الرد.

(هذا و لكن الاقوى: عدم الفرق) بين النهى السابق، و عدمه، فى وقوع الفضولى متوقفا على الاجازة.

(لعدم انحصار المستند حينئذ) اى حين النهى السابق (فى رواية العروة) حتى يقال: انها فى صورة رضى المالك.

(و) ل (كفاية العمومات) الدالة على صحة الفضولى، ان لحقتها الاجازة، و إن كان مسبوقا بالنهى.

(مضافا: الى ترك الاستفصال فى صحيحة محمد بن قيس) المتقدمة فى مسئلة الوليدة، و ان الامام لم يقل- اذا نهاه الأب سابقا- كان باطلا، و ان

ص: 91

و جريان فحوى ادلة نكاح العبد بدون اذن مولاه.

مع ظهور المنع فيها، و لو بشاهد الحال بين الموالى، و العبيد.

مع ان رواية اجازته، صريحة فى عدم قدح معصية السيد حينئذ.

جريان المؤيدات المتقدمة له، من: بيع مال اليتيم، و المغصوب و مخالفة العامل لما اشترط عليه رب المال الصريح فى منعه عما عداه.

______________________________

لم ينهه توقف على الاجازة.

(و جريان فحوى ادلة نكاح العبد بدون اذن مولاه) على ما تقدم من:

انه لو صح النكاح، و هو اهمّ، صح غيره، بطريق اولى.

(مع ظهور المنع فيها) اى و الحال ان منع المولى عن نكاح عبده ظاهر فى تلك الادلة، اذ: غالبا لا يرضى المولى بنكاح عبده (و لو) كان الظهور (بشاهد الحال بين الموالى، و العبيد) فاذا اجاز الشارع هذا النكاح، اجاز البيع، بطريق اولى.

(مع ان رواية اجازته) اى الرواية الدالة على ان اجازة المولى كافية (صريحة فى عدم قدح معصية السيد حينئذ) و النهى نوع من المعصية، فمع سبق النهى، أيضا، يمكن لحوق الاجازة.

(جريان المؤيدات المتقدمة) فى صحة اصل الفضولى (له) اى للمقام فان تلك المؤيدات لاصل الفضولى، مؤيدة للفضولى المسبوق بالمنع أيضا (من: بيع مال اليتيم) من غير الولى (و المغصوب، و مخالفة العامل لما اشترط عليه رب المال الصريح فى منعه) اى منع العامل (عما عداه).

فكل ذلك يدل: على الصحة، مع النهى السابق، و حيث لا خصوصية

ص: 92

و اما ما ذكره من المنع، الباقى بعد العقد، و لو آنا مّا.

فلم يدل دليل على كونه فسخا، لا ينفع بعده الاجازة.

و ما ذكره فى حلف الموكل، غير مسلم، و لو سلم، فمن جهه ظهور الاقدام على الحلف على ما انكره فى رد البيع، و عدم تسليمه له.

و مما ذكرنا، يظهر وجه صحه عقد المكره بعد الرضا.

و ان كراهة المالك حال العقد، و بعد العقد، لا يقدح فى صحته

______________________________

لهذه الموارد، فاللازم، القول بالتعميم فى كل فضولى.

(و اما ما ذكره) القائل بالبطلان (من) الاستدلال ب (المنع، الباقى بعد العقد، و لو آنا مّا) و المنع المتأخر عن العقد رد، فلا مكان للاجازة.

(ف) نقول: انه (لم يدل دليل على كونه) اى المنع الباقى (فسخا لا ينفع بعده الإجازة) و انما الرد الصريح، و الفسخ عينان عن الاجازة- كما سيأتى-.

(و ما ذكره فى حلف الموكل) دليلا على ابطال النهى للفضولى (غير مسلم) فلا نقول: بان الحلف تفيد هذه الفائدة، بل الحلف عبارة عن إنشاء الفسخ، فلا دخل له بما نحن فيه، من النهى السابق.

و كانه إليه اشار بقوله (و لو سلم) ان الحلف كذلك (فمن جهة ظهور الاقدام على الحلف على ما انكره فى رد البيع، و عدم تسليمه) اى المالك (له) بمعنى انه لم يقبله.

(و مما ذكرنا، يظهر وجه صحه عقد المكره بعد الرضا) اذ: الكره، ليس اشد من النهى (و) يظهر (ان كراهة المالك حال العقد، و بعد العقد، لا يقدح فى صحته

ص: 93

اذ الحقته الاجازة.

المسألة الثالثة: ان يبيع الفضولى لنفسه،
اشارة

و هذا غالبا يكون فى بيع الغاصب و قد يتفق من غيره، بزعم ملكية المبيع، كما فى مورد: صحيحة الحلبى المتقدمة فى الاقالة بوضيعة.

و الأقوى فيه: الصحة،

وفاقا للمشهور، للعمومات المتقدمة، بالتقريب المتقدم.

و فحوى: الصحة فى النكاح.

و اكثر ما تقدم من المؤيدات،

______________________________

اذا لحقته الاجازة) فالكراهة أيضا غير ضارة.

(المسألة الثالثة) من مسائل عقد الفضولى (ان يبيع الفضولى لنفسه، و هذا غالبا يكون فى بيع الغاصب، و قد يتفق) هذا النوع (من غيره) اى غير الغاصب (بزعم ملكية المبيع) كالمشتبه (كما فى مورد: صحيحة الحلبى المتقدمة فى الاقالة بوضيعة) اى باقل من الثمن- كما سبق-.

(و الاقوى فيه) اى فى هذا النوع من الفضولى (الصحة، وفاقا للمشهور، للعمومات المتقدمة) ك أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ، و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ، و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و غيرها (بالتقريب المتقدم) فى المسألة الاولى من مسائل الفضولى.

(و فحوى: الصحة فى النكاح) فانه اذا صح الفضولى فى النكاح، ففى المقام بطريق اولى.

(و اكثر ما تقدم من المؤيدات) التى تؤيد صحة الفضولى، بقول مطلق

ص: 94

مع ظهور صحيحة ابن قيس المتقدمة.

و لا وجه: للفرق بينه و بين ما تقدم، من: بيع الفضولى للمالك، الا وجوه يظهر من كلمات جماعة، بعضها مختص على بيع الغاصب، و بعضها مشترك بين جميع صور المسألة.

منها: اطلاق ما تقدم من النبويين: لا تبع ما ليس عندك، و لا بيع الا فى ملك، بناء على اختصاص مورد الجميع ببيع الفضولى لنفسه.

______________________________

(مع ظهور صحيحة ابن قيس المتقدمة) فى: ان الولد باع الوليدة لنفسه لا عن ابيه.

(و لا وجه: للفرق بينه) اى بين بيع الفضولى لنفسه (و بين ما تقدم، من: بيع الفضولى للمالك).

و قد فرّق ابن ادريس بين الغاصب، و غيره، بالبطلان فى الاول دون الثانى.

كما فرق جمع، منهم: العلامة، و ولده بين علم الغاصب بالغصبية، و جهله.

فلا وجه للفرق (الا وجوه، يظهر من كلمات جماعة، بعضها مختص على بيع الغاصب، و بعضها مشترك بين جميع صور المسألة).

و الوجوه المذكورة خمسة.

(منها: اطلاق ما تقدم من النبويين) و هو: (لا تبع ما ليس عندك، و لا بيع الا فى ملك) فان الفضول، ليس عنده، و ملكه، هذا الشي ء الّذي يبيعه (بناء على اختصاص مورد الجميع) اى النبويين (ببيع الفضولى لنفسه) حتى يكون نصا

ص: 95

و الجواب عنها، يعرف مما تقدم من: ان مضمونها عدم وقوع بيع غير المالك لبايعه، غير المالك، بلا تعرض فيها لوقوعه، و عدمه بالنسبة الى المالك اذا اجاز.

و منها: بناء المسألة على ما سبق، من: اعتبار عدم سبق منع المالك و هذا غالبا مفقود فى المغصوب.

و قد تقدم عن المحقق الكركى: ان الغصب قرينة عدم الرضا.

و فيه: أولا ان الكلام فى الاعم، من: بيع الغاصب.

______________________________

فى المسألة.

و ان قلنا: بعدم الاختصاص، كان اطلاقه شاملا لما نحن فيه.

(و الجواب عنها، يعرف مما تقدم) فى المسألة الاولى (من: ان مضمونها عدم وقوع بيع غير المالك لبايعه) الّذي هو (غير المالك بلا تعرض فيها لوقوعه) اى البيع (و عدمه) اى عدم الوقوع (بالنسبة الى المالك اذا اجاز) فيتمسك فى ذلك بالإطلاقات.

(و منها: بناء المسألة) اى مسأله بيع الغاصب لنفسه (على ما سبق) فى المسألة الثانية (من: اعتبار عدم سبق منع المالك، و هذا) الشرط (غالبا مفقود فى المغصوب) لان المالك ناه، كاره.

(و قد تقدم عن المحقق الكركى: ان الغصب قرينة عدم الرضا) فهو من قبيل سبق النهى الّذي يوجب بطلان العقد رأسا، بحيث لا يصح ان تلحقه الاجازة.

(و فيه: أولا ان الكلام فى الاعم، من: بيع الغاصب) فلا يطرد هذا الدليل

ص: 96

و ثانيا: ان الغصب أمارة عدم الرضا بالبيع للغاصب، لا مطلقا، فقد يرضى المالك ببيع الغاصب لتوقع الاجازة، و تملك الثمن، فليس فى الغصب دلالة على عدم الرضا باصل البيع، بل الغاصب، و غيره، من هذه الجهة سواء.

و ثالثا: قد عرفت ان سبق منع المالك غير مؤثر.

و منها: ان الفضولى، اذا قصد بيع مال الغير لنفسه، فلم يقصد حقيقة المعاوضة

______________________________

فى جميع فروع هذه المسألة.

(و ثانيا: ان الغصب أمارة عدم الرضا بالبيع للغاصب، لا مطلقا) اى لا عدم البيع مطلقا حتى للمالك (فقد يرضى المالك ببيع الغاصب) و ذلك (لتوقع الاجازة) اى رضى متوقفا على الاجازة (و تملك) المالك (الثمن فليس فى الغصب دلالة على عدم الرضا باصل البيع) بل بخصوصية البيع و ذلك مما لا يضر (بل الغاصب، و غيره، من هذه الجهة) اى جهة الرضا بالبيع و عدمه (سواء).

فقد يرضى المالك ببيع الغاصب لانه يراه نافعا لنفسه.

و قد لا يرضى ببيع غير الغاصب.

فبين الدليل و المقصد عموم من وجه.

(و ثالثا: قد عرفت ان سبق منع المالك غير مؤثر).

(و منها: ان الفضولى، اذا قصد بيع مال الغير لنفسه، فلم يقصد حقيقة المعاوضة) فلا بيع، اذ: هو اراد دخول مال الغير فى كيس المشترى بإزاء دخول الثمن فى كيس نفسه.

ص: 97

اذ: لا يعقل دخول احد العوضين فى ملك من لم يخرج عن ملكه الآخر، فالمعاوضة الحقيقية، غير متصوره، فحقيقته: يرجع الى اعطاء المبيع، و اخذ الثمن لنفسه، و هذا ليس بيعا.

و الجواب من ذلك- مع اختصاصه ببيع الغاصب- ان قصد المعاوضة الحقيقية، مبنى على جعل الغاصب نفسه مالكا حقيقيا، و إن كان هذا الجعل لا حقيقة له، لكن المعاوضة المبنية على هذا الامر غير الحقيقى

______________________________

و هذا ليس ببيع (اذ: لا يعقل دخول احد العوضين فى ملك من لم يخرج عن ملكه) العوض (الآخر، فالمعاوضة الحقيقية غير متصورة) و انما هى معاوضة صورية.

و عليه (فحقيقته) اى ما يعمله الغاصب من صورة البيع (يرجع الى اعطاء المبيع، و اخذ الثمن لنفسه، و هذا ليس بيعا).

اذ: المعاوضة الحقيقية، دخول الثمن فى كيس من خرج من عنده المثمن، و دخول المثمن فى كيس من خرج من عنده الثمن- كما تقدم-.

(و الجواب من ذلك- مع اختصاصه) اى هذا الاشكال (ببيع الغاصب-) اذ: غيره الّذي لا يعلم ان المبيع ليس له، يقصد المعاوضة الحقيقية بخروج الثمن من كيس من يدخل الى كيسه المثمن، و بالعكس (ان قصد المعاوضة الحقيقية، مبنى على جعل الغاصب نفسه مالكا حقيقيا) بالتنزيل، فان الغاصب لا يقصد انه غاصب حين البيع، بل يقصد انه المالك (و إن كان هذا الجعل لا حقيقة له) بمعنى انه ليس جعلا يقبله العقلاء فيما تبانوا عليه من الامور الاعتبارية (لكن المعاوضة المبنية على هذا الامر غير الحقيقى) بناء

ص: 98

حقيقية نظير المجاز الا دعائى فى الاصول.

نعم: لو باع لنفسه من دون بناء على ملكية المثمن، و لا اعتقاد له كانت المعاملة باطلة، غير واقعة له، و لا للمالك لعدم تحقق معنى المعاوضة.

و لذا ذكروا انه: لو اشترى بماله لغيره شيئا بطل، و لم يقع له و لا لغيره.

و المراد: ما لو قصد تملك الغير

______________________________

(حقيقية).

اذ: لو لا هذا الجعل لم تتحقق المعاوضة (نظير المجاز الا دعائى فى الاصول) نحو: و اذا المنية انشبت اظفارها، فانه ادعى ان المنية سبع، ثم رتب هذا الادعاء ترتيب لوازم السبع الّذي هو الظفر عليها.

(نعم: لو باع) الغاصب (لنفسه، من دون بناء على ملكية المثمن، و لا اعتقاد له) اى لم يبن بناء على انه المالك، و لم يكن يعتقدانه مالك- جهلا بالواقع- اذ: الاعتقاد المطابق للواقع لا يمكن (كانت المعاملة باطلة غير واقعة له) اى للغاصب (و لا للمالك) فلا تفيد اجازته فى تحقق المعاملة (لعدم تحقق معنى المعاوضة) اذ: معناها خروج المثمن الى مكان الثمن و خروج الثمن الى مكان المثمن.

(و لذا) الّذي ذكرنا من عدم تحقق معنى المعاوضة (ذكروا) الفقهاء كاصل مسلم (انه: لو اشترى بماله لغيره شيئا) كما لو اعطى درهما للخباز، و قال: اعط به خبزا لهذا الفقير (بطل) الاشتراء (و لم يقع له) اى لصاحب المال (و لا لغيره) كالفقير فى المثال، لانه لا يمكن ان يخرج الدرهم من كيس زيد ليأتى الخبز الى كيس الفقير.

(و المراد) من هذه المسألة (ما لو قصد) زيد (تملك الغير) كالفقير فى

ص: 99

للمبيع بإزاء مال نفسه.

و قد تخيل بعض المحققين ان البطلان هنا يستلزم البطلان للمقام، و هو: ما لو باع مال غيره لنفسه، لانه عكسه.

و قد عرفت: ان عكسه هو ما اذا قصد تملك الثمن من دون بناء، و لا اعتقاد لتملك المثمن

______________________________

المثال (للمبيع) كالخبز (بإزاء مال نفسه) كالدرهم.

نعم: لو قصد ان يكون الخبز لنفسه، ثم يعطيه الخباز للفقير وكالة عنه، او قصد ان يكون الدرهم للفقير حتى يكون الخبز فى ازاء مال الفقير، او قصد عدم المعاملة بل اعراضه عن الدرهم للخباز فى مقابل اعراضه عن الخبز للفقير، او ما اشبه ذلك، صحّ.

(و قد تخيل بعض المحققين ان البطلان هنا) فيما لو اشترى بماله شيئا لغيره (يستلزم البطلان للمقام، و هو) اى المقام (ما لو باع مال غيره لنفسه) كبيع الغاصب (لانه) اى المقام (عكسه) اى عكس: هنا، ففى: هنا يعطى مال نفسه ليدخل العوض فى كيس الغير، و فى: المقام، يعطى مال الغير ليدخل العوض فى كيس نفسه.

(و) لكن لا صحة لهذه المقايسة اذ: المقام، ليس عكس: هنا.

اذ: (قد عرفت: ان عكسه) اى عكس: هنا، (هو ما اذا قصد) الغاصب (تملك الثمن) فى ازاء اعطائه مال الناس (من دون بناء) على كونه المالك (و لا اعتقاد) جهلا (لتملك) الغاصب (المثمن) بان قصد الغاصب ان يخرج المثمن من كيس المغصوب منه ليدخل الثمن فى كيس نفسه.

ص: 100

لان المفروض الكلام فى وقوع المعاملة للمالك، اذا اجاز.

و منها: ان الفضولى، اذا قصد البيع لنفسه، فان تعلقت اجازة المالك بهذا الّذي قصده البائع، كان منافيا لصحة العقد، لان معناها هو: صيرورة الثمن لمالك المثمن باجازته.

و ان تعلقت بغير المقصود كانت بعقد مستأنف، لا امضاء لنقل الفضولى

______________________________

و انما ليس: المقام، عكس: هنا (لان المفروض) فى بيع الغاصب ان (الكلام فى وقوع المعاملة للمالك) الاصلى (اذا اجاز).

و من المعلوم: ان هذا لا يكون الا فى صورة التنزيل، و صورة التنزيل ليس عكس: هنا.

و عليه: فلا ملازمة بين بطلان مسئلة خبز الفقير.

و بين بطلان مسئلة بيع الغاصب.

و من اشكالات بيع الفضولى لنفسه ان الاصل عدم الانعقاد.

و فيه: انه مرفوع بالأدلّة المتقدمة.

(و منها: ان الفضولى، اذا قصد البيع لنفسه، فان تعلقت اجازة المالك) فيما بعد (بهذا الّذي قصده البائع، كان منافيا لصحة العقد) الّذي اجراه الفضول (لان معناها) اى الاجازة (هو: صيرورة الثمن لمالك المثمن باجازته) اى بهذه الاجازة اللاحقة.

(و ان تعلقت) الاجازة (بغير المقصود) بان اجاز المالك ليكون الثمن لنفسه، لا للغاصب (كانت) الاجازة متعلقة (بعقد مستأنف، لا) ان الاجازة (امضاء لنقل الفضولى) اذ: نقل الفضولى كون الثمن له، لا للمالك

ص: 101

فيكون النقل من المنشئ غير مجاز، و المجاز غير منشئ.

و قد اجاب عن هذا المحقق القمى ره فى بعض اجوبة مسائله، بان الاجازة فى هذه الصورة مصححة للبيع- لا بمعنى لحوق الاجازة لنفس العقد، كما فى الفضولى المعهود-

______________________________

(فيكون النقل من المنشئ) الغاصب (غير مجاز) اذ: المالك لم يجوّز نقل الغاصب (و) النقل (المجاز) الّذي اجازه المالك (غير منشئ) اذ: الفضول لم ينشأ البيع، بحيث يكون الثمن للمالك.

و قد اجابوا عن هذا الاشكال بأربعة جوابات.

الاول: ان المالك اجاز ما اوقعه الغاصب، مع تبديل اضافة الثمن الى الغاصب، الى اضافة الثمن الى المالك- كما عن القمى-.

الثانى: اجاز ما اوقعه الغاصب، و لا مانع من دخول الثمن فى كيس غير من خرج من كيسه المثمن- كما عن كاشف الغطاء-.

الثالث: اجاز لنفسه، و الاجازة معاملة جديدة- كما عن شيخ كاشف الرموز-.

و الرابع: اجاز لنفسه، و الاضافة الى الغاصب شي ء خارج عن حقيقة المعاملة لا ربط لها بالمعاملة- كما اختاره المصنف-.

و الى هذه الاجوبة، اشار الماتن بقوله:

(و قد اجاب عن هذا المحقق القمى ره فى بعض اجوبة مسائله، بان الاجازة فى هذه الصورة) اى فى صورة بيع الغاصب لنفسه (مصححة للبيع لا بمعنى لحوق الاجازة لنفس العقد، كما فى الفضولى المعهود-) الّذي

ص: 102

بل بمعنى: تبديل رضى الغاصب، و بيعه لنفسه برضى المالك، و وقوع البيع عنه.

و قال: نظير ذلك فيما لو باع شيئا ثم ملكه.

و قد صرح فى موضع آخر، بان حاصل الاجازة، يرجع الى ان العقد الّذي قصد الى كونه واقعا على المال المعين لنفس البائع الغاصب، و المشترى العالم قد بدلته- بكونه على هذا الملك بعينه- لنفسى، فيكون عقدا جديدا- كما هو احد الاقوال فى الاجازة-.

______________________________

يبيع مال زيد لزيد، لا لنفسه (بل) الاجازة المصححة هنا (بمعنى:

تبديل رضى الغاصب، و بيعه) المتاع (لنفسه برضى المالك، و وقوع البيع عنه) اى عن المالك.

(و قال) القمى (نظير ذلك) اى تبديل الرضا (فيما لو باع) الفضول (شيئا، ثم ملكه) فان الفضول قصد الاضافة الى مالكه، ثم تبدلت الإضافة الى نفسه.

(و قد صرّح) المحقق القمّى (فى موضع آخر، بان حاصل الاجازة) فى بيع الغاصب لنفسه (يرجع الى ان) المالك كانه قال: (العقد الّذي قصد) الغاصب (الى كونه واقعا على المال المعين) كدار زيد (لنفس البائع الغاصب) الّذي هو بكر (و المشترى العالم) الّذي هو خالد، فيما اذا باع بكر- غصبا- دار زيد لخالد (قد بدلته- بكونه) اى ذلك العقد (على هذا الملك بعينه-) اى الدار، و لكن (لنفسى، فيكون عقدا جديدا كما هو احد الاقوال فى الاجازة-) لكن لا عقدا جديدا بمعنى الكلمة بل

ص: 103

و فيه: ان الاجازة على هذا تصير- كما اعترف- معاوضة جديدة من طرف المجيز، و المشترى، لان المفروض عدم رضا المشترى ثانيا بالتبديل المذكور.

لان قصد البائع البيع لنفسه اذا فرض تأثيره فى مغايرة العقد الواقع للعقد المجاز، فالمشترى انما رضى بذلك الايجاب المغاير لمؤدّى الاجازة فاذا التزم، يكون مرجع الاجازة الى تبديل عقد بعقد.

و بعدم الحاجة الى قبول المشترى ثانيا،

______________________________

بمعنى التجديد فى تبديل: الاضافة.

(و فيه: ان الاجازة على هذا) الجواب (تصير- كما اعترف-) المحقق (معاوضة جديدة، من طرف المجيز، و المشترى) بمعنى ان العقد الجديد قائم، بالمجيز، فاجازته قائمة مقام الايجاب من المجيز، و القبول من المشترى.

و انما نقول: بان المشترى أيضا يجب ان يقبل المعاملة الجديدة (لان المفروض عدم رضا المشترى ثانيا بالتبديل المذكور) اى تبديل البائع من الفضول الى المالك (لان قصد البائع البيع لنفسه)- فيما اذا اجاز- (اذا فرض تأثيره فى مغايرة العقد الواقع) أولا من الفضول (للعقد المجاز) الّذي اجازه المالك و: للعقد، متعلق ب: مغايرة (فالمشترى انما رضى) حين عقد الفضول (بذلك الايجاب) الاول (المغاير لمؤدى الاجازة) الّذي يقصده المالك (فاذا التزم) الفقيه (يكون مرجع الاجازة) من المالك (الى تبديل عقد بعقد) اى عقد الفضول بعقد المالك- الّذي هو مفاد الاجازة-.

(و) التزم (بعدم الحاجة الى قبول المشترى ثانيا) بل لا يشترط علمه اصلا

ص: 104

فقد قامت الإجازة من المالك مقام ايجابه، و قبول المشترى.

و هذا خلاف الاجماع، و العقل.

و اما القول بكون الاجازة عقدا مستأنفا، فلم يعهد من احد من العلماء و غيرهم، و انما حكى كاشف الرموز عن شيخه ان الإجازة من مالك المبيع بيع مستقل بغير لفظ البيع، و هو قائم مقام ايجاب البائع، و ينضم إليه القبول المقدم من المشترى.

______________________________

(فقد قامت الاجازة من المالك مقام) شيئين (ايجابه) اى المالك (و قبول المشترى) لان العقد يحتاج الى الايجاب و القبول.

(و هذا) اى قيام الاجازة مقام الايجاب و القبول (خلاف الاجماع) لانهم لا يقولون بذلك (و العقل) لانه لا يعقل تغيير الشي ء الواقع عما وقع عليه، فكيف يمكن تغيير العقد الواقع بين الفضول و المشترى الى عقد جديد بين المالك و المشترى.

(و اما القول بكون الاجازة عقدا مستأنفا) و هذا هو الجواب الثانى حسب ما عرفت- و ان ادمجه المصنف فى الجواب الاول (فلم يعهد من احد من العلماء و غيرهم) القول به (و انما حكى كاشف الرموز عن شيخه ان الاجازة من مالك المبيع) فى الفضولى (بيع مستقل) و ليست تابعة للعقد السابق، فهو: بيع (بغير لفظ البيع و هر قائم مقام ايجاب البائع، و ينضم إليه) تتميما للعقد (القبول المقدم من المشترى) و القبول و ان لم يكن قبولا لهذا الايجاب، لكن يرتبط به بالمناط، و العلم بعدم خصوصية الايجاب السابق فضولة.

ص: 105

و هذا: لا يجرى فيما نحن فيه.

لانه: اذا قصد البائع البيع لنفسه، فقد قصد المشترى تمليك الثمن للبائع، و تملك المبيع منه، فاذا بنى على كون وقوع البيع للمالك مغايرا لما وقع فلا بد له من قبول آخر.

فالاكتفاء عنه بمجرد اجازه البائع الراجعة الى تبديل البيع للغاصب بالبيع لنفسه التزام بكفاية رضى البائع، و انشائه عن رضى المشترى، و انشائه.

و هذا ما ذكرنا انه: خلاف

______________________________

(و هذا) الكلام الّذي ذكره شيخ كاشف الرموز حول الاجازة، فى باب الفضولى العادى (لا يجرى فيما نحن فيه) من الفضول الّذي يبيع لنفسه

(لانه: اذا قصد البائع) الغاصب (البيع لنفسه، فقد قصد المشترى تمليك الثمن للبائع، و تملك المبيع منه فاذا بنى على كون وقوع البيع للمالك مغايرا لما وقع) لان الواقع هو كون البيع للغاصب لا للمالك (فلا بد له) اى للبيع (من قبول آخر) أيضا، لان القبول السابق كان مرتبطا بالبيع السابق.

(فالاكتفاء عنه) اى عن قبول جديد (بمجرد اجازة البائع الراجعة) تلك الاجازة (الى تبديل البيع للغاصب بالبيع لنفسه) اى لنفس المالك فان المالك- باجازته- يبدل البيع للغاصب، الى البيع لنفسه (التزام بكفاية رضى البائع، و انشائه) الحاصل بالاجازة (عن رضى المشترى، و انشائه) لانكم قلتم لا يحتاج الى قبول جديد من المشترى.

(و هذا) اى قيام الاجازة مقام الايجاب و القبول معا (ما ذكرنا انه: خلاف

ص: 106

الاجماع، و العقل.

فالاولى فى الجواب: منع مغايرة ما وقع لما اجيز.

و توضيحه: ان البائع الفضولى، انما قصد تمليك المثمن للمشترى بإزاء الثمن.

و اما كون الثمن مالا له او لغيره، فإيجاب البيع ساكت عنه، فيرجع فيه الى ما يقتضيه مفهوم المعاوضة، من دخول العوض فى ملك مالك المعوض تحقيقا لمعنى المعاوضة و المبادلة.

______________________________

الاجماع، و العقل) لما عرفت من: ان قيام الاجازة مقام القبول لا وجه له اطلاقا.

(فالاولى فى الجواب) عن الاشكال لتصحيح بيع الغاصب بالاجازة (منع مغايرة ما وقع لما اجيز) بان نقول: ان ما وقع من الغاصب، هو عين ما اجازه المالك.

(و توضيحه: ان البائع الفضولى، انما قصد تمليك المثمن) كدار زيد (للمشترى، بإزاء الثمن) و هو: الف دينار.

(و اما كون الثمن مالا له) اى للغاصب (او لغيره، فإيجاب البيع ساكت عنه) كما هو كذلك بالنسبة الى من يبيع الجنس فى الدكان، فانه ساكت عن انه اصيل، او وكيل، او ولى، او ما اشبه (فيرجع فيه) اى فى هذا الامر المسكوت عنه (الى ما يقتضيه مفهوم المعاوضة، من دخول العوض فى ملك مالك المعوض) فيدخل الألف دينار فى ملك صاحب الدار.

و ذلك (تحقيقا لمعنى المعاوضة و المبادلة) حيث: ان معناها

ص: 107

و حيث ان البائع يملك المثمن بانيا على تملكه له و تسلطه عليه عدوانا او اعتقادا لزم من ذلك بنائه على تملك الثمن، و التسلط عليه.

و هذا معنى قصد بيعه لنفسه.

و حيث ان المثمن ملك لمالكه واقعا فاذا اجاز المعاوضة انتقل عوضه إليه.

فعلم من ذلك ان قصد البائع البيع لنفسه، غير مأخوذ فى مفهوم الايجاب حتى تردد الامر فى هذا المقام

______________________________

دخول العوض فى ملك صاحب المعوض، و بالعكس.

(و حيث ان البائع) الغاصب (يملك) المشترى (المثمن بانيا على تملكه) اى الغاصب (له) للمثمن (و تسلطه عليه عدوانا) فيما اذا علم انه غاصب (او اعتقادا) فيما اذا تيقن انه مالك- جهلا مركبا- (لزم من ذلك) اى من بنائه انه مالك للمثمن (بنائه على تملك الثمن، و التسلط عليه) اى على الثمن.

(و هذا) اى اخراج المثمن من نفسه، و ادخال الثمن بدله (معنى قصد بيعه لنفسه).

(و حيث: ان المثمن ملك لمالكه) الواقعى (واقعا) و حقيقة لا الغاصب (فاذا اجاز) المالك (المعاوضة انتقل عوضه) و هو الثمن (إليه).

(فعلم من ذلك) الّذي ذكرنا ان المعاملة، مبادلة بين المالين، من دون دخل لاضافة المعوض الى الغاصب- الّذي بنى عليه عنادا او اعتقادا- (ان قصد البائع البيع لنفسه غير مأخوذ فى مفهوم الايجاب) بل الايجاب صرف إنشاء المبادلة (حتى تردد الامر فى هذا المقام) مقام بيع

ص: 108

بين المحذورين المذكورين.

بل مفهوم الايجاب، هو: تمليك المثمن بعوض من دون تعرض فيه لمن يرجع إليه العوض الا باقتضاء المعاوضة لذلك.

و لكن يشكل فيما اذا فرضنا الفضولى مشتريا لنفسه بمال الغير فقال للبائع الاصيل تملكت منك، او ملكت هذا الثوب بهذه الدراهم، فان مفهوم هذا الانشاء، هو تملك الفضولى للثوب.

______________________________

الغاصب لنفسه (بين المحذورين المذكورين) و هو: ان المالك، ان اجاز ما اوقعه الغاصب، لزم عدم تحقق مفهوم المعاوضة، لانه ادخال الثمن فى كيس من لم يخرج من كيسه المثمن، و ان اجاز العقد لنفسه لم يكن عقد بهذه الكيفية قابلا للاجازة، لان العقد كان للغاصب لا للمالك.

(بل مفهوم الايجاب، هو: تمليك المثمن بعوض من دون تعرض فيه لمن يرجع إليه العوض) و انه هل يرجع الى المالك للمثمن، أم الى الغاصب؟ (الا باقتضاء المعاوضة لذلك) فان المعاوضة تقتضى ان يدخل الثمن فى كيس مالك المثمن.

(و لكن يشكل) تصحيح معاملة الفضولى، بالاجازة، فى صورة كون الفضول مشتريا لا بايعا (فيما اذا فرضنا الفضولى مشتريا لنفسه بمال الغير) كما لو غصب زيد دينارا من محمد، فاشترى به ثوبا من بكر لنفسه (فقال) المشترى الغاصب (للبائع الاصيل) و هو بكر (تملكت منك، او ملكت هذا الثوب بهذه الدراهم، ف) لا يصح اجازه المالك، و هو محمد لهذه المعاملة ل (ان مفهوم هذا الانشاء، هو: تملك الفضولى للثوب) لا ان المفهوم،

ص: 109

فلا مورد لاجازة مالك الدراهم على وجه ينتقل الثوب إليه فلا بد من: التزام كون الاجازة نقلا مستأنفا غير ما انشأه الفضولى الغاصب.

و بالجملة: فنسبة المتكلم الفضولى بتملك المثمن الى نفسه، بقوله: ملكت او تملكت

______________________________

المبادلة بين الثوب و الدراهم (فلا مورد لاجازة مالك الدراهم) و هو محمد (على وجه ينتقل الثوب إليه) اى الى المالك.

اللهم الا ان يقال: انه من قبيل قول الوكيل: تملكت هذا الثوب بالدينار فى كون الضمير للتكلم فقط، لا للاضافة، من قبيل: بعتك، فيما اذا كان المشترى وكيلا، فان: الكاف لمجرد الخطاب.

و لا فرق بين: تملكت، و: قبلت، عرفا.

كما لا فرق بين: بعتك، و: ملكتك.

و كيف كان (فلا بد) على كلام المصنف، فيما اذا اردنا تصحيح المعاملة باجازة مالك الدراهم (من: التزام كون الاجازة) من مالك الدراهم (نقلا مستأنفا) جديدا، و معاملة جديدة (غير ما انشأه الفضولى الغاصب) لانه دائر بين المحذورين المتقدمين.

و محذور جعل الاجازة نقلا مستأنفا، اقلهما اشكالا.

(و بالجملة) لا يصح البيع باجازة مالك الدراهم، اذا كان الغاصب مشتريا، بحيث ان البائع الاصلى ملكه، بنفسه، المبيع (فنسبة المتكلم الفضولى) و هو: المشترى (بتملك المثمن الى نفسه) حيث يشترى المتاع من:

البائع الاصلى (بقوله: ملكت) بالتخفيف (او تملكت) بالتشديد من باب التفعل

ص: 110

كايقاع المتكلم الاصلى التمليك على المخاطب الفضولى، بقوله ملكتك هذا الثوب بهذه الدراهم، مع علمه بكون الدراهم لغيره او جهله بذلك.

و بهذا استشكل العلامة ره فى التذكرة حيث قال: لو باع الفضولى مع جهل الآخر فاشكال من ان الآخر انما قصد تمليك العاقد

______________________________

(كايقاع) خبر: فنسبه (المتكلم الاصلى) و هو: البائع (التمليك على المخاطب الفضولى) اى المشترى الغاصب (بقوله ملكتك هذا الثوب بهذه الدراهم، مع علمه) اى المتكلم الاصلى (بكون الدراهم لغيره) اى لغير المخاطب (او جهله) اى المتكلم الاصلى (بذلك) اى بكون الدراهم لغير المخاطب.

و عليه: فكل واحد من البائع و الغاصب، يملك و يتملك المتاع للغاصب، فكيف يمكن ان تكون اجازة المالك الاصلى للدراهم موجبة لنقل المال من الغاصب الى المالك.

(و بهذا) الاشكال، و هو: ما ذكرناه بقولنا: و لكن يشكل (استشكل العلامة ره فى التذكرة حيث قال: لو باع الفضولى، مع جهل الآخر) اى المشترى بان البائع فضولى (فاشكال) فى صحة البيع (من) جهة (ان) الطرف (الآخر) اى من ليس بفضولى (انما قصد تمليك العاقد) الّذي هو الفضول.

و من المعلوم: ان العاقد ليس قابلا لان يتملك، فما قصده العاقد لا يمكن وقوعه، و ما يمكن وقوعه من تملك المالك الاصلى، لم يقصده العاقد.

ص: 111

و لا ينتقض بما لو جهل الآخر وكالة العاقد، او ولايته لانه حينئذ انما يقصد به المخاطب بعنوانه الاعم من كونه اصيلا، او نائبا.

و لذا يجوز مخاطبته، و اسناد الملك إليه مع علمه بكونه نائبا

______________________________

(و لا ينتقض) هذا الاشكال- الّذي ذكره العلامة- (بما لو جهل الآخر) الاصلى (وكالة العاقد، او ولايته).

وجه الانتقاض: انه لو قلتم بالاشكال فى الفضولى، من جهة ان الاصيل يملك العاقد، و الحال انه ليس قابلا للتملك، لانه فضول، لزم ان تستشكلوا فى ما لو كان وكيلا، او وليا، و جهل الاصيل ذلك، من جهة ان الاصيل يملك العاقد، و الحال انه ليس قابلا للتملك، لانه وكيل، او ولى، و ليس اصيلا.

و انما لا ينتقض (لانه) اى الاصيل (حينئذ) اى حين جهله بكون طرفه وليا، او وكيلا (انما يقصد به) اى بالتمليك (المخاطب بعنوانه الاعم من كونه اصيلا، او نائبا).

و لذا لو سألته لمن بعت؟ قال: لصاحب المال، و لو قلت: له و من صاحب المال؟ قال: هذا المخاطب، او موكله، او وليه، اذ لا يهم الاصيل ان تكون المعاوضة مع مخاطبه، او مع من المخاطب يمثله؟

(و لذا) الّذي ذكرنا من: ان الاصيل يقصد الاعم- و لا يقصد خصوص المخاطب- (يجوز مخاطبته، و اسناد الملك إليه) بان يقول لزيد الوكيل:

بعتك الكتاب (مع علمه) اى الاصيل (بكونه) اى المخاطب (نائبا)

ص: 112

و ليس الا بملاحظة المخاطب باعتبار كونه نائبا، فاذا صح اعتباره نائبا صح اعتباره على الوجه الاعم من كونه نائبا، او اصيلا اما الفضولى فهو اجنبى عن المالك لا يمكن فيه ذلك الاعتبار.

و قد تفطن بعض المعاصرين لهذا الاشكال فى بعض كلماته

______________________________

(و ليس) هذا الجواز فى صورة العلم بكونه نائبا (الا بملاحظة المخاطب) اى ملاحظة الاصيل مخاطبه (باعتبار كونه نائبا، فاذا صح اعتباره نائبا) و مع ذلك يخاطب، و يسند الملك إليه (صح اعتباره) اى المخاطب (على الوجه الاعم من كونه نائبا، او اصيلا).

ان قلت: نفس هذا الاعتبار يمكن اجرائه فى الفضولى بان يقصد الاصيل الاعم.

قلت: (اما الفضولى، ف) لا يصح فيه هذا الاعتبار، اذ: (هو اجنبى عن المالك) لا يرتبط به بوكالة، او ولاية، ف (لا يمكن فيه) اى فى الفضولى (ذلك الاعتبار) اى اعتبار الاعم، اذ: لا جامع بين المالك، و الفضول حتى يلاحظه الاصيل حال بيعه.

اللهم الا ان يقال: بامكان الجامع، حيث ان الاصيل يقصد البيع، و المبادلة مع صاحب هذا المال الّذي هو بيد الطرف، سواء كان مالكا، او وليا، او فضوليا؟ و لذا لو قيل له ان الغاصب قال ان رضى صاحب المال الواقعى فانى باق على معاملتى.

(و قد تفطن بعض المعاصرين لهذا الاشكال فى بعض كلماته) اى الاشكال

ص: 113

فالتزم تارة ببطلان شراء الغاصب لنفسه- مع انه لا يخفى مخالفته للفتاوى و اكثر النصوص المتقدمة فى المسألة كما اعترف به اخيرا.

و اخرى، بان الاجازة انما تتعلق بنفس مبادلة العوضين و إن كانت خصوصية ملك المشترى الغاصب للمثمن مأخوذة فيها.

و فيه ان حقيقة العقد فى العبارة التى ذكرناها فى الاشكال، اعنى قول المشترى الغاصب: تملكت او ملكت هذا منك بهذه الدراهم ليس

______________________________

الّذي تقدم بقوله: و لكن يشكل (فالتزم) هذا المعاصر (تارة ببطلان شراء الغاصب لنفسه- مع انه) اى القول بالبطلان (لا يخفى مخالفته للفتاوى و اكثر النصوص المتقدّمة فى المسألة) اى مسئلة بيع الفضول، حيث ان تلك النصوص شاملة لبيع الفضول للمالك، و لنفسه (كما اعترف) ذلك المعاصر (به) اى بكون البطلان مخالفا للنص و الفتوى (اخيرا) فى آخر كلامه.

(و) التزم المعاصر تارة (اخرى، بان الاجازة انما تتعلق بنفس مبادلة العوضين) فالمجيز انما يجيز المبادلة، اما ارتباطها بالفضول، فلغو و لذا تصحح الاجازة البيع (و إن كانت خصوصية ملك المشترى الغاصب للمثمن مأخوذة فيها) اى فى المبادلة و: ان، وصلية، اى ان هذه الخصوصية لا تمنع من تصحيح الاجازة للمعاملة التى هى نفس المبادلة.

(و فيه) انه لا وجه لالغاء هذه الخصوصية، ف (ان حقيقة العقد) الّذي اجراه الغاصب (فى العبارة التى ذكرناها فى الاشكال، اعنى قول المشترى الغاصب: تملكت او ملكت) بالتخفيف (هذا) المتاع (منك بهذه الدراهم) حال كون الدراهم مغصوبة (ليس

ص: 114

الا إنشاء تملكه للمبيع.

فاجازة هذا الانشاء لا يحصل بها تملك المالك الاصلى له بل يتوقف على نقل مستأنف.

فالانسب فى التفصّى، ان يقال: ان نسبه الملك الى الفضولى العاقد لنفسه فى قوله تملكت منك، او قول غيره له ملكتك، ليس من حيث هو بل من حيث جعل نفسه مالكا

______________________________

الا إنشاء تملكه للمبيع).

فالمعنى: هذا الى، و اجازة المالك لا يمكن ان تصحح هذا- لانه خلاف مقتضى المعاوضة- و لا يمكن ان تبدل: هذا لى، ب: هذا للمالك لانه لم ينشأ.

(فاجازة هذا الانشاء) الّذي اجراه الغاصب (لا يحصل بها) اى بهذه الاجازة (تملك المالك الاصلى له) اى للمبيع (بل يتوقف) تملك المالك الاصلى (على نقل مستأنف).

و على هذا، فالاشكال المتقدم بقى بلا جواب.

(فالانسب فى التفصي، ان يقال) يمكن تصحيح المعاملة بالاجازة، و ان قال المشترى الغاصب: تملكت المتاع منك بهذه الدراهم، ف (ان نسبة الملك) المتاع (الى الفضولى العاقد لنفسه) اى نسبة الفضولى العاقد، الملك لنفسه (فى قوله) للاصيل (تملكت منك، او قول غيره له) اى قول الاصيل للفضول المشترى (ملكتك، ليس) تملكا و تمليكا (من حيث هو) هو، اى من حيث الفضول فضول (بل من حيث جعل) الفضول (نفسه مالكا

ص: 115

للثمن اعتقادا او عدوانا.

و لذا لو عقد لنفسه من دون البناء على مالكيته للثمن التزمنا بلغويته.

ضرورة عدم تحقق مفهوم المبادلة بتملك شخص المال بإزاء مال غيره فالمبادلة الحقيقية، من العاقد لنفسه لا يكون الا اذا كان مالكا حقيقيا، او ادعائيا فلو لم يكن احدهما و عقد لنفسه، لم يتحقق المعاوضة، و المبادلة حقيقة

______________________________

للثمن اعتقادا) فى صورة جهله بالواقع (او عدوانا) فى صورة علمه بانه غاصب، هذا فيما اذا قال: تملكت، و فيما اذا قال الاصيل له: ملكتك جعله الاصيل مالكا.

(و لذا) الّذي انه يجعل نفسه مالكا (لو عقد) الفضول (لنفسه من دون البناء على مالكيته) اى انه مالك (للثمن) بان قال الفضول: انا لست بمالك، و لا اجعل نفسى مالكا بنائيا، و مع ذلك تملكت (التزمنا بلغويته) اى ان البيع يكون لغوا، اذ: العرف لا يتصور تملكا فيما اذا لم يكن المتملك لا مالكا حقيقيا، و لا مالكا جعليا.

(ضرورة عدم تحقق مفهوم المبادلة بتملك شخص) كالغاصب (المال) كالمبيع (بإزاء مال غيره) قوله: ضرورة، علة لقوله: التزمنا بلغويته.

اذا (فالمبادلة الحقيقية، من العاقد لنفسه لا يكون الا اذا كان) من يقول تملكت (مالكا حقيقيا، او ادعائيا) بان يدعى انه مالك، جهلا، او عدوانا (فلو لم يكن) العاقد (احدهما) لا حقيقيا، و لا ادعائيا (و عقد لنفسه، لم يتحقق المعاوضة و المبادلة حقيقة) بل هى مبادلة صورية لا تؤثر عرفا اثرها المترتب

ص: 116

فاذا قال الفضولى الغاصب المشترى لنفسه تملكت منك كذا بكذا فالمنسوب إليه التملك انما هو المتكلم، لا من حيث هو، بل من حيث عدّ نفسه مالكا اعتقادا، او عدوانا.

و حيث ان الثابت للشي ء من حيثية تقييدية، ثابت لنفس تلك الحيثية.

فالمسند إليه التملك حقيقة هو المالك للثمن.

______________________________

على كل مبادلة (فاذا قال الفضولى الغاصب المشترى لنفسه) اى يشترى المتاع لنفسه، لا للمالك الاصلى (تملكت منك) ايها البائع الاصيل (كذا) من المتاع (بكذا) من الدراهم (فالمنسوب إليه التملك انما هو المتكلم، لا من حيث هو) متكلم (بل من حيث عد نفسه مالكا اعتقادا) فيما اذا كان الغاصب جاهلا بان الدراهم ليست له (او عدوانا) فيما اذا كان الغاصب عالما بانه غاصب.

(و حيث ان الثابت للشي ء من حيثية تقييدية، ثابت لنفس تلك الحيثية) فانك اذا قلت: صلّ وراء زيد من حيث انه عادل، كان جواز الصلاة ثابت لحيثية العدالة، و ذلك بخلاف الحيثية التعليلية، فان الثابت للشي ء من حيثية تعليلية ثابت للمعلول، لا للحيثية، فانك اذا قلت: الغرفة مضيئة، من حيث ان الشمس طالعة، كانت الإضاءة ثابتة للغرفة، لا لطلوع الشمس.

(فالمسند إليه التملك) فى قول الغاصب: تملكت (حقيقة) و فى الواقع (هو المالك للثمن) اى المغصوب منه، لان معنى كلام الغاصب: تملكت من حيث انى مالك الثمن، فالملك ثابت لحيثية المالكية المنطبقة على المالك للثمن حقيقة، و لا ربط للملك فى: تملكت، للغاصب.

ص: 117

الا ان الفضولى لما بنى على انه المالك المسلط على الثمن، اسند ملك المثمن الّذي هو بدل الثمن الى نفسه فالاجازة الحاصلة من المالك، متعلقة بانشاء الفضولى، و هو التملك المسند الى مالك الثمن، و هو:

حقيقة نفس المجيز فيلزم من ذلك انتقال الثمن إليه

هذا مع انه ربما يلتزم صحة ان يكون الاجازة لعقد الفضولى موجبة لصيرورة العوض ملكا للفضولى ذكره شيخ مشايخنا فى شرحه على القواعد، و

______________________________

(الا ان الفضولى لما بنى على انه المالك المسلط على الثمن، اسند ملك المثمن) فى قوله: تملكت الدار، (الّذي هو بدل الثمن الى نفسه) لا الى المالك الحقيقى للدراهم (فالاجازة الحاصلة من المالك، متعلقة بانشاء الفضولى، و هو التملك المسند) ذلك التملك (الى مالك الثمن، و هو) اى مالك الثمن (حقيقة نفس المجيز) و إن كان ادعاء الغاصب (فيلزم من ذلك) التجويز من المالك (انتقال الثمن إليه) فتتحقق المعاوضة الحقيقية.

(هذا) تمام الكلام فى جوابنا عن اشكال بيع الفضولى لنفسه (مع) ان هناك جوابا آخر- تقدم اجماله عن كاشف الغطاء- و هو: (انه ربما يلتزم صحة ان يكون الاجازة لعقد الفضولى موجبة لصيرورة العوض) فيما اذا كان الفضول بائعا، و صيرورة المعوض فيما اذا كان الفضول مشتريا (ملكا للفضولى) بان لا يدخل الثمن فى كيس مالك المثمن و لا يدخل المثمن فى كيس مالك الثمن (ذكره شيخ مشايخنا فى شرحه على القواعد، و

ص: 118

تبعه غير واحد من اجلاء تلامذته، و ذكر بعضهم فى ذلك وجهين احدهما ان قضية بيع مال الغير عن نفسه، و الشراء بمال الغير لنفسه، جعل ذلك المال له ضمنا حتى انه على فرض صحة ذلك البيع، و الشراء تملكه قبل انتقاله الى غيره ليكون انتقاله إليه عن ملكه.

نظير ما اذا قال: اعتق عبدك عنى، او قال: بع مالى عنك او اشتر لك بمالى كذا.

______________________________

تبعه غير واحد من اجلاء تلامذته، و ذكر بعضهم فى ذلك) اى فى وجه صحة ما ذكره كاشف الغطاء (وجهين احدهما ان قضية) اى مقتضى (بيع) الغاصب (مال الغير عن نفسه، و الشراء بمال الغير لنفسه، جعل ذلك المال) اى مال الغير (له) اى لنفس الغاصب (ضمنا) اى فى ضمن البيع فمعنى بيع زيد دار بكر لنفسه- فضولة-: ان زيدا جعل دار بكر لنفسه ثم باعها (حتى انه على فرض صحة ذلك البيع، و الشراء) فيما اذا اجاز المالك (تملكه) اى مال الغير بان يكون الغاصب مالكا له (قبل انتقاله الى غيره) عن ملك الغاصب.

و انما ينتقل الى الغاصب آنا مّا، قبل بيعه (ليكون انتقاله) اى المال (إليه) اى الى الطرف الآخر- كالمشترى- (عن ملكه) اى ملك الغاصب

(نظير ما اذا قال: اعتق عبدك عنى) حيث ان معناه: ملكنى عبدك أولا، ثم اعتقه عنى، اذ لا عتق الا فى ملك (او قال: بع مالى عنك) بمعنى ان يكون ثمنه لك فان معناه: املكك مالى، ثم بعه عن نفسك، (او اشتر لك بمالى كذا) بمعنى ان يدخل المبيع فى ملكك، فان معناه: املكك

ص: 119

فهو تمليك ضمنى حاصل ببيعه او الشراء.

و نقول فى المقام: أيضا اذا اجاز المالك صحّ البيع و الشراء، و صحته بتضمن انتقاله إليه حين البيع، او الشراء.

فكما ان الاجازة المذكورة تصحح البيع، او الشراء.

كذلك تقتضى بحصول الانتقال الّذي يتضمنه البيع الصحيح فتلك الاجازة اللاحقة قائمة مقام الاذن السابق

______________________________

الدراهم لتشترى بها المتاع لنفسك.

(فهو) اى هذا الامر من المالك (تمليك ضمنى) فى ضمن الامر بالبيع، او الشراء (حاصل) هذا التمليك (ببيعه) اى المخاطب مال الآمر (او الشراء) بدراهم الآمر.

(و) اذا عرفت امكان ذلك التمليك الضمنى فى مسئلة العتق، و الامر بالبيع و الشراء (نقول فى المقام) الّذي هو اجازة المالك لبيع الغاصب (أيضا اذا اجاز المالك صح البيع و الشراء) الّذي فعله الغاصب (و صحته بتضمن انتقاله) اى المال (إليه) اى الى الغاصب (حين البيع، او الشراء) فمعنى قول المالك: اجزت البيع: ملكتك المال الّذي اوقعت البيع عليه.

(فكما ان الاجازة المذكورة تصحح البيع، او الشراء) حتى يكونا نافذين.

(كذلك تقتضى) الاجازة (بحصول الانتقال) للمال من المالك الى الغاصب (الّذي يتضمنه البيع الصحيح) لانه لا يصح بيع الغاصب لنفسه، الا اذا انتقل إليه المال (فتلك الاجازة اللاحقة) من المالك، على البيع (قائمة مقام الاذن السابق) فيما لو قال المالك الغاصب: بع مالى عن نفسك

ص: 120

قاضية بتمليكه المبيع، ليقع البيع فى ملكه و لا مانع منه.

الثانى انه لا دليل على اشتراط كون احد العوضين ملكا للعاقد فى انتقال بدله إليه بل يكفى ان يكون مأذونا فى بيعه لنفسه او الشراء به فلو قال: بع هذا لنفسك، او اشتر لك بهذا ملك الثمن فى الصورة الاولى، بانتقال المبيع عن مالكه الى المشترى.

و كذا ملك المثمن فى الصورة الثانية.

______________________________

فانه تمليك ضمنى للغاصب، فيكون البيع فى مال نفس الغاصب (قاضية) تلك الاجازة اللاحقة (بتمليكه) اى الغاصب (المبيع، ليقع البيع فى ملكه) اى ملك الغاصب (و لا مانع منه) اى من ان تكون الاجازة هكذا.

(الثانى) من وجهى صحة كلام كاشف الغطاء (انه لا دليل على اشتراط كون احد العوضين ملكا للعاقد فى انتقال بدله إليه) بل من الجائز ان يكون المبيع للمالك، و البدل ينتقل الى الغاصب، اذا اجاز المالك (بل يكفى) فى صحة الانتقال للبدل الى غير مالك المبدل (ان يكون) البائع (مأذونا فى بيعه لنفسه) فيما كان بيده المثمن (او الشراء به) لنفسه فيما كان بيده الثمن (فلو قال) مالك الثوب لزيد: (بع هذا لنفسك، او) قال مالك الدرهم: (اشتر لك بهذا) الدرهم ثوبا (ملك) المأمور (الثمن فى الصورة الاولى) و هى: بع هذا لنفسك، و ذلك (ب) سبب (انتقال المبيع عن مالكه الى المشترى) فانه بهذا الانتقال ينتقل الثمن من مالكه الى المأمور- لا الى مالك المثمن-.

(و كذا ملك) المأمور (المثمن فى الصورة الثانية) و هى: اشتر لك بهذا

ص: 121

و يتفرع عليه انه لو اتفق بعد ذلك فسخ المعاوضة، رجع الملك الى مالكه دون العاقد.

اقول و فى كلا الوجهين نظر، اما الاول فلان صحة الاذن فى بيع المال لنفسه، او الشراء لنفسه، ممنوعة كما تقدم فى بعض فروع المعاطاة.

مع ان قياس الاجازة على الاذن

______________________________

(و يتفرع عليه) اى على انتقال الثمن الى غير مالك المثمن، و انتقال المثمن الى غير مالك الثمن (انه لو اتفق بعد ذلك فسخ المعاوضة، رجع الملك الى مالكه دون العاقد) لان المالك انما اجاز البيع، لا انه ملك العاقد الدار، فى الاولى، و لا انه ملك العاقد الدرهم، فى الثانية، فاذا بطل البيع انفقد موضع الاجازة، و عليه يرجع كل ملك الى مالكه.

(اقول: و فى كلا الوجهين) الذين ذكرا لتوجيه كلام كاشف الغطاء (نظر، اما) ما فى الوجه (الاول، فلان صحة الاذن) من المالك (فى بيع) المأمور (المال لنفسه، او الشراء لنفسه، ممنوعة، كما تقدم فى بعض فروع المعاطاة).

اذ: المالك انما اجاز البيع لنفسه، و لم يجز تمليكه المتاع لنفسه أولا ثم بيعه.

نعم لو قصد ذلك، صح، لكن الكلام فى انه لم يقصد الا مفهوم هذا اللفظ الّذي ذكره، فلا تمليك من المالك، و لا دليل على تمليك من الشارع و دليل: الناس مسلطون، انما يدل على تسلط الناس على اموالهم لا على احكامهم.

(مع ان قياس الاجازة) اللاحقة (على الاذن) السابق، فيما لو قال

ص: 122

قياس مع الفارق، لان الاذن فى البيع يحتمل فيه ان يوجب- من باب الاقتضاء- تقدير الملك آنا مّا، قبل البيع، بخلاف الاجازة فانها لا تتعلق الا بما وقع سابقا و المفروض انه لم يقع الا مبادلة مال الغير بمال آخر.

نعم لما بنى هو على ملكية ذلك المال عدوانا، او اعتقادا قصد بالمعاوضة رجوع البدل إليه.

فالاجازة من المالك، ان رجعت الى نفس المبادلة افادت دخول

______________________________

المالك لزيد: بع مالى لنفسك (قياس مع الفارق، لان الاذن فى البيع يحتمل فيه ان يوجب) ذلك الاذن (- من باب الاقتضاء-) اى دلالة الاقتضاء و هى ما يتوقف صحة الكلام، او صدقه عليه، مثل تقدير: الاهل، فى:

اسئل القرية، فان صحة الكلام تتوقف على هذا التقدير (تقدير الملك) اى فرض مالكية المأذون، و: تقدير، مفعول: يوجب (آنا مّا، قبل البيع) جمعا بين ما دل على انه: لا بيع الا فى ملك، و بين ما دل على صحة مثل هذا الاذن (بخلاف الاجازة) اللاحقة (فانها لا تتعلق الا بما وقع سابقا) من العقد (و المفروض انه لم يقع الا مبادلة مال الغير بمال آخر) من دون تمليك من المالك لماله الى العاقد، او تملك منه لمال المالك.

(نعم لما بنى هو) اى العاقد (على ملكية ذلك المال) الّذي هو للمالك (عدوانا، او اعتقادا قصد بالمعاوضة رجوع البدل إليه) رجوعا ادعائيا لا حقيقيا.

(فالاجازة من المالك، ان رجعت الى نفس المبادلة) بدون كون الثمن راجعا الى العاقد (افادت) الاجازة (دخول

ص: 123

البدل فى ملك المجيز.

و ان رجعت الى المبادلة منضمة الى بناء العاقد، على تملك المال فهى، و ان افادت دخول البدل فى ملك العاقد الا ان مرجع هذا الى اجازه ما بنى عليه العاقد من التملك و امضائه له اذ: بعد امضائه يقع البيع فى ملك العاقد فيملك البدل الا ان من المعلوم عدم الدليل على تأثير الإجازة فى تأثير ذلك البناء فى تحقق متعلقه شرعا.

بل الدليل على عدمه لان هذا مما لا يؤثر

______________________________

البدل فى ملك المجيز) لان المبادلة مقتضية لذلك.

(و ان رجعت) الاجازة (الى المبادلة منضمة) تلك المبادلة (الى بناء العاقد على تملك المال) لنفسه (فهى، و ان افادت دخول البدل فى ملك العاقد) لا المالك (الا ان مرجع هذا الى اجازة ما بنى عليه العاقد) الغاصب (من التملك) لمال المالك (و امضائه له) اى امضاء المالك تملك العاقد لماله (اذ: بعد امضائه) لهذا التملك (يقع البيع فى ملك العاقد) لترتب البيع على الملك (فيملك) العاقد (البدل).

و هذا و إن كان مصححا للبيع (الا ان من المعلوم عدم الدليل) الشرعى (على تأثير الاجازة) من المالك (فى تأثير ذلك البناء) من العاقد- فى كونه مالكا- (فى تحقق متعلقه) اى متعلق البناء- اى ملكية مال المالك للعاقد- (شرعا) فقد بنى الغاصب ان الثوب له، و اجاز المالك هذا البناء، لكن هل امضى الشارع صحة ذلك؟ كلا.

(بل الدليل على عدمه، لان هذا) البناء على التملك (مما لا يؤثر

ص: 124

فيه الاذن لان الاذن فى التملك، يؤثر التملك، فكيف اجازته.

و اما الثانى، فلما عرفت من منافاته لحقيقة البيع التى هى: المبادلة و لذا صرح العلامة ره فى غير موضع من كتبه، تارة بانه لا يتصور.

و اخرى بانه لا يعقل ان يشترى الانسان لنفسه بمال غيره شيئا.

______________________________

فيه الاذن) فانك اذا قلت لزيد: اذنت لك ان تتملك ثوبى، لم يؤثر اذنك فى ان يصبح الثوب له، اذ: للملك اسباب خاصة، و ليس منها الاذن (لان الاذن فى التملك، لا يؤثر التملك، فكيف اجازته) اى اجازة التملك، بان يجيز المالك ان ما فعله الغاصب من التملك كان صحيحا، فان الاذن الّذي هو اقوى من الاجازة اذا لم ينفع لم تنفع الاجازة التى هى اضعف.

هذا تمام الكلام فى التوجيه الاول من توجيهى كلام كاشف الغطاء رحمه اللّه.

(و اما) النظر فى الوجه (الثانى، فلما عرفت من منافاته) اى دخول الثمن فى كيس غير من خرج من كيسه المثمن (لحقيقة البيع التى هى:

المبادلة) اذ: لا تسمى حينئذ مبادلة.

(و لذا صرح العلامة ره فى غير موضع من كتبه، تارة بانه لا يتصور) تحقق المبادلة اذا خرج الثمن من كيس من لم يدخل فى كيسه المثمن.

(و اخرى بانه لا يعقل ان يشترى الانسان لنفسه بمال غيره شيئا) اذ: لا يكون هذا اشتراء، فعدم المعقولية بمعنى عدم تحقق الاعتبار.

ص: 125

بل ادعى بعضهم فى مسئلة قبض المبيع عدم الخلاف فى بطلان مالك الثمن اشتر لنفسك به طعاما.

و قد صرح به الشيخ، و المحقق، و غيرهما.

نعم سيأتى فى مسئلة جواز تتبع العقود للمالك- مع علم المشترى بالغصب- ان ظاهر جماعة كقطب الدين، و الشهيد، و غيرهما ان الغاصب مسلط على الثمن، و ان لم يملكه فاذا اشترى به شيئا ملكه.

______________________________

(بل ادعى بعضهم فى مسئلة قبض المبيع عدم الخلاف فى بطلان) قول (مالك الثمن) للفقير- مثلا- بعد ان يعطيه الدرهم (اشتر لنفسك به طعاما) بدون ان يهب الدرهم له، او يشترى الفقير الخبز للمالك ثم يهبه لنفسه وكالة عنه.

(و قد صرح به) اى بالبطلان المذكور (الشيخ، و المحقق، و غيرهما).

(نعم سيأتى فى مسئلة جواز تتبع العقود للمالك) متعلق ب: جواز (- مع علم المشترى بالغصب-) كما لو باع مال زيد عمرو لبكر، و بكر لخالد و خالد لخويلد، و كلهم يعلمون بالغصبية، فانه يجوز للمالك ان يجيز احد العقود، فيبطل غيرها (ان ظاهر جماعة كقطب الدين، و الشهيد، و غيرهما، ان الغاصب مسلط على الثمن، و ان لم يملكه) فيما اذا باع مال الغير (فاذا اشترى) الغاصب (به) اى بالثمن الّذي حصله من بيع الغصب (شيئا ملكه) اى صار مالكا لذلك الشي ء، مثلا باع زيد الغاصب، ثوب عمر و غصبا، فاخذ درهما فاشترى بالدرهم خبزا، فانه يملك الخبز.

ص: 126

و ظاهر هذا، امكان ان لا يملك الثمن و يملك المثمن المشترى.

الا ان يحمل ذلك منهم على التزام تملك البائع الغاصب للمثمن مطلقا كما نسبه الفخر الى الاصحاب او آنا مّا، قبل ان يشترى به شيئا

______________________________

(و ظاهر هذا) الكلام منهم، (امكان ان لا يملك الثمن) كالدرهم (و يملك المثمن) كالخبز (المشترى) بصيغة المجهول، اى الخبز الّذي اشتراه.

و قول المصنف: نعم، بيان انه يظهر من جماعة تحقق المعاملة فى بيع الغاصب لنفسه، خلافا لكلام العلامة، و غيره، الذين قالوا بعدم تحقق المبادلة، اذ: لو لا تحقق المعاملة لم تتحقق ملكية الغاصب للمثمن- كالخبز فى المثال-

(الا ان يحمل ذلك) القول بتملك الغاصب للمثمن- كالخبز- (منهم) اى من هؤلاء الفقهاء الذين قالوا بتملك الغاصب للثمن، بناء (على التزام) هؤلاء (تملك البائع) للخبز (الغاصب للمثمن) اى الخبز (مطلقا) اى سواء كان مالكا للثمن أم لا؟ اذ: بائع الخبز يريد ان يسلطه الغاصب على الدرهم، سواء كان حلالا أم حراما؟ فهو يملك الغاصب خبزه

و عليه فلا دلالة لكلام هؤلاء الفقهاء على تحقق المعاملة فى بيع الغاصب ثوب زيد (كما نسبه) اى هذا الالتزام (الفخر الى الاصحاب) و انهم انما يقولون بملكية الغاصب للخبز، لاجل ان البائع له انما يملكه مطلقا (او) يحمل منهم على تملك الغاصب للثمن (آنا مّا، قبل ان يشترى به شيئا

ص: 127

تصحيحا للشراء و كيف كان فالاولى فى التفصي عن الاشكال المذكور فى البيع لنفسه ما ذكرنا.

ثم ان مما ذكرنا- من ان نسبة ملك العوض حقيقة انما هو الى مالك المعوض لكنه بحسب بناء الطرفين

______________________________

تصحيحا للشراء) اى شراء الخبز.

فعلى هذين المحملين، لا ينافى كلام القطب، و الشهيد لكلام العلامة.

و الحاصل ان العلامة يقول: باستحالة تحقق المبادلة بين المغصوب و المثمن، فلا يملك الغاصب الثمن، و الجماعة يقولون ان الغاصب اذا اشترى بالثمن شيئا ملك ذلك الشي ء و هذا فيه احتمالات.

الاول- ان يملك الغاصب الثمن و عليه ينافى كلام العلامة.

الثانى- ان يملكه الخباز الخبز مطلقا.

الثالث- ان يملك الغاصب الثمن آنا مّا، و على هذين الاحتمالين لا ينافى كلامهم كلام العلامة.

(و) اذ قد عرفت الاشكال فى كلام كاشف الغطاء الّذي اراد تصحيح بيع الغاصب لنفسه، اذا اجاز المالك (كيف كان فالاولى فى التفصي) و التخلص (عن الاشكال المذكور فى البيع) اى بيع الغاصب (لنفسه ما ذكرنا) بان حقيقة البيع، هى: المبادلة، اما الاضافة الى الغاصب فهى خارجه عن البيع، و المالك انما يجيز المبادلة و لا محذور فيه.

(ثم ان مما ذكرنا- من ان نسبه ملك العوض حقيقة انما هو الى مالك المعوض) الّذي هو المغصوب منه، لا الغاصب (لكنه بحسب بناء الطرفين

ص: 128

على مالكية الغاصب للعوض منسوب إليه- يظهر اندفاع اشكال آخر فى صحة البيع لنفسه، مختص بصورة علم المشترى، و هو ان المشترى الاصيل اذا كان عالما بكون البائع لنفسه غاصبا.

فقد حكم الاصحاب على ما حكى عنهم بان المالك لو رد، فليس للمشترى

______________________________

على مالكية الغاصب للعوض منسوب) ملك العوض (إليه-) اى الى الغاصب (يظهر اندفاع اشكال آخر فى صحة البيع) اى بيع الغاصب (لنفسه، مختص) هذا الاشكال (بصورة علم المشترى، و هو ان المشترى الاصيل) اى الّذي يشترى من الغاصب (اذا كان) المشترى (عالما بكون البائع لنفسه غاصبا)

و حاصل الاشكال: ان الثمن يدخل فى ملك الغاصب- حيث ان المشترى العالم اعطاه اياه- فاذا اجاز المالك البيع، كان بلا ثمن، و هذا غير معقول.

و الجواب من وجوه.

الاول- ان الثمن لا يكون ملكا للغاصب، لان المشترى اباح له، و لم يملكه.

الثانى- الثمن يؤخذ من الغاصب، الا فى صورة عدم اجازة المالك.

الثالث- الثمن يؤخذ منه الا فى صورة تلفه عند الغاصب.

الرابع- انه على النقل لا يؤخذ الثمن من الغاصب، اما على الكشف، فان الثمن صار ملك المالك من الاول

(فقد حكم الاصحاب على ما حكى عنهم بان المالك لورد) البيع الّذي اجراه الغاصب (فليس للمشترى

ص: 129

الرجوع على البائع بالثمن، و هذا كاشف عن عدم تحقق المعاوضة الحقيقية و الا لكان ردها، موجبا لرجوع كل عوض الى مالكه.

و حينئذ فاذا اجاز المالك، لم يملك الثمن، لسبق اختصاص الغاصب به، فيكون البيع، بلا ثمن.

و لعل هذا هو: الوجه فى اشكال العلامة فى التذكرة، حيث قال- بعد الاشكال فى صحة بيع الفضولى مع جهل المشترى-: ان الحكم فى الغاصب مع علم المشترى

______________________________

الرجوع على البائع) الغاصب (بالثمن) بل قال بعضهم بعدم الحق له حتى اذا كان الثمن موجودا (و هذا كاشف عن عدم تحقق المعاوضة الحقيقية، و الا) فلو كانت معاوضة حقيقية (لكان ردها) اى رد المعاوضة من قبل المالك (موجبا لرجوع كل عوض الى مالكه) فان المعاوضة اذا بطلت، رجع كل عوض الى مالكه.

(و حينئذ) اى حين قلنا: لا يرد الثمن اذا لم يجز المالك (فاذا اجاز) المعاوضة (المالك، لم يملك الثمن، لسبق اختصاص الغاصب به) اذ: المشترى العالم دفع الثمن الى الغاصب لا ببدل (فيكون البيع، بلا ثمن).

و حيث انه لا يعقل البيع بلا ثمن، لزم ان نقول: ببطلان بيع الغاصب من الاول.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 7، ص: 130

(و لعل هذا) الاشكال (هو: الوجه فى اشكال العلامة فى التذكرة) على بيع الغاصب (حيث قال- بعد الاشكال فى صحة بيع الفضولى مع جهل المشترى-) بالغصب (ان الحكم فى الغاصب مع علم المشترى

ص: 130

اشكل، انتهى.

اقول: هذا الاشكال، بناء على تسليم ما نقل عن الاصحاب، من انه ليس للمشترى استرداد الثمن، مع رد المالك و بقائه- و بعد تسليم ان الوجه فى حكمهم ذلك- هو مطلق التسليط، على تقديرى الرد، و الاجازة لا التسليط المراعى بعدم اجازة البيع.

انما يتوجه، على القول بالنقل، حيث: ان تسليط المشترى للبائع على الثمن قبل انتقاله الى مالك المبيع،

______________________________

اشكل، انتهى) كلام العلامة.

(اقول: هذا الاشكال) انما هو (بناء على تسليم ما نقل عن الاصحاب من انه ليس للمشترى استرداد الثمن، مع رد المالك، و بقائه) اذ: لو لم نقل بذلك، لم يكن وجه لهذا الاشكال- كما عرفت- (- و بعد تسليم ان الوجه فى حكمهم ذلك-) اى انه ليس للمشترى استرداد الثمن (هو مطلق التسليط) من المشترى للغاصب على ثمنه (على تقديرى الرد) من المالك (و الاجازة، لا التسليط المراعى بعدم اجازة البيع) اذ: لو سلطه هكذا كان معناه: ان لم يجز المالك فهو لك، و ان اجاز فهو للمالك، فلا يصح ان يقال: بان اجازة المالك لا تفيد فى نقل الثمن إليه الّذي هو مبنى الاشكال.

(انما يتوجه) خبر: هذا الاشكال، (على القول بالنقل) لا الكشف.

وجه اختصاص هذا الاشكال، بالقول بالنقل (حيث: ان تسليط المشترى للبائع على الثمن) انما هو: (قبل انتقاله الى مالك المبيع

ص: 131

بالاجازة، فلا يبقى مورد للاجازة.

و اما على القول بالكشف، فلا يتوجه اشكال اصلا، لان الرد كاشف عن كون تسليط المشترى تسليطا له على مال نفسه.

و الاجازة كاشفة عن كونه تسليطا له على ما يملكه غيره، بالعقد السابق على التسليط الحاصل بالاقباض.

و لذا لو لم يقبضه الثمن حتى اجاز المالك، او رد، لم يكن للغاصب انتزاعه من يد المشترى، او المالك.

______________________________

بالاجازة) متعلق ب: انتقاله (فلا يبقى مورد للاجازة) اذ: لا ثمن فى المقام و ما لا ثمن له، لا يكون بيعا يمكن الاجازة فيه.

(و اما على القول بالكشف، فلا يتوجه اشكال اصلا، لان الرد) من المالك (كاشف عن كون تسليط المشترى) الغاصب (تسليطا له على مال نفسه)

(و الاجازة) من المالك (كاشفة عن كونه) اى تسليط المشترى (تسليطا له) اى للغاصب (على ما يملكه) من الثمن (غيره) و هو: المالك (بالعقد السابق) ذلك العقد (على التسليط الحاصل) ذلك التسليط (بالاقباض) فانه بالبيع يصبح الثمن ملكا للمالك.

فتسليط المشترى الغاصب على الثمن تسليط للعين على مال المالك بدون اذنه، فلا يملك الغاصب الثمن، بل يكون فى يده، و هو للمالك.

(و لذا) الّذي ذكرنا انه على الكشف ملك للمالك (لو لم يقبضه) اى لم يقبض المشترى الغاصب (الثمن حتى اجاز المالك، او رد) البيع، و (لم يكن للغاصب انتزاعه من يد المشترى) فيما لو رد المالك (او المالك)

ص: 132

و سيأتى فى مسألة جواز تتبع العقود للمالك تتمة لذلك، فانتظر.

ثم اعلم: ان الكلام فى صحة بيع الفضولى لنفسه، غاصبا كان او غيره؟

انما هو: فى وقوعه للمالك اذا اجاز، و هو: الّذي لم يفرق المشهور بينه و بين الفضولى البائع للمالك، لا لنفسه.

و اما الكلام فى صحة بيع الفضولى، و وقوعه لنفسه اذا صار مالكا للمبيع، و اجاز، سواء باع لنفسه، او للمالك؟

______________________________

فيما لو اجاز و اخذ الثمن.

(و سيأتى فى مسألة جواز تتبع العقود للمالك) متعلق ب: جواز (تتمة لذلك، فانتظر)

هذا تمام الكلام فى مسألة بيع الغاصب لنفسه، و قد ظهر انه ان اجاز المالك البيع، صح، و ان كان الغاصب قد قصد البيع لنفسه.

(ثم اعلم: ان الكلام فى صحة بيع الفضولى لنفسه، غاصبا كان، او غيره) بان كان عالما بالغصب أو لا؟

او المراد انه باع فى حال كونه غصب المتاع أو لا؟ كما لو باع مال زيد، و الحال انه لم يغصبه بعد (انما هو: فى وقوعه) اى البيع (للمالك، اذا اجاز) المالك (و هو) اى هذا الفرض فى المسألة، هو (الّذي لم يفرق المشهور بينه و بين الفضولى البائع للمالك، لا لنفسه) بان قالوا بصحة البيع فى كلتا المسألتين.

(و اما الكلام فى صحة بيع الفضولى، و وقوعه لنفسه اذا صار مالكا للمبيع و اجاز) و هو: مسألة من باع، ثم ملك (سواء باع لنفسه، او للمالك) ثم ملك

ص: 133

فلا دخل له بما نحن فيه، لان الكلام هنا فى وقوع البيع للمالك و هناك فى وقوعه للعاقد، اذا ملك.

و من هنا يعلم: ان ما ذكره فى الرياض، من: ان بيع الفضولى لنفسه باطل، و نسب الى التذكرة نفى الخلاف فيه، فى غير محله، الا ان يريد ما ذكرناه.

و هو خلاف ظاهر كلامه

______________________________

المتاع الّذي باعه (فلا دخل له بما نحن فيه، لان الكلام هنا) فى مسألة ما لو باع، ثم اجاز المالك (فى وقوع البيع للمالك) و انه هل يقع له أم لا؟ (و هناك) ما لو باع، ثم ملك (فى وقوعه للعاقد، اذا ملك) المبيع بعد العقد.

(و من هنا) اى من اختلاف مورد المسألتين (يعلم: ان ما ذكره فى الرياض، من: ان بيع الفضولى لنفسه باطل، و نسب) الرياض (الى التذكرة نفى الخلاف فيه) اى فى البطلان (فى غير محله).

اذ: بطلان البيع الّذي ذكره التذكرة، انما هو: من حيث كونه لنفس الغاصب، فلا ينافى كونه صحيحا للمالك اذا اجازه.

فلا وجه لما ذكره الرياض من بطلانه مطلقا، حتى مع اجازة المالك، و نسبته لهذا الكلام الى التذكرة (الا ان يريد) الرياض (ما ذكرناه) اعنى:

البطلان، من حيث كونه لنفسه، لا البطلان حتى مع الاجازة.

(و) لكن (هو) اى قصده ما ذكرناه (خلاف ظاهر كلامه) اى كلام الرياض.

ص: 134

بقى هنا امران.
الأول: انه لا فرق على القول بصحة بيع الفضولى، بين كون مال الغير عينا او دينا فى ذمة الغير

و منه جعل العوض ثمنا، او مثمنا فى ذمة الغير.

______________________________

(بقى هنا) فى مسألة بيع الفضولى (امران)

(الاول: انه لا فرق على القول بصحة بيع الفضولى، بين كون مال الغير) الّذي يبيعه الفضولى (عينا) كما لو قال: بعتك هذا الثوب الّذي هو لزيد، بدينار (او دينا فى ذمة الغير) كما لو قال: بعتك ثوبا كليا فى ذمة زيد بدينار.

و ذلك لان الصور المتصورة، ان كلا من الثمن و المثمن، اما ذميان، او خارجيان، او احدهما ذمى و الآخر خارجى.

و لا يخفى: ان الذمى له صورتان.

الاولى: ان يكون المال ذميا قبل البيع، كما لو طلب محمد من زيد منّا من الحنطة، فباعه زيد لعمرو بدرهم.

الثانية: ان يكون المال ذميا بهذا البيع، كما اذا باع منّا من الحنطة فى ذمة المالك بدرهم.

و المصنف ره اراد بقوله: او فى ذمة الغير الصورة الاولى، و بقوله (و منه) اى من البيع الفضولى الذمى (جعل العوض ثمنا، او مثمنا فى ذمة الغير) الصورة الثانية.

و مثال: جعل العوض ثمنا، انه لو اشترى زيد من خالد ثوبا بدينار فى ذمة محمد.

ص: 135

ثم: ان تشخيص ما فى الذمة الّذي يعقد عليه الفضولى، اما باضافة الذمة الى الغير، بان يقول: بعت كرّا من طعام فى ذمة فلان بكذا، او بعت هذا بكذا فى ذمة فلان.

و حكمه انه لو اجاز فلان يقع العقد له، و ان ردّ بطل رأسا و اما بقصده العقد له، فانه اذا قصده فى العقد، تعين كونه صاحب

______________________________

(ثم: ان تشخيص ما فى الذمة الّذي يعقد عليه الفضولى) و هى الصورة الثانية، و لم يتعرض للصورة الاولى لوضوحها، اذ: هى مثل العين الشخصية (اما باضافة الذمة الى الغير) حال العقد (بان يقول:

بعت كرّا من طعام فى ذمة فلان) بان تسلّمه انت ايها المشترى منه (بكذا) درهم- و هذا فى المثمن- (او بعت هذا) الطعام الموجود (بكذا) من الدراهم (فى ذمة فلان)- و هذا فى الثمن-.

او يقول الفضوليان احدهما للآخر: بعتك بدينار فى ذمة زيد، كرّا من الطعام فى ذمة عمرو، فيقول الآخر: قبلت- و هذا فيما كان الثمن و المثمن كلاهما ذميا-.

(و حكمه) فى صحه البيع و عدمه (انه لو اجاز فلان يقع العقد له و ان ردّ بطل رأسا) و ليس من قبيل بيع الفضولى لنفسه، حيث انه: ان اجاز المالك صار البيع له، لا للفضولى (و اما بقصده) اى الفضولى البائع فى الذمة (العقد له) اى للمالك، بان لم يصرح، بل نواه فى نفسه، كما لو نوى زيد عند اشترائه الثوب: ان ثمنه من كيس خالد (فانه) اى الفضول (اذا قصده) اى المالك (فى العقد، تعين كونه) اى المقصود (صاحب

ص: 136

الذمة، لما عرفت: من استحالة دخول احد العوضين فى ملك غير من خرج عنه الآخر، الاعلى احتمال ضعيف تقدم، عن بعض.

فكما ان تعيين العوض فى الخارج يغنى عن قصد من وقع له العقد.

______________________________

الذمة) لانه لو صار البائع الفضولى صاحب الذمة، لزم اشكالان.

الاول: ان العقود لا تتبع القصود.

و الثانى: لزوم ان يخرج المثمن الى كيس المقصود، و يخرج الثمن من كيس الفضول.

و الى هذا اشار بقوله (لما عرفت: من استحالة دخول احد العوضين) و هو: المثمن (فى ملك) الشخص المقصود، و هو (غير من خرج عنه) العوض (الآخر) اى الثمن، لان الثمن- على الفرض- خرج من كيس الفضول (الاعلى احتمال ضعيف) لا يقول باستحالة ذلك (تقدم) هذا الاحتمال (عن بعض).

و لا يخفى: ان القصد كاف فى اضافة العقد الى المقصود، فلا حاجة الى الاضافة لفظا، مثلا: لو اشترى الفضولى ثوبا من زيد بدينار، قصده كونه من عمرو كفى فى كون العقد لعمرو، و لا حاجة الى ذكر لفظ عمرو عند المعاملة.

(فكما ان تعيين العوض فى الخارج)- كما لو اخذ دينارا من عمرو و اشترى به الثوب- (يغنى عن قصد من وقع له العقد) اذ: كون الدينار لعمرو، كاف فى اضافة المعاملة إليه.

ص: 137

فكذا قصد من وقع له العقد، يغنى عن تعيين الثمن الكلى باضافته الى ذمة شخص خاص.

و حينئذ فان اجاز من قصد مالكيته وقع العقد.

و ان ردّ فمقتضى القاعدة: بطلان العقد واقعا، لان مقتضى رد العقد بقاء كل عوض على ملك صاحبه، اذ: المال مردد فى باب الفضولى بين مالكه الاصلى، و من وقع له العقد.

فلا معنى لخروجه عن ملك مالكه و تردده بين الفضولى، و من وقع له

______________________________

(فكذا قصد من وقع له العقد) بان يقصد اشتراء الثوب بدينار فى ذمة عمرو (يغنى عن تعيين الثمن الكلى باضافته) خارجا، و لفظا (الى ذمة شخص خاص) كعمرو فى المثال، بل بمجرد ان نوى الفضول: ان الثمن من عمرو، اضيفت المعاملة إليه، بلا حاجة الى ذكر لفظ عمرو حين اجراء العقد.

(و حينئذ فان اجاز) العقد (من قصد) الفضول (مالكيته)- كعمرو فى المثال- (وقع العقد) له.

(و ان ردّ) و لم يقبل المعاملة (فمقتضى القاعدة: بطلان العقد واقعا) كما هو: مقتضى الردّ فى كل فضولى (لان مقتضى ردّ العقد بقاء كل عوض على ملك صاحبه) فالثوب يبقى لزيد، و الدينار لعمرو (اذ المال) كالثوب فى المثال (مردّد، فى باب الفضولى بين مالكه الاصلى) و هو زيد (و من وقع له العقد) و هو: عمرو.

(فلا معنى لخروجه) اى المال (عن ملك مالكه) و هو: زيد (و تردده بين الفضولى، و من وقع له

ص: 138

العقد.

اذ لو صح وقوعه للفضولى، لم يحتج الى اجازة، و وقع له، الا ان الطرف الآخر لو لم يصدقه على هذا القصد، و حلف على نفى العلم حكم له على الفضولى، لوقوع العقد له ظاهرا كما عن المحقق، و فخر الاسلام، و المحقق الكركى، و السيورى، و الشهيد الثانى، و قد يظهر من اطلاق

______________________________

العقد) اى عمرو.

و ذلك لوضوح: ان العقود تتبع القصود، و اذا لم يصح المقصود لم يصح عقد اصلا.

(اذ لو صح وقوعه) اى العقد (للفضولى، لم يحتج الى اجازة) المالك للدينار المقصود أولا، كعمرو فى المثال (و وقع له) لانه اقدم على البيع، و هو قابل للانطباق عليه.

هذا كله: فيما اذا صدق الفضول عمرو، ثم رد المعاملة (الا ان الطرف الآخر) الّذي هو: المشترى الاصيل المقصود كعمرو (لو لم يصدقه) اى لم يصدق الفضول (على هذا القصد) بان قال عمرو للفضول: انت تكذب فى انك قصدتنى عند المعاملة (و حلف على نفى العلم) بانى لا اعلم انك ايها الفضول قصدتنى عند المعاملة (حكم له) اى لعمرو الحالف (على الفضولى) فلا يكون عمرو، مكلفا بالرد، و لا باعطاء الثمن (لوقوع العقد له) اى للفضولى (ظاهرا) فلا يحق للفضول ان يرد العقد، للاصل العقلائى (كما عن المحقق، و فخر الاسلام، و المحقق الكركى، و السيورى، و الشهيد الثانى، و قد يظهر من اطلاق

ص: 139

بعض الكلمات، كالقواعد، و المبسوط: وقوع العقد له واقعا.

و قد نسب ذلك الى جماعه فى بعض فروع المضاربة.

و حيث عرفت: ان قصد البيع للغير، او اضافته إليه فى اللفظ يوجب صرف الكلى الى ذمة ذلك الغير، كما ان اضافة الكلى إليه يوجب صرف البيع، او الشراء إليه، و ان لم يقصده، او لم يضفه إليه.

ظهر من ذلك التنافى بين اضافة البيع الى غيره.

______________________________

بعض الكلمات، كالقواعد، و المبسوط: وقوع العقد له) اى للفضولى (واقعا) لا ظاهرا فحسب.

(و قد نسب ذلك) اى وقوع العقد للفضول واقعا (الى جماعة فى بعض فروع المضاربة) كما: لو اوقع العامل المعاملة، ثم قال المالك: لم اجز هذا النوع، قالوا بان المعاملة تقع لنفس العامل.

(و حيث عرفت: ان قصد البيع للغير، او اضافته إليه) اى الى الغير (فى اللفظ) كان يقول: ابيع دار زيد عنه (يوجب صرف الكلى) اى الكلى لو لا القصد و الاضافة (الى ذمه ذلك الغير، كما ان اضافة الكلى إليه) اى نفسه (يوجب صرف البيع، او الشراء إليه) كما لو قال: بعت هذه الدار بدرهم فى ذمتى (و ان لم يقصده) اى لم يقصد كون البيع لنفسه (او لم يضفه إليه) اى الى نفسه.

(ظهر) جواب: و حيث، (من ذلك) الّذي ذكرنا من: ان مقتضى كل اضافه شي ء مخالف لمقتضى الاضافة الاخرى (التنافى بين اضافه البيع الى غيره) كما لو قال: بعت الدار لزيد.

ص: 140

و اضافة الكلى الى نفسه او قصده من غير اضافة.

و كذا: بين اضافه البيع الى نفسه.

و اضافة الكلى الى غيره.

فلو جمع بين المتنافيين بان قال: اشتريت هذا لفلان بدرهم فى ذمتى

______________________________

(و) بين (اضافة الكلى الى نفسه) كما لو قال: بدرهم فى ذمتى (او قصده) ان يكون الكلى عن نفسه (من غير اضافة) لفظية.

(و كذا) ظهر المنافات (بين اضافة البيع الى نفسه) كما لو قال:

بعت لنفسى.

(و) بين (اضافة الكلى الى غيره).

كما لو قال: بدرهم فى ذمة زيد،

و وجه المنافات واضح، لان البيع لنفسه، معناه خروج الثمن من كيسه لان الدار دخلت فى كيسه، فكيف يخرج ثمنها من كيس زيد؟

هذا بالنسبة الى قوله: و كذا، كما ان البيع لغيره معناه خروج الثمن من كيس الغير، فكيف يخرج الثمن من كيس نفسه، و هذا بالنسبة الى قوله: بين اضافة البيع.

و لا يخفى: ان المراد من: اضافة البيع، فى المثالين: الاشتراء.

و حاصله: اشتراء دار لزيد بدرهم من كيس العاقد، او اشتراء دار لنفسه بدرهم من كيس زيد.

(فلو جمع بين المتنافيين) جمعا فى القصد، او فى اللفظ (بان قال:

اشتريت هذا) الثوب (لفلان) اى زيد (بدرهم فى ذمتى) حيث ان: لفلان

ص: 141

او اشتريت هذا لنفسى بدرهم فى ذمة فلان.

ففى الاول: يحتمل البطلان، لانه فى حكم شراء شي ء للغير، بعين ماله.

و يحتمل الغاء احد القيدين، و تصحيح المعاملة لنفسه، او للغير.

و فى الثانى: يحتمل كونه من قبيل شرائه لنفسه بعين مال الغير فيقع للغير بعد اجازته.

______________________________

ينافى: فى ذمتى (او) قال (اشتريت هذا) الثوب (لنفسى بدرهم فى ذمه فلان) اى زيد.

(ففى الاول) و هو: اشتريت لفلان بدرهم فى ذمتى، (يحتمل البطلان) للمعاملة (لانه فى حكم شراء شي ء للغير، بعين ماله).

اذ: الذمة و العين لا تختلفان من هذه الجهة فلا فرق بين ان يقول اشتريت لزيد بهذا الدرهم الّذي هو ملكى، او: بدرهم فى ذمتى.

فكما يبطل فى الاول- لان الثمن خرج من غير كيس من دخل فى كيسه المثمن-

كذلك يبطل فى الثانى.

(و يحتمل الغاء احد القيدين) و هما قوله: لفلان، و: فى ذمتى، (و تصحيح المعاملة لنفسه) ان الغى: لفلان (او للغير) ان الغى: فى ذمتى.

(و فى الثانى) و هو: اشتريت لنفسى بدرهم فى ذمة فلان (يحتمل كونه من قبيل شرائه لنفسه بعين مال الغير) كما لو اخذ درهما من مال زيد، و اشترى به ثوبا لنفسه (فيقع) البيع (للغير بعد اجازته) اى اجازة ذلك

ص: 142

لكن بعد تصحيح المعاوضة بالبناء على التملك فى ذمة الغير اعتقادا.

و يحتمل الصحة بإلغاء قيد ذمة الغير، لان تقييد الشراء أولا، بكونه لنفسه، يوجب الغاء ما ينافيه، من اضافة الذمة الى الغير.

و المسألة تحتاج الى تأمل.

______________________________

الغير للبيع (لكن) الوقوع للغير، انما هو (بعد تصحيح المعاوضة بالبناء على التملك) اى بناء العاقد على انه مالك للدرهم (فى ذمة الغير) و هو فلان (اعتقادا) بانه مالك لدرهم فى ذمته، فانه بهذا الاعتقاد تصح المعاوضة.

اذ: هى عبارة عن خروج الثمن من كيس نفسه، ليدخل فى كيسه المثمن بعوضه، و مفهوم المعاوضة لا يتحقق، الا ببنائه على التملك المفروض

و انما قال: اعتقادا، اذ: لا يمكن الغصب فى الكلّى الثابت فى ذمة الغير، ففرق بين ان يشترى بعين درهم زيد المغصوب، و بين ان يقصد الاشتراء بدرهم كلى فى ذمة زيد، يفرضه انه غاصب له، فان الكلى لا يعقل غصبه.

(و يحتمل الصحة بإلغاء قيد ذمة الغير) الّذي قاله العاقد.

و انما نلغى هذا القيد (لان تقييد الشراء أولا، بكونه لنفسه) حيث قال: اشتريت لنفسى (يوجب الغاء ما ينافيه، من اضافة الذمة الى الغير) لان القيد السابق يلغى ما ينافيه مما يأتى لاحقا.

(و المسألة تحتاج الى تأمل) كما لا يخفى.

ثم لا يخفى: ان خالدا لو اشترى ثوبا من زيد، ثم قال: انى قصدت

ص: 143

ثم انه قال: فى التذكرة لو اشترى فضوليا فان كان بعين مال الغير.

______________________________

كون المعاملة لعمرو.

فله نواحى من الكلام.

الاولى: حكم الواقع، و هو: ان اشتراه لعمرو، حقيقة.

فان اجاز صح، و ان لم يجز بطل، و ان اشتراه لنفسه حقيقة فالمعاملة صحيحة لنفسه، و لا ترتبط بعمرو.

الثانية: حكم زيد.

و زيدان علم صدق خالد فى الفضولية،

فان اجاز عمرو، صحت المعاملة، و الّا بقى الثوب فى ملك زيد، و بطلت المعاملة.

و ان لم يعلم زيد صدق خالد و كذبه.

فان تمكن الفضول من اثبات قصده، كانت الصحة و البطلان معلقين على اجازة عمرو، و رده.

و ان لم يتمكن، حلف زيد على عدم علمه بالفضولية، و انعقدت المعاملة لخالد حسب الظاهر.

الثالثة: حكم عمرو.

فان علم عمرو صدق الفضول، و اجاز اخذ المال من زيد، و دفع ثمنه.

و ان علم كذبه لم تكن معاملة له اطلاقا.

و ان شك و لم يتمكن خالد من اثبات انه اشتراه لعمرو فضولة، لم يكن مكلفا بشي ء.

(ثم انه قال: فى التذكرة لو اشترى فضوليا فان كان بعين مال الغير) كما:

ص: 144

فالخلاف فى البطلان و الوقف، على الاجازة.

الا ان أبا حنيفة، قال: يقع للمشترى بكل حال.

و ان كان فى الذمة لغيره، و اطلق اللفظ، قال علمائنا: يقف على الاجازة.

فان اجاز، صح، و لزمه اداء الثمن، و ان رد نفد عن المباشر، و به قال الشافعى: فى القديم، و احمد.

______________________________

لو اشترى خالد بدينار من عمرو ثوبا من زيد.

(فالخلاف فى البطلان) للبيع (و الوقف، على الاجازة) اى اجازة عمرو، آت هنا فى باب الشراء، مثل الخلاف بين الامرين فى باب ما لو:

باع الفضول مال غيره، اذ: باب الشراء فضوله مثل باب البيع فضولة فى الحكم.

(الا ان أبا حنيفة، قال: يقع) البيع (للمشترى) الفضولى (بكل حال) سواء اجاز، أم لا؟

(و ان كان) الاشتراء (فى الذمة لغيره) كما: لو اشترى خالد ثوبا من زيد بدينار فى ذمة عمرو (و اطلق اللفظ) بان قال: اشتريت الثوب بدينار (قال علمائنا: يقف) البيع (على الاجازة) من عمرو و صاحب الذمة.

(فان اجاز) عمرو (صح) البيع (و لزمه) اى عمرو (اداء الثمن، و ان رد) عمرو (نفذ) و صح البيع (عن المباشر) الّذي هو خالد (و به قال الشافعى: فى) فتواه (القديم، و احمد) قال به أيضا.

ص: 145

و انما يصح الشراء لانه تصرف فى ذمته لا فى مال غيره.

و انما وقف على الاجازة، لانه عقد الشراء له.

فان اجازه لزمه.

و ان رده لزم من اشتراه.

و لا فرق بين ان ينفذ من مال الغير، أو لا.

و قال ابو حنيفة: يقع عن المباشر و هو جديد للشافعى، انتهى.

و ظاهره الاتفاق على وقوع الشراء مع الرد للمشترى واقعا،

______________________________

(و انما يصح الشراء) الّذي اوقعه الفضولى (لانه تصرف فى ذمته) اى ذمة البائع الفضولى (لا فى مال غيره) فليس من قبيل الغصب، حتى يكون باطلا.

(و انما وقف) البيع (على الاجازة) من صاحب الذمة (لانه) اى الفضول (عقد الشراء له) اى لصاحب الذمة.

(فان اجازه لزمه) اى لزم صاحب الذمة، و هو عمرو فى المثال.

(و ان ردّه لزم من اشتراه) و هو: الفضول، فانه اوقع الاشتراء، فيلزمه لاصالة صحة البيع.

(و لا فرق) فى صحة البيع على كل حال (بين ان ينفذ) البيع (من مال الغير) فيما لو اجاز عمرو (أولا) بل من مال نفس الفضول.

(و قال ابو حنيفة: يقع) البيع (عن المباشر) الفضول، على كل حال سواء اجاز عمرو، أم لا؟ (و هو جديد للشافعىّ انتهى) كلام العلامة.

(و ظاهره الاتفاق على وقوع الشراء مع الرد للمشترى واقعا) اى فى

ص: 146

كما يشعر به تعليله بقوله: لانه، تصرف فى ذمته، لا فى مال الغير.

لكن اشرنا سابقا اجمالا، الى ان تطبيق هذا على القواعد مشكل، لانه: ان جعل المال فى ذمته بالاصالة فيكون ما فى ذمته كعين ماله، فيكون، كما لو باع عين ماله لغيره.

______________________________

حال رد من: اشترى الفضول له، فان قوله: قال علمائنا، ظاهره انه مربوط بكلا الشقين، شق اجازة المشترى له، و شق عدم اجازته الّذي ذكر بانه يكون حينئذ لنفس الفضول (كما يشعر به) اى بكونه يقع للمشترى واقعا (تعليله) اى تعليل العلامة للحكم المذكور (بقوله: لانه) اى الاشتراء (تصرف فى ذمته) اى ذمة نفس الفضول (لا فى مال الغير) فاذا لم يقبل الغير، يكون بيعا لنفس الفضول.

(لكن اشرنا سابقا) اشارة (اجمالا، الى ان تطبيق هذا) اى تصحيح المعاملة لنفس الفضول، فيما لو رد المالك- الّذي قصده الفضول- (على القواعد مشكل، لانه: ان جعل المال فى ذمته) اى ذمة الطرف (بالاصالة) فانه يشترى ثوب زيد بدينار فى ذمة عمرو (فيكون ما فى ذمته) كالدينار (كعين ماله) كما لو: اشترى ثوب زيد بدينار خارجى لعمرو مثلا (فيكون كما لو باع عين ما له) اى مال الغير (لغيره) كما لو: باع ثوب بكر- فضولة- لهند.

فكما انه لو لم يجز صاحب الثوب، تكون المعاملة باطلة.

كذلك لو لم يجز صاحب الدينار- الّذي كان الدينار له عينا او ذمة- لزم بطلان البيع، لا صحة البيع لنفس الفضول- كما ظهر من كلام العلامة ره-

ص: 147

و الا وفق بالقواعد فى مثل هذا، اما البطلان لو عمل بالنية بناء على انه لا يعقل فى المعاوضة دخول عوض مال الغير فى ملك غيره قهرا.

و اما: صحته و وقوعه لنفسه لو الغى النية، بناء على انصراف المعاملة الى مالك العين قهرا، و ان نوى خلافه و ان جعل المال فى ذمته لا من حيث الاصالة

______________________________

(و الا وفق بالقواعد فى مثل هذا) الفرع، و هو: ما اشترى ثوب زيد بدينار فى ذمة عمرو (اما البطلان) للبيع، فيما اذا رد صاحب الذمة كعمرو فى المثال (لو عمل)- بصيغة المجهول- (بالنية) اى بما نواه الفضول من ان الثوب لنفسه، فى مقابل دينار يخرج من كيس عمرو- ذمة- (بناء على انه لا يعقل فى المعاوضة دخول عوض مال الغير) كالثوب الّذي هو عوض مال عمرو (فى ملك غيره) كان يدخل الثوب فى ملك الفضول (قهرا) اى دخولا قهريا.

(و اما: صحته) اى البيع (و وقوعه لنفسه) اى نفس الفضول (لو الغى النية) التى نواها الفضول، من: ان الثمن يكون من كيس عمرو.

و انما تلغى النية (بناء على انصراف المعاملة، الى مالك العين قهرا) فالفضول الّذي ملك الثوب يخرج الثمن من كيسه قهرا، و لا تصح نيته من ان الثمن يكون من كيس غيره كعمرو فى المثال، (و ان نوى خلافه) ان وصيلة.

و على هذا: فلا مورد لقوله: ان اجاز لزمه، و ان رد لزم الفضول (و ان جعل) الفضول (المال) الثمن (فى ذمته) كذمة عمرو- فى المثال- (لا من حيث الاصالة) بان لم يقصد خروج الثمن من ذمة عمرو

ص: 148

بل من حيث جعل نفسه نائبا عن الغير فضولا.

ففيه:- مع الاشكال فى صحة هذا- لو لم يرجع الى الشراء فى ذمة الغير ان اللازم من هذا: ان الغير اذا رد هذه المعاملة، و هذه النيابة تقع فاسدة من اصلها، لا انها تقع للمباشر.

نعم: اذا عجز المباشر من اثبات ذلك على البائع لزمه ذلك، فى ظاهر الشريعة كما ذكرنا سابقا و نص عليه جماعة فى باب التوكيل.

______________________________

بما هو عمرو (بل من حيث جعل) الفضول (نفسه نائبا عن الغير) نيابة (فضولا) فهو: يشترى الثوب بدينار فى ذمة عمرو، بما انه كعمرو و نائب عنه.

(ففيه:- مع الاشكال فى صحة هذا-) الجعل، اذ: بمجرد الجعل الّذي ليس له امضاء مالكى، و لا شرعى (لو لم يرجع) هذا الجعل (الى الشراء فى ذمة الغير) الّذي ذكرنا أولا بقولنا: ان جعل المال فى ذمته بالاصالة (ان اللازم من هذا: ان الغير اذا ردّ هذه المعاملة، و هذه النيابة) التى جعل الفضول نفسه قائما مقام ذلك الغير (تقع) المعاملة (فاسدة من اصلها لا انها تقع للمباشر) فقوله: ان رد تقع للمباشر لا وجه له.

(نعم: اذا عجز المباشر) الفضول (من اثبات ذلك) اى اثبات انه اجرى المعاملة فضولة (على البائع) متعلق ب: اثبات (لزمه) اى المباشر (ذلك) كون المعاملة لنفسه (فى ظاهر الشريعة) لاصالة صحة المعاملة (كما ذكرنا) ذلك (سابقا، و نص عليه جماعة فى باب التوكيل) و انه ان انكر الموكل انه وكل الوكيل فى المعاملة الفلانية، و لم

ص: 149

و كيف كان فوقوع المعاملة فى الواقع، مرددة بين المباشر و المنوى، دون التزامه خرط القتاد.

و يمكن تنزيل العبارة على الوقوع للمباشر ظاهرا لكنه بعيد.

الثانى الظاهر انه: لا فرق فيما ذكرنا من اقسام بيع الفضولى، بين البيع العقدى، و المعاطاة،

بناء على افادتها للملك اذ: لا فارق بينها و بين العقد.

______________________________

يعلم طرف المعاملة بان الوكيل اجرى المعاملة وكالة وقعت المعاملة فى ظاهر الشرع.

(و كيف كان ف) ما ذكره العلامة، و نسبه الى علمائنا من (وقوع المعاملة فى الواقع، مردّدة بين المباشر و المنوى) لاجله (دون التزامه خرط القتاد) اذ لا وجه له كما عرفت.

(و يمكن تنزيل العبارة) للعلامة: فان اجاز صح و لزمه اداء الثمن الخ (على الوقوع للمباشر) اذا رد الطرف (ظاهرا) لا واقعا (لكنه بعيد) اذ: ظاهر العبارة الوقوع للمباشر واقعا.

(الثانى: الظاهر) من الادلة السابقة (انه: لا فرق فيما ذكرنا من اقسام بيع الفضولى، بين البيع العقدى) بان يعقد الفضول عقدا لفظيّا (و المعاطاة) كان يعطى الفضول دينار زيد لعمرو، فيأخذ ثوبا من عمرو، فى مقابل الدينار (بناء على افادتها) اى المعاطاة (للملك) لا للاباحة اذ لو قلنا بافادتها للاباحة، كانت خارجه عن المبحث.

و انما قلنا: لا فرق (اذ: لا فارق بينها) اى المعاطاة (و بين العقد) فى

ص: 150

فان التقابض بين الفضوليين، او فضولى و اصيل، اذا وقع بنية التمليك و التملك، فاجازه المالك، فلا مانع من وقوع المجاز من حينه او من حين الاجازة.

فعموم مثل قوله تعالى: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ، شامل له.

و يؤيده: رواية عروة البارقى حيث: ان الظاهر وقوع المعاملة بالمعاطاة، و توهم الاشكال فيه، من حيث: ان الاقباض الّذي يحصل به التمليك محرم، لكونه تصرفا فى مال الغير، فلا يترتب عليه اثر، فى غير محله اذ: قد لا يحتاج الى اقباض مال الغير، كما لو اشترى الفضولى لغيره فى الذمة

______________________________

شمول الادلة لهما (فان التقابض بين الفضوليين، او فضولى و اصيل، اذا وقع بنيه التمليك و التملك) اى المعاملة (فاجازه المالك) الاصيل (فلا مانع من وقوع المجاز من حينه) اى حين التقابض- على القول بالكشف- (او من حين الاجازة) على القول بالنقل.

(فعموم مثل قوله تعالى: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) و: تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ، و:

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و ما: اشبهها (شامل له) اى للفضولى المعاطاتى.

(و يؤيده) اى صحة الفضولى المعاطاتى (رواية عروة البارقى حيث:

ان الظاهر) من الرواية (وقوع المعاملة بالمعاطاة، و توهم الاشكال فيه) اى فى الفضولى من المعاطاة (من حيث ان الاقباض الّذي يحصل به التمليك) فى باب المعاطاة (محرم، لكونه تصرفا فى مال الغير) بغير اذنه (فلا يترتب عليه) اى على هذا الاقباض المحرم (اثر) فلا معاطاة اصلا (فى غير محله، اذ: قد لا يحتاج) التعامل المعاطاتى (الى اقباض مال الغير، كما لو اشترى الفضولى لغيره فى الذمة) فمثلا، زيد

ص: 151

مع انه قد يقع الاقباض، مقرونا برضى المالك، بناء على ظاهر كلامهم من: ان العلم بالرضا لا يخرج المعاملة، عن معاملة الفضولى.

مع ان النهى، لا يدل على الفساد.

مع انه لو دل لدل على عدم ترتب الأثر المقصود، و هو: استقلال الاقباض فى السببية، فلا ينافى كونه جزء سبب.

و ربما يستدل على ذلك: بان المعاطاة منوطة بالتراضى، و قصد

______________________________

الفضول يشترى من عمرو ثوبا بدينار فى ذمة خالد و يقبض الثوب، فانه يحصل المعاطاة لتحقق احد طرفى القبض، و هو كاف فى تحقق المعاطاة.

(مع انه قد يقع الاقباض، مقرونا برضى المالك) فلا يكون محرما (بناء على ظاهر كلامهم، من: ان العلم بالرضا) اى برضا المالك (لا يخرج المعاملة عن معاملة الفضولى) بل المعاملة فضولية، و ان كان المالك راضيا بها، ما لم يأذن بها.

(مع ان النهى) عن التصرف فى مال الغير، لا يوجب الا الحرمة التكليفية فانه (لا يدل على الفساد) كما حقق فى الاصول.

(مع انه) اى النهى (لو دل) على الفساد (لدل على عدم ترتب الأثر المقصود) على التقابض (و هو: استقلال الاقباض فى السببية) لتحقق المعاطاة التى ان لحقتها الاجازة كانت بيعا تاما (فلا ينافى) عدم تحقق الاستقلال (كونه جزء سبب) فان نفى الكل لا يدل على نفى الجزء.

(و ربما يستدل على ذلك) اى بطلان المعاطاة الفضولى (بان المعاطاة منوطة بالتراضى، و قصد

ص: 152

الاباحة، او التمليك، و هما: من وظائف المالك، و لا يتصور صدورهما من غيره.

و لذا ذكر الشهيد الثانى: ان المكره، و الفضولى قاصدان للفظ دون المدلول، و ذكر ان قصد المدلول، لا يتحقق من غير المالك.

و مشروطة أيضا بالقبض و الاقباض من الطرفين، او من احدهما مقارنا للامرين، و لا اثر له الا اذا صدر من المالك، او باذنه.

______________________________

الاباحة، او التمليك) اذ بدونهما لا معاطاة (و هما: من وظائف المالك) فان: من ملك شيئا، ملك تمليكه، و اباحته (و لا يتصور صدورهما من غيره) اذ: لا معنى لان يبيح غير المالك، او يملك مالا ليس له.

(و لذا) الّذي لا يعقل التمليك، و الاباحة من غير المالك (ذكر الشهيد الثانى: ان المكره، و الفضولى قاصدان للفظ، دون المدلول و ذكر ان قصد المدلول) و هو: التمليك، و الاباحة (لا يتحقق من غير المالك) المختار، فان المكره لا يبيع، و لا يملك، و الفضولى ليس بيده التمليك، و الاباحة.

(و مشروطة) عطف على: منوطة، فهو وجه آخر للبطلان (أيضا بالقبض و الاقباض من الطرفين، او من احدهما) فى حال كونهما (مقارنا للامرين) الاباحة، او التمليك (و لا اثر له) اى للقبض، و الاقباض (الا اذا صدر من المالك، او باذنه) و الا كان لغوا.

و الحاصل: ان المعاطاة تحتاج الى الرضا المالكى و القبض المقارن للرضا، و كلاهما مفقود ان فى المقام.

ص: 153

و فيه ان اعتبار القبض و الاقباض فى المعاطاة عند من اعتبره فيها انما هو لحصول إنشاء التمليك، او الاباحة، فهو عندهم من الاسباب الفعلية، كما صرح الشهيد فى قواعده، و المعاطاة عندهم عقد فعلى.

و لذا ذكر بعض الحنفية القائلين بلزومها: ان البيع ينعقد بالايجاب و القبول، و بالتعاطى.

______________________________

اذ: الفضول لا رضا للمالك عند معاطاته، و قبضه ليس مقارنا للرضا.

و قد اجاب المصنف عن الاشكال الثانى أولا بقوله.

(و فيه ان اعتبار القبض و الاقباض فى المعاطاة عند من اعتبره فيها) فى مقابل من لم يعتبر، و انما اكتفى باحد الامرين، كالنسيئة و السلف (انما هو لحصول إنشاء التمليك، او الاباحة).

فكما إنشاء التمليك، يحصل بعقد الفضولى.

كذلك يحصل بفعله، فقبض الفضول كعقده فى كونه كاشفا عن المعاملة فحال القبض حال العقد فى انه اذا لحقه الرضا صحّ، و الّا بطل.

و لا وجه لتصحيح الايجاب اللفظى من الفضولى، و عدم تصحيح الايجاب الفعلى منه (فهو) اى القبض و الاقباض (عندهم) فى باب المعاطاة (من الاسباب الفعليّة، كما صرح الشهيد فى قواعده، و المعاطاة عندهم عقد فعلى).

(و لذا) الّذي هو عقد فعلى (ذكر بعض الحنفية القائلين بلزومها:

ان البيع ينعقد بالايجاب و القبول) تارة (و بالتعاطى) تارة اخرى.

ص: 154

و حينئذ فلا مانع: من ان يقصد الفضولى باقباضه المعنى القائم بنفسه المقصود من قوله: ملكتك.

و اعتبار مقارنة الرضا، من المالك، للانشاء الفعلى، دون القولى مع اتحاد ادلة اعتبار الرضا، و طيب النفس فى حلّ مال الغير- لا يخلو عن تحكم.

و ما ذكره الشهيد الثانى، لا يجدى فيما نحن فيه.

______________________________

(و حينئذ) اى حين كانت المعاطاة عقدا فعليا (فلا مانع: من ان يقصد الفضولى باقباضه المعنى القائم بنفسه المقصود من قوله: ملكتك) فى ما لو اجرى العقد اللفظى.

(و اعتبار مقارنة الرضا، من المالك، للانشاء الفعلى) الّذي هو القبض فى المعاطاة (دون القولى) الّذي هو اجراء الايجاب و القبول (- مع اتحاد ادلة اعتبار الرضا، و) ادلة (طيب النفس) فى مطلق التعامل، قوليا كان أو فعليا (فى حل مال الغير-) مثل: لا يحل مال امرئ الا بطيب نفسه، و: الا ان تكون تجارة عن تراض منكم (لا يخلو عن تحكم) خبر: و اعتبار.

اى فكما لا تقولون فى الانشاء القولى- فى باب الفضولى-: باعتبار مقارنته لرضا المالك.

كذلك: لا تقولوا فى الانشاء الفعلى: باعتبار مقارنته بالرضا.

(و ما ذكره) المستشكل، و هو (الشهيد الثانى) من: ان الفضولى لا قصد له بالمدلول (لا يجدى فيما نحن فيه) الّذي هو الانشاء الفعلى.

ص: 155

لانا لا نعتبر فى فعل الفضولى ازيد من القصد الموجود فى قوله لعدم الدليل.

و لو ثبت لثبت منه اعتبار المقارنة فى العقد القولى أيضا.

الا ان يقال: ان مقتضى الدليل، ذلك، خرج عنه بالدليل، معاملة الفضولى، اذا وقعت بالقول.

______________________________

(لانا) القائلين بصحة عقد الفضولى القولى (لا نعتبر فى فعل الفضولى) اى القبض و الاقباض المعاطاتى (ازيد من القصد الموجود فى قوله) فيما لو اجرى العقد اللفظى (لعدم الدليل) على لزوم الازيد فى باب الفعل.

(و لو ثبت) اعتبار الازيد من اصل القصد، فى باب الفعل (لثبت منه) اى للازيد من القصد (اعتبار المقارنة فى العقد الفضولى أيضا).

لكن حيث لا نقول: باعتبار الازيد فى القولى، لزم ان لا نقول: بالازيد فى العقد اللفظى.

(الا ان يقال) فى وجه الفرق بين اللفظى الّذي لا نقول: باعتبار ازيد من القصد الى التمليك، و بين الفعلى الّذي نقول: باحتياجه الى قصد التمليك المقارن لرضا المالك (ان مقتضى الدليل، ذلك) اى الاحتياج الى مقارنة العقد- فعلا او قولا- الى الرضا (خرج عنه) اى عن الدليل (بالدليل) الآخر الّذي دل على صحة عقد الفضولى (معاملة الفضولى، اذا وقعت بالقول) و بقيت معاملة الفضولى الواقعة بالفعل و المعاطاة، باقية تحت الدليل الدال على الاحتياج الى الرضا.

ص: 156

لكنك قد عرفت: ان عقد الفضولى ليس على خلاف القاعدة.

نعم: لو قلنا: ان المعاطاة لا يعتبر فيها قبض، و لو اتفق معها بل السبب المستقل هو تراضى المالكين بملكية كل منهما لمال صاحبه، مطلقا

______________________________

(لكنك قد عرفت:) فى اوّل مبحث الفضولى (ان عقد الفضولى ليس على خلاف القاعدة) بل هو على وفق القاعدة، فاذا: لا يحتاج الى اكثر من القصد- اى لا يحتاج الى مقارنة الرضا- فكذلك عقد الفضول الفعلى اى معاطاته.

هذا كله جواب المصنف ره عن الاشكال الثانى لصاحب المقابيس الّذي ذكره بقوله: و مشروطة الى آخره.

اما الاشكال الاول الّذي ذكره بقوله: منوطة بالتراضى، فقد اجاب عنه المصنف ره بقوله:

(نعم) و حاصله تسليم الاشكال- و انه لا معاطاة- على تقدير القول بان مقوم المعاطاة التراضي من المالكين.

لكن المصنف لا يقول: بان مقوم المعاطاة التى تصدر من الفضول التراضي من المالكين.

بل يرى مقومها القبض و الاقباض فقط.

فعليه: (لو قلنا: ان المعاطاة لا يعتبر فيها قبض، و لو اتفق معها) القبض، فانما هو: امر خارج عنها (بل السبب المستقل) للنقل و الانتقال (هو تراضى المالكين بملكية كل منهما لمال صاحبه، مطلقا) و لو لم يصل احد المالين الى المالك الجديد

ص: 157

او مع وصولهما او وصول احدهما.

لم يعقل وقوعها من الفضولى.

نعم: الواقع منه ايصال المال، و المفروض انه: لا مدخل له فى المعاملة، فاذا رضى المالك بمالكية من وصل إليه المال، تحققت المعاطاة من حين الرضا، و لم يكن اجازة لمعاطاة سابقة.

______________________________

(او مع وصولهما) الى مالكهما الجديد (او وصول احدهما) كالنسيئة، و السلف.

(لم يعقل) جواب: نعم (وقوعها) اى المعاطاة (من الفضولى) لان المفروض انتفاء الرضا.

(نعم: الواقع منه) اى من الفضول (ايصال المال) الى الطرف فقط (و المفروض انه: لا مدخل له فى المعاملة) المعاطاتية.

فما كان لا مدخلية له فى المعاطاة و ما له مدخل فيها- اى الرضا- لم يكن، فلا معاطاة.

و يتحقق اشكال صاحب المقابيس على المعاطاة الفضولى حينئذ.

و عليه: فلو اعطى الفضول، و اخذ- و قلنا: ان مقوم المعاطاة الرضا- (فاذا رضى المالك بمالكية من وصل إليه المال) مثلا اعطى زيد الفضول، ثوب عمرو لخالد، ثم رضى عمرو (تحققت المعاطاة من حين الرضا) لحصول المقوم للمعاطاة فى هذا الحين (و لم يكن) رضا المالك (اجازة لمعاطاة سابقة) تحققت حال القبض و الاقباض من الفضول.

ص: 158

لكن الانصاف: ان هذا المعنى غير مقصود للعلماء فى عنوان المعاطاة.

و انما قصدهم الى العقد الفعلى.

هذا كله، على القول بالملك، و اما على القول بالإباحة، فيمكن القول: ببطلان الفضولى، لان افادة المعاملة المقصود بها الملك للاباحة خلاف القاعدة، فيقتصر فيها على صورة تعاطى المالكين.

مع ان حصول الاباحة، قبل الاجازة غير ممكن.

______________________________

(لكن الانصاف: ان هذا المعنى) اى تحقق المعاطاة حال الرضا، لا حال القبض و الاقباض (غير مقصود للعلماء فى عنوان المعاطاة) الفضولية (و انما قصدهم) بالمعاطاة الفضولى (الى العقد الفعلى) و هو: حال القبض و الاقباض.

و منه يتبين ان الفعل لديهم، مثل القول- فى باب الفضولى- ان لحقهما الرضا فهو، و الا فلا.

(هذا كله) الكلام حول المعاطاة الفضولية (على القول ب) افادة المعاطاة (الملك، و اما على القول ب) افادتها (الاباحة، فيمكن القول ببطلان) المعاطاة (الفضولى، لان افادة المعاملة المقصود بها الملك للاباحة خلاف القاعدة) اذ: وقوع الشي ء على خلاف قصد المالك، يحتاج الى دليل قطعى (فيقتصر فيها) اى فى المعاطاة (على صورة تعاطى المالكين) فقط.

(مع ان حصول الاباحة، قبل الاجازة غير ممكن).

لانه اما إباحة مالكية، و المفروض انتفائه.

ص: 159

و الآثار الاخر مثل: بيع المال على القول بجواز مثل هذا التصرف اذا وقعت فى غير زمان الاباحة الفعلية، لم تؤثر اثرا، فاذا اجاز حدث الاباحة من حين الاجازة.

اللهم الا ان يقال: بكفاية وقوعها مع الاباحة الواقعية اذا كشف عنها الاجازة فافهم.

______________________________

و اما إباحة شرعية و لا دليل على ذلك من الكتاب و السنة.

(و الآثار الاخر) المترتبة على الاباحة، فيما لو رتبها المنتقل إليه المال، انتقالا فضوليا، قبل إباحة المالك و رضاه، كما لو باع المشترى عن الفضول- معاطاة- المال المنتقل إليه، قبل ان يبيح المالك (مثل: بيع المال) قبل الاجازة من المالك (على القول بجواز مثل هذا التصرف، اذا وقعت) تلك الآثار (فى غير زمان الاباحة الفعلية) بان وقعت تلك الآثار بعد المعاطاة الفضولية، و قبل اجازة المالك (لم تؤثر اثرا، فاذا اجاز) المالك (حدث الاباحة من حين الاجازة).

(اللهم الا ان يقال: بكفاية وقوعها) اى تلك الآثار (مع) حصول (الاباحة الواقعية) متأخرا.

فيكون الحال هنا: كالحال فى العقد الفضولى، حيث ان الآثار تترتب، اذا لحقت الاجازة بالعقد ف (اذا كشف عنها) اى عن الاباحة (الاجازة) اللاحقة، كانت مؤثرة فى الآثار السابقة (فافهم) اذ: الاباحة كالملكية، فان قلنا بحصول الملك بالمعاطاة الفضولى، اذا اجاز المالك، لزم ان نقول بذلك فى الاباحة، و اذا لم نقل بذلك فى الاباحة لزم ان

ص: 160

القول في الإجازة و الردّ.
اما الكلام فى الإجازة،
اشارة

فيقع تارة فى حكمها و شروطها، و اخرى فى المجيز، و ثالثة فى المجاز.

اما حكمها:
[هل الإجازة كاشفة أم ناقلة]

فقد اختلف القائلون بصحة الفضولى- بعد اتفاقهم على توقفها على الاجازة- فى كونها كاشفة، بمعنى انه يحكم بعد الاجازة بحصول آثار العقد من حين وقوعه حتى كأن الاجازة وقعت مقارنة للعقد او ناقلة: بمعنى ترتب آثار العقد من حينها حتى كان

______________________________

لا نقول به فى الملك أيضا، فالتفكيك بينهما لا وجه له.

(القول فى الاجازة و الرد) من المالك لما فعله الفضولى.

(اما الكلام فى الاجازة، فيقع تارة فى حكمها) و انها كاشفة او ناقلة (و شروطها، و اخرى فى) المالك (المجيز، و ثالثة فى المجاز) اى العقد الّذي اجازه المالك.

(اما حكمها: فقد اختلف القائلون بصحة الفضولى- بعد اتفاقهم على توقفها) اى الصحة (على الاجازة- فى كونها) اى الاجازة (كاشفه، بمعنى انه يحكم) شرعا (بعد الاجازة بحصول آثار العقد من حين وقوعه) اى وقوع العقد، مثلا: باع زيد الفضول دار محمد، لعمرو بالف دينار فى يوم الخميس و رهن عمرو الدار يوم الجمعة، و اجاز محمد يوم السبت.

فان قلنا: بكشف الاجازة كانت الاجازة بمنزلة الاذن فى يوم الخميس (حتى كأن الاجازة وقعت مقارنة للعقد، او) الاجازة (ناقلة: بمعنى ترتب آثار العقد من حينها) اى حين الاجازة فى يوم السبت- مثلا- (حتى كان

ص: 161

العقد وقع حال الاجازة، على قولين.

فالاكثر على الاول، و استدل عليه كما عن جامع المقاصد، و الروضة بان العقد، سبب تام فى الملك، لعموم قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و تمامه فى الفضولى انما يعلم بالاجازة، فاذا اجاز، تبين كونه تاما، فوجب ترتب الملك عليه.

و إلا لزم ان لا يكون الوفاء بالعقد خاصة، بل به مع شي ء آخر

______________________________

العقد وقع حال الاجازة، على قولين) متعلق باختلف.

و سيأتى: ان الكشف على قسمين كشف حقيقى، و كشف حكمى، فالاحتمالات فى المسألة ثلاثة.

(فالاكثر على الاول) الكشف (و استدل عليه كما عن جامع المقاصد و الروضة بان العقد) الصادر من الفضول (سبب تام فى) حصول (الملك لعموم قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) اذ: الظاهر منها الوفاء بالعقد بما هو عقد، بدون انتظار شي ء آخر، و هذا هو معنى كونه سببا تاما (و تمامه) اى العقد (فى الفضولى انما يعلم بالاجازة، فاذا اجاز) المالك (تبين كونه تاما، فوجب ترتب الملك عليه) من حينه.

(و الا) يكن الاثر مترتبا على العقد من حينه (لزم ان لا يكون الوفاء بالعقد خاصة، بل به) اى بالعقد (مع شي ء آخر).

و هذا خلاف ما فرضناه من ظهور الآية فى كون العقد هو السبب دون سواه.

و ان شئت قلت: العقد سبب تام، و: كلما تحقق السبب التام اثر

ص: 162

و بان الاجازة متعلقة بالعقد، فهى رضا بمضمونه، و ليس إلا نقل العوضين من حينه.

و عن فخر الدين فى الايضاح، الاحتجاج لهم، بانها لو لم تكن كاشفه، لزم تأثير المعدوم فى الموجود، لان العقد حالها عدم، انتهى.

و يرد على الوجه الاول: انه ان اريد بكون العقد سببا تاما، كونه علة تامة للنقل، اذا صدر عن رضى المالك، فهو مسلم، الا

______________________________

اثره (و بان الاجازة) المتأخرة (متعلقة بالعقد، فهى رضا بمضمونه) فان معنى: اجازة المالك، ان المالك، راض بما اوقعه الفضول (و ليس) المضمون (الا نقل العوضين من حينه) اى حين العقد، لا بعد الاجازة.

(و عن فخر الدين فى الايضاح، الاحتجاج لهم) اى للقائلين بالكشف بدليل ثالث (بانها) اى الاجازة (لو لم تكن كاشفة، لزم تأثير المعدوم) اى العقد (فى الموجود) اى الاثر الّذي نريد ان نرتبه على العقد- الآن- (لان العقد حالها) اى حال الاجازة (عدم، انتهى).

و حيث: ان المعدوم لا يعقل ان يؤثر فى الموجود، فاللازم ان نقول بان الاجازة كاشفة، حتى يكون العقد- حال وقوعه- مؤثرا فى الآثار لا حال الاجازة.

(و يرد على الوجه الاول) و هو ما ذكره بقوله: بان العقد سبب تام (انه ان اريد بكون العقد سببا تاما، كونه علة تامة للنقل، اذا صدر عن رضى المالك، فهو مسلم، الا) انه لم يتحقق هذا السبب التام- لفرض ان رضى المالك لم يقترن به-.

ص: 163

ان بالاجازة لا يعلم تمام ذلك السبب، و لا يتبين كونه تاما اذ: الاجازة لا تكشف عن مقارنة الرضا.

غاية الامر: ان لازم صحة عقد الفضولى، كونها قائمة مقام الرضاء المقارن، فيكون لها مدخل فى تمامية السبب كالرضاء المقارن فلا معنى:

لحصول الأثر قبلها.

و منه: يظهر فساد تقرير الدليل، بان العقد الواقع، جامع لجميع

______________________________

ف: (ان بالاجازة) اللاحقة (لا يعلم تمام ذلك السبب، و لا يتبين كونه) اى العقد (تاما) فى حين صدوره من الفضول (اذ: الاجازة لا تكشف عن مقارنة الرضا) للعقد، بل المفروض ان الرضا متأخر.

(غاية الامر: ان لازم صحة عقد الفضولى) التى نقول بها (كونها) اى الاجازة (قائمة مقام الرضاء المقارن، فيكون لها) اى للاجازة التى قامت مقام الرضا المقارن (مدخل فى تمامية السبب) الّذي هو العقد (كالرضاء المقارن) الّذي له مدخلية (فلا معنى: لحصول الأثر قبلها) اى قبل الاجازة التى قامت مقام الرضا المقارن.

و الحاصل: ان العقد و الرضا- معا- سبب، و حيث لا رضى قامت الاجازة مقامه.

فما لم يحصل قائم مقام الرضا، لا يكون العقد مؤثرا، لانه بعض السبب لا كل السبب.

(و منه) اى مما ذكرنا فى رد الوجه الاول (يظهر فساد تقرير الدليل، بان العقد الواقع) من الفضول (جامع لجميع

ص: 164

الشروط، و كلها حاصلة، الارضى المالك، فاذا حصل بالاجازة، عمل السبب عمله، فانه اذا اعترف: ان رضى المالك من جملة الشروط فكيف يكون كاشفا عن وجود المشروط قبله؟

و دعوى ان الشروط الشرعية، ليست كالعقلية، بل هى: بحسب ما يقتضيه جعل الشارع، فقد جعل الشارع: ما يشبه تقديم المسبب على السبب

______________________________

الشروط، و كلها حاصلة) كالعربية، و الماضوية، و تقديم الايجاب و غيرها (الارضى المالك، فاذا حصل) رضى المالك (بالاجازة) اللاحقة (عمل السبب) الّذي هو: العقد (عمله) الّذي هو الأثر، فالأثر يحصل من حين العقد، لا من حين الاجازة.

وجه الفساد: ما ذكره بقوله (فانه اذا اعترف: ان رضى المالك من جملة الشروط) كما قال: الارضى المالك (فكيف يكون) الاجازة (كاشفا عن وجود المشروط) الّذي هو: العقد التام الشروط (قبله) اى قبل الاجازة- و المراد بها الرضى-.

(و دعوى) انه لا منافاة بين تأخر الرضا، و تقدم السبب.

لان وجود الرضا فى الزمان المتأخر كاف فى حكم الشارع بوجود السبب التام، حين عقد الفضول، اذ الشرط ليس عقليا، و انما هو شرعى فللشارع اعتبار السبب تاما بشرط ان يأتى الرضى متأخرا، ف (ان الشروط الشرعية، ليست كالعقلية، بل هى) اى الشروط الشرعية (بحسب ما يقتضيه جعل الشارع) متقدما، او متأخرا، او مقارنا (فقد يجعل الشارع: ما يشبه تقديم المسبب على السبب

ص: 165

كغسل الجمعة يوم الخميس.

و اعطاء الفطرة قبل وقته، فضلا عن تقدم المشروط على الشرط كغسل الفجر بعد الفجر للمستحاضة الصائمة،

و كغسل العشاءين، لصوم اليوم الماضى على القول به.

مدفوعة: بانه: لا فرق فيما فرض شرطا، او سببا، بين الشرعى، و غيره.

و تكثير الامثلة

______________________________

كغسل الجمعة يوم الخميس) فالسبب للغسل، و هو: دخول يوم الجمعة متأخر على المسبب الّذي هو الغسل.

(و اعطاء الفطرة قبل وقته) الّذي هو يوم العيد (فضلا عن تقدم المشروط على الشرط) الّذي هو اهون من تقديم المسبب على السبب (كغسل الفجر بعد الفجر للمستحاضة الصائمة) فان الصوم مشروط بالغسل، و مع ذلك تقدم المشروط الّذي هو الصوم على الشرط الّذي هو الغسل.

(و كغسل العشاءين، لصوم اليوم الماضى) فان المشروط، و هو الصوم تقدم على الشرط الّذي هو الغسل (على القول به) خلافا للمشهور الذين لا يقولون باشتراط الصوم بغسل العشاءين.

(مدفوعة) خبر: دعوى (بانه: لا فرق فيما فرض شرطا، او سببا بين الشرعى، و غيره) كالعقلى.

(و تكثير الامثلة) التى توهم وقوع المشروط، و المسبب قبل الشرط و

ص: 166

لا يوجب وقوع المحال العقلى.

فهى كدعوى: ان التناقض الشرعى بين الشيئين، لا يمنع عن اجتماعهما، لان النقيض الشرعى، غير العقلى.

فجميع ما ورد مما يوهم ذلك انه لا بد فيه من: التزام ان المتأخر ليس سببا، او شرطا، بل: السبب و الشرط، الامر المنتزع من ذلك.

لكن ذلك لا يمكن، فيما نحن فيه، بان يقال: ان الشرط تعقب

______________________________

السبب (لا يوجب وقوع المحال العقلى) الّذي هو: عبارة عن ان المعلول لا يمكن ان يتقدم على العلة، او اجزاء العلة.

(فهى) اى دعوى تقدم المشروط، و المسبب على السبب و الشرط شرعا- (كدعوى: ان التناقض الشرعى بين الشيئين، لا يمنع عن اجتماعهما، ل) حجة (ان النقيض الشرعى، غير) النقيض (العقلى) و لو امكن هذا، لامكن ان يقال: بجواز تقدم المسبب و المشروط، على السبب و الشرط.

(فجميع ما ورد مما يوهم ذلك) الامكان شرعا، لما هو محال عقلا (انه:

لا بد فيه من: التزام ان المتأخر ليس سببا، او شرطا) حقيقة (بل: السبب و الشرط، الامر المنتزع من ذلك) المتأخر، فسبب الغسل عنوان لحوق يوم الجمعة، و شرط الصوم عنوان لحوق الغسل- مثلا-.

(لكن ذلك) الامر المنتزع (لا يمكن، فيما نحن فيه) اى البيع الفضولى الملحوق بالاجازة (بان يقال: ان الشرط) لتأثير عقد الفضولى- فى حين العقد- (تعقب

ص: 167

الاجازة و لحوقها بالعقد، و هذا امر مقارن للعقد، على تقدير الاجازة لمخالفته الادلة.

اللهم الا ان يكون: مراده بالشرط، ما يتوقف تاثير السبب المتقدم فى زمانه على لحوقه.

و هذا- مع انه لا يستحق اطلاق الشرط عليه- غير صادق على الرضا، لان المستفاد من العقل، و

______________________________

الاجازة و لحوقها بالعقد).

(و هذا) اى وصف التعقب و اللحوق (امر مقارن للعقد).

لانه يقال: عقد متصف بانه متعقب بالاجازة (على تقدير الاجازة) اى على تقدير: ان يجيز المالك واقعا، اذ: العقد- حينئذ- يتصف بهذا الوصف.

و انما نقول: بان ذلك لا يمكن (لمخالفته الادلة) اذ: المستفاد من: الادلة، اعتبار الرضا على نحو الشرط المتقدم، اذ: هو الظاهر من قوله: تجارة عن تراض، و نحوه غيره.

(اللهم الا ان يكون: مراده بالشرط، ما يتوقف تأثير السبب المتقدم فى زمانه) متعلق ب: المتقدم (على لحوقه) اى لحوق هذا الشرط.

(و هذا- مع انه لا يستحق اطلاق الشرط عليه-) اذ: الشرط هو: الامر الخارج عن الشي ء الّذي له مدخلية فى تأثير الشي ء، مثل الوضوء بالنسبة الى الصلاة (غير صادق على الرضا) من المالك (لان المستفاد من العقل) الّذي يقبح التصرف فى مال الغير، بدون رضاه (و

ص: 168

النقل اعتبار رضى المالك، فى انتقال ماله، لانه: لا يحل لغيره بدون طيب النفس، و انه لا ينفع لحوقه فى حل تصرف الغير، و انقطاع سلطنة المالك.

و مما ذكرنا: يظهر ضعف ما احتمله فى المقام بعض الاعلام، بل التزم به غير واحد من المعاصرين، من ان معنى: شرطية الاجازة- مع كونها كاشفة- شرطية الوصف المنتزع منها، و هو: كونها لاحقة للعقد فى المستقبل، فالعلة التامة، العقد الملحوق بالاجازة، و هذه صفة مقارنة

______________________________

النقل) الّذي يقول: لا يحل مال امرئ الا بطيب نفسه (اعتبار رضى المالك فى انتقال ماله، لانه: لا يحل لغيره) التصرف فى ماله (بدون طيب النفس) من المالك (و انه لا ينفع لحوقه) اى الرضا (فى حل تصرف الغير و انقطاع سلطنة المالك).

و على هذا فالوجه الاول الّذي ذكر، لاجل كون الاجازة كاشفة، لا ناقلة، غير تام.

(و مما ذكرنا: يظهر ضعف ما احتمله فى المقام بعض الاعلام، بل التزم به غير واحد من المعاصرين، من ان معنى: شرطية الاجازة) فى تحقق البيع (- مع كونها كاشفة-) اى على تقدير كون الاجازة كاشفة (شرطية الوصف المنتزع منها) اى من الاجازة (و هو) اى الوصف المنتزع (كونها) اى الاجازة (لاحقة للعقد فى المستقبل، ف) ليست الاجازة فى الحقيقة، شرطا، بل (العلة التامة) للنقل و الانتقال: (العقد الملحوق بالاجازة، و هذه) اى صفة الملحوق (صفة مقارنة

ص: 169

للعقد، و إن كان نفس الاجازة متأخرة عنه.

و قد التزم بعضهم مما يتفرع على هذا: من انه اذا علم المشترى ان المالك للمبيع سيجيز العقد حل له التصرف فيه بمجرد العقد.

و فيه ما لا يخفى من المخالفة للادلة.

و يرد على الوجه الثانى أولا: ان الاجازة، و ان كانت رضى بمضمون العقد، الا ان مضمون العقد، ليس هو: النقل من حينه حتى يتعلق

______________________________

للعقد، و إن كان نفس الاجازة متأخرة عنه) اى عن العقد.

(و قد التزم بعضهم مما يتفرع على هذا) الّذي ذكر، من ان الشرط وصف الملحوقية، لا الاجازة بذاتها (من انه اذا علم المشترى ان المالك للمبيع سيجيز العقد) فى المستقبل (حل له التصرف فيه) اى فى المبيع (بمجرد العقد) و العلم انما هو لمقام الاثبات، اما مقام الثبوت، فحلّ التصرف متوقف على الاجازة واقعا سواء علم، أم لا؟

(و فيه: ما لا يخفى من المخالفة للادلة) اذ: ظاهر الادلة، ان جواز التصرف يتوقف على الرضا الفعلى، لا الرضا الاستقبالى، فالشرط ذات الرضا، لا وصف اللحوق- كما ذكره هؤلاء-

(و يرد على الوجه الثانى) الّذي استدل به، لكون الاجازة كاشفة و هو ما ذكره بقوله: و بان الاجازة متعلقة بالعقد الى آخره- (أولا ان الاجازة، و ان كانت رضى بمضمون العقد، الا ان مضمون العقد، ليس هو: النقل، من حينه) اى حين العقد (حتى يتعلق

ص: 170

الاجازة، و الرضا بذلك النقل، المقيد بكونه فى ذلك الحال، بل هو:

نفس النقل مجردا عن ملاحظة وقوعه فى زمان، و انما الزمان من ضروريات انشائه، فان قول العاقد: بعت، ليس نقلت من هذا الحين.

و ان كان النقل المنشئ به واقعا فى ذلك الحين، فالزمان ظرف للنقل، لا قيد له.

فكما ان إنشاء مجرد النقل الّذي هو مضمون العقد فى زمان يوجب وقوعه من المنشئ فى ذلك الزمان، فكذلك اجازة ذلك النقل، فى زمان

______________________________

الاجازة، و الرضا) المكشوف بالاجازة (بذلك النقل المقيد بكونه فى ذلك الحال) اى حال العقد (بل هو) اى مضمون العقد (نفس النقل مجردا عن ملاحظة وقوعه فى زمان) فان معنى: بعت، نقلت المال أليك، و ليس فيه ان هذا النقل فى هذا الزمان (و انما الزمان من ضروريات انشائه) اى إنشاء النقل، كما ان العقد لا بد و ان يقع فى مكان، لكن ليس المكان من الامور المرتبطة بالعقد (فان قول العاقد: بعت، ليس) معناه (نقلت من هذا الحين) و لا نقلت فى هذا المكان.

(و ان كان النقل المنشئ به) اى ب: بعت (واقعا فى ذلك الحين) كما هو واقع فى ذلك المكان (فالزمان ظرف للنقل، لا قيد له) فليس مضمون العقد، النقل من حينه، حتى تكون الاجازة كاشفة عن صحة النقل من حين البيع.

(فكما ان إنشاء مجرد النقل الّذي هو مضمون العقد فى زمان) «فى» متعلق ب: إنشاء، (يوجب وقوعه من المنشئ)- بصيغة الفاعل- (فى ذلك الزمان فكذلك اجازة) المالك (ذلك النقل، فى زمان) آخر

ص: 171

يوجب وقوعه من المجيز فى زمان الاجازة.

و كما ان الشارع، اذا امضى نفس العقد، وقع النقل من زمانه، فكذلك اذا امضى اجازة المالك، وقع النقل من زمان الاجازة.

و لاجل ما ذكرنا: لم يكن مقتضى القبول وقوع الملك من زمان الايجاب، مع انه ليس، الا رضى بمضمون الايجاب.

______________________________

(يوجب وقوعه من المجيز فى زمان الاجازة) فمفعول الاجازة، و هو:

جواز التصرف، انما يكون بعد الاجازة.

(و كما ان الشارع، اذا امضى نفس العقد، وقع النقل من زمانه، فكذلك اذا امضى اجازة المالك، وقع النقل من زمان الاجازة).

فالاجازة ناقلة، و ليست بكاشفة.

(و لاجل ما ذكرنا) من ان الزمان ليس داخلا فى مفهوم العقد، و انما هو: صرف النقل (لم يكن مقتضى القبول) اى قبول: بعت (وقوع الملك من زمان الايجاب، مع انه) اى القبول (ليس، الارضى بمضمون الايجاب) فلو قال المالك: فى الآن الاول: بعت، و قال المشترى فى الآن الثالث: قبلت، و كانت للمبيع ثمرة- كاللبن فى الحيوان- ففى الآن الثانى، لم تكن الثمرة للمشترى، بل للبائع، لان الآن الثانى لم يحصل فيه نقل، فان النقل متوقف على تمام الايجاب و القبول، و كذلك لم يجز فى الآن الثانى معاملة الرجل للمرأة- فى باب النكاح- معاملة المحارم، و لم تجب عليه النفقة، الى غيرها من الاحكام.

ص: 172

فلو كان مضمون الايجاب النقل من حينه، و كان القبول رضى بذلك كان معنى امضاء الشارع للعقد، الحكم بترتب الأثر، من حين الايجاب لان الموجب ينقل من حينه و القابل يتقبل ذلك: و يرضى به.

و دعوى ان العقد سبب للملك، فلا يتقدم عليه.

مدفوعة: بان سببيته للملك، ليست الا بمعنى امضاء الشارع لمقتضاه فاذا فرض مقتضاه مركبا من نقل فى زمان

______________________________

(فلو كان مضمون الايجاب النقل من حينه، و كان القبول رضى بذلك) اى النقل من حين الايجاب (كان معنى امضاء الشارع للعقد، الحكم بترتب الأثر) للنقل (من حين الايجاب، لان الموجب ينقل من حينه) اى حين الايجاب (و القابل يتقبل ذلك) النقل من حينه (و يرضى به) اى بالنقل من حينه.

فكما لا تقولون: بهذا النقل من حين الايجاب، كذلك يلزم ان لا تقولوا بالنقل: من حين العقد، فيما اذ الحقته الاجازة، بل كما ان النقل يتوقف على القبول كذلك يتوقف على الاجازة.

(و دعوى) الفرق بين: القبول، و بين: الاجازة، ب (ان العقد سبب للملك، فلا يتقدم) الملك (عليه) اى على العقد- بجميع اجزائه، التى منها القبول- بخلاف الاجازة، فليست حالها حال القبول، فمن الممكن تقدم الملك عليها، اذا كانت لاحقة فى الواقع.

(مدفوعة: بان سببيته) اى العقد (للملك، ليست الا بمعنى امضاء الشارع لمقتضاه) اى مقتضى العقد (فاذا فرض مقتضاه مركبا من نقل فى زمان

ص: 173

و رضى بذلك النقل كان مقتضى العقد، الملك بعد الايجاب.

و لاجل ما ذكرنا أيضا: لا يكون فسخ العقد الا انحلاله من زمانه لا من زمان العقد، فان الفسخ نظير الاجازة، و الرد لا يتعلق الا بمضمون العقد، و هو: النقل من حينه،

______________________________

و رضى بذلك النقل) من طرف المالك (كان مقتضى العقد، الملك بعد الايجاب).

فكما لا تقولوا: بهذا، بل تقولوا: بان الملك لا يتأتى الا بعد تمام اجزاء العلة- التى منها القبول- كذلك لا تقولوا: بان الاجازة كاشفة بل يلزم ان تقولوا بان الملك لا يتأتى الا بعد تمام اجزاء العلة التى منها الاجازة، فى باب عقد الفضول.

(و لاجل ما ذكرنا أيضا) من ان الرضا لا يلحق بالعقد من حين العقد و انما حين الرضا (لا يكون فسخ العقد) و هو أيضا لاحق بالعقد ذاته (الا انحلاله) اى العقد (من زمانه) اى زمان الفسخ، لا من حين العقد، فالنماء فى البين للمشترى- الّذي انتقل إليه المثمن- (لا من زمان العقد).

و حيث: ان الاجازة كالفسخ فى كون هذه ابراما، و ذلك نقضا، يلزم ان تكون مثله فى كون كل منهما من حين نفسه لا من حين العقد (فان الفسخ نظير الاجازة، و الرد لا يتعلق الا بمضمون العقد، و هو:

النقل من حينه).

و مع ذلك فالأثر، انما هو بعد الفسخ.

ص: 174

فلو كان زمان وقوع النقل مأخوذا فى العقد على وجه القيدية، لكان رده و حله، موجبا للحكم بعدم الآثار من حين العقد.

و السرّ فى جميع ذلك: ما ذكرنا من: عدم كون زمان النقل الا ظرفا.

فجميع ما يتعلق بالعقد من الامضاء، و الردّ، و الفسخ، انما يتعلق بنفس المضمون دون المقيد بذلك الزمان.

______________________________

و عليه: يلزم ان نقول: ان اثر الاجازة أيضا انما هو من حين الاجازة، لا من حين العقد (فلو كان زمان وقوع النقل مأخوذا فى العقد على وجه القيدية) يعنى ان النقل من حين العقد، لا ان الزمان ظرف للنقل (لكان رده و حله) بالفسخ (موجبا للحكم بعدم الآثار) للعقد (من حين العقد) لا من حين الفسخ.

فالقول: بان الفسخ يرد الآثار من حين الفسخ، كاشف على ان الزمان ليس قيدا للعقد، و انما هو ظرف، و ذلك يوجب ان نقول: ان الاجازة أيضا كذلك، لا تسبب الانعقاد من حين العقد- حتى ترتب الآثار من حين العقد- بل من حين الاجازة.

(و السرّ فى جميع ذلك) اى فى كون الاجازة و الفسخ يؤثر ان من حينهما، لا من حين العقد (ما ذكرنا من: عدم كون زمان النقل الا ظرفا) و ليس قيدا.

(فجميع ما يتعلق بالعقد من الامضاء، و الرد، و الفسخ، انما يتعلق بنفس المضمون) اى النقل (دون المقيد بذلك الزمان) حتى يوجب الفسخ فى وقت العقد، و الاجازة فى وقت العقد.

ص: 175

و الحاصل: انه لا اشكال فى حصول الاجازة بقول المالك: رضيت بكون مالى لزيد، بإزاء ماله، او: رضيت بانتقال مالى الى زيد و غير ذلك من الالفاظ التى لا تعرض فيها لانشاء الفضولى، فضلا عن زمانه كيف! و قد جعلوا تمكين الزوجة بالدخول عليها اجازة منها، و نحو ذلك،

______________________________

(و الحاصل) لبيان ان الاجازة لا توجب كون النقل من زمان العقد بل من زمان الاجازة (انه لا اشكال فى حصول الاجازة بقول المالك:

رضيت بكون مالى لزيد، بإزاء ماله، او: رضيت بانتقال مالى الى زيد) و ذلك بعد اجراء الفضول عقدا على مال المالك (و غير ذلك من الالفاظ التى لا تعرض فيها لانشاء الفضولى) اى لا يقول: بانه راض باجراء الفضولى للعقد (فضلا عن) التعرض ل (زمانه) اى زمان عقد الفضول، فالاجازة رضى، و الرضا انما هو من الآن و (كيف) تحتاج الاجازة الى ذكر العقد من الفضولى، و زمانه (و) الحال انهم (قد جعلوا تمكين الزوجة بالدخول عليها اجازة منها) فيما اجرى الفضول عقدا عليها، فلما علمت مكنت نفسها من الزوج، و لو اشترط التعرض لانشاء الفضول و زمانه، لم يكن التمكين اجازة.

فكون التمكين اجازة دال على ان الاجازة عبارة عن مجرد الرضا الحاصل بالقول او الفعل، فلا حاجة الى ما يدل على انفاذ العقد.

مع انه لو كان الزمان داخلا لزم الاتيان بما يدل على انفاذ العقد المقيد بالزمان (و نحو ذلك) من الافعال الدالة على الرضا.

ص: 176

و من المعلوم: ان الرضا يتعلق بنفس نتيجة العقد، من غير ملاحظة زمان نقل الفضولى.

و بتقرير آخر، ان: الاجازة من المالك قائمة مقام رضاه، و اذنه المقرون بانشاء الفضولى، او مقام نفس انشائه فلا يصير المالك بمنزلة العاقد، الا بعد الاجازة.

فهى اما شرط، او جزء سبب للملك.

______________________________

(و من المعلوم: ان الرضا) من المالك الّذي اظهره بقوله: رضيت او بعمل يدل على رضاه (يتعلق بنفس نتيجة العقد، من غير ملاحظة) فى الرضا ل (زمان نقل الفضولى) فالزمان ليس داخلا، فالقول بالكشف غير تام.

(و بتقرير آخر) لبيان ان الاجازة من حينها، لا انها تصحح الملك من حين العقد (ان: الاجازة من المالك قائمة مقام رضاه، و اذنه المقرون بانشاء الفضولى).

فكما انه اذا كان راضيا حين الانشاء، صح العقد و اثمر ثمره.

كذلك اذا اجاز بعد العقد (او مقام نفس انشائه) اى نفس إنشاء المالك للعقد (فلا يصير المالك بمنزلة العاقد. الا بعد الاجازة) اذ لو لا رضاه لا يرتبط العقد به (فهى) اى الاجازة (اما شرط، او جزء سبب للملك) اى ملك الطرف لمال المجيز.

و من المعلوم: انه ما لم يتحقق الشرط و اجزاء السبب، لم يتحقق المشروط و المسبب.

ص: 177

و بعبارة اخرى: المؤثر، هو: العقد المرضىّ به.

و المقيد، من حيث انه مقيد لا يوجد الا بعد القيد.

و لا يكفى فى التأثير، وجود ذات المقيد المجردة عن القيد.

و ثانيا: انا لو سلمنا: عدم كون الاجازة شرطا اصطلاحيا ليؤخذ فيه تقدمه على المشروط، و لا جزء سبب، و انما هى من المالك، محدثة للتأثير فى العقد السابق، و جاعلة له سببا تاما، حتى كانه

______________________________

(و بعبارة اخرى) لبيان ان الاجازة تؤثر الملك من حينها، لا من حين العقد (المؤثر هو: العقد المرضى به) من قبل المالك.

(و المقيد) اى العقد المرضى به (من حيث انه مقيد) لا من حيث ذات المقيد (لا يوجد الا بعد القيد) الّذي هو الرضا.

(و لا يكفى فى التأثير، وجود ذات المقيد المجردة عن القيد) فالعقد فى حينه لا اثر له، لانه مجرد عن القيد الّذي هو الرضا.

(و) أما (ثانيا) فى الجواب عن الدليل الثانى للقائل: بالكشف (فلأنا لو سلمنا: عدم كون الاجازة شرطا اصطلاحيا ليؤخذ فيه تقدمه على المشروط) حتى يقال: كيف تكون الاجازة شرطا؟- و الحال انها متأخرة عن العقد- مع العلم ان الشرط يجب ان يتقدم على المشروط، كالوضوء المتقدم على المشروط الّذي هو الصلاة (و لا جزء سبب) لان السبب العقد، و له جزء ان فقط، الايجاب و القبول (و انما) هذا بقية قوله:

سلمنا، اما رده فسيأتى فى قوله: لكن نقول (هى) اى الاجازة (من المالك محدثة للتأثير فى العقد السابق، و جاعلة له سببا تاما، حتى كانه) اى

ص: 178

وقع مؤثرا، فيتفرع عليه ان مجرد رضى المالك بنتيجة العقد، اعنى محض الملكية، من غير التفات الى وقوع عقد سابق ليست باجازة، لان معنى العقد، جعله جائزا، نافذا، ماضيا.

لكن نقول: لم يدل دليل على: امضاء الشارع، لاجازة المالك، على هذا الوجه، لان وجوب: الوفاء بالعقد، تكليف يتوجه الى العاقدين كوجوب الوفاء بالعهد، و النذر.

و من المعلوم: ان المالك لا يصير عاقدا او بمنزلته، الا بعد الاجازة

______________________________

العقد السابق (وقع) حين وقع (مؤثرا، فيتفرع عليه) اى على كون الاجازة محدثة للتأثير فى العقد السابق (ان مجرد رضى المالك بنتيجة العقد، اعنى محض الملكية، من غير التفات الى وقوع عقد سابق ليست باجازة)

اذ: اللازم فى الاجازة- على هذا- التوجه الى العقد السابق (لان معنى اجازة العقد، جعله جائزا، نافذا، ماضيا) ان سلمنا كل ذلك.

(لكن نقول) لابطال الكشف (لم يدل دليل على: امضاء الشارع لاجازة المالك، على هذا الوجه) بان تجعل الاجازة العقد من حينه نافذا ماضيا (لان وجوب: الوفاء بالعقد) المستفاد من قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (تكليف يتوجه الى العاقدين، كوجوب الوفاء بالعهد، و النذر) الّذي هو تكليف يتوجه الى العاهد، و الناذر.

(و من المعلوم: ان المالك لا يصير عاقدا او بمنزلته، الا بعد الاجازة) اى بعدها يكون العقد عقده، و هو عاقدا

ص: 179

فلا يجب الوفاء الا بعدها.

و من المعلوم: ان الملك الشرعى يتبع الحكم الشرعى، فما لم يجب الوفاء فلا ملك.

و مما ذكرنا: يعلم عدم صحة الاستدلال للكشف، بدليل: وجوب الوفاء بالعقود، بدعوى: ان الوفاء بالعقد، و العمل بمقتضاه، هو الالتزام بالنقل من حين العقد، و قس على ذلك ما لو كان دليل الملك

______________________________

(فلا يجب الوفاء) بهذا العقد (الا بعدها) اى بعد الاجازة.

(و من المعلوم: ان الملك الشرعى يتبع الحكم الشرعى) فاذا حكم الشارع، بانه ملك، كان ملكا شرعيا (فما لم يجب الوفاء) و هو قبل الاجازة (فلا ملك) و ان شئت قبل الاجازة لا ملك من قبل المالك، لانه لم يعقد، و لا ملك من قبل الشرع، لانه انما يقول بالملك اذا اوجب الوفاء و ايجابه للوفاء انما هو بعد الاجازة.

(و مما ذكرنا) من انه لا ملك شرعى قبل الاجازة (يعلم عدم صحة الاستدلال للكشف، بدليل: وجوب الوفاء بالعقود) المستفاد من قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

وجه الاستدلال (بدعوى: ان الوفاء بالعقد، و العمل بمقتضاه، هو الالتزام) من الشارع (بالنقل من حين العقد) وجه: يعلم، انه قبل الاجازة لم يحكم الشارع بانه ملك للمشترى، اذ ليس العقد عقد البائع (و قس على ذلك) اى على عدم شمول: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (ما لو كان دليل الملك

ص: 180

عموم: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ، فان الملك ملزوم لحلية التصرف، فقبل الاجازة لا يحل التصرف، خصوصا اذا علم عدم رضى المالك باطنا، او تردّده فى الفسخ، و الامضاء.

و ثالثا: سلمنا: دلالة الدليل على امضاء الشارع لاجازة المالك على طبق مفهومها اللغوى و العرفى، اعنى جعل العقد السابق جائزا، ماضيا بتقريب ان يقال: ان معنى: الوفاء بالعقد، العمل بمقتضاه، و مؤداه العرفى، فاذا صار العقد بالاجازة كانه وقع مؤثرا ماضيا، كان

______________________________

عموم: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) فانه لا يمكن ان يستدل به للملك قبل الاجازة (فان الملك ملزوم لحلية التصرف) اذ: حلية كل تصرف، تلازم الملك (فقبل الاجازة، لا يحل التصرف) و حيث لا يحل التصرف، لا يكون ملك (خصوصا اذا علم عدم رضى المالك باطنا، او تردّده فى الفسخ) لمعاملة الفضولى (و الامضاء) اذ: حينئذ يشمله: لا يحل مال امرئ، لعدم احراز طيب النفس الّذي هو المستثنى.

(و) أما (ثالثا) نقول فى رد الدليل الثانى للكشف (سلمنا: دلالة الدليل على امضاء الشارع لاجازة المالك على طبق مفهومها) اى مفهوم الاجازة (اللغوى) الّذي هو اجازة مضمون العقد الواقع فى نفس وقت العقد (و العرفى، اعنى جعل العقد السابق جائزا، ماضيا) من حين العقد (بتقريب ان يقال) فى بيان ان الاجازة معناها من حين العقد (ان معنى: الوفاء بالعقد، العمل بمقتضاه، و مؤداه العرفى) اى بمقتضى العقد و معناه عرفا (فاذا صار العقد ب) سبب (الاجازة كانه وقع مؤثرا ماضيا، كان

ص: 181

مقتضى العقد المجاز عرفا ترتب الآثار من حينه، فيجب شرعا العمل به على هذا الوجه.

لكن نقول- بعد الاغماض عن: ان مجرد كون الاجازة، بمعنى جعل العقد السابق جائزا نافذا- لا يوجب كون مقتضى العقد، و مؤداه العرفى ترتب الأثر من حين العقد.

كما ان كون مفهوم القبول رضى بمفهوم الايجاب، و امضائه له لا يوجب ذلك، حتى يكون مقتضى: الوفاء بالعقد ترتيب الآثار من حين الايجاب فتأمل.

______________________________

مقتضى العقد المجاز عرفا) «عرفا» قيد ل: مقتضى (ترتب الآثار من حينه) اى حين العقد (فيجب شرعا العمل به) اى بالعقد (على هذا الوجه) اى من حين العقد.

(لكن نقول) مفعول نقول: ان هذا المعنى، الآتى، بعد سطرين (- بعد الاغماض عن: ان مجرد كون الاجازة، بمعنى جعل العقد السابق جائزا نافذا- لا يوجب كون مقتضى العقد، و مؤداه العرفى، ترتب الأثر من حين العقد) بل يمكن ان يكون معناه العمل بهذا المضمون فى الجملة.

(كما ان كون مفهوم القبول، رضى بمفهوم الايجاب، و امضائه) اى القبول (له) اى للايجاب (لا يوجب ذلك) النقل من حين الايجاب (حتى يكون مقتضى: الوفاء بالعقد) المستفاد من: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (ترتيب الآثار من حين الايجاب، فتأمل) اشارة الى انه لو كان معنى الاجازة امضاء ما صدر من الفضول، لزم التأثير من حين إنشاء الفضولى

ص: 182

اذ: هذا المعنى على حقيقته غير معقول لان العقد الموجود على صفة عدم التأثير، يستحيل لحوق صفة التأثير له، لاستحالة خروج الشي ء عما وقع عليه، فاذا دل الدليل الشرعى على امضاء الاجازة على هذا الوجه غير المعقول، فلا بد من صرفه- بدلالة الاقتضاء- الى إرادة معاملة العقد بعد الاجازة، معاملة العقد الواقع مؤثرا من حيث ترتب الآثار

______________________________

فلا معنى لقوله: لا يوجب كون.

و القياس للاجازة بالقبول مع الفارق.

(اذ: هذا المعنى) اى لحوق الاجازة بحيث يترتب على العقد الاثر من حين العقد (على حقيقته) التى هى عبارة عن انقلاب ما لم يكن له اثر، الى ماله اثر (غير معقول، لان العقد) من الفضولى (الموجود على صفة عدم التأثير، يستحيل لحوق صفة التأثير له) بعد اجازة المالك (لاستحالة خروج الشي ء عما وقع عليه) فان الموجود، و لو فى عالم الاعتبار، لا يعقل ان ينقلب الى نوع ثان من الموجودية (فاذا دل الدليل الشرعى على امضاء) الشارع (الاجازة على هذا الوجه غير المعقول) اى امضاءا موجبا لانقلاب الشي ء عما وقع عليه الى شي ء آخر (فلا بد من صرفه) اى الدليل الشرعى (- بدلالة الاقتضاء-) و هى ما يتوقف صدق الكلام، او صحته عليه، فان الشارع لما امتنع عليه ان يقول: شيئا مستحيلا، كان لا بد لنا من تأويل كلامه (الى إرادة) الشارع من كلامه (معاملة العقد بعد الاجازة، معاملة العقد الواقع) فى حال كونه (مؤثرا من حيث ترتب الآثار

ص: 183

الممكنة.

فاذا اجاز المالك حكمنا بانتقال نماء المبيع بعد العقد الى المشترى و إن كان اصل الملك قبل الاجازة للمالك، و وقع النماء فى ملكه.

و الحاصل: انه يعامل بعد الاجازة معاملة العقد الواقع مؤثرا من حينه، بالنسبة الى ما امكن من الآثار.

و هذا نقل حقيقى

______________________________

الممكنة) فليس مراد الشارع ان العقد صار ذا اثر، بعد ان لم يكن كذلك بل مراده ان الآثار الممكنة تترتب على العقد من حين العقد، مثلا: اذا وطئ المالك الحقيقى الامة، قبل الاجازة، ثم اجاز، يقول الشارع: اعط اجرة الوطي الى المالك الجديد، و لا يعقل ان يقول: انقلب وطيك الحلال حراما، بمجرد ان اجزت البيع- مثلا-.

(فاذا اجاز المالك حكمنا بانتقال نماء المبيع بعد العقد الى المشترى و إن كان اصل الملك) للنماء (قبل الاجازة للمالك، و وقع النماء فى ملكه) و: وقع، عطف على: اصل، اذ: هذا الامر معقول بان يكون النتاج أولا ملكا للمالك، ثم بعد الاجازة ملكا للمشترى.

(و الحاصل: انه يعامل) العقد الفضولى (بعد الاجازة معاملة العقد الواقع مؤثرا من حينه) اى حين العقد (بالنسبة الى ما امكن من الآثار) فالانقلاب الحقيقى و ما لم يمكن من الآثار لا نقول به.

(و هذا) المعنى الّذي ذكرناه، و هو ترتيب بعض الآثار الممكنة بعد الاجازة (نقل حقيقى).

ص: 184

فى حكم الكشف من بعض الجهات.

و سيأتى الثمرة بينه و بين الكشف الحقيقى، و لم اعرف من قال:

بهذا الوجه من الكشف، الا الاستاد شريف العلماء، فيما عثرت عليه من بعض تحقيقاته، و الا فظاهر كلام القائلين بالكشف، ان الانتقال فى زمان العقد.

و لذا عنون العلامة ره فى القواعد مسئلة الكشف، و النقل، بقوله:

و فى زمان الانتقال اشكال، فجعل النزاع، فى هذه المسألة نزاعا فى زمان

______________________________

لانا نقول: بترتب الآثار من الآن- بعد الاجازة- (فى حكم الكشف من بعض الجهات) و هى: جهة ترتب بعض الآثار الممكنة من حين العقد.

(و سيأتى الثمرة بينه) اى بين الكشف الحكمى (و بين الكشف الحقيقى) الّذي هو ظاهر جماعة من الفقهاء، و قد ذكرنا انه: غير معقول (و لم اعرف من قال: بهذا الوجه من الكشف، الا الاستاد شريف العلماء فيما عثرت عليه من بعض تحقيقاته، و الا فظاهر كلام القائلين بالكشف، ان الانتقال فى زمان العقد) الّذي هو كشف حقيقى، و قد عرفت انه موجب لانقلاب غير معقول.

(و لذا) الّذي ذكرنا من: ان ظاهرهم الكشف الحقيقى (عنون العلامة ره فى القواعد مسئلة الكشف، و النقل، بقوله: و فى زمان الانتقال) اى التأثير فى زمان الانتقال الّذي هو حال العقد (اشكال فجعل) العلامة (النزاع، فى هذه المسألة نزاعا فى زمان

ص: 185

الانتقال.

و قد تحصل مما ذكرنا: ان كاشفية الاجازة على وجوه ثلاثة، قال بكل منها قائل.

احدها- و هو المشهور-: الكشف الحقيقى، و التزام كون الاجازة فيها شرطا متأخرا.

و لذا اعترضهم جمال المحققين فى حاشيته على الروضة، بان الشرط لا يتأخر.

و الثانى: الكشف الحقيقى، و التزام كون الشرط تعقب العقد

______________________________

الانتقال) حتى انه على الكشف، يكون الانتقال حال العقد.

و لا يخفى ان هذا هو الكشف الحقيقى، و قد عرفت انه غير معقول.

(و قد تحصل مما ذكرنا: ان كاشفية الاجازة) فى مقابل كونها ناقلة (على وجوه ثلاثة، قال: بكل منها قائل).

(احدها- و هو المشهور-: الكشف الحقيقى، و التزام كون الاجازة فيها) اى فى معاملة الفضولى (شرطا متأخرا) فاذا جاء هذا الشرط اثر المشروط اثره.

(و لذا اعترضهم جمال المحققين فى حاشيته على الروضة، بان الشرط لا يتأخر).

اذ: الشرط من الامور المربوطة بسببية السبب، و لا يعقل ان يكون السبب باجزائه و شرائطه مقارنا للمسبب رتبة، فكيف بالتأخر.

(و الثانى: الكشف الحقيقى، و التزام كون الشرط تعقب العقد

ص: 186

بالاجازة، لا نفس الاجازة فرارا عن لزوم تاخر الشرط عن المشروط، و التزم بعضهم بجواز التصرف قبل الاجازة لو علم تحققها فيما بعد.

الثالث: الكشف الحكمى، و هو اجراء احكام الكشف بقدر الامكان مع عدم تحقق الملك فى الواقع، الا بعد الاجازة.

و قد تبين من تضاعيف كلماتنا: ان الانسب بالقواعد، و العمومات هو النقل، ثم بعده الكشف الحكمى.

______________________________

بالاجازة، لا) ان الشرط (نفس الاجازة) و عنوان التعقب مقارن مع العقد.

و انما التزموا بهذا (فرارا عن لزوم تأخر الشرط عن المشروط، و التزم بعضهم بجواز التصرف) من المشترى (قبل الاجازة لو علم تحققها) اى الاجازة (فيما بعد).

بل جواز التصرف واقعا لو حصلت الاجازة واقعا، لان الشرط التعقب لا العلم- كما لا يخفى-.

و (الثالث: الكشف الحكمى، و هو اجراء احكام الكشف بقدر الامكان) و هو الّذي تقدم عن شريف العلماء (مع عدم تحقق الملك) من حين العقد (فى الواقع، الا بعد الاجازة) فهذا نقل حقيقى فى حكم الكشف.

(و قد تبين من تضاعيف كلماتنا: ان الانسب بالقواعد، و العمومات) الدالة على كون الاثر تابع للرضا (هو النقل) و عدم ترتيب اىّ اثر سابق على الاجازة (ثم بعده) اى بعد النقل (الكشف الحكمى) و ترتيب بعض

ص: 187

و اما الكشف الحقيقى- مع كون نفس الاجازة من الشروط- فاتمامه بالقواعد فى غاية الاشكال.

و لذا استشكل فيه العلامة فى القواعد، و لم يرجحه المحقق الثانى فى حاشية الارشاد، بل عن الايضاح اختيار خلافه، تبعا للمحكى عن كاشف الرموز و قواه فى مجمع البرهان، و تبعهم كاشف اللثام فى النكاح هذا بحسب القواعد، و العمومات.

و اما الاخبار: فالظاهر من صحيحة محمد بن قيس الكشف، كما صرح به فى الدروس، و كذا الاخبار التى بعدها، لكن

______________________________

الآثار.

(و اما الكشف الحقيقى- مع كون نفس الاجازة من الشروط-) لا ان العنوان المنتزع من الاجازة، مثل: التعقب و اللحوق، من الشروط اذ: الكشف الحقيقى، لا بأس به اذا كان العنوان المنتزع شرطا (فاتمامه بالقواعد فى غاية الاشكال) لانه موجب للانقلاب- كما عرفت-.

(و لذا استشكل فيه) اى فى الكشف الحقيقى (العلامة فى القواعد و لم يرجحه المحقق الثانى فى حاشية الارشاد، بل عن الايضاح اختيار خلافه، تبعا للمحكى عن كاشف الرموز، و قواه) اى العدم (فى مجمع البرهان، و تبعهم) فى اختيار الخلاف (كاشف اللثام فى النكاح هذا) الاشكال فى الكشف الحقيقى (بحسب القواعد، و العمومات).

(و اما الاخبار: فالظاهر من صحيحة محمد بن قيس) المتقدمة (الكشف كما صرح به فى الدروس، و كذا الاخبار التى بعدها، لكن) لا يخفى

ص: 188

لا ظهور فيها للكشف بالمعنى المشهور، فيحتمل الكشف الحكمى.

نعم صحيحة ابى عبيدة الواردة فى تزويج الصغيرين فضولا، الآمرة بعزل الميراث من: الزوج المدرك الّذي اجاز، فمات، للزوجة غير المدركة حتى تدرك، و تحلف، ظاهر فى قول الكشف.

اذ: لو كان مال الميت قبل اجازة الزوجة باقية على ملك سائر الورثة كان العزل مخالفا لقاعدة: تسلط الناس على اموالهم.

فاطلاق الحكم بالعزل

______________________________

انه (لا ظهور فيها) اى فى تلك الاخبار (للكشف بالمعنى المشهور) الّذي هو الكشف الحقيقى (فيحتمل) عليه (الكشف الحكمى) بمعنى ترتيب الآثار الممكنة.

(نعم صحيحة ابى عبيدة الواردة فى تزويج الصغيرين فضولا، الآمرة بعزل الميراث من: الزوج المدرك الّذي اجاز، فمات، للزوجة غير المدركة حتى تدرك، و تحلف) فان حلفت اعطيت من المال مهرا وارثا، و الا تحلف لم تعط (ظاهر فى قول الكشف) الحقيقى.

و انما كان ظاهرا فى الكشف.

(اذ لو كان مال الميت) الّذي هو الزوج (قبل اجازة الزوجة باقية على ملك سائر الورثة) كما هو مقتضى النقل (كان العزل) لبعض اموالهم التى انتقلت إليهم بالارث (مخالفا لقاعدة: تسلط الناس على اموالهم) اذ: لا وجه للعزل حينئذ.

(فاطلاق) الشارع (الحكم بالعزل) لمقدار مال الزوجة- على

ص: 189

منضما الى: عموم الناس مسلطون على اموالهم، يفيدان العزل لاحتمال كون الزوجة غير المدركة وارثة فى الواقع، فكانه احتياط فى الاموال قد غلبه الشارع على: اصالة عدم الاجازة، كعزل نصيب الحمل، و جعله اكثر ما يحتمل.

بقى الكلام: فى بيان الثمرة بين الكشف باحتمالاته، و النقل.

فنقول: اما الثمرة على الكشف الحقيقى بين كون نفس الاجازة شرطا و كون الشرط تعقب العقد بها و لحوقها له فقد يظهر: فى جواز

______________________________

تقدير اجازتها للعقد- (منضما الى: عموم الناس مسلطون على اموالهم، يفيدان العزل) انما هو (لاحتمال كون الزوجة غير المدركة وارثة فى الواقع) و هذا لا يستقيم، الاعلى الكشف الحقيقى (فكانه) اى العزل لمجرد الاحتمال (احتياط فى الاموال) لئلا يهدر حق الزوجة (قد غلبه الشارع على) الاحتياط لمال الورثة، لان الورثة ان اخذوا المال، لم يؤدوها بعد بخلاف العزل، فانه ان لم تحلف الزوجة لم يتلف المال، بل يرجع الى الورثة.

و على (اصالة عدم الاجازة) و ذلك (ك) امر الشارع ب (عزل نصيب الحمل، و جعله) اى النصيب (اكثر ما يحتمل) كنصيب ولدين.

(بقى الكلام: فى بيان الثمرة بين الكشف باحتمالاته) الثلاثة (و النقل) الّذي ليس فيه شائبة الكشف اطلاقا.

(فنقول: اما الثمرة على الكشف الحقيقى بين كون نفس الاجازة شرطا و كون الشرط تعقب العقد بها) اى بالاجازة (و لحوقها) اى الاجازة (له) اى للعقد- و هذا عطف على: تعقب،- (فقد يظهر: فى جواز

ص: 190

تصرف كل منهما فيما انتقل إليه بانشاء الفضولى، اذا علم اجازة المالك فيما بعد.

و اما الثمرة بين الكشف الحقيقى، و الحكمى مع كون نفس الاجازة شرطا يظهر فى مثل: ما اذا وطئ المشترى الجارية قبل اجازة مالكها، فاجاز

فان الوطي على الكشف الحقيقى حرام ظاهرا، لاصالة عدم الاجازة حلال واقعا، لكشف الاجازة عن وقوعه فى ملكه و لو اولدها صارت أم ولد على الكشف الحقيقى، و الحكمى، لان مقتضى جعل العقد الواقع ماضيا ترتب

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 7، ص: 191

______________________________

تصرف كل منهما) اى من المالكين الجديدين (فيما انتقل إليه بانشاء الفضولى، اذا علم اجازة المالك فيما بعد) فانه لو كان الشرط نفس الاجازة، لم يجز التصرف، لان الشرط غير حاصل بعد، اما لو كان الشرط تعقب الاجازة، اى ان المؤثر: هو العقد المتعقب بالاجازة، فالتصرف جائز، لان هذا الشرط حاصل الآن.

(و اما الثمرة بين الكشف الحقيقى، و الحكمى- مع كون نفس الاجازة شرطا-) لا عنوان التعقب (يظهر فى مثل ما اذا وطئ المشترى الجارية قبل اجازة مالكها، فاجاز) المالك بيعها، بعد ان وطئها المشترى.

(فان الوطي على الكشف الحقيقى، حرام ظاهرا، لاصالة عدم الاجازة) و (حلال واقعا، لكشف الاجازة عن وقوعه) اى الوطي (فى ملكه) اى ملك المشترى (و لو اولدها) المشترى (صارت أم ولد، على الكشف الحقيقى و الحكمى، لان مقتضى جعل العقد الواقع ماضيا) سواء ماضيا من حينه حقيقة، او ماضيا من حينه حكما (ترتب

ص: 191

حكم وقوع الوطي فى الملك.

و يحتمل: عدم تحقق الاستيلاد على الحكمى، لعدم تحقق حدوث الولد فى الملك، و ان حكم بملكيته للمشترى بعد ذلك و لو نقل المالك أمّ الولد عن ملكه، قبل الاجازة فاجاز، بطل النقل، على الكشف الحقيقى لانكشاف وقوعه فى ملك الغير.

مع احتمال كون النقل بمنزلة الرد

______________________________

حكم وقوع الوطي فى الملك) عليه، فيكون الولد له، و تكون هى مستولدة، يترتب عليها حكم أمّ الولد.

(و يحتمل: عدم تحقق الاستيلاد على) الكشف (الحكمى، لعدم تحقق حدوث الولد فى الملك) للمشترى حال الاستيلاد (و ان حكم بملكيته للمشترى بعد ذلك) الاستيلاد (و لو نقل المالك) الاصلى (أمّ الولد عن ملكه، قبل الاجازة) كما لو باع الفضول امة زيد لعمرو فاولدها عمرو و قبل ان يجيز زيد عمل الفضول، نقلها زيد الى انسان آخر، ثم لما عرف زيد بعمل الفضول (فاجاز) البيع (بطل النقل) من زيد، الى المشترى، و صحت اجازته لمعاملة الفضول، بناء (على الكشف الحقيقى) لان الاجازة تصحح المعاملة السابقة، على معاملة نفس المالك- اى زيد- (لانكشاف وقوعه) اى نقل المالك بعد نقل الفضول (فى ملك الغير) اذ: الاجازة كشفت عن سبق نقل وقع على الامة، فلاحق لزيد فى المعاملة الثانية.

(مع احتمال كون النقل) من المالك- اى زيد- (بمنزلة الرد) لعمل الفضول، فالاجازة تقع لغوا.

ص: 192

و بقى صحيحا على الكشف الحكمى.

و على المجيز قيمتها، لانه مقتضى الجمع بين جعل العقد ماضيا من حين وقوعه، و مقتضى صحة النقل الواقع قبل حكم الشارع بهذا الجعل، كما فى الفسخ بالخيار، مع انتقال متعلقه بنقل لازم.

______________________________

و عليه فتصح المعاملة من نفس المالك (و بقى) نقل المالك (صحيحا) و عمل الفضول باطلا (على الكشف الحكمى) اذ: زيد مالك للامة حقيقة حال نقله لها، فالاجازة المتأخرة عن نقله تقع لغوا، بمعنى انها لا تؤثر فى نقل الامة الى عمرو- فى المثال-.

(و على المجيز) و هو: زيد (قيمتها) اى قيمة الامة فى المثال، فيعطى قيمته للمجاز له، الّذي هو عمرو فى المثال (لانه) باع الامة بيعين، بيعا بنفسه، و بيعا بواسطة الفضول- حيث اجازه-.

فعليه ان يعطى العين لاحدهما، و يعطى القيمة للآخر، اذ هو (مقتضى الجمع بين جعل) المالك (العقد ماضيا من حين وقوعه) اى عقد الفضولى (و مقتضى صحة النقل) الّذي فعله نفس المالك (الواقع قبل حكم الشارع بهذا الجعل) اى جعل العقد ماضيا، اذ: الشارع انما حكم بعد الاجازة (كما فى الفسخ بالخيار، مع انتقال متعلقه) اى متعلق الخيار (بنقل لازم) مثلا: لو باع زيد دارا لعمرو بيعا خياريا، ثم ان عمروا باع الدار قبل ان يأخذ زيد بالخيار، ثم فسخ زيد بيعه، فان عمروا يلزم عليه ان يعطى الدار للمشترى، و قيمتها لزيد.

ص: 193

و ضابط الكشف الحكمى: الحكم بعد الاجازة بترتب آثار ملكية المشترى، من حين العقد، فان ترتب شي ء من آثار ملكية المالك، قبل اجازته، كاتلاف النماء، و نقله، و لم يناف الاجازة، جمع بينه، و بين مقتضى الاجازة بالرجوع الى البدل.

و ان نافى الاجازة، كاتلاف العين عقلا، او شرعا، كالعتق، فات

______________________________

(و ضابط الكشف الحكمى: الحكم بعد الاجازة) من المالك (بترتب آثار ملكية المشترى، من حين العقد) لكون النماء للمشترى (فان ترتب شي ء من آثار ملكية المالك، قبل اجازته) لعقد الفضول (كاتلاف النماء، و نقله) مثلا: باع البستان الفضول يوم الخميس، و اتلف المالك ثمره يوم الجمعة، و اجاز العقد يوم السبت، او نقل الثمر، بان باعه، او وهبه او ما اشبه (و لم يناف) عمل المالك بالنسبة الى النماء تلفا، او اتلافا (الاجازة، جمع بينه) اى بين عمل المالك بالنسبة الى النماء (و بين مقتضى الاجازة) بان نقول: عمل المالك كان صحيحا، و اجازته أيضا صحيحة، لكن حيث ان مقتضى الاجازة كون النماء للمشترى، لزم ان نلتزم (بالرجوع) من المشترى (الى البدل) اى بدل النماء التالف و لا نقول: الى العين، لان عمل المالك، كان صحيحا بمقتضى: الناس مسلطون.

(و ان نافى) عمل المالك (الاجازة، كاتلاف العين عقلا) كما لو:

اكل المالك الطعام الّذي باعه الفضولى (او شرعا، كالعتق) لعبده الّذي باعه الفضولى، او الاستيلاد لامته التى باعها الفضولى (فات

ص: 194

محلها، مع احتمال الرجوع الى البدل، و سيجي ء.

ثم انهم ذكروا للثمرة بين الكشف و النقل، مواضع، منها: النماء فانه على الكشف بقول مطلق، لمن انتقل إليه العين، و على النقل، لمن انتقلت عنه.

و للشهيد الثانى فى الروضة عبارة.

______________________________

محلها) اى محل الاجازة فيصبح عمل الفضول لغوا (مع احتمال) ان نقول بصحة الاجازة و (الرجوع) من المشترى (الى) المالك ب (البدل) كان يأخذ قيمة العبد، سواء كانت ازيد من الثمن او اقل؟ (و سيجي ء) تمام الكلام فى ذلك.

(ثم انهم ذكروا للثمرة بين الكشف و النقل، مواضع، منها: النماء) المتوسط بين بيع الفضول، و اجازة المالك (فانه على الكشف بقول مطلق) اى الكشف الحقيقى، فى مقابل الكشف فى الجملة، و النقل فى الجملة- الّذي هو الكشف الحكمى- (لمن انتقل إليه العين) لان الاجازة تكشف عن انتقال المال الى المشترى منذ العقد، فالنماء بعد العقد للمشترى (و على النقل) يكون النماء (لمن انتقلت) العين (عنه) فالنماء للمالك الاول، اذ: قبل الاجازة الملك باق على ملكيته، فنماؤه له و انما بعد الاجازة ينتقل الملك الى المشترى.

(و للشهيد الثانى فى الروضة) شرح اللمعة (عبارة) هى: قوله: و تظهر الفائدة، يعنى فائدة القولين: الكشف، و النقل فى النماء، فان جعلناها كاشفة، فالنماء المنفصل المتخلل بين العقد و الاجازة الحاصل

ص: 195

توجيه المراد منها- كما فعله بعض- اولى، من توجيه حكم ظاهرها.

______________________________

من المبيع للمشترى، و نماء الثمن المعين للبائع، و لو جعلناها ناقلة فهما للمالك المجيز، انتهى.

(توجيه المراد منها) اى من العبارة (- كما فعله بعض-) اذ:

يستشكل على الشهيد فى عبارته الاخيرة، و هى قوله: فهما للمالك المجيز انه لا وجه لكون النمائين للمجيز.

اذ: على النقل، ينتقل الثمن الى المالك المجيز، و المثمن الى المشترى بمجرد الاجازة فنماء المثمن للمالك، و نماء الثمن للمشترى.

و التوجيه الّذي فعله البعض، هو: ان المراد بالمالك المجيز الجنس، بفرض الكلام فى كون كلا الطرفين فضوليا.

فلدى الاجازة يكون نماء الثمن الى قبل الاجازة لمالك الثمن المجيز و نماء المثمن الى قبل الاجازة لمالك المثمن المجيز.

فهذا التوجيه (اولى، من توجيه حكم ظاهرها) اى ظاهر العبارة.

فان ظاهر العبارة: ان كلا من نماء الثمن و نماء المثمن، لشخص واحد، فاذا باع الفضول بستان زيد لعمرو فى قبال جعل عمرو شياهه ثمنا للبستان، ثم انتج البستان قبل الاجازة، و انتجت الشياه فكلا النتاجين لزيد الّذي يجيز بعد النتاج.

اما نتاج البستان فلانه على النقل لم ينتقل البستان من ملكه، فنماؤه قبل الاجازة لزيد.

و اما نتاج الشياه، فلان عمرو الّذي هو مالكها، قد نقلها بمجرد البيع

ص: 196

- كما تكلفه آخر-

و منها: ان فسخ الاصيل لانشائه قبل اجازة الآخر، مبطل له، على القول بالنقل، دون الكشف.

______________________________

فاصبحت ملكا لزيد، فنتاجها له.

و وجه اولوية توجيه المراد، من عبارة الشهيد، من اولوية توجيه الحكم، الاشكال فى توجيه الحكم، اذ: قبل الاجازة لم تنتقل الشياه من عمرو، و لو انه كان باعها، اذ: لا يمكن النقل من جانب المشترى و عدم النقل من جانب البائع.

فان قلنا: بالكشف من جانب البائع- بعد ان اجاز- فنماء الثمن للبائع، و نماء المثمن للمشترى.

و ان قلنا: بالنقل من جانبه، فنماء المثمن للبائع، و نماء الثمن للمشترى (- كما تكلفه آخر-) فان المشترى لم يقدم على كون الثمن و نمائه للبائع مطلقا، و انما اقدم على ان يكونا له بعد ان يملكه البائع المثمن.

(و منها: ان فسخ الاصيل) كالمشترى (لانشائه) العقد (قبل اجازة الآخر) كالبائع فى المثال (مبطل له) اى للعقد (على القول بالنقل، دون الكشف) اذ: على النقل لم يتم العقد، بل حدث احد ركنيه- كالقبول فى المثال-.

و من المعلوم: ان ابطال الركن الواحد قبل مجي ء الركن الآخر مقتضى القاعدة.

اما على الكشف: فقدتم العقد ايجابا و قبولا، و انما النفوذ متوقف

ص: 197

بمعنى انه لو جعلناها ناقلة، كان فسخ الاصيل، كفسخ الموجب قبل قبول القابل، فى كونه: ملغيا لانشائه السابق، بخلاف ما لو جعلت كاشفة فان العقد تام من طرف الاصيل.

غاية الامر: تسلط الآخر على فسخه.

و هذا مبنى على ما تسالموا عليه، من جواز ابطال احد المتعاقدين، لانشائه قبل إنشاء صاحبه،

______________________________

على الاجازة، و من المعلوم ان ابطال العقد بعد تمام ركنيه لا يمكن الا اذا كان خيارا، و تقايل (بمعنى انه لو جعلناها) اى الاجازة (ناقلة كان فسخ الاصيل، كفسخ الموجب قبل قبول القابل) كما لو قال زيد: بعتك الكتاب بدرهم، و قبل ان يقول عمرو، قبلت، قال زيد: الغيت ايجابى (فى كونه) اى فسخ الاصيل (ملغيا لانشائه السابق، بخلاف ما لو جعلت) الاجازة (كاشفة، فان العقد تام من طرف الاصيل) لتمام ركنه، و ركن الطرف الآخر.

(غاية الامر: تسلّط الآخر) الّذي لم يجر هو العقد (على فسخه) فسخ العقد، بان لا يجيزه.

(و هذا) الكلام اى فسخ الاصيل قبل الاجازة يكون ملغيا للعقد، على النقل- لا على الكشف- (مبنى على ما تسالموا عليه، من: جواز ابطال احد المتعاقدين، لانشائه قبل إنشاء صاحبه) كما لو قال البائع:

بعت، ثم قبل ان يقول المشترى: قبلت، قال البائع: الغيت ايجابى، فانه موجب للالغاء، اذ: الوفاء بالعقد واجب، اما لو لم يتحقق العقد

ص: 198

بل قبل تحقق شرط صحة العقد، كالقبض فى الهبة، و الوقف، و الصدقة.

فلا يرد ما اعترضه بعض من: منع جواز الابطال على القول بالنقل معللا: بان ترتب الأثر على جزء السبب بعد انضمام الجزء الآخر، من احكام الوضع، لا مدخل لاختيار المشترى فيه.

______________________________

بعد، لم يجب الوفاء، و الشرائط يجب ان تكون موجودة الى آخر القبول، و الا لم يتحقق العقد، و لم تتحقق الشرائط هنا، اذ: من الشرائط قصدهما من اوّل العقد الى آخره، و قد انتفى قصد الموجب حال قبول القابل (بل قبل تحقق شرط صحة العقد، كالقبض فى الهبة، و الوقف، و الصدقة) فانه لو وهب الواهب، و قبل المتهب، و لكن لم يقبض، جاز للواهب الفسخ.

قالوا: لانه لا يتحقق العقد، الا بعد القبض، فلا يكون ابطاله للهبة مخالفا لدليل: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

(فلا يرد) على جواز الابطال من الاصيل قبل الاجازة- بناء على النقل- (ما اعترضه بعض) و هو المحقق القمى (من: منع جواز الابطال) للعقد من طرف الاصيل (على القول بالنقل) أيضا- كما يمنع على القول بالكشف- (معللا: بان ترتب الأثر) اى اثر المبيع (على جزء السبب) الّذي هو النقل (بعد انضمام الجزء الآخر) الّذي هو الاجازة (من احكام الوضع).

فالمعلول يترتب على العلة، شاء الاصيل أم لا؟ ف (لا مدخل لاختيار المشترى فيه) فلا ينفع فسخ المشترى قبل اجازة المالك، فى بطلان العقد

ص: 199

و فيه: ان الكلام فى ان عدم تخلل الفسخ بين جزئى السبب شرط فانضمام الجزء الآخر من دون تحقق الشرط غير مجد فى وجود المسبب.

فالاولى فى سند المنع: دفع احتمال اشتراط عدم تخلل الفسخ بإطلاقات صحة العقود، و لزومها.

______________________________

و ضمير: فيه، عائد الى: الوضع.

(و فيه) اى فى اعتراض المحقق القمى (ان الكلام فى ان عدم تخلل الفسخ بين جزئى السبب) اى الجزء الّذي هو العقد، و الجزء الّذي هو الاجازة (شرط) لتحقق العقد (فانضمام الجزء الآخر) الّذي هو الاجازة (من دون تحقق الشرط) الّذي هو عدم تخلل الفسخ (غير مجد فى وجود المسبب) اذ: لا يوجب المسبب الا بعد وجود السبب الكامل.

(فالاولى فى سند المنع) اى منع ان الفسخ من الاصيل صار قبل تحقق الاجازة- بناء على النقل- (دفع احتمال اشتراط) صدق العقد ب (عدم تخلل الفسخ) بين العقد و بين الاجازة، بان نقول: العقد اذا تحقق من الاصيل و الفضول، و لحقته الاجازة، تحقق الاثر، سواء تخلل الفسخ بين العقد و الاجازة أم لا؟

و نستدل لبقاء العقد، و عدم تضرره بالفسخ المتوسط (بإطلاقات صحة العقود، و لزومها).

فان عقد الاصيل و الفضول، مشمول لقوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، سواء فسخ الاصيل قبل اجازة المالك أم لا؟

ص: 200

و لا يخلو عن اشكال.

و منها: جواز تصرف الاصيل، فيما انتقل عنه، بناء على النقل و ان قلنا بان فسخه غير مبطل لانشائه.

فلو باع جارية من فضولى، جاز له وطيها، و ان استولدها صارت أم ولد،

______________________________

(و) لكن التمسك بالإطلاقات، لصحة العقد- و ان تعقبه الفسخ قبل الاجازة- (لا يخلو عن اشكال) للشك فى صدق القصد بعد الفسخ فهو من باب التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية.

الا ان يقال: ان العقد كان صحيحا قابلا للنفوذ قبل الفسخ، فنشك فى اسقاط الفسخ لهذه القابلية، و الاصل العدم.

(و منها) اى من مواضع ثمرة الاختلاف بين الكشف و النقل (جواز تصرف الاصيل، فيما انتقل عنه، بناء على النقل) فاذا باع الفضول دار زيد بشياه من عمرو، جاز تصرف عمرو فى الشياه قبل اجازة زيد- بناء على كون الاجازة ناقلة- (و ان قلنا بأن فسخه غير مبطل لانشائه) ان، وصلية اى يجوز تصرف الاصيل حتى على هذا القول، اى ان فسخ الاصيل قبل الاجازة، لا يبطل إنشاء الاصيل، فلا تنافى بين جواز التصرف من الاصيل و بين قابلية العقد للنفوذ اذا اجاز الطرف الآخر، كزيد فى المثال.

(فلو باع) المالك (جارية من فضولى) بان كان الفضول فى طرف المشترى- عكس مثالنا بالدار و الشياه- (جاز له) اى للبائع (وطيها و ان استولدها) المالك، قبل اجازة الطرف الآخر (صارت أم ولد) للمالك

ص: 201

لانها ملكه.

و كذا لو زوجت نفسها من فضولى، جاز لها التزويج من الغير، فلو حصل الاجازة فى المثالين، لغت، لعدم بقاء المحلّ قابلا.

و الحاصل: ان الفسخ القولى، و ان قلنا انه غير مبطل لانشاء الاصيل، الا ان له فعل ما ينافى انتقال المال عنه على وجه يفوت محل الاجازة، فينفسخ العقد بنفسه بذلك.

______________________________

(لانها) اى الجارية (ملكه) قبل اجازة الطرف، و لا يوجب العقد المركب من الاصيل و الفضول، نقلا للمال، و انما النقل بالاجازة، و لم تحصل بعد.

(و كذا لو زوجت) المرأة (نفسها من فضولى) بان قال زيد الفضول قبلت زواجك نفسك لعمرو (جاز لها التزويج من الغير) اذ: العقد المركب لم يؤثر فى كونها زوجة لعمرو (فلو حصل الاجازة فى المثالين) اى مثال استيلاد الجارية، و مثال تزويج المرأة نفسها من زوج آخر (لغت) الاجازة (لعدم بقاء المحل) للاجازة (قابلا) فان أمّ الولد، لا تنتقل، و زوجة الشخص، لا تكون زوجة لغيره، كما لا يخفى.

(و الحاصل: ان الفسخ القولى، و ان قلنا انه غير مبطل لانشاء الاصيل) فاذا انشأ الاصيل و الفضولى، ثم قال الاصيل: ابطلت العقد لم يؤثر كلامه فى الابطال (الا ان له) اى يحق للاصيل (فعل ما ينافى انتقال المال عنه) كوطى الجارية و استيلادها، او التصرف فى المبيع تصرفا موجبا لبطلان عقده الاول (على وجه يفوت محل الاجازة، فينفسخ العقد بنفسه) لا بابطال الاصيل ابطالا لفظيا (بذلك) الفعل، كما لو باع

ص: 202

و ربما احتمل عدم جواز التصرف، على هذا القول أيضا.

و لعله: لجريان عموم: وجوب الوفاء بالعقد، فى حق الاصيل و ان لم يجب فى الطرف الآخر.

و هو الّذي يظهر من المحقق الثانى، فى مسئلة شراء الغاصب بعين المال المغصوب حيث قال: لا يجوز للبائع، و لا للغاصب التصرف فى العين.

______________________________

ثانيا، ما باعه للفضول أولا، او وقفه، او وهبه، او تصدق به، او ما اشبه ذلك.

(و ربما احتمل عدم جواز التصرف) من الاصيل فى ما عقد عليه (على هذا القول) اى قول من يقول: بعدم حقه فى ابطال العقد، بعد ان قبله الفضولى (أيضا).

فكما لا يصح الابطال اللفظى، كذلك لا يجوز الابطال العملى.

(و لعله) اى وجه عدم جواز التصرف المنافى للعقد (لجريان عموم:

وجوب الوفاء بالعقد، فى حق الاصيل) لانه عقد، فيصدق عليه: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و مقتضاه عدم بطلان عقده بالابطال، و لا جواز تصرفه فيه (و ان لم يجب) الوفاء بالعقد (فى الطرف الآخر) المالك الّذي اجرى الفضول العقد على ماله، اذ: قبل الاجازة ليس العقد عقده.

(و هو) اى عدم جواز تصرف الاصيل (الّذي يظهر من المحقق الثانى، فى مسئلة شراء الغاصب بعين المال المغصوب) كما لو غصب زيد دينار عمرو، فاشترى به كتابا من خالد (حيث قال) المحقق (لا يجوز للبائع و لا للغاصب، التصرف فى العين) الّذي هو الكتاب فى المثال.

ص: 203

لامكان الاجازة، سيما على القول بالكشف، انتهى.

و فيه: ان الاجازة- على القول بالنقل- له مدخل فى العقد، شرطا او شطرا، فما لم يتحقق الشرط، او الجزء، لم يجب الوفاء على احد المتعاقدين، لان المأمور بالوفاء هو: العقد المقيد الّذي لا يوجد الّا بعد القيد.

______________________________

اما البائع، فلانه باع كتابه، فيشمله: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

و اما الغاصب، فلان الكتاب ليس بماله، بل هو: اما مال المغصوب منه، او مال المشترى (لامكان الاجازة) من صاحب الكتاب، للمعاملة، و هذا علة عدم جواز تصرف البائع- كخالد فى المثال- (سيما على القول بالكشف) اى كشف الاجازة عن تحقق النقل و الانتقال حال اجراء العقد فان الكتاب حينئذ خرج من مال خالد، فلا يجوز له التصرف فيه (انتهى) كلام المحقق.

(و فيه: ان الاجازة- على القول بالنقل- له مدخل فى العقد، شرطا او شطرا) اى جزءا (فما لم يتحقق الشرط، او الجزء، لم يجب الوفاء على احد) من (المتعاقدين).

فقول المحقق الثانى: سيما على القول بالكشف، الّذي يظهر منه كون الحكم أيضا: عدم جواز تصرف المالك البائع الاصيل فى الكتاب- فى المثال- محل نظر (لان المأمور بالوفاء) به حسب قوله تعالى:

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (هو: العقد المقيد) بالاجازة حتى يتحقق: عقودكم.

و الاضافة الى الشخص لا يتحقق الا بعد الاجازة (الّذي لا يوجد الا بعد القيد

ص: 204

و هذا كله على النقل.

و اما على القول بالكشف، فلا يجوز التصرف فيه على ما يستفاد من كلمات جماعة، كالعلامة، و السيد العميدى، و المحقق الثانى، و ظاهر غيرهم.

و ربما اعترض عليه، بعدم المانع له من التصرف، لان مجرد احتمال انتقال المال عنه فى الواقع، لا يقدح فى السلطنة الثابتة له.

و لذا صرح بعض المعاصرين

______________________________

و هذا كله) اى صحة التصرف من المالك الاصيل، قبل اجازة المالك الثانى، انما هو (على النقل) لانه ما دام لم تكن اجازة، لم يكن نقل.

(و اما على القول بالكشف، فلا يجوز التصرف فيه) اى تصرف المالك الاصيل قبل الاجازة فيما انتقل عنه (على ما يستفاد من كلمات جماعة، كالعلامة، و السيد العميدى، و المحقق الثانى، و ظاهر غيرهم) أيضا ذلك.

(و ربما اعترض عليه) اى على قولهم: بعدم جواز التصرف فيما انتقل عنه، قبل الاجازة (بعدم المانع له) اى للاصيل (من التصرف، لان مجرد احتمال انتقال المال عنه فى الواقع) اذ: هو يحتمل اجازة الطرف، الكاشفة عن انتقال المال (لا يقدح فى السلطنة الثابتة له) فان:

النّاس مسلّطون على اموالهم

، شامل له، و يشك فى زوال هذه السلطنة، فالاصل بقائها.

(و لذا) الّذي لا يضر احتمال انتقال المال (صرح بعض المعاصرين

ص: 205

بجواز التصرف مطلقا.

نعم اذا حصلت الاجازة كشفت عن بطلان كل تصرف، مناف لانتقال المال الى المجيز فيأخذ المال مع بقائه، و بدله مع تلفه.

قال: نعم لو علم باجازة المالك، لم يجز له التصرف، انتهى.

اقول: مقتضى عموم: وجوب الوفاء، وجوبه على الاصيل، و لزوم العقد، و حرمة نقضه من جانبه.

و وجوب الوفاء عليه، ليس مراعى باجازة المالك، بل مقتضى العموم

______________________________

بجواز التصرف) اى تصرف الاصيل (مطلقا) اى سواء قلنا بالكشف او النقل؟

(نعم اذا حصلت الاجازة) بعد التصرف (كشفت عن بطلان كل تصرف، مناف لانتقال المال الى المجيز) كما لو تصرف الاصيل فى المال بالركوب او ببيعها- مثلا- (فيأخذ) المجيز (المال مع بقائه، و بدله مع تلفه) كما لو تعدى الاصيل على الدابة فتلفت.

(قال) هذا المعاصر (نعم) يستثنى من قولنا: بجواز التصرف مطلقا ما (لو علم) الاصيل (باجازة المالك، لم يجز له التصرف، انتهى) لانه يعلم بانتقال المال عنه، فلا استصحاب لبقاء السلطة.

(اقول: مقتضى عموم: وجوب الوفاء) المستفاد من: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (وجوبه) اى الوفاء (على الاصيل، و لزوم العقد) عليه (و حرمة نقضه) بالتصرف (من جانبه) اى جانب الاصيل.

(و وجوب الوفاء عليه) اى على المالك (ليس مراعى باجازة المالك) اذ: الآية مطلقة (بل مقتضى العموم

ص: 206

وجوبه حتى مع العلم بعدم اجازة المالك.

و من هنا يظهر: انه لا فائدة فى اصالة عدم الاجازة.

لكن ما ذكره البعض المعاصر، صحيح على مذهبه، فى الكشف من كون العقد مشروطا بتعقبه بالاجازة، لعدم احراز الشرط مع الشك فلا يجب الوفاء به، على احد من المتعاقدين.

______________________________

وجوبه) اى الوفاء (حتى مع العلم) من الاصيل (بعدم اجازة المالك).

لكن ربما يقال: ان صدق: العقد، متوقف على الاجازة- على نحو الكشف- فاذا علم بعد الاجازة، فلا عقد، و لو شك، فالاصل: بقاء السلطة.

(و من هنا) اى مما ذكرنا من: وجوب الوفاء، حتى فى صورة العلم بعدم الاجازة (يظهر: انه: لا فائدة فى اصالة عدم الاجازة) لان العلم بعدم الاجازة، اذا لم يضر، لم يضر الشك فى عدم الاجازة بطريق اولى.

(لكن ما ذكره البعض المعاصر) من: جريان اصالة عدم الاجازة، و جواز التصرف مطلقا (صحيح على مذهبه، فى الكشف من كون العقد مشروطا بتعقبه بالاجازة).

و انما نقول: بانه صحيح (لعدم احراز الشرط) الّذي هو الاجازة (مع الشك) فى انه هل يجيز أم لا؟ (فلا يجب الوفاء به، على احد من المتعاقدين).

اما على المالك، فلانه لم يجز بعد، حتى يكون العقد عقده فيشمله دليل:

الوفاء.

و اما على الاصيل، فلانه يشك فى الاجازة، فيستصحب بقاء سلطته.

ص: 207

و اما على المشهور فى معنى الكشف، من: كون نفس الاجازة المتأخرة شرطا، لكون العقد السابق بنفسه مؤثرا تاما، فالذى يجب الوفاء به، هو: نفس العقد من غير تقييد، و قد تحقق، فيجب على الاصيل الالتزام به، و عدم نقضه الى ان ينقض، فان رد المالك، فسخ العقد من طرف الاصيل كما ان اجازته امضاء له من طرف الفضولى.

و الحاصل: انه اذا تحقق العقد، فمقتضى: العموم- على القول

______________________________

(و اما على المشهور فى معنى الكشف، من: كون نفس الاجازة المتأخرة شرطا، لكون العقد السابق بنفسه مؤثرا تاما) لا ان العقد المتعقب بالاجازة مؤثر- كما يقوله المعاصر- (فالذى يجب الوفاء به، هو نفس العقد من غير تقييد) بشي ء كالاجازة (و قد تحقق) العقد (فيجب على الاصيل الالتزام به، و عدم نقضه الى ان ينقض) بسبب رد المالك (فان رد المالك، فسخ العقد من طرف الاصيل).

و حينئذ يتمكن الاصيل، ان يتصرف فى ماله، اما قبله فلا (كما ان اجازته) اى اجازة المالك للعقد (امضاء له) اى للعقد (من طرف الفضولى) بمعنى: ان العمل الّذي عمله الفضولى، فهو ممضى.

(و الحاصل:) ان كلام المعاصر من جواز التصرف فى المال، للاصيل غير تام، على مذهب المشهور- الذين يجعلون الاجازة، صرف كاشف محض، و انما المؤثر عندهم هو العقد فقط، بدون اشتراط بالاجازة- (انه اذا تحقق العقد) بين الاصيل و الفضول (فمقتضى: العموم) اى عموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (- على القول

ص: 208

بالكشف المبنى على كون ما يجب الوفاء به هو العقد، من دون ضميمة شي ء، شرطا او شطرا- حرمة نقضه على الاصيل مطلقا.

فكل تصرف يعد نقضا لعقد المبادلة، بمعنى عدم اجتماعه مع صحة العقد، فهو غير جائز.

و من هنا: تبين فساد توهم ان العمل بمقتضى العقد كما يوجب حرمة تصرف الاصيل فيما انتقل عنه، كذلك توجب جواز تصرفه فيما انتقل إليه

______________________________

بالكشف) «على مذاق المشهور» و هو (المبنى على كون ما يجب الوفاء به- هو العقد) فقط (من دون ضميمة شي ء) آخر- كالاجازة- الى العقد (شرطا او شطرا) و جزءا- فلا تكون الاجازة شرط العقد، و لا جزئه (حرمة) مفعول: مقتضى (نقضه) اى العقد (على الاصيل مطلقا) سواء علم بالاجازة اوشك فى الاجازة؟

(فكل تصرف يعد نقضا لعقد المبادلة.) الّذي اجراه الاصيل، و الفضول، نقضا (بمعنى عدم اجتماعه) اى ذلك التصرف (مع صحة العقد فهو غير جائز) سواء كان تصرفا غير متلف، او تصرفا متلفا.

(و من هنا) الّذي ذكرنا ان مقتضى: الوفاء، عدم تصرفه فى ماله المنتقل عنه- (تبين فساد توهم ان العمل بمقتضى العقد) من جانب الاصيل (كما يوجب حرمة تصرف الاصيل فيما انتقل عنه، كذلك توجب جواز تصرفه) اى الاصيل (فيما انتقل إليه) من مال المالك.

و كان وجه قوله: تبين، التبين بالالتزام، اذ: لم يكن تبين صريح من الكلام السابق.

ص: 209

لان مقتضى العقد، مبادلة المالين.

فحرمة التصرف فى ماله- مع حرمة التصرف فى عوضه- ينافى مقتضى العقد، اعنى المبادلة.

توضيح الفساد: ان الثابت من وجوب وفاء العاقد بما التزم على نفسه من المبادلة، حرمة نقضه و التخطى عنه.

و هذا لا يدل الاعلى حرمة التصرف فى ماله، حيث التزم بخروجه عن

______________________________

و الحاصل من الاستدلال الّذي توهمه المتوهم، انه ان منع الاصيل من التصرف فى ماله، لزم ان تقولوا: بجواز تصرفه فى مال الطرف، لكن حيث لا تقولون: بجواز تصرفه فى مال الطرف، كان اللازم ان لا تقولوا:

بحرمة تصرفه فى مال نفسه (لان مقتضى العقد، مبادلة المالين) باعطاء مال نفسه، و اخذ مال طرفه.

(فحرمة التصرف فى ماله- مع حرمة التصرف فى عوضه- ينافى مقتضى العقد، اعنى المبادلة) اذ: المبادلة، قوامها ذهاب مال، و مجي ء مال آخر مكانه، فاذا ذهب المال: و حرم التصرف فيه، و لم يجئ مال آخر مكانه: بان لم يجز التصرف فى مال المالك، لم تكن مبادلة.

(توضيح الفساد) الّذي قلنا: تبين فساد (ان الثابت من وجوب وفاء العاقد بما التزم على نفسه من المبادلة، حرمة نقضه و التخطى عنه) بان لا يهتم بالمبادلة، و كانها لم تحدث.

(و هذا) اى وجوب الوفاء، و حرمة النقض (لا يدل الاعلى حرمة التصرف فى ماله، حيث التزم) الاصيل (بخروجه) اى ماله (عن

ص: 210

ملكه، و لو بالبدل.

و اما دخول البدل فى ملكه، فليس مما التزمه على نفسه، بل مما جعله لنفسه.

و مقتضى: الوفاء بالعقد، حرمة رفع اليد عما التزم على نفسه.

و اما قيد كونه بإزاء مال، فهو خارج عن الالتزام على نفسه و إن كان داخلا فى مفهوم المبادلة، فلو لم يتصرف فى مال صاحبه، لم يكن ذلك نقضا للمبادلة فالمرجع فى هذا التصرف

______________________________

ملكه، و لو بالبدل) الّذي هو مال الطرف المقابل.

(و اما دخول البدل فى ملكه) اى ملك الاصيل (فليس مما التزمه) الاصيل (على نفسه) اذ: هو نفع له، لا ضرر عليه (بل مما جعله لنفسه) و نفعا لنفسه

(و مقتضى: الوفاء بالعقد، حرمة رفع اليد عما التزم على نفسه) من كون ماله قد انتقل الى الغير.

(و اما قيد كونه) اى كون خروج ماله عن ملكيته الى ملكية غيره (بإزاء مال) يدخل فى ملكيته من طرف المالك الآخر (فهو خارج عن الالتزام على نفسه) اذ: قد عرفت انه لنفسه (و إن كان) «بإزاء مال» (داخلا فى مفهوم المبادلة) لتوقف حقيقتها على ذلك (فلو لم يتصرف) الاصيل (فى مال صاحبه، لم يكن ذلك) اى عدم التصرف (نقضا للمبادلة).

لكن يستشكل هذا: بان عدم التصرف، شي ء لا يضر بمفهوم المبادلة، و عدم الدخول فى ملكه شي ء يضر بمفهوم المبادلة.

و كيف كان (فالمرجع فى هذا التصرف) اى التصرف فى مال الغير

ص: 211

فعلا و تركا الى ما يقتضيه الاصل و هى: اصالة عدم الانتقال.

و دعوى: ان الالتزام المذكور، انما هو على تقدير الاجازة و دخول البدل فى ملكه.

فالالتزام معلق على تقدير، لم يعلم تحققه، فهو: كالنذر المعلق على شرط، حيث حكم جماعة بجواز التصرف فى المال المنذور، قبل تحقق الشرط، اذا لم يعلم بتحققه.

______________________________

(فعلا) بان يتصرف (و تركا) بان لا يتصرف (الى ما يقتضيه الاصل) العملى (و هى: اصالة عدم الانتقال) الى الاصيل.

(و دعوى) ان الامر ليس كذلك، بل للاصيل التصرف فى ماله قبل الاجازة، ل (ان الالتزام المذكور) اى التزام الاصيل بكون مال نفسه منتقلا الى الطرف الآخر (انما هو على تقدير الاجازة) من الطرف الآخر (و) على تقدير (دخول البدل فى ملكه) اى ملك الاصيل.

اذ: الاصيل لم يعط ماله للطرف مجانا، بل بعوض، و العوض لا يتحقق الا باجازة الطرف الآخر.

(فالالتزام معلق على تقدير، لم يعلم تحققه) لان الاصيل، لا يعلم هل يجيز الطرف الآخر، أم لا؟ (فهو) اى نقل الاصيل ماله (كالنذر المعلق على شرط) كما لو نذر: ان هذه الشاة صدقة ان جاء ولده (حيث حكم جماعة بجواز التصرف فى المال المنذور قبل تحقق الشرط) اى قبل مجي ء الولد فى المثال (اذا لم يعلم بتحققه) و ذلك لاصالة بقاء سلطته حين الشك، فى انه هل يتحقق مجي ء الولد أم لا؟

ص: 212

فكما ان التصرف- حينئذ- لا يعد حنثا، فكذا التصرف فيما نحن فيه قبل العلم بتحقق الاجازة، لا يعد نقضا لما التزمه، اذ: لم يلتزمه فى الحقيقة، الا معلقا.

مدفوعة:- بعد تسليم جواز التصرف فى مسئلة النذر المشهورة بالاشكال ان الفرق بينهما، ان الالتزام هنا غير معلق على الاجازة، و انما التزم بالمبادلة متوقعا للاجازة فيجب عليه

______________________________

(فكما ان التصرف) فى المنذور (- حينئذ-) اى حين الشك فى تحقق الشرط (لا يعد حنثا) للنذر (فكذا التصرف فيما نحن فيه) اى تصرف الاصيل فى مال نفسه فى مسئلتنا (قبل العلم بتحقق الاجازة، لا يعد نقضا لما التزمه) الاصيل بكون ماله للطرف، فى مقابل ان يكون مال الطرف له (اذ: لم يلتزمه) الاصيل (فى الحقيقة، الا معلقا)

فدعوى: ان ماله للطرف معلقا بكون مال الطرف له.

(مدفوعة) خبر: دعوى (- بعد تسليم جواز التصرف فى مسئلة النذر المشهورة بالاشكال-) اذ: اللازم ان يبقى المنذور على حاله كى يتمكن الوفاء بالنذر، عند تحقق النذر فرضا ب (ان الفرق بينهما) اى بين مسئلة النذر الّذي يجوز التصرف اذا كان تحقق متعلق النذر مشكوكا و مسئلة بيع الاصيل الّذي لا يجوز التصرف اذا كان تحقق الاجازة مشكوكا (ان الالتزام هنا) من الاصيل بكون ماله للطرف الآخر (غير معلق على الاجازة، و انما التزم بالمبادلة متوقعا للاجازة) اى فى حالكونه يتوقع و ينتظر ان يجيز الطرف الآخر (فيجب عليه) اى على الاصيل

ص: 213

الوفاء به، و يحرم عليه نقضه الى ان يحصل ما يتوقعه من الاجازة، او ينتقض التزامه برد المالك.

و لاجل ما ذكرنا:- من اختصاص حرمة النقض بما يعد من التصرفات منافيا لما التزمه الاصيل على نفسه، دون غيرها- قال فى القواعد، فى باب النكاح: و لو تولى الفضولى احد طرفى العقد، ثبت فى حق المباشر تحريم المصاهرة.

فان كان زوجا، حرمت عليه الخامسة، و الاخت و الام، و البنت، الا

______________________________

(الوفاء به) اى بما التزمه (و يحرم عليه نقضه الى ان يحصل ما يتوقعه من الاجازة) من الطرف الآخر (او ينتقض التزامه) اى التزام الاصيل (برد المالك) للمعاملة.

(و لاجل ما ذكرنا:- من اختصاص حرمة النقض بما يعد من التصرفات منافيا لما التزمه الاصيل على نفسه، دون غيرها-) اى سائر التصرفات غير المنافية لالتزام الاصيل (قال فى القواعد، فى باب النكاح: و لو تولى الفضولى احد طرفى العقد) الايجاب او القبول (ثبت فى حق) الطرف الآخر (المباشر) بنفسه للعقد (تحريم المصاهرة) المنافية للمباشر.

(فان كان) المباشر (زوجا) بان: نكح الفضولى زيد ابنت عمرو، و قبل الزوج بنفسه العقد (حرمت عليه الخامسة) اذا كانت عنده اربع (و الاخت، و الام، و البنت) لبنت عمرو، الاخت جمعا و البنت حال بقاء العقد، و ان لم يدخل بالام، و البنت بمجرد العقد دخل، أم لم يدخل بالام (الا

ص: 214

اذا فسخت على اشكال فى الام.

و فى الطلاق نظر، لترتبه على عقد لازم، فلا يبيح المصاهرة.

______________________________

اذا فسخت) البنت النكاح، بان لم تجز بنت عمرو النكاح، فانه تحل حينئذ الاخت، و الخامسة، و البنت (على اشكال فى الام).

هل انه يصح ان يأخذها زيد بعد بطلان نكاح البنت؟ لان عدم اجازة البنت كاشف عن عدم وقوع النكاح على الام اصلا، فليست أم المزوجة.

أو لا يصح، لان زيدا اقدم بنفسه على الزواج، و تم الامر من جانبه، فصارت أم البنت، أم الزوجة، فلا يصح له نكاحها اطلاقا، لان مجرد النكاح للبنت يوجب حرمة الام، لقوله تعالى: وَ أُمَّهٰاتُ نِسٰائِكُمْ.

(و فى) كون (الطلاق) مفيدا فى رفع حرمة المصاهرة (نظر) فاذا طلق الزوج الاصيل النكاح الّذي اوقعه مع الفضولى- و قد اوقع الطلاق قبل رد البنت او اجازتها-.

فهل تحل الخامسة، و بنتها، و أمها، و ما اشبه، لان الطلاق خصم النكاح فعادت الامور كالسابق.

او لا تحل (لترتبه) اى الطلاق الموجب للحلية (على عقد لازم) و العقد فى المقام ليس بلازم، لتوقفه على اجازة الزوجة، فلا يؤثر الطلاق هنا اثره المتوقع منه فى سائر الطلاقات (فلا يبيح) هذا الطلاق (المصاهرة) التى كانت محرمة بسبب النكاح، كاخذه: لاختها او أمها، او ما اشبه.

ص: 215

و ان كانت زوجة لم يحل لها نكاح غيره، الا اذا فسخ، و الطلاق هنا معتبر، انتهى.

و عن كشف اللثام: نفى الاشكال.

و قد صرح أيضا جماعة بلزوم النكاح المذكور من طرف الاصيل، و فرعوا عليه تحريم المصاهرة.

______________________________

(و ان كانت) الاصيل فى اجراء النكاح (زوجة) بان نكحت نفسها لزيد، و قبل خالد من قبل زيد فضولة (لم يحل لها نكاح غيره) قبل ان يرد الزوج، او يجيز (الا اذا فسخ) الزوج النكاح (و الطلاق) من قبل الزوج (هنا معتبر) اذ: معناه قبول النكاح، فاذا طلق الزوج، كان معناه انه قبل النكاح.

و عليه فيترتب على هذا النكاح جميع ما يترتب على النكاح الصحيح، من قبيل حرمة اب الزوج على الزوجة و ما اشبه (انتهى) كلام القواعد.

(و عن كشف اللثام: نفى الاشكال) يعنى فى تحريم المصاهرة من طرف المباشر، فاذا باشر الزوج النكاح مع فضولى، عن طرف المرأة، لم يجز للزوج قبل فسخ المرأة، ان يأخذ اخت المرأة، و هكذا، لان الامر، تم من قبله، اما المرأة فيحق لها ان تزوج نفسها، لانها لم تزوج نفسها بالرجل.

(و قد صرح أيضا جماعة بلزوم النكاح المذكور) اى ما كان طرفه اصيلا و طرفه الآخر فضوليا (من طرف الاصيل، و فرعوا عليه) اى على كونه صحيحا من طرف الاصيل (تحريم المصاهرة) فلا يحق للاصيل ان يأخذ محرمات النكاح مطلقا، كام الزوجة، و اب الزوج.

ص: 216

و اما مثل النظر الى المزوجة فضولا، و الى أمها- مثلا- و غيره، مما لا يعد تركه نقضا لما التزم التعاقد على نفسه.

فهو باق تحت الاصول، لان ذلك من لوازم علاقة الزوجية غير الثابتة بل المنفية بالاصل.

فحرمة نقض العاقد لما عقد على نفسه لا تتوقف على ثبوت نتيجة العقد اعنى

______________________________

او جمعا كاخت الزوجة، او ما اشبه كبنت الزوجة فى حال عدم الفسخ و الطلاق- فيما لم يدخل بها-.

(و اما مثل النظر الى المزوجة فضولا) بان كان الفضولى فى جانب الزوجة، و الزوج هو الاصيل (و الى أمها- مثلا-) كجدتها أيضا (و غيره) اى غير النظر كالاستمتاع و الارث منها اذا ماتت (مما لا يعد تركه) اى ترك النظر و نحوه (نقضا لما التزم العاقد على نفسه) و قد تقدم ان نقض العاقد لما التزم على نفسه محظور، لانه خلاف: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

(فهو) اى: مثل النظر (باق تحت الاصول) الاولية، فيحرم نظر الزوج إليها، و الى سائر محارم المصاهرة، و لا يرث منها لو ماتت، و هكذا (لان ذلك) اى: مثل النظر (من لوازم علاقة الزوجية غير الثابتة) بمجرد عقد اصيل و فضولى (بل المنفية) تلك العلاقة (بالاصل) لانها لم تكن، و لا نعلم بانها حدثت أم لا؟

(فحرمة نقض العاقد) الاصيل (لما عقد على نفسه) اى عقدا كان التزاما على نفسه: لا لنفسه، (لا تتوقف) حرمة النقض (على ثبوت نتيجة العقد اعنى

ص: 217

علاقة الملك، او الزوجية، بل ثبوت النتيجة تابع لثبوت حرمة النقض من الطرفين.

ثم ان بعض متأخرى المتاخرين ذكر ثمرات اخر، لا بأس بذكرها للتنبه بها، و بما يمكن ان يقال عليها.

منها ما لو انسلخت قابلية الملك عن احد المتبايعين بموته قبل اجازة الآخر، او بعروض كفر بارتداد فطرى.

______________________________

علاقة الملك) فى مسئلتنا، و هى مسئلة بيع اصيل و فضولى (او الزوجية) فيما لو زوج احد الطرفين نفسه اصالة، و كان الفضول طرفا عن الطرف الآخر (بل ثبوت النتيجة) و ترتب مطلق الآثار على البيع، او الزواج (تابع لثبوت حرمة النقض من الطرفين).

و لا اشكال فى جواز التفكيك فى الاحكام الشرعية، كما لو شهدت امرأة واحدة بالوصية، فانه يثبت بشهادتها بعض الوصية، مع انه فى الواقع لا يخلو الامر من وجود الوصية او عدمها، فاللازم ان تثبت الوصية بكاملها أو لا يثبت شي ء منها.

(ثم ان بعض متأخرى المتأخرين ذكر ثمرات اخر) للقول بالكشف، او النقل (لا بأس بذكرها للتنبه بها، و بما يمكن ان يقال عليها) اى يستشكل على تلك الثمرات.

(منها ما لو انسلخت قابلية الملك عن احد المتبايعين بموته قبل اجازة الآخر) كما لو باع زيد الاصيل كتابه لبكر الفضول عن قبل خالد، ثم مات زيد قبل اجازة خالد (او بعروض كفر) لزيد (بارتداد فطرى) لان المرتد

ص: 218

او غيره، مع كون المبيع عبدا مسلما، او مصحفا، فيصح- حينئذ- على الكشف، دون النقل، و كذا لو انسلخت قابلية المنقول بتلف، او عروض نجاسة له مع ميعانه الى غير ذلك و فى مقابله ما لو تجددت القابلية قبل الاجازة بعد انعدامها حال العقد

______________________________

الفطرى يخرج امواله عن ملكه (او غيره) اى غير الفطرى- و هو الملى- (مع كون المبيع عبدا مسلما، او مصحفا) لان المرتد و لو كان مليا كافر، و الكافر لا يسلط على العبد المسلم، او المصحف، (فيصح) البيع (- حينئذ-) اى حين ارتد قبل اجازة الآخر، و بعد ذلك اجاز الآخر (على الكشف) لان البيع وقع فى حال كون زيد- الّذي ارتد بعد ذلك مسلما مالكا لا حواله، و للعبد المسلم، و للمصحف (دون النقل) اذ:

الانتقال يقع الآن، فى حال كفر زيد، و من المعلوم ان زيدا لا يملك الآن شيئا (و كذا لو انسلخت قابلية المنقول بتلف) كما لو تلف الكتاب قبل اجازة خالد (او عروض نجاسة له مع ميعانه، الى غير ذلك) فيما كانت الاستفادة منه متوقفة على الطهارة، و لم يكن قابلا لها، كما لو تنجس الدبس، فانه على الكشف يصح البيع، لان الكتاب حين البيع كان قائما، و الدبس كان طاهرا، و على النقل لا يصح البيع، لان حال الاجازة لا وجود للكتاب، و لا طهارة للدبس (و فى مقابلة) اى مقابل ما تقدم من صحة البيع، على الكشف دون النقل حيث ان فى الامثلة الآتية يصح على النقل، دون الكشف (ما لو تجددت القابلية قبل الاجازة بعد انعدامها) اى فقد القابلية (حال العقد) فانه يصح على النقل دون الكشف

ص: 219

كما لو تجددت الثمرة و بدا صلاحها بعد العقد، قبل الاجازة و فيما قارن العقد فقد الشروط، ثم حصلت، و بالعكس.

و ربما: يعترض على الاول بامكان دعوى: ظهور الادلة فى اعتبار استمرار القابلية الى حين الاجازة على الكشف، فيكشف الاجازة عن حدوث الملك من حين العقد مستمرا الى حين الاجازة.

______________________________

(كما لو تجددت الثمرة و بدأ صلاحها بعد العقد، قبل الاجازة) فيما لو باعها الاصيل و الفضولى، قبل بدو الصلاح، فان البيع حينئذ لا يصح.

فان قلنا: بالكشف، بطل البيع لانه وقع حال عدم صحة البيع.

و ان قلنا: بالنقل صح، لان البيع وقع حال بدو الصلاح الموجب للصحة (و فيما قارن العقد فقد الشروط، ثم حصلت) بان كان الشرط حال العقد مفقودا، ثم حصل الشرط قبل الاجازة، فانه يصح العقد على النقل دون الكشف (و بالعكس) بان قارن العقد وجود الشرط، ثم فقد الشرط قبل الاجازة، فانه يصح العقد على الكشف، دون النقل- هذه الثمرة مما ذكره الشيخ جعفر الكبير فى شرحه على القواعد-

(و ربما: يعترض على الاول) و المعترض صاحب الجواهر (بامكان دعوى: ظهور الادلة فى اعتبار استمرار القابلية الى حين الاجازة) بناء (على الكشف، فيكشف الاجازة عن حدوث الملك من حين العقد مستمرا الى حين الاجازة) فلا فرق فى بطلان العقد بموت احد المتبايعين قبل الاجازة، بين الكشف و النقل.

اما على النقل، فواضح.

ص: 220

و فيه: انه: لا وجه لاعتبار استمرار القابلية، و لا استمرار التملك المكشوف عنه بالاجازة الى حينها، كما لو وقعت بيوع متعددة على ماله، فانهم صرحوا بان اجازة الاول، توجب صحة الجميع، مع عدم بقاء مالكية الاول مستمرا

______________________________

و اما على الكشف، فانه و إن كانت الحياة التى هى شرط كانت موجودة حال البيع، لكن اللازم بقاء الشرط الى حال الاجازة، فى الكشف، و حيث لم يبق الشرط، انتفى صلوح العقد للحوق الاجازة عليه.

(و فيه) اى فى اعتراض صاحب الجواهر على كاشف الغطاء (انه: لا وجه لاعتبار استمرار القابلية) على الكشف (و لا استمرار التملك المكشوف عنه) اى عن ذلك التملك (بالاجازة الى حينها) اى حين الاجازة، بل يكفى وجود القابلية كحياة زيد حال العقد فقط، كما يكفى وجود التملك- ككون الدبس طاهرا- حال العقد، و ان مات زيد و تنجس الدبس قبل الاجازة (كما لو وقعت بيوع متعددة) فضولية (على ماله) اى مال المالك (فانهم صرحوا بان اجازة) المالك البيع (الاول، توجب صحة الجميع) كما لو باع زيد مال محمد لبكر، و باع البكر لخالد، و باع الخالد لعمرو، فان محمدا اذا اجاز البيع صحت البيوع اللاحقة (مع عدم بقاء مالكية الاول مستمرا) اذ: بالاجازة خرج المال عن ملك محمد، فكيف يمكن ان تصحح الاجازة البيع الثانى، و الثالث؟ التى وقعت حال خروج المال عن ملك محمد.

اذ: باجازة محمد خرج المال عن ملكه، فالبيع الثانى- اذا اريد

ص: 221

و كما يشعر بعض اخبار المسألة المتقدمة، حيث ان ظاهر بعضها، و صريح الآخر عدم اعتبار حياة المتعاقدين حال الاجازة.

مضافا الى فحوى خبر تزويج الصغيرين الّذي يصلح ردا لما ذكر فى الثمرة الثانية،

______________________________

تأثير الاجازة فيه- انما كان بعد خروج المال عن ملك محمد باجازته البيع الاول، فكيف تؤثر اجازة محمد فى صحة هذا البيع الثانى؟

و ان شئت قلت تأثير الاجازة فى البيع الثانى، انما هو بعد خروج المال عن ملك زيد بسبب تأثير الاجازة فى البيع الاول (و كما يشعر) بعدم اعتبار استمرار القابلية (بعض اخبار المسألة المتقدمة) مسئلة الفضولى (حيث ان ظاهر بعضها، و صريح الآخر عدم اعتبار حياة المتعاقدين) اى حياة كليهما، بان مات احدهما (حال الاجازة).

و اورد على المصنف ره بانه لم يتقدم منه، كما ليس فى اخبار الباب ما يدل على ما ذكره.

اللهم الا ان يريد بالظهور اطلاق اخبار الفضولى.

(مضافا الى فحوى خبر تزويج الصغيرين الّذي يصلح ردّا لما ذكر فى الثمرة الثانية) بين الكشف و النقل.

وجه الفحوى: انه اذا كان موت احد الزوجين غير موجب لرفع قابلية العقد، بل العقد يبقى بعد موت احدهما قابلا للفسخ و الامضاء، فموت احد المتبايعين، لا يوجب بطلان البيع الّذي وقع فضولة، بل البيع يبقى على صلاحيته للرد، و الاجازة.

ص: 222

اعنى خروج المنقول عن قابلية تعلق إنشاء عقد، او اجازة به، لتلف، و شبهه.

فان موت احد الزوجين، كتلف احد العوضين، فى فوات احد ركنى العقد.

مضافا الى اطلاق رواية عروة،

______________________________

و هذا الخبر- بالإضافة الى صلاحيته لرد الثمرة الاولى التى ذكرها الجواهر، و هى خروج احد البائعين عن القابلية- صالح لرد الثمرة الثانية- و هى خروج احد العوضين عن القابلية-.

و بين المراد من الثمرة الثانية بقوله: (اعنى خروج المنقول عن قابلية تعلق إنشاء عقد، او اجازة) عقد فضولى (به) اى بذلك المنقول.

و انما خرج عن القابلية (لتلف، و شبهه) كما لو تنجس، فى مثال الدبس المتقدم.

ثم ان المصنف بين وجه قوله: لا يصح، بقوله (فان موت احد الزوجين) فى مسئلة الصغيرين (كتلف احد العوضين، فى فوات احد ركنى العقد).

لان الزوجين ركنان فى النكاح، كما ان العوضين ركنان فى البيع، فاذا كان موت احد الزوجين لا يضر بصلاحية النكاح للامضاء، فكذلك تلف احد العوضين لا يضر بصلاحية العقد الفضولى للامضاء.

(مضافا الى) انه يرد الجواهر الّذي يقول: بلزوم بقاء الشرائط الى حين الاجازة (اطلاق رواية عروة) البارقى الّذي اعطاه النبي دينارا

ص: 223

حيث لم يستفصل النبي (ص) عن موت الشاة او ذبحها و اتلافها.

نعم ما ذكره اخيرا- من تجدد القابلية بعد العقد حال الاجازة- لا يصلح ثمرة للمسألة، لبطلان العقد ظاهرا، على القولين، و كذا فيما لو قارن العقد فقد الشرط.

و بالجملة: فباب المناقشة

______________________________

لاشتراء شاة فاشترى به شاتين، و باع احدهما بدينار، و جاء الى النبي صلى اللّه عليه و آله بشاة و دينار، فامضى النبي (ص) معاملته (حيث لم يستفصل النبي (ص) عن موت الشاة) التى باعها عروة (او ذبحها، و اتلافها) فانه لو كان بقاء العين شرطا فى صحة الاجازة كان اللازم على النبي (ص) ان يستفسر، هل الشاة المبيعة موجودة او تالفه؟ فيعطى الاجازة فى صورة الوجود فقط.

فعدم استفساره (ص) دليل على انه تصح الاجازة، و لو كانت العين تالفة (نعم ما ذكره) كاشف الغطاء (اخيرا) للفرق بين الكشف و النقل، فى عبارته التى نقلناها بقوله: و فى مقابله ما لو تجددت القابلية ... الخ (- من تجدد القابلية) للمبيع (بعد العقد حال الاجازة-) كبد و الصلاح بعد العقد قبل الاجازة (لا يصلح ثمرة للمسألة) و فارقا بين الكشف و النقل (لبطلان العقد ظاهرا) لان العقد وقع على ما ليس بقابل اصلا (على القولين) الكشف و النقل (و كذا فيما لو قارن العقد فقد الشرط) بان حصل الشرط بعد العقد مباشرة فى مقابل ان يحصل بعده بمدة.

(و بالجملة: فباب المناقشة) على اشكالاتنا على صاحب الجواهر

ص: 224

و ان كان واسعا، الا ان الارجح فى النظر ما ذكرناه.

و ربما يقال: بظهور الثمرة فى تعلق الخيارات، و حق الشفعة، و احتساب مبدأ الخيارات، و معرفة مجلس الصرف،

______________________________

(و ان كان واسعا الا ان الارجح فى النظر ما ذكرناه) من الايرادات التى ذكرناها على الجواهر، و تمامية كلام كاشف الغطاء فى ما ذكره من الثمرة بين الكشف و النقل فى الجملة.

(و ربما يقال: بظهور الثمرة) بين الكشف و النقل (فى تعلق الخيارات) مثلا: لو كان معيبا قبل الاجازة، و كان صحيحا حال الاجازة.

فعلى الكشف: يكون للمشترى خيار العيب.

و على النقل: لا يكون له هذا الخيار (و حق الشفعة) فاذا كان قبل الاجازة مشتركا بين نفرين، و حال الاجازة مشتركا بين اكثر.

فاذا قلنا: بالكشف كان للشريك حق الشفعة.

و اذا قلنا: بالنقل لم يكن له حق الشفعة، لاشتراط الشفعة بان لا يزيد الشركاء على اثنين (و احتساب مبدأ الخيارات) مثلا خيار الثلاثة فى الحيوان، ان قلنا: بالكشف يبتدأ الخيار من يوم الخميس الّذي هو يوم البيع، و ان قلنا بالنقل: يبتدأ الخيار من يوم الجمعة الّذي هو يوم الاجازة (و معرفة مجلس الصرف) لانه اذا لم يتقابض الثمن و المثمن فى مجلس الصرف- و هو بيع الاثمان- يبطل البيع، فاذا لم يتقابضا فى مجلس العقد، و تقابضا فى مجلس الاجازة.

فان كانت الاجازة كاشفة، بطل البيع، لعدم حصول القبض فى مجلس

ص: 225

و السلم و الايمان، و النذور، المتعلقة بمال البائع او المشترى.

و تظهر الثمرة أيضا، فى العقود المترتبة على الثمن او المثمن، و سيأتى إن شاء الله تعالى.

[أما شروطها]
و ينبغى التنبيه على امور.
اشارة

______________________________

البيع.

و ان كانت الاجازة ناقلة، صح البيع لحصول القبض فى مجلس البيع (و) معرفة مجلس (السلم) لاعتبار قبض الثمن فى السلم فى مجلس البيع، فحاله حال الصرف من هذه الجهة (و الايمان، و النذور) و العهود (المتعلقة بمال البائع او المشترى) فاذا نذر البائع، ان جاء ولده، فكل امواله التى هى له الآن صدقة، و كان اليوم خميسا، و كان باع داره للفضولى، ثم اجاز الفضولى يوم الجمعة.

فان قلنا: بالنقل، لزم اعطاء البائع داره صدقة.

و ان قلنا: بالكشف، كانت داره خارجة عن امواله، فلا يلزم دفعها صدقة، و هكذا.

(و تظهر الثمرة أيضا) بين الكشف و النقل (فى العقود المترتبة على الثمن او المثمن، و سيأتى إن شاء الله تعالى) تفصيل الكلام فيه الّذي منه انه ان المبيع فضولة لو باعه المشترى قبل اجازة المالك، ثم اجاز.

فعلى الكشف: يكون بيع المشترى بيعا صحيحا لا فضوليا.

و على النقل: يكون من مسئلة من باع ثم ملك.

(و ينبغى التنبيه على امور) من فروع مسئلة الكشف و النقل.

ص: 226

الأول: ان الخلاف فى كون الاجازة كاشفة او ناقلة، ليس فى مفهومها اللغوى،

و معنى الاجازة، وضعا او انصرافا، بل فى حكمها الشرعى بحسب ملاحظة اعتبار رضى المالك، و ادلة: وجوب الوفاء بالعقود، و غيرهما من الادلة الخارجية.

فلو قصد المجيز الامضاء من حين الاجازة على القول بالكشف او

______________________________

(الاول: ان الخلاف فى كون الاجازة كاشفة او ناقلة، ليس فى مفهومها اللغوى، و) فى (معنى الاجازة، وضعا او انصرافا) هل ان معنى اجاز، نقل الآن، او نقل حين العقد، اذ ليس هذا من المباحث اللغوية (بل فى حكمها الشرعى بحسب ملاحظة اعتبار رضى المالك) مثل: لا يحل مال امرئ الا بطيب نفسه (و ادلة: وجوب الوفاء بالعقود) مثل: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (و غيرهما من الادلة الخارجية) اى الادلة الخارجة عن: دليل الاجازة، و انه يصح العقد الفضولى.

فالمراد ان دليل الرضا، يدل على انه كاشف عن تمامية السبب، او انه جزء السبب الناقل.

و هل ان الاجازة شرعا تسبب نسبة العقد الى المجيز: حتى يكون عقودكم، من حين العقد، او من حين الاجازة.

و على ما ذكرناه من ان النزاع فى الحكم الشرعى، و انه كيف حكم الشارع؟ حسب ما يستفاد من ظاهر الادلة.

(فلو قصد المجيز الامضاء) للعقد الفضولى (من حين الاجازة) لا من حين العقد (- على القول بالكشف-) بان قصد خلاف ما قاله الشارع (او)

ص: 227

الامضاء من حين العقد- على القول بالنقل- ففى صحتها وجهان.

الثانى انه يشترط فى الاجازة ان يكون باللفظ الدال عليها، على وجه الصراحة العرفية

كقوله: امضيت، و اجزت، و انفذت، و رضيت، و شبه ذلك، و ظاهر رواية البارقى: وقوعها بالكناية، و ليس ببعيد، اذا اتكل عليه عرفا.

______________________________

قصد (الامضاء من حين العقد) لا من حين الاجازة (- على القول بالنقل-) و ان الشارع جعل الاجازة ناقلة (ففى صحتها وجهان).

الصحة: لان اصل الاجازة حيث يكون مشروعا ينفذ- اما الخصوصية حيث لا تكون مشروعة لا تنفذ-.

و البطلان: لانه انما اجاز مقيدا، فما اجاز لا يمكن، و ما يمكن لم يجز

(الثانى انه يشترط فى الاجازة ان يكون باللفظ الدال عليها، على وجه الصراحة العرفية) و ان كان غير صريح لغة او اصطلاحا (كقوله:

امضيت، و اجزت، و انفذت، و رضيت، و شبه ذلك) من سائر الالفاظ (و ظاهر رواية البارقى: وقوعها) اى الاجازة (بالكناية) لان النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: بارك الله فى صفقة يمينك، و هذا اللفظ كناية عن الاجازة (و ليس) كفاية الكناية (ببعيد، اذا اتكل عليه) اى على اللفظ الكنائى (عرفا).

و ذلك: لان الدليل ان يكون العقد منسوبا إليه، حتى يصدق: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و ذلك يحصل بالكناية الظاهرة.

ص: 228

و الظاهر: ان الفعل الكاشف عرفا عن الرضا بالعقد كاف، كالتصرف فى الثمن.

و منه اجازة البيع الواقع عليه، كما سيجي ء، و كتمكين الزوجة من الدخول بها اذا زوجت فضولا، كما صرح به العلامة ره.

و ربما يحكى عن بعض، اعتبار اللفظ، بل نسب الى صريح جماعة و ظاهر آخرين، و فى النسبة نظر.

______________________________

(و الظاهر) من الدليل المتقدم (ان الفعل الكاشف عرفا عن الرضا بالعقد كاف، كالتصرف فى الثمن) فلو اعلم صاحب الكتاب ان الفضول باع كتابه بهذا الدينار، فاخذ الدينار مظهرا الرضا بذلك، كان اجازة عملية.

(و منه) اى من الفعل الدال على الرضا (اجازة البيع الواقع عليه) اى على الثمن، كما لو اشترى الفضول بالدينار- المذكور- كتابا آخر، فقال للفضول: اجزت اشترائك الكتاب، فانه ظاهر فى انه اجاز البيع الاول الواقع على كتابه- فضولة- (كما سيجي ء) الكلام حوله (و كتمكين الزوجة من الدخول بها اذا زوجت فضولا) او كاقدام الرجل المزوج فضولا على وطى الزوجة (كما صرح به العلامة ره) و غيره.

(و ربما يحكى عن بعض، اعتبار اللفظ) فى باب الاجازة، فلا يفيد الفعل الّذي فيه الاشارة (بل نسب الى صريح جماعة و ظاهر آخرين، و فى النسبة نظر) لان كلام أولئك العلماء ليس صريحا فى انحصار الاجازة باللفظ.

ص: 229

و استدل عليه بعضهم من انها كالبيع فى استقرار الملك، و هو يشبه المصادرة.

و يمكن ان يوجه بان الاستقراء فى النواقل الاختيارية اللازمة كالبيع و شبهه، يقتضي اعتبار اللفظ.

و من المعلوم: ان النقل الحقيقى العرفى من المالك يحصل بتأثير الاجازة.

______________________________

(و استدل عليه) اى على اعتبار اللفظ فى الاجازة (بعضهم من انها) اى الاجازة (كالبيع فى استقرار الملك) فان البيع يوجب اصل الملك، و الاجازة توجب استقرار الملك، فاذا كان البيع يحتاج الى اللفظ، فالاجازة أيضا تحتاج الى اللفظ (و هو يشبه المصادرة) لان كون الاجازة مثل البيع اوّل الكلام، فالاستدلال بما هو محل كلام، شبه مصادرة و ليس بمصادرة لانها عبارة عن الاستدلال بنفس المطلوب.

(و يمكن ان يوجه) هذا الاستدلال بما يخرجه عن كونه شبه مصادرة (بان الاستقراء فى النواقل الاختيارية) اى مقابل غير الاختيارية مثل الارث (اللازمة) مقابل غير اللازمة، كبعض اقسام الهبة (كالبيع، و شبهه، يقتضي اعتبار اللفظ) فكان الاستقراء افاد قاعدة كلية، هى: ان كل ناقل لازم يحتاج الى اللفظ.

(و) اذا ضممنا الى هذه الكلية هذه الصغرى، و هى: ان (من المعلوم: ان النقل الحقيقى العرفى من المالك يحصل بتأثير الاجازة) فكانها ناقلة، افاد ان الاجازة تحتاج الى النقل.

ص: 230

و فيه: نظر، بل لو لا شبهة الاجماع الحاصلة من عبارة جماعة من المعاصرين، تعين القول بكفاية نفس الرضا، اذا علم حصوله من اى طريق كما يستظهر من كثير من الفتاوى، و النصوص، فقد علل جماعة عدم كفاية السكوت فى الاجازة، بكونه اعم من الرضا، فلا يدل عليه.

فالعدول عن التعليل بعدم اللفظ الى عدم الدلالة.

______________________________

(و فيه) ان فى هذا التوجيه (نظر).

اذ: أولا، اى دليل على ان كل ناقل يحتاج الى اللفظ؟

و ثانيا: الاجازة ليست ناقلة مطلقا، بل انما تكون ناقلة، على النقل فقط (بل لو لا شبهة الاجماع) على اعتبار اللفظ، او الفعل الدال على الاجازة (الحاصلة من عبارة جماعة من المعاصرين، تعين القول بكفاية نفس الرضا، اذا علم حصوله) اى حصول الرضا (من اى طريق) و العلم انما يحتاج إليه فى مقام الاثبات، اما فى مقام الثبوت، فهو كاف، فالراضى يجب عليه ان يرتب الأثر على رضاه (كما يستظهر) كفاية الرضا فقط، من دون حاجة الى فعل او قول (من كثير من الفتاوى، و النصوص).

اما استفادة ذلك من الفتاوى (فقد علل جماعة عدم كفاية السكوت فى الاجازة، بكونه) اى السكوت (اعم من الرضا، فلا يدل) السكوت (عليه) اى على الرضا- اذ من الممكن ان يكون السكوت خوفا او ما اشبه-.

(فالعدول) اى عدول هؤلاء المعللين (عن التعليل بعدم اللفظ) اى لم يقولوا: السكوت لا يكفى لانه ليس بلفظ (الى عدم الدلالة) حيث

ص: 231

كالصريح فيما ذكرنا.

و حكى عن آخرين، انه: اذا انكر الموكل الاذن فيما اوقعه الوكيل من المعاملة، فحلف، انفسخت، لان الحلف يدل على كراهتها.

و ذكر بعض انه يكفى فى اجازة البكر للعقد الواقع عليها فضولا سكوتها.

و من المعلوم: ان ليس المراد من ذلك انه لا يحتاج الى اجازتها بل المراد كفاية السكوت الظاهر فى الرضا، و ان لم يفد القطع دفعا

______________________________

عللوا بان السكوت لا يدل (كالصريح فيما ذكرنا) من كفاية الرضا اذا علم به.

(و حكى عن آخرين، انه: اذا انكر الموكل الاذن فيما اوقعه الوكيل من المعاملة، فحلف) انه لم يأذن للوكيل (انفسخت، لان الحلف يدل على كراهتها) اى كراهة الموكل للمعاملة.

فهذا يدل على ان الكراهة، توجب الفسخ بدون اللفظ، و حيث ان الفسخ و الامضاء من واد واحد، فالامضاء أيضا يتحقق بالرضا بدون اللفظ.

(و ذكر بعض انه يكفى فى اجازة البكر للعقد الواقع عليها فضولا سكوتها) فيدل هذا الكلام على كفاية السكوت، و عدم الاحتياج الى اللفظ.

(و من المعلوم: ان ليس المراد من ذلك) الكلام بكفاية سكوتها (انه لا يحتاج الى اجازتها، بل المراد كفاية السكوت الظاهر فى الرضا، و ان لم يفد) السكوت (القطع).

و انما يكفى ذلك- و ان لم يفد القطع- (دفعا

ص: 232

للحرج عليها، و علينا.

ثم ان الظاهر: ان كل من قال بكفاية الفعل الكاشف عن الرضا كأكل الثمن، و تمكين الزوجة، اكتفى به من جهة الرضا المدلول عليه به، لا من جهة سببية الفعل تعبدا.

و قد صرح غير واحد، بانه لو رضى المكره بما فعله، صح و لم يعبروا بالاجازة.

______________________________

للحرج عليها) لان حيائها مانع عن ان تتكلم، فاكتفى بسكوتها (و علينا) فاذا امرنا بان نسمع كلامها يلزم علينا التكرار فى استجوابها حتى يصل ذلك الى حد الحرج.

(ثم ان الظاهر: ان كل من قال بكفاية الفعل الكاشف عن الرضا) فى باب الاجازة (كأكل) صاحب الكتاب الّذي يبيع كتابه فضولا- مثلا- (الثمن) عالما عامدا (و تمكين الزوجة) المعقودة فضولة، من نفسها للزوج (اكتفى به) اى بالفعل الدال على الاجازة (من جهة الرضا المدلول عليه) اى على ذلك الرضا (به) اى بالفعل (لا من جهة سببية الفعل تعبدا) اذ: لا تعبد فى كفاية الفعل.

و على هذا فالمعيار هو الرضا لا غير.

(و قد صرح غير واحد، بانه لو رضى المكره بما فعله) حين كونه مكرها كما لو اكره على العقد، ثم رضى به (صح) ما فعله (و لم يعبروا بالاجازة) و ذلك مما يدل على كفاية الرضا.

هذا كله كلماتهم الدالة على كفاية الرضا فى باب الاجازة، و انه لا يحتاج

ص: 233

و قد ورد فى: من زوجت نفسها فى حال السكر، انها اذا اقامت معه بعد ما افاقت، فذلك رضاء منها.

و عرفت أيضا استدلالهم على كون الاجازة كاشفة، بان العقد مستجمع للشرائط، عدا رضى المالك، فاذا حصل، عمل السبب التام عمله.

و بالجملة: فدعوى الاجماع فى المسألة دونها خرط القتاد.

و حينئذ فالعمومات المتمسك بها لصحة الفضولى

______________________________

الى اللفظ و الفعل.

(و) اما الرويات ف (قد ورد فى: من زوجت نفسها فى حال السكر، انها اذا اقامت معه) اى مع الرجل (بعد ما افاقت، فذلك رضاء منها) و هذا كاشف عن ان الرضا كاف فى الاجازة، و الا لم يكن وجه لهذا التعليل.

(و عرفت أيضا استدلالهم على كون الاجازة كاشفة، بان العقد مستجمع للشرائط، عد ارضى المالك، فاذا حصل) رضى المالك (عمل السبب التام عمله).

فهذا يدل على ان الاجازة، انما هى طريقية الى الرضا، و لا خصوصية لها.

(و بالجملة: فدعوى الاجماع) على عدم كفاية الرضا فقط، بدون لفظ افعل (فى المسألة) اى مسئلة الاجازة فى العقد الفضولى (دونها) و اسهل منها (خرط القتاد) عود له شوك حاد، فامرار اليد من فوقه الى اسفله، عكس منبت الشوك، يوجب تقطع اليد و جراحتها.

(و حينئذ) اذ: لا دليل على اعتبار اللفظ او الفعل، فى باب الاجازة (فالعمومات المتمسك بها لصحة الفضولى) مثل: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و تجارة

ص: 234

السالمة عن ورود مخصص عليها عدا ما دل على اعتبار رضى المالك فى حل ماله، و انتقاله الى الغير، و رفع سلطنته عنه، اقوى حجة فى المقام.

مضافا: الى ما ورد فى عدة اخبار من ان سكوت المولى بعد علمه بتزويج عبده، اقرار منه له عليه.

و ما دل على ان قول المولى لعبده المتزوج بغير اذنه: طلق، يدل على الرضا بالنكاح، فيصير اجازة.

______________________________

عن تراض (السالمة عن ورود مخصص عليها) يدل ذلك المخصص على اعتبار اللفظ او الفعل (عدا ما دل على اعتبار رضى المالك) نحو: لا يحل مال امرئ الا بطيب نفسه، فما دل على اعتبار رضى المالك (فى حل ماله، و) فى (انتقاله الى الغير، و) فى (رفع سلطنته عنه) اى عن ماله (اقوى حجة فى المقام) اذ: الدليل انما دل على اعتبار الرضى فقط، و لا دليل آخر، يدل على اعتبار شي ء آخر من لفظ او كتابة.

اللهم الا ان يقال: ان الرضا لا يصحح الاستناد، و العقد يحتاج الى الاستناد، حتى يشمله: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، المفهوم منه: بعقودكم.

و لذا مجرد رضى الطرفين بالنكاح بدون الاعلام لا يصحح عمل الفضوليين، بدون اجازة لاحقة.

(مضافا: الى ما ورد فى عدة اخبار من ان سكوت المولى بعد علمه بتزويج عبده، اقرار منه) اى من المولى (له) اى للعبد (عليه) اى على التزويج.

(و ما دل على ان قول المولى لعبده المتزوج بغير اذنه: طلق، يدل على الرضا) من المولى (بالنكاح، فيصير اجازة) اذ: طلق، يدل

ص: 235

و على: ان المانع من لزوم نكاح العبد بدون اذن مولاه، معصية المولى التى ترتفع بالرضى.

و ما دل: على ان التصرف من ذى الخيار رضى منه. و غير ذلك.

بقى فى المقام، انه اذا قلنا: بعدم اعتبار إنشاء الاجازة باللفظ، و كفاية مطلق الرضا، او الفعل الدال عليه فينبغى ان يقال: بكفاية وقوع مثل ذلك، مقارنا للعقد، او سابقا، فاذا فرضنا انه علم رضا المالك بقول او فعل، يدل على رضاه ببيع ماله

______________________________

بالالتزام على انه راض بما تقدم من النكاح.

(و) ما دل (على: ان المانع من لزوم) و نفوذ (نكاح العبد بدون اذن مولاه، معصية المولى) معصية خبر: ان، (التى ترتفع بالرضى) من المولى، اذ: لا عصيان مع الرضى، فقوله عليه السلام: فاذا اجاز، معناه:

فاذا رضى، بقرينة المقابلة بين: العصيان، و الاجازة.

(و ما دل: على ان التصرف من ذى الخيار رضى منه) مما يدل على ان الرضا، هو المعيار (و غير ذلك) مما يجده المتتبع.

(بقى فى المقام، انه اذا قلنا: بعدم اعتبار إنشاء الاجازة باللفظ و كفاية مطلق الرضا او الفعل الدال عليه) اى على الرضا (فينبغى ان يقال: بكفاية وقوع مثل ذلك) الرضا (مقارنا للعقد، او سابقا) على العقد (فاذا فرضنا انه) اى المجرى للعقد (علم رضا المالك بقول، او فعل، يدل على رضاه) اى رضى المالك (ببيع ماله) كما لو قال: ليت يشتريه احد بمائة، او قال له احد: هل تبيعه بمائة اذا جاء المشترى الآن، فاشار

ص: 236

كفى فى اللزوم لان ما يؤثر بلحوقه يؤثر بمقارنته، بطريق اولى.

و الظاهر: ان الاصحاب لا يلتزمون بذلك، فمقتضى ذلك، ان لا تصح الاجازة الا بما لو وقع قبل العقد كان اذنا مخرجا للبيع عن بيع الفضولى.

و يؤيد ذلك: انه لو كان مجرد الرضا ملزما، كان مجرد الكراهة فسخا.

فيلزم عدم وقوع بيع الفضولى، مع نهى المالك، لان الكراهة الحاصلة حينه و بعده- و لو آنا مّا- يكفى فى الفسخ

______________________________

برأسه علامة الرضا (كفى فى اللزوم) للبيع (لان ما يؤثر بلحوقه) و هو الرضا (يؤثر بمقارنته) او سبقه الباقى الى التقارن (بطريق اولى) لان العقد حينئذ مقارن للشرط.

(و الظاهر: ان الاصحاب لا يلتزمون بذلك) و ان العقد يخرج بهذا عن الفضولية (فمقتضى ذلك، ان لا تصح الاجازة الا بما لو وقع) ذلك الشي ء (قبل العقد كان اذنا مخرجا للبيع عن بيع الفضولى) و ذلك ليس الرضا المجرد، بل الرضا الّذي يقترن معه فعل او لفظ.

(و يؤيد ذلك) الّذي قلنا ان مجرد الرضا ليس كافيا (انه لو كان مجرد الرضا ملزما، كان مجرد الكراهة فسخا) اذ: الفسخ و الامضاء، من باب واحد، و الرضا و الكراهية من باب واحد، و كل واحد من هذين يلائم ذينك الامرين.

(فيلزم) من ذلك (عدم وقوع بيع الفضولى، مع نهى المالك) سابقا على العقد (لان الكراهة الحاصلة حينه) اى حين العقد (و بعده- و لو آنا مّا- يكفى فى الفسخ) و هذا ما لا يقول به المشهور

ص: 237

بل يلزم عدم وقوع بيع المكره اصلا، الا ان يلتزم بعدم كون مجرد الكراهة فسخا، و ان كان مجرد الرضا اجازة.

«الثالث» من شروط الاجازة ان لا يسبقها الرد،

اذ: مع الرد ينفسخ العقد، فلا يبقى ما يلحقه الاجازة.

و الدليل عليه- بعد ظهور الاجماع بل التصريح به فى كلام بعض مشايخنا- ان الاجازة انما تجعل المجيز احد طرفى العقد، و الا لم يكن مكلفا بالوفاء بالعقد.

لما عرفت من ان وجوب الوفاء، انما هو فى حق العاقدين، او من قام

______________________________

(بل يلزم عدم وقوع بيع المكره اصلا، الا ان يلتزم بعدم كون مجرد الكراهة فسخا، و ان كان مجرد الرضا اجازة) بان يقال: لا تلازم بين الامرين شرعا، فاذا استفدنا من بعض الادلة كفاية الرضا فى الاجازة، و عدم كفاية الكراهة فى باب الفسخ، نلتزم بكل ما استفدناه فى مورده.

(الثالث: من شروط الاجازة) فى كونها موجبة للزوم بيع الفضولى (ان لا يسبقها الرد، اذ: مع الرد ينفسخ العقد، فلا يبقى ما) اى الاعتبار العقلى و الشرعى الّذي (يلحقه الاجازة) فتوجب لزومه.

(و الدليل عليه) اى على ان الرد السابق على الاجازة موجب لعدم نفوذ الاجازة (- بعد ظهور الاجماع بل التصريح به فى كلام بعض مشايخنا ان الاجازة انما تجعل المجيز احد طرفى العقد) فيشمله: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (و الا) تكن اجازة (لم يكن) المالك (مكلفا بالوفاء بالعقد) لان العقد حينئذ ليس عقده.

(لما عرفت من ان وجوب الوفاء، انما هو فى حق العاقدين، او من قام

ص: 238

مقامهما.

و قد تقرر ان من شروط الصيغة ان لا يحصل بين طرفى العقد، ما يسقطهما عن صدق العقد الّذي هو فى معنى المعاهدة.

هذا، مع ان مقتضى: سلطنة الناس على اموالهم، تأثير الرد فى قطع علاقة الطرف الآخر عن ملكه فلا يبقى ما يلحقه الاجازة، فتأمل.

نعم: الصحيحة الواردة فى بيع الوليدة، ظاهرة فى صحة الاجازة بعد الرد.

______________________________

مقامهما) اى المالكين الذين قام الوكيل مقامهما فى اجراء العقد.

(و قد تقرر ان من شروط الصيغة) اى صيغة العقد (ان لا يحصل بين طرفى العقد، ما يسقطهما عن صدق العقد الّذي هو فى معنى المعاهدة) و الرد مما يسقط العقد.

(هذا، مع ان مقتضى: سلطنة الناس على اموالهم، تأثير الرد فى قطع علاقة الطرف الآخر عن ملكه) اى ملك الرد، لان امر ملكه بيده، ان شاء اجاز، و ان شاء رد.

(ف) اذا رد (لا يبقى ما يلحقه الاجازة، فتأمل) حيث ان: الناس مسلطون على اموالهم، لا على احكامهم، و كون الرد موجبا لقطع العلاقة بحيث لا يكن ارجاعها بالاجازة، حكم، و ليس يشمله: الناس مسلطون.

(نعم: الصحيحة الواردة فى بيع الوليدة) التى تقدمت (ظاهرة فى صحة الاجازة بعد الرد) لان ظاهرها ان الأب رد بيع الجارية، ثم

ص: 239

اللهم الا ان يقال: ان الرد الفعلى كاخذ المبيع- مثلا- غير كاف بل لا بد من إنشاء الفسخ.

و دعوى: ان الفسخ هنا: ليس باولى من الفسخ فى العقود اللازمة و قد صرحوا بحصوله بالفعل.

يدفعها: ان الفعل الّذي يحصل به الفسخ هو فعل لوازم ملك المبيع، كالوطى، و العتق، و نحوهما، لا مثل اخذ

______________________________

لما ضغط عليه المشترى بأخذ ولده اجاز البيع.

(اللهم الا ان يقال) لبيان عدم دلالة الصحيحة (ان الرد الفعلى) الّذي كان فى بيع الوليدة (كاخذ المبيع) فضولة (- مثلا- غير كاف) فى كونه ردا مبطلا للبيع (بل لا بد من إنشاء الفسخ) لفظا، و لم يحصل من مالك الوليدة إنشاء لفظى للفسخ، بل حصل منه الرد الفعلى، فلم يبطل البيع، بل بقى على صلاحيته فى لحوق الاجازة به.

(و دعوى) ان الفسخ الفعلى فى الفضولى أيضا كاف ل (ان الفسخ هنا، ليس باولى من الفسخ فى العقود اللازمة، و قد صرحوا بحصوله) اى الفسخ فى العقود اللازمة، (بالفعل) كما اذا اعطى المشترى للبائع المبيع مفهما انه يريد الفسخ و الاقالة، فقبل البائع، و رد إليه الثمن.

(يدفعها) اى الدعوى المذكورة (ان الفعل الّذي يحصل به الفسخ) لا نسلم انه كل فعل، بأية كيفية كانت؟ بل (هو فعل لوازم ملك المبيع، كالوطى، و العتق، و نحوهما) حيث ورد: لا عتق الا فى ملك، و لا وطى الا فى ملك، فمثل هذا الفعل يكون فسخا (لا) كل فعل (مثل اخذ

ص: 240

المبيع.

و بالجملة: فالظاهر هنا، و فى جميع الالتزامات، عدم الاعتبار بالاجازة الواقعة عقيب الفسخ، فان سلم ظهور الرواية فى خلافه فليطرح او يؤول.

الرابع: الاجازة اثر من آثار سلطنة المالك على ماله.

______________________________

المبيع) و نحوه.

(و بالجملة: فالظاهر هنا، و فى جميع الالتزامات، عدم الاعتبار بالاجازة الواقعة عقيب الفسخ، فان سلم ظهور الرواية) اى رواية الوليدة (فى خلافه) و انه تنفع الاجازة بعد الرد (فليطرح) لانه خلاف المفهوم عرفا من الرويات الدالة على كفاية الاجازة فى امثال المقام، و لا قوة فى هذه الرواية الواحدة لتنهض فى قبال كل تلك الروايات (او يئول) بان مالك الوليدة انما اخذها ليحصل على ثمنها من ولده، حيث رأى ان هذا الاخذ يوجب الضغط على المشترى، فيضغط على الولد، لا انه اخذها بقصد الفسخ، و لكن لا يخفى ما فى الامرين، فتامل.

(الرابع) من الامور المربوطة بالاجازة و الرد، الكلام حول ان الاجازة من الاحكام الشرعية، و ليست من الحقوق، و لذا لا تورث، و لا تترتب عليه الاحكام المترتبة على الحقوق، ف (الاجازة اثر من آثار سلطنة المالك على ماله) كما ان للمالك سائر اقسام السلطنة، كالبيع، و الشراء، و الهبة، و العتق و ما اشبه.

ص: 241

فموضوعها: المالك.

فقولنا له ان يجيز مثل: قولنا له ان يبيع، و الكل راجع الى ان له ان يتصرف فلو مات المالك لم يورث الاجازة، و انما يورث المال الّذي عقد عليه الفضولى فله الاجازة بناء على ما سيجي ء من جواز مغايرة المجيز، و المالك حال العقد فيمن باع مال ابيه، فبان ميتا و الفرق بين إرث الاجازة، و إرث المال يظهر بالتأمل.

______________________________

(فموضوعها) اى الاجازة (المالك) فلا تنتقل الى الوارث اذا مات المالك، كسائر الاحكام التى موضوعها خاص، فلا يتعدى الحكم الى الوارث اذا مات من له الحكم.

(فقولنا له) اى للمالك (ان يجيز) البيع الفضولى (مثل: قولنا له ان يبيع) اوله ان يهب (و الكل راجع الى ان له) اى للمالك (ان يتصرف فلو مات المالك لم يورث الاجازة) لانها من الحكم لا من الحق (و انما يورث المال الّذي عقد عليه الفضولى) فيكون حال الوارث حال المورث، فى ان له ان يجيز، و ان يبيع، و ان يهب (فله الاجازة) كما كان لمورثه (بناء على ما سيجي ء من جواز مغايرة المجيز، و المالك حال العقد) «و المالك» مربوط ب: حال العقد (فيمن باع مال ابيه، فبان ميتا) و ان الولد البائع كان وارثا للاب.

(و) ان قلت: اىّ فرق بين ان نقول: الوارث يرث المال و تبعا له له ان يجيز، و بين ان نقول: الوارث يرث الاجازة رأسا.

قلت: (الفرق بين إرث الاجازة، و إرث المال يظهر بالتأمل) فانه لو ورث الاجازة كانت الزوجة أيضا وارثة، فيما اذا كان المبيع ارضا، بخلاف ما

ص: 242

الخامس: اجازة البيع ليست اجازة لقبض الثمن، و لا لإقباض المبيع،

و لو اجازهما صريحا، او فهم

______________________________

لو كان مصب الارث الارض، فان الزوجة لا ترث.

و لو شك فى ان الاجازة هل هى من الاحكام او من الحقوق؟ كان اللازم اتباع الاصل فى المسألة، فيما اذا لم يكن هناك ظاهر دليل يؤيد امر الجانبين.

فبعض ذهبوا الى: ان الاصل الحكم، لاصالة عدم التوسعة المترتبة على الحق على هذا الشي ء المشكوك، فان الارث- مثلا- يحتاج الى دليل مفقود فى المقام.

و قال آخرون: الاصل الحق، لان المالكية هى تقتضى الحق، الا ما خرج بالدليل، فاذا قيل لزيد هذا الشي ء- سواء كان عينا او غير دين- استفيد عرفا ان حاله حال سائر الاملاك، الا بالمقدار الخارج بدليل.

(الخامس) من الامور المربوطة بالرد و الاجازة فى الفضولى (اجازة البيع) الفضولى (ليست اجازة لقبض الثمن، و لا لإقباض المبيع) فلو باع الفضول كتاب زيد لعمرو، و سلم الكتاب، و اخذ ثمنه، ثم ان زيد اجاز البيع، لكنه لم يجز القبض و الاقباض، و كان الثمن قد تلف فى يد الفضول، فالمشترى ملزم بدفع الثمن الى مالك الكتاب.

كما انه لو تلف الكتاب قبل اجازة المالك، كان تلفه من مال صاحب المالك لان التلف قبل القبض من مال مالكه (و لو اجازهما) اى القبض و الاقباض المالك (صريحا) بان قال: اجزت بيعك، و قبضك، و اقباضك (او فهم

ص: 243

اجازتهما من اجازة البيع، مضت الاجازة.

لان مرجع اجازة القبض الى اسقاط ضمان الثمن عن عهدة المشترى.

و مرجع اجازة الاقباض الى حصول المبيع فى يد المشترى برضى البائع، فيترتب عليه جميع الآثار المترتبة على قبض المبيع.

لكن ما ذكرنا: انما يصح فى قبض الثمن المعين.

و اما قبض الكلى و تشخصه به

______________________________

اجازتهما من اجازة البيع) فهما عرفيا (مضت الاجازة) للقبض و الاقباض، فلا يترتب على الثمن و المثمن آثار قبل التقابض.

و انما تنفع اجازة القبض و الاقباض.

(لان مرجع اجازة القبض الى اسقاط ضمان الثمن عن عهدة المشترى) فاذا تلف الثمن قبل اخذ المالك، لم يكن على المشترى شي ء.

(و مرجع اجازة الاقباض الى حصول المبيع) كالكتاب فى المثال (فى يد المشترى برضى البائع، فيترتب عليه) اى على هذا الاقباض بالاجازة (جميع الآثار المترتبة على قبض المبيع) كما فى باب الصرف و السلم، و فى انه: لو تلف كان من كيس الآخذ، لا من كيس البائع- لان التلف قبل القبض من مال مالكه- الى غيرها من الآثار المذكورة فى الفقه.

(لكن ما ذكرنا) من مضى اجازة القبض و الاقباض، اذا دل على ذلك صريح كلام المالك، او فهم منه (انما يصح فى قبض الثمن المعين) كما لو باع الفضول كتاب زيد بدينار خاص، لعمرو.

(و اما قبض الكلى) كما لو باع الكتاب بدينار كلى (و تشخصه) اى الكلى (به)

ص: 244

فوقوعه: من الفضولى على وجه تصححه الاجازة، يحتاج الى دليل، معمم لحكم عقد الفضولى، لمثل القبض و الاقباض.

و اتمام الدليل على ذلك لا يخلو عن صعوبة.

و عن المختلف انه: حكى عن الشيخ انه لو اجاز المالك بيع الغاصب لم يطالب المشترى بالثمن.

______________________________

اى بالقبض (فوقوعه) اى التشخص (من الفضولى على وجه تصححه) اى القبض و التشخص (الاجازة)- فاعل يصححه- (يحتاج الى دليل معمم، لحكم عقد الفضولى، لمثل القبض و الاقباض) فان الدليل اللفظى و العرفى، انما دل على ان الفضولى من العقود يصححه الاجازة، اما ان القبض الفضولى يصححه الاجازة فلا دليل عليه.

(و اتمام الدليل على ذلك) اى جريان الفضولى فى الاقباض و القبض (لا يخلو عن صعوبة) كان يقال: بالمناط، و انه اذا جرى الفضولى فى العقد الّذي هو اهم، يجرى فى القبض الّذي هو دون العقد فى الاهمية.

او يقال ان: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، يشمل توابع العقد أيضا، او ما اشبه من انه: امر عقلائى و لم يمنع عنه الشرع.

(و عن المختلف انه: حكى عن الشيخ انه لو اجاز المالك بيع الغاصب لم يطالب) المالك (المشترى بالثمن).

و وجهه: ان اجازة البيع اجازة للقبض، فكان البائع قبض الثمن من المشترى، فاللازم ان يطالب المالك الثمن من الغاصب، لا المشترى.

ص: 245

ثم ضعفه: بعدم استلزام اجازة العقد، لاجازة القبض.

و على اى حال، فلو كان اجازة العقد دون القبض، لغوا، كما فى الصرف و السلم بعد قبض الفضولى، و التفرق، كان اجازة العقد، اجازة للقبض، صونا للاجازة عن اللغوية.

و لو قال: اجزت العقد دون القبض، ففى بطلان العقد، او بطلان رد القبض، وجهان.

______________________________

(ثم ضعفه) المختلف (بعدم استلزام اجازة العقد، لاجازة القبض) فللمالك ان يطالب المشترى بالثمن.

(و على اى حال، فلو كان اجازة) المالك (العقد دون القبض، لغوا) اذ: لا اثر للعقد اصلا، بدون القبض (كما فى الصرف و السلم بعد قبض الفضولى، و التفرق) اذ: لو كان المجلس باقيا، و قبض المالك فى نفس المجلس، لم يكن وجه للبطلان (كان اجازة العقد، اجازة للقبض، صونا للاجازة عن اللغوية).

و هذا اذا لم يكن هناك دليل على ان المجيز اجاز نفس العقد فقط، اذ اللغو منفى عن الله و اوليائه، اما سائر الناس فيتطرق اللغو الى اعمالهم.

(و لو قال) المالك (اجزت العقد دون القبض، ففى بطلان العقد) لان العقد بدون القبض فى السلم و الصرف باطل (او بطلان رد القبض) لان لازم اجازته للعقد، صحة القبض، فرده للقبض يقع باطلا، بعد ان اجاز اصل العقد (وجهان).

ص: 246

السادس: الإجازة ليست على الفور،

للعمومات، و لصحيحة محمد بن قيس و اكثر المؤيدات المذكورة بعدها.

و لو لم يجز المالك و لم يرد، حتى لزم تضرر الاصيل بعدم تصرفه فيما انتقل عنه، و إليه- على القول بالكشف-.

______________________________

و ربما يرجح الاول، لان تطرق الفساد من ناحيته، يوجب الفساد المطلق.

(السادس) من الامور المرتبطة بالرد و الاجازة (الاجازة) المصححة للعقد الفضولى (ليست على الفور) فاذا علم المالك، بان الفضولى باع متاعه فاجاز بعد اسبوع- مثلا- صحت الاجازة، و ليست كحق الشفعة، و ما اشبهه مما قالوا فيه بالفورية (للعمومات) الدالة على اشتراط الاجازة فى نفوذ البيع من غير تقييد بالفورية (و لصحيحة محمد بن قيس) المتقدمة فان الاجازة فيما كانت بعد مدة من العقد (و اكثر المؤيدات المذكورة بعدها) اى بعد الصحيحة التى تؤيد صحة الفضولى.

(و لو لم يجز المالك و لم يرد) بعد الاطلاع او قبله (حتى لزم تضرر الاصيل ب) سبب (عدم تصرفه فيما انتقل عنه، و) فيما انتقل (إليه) لانه لا يعلم هل يجيز، حتى يتصرف فيما انتقل إليه؟ او يرد حتى يتصرف فيما انتقل عنه (على القول بالكشف) اذ: الكشف، هو الّذي يوجب حصول الانتقال من حين البيع.

اما على القول بالنقل، فالمالك الاصيل يجوز له ان يتصرف فيما انتقل عنه قبل الاجازة، لانه لم ينتقل بعد الى الطرف الفضولى.

ص: 247

فالاقوى تداركه، بالخيار، او اجبار المالك على احد الامرين.

السابع: هل يعتبر فى صحة الاجازة مطابقتها للعقد الواقع عموما، او خصوصا أم لا؟ وجهان.

______________________________

(فالاقوى تداركه) اى التضرر (بالخيار) فان: لا ضرر، ينفى لزوم البيع، فان الضرر ناشئ عن لزوم البيع، لا عن اصل البيع، كما ذكروا مثل ذلك فى استدلالهم لبعض اقسام الخيار (او اجبار المالك) من قبل الحاكم الشرعى (على احد الامرين) من الاجازة، او الرد، و ذلك لان الحاكم الشرعى ولى الممتنع، و له اجباره، لكن الخيار يشكل فى مثل عقد النكاح الّذي قالوا: بانه لا يجرى فيه، فتأمل.

(السابع) من الامور المربوطة بالاجازة و الرد (هل يعتبر فى صحة الاجازة مطابقتها للعقد الواقع) من جانب الفضولى (عموما) بان يكون جامعا بين الاجازة و بين العقد فى الجملة، و ان لم تطابق الاجازة خصوصيات العقد- كما سيأتى مثاله- (او خصوصا) فيلزم التطابق بينهما من جميع الجهات (أم لا؟ وجهان) الصحة مطلقا، لان العقد قابل للتبعيض عرفا، فاذا كان المالك هو مجرى العقد، لا يحق له ان يبعضه فيما بعد، لوجوب الوفاء بالعقد، اما لو كان المجرى الفضول فالمالك انما يلتزم بالمقدار الّذي يلتزم به، و لزوم المطابقة لان العقد انما وقع على النحو الخاص، لعدم الالتزام ببعضه فى معنى عدم الالتزام به اصلا.

ص: 248

الاقوى: التفصيل، فلو اوقع العقد على صفقة فاجاز المالك بيع بعضها، فالاقوى الجواز كما لو كانت الصفقة بين مالكين، فاجاز احدهما.

و ضرر التبعض على المشترى، يجبر بالخيار.

و لو اوقع العقد على شرط، فاجازه المالك مجردا عن الشرط.

______________________________

و (الاقوى: التفصيل، فلو اوقع العقد على صفقة) كبيع دارين مثلا (فاجاز المالك بيع بعضها، فالاقوى الجواز) بالصحة فى المجاز و البطلان فى غيره.

فان حال هذا (كما لو كانت الصفقة بين مالكين، فاجاز احدهما) كما لو باع الفضول دار زيد و دار عمرو، فاجاز احدهما دون الآخر، فان مقتضى القاعدة: الصحة فى المجاز دون غيره، لانه بيع عقلائى فيصدق عليه: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

(و) ان قلت: ربما تضرر المشترى بسبب تبعض الصفقة.

قلت: أولا: المشترى العالم قد اقدم بنفسه على ذلك و مثل هذا الضرر ليس مرفوعا.

و ثانيا (ضرر التبعض على المشترى يجبر بالخيار) لان لزوم هذا البيع عليه، ضرر عليه، فهو مرفوع بدليل: لا ضرر.

(و لو اوقع العقد على شرط) كما لو باع الفضول دار زيد لعمرو، بشرط ان يتسلمه اياها بعد سنة- لمحذور له فى التسلم قبل ذلك مثلا- (فاجازه المالك مجردا عن الشرط) بان اراد تسليمها له حالا.

ص: 249

فالاقوى عدم الجواز، بناء على عدم قابلية العقد للتبعيض، من حيث الشرط و ان كان قابلا للتبعيض من حيث الجزء، و لذا لا يؤثر بطلان الجزء، بخلاف بطلان الشرط.

و لو انعكس الامر، بان عقد الفضولى مجردا عن الشرط، و اجاز المالك مشروطا

ففى صحة الاجازة مع الشرط- اذا رضى به الاصيل فيكون نظير

______________________________

(فالاقوى عدم الجواز) اى عدم نفوذ هذه الاجازة، و عدم تأثيرها فى صحة بيع الفضولى (بناء على عدم قابلية العقد للتبعيض، من حيث الشرط) لان المشروط ينتفى عرفا عند عدم شرطه، فاجازة المشروط دون الشرط كالتناقض، و ذلك بخلاف الجزء الّذي يرى العرف ان احد الجزءين لا يرتبط بالآخر، و ان كان الواقع ان كلا من الجزء و الشرط مثل الآخر عقلا (و ان كان قابلا للتبعيض من حيث الجزء، و لذا لا يؤثر بطلان الجزء) كما اذا باع الخمر و الخل، فان البيع فى الاول باطل، و يؤثر بطلانه فى بطلان اصل البيع (بخلاف بطلان الشرط) فانه يؤثر فى بطلان البيع، كما اذا باعه الدار، بشرط ان يعمل فيها الخمر- مثلا-

(و لو انعكس الامر، بان عقد الفضولى مجردا عن الشرط، و اجاز المالك مشروطا) كما لو باع الفضول دار زيد بيعا مطلقا، فقبل زيد بشرط تأخير الاقباض الى سنة- مثلا-.

(ففى صحة الاجازة مع الشرط- اذا رضى به) اى بالشرط (الاصيل-) اى الطرف الآخر، مقابل الفضول (فيكون نظير

ص: 250

الشرط الواقع فى ضمن القبول، اذا رضى به الموجب.

او بدون الشرط، لعدم وجوب الوفاء بالشرط، الا اذا وقع فى حيز العقد، فلا يجدى وقوعه فى حيز القبول، الا اذا تقدم على الايجاب ليرد الايجاب عليه أيضا، او بطلانها، لانه اذا لغى الشرط، لغى المشروط، لكون المجموع التزاما واحدا.

______________________________

الشرط الواقع فى ضمن القبول، اذا رضى به الموجب) كما لو قال الموجب:

بعتك الدار بالف، فقال القابل: قبلت بشرط ان تخيط ثوبى، فقال الموجب: قبلت.

و انما يكون هذا نظير ذاك، لان اجازة المالك فى الفضولى بمنزلة القبول.

(او بدون الشرط) عطف على: مع الشرط (لعدم وجوب الوفاء بالشرط، الا اذا وقع فى حيز العقد) لعدم دليل على لزوم الوفاء بالشرط مطلقا (فلا يجدى وقوعه) اى الشرط (فى حيز القبول) كمثال بيع الدار المتقدم (الا اذا تقدم) القبول (على الايجاب، ليرد الايجاب عليه) اى على الشرط (أيضا) كما ورد القبول، كما لو قال المشترى: قبلت اشتراء الدار بالف، بشرط ان تخيط ثوبى، فقال البائع: بعت هكذا (او بطلانها) اى الاجازة (لانه) يلغو الشرط و (اذا لغى الشرط، لغى المشروط) و المشروط عدم، عند عدم شرطه (لكون المجموع التزاما واحدا) و لا يبقى بعض الالتزام حين سقوط بعضه الآخر.

ص: 251

وجوه: اقواها: الاخير.

و اما القول فى المجيز
اشارة

فاستقصاؤه يتم ببيان امور،

الأول يشترط فى المجيز ان يكون حين الاجازة جائز التصرف،

بالبلوغ، و العقل و الرشد، و لو اجاز المريض بنى نفوذها على نفوذ منجزات المريض.

و لا فرق فيما ذكر بين القول بالكشف، و النقل.

______________________________

(وجوه) ثلاثة (اقواها: الاخير) لما عرفت.

و لكن لا يبعد انه لو رضى المالك لزم الوفاء، لصدق انه التزام فى ضمن عقد، فيكون الاقوى هو الوجه الاول.

(و اما القول فى المجيز فاستقصاؤه) ببيان احكامه كاملة (يتم ببيان امور، الاول يشترط فى المجيز ان يكون حين الاجازة جائز التصرف، بالبلوغ، و العقل، و الرشد) بان يكون له ملكة حسن التصرف فى ماله مقابل السفيه الّذي ليست له هذه الملكة (و لو اجاز المريض بنى نفوذها) اى نفوذ الاجازة من العقد (على نفوذ منجزات المريض) و هى: عبارة عن العقود، و ما اشبه، التى يعقدها و ينجزها المريض، ثم يموت.

فقد اختلفوا فى انها هل تنفذ مطلقا؟ أو لا تنفذ، او يفصل بين المنجزات بالنفوذ فى البعض دون البعض.

(و لا فرق فيما ذكر) من اشتراط كون المجيز حين الاجازة جائز التصرف (بين القول بالكشف، و النقل) فلا يتوهم انه لو قلنا: بالكشف لا يجب ان يكون جائز التصرف حال الاجازة.

فمثلا تصح الاجازة من المريض، و ان كان حال الاجازة مريضا و

ص: 252

الثانى: هل يشترط فى صحة عقد الفضولى وجود مجيز حين العقد؟

فلا يجوز بيع مال اليتيم لغير مصلحة، و لا تنفعه اجازته اذا بلغ، او اجازة وليه اذا حدثت المصلحة بعد البيع، أم لا يشترط؟ قولان، اولهما:

للعلامة فى ظاهر القواعد، و استدل له بان صحة العقد- و الحال هذه-

______________________________

قلنا: بعدم صحة منجزات المريض.

وجه التوهم: انه حال العقد كان جائز التصرف، و يكفى ذلك فى نفوذ الاجازة.

و وجه العدم: انه انما تكون الاجازة كاشفة فيما اذا كان المجيز له الاهلية فى حال الاجازة، و الا فالاجازة باطلة، فلا كشف.

(الثانى) من الامور المربوطة بالمجيز (هل يشترط فى صحة عقد الفضولى وجود مجيز حين العقد) أم يكفى وجود المجيز حال الاجازة فقط

و اذا شرطنا وجود المجيز حين العقد (فلا يجوز بيع مال اليتيم لغير مصلحة) فى ما اذا كان البائع وليا، اما غير الولى، فلا يجوز بيعه، حتى لو كان فيه مصلحة (و لا تنفعه اجازته اذا بلغ) لعدم وجود المجيز حال العقد (او اجازة وليه اذا حدثت المصلحة بعد البيع) كما لو باع داره التى تسوى الفا بخمسمائة، ثم حدث ان انخفضت القيمة الى أربعمائة، حيث كان البيع بخمسمائة مصلحة- مثلا- (أم لا يشترط) وجود المجيز حال العقد (قولان، اولهما: للعلامة فى ظاهر القواعد، و استدل له بان صحة العقد) الّذي اجراه الفضول (- و الحال هذه-) بحيث لا مجيز حال العقد

ص: 253

ممتنعة، فاذا امتنع فى زمان، امتنع دائما.

و بلزوم الضرر على المشترى، لامتناع تصرفه فى العين، لامكان عدم الاجازة، و لعدم تحقق المقتضى.

و لا فى الثمن، لامكان تحقق الاجازة فيكون قد خرج عن ملكه.

و يضعف الاول- مضافا الى ما قيل من انتقاضه بما اذا كان المجيز بعيدا امتنع الوصول إليه

______________________________

(ممتنعة) اذ: لم يعقد المالك، و لا مالك اصلا يصح عقده- فى هذا الحال- (فاذا امتنع فى زمان، امتنع دائما) اذ: فى وقت العقد امتناع و فى وقت الامكان لا عقد، فسحب نفس العقد الممتنع نفوذه، الى زمان الامكان، غير ممكن.

(و بلزوم) عطف على: بان صحة العقد (الضرر على المشترى لامتناع تصرفه فى العين) امتناعا شرعيا (لامكان عدم الاجازة) فلا يتمكن ان يتصرف فى الثمن (و لعدم تحقق المقتضى) لجواز التصرف الّذي هو رضى المالك

كما (و) انه (لا) يتمكن ان يتصرف (فى الثمن، لامكان تحقق الاجازة) فيكون الثمن للبائع، لا للمشترى، حتى يتصرف فيه (فيكون) الثمن (قد خرج عن ملكه) فكيف يتصرف فيما ليس ملكا له؟

(و يضعف الاول) و هو ما ذكره العلامة، بقوله: بان صحة العقد الخ (مضافا الى ما قيل من انتقاضه بما اذا كان المجيز بعيدا امتنع الوصول إليه

ص: 254

عادة- منع ما ذكره، من ان امتناع صحة العقد فى زمان، يقتضي امتناعه دائما، سواء قلنا بالنقل أم بالكشف؟

______________________________

عادة) و الحال انه لا يمكن ان يقال: ببطلان الفضولى فى هذه الصورة مع انها مثل عدم المجيز فى حال العقد، فى كون كليهما لا وصول الى المجيز، اما لعدم المجيز، و اما لعدم تمكن التوصل إليه-.

نعم: منتهى الامر، ان يقال: بالخيار للطرف، لقاعدة: لا ضرر و ذلك فيما اذا لم يقدم هو على الضرر، او اقدم هو على الضرر، لكن الشارع لم يجوز مثل هذا الضرر، كما لو باع جميع امواله بحيث صار مضطرا الى القوت- مثلا-.

فمضافا الى ما قيل (منع ما ذكره، من ان امتناع صحة العقد فى زمان يقتضي امتناعه دائما).

و ذلك لعدم التلازم بين الامرين، بل اللازم الفرق بين الحالين.

اذ: فى الحالة الاولى، عدم الصحة مستند الى عدم المجيز.

و فى الحالة الثانية، يوجد المجيز فاللازم ان نقول بالصحة (سواء قلنا بالنقل، أم بالكشف).

اما على النقل، فواضح، لان النقل و الانتقال يكون من حال الاجازة، و فى هذا الحال، المجيز موجود.

و اما على الكشف، فلان المال انما يأتى آخر علل نقله فى حال وجود المجيز، و ان كان هذا الجزء من العلة يكون من قبيل الشرط

ص: 255

و اما الضرر: فيتدارك بما يتدارك به صورة النقض المذكورة.

هذا كله مضافا الى الاخبار الواردة فى تزويج الصغار فضولا الشاملة لصورة وجود ولى النكاح، و اهماله الاجازة الى بلوغهم.

و صورة عدم وجود الولى، بناء على عدم ولاية الحاكم على الصغير فى النكاح، و انحصار الولى فى الأب، و الجد، و الوصى، على خلاف فيه.

______________________________

المتأخر.

(و اما الضرر) الّذي ذكره العلامة بقوله: و بلزوم الضرر (فيتدارك بما يتدارك به صورة النقض المذكورة) اى بما اذا كان المجيز بعيدا الخ.

(هذا كله) مقتضى القاعدة فى العقد الفضولى الّذي لا مجيز حال العقد (مضافا الى الاخبار الواردة فى تزويج الصغار فضولا الشاملة لصورة وجود ولى النكاح) كالاب، و الجد (و اهماله الاجازة الى بلوغهم) و هذه الصورة ليست محل الشاهد، لوجود المجيز حال العقد.

(و صورة عدم وجود الولى) اصلا- حال العقد- (بناء على عدم ولاية الحاكم على الصغير فى النكاح، و انحصار الولى) للنكاح (فى الأب، و الجد، و الوصى على خلاف فيه) اذ: بعض الفقهاء عمم الولاية الى الحاكم، حيث انه ولى من لا ولي له، فاذا اقتضت المصلحة نكاح الصغير، قام الحاكم به.

و بعض الفقهاء خصصها بالاب و الجد و الوصى، لاصالة: عدم ولاية من عداهم.

ص: 256

و كيف كان: فالاقوى: عدم الاشتراط، وفاقا للمحكى عن ابن المتوج البحرانى، و الشهيد، و المحقق الثانى، و غيرهم، بل لم يرجحه غير العلامة ره.

ثم اعلم: ان العلامة فى القواعد، مثل لعدم وجود المجيز، ببيع مال اليتيم.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 7، ص: 257

و حكى عن بعض العامة- و هو البيضاوى

______________________________

و انما قلنا: بناء، لانه بناء على ان الحاكم ولى، لا يمكن صورة لا يكون المجيز موجودا فى حال العقد.

فروايات نكاح الصغير لا تكون دليلا على ما ذكرناه، من: انه لا يشترط وجود المجيز حال العقد.

(و كيف كان) سواء كانت روايات نكاح الصغير شاهدة أم لا؟ (فالاقوى عدم الاشتراط) فلا يشترط وجود المجيز حال العقد (وفاقا للمحكى عن ابن المتوج البحرانى، و الشهيد، و المحقق الثانى، و غيرهم، بل لم يرجحه) اى لم يرجح الاشتراط (غير العلامة ره) ممن عثرنا على اقوالهم من الفقهاء.

و انما قوينا: عدم الاشتراط، لما تقدم من: اصالة عدم الاشتراط، و كفاية وجود المجيز حال الاجازة.

(ثم اعلم: ان العلامة فى القواعد، مثّل لعدم وجود المجيز، ببيع مال اليتيم) الّذي لا ولى له أبا وجدا.

(و حكى عن بعض العامة- و هو البيضاوى) صاحب التفسير

ص: 257

على ما قيل- الايراد عليه، بانه لا يتم على مذهب الامامية من وجود الامام عليه السلام فى كل عصر.

و عن المصنف قدس سره، انه اجاب بان الامام غير متمكن من الوصول إليه.

و انتصر للمورد: بان نائب الامام، و هو المجتهد الجامع للشرائط موجود

______________________________

المشهور، و بيضا قربة من قرى شيراز بايران (على ما قيل-) من انه المحكى عنه (الايراد عليه) اى على المثال المذكور (بانه لا يتم على مذهب الامامية من وجود الامام (ع) فى كل عصر) اذ: الولى موجود فى كل حال، اما الأب و الجد، و اما الامام عليه السلام.

(و عن المصنف قدس سره، انه اجاب بان الامام غير متمكن من الوصول إليه) فليس الامام مكلفا بمزاولة الاعمال، و لا الشخص مكلفا بالرجوع إليه.

و لذا لا يأمر الامام عليه السلام بالمعروف، و لا ينهى عن المنكر، و لا يرشد الجاهل.

و كذلك لا يلزم للانسان مراجعة الامام فى المسائل المشكلة التى لا يهتدى الى حلها سبيلا.

و هكذا فى القضاء و اموال القصر، و ما اشبه مما لو كان الامام حاضرا لم يجز مراجعة غيره.

(و انتصر) المصنف ره (للمورد) اى البيضاوى باشكال آخر، شبيه باشكاله (بان نائب الامام، و هو المجتهد الجامع للشرائط موجود) فلا يمكن

ص: 258

بل لو فرض عدم المجتهد، فالعدل موجود، بل للفساق الولاية على الطفل فى مصالحه مع عدم العدول.

لكن الانتصار فى غير محله، اذ كما يمكن فرض عدم التمكن من الامام، يمكن عدم اطلاع نائبه من المجتهد، و العدول أيضا، فان اريد وجود ذات المجيز.

______________________________

تصور فرض لم يكن المجيز موجودا حال العقد (بل لو فرض عدم المجتهد) لفقد اصل المجتهد فرضا، او فقده فى محل التناول (فالعدل) الّذي يجوز له تولى شأن الطفل (موجود، بل) لو كان العدل غير موجود أيضا (للفساق الولاية على الطفل فى مصالحه، مع عدم العدول) فاين صورة عدم وجود المجيز حال العقد؟

(لكن) لا يخفى ان (الانتصار) الّذي ذكره المصنف (فى غير محله، اذ كما يمكن فرض عدم التمكن من الامام) لغيبته (يمكن عدم اطلاع نائبه من المجتهد، و العدول) حين عدم المجتهد (أيضا).

و عليه: فاشكال البيضاوى غير وارد اطلاقا، لانا نريد بالمجيز، المجيز المتمكن من مزاولة الاجازة و الرد.

و هذا ممكن العدم، لعدم وجود الامام، و عدم اطلاع المجتهد و العدل، اذ: ليس المراد بالمجيز ذات المجيز، بل المجيز المتمكن من المزاولة.

و كيف كان (فان اريد) اى اراد المصنف الّذي رد اشكال البيضاوى و لكنه اشكل على العلامة باشكال آخر (وجود ذات المجيز) يعنى ان ذات

ص: 259

فالاولى منع تسليم دفع الاعتراض بعدم التمكن من الامام (ع).

و ان اريد وجوده مع تمكنه من الاجازة فيمكن فرض عدمه فى المجتهد و العدول اذا لم يطلعوا على العقد.

فالاولى ما فعله فخر الدين، و المحقق الثانى، من تقييد بيع

______________________________

المجيز موجود بسبب وجود المجتهد او العدل- فلا يمكن ان يكون عقد فضولى لا مجيز له حال العقد-.

(فالاولى) للمصنف (منع تسليم دفع الاعتراض بعدم التمكن من الامام (ع)) فان البيضاوى اعترض، و دفعه، ان الامام غير متمكن من الوصول إليه، فسلم المصنف هذا الدفع، لكنه اورد بوجود المجتهد او العدل.

فانه ان اريد ذات المجيز، كان اللازم على المصنف ان لا يسلم دفع الاعتراض، اذ: ذات الامام موجود، و ان لم يتمكن الانسان من الوصول إليه.

(و ان اريد وجوده) اى المجيز حال العقد (مع تمكنه) اى ذات المجيز (من الاجازة ف) انتصاره للمورد فى غير محله.

اذ: (يمكن فرض عدمه فى المجتهد و العدول اذا لم يطلعوا على العقد).

فجمع المصنف بين: ان الامام الخ، و: بان نائب الامام، الخ غير تام.

و حينئذ، فنقول: لبيان اصل صورة المسألة- اى مسئلة انه اذا لم يكن حال عقد الفضولى مجيز ثم وجد، هل يصح العقد بالاجازة أم لا؟-

(فالاولى) مضى (ما فعله فخر الدين، و المحقق الثانى، من تقييد بيع

ص: 260

مال اليتيم بما اذا كان على خلاف المصلحة فيرجع الكلام أيضا الى اشتراط امكان فعلية الاجازة من المجيز، لا وجود ذات من شأنه الاجازة، فانه فرض غير واقع فى الاموال.

الثالث: لا يشترط فى المجيز كونه جائز [التصرف حال العقد]
اشارة

______________________________

مال اليتيم) فى مثال ما لم يكن مجيز ثم وجد (بما اذا كان على خلاف المصلحة) فانه حينئذ لا مجيز اطلاقا، اذ: الأب و الجد، لا يحق لهما اجازة مثل هذا البيع، و الصغير لا قابلية له للاجازة، لكنه اذا بلغ جاز له اجازة مثل هذا البيع.

اما بالنسبة الى كون المراد من: عدم المجيز، عدم ذات المجيز، او عدم فعلية المجيز (فيرجع الكلام أيضا)- الى ما رجع إليه فى الامام من ان المراد عدم فعلية الاجازة، لا عدم ذات المجيز- (الى اشتراط امكان فعلية الاجازة من المجيز).

فعنوان المسألة هكذا: هل يشترط فى عقد الفضولى امكان فعلية الاجازة من المجيز، أم لا؟ (لا) اشتراط (وجود ذات من شأنه الاجازة) حتى يكون عنوان المسألة هكذا: هل يشترط فى صحة عقد الفضولى وجود ذات من شأنه الاجازة، أم لا؟ (فانه) اى عدم وجود ذات من شأنه الاجازة- حتى يختلف فى صحة عقد الفضولى على هذا الفرض- (فرض غير واقع فى الاموال) لوجود ذات من شأنه الاجازة دائما، و هو الامام عليه السلام- على مذهب الشيعة-.

(الثالث) من الكلام فى المجيز (لا يشترط فى المجيز كونه جائز

ص: 261

التصرف حال العقد، سواء كان عدم التصرف لاجل عدم المقتضى، او للمانع؟

و عدم المقتضى قد يكون لاجل عدم كونه مالكا، و لا مأذونا حال العقد و قد يكون لاجل كونه محجورا عليه لسفه، او جنون، او غيرهما.

و المانع، كما لو باع الراهن بدون اذن المرتهن، ثم فك الرهن.

فالكلام يقع فى مسائل،
الأولى: ان يكون المالك حال العقد هو المالك حال الاجازة،

لكن المجيز لم يكن حال العقد جائز التصرف لحجر.

______________________________

التصرف حال العقد، سواء كان عدم التصرف لاجل عدم المقتضى) فى المجيز (او للمانع) فانه قد يكون عدم احتراق الخشب، لاجل عدم المقتضى كعدم النار، و قد يكون لاجل المانع، كرطوبة الخشب.

(و عدم المقتضى قد يكون لاجل عدم كونه) اى المجيز بعد ذلك (مالكا، و لا مأذونا) من المالك و من ينوب منابه (حال العقد) كما لو باع زيد مال عمرو، ثم ملكه (و قد يكون لاجل كونه محجورا عليه لسفه، او جنون او غيرهما) كالفلس (و المانع، كما لو باع الراهن بدون اذن المرتهن) لان الراهن و المرتهن كليهما ممنوعان عن التصرف (ثم فك الرهن) او باع العبد الجانى، ثم فك كونه متعلقا لحق المجنى عليه.

(فالكلام) هنا (يقع فى مسائل، الاولى: ان يكون المالك حال العقد هو المالك حال الاجازة، لكن المجيز لم يكن حال العقد جائز التصرف، لحجر) كما لو باع زيد مال عمرو المفلس المحجور عليه، ثم فك المفلس، و صار مطلقا، فاجاز بيع الفضول.

ص: 262

و الاقوى: صحة الاجازة، بل عدم الحاجة إليها، اذا كان عدم جواز التصرف، لتعلق حق الغير، كما لو باع الراهن، ففك الرهن، قبل مراجعة المرتهن، فانه لا حاجة الى الاجازة، كما صرح به فى التذكرة.

الثانية: ان يتجدد الملك بعد العقد، فيجيز المالك الجديد،

سواء كان هو البائع او غيره؟.

لكن عنوان المسألة، فى كلمات القوم هو: الاول، و هو: ما

______________________________

(و الا قوى: صحة الاجازة، بل عدم الحاجة إليها، اذا كان) المزاول للبيع فضولة، نفس المالك المحجور بان كان (عدم جواز التصرف لتعلق حق الغير، كما لو باع الراهن) مال نفسه المرهون، بدون اجازة المرتهن (ففك الرهن، قبل مراجعة المرتهن، فانه لا حاجة الى الاجازة، كما صرح به فى التذكرة) لانه باع مال نفسه، فلا معنى لاجازته ما اوقع هو بنفسه، و كونه متعلق حق الغير حال العقد، انما يتوقف العقد على اجازة ذى الحق: الغير، فاذا ازال حق الغير، لم يكن وجه لتوقف العقد على شي ء.

(الثانية: ان يتجدد الملك) الّذي جرى عليه العقد الفضولى (بعد العقد، فيجيز المالك الجديد، سواء كان هو البائع) كما لو باع زيد مال ابيه فضولة، ثم مات الأب، و انتقل المال الى زيد البائع (او غيره) كما لو باع زيد مال عمرو، ثم انتقل المال الى ولد عمرو، فاجاز الولد البيع الواقع فضولة من زيد على هذا المال.

(لكن عنوان المسألة، فى كلمات القوم) الفقهاء (هو: الاول، و هو: ما

ص: 263

لو باع شيئا ثم ملكه.

و هذه تتصور على صور، لان غير المالك، اما ان يبيع لنفسه، او للمالك، و الملك اما ان ينتقل إليه باختياره، كالشراء، او بغير اختياره كالارث، ثم البائع الّذي يشترى الملك، اما ان يجيز العقد الاول، و اما ان لا يجيزه، فيقع الكلام فى وقوعه للمشترى الاول، بمجرد شراء البائع له.

و المهم هنا التعرض لبيان: ما لو باع لنفسه، ثم اشتراه من المالك، و اجاز، و ما لو باع و اشترى و لم يجز.

______________________________

لو باع شيئا ثم ملكه) هل انه يحتاج الى الاجازة، أم لا؟

(و هذه تتصور على صور، لان غير المالك، اما ان يبيع لنفسه) جهلا بانه مال غيره، او غصبا، او ما اشبههما (او للمالك، و الملك اما ان ينتقل إليه) اى الى البائع (باختياره، كالشراء، او بغير اختياره كالارث، ثم البائع الّذي يشترى الملك) اى البائع الفضولى، الّذي اشترى الملك من مالكه الاول، بعد ان باعه فضولة (اما ان يجيز العقد الاول) الّذي اوقعه هو بنفسه فضولة (و اما ان لا يجيزه، ف) اذا لم يجزه (يقع الكلام فى وقوعه للمشترى الاول) و هو المشترى من الفضولى مقابل المشترى الثانى، و هو الفضول الّذي اشتراه من المالك، بعد ان باعه فضولة- (بمجرد شراء البائع) اى الفضول (له) اى للملك.

(و المهم هنا) من هذه الصور المختلفة (التعرض لبيان: ما لو باع لنفسه، ثم اشتراه من المالك، و اجاز، و) كذلك المهم بيان صورة (ما لو باع) فضولة (و اشترى) بعد ذلك من المالك (و لم يجز).

ص: 264

و يعلم حكم غيرهما منهما.

اما المسألة الاولى فقد اختلفوا فيها، فظاهر المحقق فى باب الزكاة من المعتبر، فيما اذا باع المالك النصاب قبل اخراج الزكاة، او رهنه، انه صح البيع، و الرهن، فيما عدا الزكاة، فان اغترم حصة الفقراء قال الشيخ صح البيع، و الرهن.

و فيه اشكال، لان العين مملوكة، و اذا ادى العوض ملكها ملكا مستأنفا، فافتقر بيعها الى اجازة مستأنفة، كما لو باع مال غيره ثم اشتراه انتهى.

______________________________

و انما المهم هاتان الصورتان فقط (و يعلم حكم غيرهما منهما).

(اما المسألة الاولى) و هى: ما لو اجاز بعد ان اشترى (فقد اختلفوا فيها، فظاهر المحقق) صحة البيع مع الاجازة، فانه قال (فى باب الزكاة من المعتبر، فيما اذا باع المالك النصاب قبل اخراج الزكاة) كما لو باع كل تمره الّذي تعلق به الزكاة (او رهنه، انه صح البيع، و الرهن فيما عدا الزكاة، فان اغترم حصة الفقراء) بان اداها من مال خارج (قال الشيخ صح البيع، و الرهن) فى حصة الفقراء أيضا.

(و فيه اشكال، لان العين) التى كانت للفقير (مملوكة) له (و اذا ادى) المالك (العوض) عن عين الفقير (ملكها) اى العين التى كانت للفقير (ملكا مستأنفا، فافتقر بيعها الى اجازة مستأنفة) من مالك النصاب (كما لو باع مال غيره) فضولة (ثم اشتراه) حيث انه يحتاج الى اجازة مستأنفة (انتهى) كلام المعتبر.

و قد عرفت: ان ظاهره الاحتياج الى الاجازة، و ان البيع صحيح.

ص: 265

بل يظهر مما حكاه عن الشيخ، عدم الحاجة الى الاجازة، الا ان يقول الشيخ بتعلق الزكاة بالعين، كتعلق الدين بالرهن، فان الراهن اذا باع، ففك الرهن، قبل مراجعة المرتهن، لزم، و لم يحتج الى اجازة مستأنفة.

و بهذا القول صرح الشهيد ره فى الدروس، و هو ظاهر المحكى عن الصيمرى، و المحكى عن المحقق الثانى فى تعليق الارشاد، هو البطلان و مال

______________________________

(بل يظهر مما حكاه) المحقق فى كلامه المتقدم (عن الشيخ، عدم الحاجة الى الاجازة، الا ان يقول الشيخ) بما يخرج المسألة عن عنوان:

من باع ثم ملك، و ذلك (بتعلق الزكاة بالعين، كتعلق الدين بالرهن) بان لا تكون الزكاة فى العين، بل الزكاة فى ذمة المالك، و انما للفقير حق استيفائها من العين، فانه حينئذ لا تدخل مسئلة الزكاة فيمن باع ثم ملك، لان مقدار النصاب من الاول، ملك للبائع، و انما هو متعلق حق الفقير، كالرهن (فان الراهن اذا باع، ففك الرهن، قبل مراجعة المرتهن، لزم) البيع (و لم يحتج الى اجازة مستأنفة) لان العين كانت له و قد باعها.

و كون انسان ذى حق بحيث له ان يبطل البيع، لا يرتبط بالمالك فاذا سقط حق ذلك الانسان لم يكن وجه للاجازة المستأنفة من المالك.

(و بهذا القول صرح الشهيد ره فى الدروس و هو ظاهر المحكى عن الصيمرى، و المحكى عن المحقق الثانى فى تعليق الارشاد، هو: البطلان، و مال

ص: 266

إليه بعض المعاصرين تبعا لبعض معاصريه.

و الاقوى: هو الاول، للاصل، و العمومات السليمة عما يرد عليه، ما عدا امور لفّقها بعض من قارب عصرنا، مما يرجع اكثرها الى ما ذكر فى الايضاح، و جامع المقاصد، الاول: انه قد باع مال الغير لنفسه، و قد مر الاشكال فيه.

و ربما لا يجرى فيه بعض ما ذكر هناك.

______________________________

إليه بعض المعاصرين) و هو صاحب الجواهر (تبعا لبعض معاصريه) و هو: صاحب المقابيس.

(و الاقوى: هو الاول) اى الصحة (للاصل) فان الاصل فى المعاملة النفوذ، الا ما خرج بالدليل، لاصالة عدم شرطية مالكية المجيز حين العقد (و العمومات السليمة عما يرد عليه) مثل: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و تجارة عن تراض (ما عدا امور لفّقها بعض من قارب عصرنا) الظاهر من بعض الحواشى ان المراد به صاحب المقابيس.

و قول المصنف: لفّقها، ليس تهجما، بل حقيقة فان الوجوه كما تراها اشبه بالتلفيق من الاستدلال العلمى، فضلا عن الاستدلال الفقهى (مما يرجع اكثرها الى ما ذكر فى الايضاح، و جامع المقاصد الاول:

انه قد باع مال الغير لنفسه، و قد مر الاشكال فيه) و هو ان المثمن يلزم ان يخرج من كيس من يدخل الثمن فى كيسه، فلا يمكن ان يدخل الثمن فى كيس الفضول، بينما يخرج المثمن من كيس المالك صاحب المال.

(و ربما لا يجرى فيه بعض ما ذكر هناك) من وجوه الصحة، فان تنزيل الغاصب نفسه منزلة المالك- هناك- مفقود هنا، اذ: البائع لا ينزل

ص: 267

و فيه: انه قد سبق ان الاقوى صحته.

و ربما يسلم هنا عن بعض الاشكالات الجارية هناك، مثل مخالفة الاجازة لما قصده المتعاقدان.

______________________________

نفسه، فهنا يبيع عن المالك، و المالك لا يجوّز الى الابد، اذ: حين العقد لا اجازة، و بعد الانتقال، لا اجازة من المالك حين العقد.

و الحاصل: ان بيع الغاصب لنفسه ملحوق باجازة المالك، و هنا ليس البيع ملحوقا باجازة المالك، اذ: المالك حال البيع خرج عن ملكه المال فرضا.

(و فيه: انه قد سبق ان الاقوى صحته) لما تقدم من مسئلة ان البيع مبادلة بين المالين، و هى حاصلة، اما نسبة الغاصب المال الى نفسه فهى خارجة عن حقيقة البيع.

(و ربما يسلم هنا) فيمن باع ثم ملك (عن بعض الاشكالات الجارية هناك) و هذا الكلام من المصنف مقابل قول المستشكل و ربما لا يجرى يريد المصنف ان الاشكال هنا اقل من الاشكال فى بيع الغاصب لنفسه، فاذا قلنا بالصحة هناك، نقول بالصحة هنا، بطريق اولى (مثل مخالفة الاجازة لما قصده المتعاقدان) فى بيع الغاصب لنفسه، اذ: الغاصب قصد كون البيع لنفسه، و طرف الغاصب قصد كون البيع للغاصب، فاذا اجاز المالك كانت اجازته مخالفة لهذا القصد، بخلاف مسئلتنا، اذ: لم يقصد الفضول كون البيع لنفسه، بل قصد كونه لمالكه، و مالكه قد فرض انه صار هو الفضول، فلا يتغير القصد الا فى انطباق المالك على نفس الفضول،

ص: 268

الثانى: انا حيث جوزنا بيع غير المملوك مع انتفاء الملك، و رضى المالك، و القدرة على التسليم، اكتفينا بحصول ذلك للمالك المجيز لانه البائع حقيقة، و الفرض هنا عدم اجازته، و عدم وقوع البيع عنه.

و فيه: ان الثابت هو: اعتبار رضاء من هو المالك حال الرضا، سواء ملك حال العقد،

______________________________

بعد ان كان منطبقا على غيره.

(الثانى) من الاشكالات على: من باع ثم ملك (انا حيث جوزنا بيع غير المملوك) كبيع الفضول الّذي يبيع، ما ليس ملكا له (مع انتفاء الملك، و) انتفاء (رضى المالك، و) انتفاء (القدرة على التسليم، اكتفينا) خبر:

حيث اى ان البيع يشترط فيه ملكية الشي ء للبائع و رضاه بالبيع و قدرته على التسليم، فاذا اجزنا البيع لغير المالك- اى الفضول- مع فقد هذه الثلاثة، فانما هو لاكتفائنا (بحصول ذلك) الثلاثة: الملك و الرضى و القدرة (للمالك المجيز) لانه حال الاجازة مالك و راض و قادر على التسليم (لانه) اى المجيز (البائع حقيقة) دون الفضول (و الفرض هنا) فيمن باع ثم ملك (عدم اجازته) اى لم يجوز المالك حال العقد (و عدم وقوع البيع عنه) فكيف يصح بيع لا ملكية- حال البيع- لمجيزه و لا رضى للمالك، و لا قدرة على التسليم- مع ان هذه الثلاثة شرط فى البيع اما فعلا، او بعد الاجازة-. (و فيه: ان الثابت) من الادلة التى تشترط رضى المالك و قدرته على التسليم ملكيته (هو: اعتبار رضاء من هو المالك حال الرضا، سواء ملك) اى كان مالكا (حال العقد

ص: 269

أم لا؟ لان الداعى على اعتبار الرضا: سلطنة الناس على اموالهم، و عدم حلها لغير ملاكها بغير طيب انفسهم، و قبح التصرف فيها بغير رضاهم.

و هذا المعنى لا يقتضي ازيد مما ذكرنا.

و اما القدرة على التسليم، فلا نضائق من اعتبارها فى المالك حين العقد، و لا يكتفى بحصولها فيمن هو مالك حين الاجازة.

و هذا كلام آخر

______________________________

أم لا).

و انما تعتبر رضاه، دون رضى المالك حال العقد (لان الداعى على اعتبار الرضا) فى المالك، انما هو: (سلطنة الناس على اموالهم، و عدم حلها لغير ملاكها بغير طيب انفسهم) لقوله عليه السلام: لا يحل مال امرئ الا بطيب نفسه (و قبح التصرف فيها بغير رضاهم) عطف على: سلطنة.

(و هذا المعنى) اى رضى المالك (لا يقتضي ازيد مما ذكرنا) من رضى المالك حال الاجازة، لانه وقت التصرف، اما قبل الاجازة فليس العقد تصرفا، حتى يتوقف على الرضا، و بدونه يكون قبيحا و باطلا.

(و اما القدرة على التسليم) التى قلتم: بانها مفقودة فى المقام (فلا نضائق من اعتبارها فى المالك حين العقد) بان يكون المالك الاول قادرا على التسليم (و لا يكتفى بحصولها) اى القدرة (فيمن هو مالك حين الاجازة) اذ: لا يرتبط المال بالعاقد، حتى تكفى قدرته. و الحاصل: انه ان اراد قدرة المالك، فهى موجودة حال العقد، و ان اراد قدرة العاقد، فهى ليست بشرط. (و هذا) اى اعتبار القدرة (كلام آخر) لا يرتبط بالاشكال فى: من

ص: 270

لا يقدح التزامه فى صحة البيع المذكور، لان الكلام، بعد استجماعه للشروط المفروغ عنها.

الثالث: ان الاجازة حيث صحت كاشفة على الاصح مطلقا لعموم الدليل الدال عليه، و يلزم حينئذ خروج المال عن ملك البائع قبل دخوله فيه.

______________________________

باع ثم ملك (لا يقدح التزامه) بان نلتزم باشتراطه (فى صحة البيع المذكور) اى بيع الفضول، ثم يملك (لان الكلام) اى كلامنا فى صحة مثل هذا البيع، و عدمه (بعد استجماعه) اى البيع المذكور (للشروط المفروغ عنها) فى كل بيع، كالعقل، و البلوغ، و القدرة على التسليم.

(الثالث) من الاشكالات على: من باع ثم ملك- و هذا الاشكال مبنى على القول بالكشف- (ان الاجازة حيث صحت) اى قلنا: بانها مفيدة لنقل المال (كاشفة) عن سبق الملك حين العقد، لا حين الاجازة (على الاصح مطلقا) حتى فى: من باع ثم ملك- و ليست بناقلة- (لعموم الدليل الدال عليه) اى على كونها كاشفة، فيشمل الدليل: من باع ثم ملك، و غيره، من سائر اقسام الفضولى (و يلزم حينئذ خروج المال عن ملك البائع قبل دخوله) اى المال (فيه) اى فى ملك البائع، مثلا: المال لوالد زيد، فاذا باعه زيد، ثم مات الأب، و دخل المال فى ملك زيد، و اجاز زيد البيع السابق، لزم ان يكون المال خرج من ملك زيد قبل ان يدخل المال فى ملك زيد.

و انما نقول: بان المال خرج من ملك زيد، اذ: انه لم يخرج عن

ص: 271

و فيه: منع كون الاجازة كاشفة مطلقا، عن خروج الملك عن ملك المجيز، من حين العقد حتى فيما لو كان المجيز غير مالك حين العقد، فان مقدار كشف الاجازة، تابع لصحة البيع، فاذا ثبت بمقتضى العمومات:

ان العقد الّذي اوقعه البائع لنفسه، عقد صدر من اهل العقد فى المحل القابل للعقد عليه، و لا مانع من وقوعه، الا عدم رضاء مالكه.

______________________________

ملك الأب.

(و فيه: منع كون الاجازة كاشفة مطلقا) حتى فى: من باع ثم ملك (عن خروج الملك) متعلق: بكاشفة (عن ملك المجيز) متعلق: بخروج (من حين العقد حتى فيما لو كان المجيز غير مالك حين العقد) كما فى مسئلة: من باع ثم ملك (فان مقدار كشف الاجازة، تابع لصحة البيع) فمهما كان البيع صحيحا، تكشف الاجازة عن سبق النقل، و مهما لم يكن البيع صحيحا، لم تكشف الاجازة.

و من المعلوم: ان البيع على المال غير المنتقل الى الانسان ليس بصحيح، و لذا لا تكشف الاجازة من حين قبل الانتقال الى ملك المجيز و انما تكشف عن النقل من بعد انتقال المال الى ملك المجيز (فاذا ثبت بمقتضى العمومات) اى عمومات: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و تجارة عن تراض، و ما اشبه (ان العقد الّذي اوقعه البائع لنفسه، عقد صدر من اهل العقد) حيث ان العاقد يتأهل بعد انتقال المال إليه (فى المحل القابل للعقد عليه) فان الجنس جنس صالح للعقد عليه، و ليس كالخمر، و الخنزير (و لا مانع من وقوعه، الا عدم رضاء مالكه) فاذا ارتفع هذا المانع، اثر العقد

ص: 272

فكما ان مالكه الاول: اذا رضى يقع البيع له.

فكذلك مالكه الثانى اذا رضى يقع البيع له، و لا دليل على اعتبار كون الرضا المتأخر، ممن هو مالك حال العقد.

و حينئذ فاذا ثبت صحته بالدليل، فلا محيص عن القول بان الاجازة كاشفة عن خروج المال عن ملك المجيز، فى اوّل ازمنة قابليته، اذ:

لا يمكن الكشف فيه على وجه آخر.

______________________________

اثره.

(فكما ان مالكه الاول) كأب زيد، فى المثال المتقدم (اذا رضى يقع البيع له) و يرتفع المانع.

(فكذلك مالكه الثانى) الّذي هو الولد (اذا رضى) بعد انتقال المال إليه (يقع البيع له، و لا دليل على) لزوم (اعتبار كون الرضا المتأخر) عن العقد (ممن هو مالك حال العقد) حتى يقال: ان المالك حال العقد لا اثر لرضاه بعد خروج المال عن ملكه، و المالك الثانى لم يقع العقد على ملكه حتى يؤثر رضاه فى النقل و الانتقال.

(و حينئذ) اى حين لا دليل على كون الرضا يلزم ان يكون من المالك الاول (فاذا ثبت صحته) اى العقد الواقع فضولة (بالدليل) الدال على صحة الفضولى مطلقا (فلا محيص عن القول بان الاجازة) من المالك الثانى (كاشفة عن خروج المال عن ملك المجيز، فى اوّل ازمنة قابليته) اى قابلية الخروج عن ملكه- و ذلك انما يكون بعد انتقال المال الى المجيز- (اذ: لا يمكن الكشف فيه) اى فى محل الكلام (على وجه آخر) اذ: لا يمكن

ص: 273

فلا يلزم من التزام هذا المعنى على الكشف، محال عقلى، و لا شرعى حتى يرفع اليد من من اجله عن العمومات المقتضية للصحة.

فإن كان لا بد من الكلام، فينبغى فى المقتضى للصحة، او فى القول بان الواجب فى الكشف عقلا او شرعا، ان يكون عن خروج المال عن ملك

______________________________

ان يخرج المال من ملك من لا يملك المال- و ذلك حال العقد-.

(فلا يلزم من التزام هذا المعنى) اى خروج المال فى اوّل ازمنة قابلية الخروج (على) القول ب (الكشف، محال عقلى و لا شرعى) اذ لا يلزم تناقض، او ما اشبه، و لا دليل على لزوم كون الكشف عن حين العقد مطلقا، حتى فيمن باع ثم ملك (حتى يرفع اليد من اجله) اى من اجل المحال العقلى او الشرعى (عن العمومات المقتضية للصحة) مثل:

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و: تجارة عن تراض.

و الحاصل: ان المقتضى لصحة هذا العقد الملحوق بالاجازة موجود و هو العمومات- و المانع مفقود، اذ: المانع المتوهم هو الاستحالة، و المفروض انه لا استحالة عقلا و لا شرعا.

(فإن كان لا بد من الكلام) و الاشكال فى: صحة بيع من باع ثم ملك فلا ينبغى الاشكال من جهة الكشف، كما ذكره المستشكل فى هذا الاشكال الثالث- (فينبغى) ان يكون الاشكال (فى) جهة (المقتضى للصحة) و ان هذا البيع، لا مقتضى لصحته، اذ: لا يشمله: العمومات (او فى القول بان الواجب فى الكشف) وجوبا (عقلا او شرعا ان يكون عن خروج المال عن ملك

ص: 274

المجيز وقت العقد.

و قد عرفت: ان لا كلام فى مقتضى الصحة، و لذا لم يصدر من المستدل على البطلان، و انه لا مانع عقلا، و لا شرعا من كون الاجازة كاشفة من زمان قابلية تأثيرها.

و لا يتوهم ان هذا نظير ما لو خصص المالك الاجازة بزمان متأخر عن العقد، اذ: التخصيص

______________________________

المجيز وقت العقد) و ان الخروج عن ملكه وقت الاجازة، مستلزم لمحال عقلى او شرعى.

(و قد عرفت: ان لا كلام فى مقتضى الصحة) لان: العمومات شاملة له (و لذا لم يصدر) اشكال فى مقتضى الصحة (من المستدل على البطلان) اى بطلان: من باع ثم ملك (و انه) عطف على: ان لا كلام (لا مانع عقلا، و لا شرعا من كون الاجازة كاشفة من زمان قابلية تأثيرها) و هو بعد الانتقال الى ملك العاقد المجيز.

(و) ان قلت: كما انه لا يمكن ان يخصص المالك اجازة المعاملة بزمان متأخر عن العقد، كما لو وقع عقد الفضول يوم الجمعة، فقال المالك اجزت من يوم السبت، كذلك لا يمكن ان توجب الاجازة الانتقال من زمان متأخر عن العقد.

قلت: (لا يتوهم ان هذا) اى كشف الاجازة عن زمان متأخر عن العقد (نظير ما لو خصص المالك الاجازة بزمان متأخر عن العقد).

و انما لا يتوهم لوجود الفرق بين المسألتين (اذ: التخصيص) من المالك

ص: 275

انما يقدح مع القابلية، كما ان تعميم الاجازة لما قبل ملك المجيز بناء على ما سبق فى دليل الكشف، من ان معنى الاجازة امضاء العقد من حين الوقوع، او امضاء العقد الّذي مقتضاه النقل من حين الوقوع، غير قادح، مع عدم قابلية تأثيرها، الا من زمان ملك المجيز للمبيع.

الرابع:

______________________________

(انما يقدح) و يضر (مع القابلية) اى قابلية الزمان لاتصال الانتقال بالعقد و ضرره انه خلاف المتعارف الّذي ينصب عليه عموم الادلة و الا فلا ضرر عقلى له (كما ان تعميم الاجازة) بان قال الابن المنتقل إليه المال يوم السبت:

اجزت الانتقال من حين العقد، و هو يوم الجمعة- الّذي لم يكن المال فى ذلك الحين ملكا لى- و قوله: تعميم، اسم لان و: غير قادح، خبره (لما قبل ملك المجيز) متعلق ب: تعميم (بناء على ما سبق فى دليل الكشف، من ان معنى الاجازة امضاء العقد من حين الوقوع، او امضاء العقد) فقط (الّذي مقتضاه النقل من حين الوقوع).

و الفرق بين الامرين، ان: من حين، فى الاول مصرح به حال الاجازة، و فى الثانى مراد من اللفظ، و ان لم يصرح به (غير قادح) هذا التعميم (مع عدم قابلية تأثيرها) اى الاجازة (الا من زمان ملك المجيز للمبيع) فليس التخصيص و التعميم بيد المجيز، و انما بيد الواقع الّذي جعله الشارع.

(الرابع) من الاشكالات على: من باع ثم ملك، فيما لو باع الولد الفضول ملك الأب لزيد، ثم اشتراه الولد من ابيه، ثم اجاز الولد بيعه لزيد فالعقد

ص: 276

ان العقد الاول، انما صح و ترتب عليه اثره باجازة الفضولى، و هى: متوقفة على صحة العقد الثانى المتوقفة على بقاء الملك على ملك مالكه الاصلى.

فيكون صحة الاول مستلزما لكون المال المعين ملكا للمالك و المشترى

______________________________

الاول هو بيع الفضول، و العقد الثانى هو بيع الأب (ان العقد الاول) الفضولى (انما صح و ترتب عليه اثره) بانتقال المال الى زيد (باجازة الفضولى) الّذي انتقل إليه المال من ابيه (و هى) اى اجازة الفضولى (متوقفة على صحة العقد الثانى) بيع الأب للولد، اذ لو لا انتقال المال الى الولد، لم تصح اجازته (المتوقفة) صحة العقد الثانى (على بقاء الملك على ملك مالكه الاصلى) اى الأب، فانه لو لا بقاء الملك على ملكية الأب، لم يصح العقد الثانى.

(فيكون صحة) العقد (الاول) للفضولى (مستلزما لكون المال المعين ملكا للمالك) اى الأب حتى يصح عقد الأب عليه بنقله الى ولده (و) ملك (المشترى) اى الولد- الفضول- اذ: لو لم يكن ملكه، لم يكن كشف الاجازة عن الانتقال عن الولد الى من اشترى منه، فاذا فرضنا ان الولد باع كتاب ابيه يوم الخميس و باع الأب الكتاب الى الولد يوم الجمعة، ثم اجاز الولد، كان اللازم ان يكون الكتاب للاب يوم الخميس، حتى يصح بيعه للولد يوم الجمعة، و ان يكون الكتاب للولد يوم الخميس حتى تكون اجازته يوم الجمعة كاشفة عن سبق انتقال الكتاب حين العقد الى المشترى، فالكتاب يكون ملكا فى يوم الخميس للمالك، و المشترى

ص: 277

معافى زمان واحد، و هو محال لتضادهما.

فوجود الثانى يقتضي عدم الاول و هو: موجب لعدم الثانى أيضا فيلزم وجوده و عدمه، فى آن واحد، و هو: محال.

فان قلت: مثل هذا

______________________________

(معا فى زمان واحد، و هو محال لتضادهما) اذ: كون الشي ء ملكا لهذا مستقلا، مضاد لكونه ملكا لآخر مستقلا.

(فوجود) الملك (الثانى) اى ملك الأب للكتاب- حتى يصح بيعه لولده يوم الجمعة- (يقتضي عدم الاول) اى عدم ملكية الولد للكتاب يوم الخميس (و هو) اى الاول، الّذي هو ملكية الولد للكتاب يوم الخميس (موجب لعدم الثانى) اى ملكية الأب للكتاب يوم الخميس (أيضا) اى كما يقتضي الثانى عدم الاول (فيلزم وجوده) اى وجود كل واحد من ملك الأب للكتاب، و ملك الابن للكتاب، بين زمان عقد الفضول: الابن، و بين زمان اجازة الابن- بعد ان انتقل إليه الكتاب- (و عدمه، فى آن واحد) اى بين العقد الفضولى و الاجازة (و هو: محال) لان الشي ء الواحد لا يكون مملوكا بالملك المستقل لنفرين.

اما لزوم كونه ملكا للاب، فلاجل ان يصح بيع الأب، لولده يوم الجمعة.

و اما لزوم كونه ملكا للابن، فلان اجازة الابن- بعد اشترائه من ابيه يوم الجمعة- تكون كاشفة عن سبق الانتقال من الابن الى المشترى من حين العقد الّذي وقع يوم الخميس.

(فان قلت: مثل هذا) اى توارد الملكين فى زمان واحد، على مملوك

ص: 278

لازم فى كل عقد فضولى، لان صحته موقوفة على الاجازة المتأخرة المتوقفة على بقاء ملك المالك و المستلزمة لملك المشترى كذلك، فيلزم كونه بعد العقد ملك المالك و المشترى معا فى آن واحد.

فيلزم: اما بطلان عقد الفضولى مطلقا، او بطلان القول بالكشف، فلا اختصاص لهذا الايراد

______________________________

واحد (لازم فى كل عقد فضولى) فلو باع زيد دار عمرو لبكر فى يوم الخميس و اجاز عمرو يوم الجمعة، فبين البيع و بين الاجازة، الدار ملك للمشترى بكر، لان الاجازة كشفت عن سبق الملك له من حين العقد، و هى أيضا ملك للمالك: عمرو، لانها لو لم تكن ملكا له، لم يكن معنى لاجازته، فالدار ملك للمالك و المشترى معافى آن واحد (لان صحته) اى عقد الفضول (موقوفة على الاجازة المتأخرة) من المالك- فى يوم الجمعة- (المتوقفة) هذه الاجازة (على بقاء ملك المالك) عمرو، فانه لو لا بقاء ملك عمرو، لم يكن معنى لاجازته (و المستلزمة) اى صحة عقد الفضولى (لملك المشترى) «بكر» (كذلك) أيضا، لان الاجازة كشفت عن سبق الملك له من حين العقد (فيلزم كونه) اى المثمن (بعد العقد ملك المالك و المشترى معافى آن واحد) بين العقد و الاجازة.

(فيلزم: اما بطلان عقد الفضولى مطلقا) فلا يصح عقد الفضولى اطلاقا لا بالنسبة الى من باع ثم ملك، و لا بالنسبة الى سائر اقسام عقد الفضول مما يجيزه المالك (او بطلان القول بالكشف) حتى يكون المثمن ملكا للمالك بين العقد و الاجازة، و ملكا للمشترى بعد الاجازة (فلا اختصاص لهذا الايراد)

ص: 279

بما نحن فيه.

قلنا: يكفى فى الاجازة ملك المالك ظاهرا، و هو: الحاصل من استصحاب ملكه السابق، لانها فى الحقيقة رفع اليد، و اسقاط للحق، و لا يكفى الملك الصورى فى العقد الثانى.

اقول:

______________________________

توارد الملكين، ملك المالك، و ملك المشترى (بما نحن فيه) اى من باع ثم ملك، بل عام لكل فضولى.

(قلنا:) لم يتوارد ملكان فى آن واحد، لان الملك بين العقد و الاجازة- فى كل فضولى- انما هو ملك للمشترى واقعا، و للمالك ظاهرا بخلاف مسئلة: من باع ثم ملك، فان الملك للمالك الأب واقعا، و للمشترى واقعا، فيجتمع الملكان هنا، لا فى كل فضولى.

اذ: (يكفى فى الاجازة) التى يجيزها المالك- فى كل فضولى- (ملك المالك ظاهرا، و هو) اى هذا الملك الظاهرى (الحاصل من استصحاب ملكه السابق، لانها) اى الاجازة (فى الحقيقة رفع اليد) اى رفع المالك يده (و اسقاط للحق) فكان المالك، قال: لا حق لى فى المال منذ العقد (و لا يكفى الملك الصورى فى العقد الثانى) اى عقد المالك الأب- فى المثال- فى مسئلة من باع ثم ملك، اذ: لو لم يكن المال للاب، لم يكن يصح بيعه للولد.

(اقول) هذا الاشكال الرابع، غير وارد على: من باع ثم ملك، اذ:

قوام الاشكال على اجتماع ملك المالك، الأب، و ملك المشترى معا.

ص: 280

قد عرفت: ان القائل بالصحة ملتزم بكون الاثر المترتب على العقد الاول بعد اجازة العاقد له- هو تملك المشترى له من حين ملك العاقد لا من حين العقد.

و حينئذ فتوقف اجازة العقد الاول على صحة العقد الثانى مسلم و توقف صحة العقد الثانى على بقاء الملك على ملك مالكه الاصلى الى زمان العقد مسلم أيضا فقوله:

______________________________

و الحال انا لا نقول بملك المشترى، اذ: الاجازة لا تكشف عن ملك المشترى من حين العقد، بل من الحين الممكن، و هو: بعد اشتراء الولد من الأب.

ف (قد عرفت: ان القائل بالصحة) اى صحة عقد: من باع ثم ملك، (ملتزم بكون الاثر المترتب على العقد الاول) اى عقد الفضول: الابن (- بعد اجازة العاقد له-) حيث ملك الابن المال، ببيع الأب له (هو تملك المشترى) من الابن (له) للمال (من حين ملك العاقد) اى الابن (لا من حين العقد) اى العقد الفضولى.

(و حينئذ) اى حين كانت الاجازة عن ملك المشترى من حين ملك العاقد، لا من حين العقد (فتوقف اجازة العقد الاول) الفضولى (على صحة العقد الثانى) اى عقد الأب للابن (مسلم، و توقف صحة العقد الثانى) عقد الأب (على بقاء الملك على ملك مالكه الاصلى) و هو الأب (الى زمان العقد) عقد الأب (مسلم أيضا) اذ: لو لا كونه ملك الأب، لم يصح عقد الأب.

(فقوله) اى المستدل بالدليل الرابع، لبطلان بيع من باع ثم ملك

ص: 281

صحة الاول يستلزم كون المال ملكا للمالك و المشترى فى زمان، ممنوع، بل صحته تستلزم خروج العين عن ملكية المالك الاصلى.

نعم: انما يلزم ما ذكره من المحال، اذا ادعى وجوب كون الاجازة كاشفة عن الملك حين العقد.

و لكن هذا امر تقدم دعواه فى الوجه الثالث، و قد تقدم منعه فلا وجه لاعادته

______________________________

(صحة) العقد (الاول) و هو عقد الفضول (يستلزم كون المال ملكا للمالك) الأب (و المشترى) من الابن (فى زمان) واحد (ممنوع) اذ: المال ملك للمالك الأب، و انما ينتقل الى المشترى بعد عقد الأب و اجازة الابن (بل صحته) اى العقد الاول، للفضول (تستلزم خروج العين عن ملكية المالك الاصلى) اى الأب.

فان عقد الابن الفضول انما يصح اذا خرج الملك عن ملك الأب الى الابن بسبب العقد الثانى.

(نعم: انما يلزم ما ذكره من المحال) اى اجتماع الملكين على عين واحدة، ملك الأب و ملك المشترى (اذا ادعى وجوب كون الاجازة كاشفة عن الملك حين العقد) حتى يكون الملك بعد عقد الفضول عليه للمشترى و للاب: المالك الاصلى.

(و لكن هذا) الادعاء (امر تقدم دعواه فى الوجه الثالث) من استدلالات القائل: بان من باع شيئا ثم ملكه باطل (و قد تقدم منعه) و ان الاجازة انما تكشف من حين الامكان: و هو بعد عقد الأب، لا من حين عقد الفضول (فلا وجه لاعادته

ص: 282

بتقرير آخر كما لا يخفى.

نعم يبقى فى المقام الاشكال الوارد فى مطلق الفضولى- على القول بالكشف-.

و هو كون الملك حال الاجازة للمجيز، و المشترى معا.

و هذا اشكال آخر- تعرض لاندفاعه اخيرا- غير الاشكال الّذي استنتجه من المقدمات المذكورة، و هو: لزوم كون الملك للمالك الاصلى و للمشترى.

______________________________

بتقرير آخر) فى هذا الوجه الرابع (كما لا يخفى).

(نعم يبقى فى المقام الاشكال الوارد فى مطلق الفضولى- على القول بالكشف-) و ان الاجازة كاشفة عن صحة العقد من حين العقد، لا من حين الاجازة.

(و) الاشكال (هو كون الملك حال الاجازة للمجيز) اذ: لو لا كونه ملكه، لم يكن معنى للاجازة (و المشترى معا) اذ: مقتضى الاجازة الانتقال الى المشترى.

(و هذا اشكال آخر- تعرض لاندفاعه اخيرا-) و انه الى حين الاجازة ملك للمجيز، و بعد تمام الاجازة يكون ملكا للمشترى (غير الاشكال الّذي استنتجه) المستشكل (من المقدمات المذكورة) فى الوجه الرابع (و هو) اى الاشكال الّذي استنتجه (لزوم كون الملك للمالك الاصلى) كالاب (و للمشترى) من الابن، فان هذا الاشكال خاص بمسألة من باع ثم ملك بخلاف الاشكال الاول الّذي هو عام لكل فضولى.

ص: 283

نعم: يلزم من ضم هذا الاشكال العام الى ما يلزم فى المسألة على القول بالكشف- من حين العقد اجتماع ملاك ثلاثة، على ملك واحد، قبل العقد الثانى، لوجوب التزام مالكية المالك الاصلى، حتى يصح العقد الثانى.

و مالكية المشترى له، لان الاجازة تكشف عن ذلك.

و ملكية العاقد له، لان ملك المشترى لا بد ان يكون عن ملكه،

______________________________

(نعم: يلزم من ضم هذا الاشكال العام) فى كل بيع فضولى- و هو ملكية المجيز و المشترى معا- (الى ما يلزم) من الاشكال (فى المسألة) اى مسئلة من باع ثم ملك (- على القول بالكشف- من حين العقد) الفضولى، لا على القول بالكشف من حين الامكان (اجتماع ملاك ثلاثة، على ملك واحد، قبل العقد الثانى) الّذي هو عقد الأب الاصيل للابن، و انما يلزم ملاك ثلاثة، الأب و الابن و المشترى- فى المثال السابق.

اما الأب الاصيل: ف (لوجوب التزام مالكية المالك الاصلى، حتى يصح العقد الثانى) اى عقد الأب للابن، اذ: لو لا كون الأب مالكا، لم يصح عقده للابن.

(و) اما المشترى، فلوجوب (مالكية المشترى له) للمتاع (لان الاجازة تكشف عن ذلك) اى عن ملكية المشترى.

(و) اما ملكية الفضول: الابن، فلوجوب (ملكية العاقد) الفضول (له) للمال (لان ملك المشترى) للمال (لا بد ان يكون) ناشئا، و متفرعا (عن ملكه) اى ملك العاقد، فان المشترى يتلقى المتاع عن العاقد

ص: 284

و الا لم تنفع اجازته فى ملكه من حين العقد، لان اجازة غير المالك لا يخرج ملك الغير الى غيره.

ثم ان ما اجاب به عن الاشكال الوارد فى مطلق الفضولى، لا يسمن و لا يغنى، لان الاجازة اذا وقعت، فان كشفت عن ملك المشترى قبلها، كشفت عما يبطلها، لان الاجازة لا تكون الا من المالك الواقعى.

______________________________

الفضول، فلو لم يكن المتاع ملكا للعاقد، كيف يمكن للمشترى ان يتلقى المالك عنه؟ (و الا لم تنفع اجازته) اى الفضول (فى ملكه) اى فى ان يملك المشترى المال (من حين العقد) فانه فرض ان يكون- على الكشف- الملك من حين العقد (لان اجازة غير المالك لا يخرج ملك الغير) اى المالك (الى غيره) اى المشترى.

هذا تمام الكلام فى بيان عدم ورود الاشكال الرابع على مسئلة: من باع ثم ملك.

(ثم ان ما اجاب به) المستشكل بالاشكال الرابع (عن الاشكال الوارد فى مطلق الفضولى) و الاشكال، هو: ما ذكره بقوله: فان قلت: و الجواب هو ما ذكره بقوله قلنا (لا يسمن و لا يغنى، لان الاجازة اذا وقعت، فان كشفت عن ملك المشترى قبلها) اى قبل الاجازة، مثلا: اوقع الفضول العقد يوم الخميس، و اجاز المالك يوم الجمعة، فتكشف الاجازة عن ملك المشترى للمثمن قبل الاجازة، منذ يوم الخميس، اى من حين وقوع العقد (كشفت) الاجازة (عما يبطلها) اى يبطل الاجازة (لان الاجازة لا تكون) نافذة (الا من المالك الواقعى) و المفروض ان الاجازة كشفت

ص: 285

و المالك الظاهرى انما يجدى اجازته، اذا لم ينكشف كون غيره مالكا حين الاجازة.

و لذا لو تبين فى مقام آخر كون المجيز غير المالك لم تنفع اجازته لان المالكية من الشرائط الواقعية، دون العلمية

______________________________

ان المجيز حال الاجازة، ليس مالكا، اذ: الملك انتقل الى المشترى منذ العقد.

(و المالك الظاهرى) الّذي ذكر المجيب، بان الاصيل مالك ظاهرى (انما يجدى اجازته، اذا لم ينكشف كون غيره مالكا حين الاجازة).

اما لو انكشف، فالظاهر: لا يبقى، فانه من قبيل اصالة الطهارة التى تنتفى بانكشاف الحكم الواقعى، و ان الشي ء الظاهر طهارته، نجس واقعا.

(و لذا) الّذي ذكرناه: من عدم الجدوى فى الملك الظاهرى (لو تبين فى مقام آخر) لا فى مسئلتنا التى هى اجازة المالك (كون المجيز غير المالك) بينما كان الظاهر ان المجيز هو المالك (لم تنفع اجازته) بل توقفت المعاملة على اجازة المالك الواقعى (لان المالكية من الشرائط الواقعية، دون العلمية) فليس من قبيل طهارة البدن حال الصلاة، حيث انه لو انكشف بعد الصلاة النجاسة، لم يكن مضرا بالصلاة، بل من قبيل الحدث حال الصلاة، حيث انه لو انكشف انه كان محدثا، ظهر بطلان صلاته، و ان كان حال الصلاة متيقنا بطهارته عن الحدث.

ثم لا يخفى: ان بعضهم اجابوا عن الاشكال بان الملك التقديرى

ص: 286

ثم ان ما ذكره فى الفرق بين الاجازة، و العقد الثانى، من: كفاية الملك الظاهرى فى الاول دون الثانى تحكم صرف، خصوصا مع تعليله بان الاجازة، رفع لليد، و اسقاط للحق، فليت شعرى: ان اسقاط الحق كيف يجدى و ينفع مع عدم الحق واقعا؟ مع ان الاجازة رفع اليد عن الملك أيضا

______________________________

للمالك، كاف فى الاجازة، و كأنّ مرادهم بالملك التقديرى، انه لو لا الاجازة كان المجيز مالكا.

و اجاب آخرون: بان رتبة ملكية المجيز مقدم على رتبة ملكية المشترى و لو من حيث الزمان، و ان كان كلا الملكين واردين على موضوع واحد مثل حركة المفتاح و اليد.

اما على مبنى المصنف، فالاجازة انما تكشف عن المقدار الممكن لا مطلقا.

(ثم ان ما ذكره) المجيب من: قلنا الى آخره (فى الفرق بين الاجازة و العقد الثانى، من: كفاية الملك الظاهرى فى الاول) اى الاجازة (دون الثانى) اى العقد الثانى، الّذي هو عقد المالك (تحكم صرف) اذ: لا فرق اطلاقا، و انما الكلام يجرى فيهما على نحو واحد (خصوصا مع تعليله) للفرق الّذي ذكره (بان الاجازة، رفع لليد و اسقاط للحق) فقد بين المصنف وجه قوله: خصوصا بقوله: (فليت شعرى: ان اسقاط الحق كيف يجدى و ينفع مع عدم الحق واقعا) لان المجيب سلم بأن الملك ظاهرى و ليس بواقعى (مع) اى و الحال- و ليس هذا جوابا آخر، بل تقرير لقوله: مع عدم،- (ان الاجازة رفع اليد عن الملك أيضا) كما ان العقد الثانى رفع لليد عن الملك

ص: 287

بالبديهة.

و التحقيق: ان الاشكال انما نشأ من الاشكال الّذي ذكرناه سابقا فى كاشفية الاجازة على الوجه المشهور من كونها شرطا متأخرا، يوجب حدوثه تأثير السبب المتقدم من زمانه.

الخامس: ان الاجازة المتأخرة لما كشفت عن صحة العقد الاول، و عن كون المال ملك المشترى الاول فقد وقع العقد الثانى على ماله فلا بد من اجازته

______________________________

أيضا (بالبديهة) اذا فالفرق الّذي ذكره المجيب بين الاجازة، و بين العقد الثانى، لا يكون فارقا.

(و التحقيق) فى الجواب (ان الاشكال) ب: ان قلت، المتقدم- الّذي لم يتمكن المجيب من جوابه- (انما نشأ من الاشكال الّذي ذكرناه سابقا فى كاشفية الاجازة على الوجه المشهور) و هو: (من كونها) اى الاجازة (شرطا متأخرا، يوجب حدوثه تأثير السبب المتقدم) الّذي هو العقد الفضولى (من زمانه) اى من زمان السبب، و الحال ان الاجازة تكشف بالمقدار الّذي لا يلزم منه اشكال عقلى او شرعى.

(الخامس) من الاشكالات على: من باع ثم ملك (ان الاجازة المتأخرة) عن ملك البائع للمبيع (لما كشفت عن صحة العقد الاول) و هو عقد الابن الفضول (و عن كون المال ملك المشترى الاول) الّذي اشتراه من الفضول (فقد وقع العقد الثانى) من الأب للابن (على ماله) اى مال المشترى الاول (فلا بد من اجازته) اى اجازة المشترى الاول للعقد

ص: 288

كما لو بيع المبيع من شخص آخر، فاجاز المالك البيع الاول، فلا بد من اجازة المشترى البيع الثانى حتى يصح، و يلزم.

فعلى هذا يلزم توقف اجازة كل من الشخصين على اجازة الآخر.

______________________________

الثانى- اى عقد الأب للابن- (كما لو بيع المبيع من شخص آخر) اى بيعا فضوليا ثانيا، بان لم يشتره البائع: الابن، بل اشتراه اجنبى، فانه يلزم ان يجيزه المشترى من الابن (فاجاز المالك) الاصيل: الأب (البيع الاول) اى بيع الفضول (فلا بد من اجازة المشترى) من الفضول (البيع الثانى) اى البيع الّذي وقع فضولة ثانيا (حتى يصح، و يلزم) البيع الثانى لان الفرض ان هناك بيعين فضوليين، وقعا على هذا المبيع، فان الفضولى الاول اذا اجيز من قبل المالك، كان البيع الثانى فضوليا بالنسبة الى المشترى الاول، فاللازم ان يجيزه المشترى الاول- اذا اريد نفوذه-.

(فعلى هذا) اى توقف بيع الأب للابن على اجازة المشترى (يلزم توقف اجازة كل من الشخصين على اجازة الآخر) فيلزم توقف بيع الابن المشترى، على اجازة الأب، و توقف بيع الأب للابن، على اجازة المشترى.

فاذا لم يجز الأب: البيع الاول، لم يكن المال للمشترى، فلا قدر لاجازة المشترى.

و اذا لم يجز المشترى: البيع الثانى، لم يكن بيع الأب للابن صحيحا، لان البيع وقع فى ملك المشترى.

فاجازة كل من الأب و المشترى يتوقف على اجازة الآخر.

ص: 289

و توقف صحة كل من العقدين على اجازة المشترى غير الفضولى.

و هو من الاعاجيب، بل من المستحيل لاستلزام ذلك عدم تملك المالك الاصيل شيئا من الثمن و المثمن.

______________________________

(و) يلزم (توقف صحة كل من العقدين) عقد الابن للمشترى، و عقد الأب للابن (على اجازة المشترى غير الفضولى) اى اجازة الابن، اذ يلزم ان يجيز الابن العقد الاول الّذي اوقعه هو بنفسه، يجيزه بعد ان يشترى المتاع من الأب، لانه الآن صار ملكه، فالبيع وقع فى ملكه فضولة- و ان كان هو الّذي اوقع البيع- كما يلزم ان يجيز الابن العقد الثانى الّذي اوقعه الأب، لان الابن طرف لهذا العقد- فالمراد بالاجازة رضاه بالعقد لا الاجازة المصطلحة-.

و فى بعض نسخ الكتاب: كل من العقد و الاجازة، مكان: العقدين.

و عليه: فالمراد عقد الأب، و اجازة الأب للبيع الّذي وقع على ماله.

هذا و قد يراد ب: المشترى غير الفضولى، المشترى من الابن و لا يخفى سوق الكلام على كل من النسختين، على هذا الاحتمال، فتأمل.

(و هو) اى ما يلزم من القول بصحة بيع من باع ثم ملك- مما قلنا انه يلزم، و يلزم (من الاعاجيب، بل من المستحيل لاستلزام ذلك) اللازم الّذي قلنا انه يلزم (عدم تملك المالك الاصيل) الأب (شيئا من الثمن و المثمن) لان المشترى الاول، اذا ملك المبيع قبل ان يبيعه المالك الاصلى، فالمثمن ليس للاب، بل هو للمشترى، و الثمن ليس للاب، اذ: هو فى مقابل المثمن، الّذي كان للمشترى فالمشترى يستحق الثمن

ص: 290

و تملك المشترى الاول: المبيع بلا عوض ان اتحد الثمنان و دون تمامه ان زاد الاول، و مع زيادة، ان نقص، لانكشاف وقوعه فى ملكه، فالثمن له

______________________________

أيضا، لان الأب، انما باع مال المشترى، فيدخل الثمن فى كيس المشترى.

(و) استلزام ذلك (تملك المشترى الاول) الّذي اشتراه من الابن (المبيع بلا عوض ان اتحد الثمنان) فى العقدين، كما لو باع الابن الكتاب بعشرة، و باع الأب الكتاب بعشرة أيضا، و ذلك لان المشترى دفع الى الابن عشرة، و اخذ من الأب عشرة أيضا- حيث ان الأب باع مال المشترى بعشرة، كما هو المفروض- (و) ب (دون) عطف على:

لا عوض (تمامه) اى تمام الثمن (ان زاد) الثمن (الاول) الّذي اعطاه المشترى للابن، من الثمن الّذي اعطاه الابن للاب، كما لو اشترى المشترى من الابن الكتاب بعشرة، و باعه الأب للابن بثمانية، فان الابن يأخذ الثمانية من الأب، فيكون الكتاب عليه بدينارين فقط، و هو دون الثمن الواقعى للكتاب (و مع زيادة) ما حصله المشترى من الثمن على ما اعطاه (ان نقص) الثمن الاول عن الثمن الثانى، كما لو اشتراه المشترى بعشرة، و باعه الأب للابن باحد عشر، فان المشترى حيث يأخذ الاحد عشر من الأب، فقد حصل عنده الكتاب و دينار أيضا، حيث خرج من كيسه عشرة، و دخل فى كيسه احد عشر.

و انما نقول: انه بلا ثمن او مع زيادة او نقيصة (لانكشاف وقوعه) اى وقوع بيع الأب للابن (فى ملكه) اى ملك المشترى- لما تقدم- (فالثمن له)

ص: 291

و قد كان المبيع له أيضا، بما بذله من الثمن و هو: ظاهر.

و الجواب عن ذلك ما تقدم فى سابقه من ابتنائه على وجوب كون الاجازة كاشفة عن الملك، من حين العقد، و هو: ممنوع.

و الحاصل: ان منشأ الوجوه الاخيرة، شي ء واحد، و المحال على تقديره مسلم بتقريرات مختلفة قد نبه عليه فى الايضاح و جامع المقاصد.

السادس: ان من

______________________________

اى للمشترى (و) الحال انه (قد كان المبيع له) اى للمشترى (أيضا، بما بذله من الثمن) للفضول، فهو قد جمع بين الثمن و المثمن، و المالك الاصيل قد فقد الثمن و المثمن (و هو: ظاهر) من البيان المتقدم.

(و الجواب عن ذلك) الاشكال الخامس (ما تقدم) من الجواب (فى سابقه) الرابع (من ابتنائه على وجوب كون الاجازة كاشفة عن الملك) للمشترى (من حين العقد) الفضولى (و هو: ممنوع) بل الاجازة كاشفة من حين صيرورة الملك للبائع.

(و الحاصل: ان منشأ الوجوه) الثلاثة (الاخيرة) الثالث، و الرابع و الخامس (شي ء واحد) و هو كشف الاجازة عن الملك من حين العقد (و المحال على تقديره) اى تقدير كون الكشف من حين الملك (مسلم بتقريرات مختلفة قد نبه عليه فى الايضاح و جامع المقاصد).

لكن من لا يرى الكشف من حين العقد، بل من حين امكان الكشف لا يرد عليه شي ء من تلك الوجوه.

(السادس) من وجوه الاشكال على صحة بيع من باع ثم ملك (ان من

ص: 292

المعلوم انه يكفى فى اجازة المالك، و فسخه، فعل ما هو من لوازمهما و لو باع المالك ماله من الفضولى بالعقد الثانى، فقد نقل المال عن نفسه، و تملك الثمن و هو: لا يجامع صحة العقد الاول، فانها تقتضى تملك المالك للثمن الاول.

و حيث وقع الثانى يكون فسخاله، و ان لم يعلم بوقوعه، فلا يجدى الاجازة المتأخرة.

______________________________

المعلوم انه يكفى فى اجازة المالك) للفضولى (و فسخه، فعل ما هو من لوازمهما) اى لوازم الفسخ و الاجازة، كما لو زوجه زيد امرأة، فلم يعتن، و ذهب، فاخذ اختها، فانه فسخ، او وطئ المزوجة فضولة، فانه امضاء (و لو باع المالك ماله من الفضولى) كالابن- فى المثال السابق- (بالعقد الثانى، فقد نقل المال عن نفسه) الى الابن (و تملك الثمن و هو:) اى هذا العقد الثانى (لا يجامع صحة العقد الاول) الّذي اجراه الفضول- الابن- مع المشترى (فانها) اى صحة العقد الاول الفضولى (تقتضى تملك المالك للثمن الاول) اى ثمن العقد الاول، الّذي اخذ الفضول من المشترى.

(و حيث وقع الثانى) و هو عقد المالك للابن (يكون) هذا الثانى (فسخاله) اى للعقد الاول (و ان لم يعلم) المالك (بوقوعه) اى وقوع العقد الاول الفضولى (فلا يجدى الاجازة المتأخرة) عن العقد الثانى و لا يجدي فى صحة العقد الاول الفضولى.

ص: 293

و بالجملة: حكم عقد الفضولى قبل الاجازة، كسائر العقود الجائزة بل اولى منها.

فكما ان التصرف المنافى مبطل لها، كذلك العقد الفضولى.

و الجواب ان فسخ عقد الفضولى، هو: إنشاء رده، و اما الفعل المنافى لمضيه، كتزويج المعقودة فضولا نفسها من آخر، و بيع المالك ماله المبيع فضولا من آخر.

______________________________

(و بالجملة: حكم عقد الفضولى قبل الاجازة) من المالك (كسائر العقود الجائزة) التى تفسخ بمجرد اتيان المالك بما ينافيها، كما لو وهب جاريته لشخص، ثم وطئها، او باعها، فانهما يوجبان فسخ الهبة (بل) الفضول (اولى منها) اى من العقود الجائزة، بكون فعل المنافى موجبا لبطلانه.

اذ: فى العقود الجائزة التى اوقعها المالك، اذا كان المنافى موجبا لبطلانها، ففى ما لم يفعله المالك- من العقد الفضولى- يكون المنافى اولى ببطلانه.

(فكما ان التصرف المنافى) للعقود الجائزة (مبطل لها) اى لتلك العقود (كذلك) التصرف المنافى فى (العقد الفضولى) مبطل له.

(و الجواب ان فسخ عقد الفضولى، هو: إنشاء رده) بان ينشأ المالك رد العقد (و اما الفعل المنافى لمضيه) اى لنفوذ العقد الفضولى (كتزويج المعقودة فضولا نفسها من آخر) كما لو عقد فضول امرأة فضولة، ثم عقدت المعقودة نفسها من انسان آخر (و بيع المالك ماله المبيع فضولا من آخر) كما

ص: 294

فليس فسخاله خصوصا مع عدم التفاته، الى وقوع عقد الفضولى.

غاية ما فى الباب ان الفعل المنافى لمضى العقد مفوت لمحل الاجازة فاذا فرض وقوعه صحيحا، فات محل الاجازة، و يخرج العقد عن قابلية الاجازة.

اما مطلقا، كما فى مثال التزويج، او بالنسبة الى من فات محل الاجازة بالنسبة إليه كما فى مثال البيع، فان محل الاجازة انما فات بالنسبة الى الاول.

______________________________

لو باع الفضول كتاب زيد فضولة، ثم باعه زيد من انسان آخر (فليس فسخا له) اى للعقد الاول الّذي وقع فضولة (خصوصا مع عدم التفاته) اى العاقدة نفسها و البائع ماله (الى وقوع عقد الفضولى).

(غاية ما فى الباب) مما يسببه عقد مالك المال، او النكاح بعد عمل الفضول (ان الفعل المنافى لمضى العقد) الفضولى (مفوت لمحل الاجازة) لان محل الاجازة هو المال، و قد انتقل من المالك، كما ان محل النكاح هى المرأة الخلية، و قد انتفت كونها خلية (فاذا فرض وقوعه) اى عقد مالك العقد (صحيحا، فان محل الاجازة، و يخرج) بذلك (العقد) الفضولى (عن قابلية) لحوق (الاجازة) له.

(اما مطلقا، كما فى مثال التزويج) اذ المزوجة لا تزوج مرة ثانية (او بالنسبة الى من فات محل الاجازة بالنسبة إليه) و ان بقى محل الاجازة بالنسبة الى المشترى (كما فى مثال البيع، فان محل الاجازة) للعقد الفضولى (انما فات بالنسبة الى الاول) فاذا كان الكتاب لزيد، و باعه عمرو فضولة لخالد، ثم باعه زيد لبكر، فات محل اجازة زيد للبيع الفضولى

ص: 295

فللمالك الثانى ان يجيز.

نعم لو فسخ المالك الاول نفس العقد بانشاء الفسخ، بطل العقد من حينه اجماعا، و لعموم: تسلط الناس على اموالهم بقطع علاقة الغير عنها.

فالحاصل: انه ان اريد من كون البيع الثانى فسخا، انه ابطال لاثر العقد فى الجملة، فهو مسلم.

______________________________

نعم يبقى محل اجازة بكر، لانه مالك وقع على ماله بيع فضولى فاذا اجاز نفذ البيع.

و عليه: (فللمالك الثانى) كبكر، فى المثال (ان يجيز) بيع الفضول.

(نعم لو فسخ المالك الاول) كزيد- فى المثال- (نفس العقد) الّذي اوقعه الفضول (بانشاء الفسخ) لعقد الفضول (بطل العقد من حينه) اى حين الفسخ (اجماعا) فان العقد لا يبقى بعد الفسخ (و لعموم: تسلط الناس على اموالهم) فان عمومه يشمل (بقطع علاقة الغير عنها) فان المشترى من الفضول صار له علاقة بالمال- بحيث يمكن ان تلحقه اجازة المالك- فالمالك يقطع هذه العلاقة.

(فالحاصل) من جوابنا عن الاشكال السادس الّذي ذكره من يقول بعدم صحة بيع من باع ثم ملك (انه ان اريد من كون البيع الثانى فسخا) اى كون بيع المالك فسخا، لبيع الفضول المتقدم على بيع المالك (انه ابطال لاثر العقد فى الجملة) بمعنى ان المالك الاول لا يتمكن بعد ذلك من اجازة العقد الفضولى (فهو مسلم) اذ: المالك قد باع، فلا موقع له

ص: 296

و لا يمنع ذلك من بقاء العقد متزلزلا بالنسبة الى المالك الثانى فيكون له: الاجازة.

و ان اريد انه ابطال العقد رأسا فهو ممنوع، اذ لا دليل على كونه كذلك.

و تسمية مثل ذلك الفعل ردا فى بعض الاحيان من حيث انه مسقط للعقد عن التأثير بالنسبة الى فاعله بحيث تكون الاجازة منه بعده لغوا.

______________________________

لان يجيز العقد الفضولى (و لا يمنع ذلك) ذلك البطلان فى الجملة (من بقاء العقد متزلزلا بالنسبة الى المالك الثانى) الّذي اشتراه من المالك الاصيل، و معنى التزلزل، انه له الحق فى ان يجز عقد الفضول او يفسخه (فيكون له) اى للمالك الثانى (الاجازة) كما له الرد.

(و ان اريد انه ابطال العقد رأسا) حتى بالنسبة الى المالك الثانى (فهو ممنوع، اذ لا دليل على كونه) اى العقد (كذلك) باطل رأسا.

(و) ان قلت: فلم يسمى الفقهاء فعل المالك الاول رد العقد الفضول؟- فان ظاهره بطلان عقد الفضول اطلاقا.

قلت: (تسمية مثل ذلك الفعل) اى عقد المالك الاصيل (ردا) لعقد الفضول (فى بعض الاحيان) اى فى كلام بعض الفقهاء، انما هو (من حيث انه) اى عقد المالك (مسقط للعقد) الّذي اجراه الفضول (عن التأثير بالنسبة الى فاعله) اى المالك الاصيل الّذي عقد على المال- بعد عقد الفضول- (بحيث تكون الاجازة منه) اى من المالك العاقد (بعده لغوا) و ليس مرادهم مطلقا حتى بالنسبة الى المالك الثانى الّذي اشتراه من المالك الاصيل.

ص: 297

نعم: لو فرضنا قصد المالك من ذلك الفعل فسخ العقد، بحيث يعد فسخا فعليا لم يبعد كونه كالانشاء بالقول.

لكن الالتزام بذلك لا يقدح فى المطلب اذ: المقصود ان مجرد بيع المالك، لا يوجب بطلان العقد.

و لذا لو فرضنا انكشاف فساد هذا البيع، بقى العقد على حاله من قابلية لحوق الاجازة.

______________________________

(نعم: لو فرضنا قصد المالك من ذلك الفعل) اى بيعه- بعد عقد الفضول- (فسخ العقد) الّذي اوقعه الفضول (بحيث يعد فسخا فعليا) عرفا (لم يبعد كونه) اى فعله (كالانشاء بالقول) فيبطل عقد الفضول، حتى لا يمكن اجازته من المالك الثانى.

(لكن الالتزام بذلك) ان الفعل من المالك، كالقول (لا يقدح فى المطلب) الّذي نحن بصدده، و هو: صحة بيع، من باع ثم ملك، فى الجملة (اذ: المقصود) لنا (ان مجرد بيع المالك، لا يوجب بطلان العقد) الّذي اجراه الفضول.

(و لذا) الّذي ذكرنا: ان مجرد عقد المالك، لا يوجب بطلان عقد الفضول (لو فرضنا انكشاف فساد هذا البيع) اى بيع المالك (بقى العقد) الفضولى (على حاله من قابلية لحوق الاجازة) و لو كان العقد الثانى- بما انه فعل المالك- فسخا، يجب القول ببطلان عقد الفضول، سواء صح العقد المالكي، أم فسد؟

ص: 298

و اما الالتزام فى مثل الهبة، و البيع فى زمان الخيار بانفساخ العقد من ذى الخيار، بمجرد الفعل المنافى، فلأن صحة التصرف المنافى يتوقف على فسخ العقد، و الا وقع فى ملك الغير بخلاف ما نحن فيه، فان تصرف المالك فى ماله المبيع فضولا، صحيح فى نفسه، لوقوعه فى ملكه فلا يتوقف على فسخه.

______________________________

(و) ان قلت: اذا لم يكن الفعل فسخا، فلما ذا قال الفقهاء: بان بيع الواهب المال الّذي وهبه يكون فسخا للهبة، و كذا بيع مالك الخيار للعين التى فيها له الخيار.

قلت: (اما الالتزام فى مثل الهبة، و البيع فى زمان الخيار) كما لو باع زيد داره من عمرو بخيار له الى مدة شهر، ثم باع الدار فى المدة لبكر، فانه فسخ لبيعه الاول (بانفساخ العقد من ذى الخيار، بمجرد الفعل المنافى) للعقد الاول (فلأن صحة التصرف المنافى) اللازم من حمل: فعل المسلم على تلك الصحة- و المراد صحة البيع الثانى- (يتوقف على فسخ العقد) الاول (و إلا وقع) البيع (فى ملك الغير) و المفروض ان البائع قصد كون البيع الثانى لنفسه، لا فضوليا عن مالكه المشترى- (بخلاف ما نحن فيه) من مسئلة بيع المالك، بعد بيع الفضولى (فان تصرف المالك فى ماله المبيع فضولا) اى تصرفا بعد ان بيع نفس المال فضولا (صحيح فى نفسه، لوقوعه فى ملكه) فليس مثل بيع الواهب ما وهبه، من انه ليس ملكا له، اذا لم يكن بيعه فسخا للهبة (فلا يتوقف) هذا البيع من المالك (على فسخه) اى فسخ عقد الفضول.

ص: 299

غاية الامر انه اذا تصرف، فات محل الاجازة.

و من ذلك: يظهر ما فى قوله ره- اخيرا- و بالجملة: حكم عقد الفضولى، حكم سائر العقود الجائزة، بل اولى، فان قياس العقد المتزلزل من حيث الحدوث على المتزلزل من حيث البقاء قياس مع الفارق فضلا عن دعوى الاولوية.

______________________________

(غاية الامر انه) اى المالك (اذا تصرف) بالبيع- مثلا- (فات محل الاجازة) بالنسبة الى نفسه، و بقى محل الاجازة بالنسبة الى المالك الجديد.

(و من ذلك) الّذي ذكرناه، من: الفرق بين مسئلة بيع المالك ما وقع عقد فضولى عليه، و بين بيع المالك ما وهبه بنفسه، او كان له فيه خيار بيع سابق (يظهر ما فى قوله ره) اى قول المستشكل (- اخيرا- و بالجملة حكم عقد الفضولى، حكم سائر العقود الجائزة، بل اولى) من سائر العقود الجائزة.

وجه الظهور: ما ذكره بقوله (فان قياس العقد المتزلزل) بوجود اختيار للمالك (من حيث الحدوث) كالمال الّذي اجرى عليه الفضول عقدا (على المتزلزل من حيث البقاء) كالعقود الجائزة، اذا اجرى المالك على المال عقدا آخر (قياس مع الفارق).

لما عرفت: من وجه الفرق (فضلا عن دعوى الاولوية) اى اولوية عقد متزلزل حدوثا، على عقد متزلزل بقاء.

ص: 300

و سيجي ء مزيد بيان لذلك فى بيان ما يتحقق به الرد.

السابع: الاخبار المستفيضة الحاكية، لنهى النبي (ص) عن بيع ما ليس عندك.

فان النهى فيها، اما لفساد البيع المذكور مطلقا، بالنسبة الى المخاطب، و الى المالك، فيكون دليلا على فساد العقد الفضولى.

و اما لبيان فساده بالنسبة الى المخاطب خاصة- كما استظهرناه سابقا-

______________________________

(و سيجي ء مزيد بيان لذلك) الفرق بين العقدين (فى بيان ما يتحقق به الرد) إن شاء الله تعالى.

(السابع) من الاشكالات على صحة بيع: من باع ثم ملك (الاخبار المستفيضة الحاكية، لنهى النبي (ص) عن بيع ما ليس عندك) فان من ليس عنده الشي ء، اذا باعه، ثم ملكه، كان بيعه السابق من مصاديق- بيع ما ليس عندك- فهو منهى عنه.

(فان النهى فيها) فى تلك الاخبار (اما لفساد البيع المذكور مطلقا) اى (بالنسبة الى المخاطب، و الى المالك) فالذى يبيع هو بنفسه ما ليس له، و المالك الّذي له المال، و بيع ماله فضولة، البيع فاسد بالنسبة إليهما (فيكون دليلا على فساد العقد الفضولى) مطلقا، اذ: بعد بطلانه بالنسبة إليهما، لا وجه لصحته مطلقا.

(و اما لبيان فساده بالنسبة الى المخاطب خاصة- كما استظهرناه سابقا-) لظهور الخطاب فى ذلك، و لادلة الفضولى، و ليست هى

ص: 301

فيكون دالا على عدم وقوع بيع مال الغير لبايعه مطلقا،- و لو ملكه فاجاز- بل الظاهر: إرادة حكم خصوص صورة تملكه بعد البيع، و إلا فعدم وقوعه له، قبل تملكه،، مما لا يحتاج الى البيان.

و خصوص رواية يحيى بن الحجاج المصححة إليه، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام، عن الرجل يقول لى: اشتر لي هذا الثوب، و هذه الدابة، و بعنيها، اربحك كذا و كذا، قال: لا بأس بذلك، اشترها و لا تواجبه البيع، قبل ان تستوجبها، او تشتريها.

______________________________

تخصيصا بل قرينة للمراد، من: لا تبع ما ليس عندك (فيكون دالا على عدم وقوع بيع مال الغير لبايعه) الّذي باع مال الغير (مطلقا) اى (- و لو ملكه) البائع بعد ان باعه (فاجاز- بل الظاهر) بقرينة الفهم العرفى (إرادة حكم خصوص صورة تملكه بعد البيع) من: لا تبع ما ليس عندك (و إلا فعدم وقوعه) اى البيع (له) اى لمن ليس عنده (قبل تملكه، مما لا يحتاج الى البيان) فانه ليس مالكا حتى يكون له التصرف فيه.

(و خصوص) عطف على: الاخبار المستفيضة (رواية يحيى بن الحجاج المصححة إليه، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام، عن الرجل يقول لى: اشتر لى هذا الثوب، و هذه الدابة، و بعنيها، اربحك كذا و كذا، قال) عليه السلام: (لا بأس بذلك، اشترها و لا تواجبه البيع) اى لا تبع- من الايجاب- (قبل ان تستوجبها) اى قبل ان تشتريها من صاحبها (او تشتريها) هو عبارة اخرى عن الاستيجاب.

ص: 302

و رواية خالد بن الحجاج، قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام، الرجل يجيئنى، و يقول: اشتر هذا الثوب، و اربحك كذا و كذا، قال:

أ ليس ان شاء اخذ، و ان شاء ترك؟ قلت: بلى، قال: لا بأس به، انما يحلل الكلام و يحرم الكلام، بناء على ان المراد بالكلام، عقد البيع، فيحلل نفيا، و يحرم اثباتا، كما فهمه فى الوافى، او يحلل، اذا وقع بعد الاشتراء، و يحرم اذا وقع قبله، او ان الكلام الواقع قبل الاشتراء يحرم اذا كان بعنوان العقد الملزم، و يحلل اذا كان على وجه المساومة و المراضاة.

______________________________

(و رواية خالد بن الحجاج، قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام الرجل يجيئنى، و يقول: اشتر هذا الثوب، و اربحك كذا و كذا، قال:

أ ليس ان شاء اخذ، و ان شاء ترك) اى انه لم يشتر منك اشتراء عقديا بل قاول معك مقاولة، بحيث انه مختار فى اخذه و عدم اخذه (قلت:

بلى، قال: لا بأس به، انما يحلل الكلام و يحرم الكلام) مما دل على ان بيع غير المالك لا يصح (بناء على ان المراد بالكلام، عقد البيع، فيحلل نفيا) اى اذا لم يبع (و يحرم اثباتا) اى اذا عقد البيع (كما فهمه فى الوافى، او يحلل) الكلام بين الواسطة و المشترى (اذا وقع بعد الاشتراء) اى بعد اشتراء الواسطة من المالك (و يحرم اذا وقع قبله) لانه عقد ممن ليس له المال (او ان الكلام الواقع قبل الاشتراء يحرم اذا كان بعنوان العقد الملزم).

و معنى التحريم عدم النفوذ او حرمة التصرف المترتب على ذلك الكلام (و يحلل اذا كان على وجه المساومة و المراضاة) اذ صرف التكلم حول مال الغير ليس محظورا

ص: 303

و صحيحة ابن مسلم، قال: سألته عن رجل اتاه رجل، فقال له: ابتع لى متاعا، لعلى اشتريه منك، بنقد او نسيئة، فابتاعه الرجل من اجله، قال ليس به بأس، انما يشتريه منه بعد ما يملكه.

و صحيحة منصور بن حازم، عن ابى عبد الله عليه السلام، فى رجل امر رجلا ليشترى له متاعا، فيشتريه منه، قال: لا بأس بذلك، انما البيع بعد ما يشتريه.

و صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام، يجيئنى الرجل، فيطلب منى بيع الحرير، و ليس عندى

______________________________

(و صحيحة ابن مسلم، قال: سألته عن رجل اتاه رجل، فقال له:

ابتع لى متاعا، لعلى اشتريه منك، بنقد او نسيئة، فابتاعه الرجل من اجله) و باحتمال ان يشتريه منه و يرجحه (قال: ليس به بأس، انما يشتريه منه بعد ما يملكه) فان المفهوم منه ان به بأسا، لو اشتراه الرجل من الوسيط قبل ان يشتريه الوسيط من المالك.

(و صحيحة منصور بن حازم، عن ابى عبد الله عليه السلام، فى رجل امر رجلا ليشترى له متاعا، فيشتريه منه) اى يشترى الآمر من الوسيط بعد ان اشتراه الوسيط- بقرينة الفاء- (قال: لا بأس بذلك، انما البيع) بيع الوسيط للآمر (بعد ما يشتريه) الوسيط من المالك، فان مفهومه الباس لو كان الاشتراء قبل اشتراء الوسيط من المالك.

(و صحيحة معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام، يجيئنى الرجل، فيطلب منى بيع الحرير) اى ان ابيعه الحرير (و ليس عندى)

ص: 304

شي ء، فيقاولنى عليه،، و اقاوله فى الربح و الاجل، حتى نجتمع على شي ء، ثم اذهب لاشترى الحرير، فادعوه إليه، فقال: أ رأيت ان وجد مبيعا هو احب إليه مما عندك، أ تستطيع ان تصرف إليه عنه و تدعه قلت: نعم، قال: لا بأس، و غيرها من الروايات.

و لا يخفى ظهور هذه الاخبار من حيث المورد فى بعضها.

______________________________

منه (شي ء، فيقاولنى عليه، و اقاوله فى الربح و الاجل) اى كم يربحنى، و الى أية مدة يسلم المال لى (حتى نجتمع على شي ء) اى نبنى على ثمن معين الى مدة معينة (ثم اذهب لاشترى الحرير، فادعوه إليه) اى الى ان يشترى منى (فقال) عليه السلام (أ رأيت) اخبرنى (ان وجد مبيعا) اما بمعنى المصدر او بمعنى المبيع (هو: احب إليه مما عندك أ تستطيع ان تصرف إليه) اى الى ذلك الشخص الجديد (عنه) اى عن صاحبك، (و تدعه) اى تدع صاحبك.

و مراد الامام عليه السلام بهذا السؤال، كشف ان الرجل قاول مع الوسيط، و لم يجر عقد البيع، او عقد المبيع معه، قبل ان يشترى الوسيط الشي ء (قلت: نعم) ليس احدنا مجبورا للتعامل مع الآخر (قال: لا بأس).

و مفهومه انه: ان كان العقد قد حصل بين الآمر و الوسيط، قبل ان يشترى، كان فيه البأس، و ليس ذلك، الا لانه (و غيرها من الروايات) المذكورة فى الكتب المفصلة.

(و لا يخفى ظهور هذه الاخبار من حيث المورد فى بعضها) الدال

ص: 305

و من حيث التعليل فى بعضها الآخر، فى عدم صحة البيع قبل الاشتراء و انه يشترط فى البيع الثانى، تملك البائع له، و استقلاله فيه و لا يكون قد سبق منه و من المشترى الزام و التزام سابق بذلك المال.

و الجواب: عن العمومات انها انما تدل على عدم ترتب الاثر المقصود من البيع، و هو النقل و الانتقال المنجر على بيع ما ليس عنده فلا يجوز ترتب الأثر على هذا البيع، لا من طرف البائع بان يتصرف فى الثمن

______________________________

على ان البيع قبل اشتراء الوسيط لا يجوز (و من حيث التعليل فى بعضها الآخر) كقوله عليه السلام: انما يحلل الكلام و يحرم الكلام (فى عدم صحة البيع قبل الاشتراء، و انه يشترط فى البيع الثانى) اى بيع الوسيط للمشترى الآمر له (تملك البائع له، و استقلاله) اى للمتاع (فيه) استقلال الملاك فى اموالهم (و لا يكون) عطف على: تملك (قد سبق منه) اى من الوسيط- المفهوم من الكلام- (و من المشترى الزام) من الوسيط (و التزام) من المشترى (سابق) على تملك الوسيط (بذلك المال) و هذا هو مراد القائل ببطلان بيع، من باع ثم ملك.

(و الجواب) اما (عن العمومات) القائلة ب: لا تبع ما ليس عندك، (انها انما تدل على عدم ترتب الاثر المقصود من البيع، و هو النقل و الانتقال المنجز على بيع ما ليس عنده) فليست هذه العمومات نافية للبيع المتزلزل المتوقف على اجازة المالك (فلا يجوز ترتب الأثر على هذا البيع لا من طرف البائع بان يتصرف فى الثمن) قبل اجازة المالك

ص: 306

و لا من طرف المشترى بان يطالب البائع بتسليم المبيع.

و منه يظهر الجواب عن الاخبار فانها لا تدل- خصوصا بملاحظة قوله عليه السلام: و لا تواجبه البيع، قبل ان تستوجبها- الا على ان الممنوع منه، هو الالزام، و الالتزام من المتبايعين بآثار البيع المذكور، قبل الاشتراء، فكذا بعده، من دون حاجة الى اجازة، و هى المسألة الآتية: اعنى لزوم البيع بنفس الاشتراء من البائع من دون حاجة الى

______________________________

(و لا من طرف المشترى بان يطالب البائع بتسليم المبيع) و هذا نقول به نحن.

و يؤيد هذا الظهور، ما دلّ على صحّة بيع الفضول، بعد اجازة المالك.

(و منه) اى من هذا الجواب عن العمومات (يظهر الجواب عن الاخبار) فانها تنهى عن ترتب الاثر، لا عن مجرد اجزاء العقد المتزلزل المتوقف على اجازة المالك (فانها لا تدل- خصوصا بملاحظة قوله عليه السلام: و لا تواجبه البيع، قبل ان تستوجبها- الا على ان الممنوع منه) اى من البيع (هو الالزام، و الالتزام من المتبايعين ب) ترتيب (آثار البيع المذكور، قبل الاشتراء) من المالك الاصلى (فكذا بعده) اى بعد الاشتراء (من دون حاجة الى اجازة) من المالك الجديد (و هى المسألة الآتية) اى ما لو باع الفضول، ثم اشترى المتاع، و لم يجز ما عقده سابقا فهل العقد السابق كاف، اى يحتاج الى اجازة من نفس البائع (اعنى لزوم البيع) الّذي وقع فضولا (بنفس الاشتراء من البائع) الفضولى (من دون حاجة الى

ص: 307

الاجازة، و سيأتى ان الاقوى فيها: البطلان،

و ما قيل من ان تسليم البائع للمبيع- بعد اشترائه- الى المشترى الاول، مفروض فى مورد الروايات، و هى اجازة فعلية.

______________________________

الاجازة، و سيأتى) فى تلك المسألة (ان الاقوى فيها: البطلان) لان البيع- حال وقوعه- لم يثبت الا متوقفا على اجازة المالك.

فعدم حاجته الى الاجازة، بسبب اشتراء نفس البائع، يحتاج الى الدليل، و اىّ فرق بين ان يكون الفضول هو المشترى- بعد ذلك- او غيره.

(و) ربما اشكل على هذا الجواب الّذي ذكرناه عن الاخبار الخاصة بانكم قلتم: ان الظاهر منها: عدم استقرار البيع لا عدم اصل البيع و الحال انها ظاهرة فى: عدم اصل البيع اذ لو كان البيع صحيحا محتاجا الى الاجازة، كان تسليم المالك الثانى، للمتاع الى المشترى اجازة، فهو بيع فضولى ملحوق بالاجازة، فلم لم يجوزها الامام عليه السلام؟ و ليس ذلك الا لاجل ان اصل البيع باطل.

و الى هذا الاشكال، اشار بقوله.

و (ما قيل من ان تسليم البائع) الوسيط (للمبيع- بعد اشترائه-) من المالك الاصلى (الى المشترى) متعلق ب: تسليم، (الاول) صفة:

المشترى، لان الفضول، هو: مشتر ثان (مفروض فى مورد الروايات، و هى اجازة فعلية) فليس منع الامام لعدم الاجازة، بل لعدم صحة اصل البيع مطلقا.

ص: 308

مدفوع: بان التسليم اذا وقع باعتقاد لزوم البيع السابق، و كونه من مقتضيات لزوم العقد، و انه مما لا اختيار للبائع فيه، بل يجبر عليه اذا امتنع، فهذا لا يعد اجازة و لا يترتب عليه احكام الاجازة فى باب الفضولى، لان المعتبر فى الاجازة، قولا و فعلا، ما يكون عن سلطنة و استقلال، لان ما يدل على اعتبار طيب النفس فى صيرورة مال الغير حلالا لغيره، يدل على عدم كفاية ذلك.

______________________________

(مدفوع: بان التسليم اذا وقع باعتقاد لزوم البيع السابق، و) باعتقاد (كونه) اى التسليم (من مقتضيات لزوم العقد) السابق (و) باعتقاد (انه) اى التسليم (مما لا اختيار للبائع فيه، بل يجبر عليه اذا امتنع، فهذا) التسليم (لا يعد اجازة) فعلية (و لا يترتب عليه) اى على هذا التسليم (احكام الاجازة فى باب الفضولى).

و انما لا يعد مثل هذا التسليم اجازة (لان المعتبر فى الاجازة قولا و فعلا) اى سواء كانت اجازة قولية او اجازة فعلية؟ (ما يكون عن سلطنة و استقلال) من المجيز، لا ما كان عن اعتقاد انه مجبور فيه، و ملتزم عليه (لان ما يدل على اعتبار طيب النفس فى صيرورة مال الغير حلالا لغيره) حتى لا يكون من مصاديق: لا يحل مال امرئ إلا عن طيب نفسه (يدل على عدم كفاية ذلك) النوع من الاعطاء الّذي لم يصدر عن استقلال و سلطنة، و انما عن اعتقاد، انه مجبور عليه و ملتزم به.

و على هذا: فلا اجازة فى مورد الروايات.

و الروايات انما نفت هذا القسم من البيع الواقع على ما ليس له، لانه

ص: 309

نعم: يمكن ان يقال: ان مقتضى تعليل نفى البأس فى رواية خالد المتقدمة بان المشترى، ان شاء اخذ، و ان شاء ترك، ثبوت البأس فى البيع السابق بمجرد لزومه على الاصيل.

و هذا محقق فيما نحن فيه، بناء على ما تقدم من انه: ليس للاصيل فى عقد الفضولى فسخ المعاملة قبل اجازة المالك، او رده.

لكن الظاهر: بقرينة النهى

______________________________

لا اجازة فيه، لا لانها تقول بالفساد، و ان لحقتها الاجازة بعد ذلك.

(نعم: يمكن ان يقال) ان الظاهر من بعض الروايات المتقدمة، نفى البيع مطلقا، حتى المتزلزل منه، اذ: (ان مقتضى تعليل نفى البأس فى رواية خالد المتقدمة) حيث قال الامام عليه السلام: أ ليس ان شاء اخذ، و ان شاء ترك؟ قلت: بلى (بان المشترى، ان شاء اخذ، و ان شاء ترك، ثبوت البأس فى البيع السابق) على اشتراء الوسيط من صاحب المال (بمجرد لزومه) اى البيع السابق (على الاصيل).

(و هذا) اى لزومه على الاصيل- و هو الّذي قاول مع الوسيط، اى اشترى منه فضولا- (محقق فيما نحن فيه) من صورة جريان العقد بين الاصيل، و بين الوسيط (بناء على ما تقدم) فى مسئلة الفضولى (من انه: ليس للاصيل فى عقد الفضولى فسخ المعاملة قبل اجازة المالك، او رده) فاذا كان المراد بيع الاصيل و الوسيط، كانت هذه الرواية دالة على منعه، لا انها دالة على المنع عن ترتيب آثار البيع القطعى عليه.

(لكن الظاهر) ان هذا الاشكال، غير وارد، فان الظاهر (بقرينة النهى

ص: 310

عن مواجبة البيع، فى الخبر المتقدم إرادة اللزوم من الطرفين.

و الحاصل: ان دلالة الروايات عموما و خصوصا على النهى عن البيع قبل الملك، مما لا مساغ لانكاره و دلالة النهى على الفساد أيضا، مما لم يقع فيها المناقشة فى هذه المسألة.

الا انا نقول: ان المراد بفساد البيع عدم ترتب ما يقصد منه عرفا من الآثار

______________________________

عن مواجبة البيع، فى الخبر المتقدم) و هو خبر: يحيى بن الحجاج (إرادة اللزوم من الطرفين) و ان المحظور، هو ما يكون فيه لزوم من طرفى الاصيل و الوسيط، لا ما كان فيه لزوم من طرف الاصيل فقط.

اذ: رواية خالد يجب ان تقيد، برواية ابن الحجاج.

فان الاولى: تنهى عن ما يكون فيه لزوم من احد الطرفين الاصيل و الوسيط و الثانية: تنهى عما يكون فيه لزوم من الطرفين، فيلزم ان تقيد الاولى بالثانية.

(و الحاصل) من كلامنا حول هذه الروايات (ان دلالة الروايات عموما و خصوصا على النهى عن البيع، قبل الملك، مما لا مساغ لانكاره) فليس مراد نافى الجواب عنها انكار ظهورها فى النهى (و دلالة النهى على الفساد أيضا، مما لم يقع فيها المناقشة) اذ: النهى فى المعاملات يدل على الفساد (فى هذه المسألة) كسائر المسائل التى ورد فيها النهى عن العبادة.

(الا انا نقول: ان المراد بفساد البيع عدم ترتب ما يقصد منه عرفا من الآثار) كلزوم تسليم المثمن و جواز التصرف فى الثمن، و ما اشبه

ص: 311

فى مقابل الصحة التى هى امضاء الشارع لما يقصد عرفا من إنشاء البيع.

مثلا: لو فرض حكم الشارع بصحة بيع الشي ء قبل تملكه- على الوجه الّذي يقصده اهل المعاملة- كان يترتب عليه بعد البيع، النقل و الانتقال، و جواز تصرف البائع فى الثمن، و جواز مطالبة المشترى البائع بتحصيل المبيع من مالكه، و تسليمه، و عدم جواز امتناع البائع بعد تحصيله عن تسليمه، ففساد البيع، بمعنى عدم ترتب جميع ذلك عليه.

و هو: لا ينافى قابلية العقد، للحوق

______________________________

(فى مقابل الصحة التى هى امضاء الشارع لما يقصد عرفا من إنشاء البيع)

و هذا المقدار: لا يدل على بطلان الفضولية التى هى محل الكلام و نحن نقول بصحتها، و الطرف المقابل يقول: ببطلانها.

(مثلا: لو فرض حكم الشارع بصحة بيع الشي ء قبل تملكه- على الوجه الّذي يقصده اهل المعاملة- كان يترتب عليه) اى على الحكم بالصحة (بعد البيع، النقل و الانتقال، و جواز تصرف البائع فى الثمن و جواز مطالبة المشترى البائع بتحصيل المبيع من مالكه) فان المفروض:

ان المشترى اشترى المتاع من غير مالكه، و الواجب على البائع ان يحصل المتاع حينئذ (و تسليمه) الى المشترى (و عدم جواز امتناع البائع بعد تحصيله) من مالكه (عن تسليمه، ففساد البيع) اى بيع ما لا يملك، كما يستفاد من النهى الوارد فى الروايات المتقدمة، انما هو: (بمعنى عدم ترتب جميع ذلك) الاثر (عليه) اى على بيع ما لم يملكه.

(و هو) اى الفساد بهذا المعنى (لا ينافى قابلية العقد، للحوق

ص: 312

الاجازة من مالكه حين العقد.

او ممن يملكه بعد العقد، و لا يجب- على القول بدلالة النهى على الفساد- وقوع المنهى عنه لغوا غير مؤثر اصلا، كما يستفاد من وجه دلالة النهى على الفساد.

فان حاصله دعوى: دلالة النهى على ارشاد المخاطب، و بيان ان مقصوده من الفعل المنهى عنه، و هو: الملك، و السلطنة من الطرفين، لا يترتب عليه فهو: غير مؤثر فى

______________________________

الاجازة من مالكه حين العقد) ظرف لمالكه، بان يأذن المالك، لهذا العقد الّذي وقع فضولة على ماله.

(او) لحوق الاجازة (ممن يملكه) اى يملك المتاع (بعد العقد) كما فى مسئلة: من باع ثم ملك ثم اجاز (و لا يجب- على القول بدلالة النهى على الفساد- وقوع المنهى عنه) و هو: عقد ما ليس عنده (لغوا غير مؤثرا اصلا، كما يستفاد) عدم المنافات بين الفساد بمعنى عدم ترتب الاثر، و بين وجود القابلية (من وجه دلالة النهى على الفساد) فانه فساد بمعنى عدم ترتب الاثر، لا بمعنى عدم القابلية، للحوق الاجازة.

(فان حاصله) اى حاصل ما يستفاد من دلالة النهى على الفساد (دعوى: دلالة النهى على ارشاد المخاطب، و بيان ان مقصوده من الفعل المنهى عنه) اى بيع ما ليس عنده (و هو) اى مقصوده من الفعل المنهى عنه (الملك، و السلطنة من الطرفين، لا يترتب عليه) اى على الفعل المنهى عنه (فهو) اى هذا الفعل المنهى عنه (غير مؤثر فى

ص: 313

مقصود المتبايعين، لا انه لغو من جميع الجهات، فافهم.

اللهم الا ان يقال: ان عدم ترتب جميع مقاصد المتعاقدين على عقد بمجرد انشائه مع وقوع مدلول ذلك العقد فى نظر الشارع، مقيدا بانضمام بعض الامور اللاحقة، كالقبض فى الهبة، و نحوها.

و الاجازة فى الفضولى لا يقتضي النهى عنها بقول مطلق، اذ: معنى صحة المعاملة شرعا

______________________________

مقصود المتبايعين، لا انه لغو من جميع الجهات) حتى من قابلية لحوق الاجازة (فافهم) فان النهى فى المعاملات، يدل على فقد شرط، او وجود مانع، و معنى ذلك ان النهى يدل حتى على عدم القابلية.

(اللهم الا ان يقال: ان عدم ترتب جميع مقاصد المتعاقدين على عقد بمجرد انشائه) اى عدم ترتب المقاصد عند الانشاء (مع وقوع مدلول ذلك العقد فى نظر الشارع، مقيدا بانضمام بعض الامور اللاحقة) الى العقد (كالقبض فى الهبة، و نحوها) كالصرف و السلم، فانها تشترط بالقبض، و الا لم تترتب عليها جميع الآثار.

(و الاجازة فى الفضولى) حيث انه لو لا الاجازة لم يترتب الاثر على الفضولى (لا يقتضي النهى عنها) اى عن تلك العقود، المتوقفة على التحاق شي ء بها (بقول مطلق) بان يقول الشارع: لا تهب، و هو يريد عدم ترتب الاثر بدون القبض، بل اللازم ان ينهى عنها مقيدا كما لو قال:

لا تهب بدون القبض.

و انما قلنا: لا ينهى بقول مطلق (اذ: معنى صحة المعاملة شرعا،

ص: 314

ان يترتب عليها شرعا المدلول المقصود من انشائه، و لو مع شرط لاحق.

و عدم بناء المتعاملين على مراعاة ذلك الشرط، لا يوجب النهى عنه، الا مقيدا بتجرده عن لحوق ذلك الشرط.

فقصدهم ترتب الملك المنجز على البيع قبل التملك- بحيث يسلّمون الثمن و يطالبون المبيع- لا يوجب الحكم عليه بالفساد.

فالانصاف: ان ظاهر النهى فى تلك الروايات، هو: عدم وقوع البيع، قبل التملك للبائع، و عدم ترتب اثر

______________________________

ان يترتب عليها شرعا المدلول المقصود من انشائه) اى إنشاء عقد تلك المعاملة (و لو مع شرط لاحق) كالقبض فى الهبة، و الاجازة فى الفضولى.

(و عدم) مبتدأ خبره: لا يوجب (بناء المتعاملين على مراعاة ذلك الشرط، لا يوجب النهى عنه) مطلقا، بان يطلق الشارع النهى (الا) نهيا (مقيدا بتجرده) اى العقد (عن لحوق ذلك الشرط) كان يقول:

لا هبة مجردة عن القبض، و لا فضولى مجردا عن الاجازة.

(فقصدهم) اى المتعاملون (ترتب الملك المنجز على البيع قبل التملك) اى قبل تملك البائع، ما باعه فضولة (- بحيث يسلّمون) المتعاملون (الثمن و يطالبون المبيع- لا يوجب الحكم عليه) اى على العقد (بالفساد) ان كان واقعا صحيحا قابلا للحوق الاجازة، كما تدعون انتم من صحة بيع: من باع ثم ملك.

(فالانصاف: ان ظاهر النهى فى تلك الروايات، هو: عدم وقوع البيع قبل التملك للبائع) اى قبل ان يملك البائع المتاع (و عدم ترتب اثر

ص: 315

الانشاء المقصود منه عليه مطلقا حتى مع الاجازة.

و اما صحته بالنسبة الى المالك اذا اجاز، فلان النهى راجع الى وقوع البيع المذكور للبائع، فلا تعرض فيه لحال المالك اذا اجاز فيرجع فيه الى مسئلة الفضولى.

نعم: قد يخدش فيها ان ظاهر كثير من الاخبار المتقدمة ورودها فى بيع الكلى، و انه لا يجوز بيع الكلى فى الذمة، ثم اشتراء بعض افراده، و تسليمه الى المشترى الاول.

______________________________

الانشاء المقصود منه) اى من الانشاء (عليه) اى على الانشاء (مطلقا) اى (حتى مع الاجازة) بعد اشتراء البائع المتاع، (و) ان قلت: فعلى هذا كان اللازم عدم صحته بالنسبة الى مالكه الاصلى اذا اجاز، مع انكم تقولون بصحته.

قلت: (اما صحته) اى الانشاء (بالنسبة الى المالك) الاصلى (اذا اجاز) بيع البائع (فلان النهى) ليس بناظر الى المالك الاصلى اطلاقا، بل انما هو: (راجع الى وقوع البيع المذكور للبائع) الفضولى (فلا تعرض فيه) اى فى النهى (لحال المالك اذا اجاز) المالك (ف) حيث لا تعرض للنهى عن حال المالك (يرجع فيه الى مسئلة الفضولى) و قد تقدم فيها ان مقتضى القواعد: ان الاجازة كافية فى نفوذ مثل هذا البيع.

(نعم: قد يخدش فيها) اى فى دلالة الروايات على المنع عن صحة بيع: من باع ثم ملك (ان ظاهر كثير من الاخبار المتقدمة ورودها فى بيع الكلى، و انه لا يجوز بيع الكلى فى الذمة، ثم اشتراء بعض افراده و تسليمه الى المشترى الاول) اى الّذي اشترى من البائع، كما لو باع زيد

ص: 316

و المذهب جواز ذلك، و ان نسب الخلاف فيه الى بعض العبائر فيقوى: فى النفس انها و ما ورد فى سياقها فى بيع الشخصى أيضا كروايتى يحيى، و خالد، المتقدمتين اريد بها الكراهة، او وردت فى مقام التقية، لان المنع عن بيع الكلى حالا مع عدم وجوده عند البائع حال البيع، مذهب جماعة من العامة، كما صرح به فى بعض الاخبار.

______________________________

كتابا كليا لعمرو، ثم اشترى كتابا و سلمه الى عمرو بعنوان الوفاء.

(و) الحال ان (المذهب) الّذي يختاره فقهاء الشيعة (جواز ذلك) البيع الكلى، ثم اشتراء فرد منه، و تسليمه الى المشترى، من باب الوفاء (و ان نسب الخلاف فيه) اى فى جوازه (الى بعض العبائر) عبائر فقهائنا (فيقوى: فى النفس انها) اى تلك الاخبار الظاهرة فى الكلى (و ما ورد فى سياقها) التى ظاهرها (فى بيع الشخصى أيضا، كروايتى:

يحيى، و خالد، المتقدمتين).

لكن كونهما فى سياق تلك الاخبار، يوجب إلحاقهما بتلك الاخبار (اريد بها الكراهة) بصرف النهى عن ظاهره التحريمى، الى الكراهة، لما دل على جواز بيع الكلى (او) يقال: انها (وردت فى مقام التقية، لان المنع عن بيع الكلى حالا) مقابل السلف (مع عدم وجوده عند البائع) و هو بائع الآن (حال البيع) اما اذا كان موجودا لدى البائع حال البيع، فلا اشكال فى صحته (مذهب جماعة من العامة، كما صرح به فى بعض الاخبار) كصحيحة عبد الرحمن عن الصادق عليه السلام: المتقدمة حيث قال الامام- ع-: لا بأس، فقال الراوى: ان من عندنا يفسده، فقال- ع-

ص: 317

مستندين فى ذلك الى: النهى النبوى عن بيع ما ليس عندك، لكن الاعتماد على هذا التوهين فى رفع اليد عن الروايتين المتقدمتين الواردتين فى بيع الشخصى، و عموم مفهوم التعليل فى الاخبار الواردة فى بيع الكلى، خلاف الانصاف.

اذ: غاية الامر حمل الحكم فى مورد تلك الاخبار- و هو بيع الكلى قبل التملك- على التقية، و هو: لا يوجب طرح مفهوم التعليل رأسا

______________________________

ما تقولون فى السلم الخ (مستندين) اولئك العامة (فى ذلك) المنع (الى: النهى النبوى عن بيع ما ليس عندك) اى قوله «ص» لا تبع ما ليس عندك، قالوا: بانه يشمل البيع الكلى أيضا.

و حيث احتملنا انها وردت فى مقام التقية، فلا دلالة فيها على حرمة و لا كراهة (لكن الاعتماد على هذا التوهين) بان المراد البيع الكلى فيحمل على الكراهة (فى رفع اليد عن الروايتين المتقدمتين الواردتين فى بيع الشخصى) بحملهما على خلاف ظاهرهما، لمجرد انهما فى سياق اخبار البيع الكلى (و) عن (عموم مفهوم التعليل فى الاخبار الواردة فى بيع الكلى) و ان المواجبة، وقعت قبل اشتراء البائع للمتاع، او بعده (خلاف الانصاف) فاللازم ان نقول: بعدم صحة بيع من باع ثم ملك.

(اذ: غاية الامر) فى الخدشة فى الروايات المعللة- اى باستثناء الروايتين الخاصتين- (حمل الحكم) بالنهى (فى مورد تلك الاخبار- و هو بيع الكلى قبل التملك- على التقية) و الا فبيع الكلى قبل التملك، جائز فى نفسه (و هو: لا يوجب طرح مفهوم التعليل رأسا) لان مفهوم

ص: 318

فتدبر.

فالاقوى العمل بالروايات، و الفتوى بالمنع عن البيع المذكور.

و مما يؤيد المنع- مضافا الى ما سيأتى عن التذكرة، و المختلف من دعوى الاتفاق- رواية الحسن بن زياد الطائى الواردة فى نكاح العبد بغير اذن مولاه، قال قلت: لابى عبد الله عليه السلام، انى كنت رجلا مملوكا فتزوجت بغير اذن مولاى، ثم اعتقنى بعد، فاجدد النكاح؟ فقال: علموا

______________________________

التعليل عدم الصحة مطلقا، خرج منه الكلى، لما دل على صحته.

فيحمل المفهوم فى الكلى على التقية، اما الشخصى فيبقى تحت المفهوم بلا معارض (فتدبر) لعله اشارة الى: انه لا يمكن تخصيص الكلى عن المفهوم، لانه يلزم منه خروج المورد، فاللازم، الحمل على التقية مطلقا، فلا دليل فى المفهوم على المنع عن بيع ما ليس عنده مطلقا، سواء كان كليا او شخصيا؟

(فالاقوى) حيث كان هناك مفهوم التعليل، و كانت الروايتان الصريحتان (العمل بالروايات، و الفتوى بالمنع عن البيع المذكور) بان يبيع الانسان شيئا شخصيا، ثم يشتريه و يؤديه الى البائع وفاء.

(و مما يؤيد المنع- مضافا الى ما سيأتى عن التذكرة، و المختلف من دعوى الاتفاق-) على المنع (رواية الحسن بن زياد الطائى، الواردة فى نكاح العبد بغير اذن مولاه، قال قلت: لابى عبد الله عليه السلام، انى كنت رجلا مملوكا، فتزوجت بغير اذن مولاى، ثم اعتقنى بعد، فاجدد النكاح) او النكاح صحيح (فقال) عليه السلام: (علموا

ص: 319

انك تزوجت، قلت: نعم، قد علموا، فسكتوا، و لم يقولوا الى شيئا، قال ذلك اقرار منهم، انت على نكاحك، الخبر، فانها ظاهرة بل صريحة فى ان علة البقاء- بعد العتق- على ما فعله بغير اذن مولاه، هو اقراره المستفاد من سكوته، فلو كان صيرورته حرا، مالكا لنفسه، مسوغة للبقاء مع اجازته، او بدونها، لم يحتج الى الاستفصال عن ان المولى، سكت أم لا؟

للزوم العقد على كل تقدير.

______________________________

انك تزوجت، قلت: نعم، قد علموا، فسكتوا، و لم يقولوا لى شيئا، قال ذلك) السكوت بعد العلم (اقرار منهم، انت على نكاحك) الى آخر (الخبر فانها ظاهرة بل صريحة فى ان علة البقاء- بعد العتق- على ما فعله) من النكاح (بغير اذن مولاه) «على» متعلق ب: البقاء (هو اقراره) اى اقرار المولى (المستفاد من سكوته).

و هذا: يدل على بطلان العقد، و لو اجاز بعد العتق اذا لم يرض المولى (فلو كان صيرورته) اى العبد (حرا، مالكا لنفسه، مسوغة للبقاء مع اجازته) اى العبد (او بدونها) بان لم يحتج الى الاجازة- كما هو مذهب من يقول: ان من باع ثم ملك، لم يحتج الى اجازة جديدة (لم يحتج) بقاء النكاح (الى الاستفصال) الّذي ذكره الامام عليه السلام (عن ان المولى، سكت أم لا؟).

و انما لم يحتج- على هذا التقدير- (للزوم العقد) حينئذ، اذا ملك نفسه- باجازة او بدونها- (على كل تقدير) تقدير رضى المولى و عدم رضاه.

ص: 320

ثم ان الواجب على كل تقدير، هو: الاقتصار على مورد الروايات، و هو: ما لو باع البائع لنفسه، و اشترى المشترى غير مترقب لاجازة المالك و لا لاجازة البائع، اذا صار مالكا.

و هذا هو الّذي ذكره العلامة ره فى التذكرة نافيا للخلاف فى فساده قال: لا يجوز ان يبيع عينا لا يملكها، و يمضى ليشتريها و يسلمها، و به قال الشافعى، و احمد، و لا نعلم فيه خلافا، لقول النبي (ص): لا تبع ما ليس عندك و لاشتمالها على الغرر، فان صاحبها قد لا يبيعها، و هو:

غير مالك لها، و لا قادر على تسليمها.

______________________________

(ثم ان الواجب على كل تقدير) سواء قلنا: بالبطلان، او بالكراهة؟

(هو: الاقتصار على مورد الروايات) الدالة على المنع عن بيع ما ليس عنده (و هو: ما لو باع البائع لنفسه) مال الغير (و اشترى المشترى غير مترقب لاجازة المالك) الاصلى (و لا لاجازة البائع، اذا صار مالكا) بل اشتراه جاز ما غير متوقف على الاجازة.

(و هذا) القسم من البيع (هو الّذي ذكره العلامة ره فى التذكرة نافيا للخلاف فى فساده، قال: لا يجوز ان يبيع عينا لا يملكها، و يمضى ليشتريها) من مالكها (و يسلمها) الى المشترى منه (و به) اى بالفساد (قال الشافعى، و احمد، و لا نعلم فيه خلافا، لقول النبي (ص): لا تبع ما ليس عندك) هذا أولا (و لاشتمالها على الغرر) ثانيا (فان صاحبها قد لا يبيعها، و هو) اى البائع (غير مالك لها، و لا قادر على تسليمها) و يشترط فى البيع: الملك، و القدرة على التسليم.

ص: 321

اما لو اشترى موصوفا فى الذمة- سواء كان حالا، او مؤجلا- فانه جائز اجماعا، انتهى.

و حكى عن المختلف أيضا الاجماع على المنع أيضا.

و استدلاله بالغرر، و عدم القدرة على التسليم، ظاهر، بل صريح فى وقوع الاشتراء، غير مترقب لاجازة مجيز، بل وقع على وجه يلزم على البائع بعد البيع، تحصيل المبيع و تسليمه.

فحينئذ لو تبايعا، على ان يكون العقد موقوفا على الاجازة

______________________________

(اما لو اشترى موصوفا فى الذمة) اى الكلى، لا الشخصى (- سواء كان) بيعا (حالا، او مؤجلا- فانه جائز اجماعا) فان الكلى، لا ينحصر فى الفرد الّذي عند الغير، و ليس فيه غرر، او عدم قدرة على التسليم (انتهى) كلام التذكرة.

(و حكى عن المختلف أيضا) كالتذكرة (الاجماع على المنع أيضا) كاجماع التذكرة.

(و استدلاله) اى العلامة- مبتدأ- (بالغرر، و عدم القدرة على التسليم، ظاهر) «ظاهر» خبر (بل صريح فى وقوع الاشتراء، غير مترقب لاجازة مجيز، بل وقع) الاشتراء (على وجه يلزم على البائع بعد البيع، تحصيل المبيع و تسليمه) فان الاشتراء بترقب غير موجب للغرر، و لا يحتاج الى القدرة على التسليم، كما هو الحال فى سائر اقسام الفضولية.

(فحينئذ) اى حين كان النهى فى الروايات عن خصوص البيع الجزمى غير المترقب لاجازة (لو تبايعا، على ان يكون العقد موقوفا على الاجازة،

ص: 322

فاتفقت الاجازة من المالك، او من البائع بعد تملكه، لم يدخل فى مورد الاخبار، و لا فى معقد الاتفاق.

و لو تبايعا على ان يكون اللزوم موقوفا على تملك البائع دون اجازته، فظاهر عبارة الدروس: انه من البيع المنهى عنه فى الاخبار المذكورة حيث قال: و كذا لو باع ملك غيره، ثم انتقل إليه، فاجاز، و لو اراد لزوم البيع بالانتقال، فهو بيع ما ليس عنده، و قد نهى عنه، انتهى.

لكن الانصاف: ظهورها فى الصورة الاولى، و هى: ما لو تبايعا قاصدين

______________________________

فاتفقت الاجازة من المالك) الاصلى (او من البائع) الفضول (بعد تملكه) للمال، او من المالك الّذي تلقاه من المالك الاصلى- مثلا- (لم يدخل فى مورد الاخبار، و لا فى معقد الاتفاق) لانصراف الاخبار و الاتفاق عن هذه الصورة.

(و لو تبايعا) الفضول و المشترى (على ان يكون اللزوم) للبيع (موقوفا على تملك البائع، دون اجازته) بان قالا: ان مجرد تملك البائع كاف فى الانتقال الى المشترى بدون الاحتياج الى ان يجيز بعد ان تملك (فظاهر عبارة الدروس: انه من البيع المنهى عنه فى الاخبار المذكورة) «فى» متعلق ب: المنهى (حيث قال) الشهيد: (و كذا لو باع ملك غيره، ثم انتقل إليه، فاجاز) البائع الفضول (و لو اراد) الفضول (لزوم البيع بالانتقال، فهو بيع ما ليس عنده، و قد نهى عنه، انتهى) كلام الدروس.

(لكن الانصاف: ظهورها) اى الاخبار الناهية (فى الصورة الاولى) فقط (و هى: ما لو تبايعا، قاصدين

ص: 323

لتنجز النقل و الانتقال، و عدم الوقوف على شي ء.

و ما ذكره فى التذكرة كالصريح فى ذلك، حيث علل المنع بالغرر، و عدم القدرة على التسليم.

و اصرح منه كلامه المحكى عن المختلف، فى فصل النقد و النسيئة.

و لو باع عن المالك فاتفق انتقاله الى البائع، فاجازه، فالظاهر:

أيضا الصحة لخروجه عن مورد الاخبار.

______________________________

لتنجز النقل و الانتقال، و عدم الوقوف على شي ء) آخر من اجازة المالك الاصلى، او اجازة البائع اذا انتقل إليه المال بعد ذلك، فانه المنصرف من الاخبار.

(و ما ذكره فى التذكرة) المتقدم (كالصريح فى ذلك) اى اختصاص الاخبار بالصورة الاولى فقط (حيث علل المنع) عن: بيع ما ليس عنده (بالغرر، و عدم القدرة على التسليم) فان البيع متوقفا على الاجازة ليس غررا، و ليس موجبا للتسليم- كما هو الشأن فى كل فضولى-.

(و اصرح منه) اى من كلام التذكرة (كلامه) اى العلامة (المحكى عن المختلف، فى فصل النقد و النسيئة).

و عليه: فالصورة الثانية لا دليل على المنع عنها من الاخبار، و لا من الاجماع- بدليل كلام العلامة-.

(و لو باع) الفضول المتاع (عن المالك) لا عن نفسه (فاتفق انتقاله الى البائع) قهرا، كالارث، او اختيارا كالاشتراء (فاجازه) البائع (فالظاهر أيضا الصحة) لذلك البيع الفضولى (لخروجه عن مورد الاخبار) حيث عرفت

ص: 324

نعم: قد يشكل فيه من حيث ان الاجازة لا متعلق لها، لان العقد السابق كان إنشاء للبيع عن المالك الاصلى، و لا معنى لاجازة هذا بعد خروجه عن ملكه.

و يمكن دفعه بما اندفع به سابقا الاشكال فى عكس المسألة، و هى:

ما لو باعه الفضولى لنفسه، فاجازه المالك لنفسه، فتأمل.

______________________________

انها ظاهرة فى تنجيز البيع.

(نعم: قد يشكل فيه) اى فى هذا الفرض من: من باع ثم ملك (من حيث ان الاجازة لا متعلق لها).

و ذلك (لان العقد السابق) على الانتقال الى البائع (كان إنشاء للبيع عن المالك الاصلى، و لا معنى لاجازة هذا بعد خروجه عن ملكه) و هذا البائع لم يقع العقد فى ملكه حتى يجيزه.

(و يمكن دفعه) اى دفع هذا الاشكال، و القول بصحة العقد السابق بالاجازة من المالك الجديد، (بما اندفع به سابقا الاشكال فى عكس المسألة، و هى) اى المسألة السابقة، هى: (ما لو باعه الفضولى لنفسه، فاجازه المالك لنفسه) لا للفضول (فتأمل) وجه اندفاع الاشكال ان فى كلتا المسألتين: ان المقصود من المعاملة تبادل المثمن بالثمن، و لا خصوصية للشخص المنسوب إليه العوضان، فاذا حصل هذا التبادل بالعقد، ثم رضى المالك، سواء كان مالكا وقت العقد او غيره؟ صح البيع لصدق: عقودكم، المستفاد من قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

و وجه التأمل: احتمال الفرق بين المسألتين بان فى عكس المسألة،

ص: 325

و لو باع لثالث معتقدا لتملكه، او بانيا عليه عدوانا فان اجاز المالك فلا كلام فى الصحة، بناء على المشهور من عدم اعتبار وقوع البيع عن المالك و ان ملكه الثالث و اجازه، او ملكه البائع

______________________________

مالك موجود حال العقد، هو الّذي يجيز بعد ذلك.

اما فى هذه المسألة فلا مالك موجود حال العقد يجيز البيع بعد ذلك.

فالذى يجيز، غير المالك حال العقد.

و الّذي يملك حال العقد، لا يجيز، و لا يرتبط به الاجازة- حال الاجازة-.

فعقودكم، لا يتحقق، لا بالنسبة الى المالك الاول، لانه خرج عن كونه مالكا، و لا بالنسبة الى المالك الثانى، لانه لم يقع فى ملكه العقد.

و مجرد الاجازة بعد ذلك، لا يوجب صدق: عقودكم، عرفا، كما ان العقد الواقع على الملك فى الازمنة السابقة، حين كان فى ايادى سابقين لا يصدق عليه انه عقد هذا الانسان المتأخر الّذي ملك ملكا جديدا.

(و لو باع) الفضول المال، لا عن المالك كزيد، و لا عن نفسه الّذي هو خالد، بل (لثالث) كبكر- مثلا- (معتقدا لتملكه) بان اعتقد البائع ان المال لبكر، لا لزيد (او بانيا عليه عدوانا) كما يتحقق فى عمال الغاصبين، حيث يبيعون اموال الناس لمصلحة اربابهم (فان اجاز المالك) الواقعى كزيد فى المثال (فلا كلام فى الصحة، بناء على المشهور من عدم اعتبار وقوع البيع) فى قصد البائع (عن المالك) اذ: لا خصوصية لهذا القصد.

(و) على هذا (ان ملكه الثالث) كبكر، كما لو انتقل المال الى بكر (و اجازه) اى البيع الّذي وقع عنه- فضولة- (او ملكه البائع) الفضول

ص: 326

فاجازه، فالظاهر: انه داخل فى المسألة السابقة.

ثم: انه قد ظهر مما ذكرنا فى المسألة المذكورة، حال المسألة الاخرى و هى: ما لو لم يجز البائع بعد تملكه فان الظاهر، بطلان البيع الاول، لدخوله تحت الاخبار المذكورة يقينا.

مضافا: الى قاعدة: تسلط الناس على اموالهم، و عدم صيرورتها حلالا من دون طيب النفس، فان المفروض، ان البائع

______________________________

(فاجازه، فالظاهر: انه داخل فى المسألة السابقة) التى عنونها المصنف بقوله: و لو باع عن المالك، و مراده بالدخول فى هذه المسألة انه خارج عن مورد الاخبار، و لازمه ان يكون العقد صحيحا.

(ثم: انه قد ظهر مما ذكرنا فى المسألة المذكورة) اى مسئلة: من باع ثم ملك (حال المسألة الاخرى، و هى: ما لو لم يجز البائع بعد تملكه) للمال (فان الظاهر، بطلان البيع الاول) الّذي وقع فضولا (لدخوله تحت الاخبار المذكورة يقينا) اذ: الخارج منها، صورة رضاية المالك الجديد، فاذا لم يرض، لم يكن بيع عن رضى، لا عن رضى المالك الاول، و لا عن رضى المالك الثانى، فلا يشمله المستثنى فى: لا يحل مال امرئ الا عن طيب نفسه.

(مضافا: الى قاعدة: تسلط الناس على اموالهم) فالمالك الثانى مسلط على ماله، و لا يحق للمشترى ان يأخذ منه جبرا (و عدم صيرورتها) اى الاموال (حلالا من دون طيب النفس، فان المفروض، ان البائع) فضولا

ص: 327

بعد ما صار مالكا، لم يطب نفسه بكون ماله للمشترى الاول.

و التزامه- قبل تملكه- بكون هذا المال المعين للمشترى، ليس التزاما، الا بكون مال غيره له.

اللهم الا ان يقال: ان مقتضى عموم: وجوب الوفاء بالعقود و الشروط، على كل عاقد و شارط، هو: اللزوم على البائع، بمجرد انتقال المال إليه، و إن كان قبل ذلك

______________________________

(بعد ما صار مالكا، لم يطب نفسه بكون ماله للمشترى الاول) الّذي اشتراه من نفس البائع فضولا- مقابل المشترى الثانى، و هو من اشتراه من المالك، اى البائع الفضول-.

(و) ان قلت: ان البائع التزم بكون المال للمشترى، فهو طيب نفس منه.

قلت: (التزامه) اى البائع الفضول (- قبل تملكه-) للمال (بكون هذا المال المعين للمشترى، ليس التزاما، الا بكون مال غيره) اى المالك الاصيل (له) اى للمشترى، فلم يلتزم بكون مال نفسه للمشترى، حتى يكون ذلك الالتزام رضى من البائع بكون مال نفسه للمشترى.

(اللهم الا ان يقال) فى توجيه ان البائع لا يحق له فسخ العقد، اذا انتقل إليه المال، ببيان (ان مقتضى عموم: وجوب الوفاء بالعقود) المستفاد من قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (و الشروط) المستفاد من قوله ع-: المؤمنون عند شروطهم (على كل عاقد و شارط، هو: اللزوم على البائع، بمجرد انتقال المال إليه، و إن كان) العاقد (قبل ذلك) الانتقال

ص: 328

اجنبيا، لا حكم لوفائه و نقضه.

و لعله: لاجل ما ذكرنا رجح فخر الدين فى الايضاح- بناء على صحة الفضولى- صحة العقد المذكور بمجرد الانتقال، من دون توقف على الاجازة.

قيل و يلوح هذا من الشهيد الثانى فى هبة المسالك، و قد سبق استظهاره من عبارة الشيخ المحكية فى المعتبر، لكن يضعفه ان البائع غير مأمور بالوفاء قبل الملك فيستصحب، و المقام مقام استصحاب حكم الخاص

______________________________

(اجنبيا، لا حكم لوفائه) وجوبا (و) لا ل (نقضه) حرمة.

(و لعله: لاجل ما ذكرنا) من قولنا: اللهم الا ان يقال (رجح فخر الدين فى الايضاح- بناء على صحة الفضولى-) مطلقا (صحة العقد المذكور) الّذي باع ثم ملك (بمجرد الانتقال) للمال الى البائع (من دون توقف على الاجازة) لصدق: عقودكم، عليه، بمجرد الانتقال الى الفضول.

(قيل و يلوح هذا) اى يظهر هذا القول (من الشهيد الثانى فى) كتاب ال (هبة) من (المسالك، و قد سبق استظهاره) و انه الظاهر (من عبارة الشيخ المحكية فى المعتبر، لكن يضعفه) اى احتمال الانتقال بدون الاجازة، مما ذكرناه بقولنا: اللهم الخ (ان البائع) الفضول (غير مأمور بالوفاء) بهذا العقد (قبل الملك) اى قبل ان يملك البائع لهذا المال (فيستصحب) عدم وجوب: الوفاء (و المقام مقام استصحاب حكم الخاص

ص: 329

لا مقام الرجوع الى حكم العام، فتأمل.

______________________________

لا مقام الرجوع الى حكم العام) العام، هو: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، الّذي يشمل المقام، و الخاص، هو: عدم وجوب الوفاء بهذا العقد، لانه ليس عقد البائع، اذ: المراد: عقودكم، فاذا شك فى ان المقام للخاص او للعام، ينظر فى انه هل العام شمل الفرد، ثم خرج منه حصة و شك فى الحصة الثانية من الخاص، هل هى: خارجة أم لا؟ كما لو قال: اكرم العلماء، ثم قال: لا تكرم زيدا يوم الجمعة، فان الشك فى وجوب الاكرام يوم السبت مرجعه الى عموم: وجوب الاكرام، لانه شمل يوم الجمعة، و يوم السبت و الخارج يوم الجمعة فقط، ففى ما عداه يؤخذ بالعام.

او ان العام لم يشمل مثل هذا الفرد من السابق، بل شمله الخاص كما لو قال: اكرم العادل، و كان زيد يوم الجمعة فاسقا، ثم شك فى انه هل صار عادلا يوم السبت أم لا؟، فانه يشك فى شمول العام له، فيستصحب حكم الخاص الّذي هو عدم وجوب الاكرام (فتأمل) حيث: ان المقام ليس من مسئلة الشك فى شمول العام او المخصص لهذا الفرد المشكوك، بل من قبيل التخصص و الخروج الموضوعى.

اذ: الطيب المعتبر فى العقد، غير محقق فى المقام اصلا.

اقول: الكلام فى المسألة طويل جدا، و حيث كان الامر خارجا عن الشرح التوضيحى، امسكنا الكلام حوله.

هذا تمام الكلام فى وجه عدم وجوب العقد على البائع.

ص: 330

مضافا: الى معارضة العموم المذكور بعموم: سلطنة الناس على اموالهم، و عدم حلّها لغيرهم، الا عن طيب النفس.

و فحوى الحكم المذكور فى رواية الحسن بن زياد المتقدمة فى نكاح العبد بدون اذن مولاه- و ان عتقه- لا يجدى فى لزوم النكاح لو لا سكوت المولى الّذي هو بمنزلة الاجازة.

ثم: لو سلم عدم التوقف على الاجازة فانما هو: فيما اذا باع الفضولى لنفسه

______________________________

(مضافا: الى معارضة العموم المذكور) اى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (بعموم سلطنة الناس على اموالهم، و عدم حلّها لغيرهم، الا عن طيب النفس) فالمالك الثانى مسلط على ماله، و لا يحل ماله للمشترى، اذ: لا طيب لنفس المالك فى تصرف المشترى فى ماله.

(و فحوى) اى اولوية (الحكم المذكور فى رواية الحسن بن زياد المتقدمة فى نكاح العبد بدون اذن مولاه- و ان عتقه-) اى العبد (لا يجدى فى لزوم النكاح لو لا سكوت المولى) حال العقد (الّذي هو) اى السكوت (بمنزلة الاجازة) فانه اذا لم يجد العتق فى لزوم النكاح، و النكاح فرج يجب الاحتياط فيه، بعدم ابطاله، بعد انعقاده، لم يجد ملك الفضول فى لزوم العقد، و الحال انه ليس فى باب الملك الاحتياط الواجب مراعاته فى باب النكاح.

(ثم: لو سلم عدم التوقف على الاجازة) و ان: من باع ثم ملك، لزم عقده بدون احتياج الى الاجازة (فانما هو: فيما اذا باع الفضولى لنفسه) فانه بمجرد تملكه للشي ء يصدق: عقودكم، فيلزم.

ص: 331

اما لو باع فضولا للمالك، او لثالث، ثم ملك هو، فجريان عموم: الوفاء بالعقود، و الشروط، بالنسبة الى البائع اشكل.

و لو باع وكالة عن المالك فبان انعزاله بموت الموكل، فلا اشكال فى عدم وقوع البيع له بدون الاجازة، و لا معها، نعم: يقع للوارث مع اجازته.

______________________________

(اما لو باع) الفضولى (فضولا للمالك، او لثالث) كعامل الغاصب الّذي يبيع المغصوب للغاصب- الّذي ليس لنفسه و لا لمالكه الواقعى- (ثم ملك هو) اى الفضول (فجريان عموم: الوفاء بالعقود، و الشروط، بالنسبة الى البائع اشكل) لعدم الاستناد إليه، فانه اوقعه لغيره.

(و لو باع وكالة عن المالك) فيما كان وكيلا عنه سابقا (فبان انعزاله بموت الموكل، فلا اشكال فى عدم وقوع البيع له) اى للبائع الفضول الّذي ملك، بعد ذلك، تلقيا من الوارث (بدون الاجازة) لانه حين ملك لم يجز- كما تقدم- و الفضولى يحتاج الى الاجازة (و لا معها) لعدم الاستناد، فانه لا يصدق: عقودكم، و الحال ان الفضول باع للموكل، لا لنفسه (نعم: يقع للوارث مع اجازته).

و كان المصنف اتى بهذا الفرع، لبيان عدم الفرق بين تلقى الفضول المال من المالك، او من واسطة بينه و بين المالك، و عدم الفرق بين ان يعلم بانه فضول حال العقد، او لم يعلم بذلك، فتأمل.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 7، ص: 333

ص: 332

المسألة الثالثة: ما لو باع معتقدا كونه غير جائز التصرف، فبان كونه جائز التصرف،

و عدم جواز التصرف المنكشف خلافه اما لعدم الولاية، فانكشف كونه وليا، و اما لعدم الملك، فانكشف كونه مالكا، و على كل منهما.

فاما ان يبيع عن المالك، و اما ان يبيع لنفسه، فالصور اربع.

الاولى ان يبيع عن المالك، فانكشف كونه وليا على البيع، فلا ينبغى الاشكال فى اللزوم، حتى على القول ببطلان الفضولى.

______________________________

(المسألة الثالثة: ما لو باع معتقدا كونه غير جائز التصرف، فبان) اى ظهر بعد ذلك (كونه جائز التصرف، و عدم جواز التصرف المنكشف خلافه) بعد البيع (اما لعدم الولاية، فانكشف كونه وليا، و اما لعدم الملك فانكشف كونه مالكا، و على كل منهما) من تقديرى ظنه عدم الولاية، و عدم الملك.

(فاما ان يبيع عن المالك، و اما ان يبيع لنفسه، فالصور اربع).

(الاولى ان يبيع عن المالك) و يزعم انه فضول فى هذا البيع (فانكشف كونه وليا على البيع) لوكالة او ولاية على مال الصغير، او وصاية او حكومة شرعية، او ما اشبه ذلك (فلا ينبغى الاشكال فى اللزوم) للمعاملة و عدم الاحتياج الى الاجازة (حتى على القول ببطلان الفضولى).

و ذلك: لانه ليس بفضولى، و ظن انه فضول لا لغير الواقع، كما انه لو ظن: انه مالك، فبان كونه ليس بمالك، كان فضوليا محتاجا الى الاجازة.

ص: 333

لكن الظاهر من المحكى عن القاضى انه اذا اذن السيد لعبده فى التجارة، فباع و اشترى، و هو لا يعلم باذن سيده- و لا علم به احد- لم يكن مأذونا فى التجارة، و لا يجوز شي ء مما فعله، فان علم بعد ذلك، و اشترى و باع، جاز ما فعله بعد الاذن، و لم يجز ما فعله قبل ذلك فان امر السيد قوما ان يبايعوا العبد،- و العبد لا يعلم باذنه له- كان بيعه و شرائه منهم جائزا، و جرى ذلك مجرى الاذن الظاهر.

فان اشترى العبد بعد ذلك من غيرهم

______________________________

(لكن الظاهر من المحكى عن القاضى انه اذا اذن السيد لعبده فى التجارة، فباع و اشترى، و هو لا يعلم باذن سيده- و لا علم به) اى بالاذن (احد-) بمعنى ان الاذن لم يكن مجهولا مطلقا للعبد و غيره، و انما كان مجهولا للعبد فقط، بان علم الاذن سائر الناس (لم يكن) العبد (مأذونا فى التجارة، و لا يجوز) اى لا ينفذ (شي ء مما فعله) من انواع التجارة (فان علم بعد ذلك) اى بعد ان فعل بعض التجارات (و اشترى و باع) بعد العلم (جاز ما فعله بعد الاذن) و بعد علمه به (و لم يجز ما فعله قبل ذلك) العلم بالاذن (فان امر السيد قوما) او انسانا واحدا (ان يبايعوا العبد) الّذي هو اذن ضمنى للعبد أيضا (- و العبد لا يعلم باذنه) اى السيد (له-) اى للعبد، بان يعلم اذن السيد للقوم بمبايعة العبد (كان بيعه و شرائه منهم جائزا) نافذا (و جرى ذلك) الاذن للقوم، المخفى عند العبد (مجرى الاذن الظاهر) للعبد نفسه.

(فان اشترى العبد بعد ذلك) الاذن للقوم (من غيرهم) اى غير

ص: 334

و باع، جاز، انتهى.

و عن المختلف، الايراد عليه: بانه لو اذن المولى، و لا يعلم العبد ثم باع العبد، صح، لانه صادف الاذن، و لا يؤثر فيه اعلام المولى بعض المعاملين، انتهى، و هو: حسن.

الثانية: ان يبيع لنفسه، و انكشف كونه وليا، فالظاهر أيضا صحة العقد، كما عرفت من ان قصد بيع مال الغير لنفسه، لا ينفع، و لا يقدح.

______________________________

اولئك القوم (و باع، جاز) لما قلنا ان اذن المولى للقوم، جار مجرى الاذن الظاهر (انتهى) كلام القاضى.

(و عن المختلف، الايراد عليه: بانه لو اذن المولى، و لا يعلم العبد) بالاذن (ثم باع العبد، صح) البيع (لانه) اى البيع (صادف الاذن) واقعا (و لا يؤثر فيه) اى فى الجواز و العدم (اعلام المولى بعض المعاملين) حيث ذكر القاضى: ان مع الاعلام للقوم يصح بيع العبد، و بدون الاعلام لا يصح (انتهى، و هو) اى كلام العلامة (حسن) اذ: الالفاظ موضوعة للمعانى الواقعية، و لا مدخلية للعلم فيها، الا اذا كان هناك دليل على ان العلم جزء الموضوع او شرطه.

(الثانية) من مسائل من يبيع باعتقاد انه غير جائز التصرف (ان يبيع لنفسه، و انكشف كونه وليا) و انه جائز البيع واقعا (فالظاهر أيضا صحة العقد، لما عرفت من ان قصد بيع مال الغير لنفسه، لا ينفع) فى كون المعاملة صحيحة (و لا يقدح) فى كون المعاملة باطلة، بل الامر منوط بالواقع.

ص: 335

و فى توقفه على اجازته للمولى عليه، وجه.

لان قصد كونه لنفسه، يوجب عدم وقوع البيع على الوجه المأذون، فتأمل.

الثالثة ان يبيع عن المالك، ثم ينكشف كونه مالكا، و قد مثله الاكثر بما لو باع مال ابيه، بظن حياته، فبان ميتا، و المشهور الصحة، بل ربما استفيد من كلام العلامة فى القواعد، و الارشاد فى باب الهبة: الاجماع

______________________________

(و فى توقفه) اى نفوذ البيع و صحته (على اجازته) اى الولى (للمولى عليه) بان يجيز البيع عن قبل اليتيم- مثلا- (وجه) لا بأس به، فان اجاز صح، و الّا بطل.

(لان قصد كونه لنفسه) اى قصد الولى كون البيع لنفس الولى لا للمولى عليه (يوجب عدم وقوع البيع على الوجه المأذون) فيه لان المأذون فيه البيع لمولى عليه.

و عليه: يكون البيع فضوليا يحتاج الى الاجازة (فتأمل) اذ: الامر دائر مدار الواقع، و قد كان فى الواقع مأذونا.

اما قصده كون البيع لنفسه، فهو خارج عن حقيقة المعاملة، فليس المقام من باب العقود تتبع القصود، و عليه فلا وجه لقوله: وجه.

(الثالثة ان يبيع عن المالك، ثم ينكشف كونه مالكا، و قد مثله الاكثر بما لو باع مال ابيه، بظن حياته) اى حياة الأب (فبان) انه كان حين البيع (ميتا، و المشهور الصحة، بل ربما استفيد من كلام العلامة فى القواعد، و الارشاد فى باب الهبة: الاجماع) على الصحة

ص: 336

و لم نعثر على مخالف صريح، الا ان الشهيد ره ذكر فى قواعده: انه لو قيل بالبطلان، امكن، و قد سبقه فى احتمال ذلك، العلامة، و ولده فى النهاية و الايضاح لانه انما قصد نقل المال عن الأب، لا عنه، و لانه و إن كان منجزا فى الصورة، الا انه معلق، و التقدير ان مات مورثى فقد بعتك، فلانه كالعابث عند مباشرة العقد، لاعتقاده ان المبيع لغيره، انتهى.

اقول: اما قصد نقل الملك عن الأب، فلا يقدح فى وقوعه، لانه

______________________________

(و) نحن (لم نعثر) و لم نطلع (على مخالف صريح، الا ان الشهيد ره ذكر فى قواعده: انه لو قيل بالبطلان، امكن، و قد سبقه فى احتمال ذلك) البطلان (العلامة، و ولده فى النهاية، و الايضاح) و ذلك (لانه انما قصد نقل المال عن الأب، لا عنه) اى لا عن نفسه.

و حيث ان المقصود لم يقع، لا يقع غيره، لان الغير ليس بمقصود (و لانه) اى البيع (و إن كان منجزا فى الصورة، الا انه معلق) فى الواقع، و التعليق فى المعاملات يوجب بطلانها (و التقدير ان مات مورثى فقد بعتك) و التقدير، و ان كان واقعا، الا ان التعليق موجب للبطلان مطلقا (فلانه كالعابث عند مباشرة العقد، لاعتقاده) العاقد (ان المبيع لغيره) و لا يحق له اجراء البيع، و مع ذلك يجريه، و ليس العبث خاصا بالهزء بل كل ما كان لا طائل تحته واقعا، او باعتقاد المتكلم، فهو عبث (انتهى) استدلال من احتمل البطلان.

(اقول: اما قصد) الولد (نقل الملك عن الأب، فلا يقدح) فى الصحة و (فى وقوعه، لانه) اى الولد

ص: 337

انما قصد نقل الملك عن الأب- من حيث انه مالك باعتقاده-، ففى الحقيقة انما قصد النقل عن المالك، لكن اخطأ فى اعتقاده ان المالك ابوه، و قد تقدم توضيح ذلك فى عكس المسألة، اى ما لو باع ملك غيره، باعتقاد انه ملكه.

نعم: من ابطل عقد الفضولى لاجل اعتبار مقارنة طيب نفس المالك للعقد، قوى البطلان عنده هنا، لعدم طيب نفس المالك بخروج ماله عن ملكه.

______________________________

(انما قصد نقل الملك عن الأب- من حيث انه مالك باعتقاده-) اى الأب مالك باعتقاد الولد (ففى الحقيقة انما قصد) الولد (النقل عن المالك) فكانه قال: انقل عن المالك، و الأب المالك (لكن اخطأ فى اعتقاده ان المالك ابوه، و قد تقدم توضيح ذلك) اى البيع عن المالك، و الخطاء فى تطبيق المالك (فى عكس المسألة، اى ما لو باع ملك غيره، باعتقاد انه ملكه) اى ملك نفس العاقد.

و قلنا هناك ان هذا الاعتقاد لا يضر، لانه ليس من مقومات البيع، بل اعتقاد خارج.

(نعم: من ابطل عقد الفضولى لاجل اعتبار مقارنة طيب نفس المالك للعقد) و لا طيب لنفس المالك حال عقد الفضول- غالبا- (قوى البطلان عنده هنا) فيما لو باع ملك نفسه باعتقاد انه ملك الغير (لعدم طيب نفس المالك) عند العقد (بخروج ماله عن ملكه) «بخروج» متعلق:

بطيب.

ص: 338

و لذا نقول نحن- كما سيجي ء- باشتراط الاجازة من المالك بعد العقد لعدم حصول طيب النفس حال العقد.

و اما ما ذكر: من انه فى معنى التعليق، ففيه- مع مخالفته لمقتضى الدليل الاول كما لا يخفى- منع كونه فى معنى التعليق لانه اذا فرض انه يبيع مال ابيه لنفسه- كما هو ظاهر هذا الدليل- فهو انما يبيعه مع وصف كونه لابيه فى علمه فبيعه كبيع الغاصب

______________________________

(و لذا نقول نحن) القائلون بصحة بيع مال نفسه، باعتقاد انه لغيره (- كما سيجي ء- باشتراط الاجازة من المالك بعد العقد لعدم حصول طيب النفس حال العقد) اذ: الولد لم يطب نفسه بنقل مال نفسه، فاذا نقل احتاج الى الاجازة.

(و اما ما ذكر) لوجه بطلان البيع عن الغير، فيما كان المال لنفس العاقد واقعا (من انه) اى البيع (فى معنى التعليق، ففيه- مع مخالفته لمقتضى الدليل الاول) اذ: الاشكال الاول، هو ان الولد قصد نقل المال من الأب، و هذا الاشكال معناه ان الولد قصد نقل المال عن نفسه (كما لا يخفى) فكيف يجمع هذان الاشكالان المتخالفان على مورد واحد (- منع كونه فى معنى التعليق) لان الولد لم يعلق النقل، بل نقل قطعا، و انما ادعى انه هو المالك (لانه اذ افرض انه يبيع مال ابيه لنفسه- كما هو ظاهر هذا الدليل- فهو انما يبيعه مع وصف كونه لابيه فى علمه) اى علم الولد، و: فى، متعلق ب: وصف (فبيعه) اى الولد يكون (كبيع الغاصب) و

ص: 339

مبنى، على دعوى السلطنة و الاستقلال على المال، لا على تعليق للنقل بكونه منتقلا إليه بالارث عن مورثه، لان ذلك لا يجامع مع ظن الحياة.

اللهم الا ان يراد: ان القصد الحقيقى الى النقل، معلق على تملك الناقل، و بدونه فالقصد صورى- على ما تقدم من المسالك- من ان الفضولى و المكره قاصدان الى اللفظ، دون مدلوله.

لكن فيه- حينئذ- ان هذا القصد

______________________________

انه (مبنى على دعوى السلطنة و الاستقلال على المال) ادعاء كذبا (لا على تعليق للنقل بكونه منتقلا إليه بالارث عن مورثه) فلا يقول: بعت ان انتقل (لان ذلك) التعليق (لا يجامع مع ظن الحياة) للاب.

(اللهم الا ان يراد) من التعليق المذكور (ان القصد الحقيقى) من الولد (الى النقل، معلق على تملك الناقل) الولد (و بدونه) اى بدون التملك (فالقصد صورى- على ما تقدم من المسالك- من ان الفضولى و المكره قاصد ان الى اللفظ، دون مدلوله) فقصدهما صورى، و هنا أيضا كذلك.

(لكن فيه) انه ان اراد من التعليق هذا المعنى، لم يكن هذا التعليق مضرا.

كما انه ان اراد من التعليق، المعنى الاول: اى ما ذكره بقوله:

لا على تعليق للنقل بكونه الخ، لم يصح كلامه، اذ: لا تعليق بهذا المعنى.

و انما قلنا: ان التعليق اى الصورى ليس بمضر، اذ: فيه (- حينئذ-) اى حين اراد المستشكل من التعليق: القصد الصورى (ان هذا القصد

ص: 340

الصورى كاف، و لذا قلنا بصحة عقد الفضولى.

و من ذلك يظهر ضعف ما ذكره اخيرا من كونه كالعابث عند مباشرة العقد، معللا بعلمه بكون المبيع لغيره.

و كيف كان، فلا ينبغى الاشكال فى صحة العقد.

الا ان ظاهر المحكى من غير واحد لزوم العقد، و عدم الحاجة الى اجازة مستأنفة، لان المالك هو المباشر للعقد، فلا وجه لاجازة فعل نفسه.

______________________________

الصورى كاف، و لذا قلنا بصحة عقد الفضولى) مع ان القصد فيه أيضا صورى.

(و من ذلك) الجواب عن التعليق، و ان الصورية لا تضر (يظهر ضعف ما ذكره) المستشكل (اخيرا) فى اشكاله الثالث، على: من باع باعتقاد انه ملك غيره، فبان ملك نفسه (من كونه كالعابث عند مباشرة) العاقد (العقد، معللا) لكونه كالعابث (بعلمه بكون المبيع لغيره).

و انما ظهر ضعفه، لان هذا الاعتقاد لا يجعل العاقد عابثا، اذ:

الصورية كافية- كما عرفت-.

(و كيف كان، فلا ينبغى الاشكال فى صحة العقد) اى ما لو باع باعتقاد انه لغيره، و كان فى الواقع لنفسه.

(الا ان ظاهر المحكى من غير واحد لزوم العقد) فيما لو باع عن المالك ثم انكشف انه هو المالك (و عدم الحاجة الى اجازة مستأنفة).

و انما لا يحتاج الى اجازة مستأنفة (لان المالك هو المباشر للعقد، فلا وجه لاجازة فعل نفسه) اذ: الاجازة انما هى لحصول ارتباط العقد بالمالك، و الحال ان العقد مربوط بالمالك فى هذا المقام.

ص: 341

و لان قصده الى نقل مال نفسه- ان حصل هنا بمجرد القصد الى نقل المال المعين الّذي هو فى الواقع ملك نفسه و ان لم يشعر به- فهو اولى من الاذن فى ذلك،- فضلا عن اجازته-.

و الا توجه عدم وقوع العقد له.

لكن الاقوى، وفاقا للمحقق، و الشهيد الثانيين، وقوفه

______________________________

(و لان قصده) اى المالك (الى نقل مال نفسه) حين العقد (- ان حصل هنا بمجرد القصد الى نقل المال المعين الّذي هو فى الواقع ملك نفسه) و ان كان زعم انه ملك غيره ابتداءً (و ان لم يشعر به-) بانه مال نفسه حال العقد (فهو) اى قصد نقل المال المعين (اولى) بانعقاد العقد، و لزومه (من الاذن فى ذلك) النقل سابقا (- فضلا عن اجازته-) لاحقا.

(و الا) يحصل بمجرد القصد المذكور (توجه عدم وقوع العقد له) اذ: العقد بلا قصد ليس عقدا، و الحاصل من قوله: و لان قصده، ان قصد المالك نقل هذا المال المعين- سواء علم انه ما له او لم يعلم- كاف فى نقل المال، اذ: لو لم يكف، لزم عدم نقل المال اصلا، لا النقل المحتاج الى الاجازة.

ثم لا يخفى: ما فى الاستدلال من الاشكال.

(لكن الاقوى، وفاقا للمحق، و الشهيد الثانيين، وقوفه) اى لزوم العقد بالنسبة الى المالك- الّذي باع مال نفسه باعتقاد انه مال غيره-

ص: 342

على الاجازة، لا لما ذكره فى جامع المقاصد، من انه لم يقصد الى البيع الناقل للملك الآن، بل مع اجازة المالك، لاندفاعه بما ذكره بقوله: الا ان يقال ان قصده الى اصل البيع كاف.

و توضيحه: ان انتقال المبيع شرعا بمجرد العقد، او بعد اجازة المالك، ليس من مدلول لفظ العقد، حتى يعتبر قصده، او يقدح قصد خلافه.

______________________________

(على الاجازة، لا لما ذكره) من الاستدلال عليه (فى جامع المقاصد، من انه) اى المالك (لم يقصد الى البيع الناقل للملك الآن) فى حال العقد فان كل فضول يقصد النقل فيما اذا اذن المالك (بل) قصد البيع الناقل (مع اجازة المالك).

و عليه: فيتوقف اللزوم على اجازة المالك- الّذي هو نفس البائع- منتهى الامر، ان البائع اشتبه و زعم ان المالك غيره، بينما ان المالك هو البائع فى الواقع.

و انما قلنا: لا لما ذكره (لاندفاعه بما ذكره) جامع المقاصد بنفسه (بقوله: الا ان يقال ان قصده الى اصل البيع كاف) و لا يحتاج الى قصده النقل فى صورة اجازة المالك.

(و توضيحه) اى توضيح الاندفاع (ان انتقال المبيع شرعا بمجرد العقد) فى العقد المالكى (او بعد اجازة المالك) فى العقد الفضولى (ليس من مدلول لفظ العقد، حتى يعتبر قصده) فى صحة العقد (او يقدح قصد خلافه) بان يسبب بطلان العقد، فيما اذا لم يقصد انتقال

ص: 343

و انما هو من الاحكام الشرعية العارضة للعقود، بحسب اختلافها فى التوقف على الامور المتأخرة، و عدمه مع ان عدم القصد المذكور لا يقدح بناء على الكشف- بل قصد النقل بعد الاجازة، ربما يحتمل قدحه.

فالدليل على اشتراط تعقب الاجازة، فى اللزوم هو عموم: تسلط الناس على اموالهم.

______________________________

المبيع بمجرد العقد.

(و انما هو) اى الانتقال بمجرد القصد (من الاحكام الشرعية العارضة للعقود، بحسب اختلافها) اى العقود (فى التوقف على الامور المتأخرة) كالاجازة فى الفضولى، و القبض فى الصرف و السلم، و نحوهما (و عدمه) اى عدم التوقف على الامور المتأخرة، فتترتب الاحكام على العقد بمجرد وجوده (مع ان عدم القصد المذكور) اى عدم القصد الى البيع الناقل من حين العقد (لا يقدح) فى صحة العقد، و ترتب الاثر عليه (- بناء على الكشف-) اذ: على الكشف يكون النقل من حين العقد (بل) بناء على الكشف (قصد النقل بعد الاجازة، ربما يحتمل قدحه) لانه خلاف مقتضى العقد على الكشف.

و انما قال: ربما، اذ: ربما يقال: بعدم قدحه أيضا، اذ: النقل حكم شرعى يترتب على العقد، سواء قصده العاقد أم لا؟

(فالدليل على اشتراط تعقب الاجازة، فى اللزوم) اى لزوم العقد ليس انه قصده البائع- بل (هو عموم: تسلط الناس على اموالهم) فلا ينتقل الى غيرهم، الا باجازتهم.

ص: 344

و عدم حلها لغيرهم الا بطيب انفسهم.

و حرمة: اكل المال، الا بالتجارة عن تراض.

______________________________

(و عدم حلها لغيرهم الا بطيب انفسهم) و الاجازة كاشفة عن طيب النفس.

(و حرمة: اكل المال، الا بالتجارة عن تراض) و الاجازة هى الكاشفة عن الرضا.

و اذا شئت تقرير الكلام بعبارة اخرى، نقول: لو باع ثم ملك، احتاج الى الاجازة.

وجه الاحتياج آية: لا تأكلوا، و عموم: الناس مسلطون، و قوله:

لا يحل مال امرئ.

و ربما يذكر- فى وجه الاحتياج الى الاجازة- ان البائع هل قصد النقل بالاجازة، أم قصد النقل، و لو بدون الاجازة؟

فان كان الاول: احتاج الى الاجازة.

و ان كان الثانى: كان اصل البيع باطلا، لان الفضولى بلا اجازة المالك لا يوجب اللزوم.

و يجاب عن هذا الوجه: ان نختار الثانى- اى لم يقصد النقل بالاجازة- و ليس البيع باطلا.

أوّلا، لان النقل بالاجازة حكم شرعى لا يتوقف على القصد.

و ثانيا انه قادح على النقل، لا على الكشف.

ص: 345

و بالجملة فاكثر ادلّة اشتراط الاجازة فى الفضولى جارية هنا.

و اما ما ذكرناه من: ان قصد نقل ملك نفسه ان حصل، اغنى عن الاجازة، و الا فسد العقد.

ففيه انه يكفى فى تحقق صورة العقد القابلة للحوق اللزوم، القصد الى نقل المال المعين.

______________________________

(و بالجملة فاكثر ادلة اشتراط الاجازة فى الفضولى) حتى يتحقق البيع، و يكون لازما (جارية هنا).

و انما قال: اكثر الادلة، لان بعضها لا يجرى هنا، مثل دليل: و انه بدون الاجازة لا يكون استنادا الى المالك، و الحال انه يشترط الاستناد، لظهور قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، فى: بعقودكم.

و انما لا يجرى هذا الدليل، لفرض ان المالك هو الّذي اجرى العقد فهو عقده، سواء اجاز أم لم يجز؟

(و اما ما ذكرناه) من قال: بعدم الاحتياج الى الاجازة، فيمن باع ثم ملك (من: ان قصد نقل ملك نفسه ان حصل، اغنى عن الاجازة، و الا فسد العقد) فلا صورة فى البين تتوقف الصحة على الاجازة.

(ففيه انه يكفى فى تحقق صورة العقد القابلة) تلك الصورة (للحوق اللزوم، القصد) من البائع (الى نقل المال المعين): كلمة: القصد، فاعل: يكفى.

و حاصل قوله: ففيه، انا نختار الشق الثانى، و هو قوله: و الّا فسد العقد، و نقول: بانه ان لم يقصد نقل مال نفسه، لم يفسد العقد، بان

ص: 346

و قصد كونه ماله او مال غيره، مع خطائه فى قصده، او صوابه فى الواقع، لا يقدح، و لا ينفع.

و لذا بنينا على صحة العقد بقصد مال نفسه، مع كونه مالا لغيره.

و

______________________________

نمنع تالى الشرطية الثانية، بل اذا قصد المالك نقل المال فى الجملة، صح العقد المتأهل لان يلزم، اذ: لا يلزم فى الصحة اكثر من قصد نقل المال.

اما قصد ان المال مال نفسه فغير لازم.

فاذا تحقق القصد الى نقل المال، ثم لحقته الاجازة، كفى فى اللزوم.

(و قصد) مبتدأ، خبره: لا يقدح (كونه) اى البيع (ماله) اى مال نفس البائع (او مال غيره، مع خطائه فى قصده) بان قصد كونه مال نفسه، ثم تبين انه مال غيره، او قصد كونه مال غيره ثم تبين انه مال نفسه (او صوابه فى الواقع) بان طابق قصده الواقع (لا يقدح) الخطاء فى صحة المعاملة (و لا ينفع) الصواب، اذ: هذا القصد خارج عن العمل المعاملى.

(و لذا بنينا على صحة العقد بقصد مال نفسه) اى عقد العاقد، و كان يزعم ان المعوض مال نفسه (مع كونه مالا لغيره) فى الواقع عكس مسئلتنا التى هى: ان يعقد بقصد انه مال غيره، ثم تبين انه مال نفسه.

(و) الحاصل: انه يعتبر القصد الى مدلول اللفظ ليتحقق اصل العقد، و يعتبر الرضا به من المالك ليتحقق اللزوم، و لا يعتبر ازيد من ذلك، و عليه فلا يعتبر القصد الى نقل المال بعنوان انه مال نفسه، او بعنوان انه مال غيره.

ص: 347

اما ادلة اعتبار التراضي، و طيب النفس، فهى دالة على اعتبار رضاء المالك:

بنقل خصوص ماله بعنوان انه ماله، لا بنقل مال معين يتفق كونه ملكا له فى الواقع فان حكم طيب النفس و الرضا، لا يترتب على ذلك، فلو اذن فى التصرف فى مال معتقد انه لغيره، و المأذون يعلم انه له لم يجز له التصرف بذلك الاذن.

______________________________

و الى هذا اشار بقوله: (اما ادلة اعتبار التراضي، و طيب النفس، فهى دالة على اعتبار رضاء المالك بنقل خصوص ماله، بعنوان انه ماله) اى الامر الثانى و هو الرضا، بان يرضى- و لو بعد العقد- بنقل ماله (لا) انها دالة (بنقل مال معين يتفق كونه ملكا له فى الواقع) فلا خصوصية لعلمه حين العقد بان المال ماله.

(فان حكم طيب النفس و الرضا) و حكمهما جواز تصرف المنتقل إليه فى المال (لا يترتب على ذلك) اى على نقل مال معين يتفق كونه ملكا له فى الواقع.

و على ما ذكرنا من اشتراط الرضا المقارن او الملحوق- و ان جهل كون المال مال نفسه- (فلو اذن فى التصرف فى مال معتقد أنه لغيره و) الحال ان (المأذون يعلم انه له) اى بالواقع، و ان المال لنفس الآذن لا لغيره (لم يجز له) للمأذون (التصرف) فى ذلك المال (بذلك الاذن) لان الاذن، انما يكون مجوزا، لانه يكشف عن الرضا، فلو علمنا بعدم الرضا او لم نعلم به، و لم يكن الاذن كاشفا عنه، لم يفد.

ص: 348

و لو فرضنا انه اعتق عبدا عن غيره، فبان انه له، لم ينعتق.

و كذا لو طلق امرأة وكالة عن غيره، فبانت زوجته، لان القصد المقارن الى طلاق زوجته، و عتق مملوكه، معتبر فيهما، فلا تنفع الاجازة.

و لو غره الغاصب، فقال: هذا عبدى، اعتقه عنك، فاعتقه عن نفسه فبان كونه له فالاقوى أيضا عدم النفوذ، وفاقا للمحكى عن التحرير، و حواشى الشهيد، و جامع المقاصد، مع حكمه بصحة البيع هنا و وقوفه على الاجازة

______________________________

(و لو فرضنا انه اعتق عبدا عن غيره، فبان انه له، لم ينعتق) لانه فى الحقيقة لم يعتق عبد نفسه، فما قصده لم يكن، و ما كان لم يقصد.

(و كذا لو طلق امرأة وكالة عن غيره، فبانت زوجته) لم تطلق، (لان القصد المقارن الى طلاق زوجته، و عتق مملوكه، معتبر فيهما) و الحال انه لم يقصد (فلا تنفع الاجازة) بعد ذلك، لما تقدم من: ان الاجازة لا تنفع فى الايقاعات.

(و لو غره الغاصب، فقال: هذا عبدى، اعتقه عنك) حيث انه يجوز مثل هذا فيما لو قال له المالك، حيث ان معناه الملك الآنى، حتى يصح العتق عنه، اذ: لا عتق الا فى ملك (فاعتقه عن نفسه) اى نفس المأمور (فبان كونه) اى العبد (له) اى لنفسه، و ليس للغاصب (فالاقوى أيضا عدم النفوذ) للعتق (وفاقا للمحكى عن التحرير، و حواشى الشهيد، و جامع المقاصد، مع حكمه) اى جامع المقاصد (بصحة البيع هنا، و وقوفه على الاجازة) كما فى مسئلتنا السابقة، و هى ما لو باع، بزعم: انه مال

ص: 349

لان العتق لا يقبل الوقوف، فاذا لم يحصل القصد الى فك ماله مقارنا للصيغة، وقعت باطلة، بخلاف البيع فلا تناقض بين حكمه ببطلان العتق و صحة البيع مع الاجازة كما يتوهم.

نعم: ينبغى ايراد التناقض على من حكم هناك بعدم النفوذ، و حكم فى البيع باللزوم، و عدم الحاجة الى الاجازة

______________________________

غيره، فبان كونه مال نفسه.

و المراد بالصحة، التأهلية اى قابليته للحوق الاجازة.

و انما فرق جامع المقاصد بين المسألتين (لان العتق لا يقبل الوقوف) اذ: هو من الايقاعات فاما ان تصح رأسا، و اما ان لا تصح اصلا، اما التوقف على الاجازة فلا يمكن فيه (فاذا لم يحصل القصد الى فك ماله) اى قصد مالك العبد الى تحرير عبده (مقارنا للصيغة) اى صيغة العتق، اى لم يحصل القصد مقارنا و ان حصل بعد ذلك، بان اجاز العتق السابق (وقعت) الصيغة (باطلة، بخلاف البيع) فان قصد المالك لا يلزم ان يكون مقارنا للصيغة (فلا تناقض بين حكمه) اى جامع المقاصد (ببطلان العتق، و صحة البيع مع الاجازة) اى الصحة التأهلية التى تتمها الاجازة (كما يتوهم) من ان هناك تناقضا بين قولى صاحب جامع المقاصد.

(نعم: ينبغى ايراد التناقض على من حكم هناك) فى العتق (بعدم النفوذ، و حكم فى البيع باللزوم) فيما اذا صدر من المالك، و لكنه اعتقد انه ليس ماله، و انما هو مال غيره (و) ب (عدم الحاجة الى الاجازة) من المالك.

ص: 350

فان القصد الى إنشاء يتعلق بمعين، هو مال المنشئ فى الواقع- من غير علمه به- ان كان يكفى فى طيب النفس، و الرضا المعتبر فى جميع انشاءات الناس المتعلق باموالهم، وجب الحكم بوقوع العتق.

و ان اعتبر فى طيب النفس المتعلق باخراج الاموال عن الملك، العلم بكونه مالا له، و لم يكف مجرد مصادفة الواقع، وجب الحكم بعدم لزوم البيع

______________________________

وجه التناقض ما ذكره بقوله: (فان القصد الى إنشاء يتعلق ب) شي ء (معين، هو مال المنشئ فى الواقع- من غير علمه به-) اى علم المنشئ حال الانشاء بانه ماله (ان كان يكفى فى طيب النفس، و الرضا المعتبر فى جميع انشاءات الناس) حتى يتحقق المنشأ المقصود (المتعلق باموالهم) سواء كان بيعا، او اجازة، او عتقا، او طلاقا، او ما اشبه- و المراد بالاموال: الاعم من ملك العين، او ملك الحق كالبضع- (وجب الحكم بوقوع العتق) أيضا و عدم الاحتياج الى الاجازة بعد ذلك، حتى يقال: ان العتق لا يقع متزلزلا.

(و ان اعتبر فى طيب النفس المتعلق باخراج الاموال عن الملك، العلم بكونه مالا له) اى للمنشئ (و لم يكف) فى نفوذ الانشاء (مجرد مصادفة) الانشاء (الواقع) بان كان ملكا واقعا، لكن المنشئ لم يعلم ذلك (وجب الحكم بعدم لزوم البيع) لفرض ان المنشئ لا يعلم حين إنشاء البيع بانه ماله.

و على هذا فكيف يجمع بين صحة البيع، و عدم صحة العتق.

ص: 351

فالحق ان القصد الى الانشاء المتعلق بمال معين مصحح للعقد بمعنى قابليته للتأثير، و لا يحتاج الى العلم بكونه مالا له.

لكن لا يكفى ذلك فى تحقق الخروج عن ماله بمجرد الانشاء.

ثم ان كان ذلك الانشاء، مما يقبل اللزوم بلحوق الرضا، كفت الاجازة كما فى العقود، و الا وقع الانشاء باطلا، كما فى الايقاعات.

ثم: انه ظهر مما ذكرنا فى وجه الوقوف على الاجازة

______________________________

و كيف كان (فالحق ان القصد الى الانشاء المتعلق بمال معين مصحح للعقد) تصحيحا تأهليا- فيما كان قابلا للتأهلية كباب البيع، لا ما لم يكن كباب العتق و الطلاق- (بمعنى قابليته للتأثير) فيلزم، اذ الحقته الاجازة (و لا يحتاج الى العلم بكونه مالا له) اى للمنشئ.

(لكن لا يكفى ذلك) اى العقد الى الانشاء- بدون العلم بانه ماله- (فى تحقق الخروج عن ماله) اى مال المنشئ (بمجرد الانشاء) بل يحتاج الى الاجازة.

(ثم ان كان ذلك الانشاء، مما يقبل اللزوم بلحوق الرضا، كفت الاجازة) فى لزوم ما انشأه سابقا (كما فى العقود) لامكان تزلزلها، كباب الفضولى، و غيره (و الا وقع الانشاء باطلا، كما فى الايقاعات) كالعتق و الطلاق، حيث ذكروا عدم قبولها للتزلزل، و لذا لا تقبل الفضولية.

(ثم: انه ظهر مما ذكرنا) من ان قاعدة: التسلط، و: التجارة عن تراض، و ما اشبه، يقتضي عدم نفوذ العقد فى مال الناس، الا باجازتهم (فى وجه الوقوف) للعقد الفضولى، و شبهه (على الاجازة) من المالك

ص: 352

ان هذا الحق للمالك من باب الاجازة، لا من باب خيار الفسخ، فعقده متزلزل من حيث الحدوث، لا البقاء، كما قواه بعض من قارب عصرنا، و تبعه بعض من عاصرناه، معللا بقاعدة: نفى الضرر، اذ فيه ان الخيار فرع الانتقال، و قد تقدم توقفه على طيب النفس.

______________________________

(ان هذا الحق) حق الاجازة (للمالك من باب الاجازة) بمعنى انه:

لولاها، لم يتحقق الانتقال (لا من باب خيار الفسخ) و انه قد تحقق الانتقال، و انما يتمكن من له الفسخ فى ابطاله.

و على ما ذكرناه (فعقده) اى الفضولى و شبهه- و هو ما عقد المالك بزعم ان المال ليس له- (متزلزل من حيث الحدوث، لا) من حيث (البقاء، كما قواه) اى كونه متزلزلا من حيث البقاء (بعض من قارب عصرنا، و تبعه بعض من عاصرناه، معللا) للتزلزل (بقاعدة: نفى الضرر) كما يستدل بهذه القاعدة لتزلزل العقد فى باب خيار العيب، و خيار الغبن مثلا، فكانهما سلما انعقاد العقد، و انما التزلزل من حيث البقاء لاجل الضرر بخلافنا نحن، حيث نقول: بان العقد لم يحدث كاملا فالتزلزل لا يحتاج الى الدليل، بل هو الاصل.

و ذلك لعدم استناده الى المالك (اذ فيه) اى فى ما اختاره المعاصر، و من سبقه (ان الخيار فرع الانتقال، و قد تقدم) انه لم ينتقل الى المشترى ل (توقفه) اى الانتقال (على طيب النفس) من المالك، و طيب النفس، غير حاصل قبل الاجازة.

ص: 353

و ما ذكراه من الضرر المترتب على لزوم البيع، ليس لامر راجع الى العوض و المعوض.

و انما هو لانتقال الملك عن مالكه، من دون علمه و رضاه، اذ لا فرق فى الجهل بانتقال ماله بين ان يجهل اصل الانتقال كما يتفق فى الفضولى

______________________________

(و ما ذكراه) المعاصر و من قبله من: الاستدلال بالضرر، لاجل عدم اللزوم، ففيه ان الضرر هنا، انما هو يوجب القول بعدم حدوث البيع اللازم، لا انه يوجب القول بحدوث البيع و النقل و الانتقال لكنه غير لازم.

و الحاصل: ان الاستدلال بالضرر لاجل عدم اللزوم تام، لكن هل الضرر يوجب عدم اللزوم حدوثا- كما نقول- او عدم اللزوم بقاء- كما يقولان- او نحن نقول بعدم اللزوم حدوثا.

اذ: ما ذكراه (من الضرر المترتب على لزوم البيع)- اذ لزوم البيع الفضولى ضرر على المالك، فلا ضرر ينفى اللزوم- (ليس لامر راجع الى العوض و المعوض) بان يكون احدهما معيبا مثلا، فيكون اللزوم ضرريا، فلا لزوم، بعد ان حصل النقل و الانتقال.

(و انما هو) اى الضرر يترتب (لانتقال الملك عن مالكه، من دون علمه و رضاه) فلا انتقال، لانه ضرر، فالتزلزل حدوثى لا بقائى (اذ لا فرق فى الجهل بانتقال ماله) اى جهل المالك بانتقال ماله (بين ان يجهل اصل الانتقال كما يتفق فى) بيع (الفضولى) حيث لا يعلم المالك اصل انتقال ماله غالبا.

و انما قلنا غالبا، لانه قد يعلم بعمل الفضول، لكنه لم يقرر و لم يرد

ص: 354

او يعلمه و يجهل تعلقه بماله.

و من المعلوم: ان هذا الضرر هو المثبت لتوقف عقد الفضولى على الاجازة، اذ لا يلزم من لزومه بدونها سوى هذا الضرر.

ثم ان الحكم بالصحة فى هذه الصورة، غير متوقفة على القول بصحة عقد الفضولى، بل يجئ

______________________________

بعد (او يعلمه) اى يعلم المالك اصل الانتقال (و يجهل تعلقه) اى الانتقال (بماله) اى مال نفسه، كما لو باع زيد مال نفسه، و لكنه بظن انه مال غيره، فانه أيضا يحتاج الى الاجازة، لان الانتقال- و الحال انه لا يعلم بكونه ماله- ضررى، فدليل: لا ضرر ينفيه.

(و من المعلوم: ان هذا الضرر هو المثبت)- بالكسر- (لتوقف عقد الفضولى على الاجازة) فهو يفيد عدم اللزوم حدوثا، لا عدم اللزوم بقاء (اذ لا يلزم من لزومه) اى عقد الفضول (بدونها) اى بدون الاجازة (سوى هذا الضرر).

و عليه: فما ذكره المعاصر من ان التزلزل هنا، كالتزلزل فى باب الخيار، ليس فى محله.

و ان شئت قلت: ان: لا ضرر، فى المقام يوجب نفى المقتضى للانتقال و فى باب الخيار يوجب وجود المانع عن اللزوم.

(ثم ان الحكم بالصحة) للعقد الّذي اجراه المالك- و لكن بزعم ان المال ليس ماله- (فى هذه الصورة، غير متوقفة على القول بصحة عقد الفضولى، بل يجئ) الحكم بالصحة فى صورة عقد المالك الجاهل بكون

ص: 355

على القول بالبطلان، الا ان يستند فى بطلانه بما تقدم، من: قبح التصرف فى مال الغير، فيتجه عنده حينئذ البطلان

الرابعة: ان

______________________________

المال مال نفسه (على القول بالبطلان) اى بطلان عقد الفضولى.

و ذلك: لان الاستناد الى المالك موجود فى بيع المالك بنفسه، فيصدق: عقودكم، المستفاد من: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، بخلاف الفضولى، فانه لا يوجد الاستناد، اذ: ليس عقد الفضول عقد المالك،

و الحاصل ان دليل بطلان الفضولى- و هو عدم الاستناد- لا يجرى فى صورة عقد المالك، جاهلا بانه ماله (الا ان يستند فى بطلانه) اى بطلان الفضولى (بما تقدم، من: قبح التصرف فى مال الغير، فيتجه عنده حينئذ) اى حين هذا الاستناد (البطلان) للعقد الّذي اجراه المالك، ظانا ان المال ليس له، و ذلك لان القبح موجود هنا، فان الفضول يتصرف فى مال الغير، فهو قبيح، فتصرفه باطل، و المالك الجاهل يتجرّى حيث يزعم انه يتصرف فى مال الغير، و التجرى أيضا قبيح.

فاذا كانت العلة فى بطلان الفضولى القبح، كان اللازم، القول بالبطلان فى المقام أيضا، لانه أيضا قبيح.

منتهى الامر ان القبح فى الفضول، من جهة انه تصرف فى مال الغير، و القبح هنا من جهة انه تجرى.

(الرابعة) من صور ما لو باع معتقدا كونه غير جائز التصرف (ان

ص: 356

يبيع لنفسه، باعتقاد انه لغيره، فانكشف انه له.

و الاقوى هنا أيضا الصحة، و لو على القول ببطلان الفضولى، و الوقوف على الاجازة بمثل ما مر فى الثالثة.

و فى عدم الوقوف هنا وجه، لا يجرى فى الثالثة.

و لذا قوى اللزوم هنا بعض من قال بالخيار فى الثالثة.

______________________________

يبيع لنفسه، باعتقاد انه لغيره، فانكشف انه له) كما لو باع دار والده بزعم ان والده حي فبان ميتا، و ان الدار انتقلت بالارث إليه.

(و الاقوى هنا أيضا الصحة، و لو على القول ببطلان الفضولى و) كذلك الاقوى هنا أيضا (الوقوف على الاجازة) من نفس البائع.

و الدليل هنا على الامرين، انما هو (بمثل ما مر فى الثالثة) استدلالا و جوابا عن الاشكال.

(و فى عدم الوقوف) على الاجازة، بل نفوذ البيع رأسا (هنا) فى الرابعة (وجه، لا يجرى فى الثالثة) لانه فى هذه الصورة باع لنفسه، بخلاف الثالثة فانه باع لغيره، فانه اذا باع لنفسه، فقد حصل منه الرضا بالنقل لما له- اذ: انما يبيع لنفسه، بعد البناء على انه ماله- فلا حاجة الى الاجازة، بخلاف الصورة الثالثة، اذ لم يرض البائع ببيع ماله، بل باع مال غيره.

(و لذا قوى اللزوم هنا) فى الرابعة، و عدم الاحتياج الى الاجازة (بعض من قال بالخيار) فى ان يجيز او يرد (فى الثالثة).

ثم ان فى المسألة صورا اخرى، لم يتعرض لها المصنف ره، و نحن

ص: 357

و اما القول فى المجاز،
اشارة

فاستقصاؤه يكون ببيان امور،

الأول: يشترط فيه كونه جامعا لجميع الشروط المعتبرة فى تأثيره عدا رضى المالك

فلا يكفى اتصاف المتعاقدين بصحة الانشاء.

و لا احراز سائر الشروط بالنسبة الى الاصيل فقط- على الكشف- للزومه عليه

______________________________

مراعاة للتحفظ على سبك الشرح تركناها.

(و) حيث انتهينا عن الكلام فى المجيز.

فنقول (اما القول فى المجاز) اى البيع الّذي يراد اجازته، لان الفضول اجراه فاحتاج الى اجازة المالك (فاستقصاؤه يكون ببيان امور، الاول:

يشترط فيه كونه جامعا لجميع الشروط المعتبرة فى تأثيره) كالعربية، و تقديم الايجاب، و قصد الانشاء، و غير ذلك من شرائط العوضين، و شرائط المتعاقدين (عد ارضى المالك) فانه المفقود فى عقد الفضولى فقط (فلا يكفى اتصاف المتعاقدين بصحة الانشاء) بدون وجود شرائط العوضين، كان يكون المثمن خمرا مثلا، او الثمن مما يجب قبضه فى المجلس- كما فى الصرف و السلم- و لم يقبض.

(و) كذلك (لا) يكفى (احراز سائر الشروط بالنسبة الى الاصيل فقط) بان يكون الفضول طفلا، او مجنونا، او مكرها، او غير قاصد مثلا- (- على الكشف-) اذ: مقتضى الكشف، ان يكون النقل و الانتقال وقعا من حين العقد، فكيف يمكن ان يقع العقد، و الحال ان احد طرفيه من المتعاقدين غير لائق لاجراء العقد (للزومه) اى العقد (عليه)

ص: 358

بل مطلقا لتوقف تأثيره الثابت، و لو على القول بالنقل عليها.

و ذلك لان العقد اما تمام السبب، او جزئه و على اى حال فيعتبر اجتماع الشروط عنده.

و لهذا لا يجوز الايجاب فى حال جهل القابل بالعوضين،

______________________________

اى على الاصيل على القول بالكشف، و لا يمكن القول باللزوم على الاصيل اذا كان احد المتعاقدين غير اهل لاجراء العقد (بل) لا يكفى احراز الشرائط بالنسبة الى الاصيل فقط (مطلقا) على الكشف و النقل أيضا.

و انما لا يكفى الاحراز بالنسبة الى الاصيل فقط، بل يجب الاحراز بالنسبة الى الفضول أيضا (لتوقف تأثيره) اى العقد (الثابت) ذلك التأثير (و لو على القول بالنقل عليها) اى على الشروط.

اذ: لا شك ان العقد مؤثر- على القول بالنقل أيضا- فكيف يمكن تأثير شي ء فاقد للشرائط؟

و لذا فمن اللازم احراز الشرائط فى كل من المالك الاصيل و الفضول عند العقد، سواء قلنا بالكشف او النقل؟

(و ذلك) الّذي ذكرنا من لزوم احراز الشرائط مطلقا- و لو على النقل- (لان العقد اما تمام السبب، او جزئه) و جزئه الآخر، الاجازة من المالك (و على اى حال فيعتبر اجتماع الشروط عنده) اى عند العقد اذ: يعتبر اجتماع الشروط عند جزء العقد أيضا، كالايجاب- مثلا-.

(و لهذا) الّذي يعتبر اجتماع الشروط- حتى عند جزء العقد- (لا يجوز الايجاب فى حال جهل القابل بالعوضين) و ان علم بهما عند

ص: 359

بل لو قلنا: بجواز ذلك، لم يلزم منه الجواز هنا، لان الاجازة- على القول بالنقل- اشبه بالشرط.

و لو سلم كونها جزءا، فهو جزء للمؤثر، لا للعقد، فيكون جميع ما دل من: النص و الاجماع على اعتبار

______________________________

قبوله.

و كذلك لا يصح ان يجرى الايجاب فى حال نوم القابل او عدم وجوده، ثم يستيقظ او يجئ فيقبل، و ان لم يحصل فصل بين الايجاب و القبول (بل لو قلنا: بجواز ذلك) اى اجراء الايجاب فى حال جهل القابل (لم يلزم منه الجواز هنا) فى باب عقد الفضولى، بان يكون احدهما فاقدا للشرائط حال العقد- حتى على القول بالنقل- (لان الاجازة على القول بالنقل- اشبه بالشرط)

و من المعلوم: ان المشروط يجب ان يكون كاملا، فليست حال الاجازة حال جزء العقد، بل العقد بكامله يقع قبل الاجازة.

اما على القول بالكشف فاوضح، اذ: الاجازة لا شأن لها الا شأن الرضا، و هى ليست مربوطة بالعقد اطلاقا فالعقد سابق عليها بكل خصوصياته و اجزائه.

(و لو سلم كونها) اى الاجازة (جزءا، ف) ليس حالها حال سائر اجزاء العقد كالايجاب و القبول، اذ (هو) اى هذا الجزء الّذي هو الاجازة (جزء للمؤثر، لا للعقد) و عليه فاجزاء العقد هى التى جرت بين الاصيل و الفضول (فيكون جميع ما دل من: النص و الاجماع على اعتبار

ص: 360

الشروط فى البيع، ظاهرة فى اعتبارها فى إنشاء النقل و الانتقال بالعقد.

نعم لو دل دليل: على اعتبار شرط فى ترتب الاثر الشرعى على العقد، من غير ظهور فى اعتباره فى اصل الانشاء، امكن القول بكفاية وجوده حين الاجازة.

و لعل من هذا القبيل، القدرة على التسليم، و اسلام مشترى المصحف و العبد المسلم.

ثم هل يشترط بقاء الشرائط المعتبرة حين العقد الى زمان الاجازة،

______________________________

الشروط فى) عقد (البيع، ظاهرة فى اعتبارها) اى تلك الشروط (فى إنشاء النقل و الانتقال بالعقد) فيجب وجود الشروط حينذاك.

(نعم لو دل دليل: على اعتبار شرط فى ترتب الاثر الشرعى على العقد، من غير ظهور) لذلك الدليل (فى اعتباره) اى ذلك الشرط (فى اصل الانشاء، امكن القول بكفاية وجوده) اى وجود ذلك الشرط فى (حين الاجازة) بمعنى عدم لزوم وجوده فى حين العقد و الانشاء.

(و لعل من هذا القبيل) اى الشرط فى ترتب الاثر، لا فى اصل إنشاء العقد (القدرة على التسليم) اذ: لا خصوصية لها حال العقد (و اسلام مشترى المصحف، و) مشترى (العبد المسلم) حيث لا يصح بيعهما للكافر، فان الظاهر كون المانع تسلط الكافر عليهما، فاذا فرض انهما يسلمان حال التسلط المحقق بالاجازة، لم يكن وجه للقول بلزوم اسلامهما حال العقد.

(ثم هل يشترط بقاء الشرائط المعتبرة حين العقد الى زمان الاجازة)

ص: 361

أم لا؟ لا ينبغى الاشكال فى عدم اشتراط بقاء المتعاقدين على شروطهما حتى على القول بالنقل-.

نعم: على القول بكونها بيعا مستأنفا، يقوى الاشتراط.

______________________________

فاذا كان الشرط موجودا حال العقد لا حال الاجازة، كما اذا جن الاصيل حال اجازة المالك لم يكف (أم لا؟) بل اللازم وجود الشرط حال العقد فقط.

احتمالان (لا ينبغى الاشكال فى عدم اشتراط بقاء المتعاقدين على شروطهما- حتى على القول بالنقل-).

و ذلك لما دل من النص و الاعتبار على عدم الاشتراط.

اما النص فهو: ما دل على تزويج الصغيرين مع موت احدهما قبل اجازة الآخر، فانه يدل بالاولى فى المقام، اذ: المتبايعان ليسا ركنا في باب البيع، بخلاف الزوجين فى باب النكاح.

و اما الاعتبار: فلان العقد قد وقع، و العقلاء لا يعتبرون اكثر من لحوق الاجازة به، فيشمله قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و لا فرق فى ذلك بين النقل و الكشف.

اما على الكشف: فلأن العقد اثر من حينه.

و اما على النقل: فلأن الشرط شرط المتعاقدين، و قد كان الشرط موجودا حال العقد، و النقل من حين الاجازة لا يرتبط بالعقد الّذي هو محل الكلام.

(نعم: على القول بكونها) اى الاجازة (بيعا مستأنفا يقوى الاشتراط)

ص: 362

و اما شروط العوضين فالظاهر: اعتبارها- بناء على النقل-.

و اما بناء على الكشف، فوجهان.

و اعتبارها عليه أيضا غير بعيد.

الثانى هل يشترط فى المجاز [كونه معلوما للمجيز بالتفصيل]

______________________________

اذ لم يحصل البيع قبلها، فاللازم وجود الشرائط حين الاجازة.

(و اما شروط العوضين) ككونهما صالحين لاجراء العقد عليهما (فالظاهر: اعتبارها) اى تلك الشروط حال الاجازة (- بناء على النقل-) اذ: النقل يكون حين الاجازة على هذا التقدير،

فظاهر ادلة الاشتراط اعتبار تلك الشروط فى هذا الحال.

(و اما بناء على الكشف، فوجهان).

يحتمل الاعتبار حال الاجازة، لأن الاجازة هى آخر المؤثر فى النقل فيكون حال الاجازة حال: التاء، فى قبلت حيث يجب توفر الشروط فى العوضين الى آخر لفظ العقد.

و يحتمل عدم الاعتبار حالها، اذ: على الكشف قد وقع العقد المؤثر سابقا، و بعد العقد المؤثر لا دليل على اشتراط بقاء الشروط المعتبرة فى العوضين.

(و اعتبارها) اى شروط العوضين (عليه) اى على الكشف (أيضا) كالنقل (غير بعيد) اذ: فى الحقيقة لا يكون العقد عقدا الا بالاجازة، و الا فقبل الاجازة لا يصدق: عقودكم، المستفاد من: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

(الثانى) من المسائل المربوطة بالمجاز (هل يشترط فى المجاز

ص: 363

كونه معلوما للمجيز بالتفصيل، من تعيين العوضين، و تعيين نوع العقد من كونه بيعا، او صلحا فضلا عن جنسه، من كونه نكاحا لجاريته، او بيعا لها، أم يكفى العلم الاجمالى بوقوع عقد قابل للاجازة، وجهان، من:

كون الاجازة كالإذن السابق، فيجوز تعلقه بغير المعين، الا اذا بلغ حدا لا يجوز معه التوكيل.

______________________________

كونه معلوما للمجيز بالتفصيل) حتى اذا اجاز، اجاز العقد المعلوم لديه (من تعيين العوضين) تعيينا كاملا (و تعيين نوع العقد من كونه بيعا او صلحا) او هبة، مثلا (فضلا عن جنسه، من كونه نكاحا لجاريته، او بيعا لها، أم يكفى العلم الاجمالى بوقوع عقد قابل للاجازة) و كذا فيما اذا لم يعلم ان العقد مربوط به، او بموكله، او بالمولى عليه الّذي هو وليه (وجهان، من: كون الاجازة كالإذن السابق، فيجوز تعلقه بغير المعين) كما لو قال زيد: لوكيله انت مأذون من قبلى فى خطبة بنت بكر، او بنت عمرو و نكاحها او قال له: انت وكيلى فى اشتراء الدار او البستان مثلا، بل لو قال له: انت وكيلى فى زواج بنت، او شراء دار بهذا المبلغ الموجود عندك فى حال ان الموكل يحتاج الى الامرين (الا اذا بلغ حدا لا يجوز معه التوكيل) لانه خارج عن طريقة العقلاء، فلا يشمله دليل الوكالة كما لو قال:

انت وكيلى فى اجراء عقد ما، لى، كيفما كان، و لم يكن فى ذلك المجمل غرض عقلائى له، و الا فلو كان هناك غرض عقلائى، كما لو حلف ان يعقد عقد اما، و كان ذلك برا لحلفه، لم يكن خارجا عن طريقة العقلاء.

و الحاصل: ان الاجازة كالإذن، فاذا جاز الاذن، جازت الاجازة.

ص: 364

و من: ان الاجازة بحسب الحقيقة احد ركنى العقد، لان المعاهدة الحقيقية، انما يحصل من المالكين بعد الاجازة، فتشبه القبول مع عدم تعيين الايجاب عند القابل.

و من هنا يظهر قوة احتمال اعتبار العلم بوقوع العقد، و لا يكفى مجرد احتماله، فيجيزه على تقدير وقوعه، اذا انكشف وقوعه لان الاجازة، و ان لم تكن من العقود، حتى يشملها معاقد اجماعهم على جواز التعليق فيها،

______________________________

و وجه كون الاجازة كالإذن، انهما شي ء واحد، منتهى الامر احدهما سابق و الآخر لاحق (و من: ان الاجازة بحسب الحقيقة) و الواقع (احد ركنى العقد، لان المعاهدة الحقيقية، انما يحصل من المالكين) الاصيل و المالك المجيز (بعد الاجازة) اذ: قبلها لا معاهدة (فتشبه) الاجازة (القبول مع عدم تعيين الايجاب عند القابل) كما لو قال الموجب: لفظا، و لم يعلم القابل، انه قال: بعتك، او زوجتك، فانه لا يصح له القبول و ان كان محتاجا الى كل واحد من الامر، لما دل على وجوب تعيين الشي ء الّذي ينصب عليه العقد، و على هذا فتبطل الاجازة.

(و من هنا) اى وجه لزوم تعيين متعلق العقد حتى تصح اجازته (يظهر قوة احتمال اعتبار العلم بوقوع العقد) حتى تصح الاجازة (و لا يكفى مجرد احتماله، فيجيزه على تقدير وقوعه، اذا انكشف وقوعه).

و انما يقوى هذا الاحتمال (لان الاجازة، و ان لم تكن من العقود، حتى يشملها معاقد اجماعهم على جواز التعليق فيها) فانهم اجمعوا على

ص: 365

الا انها فى معناها و لذا يخاطب المجيز بعدها بالوفاء بالعقد السابق.

مع: ان الوفاء بالعقد السابق، لا يكون الا فى حق العاقد فتأمل.

______________________________

انه لا يجوز التعليق فى العقود، و كانه لاجل عدم صدق العقد الّذي هو ما فيه التزام مبرم مما ينافى مفهومه التعليق الّذي هو ليس بمبرم (الا انها) اى الاجازة (فى معناها و لذا يخاطب المجيز) خطابا شرعيا (بعدها) اى بعد الاجازة (بالوفاء بالعقد السابق) اذ: بمجرد ان اجاز، يقال له:

اوف بعقدك، فالاجازة بمنزلة العقد.

(مع: ان الوفاء بالعقد السابق، لا يكون الا فى حق العاقد) هذا تقريب كون الاجازة بمنزلة العقد، فيشملها دليل عدم جواز التعليق فى العقود.

و تقريب الاستدلال ان يقال: هل للمالك عقد فى المقام، أم لا؟

لا يمكن القول بالثانى، اذ: لو قلنا: انه لا عقد له لزم ان لا يجب الوفاء عليه، و عدم وجوب الوفاء مقطوع العدم.

و اذا قلنا بان له عقدا يقال: هل العقد تحقق بمجرد اجراء الفضول او بالاجازة، لا يمكن الاول، اذ: لو كان كذلك لزم الوفاء بمجرد الاجراء و هو مقطوع العدم، فلم يبق الا انه تحقق بالاجازة، فيثبت المطلوب (فتأمل) اذ: الاجازة ليست عقدا، فلا تشملها الادلة الدالة على عدم جواز التعليق فى العقد.

و الجواب عن التقريب المتقدم ان الاجازة تسبب ان يكون العقد السابق عقد المالك، لا ان تكون الاجازة عقدا حتى يلحقها حكم سائر العقود.

ص: 366

الثالث: المجاز اما العقد الواقع على نفس مال الغير، و اما العقد الواقع على عوضه،

و على كل منهما اما ان يكون المجاز، اوّل عقد «وقع على المال او عوضه» او آخره، او عقدا بين سابق و لاحق واقعين على مورده، او بدله، او بالاختلاف.

______________________________

(الثالث) من الامور المربوطة بالمجاز (المجاز، اما العقد الواقع على نفس مال الغير، و اما العقد الواقع على عوضه، و على كل منهما) سواء اجاز العقد الواقع على نفس مال الغير، او العقد الواقع على عوض مال الغير (اما ان يكون المجاز، اوّل عقد «وقع على المال او عوضه» او) المجاز (آخره) اى آخر عقد وقع على المال او عوضه (او) يكون المجاز (عقدا بين سابق و لاحق)- لا الاول او الاخير- فى حال كونهما (واقعين) اى السابق و اللاحق (على مورده) اى نفس مورد العقد المجاز (او بدله، او بالاختلاف) و لا يخفى ان الاولى سقوط جملة: وقع على المال او عوضه، من المتن، لأنه يوجب التشويش، و قد اشرنا حوله بقوسين، علامة لاسقاطه.

ثم ان الاقسام اثنى عشر، ستة مربوطة بقوله: اما العقد الواقع على نفس مال الغير.

و ستة مربوطة بقوله: و اما العقد الواقع على عوضه.

و ذلك لان العقد الواقع على نفس مال الغير ستة.

فالمجاز: (1) اوّل عقد وقع.

(2) آخر عقد وقع.

(3) عقد متوسط بين سابق و لاحق واقعين على مورده.

ص: 367

و يجمع الكل فيما اذا باع عبد المالك بفرس، ثم باعه المشترى بكتاب ثم باعه الثالث بدينار، و باع البائع الفرس بدرهم، و باع الثالث الدينار بجارية، و باع بائع الفرس الدرهم برغيف، ثم بيع الدرهم بحمار، و بيع الرغيف بعسل.

______________________________

(4) عقد متوسط بين سابق و لاحق على بدله.

(5) عقد متوسط بين سابق و لاحق بالاختلاف بان يكون اوّل العقدين على مورده، و آخر العقدين على بدله.

(6) عقد متوسط بين سابق و لاحق بالاختلاف بان يكون اوّل العقدين على بدله، و آخر العقدين على مورده-.

و العقد الواقع على عوضه ستة أيضا، كما ذكر.

(و يجمع الكل) اى الاقسام الاثنى عشر (فيما اذا باع) الفضول (عبد المالك بفرس، ثم باعه) اى العبد (المشترى بكتاب، ثم باعه) اى العبد (الثالث) الّذي وقع العبد عنده (بدينار) هذه ثلاث معاملات (و باع البائع) الفضول (الفرس) الّذي وقع فى يده (بدرهم، و باع الثالث الدينار) الّذي وقع فى يده (بجارية، و باع بائع الفرس) و هو الفضول الاول (الدرهم برغيف) خبز (ثم بيع الدرهم) اى من حصل فى يده الدرهم باعه (بحمار، و بيع الرغيف) باعه من حصل الرغيف فى يده (بعسل) و توضيح الامثلة هكذا:

1- باع زيد الفضول، عبد بكر، بفرس لخالد.

2- باع خالد، العبد، بكتاب لمحمد.

ص: 368

..........

______________________________

3- باع محمد، العبد، بدينار لعلى.

4- باع زيد الفضول، الفرس، بدرهم.

5- باع محمد، الدينار، بجارية.

6- باع زيد الفضول، الدرهم، برغيف لتقى.

7- باع تقى، الدرهم، بحمار.

8- باع زيد الفضول، الرغيف، بعسل.

فان هذه المعاملات الثمانية تتضمن الصور الاثنتى عشرة.

ستة للعقد الواقع على نفس مال الغير.

و ستة للعقد الواقع على عوضه، حيث ان بعض الامثلة الثمانية يتضمن اكثر من قسم واحد من الاقسام الاثنى عشر.

بيان ذلك: ان الاقسام الستة الواقع على نفس مال الغير: بيع العبد بفرس، هو اوّل عقد وقع على مال الغير.

و: بيع العبد بدينار، هو آخر عقد وقع على مال الغير.

و: بيع العبد بكتاب، هو مثال لاربعة اقسام من الاقسام الستة.

(1) وسط بين الاول و الثالث الواقعين على مورده.

(2) وسط بين بيع الفرس بالدرهم، و بيع الدينار بجارية، الواقعين على عوض المورد.

(3) وسط بين بيع العبد بفرس الواقع على مورده و بين بيع الدينار بجارية الواقع على عوض المورد.

(4) وسط بين بيع الفرس بالدرهم الواقع على عوض المورد، و بين بيع العبد بدينار الواقع على مورده.

ص: 369

اما اجازة العقد الواقع على مال المالك، اعنى العبد بالكتاب، فهى ملزمة له، و لما بعده مما وقع على مورده اعنى العبد بالدينار- بناء على الكشف-

______________________________

اما الاقسام الستة الواقعة على عوض مال الغير فهو:

(1) بيع الفرس بدرهم، و هو اوّل عقد وقع على عوض مال الغير.

(2) بيع الرغيف بالعسل، و هو آخر عقد وقع على عوض مال الغير.

(3) بيع الدرهم بالرغيف، هو مثال لاربعة اقسام من الاقسام الستة.

(1) وسط بين الاول و الثالث و الاول مورده و الثانى بدل مورده.

(2) وسط بين مورده السابق، و مورده اللاحق، و هما بيع الفرس بدرهم، و بيع الدرهم بالحمار.

(3) وسط بين بدل مورده السابق و بدل مورده اللاحق، و هما بيع العبد بالفرس و بيع الرغيف بالعسل.

(4) وسط بين بدل مورده السابق، و مورده اللاحق، و هما بيع العبد بالفرس و بيع الدرهم بالحمار.

(اما اجازة العقد الواقع على مال المالك، اعنى) ما فعله المشترى من الفضول من: بيع (العبد بالكتاب) بان اجاز مالك العبد، بيعه بالكتاب (فهى) اى الاجازة (ملزمة له) لهذا العقد (و لما بعده مما وقع على مورده، اعنى العبد بالدينار) لان العبد خرج من مال المالك باجازته، فمن باعه بعد ذلك كان بيعه صحيحا لا يرتبط بالمالك الاصلى (- بناء على الكشف-) اذ: الاجازة تكشف عن صحة العقد السابق،

ص: 370

و اما بناء على النقل، فيبنى على ما تقدم من اعتبار ملك المجيز حين العقد، و عدمه، و هى: فسخ بالنسبة الى ما قبله مما ورد على مورده اعنى بيع العبد بفرس، بالنسبة الى المجيز.

اما بالنسبة الى من ملك بالاجازة و هو المشترى بالكتاب فقابليته للاجازة، مبنية على مسئلة اشتراط ملك المجيز حين العقد.

______________________________

فتبعه صحة العقد اللاحق.

(و اما بناء على النقل، فيبنى) لزوم: ما بعده مما وقع على مورده، (على ما تقدم من اعتبار ملك المجيز حين العقد، و عدمه) اى عدم اعتباره.

فان قلنا: بالاعتبار، فاللازم القول بالبطلان.

و ان قلنا: بعدم الاعتبار، فاللازم القول بالصحة، لان هذه المسألة من صغريات: من باع ثم ملك (و هى) اى الاجازة- و هذا عطف على قوله:

فهى ملزمة- (فسخ بالنسبة الى ما قبله مما ورد على مورده اعنى بيع العبد بفرس بالنسبة الى المجيز) اذ: معنى اجازة مالك العبد البيع المتأخر، انه صرف النظر من البيع المتقدم، فلم يبق محل لصحة البيع المتقدم عنده.

و (اما بالنسبة الى من ملك بالاجازة) اى الّذي صار مالكا للعبد باجازة المالك الاول (و هو المشترى) للعبد (بالكتاب فقابليته) اى قابلية ما قبل، و هو: بيع العبد بفرس (للاجازة) لان المشترى ملك العبد، فيجيز ما وقع قبله من بيع العبد بفرس (مبنية على مسئلة اشتراط ملك المجيز حين العقد).

فان قلنا: بالاشتراط، لم يصح بيع العبد بفرس باجازة المالك

ص: 371

هذا حال العقود السابقة و اللاحقة على مورده، اعنى مال المجيز.

و اما العقود الواقعة على عوض مال المجيز، فالسابقة على هذا العقد، و هو: بيع الفرس بالدرهم، يتوقف لزومها على اجازة المالك الاصلى للعوض، و هو: الفرس، و اللاحقة له اعنى بيع الدينار بجارية،

______________________________

المتأخر للعبد.

و ان قلنا: بعدم الاشتراط، صح ان يجيز هذا المالك الجديد البيع السابق.

و الحاصل: ان المسألة داخلة فى: بيع ثم ملك، لا: باع ثم ملك (هذا حال العقود السابقة) و قد تكلمنا حولها على كل من: الكشف و النقل، و على كل من: اجازة المالك الاول و اجازة المالك الجديد (و) كذلك حال العقود (اللاحقة) الواقعة تلك العقود السابقة و اللاحقة (على مورده، اعنى مال المجيز) الّذي هو مورد الفضولى.

و (اما العقود الواقعة على عوض مال المجيز، ف) مقتضى القاعدة:

ان العقود (السابقة على هذا العقد) بيع العبد بالكتاب (و هو) اى العقد السابق (بيع الفرس بالدرهم، يتوقف لزومها على اجازة المالك الاصلى للعوض، و هو) اى العوض (الفرس) اذ: المفروض ان الفضول باع الفرس، فاذا لم يجز مالك الفرس كان البيع باطلا (و) العقود (اللاحقة له) اى لبيع العبد بالكتاب (اعنى) من العقد اللاحق (بيع الدينار بجارية) فان الدينار بدل العبد- و هو لاحق على بيع العبد بالكتاب- فالبدل و هو الدينار، قد وقع عليه عقد بان بدّل بالجارية

ص: 372

تلزم بلزوم هذا العقد.

و اما اجازة العقد الواقع على العوض، اعنى بيع الدرهم بالرغيف فهى: ملزمة للعقود السابقة عليه، سواء وقعت على نفس مال المالك، اعنى بيع العبد بالفرس، او على عوضه، و هو: بيع الفرس بالدرهم، و للعقود اللاحقة له اذا وقعت على المعوض و هو: بيع الدرهم بالحمار اما الواقعة على هذا البدل المجاز، اعنى

______________________________

(تلزم بلزوم هذا العقد) اذا لعبد لو بدل بالكتاب، كان لآخذ العبد ان يبيعه بدينار، و لآخذ الدينار ان يبيعه بجارية.

(و اما اجازة العقد الواقع على العوض، اعنى بيع الدرهم بالرغيف) الرغيف بدل الدرهم، و الدرهم بدل الفرس، و الفرس بدل العبد الّذي كان للمالك- (فهى) اى الاجازة من مالك العبد (ملزمة للعقود السابقة عليه) اى على بيع الدرهم بالرغيف (سواء وقعت) تلك العقود السابقة (على نفس مال المالك، اعنى بيع العبد بالفرس) حيث ان العبد مال المالك (او على عوضه) اى عوض مال المالك (و هو: بيع الفرس بالدرهم) فان الفرس عوض مال المالك.

و انما كانت اجازة العقد الواقع على المعوض، ملزمة للعقود السابقة اذ: ما لم تصح العقود السابقة لم يكن لاجازة العقد المتأخر معنى (و) ملزمة أيضا (للعقود اللاحقة له اذا وقعت على المعوض و هو: بيع الدرهم بالحمار) اذ: لما ملك المشترى من الفضول الدرهم، كان له ان يعامل بالدرهم ما شاء (اما) العقود (الواقعة على هذا البدل المجاز، اعنى

ص: 373

بيع الرغيف بالعسل، فحكمها حكم العقود الواقعة على المعوض ابتداءً

و ملخص ما ذكرنا: انه لو ترتبت عقود متعددة مترتبة على مال المجيز فان وقعت من اشخاص متعددة، كان اجازة وسط منها فسخا لما قبله و اجازة لما بعده- على الكشف-

______________________________

بيع الرغيف بالعسل) الرغيف الّذي صار مالا للمالك، لانه عوض عبده بعد معاملات- (فحكمها) اى تلك العقود (حكم العقود الواقعة على المعوض ابتداءً) كالعقود الواقعة على العبد- فى المثال- فان اجاز المالك، صح و ما بعده، لا ما قبله، لان صحة العقود المتأخرة، مترتبة على هذا العقد.

(و ملخص ما ذكرنا) من صور الاجازة، و قد لخصها الفقهاء فى قولهم: فى العقود الواقعة على المثمن يصح المجاز و ما بعده: و فى العقود الواقعة على الثمن يصح المجاز و ما قبله (انه لو ترتبت عقود متعددة مترتبة على مال المجيز، فان وقعت) تلك العقود (من اشخاص متعددة) كبيع زيد لخالد، و خالد لمحمد، و محمد لعلى- فى المثال المتقدم- (كان اجازة) مالك (وسط منها) اى من تلك العقود: كالعبد بالكتاب،- فى المثال- (فسخا لما قبله) اذ: لو صح ما قبله، لم يكن المال للمالك حتى يجيز الوسط (و اجازة لما بعده) لان اجازة الوسط يوجب خروج المال عن ملك المالك، فالعقود اللاحقة صحيحة لا ترتبط بالمالك.

هذا (- على الكشف-).

اما على النقل: فقد تقدم الاشكال فيه فى قولنا: و اما بناء على

ص: 374

و ان وقعت من شخص واحد انعكس الامر، و لعل هذا هو: المراد من المحكى عن الايضاح، و الدروس فى حكم ترتب العقود، من: انه: اذا اجاز عقدا على المبيع صح، و ما بعده، و فى الثمن ينعكس، فان العقود المترتبة على المبيع، لا يكون الا من اشخاص متعددة.

______________________________

النقل، (و ان وقعت) العقود (من شخص واحد) كبيع زيد الفضول- فى المثال- العبد بالفرس، و الفرس بدرهم، و الدرهم بالرغيف (انعكس الامر) بان كانت اجازة المالك للوسط فسخا لما بعده، و اجازة لما قبله، و قد اشكل على المصنف الطباطبائى ره فراجع (و لعل هذا) الّذي ذكرناه من قولنا: و ملخص ما ذكرنا، (هو: المراد من المحكى عن الايضاح، و الدروس فى حكم ترتب العقود، من: انه) اى المالك (اذا اجاز عقدا على المبيع) كاجازة بيع العبد بالفرس (صح، و ما بعده) لان العبد اذا خرج عن يد المالك صح كل عقد وقع عليه (و فى الثمن ينعكس) فان الاجازة توجب الصحة و ما قبله، لان هذا الثمن لا يكون ثمنا للمالك، الا اذا صحت العقود المتقدمة عليه.

مثلا: اذا باع العبد بالفرس، و الفرس بدرهم، و الدرهم بالرغيف، و الرغيف بالعسل، فاجاز المالك الرغيف بالعسل- بان اخذ العسل- كان اللازم صحة العقود المتقدمة، و الا كيف يكون العسل له؟

و انما قلنا: لعل هذا، (فان العقود المترتبة على المبيع، لا يكون الا من اشخاص متعددة) كما تقدم فى مثال العبد بالفرس، ثم بالكتاب، ثم بدينار.

ص: 375

و اما العقود المترتبة على الثمن، فليس مراد هما ان يعقد على الثمن الشخصى مرارا، لان حكم ذلك، حكم العقود المترتبة على المبيع- على ما سمعت سابقا- من قولنا: اما الواقعة على هذا البدل المجاز الى آخره بل مرادهما ترامى الاثمان فى العقود المتعددة، كما صرح بذلك المحقق و الشهيد الثانيان، و قد علم من ذلك ان مرادنا بما ذكرنا فى المقسم من:

العقد المجاز على عوض مال الغير، ليس العوض الشخصى الاول له، بل العوض و لو بواسطة.

______________________________

(و اما العقود المترتبة على الثمن، فليس مرادهما) الايضاح و الدروس (ان يعقد على الثمن الشخصى مرارا) كان يبيع عبدا بفرس، ثم الفرس بكتاب، ثم الفرس بدرهم (لان) هذا لو كان مرادهما، كان حكمه حكم العقود المتعددة على المثمن، فان (حكم ذلك، حكم العقود المترتبة على المبيع- على ما سمعت سابقا- من قولنا: اما الواقعة على هذا البدل المجاز، الى آخره) حيث ذكرنا ان حكمها حكم العقود الواقعة على المعوض ابتداءً (بل مرادهما) الايضاح و الدروس (ترامى الاثمان فى العقود المتعددة) كما تقدم فى مثال بيع العبد بالفرس، و الفرس بدرهم الخ (كما صرح بذلك) اى بان مرادهم ترامى الاثمان- لا ان يعقد على الثمن الواحد مرارا- (المحقق و الشهيد الثانيان، و قد علم من ذلك) الّذي تقدم فى المثال، و فى بيان احكامه (ان مرادنا بما ذكرنا فى المقسم من: العقد المجاز على عوض مال الغير، ليس العوض الشخصى الاول له) اى لمال الغير (بل العوض) مطلقا (و لو بواسطة) لان

ص: 376

ثم ان هنا اشكالا- فى شمول الحكم بجواز تتبع العقود لصورة علم المشترى بالغصب- اشار إليه العلامة ره فى القواعد، و اوضحه قطب الدين و الشهيد فى الحواشى المنسوبة إليه، فقال: الاول فيما حكى عنه، ان وجه الاشكال: ان المشترى مع العلم، يكون مسلطا للبائع الغاصب على الثمن، و لذا لو تلف لم يكن له الرجوع.

______________________________

بعض الاحكام مترتبة على وجود الوسائط- كما عرفت-.

(ثم ان هنا) فى باب العقود المتعددة الفضولية (اشكالا- فى شمول الحكم بجواز تتبع العقود لصورة علم المشترى بالغصب-) اى انما قلنا: بانه يجوز ان يتبع بعض العقود بعضا آخر، فى باب بيع الفضول و هذا لا يصح و لا يجوز فى ما لو علم المشترى بالغصب. و عدم الصحة من جهتين.

الاولى- من جهة لزوم قابلية العقود للصحة و ذلك باستجماعها لشرائط الثمن و المثمن.

و الثانية- من جهة ورود العقود على عين المتتبع- او عوضه، و كلا الامرين مفقود ان فى باب العقود المتعددة فى مفروض الكلام- كما سترى- (اشار إليه العلامة ره فى القواعد، و اوضحه قطب الدين و الشهيد فى الحواشى المنسوبة إليه، فقال: الاول) قطب الدين (فيما حكى عنه، ان وجه الاشكال: ان المشترى مع العلم) بكون البائع غاصبا (يكون مسلطا)- بالكسر- (للبائع الغاصب على الثمن، و لذا لو تلف) الثمن (لم يكن له) اى للمشترى (الرجوع) اذ: هو اتلف مال نفسه بان اعطاه لشخص ليتلفه بدون ضمان.

ص: 377

و لو بقى ففيه الوجهان فلا ينفذ فيه اجازة الغير بعد تلقه بفعل المسلط، بدفعه ثمنا عن مبيع اشتراه و من ان الثمن عوض عن العين المملوكة

______________________________

(و لو بقى) الثمن موجودا (ففيه الوجهان) احتمال ان: للمشترى الرجوع، لانه عين ماله فيأخذه متى ما اراد.

و احتمال ان ليس له الرجوع، لانه فى اعطائه المال للغاصب يكون كمن اعرض عن ماله، فالقاه فى الطريق فأخذه الآخر، فانه ليس للمعرض الرجوع، لسلب علاقة المالكية عرفا عن مثله، فلا يشمله دليل الملك (فلا ينفذ فيه) اى فى الثمن (اجازة الغير) الّذي هو المالك (بعد تلفه) اى تلف الثمن (بفعل المسلط) اى المشترى الّذي سلط الغاصب على ثمنه (بدفعه) اى بسبب دفع المال (ثمنا عن مبيع اشتراه) المشترى من الغاصب.

يعنى ان المشترى سلط الغاصب على الثمن فصار الثمن ملكا للغاصب فلو اجاز المالك الاصلى بيع الغاصب كان معناه ان المثمن خرج من ملك المالك، و لم يدخل فى ملكه الثمن، اذ: الثمن قد تلف عند الغاصب، و صار ملكا للغاصب.

و من المعلوم: ان بيعا يخرج المثمن من كيس، و لا يدخل فى ذلك الكيس الثمن، ليس قابلا للاجازة من المالك.

هذا وجه الاشكال فى بيع الغاصب.

اما وجه الصحة، فهو: ما ذكره بقوله (و من ان الثمن عوض عن العين المملوكة)

ص: 378

و لم يمنع من نفوذ الملك فيه، إلا عدم صدوره عن المالك، فاذا اجاز جرى مجرى الصادر عنه، انتهى.

و قال فى محكى الحواشى: ان المشترى مع علمه بالغصب يكون مسلطا للبائع الغاصب على الثمن، فلا يدخل فى ملك رب العين.

فحينئذ اذا اشترى به البائع متاعا فقد اشتراه لنفسه، و اتلفه عند الدفع الى البائع

______________________________

للمالك المجيز (و لم يمنع من نفوذ الملك) للمالك المجيز (فيه) اى فى الثمن (إلا عدم صدوره) اى صدور البيع (عن المالك) اذ: المالك لم يبع، و انما باعه الغاصب (فاذا اجاز) المالك (جرى) البيع (مجرى الصادر عنه) اى عن المالك ابتداءً، فيكون الثمن ثمنا للمالك المجيز، و المشترى لم يسلط الغاصب على الثمن بعنوان الاعواض، او بعنوان ان الثمن ملكا للغاصب، حتى يكون الثمن داخلا فى ملك الغاصب (انتهى) كلام قطب الدين.

(و قال) الشهيد (فى محكى الحواشى: ان المشترى مع علمه بالغصب يكون مسلطا)- بالكسر- (للبائع الغاصب على الثمن، فلا يدخل) الثمن (فى ملك رب العين) اى مالك المثمن.

(فحينئذ) اى حين كان الغاصب مسلطا- من قبل المشترى- على الثمن (اذا اشترى به) اى بالثمن (البائع) الغاصب (متاعا، فقد اشتراه) اى المتاع (لنفسه، و اتلفه) اى اتلف الغاصب الثمن (عند الدفع الى البائع) الّذي باع الغاصب المتاع.

ص: 379

فيتحقق ملكيته للمبيع، فلا يتصور نفوذ الاجازة هنا لصيرورته ملكا للبائع، و ان امكن اجازة المبيع مع احتمال عدم نفوذها أيضا، لان ما دفعه الى الغاصب كالمأذون له فى اتلافه، فلا يكون ثمنا، فلا تؤثر الاجازة فى جعله ثمنا، فصار الاشكال فى صحة البيع.

______________________________

مثلا: اشترى زيد بدينار كتاب عمرو من الغاصب، فاذا اشترى الغاصب بالدينار عباء لنفسه، فقد اتلف الدينار (فيتحقق ملكيته) اى الغاصب (للمبيع) كالعباء فى المثال (ف) اذا اجاز عمرو- صاحب الكتاب- للبيع (لا يتصور نفوذ الاجازة هنا) اى فى الملكية للعباءة، بان يملك عمرو العباء- الّذي هو بدل الدينار- (لصيرورته) اى المتاع- كالعباء- (ملكا للبائع) الغاصب (و ان امكن) لعمرو صاحب الكتاب (اجازة المبيع) الّذي باعه الغاصب، و انما يمكن، لان معناه حينئذ قبوله تصرف الغاصب فى ثمنه الّذي كان بإزاء كتابه (مع احتمال عدم نفوذها) اى الاجازة، فى البيع (أيضا) كما لا تنفذ فى ملكية العباءة- فى المثال- (لان ما دفعه) المشترى (الى الغاصب) ثمنا للكتاب (كالمأذون له) اى للغاصب (فى اتلافه، فلا يكون ثمنا) للكتاب (فلا تؤثر الاجازة) من مالك الكتاب (فى جعله ثمنا) اذ: صار الثمن ملكا للغاصب فكيف يرجع و يكون ملكا لمالك الكتاب؟ (فصار الاشكال) اشكالين.

الاول: (فى صحة) اصل (البيع) الّذي اجراه الغاصب على الكتاب، و هذا ما بينه بقوله: مع احتمال عدم نفوذها.

ص: 380

و فى التتبع.

ثم قال: انه يلزم من القول ببطلان التتبع، بطلان اجازة البيع فى المبيع لاستحالة كون المبيع بلا ثمن.

فاذا قيل: ان الاشكال فى صحة العقد كان صحيحا أيضا، انتهى، و اقتصر فى جامع المقاصد على ما ذكره الشهيد اخيرا فى وجه سراية هذا الاشكال الى صحة عقد الفضولى مع علم المشترى بالغصب،

______________________________

(و) الثانى: (فى التتبع) اى اتباع المالك للغاصب فى بيعه الثانى، بان يجيزه او يرده، لانه حصل بثمنه، و هذا ما بينه بقوله: فلا يتصور نفوذ الاجازة فيها.

(ثم قال: انه يلزم من القول ببطلان التتبع، بطلان اجازة البيع فى المبيع) اى لاحق للمالك فى ان يجيز البيع الثانى الّذي وقع بثمن المال الّذي كان للمالك (لاستحالة كون المبيع بلا ثمن) فان الثمن حسب الفرض صار للغاصب، لا للمالك.

و المفروض ان البيع الثانى وقع بهذا الثمن الّذي هو للغاصب، فأي حق للمالك فى ان يجيز البيع الثانى او يرده.

(فاذا قيل: ان الاشكال فى) اصل (صحة العقد) اى الّذي اوقعه الغاصب على مال المالك (كان) الاشكال (صحيحا أيضا) لانه بيع بلا ثمن يدخل فى كيس المالك (انتهى، و اقتصر فى جامع المقاصد على ما ذكره الشهيد اخيرا فى وجه سراية هذا الاشكال) اى اشكال لزوم كون البيع بلا ثمن فى باب تتبع العقود (الى صحة عقد الفضولى مع علم المشترى بالغصب

ص: 381

و المحكى عن الايضاح ابتناء وجه بطلان جواز تتبع العقود للمالك مع علم المشترى على كون الاجازة ناقلة، فيكون منشأ الاشكال فى الجواز و العدم الاشكال فى الكشف و النقل، قال فى محكى الايضاح: اذا كان المشترى جاهلا فللمالك تتبع العقود، و رعاية مصلحته.

______________________________

و المحكى عن الايضاح ابتناء وجه بطلان جواز تتبع العقود للمالك) اى كون الحق للمالك فى ان يجيز اىّ العقود المتعددة التى وقعت على ماله او على ابداله (مع علم المشترى) بالغصبية (على كون الاجازة ناقلة) على، متعلق ب: ابتناء، اى ففيه الاشكال، لان المثمن دخل فى ملك المشترى، و الثمن يبقى بلا مالك- ان لم ينتقل الى الغاصب- اذ: خرج عن ملك المشترى، و لم يدخل فى ملك المالك، حيث ان قبل الاجازة لا ينتقل الثمن الى ملك المالك، لفرض كون الاجازة ناقلة.

و هذا بخلاف ما لو قلنا: بالكشف، فانه بمجرد العقد دخل المثمن فى ملك المشترى، و دخل الثمن فى ملك المالك، فاذا اجاز المالك طالب الثمن من اىّ، من الغاصب و المشترى حسب اختياره لاخذه من احدهما (فيكون منشأ الاشكال فى الجواز) اى جواز تتبع المالك للعقود (و العدم) اى عدم جوازه، بمعنى انه ليس للمالك ذلك (الاشكال فى الكشف و النقل).

فعلى الكشف: لا اشكال فى جوازه.

و على النقل يقع الاشكال فى الجواز (قال فى محكى الايضاح: اذا كان المشترى جاهلا) بالغصبية (فللمالك تتبع العقود، و رعاية مصلحته)

ص: 382

و الربح فى سلسلتى الثمن و المثمن.

و اما اذا كان عالما بالغصب، فعلى قول الاصحاب من: ان المشترى اذا رجع عليه بالسلعة، لا يرجع على الغاصب بالثمن، مع وجود عينه، فيكون قد ملّك الغاصب مجانا، لانه بالتسليم الى الغاصب ليس للمشترى استعادته من الغاصب بنص الاصحاب، و المالك قبل الاجازة لم يملك الثمن، لان الحق ان الاجازة شرط، او سبب، فلو لم يكن للغاصب، فيكون الملك بغير

______________________________

فى ان يجيز ايها شاء، و يرد ايها شاء (و) رعاية (الربح) لنفسه (فى سلسلتى الثمن و المثمن) اذ: المفروض ان المثمن قد وقع عليه عقود متعددة، و كذلك الثمن.

(و اما اذا كان) المشترى (عالما بالغصب، فعلى قول الاصحاب من:

ان المشترى اذا رجع) المالك (عليه بالسلعة) بان اخذها منه (لا يرجع على الغاصب بالثمن، مع وجود عينه) لانه هو الّذي اعرض عن ماله بمل ء اختياره (فيكون قد ملك) المشترى ثمنه (الغاصب مجانا، لانه بالتسليم) لما له (الى الغاصب ليس للمشترى استعادته) اى الثمن (من الغاصب بنص الاصحاب) فالثمن ليس للمشترى (و المالك قبل الاجازة لم يملك الثمن، لان الحق ان الاجازة) من المالك لبيع الفضول (شرط، او سبب) اى او جزء للعقد.

و من المعلوم: ان المشروط و المسبب لا يأتيان قبل الجزء و الشرط (فلو لم يكن للغاصب) و الحال انه ليس للمالك، و لا للمشترى (فيكون الملك بغير

ص: 383

مالك، و هو محال، فيكون قد سبق ملك الغاصب للثمن على سبب ملك المالك له اى الاجازة، فاذا نقل الغاصب الثمن عن ملكه، لم يكن للمالك ابطاله، و يكون ما يشترى الغاصب بالثمن، و ربحه له، و ليس للمالك اخذه لانه ملّك الغاصب.

______________________________

مالك، و هو محال).

و عليه فالثمن للغاصب فلا بدل للمالك الاصلى (فيكون قد سبق ملك الغاصب للثمن) بمجرد العقد، و اعراض المشترى عن ماله، مبيحا له للغاصب (على سبب ملك المالك له) اى للثمن (اى الاجازة) هذا تفسير ل: سبب ملك المالك، اذا، فلا حق للمالك فى الثمن (فاذا نقل الغاصب) هذا جواب ما ذكره قبل اسطر، بقوله: و اما اذا كان عالما بالغصب،- و لا يخفى تشوش العبارة- (الثمن عن ملكه) بان اشترى الغاصب بالثمن شيئا جديدا (لم يكن للمالك) الاصلى (ابطاله) اى ابطال البيع الّذي اوقعه الغاصب على الثمن (و يكون ما يشترى الغاصب بالثمن، و ربحه) اى ربح ما يشتريه (له) اى للغاصب، فاذا باع الغاصب كتاب زيد لعمرو العالم بالغصب بدينار، ثم اشترى الغاصب بالدينار شاة، كان لبن الشاة و عين الشاة للغاصب، و لم يكن لمالك الكتاب ابطال هذا البيع للشاة (و ليس للمالك اخذه) اى اخذ الثمن، و لا اخذ بدله (لانه ملك الغاصب).

هذا كله مبنى على القول بالنقل- اذ: يتقدم ملك الغاصب للمال على ملك المالك له-.

ص: 384

و على القول: بان اجازة المالك كاشفة، فاذا اجاز العقد كان له.

و يحتمل ان يقال لمالك العين حق تعلق بالثمن، فان له اجازة البيع و اخذ الثمن، و حقه مقدم على حق الغاصب، لان الغاصب يؤخذ باخس احواله، و اشقّها عليه و المالك مأخوذ باجود الاحوال.

ثم قال: و الاصحّ عندى، مع وجود عين الثمن للمشترى العالم اخذه و مع التلف ليس له الرجوع به، انتهى كلامه ره.

______________________________

(و على القول: بان اجازة المالك كاشفة، فاذا اجاز) المالك (العقد) الّذي وقع على ماله (كان) الثمن (له) اى للمالك.

(و يحتمل ان يقال)- على الكشف أيضا- (لمالك العين حق تعلق بالثمن، فان له اجازة البيع و اخذ الثمن) من الغاصب (و حقه مقدم على حق الغاصب) اذ: حقه تولد من كون الثمن فى ازاء ماله، و حق الغاصب تولد من اعطاء المشترى الثمن له بإزاء ما اخذه منه من العين المغصوبة، فليس تمليكا للثمن للغاصب اعتباطا، حتى لا يبقى حق للغاصب (لان الغاصب يؤخذ باخس احواله، و اشقها عليه و المالك مأخوذ باجود الاحوال) فاذا تعارض حقهما قدم حق المالك.

(ثم قال: و الاصح عندى، مع وجود عين الثمن) عند الغاصب يكون (للمشترى العالم) بالغصب (اخذه) لانه عين ماله (و مع التلف ليس له) اى للمشترى (الرجوع به) اى بالثمن، لانه هو اتلف ماله بتسليط الغاصب عليه (انتهى كلامه ره) اى الفخر فى الايضاح.

ص: 385

و ظاهر كلامه انه لا وقع للاشكال- على تقدير الكشف-.

و هذا هو المتجه، اذ: حينئذ يندفع ما استشكله القطب، و الشهيد بان تسلط المشترى للبائع على الثمن- على تقدير الكشف- تسليط على ما ملكه الغير بالعقد السابق، على التسليط الحاصل بالاقباض فاذا انكشف ذلك بالاجازة عمل مقتضاه.

______________________________

(و ظاهر كلامه) حيث قال: و على القول (انه لا وقع للاشكال- على تقدير الكشف-) فللمالك تتبع العقود و إن كان المشترى عالما بالغصب.

(و هذا) اى عدم وقع الاشكال (هو المتجه، اذ: حينئذ) اى حين قلنا: بعدم الاشكال على تقدير الكشف (يندفع ما استشكله القطب، و الشهيد) حيث استشكلا فى بيع الغاصب بالاشكال المتقدم.

و وجه الاندفاع: ما بيّنه بقوله: (بان تسليط المشترى للبائع على الثمن- على تقدير الكشف- تسليط على ما ملكه الغير) تسليط (بالعقد السابق، على التسليط الحاصل بالاقباض).

و الحاصل ان فى المقام امرين:

العقد الموجب لملكية المالك للثمن.

و التسليط الموجب لازالة المشترى احترام ماله بجعله للغاصب اعتباطا، و العقد مقدم على التسليط (فاذا انكشف ذلك) اى كون الثمن للمالك (بالاجازة) الحاصلة من المالك، بعد التسليط (عمل مقتضاه) الّذي هو كون الثمن للمالك، فيكون التسليط المتأخر باطلا، فلا يرد اشكال القطب و الشهيد على بيع الغاصب.

ص: 386

و اذا تحقق الرد انكشف كون ذلك تسليطا من المشترى على ماله فليس له ان يسترده بناء على ما نقل من الاصحاب،.

نعم:- على القول بالنقل- يقع الاشكال فى جواز اجازة العقد الواقع على الثمن، لان اجازة مالك المبيع له، موقوفة على تملكه للثمن لانه قبلها

______________________________

(و اذا تحقق الرد) بان لم يجوز المالك البيع (انكشف كون ذلك) التسليط من المشترى للغاصب على الثمن، ليس تسليطا على مال الغير بل (تسليطا من المشترى على ماله) اى مال نفسه (فليس له) اى للمشترى (ان يسترده) اى يطلب ماله من الغاصب، اذ: هو الّذي اباح ماله للغاصب (بناء على ما نقل من الاصحاب) من ان المشترى اذا سلط الغاصب على مال نفسه، لم يكن له استرداده، سواء كان المال موجودا او تالفا.

(نعم:- على القول بالنقل- يقع الاشكال) المتقدم عن القطب و الشهيد، و هذا عطف على قوله: على تقدير الكشف (فى جواز اجازة العقد الواقع على الثمن) فلا يصح للمالك ان يجيز العقد الثانى الّذي وقع على ثمن ماله، كما لو باع الغاصب مال المالك بدينار ثم اشترى الغاصب بالدينار كتابا، فانه ليس للمالك اجازة العقد الثانى الواقع على الكتاب (لان اجازة مالك المبيع له) اى للغاصب، اى الّذي اشتراه الغاصب لنفسه (موقوفة على تملكه للثمن) فانه ان لم يكن المالك مالكا للثمن، لم يكن له ربط بالعقد الثانى حتى يجيزا و يرد (لانه) اى المالك (قبلها)

ص: 387

اجنبى عنه، و المفروض ان تملكه الثمن موقوف على الاجازة- على القول بالنقل-.

و كذا الاشكال فى اجازة العقد الواقع على المبيع بعد قبض البائع الثمن او بعد اتلافه اياه على الخلاف فى اختصاص عدم رجوع المشترى على الثمن بصورة التلف و عدمه، لان

______________________________

اى قبل الاجازة (اجنبى عنه) اى عن الثمن (و المفروض ان تملكه) اى المالك (الثمن موقوف على الاجازة- على القول بالنقل-) فيكون عقد الغاصب باشتراء الكتاب- فى المثال- سابقا على انتقال الثمن الى المالك، و اذا كان سابقا و خرج الثمن من عند الغاصب لم يكن الثمن للمالك حتى يجيز العقد الثانى او يرده.

(و كذا) يرد (الاشكال)- على القول بالنقل- (فى اجازة العقد الواقع على المبيع) بان اوقع المشترى، الّذي اخذ الكتاب من الغاصب عقدا على الكتاب فباعه بدينار لعمرو- مثلا- (بعد قبض البائع) الّذي هو مشترى الكتاب فى العقد الاول (الثمن او بعد اتلافه) اى البائع (اياه) اى الثمن.

و انما قلنا: بعد قبضه، او بعد اتلافه (على الخلاف) بين الفقهاء (فى اختصاص عدم رجوع المشترى) عن الغاصب (على الثمن) الّذي اعطاه للغاصب (بصورة التلف) للثمن، فيأتى قولنا: بعد اتلافه (و عدمه) اى لا اختصاص له بصورة التلف، فيأتى قولنا: بعد قبض البائع.

و انما قلنا: و كذا الاشكال فى اجازة الخ (لان) اعطاء مشترى الكتاب

ص: 388

تسليط المشترى للبائع على الثمن قبل انتقاله الى مالك المبيع بالاجازة فلا يبقى مورد للاجازة.

و ما ذكره فى الايضاح من: احتمال تقديم حق المجيز، لانه اسبق و انه اولى من الغاصب المأخوذ باشق الاحوال، فلم يعلم له وجه بناء على النقل

______________________________

من المشترى- فى العقد الثانى- (تسليط المشترى) الثانى (للبائع) الّذي هو المشترى الاول (على الثمن قبل انتقاله) اى الثمن (الى مالك المبيع) المالك الاصلى للكتاب (بالاجازة) متعلق ب: انتقاله، (فلا يبقى مورد للاجازة) اذ: معنى الاجازة، بعد انتقال الثمن الى البائع، كون البيع بدون الثمن و هو غير معقول.

و الحاصل: انه- على القول بالنقل- لو باع زيد كتاب بكر لعمرو بدينار، و اعطى الدينار للبائع، ثم اشترى خالد الكتاب من عمرو بدرهم و سلم الدرهم لعمرو، لم يكن لمالك الكتاب- الّذي هو بكر- ان يجيز العقد الاول، و لا العقد الثانى، لانه اجازة عقد بلا ثمن.

و قد اشار المصنف ره الى ان ليس له اجازة العقد الاول، بقوله:

يقع الاشكال، و الى ان ليس له اجازة العقد الثانى بقوله: و كذا الاشكال.

(و ما ذكره فى الايضاح من: احتمال تقديم حق المجيز) اى المالك الاصلى (لانه) اى حق المجيز (اسبق) من حق الغاصب (و انه) اى المجيز (اولى من الغاصب المأخوذ باشق الاحوال، فلم يعلم) خبر: ما ذكره، (له) اى لما ذكره الايضاح (وجه، بناء على النقل) و انما لم يعلم له وجه

ص: 389

لان العقد جزء سبب لتملك المجيز، و التسليط المتأخر عنه علة تامة لتملك الغاصب، فكيف يكون حق المجيز اسبق؟

نعم: يمكن ان يقال ان حكم الاصحاب بعدم استرداد الثمن لعله لاجل التسليط المراعى بعدم اجازة مالك المبيع، لا لان نفس التسليط علة تامة لاستحقاق الغاصب على تقديرى الرد و الاجازة.

______________________________

(لان العقد) من الغاصب (جزء سبب لتملك المجيز) و جزئه الآخر الاجازة (و التسليط المتأخر عنه) اى تسليط المشترى الغاصب على الثمن (علة تامة لتملك الغاصب) الثمن (فكيف يكون حق المجيز اسبق) مع ان العلة التامة تؤثر اثرها، و جزء العلة لا يؤثر الاثر.

(نعم: يمكن ان يقال) بصحة كلام الايضاح، و انه اذا اجاز المالك استحق الثمن، و إن كان قد سلط المشترى الغاصب عليه،- حتى بناء على النقل-.

و ذلك ببيان: (ان حكم الاصحاب بعدم استرداد الثمن) اى انه لا يحق للمشترى ان يسترد الثمن من الغاصب (لعله لاجل التسليط) من المشترى (المراعى) ذلك التسليط (بعدم اجازة مالك المبيع) فكان المشترى قال للغاصب: هذا الثمن لك اذا لم يجز المالك، فاذا اجاز المالك، لم يكن التسليط سببا لتملك الغاصب للثمن (لا) عطف على:

لاجل (لان نفس التسليط علة تامة لاستحقاق الغاصب على تقديرى الرد) من المالك (و الاجازة) منه.

ص: 390

و حيث ان حكمهم هذا مخالف للقواعد الدالة على عدم حصول الانتقال بمجرد التسليط المتفرع على عقد فاسد وجب الاقتصار فيه على المتيقن، و هو التسليط على تقدير عدم الاجازة فافهم.

______________________________

(و حيث ان حكمهم هذا) اى بعدم استرداد الثمن من الغاصب بعد التسليط (مخالف للقواعد الدالة على عدم حصول الانتقال) لمال المشترى الى الغاصب (بمجرد التسليط المتفرع على عقد فاسد) فان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه، و حيث ان اللّه حرم عقد الغاصب حرم الثمن الحاصل منه، و لانه من اكل المال بالباطل، فقول الاصحاب بعدم الاسترداد و اجماعهم، دليل لبى على خلاف القواعد.

و حينئذ (وجب الاقتصار فيه على) القدر (المتيقن، و هو التسليط) من المشترى (على تقدير عدم الاجازة) اما اذا اجاز المالك، فلا تسليط، و يكون البيع صحيحا، فلا اشكال فى بيع الغاصب، و لا فى تتبع العقود (فافهم) حيث انه لا دليل على عدم حق للمشترى فى استرداد الثمن، سواء بقى او تلف؟ اذ: لم يعرض المشترى عن ماله، و انما اعطاه مقابل المثمن، و لا حق للغاصب فى الثمن، لانه من اكل المال بالباطل، و اذا كان المال بعد غير مملوك للغاصب، حتى اذا اتلفه، صح للمالك ان يجيز البيع، و ان يأخذ المال من ايّهما شاء، و لو اخذه من المشترى كان له الحق فى الرجوع الى الغاصب، اما اذا اخذه من الغاصب لم يكن له حق الرجوع الى المشترى، لان عين المال او بدله- على تقدير التلف- موجود ان عند الغاصب فقرار الضمان عليه.

ص: 391

مسئلة فى احكام الرد،
[ما يتحقق به الرد]

لا يتحقّق الردّ قولا الا بقوله: فسخت، و رددت و شبه ذلك، مما هو صريح فى الردّ، لاصالة بقاء اللزوم من طرف الاصيل، و قابليته من طرف المجيز، و كذا يحصل بكل فعل مخرج له عن ملكه بالنقل، او بالاتلاف و شبههما، كالعتق، و البيع و الهبة، و التزويج

______________________________

(مسئلة: فى احكام الرد) اى رد المالك لما عقده الفضول من بيع او غيره (لا يتحقق الرد قولا) اى فيما اذا اراد الرد القولى (الا بقوله: فسخت و رددت، و) لا اجيز، و (شبه ذلك، مما هو صريح فى الردّ).

و انما نقول بلزوم الصراحة (لاصالة بقاء اللزوم من طرف الاصيل) ما لم يأت الطرف الآخر بالردّ الصريح (و قابليته) اى اصالة قابلية العقد (من طرف المجيز) فانه قابل للحوق الاجازة ما لم يأت بالردّ الصريح (و كذا يحصل) الردّ (بكل فعل) ممن له الاجازة و الردّ (مخرج له) اى للمال (عن ملكه بالنقل) كما لو باعه المالك فانه مبطل لعقد الفضول (او بالاتلاف) كما لو اكل الخبز الّذي باعه الفضول (و شبههما) اى شبه النقل و الاتلاف.

ثم مثل المصنّف ره للثلاثة اى النقل و الاتلاف و شبههما بقوله (كالعتق، و البيع، و الهبة، و التزويج) فلو زوّج الفضول البنت ثم زوجت نفسها من انسان آخر بطل التزويج الفضولى، و كذا اذا كان لازم التزويج بطلان تزويج الفضول كما لو زوج الفضول هذه لزيد فاخذ زيد

ص: 392

و نحو ذلك.

و الوجه فى ذلك ان تصرفه- بعد فرض صحته- مفوت لمحلّ الاجازة، لفرض خروجه عن ملكه.

[هل يتحقق الرد بالتصرف غير المخرج عن الملك]

و اما التصرف غير المخرج عن الملك، كاستيلاد الجارية، و اجارة الدار و تزويج الامة، فهو و ان لم يخرج الملك عن قابلية وقوع الاجازة عليه، الا انه مخرج له عن قابلية وقوع الاجازة من زمان العقد،

______________________________

اختها او الخامسة- مثلا- فانه مبطل لتزويج الفضول (و نحو ذلك) من سائر التصرفات، كما لو وقف البناء بعد بيع الفضول له.

(و الوجه فى ذلك) الّذي ذكرنا من ان تصرف الاصيل تصرفا منافيا يبطل عقد الفضول (ان تصرفه) اى المالك (- بعد فرض صحته-) اذ:

المفروض ان التصرف صحيح، لانه اجراه المالك له، الّذي له حق هذا التصرف (مفوت لمحل الاجازة، لفرض خروجه عن ملكه) اى خروج الشي ء عن ملك المالك، بعد ان تصرف، فكيف يجيز تصرفا سابقا؟

(و اما) اذا تصرف المالك (التصرف غير المخرج عن الملك، كاستيلاد الجارية، و اجازة الدار و تزويج الامة) من قبل المالك (فهو و ان لم يخرج الملك عن قابلية وقوع الاجازة عليه) فى الجملة اذ: يمكن الاجازة التى نقول بكونها ناقلة- فيما اذا وقعت الاجازة بعد ان مات الولد، او بعد ان طلقت الامة، او تقع على الدار مسلوبة المنفعة مدة الاجارة (الا انه) اى التصرف غير المخرج عن الملك (مخرج له عن قابلية وقوع الاجازة من زمان العقد) اى على القول بكون الاجازة كاشفة عن وقوع عقد

ص: 393

لان صحة الاجازة- على هذا النحو- توجب وقوعها باطلة، و اذا فرض وقوعها صحيحة، منعت عن وقوع الاجازة.

و الحاصل ان وقوع هذه الامور صحيحة مناقض لوقوع الاجازة لاصل العقد، فاذا وقع احد المتنافيين صحيحا، فلا بد من امتناع وقوع

______________________________

المؤثر من حين العقد.

و لا يخفى ان هذا لا يجرى بالنسبة الى مثل اجارة الدار، اذ:

الكشف أيضا لا محذور فيه.

و انما قلنا: الا انّه مخرج الخ (لان صحة الاجازة- على هذا النحو-) اى كونها كاشفة (توجب وقوعها) اى الاجازة (باطلة) لانها لا مجال لها من حين العقد، مثلا: لو آجر الفضول الدار من اوّل محرم التسعين، ثم آجرها المالك من نفس ذلك الزمان، تكون اجازة المالك لاجازة الفضول باطلة، اذ: الدار لا تصلح ان تكون اجارة عند اثنين (و اذا فرض وقوعها) اى الاستيلاد، و الاجارة، و التزويج (صحيحة) من المالك- كما هو مقتضى القاعدة- (منعت عن وقوع الاجارة) لان الاجازة و هذه الاعمال متنافيان.

(و الحاصل ان وقوع هذه الامور) الاستيلاد، و الاجارة، و التزويج (صحيحة مناقض لوقوع الاجازة) من المالك (لاصل العقد) الّذي اجراه الفضول على الامة، و الدار، و ما اشبه (فاذا وقع احد المتنافيين صحيحا) و هو هذه الامور التى اجراها المالك (فلا بد من امتناع وقوع

ص: 394

الآخر او ابطال صاحبه، او ايقاعه على غير وجهه.

و حيث لا سبيل الى الاخيرين تعيّن الاول.

و بالجملة كلما يكون باطلا- على تقدير لحوق الاجازة المؤثر من

______________________________

الآخر) اى المنافى الآخر الّذي هو الاجازة (او ابطال صاحبه) اى تقع الاجازة صحيحة، و تبطل صاحبها الّذي هو عبارة عن الاستيلاد، و الاجارة، و التزويج- فى المثال- (او ايقاعه) اى الصاحب (على غير وجهه) مثلا: اذا صحت اجازة المالك، لاجارة الفضولى من اوّل محرم التسعين، و آجر المالك أيضا من اوّل محرم التسعين، يلزم وقوع اجارة المالك على غير وجهه، بان تصح اجارته من اوّل محرم عام واحد و تسعين.

(و حيث لا سبيل الى الاخيرين) اى ابطال صاحبه، او ايقاعه الى غير وجهه.

و انما نقول: بانه لا سبيل، اذ: لا وجه لابطال الاجازة المتأخرة العمل الصحيح السابق، بل مقتضى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، لزوم العقد الّذي اجراه المالك، قبل ان يجيز عمل الفضول.

كما لا وجه لتحويل الاجازة المتأخرة العقد الّذي اجراه المالك سابقا، عن مجراه الى مجرى آخر، لانه مقتضى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

فحيث لا سبيل إليهما (تعيّن الاول) و هو بطلان الاجازة رأسا.

(و بالجملة كلما يكون باطلا) من تصرفات المالك (- على تقدير لحوق الاجازة) على الفضولى (المؤثر) ذلك اللحوق (من

ص: 395

حين العقد- فوقوعه صحيحا مانع من لحوق الاجازة، لامتناع اجتماع المتنافيين.

نعم: لو انتفع المالك بها قبل الاجازة بالسكنى، و اللبس كان عليه اجرة المثل اذا اجاز، فتأمل.

و منه يعلم انه لا فرق بين وقوع هذه

______________________________

حين العقد-) متعلق ب: المؤثر، (فوقوعه) اى ذلك التصرف،- و الضمير يرجع الى: كلما- (صحيحا مانع من لحوق الاجازة لامتناع اجتماع المتنافيين).

فاذا كان الاستيلاد صحيحا، كانت اجازة بيع الفضولى لها باطلة.

و اذا كانت الاجازة صحيحة، كان الاستيلاد باطلا، اى غير مؤثر اثره فى المنع عن بيع المستولدة.

(نعم: لو) باعها الفضول، و (انتفع المالك بها) اى بتلك العين المبيعة (قبل الاجازة بالسكنى، و اللبس) و الركوب، و ما اشبه، ثم اجاز المعاملة (كان عليه) اى على المالك (اجرة المثل) للاصيل (اذا اجاز) لان الاجازة- على الكشف- كشفت عن سبق ملك الاصيل، فيكون تصرف المالك موجبا للضمان (فتأمل) حيث انه لا فرق بين سكنى الدار و اجارتها فى انها اما منافيان لبيع الفضول، أو لا؟ فالفرق بينهما بكون الاجارة مانعة عن الاجازة، و السكنى غير مانعة، لا وجه له.

(و منه) اى مما ذكرنا من ان كل عمل ينافى الاجازة، يوجب كون الاجازة باطلة (يعلم انه لا فرق بين وقوع هذه) الامور المنافية للاجازة

ص: 396

مع الاطلاع على وقوع العقد، و وقوعها بدونه، لان التنافى بينهما واقعى.

و دعوى: انه لا دليل على اشتراط قابلية التأثير من حين العقد فى الاجازة.

______________________________

(مع الاطلاع) من المالك (على وقوع العقد، و وقوعها) اى هذه الامور (بدونه) اى بدون الاطلاع، فان المالك اذا استولد الامة كان ذلك منافيا للعقد الفضولى الواقع عليها قبلا، سواء علم المالك حين الاستيلاد بوقوع عقد فضولى عليها، أم لا؟ (لان التنافى بينهما) اى بين الاستيلاد و البيع الفضولى- مثلا- (واقعى) فى صورتى العلم و الجهل.

(و دعوى) انه من الممكن القول بعدم التنافى بين عقد الفضول، و بين بعض المذكورات التى اوقعها المالك، مثلا: اذا عقد الفضول يوم الجمعة على بيع الدار، و آجر المالك الدار فى يوم السبت لمدة يوم واحد، ثم اجاز البيع فى يوم الاحد، لم يكن تنافيا بين العقد و بين الاجارة، لان الاجازة انما تكشف عن صحة العقد من يوم الاحد- حتى على الكشف- و الانتقال من يوم الاحد لا ينافى الاجارة فى يوم السبت.

ف (انه: لا دليل على اشتراط قابلية التأثير) للعقد الفضولى (من حين العقد فى الاجازة) متعلق ب: القابلية، اى قابلية الاجازة لان تؤثر فى عقد الفضول من حين العقد.

ص: 397

و لذا صحح جماعة- كما تقدم- اجازة المالك الجديد، فيمن باع شيئا ثم ملكه.

مدفوعة:- باجماع اهل الكشف- على كون اجازة المالك حين العقد مؤثرة من حينه.

______________________________

(و لذا) الّذي لا يلزم قابلية التأثير من حين العقد (صحح جماعة) من الفقهاء (- كما تقدم-) الكلام حوله (اجازة المالك الجديد، فيمن باع شيئا ثم ملكه) كما لو باع الولد مال ابيه يوم الجمعة، و مات الأب يوم السبت، فاجاز الولد البائع البيع يوم الاحد، فان الاجازة تنفذ فى صحة العقد الواقع على ملك الأب، مع ان الاجازة لا يمكن ان تكون نافذة من حين العقد، و انما نفوذها من حين الانتقال الى الولد بالارث.

فليكن ما نحن فيه أيضا كذلك، بان تكون الاجازة نافذة من حين الامكان، اى بعد تمام عمل المالك، لا من حين العقد، حتى تقولون بانها منافية لعمل المالك.

(مدفوعة) هذه الدعوى (- باجماع اهل الكشف-) الذين يقولون بان الاجازة كاشفة، و ليست بناقلة (على كون اجازة المالك حين العقد) ظرف للمالك، اى الّذي كان مالكا من حين العقد- فى مقابل من ملك بعد العقد- (مؤثرة من حينه) اى من حين العقد، فالاجماع هو الفارق بين مسئلة: من باع ثم ملك، و بين مسئلة: من كان مالكا ثم عمل عملا ينافى العقد، بان الاجازة فى: من باع ثم ملك،

ص: 398

نعم لو قلنا: بان الاجازة كاشفة- بالكشف الحقيقى- الراجع الى كون المؤثر التام، هو العقد الملحوق بالاجازة كانت التصرفات مبنية على الظاهر، و بالاجازة ينكشف عدم مصادفتها للملك، فتبطل هى، و تصح الاجازة.

بقى الكلام فى التصرفات غير المنافية لملك المشترى من حين العقد

______________________________

تؤثر من حين الامكان، و فى: من كان مالكا، لا بد و ان تؤثر من حين العقد.

لكن حيث لا يمكن تأثيرها من حين العقد، لعمل المالك عملا منافيا فلا بد ان نقول ببطلان الاجازة و عدم صحة العقد الفضولى اصلا.

(نعم لو قلنا: بان الاجازة كاشفة- بالكشف الحقيقى-) لا الكشف الحكمى (الراجع) هذا القول (الى كون المؤثر التام، هو العقد الملحوق بالاجازة) بان لا مدخلية للاجازة- الاعلى نحو الشرط المتأخر- (كانت التصرفات) من المالك، صحتها (مبنية على الظاهر) حيث لم تأت الاجازة بعد، حتى تكشف عن بطلان تلك التصرفات (و بالاجازة ينكشف عدم مصادفتها) اى مصادفة تلك التصرفات (للملك) للمالك، بل كان الشي ء ملكا للمشترى واقعا (فتبطل هى) اى تلك التصرفات، كاجازة المالك للدار، و استيلاده للجارية (و تصح الاجازة) لكن القول بالكشف الحقيقى محل مناقشة.

(بقى الكلام فى التصرفات غير المنافية لملك المشترى) اذا تصرف المالك بتلك التصرفات، بعد العقد و قبل الاجازة (من حين العقد) متعلق ب: ملك المشترى اى كون المشترى مالكا من حين العقد الفضولى

ص: 399

كتعريض المبيع، و البيع الفاسد.

و هذا أيضا على قسمين:

لانه اما ان يقع حال التفات المالك الى وقوع العقد من الفضولى على ماله.

و اما ان يقع فى حال عدم الالتفات.

اما الاول: فهو ردّ فعلى للعقد.

و الدليل على الحاقة

______________________________

لا تنافيه تلك التصرفات (كتعريض) المالك (المبيع) الى البيع (و) ك (البيع الفاسد) بان يبيعه المالك بيعا فاسدا.

(و هذا) اى التصرف غير المنافى، من المالك (أيضا على قسمين) كما ان التصرفات المنافية كانت منقسمة الى تصرف مقارن لعلم المالك بالعقد الفضولى، و تصرف مقارن لجهل المالك.

(لانه اما ان يقع حال التفات المالك الى وقوع العقد من الفضولى على ماله) متعلق ب: وقوع.

(و اما ان يقع) التصرف من المالك (فى حال عدم الالتفات).

(اما الاول: فهو ردّ فعلى للعقد) كما لو علم المالك ان الفضولى باع داره بالف، و مع ذلك عرضها المالك للبيع، فانه اذا لم تبع الدار لم يكن للمالك بعد ذلك اجازة عقد الفضول، لان تعريضها للبيع رد لعقد الفضولى.

(و الدليل على الحاقة) اى الرد القولى- فى ابطال عقد الفضول-

ص: 400

بالرد القولى- مضافا الى صدق الرد عليه، فيعمّه- ما دل على ان للمالك الرد، مثل ما وقع فى نكاح العبد، و الامة بغير اذن مولاه و ما ورد فيمن زوجته أمه، و هو غائب من قوله عليه السلام: ان شاء قبل، و ان شاء ترك الا ان يقال: ان الاطلاق مسوق لبيان: ان له الترك، فلا تعرض فيه لكيفيته ان المانع من صحة الاجازة بعد الرد القولى موجود فى الرد الفعلى، و هو: خروج المجيز بعد الرد عن كونه بمنزلة احد طرفى

______________________________

(بالرد القولى) كما لو قال المالك رددت (- مضافا الى صدق الرد عليه فيعمه-) اى يشمل الرد الفعلى (ما دل على ان للمالك الرد، مثل) مثال ل: ما دل (ما وقع فى نكاح العبد، و الامة بغير اذن مولاه) حيث قال الامام عليه السلام: ذلك الى مولاه، ان شاء فرق بينهما، و ان شاء اجاز نكاحهما (و ما ورد فيمن زوجته أمه، و هو غائب، من قوله عليه السلام: ان شاء قبل، و ان شاء ترك) الى غيرهما من الروايات الواردة بهذا المضمون.

اللهم (الا ان يقال) لا دلالة لهذه، الروايات على المقصود ل (ان الاطلاق) فيها (مسوق لبيان: ان له) للمولى و الولد (الترك) للنكاح (فلا تعرض فيه) اى فى الاطلاق (لكيفيته) و ان الرد هل يحصل بمجرد التعريض للبيع، و لنكاح جديد- مثلا- او يحتاج الى ردّ لفظى؟

(ان المانع من صحة الاجازة) هذا خبر قوله: و الدليل (بعد الرد القولى) من المالك للعقد الفضولى (موجود فى الرد الفعلى، و هو) اى المانع (خروج المجيز بعد الرد عن كونه بمنزلة احد طرفى

ص: 401

العقد مضافا الى فحوى الاجماع المدعى على حصول فسخ ذى الخيار بالفعل، كالوطى، و البيع، و العتق، فان الوجه فى حصول الفسخ هى دلالتها على قصد فسخ البيع، و الا فتوقفها على الملك، لا يوجب حصول الفسخ

______________________________

العقد) فلا يشمله دليل: الوفاء بالعقد (مضافا) فى الاستدلال على كون الرد الفعلى موجبا لبطلان العقد الفضولى (الى فحوى الاجماع المدعى على حصول فسخ ذى الخيار ب) سبب اتيانه ب (الفعل) المنافى للعقد (كالوطى، و البيع، و العتق) فاذا باع المالك جاريته و جعل الخيار لنفسه ثم وطئ الجارية او باعها او عتقها كان عمله هذا فسخا للعقد السابق، فاذا كان الفعل فسخا للعقد الثابت، كان الفعل ابطالا للعقد الّذي لم يصدق عليه المالك بعد، بطريق اولى.

اذ: فى باب الخيار، العقد ثبت، و هنا العقد لم يثبت بعد (فان الوجه فى حصول الفسخ) بالوطى، و ما اشبه (هى دلالتها على قصد فسخ البيع) فاذا دلت هذه الافعال على قصد الفسخ فاوجبت الفسخ، كانت دلالتها فى باب الفضولى اولى (و الا) يكن وجه الفسخ فى هذه الافعال دلالتها على قصد الفسخ، بل كان الوجه شيئا آخر لم يكن وجه، وجيه.

اذ غاية ما يمكن ان يقال: فى وجه كونها فاسخة ان هذه الافعال تتوقف على ملك الفاعل، للجارية، و التوقف على الملك لا يوجب كونها فسخا (ف) ان (توقفها) اى هذه الافعال (على الملك، لا يوجب حصول الفسخ)

ص: 402

بها، بل يوجب بطلانها، لعدم حصول الملك المتوقف على الفسخ قبلها حتى تصادف الملك.

و كيف كان فاذا صلح الفسخ الفعلى لرفع اثر العقد الثابت المؤثر فعلا، صلح لرفع اثر العقد المتزلزل، من حيث الحدوث القابل للتأثير بطريق اولى.

و اما الثانى: و هو ما

______________________________

للعقد (بها) اى بهذه الافعال (بل يوجب بطلانها) اى بطلان هذه الافعال، بان يكون الوطي حراما، و البيع و العتق غير نافذين، لانها وردت على غير الملك (لعدم حصول الملك المتوقف على الفسخ) اذ: انما يملك المالك البائع، الشي ء المبيع، اذا فسخ العقد، فالملك متوقف على الفسخ (قبلها) اى قبل هذه الافعال (حتى تصادف) هذه الافعال (الملك) من الفاعل لها.

(و كيف كان) الامر (فاذا صلح الفسخ الفعلى لرفع اثر العقد الثابت المؤثر فعلا) كالوطى من المالك، فيما اذا كان له خيار، فان العقد ثابت و مؤثر فعلا لملكية المشترى، و مع ذلك الوطي يرفع هذا العقد المؤثر (صلح) الفعل (لرفع اثر العقد المتزلزل، من حيث الحدوث) و هو عقد الفضول الّذي لم يثبت بعد (القابل) ذلك العقد (للتأثير) اذا انضم إليه اجازة المالك (بطريق اولى) فان دفع الثابت اصعب من دفع ما يريد ان يثبت.

(و اما الثانى: و هو ما) اذا اوقع المالك فعلا على الشي ء المبيع

ص: 403

يقع فى حال عدم الالتفات فالظاهر عدم تحقق الفسخ به، لعدم دلالته على إنشاء الرد، و المفروض عدم منافاته أيضا للاجازة اللاحقة، و لا يكفى مجرد رفع اليد عن الفعل بانشاء ضده، مع عدم صدق عنوان الرد الموقوف على القصد، و الالتفات الى وقوع المردود، نظير انكار الطلاق الّذي جعلوه رجوعا، و لو مع عدم الالتفات الى وقوع الطلاق- على

______________________________

فضولة مع جهله بالمعاملة الفضولية، بان (يقع) الفعل (فى حال عدم الالتفات) كما لو وطئ الجارية، و هو لا يعلم ان الفضول قد باعها (فالظاهر عدم تحقق الفسخ به) بهذا الفعل (لعدم دلالته) اى الفعل (على إنشاء الردّ، و المفروض عدم منافاته) اى الفعل الصادر بدون التفات (أيضا للاجازة اللاحقة) فلا يكون الفعل مبطلا، لا من جهة كونه إنشاء الرد، و لا من جهة كونه: منافيا بحيث يبطل العقد الفضولى السابق (و لا يكفى) فى الرد (مجرد رفع اليد) القهرى (عن الفعل) الّذي هو عقد الفضول (بانشاء ضده) بان يأتى المالك بشي ء هو ضد العقد (مع عدم صدق عنوان الرد الموقوف) ذلك العنوان (على القصد، و الالتفات) من الفاعل المالك (الى وقوع المردود) متعلق ب: الالتفات (نظير) اى لا يكفى إنشاء الضد هنا، و ان قالوا بالكفاية فى باب رد الطلاق (انكار الطلاق) كما لو طلق الرجل زوجته طلاقا رجعيا، ثم قيل له: هل طلقت زوجتك، فقال: لا (الّذي جعلوه) اى الانكار (رجوعا، و لو مع عدم الالتفات) حين الانكار (الى وقوع الطلاق) منه سابقا (- على

ص: 404

ما يقتضيه اطلاق كلامهم-.

نعم: لو ثبت كفاية ذلك فى العقود الجائزة كفى هنا، بطريق اولى كما عرفت-.

لكن لم يثبت ذلك هنا فالمسألة محل اشكال

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 7، ص: 405

______________________________

ما يقتضيه اطلاق كلامهم-) حيث انهم جعلوا: الانكار، رجوعا الى المرأة، سواء كان ملتفتا حين الانكار الى انه طلق سابقا، أم لم يكن ملتفتا؟.

(نعم: لو ثبت كفاية ذلك) الفعل المضاد من غير التفات (فى العقود الجائزة) كما لو وهب ماله لشخص هبة جائزة، ثم تصرف فيها تصرفا مضادا، كما لو باع المال لآخر، من دون التفات الى انه وهبه سابقا، و قلنا: بان البيع اللاحق يبطل الهبة الجائزة (كفى هنا) فى باب الفضولى اذا تصرف المالك فى المال تصرفا مالكيا ينافى العقد الفضولى، و كان المالك غير ملتفت الى العقد الفضولى، (بطريق اولى) لان العقد الجائز متزلزل من حيث البقاء، و الفضولى متزلزل من حيث الحدوث، فاذا كان تصرف يوجب فسخ المتزلزل بقاء- مع ان المالك هو الّذي عقد- كان التصرف موجبا لرد الفضولى بطريق اولى الّذي هو متزلزل حدوثا (- كما عرفت-) الاولوية سابقا قبل اسطر.

(لكن لم يثبت ذلك) اى كفاية الفعل فى فسخ العقد الجائز (هنا) فى باب العقود الجائزة (فالمسألة) اى مسئلة الرد للفضولى، بمجرد الفعل المنافى بدون قصد، و التفات (محل اشكال) هل يكون

ص: 405

بل الاشكال فى كفاية سابقه أيضا.

فان بعض المعاصرين يظهر منهم دعوى الاتفاق على اعتبار اللفظ فى الفسخ كالاجازة.

و لذا استشكل فى القواعد فى بطلان الوكالة، بايقاع العقد الفاسد على متعلقها جاهلا بفساده.

و قرره فى الايضاح، و جامع المقاصد على الاشكال.

و الحاصل: ان المتيقن من الرد

______________________________

ردا أم لا؟ (بل الاشكال فى كفاية سابقه) اى كون الفعل مع القصد و الالتفات يكون ردا للفضولى (أيضا) كالاشكال فى الفعل بلا قصد و التفات.

(فان بعض المعاصرين يظهر منهم دعوى الاتفاق على اعتبار اللفظ فى الفسخ) للفضولى (كالاجازة) التى هى محتاجة الى اللفظ أيضا.

(و لذا) الّذي ذكرنا من الاحتياج الى اللفظ (استشكل فى القواعد فى بطلان الوكالة، بايقاع العقد الفاسد على متعلقها) اى متعلق الوكالة فى حالكون العاقد (جاهلا بفساده) اى فساد العقد، كما لو و كل زيد عمروا فى بيع داره، ثم باعها زيد من بكر بيعا فاسدا- كما لو كان الثمن مثلا مجهولا- فان العلامة اشكل فى كون هذا البيع الفاسد مبطلا للوكالة مع ان البيع فعل ينافى الوكالة.

(و قرره) اى القواعد (فى الايضاح، و جامع المقاصد على الاشكال) بان لم يردا اشكال العلامة.

(و الحاصل: ان المتيقن من الرد) للبيع الفضولى الموجب لزوال

ص: 406

هو الفسخ القولى، و فى حكمه تفويت محل الاجازة بحيث لا يصح وقوعها على وجه يؤثر من حين العقد.

و اما الرد الفعلى، و هو الفعل المنشأ به مفهوم الرد فقد عرفت نفى البعد عن حصول الفسخ به.

و اما مجرد ايقاع ما ينافى مفهومه، قصد بقاء العقد من غير تحقق مفهوم الرد، لعدم الالتفات الى وقوع العقد.

فالاكتفاء به مخالف للاصل.

______________________________

اثر العقد (هو الفسخ القولى) اما الفسخ الفعلى ففيه اشكال (و فى حكمه) اى حكم القولى (تفويت محل الاجازة) اى الشي ء الّذي وقع عليه الفضولى (بحيث لا يصح وقوعها) اى الاجازة (على وجه يؤثر من حين العقد) كما لو استولد المالك الامة.

(و اما الرد الفعلى) الّذي لا يفوت محل الاجازة، كما لو باع المالك المتاع (و هو الفعل المنشأ به مفهوم الرد، فقد عرفت نفى البعد عن حصول الفسخ به) بان اتى المالك بالفعل قاصدا به رد العقد الّذي اوقعه الفضولى.

(و اما مجرد ايقاع ما ينافى مفهومه) اى مفهوم المنافى ف: مفهومه فاعل ينافى، و مصداق: ما، هو الفعل (قصد بقاء العقد) «قصد» مفعول: ينافى، (من غير تحقق مفهوم الرد) بذلك الفعل (لعدم الالتفات) من المالك (الى وقوع العقد) من الفضول.

(فالاكتفاء به) اى مجرد ايقاع ما ينافى (مخالف للاصل) لاصالة

ص: 407

و فى حكم ما ذكرنا: الوكالة و الوصاية.

و لكن الاكتفاء فيهما بالرد الفعلى، اوضح.

و اما الفسخ فى العقود الجائزة بالذات، او الخيار، فهو منحصر باللفظ، او الرد الفعلى.

و اما فعل ما لا يجامع صحة العقد، كالوطى، و العتق

______________________________

بقاء قابلية العقد للحوق الاجازة به ما لم يخرج بالدليل، و الدليل دل على سقوط القابلية فى الرد القولى، و الفعلى المنشأ بقصد الرد.

(و فى حكم ما ذكرنا) من العقد الفضولى، و ان الرد القولى و الفعلى المنشأ بقصد الرد يبطلانه (الوكالة و الوصاية) فلو وكل انسانا، او اوصى الى انسان، ثم رد الوكالة و الوصاية باللفظ، او بفعل إنشاء بقصد الرد بطلتا.

(و لكن الاكتفاء فيهما) اى فى الوكالة و الوصاية (بالرد الفعلى، اوضح) لانهما فى ذاتهما الجواز، بخلاف البيع الفضولى فانه فى ذاته اللزوم.

(و اما الفسخ فى العقود الجائزة بالذات) كالهبة غير اللازمة (او) الجائزة ب (الخيار) كالبيع، و الاجازة بخيار من احد الطرفين (فهو) اى الفسخ (منحصر باللفظ، او الرد الفعلى) كان يبيع لعمرو، ما باعه بيعا خياريا، لزيد، و يكون بيعه الثانى بقصد فسخ البيع الاول.

(و اما فعل) من له الفسخ لجواز او لخيار (ما) اى عملا (لا يجامع) ذلك العمل (صحة العقد) السابق (كالوطى) للامة (و العتق) للعبد،

ص: 408

و البيع، فالظاهر: ان الفسخ بها من باب تحقيق القصد قبلها لا لمنافاتها لبقاء العقد، لان مقتضى المنافات بطلانها لا انفساخ العقد عكس ما نحن فيه، و تمام الكلام فى محله.

______________________________

فانه لا يجامع كون الامة و العبد للغير، اذ: لا وطى الا فى ملك، و:

لا عتق الا فى ملك (و) كذا (البيع، فالظاهر: ان الفسخ بها) اى بالوطى و العتق، و البيع، ليس لانها فعلا ينافى صحة العقد، بل (من باب تحقق القصد) اى قصد الواطئ و المعتق (قبلها) اى قبل الوطي و العتق و البيع (لا لمنافاتها لبقاء العقد).

و انما قلنا: ان الظاهر (لان مقتضى المنافات) بين العقد السابق و بين الوطي و العتق اللاحق (بطلانها) اى حرمة الوطي و بطلان العتق و البيع (لا انفساخ العقد) السابق عليها، اذ: الوطي و العتق و البيع- بناء على عدم قصد ذى الخيار، ابطال العقد السابق- وقعت فى ملك الناس، فمقتضى القاعدة: انها تبطل، لا انها تبطل العقد السابق (عكس ما نحن فيه) من العمل المنافى الصادر من المالك فى باب العقد الفضولى، فان مقتضى صدور الوطي و العتق و البيع من المالك- فيما عقد الفضول سابقا على الامة و العبد و البيع- ابطالها للعقد الفضول، لانها صدرت فى ملكه و نفت العقد.

و الحاصل: ان فى باب الخيار المالكى، لو فعل ذو الخيار منافيا للعقد بطل المنافى، لان المال ليس ملكه، و فى باب الفضولى، لو فعل المالك منافيا لعقد الفضول بطل العقد، لان المال ملكه (و تمام الكلام فى محله)

ص: 409

ثم: ان الرد انما يثمر فى عدم صحة الاجازة بعده.

و اما انتزاع المال من المشترى لو اقبضه الفضولى، فلا يتوقف على الرد، بل يكفى فيه عدم الاجازة.

و الظاهر ان الانتزاع بنفسه رد مع القرائن الدالة على ارادته منه لا مطلق الاخذ، لانه اعم.

و لذا ذكروا: ان الرجوع فى الهبة لا يتحقق به.

______________________________

فى باب فسخ ذى الخيار فسخا فعليا مع القصد، او بدون القصد.

(ثم: ان الرد انما يثمر فى عدم صحة الاجازة بعده) اى بعد الرد فلو رد المالك عقد الفضول، ثم اجاز بعد الرد لم تكن اجازته مثمرة، لان العقد لا يكون عقده بعد الرد، عرفا، فلا يشمله: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

(و اما انتزاع المال من المشترى لو اقبضه) اى اقبض المال الى المشترى (الفضولى، فلا يتوقف على الرد، بل يكفى فيه) اى فى الانتزاع (عدم الاجازة) فلو انتزعه كان له ان يجيز بعد ذلك لان الانتزاع ليس ردا.

(و) لكن (الظاهر) من العرف الّذي هو الميزان فى تطبيق الكليات على المصاديق (ان الانتزاع بنفسه رد مع القرائن الدالة على ارادته) اى إرادة المالك الرد (منه) اى من الانتزاع (لا مطلق الاخذ) و الانتزاع من المشترى، يكون ردا (لانه) اى الاخذ (اعم) من الرد، لامكان ان يكون المالك اخذ المال حتى يعطيه المشترى الثمن، ثم يسلم المال إليه.

(و لذا ذكروا: ان الرجوع فى الهبة) الجائزة (لا يتحقق به) اى بالاخذ لامكان ان يكون اخذه بقصد الغصب، او ما اشبه.

ص: 410

سيصدر القسم الرابع من كتاب البيع عن قريب إن شاء اللّه تعالى

ص: 411

محتويات الكتاب

الموضوع الصفحة

فى شرطية اذن المولى ان كان العاقد مملوكا 3

فى ان من شروط المتعاقدين ان يكونا مالكين او مأذونين 22

فى بيع الفضولى و اقسامه 26

فى بيع الفضولى للمالك مع عدم منع سابق من المالك 31

فى الاستدلال بصحة عقد الفضولى 33

فى ادلة المبطلين للعقد الفضولى 68

فى بيع الفضولى للمالك مع سبق المنع من المالك 89

فى بيع الفضولى لنفسه 94

فى عدم الفرق بين بيع الفضولى عقدا او معاطاة 150

فى الاجازة و الردّ من المالك 161

فى ان كاشفية الاجازة على وجوه ثلاثة 186

فى بيان الثمرة بين الكشف و النقل 190

فى ان الخلاف فى كون الاجازة ناقلة او كاشفة فى حكمها الشرعى 227

فى ان الاجازة يلزم ان تكون باللفظ 228

فى ان من شروط الاجازة ان لا يسبقها الردّ 238

فى ان الاجازة من الاحكام لا من الحقوق 241

ص: 412

الموضوع الصفحة فى ان اجازة البيع ليست اجازة للقبض و الاقباض 243

فى ان الاجازة ليست بفورى 247

فى ان الاجازة هل يعتبر مطابقتها للعقد أم لا؟ 248

فى ان صحة الاجازة هل تكون مع الشرط او بدونه 250

فى اشتراط ان المجيز يلزم ان يكون جائز التصرف حال الاجازة 252

فى انه هل يشترط فى صحة عقد الفضولى وجود مجيز أم لا؟ 253

فى عدم اشتراط كون المجيز جائز التصرف حال العقد 261

فى ما لو باع لنفسه ثم اشتراه من المالك 264

فى الاشكالات على صحة بيع: من باع ثم ملك 267

فى بيان المراد بفساد البيع 310

فى ما لو باع معتقدا انه غير جائز التصرف فبان خلافه 333

فى الامور المربوطة بالمجاز 358

فى ترتب عقود متعددة على مال المجيز 374

فى احكام الرد 392

فى التصرفات غير المنافية لملك المشترى 399

محتويات الكتاب 412

ص: 413

المجلد 8

هویة الکتاب

سرشناسه : حسینی شیرازی، محمد، 1380 - 1305، شارح

عنوان و نام پدیدآور : ایصال الطالب الی المکاسب: شرح واف بغرض الکتاب، تیعرض لحل مشکلاته و ابداآ مقاصد فی ایجاز و توضیح/ محمد الحسینی الشیرازی

مشخصات نشر : تهران : موسسه کتابسرای اعلمی ، 1385.

مشخصات ظاهری : ج 16

شابک : 964-94017-6-8(دوره): ؛ 964-7860-59-5(ج. 1): ؛ 964-7860-58-7(ج. 2): ؛ 964-7860-57-9(ج. 3): ؛ 964-7860-56-0(ج. 4): ؛ 964-7860-54-4(ج. 6): ؛ 964-7860-53-6(ج. 7): ؛ 964-7860-55-2(ج. 8): ؛ 964-7860-52-8(ج. 9): ؛ 964-7860-51-X(ج. 10): ؛ 964-7860-50-1(ج. 11): ؛ 964-7860-49-8(ج. 12): ؛ 964-7860-45-X(ج. 13): ؛ 964-7860-47-1(ج. 15):

یادداشت : عربی

یادداشت : فهرست نویسی براساس اطلاعات فیپا

یادداشت : کتاب حاضر شرحی بر "المکاسب مرتضی بن محمد امین انصاری" است

عنوان دیگر : المکاسب. شرح

موضوع : انصاری، مرتضی بن محمدامین، 1281 - 1214ق. المکاسب -- نقد و تفسیر

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفری -- قرن ق 13

شناسه افزوده : انصاری، مرتضی بن محمدامین ، 1281 - 1214ق. المکاسب. شرح

رده بندی کنگره : BP190/1/الف8م702133 1385

رده بندی دیویی : 297/372

شماره کتابشناسی ملی : م 85-16816

ص: 1

اشارة

ص: 2

الجزء الثامن

[ مقدمة المؤلف ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الحمد للّه رب العالمين وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين وبعد فهذا هو القسم الرابع من البيع من كتابنا ( ايصال الطالب ) في شرح الكتاب المعظم ( المكاسب ) للشيخ الفذّ آية اللّه الشيخ مرتضى الأنصاري قدس سره .

كتبته عسى ان يستفيد به المبتدى .

وجعله اللّه ذخرا ليوم فاقتي .

كربلاء المقدسة محمد بن المهدى الحسيني الشيرازي

ص: 3

[ تتمة كتاب البيع ]

[ تتمة الكلام في شروط المتعاقدين ]

[ تتمة مسألة ومن شروط المتعاقدين أن يكونا مالكين أو مأذونين من المالك أو الشارع ]

[ مسائل متفرقة ]

مسئلة : لو لم يجز المالك ، فإن كان المبيع في يده فهو ، والا فله انتزاعه

ممن وجده في يده ، مع بقائه ويرجع بمنافعه المستوفاة وغيرها على الخلاف المتقدم في البيع الفاسد ، ومع التلف يرجع إلى من تلف عنده ، بقيمته يوم التلف ، أو بأعلى القيم ، من زمان وقع في يده

_________________________

( مسئلة ) من توابع الإجازة والرد ( لو لم يجز المالك ) عقد الفضول ( فإن كان المبيع في يده ) اى يد المالك ( فهو ، والا فله ) اى للمالك ( انتزاعه ) اى المبيع ( ممن وجده في يده ) سواء البائع ، أو المشترى الأول ، أو غيره ! ( مع بقائه ) اى المبيع موجودا بذاته ( ويرجع ) المالك أيضا ( بمنافعه المستوفاة ) كثمرة البستان ، ولبن الانعام ، وما أشبه ( وغيرها ) اى المنافع غير المستوفاة ، كما لو كانت دارا ، وكان إيجارها مائة ولم يستوف الغاصب ، أو المشترى الايجار ، فان للمالك اخذ الايجار من الغاصب ( على الخلاف المتقدم في ) باب ( البيع الفاسد ) في انه هل للمالك استيفاء المنافع غير المستوفاة ، أم لا ؟ ( ومع التلف ) للمبيع ، كما لو ماتت الدابة عند المشترى الفضولي ( يرجع ) المالك ( إلى من تلف عنده ) اى ان قرار الضمان عليه ، وإن كان يحق للمالك الرجوع إلى كل من وضع يده على الملك ، سواء كان عالما بأنه مال المالك ، أم جاهلا ، ( بقيمته يوم التلف ) سواء كانت أزيد ، أو أقل ، أو مساوية لقيمته السابقة على المتلف . ( أو بأعلى القيم ، من زمان وقع في يده ) اى في يد من تلف

ص: 4

ولو كان قبل ذلك في ضمان آخر ، وفرض زيادة القيمة عنده ثم نقصت عند الأخير اختص السابق بالرجوع بالزيادة عليه ، كما صرح به جماعة في الا يدي المتعاقبة هذا كله حكم المالك مع المشترى .

واما حكم المشترى مع الفضولي ، فيقع الكلام فيه تارة في الثمن وأخرى فيما يغرمه للمالك زائدا على الثمن ،

_________________________

عنده ، فمثلا : غصبه الغاصب وقيمته مائة ، وباعه ، فتراوحت قيمته عند المشترى من التسعين إلى عشرين ، فان للمالك ان يأخذ تسعين من المشترى الّذي تلف المال عنده ( ولو كان ) المال ( قبل ذلك ) التلف في يد المشترى - مثلا - ( في ضمان ) انسان ( آخر ) كما لو كان في ضمان الغاصب البائع ( وفرض زيادة القيمة عنده ) كما مثلنا بان قيمته كانت مائة حين كان في يد البائع ( ثم نقصت ) القيمة ( عند الأخير ) كما لو صارت تسعين - كما في المثال - ( اختص السابق ) كالغاصب - في المثال - ( بالرجوع بالزيادة عليه ) اى على ذلك السابق ، فيأخذ المالك العشرة منه ، والتسعين من المشترى ( كما صرح به جماعة في الا يدي المتعاقبة ) على مال ( هذا كله حكم المالك مع المشترى ) الّذي يأخذ منه أعلى القيم ويأخذ الزائد من البائع .

( واما حكم المشترى مع الفضولي ، فيقع الكلام فيه تارة في الثمن ) الّذي دفعه المشترى إلى الفضول ، وقد اخذه المالك من المشترى أو اخذ منه عين المال ( وأخرى فيما يغرمه ) المشترى ( للمالك زائدا على الثمن ) كما لو دفع إلى الفضول عشرة ثمنا للكتاب ، ثم ترقى الكتاب

ص: 5

فهنا مسئلتان

الأولى : انه يرجع عليه بالثمن ان كان جاهلا بكونه فضوليا ،

سواء كان باقيا ، أو تالفا .

ولا يقدح في ذلك اعترافه بكون البائع مالكا ، لان اعترافه مبنى على ظاهر يده .

_________________________

تلف ، فاخذ المالك منه عشرين ، فان العشرة الزائدة هل تذهب من كيس المشترى ، أو كيس الفضول ؟

( فهنا مسئلتان ) .

المسألة ( الأولى : انه ) اى المشترى ( يرجع عليه ) اى على الفضول ( بالثمن ) الّذي دفعه المشترى إلى الفضول ( ان كان ) المشترى ( جاهلا بكونه ) اى البائع ( فضوليا ، سواء كان ) المال ( باقيا ، أو تالفا ) فإن كان المال باقيا اخذ المالك عين المال ، وان كان تالفا اخذ بدله .

وعلى كل فقد خسر المشترى الثمن والمثمن ، فهو يرجع إلى الفضول بالثمن .

( ولا يقدح في ذلك ) اى في رجوع المشترى بالثمن إلى الفضول ( اعترافه ) اى المشترى ( بكون البائع مالكا ) .

وجه القدح : انه حيث اعترف بذلك حال العقد ، يكون يرى المالك غاصبا ، ومن المعلوم : انه لو سلب الغاصب من المشترى شيئا لم يكن للمشترى الرجوع به إلى البائع ( لان اعترافه مبنى على ظاهر يده ) ومثل هذا الاعتراف لا يوجب ذهاب احترام مال المعترف ، لو تبين بطلان اعترافه ، بان ظهران المثمن لم يكن للبائع .

ص: 6

نعم : لو اعترف به على وجه يعلم عدم استناده إلى اليد ، كأن يكون اعترافه بذلك بعد قيام البينة ، لم يرجع بشيء .

ولو لم يعلم استناد الاعتراف إلى اليد ، أو إلى غيره ، ففي الاخذ بظاهر الحال ، من استناده إلى اليد ، أو بظاهر لفظ الاقرار من دلالته

_________________________

( نعم لو اعترف ) المشترى ( به ) اى بكون المثمن للبائع ( على وجه يعلم عدم استناده إلى اليد ، كان يكون اعترافه بذلك ) اى بكون المال للبائع ( بعد قيام البينة ) بان المال للبائع ( لم يرجع بشيء ) لان المشترى حينذاك معترف بان من ادعى الملك لاحق له في ذلك ، فليس له ان يأخذ بدل المال من البائع ، لان حال المشترى حينئذ حال من اخذ الغاصب المال منه ، واىّ ربط للبائع فيما لو غصب غاصب مال المشترى .

ثم الفرق بين البيّنة واليد : ان البيّنة - وان علم خطائه - لا يحق رفع اليد عنها ، الا بدليل ، بخلاف : اليد ، فإنه يحق رفع اليد عنها إذا علم بخطئها .

نعم : لا فرق في مرحلة الواقع بين الامرين ، فيحق للمشترى التّقاص واقعا ، فتأمل .

( ولو لم يعلم استناد الاعتراف ) من المشترى بان المال للبائع ( إلى اليد ، أو إلى غيره ) كالبيّنة ( ففي الاخذ بظاهر الحال ، من استناده إلى اليد ) فللمشتري الحق في الرجوع إلى البائع ( أو بظاهر لفظ الاقرار ) اى اقرار المشترى ، لأنه مقربان المال للبائع ( من دلالته ) اى اقرار المشترى

ص: 7

على الواقع ، وجهان وان كان عالما بالفضولية ، فإن كان الثمن باقيا استرده ، وفاقا للعلامة ، وولده ، والشهيدين والمحقق الثاني ره إذ :

لم يحصل منه ما يوجب انتقاله عنه شرعا .

ومجرد تسليطه عليه لو كان موجبا لانتقاله لزم الانتقال في البيع الفاسد ، لتسليط كل من المتبايعين صاحبه على ماله

_________________________

( على الواقع ، وجهان ) لتعارض الظاهرين ، ولا مرجّح لأحدهما على الآخر .

ولا يخفى : ان الكلام يحتاج إلى تفصيل ان المراد بالاخذ فيما لو علم المشترى بان المال لم يكن للبائع .

أو ان ورثة المشترى - مثلا - أرادوا الرجوع ، لان المشترى اعترف لديهم بالعلم ( وان كان ) المشترى - حين الاشتراء من البائع - ( عالما بالفضولية ، فإن كان الثمن باقيا ) لدى البائع الفضول ( استردّه ، وفاقا للعلامة ، وولده ، والشهيدين ، والمحقق الثاني ره إذ : لم يحصل منه ) اى من المشترى ( ما يوجب انتقاله ) اى الثمن ( عنه شرعا ) .

ولا يخفى : ان استرداده ليس خاصّا بصورة رجوع المالك إلى المشترى ، إذ : الثمن للمشترى ، سواء رجع البائع إليه ، أم لا

( و ) ان قلت : قد سلط المشترى البائع على مال نفسه ، فكيف يرجع إليه .

قلت : ( مجرد تسليطه ) اى المشترى ، البائع ( عليه ) اى على ماله ( لو كان موجبا لانتقاله ) اى انتقال المال إلى البائع ( لزم الانتقال في البيع الفاسد ) أيضا ( لتسليط كل من المتبايعين صاحبه على ماله ) مع أنهم

ص: 8

ولان الحكم بصحة البيع لو أجاز المالك هو المشهور يستلزم تملك المالك للثمن ، فان تملكه البائع قبله يلزم قوات محل الإجازة ، لان الثمن انما ملكه الغير ، فيمتنع تحقق الإجازة ، فتأمل .

وهل يجوز للبائع التصرف فيه ؟

_________________________

لا يقولون بذلك .

ووجهه : ان التسليط على قسمين .

الأول : التسليط المجاني ، وهذا إذا وجد فيه شروط الهبة ، أو كان اعراضا لم يكن للمسلط الرجوع فيه - فيما إذا كانت هبة لازمة - .

الثاني : التسليط بمقابل ، فإذا لم يكن في مقابل التسليط شيء واقعا لم يكن تسليط حتى لا يجوز للمسلط الرجوع انى ماله ( ولان الحكم ) اى حكمنا ( بصحة البيع ) الفضولي ( لو أجاز المالك ) كما ( هو المشهور ) حيث يقولون : بصحة الفضولي مع إجازة المالك ( يستلزم تملك المالك للثمن ) لان معنى الصحة ، هو تملك المالك للثمن ، وتملك المشترى للمثمن ( فان تملكه ) اى الثمن ( البائع ) الغاصب ( قبله ) اى قبل المالك ( يلزم فوات محل الإجازة ، لان الثمن انما ملكه الغير ) الّذي هو الغاصب ( فيمتنع تحقق الإجازة ) إذ : يكون المعوض حينئذ بدون عوض ( فتأمل ) إذ : يمكن ان يقال إن لزوم فوت محل الإجازة انما هو فيما إذا ملكه قبلها مطلقا ، واما إذا كان التمليك مراعى بعدم الإجازة فلا يفوت محل الإجازة .

( وهل يجوز للبائع التصرف فيه ) اى في الثمن فيما إذا كان

ص: 9

وجهان ، بل قولان أقواهما العدم ، لأنه اكل مال بالباطل ، هذا كله :

إذا كان باقيا ، واما لو كان تالفا فالمعروف عدم رجوع المشترى ، بل المحكى عن العلامة ، وولده ، والمحقق ، والشهيد الثانيين ، وغيرهم الاتفاق عليه .

ووجهه كما صرح به بعضهم كالحلى ، والعلامة ، وغيرهما ، ويظهر من آخر ، أيضا انه سلّطه على ماله بلا عوض .

_________________________

المشترى عالما بالفضولية وان البائع غاصب ( وجهان ، بل قولان ) .

الأول : الجواز ، لان المشترى هو الّذي أباح ماله للغاصب ، ولكن ( أقواهما العدم ، لأنه اكل مال بالباطل ) والمشترى لم يبح ماله مطلقا ، بل إباحة معاملية .

فحاله حال إباحة المقامر ماله لمن غلبه ، ومعطى الربا ماله للمرابى حيث إن الإباحة ليست مطلقة فيدخل في اكل مال الغير بلا سبب شرعي ( هذا كله : إذا كان ) المال ( باقيا ، واما لو كان تالفا ) في يد البائع ( فالمعروف ) بين الفقهاء ( عدم رجوع المشترى ) على البائع في اخذ ماله منه ( بل المحكى عن العلامة ، وولده ، والمحقق ، والشهيد الثانيين ، وغيرهم الاتفاق عليه ) .

( ووجهه ) اى وجه عدم الرجوع ( كما صرح به بعضهم كالحلى ، والعلامة ، وغيرهما ، ويظهر من آخر ، أيضا انه ) اى المشترى ( سلّطه ) اى البائع ( على ماله بلا عوض ) فلا مجال لرجوعه إليه .

ص: 10

توضيح ذلك : ان الضمان اما لعموم : على اليد ما اخذت ، واما لقاعدة : الاقدام على الضمان الّذي استدل به الشيخ ، وغيره ، على الضمان ، في فاسد ما يضمن بصحيحه .

والأول مخصص بفحوى ما دل على عدم ضمان من استأمنه المالك ودفعه إليه لحفظه ، كما في الوديعة ، أو الانتفاع به كما في العارية ، أو استيفاء المنفعة منه ، كما في العين المستأجرة ،

_________________________

( توضيح ذلك ) الوجه ( ان الضمان ) اى ضمان اىّ شخص ( امّا لعموم : على اليد ما اخذت ) حتى تؤدّى ( وامّا لقاعدة : الاقدام على الضمان ) فان كل من اقدم على ضمان شيء ، يكون ضامنا له ، ولذا لو قال :

القه في البحر ، وعليّ بدله يكون ضامنا لبدله ( الّذي استدل به الشيخ وغيره ، على الضمان ، في فاسد ما يضمن بصحيحه ) اى ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده .

اما الضمان بالصحيح ، فللأدلة .

واما الضمان بالفاسد ، فلان الضامن اقدم هو بنفسه على الضمان فيكون ضامنا .

( والأول ) اى عموم : على اليد ( مخصّص بفحوى ما دل على عدم ضمان من استأمنه المالك ) اى جعله أمينا ( ودفعه ) اى المال ( إليه ) اى إلى المستأمن ( لحفظه ) اى حفظ المال ( كما في الوديعة ، أو الانتفاع به كما في العارية ، أو استيفاء المنفعة ) المستحقة ( منه ، كما في العين المستأجرة ) فإنه إذا تلف العين في هذه الموارد بدون تقصير لم يكن :

ص: 11

فان الدفع على هذا الوجه ، إذا لم يوجب الضمان ، فالتسليط على التصرف فيه ، واتلافه مما لا يوجب ذلك بطريق أولى .

ودعوى : انه انما سلطه في مقابل العوض - لا مجانا - حتى يشبه الهبة الفاسدة التي تقدم على الضمان فيها .

مندفعة : بأنه انما سلطه في مقابل ملك غيره ، فلم يضمنه - في الحقيقة شيئا من كيسه ، فهو يشبه الهبة الفاسدة ، والبيع بلا ثمن ، والإجارة بلا اجرة

_________________________

من تلف عنده ضامنا .

( فان الدفع ) اى دفع المالك ماله ( على هذا الوجه ) اى وديعة وعارية ، وإجارة ( إذا لم يوجب الضمان ، فالتسليط ) اى تسليط المالك ( على التصرف فيه ، واتلافه ) كما في ما نحن فيه ( مما لا يوجب ذلك ) الضمان ( بطريق أولى ) إذ : هناك التسليط ليس بمجانى ، وللاتلاف ، وهنا :

التسليط مجانى وللاتلاف .

( ودعوى : انه ) اى المالك ( انما سلّطه ) اى سلّط الغاصب ( في مقابل العوض ) الّذي هو مال الغير ( - لا مجانا - حتى يشبه الهبة الفاسدة ) في عدم الضمان ( التي تقدم على الضمان فيها ) اى في الهبة الفاسدة .

( مندفعة : بأنه انما سلطه في مقابل ملك غيره ) لان العوض لم يكن مال البائع ( فلم يضمنه ) اى لم يضمن المشترى البائع ( - في الحقيقة - ) والواقع ( شيئا من كيسه ) اى كيس البائع ( فهو ) اى التسليط للغاصب ( يشبه الهبة الفاسدة ، والبيع بلا ثمن والإجارة بلا اجرة

ص: 12

التي قد حكم الشهيد وغير واحد ، بعدم الضمان فيها .

ومن ذلك يعلم : عدم جريان الوجه الثاني للضمان ، وهو الاقدام على الضمان ، هنا ، لان البائع لم يقدم على ضمان الثمن ، الا بما علم المشترى انه ليس ملكا له .

فان قلت : تسلّطه على الثمن بإزاء مال الغير لبنائه - ولو عدوانا - على كونه

_________________________

التي قد حكم الشهيد وغير واحد ) اى متعدد من الفقهاء ( بعدم الضمان فيها ) اى في المذكورات ، إذا تلفت العين في الهبة ، والبيع ، والإجارة .

( ومن ذلك ) اى وجه عدم جريان الوجه الأول للضمان ، وهو :

عموم على اليد ( يعلم : عدم جريان الوجه الثاني للضمان ، وهو الاقدام على الضمان هنا ) اى في من سلّط الغاصب على ماله - وهو المشترى - ( لان البائع ) الغاصب ( لم يقدم على ضمان الثمن ، الا بما ) اى في مقابل المثمن الّذي ( علم المشترى ) ب ( انه ليس ملكا له ) وهذا ليس اقداما على الضمان حتى يوجب الضمان .

( فان قلت ) كلّا ، فلقد اقدم البائع الغاصب على الضمان ، لأنه قال للمشترى : انا ضامن لثمنك في مقابل مالي الّذي هو المثمن - وانما كان المثمن ماله الا دعائي لا الواقعي - .

فقولكم : ان البائع لم يقدم على الضمان ، ليس بتام ، فان ( تسلطه ) اى تسلط البائع ( على الثمن ) ليس مجانا ، وانما هو ( بإزاء مال الغير لبنائه ) اى الغاصب ( - ولو عدوانا - ) فيما يعلم أنه مال الغير ( على كونه )

ص: 13

ملكا له ، ولولا هذا البناء ، لم يتحقق مفهوم المعاوضة ، كما تقدم في تصحيح بيع الغاصب لنفسه ، فهو انما سلطه على وجه يضمنه بماله ، الا ان كلا منهما لما قطع النظر عن حكم الشارع بعدم ملكية البائع للمثمن ، وتعاقدا معرضين عن ذلك ، كما هو الشأن في المعاوضات الواردة على أموال الناس بين السراق والظلمة ، بل بنى المشترى على كون المثمن ملكا للبائع ، فالتسليط ليس مجانا .

_________________________

اى مال الغير ( ملكا له ) اى لنفسه ( ولولا هذا البناء ، لم يتحقق مفهوم المعاوضة ) إذ : لا معنى لان يخرج المثمن من ملك المالك ، ويدخل الثمن في ملك الغاصب ( كما تقدم ) كون البائع يبنى بان المال له ( في تصحيح بيع الغاصب لنفسه ) والا لم يكن وجه للصحة ( فهو ) اى المشترى لم يسلط الغاصب مجانا ، على الثمن ، بل ( انما سلطه على وجه يضمنه ) الغاصب ( بماله ) .

منتهى الامر : ان كونه مالا للغاصب ادعائى ، لا حقيقي ( الا ان كلا منهما ) البائع والمشترى ( لما قطع النظر عن حكم الشارع بعدم ملكية البائع للمثمن ) إذ : الشارع لا يعترف بان المثمن ملك للغاصب ( و ) عليه ( تعاقدا ) حالكونهما ( معرضين عن ذلك ، كما هو الشأن في المعاوضات الواردة على أموال الناس بين السراق والظلمة ، بل بنى المشترى على كون المثمن ملكا للبائع ، فالتسليط ) من المشترى للبائع على الثمن ( ليس مجانا ) وبلا عوض .

ص: 14

وتضمينه البائع بمقابل الثمن من ماله حقيقي ، الا ان كون المثمن مالا له ادعائى ، فهو كما لو ظهر المثمن المعين ملكا للغير ، فان المشترى يرجع إلى البائع بالثمن مع التلف اتفاقا .

مع أنه انما ضمنه الثمن بإزاء هذا الشيء الّذي هو مال الغير .

فكما ان التضمين هنا حقيقي ، وكون

_________________________

( وتضمينه ) مبتدأ ، خبره : حقيقي ، اى تضمين المشترى ( البائع ) الغاصب ( بمقابل الثمن ) في حال كون ذلك المقابل ( من ماله ) اى مال البائع ( حقيقي ) فالتسليط ليس مجانيا ( الا ان كون المثمن مالا له ) اى للبائع ( ادعائى ) لان الغاصب يدعى - ادعاء - كونه مالكا للمثمن ( فهو ) اى حال ما نحن فيه من رجوع المشترى إلى البائع الغاصب بثمنه ( كما لو ظهر المثمن المعين ملكا للغير ) بان لم يكن المثمن كليا ، حتى يلزم تبديله على صاحب المثمن ، فإنه إذا ظهر المثمن ملكا للغير ( فان المشترى يرجع إلى البائع بالثمن مع التلف ) للثمن ( اتفاقا ) بين العلماء ، إذ :

البائع قد اتلف الثمن ، ولم يعط شيئا بإزائه للمشترى ، إذ : المعوض قد ظهر كونه للغير ، فيكون يد البائع على الثمن يد ضمان .

( مع أنه ) اى المشترى ( انما ضمنه ) اى جعل البائع ضامنا ( الثمن بإزاء هذا الشيء ) المثمن المعين ( الّذي هو مال الغير ) لكن لما رجع ذلك الغير إلى المشترى ، لاخذ ماله أو بدله ، كان للمشترى الرجوع إلى البائع لاخذ ماله إذا كان موجودا ، أو بدله إذا كان تالفا .

( فكما ان التضمين هنا ) - فيما لو ظهر العين ملكا للغير - ( حقيقي ، وكون

ص: 15

المثمن مالا له اعتقادي ، لا يقدح تخلفه في التضمين ، فكذلك بناء المشترى فيما نحن فيه على ملك المثمن عدوانا لا يقدح في التضمين الحقيقي بماله .

قلت : الضمان كون الشيء في عهدة الضامن ، وخسارته عليه ، وإذا كان المضمون به ملكا لغير الضامن واقعا فلا يتحقق الضمان

_________________________

المثمن مالا له ) اى للبائع ( اعتقادي ) لاعتقاد البائع ان المثمن ماله ( لا يقدح ) خبر : ان التضمين ( تخلّفه ) اى ظهور خلافه - اى خلاف كون المثمن المعين مالا للبائع - و : تخلّفه ، فاعل : لا يقدح ، ( في التضمين ) اى في تضمين المشترى للبائع ( فكذلك بناء المشترى فيما نحن فيه ) اى بيع الغاصب مع علم المشترى انه غاصب ( على ملك ) البائع ( المثمن عدوانا ) اى بناء عدوانيا ، إذ : مع علم المشترى بان البائع غاصب يكون بنائه عدوانيا ( لا يقدح ) هذا البناء من المشترى ( في التضمين الحقيقي ) للبائع ( بماله ) اى بمال المشترى .

والحاصل : ان حال علم المشترى بكون المثمن ليس مالا للبائع ، مثل حاله بكون المثمن مالا له - والحال انه ليس ماله في الواقع - ففي كلتا الصورتين يعطى المشترى المثمن للبائع مضمنا له ، فإذا اخذ المثمن مالكه ، كان للمشترى الرجوع إلى الثمن .

( قلت : الضمان كون الشيء في عهدة الضامن ، وخسارته عليه ) اى على الضامن ( وإذا كان المضمون به ) اى المثمن الّذي هو مضمون بمقابل الثمن ( ملكا لغير الضامن واقعا ) كما في ما نحن فيه فان المثمن ليس ملكا للغاصب الضامن ، وانما لمالكه المغصوب منه ( فلا يتحقق الضمان

ص: 16

الحقيقي مع علمهما بذلك .

وما ذكر من بناء المتعاقدين في هذا العقد على كون المثمن ملكا للبائع الغاصب - مع كونه مال الغير - فهو انما يصحح وقوع عقد التمليك والتملك منهما ادعاء ، مع عدم كون البائع اهلا لذلك في الواقع ، والا فاصل المعاوضة حقيقة بين المالكين والضمان والتضمين الحقيقي بالنسبة إليهما .

_________________________

الحقيقي مع علمهما ) اى علم البائع والمشترى ( بذلك ) اى بان المضمون به ملكا لغير الضامن ، فإذا اخذ المالك المال من المشترى ، لم يكن للمشترى الرجوع إلى البائع بثمنه ، لعدم تحقق الضمان الحقيقي .

( وما ذكر ) المستدل ، لاثبات الضمان على الغاصب ( من بناء المتعاقدين في هذا العقد ) اى العقد الواقع بين المشترى العالم والغاصب ، فيما إذا تلف الثمن ، واخذ المالك المال ( على كون المثمن ملكا للبائع الغاصب - مع كونه مال الغير - ) واقعا ( فهو ) لا يصحح ضمان الغاصب لما اخذه من الثمن بعد تسليط المشترى للبائع على ثمنه مجانا ، بل ( انما يصحح وقوع عقد التمليك والتملك منهما ادعاء ، مع عدم كون البائع اهلا لذلك ) التمليك والتملك ( في الواقع ) لأنه لا شيء له حتى يكون طرفا ( وإلا فأصل المعاوضة حقيقة بين المالكين ) مالك المثمن ومالك الثمن ( والضمان والتضمين الحقيقي بالنسبة إليهما ) فالمشترى يضمن المالك الحقيقي ، بأنه ان عطب المثمن يرجع إليه في استرداد ثمنه ، كما يضمن المشترى على نفسه ، ان عطب الثمن يرجع عليه مالك المثمن

ص: 17

ولذا ينتقل الثمن إلى مالك المبيع ، ويدخل في ضمانه بمجرد الإجازة .

والحاصل : انه لا تضمين حقيقة في تسليط المشترى البائع على الثمن .

واما رجوع المشترى مع اعتقاد المتبايعين لمالكية البائع للمثمن عند انكشاف الخطاء مع أنه انما ضمنه بمال

_________________________

باخذ بدل الثمن .

( ولذا ) الّذي يكون الضمان والتضمين حقيقة بالنسبة إلى المالكين ( ينتقل الثمن إلى مالك المبيع ، ويدخل في ضمانه بمجرد الإجازة ) للعقد الفضولي ، ولو كان التضمين بالنسبة إلى الغاصب لم يكن وجه لضمان المالك .

( والحاصل : انه لا تضمين ) من قبل المشترى ( حقيقة ) - وإن كان تضمينا صورة - ( في تسليط المشترى البائع على الثمن ) بل انما سلط المشترى البائع الغاصب على الثمن مجانا .

( و ) ان قلت : اى فرق بين صورة علم المشترى بان المثمن ليس ملكا للبائع ، وبين جهله ، وكما تقولون بضمان البائع في صورة الجهل قولوا بالضمان في صورة العلم أيضا .

قلت : ( اما رجوع المشترى ) إلى البائع غير المالك ( مع اعتقاد المتبايعين لمالكية البائع للمثمن عند انكشاف الخطاء ) بان علم المشترى ان البائع ليس مالكا ( مع أنه انما ضمنه ) اى ضمن المشترى البائع ( بمال

ص: 18

الغير فلعدم طيب نفسه على تصرف البائع فيه من دون ضمان ، وان كان ما ضمنه ، به غير ملك له ، ولا يتحقق به التضمين ، لأنه انما طاب نفسه بتصرف البائع ، لاعتقاد كون المثمن ملكا له ، وصيرورته مباحا له بتسليطه عليه ، وهذا مفقود فيما نحن فيه ، لان طيب النفس بالتصرف والاتلاف من دون ضمان له بماله حاصل .

_________________________

الغير ) الّذي هو المالك الحقيقي ، وعلى فرض ان المشترى لا يرجع في صورة علمه من الأول ، يلزم عدم رجوعه أيضا ، في صورة علمه المتأخر عن المعاملة ( فلعدم طيب نفسه ) اى المشترى ( على تصرف البائع فيه ) اى في الثمن ، بل انما طابت نفسه بتصرف المالك ، وانما له طيب نفس خيالي ، بالنسبة إلى البائع ( من دون ضمان ، وان كان ما ضمنه به غير ملك له ، ولا يتحقق به التضمين ، لأنه انما طاب نفسه بتصرف البائع ، لاعتقاد كون المثمن ملكا له ) اى للبائع ( و ) اعتقاده ( صيرورته ) اى المثمن ( مباحا له ) اى للمشترى ( بتسليطه ) اى تسليط البائع المشترى ( عليه ) اى على المثمن ، فطيب نفس المشترى في صورة الجهل خيالي ، وليس بواقعى ( وهذا مفقود فيما نحن فيه ) اى ليس الطيب خياليا ، في صورة علم المشترى بان البائع غاصب ، بل طيب النفس واقعي ( لان طيب النفس ) من المشترى ( بالتصرف ) اى تصرف البائع الغاصب ، في مال المشترى ( والاتلاف ) للثمن مجانا ( من دون ضمان له ) اى للثمن ( بماله ) اى بمال البائع ( حاصل ) فإذا اتلفه البائع ، ورجع المالك إلى المشترى بالمثمن ، لم يكن حق للمشترى في ان يرجع إلى البائع ، ليأخذ منه بدل

ص: 19

ومما ذكرنا : يظهر أيضا فساد نقض ما ذكرنا بالبيع مع علم المشترى بالفساد حيث إنه ضمن البائع بما يعلم أنه لا يضمن الثمن به ، وكذا البائع مع علمه بالفساد - ضمن المشترى بما يعلم أن المشترى لا يضمن به ، فكأنه لم يضمنه بشيء .

_________________________

المثمن .

( ومما ذكرنا ) في وجه عدم ضمان البائع للثمن - في صورة علم المشترى بان البائع غاصب - ( يظهر أيضا فساد نقض ما ذكرنا ) من عدم الضمان ( بالبيع مع علم المشترى بالفساد ) .

وجه النقض : انه كيف تقولون بان البائع الغاصب ليس ضامنا للمشترى ؟ مع أنكم تقولون ان البائع بالبيع الفاسد ، ضامن للمشترى ، فإذا كان ضامنا في البيع الفاسد - مع علم المشترى بالفساد - يلزم ان يكون ضامنا - مع علم المشترى بالغصب - .

ووجه الشبه بين المسألتين ما ذكره بقوله : ( حيث إنه ) اى المشترى ( ضمن البائع ) اى جعله ضامنا ( بما يعلم أنه ) اى البائع ( لا يضمن الثمن به ) الضمير عائد إلى : ما ، ومصداق : ما ، هو العقد الفاسد ( وكذا البائع ) بالبيع الفاسد ( - مع علمه بالفساد - ) للبيع ( ضمن المشترى بما يعلم أن المشترى لا يضمن به ، فكأنه ) اى كان كل واحد من البائع والمشترى ( لم يضمنه ) اى لم يضمنه الآخر ( بشيء ) أصلا .

والحاصل : ان العلم بعدم تحقق الضمان ، ان كان موجبا لعدم الضمان - كما تقولون أنتم في مسئلة عدم ضمان الغاصب في صورة علم

ص: 20

وجه الفساد : ان التضمين الحقيقي حاصل هنا لان المضمون به مال الضامن .

غاية الأمر ان فساد العقد مانع عن مضى هذا الضمان والتضمين في نظر الشارع لأن المفروض فساده ، فإذا لم

_________________________

المشترى بأنه غاصب - لزم ان تقولوا بعدم الضمان في صورة علم المشترى بفساد البيع ، من جهة من الجهات .

إذ : الملاك في المسألتين واحد ، فإذا قلتم بالضمان في العقد الفاسد لزم ان تقولوا بالضمان في العقد مع الغاصب أيضا .

( وجه الفساد ) لهذا النقض ، انما يظهر ببيان التفاوت بين المسألتين ، ف ( ان التضمين الحقيقي ) اى جعل المشترى البائع ضامنا ( حاصل هنا ) في باب البيع الفاسد ( لان المضمون به ) اى المثمن ( مال الضامن ) الّذي هو البائع .

( غاية الأمر ) المترتب على فساد العقد ( ان فساد العقد مانع عن مضى هذا الضمان ) في البائع ( والتضمين ) من المشترى للبائع ( في نظر الشارع ) إذ : الشارع لم يضمن البائع بالمثمن في مقابل الثمن ، بان يكون الثمن بدلا عن المثمن ، وانما ضمن البائع بعين الثمن أو قيمته - لفرض فساد المعاملة - فان المعاملة إذا صحت كان الثمن مضمونا بمقابل المثمن .

اما إذا كانت المعاملة فاسدة ، فالثمن مضمون بنفسه ، عينا أو قيمة ( لأن المفروض فساده ) اى فساد الضمان ، والتضمين المعامليين ( فإذا لم

ص: 21

يمض الشارع الضمان الخاص صار أصل اقدام الشخص على الضمان الحقيقي ، أو قاعدة اثبات اليد على مال من دون تسليط مجانى ، أو استيمان عن مالكه موجبا لضمانه على الخلاف في مدرك الضمان ، في فاسد ما يضمن بصحيحه .

وشيء منهما غير موجود فيما نحن فيه

_________________________

يمض الشارع الضمان الخاص ) اى كون كل من الثمن والمثمن مضمونا في مقابل الآخر ( صار أصل اقدام الشخص ) كالبائع مثلا ( على الضمان الحقيقي ) - لا الاقدام على الضمان الخيالي ، كما في بيع الغاصب مع علم المشترى - ( أو ) صار ( قاعدة اثبات اليد ) من البائع - فيما نحن فيه - ( على مال ) كالثمن ( من دون تسليط ) من صاحب المال تسليط ( مجانى أو ) من دون ( استيمان عن مالكه موجبا لضمانه ) اى ضمان ذلك المال الّذي وضع عليه اليد .

وانما قلنا : اقدام الشخص . . أو قاعدة . . ، ( على الخلاف ) بين الفقهاء ( في مدرك الضمان ، في ) مسئلة ( فاسد ما يضمن بصحيحه ) اى قاعدة : ما يضمن بصحيحه ، يضمن بفاسده ، هل مدركها : الاقدام . . كما قاله الشيخ - وقد تقدم - ؟ أو مدركها : قاعدة اثبات اليد . . ؟

( وشيء منهما ) اى من الاقدام والقاعدة ( غير موجود فيما نحن فيه ) اى في بيع الغاصب - مع علم المشترى بأنه غاصب - .

إذ : الغاصب لم يقدم على الضمان ، وانما اخذ الثمن في مقابل ما أعطاه من المثمن الّذي لم يكن ماله فحسب .

ص: 22

كما أوضحناه بما لا مزيد عليه .

وحاصله : ان دفع المال إلى الغاصب ، ليس الا كدفعه - إلى ثالث يعلم عدم كونه مالكا للمبيع ، وتسليطه على اتلافه في ان ردا لمالك لا يوجب الرجوع إلى هذا الثالث .

نعم : لو كان فساد العقد لعدم قبول العوض للملك ، كالخمر ، والخنزير ، والحر قوى اطراد ما ذكرنا فيه من عدم ضمان عوضها المملوك مع علم المالك بالحال .

_________________________

وكذا اثبات يده ليس الا مجانيا ، إذ : المشترى سلط الغاصب على الثمن تسليطا مجانيا ، بعد ان علم أن المثمن ليس مال الغاصب ( كما أوضحناه بما لا مزيد عليه ) .

( وحاصله ) اى حاصل وجه عدم ضمان الغاصب مع علم المشترى بالغصب : ( ان دفع ) المشترى ( المال إلى ) البائع ( الغاصب ، ليس الا كدفعه - إلى ثالث يعلم عدم كونه مالكا للمبيع ، و ) ك ( تسليطه ) اى تسليط المشترى الثالث ( على اتلافه ) اى اتلاف المال - اى الثمن - ( في ان رد المالك ) الحقيقي للمثمن باخذه المثمن من المشترى ( لا يوجب الرجوع إلى هذا الثالث ) فيما لو كان اتلف الثمن .

( نعم : لو كان فساد العقد لعدم قبول العوض للملك ، كالخمر ، والخنزير ، والحر ) فيما لو اشترى أحد الثلاثة ( قوى اطراد ) وجريان ( ما ذكرنا فيه ) اى في بيع الغاصب مع علم المشترى ( من عدم ضمان عوضها ) اى عوض الثلاثة ( المملوك ) للمشترى ( مع علم المالك ) للثمن ( بالحال )

ص: 23

كما صرح به شيخ مشايخنا في شرحه على القواعد ، هذا .

ولكن اطلاق قولهم : ان كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، يقتضي الضمان فيما نحن فيه ، وشبهه

_________________________

بان الثلاثة لا تملك ، فإذا اتلف البائع للخمر أو الخنزير أو الحر ، الثمن لم يكن للمشترى ان يأخذ بدل الثمن منه ، فيما إذا علم من اوّل الامر ان الثلاثة لا تملك .

وانما لا يحق للمشترى اخذ بدل الثمن ، لأنه بنفسه سلط البائع على ثمنه مجانا .

وقوله : نعم ، استثناء من ما تقدم حيث قال : بضمان البائع لما اخذه بالعقد الفاسد .

والحاصل : ان العقد الفاسد - ان كان فساده من جهة عدم تملك المثمن - كان حاله حال بيع الغاصب مع علم المشترى بالغصب ، في عدم ضمان البائع للثمن ، فيما إذا تلف ( كما صرح به ) اى بعدم الضمان ( شيخ مشايخنا ) الشيخ جعفر كاشف الغطاء رحمه اللّه ( في شرحه على القواعد ، هذا ) كله تقرير لعدم ضمان الغاصب البائع ، إذا علم المشترى بالحال ، وقد تلف الثمن .

( ولكن ) مع ذلك يمكن القول بضمانه فان ( اطلاق قولهم : ان كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، يقتضي الضمان فيما نحن فيه ) اى ضمان البائع الغاصب للثمن بالنسبة إلى المشترى العالم بالغصب ( وشبهه ) من كل مكان كان الطرف عالما بفساد المعاملة ، ومع ذلك اقدم عليه

ص: 24

نظرا إلى أن البيع الصحيح يقتضي الضمان ، ففاسده كذلك الا ان يفسر بما أبطلناه سابقا من : ان كل عقد يضمن على فرض صحته ، يضمن على فرض فساده ، ولا ريب ان العقد - فيما نحن فيه - وفي : مثل البيع بلا ثمن ، و : الإجارة بلا اجرة ، إذا فرض صحيحا لا يكون فيه ضمان ، فكذلك مع الحكم بالفساد .

لكنك عرفت ضعف هذا المعنى فيما ذكرناه سابقا في توضيح هذه القضية ، فان معناه : ان كل عقد تحقق الضمان في الفرد الصحيح منه ،

_________________________

كما في بيع الخمر والخنزير والحر ( نظرا إلى أن البيع الصحيح يقتضي الضمان ، ففاسده كذلك ) يقتضي الضمان .

اللهم ( الا ان يفسر ) قولهم كل عقد الخ ( بما أبطلناه سابقا ) وقلنا :

انه ليس عليه دليل ( من : ان كل عقد يضمن على فرض صحته ، يضمن على فرض فساده ، و ) انما يكون على هذا المعنى موجبا للضمان - فيما نحن فيه - لأنه ( لا ريب ان العقد - فيما نحن فيه - ) من بيع الغاصب مع علم المشترى ( وفي : مثل البيع بلا ثمن ، و : الإجارة بلا اجرة ، إذا فرض صحيحا لا يكون فيه ضمان ) لان المالك اقدم على هدر ماله بلا عوض ( فكذلك مع الحكم بالفساد ) لهذه العقود .

( لكنك عرفت ضعف هذا المعنى ) لقاعدة ما لا يضمن ( فيما ذكرناه سابقا في توضيح هذه القضية ) إذ : الدليل قائم على المعنى الأول لا على هذا المعنى ( فان معناه ) اى معنى قولهم : ما لا يضمن ( ان كل عقد تحقق الضمان في الفرد الصحيح منه ،

ص: 25

يثبت الضمان في الفرد الفاسد منه .

فيختص موردها بما إذا كان للعقد فردان فعليان ، لا الفرد الواحد المفروض تارة صحيحا ، وأخرى فاسدا .

نعم يمكن تطبيق المعنى المختار فيما نحن فيه وشبهه ، بان لا يكون المراد من العقد في موضوع القضية خصوص النوع المتعارف من أنواع العقود ، كالبيع ، والصلح ، بل يراد مطلق المعاملة المالية التي يوجد لها فردان ، صحيح وفاسد .

_________________________

يثبت الضمان في الفرد الفاسد منه ) أيضا .

( فيختص موردها ) اى مورد القاعدة ( بما إذا كان للعقد فردان فعليان ) فرد صحيح ، وفرد فاسد ( لا ) فيما إذا كان للعقد ( الفرد الواحد ) فقط ( المفروض تارة صحيحا ، وأخرى فاسدا ) حتى تقولون ان بيع الغاصب لو كان صحيحا كان المشترى ضامنا ، فكذلك إذا كان فاسدا .

( نعم ) يمكن القول بالضمان هنا ، حتى على فرض اخذ فردين للعقد ، ف ( يمكن تطبيق المعنى المختار ) لقاعدة : ما لا يضمن ( فيما نحن فيه ) من بيع الغاصب - مع علم المشترى - ( وشبهه ) كالإجارة بدون اجرة ( بان لا يكون المراد من العقد في موضوع القضية ) كل عقد لا يضمن بصحيحه ( خصوص النوع المتعارف من أنواع العقود ، كالبيع ، والصلح ) والرهن ، والإجارة ، مما تعارف عند الناس ( بل يراد مطلق المعاملة المالية التي يوجد لها فردان ، صحيح وفاسد ) وإن كان الفاسد غير متعارف أصلا .

ص: 26

فيقال ان ما نحن فيه ، والبيع بلا ثمن ، والإجارة بلا اجرة ، تمليك بلا عوض من مال الآخر .

والفرد الصحيح من هذه المعاملة ، وهي الهبة غير المعوضة ، لا ضمان فيها ، ففاسدها كذلك فتأمل .

وبالجملة ، فمستند المشهور في مسئلتنا لا يخلو من غموض .

ولذا

_________________________

( فيقال ) في تقريب الاستدلال لعدم الضمان في مسئلتنا ، وهي :

ما لو اشترى وهو يعلم أن البائع غاصب ( ان ما نحن فيه ، و ) كذلك ( البيع بلا ثمن ، والإجارة بلا اجرة ، تمليك بلا عوض من مال الآخر ) « من » متعلق ب : عوض .

( والفرد الصحيح من هذه المعاملة ، وهي الهبة غير المعوضة ، لا ضمان فيها ، ففاسدها ) اى فاسد هذه المعاملة - المراد بها الجنس اى الاعطاء بلا عوض ، هبة كان أو إجارة أو بيعا - ( كذلك ) لا ضمان فيها ( فتأمل ) حيث إن معنى القاعدة ليس هكذا ، ولا دليل على هذا المعنى ، فهو قول بلا دليل ، ان أريد من القاعدة هذا المعنى .

( وبالجملة ، فمستند المشهور ) القائلين بعدم الضمان للغاصب ( في مسئلتنا ) وهي : ما لو اشترى المشترى من الغاصب ، وهو يعلم أن المثمن ليس له ( لا يخلو من غموض ) لما عرفت من أن مقتضى القاعدة الضمان .

( ولذا ) اى وجود الغموض في المسألة ، التي هي ، ومسئلة البيع

ص: 27

لم يصرح أحد بعدم الضمان في : بعتك بلا ثمن مع اتفاقهم عليه هنا .

وصرح بعضهم بضمان المرتشى مع تلف الرشوة التي هي من قبيل الثمن ، فيما نحن فيه .

نعم ذكر الشهيد ره وغيره عدم الضمان في الإجارة بلا اجرة .

ويؤيد ما ذكرنا : ما دل من الاخبار على كون ثمن الكلب ، والخمر سحتا .

_________________________

بلا ثمن ، من واد واحد ( لم يصرح أحد بعدم الضمان في : بعتك بلا ثمن ) مع أن البائع سلط المشترى على ماله ، بدون ثمن ، بل قالوا : بضمان المشترى ، لأنه اكل للمال بالباطل ( مع اتفاقهم عليه هنا ) اى على عدم الضمان في المسألة .

( وصرح بعضهم بضمان المرتشى مع تلف الرشوة التي هي من قبيل الثمن فيما نحن فيه ) لان الراشي سلّط المرتشى على ماله بدون عوض ، فإذا كان المرتشى ضامنا كان اللازم ان يكون الغاصب في مسئلتنا أيضا ضامنا .

( نعم ذكر الشهيد ره وغيره عدم الضمان في الإجارة بلا اجرة ) فلو استفاد المستأجر من العين لم يكن عليه ان يعطى الأجرة للمؤجر .

( ويؤيّد ما ذكرنا ) من الضمان في مسئلة بيع الغاصب ( ما دلّ من الاخبار على كون ثمن الكلب ، والخمر سحتا ) مع أن مقتضى ما تقدم - من عدم الضمان على الغاصب - ان لا يكون ثمنهما كذلك ، إذ : معطى الثمن هو الّذي سلط بائع الكلب والخمر ، على ماله .

ص: 28

وان أمكن الذب عنه بان المراد التشبيه في التحريم ، فلا ينافي عدم الضمان مع التلف كأصل السحت .

ثم إن مقتضى ما ذكرناه في وجه عدم الرجوع بالثمن ، ثبوت الرجوع إذا باع البائع الفضولي غير بائع لنفسه ، بل باع عن المالك ، ودفع المشترى الثمن إليه لكونه واسطة في ايصاله إلى المالك فتلف في يده ، إذ لم يسلطه عليه ولا اذن له في

_________________________

( وان أمكن الذب عنه ) بما يوجب عدم دلالة الاخبار على الضمان فلا تأييد في هذه الأخبار للضمان ، في مسئلتنا ( بان المراد ) من كلمة :

السحت في هذه الأخبار ( التشبيه في التحريم ) وانه من اشدّ أنواع المحرّمات ( فلا ينافي ) كونه سحتا ( عدم الضمان ) من بائعهما ( مع التلف ) للثمن في يده ( كأصل السحت ) الّذي لا ضمان فيه مع التلف .

( ثم إن مقتضى ما ذكرناه في وجه عدم الرجوع بالثمن ) اى عدم رجوع المشترى إلى الغاصب بما أعطاه إياه ثمنا للمبيع المغصوب ( ثبوت الرجوع ) من المشترى على الغاصب إذا اتلف الثمن ، وقد اخذ المالك المال من المشترى ( إذا باع البائع الفضولي ) المتاع في حال كونه ( غير بائع لنفسه ، بل باع ) الفضول المتاع ( عن ) طرف ( المالك ، ودفع المشترى الثمن إليه ) اى إلى البائع الفضول ( لكونه ) اى الفضول ( واسطة في ايصاله إلى المالك ، فتلف ) الثمن ( في يده ) اى يد الفضول .

وانما قلنا : مقتضى ما ذكرناه ، ( إذ ) حينئذ المشترى ( لم يسلّطه ) اى الفضول ( عليه ) على الثمن ( ولا اذن ) المشترى ( له ) اى للفضول ( في

ص: 29

التصرف فيه فضلا عن اتلافه .

ولعل كلماتهم ومعاقد اتفاقهم تختص بالغاصب البائع لنفسه وان كان ظاهر بعضهم ثبوت الحكم في مطلق الفضولي - مع علم المشترى بالفضولية - .

وكذا يقوى الرجوع لو اخذ البائع الثمن من دون اذن المشترى بل اخذه ، بناء على العقد الواقع بينهما فإنه لم يحصل هنا من المشترى

_________________________

التصرف فيه ) اى في الثمن ( فضلا عن ) اذنه ب ( اتلافه ) .

( و ) ان قلت : كلماتهم في عدم ضمان الغاصب مطلقة ، تشمل صورتي بيع الغاصب لنفسه ، وبيعه للمالك .

قلت : ( لعل كلماتهم ومعاقد اتفاقهم ) بعدم ضمان الغاصب مع علم المشترى ( تختص بالغاصب البائع لنفسه ) لأنهم يقولون بان المشترى سلّطه على ماله مجّانا

ومن المعلوم : ان ذلك انما ينطبق على البائع لنفسه ( وان كان ظاهر بعضهم ثبوت الحكم ) بعدم الضمان ( في مطلق الفضولي - مع علم المشترى بالفضولية - ) لان المشترى هو الّذي سلب احترام مال نفسه .

( وكذا يقوى الرجوع ) اى رجوع المشترى على البائع بالثمن ( لو اخذ البائع الثمن من دون اذن المشترى ) كما لو عقدا ، فاخذ البائع الثمن من محلّ كان فيه الثمن ( بل اخذه ، بناء على العقد الواقع بينهما ) فضولة منه واصالة من المشترى .

وانما يقوى الرجوع ( فإنه لم يحصل هنا ) في صورة اخذ البائع الثمن بنفسه ( من المشترى

ص: 30

تسليط الا بالعقد .

والتسليط العقدي - مع فساده - غير مؤثر في رفع الضمان .

ويكشف عن ذلك تصريح غير واحد منهم بإباحة تصرف البائع الغاصب فيه مع اتفاقهم ظاهرا على عدم تأثير العقد الفاسد في الإباحة .

وكذا يقوى الضمان لو اشترط على البائع الرجوع بالثمن ، لو اخذ العين صاحبها .

_________________________

تسليط ) للبائع على الثمن ، حتى يكون المشترى هو الّذي سلب احترام مال نفسه ( الا بالعقد ) .

( والتسليط العقدي ) مقابل التسليط الخارجي باعطاء المشترى المال إلى البائع ( - مع فساده - ) اى فساد العقد ( غير مؤثر في رفع الضمان ) إذ : قاعدة اليد ، شاملة له .

( ويكشف عن ذلك ) اى كون التسليط العقدي غير رافع للضمان ( تصريح غير واحد منهم بإباحة تصرف البائع الغاصب فيه ) اى في الثمن ( مع اتفاقهم ظاهرا على عدم تأثير العقد الفاسد في الإباحة ) فالعقد ليس موجبا للإباحة ، وانما الموجب ، التسليط الخارجي ، فإذا لم يكن تسليط خارجي من المشترى ، لم تكن إباحة ، وإذا لم يبح المشترى يكون البائع الآخذ للثمن ضامنا له .

( وكذا يقوى الضمان لو اشترط ) المشترى ( على البائع الرجوع ) من المشترى إلى البائع ( بالثمن ، لو اخذ العين صاحبها ) فإنه لم يبح المشترى - حين هذا الشرط - الثمن للغاصب مطلقا ، بل اباحه له في

ص: 31

ولو كان الثمن كليا فدفع إليه المشترى بعض افراده ، فالظاهر عدم الرجوع ، لأنه كالثمن المعين في تسليطه عليه مجانا .

المسألة الثانية : ان المشترى إذا اغترم للمالك غير الثمن .

فاما ان يكون من مقابل العين كزيادة القيمة على الثمن إذا رجع المالك بها على المشترى ، كأن كانت القيمة المأخوذة منه عشرين ،

_________________________

صورة عدم رجوع المالك ، فإذا رجع المالك ، كان للمشترى الرجوع إلى البائع حسب الشرط .

( ولو كان الثمن كلّيا ) - هذا اوّل الكلام - وذلك بان اشترى المشترى المال المغصوب بدينار كلّى - لا شخصي ، مثلا - ( فدفع إليه ) اى إلى البائع ( المشترى بعض افراده ) اى بعض افراد الكلّى ( فالظاهر عدم الرجوع ) من المشترى إلى البائع في الثمن ، إذا رجع المالك إلى المشترى بالمثمن ( لأنه ) اى الفرد الكلّى ( كالثمن المعيّن في تسليطه ) اى تسليط المشترى البائع ( عليه ) اى على الثمن ( مجّانا ) فلا حق له في الرجوع عليه بعد ان اذهب هو بنفسه احترام ماله .

( المسألة الثانية ) في حكم المشترى مع الفضولي ( ان المشترى ) من الغاصب ( إذا اغترم للمالك ) الّذي رجع على المشترى بماله ( غير الثمن ) مما يستحقّه المالك .

( فاما ان يكون ) غير الثمن ( من مقابل العين ) المشتراة ( كزيادة القيمة على الثمن إذا رجع المالك بها ) اى بتلك الزيادة ( على المشترى كأن كانت القيمة المأخوذة منه ) اى التي اخذها المالك من المشترى ( عشرين

ص: 32

والثمن عشرة .

واما ان يكون في مقابل ما استوفاه المشترى كسكنى الدار ، ووطى الجارية ، واللبن ، والصوف ، والثمرة .

واما ان يكون غرامة لم يحصل له في مقابلها نفع ، كالنفقة وما صرفه في العمارة ، وما تلف منه ، أوضاع من الغرس ، والحفر ،

_________________________

والثمن عشرة ) فان المشترى حينئذ دفع ثلاثين ، عشرة للغاصب ، وعشرين للمالك ، وقد اتلف العين .

فان قلنا : بأخذه الزيادة يلزم ان يأخذ من الغاصب عشرين ، حتى تكون العين التي اتلفها عليه عشرة .

وان قلنا : بعدم اخذه الزيادة ، يلزم ان يأخذ من الغاصب عشرة حتى تكون العين التي اتلفها عليه عشرين .

( واما ان يكون ) غير الثمن ( في مقابل ما استوفاه المشترى ) من المبيع ( كسكنى الدار ، ووطى الجارية ، واللبن ، والصوف ، والثمرة ) بان حسبها المالك ، وأضاف قيمتها على قيمة العين ، واخذ الجميع من المشترى .

( واما ان يكون ) غير الثمن - الّذي يأخذه المالك من المشترى - ( غرامة لم يحصل له ) اى للمشترى ( في مقابلها نفع ، كالنفقة ) التي صرفها على الحيوان ، والعبد ، والنبات ( وما صرفه في العمارة ) للدار المشتراة - مثلا - ( وما تلف منه ) اى من المبيع ( أوضاع من الغرس ، والحفر ) بان صار المحل محفورا بفعل الماء أو المطر أو ما أشبه مما سبب

ص: 33

أو اعطائه قيمة للولد المنعقد حرا ، ونحو ذلك ، أو نقص من الصفات ، والاجزاء .

ثم المشترى ان كان عالما فلا رجوع في شيء من هذه الموارد ، لعدم الدليل عليه .

وان كان جاهلا فاما الثالث فالمعروف من مذهب الأصحاب - كما في « ض » وعن الكفاية رجوع المشترى الجاهل بها على البائع ، بل في

_________________________

ضياعا على ربّ الأرض ( أو اعطائه قيمة للولد المنعقد حرّا ) فإنه إذا استولد الأمة ، فالولد حرّ ، لكنه مكلف بان يدفع قيمة الولد - إذا كان عبدا - إلى صاحب الأمة ( ونحو ذلك ) من الغرامات كاعطائه حصة السلطان أو خمس المال المرتفع قيمته ( أو نقص من الصفات ) كان بلى الثوب فاعطى المشترى للمالك قيمة هذا النقص ( والاجزاء ) كما لو تلف بعض اجزاء المبيع .

( ثم المشترى إن كان عالما ) بان البائع غاصب ( فلا رجوع ) له إلى البائع ( في شيء من هذه الموارد ) لان المشترى هو الّذي اقدم على ضرر نفسه ، فلا يشمله دليل : لا ضرر ( لعدم الدليل عليه ) اى على الرجوع فالأصل براءة ذمة البائع .

( وان كان ) المشترى ( جاهلا ) بان البائع غاصب ( فاما الثالث ) اى الغرامة التي لم يحصل في مقابلها نفع ( فالمعروف من مذهب الأصحاب كما في « ض » وعن الكفاية ) للسبزواري ( رجوع المشترى الجاهل ) بكون البائع غاصبا ( بها ) اى بهذه الغرامات ( على البائع ، بل في

ص: 34

كلام بعض تبعا للمحكى عن فخر الاسلام في شرح الارشاد ، دعوى الاجماع على الرجوع بما لم يحصل في مقابله نفع وفي التحرير : انه يرجع قولا واحدا ، وفي كلام المحقق ، والشهيد الثانيين في كتاب الضمان : نفى الاشكال عن ضمان البائع لدرك ما يحدثه المشترى إذا قلعه المالك .

وبالجملة : فالظاهر عدم الخلاف في المسألة للغرور ، فان البائع مغرر للمشترى ، وموقع إياه في خطرات الضمان ، ومتلف عليه

_________________________

كلام بعض تبعا للمحكى عن فخر الاسلام في شرح الارشاد ، دعوى الاجماع على الرجوع بما لم يحصل في مقابله نفع ) للمشترى ( وفي التحرير : انه يرجع قولا واحدا ) اى لا خلاف في رجوعه ( وفي كلام المحقق والشهيد الثانيين في كتاب الضمان : نفى الاشكال عن ضمان البائع لدرك ما يحدثه المشترى إذا قلعه المالك ) .

المراد بالدرك الخسارة وذلك كما إذا غرس المشترى في الأرض ، أو عمر فيها بالبناء ، وحفر البئر وما أشبه ، ثم اتلف المالك الغرس بقلعه ، والعمارة بهدمها ، والبئر بطمّها - مثلا - .

( وبالجملة : فالظاهر عدم الخلاف في المسألة ) اى مسئلة رجوع المشترى الجاهل إلى البائع الغاصب بما اغترمه المشترى ، وذلك ( للغرور ) فان المشترى مغرور والمغرور يرجع إلى من غرّه ( فان البائع مغرّر للمشترى ، وموقع إياه في خطرات الضمان ) اى في خطر ان يكون ضامنا للمالك بما يفعله في ماله ( ومتلف ) اى البائع ( عليه ) اى على

ص: 35

ما يغرمه ، فهو كشاهد الزور الّذي يرجع إليه إذا رجع من شهادته ولقاعدة : نفى الضرر مضافا إلى ظاهر رواية جميل ، أو فحواها عن الرجل يشترى الجارية من السوق ، فيولدها ، ثم يجئ مستحق الجارية ، قال :

يأخذ الجارية المستحق ، ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد ، ويرجع على من باعه بثمن الجارية ، وقيمة الولد التي اخذت منه فان حرية ولد المشترى ، اما ان يعد نفعا عائدا إليه ،

_________________________

المشترى ( ما يغرمه ) المشترى للمالك ( فهو ) اى البائع ( كشاهد الزور الّذي يرجع إليه ) : يرجع ، بصيغة المجهول ( إذا رجع من شهادته ) فإنه إذا شهد شاهدان على انسان بأنه سرق مال زيد ، فاخذ المال من المشهود عليه ، ثم رجع الشاهدان ، يجب عليهما تحمل غرامة المشهود عليه ( ولقاعدة : نفى الضرر ) فإنه لا ضرر على المشترى ، لكن لا يخفى ان هذا بناء على إفادة قاعدة : لا ضرر للحكم الايجابي ( مضافا إلى ظاهر رواية جميل ، أو فحواها ) اى المناط المستفاد منها ( عن الرجل يشترى الجارية من السوق ، فيولدها ، ثم يجئ مستحق الجارية ) اى المالك لها واقعا ( قال : يأخذ الجارية المستحق ، ويدفع إليه ) اى إلى المستحق ( المبتاع ) اى المشترى ( قيمة الولد ) لان الولد انعقد حرا فتلف على مالك الجارية ( ويرجع ) المشترى ( على من باعه ) الجارية ( بثمن الجارية ، وقيمة الولد التي اخذت منه ) .

وجه الاستدلال بهذه الرواية لتحمل البائع غرامة المشترى بما ذكره بقوله : ( فان حرية ولد المشترى ، اما ان يعد نفعا عائدا إليه ) اى إلى

ص: 36

أو لا ؟

وعلى التقديرين يثبت المطلوب .

مع أن في توصيف قيمة الولد بأنها اخذت منه ، نوع اشعار لعلية الحكم فيطرد في سائر ما اخذت منه ، واما السكوت عن رجوع المشترى إلى البائع

_________________________

المشترى ( أو لا ) بل هدرا محضا لمال المالك .

( وعلى التقديرين يثبت المطلوب ) الّذي هو غرامة البائع للمشترى بما اغترمه المشترى .

اما على التقدير الأول ، اى كون الولد نفعا عائدا إلى المشترى ، فإنه إذا اغترم البائع قيمة النفع العائد إلى المشترى ، فبطريق أولى يغترم ما غرمه المشترى بدون نفع عائد إليه ، وهذا ما أشار إليه بقوله : أو فحواها .

واما على التقدير الثاني ، اى كون حرية الولد هدرا ، بدون ان يكون نفعا عائدا إلى المشترى ، فالرواية تدل على المطلوب مطابقة ، وإليه أشار بقوله : مضافا إلى رواية جميل .

( مع أن في توصيف قيمة الولد ) في الرواية ( بأنها اخذت منه ، نوع اشعار ) عرفى ( لعلية الحكم ) وان العلة في رجوع المشترى إلى البائع انما هي اخذ المالك من المشترى ( فيطرد ) الحكم بأخذ المشترى من البائع ( في سائر ما اخذت منه ) من قبل المالك .

فكل شيء حكم الشارع بان المالك يأخذه من المشترى ، كان للمشترى ان يأخذه من البائع ( واما السكوت ) التي نجدها ( عن رجوع المشترى إلى البائع

ص: 37

- في بعض الأخبار - فهو لعدم كونه مسوقا لذلك ، كرواية زرارة في رجل اشترى من سوق المسلمين جارية ، فخرج بها إلى ارضة ، فولدت منه أولادا ، ثم اتاها من يزعم أنها له ، وأقام على ذلك البينة ، قال يقبض ولده ، ويدفع إليه الجارية ، ويعوضه من قيمة ما أصاب من لبنها ، وخدمتها .

ورواية زريق ، قال : كنت عند أبى عبد اللّه عليه السلام يوما ، إذ دخل عليه رجلان ، فقال أحدهما : انه كان على مال لرجل من بنى عمار ، وله

_________________________

- في بعض الأخبار - ) كالرواية الآتية ( فهو لعدم كونه ) اى ذلك البعض ( مسوقا لذلك ) اى لبيان رجوع المشترى ، فلا يدل السكوت على عدم الرجوع .

فما استدل به صاحب الحدائق من السكوت في رواية زرارة غير تام ( كرواية زرارة في رجل اشترى من سوق المسلمين جارية ، فخرج بها إلى ارضه ، فولدت ) الجارية ( منه أولادا ، ثم اتاها ) اى الجارية ( من يزعم أنها له ) وان البائع باعها اعتباطا ( وأقام على ذلك البينة قال ) عليه السلام ( يقبض ) المشترى ( ولده ) المراد به جنس الولد ( ويدفع إليه الجارية ويعوضه ) اى يعطى المشترى لصاحب الجارية ( من قيمة ما أصاب ) وانتفع ( من لبنها ، وخدمتها ) فإنها كما ترى لم تذكر قيمة الولد .

( ورواية زريق ، قال : كنت عند أبى عبد اللّه عليه السلام يوما ، إذ دخل عليه رجلان ، فقال أحدهما : انه كان على مال لرجل من بنى عمار ، وله ) اى للدائن

ص: 38

بذلك ذكر حق وشهود ، فاخذ المال ، ولم استرجع عنه الذكر بالحق ولا كتبت عليه كتابا ، ولا اخذت منه براءة بذلك ، وذلك لانى وثقت به ، وقلت له : مزق الذكر الحق الّذي عندك ، فمات وتهاون بذلك ، ولم يمزقه ، وعقيب هذا طالبنى بالمال ورّاثه وحاكمونى واخرجوا بذلك ذكر الحق ، وأقاموا العدول ، فشهدوا عند الحاكم فأخذت بالمال وكان المال كثيرا ، فتواريت عن الحاكم ، فباع على قاضى الكوفة معيشة لي ، وقبض القوم المال ، وهذا رجل من اخواننا ابتلى بشراء معيشتى من القاضي ثم إن ورثة الميت أقروا ان أباهم قد

_________________________

( بذلك ) بمقابل الدّين ( ذكر حق ) اى كتابة ( وشهود ، فاخذ ) الدائن ( المال ، ولم استرجع عنه الذكر ) الكتابة ( بالحق ) الّذي كان له عليّ ( ولا كتبت عليه كتابا ) يدل على أنه استوفى منى دينه ( ولا اخذت منه براءة بذلك ) هذا عطف بيان لقوله : ولا كتبت ، ( وذلك ) اى انى انما تركت اخذ البراءة ( لانى وثقت به ، وقلت له : مزّق الذكر الحق الّذي عندك ، فمات وتهاون بذلك ) قبل موته ( ولم يمزّقه ، وعقيب هذا ) الموت له ( طالبنى بالمال ورّاثه ، وحاكمونى ) جلبونى إلى الحاكم ( واخرجوا بذلك ) بطلبهم للمال منى ( ذكر الحق ، وأقاموا ) الشهود ( العدول ، فشهدوا عند الحاكم ، فأخذت ) بصيغة المجهول ( بالمال ، وكان المال كثيرا ، فتواريت عن الحاكم ، فباع على قاضى الكوفة معيشة لي ) محلا كنت استعيش به ( وقبض القوم المال ، وهذا رجل من اخواننا ابتلى بشراء معيشتى من القاضي ، ثم ) بعد ذلك ( ان ورثة الميت أقروا ان أباهم قد

ص: 39

قبض المال وقد سألوه ان يرد على معيشتى ، ويعطونه الثمن في أنجم معلومة ، فقال : انى أحب ان اسئل أبا عبد اللّه عليه السلام ، عن هذا فقال الرجل - يعنى المشترى - كيف اصنع ؟ جعلت فداك ، قال :

تصنع ان ترجع بمالك على الورثة ، وترد المعيشة إلى صاحبها ، وتخرج يدك عنها ، قال : فإذا فعلت ذلك ، له ان يطالبنى بغير هذا ، قال نعم له ان يأخذ منك ما اخذت من الغلة من ثمن الثمار ، وكل ما كان مرسوما في المعيشة يوم اشتريتها ، يجب ان تردّ ذلك ،

_________________________

قبض المال ، وقد سألوه ان يرد على معيشتى ، ويعطونه ) اى بمقابل رده لمعيشتى ( الثمن ) الّذي اخذوه منه ( في أنجم ) اى في أوقات معينة لقبضه الثمن ( معلومة ) أقساطا ( فقال ) الرجل المشترى ( انى أحب ان اسئل أبا عبد اللّه عليه السلام ، عن هذا ) وانه ما هو تكليفي بالنسبة إلى المعيشة المردودة ؟ ( فقال الرجل - يعنى المشترى - ) وهو الّذي قال : انى أحب ان اسئل أبا عبد الله ( ع ) ( كيف اصنع ؟ جعلت فداك قال : تصنع ان ترجع ) بصيغة المعلوم ( بمالك على الورثة ) بان تأخذ الثمن من الورثة ( وتردّ المعيشة إلى صاحبها ، وتخرج يدك عنها ، قال ) المشترى ( فإذا فعلت ذلك ) بان أرجعت المعيشة إلى صاحبها ، هل ( له ) اى لصاحب المعيشة ( ان يطالبنى بغير هذا ) من سائر منافع المعيشة ؟ ( قال ) عليه السلام ( نعم له ان يأخذ منك ما اخذت من الغلّة من ثمن الثمار ) التي كانت للمعيشة ( وكل ما كان مرسوما في المعيشة ) اى موجودا فيها ( يوم اشتريتها ، يجب ان تردّ ذلك ) بردّ قيمتها - مثلا -

ص: 40

الا ما كان من زرع زرعته أنت ، فان للزارع اما قيمة الزرع ، واما ان يصبر عليك إلى وقت حصاد الزرع ، فإن لم يفعل ذلك كان ذلك له ، ورد عليك القيمة وكان الزرع له ، قلت : جعلت فداك فإن كان هذا قد احدث فيها بناء ، أو غرسا قال له قيمة ذلك ، أو يكون ذلك المحدث بعينه يقلعه ويأخذه ، قلت : أرأيت أن كان فيها غرس ، أو بناء ، فقلع الغرس ، وهدم البناء ، فقال يرد ذلك إلى ما كان ، أو يغرم القيمة

_________________________

( الا ما كان من ) المرسوم من ( زرع زرعته أنت ) - والاستثناء منقطع كما لا يخفى - ( فان للزارع ) اى أنت ( اما قيمة الزرع ) بان يعطيك القيمة ويكون الزرع له ( واما ان يصبر عليك إلى وقت حصاد الزرع ) ثم تأخذ أنت الزرع ( فإن لم يفعل ) مالك المعيشة ( ذلك ) اى الصبر حتى وقت الحصاد ( كان ذلك ) اى عدم الصبر ( له ) اى لمالك المعيشة ( وردّ عليك القيمة ) للزرع ( وكان الزرع له ) لأنه اشتراه بماله ( قلت : جعلت فداك فإن كان هذا ) المشترى ( قد احدث فيها ) اى في المعيشة ( بناء ، أو غرسا ) فما ذا يكون مصير ما أحدثه ؟ ( قال ) عليه السلام ( له قيمة ذلك ) ان أراد المالك اشترائه منه ( أو يكون ذلك المحدث ) بصيغة المفعول ( بعينه يقلعه ويأخذه ) إذا لم يرد مالك المعيشة اشترائه ( قلت : أرأيت ) اى اخبرني ( ان كان فيها ) اى في المعيشة قبل ان يأخذها المشترى ( غرس ، أو بناء ، فقلع ) المشترى ( الغرس ، وهدم البناء ) فما ذا على المشترى بالنسبة إلى المالك ؟ ( فقال ) عليه السلام ( يردّ ذلك ) الّذي قلعه أو هدمه ( إلى ما كان ، أو يغرم القيمة )

ص: 41

لصاحب الأرض ، فإذا رد جميع ما اخذ من غلاتها على صاحبها ، ورد البناء والغرس وكل محدث إلى ما كان ، أو رد القيمة كذلك ، يجب على صاحب الأرض ان يرد عليه كلما خرج منه في اصلاح المعيشة ، من :

قيمة غرس ، أو بناء أو نفقه في مصلحة المعيشة ، ودفع النوائب كل ذلك مردود إليه اه .

وفيه : مع - انا نمنع ورودها الا في مقام حكم المشترى مع المالك - ان السكوت

_________________________

اى قيمة ذلك الغرس والبناء ( لصاحب الأرض ، فإذا ردّ ) المشترى ( جميع ما اخذ من غلّاتها على صاحبها ، وردّ البناء والغرس وكل محدث ) كل ما احدث من : هدم أو قلع ( إلى ما كان ، أو ردّ القيمة ) للغرس المقلوع ، والبناء المهدوم ( كذلك ) اى قيمة مثل ما كان ( يجب على صاحب الأرض ان يرد عليه ) اى على المشترى ( كلما خرج منه ) اى من كيس المشترى ( في اصلاح المعيشة ، من : قيمة غرس ، أو بناء ، أو نفقة في مصلحة المعيشة ، ودفع النوائب ) عنها كما صرفه في دفع الجراد ، أو منع السيل من الوصول إليها ، وما أشبه ( كل ذلك ) الّذي صرفه المشترى ، فهو ( مردود إليه اه ) .

فهذه الروايات مما استدل بها لعدم رجوع المشترى إلى البائع ، لأنها سكتت في مقام البيان .

( وفيه : مع - انا نمنع ورودها ) اى ورود هذه الأخبار ( الا في مقام حكم المشترى مع المالك - ) لا مع البائع ، إذ ليس مقام الكلام في هذه الروايات حكم المشترى مع البائع ، فلا تدل الروايات على النفي ( ان السكوت )

ص: 42

في مقام البيان لا يعارض الدليل ، مع أن رواية زرارة ظاهرها عدم التمكن من الرجوع إلى البائع ، مع أن البائع في قضية زريق هو القاضي ، فإن كان قضائه صحيحا لم يتوجه إليه غرم ، لان الحاكم من قبل الشارع ليس غارما من جهة حكمه على طبق البينة المأمور بالعمل بها ، وان كان قضائه باطلا ، كما هو الظاهر ، فالظاهر علم المشترى ببطلان قضاء المخالف ، وتصرفه في أمور المسلمين ، فهو عالم بفساد البيع ، فلا رجوع له .

_________________________

لو سلمناه في هذه الروايات ( في مقام البيان لا يعارض الدليل ) وقد تقدم وجود الدليل ، فاللازم حمل السكوت على وجه اقتضى ذلك .

هذا ( مع أن رواية زرارة ظاهرها عدم التمكن من الرجوع إلى البائع ) لان المتعارف ان الغريب الّذي يشترى شيئا من السوق لا يعرف البائع بعد ذلك إذا أراد الرجوع ، خصوصا بعد سنين متطاولة حتى يولد الجارية أولادا ( مع أن البائع في قضية زريق هو القاضي ، فإن كان قضائه صحيحا لم يتوجه إليه غرم ) اى غرامة ( لان الحاكم من قبل الشارع ليس غارما من جهة حكمه على طبق البينة المأمور بالعمل بها ) اى بالبينة فلا رجوع للمشترى عليه ( وان كان قضائه باطلا كما هو الظاهر ، فالظاهر علم المشترى ) في مورد الرواية ( ببطلان قضاء المخالف ) للحق ( و ) بطلان ( تصرفه في أمور المسلمين ، فهو ) اى المشترى ( عالم بفساد البيع ) .

وحيث كان عالما ( فلا رجوع له ) اى للمشترى العالم بالفساد ، لأنه هو الّذي اهدر احترام مال نفسه .

هذا ولا يخفى ورود بعض الاشكالات على الشيخ ، ذكرها الطباطبائي

ص: 43

واما الثاني : وهو ما غرمه في مقابل النفع الواصل إليه من المنافع والنماء ، ففي الرجوع بها خلاف ، أقواها الرجوع ، وفاقا للمحكى عن المبسوط ، والمحقق والعلامة ، في التجارة ، والشهيدين ، والمحقق الثاني ، وغيرهم ، وعن التنقيح ان عليه الفتوى ، لقاعدة الغرور المتفق عليها ظاهرا في من قدم مال الغير إلى غيره الجاهل

_________________________

وغيره اعرضنا عنها ، لأنها لا تلائم الشرح الّذي نحن بصدده .

( واما الثاني : وهو ما غرمه ) اى المشترى للمالك ( في مقابل النفع الواصل إليه من المنافع ) كاللبن والثمر ( والنماء ) الّذي حصل للشيء عند المشترى ، كان سمنت الدّابّة ، حيث إن قيمتها صارت عشرين بعد ان كانت في زمن هزالها عشرة ( ففي الرجوع ) اى رجوع المشترى ( بها ) إلى البائع ( خلاف ، أقواها ) اى أقوى الأقوال من الرجوع مطلقا ، وعدم الرجوع مطلقا ، والتفصيل ( الرجوع ، وفاقا للمحكى عن المبسوط ، والمحقق ، والعلامة ، في ) كتاب ( التجارة ، والشهيدين ، والمحقق الثاني ، وغيرهم ، وعن التنقيح ان عليه ) اى الرجوع ( الفتوى ) مما ظاهره الاتفاق ( لقاعدة الغرور ) اى قوله عليه السلام : المغرور يرجع إلى من غرّ ، فان الظاهر من البائع ، قوله للمشترى : انك ان اشتريت هذا المتاع كانت المنافع لك ، من دون عوض ، فهو غرّه بهذا الظاهر فله ان يرجع عليه ( المتفق عليها ظاهرا ) حسب ما نستظهره من أن كل من تعرض للمسألة لم يشر إلى خلاف فيها ، فإنهم تعرضوا إلى هذه القاعدة ( في من قدم مال الغير إلى غيره الجاهل ) بكون هذا المال

ص: 44

فاكله .

ويؤيده : قاعدة نفى الضرر ، فان تغريم من اقدم على اتلاف شيء من دون عوض مغرورا من آخر بان له ذلك مجانا من دون الحكم برجوعه إلى من غره في ذلك ضرر عظيم .

ومجرد رجوع عوضه إليه لا يدفع

_________________________

ليس للمقدم ( فاكله ) بعنوان انه مجانى ، ثم ظهر صاحبه ، فان لصاحبه الحق في الرجوع إلى كل من المقدم والآكل .

وإذا رجع إلى الآكل ، كان له الحق في ان يرجع إلى المقدم ، مع أن الآكل استوفى الشيء بنفسه ، لكنه حيث اقدم على المجانية ، بتغرير المقدم كان له الرجوع إلى من غرّه .

ولا فرق بين هذه المسألة ، وبين ما نحن فيه من المشترى الجاهل المستوفي لمنافع المبيع .

نعم : هذا يتم بالنسبة إلى المنافع التي استوفاها اما النماء الموجود فلا .

( ويؤيده ) اى يؤيد حق المشترى في الرجوع إلى البائع ( قاعدة نفى الضرر ، فان تغريم ) الشارع ( من اقدم على اتلاف شيء من دون عوض ) في حال كون من اقدم ( مغرورا من آخر ) حيث غرّه ( بان له ) اى للمتلف ( ذلك ) الاتلاف ( مجانا ) وبلا عوض ( من دون الحكم ) من الشارع ( برجوعه ) اى المتلف ( إلى من غره في ذلك ) الاتلاف ( ضرر عظيم ) فمقتضى : لا ضرر ، انه يحق له الرجوع إلى من غرّه .

( ومجرد رجوع عوضه ) اى المتلف ( إليه ) اى إلى المتلف ( لا يدفع

ص: 45

الضرر .

وكيف كان ، فصدق الضرر ، واضرار الغارّ به مما لا يخفى خصوصا في بعض الموارد ، فما في الرياض من أنه : لا دليل على قاعدة : الغرور إذا لم تنطبق مع قاعدة نفى

_________________________

الضرر ) اللاحق به من جراء لزوم اعطاء عوض النماء ، مثلا : ان من اشترى بستانا بألف وتصرف في خيراته الموازية لخمسة آلاف ، إذا كلف باعطاء ستة آلاف إلى مالك البستان الواقعي ، من دون ان يحق له ان يأخذ الا بمقدار الف فقط ، يكون قد تضرر بخمسة آلاف ، وهو ضرر عظيم عرفا .

فدليل : لا ضرر ، يرفع قول انه لا يحق له الرجوع إلى الغارّ .

ونتيجته : ان له حقا في ان يرجع إلى الغارّ بكل الستة آلاف .

( وكيف كان ، فصدق الضرر ) بالنسبة إلى الخمسة الآلاف - مثلا - ( و ) صدق ( اضرار الغارّ به ) اى ان الغار هو الّذي أضر بهذا الانسان ( مما لا يخفى ) فهو الضارّ .

والمتضرر يرجع إلى من ضرّه ( خصوصا في بعض الموارد ) الّذي صدق الضرر .

واضرار الغارّ بالمتضرر ، واضح جدا كما لو كان المغرور يصرف ما لو كان مكلفا بقيمة لم يصرفه كما لو كان يركب الدابة كل يوم للتنزه المجرد ، وما أشبه ذلك ( فما في الرياض من أنه : لا دليل على قاعدة : الغرور ) اى قاعدة : المغرور يرجع إلى من غرّ ( إذا لم تنطبق مع قاعدة نفى

ص: 46

الضرر المفقود في المقام لوصول العوض إلى المشترى ، لا يخلو عن شيء مضافا إلى ما قيل عليه من منع مدخلية الضرر في قاعدة : الغرور ، بل هي مبنية على قوة السبب على المباشر

_________________________

الضرر ) إذ : إذا كان هناك ضرر ، كان البائع هو الّذي غره ، واما إذا لم يكن ضرر ، فلم يكون البائع غارا ؟ فلا يحتمل البائع الضرر ( المفقود ) ذلك الضرر ( في المقام ) فإنه لم يتضرر المشترى إذ : لو كان الضرر من حيث أصل القيمة فقد وصلت القيمة إلى المشترى ، ولو كان الضرر من حيث لزوم اعطائه قيمة ما صرفه من النماء ، فإنه ليس ضررا ، إذ : قد صرف النماء بنفسه ، فلا ضرر في دفع قيمته .

وإذا لم يكن هناك ضرر ، لم تصدق قاعدة الغرور .

والحاصل : ان ما في مقابل العين يأخذه المشترى من البائع ، وما في مقابل النماء الّذي صرفه ، لا ضرر على المشترى في دفعه إلى المالك ( لوصول العوض ) الّذي هو النماء ( إلى المشترى ) .

وقوله : ( لا يخلو عن شيء ) خبر قوله : فما في الرياض .

وجه الاشكال : ان الضرر هنا موجود كما عرفت ( مضافا إلى ما قيل عليه ) اى ما أشكل على الرياض - والمستشكل هو صاحب الجواهر - ( من منع مدخلية الضرر في قاعدة : الغرور ) فالضمان موجود لقاعدة : الغرر سواء كان هناك ضرر ، أم لا ؟ ( بل هي ) اى قاعدة الغرور ( مبنية على قوة السبب على المباشر ) بمعنى ان السبب لو كان أقوى كان الضمان عليه ، فهو مثل ان يعطى زيد لعمرو طعاما باعتبار انه لزيد ، فاكله زيد ، فان

ص: 47

لكنه لا يخلو من نظر ، لأنه انما يدعى اختصاص دليل الغرور من النصوص الخاصة ، والاجماع بصورة الضرر .

واما قوة السبب على المباشر ليست - بنفسها - دليلا على رجوع المغرور ، الا إذا كان السبب بحيث استند التلف عرفا إليه ، كما في المكره وكما في الريح العاصف الموجب للاحراق ، والشمس الموجبة لا ذابة الدهن

_________________________

عمروا ليس ضامنا لما لك الطعام ، وانما الضامن هو زيد ، لان السبب أقوى من المباشر ، فإنه لا ضرر هنا ، وانما غرر ، والغرر يوجب الضمان للغار ، لا المغرور ( لكنه ) اى كون قاعدة : الغرور من باب قوة السبب على المباشر ، لا من باب قاعدة : الضرر ( لا يخلو من نظر ) بل الغرور من باب الضرر ( لأنه ) اى صاحب الرياض ( انما يدعى اختصاص دليل الغرور من النصوص الخاصة ، والاجماع ) على أن المغرور يرجع إلى من غر ( بصورة الضرر ) بان يكون المغرور متضررا ، فإذا لم يكن المغرور متضررا لم يكن وجه لرجوع المغرور إلى من غره .

( واما قوة السبب على المباشر ) التي استدل بها صاحب الجواهر وجها لرجوع المغرور إلى الغار - وان لم يكن ضرر في البين - ف ( ليست - بنفسها - دليلا على رجوع المغرور ) مطلقا ( الا إذا كان السبب بحيث استند التلف عرفا إليه ) اى إلى السبب ، كما في مثال الضيافة بمال مغصوب ( كما في المكره ) الّذي أو جر في حلقه ، أو امر بالاكل ، والا ضرب عنقه ( وكما في الريح العاصف الموجب للاحراق ، والشمس الموجبة لا ذابة الدهن

ص: 48

واراقتها ، والمتجه في مثل ذلك عدم الرجوع إلى المباشر أصلا ، كما نسب إلى ظاهر الأصحاب ، في المكره ، لكون المباشر بمنزلة الآلة .

واما في غير ذلك ، فالضمان أو قرار الضمان فيه يحتاج إلى دليل مفقود ، فلا بد من الرجوع

_________________________

واراقتها ) فان الانسان إذا جعل النار في الريح العاصف فأوجبت الاحراق ، والدهن في مقابل الشمس يكون هو الضامن لهما ، لان الانسان سبب أقوى ، من النار والشمس المباشرتين للاحراق والا ذابة ( والمتجه في مثل ذلك ) الّذي كان السبب أقوى من المباشر ( عدم الرجوع إلى المباشر ) كالمكره - بالفتح - ( أصلا ، كما نسب إلى ظاهر الأصحاب ، في ) باب ( المكره ، لكون المباشر ) للاتلاف ( بمنزلة الآلة ) ولا تكون ضامنة ،

ولو قلنا : ان دليل الرفع يشمل الاحكام الوصفية يكون رفع الاكراه دليلا آخر لعدم ضمان المكره .

( واما في غير ذلك ) اى ما لم يكن المباشر بمنزلة الآلة ( فالضمان ، أو قرار الضمان فيه ) على من صار سببا للاتلاف ، كالذي باع الضيعة للمشترى ، في حال كون الضيعة مغصوبة ، فاستفاد المشترى من نمائها ( يحتاج إلى دليل مفقود ) في المقام .

إذ : لا دليل على أن المتلف لو لم يكن كالآلة ، يكون غيره الغار للمتلف ضامنا ، فيشمل المتلف دليل : ضمان من اتلف مال الغير ، ودليل على اليد ( فلا بد من الرجوع ) في ضمان الغار - في حال ان المتلف لم

ص: 49

بالآخرة إلى : قاعدة الضرر .

أو الاجماع المدعى في الايضاح على تقديم السبب ، إذا كان أقوى .

أو بالأخبار الواردة في الموارد المتفرقة .

أو كون الغار سببا في تغريم المغرور ، فكان كشاهد الزور في ضمان ما يؤخذ لشهادته ، ولا ريب في ثبوت هذه الوجوه فيما نحن فيه اما الأخير فواضح .

_________________________

يكن آلة محضة - ( بالآخرة إلى : قاعدة الضرر ) كما تقدم ، فان جعل الضمان على المتلف ، ضرر عليه ، فهو منفى ، فالضمان على الغار .

( أو ) إلى ( الاجماع المدعى في الايضاح على تقديم ) ضمان ( السبب ) على ضمان المباشر ( إذا كان ) السبب ( أقوى ) وان لم يكن المباشر كالآلة .

( أو بالأخبار الواردة في الموارد المتفرقة ) الدالة على ضمان الغار .

( أو ) إلى ( كون الغار سببا ) عرفيا ، فلا ينافي ما تقدم من عدم كون الدليل ، هو كونه سببا ( في تغريم ) المالك ( المغرور ، فكان ) الغار ( كشاهد الزور في ضمان ما يؤخذ لشهادته ) كرواية جميل ، عن أحدهما عليهما السلام ، في الشهود إذا شهدوا على رجل ، ثم رجعوا عن شهادتهم وقد قضى على الرجل ، فقد ضمنوا ما شهدوا به وغرموه ، ومثلها غيرها من سائر الأخبار ( ولا ريب في ثبوت هذه الوجوه ) قاعدة الضرر ، والاجماع والاخبار ، وكونه كشاهد الزور ( فيما نحن فيه ) اى ما غرمه المشترى في مقابل . . . الواصل إليه ، فإنه يرجع بكل ما غرم إلى من باعه ( اما ) الوجه ( الأخير ) كونه كشاهد الزور ( فواضح ) لما عرفت من أنه سبب عرفى

ص: 50

واما الأول فقد عرفته .

واما الاجماع ، والاخبار فهما وان لم يردا في خصوص المسألة الا ان تحققهما في نظائر المسألة ، كاف ، فان رجوع اكل طعام الغير إلى من غره ، بدعوى تملكه ، واباحته له مورد الاجماع ، ظاهرا ورجوع المحكوم عليه إلى شاهدي الزور مورد الاخبار ولا يوجد فرق بينهما وبين ما نحن فيه أصلا .

_________________________

فيكون حاله حال شاهد الزور .

( واما الأول ) اى قاعدة الضرر ( فقد عرفته ) وانه عرفا قد أضر البائع بالمشترى ، خصوصا في بعض الموارد .

( واما الاجماع ) الّذي ادعاه الايضاح ( والاخبار ) الواردة في الموارد المتفرقة ( فهما وان لم يردا في خصوص المسألة ) اى مسئلة النماء المستوفى من قبل المشترى ( الا ان تحققهما ) اى الاجماع والاخبار ( في نظائر المسألة ، كاف ) لسحبهما إلى هذه المسألة لوحدة المناط ( فان رجوع اكل طعام الغير إلى من غره ، بدعوى ) الغار ( تملكه ) اى الطعام ( واباحته ) اى الغار ( له ) للطعام لهذا الاكل ( مورد الاجماع ، ظاهرا ) في ان قرار الضمان على الغار ، وما نحن فيه مثله ( و ) كذلك ( رجوع المحكوم عليه إلى شاهدي الزور مورد الاخبار ) التي تقدم أحدها ( ولا يوجد فرق بينهما ) اى بين رجوع اكل الطعام ، ورجوع المحكوم عليه ( وبين ما نحن فيه ) من : من استوفى المنافع من البستان المبيوع له مثلا - من قبل الغاصب ( أصلا ) فاللازم القول بضمان البائع هنا أيضا .

ص: 51

وقد ظهر مما ذكرنا فساد منع الغرور فيما نحن فيه ، كما في كلام بعض حيث عدل في رد مستند المشهور عما في الرياض من منع الكبرى إلى منع

_________________________

( وقد ظهر مما ذكرنا ) من وجود الغرور فيما نحن فيه ( فساد ) ما ذكره الجواهر في رد الرياض ، حيث إن صاحب الرياض قال ما حاصله : ضمان البائع يتوقف على صغرى هي : ان المسألة من باب الغرور ، وكبرى هي ان كل غرور ضرر ، فإذا انضم إلى ذلك دليل : لا ضرر ، انتج وجوب تحمل البائع لضرر المشترى ، لكن انا : اى الرياض ، نمنع الكبرى فلا نسلم : ان كل غرور ضرر ، بل المسألة غرور وليس ضررا ،

وصاحب الجواهر أشكل على الرياض بان الممنوع هو الصغرى ، لا الكبرى ، فالمسألة ليست من الغرور ، والشيخ لم يرتض كلام الجواهر كما تقدم - .

ومنه تبين فساد ( منع الغرور فيما نحن فيه ) بل اللازم ان نلتزم بأنه غرور ، ولكنه ليس بضرر ( كما في كلام بعض ) : كما ، متعلق ب : منع والمراد بالبعض الجواهر ( حيث عدل ) الجواهر ( في رد مستند المشهور ) القائلين بتحمل البائع ضرر المشترى مطلقا حتى بالنسبة إلى النماء الّذي استوفاه المشترى ، فان المشهور استندوا في هذا الكلام إلى أن : هذا غرر ، وكل غرر يرجع فيه إلى الغار ، لأنه ضرر ، وردهم الرياض بمنع كونه ضررا ، وردهم الجواهر : بأنه ليس بغرر ( عما في الرياض من منع الكبرى ) وهي كل غرور ضرر ( إلى منع

ص: 52

الصغرى ، فان الانصاف : ان مفهوم الغرور الموجب للرجوع في باب الاتلاف - وان كان غير منقح - الا ان المتيقن منه ما كان اتلاف المغرور لمال الغير ، واثبات يده عليه ، لا بعنوان انه مال الغير ، بل قصده إلى اتلافه مال نفسه ، أو مال من أباح له الا تلاف فيكون غير قاصد لا تلاف مال الغير ، فيشبه المكره في عدم القصد .

_________________________

الصغرى ) « إلى » متعلق ب : عدل ، والمراد بالصغرى ان : المسألة من باب الغرر .

وانما قلنا بظهور فساد كلام الجواهر ( فان الانصاف : ان مفهوم الغرور الموجب للرجوع ) إلى الغار ( في باب الاتلاف ) اى من اتلف مال الغير ، بتغرير الآخر له ( - وإن كان غير منقح - ) ليعرف حدود الغرور ( الا ان المتيقن منه ) اى من الغرور ( ما كان اتلاف المغرور لمال الغير ، و ) ذلك ب ( اثبات يده ) اى المتلف ( عليه ) اى على مال الغير ( لا بعنوان انه مال الغير ، بل قصده ) اى المتلف ( إلى اتلافه مال نفسه ، أو مال من أباح له الاتلاف ف ) من قدم إلى غيره طعاما مغصوبا ، فاكله الضيف ، انما قصد الضيف اتلاف مال من أباح له الاتلاف - اى المضيف - .

وكذلك اتلاف ثمن البستان الّذي اشتراه من الغاصب انما قصد المتلف اتلاف مال نفسه .

وهاتان الصورتان من المصاديق الظاهرة من الغرور ، إذ : ( يكون ) المتلف ( غير قاصد لاتلاف مال الغير ، فيشبه المكره ) - بالفتح - ( في عدم القصد ) فكما تقولون بان المكره يرجع إلى من أكرهه ، كذلك اللازم

ص: 53

هذا كله مضافا إلى ما قد يقال من دلالة رواية جميل المتقدمة بناء على أن حرية الولد ، منفعة راجعة إلى المشترى ، وهو الّذي ذكره المحقق احتمالا في الشرائع في باب الغصب بناء على تفسير المسالك .

_________________________

القول هنا بان المتلف يرجع إلى من غره .

( هذا كله ) تقريب لتحقق الغرور في المقام ( مضافا إلى ما قد يقال من دلالة رواية جميل المتقدمة ) التي دلت بلزوم اعطاء قيمة الولد ، التي استولده المشترى من الجارية المغصوبة ، للمالك الحقيقي للجارية ، فإنها تدل على أن المنافع المستوفاة يجب دفع بدلها إلى المالك ، والمشترى يرجع بذلك إلى البائع الّذي غره .

لكن هذا الاستدلال بهذه الرواية انما هو ( بناء على أن حرية الولد ، منفعة راجعة إلى المشترى ، وهو ) اى كون الحرية منفعة راجعة إلى المشترى ( الّذي ذكره المحقق احتمالا في الشرائع في باب الغصب ) فان المحقق ذكر في الشرائع : أولا ، ان قيمة الولد ، انما هي شيء لم يحصل المشترى بإزائها نفع .

ثم قال : وفيه احتمال آخر ، وقال المسالك في تفسير : هذا الاحتمال ، ان مراده من هذا الاحتمال الحاق عوض الولد بما حصل له نفع في مقابلته ، لان حرية الولد منفعة عائدة إليه عرفا .

ف ( بناء على تفسير المسالك ) تكون حرية الولد منفعة عائدة إلى المشترى ، حسب احتمال الشرائع .

وعليه : فرواية جميل ، تكون دليلا على أن كل منفعة عائدة إلى

ص: 54

وفيه تأمل .

ثم إن مما ذكرنا في حكم هذا القسم يظهر حكم ما يغرمه في مقابل العين من زيادة القيمة على الثمن الحاصلة وقت العقد ، كما لو باع ما يسوى عشرين بعشرة ، فتلف فاخذ منه المالك عشرين فإنه لا يرجع بعشرة الثمن ، وإلا لزم تلفه من كيس البائع من دون ان يغره في ذلك

_________________________

المشترى ، يكون المشترى ضامنا لها امام المالك ، كما أن البائع ضامن لها امام المشترى .

( و ) لكن ( فيه تأمل ) إذ ليست حرية الولد منفعة عائدة إلى المشترى عرفا ، فاحتمال المحقق ، محل اشكال .

( ثم إن مما ذكرنا في حكم هذا القسم ) وهو ما غرمه المشترى في مقابل النفع الواصل إليه ( يظهر حكم ما يغرمه ) المشترى للمالك ( في مقابل العين من زيادة القيمة على الثمن ) الّذي أعطاه المشترى للبائع ( الحاصلة ) تلك الزيادة ( وقت العقد ، كما لو باع ) الغاصب ( ما يسوى عشرين بعشرة ) دنانير ( فتلف ) المتاع في يد المشترى ( فاخذ منه ) اى من المشترى ( المالك عشرين ) القيمة الواقعية للمتاع ( فإنه ) اى المشترى ( لا يرجع ) إلى البائع ( بعشرة الثمن ) اى العشرة التي هي الثمن ، وقد دفعها إلى البائع ( والا ) فلو رجع المشترى إلى البائع بعشرة الثمن ( لزم تلفه ) اى المتاع ( من كيس البائع من دون ان يغره ) اى يغر البائع المشترى ( في ذلك ) اى في عشرة الثمن .

والحاصل : ان المشترى دفع عشرة إلى البائع ، بما قيمته الواقعية

ص: 55

لأنه لو فرض صدق البائع في دعوى الملكية ، لم يزل غرامة المشترى للثمن بإزاء المبيع التالف فهذه الغرامة للثمن لم تنشأ عن كذب البائع .

واما العشرة الزائدة

_________________________

عشرون ، وقد تلف المتاع عند المشترى ، فإذا جاء المالك اخذ من المشترى عشرين قيمة متاعه ، فيكون المشترى قد دفع ثلاثين ، عشرة إلى البائع ، وعشرين إلى المالك ، وقد اتلف المشترى المتاع وهو يسوى بنظره - عشرة ، فلا حق له في ان يرجع إلى البائع بثلاثين ، بل يرجع إلى البائع بعشرين فقط ، المقدار الّذي دفعه إلى المالك ، لان المشترى إذا رجع إلى البائع بعشرة الثمن : اى العشرة ، فوق عشرين ، بان رجع إلى البائع بثلاثين ، لزم ان يكون المشترى اتلف المتاع ، ويكون تلفه من كيس البائع ، وهذا لا وجه له فان من اتلف مالا ، خرج المال من كيس نفسه ، لا من كيس انسان آخر .

ولتوضيح ذلك قال المصنف : ( لأنه لو فرض صدق البائع في دعوى الملكية ) للمتاع ( لم يزل ) ولم يذهب ( غرامة المشترى للثمن بإزاء المبيع التالف ) فان المشترى حيث اتلف المتاع فهو يغرم قيمته : عشرة سواء كان البائع مالكا ، أو غاصبا ؟ فالعشرة تخرج من كيس المشترى قطعا ، فلا حق له في ان يراجع في هذه العشرة إلى البائع ( فهذه الغرامة للثمن ) اى غرامة المشترى بعشرة - التي دفعها للبائع - ( لم تنشأ عن كذب البائع ) حتى يكون البائع غارا للمشترى .

( واما العشرة الزائدة ) التفاوت بين أصل القيمة : عشرين ، وبين

ص: 56

فإنما جاء غرامتها من كذب البائع في دعواه ، فحصل الغرور فوجب الرجوع .

ومما ذكرنا يظهر اندفاع ما ذكر في وجه عدم الرجوع من : ان

_________________________

قيمة البيع : عشرة ، ( فإنما جاء غرامتها ) على المشترى - فان المالك اخذها منه - ( من ) جهة ( كذب البائع في دعواه ) حيث إن المشترى اقدم على أن يشترى المتاع بعشرة ، ولم يقدم على اشترائه بعشرين ( فحصل الغرور ) من البائع للمشترى ( فوجب الرجوع ) من المشترى على البائع .

فيحصل : ان البائع يخسر : عشرة ، بسبب انه غر المشترى ، حيث باعه ما لا يملك ، واخذ قيمة عشرة ، مما قيمته الواقعية عشرون .

وان المشترى : لا يخسر شيئا ، لأنه اعطى عشرة للبائع ، واتلف في مقابلها المتاع ، واعطى عشرين للمالك ، وقد اخذ العشرين من البائع .

وان المالك : لا يخسر شيئا لأنه يأخذ قيمة متاعه : التي هي عشرون ، من المشترى .

اما البائع : فإنما يدفع عشرين للمشترى ، عشرة هي التي اخذها من المشترى ، وعشرة ثانية حسب أن البائع غرر المشترى ، وبالنتيجة فقد خسر البائع عشرة فقط .

( ومما ذكرنا ) في وجه خسارة البائع عشرة ( يظهر اندفاع ما ذكر في وجه عدم الرجوع ) اى ان المشترى لا يرجع إلى البائع في العشرة الزائدة - وانما يرجع إليه في عشرة القيمة فقط - ( من : ان

ص: 57

المشترى انما اقدم على ضمان العين ، وكون تلفها منه كما هو شأن فاسد كل عقد يضمن بصحيحه ومع الاقدام لا غرور ، ولذا لم يقل به في العشرة المقابلة للثمن .

توضيح الاندفاع : ان الاقدام انما كان على ضمانه بالثمن الا ان

_________________________

المشترى ) هو الّذي يجب ان يخسر العشرة الزائدة - التي يعطيها للمالك - فهو يعطى للمالك عشرين ، ويأخذ من البائع عشرة فقط .

وذلك لان المشترى ( انما اقدم على ضمان العين ، وكون تلفها منه ) اى من المشترى ( كما هو شأن فاسد كل عقد يضمن بصحيحه ) فلو كان هذا العقد صحيحا كان اللازم ان يدفع المشترى إلى المالك عشرين : قيمة المتاع ، والآن حيث فسد ، يلزم ان يدفع إلى المالك عشرين « عشرة يأخذها من البائع ، وعشرة يخسرها من كيسه » وبالنتيجة الخسارة للعشرة الزائدة من كيس المشترى ، لا من كيس البائع ( ومع الاقدام ) من المشترى على ضمان العين وكون تلفها منه ( لا غرور ، ولذا ) الّذي لا غرور ( لم يقل به ) اى بالغرور ( في العشرة المقابلة للثمن ) إذ : من اللازم دفع المشترى عشرة ، وانما الكلام في العشرة الثانية - فان المشترى دفع عشرة للبائع ، والآن يدفع عشرين للمالك ، ولا اشكال في انه لا يسترجع العشرة الأولى من البائع ، وانما الكلام في انه هل يأخذ عشرة من البائع ، أو عشرين .

( توضيح الاندفاع : ان الاقدام ) من المشترى ( انما كان على ضمانه ) اى على أن يضمن المشترى ( بالثمن ) الّذي يعطيه فقط ( الا ان

ص: 58

الشارع جعل القبض على هذا النحو من الاقدام ، - مع فساد العقد وعدم امضاء الشارع له - سببا لضمان المبيع بقيمته الواقعية .

فالمانع من تحقق الغرور - وهو الاقدام - لم يكن الا في مقابل الثمن ، والضمان المسبب عن هذا الاقدام - لما كان لأجل فساد العقد المسبب عن تغرير البائع - كان المترتب عليه من ضمان العشرة الزائدة مستقرا على الغار ، فغرامة العشرة الزائدة

_________________________

الشارع جعل القبض على هذا النحو من الاقدام ) « من » متعلق ب : النحو ( - مع فساد العقد ، وعدم امضاء الشارع له - ) « وعدم » عطف بيان لفساد العقد ( سببا لضمان المبيع بقيمته الواقعية ) التي هي عشرون في المثال .

( فالمانع من تحقق الغرور ) بالنسبة إلى المشترى ( - وهو ) اى المانع ( الاقدام - ) من نفس المشترى ( لم يكن الا في مقابل الثمن ) يعنى : ان المشترى مغرور بالنسبة إلى كل الثمن ، لكن حيث اقدم هو بنفسه لاشتراء المتاع بعشرة لم يكن مغرورا بالنسبة إلى العشرة ( والضمان ) على المشترى ، بإزاء المالك ( المسبب عن هذا الاقدام ) على الاشتراء بعشرة ( - لما كان لأجل فساد العقد المسبب ) ذلك الضمان على المشترى ، بإزاء البائع ( عن تغرير البائع - ) للمشترى ( كان المترتب عليه ) اى على المشترى ( من ضمان العشرة ) اى ضمانه عشرة بإزاء المالك ( الزائدة ) على أصل الثمن - اى العشرة الثانية - ( مستقرا على الغار ) اى البائع ، فإنه غره ، إذ باع مال غيره - الّذي يسوى بعشرين - للمشترى بعشرة ( فغرامة ) المشترى إزاء المالك ب ( العشرة الزائدة ) على

ص: 59

- وان كانت مسببة عن الاقدام - الا انها ليست مقدما عليها .

هذا كله مع أن التحقيق - على ما تقدم سابقا - ان سبب الضمان في العقد الفاسد ، هو القبض الواقع ، لا على وجه الايتمان ، وان ليس الاقدام على الضمان علة له ، مع عدم امضاء الشارع لذلك الضمان

_________________________

القيمة المشترى بها ( - وان كانت ) تلك الغرامة الزائدة ( مسببة عن الاقدام ، - الا انها ) اى العشرة الزائدة ( ليست مقدما عليها ) إذ :

الاقدام كان على عشرة فقط ، لا على عشرين .

( هذا كله ) وجه عدم خسارة المشترى العشرة الزائدة ، وانما الخسارة تقع على البائع ( مع أن التحقيق - على ما تقدم سابقا - ان سبب الضمان في العقد الفاسد ، هو القبض الواقع ، لا على وجه الايتمان ) اما القبض الايتمانى فلا يوجب الضمان ( وان ليس الاقدام على الضمان علة له ) اى للضمان ( مع عدم امضاء الشارع لذلك الضمان ) .

فتحصل من الاشكال الّذي بينه بقوله : ومما ذكرنا يظهر ، - اى بيان وجه ضمان المشترى للعشرة الزائدة - : ان المشترى اقدم على الضمان ، وكل من اقدم على الضمان فهو ضامن .

اما ان المشترى اقدم على الضمان ، فلان الاشتراء معناه الاقدام على الضمان بالقيمة .

واما ان كل من اقدم على الضمان فهو ضامن ، فلانه هو الّذي تبنى الضمان .

وتحصل في الجواب عن الاشكال جوابان .

ص: 60

وان استدل به الشيخ ، وأكثر من تأخر عنه .

وقد ذكرنا في محله توجيه ذلك بما يرجع إلى الاستدلال باليد فراجع .

وكيف كان فجريان قاعدة الغرور في ما نحن فيه أولى منه فيما حصل في مقابلته نفع .

_________________________

الأول : ان الاقدام وان كان سببا للضمان الا ان الغرور أوجب كون قرار الضمان - بالنسبة إلى الزائد من الثمن - على البائع .

الثاني : - وهو ما أشار إليه بقوله : مع أن التحقيق - ان الاقدام ليس سببا وانما القبض سبب ، لكن القبض هنا لا يسبب ضمان الزائد لان الزائد على البائع الغار لا على المشترى المغرور ( وان استدل به ) اى بكون الاقدام سببا للضمان ( الشيخ ، وأكثر من تأخر عنه ) لكنا لم نظفر له على دليل .

( وقد ذكرنا في محله ) في مسئلة المقبوض بالعقد الفاسد ( توجيه ذلك ) الكلام من الشيخ ( بما يرجع إلى الاستدلال باليد ) وانه يشمله :

على اليد ما اخذت ، فيما إذا اخذ المقدم المال ووضع اليد عليه ( فراجع ) .

( وكيف كان ) سواء كان وجه الضمان الاقدام ، أو القبض ؟ ( فجريان قاعدة الغرور في ما نحن فيه ) بالنسبة إلى الزائد من الثمن - وذلك حيث تسقط الزائد عن المشترى - ( أولى منه ) اى من جريان القاعدة ( فيما حصل في مقابلته نفع ) للمشترى ، كما لو اكل الثمرة ، فان في الأصل والثمر إذا جرت قاعدة الغرور ، كان جريانها في الأصل وحده - وان

ص: 61

هذا إذا كانت الزيادة موجودة وقت العقد .

ولو تجددت بعده فالحكم بالرجوع فيه أولى هذا كله فيما يغرمه المشترى بإزاء نفس العين التالفة .

واما ما يغرمه بإزاء اجزائه التالفة فالظاهر : ان حكمه حكم المجموع في انه يرجع في الزائد على ما يقابل ذلك الجزء

_________________________

كانت قيمته أكثر من الثمن الجعلى - بطريق أولى .

( هذا ) كله وجه عدم خسارة المشترى للزيادة القيمية في ما ( إذا كانت الزيادة موجودة وقت العقد ) كما لو كان المتاع يسوى عشرة ، فباعه الغاصب بعشرة .

( ولو تجددت ) الزيادة ( بعده ) اى بعد العقد ، كما لو كانت القيمة حال العقد عشرة ، ثم ارتفعت بعد العقد فصارت عشرين ( فالحكم بالرجوع ) من المشترى ( فيه ) اى في المقدار الزائد على البائع ( أولى ) لان المشترى لم يقدم الا على ما قيمته عشرة فقط ، فلا وجه لضمانه أكثر من العشرة ( هذا كله فيما يغرمه المشترى ) للمالك ( بإزاء نفس العين التالفة ) .

( واما ما يغرمه ) المشترى للمالك ( بإزاء اجزائه التالفة ) كما لو اشترى بستانا فيه الف نخله بألف دينار ، وقيمته الواقعية الف وخمسمائة ، ثم تلف نخل من نخيله ، فاخذ منه المالك البستان ، واخذ منه أيضا دينارا ونصفا قيمة التالف ( فالظاهر : ان حكمه ) اى حكم هذا الجزء التالف ( حكم المجموع ، في انه يرجع في الزائد على ما يقابل ذلك الجزء ) إلى البائع فيأخذ من البائع نصف دينار فقط ، إذ بمقدار الدينار اتلفه المشترى ،

ص: 62

لا فيما يقابله ، على ما اخترناه ، ويجئ على القول الآخر عدم الرجوع في تمام ما يغرمه .

واما ما يغرمه بإزاء أوصافه فإن كان مما لا يقسط عليه الثمن ، كما عدا وصف الصحة من الأوصاف التي يتفاوت بها القيمة ، كما لو كان عبدا كاتبا فنسى الكتابة عند المشترى ، فرجع المالك عليه بالتفاوت ، فالظاهر رجوع

_________________________

فلا حق له في مقدار الدينار ( لا فيما يقابله ) اى الدينار والنصف ( على ما اخترناه ) لما عرفت من أن المشترى اتلف بمقدار دينار ( ويجئ على القول الآخر ) الّذي يجعل تمام الغرامة على المشترى ( عدم الرجوع ) من المشترى إلى البائع ( في تمام ما يغرمه ) اى في شيء مما يغرمه ، بل يجب على المشترى ان يدفع الدينار والنصف بنفسه .

( واما ما يغرمه ) المشترى ( بإزاء أوصافه ) اى أوصاف المتاع ، المفقودة ، فان الوصف على قسمين .

الأول : ما يتقسط بسببه الثمن .

والثاني : ما لا يتقسط بسببه الثمن ( فإن كان ) الوصف ( مما لا يقسط عليه الثمن ، كما عدا وصف الصحة ) اى مثل غير وصف الصحة ككتابة العبد ( من الأوصاف التي يتفاوت بها ) اى بسببها ( القيمة ، كما لو كان عبدا كاتبا ، فنسى الكتابة عند المشترى ، فرجع المالك عليه ) اى على المشترى ( بالتفاوت ) مثلا اشترى العبد من الغاصب بألف ، فنسى الكتابة فصارت قيمته تسعمائة ، فاخذه المالك واخذ من المشترى مائة ، قيمة للكتابة ( فالظاهر ) من مقتضى : قاعدة الغرر ( رجوع

ص: 63

المشترى على البائع لأنه لم يقدم على ضمان ذلك .

ثم إن ما ذكرنا كله من رجوع المشترى على البائع بما يغرمه ، انما هو إذا كان البيع المذكور صحيحا من غير جهة كون البائع غير مالك ، اما لو كان فاسدا من جهة أخرى ، فلا رجوع على البائع ، لان الغرامة لم تجئ

_________________________

المشترى على البائع ) بالمائة ( لأنه لم يقدم على ضمان ذلك ) التفاوت كالمائة ، في المثال - فهو مغرور بالنسبة إلى ذلك ، والمغرور يرجع إلى من غر .

واما إذا كان مما يسقط عليه الثمن كالصحة ، كما لو مرض العبد فصارت قيمته تسعمائة ، فأخذ المالك المائة من المشترى ، فاللازم عدم الرجوع إلى البائع ، لأنه مثل نقص الجزء .

فكما لو اشترى من البائع حقة من الأرز تصرف نصفه ثم رجع المالك إليه بما بقي من الأرز ، ونصف القيمة لم يحق له الرجوع إلى البائع الا بمقدار نصف القيمة فقط ، كذلك في الوصف المفقود الّذي يسقط عليه الثمن ، واللّه العالم .

( ثم إن ما ذكرنا كله من رجوع المشترى على البائع بما يغرمه ، انما هو إذا كان البيع المذكور ) الّذي باعه الغاصب للمشترى ، وكان المشترى جاهلا ، بان البائع ليس مالكا ( صحيحا ) من جهة الاجزاء والشرائط ( من غير جهة كون البائع غير مالك ) اى ليس بمالك ( اما لو كان ) البيع ( فاسدا من جهة أخرى ) كما لو كان المثمن مجهولا - مثلا - ( فلا رجوع ) للمشترى ( على البائع ) فيما يغرمه ( لان الغرامة لم تجئ

ص: 64

من تغرير البائع في دعوى الملكية ، وانما جاءت من جهة فساد البيع .

فلو فرضنا البائع صادقا في دعواه ، لم تزل الغرامة .

غاية الأمر كون المغروم له هو البائع على تقدير الصدق والمالك على تقدير كذبه فحكمه حكم نفس الثمن في التزام

_________________________

من تغرير البائع ) للمشترى ( في دعوى الملكية ) للمثمن ، والحال انه ليس له ( وانما جاءت ) الغرامة ( من جهة فساد البيع ) فلو باع الغاصب الشيء المجهول للمشترى بعشرة ، والحال ان قيمته خمسة عشرة ، ثم اخذ المالك من المشترى خمسة عشرة ، لم يكن للمشترى ان يرجع إلى البائع ، الا بعشرته ، اما الخمسة فالمشترى هو الّذي يغرمها .

( فلو فرضنا البائع صادقا في دعواه ) الملكية ، بان باع المالك ما قيمته خمسة عشرة للمشترى بعشرة ، وكان البيع فاسدا من جهة مجهولية المثمن - مثلا - ( لم تزل الغرامة ) فان اللازم ان يدفع المشترى إلى المالك خمسة عشرة ، لكن هذا فيما إذا كان البائع جاهلا بالفساد .

اما إذا كان عالما فقد اقدم بنفسه على سلب احترام مال نفسه بالنسبة إلى الخمسة ، فتأمل .

( غاية الأمر ) في الفرق بين كون البائع مالكا ، وبين كونه غاصبا ( كون المغروم له ) الّذي يجب على المشترى اعطاء الخمسة الزائدة له ( هو البائع على تقدير الصدق ) بان كان البائع مالكا ( والمالك على تقدير كذبه ) اى كذب البائع ، بان لم يكن مالكا بل كان غاصبا ( فحكمه ) اى حكم الزائد - كالخمسة في المثال - ( حكم نفس الثمن في التزام

ص: 65

المشترى به على تقديرى صدق البائع وكذبه .

ثم إنه قد ظهر مما ذكرنا ان كلما يرجع المشترى به على البائع ، إذا رجع إليه فلا يرجع البائع به على المشترى ، إذا رجع عليه لأن المفروض قرار الضمان على البائع .

واما ما لا يرجع المشترى به على البائع ، كمساوى الثمن من القيمة

_________________________

المشترى به ) لان المشترى لما اقدم على اخذ المال الّذي يسوى بخمسة عشرة ، بمقدار عشرة فقط ، من المالك الجاهل بالقيمة ، وكان البيع فاسدا ، كان دليل : على اليد ، يلزم المشترى على اعطاء الخمسة أيضا ( على تقديرى صدق البائع ) بان كان مالكا ( وكذبه ) على تقدير كونه لم يكن مالكا .

( ثم إنه قد ظهر مما ذكرنا ) في غرامة البائع والمشترى ، تجاه المالك ( ان كلما يرجع المشترى به ) - الضمير عائد إلى : ما ، - ( على البائع ، إذا رجع ) المالك ( إليه ) اى إلى المشترى - كالعشرة الزائدة في المثال السابق - ( فلا يرجع البائع به على المشترى ، إذا رجع ) المالك ( عليه ) اى على البائع ( لأن المفروض ) ان ( قرار الضمان على البائع ) لأنه الغار للمشترى .

( واما ما لا يرجع المشترى به على البائع كمساوى الثمن من القيمة ) كالعشرة الأولى في المثال السابق - فان المشترى لو اتلف المتاع فرجع البائع إلى المشترى ، واخذ منه العشرين ، العشرة الزائدة يرجع بها إلى البائع ، اما العشرة المساوية لقيمة العقد ، فان المشترى

ص: 66

فيرجع البائع به على المشترى ، إذا غرمه للمالك .

والوجه في ذلك : حصول التلف في يده .

فان قلت : ان كلا من البائع والمشترى يتساويان في حصول العين في يدهما العادية

_________________________

لا يرجع بها إلى البائع - إذا لم يسلمها بعد القيمة - ( فيرجع البائع به ) الضمير عائد إلى : ما لا يرجع ، ( على المشترى ، إذا غرمه للمالك ) فإنه إذا لم يعط المشترى للبائع العشرة : القيمة ، ثم اخذ المالك من البائع العشرين ، القيمة الواقعية للمتاع ، رجع البائع إلى المشترى - الّذي اتلف المتاع - بعشرة فقط ، وهي ما جعلاه قيمة للمتاع عند العقد ، بين البائع والمشترى ،

اما العشرة الزائدة فالبائع يخسرها من كيسه ، لأنه سبب غرور المشترى ، فلا يحق له ان يرجع بهذه العشرة الزائدة إلى البائع .

( والوجه في ذلك ) اى في رجوع البائع إلى المشترى بما يساوى القيمة المجعولة - اى العشرة الأولى - فيما اخذها المالك من البائع ( حصول التلف في يده ) اى يد المشترى ، فقرار الضمان على المشترى .

( فان قلت : ) هنا اشكالان .

الأول : انه كيف يمكن ان يكون مال واحد في ذمتين ؟

الثاني : انه لم يرجع البائع إلى المشترى إذا تلف العين في يده ؟

مع أن كلا منهما ضامن حسب الفرض - ف ( ان كلا من البائع والمشترى يتساويان في حصول العين ) التي هي للمالك ( في يدهما العادية ) التي

ص: 67

التي هي سبب للضمان ، وحصول التلف في يد المشترى ولا دليل على كونه سببا لرجوع البائع عليه .

نعم : لو اتلف بفعله ، رجع لكونه سببا لتنجز الضمان على السابق .

قلت : توضيح ذلك يحتاج إلى الكشف عن كيفية اشتغال ذمة كل من

_________________________

ليست بامينة ( التي ) اى اليد العادية ( هي سبب للضمان ، وحصول التلف في يد المشترى ولا دليل على كونه سببا لرجوع البائع عليه ) إذا رجع المالك إلى البائع ، إذ : البائع ضامن حسب الفرض حيث وضع يده على مال المالك ، فهو ضامن بنفسه فكيف يرجع إلى المشترى ؟

( نعم : لو اتلف ) المشترى المال ( بفعله ) اى بان فعل الاتلاف لا ان يتلف المتاع بنفسه بدون سببية المشترى - ( رجع ) البائع إلى المشترى ، فيما إذا رجع المالك إلى البائع ( لكونه ) اى المشترى اللاحق ( سببا لتنجز الضمان على ) البائع ( السابق ) لقاعدة : التسبيب ، حيث إن المشترى صار سببا لضمان البائع ، بسبب اتلافه المتاع .

والحاصل : ان ما ذكره المشهور ، من : ان كل سابق يرجع إلى اللاحق ، اما اللاحق فلا يرجع إلى السابق ، لا وجه له - اطلاقا - بل له وجه فيما لو كان المال اتلفه اللاحق باختياره ، اما لو تلف المال بنفسه فاللازم ان لا يرجع السابق إلى اللاحق ، لان يد السابق أيضا ضمانية .

( قلت : توضيح ذلك ) اى وجه اشتغال ذمتين أولا ، ووجه رجوع السابق إلى اللاحق ثانيا ( يحتاج إلى الكشف عن كيفية اشتغال ذمة كل من

ص: 68

اليدين ببدل التالف وصيرورته في عهدة كل منهما مع أن الشيء الواحد لا يقبل الاستقرار الا في ذمة واحدة ، وان الموصول في قوله : على اليد ما اخذت ، شيء واحد ، كيف يكون على كل واحدة من الايادي المتعددة

فنقول : معنى كون العين المأخوذة ، على اليد كون عهدتها ودركها بعد التلف عليه ، فإذا فرض أيدي متعددة تكون العين الواحدة في عهدة كل من الايادي لكن ثبوت الشيء الواحد في العهدات ، المتعددة ، معناه لزوم خروج كل

_________________________

اليدين ) يد البائع ويد المشترى ( ببدل التالف ) الّذي كان ملكا للمالك ( وصيرورته ) اى التالف ( في عهدة كل منهما مع أن الشيء الواحد لا يقبل الاستقرار الا في ذمة واحدة ) إذ : المستفاد من الأدلة الشرعية والعقلائية ان الشيء مضمون بمقابله فقط ، لا بضعف مقابله ( وان الموصول ) اى لفظة : ما ، ( في قوله ) عليه السلام ( على اليد ما اخذت ، شيء واحد ، كيف يكون ) ذلك الشيء الواحد ( على كل واحدة من الايادي المتعددة )

فإذا وضحت هذه الأمور ظهر الجواب عن الاشكالين .

( فنقول : معنى كون العين المأخوذة ، على اليد ) وهو مضمون :

على اليد ما اخذت ، ( كون عهدتها ) وضمانها ، فان الشيء في ذمة الانسان ، باعتبار العقلاء ، وهذا معنى العهدة ( ودركها ) اى خسارتها ( بعد التلف عليه ، فإذا فرض أيدي متعددة ) تعاقبت على عين واحدة ( تكون العين الواحدة في عهدة كل من الايادي ) المتعاقبة ( لكن ثبوت الشيء الواحد في العهدات المتعددة ، معناه لزوم خروج كل

ص: 69

منها عن العهدة عند تلفه .

وحيث إن الواجب هو تدارك التالف الّذي يحصل ببدل واحد لا أزيد كان معناه تسلط المالك على مطالبة كل منهم الخروج عن العهدة عند تلفه فهو يملك ما في ذمه كل منهم على البدل ، بمعنى : انه إذا استوفى أحدها سقط الباقي لخروج الباقي عن كونها تداركا ، لان المتدارك لا يتدارك .

_________________________

منها ) اى من تلك العهدات ( عن العهدة عند تلفه ) اى تلف ذلك الشيء ، هذا فيما إذا كانت العين فقط في العهدة ، إذ العهدة تنتفى عند انتفاء العين .

( و ) لكن ( حيث إن الواجب هو تدارك التالف الّذي يحصل ) ذلك التدارك ( ببدل واحد ) مثلا ، أو قيمة ( لا أزيد ) من البدل الواحد ( كان معناه ) اى معنى ثبوت البدل الواحد في الذمم المتعددة ( تسلط المالك على مطالبة كل منهم ) اى من تلك الايادي ( الخروج عن العهدة عند تلفه ) قوله : الخروج ، مفعول ثان ل : مطالبة ، اى يطالبهم المالك ان يخرجوا عن عهدة المال ( فهو ) اى المالك ( يملك ما في ذمة كل منهم على البدل ) وكونه على البدل ( بمعنى : انه إذا استوفى أحدها سقط الباقي لخروج الباقي ) بعد أداء أحدهم ( عن كونها تداركا ، لان المتدارك لا يتدارك ) إذ ادراك امر واحد مرتين محال ، فإنه من تحصيل الحاصل .

ولعل إلى هذا نظر صاحب الجواهر ، حيث ادعى الاستحالة .

ص: 70

والوجه في سقوط حقه بدفع بعضهم عن الباقي ان مطالبته ما دام لم يصل إليه المبدل ، ولا بدله فأيهما حصل في يده لم يبق له استحقاق بدله ، فلو بقي شيء له في ذمة واحدة لم يكن بعنوان البدلية ، - والمفروض عدم ثبوته بعنوان آخر - .

ويتحقق مما ذكرنا : ان المالك انما يملك البدل على سبيل البدلية ويستحيل اتصاف شيء منها بالبدلية بعد صيرورة أحدها بدلا عن التالف

_________________________

( والوجه في سقوط حقه ) اى المالك ( بدفع بعضهم ) اى بسبب دفع بعضهم البدل ( عن الباقي ) متعلق ب : سقوط ( ان مطالبته ) اى المالك ( ما دام لم يصل إليه المبدل ، ولا بدله ) وقوله : ما دام ، خبر :

ان ، ( فأيهما ) من البدل والمبدل ( حصل في يده لم يبق له استحقاق بدله ) اى بدل المال ( فلو ) فرضنا انه ( بقي شيء له في ذمة واحدة لم يكن بعنوان البدلية ) إذ البدل قد سقط ( - والمفروض عدم ثبوته بعنوان آخر - ) .

وان شئت قلت : ان الجمع بين دليل : ضمان بدل واحد ، وبين دليل : على اليد ، هو كون البدل في احدى الذمم على سبيل البدل ونحو الواجب الكفائي ، فإذا حصل المالك على بدل واحد من أحدهم أو مجموعهم ، لم يكن له بعد شيء في ذمة أحد فقد وصل إليه حقه .

( ويتحقق مما ذكرنا : ان المالك انما يملك البدل على سبيل البدلية ) اى البدل الّذي يسمى بدلا ( ويستحيل اتصاف شيء منها بالبدلية بعد صيرورة أحدها بدلا عن التالف )

ص: 71

وأصلا إلى المالك .

ويمكن ان يكون نظير ذلك ضمان المال على طريقة الجمهور حيث إنه ضم ذمة إلى ذمة أخرى .

وضمان عهدة العوضين لكل من البائع والمشترى عندنا كما في الايضاح .

_________________________

( وأصلا إلى المالك ) عطف على : بدلا ، .

( ويمكن ان يكون نظير ذلك ) نظير البدل الواحد في ذمم متعددة ( ضمان المال على طريقة الجمهور ) العامة ، فان الشيعة يقولون : إذا ضمن انسان مالا ينتقل المال من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن .

اما العامة فالضمان عندهم ليس هكذا ( حيث إنه ) اى الضمان عندهم عبارة عن ( ضم ذمة إلى ذمة أخرى ) اى ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه ، فلعلهم أرادوا : الضم ، على سبيل البدل ، وان أيا من الضامن والمضمون عنه دفع المال ، فقد سقط المال عن ذمة الآخر .

( و ) كذلك يمكن ان يكون نظير ذلك ( ضمان عهدة العوضين لكل من البائع والمشترى عندنا ) بان يضمن شخص ثالث : غير المتبايعين ، الثمن على المشترى - بان يلتزم للبائع ، ان يدفع الثمن إلى البائع إذا لم يدفعه المشترى - وكذلك يضمن المثمن على البائع - بان يلتزم للمشترى ان يدفع المثمن للمشترى ، إذا لم يدفعه البائع - فإنه عبارة عن ضمان شيء واحد في ذمتين ، ذمة البائع والمشترى من جهة وذمة الضامن من جهة أخرى ( كما في الايضاح ) .

ص: 72

وضمان الأعيان المضمونة على ما استقر به في التذكرة ، وقواه في الايضاح .

وضمان الاثنين لواحد كما اختاره ابن حمزة ، وقد حكى فخر الدين ، والشهيد عن العلامة في دروسه : انه نفى المنع من ضمان الاثنين على وجه الاستقلال .

_________________________

( و ) كذلك نظيره ( ضمان الأعيان المضمونة ) كضمان الشخص باستنقاذ المال من الغاصب - مثلا - فان المال حينئذ يكون في ضمان الغاصب وضمان الضامن .

وانما قال : الأعيان المضمونة ، لان الأعيان الأمانية لا تكون مضمونة كما لو أودع انسان عند الأمين المال ، فإنه لا يصح ضمان ثالث للأمين ، إذ : ليس على الأمين الا اليمين ( على ما استقر به في التذكرة ، وقواه في الايضاح ) بأنه يكون من قبيل الضمان على البدل .

( و ) كذلك نظيره ( ضمان الاثنين لواحد ) كما لو ضمن المديون نفران ، فان فيه أقوالا .

الأول - اشتراكهما في الضمان ، فيضمن كل واحد بعضه بالتساوي .

والثاني - بطلانها .

والثالث - اختيار المالك تضمين أيهما شاء .

والرابع - ان كل واحد ضامن على سبيل البدل ( كما اختاره ابن حمزة ، وقد حكى فخر الدين ، والشهيد عن العلامة في دروسه : انه نفى المنع من ضمان الاثنين على وجه الاستقلال ) اى لا مانع من أنه يكون نفران أو أكثر ضامنين لشيء واحد .

ص: 73

قال : ونظيره في العبادات ، الواجب الكفائي وفي الأموال الغاصب من الغاصب .

هذا حال المالك بالنسبة إلى ذوى الأيدي .

واما حال بعضهم بالنسبة إلى بعض ، فلا ريب في ان اللاحق ، إذا رجع إليه ، لا يرجع إلى السابق ، ما لم يكن السابق موجبا لإيقاعه في خطر الضمان

_________________________

( قال ) العلامة في درسه ( ونظيره ) اى ضمان الاثنين ( في العبادات الواجب الكفائي ) الّذي يجب على أكثر من واحد ، لكن على سبيل البدل فان قام به أحدهم سقط عن الكل ، والا اثم الجميع ( وفي الأموال الغاصب من الغاصب ) فان ذمة كليهما مشغولة ، فان اعطى المال إلى مالكه سقط عنهما ، والا اثما جمعيا .

( هذا ) كله جواب عن اشكال انه كيف يمكن اشتغال ذمة نفرين بشيء واحد ، فإنه لا مانع منه عقلا ولا محذور فيه شرعا ، بل ورد في موارد من الشريعة كما عرفت من كلام الفقهاء ، ف ( حال المالك بالنسبة إلى ذوى الا يدي ) المتعددة الذين وضعوا اليد على ماله اشتغال ذمة كل واحد منهم بماله ، على سبيل البدل .

( واما حال بعضهم ) اى بعض ذوى الأيدي ( بالنسبة إلى بعض ) آخر ، وهو الجواب عن انه كيف يرجع السابق إلى اللاحق ، كرجوع البائع إلى المشترى ، دون العكس ( فلا ريب في ان اللاحق ، إذا رجع ) المالك ( إليه ، لا يرجع ) اللاحق ( إلى السابق ، ما لم يكن السابق موجبا لإيقاعه في خطر الضمان ) اى ما لم يكن السابق غارا للّاحق ، كما لو اشترى المشترى

ص: 74

كما لا ريب في ان السابق ، إذا رجع عليه ، وكان غار اللاحقة ، لم يرجع إليه إذ : لا معنى لرجوعه عليه بما لو دفعه اللاحق ضمنه له .

فالمقصود بالكلام ما إذا لم يكن غارا له ، فنقول : ان الوجود في رجوعه هو : ان السابق اشتغلت ذمته بالبدل ، قبل اللاحق

_________________________

المال من البائع وهو يعلم أن البائع غاصب ، فان المالك إذا رجع إلى المشترى لم يرجع المشترى إلى الغاصب ( كما لا ريب في ان السابق إذا رجع ) المالك ( عليه وكان غار اللاحقة ، لم يرجع ) السابق ( إليه ) اى إلى اللاحق ( إذ : لا معنى لرجوعه ) اى السابق ( عليه ) اى على اللاحق ( بما ) اى بشيء - كالمنافع - ( لو دفعه اللاحق ) إلى المالك ( ضمنه ) السابق ( له ) اى لللاحق ، فإنه إذا كان الغاصب غارا واستوفى اللاحق المنافع ، ثم اخذ المالك بدل المنافع من اللاحق ، كان لللاحق الحق في ان يرجع بها إلى السابق ، ويأخذها من السابق ، فكيف يمكن ان يكون للسابق الحق في ان يرجع إلى اللاحق بالمنافع إذا اخذها المالك من السابق .

وحيث لا ريب في المسألتين .

( فالمقصود بالكلام ) هنا في انه يرجع السابق إلى اللاحق - فيما إذا رجع المالك إلى السابق - ( ما إذا لم يكن ) السابق ( غارا له ) اى لللاحق ( فنقول : ان الوجه في رجوعه ) اى رجوع السابق إلى اللاحق فيما إذا رجع المالك إلى السابق ( هو : ان السابق اشتغلت ذمته ) للمالك ( بالبدل ، قبل اللاحق ) إذ وضع السابق يده على مال المالك

ص: 75

فإذا حصل المال في يد اللاحق فقد ضمن شيئا له بدل ، فهذا الضمان يرجع إلى ضمان واحد من البدل والمبدل على سبيل البدل إذ : لا يعقل ضمان المبدل معينا من دون البدل والا خرج بدله عن كونه بدلا .

_________________________

قبل ان يضع اللاحق يده على مال المالك ( فإذا حصل المال في يد اللاحق فقد ضمن شيئا له بدل ) إذ مال المالك له بدل في ذمة السابق ( فهذا الضمان ) من اللاحق ( يرجع إلى ضمان واحد من البدل ) اى بدل البدل ( والمبدل ) ضمانا ( على سبيل البدل ) فان اللاحق ضمن المال ذا البدل ، فهو ضمان لاحد الامرين : المبدل ، و : بدله الّذي تعلق بذمة السابق .

وانما نقول : ضمن اللاحق واحدا من البدل والمبدل ، ولا نقول :

ان اللاحق ضمن المبدل فقط ( إذ : لا يعقل ضمان المبدل ) فقط ( معينا من دون البدل ) - الّذي تعلق بذمة السابق - ( والا ) فلو كان ضمان اللاحق للمبدل فقط ( خرج بدله ) اى بدل المبدل - الّذي بذمة السابق - ( عن كونه بدلا ) والحال انا فرضنا ان ما في ذمة السابق بدل عن المال .

وان شئت قلت : هل هناك في ذمة السابق بدل عن مال المالك أم لا ؟

فإن كان الأول ، لزم اشتغال ذمة اللاحق ببدل ذلك البدل .

وان كان الثاني ، لزم ان لا تكون ذمة السابق مشغولة ببدل مال المالك ، لكن الثاني باطل ، فيبقى الأول .

ص: 76

فما يدفعه الثاني ، فإنما هو تدارك لما استقر تداركه في ذمة الأول بخلاف ما يدفعه الأول فإنه تدارك نفس العين معينا ، إذ لم يحدث له تدارك آخر بعد ، فان أداه إلى المالك سقط تدارك الأول له ، ولا يجوز دفعه إلى الأول قبل دفع الأول إلى المالك ، لأنه من باب الغرامة والتدارك فلا اشتغال للذمة قبل حصول التدارك

_________________________

وبعبارة أخرى : ضمان مال له بدل ، معناه انه ضمان أحد من البدل والمبدل منه ، والا لساوى مع ضمان مال لا بدل له ( فما يدفعه ) إلى المالك ( الثاني ) اللاحق ( فإنما هو تدارك لما استقر تداركه في ذمة الأول ) اى الغاصب السابق ( بخلاف ما يدفعه الأول ) فيما إذا رجع المالك إلى الأول ( فإنه تدارك نفس العين معينا ، إذ لم يحدث له ) اى للمال ( تدارك آخر ) غير تدارك السابق ( بعد ) لفرض ان المالك لم يرجع إلى اللاحق ليتدارك المال ( فان أداه ) اللاحق ( إلى المالك سقط تدارك الأول ) السابق ( له ) اى للمال ، فلا يحق للمالك بعد ان اخذ المال من اللاحق ان يرجع بالمال إلى السابق ثانيا ( ولا يجوز دفعه ) اى دفع اللاحق المال ( إلى الأول ) السابق ( قبل دفع الأول ) المال ( إلى المالك ، لأنه ) اى دفع اللاحق إلى السابق ( من باب الغرامة والتدارك ) إذ : اللاحق انما يغرم للأول ، إذا دفع الأول المال إلى المالك ، اما إذا لم يدفع الأول إلى المالك ، فلم يخرج من كيس الأول شيء حتى يتداركه اللاحق ( فلا اشتغال للذمة ) اى ذمة اللاحق ، لا اشتغال لها بالنسبة إلى السابق ( قبل حصول التدارك ) اى قبل ان

ص: 77

وليس من قبيل العوض لما في ذمة الأول .

فحال الأول مع الثاني ، كحال الضامن مع المضمون عنه ، في انه لا يستحق الدفع إليه الا بعد الأداء .

والحاصل : ان من تلف المال في يده ضامن لاحد الشخصين على البدل من المالك ومن سبقه في اليد

و

_________________________

يعطى السابق إلى المالك - ويفوت المال على السابق - ، ( وليس ) المال الّذي يعطيه اللاحق للسابق ( من قبيل العوض لما في ذمة الأول ) حتى يكون واجب الأداء إلى الأول ، سواء دفع الأول المال إلى المالك ، أم لا بل ما يعطيه اللاحق للسابق تدارك ، والتدارك لا يكون الا بعد فوت المتدارك .

( فحال الأول ) السابق ( مع الثاني ) اللاحق ( كحال الضامن مع المضمون عنه ) كما لو طلب زيد من عمرو ، فضمن خالد ، فان خالدا الضامن إذا دفع المال إلى زيد ، كان له الحق في ان يأخذ بدل المال من المضمون عنه الّذي هو عمرو ( في انه ) اى الضامن ( لا يستحق الدفع إليه ) اى ان يدفع المضمون عنه المال إلى الضامن ( الا بعد الأداء ) للمال إلى المالك ، وهنا لا يستحق السابق ان يدفع اللاحق إليه المال الا بعد ان أدى السابق المال إلى المالك .

( والحاصل : ان من تلف المال في يده ) وهو اللاحق ( ضامن لاحد الشخصين ) ضمانا ( على البدل من المالك ) لأنه اتلف ماله ( و ) من ( من سبقه في اليد ) لأنه اتلف ما تلفه أوجب البدل على السابق (

ص: 78

تشتغل ذمته اما بتدارك العين ، واما بتدارك ما يتداركها وهذا اشتغال شخص واحد بشيئين لشخصين على البدل كما كان في الا يدي المتعاقبة اشتغال ذمة اشخاص على البدل بشيء واحد لشخص واحد .

وربما يقال : في وجه رجوع غير من تلف المال في يده لو رجع عليه ان ذمة من تلف في يده ، لو رجع عليه ان ذمة من تلف بيده مشغولة للمالك بالبدل وان أجاز له الزام غيره

_________________________

تشتغل ذمته ) اى ذمة اللاحق المتلف للمال ( اما بتدارك العين ) بان يعطيها للمالك ( واما بتدارك ما يتداركها ) والّذي يتدارك العين هو ما يعطيه السابق للمالك ( وهذا اشتغال شخص واحد ) هو اللاحق ( بشيئين ) البدل للعين أو بدل تدارك العين : اى بدل البدل ، ( لشخصين ) المالك ، والسابق ( على البدل ) بالنسبة إلى الشيئين ، وبالنسبة إلى الشخصين ( كما كان في الا يدي المتعاقبة ) غصبا كلها ، بخلاف هنا ، فان بعض الايادي غاصبة ، وبعضها شارية ( اشتغال ذمة اشخاص على البدل بشيء واحد لشخص واحد ) .

فالأول : من قبيل الواجب الكفائي ، وهذا من قبيل الواجب العيني - في الجملة - .

( وربما يقال : في وجه رجوع غير من تلف المال في يده ) من تلف المال في يده هو المشترى ، وغيره هو البائع - في المثال - ( لو رجع ) المالك ( عليه ) اى على : غير من تلف ، وهو البائع ( ان ذمة من تلف في يده ، لو رجع عليه ان ذمة من تلف بيده مشغولة للمالك بالبدل ) لأنه اتلف مال المالك ( وان أجاز له ) اى للمالك ( الزام غيره ) والمراد بالغير

ص: 79

باعتبار الغصب بأداء ما اشتغل ذمته به ، فيملك حينئذ من أدى بأدائه ما للمالك في ذمته بالمعاوضة الشرعية القهرية .

قال : وبذلك اتضح الفرق بين من تلف المال في يده ، وبين غيره الّذي خطابه بالأداء شرعي لا ذمي

_________________________

هو البائع ( باعتبار الغصب ) متعلق ب : جاز ، اى بسبب ان البائع هو الغاصب ، فيجوز للمالك الزامه بالبدل ( بأداء ما اشتغل ذمته ) اى ذمة الغير - وهو البائع - ( به ) الضمير عائد إلى : ما ، و : بأداء ، متعلق ب : الزام ، ( فيملك حينئذ ) اى حين الأداء ( من أدى ) وهو البائع ( ب ) سبب ( أدائه ما ) اى الشئ الّذي ( للمالك في ذمته ) اى ذمة من تلف بيده - وهو المشترى - ( بالمعاوضة الشرعية القهرية ) « بالمعاوضة » متعلق ب : يملك ، اى ان المال في ذمة المشتري :

المتلف ، فإذا أداه البائع ، ملك البائع ما في ذمة المشتري ، ولذا يحق للبائع بعد أدائه المال ان يرجع إلى المشترى .

وهذا هو كلام صاحب الجواهر في وجه رجوع السابق إلى اللاحق .

( قال : وبذلك ) الّذي ذكرنا من كون المال في ذمة اللاحق فإذا أداه السابق ملك بالمعاوضة القهرية ما في ذمة اللاحق ( اتضح الفرق بين من تلف المال في يده ، وبين غيره ) ممن وضع اليد على المال ، سابقا كان على المتلف ، أو لاحقا له ( الّذي ) صفة : غيره ، ( خطابه ) من الشارع ( بالأداء ) لمال المالك ( شرعي ) اى تكليفي محض ( لا ذمّي ) فليس في ذمته شيء مستقرا ، وانما يجب عليه أداء مال المالك ، ويأخذه

ص: 80

إذ : لا دليل على شغل ذمم متعددة بمال واحد ، فحينئذ يرجع عليه ولا يرجع هو انتهى .

وأنت خبير ، بأنه لا وجه للفرق بين خطاب من تلف بيده ، وخطاب غيره ، بان خطابه ذمي وخطاب غيره شرعي ، مع كون دلالة : على اليد ما اخذت ، بالنسبة إليهما على السواء ، والمفروض انه لا خطاب بالنسبة إليهما غيره ،

_________________________

من المتلف ( إذ : لا دليل على شغل ذمم متعددة بمال واحد ) فلا يمكن ان يقال : بانتقال ذمة كل من السابق واللاحق في حال واحد ( فحينئذ يرجع ) السابق ( عليه ) اى على اللاحق ( ولا يرجع هو ) عليه اى اللاحق على السابق ( انتهى ) كلام الجواهر .

( وأنت خبير ، ب ) ان قوله عليه السلام : على اليد ما اخذت ، شامل لكل من السابق واللاحق بلفظ واحد ، وكيفية واحدة ، ف ( انه لا وجه للفرق بين خطاب من تلف بيده ) اى اللاحق ( وخطاب غيره ) اى السابق ( بان خطابه ) اى من تلف بيده ( ذمي وخطاب غيره ) اى السابق الّذي لم يتلف بيده ( شرعي ) لا وجه للتفريق ( مع ) اى في حال ( كون دلالة :

على اليد ما اخذت ، بالنسبة إليهما ) من تلف في يده ، وغير من تلف في يده ( على السواء ) لان اللفظ شامل لهما ، لان كلا منهما اخذ المال ( والمفروض انه لا خطاب بالنسبة إليهما ) السابق واللاحق ( غيره ) اى غير خطاب : على اليد ، حتى يكون فارقا بين السابق بان خطابه شرعي واللاحق بان خطابه ذمي .

ص: 81

مع أنه لا يكاد يفهم الفرق بين ما ذكره من الخطاب بالأداء ، والخطاب الذمي مع أنه : لا يكاد يعرف خلاف من أحد ، في كون كل من ذوى الا يدي مشغول الذمة بالمال فعلا ، ما لم يسقط بأداء أحدهم ، أو ابراء المالك ، نظير الاشتغال بغيره ، من الديون في اجباره على الدفع ، أو الدفع عنه من ماله ، وتقديمه على الوصايا ، والضرب فيه مع الغرماء ، ومصالحة

_________________________

هذا أولا ، وثانيا ( مع أنه لا يكاد يفهم الفرق بين ما ذكره من الخطاب بالأداء ) بالنسبة إلى السابق - اى الشرعي - ( والخطاب الذمي ) بالنسبة إلى اللاحق .

وهذا الكلام من الشيخ مبنى على كون كل حكم شرعي فهو تكليفي ولا معنى للحكم الوضعي أصلا فالخطابان كلاهما شرعي .

وثالثا : ( مع أنه : لا يكاد يعرف خلاف من أحد ، في كون كل من ذوى الا يدي ) على مال الغير ( مشغول الذمة بالمال فعلا ، ما لم يسقط ) المال عن ذممهم جميعا ( بأداء أحدهم ، أو ابراء المالك ) فما معنى الفرق بان خطاب أحدهم ذمي ، وخطاب الآخر شرعي ؟ مع أن الآثار في الكل واحدة ، فحال اشتغال اللاحق والسابق بهذا الدين ( نظير الاشتغال ) للذمة ( بغيره ، من الديون في اجباره ) اى المديون ( على الدفع ) بان يدفع المديون بنفسه ( أو الدفع عنه ) اى عن المديون ( من ماله ، وتقديمه ) اى الدين ( على الوصايا ) إذ : الدين ، مقدم على الوصية ( والضرب فيه ) اى في هذا الدين ( مع ) سائر ( الغرماء ) إذا كان غرماء متعددون ، والمال لا يفي بجميعهم ( ومصالحة

ص: 82

المالك عنه مع آخر ، إلى غير ذلك من : احكام ما في الذمة مع : ان تملك غير من تلف المال بيده لما في ذمة من تلف المال بيده بمجرد دفع البدل لا يعلم له سبب اختياري ، ولا قهري بل المتجه على ما ذكرنا

_________________________

المالك عنه ) اى عن المال ( مع آخر ) بان يعطى كل واحد من المديونين بعض المال ، فيما لو قصر مال الشخص المديون مصالحة ، أو المراد انه لو تردد المالك بين هذا وذاك صالح المديون مع كل منهما ( إلى غير ذلك من : احكام ما في الذمة ) .

ورابعا : ( مع أن تملك غير من تلف المال بيده ) اى تملك السابق كالبائع الغاصب - ( لما في ذمة من تلف المال بيده ) اى المشترى ، و : لما ، متعلق ب : تملك ( بمجرد دفع البدل ) اى بمجرد دفع الغاصب البدل إلى المالك - كما ذكره الجواهر - حيث قال : ان المال يكون في ذمة المشتري المتلف ، لكن المالك إذا رجع إلى البائع ، فبمجرد دفع البائع البدل إلى المالك ، يتملك ما في ذمته ( لا يعلم له سبب اختياري ) لأنه لم يجر عقد بين الأطراف بهذا الشأن ( ولا قهري ) السبب القهري مثل مزج المالين ، فإنه موجب للشركة القهرية - وان كان المازج هواء أو ما أشبه - وكذلك إذا ضاع أحد الدرهمين للودعيين ، فإنه يوجب الشركة في الدرهم الباقي ، لكن مثل هذه الأمور تحتاج إلى دليل شرعي مفقود في المقام ( بل المتجه على ما ذكرنا ) وهو ما ذكره سابقا ، من قوله - قبل أقل من صفحة - وحيث إن الواجب هو تدارك التالف الّذي يحصل ببدل لا أزيد

ص: 83

سقوط حق المالك عمن تلف في يده ، بمجرد أداء غيره لعدم تحقق موضوع التدارك بعد تحقق التدارك ، مع أن اللازم مما ذكره ان لا يرجع الغارم بمن لحقه ، في اليد العادية الا إلى من تلف في يده ، مع أن الظاهر خلافه ،

_________________________

( سقوط حق المالك عمن تلف ) المال ( في يده ) وهو المشترى ( بمجرد أداء غيره ) الّذي هو البائع ( لعدم تحقق موضوع التدارك ) بالنسبة إلى المشترى ، فإنه لا موقع لتداركه ( بعد تحقق التدارك ) من البائع .

وخامسا : ( مع أن اللازم مما ذكره ) الجواهر ، من : ان المأخوذ منه البدل ، يقع تعارض قهري بين ما أعطاه ، وبين ما في ذمة المتلف ، حتى أن المأخوذ منه يحق له ان يأخذ المال من المتلف ( ان لا يرجع الغارم ) وهو من دفع البدل إلى المالك ( بمن لحقه ) : بمن ، متعلق ب : لا يرجع ، والمراد : بمن لحق ، الشخص الّذي بعده ، مثلا غصب زيد : المال ، فاشتراه عمرو منه ، وبكر اشتراه من عمرو ، وتلف المال في يد بكر ، فان لازم معاوضة ما أعطاه زيد : الغاصب ، لمالك المال مع ما في ذمة بكر : المتلف للمال ، ان لا يكون ، حتى لزيد في الرجوع إلى الواسطة الّذي هو عمرو ، بل اللازم رجوعه رأسا إلى بكر : المتلف ، ( في اليد العادية ) اى من كان بعد الغاصب ممن وضع يده عدوانا على مال المالك ، كعمرو - في المثال - ( الا إلى من تلف ) المال ( في يده ) كبكر - في المثال - ( مع أن الظاهر ) من كلام الفقهاء ( خلافه ) اى خلاف هذا اللازم ، بمعنى انه يحق لزيد ان يرجع إلى كل

ص: 84

فإنه يجوز له ان يرجع إلى كل واحد ممن بعده .

نعم : لو كان غير من تلف بيده ، فهو يرجع إلى أحد لواحقه إلى أن يستقر على من تلف في يده ، هذا كله إذا تلف المبيع في يد المشترى وقد عرفت الحكم أيضا في صورة بقاء العين ، وانه يرجع المالك بها على من في يده ، أو من جرت يده عليها ، فإن لم يمكن انتزاعها ممن هي في يده ، غرم للمالك بدل الحيلولة

_________________________

من عمرو وبكر - في المثال - ( فإنه ) اى الغارم ( يجوز له ان يرجع إلى كل واحد ممن بعده ) ممن لهم اليد العدواني .

( نعم : لو كان ) من رجع إليه الغارم ( غير من تلف بيده ) كعمرو - في المثال - ( فهو ) اى غير من تلف بيده ( يرجع إلى أحد لواحقه ) واللاحق يرجع إلى اللاحق ( إلى أن يستقر على من تلف في يده ، هذا كله ) تمام الكلام فيما ( إذا تلف المبيع في يد المشترى ) الّذي اشتراه من الغاصب ( وقد عرفت الحكم أيضا في صورة بقاء العين ، وانه ) الضمير للشأن ( يرجع المالك بها ) اى بالعين - لأجل اخذها - ( على من ) العين ( في يده ، أو من جرت يده عليها ) اى على العين - لقاعدة :

على اليد - ( فان ) رجع المالك إلى من ليس المال في يده ، وتمكن الواسطة من انتزاع المال ممن في يده المال ، فهو وان ( لم يمكن انتزاعها ) اى العين ( ممن هي في يده ) بان كان مسافرا بعيدا ، أو غاصبا قويا ، أو ما أشبه ( غرم ) الّذي رجع إليه المالك ( للمالك بدل الحيلولة ) حيث إن الواسطة حال بين المالك وبين ماله ، حيث إن

ص: 85

وللمالك استردادها فيرد بدل الحيلولة .

ولا يرتفع سلطنة المالك على مطالبة الأول ، بمجرد تمكنه من الاسترداد من الثاني ، لان عهدتها على الأول ، فيجب عليه تحصيلها وان بذل ما بذل .

_________________________

الواسطة نقل المال من نفسه إلى غيره ( وللمالك ) بعد اخذه بدل الحيلولة ( استردادها ) اى بدل الحيلولة بان يطلب رد ماله من اليد التي عندها المال ، وإذا اخذ ماله ( فيرد ) المالك ( بدل الحيلولة ) إلى صاحبه ، إذ : لا معنى لان يجمع المالك بين المعوض والعوض .

( و ) لا يخفى انه ( لا يرتفع سلطنة المالك على مطالبة الأول ) اى الّذي ليس لديه ماله كالبائع ( بمجرد تمكنه ) اى المالك ( من الاسترداد ) لعين ماله ( من الثاني ) كالمشترى ( لان عهدتها ) اى عين المال ( على الأول ) ثابت ( ف ) يجوز للمالك طلبه منه كما ( يجب عليه تحصيلها ) اى تحصيل عين مال المالك ( وان بذل ) الأول ، لأجل التحصيل ( ما بذل ) من الأموال الطائلة .

ولكن لا يخفى انهم ذكروا انه انما يجب على الغاصب تحصيل المال فيما إذا لم يوجب التحصيل ضررا عليه ، والا فأدلة : لا ضرر ، شاملة له مثلا : إذا أوقع درهم الغير في البئر عمدا ، وكانت مئونة اخراج عينه ألف دينار ، لم يجب عليه الاخراج ، وكذا إذا كان المال الّذي أوقعه في البئر قيميا يسوى بدرهم .

ص: 86

نعم : ليس لمالك اخذ مئونة الاسترداد ليباشر بنفسه ، ولو لم يقدر على استردادها الا المالك ، وطلب من الأول عوضا عن الاسترداد .

فهل يجب عليه بذل العوض ، أو ينزل منزلة التعذر ، فيغرم بدل الحيلولة .

أو يفرق بين الأجرة المتعارفة للاسترداد وبين الزائد عليها مما يعد اجحافا على الغاصب الأول وجوه ،

_________________________

( نعم : ليس للمالك اخذ مئونة الاسترداد ) من الأول ( ليباشر ) المالك الاسترداد ( بنفسه ) إذ : الغاصب مكلف بان يرد المال ، لا بان يعطى اجرة الاسترداد ( ولو لم يقدر على استردادها ) اى العين - من يد المشترى - ( الا المالك ، وطلب ) المالك ( من الأول ) اى البائع ( عوضا عن ) تبعه في ( الاسترداد ) .

( فهل يجب عليه ) اى على الأول - البائع - ( بذل العوض ، أو ينزل ) المال الّذي عند المشترى ( منزلة التعذر ) لتعذر البائع حقيقة ( فيغرم ) البائع للمالك ( بدل الحيلولة ) .

( أو يفرق بين ) احتياج الاسترداد إلى ( الأجرة المتعارفة للاسترداد ) فتلزم الأجرة على البائع ، لأنها من شؤون الارجاع للمال الّذي هو مأمور به ( وبين الزائد عليها مما يعد اجحافا على الغاصب الأول ) - اى الّذي ليس عنده المال ، ولو كان الشخص الثاني أو غيره - ( وجوه ) واحتمالات .

والدليل على وجوب الرد مطلقا ، اطلاق أدلة رد مال المالك .

ص: 87

هذا كله مع عدم تغير العين ، واما إذا تغيرت ، فيجيء صور كثيرة لا يناسب المقام التعرض لها ، وان كان كثير مما ذكرنا - أيضا - مما لا يناسب ذكره ، الا في باب الغصب .

الا ان الاهتمام بها دعاني إلى ذكرها في هذا المقام بأدنى مناسبة اغتناما للفرصة ، وفقنا اللّه لما يرضيه عنا من العلم والعمل انه غفار الزلل .

_________________________

وعلى عدم الوجوب مطلقا ، ان الدليل انما دل على وجوب رد مال المالك ولم يدل على لزوم صرف شيء على الغاصب في هذا السبيل ، فاصالة عدم وجوب صرف شيء محكمة فيرجع إلى بدل الحيلولة .

وعلى التفصيل اطلاق أدلة وجوب الرد بعد انصرافها عن صورة الاجحاف ( هذا كله مع عدم تغير العين ) الموجودة ( واما إذا تغيرت فيجيء صور كثيرة ) لأنها اما إلى الزيادة أو النقيضة .

ثم كل واحدة منهما اما إلى العينية أو القيمية أو الحكمية .

ثم إن التغيير اما عند بعض الايادي مع وجود مثلها ، أو ضدها عند اليد الأخرى ، أو عند كل الايادي إلى غيرها من صور التغير ( لا يناسب المقام التعرض لها ، وان كان كثير مما ذكرنا - أيضا - مما لا يناسب ذكره ) في كتاب البيع ، ( الا في باب الغصب ) على ما ذكره الفقهاء هناك .

( الا ان الاهتمام بها ) اى بتلك الصور المذكورة ( دعاني إلى ذكرها في هذا المقام بأدنى مناسبة ، اغتناما للفرصة ، وفقنا اللّه لما يرضيه عنا من العلم والعمل ، انه غفار الزلل ) واللّه العالم .

ص: 88

مسئلة : لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه ،

فعلى القول ببطلان الفضولي ، فالظاهر : ان حكمه حكم بيع ما يقبل الملك ، مع ما لا يقبله ، والحكم فيه الصحة لظهور الاجماع بل دعواه عن غير واحد ، مضافا إلى صحيحة الصفار المتقدمة في أدلة بطلان الفضولي ، من قوله عليه السلام : لا يجوز بيع ما لا يملك وقد وجب الشراء فيما يملك .

_________________________

( مسئلة - لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه ، فعلى القول ببطلان الفضولي ، فالظاهر ) من القواعد العامة ( ان حكمه ) اى حكم هذا البيع ( حكم بيع ما يقبل الملك ، مع ما لا يقبله ) كالخل والخمر ( والحكم فيه الصحة ) بالنسبة إلى ما يقبل الملك ، وهنا أيضا الصحة بالنسبة إلى مال الفضول ، وليس هذا قياسا ، بل استدلالا لشمول الأدلة العامة لمفروض المسألة ، كشمولها لمسألة الخمر والخل ، بل شمولها لما نحن فيه أولى ، من حيث قبول مال الغير البيع ذاتا ، بخلاف الخمر التي لا تقبل الملك اطلاقا ( لظهور الاجماع ) على الصحة ( بل دعواه ) اى الاجماع ( عن غير واحد ، مضافا إلى صحيحة الصفار المتقدمة في أدلة ) القائلين ب ( بطلان الفضولي ، من قوله عليه السلام : لا يجوز بيع ما لا يملك ) بصيغة المعلوم ( وقد وجب ) اى ثبت ( الشراء فيما يملك ) .

ص: 89

ولما ذكرنا قال به من قال ببطلان الفضولي ، كالشيخ ، وابن زهرة والحلى وغيرهم .

نعم : لولا النص ، والاجماع ، أمكن الخدشة فيه بما سيجيء في بيع ما يملك ، وما لا يملك .

واما على القول بصحة الفضولي ، فلا ينبغي الريب في الصحة مع الإجازة بل

و

_________________________

( ولما ذكرنا ) من أن : مقتضى القاعدة ، الصحة - بالنسبة إلى ملك الفضول - ( قال به ) اى بكونه صحيحا ( من قال ببطلان الفضولي كالشيخ ، وابن زهرة والحلى ، وغيرهم ) .

( نعم : لولا النص ) الّذي عرفته ، وهو صحيح الصفار ( والاجماع ) المتقدم على الصحة ( أمكن الخدشة فيه ) اى في كون البيع صحيحا ( بما سيجيء في بيع ما يملك ، وما لا يملك ) كلاهما بصيغة المجهول ، كبيع الخل والخمر .

والمناقشة من نواحي متعددة .

منها : ان العقد بسيط ، فلا يقبل التجزئة .

ومنها : ان التجزئة توجب مجهولية مقدار الثمن بإزاء المثمن ، بل ومجهولية مقدار المثمن فيما إذا عرف وزن الشيئين معا ، اما وزن أحدهما فلم يعرف ، إلى غيرهما من الاشكالات .

( واما على القول بصحة الفضولي ، فلا ينبغي الريب في الصحة ) اى صحة بيع الفضول مال نفسه ومال غيره ( مع الإجازة ) من المالك ( بل

ص: 90

كذا مع الرد ، فإنه كما لو تبين بعض المبيع غير مملوك غاية الأمر ثبوت الخيار حينئذ للمشترى ، مع جهله بالحال عند علمائنا كما عن التذكرة ، وسيجيء في اقسام الخيار ، بل عن الشيخ في الخلاف تقوية ثبوت الخيار للبائع ، لكن عن الغنية الجزم بعدمه ، ويؤيده صحيحة الصفار .

_________________________

وكذا مع الرد ) من المالك إذ : يصح حينئذ بالنسبة إلى مال الفضول ( فإنه كما لو تبين ) بعد العقد ( بعض المبيع غير مملوك ) حيث لا يوجب ذلك بطلان العقد بالنسبة إلى المملوك ( غاية الأمر ) في صورة رد المالك ( ثبوت الخيار ) اى خيار تبعض الصفقة ( حينئذ للمشترى ، مع جهله بالحال ) بان لم يعلم أن بعضه غير مملوك للبائع .

نعم : إذا كان عالما لم يكن له خيار لأنه بنفسه اقدم على ما احتمل فيه التبعض ( عند علمائنا كما عن التذكرة وسيجيء ) بيان هذا الخيار ( في ) ذكر ( اقسام الخيار ، بل عن الشيخ في الخلاف تقوية ثبوت الخيار للبائع ) أيضا فيما إذا رد المالك ، لأنه ضرر على البائع أيضا في بعض الصور .

إذ : قيمة متاعه تنقص عند الانفراد عن قيمته عند الاجتماع ، كما في مصراعي باب .

ولان تزلزل البيع - حال خيار المشترى - ضرر بالنسبة إلى البائع ( لكن عن الغنية ) لابن زهرة ( الجزم بعدمه ) اى عدم الخيار للبائع ( ويؤيده ) اى كلام الغنية ( صحيحة الصفار ) المتقدمة ، حيث قال عليه - السلام : وقد وجب الشراء فيما يملك .

ص: 91

وربما حمل كلام الشيخ على ما إذا ادعى البائع الجهل ، أو الاذن وكلام الغنية على العالم .

ثم : ان صحة البيع فيما يملكه مع الرد ، مقيد - في بعض الكلمات بما إذا لم يتولد من عدم الإجازة مانع شرعي ، كلزوم ربا ، وبيع آبق من دون ضميمة ، وسيجيء الكلام في محلها .

_________________________

( وربما حمل كلام الشيخ ) الّذي قال : بان للبائع الفضول أيضا الخيار ( على ما إذا ادعى البائع الجهل ) بان بعض المال لغيره ( أو الاذن ) من المالك لبعض المتاع في بيعه مع مال نفسه ( وكلام الغنية ) الجازم بعدم الخيار للبائع ( على العالم ) بأنه فضول في بعض المتاع الّذي يبيعه .

( ثم : ان صحة البيع فيما يملكه مع الرد ) مع الطرف الآخر ، الّذي يكون البائع فضولا بالنسبة إليه ( مقيد - في بعض الكلمات - بما إذا لم يتولد من عدم الإجازة مانع شرعي ) موجب لبطلان البيع ( كلزوم ربا ) فإنه لو باع ذهب نفسه ، وفضة صديقه ، وهما مثقالان بمثقال ونصف من الذهب الجيد ، ثم إن صديقه لم يقبل البيع حتى بطل البيع في ربع مثقال من الذهب لزم الربا ، حيث يكون حينئذ مثقال من الذهب في مقابل مثقال وربع من الذهب ( وبيع آبق من دون ضميمة ) فان بيع العبد الآبق انما يجوز مع الضميمة فإذا بطل البيع في الضميمة لعدم إجازة صاحب الضميمة صار بيع الآبق وحده وذلك باطل ( وسيجيء الكلام ) في ذلك ( في محلها ) .

ص: 92

ثم : ان البيع المذكور صحيح بالنسبة إلى المملوك بصحته من الثمن ، وموقوف في غيره بحصته .

وطريق معرفة حصة كل منهما من الثمن في غير المثلى ان يقوم كل منهما منفردا ، فيؤخذ لكل واحد جزء من الثمن ، نسبته إليه ، كنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين .

_________________________

( ثم : ان البيع المذكور ) الفضولي الّذي باع مال نفسه ومال غيره ولم يقبل الغير بان انحصر البيع في مال نفسه ( صحيح بالنسبة إلى ) المال ( المملوك ) للبائع ( بحصته ) اى بالمقدار المقابل له ( من الثمن ، وموقوف ) اى باطل ( في غيره ) اى غير المملوك ( بحصته ) .

مثلا : إذا باع داره التي تسوى ألفا ، ودار صديقه التي تسوى تسعمائة بألف وتسعمائة ، ثم رد الصديق ، صح البيع بالنسبة إلى داره بألف ، وبطل بالنسبة إلى دار صديقه المقابلة للتسعمائة .

( و ) هذا فيما إذا كانت قيمة المجموع مساوية لقيمة كل واحد من المتاعين ، اما إذا لم تكن القيمة كذلك ف ( طريق معرفة حصة كل منهما من الثمن في غير المثلى ) وانما قال : في غير المثلى ، لان : المثلى ، يأتي حكمه في آخر المسألة إن شاء اللّه تعالى ( ان يقوم كل منهما ) اى من الجنسين ( منفردا ، فيؤخذ لكل واحد ) منهما ( جزء من الثمن ، نسبته ) اى ذلك الجزء ( إليه ) اى إلى الثمن ( كنسبة قيمته ) اى قيمة ذلك الجزء ( إلى مجموع القيمتين ) بان يقوم هذا منفرد أو هذا منفردا ، ثم جميع القيمتين ونسبة إحداهما إلى المجموع والأخذ من الثمن بتلك

ص: 93

مثاله كما عن السرائر - ما إذا كان ثمنها ثلث دنانير ، وقيل إن قيمة المملوك قيراط وقيمه غيره قيراطان فيرجع المشترى بثلثي الثمن .

وما ذكرنا من الطريق هو : المصرح به في الارشاد ، حيث قال : ويسقط المسمى على القيمتين .

ولعله أيضا مرجع ما في الشرائع ، والقواعد ، واللمعة ، من أنهما يقومان جميعا ،

_________________________

النسبة .

( مثاله : - كما عن السرائر - ما إذا كان ) الخاتمان العقيق والفيروزج ( ثمنها ) اى تلك الحصة لدى الاشتراء ( ثلث دنانير ، وقيل إن قيمة المملوك ) للبائع كالعتيق ( قيراط وقيمة غيره ) كالفيروزج ( قيراطان ) لدى تقويم كل واحد منفردا عن الآخر ( فيرجع المشترى ) إلى البائع ( بثلثي الثمن ) اى يسترجع منه دينارين ، لان صاحب الفيروزج لم يقبل بيعه .

( وما ذكرنا من الطريق ) للتقويم لمعرفة قيمة كل واحد منهما ( هو :

المصرح به في الارشاد ، حيث قال : ويسقط ) الثمن ( المسمى ) في العقد ( على القيمتين ) اى قيمة هذا منفردا وقيمة ذاك منفردا ، ففي المثال المسمى وهو ثلاث دنانير ، إذا قسط على القيمتين اى الثلاث قراريط ، يكون لأحدهما ديناران ، للآخر دينار واحد .

( ولعله ) اى هذا الطريق ( أيضا ) كما هو ظاهر الارشاد ( مرجع ما في الشرائع ، والقواعد ، واللمعة ، من أنهما ) اى المتاعين ( يقومان جميعا )

ص: 94

ثم يقوم أحدهما .

ولذا فسر بهذه العبارة المحقق الثاني عبارة الارشاد ، حيث قال طريق تقسيط المسمى على القيمتين الخ .

لكن الانصاف ان هذه العبارة الموجودة في هذه الكتب لا تنطبق بظاهرها على عبارة الارشاد التي اخترناها في طريق التقسيط ، واستظهرناه من السرائر إذ : لو

_________________________

لتعرف قيمتهما الواقعية ( ثم يقوم أحدهما ) ثم تنسب قيمة أحدهما واقعيا إلى قيمة المجموع واقعيا ، ويؤخذ من القيمة المسمى بتلك النسبة .

( ولذا ) الّذي ذكرنا بان مرجع كلام الارشاد ، والشرائع ، شيء واحد ( فسر بهذه العبارة ) اى عبارة الشرائع ( المحقق الثاني عبارة الارشاد ، حيث قال ) المحقق الثاني : ( طريق تقسيط المسمى على القيمتين ) حتى نعرف القيمة المسماة لكل واحد ( الخ ) اى إلى آخر عبارة الثلاثة المذكورة هذا .

( لكن الانصاف : ان هذه العبارة ) اى انهما يقومان جميعا ، ثم يقوم أحدهما ( الموجودة في هذه الكتب ) الشرائع ، والقواعد ، واللمعة ( لا تنطبق بظاهرها ) بدون تأويل ( على عبارة الارشاد ) اى قوله ويقسط المسمى على القيمتين ( التي اخترناها ) اى عبارة الارشاد ( في طريق التقسيط ، واستظهرناه من السرائر ) والخلاف ، في ان المراد بعبارة الثلاثة : يقومان جميعا ، تقويم كل واحد منفردا - كما فسره الشيخ أولا - أو تقويم المجموع ، كما يدعى الآن انه ظاهر عبارة الثلاثة ( إذ : لو

ص: 95

كان المراد من تقويمهما معا تقويم كل منهما لا تقويم المجموع لم يحتج إلى قولهم : ثم يقوم أحدهما ، ثم تنسب قيمته إذ : ليس هنا الا أمران تقويم كل منهما .

ونسبة قيمته إلى مجموع القيمتين .

فالظاهر إرادة قيمتهما مجتمعين ثم تقويم أحدهما بنفسه ، ثم ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع .

_________________________

كان المراد من تقويمهما معا تقويم كل منهما ) منفردا ( لا تقويم المجموع ) بما هو مجموع ( لم يحتج إلى قولهم ) اى قول الثلاثة - بعد ذلك - ( ثم يقوم أحدهما ، ثم تنسب قيمته ) الخ .

وانما لم يحتج لأنه يكون تكرارا ، إذ : قد قال : بتقويم كل واحد ( إذ : ليس هنا ) بناء على إرادة : تقويم كل واحد منفردا ، من قولهم :

تقويمهما معا ، ( الا أمران ) .

الأول : ( تقويم كل منهما ) .

( و ) الثاني : ( نسبة قيمته ) اى كل واحد منهما ( إلى مجموع القيمتين ) بينما نرى ان عبارة الثلاثة ، أكثر من امرين ، فيدل ان المراد ب : يقومان جميعا ، ليس : تقويم كل واحد منفردا ، بل : تقويمهما مجتمعا .

( ف ) على هذا ( الظاهر ) من عبارة الثلاثة ( إرادة قيمتهما مجتمعين ثم تقويم أحدهما بنفسه ، ثم ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع )

فمثلا : يقوم العقيق والفيروزج مجتمعين ، ثم يقوم العقيق وحده ثم تلاحظ قيمة العقيق إلى مجموع قيمتهما .

ص: 96

ومن هنا انكر عليهم جماعة تبعا لجامع المقاصد اطلاق القول بذلك إذ : لا يستقيم ذلك فيما إذا كان لاجتماع الملكين دخل في زيادة القيمة كما في مصراعي باب ، وزوج خف إذا فرض تقويم المجموع بعشرة ، وتقويم أحدهما بدرهمين ، وكان الثمن خمسة فإنه إذ رجع

_________________________

( ومن هنا ) حيث أراد الثلاثة : بقيمتهما جميعا ، : قيمتهما مجتمعين ، لا : قيمة كل واحد واحد منفردا ، ( انكر عليهم ) اى على الثلاثة ( جماعة ) من الفقهاء ( تبعا لجامع المقاصد اطلاق القول بذلك ) اى بتقويمهما مجتمعين ، و : اطلاق ، مفعول : انكر ، ( إذ : لا يستقيم ذلك ) القسم من التقويم ( فيما إذا كان لاجتماع الملكين دخل في زيادة القيمة كما في مصراعي باب ، وزوج خف ) فان كل فرد باب وفرد خف ، قيمته انقص من قيمته إذا انضم إلى الفرد الآخر ( إذا فرض تقويم المجموع بعشرة ، وتقويم أحدهما بدرهمين ، وكان الثمن ) الّذي اشتراهما به ( خمسة ) فإنه .

أولا : قد يقوم كل فرد بدرهمين ويجمع المجموع ، فيكون أربعة ونسبة الاثنين : قيمة أحدهما ، إلى الأربعة : قيمة المجموع ، نسبة النصف ، فاللازم ان يأخذ نصف : الخمسة ، القيمة الجعلية للمبيع .

وثانيا : قد يقوم كل فرد بدرهمين ، ويلاحظ ان قيمة المجموع عشرة ، فينسب قيمة الفرد : وهي درهمان ، إلى قيمة المجموع : وهي عشرة ، فالنسبة الخمس فتكون قيمة الفرد بالنسبة إلى : الخمسة ، القيمة الجعلية ، الخمس ، فيلزم ان يأخذ درهما واحدا فقط ( فإنه إذا رجع

ص: 97

المشترى بجزء من الثمن نسبته إليه ، كنسبة الاثنين إلى العشرة استحق من البائع واحدا من الخمسة ، فيبقى للبائع أربعة في مقابل المصراع الواحد ، مع أنه لم يستحق من الثمن ، الا مقدارا من الثمن مساويا لما يقابل المصراع الآخر أعني درهمين ونصفا .

والحاصل : ان البيع انما يبطل في ملك الغير بحصة من الثمن يستحقها الغير مع الإجازة ، ويصح في

_________________________

رجع المشترى بجزء من الثمن نسبته ) اى ذلك الجزء ( إليه ) اى إلى الثمن ( كنسبة الاثنين إلى العشرة ) حيث لوحظ قيمة المجموع ، من حيث هو مجموع ( استحق ) المشترى ( من البائع واحدا من الخمسة ) والخمسة هي القيمة الجعلية ( قيبقى للبائع أربعة في مقابل المصراع الواحد ، مع أنه ) اى البائع ( لم يستحق من الثمن ، الا مقدارا من الثمن ) هو النصف ( مساويا ) ذلك المقدار ( لما يقابل ) من الثمن ( المصراع الآخر أعني درهمين ونصفا ) .

وعلى هذا فاللازم ملاحظة نسبة القيمة للجزء ، إلى قيمة جزء ، وقيمة جزء لا إلى قيمة الجزئية معا .

( والحاصل : ان البيع انما يبطل في ملك الغير بحصة من الثمن يستحقها ) اى تلك الحصة ، والباء في : بحصته ، بمعنى المقابلة ، اى مقابل حصته ( الغير ) صاحب الجزء الآخر الّذي باعه الفضول مع مال نفسه ( مع الإجازة ) فان الغير لو أجاز البيع كان اخذ نصف الخمسة ، فإذا رد بطل البيع بالنسبة إلى نصف الخمسة ( ويصح ) البيع ( في

ص: 98

نصيب المالك بحصة ، كان يأخذها مع إجازة المالك ، الجزء الآخر هذا .

ولكن الظاهر : ان كلام الجماعة .

اما محمول على الغالب من عدم زيادة القيمة ولا نقصانها بالاجتماع أو مرادهم من تقويمهما ، تقويم كل منهما منفردا .

ويراد من تقويم أحدهما ثانيا ملاحظة قيمته مع مجموع القيمتين

_________________________

نصيب المالك ) البائع ( بحصة ) اى بمقابل حصة من الثمن ( كان يأخذها ) المالك ( مع إجازة المالك ، الجزء الآخر ) وهو نصف الخمسة أيضا ( هذا ) هو مقتضى القاعدة .

( ولكن الظاهر : ان كلام الجماعة ) الشرائع ، والقواعد ، واللمعة الذين ظاهرهم نسبة قيمة الفرد إلى المجموع : كنسبة الاثنين إلى العشرة في المثال ، .

( اما محمول على الغالب من عدم زيادة القيمة ولا نقصانها بالاجتماع ) بان كان قيمة المصراع دينارا ، وقيمة المصراعين دينارين ، لا ان قيمة المصراعين ثلاثة ، أو دينارا ونصفا ، إذ ربما أوجب الاجتماع نقصان القيمة ، كالجارية غير المرضعة ، قيمتها الف والمرضعة قيمتها خمسمائة ، حيث إن الرضاع يوجب تكاليف على السيد ، ويمنع من الحمل الّذي يقصده السيد : مثلا ، فاجتماع الولد معها يوجب نقص قيمتها .

( أو مرادهم من تقويمهما ، تقويم كل منهما منفردا ) أولا .

( ويراد من تقويم أحدهما ثانيا ) حيث ذكر الثلاثة أوّلا التقويم جميعا وثانيا تقويم أحدهما ( ملاحظة قيمته ) اى قيمة أحدهما ( مع مجموع القيمتين )

ص: 99

والا ففساد الضابط المذكور في كلامهم لا يحتاج إلى النقض بصورة مدخلية الاجتماع في الزيادة التي يمكن القول فيها - وان كان ضعيفا - باخذ النسبة للمشترى بين قيمة أحدهما المنفرد ، وبين قيمة المجموع

_________________________

فقيمة كل فرد اثنان ، وقيمة أحدهما بالنسبة إلى المجموع خمسة ، وعلى هذا فيستقيم كلا منهم ، سواء زادت قيمة المجموع ، أو نقصت ، أو تساوت مع القيمة الجعلية ؟ ( والا ) يريدوا هذا المعنى من كلامهم ( ففساد الضابط المذكور ) لاخذ النسبة ، وهو قولهم : يقومان جميعا ثم يقوم أحدهما ، ( في كلامهم لا يحتاج إلى ) برهان .

وذلك ليس فقط بوجود ( النقص بصورة مدخلية الاجتماع ) بين المتاعين ( في الزيادة ) لقيمة كل واحد منهما لدى الاجتماع ، فان هذه الصورة هي ( التي يمكن القول فيها ) اى في هذه الصورة ( - وان كان ) القول ( ضعيفا - ) وهذه جملة معترضة بين القول والمقول ( باخذ النسبة للمشترى ) اى لفائدته ( بين قيمة أحدهما المنفرد ، وبين قيمة المجموع ) : بين ، متعلق ب : النسبة ، فإنه يمكن ان يقال في المثال المتقدم : ان ثمانية من العشرة ترجع إلى المشترى - بعد رد صاحب المصراع - ويكون اثنان للبائع في مقابل مصراعه ، فان هذا القول لا يلزم منه محذور ، .

إذ : لو كان البائع علم بهذا واقدم ، فقد اقدم على ضرر نفسه ، ومثله لا محذور فيه ، كما لو باع ماله الّذي يسوى بألف ، بعشرة فقط عالما عامدا

وإذا لم يكن البائع علم بهذا ، كان له خيار الفسخ للغبن .

ص: 100

بل ينتقض بصورة مدخلية الاجتماع في نقصان القيمة ، بحيث يكون قيمة أحدهما منفردا ، مثل قيمة المجموع ، أو أزيد ، فان هذا فرض ممكن ، كما صرح به في رهن جامع المقاصد ، وغيره ، فان الالتزام هنا بالنسبة المذكورة يوجب الجمع بين الثمن والمثمن ، كما لو باع جارية مع أمها ، قيمتها مجتمعين عشرة ، وقيمة كل واحدة منهما منفردة عشرة بثمانية

_________________________

وعلى كل ففساد الضابط المذكور ليس لهذا النقض ، لإمكان التخلص من هذا النقض ( بل ينتقض ) الضابط المذكور ( بصورة مدخلية الاجتماع ) بين المتاعين ( في نقصان القيمة ) حتى أنه لا قيمة لأحدهما أصلا في حال الاجتماع ( بحيث يكون قيمة أحدهما منفردا ، مثل قيمة المجموع ، أو أزيد ) من قيمة المجموع ( فان هذا فرض ممكن ، كما صرح به في رهن جامع المقاصد ، وغيره ) .

وانما ينتقض الضابط المذكور بهذه الصورة ( فان الالتزام هنا بالنسبة المذكورة ) بان تنسب قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع - كما يقتضيه الضابط المذكور - ( يوجب الجمع بين الثمن والمثمن ) .

ومن المعلوم : ان مثله لا يكون بيعا عقلا ولا شرعا ( كما لو باع جارية مع أمها ، قيمتها مجتمعين عشرة ، وقيمة كل واحدة منهما منفردة عشرة )

وذلك لان الاجتماع بينهما يوجب قلة الرغبة في كل واحد منهما لايجاد ازعاج الاثنتين للمشترى حيث تمنعانه مجتمعين من مزاولة اعمال السيادة والاستفراش ( بثمانية ) متعلق ب : باع ، بان لاحظ البائع ضعف حال المشترى ، فخفف له في القيمة .

ص: 101

فان نسبة قيمة إحداهما المنفردة إلى مجموع القيمتين نسبة الشيء إلى مماثلة ، فرجع بكل الثمانية ، وكان من أورد عليهم ذلك غفل عن هذا ، أو كان عنده غير ممكن ، فالتحقيق في جميع الموارد ما ذكرنا من ملاحظة قيمة كل منهما منفردا ، ونسبة قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين .

_________________________

وانما يلزم المحذور هنا من اعمال الضابط المذكور ( فان نسبة قيمة إحداهما المنفردة ) اعني العشرة ( إلى مجموع القيمتين ) اعني العشرة أيضا ( نسبة الشيء إلى مماثلة ) لان قيمة الواحدة وقيمة الاثنتين معا ، متساويتان ( فرجع ) المشترى إلى البائع ( بكل الثمانية ) وهذا جمع عند المشترى بين الثمن والمثمن .

بل يمكن ان يقال : بأنه يلزم على البائع ان يعطى دينارين فوق الثمانية إلى المشترى ، حتى يجمع المشترى في المثال بين الثمن والمثمن ، وبين الزيادة ( وكان من أورد عليهم ) اى على الذين قالوا بذلك الضابط ( ذلك ) الاشكال المتقدم في مسئلة زوج الحذاء ، ومصراعي الباب ( غفل عن هذا ) النقض الّذي هو أهم ، اى الجارية وأمها ( أو كان عنده غير ممكن ) مثل هذا المثال ،

وعلى كل حال ( فالتحقيق في جميع الموارد ) في ضابط التقويم واخذ النسبة ( ما ذكرنا من ملاحظة قيمة كل منهما منفردا ، ونسبة قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين ) .

ففي مثال الجارية وبنتها ، يجب ان ترد إلى المشترى أربعة دراهم فقط ، لان الجارية قيمتها نصف قيمة مجموع القيمتين ، فان مجموع

ص: 102

فان قلت : ان المشترى إذا بذل الثمن في مقابل كل منهما مقيدا باجتماعه مع الآخر ، وهذا الوصف لم يبق له مع رد مالك أحدهما ، فالبائع انما يستحق من الثمن ما يوزع على ماله منفردا ، فله من الثمن جزء نسبته إليه كنسبة الدرهمين إلى العشرة ، وهو درهم واحد ، فالزيادة ظلم على المشترى وان كان ما أوهمه عبارة الشرائع ، وشبهها من اخذ

_________________________

القيمتين : الواقعتين ، عشرون ، وقيمة ، إحداهما منفردة عشرة .

( فان قلت ) : ما ذكرتم من ملاحظة النسبة إلى مجموع القيمتين ليس بتام ، بل اللازم ملاحظة القيمة منفردا ، ففي المثال السابق يلزم ان يكون للبائع درهم لمصراع الباب ، لا درهمان ونصف .

وذلك : ل ( ان المشترى إذا بذل الثمن ) الخمسة دراهم في المثال ( في مقابل كل منهما ) مال المالك ، ومال غيره ( مقيدا باجتماعه مع الآخر ، وهذا الوصف ) اى وصف الاجتماع ( لم يبق له ) اى للمشترى ( مع رد مالك أحدهما ) فكان المشترى - في المثال السابق - اعطى درهما لهذا المصراع ، ودرهما لذاك المصراع ، وثلاثة دراهم لوصف الاجتماع ( فالبائع انما يستحق من الثمن ما يوزع على ماله منفردا ) بدون وصف الاجتماع ( فله ) اى للبائع ( من الثمن جزء نسبته ) اى ذلك الجزء ( إليه ) اى إلى الثمن ( كنسبة الدرهمين إلى العشرة ) إلى نسبة الخمس ( وهو درهم واحد ، فالزيادة ) اى اخذ البائع أزيد من درهم واحد ( ظلم على المشترى ) لان الأكثر من الدرهم ، لم يأخذ المشترى في مقابله شيئا ( وان كان ما أو همه عبارة الشرائع ، وشبهها من اخذ

ص: 103

البائع أربعة والمشترى واحدا أشد ظلما ، - كما نبه عليه في بعض حواشي الروضة - فاللازم ان يقسط الثمن على قيمة كل من الملكين منفردا ، وعلى هيئته الاجتماعية ، ويعطى البائع من الثمن بنسبة قيمة ملكه منفردا .

_________________________

البائع أربعة ) دراهم ، من الخمسة التي كانت ثمنا لمصراعى الباب ( والمشترى ) درهما ( واحدا ) لان مالك المصراع الآخر حيث اخذ مصراعه ومصراعه المفقود يسوى درهما واحدا فقد رد من المشترى ما يساوى درهم واحد ( أشد ظلما ) إذ : معنى ذلك ان يأخذ البائع ثلاثة دراهم - التي كانت في مقابل الهيئة الاجتماعية المفقودة ، بينما فيما لو اخذ البائع درهمين ونصفا يكون قد اخذ نصف ما في مقابل الهيئة الاجتماعية - .

ومن المعلوم ان اخذ ثلاثة بلا استحقاق ، أشد ظلما من اخذ الدرهم والنصف ( - كما نبه عليه ) اى على كون ما أوهمه عبارة الشرائع أشد ظلما ( في بعض حواشي الروضة - ) إذ : ( فاللازم ان يقسط الثمن ) المأخوذ ، وهو خمسة ( على قيمة كل من الملكين منفردا ) فكل مصراع درهم واحد ( وعلى هيئته الاجتماعية ) وهي تقابل ثلاثة دراهم ( ويعطى البائع من الثمن بنسبة قيمة ملكه منفردا ) فان القيمة الواقعية للمصراع الواحد لما كانت اثنين ، وقيمة المجموع الواقعية لما كانت عشرة ، فنسبة قيمة المصراع إلى المجموع الخمس ، وحيث إن القيمة الجعلية خمسة ، فاللازم ان يكون للبائع خمس الخمسة وهو درهم واحد فقط .

ص: 104

ويبقى للمشترى بنسبة قيمة ملك الآخر منفردا ، وقيمة هيئة الاجتماعية .

قلت : فوات وصف الانضمام كسائر الأوصاف الموجبة لزيادة القيمة ليس مضمونا في باب المعاوضات ، وان كان مضمونا في باب العدوان ،

_________________________

( و ) على هذا ( يبقى للمشترى بنسبة قيمة ملك الآخر منفردا ) وهو درهم ( و ) كذلك يبقى للمشترى ( قيمة هيئته الاجتماعية ) وهو ثلاثة دراهم .

( قلت ) الأوصاف لا تقابل بالأثمان ، وان كانت توجب الأوصاف زيادة قيمة الأعيان .

ولذا فوصف الاجتماع لا يقابل بثلاثة دراهم ، وان كان هذا الوصف يوجب زيادة قيمة كل مصراع .

وعليه : ف ( فوات وصف الانضمام ) الهيئة الاجتماعية للمصراعين ( كسائر الأوصاف الموجبة لزيادة القيمة ليس مضمونا في باب المعاوضات ) حتى إذا فات الوصف لزم على البائع تداركه ( وان كان مضمونا في باب العدوان ) فإذا اتلف شخص بابا من مصراعي الباب ، لزم عليه ان يعطى للمالك ثمانية دراهم ، فيما كان قيمة المصراع الباقي اثنان فقط من العشرة - التي هي قيمة المصراعين مجتمعين - .

ان قلت : فهل يصح ان يخسر المشترى ثلاثة دراهم في مقابل لا شيء ؟ إذ : قد حصل المشترى - في المثال السابق - مصراعا يسوى درهما واحدا فلما ذا يعطى أربعة دراهم ؟ أو يعطى درهمين ونصفا ؟

حتى يخسر درهما ونصفا في مقابل لا شيء .

ص: 105

غاية الأمر ثبوت الخيار مع اشتراط تلك الصفة .

ولا فرق فيما ذكرنا بين كون ملك البائع ، وملك غيره متعددين في الوجود كعبد وجارية ، أو متحدا كعبد ثلاثة للبائع ، وثلثاه لغيره فإنه لا يوزع الثمن على قيمة المجموع أثلاثا ، لان الثلث لا يباع بنصف ما يباع به الثلثان ، لكونه أقل رغبة

_________________________

قلت : ( غاية الأمر ثبوت الخيار ) للمشترى ( مع اشتراط تلك الصفة ) شرطا لفظيا ، أو شرطا انصرافيا ، فللمشتري ان يفسخ العقد حال رد المالك الآخر البيع في حصة نفسه ، وذلك لدليل : لا ضرر ، أو لخيار الشرط ، أو ما أشبه .

( ولا فرق فيما ذكرنا ) من ضابط اخذ المالك للقيمة المنسوبة إلى المجموع ( بين كون ملك البائع ، وملك غيره ) الذين باعهما المالك في صفقة واحدة ( متعددين في الوجود ) كزوج خف ، ومصراعي الباب ، و ( كعبد وجارية ) قيمتهما مجتمعين عشرة ، وقيمة كل منهما منفردا اثنان مثلا - ( أو متحدا ) في الوجود ( كعبد ثلاثة للبائع ، وثلثاه لغيره ) فإنه إذا كانت قيمة العبد تسعة واشتراه المشترى بأربعة ونصف ، وكان قيمة الثلثين منفردا ثمانية ، قيمة الثلث منفردا درهم واحد ، كان للبائع من الثمن - عند رد المالك الآخر - نصف درهم ( فإنه لا يوزع الثمن على قيمة المجموع أثلاثا ) حتى يقال : لكل ثلث درهم ونصف - مثلا - ( لان الثلث ) المنفرد ( لا يباع بنصف ما يباع به الثلثان ) فإذا بيع الثلثان بثمانية ، كان قيمة الثلث درهم فقط ( لكونه ) اى الثلث المنفرد ( أقل رغبة

ص: 106

منه ، بل يلاحظ قيمة الثلث وقيمة الثلثين ، ويؤخذ النسبة منهما ليؤخذ من الثمن بتلك النسبة هذا كله في القيمي .

اما المبيع المثلى ، فان كانت الحصة مشاعة ، قسط الثمن على نفس المبيع ، فيقابل كل من حصتى البائع والأجنبي بما يخصه .

وان كانت حصة كل منهما معينة ، كان الحكم كما في القيمي من ملاحظة

_________________________

منه ) من الثلثين ( بل يلاحظ قيمة الثلث ) المنفرد ، وهو درهم من تسعة دراهم - في المثال - ( وقيمة الثلثين ) وهو ثمانية دراهم في المثال - ( وقيمة الثلثين ) وهو ثمانية دراهم - في المثال - ( ويؤخذ النسبة منهما ) اى من القيمتين - وهي نسبة التسع - ( ليؤخذ من الثمن ) الجعلى - كاربعة ونصف في المثال - ( بتلك النسبة ) اى نصف درهم - كما عرفت - ( هذا كله ) تمام الكلام ( في القيمي ) كالحيوان ، وما أشبه .

( اما المبيع المثلى ) كما لو باع منا من الحنطة كان نصفها لغيره ( فان كانت الحصة ) المبيعة ( مشاعة ، قسط الثمن على نفس المبيع ، فيقابل كل من حصتى البائع والأجنبي بما يخصه ) فلو باع المن بدينار ، كان لكل منهما نصف دينار ، فان رد الأجنبي رد على المشترى نصف دينار .

( وان كانت حصة كل منهما معينة ) كما لو باع نصف من ، ونصف من ، منحازا أحدهما عن الآخر ( كان الحكم كما في القيمي من ملاحظة

ص: 107

قيمتي الحصتين ، وتقسيط الثمن على المجموع ، فافهم .

_________________________

قيمتي الحصتين ، وتقسيط الثمن على المجموع ) والاخذ بالنسبة ، كما لو باع نصفى المن بدينار ، وكان قيمة ماله دينارا ، وقيمة مال الأجنبي دينارين ، فان له من الدينار الثمن ثلاثة ، وهكذا ( فافهم ) .

فان ما ذكروه من الأوصاف التي لا تقابل بالأثمان ، محل اشكال كيف وهو خلاف العرف الّذي هو المعيار في فهم وتطبيق :

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .

ص: 108

مسئلة لو باع من له نصف الدار ، نصف تلك الدار ،

فان علم أنه أراد نصفه أو نصف الغير ، عمل به ، وإلا فإن علم أنه لم يقصد بقوله : بعتك نصف الدار الا مفهوم هذا اللفظ ، ففيه احتمالان حمله على نصفه المملوك له .

_________________________

( مسئلة لو باع من له نصف الدار ) ولغيره النصف الآخر ( نصف تلك الدار ) اى نصف الدار المملوكة ، فله اربع صور .

1 - بيع نصف نفسه .

2 - بيع نصف غيره .

3 - بيع النصف المشاع بينه وبين غيره - ومن هذا القبيل إذا قصد ثلث مال نفسه وثلثي مال صديقه ، أو ما أشبه ذلك - .

4 - ان يقصد مفهوم لفظ النصف ، بدون قصد اى من المعاني الثلاثة المتقدمة .

( فان علم أنه أراد نصفه ) اى النصف المملوك له ( أو نصف الغير ، عمل به ) ففي نصفه ، البيع كامل ، وفي نصف غيره فضولي ، وفي المشاع كامل ، بالنسبة إلى حصة نفسه ، فضولي بالنسبة إلى حصة غيره ( والا فان علم أنه لم يقصد بقوله : بعتك نصف الدار الا مفهوم هذا اللفظ ، ففيه احتمالان ) .

الأول : ( حمله على نصفه المملوك له ) .

ص: 109

وحمله على النصف المشاع ، بينه وبين الأجنبي .

ومنشأ الاحتمالين .

اما تعارض ظاهر النصف اعني الحصة المشاعة في مجموع النصفين مع ظهور انصرافه في مثل المقام من مقامات التصرف إلى نصفه المختص وان لم يكن له هذا الظهور في غير المقام .

_________________________

( و ) الثاني : ( حمله على النصف المشاع بينه وبين الأجنبي ) .

اما حمله على نصف الأجنبي فقط فلا وجه له .

( ومنشأ الاحتمالين ) تعارض ظهور النصف في الإشاعة ، مع ظهور ان المالك لا يتصرف الا في ماله - وهذا في الجملة هو مراد المصنف وان كان في العبارة نوع اجمال - .

( اما تعارض ظاهر النصف ) في كلام البائع ( اعني الحصة المشاعة ) هذا تفسير للنصف ( في مجموع النصفين ) متعلق ب : ظاهر ( مع ظهور انصرافه ) اى النصف ، و : مع ، ظرف التعارض ( في مثل المقام من مقامات التصرف ) الّذي يريد مالك النصف ، التصرف في المال ، فإنه منصرف ( إلى نصفه المختص ) به ( وان لم يكن له ) اى للنصف ( هذا الظهور ) في نصف نفسه ( في غير ) مثل هذا ( المقام ) كما لو قال : نصف الدار خربة ، أو قال : نصف الدار يسوى بألف ، أو ما أشبه .

والحاصل ان قرينة التصرف تعين ان المراد بالنصف في كلام نصف نفسه ، لا النصف المشاع .

ص: 110

ولذا : يحمل الاقرار على الإشاعة - كما سيجيء - .

أو مع ظهور إنشاء البيع في البيع لنفسه لان بيع مال الغير ، لا بدّ فيه اما من نية الغير ، أو اعتقاد كون المال لنفسه .

واما من بنائه على تملكه للمال عدوانا - كما في بيع الغاصب - .

والكل خلاف المفروض هنا .

_________________________

( ولذا ) الّذي ليس لنصف ظهور في غير المقام ( يحمل الاقرار على الإشاعة ) فإذا قال من له نصف الدار : نصف هذه الدار لزيد ، فان اقراره هذا يحمل على الإشاعة ، وانه اقرار في ربعين ربع الدار الّذي لنفسه وربع الدار الّذي لشريكه ( - كما سيجيء - ) .

( أو ) لتعارض ظاهر في مجموع النصفين ( مع ظهور إنشاء البيع ) من مالك النصف ( في البيع لنفسه ) .

والفرق بين هذا وسابقه : ان السابق كان تمسكا ، ب : انصراف النصف ، وهذا تمسك بظهور : إنشاء البيع .

وانما قلنا : ان ظاهر إنشاء البيع كونه بيعا لنفسه ( لان بيع مال الغير ، لا بد فيه اما من نية الغير ) بان ينوى البائع انه يبيع مال الغير ( أو اعتقاد ) البائع ( كون المال لنفسه ) جهلا بالواقع .

( واما من بنائه ) اى البائع ( على تملكه للمال عدوانا - كما في بيع الغاصب - ) حيث إنه مع علمه ان المال لغيره يبنى انه لنفسه ، غصبا وعدوانا .

( والكل ) من الأمور الثلاثة ( خلاف المفروض هنا ) اى في مقام

ص: 111

ومما ذكرنا يظهر الفرق بين ما نحن فيه ، وبين قول البائع : بعت غانما - مع كون الاسم مشتركا بين عبده وعبد غيره - حيث ادعى فخر - الدين الاجماع على انصرافه إلى عبده ، فقاس عليه ما نحن فيه إذ ليس للفظ المبيع هنا ظهور في عبد الغير ، فبقى ظهور البيع في وقوعه لنفس البائع ، وانصراف

_________________________

قال البائع النصف ، ولم يرد الا مفهوم هذا النصف ، بدون قصده اكل مال الغير ، ولا جهله بالواقع ، ولا نيته لبيع مال الغير .

( و ) ان قلت : قد ادعى فخر الدين انه لو قال مالك عبد : اسمه غانم ، بعت غانما ، وكان هذا الاسم مشتركا بين عبده ، وعبد غيره ، كان المبيع مال نفسه بالاجماع ، فما الفرق بين بيع المشترك في الاسم والمشترك في الملك - كما في الدار - ؟

قلت : ( مما ذكرنا ) من تعارض الظهور في الإشاعة مع الظهور في كون المبيع مال نفسه ( يظهر الفرق بين ما نحن فيه ) من بيع النصف المشاع ( وبين قول البائع : بعت غانما - مع كون الاسم ) اى : اسم غانم ( مشتركا بين عبده وعبد غيره - حيث ادعى فخر الدين الاجماع على انصرافه ) اى انصراف المبيع ( إلى عبده ) اى عبد نفسه ( فقاس ) فخر - الدين ( عليه ) اى على بيع غانم ( ما نحن فيه ) فقال : بان بيع نصف الدار أيضا منصرف إلى نصف نفسه ( إذ ) علة لظهور الفرق ( ليس للفظ المبيع هنا ) في بيع غانم ( ظهور في عبد الغير ) حتى يعارض ظهوره في عبد نفسه ( فبقى ظهور البيع في وقوعه لنفس البائع ، وانصراف ) عطف على : ظهور ،

ص: 112

لفظ المبيع في مقام التصرف إلى مال المتصرف سليمين عن المعارض ، فيفسر بهما اجمال لفظ المبيع .

ثم إنه لو كان البائع وكيلا في بيع النصف ، أو وليا عن مالكه ، فهل هو كالأجنبي ؟ وجهان مبنيان على : ان المعارض لظهور النصف في المشاع ، هو انصراف لفظ المبيع إلى مال البائع في مقام التصرف .

_________________________

( لفظ المبيع ) : غانم ، ( في مقام التصرف ) اى الظهور الحاصل من التصرف ( إلى مال المتصرف ، سليمين عن المعارض ) بخلاف هناك ، حيث كان ظهور النصف في الإشاعة معارضا للظهورين - كما عرفت - ( فيفسر بهما ) اى بهذين الظهورين : ظهور بيع . . وانصراف لفظ المبيع ، ( اجمال لفظ المبيع ) : غانم ، .

( ثم إنه لو كان البائع وكيلا في بيع النصف ، أو وليا عن مالكه ) الصغير كالأب والجد - مثلا - ( فهل هو كالأجنبي ؟ ) فيما إذا قال : بعت النصف ، يكون احتمالان ، أم لا ( وجهان مبنيان على : ان المعارض لظهور النصف في المشاع ، هو انصراف لفظ المبيع إلى مال البائع في مقام التصرف ) .

المراد بالوجهين ، وجه كونه كالأجنبي في جريان الوجهين السابقين ووجه عدم كونه كالأجنبي ، فيجرى الاشتراك بين حصته وحصة موكله ، أو المولى عليه .

ثم إن جعلنا المعارض لظهور النصف في الإشاعة ، انصراف لفظ المبيع إلى مال البائع ، ففي هذا الفرض يتعين الاشتراك ، لان

ص: 113

أو ظهور التمليك في الاصالة .

الأقوى هو الأول لان ظهور التمليك في الاصالة من باب الاطلاق وظهور النصف في المشاع ، وان كان كذلك أيضا ، الا ان ظهور المقيد وارد على ظهور المطلق

_________________________

الظهورين يتعارضان .

إذ أحدهما ظهوره بملاحظة المقام ، والآخر ظهوره في حد نفسه ولا حكومة لأحدهما على الآخر ، فيتساقطان ويكون المرجع الاشتراك بين البائع والموكل - مثلا - .

( أو ظهور التمليك في الاصالة ) بان يكون ظهور التمليك في الاصالة ، وفي كونه من مال البائع ، معارضا لظهور النصف في الإشاعة فإنه في هذه الصورة يكون كالأجنبي في احتمال الامرين .

( الأقوى هو الأول ) فيحكم بالاشتراك ( لان ظهور التمليك ) وهو الفعل ( في الاصالة ) اى ان البائع انما باع مال نفسه ، لا المال المشترك ( من باب الاطلاق ) حيث إنه لم يقيد البيع بكونه عن غيره ، فهو منصرف إلى كون البيع عن نفسه ( وظهور النصف في المشاع ، وان كان كذلك ) من باب الاطلاق ( أيضا ، الا ان ظهور المقيد ) اى القيد وهو النصف - الظاهر في الإشاعة - ( وارد ، على ظهور المطلق ) اى الفعل ، ولذا يقدم ظهور : يرمى ، على ظهور : الأسد ، في قولك :

رأيت أسدا يرمى ، حيث إن : يرمى ، قيدو : الأسد ، مقيد ، وتقول المراد بالأسد الشجاع ، لا ان المراد بيرمى ، رمى الحجارة .

ص: 114

وما ذكره الشهيد الثاني : من عدم قصد الفضولي إلى مدلول اللفظ

_________________________

وان شئت قلت : - في وجه جعل : النصف ، من الإشاعة والاشتراك بين الوكيل والموكل - ان البيع تمليك ، وهو مطلق بالنسبة إلى مال نفسه ومال غيره ، لكنه ظاهر في مال نفسه لان قصده لمال غيره محتاج إلى مئونة زائدة .

ومتعلق البيع اى : نصف الدار ، ظاهر في الإشاعة ، لان قصده لنفسه محتاج إلى مئونة زائدة .

لكن ظهور المتعلق مقدم على ظهور الفعل ، ولذا يقدم ظهور :

النصف ، على ظهور : بعت ،

( و ) ان قلت : نسلم ان ظهور المتعلق مقدم على ظهور الفعل ، لكن ذلك انما هو فيما إذا لم يكن ظهور آخر معارض لظهور المتعلق ، والحال ان في المقام يوجد ظهور آخر خلاف الإشاعة ، وهو ظهور حال المتكلم في ارادته لمدلول كلامه ، والفضول لا يريد مدلول كلامه إذ المال ليس ، له ، حتى يريد مدلول كلامه .

والحاصل : ان ظهور : النصف ، في الإشاعة ، وظهور إرادة المتكلم لمدلول كلامه الّذي حاصله عدم الإشاعة ، يتعارضان ، فيتساقطان ، ويكون المرجع ظهور . الفعل في الاختصاص .

وهذا الاشكال هو ( ما ذكره الشهيد الثاني : من عدم قصد الفضولي إلى مدلول اللفظ ) .

قلت : يرد على هذا الاشكال أولا : انا لا نسلم ان الفضولي غير

ص: 115

وان كان مرجعه إلى ظهور وارد على ظهور المقيد الا انه مختص بالفضولي لان القصد الحقيقي موجود في الوكيل والولي ، فالأقوى فيهما الاشتراك في المبيع ، تحكيما لظاهر النصف ، الا ان يمنع ظهور النصف الا في النصف المشاع في المجموع .

_________________________

قاصد لمدلول كلامه - كما مر كلام الشهيد والاشكال عليه في باب الفضولي سابقا - .

وثانيا : نقول إن كلام الشهيد ( وان كان مرجعه إلى ظهور وارد على ظهور المقيد ) اى : النصف - كما عرفت - ( الا انه ) اى هذا الاشكال ( مختص بالفضولي ) وكلامنا الآن ليس في الفضولي ، بل في الوكيل والولي هما ليسا كالفضولي ( لان القصد الحقيقي موجود في الوكيل والولي ، فالأقوى فيهما ) اى في الوكيل والولي ، إذ باعا بيعا مطلقا ، اى قالا :

بعت نصف الدار ، في حال كون نصفها له ، ونصفها الآخر للموكل والمولى عليه ( الاشتراك في المبيع ) وان المبيع ربعان ، ربع للبائع ، وربع لموكله والمولى عليه ( تحكيما لظاهر النصف ) في الإشاعة على ظاهر الفعل - اى بعت - في الاختصاص ( الا ان يمنع ظهور النصف الا في النصف المشاع ) ولا دلالة - للنصف المشاع - على أنه : المشاع الّذي للمالك ، أو : المشاع الّذي لهما .

فظهور : بعت في كونه للمالك ، يكون محكما ، فالاستدلال بظهور النصف المشاع ( في المجموع ) في كونه لهما ، غير تام .

ص: 116

واما ملاحظة حقي المالكين ، وإرادة الإشاعة في الكل - من حيث إنه مجموعهما - فغير معلومة ، بل معلوم العدم بالفرض .

ومن المعلوم : ان النصف المشاع بالمعنى المذكور يصدق على نصفه المختص ، فقد ملك كليا يملك مصداقه ، فهو كما لو باع كليا سلفا مع كونه مأذونا في بيع ذلك من غيره أيضا ، لكنه لم يقصد الا مدلول اللفظ

_________________________

( واما ملاحظة حقي المالكين ) اى الربع من هذا ، والربع من ذاك ( وإرادة ) قسم خاص من الإشاعة اى ( الإشاعة في الكل - من حيث إنه ) اى النصف المشاع ( مجموعهما - ) اى مجموع الحقين ( فغير معلومة ، بل معلوم العدم بالفرض ) لظهور البيع في كونه تصرفا في ملك نفسه ، ولأن المفروض ان البائع لم يقصد مجموع الحصتين .

( ومن المعلوم : ان النصف المشاع بالمعنى المذكور ) بما هو هذا المفهوم القابل للانطباق على نصف المالك ، وعلى مجموع الحقين ( يصدق على نصفه ) اى نصف البائع ( المختص ) به ( فقد ملك ) البائع من باب التفعيل - ( كليا ) له فردان ، فرد نصفه المختص ، وفرد نصف مجموع الحقين ( يملك ) البائع ( مصداقه ، فهو ) اى بيع هذا الكلى ( كما لو باع كليا سلفا ) بان قال للمشترى : بعتك منا من الحنطة ( مع كونه مأذونا في بيع ذلك من غيره أيضا ) كما لو وكله زيد في ان يبيع منا من الحنطة من قبله ( لكنه ) اى البائع القائل : بعتك منا من الحنطة ، ( لم يقصد الا مدلول اللفظ ) اى لفظ : منا من الحنطة ،

ص: 117

من غير ملاحظة وقوعه عنه ، أو عن غيره ، فان الظاهر وقوعه لنفسه ، لأنه عقد على ما يملكه ،

فصرفه إلى الغير من دون صارف ، لا وجه له .

ولعله لما ذكرنا ، ذكر جماعة كالفاضلين ، والشهيدين ، وغيرهم لو أنه أصدق المرأة عينا ، فوهبت نصفها المشاع قبل الطلاق استحق الزوج بالطلاق النصف الباقي

_________________________

( من غير ملاحظة وقوعه ) اى البيع ( عنه ) اى عن نفسه ( أو عن غيره ) اى الموكل له ( فان الظاهر ) حسب القواعد ( وقوعه ) اى البيع ( لنفسه ) لا لغيره ، ولا مشتركا بين نفسه ، وبين غيره ( لأنه ) اى البائع ( عقد ) - بصيغة فعل الماضي - ( على ما يملكه ) .

( فصرفه ) اى العقد ( إلى الغير ) الموكل له ( من دون صارف ) إذ :

الفرض انه لا قصد للبائع في كونه عن الغير ، ولفظه أيضا ليس خاصا بالغير ( لا وجه له ) فان العقود تتبع القصود الصريحة أو التابعة لظاهر اللفظ - فيما إذا قصد ظاهر اللفظ - وكلاهما لا يوجدان بالنسبة إلى ملك الغير .

( ولعله لما ذكرنا ) من الحمل على نصفه المختص لعدم ظهور :

النصف المشاع ، في كونه من الحقين ( ذكر جماعة كالفاضلين ، والشهيدين ، وغيرهم ، لو أنه أصدق ) الزوج ( المرأة عينا ) كدار - مثلا - ( فوهبت ) المرأة ( نصفها ) اى نصف تلك العين ( المشاع ) ذلك النصف ( قبل الطلاق استحق الزوج بالطلاق ) قبل الدخول ( النصف الباقي ) فترجع

ص: 118

لا نصف الباقي ، وقيمة نصف الموهوب ، وان ذكروا ذلك احتمالا ، وليس الا من جهة صدق النصف على الباقي ، فيدخل في قوله تعالى : فنصف ما فرضتم

_________________________

كل الدار إلى الزوج ( لا نصف الباقي ، وقيمة نصف الموهوب ) فإنه إذا كانت الهبة هبة لنصف الحقين اى هبة ربع منها المستقر ، وربع ثان متزلزل ، كان اللازم ان يسترجع الزوج بالطلاق ربعا لها فقط ، ويأخذ قيمة ربع آخر أتلفته هي بالهبة .

والحاصل : ان للدار نصفين ، نصف مستقر بمجرد العقد ، ونصف متزلزل - ان دخل بها استقر ، وان لم يدخل رجع إلى الزوج - فإذا قالت المرأة : وهبت نصف الدار ، كان اللازم ان يكون هبة لنصفها المستقر ، فإذا طلق الزوج اخذ النصف المتزلزل ، لا أن تكون الهبة هبة لنصف نصفها المستقر ولنصف النصف المتزلزل حتى إذا طلق الرجل يكون يرجع إلى الرجل ، نصف النصف المتزلزل ، وتخسر المرأة قيمة نصف النصف المتزلزل ، الّذي وهبته ، ويبقى للمرأة نصف النصف المستقر ويكون الحاصل : ان له ثلاثة أرباع نصف بالهبة ، وربع بالطلاق بالإضافة إلى قيمة الربع ، ولها ربع ( وان ذكروا ) هؤلاء العلماء ( ذلك ) نصف الباقي ، وقيمة النصف الموهوب ( احتمالا ، وليس ) فتواهم باستحقاق الزوج : النصف الباقي ، ( الا من جهة صدق النصف ) الموهوب على نصفها المستقر ، فحين الهبة يكون الموهوب نصفها المستقر ، فينطبق الرجوع بالطلاق ( على ) النصف ( الباقي ، فيدخل ) النصف الباقي ( في قوله تعالى : فنصف ما فرضتم ) .

ص: 119

وان كان يمكن توجية هذا الحكم منهم بأنه لما كان الربع الباقي للمرأة من الموجود مثلا للربع التالف من الزوج ، ومساويا له من جميع الجهات ، بل لا تغاير بينهما الا بالاعتبار ، فلا وجه لاعتبار

_________________________

ولا يخفى ان ما شرحناه به العبارة هو المستقيم المنطبق على ما افاده ( ره ) سابقا ، من كون البيع ينطبق على مال البائع الخاص به .

اما ظاهر العبارة اى قوله : صدق النصف على النصف الباقي ، فاجنبى عن المقصود ( وان كان يمكن توجيه هذا الحكم منهم ) اى الحكم باسترجاع الزوج النصف الباقي ، توجيها لا ينافي ان يكون النصف الموهوب : ربعا من المستقر ، وربعا من المتزلزل ، فليس رجوع النصف ، لان الباقي نصف متزلزل ، بل لامر آخر ، وهو انها وهبت :

ربعا من المتزلزل ، وربعا من المستقر ، فلما ان طلقت اخذ الزوج الربع المتزلزل اصالة ، واخذت ربعها الباقي لها المستقر بدلا عن ما اتلفه من : الربع المتزلزل ، بسبب الهبة ،

فالتوجيه : انما هو ( بأنه لما كان الربع الباقي للمرأة ) - اى المستقر - ( من الموجود ) الّذي لم يخرج عنها بالهبة ( مثلا للربع التالف ) الّذي أتلفته المرأة : من المتزلزل ، بسبب الهبة ( من الزوج ) متعلق : بالتالف ، ( ومساويا ) عطف على : مثلا ، ( له ) اى للربع التالف ( من جميع الجهات ، بل لا تغاير بينهما ) اى بين الربع التالف بالهبة ، والموجود عند المرأة - من المستقر - ( الا بالاعتبار ) حيث إن الموجود من : المستقر ، والتالف من : المتزلزل ، ( فلا وجه لاعتبار

ص: 120

القيمة ، نظير ما لو دفع المقترض نفس العين المقترضة مع كونها قيمية .

لكن الظاهر : انهم لم يريدوا هذا الوجه وانهم عللوا استحقاقه للنصف الباقي ببقاء مقدار حقه ، فلا يخلو عن منافاة لهذا المقام ونظيره في ظهور المنافاة لما هنا -

_________________________

القيمة ) اى لا وجه بالقول بان المرأة تعطى قيمة الربع التالف ، وتبقى لنفسها ربعا ( نظير ما لو دفع المقترض نفس العين المقترضة مع كونها ) اى العين ( قيمية ) إذ : العين أقرب إلى نفسها من القيمة ، فان القيمة لم تشرع الا لتعذر المثل ، ومن المعلوم ان : العين ، هي هي ، فلا وجه للرجوع إلى القيمة مع وجود العين ، ولا يحق للمالك ان يقول : لا آخذ العين ، بل أريد القيمة ، وهكذا فيما لو ارجع المقترض عين القرض في المثلى - لا مثله .

( لكن الظاهر : انهم لم يريدوا هذا الوجه ) اى ما قلنا بأنه يمكن توجيه الحكم منهم ( وانهم عللوا استحقاقه ) اى الزوج ( للنصف الباقي ببقاء مقدار حقه ) الظاهر في ان الهبة كانت لنصفها المستقر المشاع ، لا النصف المشاع الشامل الحقين ( فلا يخلو ) كلامهم في باب هبة نصف المهر ( عن منافاة لهذا المقام ) اى كلامهم في مقام البيع ، وانه لو باع النصف المشاع - وكان مشتركا بينه وبين غيره - كان المبيع ربعا من البائع ، وربعا من الأجنبي ( ونظيره ) اى نظير كلامهم في باب البيع وانه لو باع النصف ، كان محتملا لكونه نصف نفسه ، ولكونه النصف المشاع بينه وبين شريكه ( - في ظهور المنافاة لما هنا - ) اى باب

ص: 121

ما ذكروه في باب الصلح ، من أنه إذا أقر من بيده المال لاحد المدعيين للمال بسبب موجب للشركة كالإرث ، فصالحه المقر له على ذلك النصف

_________________________

الصداق الّذي قالوا بأنه لو وهبت للزوج نصف المهر كان الموهوب نصفها الخاص بها لا النصف المشاع بينها وبين الزوج ( ما ذكروه في باب الصلح ) حيث إنهم ذكروه كباب البيع ، فهو مناف لما ذكروه في باب الصداق ( من أنه إذا أقر من بيده المال لاحد المدعيين المال بسبب موجب للشركة كالإرث ) كما لو كان بيد زيد دينار ، وادعى كل من عمرو وخالد كون نصف الدينار له ، وبين كل واحد منهما ان السبب لكون النصف له شركته مع المدعى الآخر في سبب جامع بينهما ، كما لو قالا : انا ورثناه من أبينا ، فإذا أقر زيد الّذي بيده الدينار لخالد مثلا - بما يدعيه من كون النصف له ، فإنه حينئذ تنقسم الدار إلى ثلاثة أقسام .

1 - نصفها ، وهو لمن في يده ، لظاهر اليد .

2 - وربعها لخالد المقر له .

3 - وربعها الآخر ، لعمرو ، وذلك لان مقتضى اعتراف خالد بشركته في الدار مع عمرو ، ان كل جزء من الدار فهو مشترك بينهما ، وقوله : بسبب ، متعلق ب : المدعيين ، ( فصالحه ) اى صالح مع المقر له كخالد ، في المثال ( المقر له ) كزيد ، في المثال ( على ذلك النصف ) المقر به ، فان زيدا أقر لخالد بان له نصف الدار ، كما يدعى

ص: 122

كان النصف مشاعا في نصيبهما ، فان أجاز شريكه ، نفذ في المجموع ، والا نفذ في الربع ، فان مقتضى ما ذكروه هنا اختصاص المصالح بنصف المقر له ، لأنه ان أوقع الصلح على نصفه الّذي أقر له به فهو ، كما لو صالح نصفه قبل الاقرار ،

_________________________

( كان النصف ) المقرّ به ( مشاعا في نصيبهما ) اى نصيب عمرو ، وخالد ( فان أجاز ) المصالحة ( شريكه ) كعمرو ، في المثال ( نفذ ) الصلح ( في المجموع ) لان هذا النصف لهما ، وقد صالحاه ، أحدهما لفظا ، والآخر إجازة ( والا ) يجز شريكه اى لم يجز عمرو الّذي هو شريك خالد ( نفذ ) الصلح ( في الربع ) فقط ، لان الربع فقط مال خالد المصالح .

وانما قلنا : ونظيره في ظهور المنافاة ، ( فان مقتضى ما ذكروه هنا ) في باب الصداق : من أن هبة المرأة للنصف ، معناها هبة النصف المستقر ، لا النصف المشاع بين المستقر والمتزلزل ، ( اختصاص المصالح ) اى زيد ( بنصف المقر له ) اى خالد ( لأنه ) اى زيد - الّذي بيده المال - ( ان أوقع الصلح ) مع خالد ( على نصفه ) اى النصف لخالد ( الّذي أقر ) زيد ( له ) اى لخالد ( به ) اى بذلك النصف ( فهو ، كما لو صالح نصفه ) الّذي يدعيه خالد ( قبل الاقرار ) فان خالدا حسب ادعائه يملك النصف ، وزيد ، يسلم ان له النصف فإذا وقعا التصالح بين الجانيين يلزم ان يكون تصالحا على النصف الّذي خالد يدعيه ، وزيد يقر له به ، فحاله كما لو لم يقر زيد بان لخالد النصف ، وادعاه خالد ، ثم تصالحا لحسم النزاع ، حيث إن معنى التصالح ان يكون الصلح منصبا على النصف

ص: 123

مع غير المقر ، أو معه وان أوقعه على مطلق النصف المشاع ، انصرف أيضا إلى حصته ، فلا وجه لاشتراكه بينه وبين شريكه .

ولذا اختار سيد مشايخنا قدس اللّه اسرارهم اختصاصه بالمقر له .

وفصل في المسالك بين ما لو وقع الصلح

_________________________

الّذي لخالد - ادعاء - سواء صالح خالد قبل اقرار زيد ( مع غير المقر ) اى غير زيد ( أو معه ) اى مع المقرّ ( وان أوقعه ) اى الصلح ( على مطلق النصف المشاع ) - لا نصفه الّذي أقر له به - ( انصرف ) النصف ( أيضا إلى حصته ) اى حصة خالد فقط ( فلا وجه لاشتراكه ) اى في ما بإزاء الصلح ( بينه ) اى بين خالد ( وبين شريكه ) عمرو ، فإنهم كيف ذكروا في باب المهر ، انها لو وهبت تكون الهبة لنصفها المستقر ، ويقولون في مسئلة الصلح انه لو صالح لا يكون في نصف المقر له - كخالد - بل يكون مشتركا بين خالد - وعمرو ، مع العلم ان المسألتين من واد واحد .

( ولذا ) حيث إن قولهم في باب الصلح مخالف لقولهم في باب الهبة للمهر - حيث جعلوا الهبة في نصفها ، ولم يجعلوا في باب الصلح في نفسه - ( اختار سيد مشايخنا قدس اللّه اسرارهم اختصاصه ) اى الصلح ( بالمقر له ) اى خالد ، بدون الاحتياج إلى إجازة الشريك لان زيد يعترف بان لخالد نصفها ، وخالد يصالح عن نصفه ، فمن اين يدخل الشريك في الوسط ؟ ليكون ان أجاز شارك خالدا في بدل الصلح ، وان لم يجز يبطل الصلح الا في الربع فقط .

( وفصل في المسالك بين ما لو وقع الصلح ) بين زيد ، وخالد

ص: 124

على نصفه أو مطلق النصف ، وبين ما إذا وقع على النصف الّذي أقر به ذو اليد ، فاختار مذهب المشهور في الثالث ، لان الاقرار منزل على الإشاعة .

وحكم بالاختصاص في الأولين ، لاختصاص النصف وضعا في الأول وانصرافا في الثاني إلى النصف

_________________________

( على نصفه ) اى نصف المال الّذي لخالد ( أو مطلق النصف ) بان قال :

صالحتك على نصف المال - بدون إضافة النصف إلى خالد - ( وبين ما إذا وقع ) الصلح ( على النصف الّذي أقر به ذو اليد ) بان قال زيد :

صالحتك على النصف الّذي أقررت لك به ( فاختار ) المسالك ( مذهب المشهور ) من التشريك في الصلح ، ان أجاز الشريك ، والا بطل الصلح الا في الربع ( في الثالث ) اى ما أوقع الصلح على النصف الّذي أقر به ذو اليد ( لان الاقرار منزل على الإشاعة ) إذ : النصف الّذي أقر زيد به لخالد ، صار مشاعا بينهما - حسب ادعاء نفس خالد ، انه شريك مع عمرو في المال - .

( وحكم ) المسالك ( بالاختصاص ) اى اختصاص الصلح بالمقر له اى خالد - ( في الأولين ) فيما أوقع الصلح على نصفه ، أو مطلق النصف ( لاختصاص النصف ) اى لفظ النصف ( وضعا في الأول ) اى ما صالحه : على نصفه ، فان النصف المضاف إلى خالد ، وضعا يكون لخالد لا المشترك بينه وبين عمرو ( وانصرافا في الثاني ) اى ما صالحه : على مطلق النصف ، فان المنصرف انه صالح عن نصفه المختص به ( إلى النصف

ص: 125

المختص .

واعترضه في مجمع الفائدة بان هذا ليس تفصيلا ، بل مورد كلام المشهور هو الثالث ، لفرضهم المصالحة على ذلك النصف المقرّ به ، وتمام الكلام في محله .

وعلى كل حال ، فلا اشكال في ان لفظ النصف المقرّ به إذا وقع في كلام المالك للنصف المشاع مجردا عن حال أو مقال ، يقتضي صرفه إلى

_________________________

المختص ) بالمقر له - وهو خالد - .

( واعترضه ) اى المسالك ( في مجمع الفائدة بان هذا ) الّذي ذكره الشهيد ( ليس تفصيلا ) في مسئلة الصلح ( بل مورد كلام المشهور ) الذين قالوا بالاشتراك ( هو الثالث ) اى ما أوقعا الصلح على النصف المقر به ( لفرضهم المصالحة على ذلك النصف المقر به ، وتمام الكلام في محله ) وانما كان الغرض من هذا الكلام وقوع التخالف بين كلامي المشهور في الجملة - .

( وعلى كل حال ) سواء حمل النصف للمبيع المتعلق به البيع ، على النصف المشاع بين النصيبين ، أو حمل على النصف المختص بالبائع ( فلا اشكال في ان لفظ النصف المقر به ) اى الواقع في حيّز الاقرار ( إذا وقع في كلام المالك للنصف المشاع ) بان كان هناك شريكان في نصفى الدار فقال أحدهما نصف الدار لعمرو ، في حالكون الاقرار ( مجردا عن حال أو مقال يقتضي ) ذلك الحال أو المقال ( صرفه ) اى صرف النصف الّذي في كلام المقر ( إلى

ص: 126

نصفه يحمل على المشاع في نصيبه ، ونصيب شريكه .

ولهذا افتوا ظاهرا على أنه لو أقر أحد الرجلين الشريكين الثابت يد كل منهما على نصف العين بان ثلث العين لفلان ، حمل على الثلث المشاع في النصيبين .

فلو كذبه الشريك الآخر ، دفع المقر إلى المقرّ له نصف ما في يده لان المنكر بزعم المقر ظالم للسدس ،

_________________________

نصفه ) اى النصف المربوط به ( يحمل ) لفظ النصف ( على المشاع في نصيبه ، ونصيب شريكه ) لا على نصف المالك المختص به .

( ولهذا افتوا ظاهرا ) اى كونهم افتوا حسب ما يستظهر من كلماتهم ( على أنه لو أقر أحد الرجلين الشريكين الثابت يد كل منهما على نصف العين ) أقر ( بان ثلث العين لفلان ، حمل ) اقراره ( على الثلث المشاع في النصيبين ) لا ثلث مال نفسه فقط .

( فلو ) صدقه المقر دفعا الثلث إلى المقرّ له ولو ( كذبه الشريك الآخر ، دفع المقر ) كزيد الشريك لعمرو الّذي أقر لبكر بالثلث من الجموع ( إلى المقرّ له ) كبكر ( نصف ما في يده ) فإذا كان مجموع المال ستة دنانير يلزم على المقر ان يعطى للمقر له دينارا ونصفا - لا دينارا فقط - ( لان المنكر ) كعمرو - في المثال - ( بزعم المقر ) وهو زيد ( ظالم للسدس ) فان عمروا تصرف في ثلاثة دنانير ، وله ديناران فقط - بزعم المقر - فالدينار الزائد عنده ليس لبكر فقط ، لفرض ان المال مشترك بين الثلاثة ، بل الدينار الزائد لعمرو : المقر ، وبكر : المقر له ، إذا

ص: 127

بتصرفه في النصف ، لأنه باعتقاده انما يستحق الثلث ، فالسدس الفاضل في يد المنكر نسبته إلى المقر والمقر له ، على حد سواء ، فإنه قدر تالف من العين المشتركة فيوزع الاستحقاق .

ودعوى : ان مقتضى الإشاعة تنزيل المقر به على ما في يد كل منهما فيكون في يد المقرّ سدس ، وفي يد المنكر سدس ،

_________________________

فنصف دينار عمرو : المقر ، عند زيد : المنكر ، فلعمرو دينار ونصف مما في يده ، والدينار والنصف الآخر انما هو للمقر له - اى بكر - فان المنكر ظالم للسدس ( ب ) سبب ( تصرفه في النصف ) اى ثلاثة دنانير ، والحال ان له دينارين ( لأنه ) اى المنكر ( باعتقاده ) اى باعتقاد المقر ( انما يستحق الثلث ) فقط اى دينارين ( فالسدس الفاضل في يد المنكر ) وهو الدينار الثالث ( نسبته إلى المقر والمقر له ، على حد سواء ) ويكون لكل من المقر والمقر له نصف دينار عند المنكر ( فإنه ) اى الدينار الثالث ( قدر تالف من العين المشتركة ) بين المقر والمقر له ( فيوزع ) بينهما على قدر ( الاستحقاق ) وإذ كان استحقاق المقر والمقر له متساويا يكون التالف من كل منهما نصف دينار .

( ودعوى : ان مقتضى الإشاعة ) اى إشاعة ستة دنانير الموجودة في يدي المقر والمنكر ، بين المقر ، والمنكر ، والمقر له ( تنزيل المقر به ) اى الثلث الّذي أقر به المقر ، لبكر - مثلا - ( على ما في يد كل منهما ) اى من المقر والمنكر ( فيكون في يد المقر سدس ) اى دينار ( وفي يد المنكر سدس ) فاللازم ان يعطى المقر للمقر له دينارا

ص: 128

كما لو صرح بذلك .

وقال : ان له في يد كل منهما سدسا .

واقراره بالنسبة إلى ما في يد الغير غير مسموع ، فلا يجب الا ان يدفع إليه ثلث ما في يده ، وهو السدس المقربة وقد تلف السدس الآخر بزعم المقر - على المقر له ، بتكذيب المنكر ، مدفوعة .

_________________________

لا دينارا ونصفا ( كما لو صرح ) المقر ( بذلك ) .

( و ) ذلك بان ( قال : ان له ) اى المقر له ( في يد كل منهما ) اى المقر والمنكر ( سدسا ) كما لو قال لبكر في يدي ، ويد شريكي ديناران ، دينار في يدي ، ودينار في يد شريكي .

( و ) حيث إن ( اقراره بالنسبة إلى ما في يد الغير غير مسموع ، فلا يجب ) على المقر ( الا ان يدفع إليه ) اى إلى المقر له ( ثلث ما في يده ) اى الدينار الواحد ( وهو السدس ) من مجموع الستة ( المقر به ) اى بذلك السدس ، لأنه اقرّ بان في ماله سدسا لعمرو ( وقد تلف السدس الآخر ) للمقر له ( - بزعم المقر - ) متعلق بتلف ، ( على المقر له ، ب ) سبب ( تكذيب المنكر ) .

هذه الدعوى ( مدفوعة ) بالفرق في الاقرار بين الإشاعة والتميز فلو كان هناك ثلاثة دنانير ، غير مشاعة في يد زيد ، وثلاثة دنانير غير مشاعة في يد عمرو ، ثم أقر زيد بان لبكر دينار في مالي ، ودينارا في مال عمرو ، كان اللازم اعطاء زيد لبكر دينارا فقط .

بخلاف ما لو كان المال مشاعا ابتداءً ، ثم قسمه المقر والمنكر ، ثم

ص: 129

بان ما في يد الغير ليس عين ماله فيكون كما لو أقر شخص بنصف كل من داره ، ودار غيره ، وهو مقدار حصته المشاعة كحصة المقر وحصة المقر له ، - بزعم المقر - الا انه لما لم يجبر المكذب على دفع شيء مما في يده ، فقد تلف سدس مشاع يوزع على المقر ، والمقر له .

فلا معنى لحسابه على المقر له

_________________________

ادعى المقر ان بكرا أيضا شريك لهما في الثلث ، لأنهما ثلاثة اخوة ، مات أبوهم ، وخلف ستة دنانير - مثلا - .

والحاصل : ان الدعوى المذكورة مدفوعة ( بان ما في يد الغير ) اى عمرو - المنكر - ( ليس عين ماله ) اى عين مال عمرو - اى مالا غير مشترك - ( فيكون ) حال الاقرار - اى حتى يكون - ( كما لو أقر شخص بنصف كل من داره ، ودار غيره ) اقرارا لبكر - مثلا - اى ليس الامر اقرارا في امرين متمايزين ( أو هو ) اى ما في يد الغير - المنكر - انما هو ( مقدار حصته ) اى حصة الغير ( المشاعة ) بين الثلاثة ، حسب اقرار المقر ( كحصة المقر ) التي هي أيضا مشاعة ( و ) ك ( حصة المقر له ) التي هي أيضا مشاعة ( - بزعم المقر - ) ان له حصة ( الا انه لما لم يجبر المكذب ) اى المنكر الّذي كذب المقر ( على دفع شيء مما في يده ) لأنه لم يقر بالشريك الثالث ( فقد تلف ) - بسبب ظلم المنكر - ( سدس مشاع ) ف ( يوزع ) التالف - وهو دينار في المثال - ( على المقر ، والمقر له ) فيكون الذاهب من كل منهما نصف دينار .

( فلا معنى لحسابه ) اى حساب الدينار التالف ( على المقر له ) كبكر

ص: 130

وحده ، الا على احتمال ضعيف وهو تعلق الغصب بالمشاع .

وصحة تقسيم الغاصب مع الشريك فيتمحّض ما يأخذه الغاصب منه ، وما يأخذه الشريك لنفسه .

لكنه احتمال مضعف في محله وان قال به أو مال إليه بعض - على ما حكى -

_________________________

- في المثال - ( وحده ، الا على احتمال ضعيف ) في باب الغصب ( وهو تعلق الغصب بالمشاع ) .

كما لو كان هناك شريكان في دار مشاعة بينهما ، ثم غصب الغاصب حصة أحدهما ، بان اخرجه من الدار واستقل هو والشريك الآخر بالتصرف في الدار ، فقد غصب الغاصب نصف دار مشاع .

( وصحة تقسيم الغاصب مع الشريك ) بان افرز نصف الدار لنفسه واعطى النصف الآخر للشريك ( فيتمحّض ما يأخذه الغاصب ) من نصف الدار ( للمغصوب منه ، وما يأخذه الشريك لنفسه ) فإنه لو قلنا بهذا القول الضعيف في باب الغصب ، نقول بمثله في باب الاقرار ، وان اقرار زيد لبكر بالثلث انما يوجب على المقرّ أن يدفع إلى بكر دينارا فقط لا دينارا ونصفا .

( لكنه احتمال مضعف في محله ) إذ : التقسيم الّذي لا يقربه الشريك لا يوجب الافراز ، فلا يختص ما في يد الغاصب للمغصوب منه ، ولا ما في يد الشريك لنفسه ، بل تكون الدار بعد افراز الشريك والغاصب ، على اشاعتها السّابقة ( وان قال به ) اى بهذا الاحتمال ( أو مال إليه بعض - على ما حكى - ) عنه

ص: 131

للحرج أو السيرة .

نعم يمكن ان يقال : بان التلف في هذا المقام حاصل بإذن الشارع للمنكر الغاصب لحق المقر له باعتقاد المقر ، والشارع انما اذن له في اخذ ما يأخذه على أنه من مال المقر له ، فالشارع انما حسب السدس في يد المنكر على المقر له ، فلا يحسب منه على المقر شيء .

_________________________

( للحرج ) على الشريك ، إذ بقي المال مشاعا ( أو السيرة ) في ان الشريك إذا اخذ ماله ، كان ذلك افرازا ، وان لم يحضره الشريك الآخر .

( نعم يمكن ان يقال ) في وجه كون تكليف المقر اعطاء دينار فقط للمقر له ، لا دينارا ونصفا ( بان التلف ) لدينار بكر : المقرّ له ، ( في هذا المقام حاصل بإذن الشارع للمنكر الغاصب ) واقعا ( لحق المقر له ) - اى بكر - ( باعتقاد المقر ) متعلق ب : الغاصب ، لان المقر يعتقد ان عمروا غاصب ، اما عمرو بنفسه فلا يعتقد ذلك .

ولذا كان الشارع اذن له في ان لا يدفع إلى بكر دينارا ، حيث إن الشارع اذن لمن لا يعلم أن في ماله حقا للغير ، ولم يقم على ذلك دليل ، اذن بان يمتنع عن أداء شيء إلى المدعى ، بل يحفظ المال لنفسه ، واذن الشارع انما كان بالنسبة إلى دينار - بكر - ( والشارع انما اذن له ) اى للمنكر ( في اخذ ما يأخذه ) اى الدينار الزائد ( على أنه من مال المقر له ) اى بكر - في المثال - ( فالشارع انما حسب السدس ) وهو الدينار الموجود ( في يد المنكر على المقر له ) اى خالدا في المثال ( فلا يحسب منه ) اى من السدس ( على المقر ) كزيد ( شيء ) وعليه فليس

ص: 132

وليس هذا كاخذ الغاصب جزءا معينا من المال عدوانا ، بدون اذن الشارع ، حتى يحسب على كلا الشريكين .

والحاصل ان اخذ الجزء كان بإذن الشارع ، وانما اذن له على أن يكون من مال المقر له .

ولعله لذا

_________________________

الدينار الموجود في يد المنكر نصفه للمقر : الثلاث دنانير ، نصفه حتى يبقى للمقر دينار ونصف فقط .

( وليس هذا ) الاقرار ( كاخذ الغاصب جزءا معينا من المال عدوانا ، بدون اذن الشارع ) .

كما لو فرضنا انه كان لزيد وبكر شريكين في أربعة دنانير ، فاخذ الغاصب دينارا من المال ، فإنه يكون ذاهبا عنهما ، حتى أن الباقي يقسم بينهما لكل منهما دينار ونصف دينار .

إذ : ليس مقام الاقرار هكذا ( حتى يحسب ) الدينار الموجود عند المنكر ( على كلا الشريكين ) المقر والمقر له .

( والحاصل ان اخذ ) المنكر ( الجزء ) وهو الدينار - في المثال - ( كان بإذن الشارع ، وانما اذن له على أن يكون من مال المقر له ) ان كان حقه ثابتا واقعا ، إذا فالواجب على المقر ان يدفع إلى المقر له ، اى دينارا فقط .

( ولعله لذا ) الّذي ذكرنا من وجه عدم اشتراك المقر والمقر له ، في ما بيد المقر ، بل يكون الزائد بيد المقر ، للمقر له - اى دينار واحد

ص: 133

ذكر الأكثر بل نسبه في الايضاح إلى الأصحاب - في مسئلة الاقرار بالنسب - ان أحد الأخوين إذا أقر بثالث ، دفع إليه الزائد عما يستحقه باعتقاده وهو الثلث ولا يدفع إليه نصف ما في يده نظرا إلى أنه أقر بتساويهما في مال المورث ، فكلما حصل ، كان لهما ، وكلما فات كان كذلك ، هذا .

ولكن لا يخفى ضعف هذا الاحتمال ، من جهة : ان الشارع الزم بمقتضى الاقرار - معاملة المقر مع المقر له بما يقتضيه الواقع الّذي أقر به .

_________________________

فقط ، في المثال - ( ذكر الأكثر ) اى ذكروا ان الزائد : فقط ، للمقر له ( بل نسبه في الايضاح إلى الأصحاب - في مسئلة الاقرار بالنسب - ) في باب الإرث ( ان أحد الأخوين إذا أقر بثالث ، دفع إليه ) اى دفع المقر إلى الثالث ( الزائد عما يستحقه ) المقر ( باعتقاده ) ان لهما أخا ثالثا ( وهو ) اى الزائد ( الثلث ) عما في يده ( ولا يدفع ) المقر ( إليه ) اى إلى الثالث ( نصف ما في يده ) .

وجه احتمال ان يدفع إليه نصف ما في يده ، هو ما بينه بقوله : ( نظرا إلى أنه ) اى المقر ( أقر بتساويهما ) اى المقر والمقر له ( في مال المورث فكلما حصل ) من المال ( كان لهما ، وكلما فات كان كذلك ) لهما ( هذا ) .

وجه ان يكون الزائد لما في يد المقر للمقر له ، لا التناصف .

( ولكن لا يخفى ضعف هذا الاحتمال ) اى احتمال ان يكون للمقر له الزائد فحسب ، لا التناصف ( من جهة : ان الشارع الزم - بمقتضى الاقرار معاملة المقر ) كلمة : معاملة ، مفعول : الزم ، ( مع المقر له بما يقتضيه الواقع ) كلمة : بما ، متعلق ب : معاملة ، ( الّذي أقر ) المقر ( به ) اى بذلك

ص: 134

ومن المعلوم : ان مقتضى الواقع لو فرض العلم بصدق المقر ، هو كون ما في يده - على حسب اقراره - بالمناصفة .

واما المنكر عالما ، فيكون ما في يده مالا مشتركا لا يحل له منه الا ما قابل حصته عما في يدهما والزائد حق لهما عليه .

واما مسئلة الاقرار بالنسب فالمشهور ، وان صاروا إلى ما ذكر وحكاه الكليني عن

_________________________

الواقع .

( ومن المعلوم : ان مقتضى الواقع لو فرض العلم بصدق المقر ، هو كون ما في يده ) اى يد المقر ( - على حسب اقراره - بالمناصفة ) « على حسب » متعلق ب : بالمناصفة .

ثم : ان المناصفة انما هي في مثال الشريكين والاقرار بثالث ، وفي مثال ثلاث شركاء والاقرار برابع ، يكون بما يقتضيه ، وهكذا كما لا يخفى .

( واما المنكر ) في حال كونه ( عالما ، فيكون ما في يده مالا مشتركا لا يحل له ) اى للمنكر ( منه ) اى من هذا المال المشترك ( الا ما قابل حصته عما في يدهما ) اى يد المقر والمنكر ، ومقابل حصته في المثال ديناران فقط ( والزائد ) وهو الدينار الثالث ( حق لهما ) للمقر والمقر له ( عليه ) اى على المنكر ، هذا هو مقتضى القاعدة .

( واما مسئلة الاقرار بالنسب ) التي ذكروها بان المقر انما يدفع الزائد فقط - الّذي هو على خلاف ما ذكرناه في باب اقرار أحد الشريكين - ( فالمشهور ، وان صاروا إلى ما ذكر ) من اعطاء الزائد فقط ( وحكاه الكليني عن

ص: 135

الفضل بن شاذان على وجه الاعتماد ، بل ظاهره جعل فتواه ، كروايته الا انه صرح جماعة ممن تأخر عنهم بمخالفته للقاعدة ، حتى قوى في المسالك الحمل على الإشاعة ، وتبعه سبطه ، وسيد الرياض في شرحي النافع ، والظاهر : ان مستند المشهور ، بعض الروايات الضعيفة المنجبر بعمل أصحاب الحديث ، كالفضل ، والكليني ، بل وغيرهما ، وروى الصدوق مرسلا ، والشيخ مسندا ، عن أبي البختري ووهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه

_________________________

الفضل بن شاذان على وجه الاعتماد ) عليه ( بل ظاهره ) اى الكليني ( جعل فتواه ، كروايته ) الدالة على اعطاء الزائد فقط ، فان الرواية ذكرت ان اثنين من الورثة لو اعترفا بوارث آخر ، فان كانا عدلين ، أجيز ذلك على الورثة الزما ذلك في حصتهما ( الا انه صرح جماعة ممن تأخر عنهم ) اى عن المشهور بين المتقدمين ( بمخالفته ) اى كلام المشهور في باب الاقرار بالنسب ( للقاعدة ، حتى قوى في المسالك الحمل على الإشاعة ) بان يكون المقر والمقر له ، سواء في المال ، لا ان يكون الزائد فقط للمقر له ( وتبعه سبطه ، وسيد الرياض في شرحي النافع ، والظاهر أن مستند المشهور ) ليس القاعدة ، وانما هو ( بعض الروايات الضعيفة المنجبر بعمل أصحاب الحديث ، كالفضل ) بن شاذان ( والكليني ، بل وغيرهما ، ف ) قد ( روى الصدوق مرسلا ، والشيخ مسندا ، عن أبي البختري ) - معرب بهتر - ( ووهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه

ص: 136

السلام في رجل مات ، وترك ورثة ، فاقر أحد الورثة بدين على أبيه ، انه يلزم ذلك في حصته بقدر ما ورث ، ولا يكون ذلك في ماله كله ، وان أقر اثنان من الورثة وكانا عدلين ، أجيز ذلك على الورثة ، وان لم يكونا عدلين ، الزما في حصتهما ، بقدر ما ورثا .

_________________________

السلام في رجل مات ، وترك ورثة ، فاقر أحد الورثة بدين على أبيه ) قال عليه السلام : ( انه يلزم ذلك ) الدين ( في حصته ) اى حصة المقر ( بقدر ما ورث ، ولا يكون ذلك ) الدين ( في ماله ) اى مال الميت ، أو مال المقر ( كله ) .

فلو كان المراد : مال الميت ، فعدم كونه ظاهر ، لان اقرار أحد الورثة لا يسبب الزاما على سائر الورثة .

ولو كان المراد : مال المقر ، فلان المقر انما يعطى بعض ماله - اما الزائد ، كالدينار - في المثال السابق - أو الدينار والنصف ، حسب الاختلاف - ( وان أقر اثنان من الورثة وكانا عدلين ، أجيز ذلك على الورثة ) كلهم لقيام البينة بذلك ( وان لم يكونا عدلين ، الزما في حصتهما ) فقط ، ( بقدر ما ورثا ) لكن لا يخفى : ان الروايات المذكورة والآتية مجملة ، لا تدل على فتوى المشهور ، ولا فتوى الشيخ ، لان : الزما في حصتهما ، هل معناه : انهما يعطيان الزائد كما يقول المشهور ؟ أو بالنسبة كما يقول الشيخ ، وكذلك في الفقرة السابقة اى قوله : بقدر ما ورث الا ان يكون فهم المشهور مؤيدا ، والمشهور بينهم ان فهم المشهور ليس بحجة .

ص: 137

وكذلك ان أقر أحد الورثة باخ أو أخت فإنما يلزمه ذلك في حصته وبالاسناد قال قال علي عليه السلام : من أقر لأخيه ، فهو شريك في المال ولا يثبت نسبه ،

فان أقر اثنان فكذلك الا ان يكونا عدلين ، فيثبت نسبه ويضرب في الميراث معهم .

وعن قرب الإسناد رواية الخبرين عن السندي بن محمد ، وتمام الكلام في محله من كتاب الاقرار والميراث إن شاء اللّه تعالى .

_________________________

( وكذلك ان أقر أحد الورثة باخ أو أخت ) أو غيرهما ممن يرث ، واحدا أو أكثر ( فإنما يلزمه ذلك ) اقرار ( في حصته وبالاسناد ) المتقدم أيضا ( قال قال علي عليه السلام : من أقر لأخيه ، فهو ) اى الأخ ( شريك في المال ) الّذي حازه اخوه ( ولا يثبت نسبه ) لان الاقرار انما يثبت ما على المقر لا سائر الأمور .

( فان أقر اثنان فكذلك ) ثبت المال ، ولم يثبت النسب ( الا ان يكونا ) المقران ( عدلين ، فيثبت نسبه ويضرب ) - بالمجهول - اى المقر له ( في الميراث معهم ) لقيام البينة بذلك .

( وعن قرب الإسناد رواية الخبرين عن السندي بن محمد ، وتمام الكلام في محله من كتاب الاقرار والميراث إن شاء اللّه تعالى ) وقد ذكر طرفا من الكلام ، الجواهر فمن أراد التفصيل ، فليرجع إليه .

ص: 138

مسئلة لو باع ما يقبل التملك ،

وما لا يقبله كالخمر والخنزير صفقة بثمن واحد ، صح في المملوك عندنا -

كما في جامع المقاصد - واجماعا - كما عن الغنية - ويدل عليه اطلاق مكاتبة الصفار المتقدمة .

ودعوى انصرافه إلى صورة كون بعض القرية المذكورة فيها مال الغير ممنوعة

_________________________

( مسئلة - لو باع ما يقبل التملك ، وما لا يقبله ) مثال ما لا يقبله ( كالخمر والخنزير ) مثلا : باع الخل والخمر ، والشاة والخنزير ( صفقة ) واحدة ، اى في معاملة واحدة ( بثمن واحد ) لا ان يقول الخمر بعشرة ، والخل بعشرين ، بل قال : بعتهما بثلاثين ( صح ) البيع ( في المملوك عندنا - ) هذا لفظ يشبه الاجماع ( كما في جامع المقاصد - واجماعا - كما عن الغنية ويدل عليه ) اى على أنه يصح البيع في المملوك ( اطلاق مكاتبة الصفار المتقدمة ) وفيها قوله عليه السلام : لا يجوز بيع ما ليس يملك ، وقد وجب الشراء على ما يملك ، إذ قوله : ليس يملك ، شامل لما ليس بمملوك للبائع ، سواء كان من جهة انه لا يقبل الملك كالوقف ، أو من جهة انه ملك للغير .

( ودعوى انصرافه ) اى قوله : ما ليس يملك ، ( إلى صورة كون بعض القرية المذكورة فيها ) اى في المكاتبة ( مال الغير ) فالمراد : ما ليس بمملوك للبائع ، لا ما لا يقبل الملك أصلا ( ممنوعة ) إذ : لا وجه لدعوى الانصراف المذكور بعد تعارف الوقف

ص: 139

بل لا مانع من جريان قاعدة الصحة ، بل اللزوم في العقود ، عدا ما يقال : من أن التراضي والتعاقد ، انما وقع على المجموع الّذي لم يمضه الشارع قطعا ، فالحكم بالامضاء في البعض - مع عدم كونه مقصودا الا في ضمن المركب - يحتاج إلى دليل آخر ، غير ما دل على حكم العقود ، والشروط ، والتجارة عن تراض .

ولذا حكموا بفساد العقد ، بفساد شرطه .

_________________________

( بل لا مانع من جريان قاعدة الصحة ، بل ) قاعدة ( اللزوم في العقود ) بالنسبة إلى ما هو مملوك للبائع ، فيشمله : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ( عدا ما يقال : من أن التراضي والتعاقد ، انما وقع على المجموع الّذي لم يمضه الشارع قطعا ) لان المجموع بما فيه الخمر ، لا يصحح الشارع عقده ( فالحكم بالامضاء في البعض ) اى امضاء الشارع للبعض القابل للملك ( - مع عدم كونه ) اى البعض المملوك ( مقصودا الا في ضمن المركب - يحتاج إلى دليل آخر ، غير ما دل على حكم العقود ، والشروط ، والتجارة عن تراض ) اى : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، و : المؤمنون عند شروطهم ، و إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ .

( ولذا ) الّذي ذكرنا ، من أنه لا تكفى الأدلة المتقدمة لتصحيح العقد الّذي لم يصح بعضه ( حكموا بفساد العقد ، ب ) سبب ( فساد شرطه ) فإذا كان المشروط فاسدا ، كان الجزء أيضا فاسدا إذا فسد الجزء الآخر لان الشرط والجزء من قبيل واحد .

ص: 140

وقد نبه عليه في جامع المقاصد ، في باب فساد الشرط ، وذكر ان في الفرق بين فساد الشرط والجزء عسرا ، وتمام الكلام في باب الشروط ويكفى هنا الفرق بالنص والاجماع .

نعم : ربما يقيد الحكم بصورة جهل المشترى ، لما ذكره في المسالك وفاقا للمحكى في التذكرة عن الشافعي - من جهة افضائه إلى الجهل بثمن المبيع ، قال في

_________________________

( وقد نبه عليه ) اى على لزوم بطلان البيع ببطلان جزئه كما نقول ببطلانه ، بطلان شرطه ( في جامع المقاصد ، في باب فساد الشرط ، وذكران في الفرق بين فساد الشرط والجزء عسرا ) فاللازم ، اما ان نقول بايجابهما الفساد ، أو عدم ايجابهما الفساد ( وتمام الكلام في باب الشروط ) وانه هل الشرط الفاسد يوجب فساد المشروط ، أم لا ؟ ( ويكفى هنا ) في باب الجزء الفاسد ( الفرق بالنص والاجماع ) على صحة العقد ، حتى مع فساد الجزء ، وكفى بهما فارقا .

( نعم : ربما يقيد الحكم ) بصحة العقد بالنسبة إلى الجزء ، فيما إذا كان الجزء الآخر لا يملك ( بصورة جهل المشترى ) بان أحد الجزءين لا يملك ( لما ذكره في المسالك - وفاقا للمحكى في التذكرة عن الشافعي - ) حيث خصص الصحة بصورة جهل المشترى ( من جهة افضائه ) اى العلم بكون أحد الجزءين لا يملك ( إلى الجهل بثمن المبيع ) لأنه حينما اشترى الخل والخمر بثلاثين ، لا يعلم كم مقدار ثمن الخل .

ومن المعلوم : ان الجهل بأحد العوضين موجب للفساد ( قال في

ص: 141

التذكرة بعد ذلك ، وليس عندي بعيدا من الصواب الحكم بالبطلان ، فيما إذا علم المشترى حرمة الآخر أو كونه مما لا ينقل إليه ، انتهى .

ويمكن دفعه : بان اللازم ، هو العلم بثمن المجموع الّذي قصد إلى نقله عرفا ، وان علم الناقل بعدم امضاء الشارع له ، فان هذا العلم غير مناف لقصد النقل حقيقة .

فبيع الغرر المتعلق لنهى الشارع ، وحكمه عليه بالفساد هو ما كان غررا في نفسه ، مع قطع النظر عما يحكم عليه عن الشارع

_________________________

التذكرة بعد ذلك ) اى بعد ان نقل عن الشافعي الحكم بالصحة في صورة الجهل فقط ( وليس عندي بعيدا من الصواب الحكم بالبطلان ، فيما إذا علم المشترى حرمة الآخر ) كعبد وحرّ ( أو كونه مما لا ينقل إليه ) كالخمر والخل ( انتهى ) كلام العلامة .

( ويمكن دفعه ) اى دفع الاشكال الوارد في صورة علم المشترى ( بان اللازم ، هو العلم بثمن المجموع الّذي قصد إلى نقله ) نقلا ( عرفا ، وان علم الناقل بعدم امضاء الشارع له ) اى لهذا النقل ( فان هذا العلم ) بعدم امضاء الشارع ( غير مناف لقصد النقل ) أو البيع ( حقيقة ) إذ :

القصد لا ينافي تحريم الشارع .

( فبيع الغرر المتعلق لنهى الشارع ، و ) ل ( حكمه عليه ) اى على بيع الغرر ( بالفساد ) لقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : نهى النبي عن بيع الغرر ، وفي حديث آخر : نهى النبي عن الغرر ( هو ما كان غررا في نفسه ، مع قطع النظر عما يحكم عليه عن الشارع ) إذ : الموضوع

ص: 142

مع أنه لو تم ما ذكر لاقتضى صرف مجموع الثمن إلى المملوك ، لا البطلان لان المشترى القادم على ضمان المجموع بالثمن - مع علمه بعدم سلامة البعض له - قادم على ضمان المملوك وحده ، بالثمن ، كما صرح به الشهيد في محكى الحواشى المنسوبة إليه ، حيث قال : ان هذا الحكم مقيد ، بجهل المشترى بعين المبيع ، والا لكان البدل بإزاء المملوك .

_________________________

يجب ان يتصور حقيقة قائمة في عالم الاعتبار ، ثم يحكم عليه بأنه جائز أو ممنوع شرعا .

ومن المعلوم : ان بيع الخل والخمر بقيمة كذا ، لا يكون غررا عرفا فلا يشمله نهى الشارع ( مع أنه لو تم ما ذكر ) من أنه في صورة علم المشترى جهل بثمن المبيع لأنه لا يعلم مقدار ثمن المملوك ( لاقتضى صرف مجموع الثمن إلى المملوك ، لا البطلان ) للمبيع ( لان المشترى القادم على ضمان المجموع بالثمن ) اى يعطى الثمن في مقابل المجموع ( - مع علمه ) اى المشترى ( بعدم سلامة البعض له - ) لأنه مما لا يملك ( قادم ) في الحقيقة ( على ضمان المملوك وحده ، ب ) تمام ( الثمن ، كما صرح به ) اى بلزوم صرف مجموع الثمن للمملوك فقط ( الشهيد في محكى الحواشى المنسوبة إليه ، حيث قال : ان هذا الحكم ) بصحة بيع المملوك وغير المملوك ( مقيد ، ب ) صورة ( جهل المشترى بعين المبيع ) انها خمر ، وحكمه بأنها لا تملك ( والا ) فلو علم المشترى العين والحكم ( لكان البدل ) الّذي يدفعه المشترى ( بإزاء المملوك ) فقط .

ص: 143

ضرورة ان القصد إلى الممتنع كلا قصد ، انتهى .

لكن ما ذكره ره مخالف لظاهر المشهور ، حيث حكموا بالتقسيط وان كان مناسبا لما ذكروه في بيع مال الغير من العالم من عدم رجوعه بالثمن إلى البائع ، لأنه سلطه عليه مجانا ، فان مقتضى ذلك عدم رجوع المشترى بقسط غير المملوك .

_________________________

( ضرورة ان القصد ) من المشترى ( إلى الممتنع ) إذ : يمتنع شرعا بدل المحرم ( كلا قصد ) فلم يقصد المشترى الا ان يشترى الخل - وحده بثلاثين في المثال السابق - ( انتهى ) كلام الشهيد .

( لكن ما ذكره ره مخالف لظاهر المشهور ، حيث حكموا بالتقسيط ) للثمن على المملوك فيأخذه البائع وغير المملوك ، فيبقى على ملك المشتري ( وان كان ) ما ذكره الشهيد من : كون جميع الثمن بإزاء المملوك فقط ( مناسبا لما ذكروه ) العلماء ( في بيع مال الغير من العالم ) بأنه مال الغير ( من عدم رجوعه ) اى المشترى ( بالثمن إلى البائع ، لأنه ) اى المشترى ( سلطه ) اى البائع ( عليه ) اى الثمن ( مجانا ) وبلا عوض ، لأنه قدم له الثمن ، وهو يعلم أن لا بدل للثمن ، إذ بدله مال الغير ، وهو لم يبعه ( فان مقتضى ذلك ) الّذي ذكروه في باب بيع مال الغير ، وان المشترى العالم لا يرجع إلى البائع ( عدم رجوع المشترى ) العالم ، إلى البائع ( بقسط غير المملوك ) كعشرة دراهم الواقعة بإزاء الخمر في المثال السابق - .

ص: 144

اما لوقوع المجموع في مقابل المملوك - كما عرفت من الحواشى - .

واما لبقاء ذلك القسط له مجانا ، كما قد يلوح من جامع المقاصد ، والمسالك ، الا انك قد عرفت ان الحكم هناك لا يكاد ينطبق على القواعد .

ثم : ان طريق تقسيط الثمن على المملوك ، وغيره ، يعرف مما تقدم في بيع ماله مع مال الغير ، من : ان العبرة بتقويم كل منهما منفردا ، ونسبة قيمة المملوك إلى مجموع القيميين ،

_________________________

( اما لوقوع المجموع ) اى مجموع الثمن ( في مقابل المملوك - كما عرفت من الحواشى - ) للشهيد .

( واما لبقاء ذلك القسط ) من الثمن ( له ) اى للبائع ( مجانا ) بدون عوض ( كما قد يلوح ) اى يظهر ( من جامع المقاصد ، والمسالك ) وقد تقدم الإشارة إلى ذلك ( الا انك قد عرفت ان الحكم هناك ) في بيع مال الغير من المشترى العالم ( لا يكاد ينطبق على القواعد ) وان مقتضى القاعدة : ان يبقى المال في ملك المشتري ، كيف كان .

( ثم : ان طريق تقسيط الثمن على المملوك ، وغيره ) فيما إذا باع ما يملك ، وما لا يملك ( يعرف مما تقدم في بيع ماله مع مال الغير ، من : ان العبرة بتقويم كل منهما منفردا ، ونسبة قيمة المملوك إلى مجموع القيميين ) فمثلا : اشترى الخمر والخل بثلاثين دينار وقد قوم الخمر عند أربابها - فكانت بعشرين ، وقوم الخل فكان بأربعين ، فللخل ثلثي القيمة - اى عشرون من الثلاثين - .

ص: 145

لكن الكلام هنا في طريق معرفة قيمة غير المملوك ، وقد ذكروا ان الحرّ يفرض عبدا بصفاته ، ويقوم ، والخمر والخنزير يقومان بقيمتها عند من يراهما مالا .

ويعرف تلك القيمة بشهادة عدلين مطلعين على ذلك ، لكونهما مسبوقين بالكفر ، أو مجاورين للكفار .

ويشكل تقويم الخمر والخنزير بقيمتهما إذا باع الخنزير بعنوان انه شاة ، والخمر بعنوان انها خل فبان

_________________________

( لكن الكلام هنا ) في باب ما يملك ، وما لا يملك ( في طريق معرفة قيمة ) الجزء ( غير المملوك ) كالحرّ ، والخمر ، وما أشبه ( وقد ذكروا ان الحرّ يفرض عبدا بصفاته ، ويقوم ) فيقال : ان الحر وقع في مقابل كذا من الثمن ( والخمر والخنزير يقومان بقيمتها ) الكائنة تلك القيمة ( عند من يراهما مالا ) .

( و ) ان قلت : لا يعتمد على قول شاربي الخمر وآكلي لحم الخنزير .

قلت : ( يعرف تلك القيمة بشهادة عدلين مطلعين على ذلك ) وان قيمة الخمر كذا ، وقيمة الخنزير كذا ( لكونهما ) اى العدلين ( مسبوقين بالكفر ، أو مجاورين للكفار ) أو من سائر طرق الاطلاع .

( ويشكل ) اطلاق القول بهذا النحو من التقويم ، فان هذا النحو من التقويم انما يصح ، إذا باع واشترى بعنوان الخمر والخنزير .

اما ( تقويم الخمر والخنزير بقيمتهما إذا باع الخنزير بعنوان انه شاة ، والخمر بعنوان انها خل ) فهو غير صحيح ( ف ) انه إذا ( بان

ص: 146

الخلاف بل جزم بعض هنا بوجوب تقويمهما قيمة الخل والشاة .

_________________________

الخلاف ) كان اللازم نوع آخر من التقويم ( بل جزم بعض هنا بوجوب تقويمهما قيمة الخل والشاة ) كالحر الّذي يقوم بقيمة الحر إذا باعه بعنوان انه حرّ ، فإنه لا يقوم بقيمة العبد ، لاختلاف الرغبات والقيم بين الحر والعبد ، كما أن اللازم تقويم غير المملوك بالعنوان الّذي بيع بذلك العنوان .

كما لو باع الخمر بعنوان انه عصير الليمون مثلا ، وهكذا ، وقول الشيخ ره وغيره بملاحظة قيمة الخل من باب المثال ، كما لا يخفى .

ص: 147

مسألة يجوز للأب والجد ان يتصرفا في مال الطفل بالبيع والشراء .

ويدل عليه - قبل الاجماع - الأخبار المستفيضة المصرحة في موارد كثيرة .

وفحوى سلطنتهما على بضع البنت في باب النكاح .

والمشهور عدم اعتبار العدالة للأصل .

_________________________

( مسئلة ) في أولياء العقد وهم الأب والجد ، والحاكم ومن كان من قبلهم ، كما هو المشهور دون سواهم ( يجوز للأب والجدان يتصرفا في مال الطفل ) ذكرا كان ، أو أنثى ( بالبيع والشراء ) وسائر المعاملات .

( ويدل عليه - قبل الاجماع - الأخبار المستفيضة المصرحة ) بالجواز ( في موارد كثيرة ) مما ذكرها الوسائل ، والجواهر ، وغيرهما ، فراجع .

( وفحوى سلطنتهما ) اى الأب والجد ( على بضع البنت في باب النكاح ) فإذا كان للأب والجد الولاية في نكاح البنت ، كانت لهما الولاية في أموال البنت وأموال الولد بطريق أولى ، لان البضع أهم ، عقلا وعرفا وشرعا من المال ، وليس هذا قياسا ، بل أولوية ومناطا .

( والمشهور ) بين الفقهاء ( عدم اعتبار العدالة ) فيهما لصحة تصرفهما ( للأصل ) فانا نعلم : ان الشارع اعطى الولاية للأب والجد ولا نعلم هل انه قيدها بالعدالة ، أم لا ؟ الأصل العدم .

ص: 148

والاطلاقات .

وفحوى الاجماع المحكى عن التذكرة على ولاية الفاسق في التزويج خلافا للمحكى عن الوسيلة والايضاح ، فاعتبراها فيهما ، مستدلا - في الأخير - بأنها ولاية على من لا يدفع عن نفسه ، ولا يصرف عن ماله ، ويستحيل من حكمة الصانع ان يجعل الفاسق أمينا يقبل اقراراته واخباراته عن غيره ، مع نص القرآن على خلافه ، انتهى .

ولعله أراد بنص القرآن : آية الركون إلى الظالم ، التي أشار إليها في جامع المقاصد

_________________________

( و ) ل ( الاطلاقات ) الواردة في ولايتهما بدون تقييد بالعدالة .

( وفحوى الاجماع المحكى عن التذكرة على ولاية ) الأب والجد ( الفاسق في التزويج ) فإذا ثبت ولاية الفاسق في الأهم الّذي هو التزويج ثبت في غير الأهم الّذي هو البيع ( خلافا للمحكى عن الوسيلة والايضاح فاعتبراها ) اى العدالة ( فيهما ) اى في الأب والجد ( مستدلا ) لاعتبار العدالة ( - في الأخير - ) اى الايضاح ( بأنها ولاية على من لا يدفع عن نفسه ) اذى ( ولا يصرف عن ماله ) ضررا ( ويستحيل من حكمة الصانع ان يجعل الفاسق أمينا يقبل اقراراته ) عن غيره ، فيقر على مال الطفل إذا ادعاه مدع ( واخباراته عن غيره ) فيخبر بان المال ليس للطفل ، أو ما أشبه ( مع نص القرآن على خلافه ، انتهى ) فقد قال سبحانه : ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا .

( ولعله أراد بنص القرآن : آية الركون إلى الظالم ، التي أشار إليها في جامع المقاصد ) وهي قوله تعالى : وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ،

ص: 149

وفي دلالة الآية نظر .

وأضعف منها ما ذكره في الايضاح من الاستحالة ، إذ المحذور يندفع - كما في جامع المقاصد - بان الحاكم متى ظهر عنده بقرائن الأحوال اختلاف حال أبو الطفل عزله ، ومنعه ، من التصرف في ماله ، واثبات اليد عليه ، وان لم يظهر خلافه ، فولايته ثابتة ، وان لم يعلم استعلم

_________________________

فكيف يركن إلى الفاسق الّذي هو ظالم في أمور الطفل ؟

( وفي دلالة الآية نظر ) إذ : لعل ظاهر الركون ، تولى الظالم جميع الأمور ، كجعله حاكما ، وما أشبه ، لا مثل ايكال مال الطفل إليه أو من جهة ان صدق الظالم على كل فاسق خلاف المنصرف من الظالم .

( وأضعف منها ) اى من دلالة الآية ، الدليل العقلي المتقدم ، اى ( ما ذكره في الايضاح من الاستحالة ) التي سبق بيانها ( إذ المحذور ) الّذي ذكره الايضاح ( يندفع - كما في جامع المقاصد - بان الحاكم متى ظهر عنده بقرائن الأحوال اختلاف حال أبو الطفل ) أو جده ، اختلافا يدل على عدم كفاءته وعدم عمله بما هو المكلف به في أموال الطفل ( عزله ) عن الولاية ( ومنعه ، من التصرف في ماله ) اى مال الطفل ( و ) منعه عن ( اثبات اليد عليه ) اى على مال الطفل ، أو المراد أثبت الحاكم اليد على ماله ، بدلا عن الأب والجد ( وان لم يظهر خلافه ) اى خلاف حال الأب في تصرفاته ( فولايته ) اى الأب ( ثابتة ، وان لم يعلم ) الحاكم الامرين الاختلاف وعدم الاختلاف ( استعلم ) الحاكم

ص: 150

حاله بالاجتهاد وتتبع سلوكه ، وشواهد أحواله ، انتهى .

وهل يشترط في تصرفه المصلحة ؟ أو يكفى عدم المفسدة أم لا يعتبر شيء وجوه .

يشهد للأخير اطلاق ما دل على أن مال الولد للوالد ، كما في رواية سعد بن يسار ، وانه وماله لأبيه ، كما في النبوي المشهور ، وصحيحة ابن مسلم

_________________________

( حاله ) اى الأب ( بالاجتهاد ) في امره ( وتتبع سلوكه ، و ) تتبع ( شواهد أحواله ، انتهى ) كلام جامع المقاصد .

( وهل يشترط في تصرفه ) اى الأب والجد ( المصلحة ) كأن يبيع ما رأس ماله دينار ، بدينار ونصف ( أو يكفى عدم المفسدة ) كأن يبيعه بدينار ( أم لا يعتبر شيء ) كأن يبيعه بنصف دينار ، بمعنى ان تصرفه نافذ ، ولو كان مفسدة كتصرف الانسان في مال نفسه ، فإنه يصح ان يبيع الانسان ما يسوى دينارا ، بنصف دينار ، إذا لم يكن سفيها ( وجوه ) ثلاثة .

( يشهد للأخير ) اى عدم اعتبار المصلحة ، ولا عدم المفسدة ( اطلاق ما دل على أن مال الولد للوالد ، كما في رواية سعد بن يسار ) قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : أيحج الرجل من مال ابنه وهو صغير ؟ قال : نعم ، قلت : يحج حجة الاسلام وينفق منه ؟ قال :

نعم بالمعروف ، ثم قال عليه السلام : نعم يحج منه وينفق منه ، ان مال الولد للوالد ( وانه وماله لأبيه ، كما في النبوي المشهور ) الآتي ( وصحيحة ابن مسلم :

ص: 151

ان الوالد يأخذ من مال ولده ما شاء ، وما في العلل عن محمد بن سنان عن الرضا عليه السلام من : ان علة تحليل مال الولد لوالده ان الولد موهوب للوالد ، في قوله تعالى : يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ .

ويؤيده اخبار جواز تقويم جارية الا بن علي نفسه ، لكن الظاهر منها

_________________________

ان الوالد يأخذ من مال ولده ما شاء ، وما في العلل عن محمد بن سنان ، عن الرضا عليه السلام من : ان علة تحليل مال الولد لوالده ) اى تحليل الشرع ( ان الولد موهوب للوالد ) .

ومن المعلوم : ان ما كان متعلقا بالمال : الموهوب ، فهو مال للموهوب له ( في قوله تعالى : يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ ) .

( ويؤيده ) اى كون الولد للوالد ، أو المراد يؤيد انه لا يعتبر شيء في تصرف الوالد في مال الولد ( اخبار جواز تقويم جارية الا بن علي نفسه ) اى يقدر قيمتها ثم يقبلها بمقابل القيمة التي يجعلها الوالد على نفسه ، ثم يطأها .

وجه التأييد ان هذه الأخبار وان لم تدل على أن جارية الولد للأب ، كما كان مقتض الخلاف الأخبار المتقدمة ، لكنها تدل على أن للأب ان يتصرف في مال الولد مطلقا ، لاطلاق هذه الروايات حتى في صورة ان التقويم لم يكن صلاحا للولد ( لكن الظاهر منها ) اى من اخبار التقويم

ص: 152

تقييدها بصورة حاجة الأب ، كما يشهد له قوله عليه السلام في رواية الحسين بن أبي العلاء : قال : قلت : لأبي عبد اللّه عليه السلام ما يحل للرجل من مال ولده ؟ قال قوته بغير سرف إذا اضطر إليه ، قال : فقلت :

له قول رسول اللّه ( ص ) للرجل الّذي اتاه ، فقدم أباه ، فقال له : أنت ومالك لأبيك ، فقال انما جاء بابيه إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم فقال : يا رسول اللّه ( ص ) هذا أبى ظلمني ميراثي من أمي ، فأخبره الأب انه قد انفقه عليه وعلى نفسه ، فقال النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنت ومالك لأبيك ، ولم يكن عند الرجل

_________________________

( تقييدها بصورة حاجة الأب ) فلا اطلاق لها حيث تدل على أن كل تصرف من الأب نافذ ( كما يشهد له ) اى للتقييد ( قوله عليه السلام في رواية الحسين بن أبي العلاء : قال : قلت : لأبي عبد اللّه عليه السلام ما يحل للرجل من مال ولده ؟ قال ) عليه السلام ( قوته بغير سرف إذا اضطر إليه ) بان لم يكن للأب مورد رزق آخر ( قال : فقلت : له قول رسول اللّه ( ص ) للرجل الّذي اتاه ، فقدم أباه ) شاكيا عليه ( فقال ) النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ( له : أنت ومالك لأبيك ) اى كيف يلائم قولك مع قول الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ؟ ( فقال ) عليه السلام ( انما جاء ) الولد ( بابيه إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، فقال : يا رسول اللّه ( ص ) هذا أبى ظلمني ميراثي من أمي ، فأخبره الأب انه قد انفقه ) اى الميراث ( عليه ) اى على الولد ( وعلى نفسه ، فقال النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : أنت ومالك لأبيك ، ولم يكن عند الرجل ) الأب شيء يصرف

ص: 153

أو كان رسول اللّه ( ص ) يحبس الأب للابن ،

ونحوها صحيحة أبى حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : أنت ومالك لأبيك ، ثم قال :

لا نحب ان يأخذ من مال ابنه الا ما يحتاج إليه مما لا بد منه ، ان اللّه لا يحب

_________________________

على نفسه ، أو يؤدى مقابل مال الولد ( أو كان رسول اللّه ( ص ) يحبس الأب للابن ) فكما ان الأب لا يقتل بالابن ، كذلك لا يحبس الأب في باب الابن ، وكان الإمام عليه السلام ذكر امرين .

الأول - جواز انفاق الأب من مال الابن .

الثاني - انه لو فرض تعدى الأب لم يكن يحبس ولذا فلا يجد الابن سبيلا إلى الأب المعسر الّذي صرف ماله ، لأنه لا مال له ليأخذه ، ولا يحبس في مقابل دين الابن .

ومع ذلك فالحديث يحتاج إلى التأمل ، لان الاستدلال بالآية :

يدل على أنه لا حق للولد ، والعلة تدل على وجود حق للابن .

اللهم الا ان تجعل الآية علة لعدم الحبس فيبقى على الحديث ان المعسر لا يحبس مطلقا ، حتى إذا كان غير أب ، لان لي الواجد يحل حبسه .

( ونحوها صحيحة ) ابن ( أبى حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : أنت ومالك لأبيك ، ثم قال : لا نحب ان يأخذ من مال ابنه الا ما يحتاج إليه مما لا بد منه ) في نفقاته ( ان اللّه لا يحب

ص: 154

الفساد ، فان الاستشهاد بالآية يدل على إرادة الحرمة ، من عدم الحب دون الكراهة .

وانه لا يجوز له التصرف بما فيه مفسدة للطفل .

هذا كله ، مضافا إلى عموم قوله تعالى : وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، فان اطلاقه يشمل الجد ويتم في الأب ، بعدم الفصل .

ومضافا : إلى ظهور الاجماع على اعتبار عدم المفسدة ، بل في مفتاح الكرامة استظهر الاجماع - تبعا لشيخه في شرح القواعد - على الفساد ، فان الاستشهاد بالآية يدل على إرادة الحرمة ، من عدم الحب دون الكراهة ) المصطلحة ، إذ : ظاهر الآية الفساد المحرم .

( وانه لا يجوز له التصرف ) عطف على : إرادة ، ( بما فيه مفسدة ل ) مال ( الطفل ) خلافا لمن قال : بصحة جميع تصرفات الأب كيف كان

( هذا كله ، مضافا إلى عموم قوله تعالى : وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) اى بالكيفية التي هي أحسن الكيفيات ( فان اطلاقه ) اى اطلاق النهى ( يشمل الجد ) فان الّذي له جد وليس له أب ، يتيم عرفا وشرعا ( ويتم في الأب ، بعدم الفصل ) فان حكم الأب والجد واحد بالاجماع .

( ومضافا : إلى ظهور الاجماع على اعتبار عدم المفسدة ) في التصرف في مال الطفل ( بل في مفتاح الكرامة استظهر الاجماع ) اى قال : الأظهر وجود الاجماع ( - تبعا لشيخه في شرح القواعد - ) اى كاشف الغطاء الكبير ( على

ص: 155

إناطة جواز تصرف الولي بالمصلحة ، وليس ببعيد ، فقد صرح به في محكى المبسوط ، حيث قال : ومن يلي امر الصغير ، والمجنون ، خمسة الأب ، والجد للأب ، ووصى الأب ، والجد ، والحاكم ، ومن يأمره .

ثم قال : وكل هؤلاء الخمسة ، لا يصح تصرفهم الا على وجه الاحتياط والحظ للصغير لأنهم انما نصبوا لذلك ، فإذا تصرف فيه على وجه لاحظ فيه كان باطلا ، لأنه خلاف ما نصب له ، انتهى .

وقال الحلى في السرائر : لا يجوز للولي التصرف

_________________________

إناطة جواز تصرف الولي بالمصلحة ، وليس ) الاجماع ( ببعيد ، فقد صرح به ) غير واحد من العلماء ، ف ( في محكى المبسوط ) نص على ذلك ( حيث قال : ومن يلي ) اى يتولى ( امر الصغير ، والمجنون ، خمسة الأب ، والجد للأب ) من ناحية الأب ، لا الجد أبو الام ( ووصى الأب و ) وصى ( الجد ، والحاكم ، ومن يأمره ) الحاكم الّذي هو بمنزلة الحاكم أيضا .

( ثم قال : وكل هؤلاء الخمسة ، لا يصح تصرفهم ) في مال الصغير والمجنون ( الا على وجه الاحتياط ) الاخذ بالحائطة ، وما فيه التحفظ على مالهما ( والحظ للصغير لأنهم انما نصبوا ) وعينوا من قبل الشرع ( لذلك ) اى الاحتياط على مالهما ( فإذا تصرف فيه ) اى في المال ( على وجه لاحظ فيه ) للصغير ولا فائدة ( كان ) التصرف ( باطلا ، لأنه خلاف ما نصب له ، انتهى ) كلام المبسوط .

( وقال الحلى ) ابن إدريس ( في السرائر : لا يجوز للولي التصرف

ص: 156

في مال الطفل ، الا بما يكون فيه صلاح المال ، ويعود نفعه إلى الطفل دون المتصرف فيه .

وهذا الّذي يقتضيه أصول المذهب ، انتهى .

وقد صرح بذلك أيضا المحقق ، والعلامة ، والشهيدان ، والمحقق الثاني ، وغيرهم ، بل في شرح الروضة للفاضل الهندي ان المتقدمين عمموا الحكم باعتبار المصلحة ، من غير استثناء ، واستظهر في مفتاح الكرامة من عبارة التذكرة في

_________________________

في مال الطفل ، الا بما يكون فيه صلاح المال ، ويعود نفعه إلى الطفل دون المتصرف فيه ) اى إذا كان النفع عائدا إلى المتصرف فيه لم يصح ، إذ : ليس المال لنفعه ، وانما لنفع الطفل .

( وهذا ) اى كون جواز التصرف انما يقيد بما فيه صلاح الطفل ، هو ( الّذي يقتضيه أصول المذهب ) كآية : لا تَقْرَبُوا ، وقاعدة : ان الولاية لأجل صلاح الطفل ، وما أشبه من سائر القواعد ( انتهى ) كلام السرائر .

( وقد صرح بذلك ) اى باشتراط الصلاح ( أيضا المحقق ، والعلامة والشهيدان ، والمحقق الثاني ، وغيرهم ، بل في شرح الروضة للفاضل الهندي ) صاحب كشف اللثام ( ان المتقدمين عمموا الحكم باعتبار المصلحة ) اى قالوا بان اعتبار المصلحة عام بالنسبة إلى الأب والجد وغيرهما ( من غير استثناء ) فلم يستثنوا الأب والجد ، بان لا يكون تصرفهما مشروطا بالمصلحة ( واستظهر في مفتاح الكرامة من عبارة التذكرة في

ص: 157

باب الحجر نفى الخلاف في ذلك بين المسلمين ، وقد حكي عن الشهيد في حواشي القواعد : ان قطب الدين قدس سره ، نقل عن العلامة رحمه اللّه ، انه لو باع الولي بدون ثمن المثل لم لا ينزل منزلة الاتلاف بالاقتراض ؟

لأنا قائلون : بجواز اقتراض ماله ، وهو يستلزم جواز اتلافه ، قال : وتوقف زاعما انه لا يقدر على مخالفة الأصحاب .

هذا ولكن الأقوى ، كفاية عدم المفسدة وفاقا لغير واحد من الأساطين الذين عاصرناهم ،

_________________________

باب الحجر نفى الخلاف في ذلك ) اى قال : ظاهر التذكرة عدم الخلاف في اعتبار الصلاح للطفل ( بين المسلمين وقد حكى عن الشهيد في حواشي القواعد : ان قطب الدين قدس سره ، نقل عن العلامة رحمه اللّه ، انه لو باع الولي بدون ثمن المثل ) جاز .

لأنه ( لم لا ينزل منزلة الاتلاف ) لمال الصغير ( بالاقتراض ؟ ) فإذا جاز الاقتراض جاز البيع بأقل من ثمن المثل .

( لأنا قائلون : بجواز اقتراض ) الولي ( ماله ، وهو ) اى جواز الاقتراض ( يستلزم جواز اتلافه ، قال ) قطب الدين ( وتوقف ) العلامة عن الفتوى بذلك ( زاعما انه لا يقدر على ) فتوى ( مخالفة الأصحاب ) القائلين بأنه لا يجوز .

( هذا ولكن الأقوى ، كفاية عدم المفسدة ) ولا يحتاج إلى وجود المصلحة ( وفاقا لغير واحد من الأساطين الذين عاصرناهم ) .

ص: 158

لمنع دلالة الروايات على أكثر من النهى عن الفساد ، فلا تنهض لدفع دلالة المطلقات المتقدمة ، الظاهرة في سلطنة الوالد على الولد ، وماله .

واما الآية الشريفة - فلو سلّم دلالتها - فهي مخصصة بما دل على ولاية الجد ، وسلطنته الظاهرة في ان له ان يتصرف في مال طفله ، بما ليس فيه مفسدة له .

_________________________

وذلك ( لمنع دلالة الروايات ) على كثرتها ( على أكثر من النهى عن الفساد ، فلا تنهض ) تلك الروايات ( لدفع دلالة المطلقات ) المجوزة ( المتقدمة ، الظاهرة في سلطنة الوالد على الولد ، و ) على ( ماله ) الشاملة لصور الصلاح والفساد ، وما لا فساد فيه ، فإذا خرجت صورة الفساد ، بقي الباقي تحت العموم .

( واما الآية الشريفة ) وهي قوله تعالى : وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، الظاهرة في وجوب الصلاح ، وعدم كفاية ان لا يكون مفسدة ( - فلو سلّم دلالتها - فهي مخصصة بما دل على ولاية الجد ، وسلطنته الظاهرة ) تلك الولاية ( في ان له ) اى للجد ( ان يتصرف في مال طفله ، بما ليس فيه ) اى في ذلك التصرف ( مفسدة له ) اى للطفل .

والحاصل : ان الآية تقول : يجب ان يكون التصرف في مال الطفل صلاحا ، الا إذا كان المتصرف الجد ، فان له ان يتصرف بما ليس فيه مفسدة .

وهذا التخصيص انما استفيد من اطلاق ما دل على ولاية الجد اطلاقا ، هو أقوى من الآية ، لا ان الآية أقوى ، حتى تكون حاكمة على

ص: 159

فان ما دل على ولاية الجد في النكاح ، معللا بان البنت وأباها للجد ، وأباها ، قوله ( ص ) : أنت ومالك لأبيك ، خصوصا مع استشهاد الإمام ( ع ) به في مضى نكاح الجد ، بدون اذن الأب ، ردا على من انكر ذلك وحكم ببطلان ذلك من العامة في مجلس بعض الامراء .

_________________________

الاطلاق ( فان ما دل على ولاية الجد في النكاح ، معللا بان البنت وأباها للجد ، وأباها ، قوله ( ص ) : أنت ومالك لأبيك ) في الحديث المتقدم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ( خصوصا مع استشهاد الإمام ( ع ) به ) اى بقول الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ( في مضى نكاح الجد ، بدون اذن الأب ، ردا على من انكر ذلك ) اى ان يكون نكاح الجد نافذا ( وحكم ببطلان ذلك ) النكاح من الجد ( من العامة في مجلس بعض الامراء ) .

اما الرواية الأولى : فهي خبر علي بن جعفر عن أخيه ، قال :

سألته عن رجل اتاه رجلان يخطبان ، فهوى جد البنت ان يزوج رجلا وهوى أبوها الآخر ، أيهما أحق ان ينكح ؟ قال : الّذي هوى الجد أحق بالجارية ، لأنها وأباها للجد .

واما الرواية الثانية : فهو خبر عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، أنه قال : انى لذات يوم عند زياد بن عبد اللّه ، إذ جاء رجل يستعدى على أبيه ، فقال : اصلح اللّه الأمير ، ان أبى زوج ابنتي بغير اذني ، فقال لجلسائه : ما تقولون فيما يقول هذا الرجل ؟ فقالوا نكاحه باطل ، قال عليه السلام : ثم اقبل عليّ ، فقال : ما تقول يا أبا عبد

ص: 160

وغير ذلك يدل على ذلك .

مع أنه لو سلمنا عدم التخصيص وجب الاقتصار عليه في حكم الجد ، دون الأب .

ودعوى : عدم القول بالفصل ممنوعة .

_________________________

اللّه ، فلما سألني أقبلت على الذين أجابوه ، فقلت لهم أليس فيما تروون أنتم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم ان رجلا جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا ؟ فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :

أنت ومالك لأبيك ، قالوا : بلى ، فقلت لهم : كيف يكون هو وماله لأبيه ولا يجوز نكاحه ؟ قال عليه السلام ، فاخذ بقولهم وترك قولي ( وغير ذلك يدل على ذلك ) الّذي ذكرنا من كفاية عدم المفسدة .

ثم : إذا كان تصرف الجد غير مشروط بالصلاح ، بل يكفى عدم المفسدة ، كان تصرف الأب كذلك ، اما بالمناط ، أو بطريق أولى .

( مع أنه لو سلمنا عدم التخصيص ) للجد في آية : و ، لا تقربوا ( وجب الاقتصار عليه ) اى على وجوب ان يكون التصرف مصلحة ( في حكم الجد ، دون الأب ) لان من له الأب ، لا يصدق عليه انه يتيم ، فلا تشمله الآية .

( ودعوى : عدم القول بالفصل ) بين الجد والأب ، وانه كما لا يجوز ان يتصرف الجد في مال الطفل الا حسب المصلحة ، كذلك لا يجوز للأب التصرف الا حسب المصلحة - ولا يكفى عدم المفسدة - ( ممنوعة ) إذ : لا اطمينان بوجود اجماع على ذلك .

ص: 161

فقد حكى عن بعض متأخري المتأخرين ، القول بالفصل بينهما في الاقتراض مع عدم اليسر .

ثم : لا خلاف ظاهرا - كما ادعى - في ان الجد ، وان علا يشارك الأب في الحكم ، ويدل عليه ما دل على أن الشخص وماله - الّذي منه مال ابنه - لأبيه ، وما دل على أن الولد ، ووالده لجده .

ولو فقد الأب وبقي الجد فهل أبوه وجده يقوم مقامه في المشاركة أو يخص

_________________________

( فقد حكى عن بعض متأخري المتأخرين ، القول بالفصل بينهما في الاقتراض مع عدم اليسر ) اى يجوز للأب ان يقترض من مال الطفل ، وان لم يكن الأب ذا يسار .

( ثم : لا خلاف ظاهرا - كما ادعى - ) عدم الخلاف ( في ان الجد وان علا يشارك الأب في الحكم ) في التصرف في مال الطفل ( ويدل عليه ما دل على أن الشخص وماله - الّذي منه مال ابنه - لأبيه ، وما دل على أن الولد ، ووالده لجده ) « على » متعلق ب : يدل ، و : لأبيه خبر : ان ، و : الّذي ، صفة : ماله .

والحاصل : ان قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : أنت ومالك لأبيك يدل على أن : الولد وماله لوالده ، ومن جملة أموال الولد : ولده وأموال ولده ، وهكذا ، فالكل للجد .

( ولو فقد الأب وبقي الجد ) وأبو الجد ( فهل أبوه ) اى أب الأب ( وجده ) اى جد الأب ( يقوم مقامه ) اى مقام الأب والجد ( في المشاركة ) في الولاية ( أو يخص

ص: 162

هو بالولاية ، قولان ، من : ظاهران الولد ووالده لجده وهو المحكى عن ظاهر جماعة .

ومن : ان مقتضى قوله تعالى : - وأولو الارحام بعضهم أولى ببعض كون القريب أولى بقريبه من البعيد ، فنفى ولاية البعيد ، وخرج منه الجد مع الأب ، وبقي الباقي .

وليس المراد من لفظ الأولى التفضيل مع الاشتراك في المبدأ .

_________________________

هو ) اى أب الأب ، لا جدّ الأب ( بالولاية ) مثلا : الطفل ، وأبوه احمد ، وأب الأب عبد اللّه ، وجد الأب هاشم ، لو مات الأب ، وبقي عبد اللّه ، وهاشم ، فهل هما شريكان ؟ أو يقوم عبد اللّه ؟ ( قولان ، من : ظاهر ان الولد ووالده لجده ) يكون مقتضى القاعدة التشريك في التصرف في مال الطفل ، فعبد اللّه ، وهاشم شريكان ( و ) هذا ( هو المحكى عن ظاهر جماعة ) .

( ومن : ان مقتضى قوله تعالى : وأولو الارحام بعضهم أولى ببعض كون القريب ) كعبد اللّه ( أولى بقريبه ) الطفل ( من البعيد ) كهاشم ( فنفى ) اى قوله تعالى ( ولاية البعيد ) مع وجود القريب مطلقا ( وخرج منه ) اى من هذا النفي المطلق ( الجد مع الأب ) حيث ثبت بالدليل ان الجد البعيد ، أولى من الأب القريب ( وبقي الباقي ) كان الجد ، مع الجد ، حيث إن مقتضى الآية كون الجد أولى من أبيه .

( وليس المراد من لفظ الأولى ) في قوله تعالى : وأولو الارحام بعضهم أولى ( التفضيل ) للقريب ( مع الاشتراك في المبدأ ) اى أصل الولاية ، كأن يكون العم وابن العم - مثلا - كلاهما يرثان ، ويتوليان

ص: 163

بل هو نظير قولك : هو أحق بالامر من فلان ، ونحوه .

وهذا محكى عن جامع المقاصد ، والمسالك ، والكفاية ، وللمسألة مواضع اخر تأتى إن شاء اللّه .

_________________________

شؤون الميت - مثلا - مع أن العم أفضل ، مثل أفضلية إمامة العالم على إمامة العامي .

( بل هو ) اى أولى في الآية الكريمة ( نظير قولك : هو أحق بالامر من فلان ، ونحوه ) مما يراد به وجود الاستحقاق في هذا دون فلان .

( وهذا ) القول اى كون القريب أولى ، المقتضى لأولوية الجد من أب الجد ( محكى عن جامع المقاصد ، والمسالك ، والكفاية ، وللمسألة ) اى مسئلة أولوية الجد أو أب الجد ( مواضع آخر ) ككتاب النكاح في باب أولياء العقد ، وكتاب الحجر في ان مال الطفل بيد الأب والجد ( تأتى إن شاء اللّه ) .

وكان المصنف عزم على اتمام الفقه ، لكن التقدير لم يساعد ذلك .

ص: 164

مسئلة [ في ولاية الفقيه ]

من جملة أولياء التصرف في مال من لا يستقل بالتصرف في ماله الحاكم والمراد منه الفقيه الجامع لشرائط الفتوى وقد رأينا هنا ذكر مناصب الفقيه امتثالا لامر أكثر حضار مجلس المذاكرة .

فنقول مستعينا باللّه :

للفقيه الجامع للشرائط ، مناصب ثلاثة .

أحدها : الافتاء فيما يحتاج إليها العامي

_________________________

( مسئلة من جملة أولياء التصرف في مال من لا يستقل بالتصرف في ماله ) كالطفل ، والمجنون والسفيه ، والمغمى عليه ( الحاكم ) الشرعي ( والمراد منه ) اى من الحاكم ( الفقيه الجامع لشرائط الفتوى ) وقد ذكروا في شرطه البلوغ والعقل والذكورة والحرية والعدالة والأعلمية - في الجملة - وطهارة المولد والحياة ( وقد رأينا هنا ذكر ) مفعول : رأينا ، اى : ان نذكر ، ( مناصب الفقيه امتثالا لامر أكثر حضار مجلس المذاكرة ) .

مع أن موضع ذلك كتاب القضاء ، أو كتاب التقليد ، كما ذكره بعض المتأخرين .

( فنقول مستعينا باللّه : للفقيه الجامع للشرائط ، مناصب ثلاثة ) أو أكثر ، كما ذكرناها في شرح العروة الوثقى كتاب التقليد ، فراجع .

( أحدها : الافتاء فيما يحتاج إليها ) الضمير راجع إلى : مما ، ومصداقه : المسائل ، ( العامي ) الّذي لم يبلغ درجة الاجتهاد ، وان

ص: 165

في عمله .

ومورده المسائل الفرعية ، والموضوعات الاستنباطية ، من حيث ترتب حكم فرعى عليها .

ولا اشكال ولا خلاف في ثبوت هذا المنصب للفقيه ، الا ممن لا يرى

_________________________

كان من أفاضل طلاب العلوم الدينية ( في عمله ) اما المسائل الاعتقادية فليس تقريرها من شأن الفقيه - بالمعنى المصطلح - .

إذ : لو قلنا بأنها يجب الاجتهاد فيها فواضح .

وان قلنا بجواز التقليد ، فالمرجع فيها هم المتكلمون .

( ومورده ) اى الانشاء ( المسائل الفرعية ) مقابل الأصولية ، المراد بها أصول الاعتقاد ( والموضوعات الاستنباطية ) التي تحتاج إلى الاستنباط في فهم المراد منه كالوطن ، والآنية ، والغناء ، وما أشبه ( من حيث ترتب حكم فرعى عليها ) اى على تلك الموضوعات الاستنباطية .

مثل : ان الموضع الّذي يتم الانسان صلاته فيه ، هل المحل الّذي ولد فيه ، أو الّذي قصد البقاء فيه أو ما أشبه ؟ .

ومثل : ان الظرف المحرم كونه من الذهب والفضة ، هو شامل لمثل رأس الغرشة ووعاء الساعة أم لا ؟ .

ومثل ان الغناء الصوت المطرب مطلقا ، أو الّذي فيه الترجيع ، وهكذا .

( ولا اشكال ولا خلاف في ثبوت هذا المنصب للفقيه ، الا ممن لا يرى

ص: 166

جواز التقليد للعامي .

وتفصيل الكلام في هذا المقام موكول إلى مباحث الاجتهاد والتقليد .

الثاني الحكومة ،

فله الحكم بما يراه حقا في المرافعات ، وغيرها في الجملة ، وهذا المنصب أيضا ثابت له بلا خلاف ، فتوى ونصا ، وتفصيل الكلام فيه من حيث شرائط الحاكم والمحكوم به ، والمحكوم عليه موكول إلى كتاب القضاء .

_________________________

جواز التقليد للعامي ) كبعض الأخباريين .

( وتفصيل الكلام في هذا المقام موكول إلى مباحث الاجتهاد والتقليد )

وقد ذكرنا طرفا من ذلك في شرح العروة وشرح الكفاية فراجع .

( الثاني ) من مناصب الفقيه ( الحكومة ) اى الفصل بين المترافعين ( فله ) اى الفقيه ( الحكم بما يراه حقا في المرافعات ، وغيرها ) ككون هذا وقف ، وهذا ملك ، وهذا الزيد لا لعمرو - لا في باب الترافع - وكالحجر للفلس ، ورؤية الهلال لتعيين اوّل الشهر ( في الجملة ) متعلق ب : غيرها اى غيرها مطلقا داخل في الثالث ( وهذا المنصب أيضا ثابت له بلا خلاف فتوى ونصا ، وتفصيل الكلام فيه من حيث شرائط الحاكم والمحكوم به ) اى الحكم الّذي يصدره ، مثل ان يكون عن بينة ، أو يجوز الحكم عن علم الحاكم - مثلا - ( والمحكوم عليه ) من الناس ، اى اىّ شخص ينفذ حكم الحاكم عليه ، هل ينفذ على مجتهد آخر ، أو على من يعلم خطأ الحاكم ( موكول إلى كتاب القضاء ) وفي كتاب قضاء المستند ، والجواهر والآشتيانى بلغة للفقيه .

ص: 167

الثالث : ولاية التصرف في الأموال والأنفس ،

وهو المقصود بالتفصيل هنا .

فنقول : الولاية تتصور على وجهين .

الأول : استقلال الولي بالتصرف ، مع قطع النظر عن كون تصرف غيره منوطا باذنه ، أو غير منوط به .

ومرجع هذا إلى كون نظره سببا في جواز تصرفه .

_________________________

( الثالث ) من مناصب الفقيه ( ولاية التصرف في الأموال والأنفس ، وهو المقصود بالتفصيل هنا ) .

والمراد من هذا : ليس ما هو معلوم العدم ، كصحة بيع الامام الأحرار ، وتحريره عبيد الناس ، وما أشبه ، كما هو ثابت للإمام عليه السلام ، إذ : من المقطوع عدمه بالنسبة إلى الحاكم الشرعي ، بل المرتبة الأدون من هذا .

( فنقول : الولاية تتصور على وجهين ) .

( الأول : استقلال الولي بالتصرف ) في الأموال والأنفس ، كان يتصرف في أموال القصر ، وان يتصرف في أنفسهم بنكاحهم - مثلا - ( مع قطع النظر عن كون تصرف غيره منوطا باذنه ، أو غير منوط به ) اى باذنه .

فالكلام هنا في انه هل للفقيه ان يتصرف أو ليس له ان يتصرف ؟

( ومرجع هذا ) الامر ( إلى ) انه هل ( كون نظره ) اى الفقيه ( سببا في جواز تصرفه ) اى ان إرادة الفقيه علة تامة لجواز التصرف ، فان أراد

ص: 168

الثاني : عدم استقلال غيره بالتصرف ، وكون تصرف الغير منوطا باذنه ، وان لم يكن هو مستقلا بالتصرف .

ومرجع هذا إلى كون نظره شرطا في جواز تصرف غيره ، وبين موارد الوجهين ، عموم من وجه .

_________________________

جاز التصرف - وان لم يرد لم يكن موضوع جواز التصرف - .

( الثاني : عدم استقلال غيره بالتصرف ، وكون تصرف الغير ) كما لو أراد ان يتصرف أحد عدول المسلمين في مال الطفل استصلاحا ( منوطا باذنه ) حتى إذا تصرف العدل في مال الطفل كان تصرفه باطلا ، لأنه لم يستأذن الحاكم الشرعي ( وان لم يكن هو ) اى الفقيه ( مستقلا بالتصرف ) حيث إنه لا يجوز التصرف له مستقلا ، وانما يجوز له التصرف منضما إلى الغير .

( ومرجع هذا إلى كون نظره شرطا في جواز تصرف غيره ، وبين موارد الوجهين ) الأول ، والثاني ( عموم من وجه ) .

فمادة الاجتماع التصرف في مجهول المالك ، فان الحاكم يستقل فيه ، وغير الحاكم يحتاج إلى اذن الحاكم .

ومادة وجود الأول دون الثاني كما في التصرف في الزكوات ، فان كل واحد من الحاكم والمالك مستقل في التصرف .

ومادة وجود الثاني دون الأول اى اعتبار اذن الحاكم في تصرف الغير مع عدم استقلال الحاكم في التصرف التقاص ، فان الانسان الّذي له الحق لا يجوز له التقاص الا بإذن الحاكم ، ولا يحق للحاكم ان يتصرف

ص: 169

ثم اذنه المعتبر في تصرف الغير ، اما ان يكون على وجه الاستنابة كوكيل الحاكم .

واما ان يكون على وجه التفويض والتولية ، كمتولى الأوقاف من قبل الحاكم .

واما ان يكون على وجه الرضا كإذن الحاكم لغيره في الصلاة على ميت لا ولي له .

إذا عرفت هذا ، فنقول : مقتضى الأصل عدم ثبوت الولاية لاحد بشيء من

_________________________

بدون اذن ذي الحق .

( ثم اذنه ) اى الحاكم ( المعتبر في تصرف الغير ، اما ان يكون على وجه الاستنابة ) بان يأخذ الحاكم نائبا لان يعمل النائب العمل ( كوكيل الحاكم ) الّذي هو نائب عن الحاكم في التصرف .

( واما ان يكون على وجه التفويض والتولية ) وهذا منصب ، قالوا إن الفرق بينه وبين الأول ان الوكيل ينعزل بموت الحاكم ، بخلاف هذا ( كمتولى الأوقاف من قبل الحاكم ) فإنه متولى ومفوض إليه الأمر .

( واما ان يكون على وجه الرضا ) بدون نيابة أو تولية ( كإذن الحاكم لغيره في الصلاة على ميت لا ولي له ) .

وقد تكلمنا حول هذه الأمور في شرح العروة كتاب التقليد فراجع .

ويمكن ان يقال : بان محصل الفرق بين الثلاثة ، ان الثالث مرتبة ضعيفة من الاذن ، والوكالة مرتبة أقوى ، والتولية مرتبة أقوى .

( إذا عرفت هذا ، فنقول : مقتضى الأصل عدم ثبوت الولاية لاحد بشيء ممن

ص: 170

الأمور المذكورة ، خرجنا عن هذا الأصل في خصوص النبي والأئمة صلوات اللّه عليهم أجمعين بالأدلّة الأربعة .

قال اللّه تعالى : النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ .

وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ .

_________________________

الأمور المذكورة ) أوجه الولاية ، وذلك : لان كل تصرف في الغير - استقلالا أو انضماما - نفوذه يحتاج إلى دليل شرعي ، فإذا لم يكن دليل كان الأصل بقاء ما كان على حاله السابق ، بدون نفوذ التصرف المذكور ( خرجنا عن هذا الأصل في خصوص النبي ) صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ( والأئمة ) وفاطمة الزهراء ( صلوات اللّه عليهم أجمعين ، بالأدلّة الأربعة ) الكتاب ، والسنة ، والاجماع ، والعقل بالإضافة إلى أنه ضروري .

اما الكتاب ، فقد ( قال اللّه تعالى : النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فولاية الانسان على نفسه محكومة بولاية النبي ، مثلا : إذا أراد الانسان ان يسافر إلى بلد ، أو يشترى شيئا ، أو ينكح امرأة ، أو ما أشبه كانت له الولاية على ذلك ، فإذا قال النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :

لا تفعل ذلك ، كان اللازم عليه ان يترك ما يرغب ، ويأخذ بما قاله النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم .

( و ) قال تعالى : ( ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) فاختيار امرهم مسلوب إذا كان هناك امر من اللّه في القرآن الحكيم ، أو بالوحي ، أو كان هناك امر من

ص: 171

فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ، أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ .

و أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ .

إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، الآية

_________________________

الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم .

وقال تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ) اى امر اللّه تعالى .

ومن المعلوم بالعقل والنقل ان امر الرسول هو امر اللّه تعالى ، فإنه : ما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى ( أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ) توجب خلل دنياهم ( أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) في الآخرة أو الأعم .

وقال تعالى : ( و أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) والمراد بأولى الامر الأئمة الهداة بالاجماع .

وقال تعالى : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ ) اى الأولى بالتصرف فيكم من أنفسكم ( اللّه ورسوله ، الآية ) اى إلى آخرها ، وهي : وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ، نزلت في علي أمير المؤمنين عليه السلام .

ولا يخفى ان الاشكال على قول الشيعة كما صدر عن بعض العامة بان : انما ، ان كانت حاصرة دلت الآية على عدم الولاية لسائر الأئمة وان لم تكن حاصرة لم يكن في الآية دليل على عدم ولاية غير علي عليه السلام من سائر الخلفاء .

غير تام ، إذ : ولاية الأئمة عليهم السلام انما هي عين ولاية على ، فالولاية ثلاثة ، ولاية اللّه أولا ، وولاية الرسول ثانيا ، وولاية الامام

ص: 172

إلى غير ذلك .

وقال النبي ( ص ) - كما في رواية أيوب بن عطية - انا أولى بكل مؤمن من نفسه .

وقال في يوم غدير خم ، الست أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا بلى ، قال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه .

والاخبار في افتراض طاعتهم ، وكون معصيتهم كمعصية اللّه كثيرة يكفى في ذلك .

_________________________

ثالثا ( إلى غير ذلك ) كقوله تعالى : فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ ، وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً .

( و ) اما السنة ، فقد ( قال النبي ( ص ) - كما في رواية أيوب بن عطية - انا أولى بكل مؤمن من نفسه ) وإذا كانت الأولوية ثابتة بالنسبة إلى المؤمن ، فهي بالنسبة إلى الكافر أولى .

( وقال ) صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ( في يوم غدير خم ، الست أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا بلى ، قال : من كنت مولاه فهذا على مولاه ) والحديث متواتر فلا اشكال في سنده ، ولا في دلالته .

( والاخبار في افتراض طاعتهم ، وكون معصيتهم كمعصية اللّه كثيرة ) فإذا تولوا تصرفا ، كان اللازم اطاعتهم ، و ( يكفى في ذلك ) ترتيب الأثر على ذلك التولي .

ص: 173

منها : مقبولة عمر بن حنظلة .

ومشهورة أبى خديجة .

والتوقيع الآتي ، حيث علل فيها حكومة الفقيه ، وتسلطه على الناس باني قد جعلته كذلك ، وانه حجتي عليكم .

واما الاجماع فغير خفى .

_________________________

( منها : مقبولة عمر بن حنظلة ) وفيها : فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم اللّه استخف وعلينا قد رد ، والراد علينا كالراد على اللّه وهو على حد الشرك باللّه .

( ومشهورة أبى خديجة ) وفيها : ولكن انظروا إلى رجل منكم يعرف شيئا من قضايانا ، فاجعلوه بينكم ، فانى قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه .

وجه الدلالة : انه لو لم تجب طاعة الأئمة ، لم يكن وجه لوجوب الرجوع إلى القاضي الّذي يعرف شيئا من قضاياهم .

( والتوقيع الآتي ، حيث علّل فيها حكومة الفقيه ، وتسلطه على الناس باني قد جعلته كذلك ) حاكما ، ومسلطا ( وانه حجتي عليكم ) وانا حجة اللّه ، إذ : لولا وجوب الطاعة لم يكن وجه لتسلط الفقيه المستند إلى جعل الامام .

إلى غيرها من الروايات الكثيرة التي يجدها الطالب في كتاب القضاء من الوسائل والمستدرك .

( واما الاجماع ) على ولايتهم ( فغير خفى ) كما يظهر لمن راجع

ص: 174

واما العقل القطعي ، فالمستقل منه حكمه بوجوب شكر المنعم بعد معرفة انهم أولياء النعم ، وغير المستقل حكمه بان الأبوة إذا اقتضت وجوب طاعة الأب على الابن في الجملة ، كانت الإمامة مقتضية لوجوب طاعة الامام على الرعية بطريق أولى ، لان الحق هنا أعظم بمراتب فتأمل .

_________________________

كتب العقائد ، وكتب الاخبار كالبحار .

( واما العقل القطعي ، فالمستقل منه ) الّذي لا يتوقف على مقدمة أخرى ( حكمه بوجوب شكر المنعم بعد معرفة انهم ) عليهم السلام ( أولياء النعم ) .

ومن الشكر الطاعة .

اما انهم أولياء النعم فيكفي فيه قوله تعالى : ولو أنهم رضوا ما آتاهم اللّه ورسوله .

والحديث القدسي : لولاك لما خلقت الأفلاك ، وقول علي عليه السلام : والناس بعد صنائع لنا ( وغير المستقل حكمه ) اى العقل ( بان الأبوة ) الجسدية ( إذا اقتضت وجوب طاعة الأب على الابن في الجملة ) إذ : ليست كل طاعة واجبة - كما قرر في باب إطاعة الأبوين - ( كانت الإمامة مقتضية لوجوب طاعة الامام على الرعية بطريق أولى ، لان الحق هنا ) في باب الإمامة ( أعظم بمراتب ) من حق الأب ( فتأمل ) حيث يمكن الخدشة في بعض الأدلة المتقدمة مثلا ، الاستدلال الأخير ، يمكن ان يقال عليه ان وجوب الطاعة لا يلازم الولاية ، ولذا تجب طاعة الوالد

ص: 175

والمقصود من جميع ذلك دفع ما يتوهم من أن وجوب طاعة الامام مختص بالأوامر الشرعية ، وانه لا دليل على وجوب طاعته في أوامره العرفية ، أو سلطنته على الأموال والأنفس .

وبالجملة : فالمستفاد من الأدلة الأربعة - بعد التتبع والتأمل - ان للامام سلطنة مطلقة على الرعية من قبل اللّه تعالى ، وان

_________________________

على الولد الكبير ، ومع ذلك لم تكن للوالد ولاية على الولد .

( و ) يكفى في المقام الضرورة ، والاجماع القطعيان .

وانما ( المقصود من جميع ذلك ) الاستدلال ( دفع ما يتوهم من أن وجوب طاعة الامام مختص بالأوامر الشرعية ) وذلك من باب : ان المطيع يفهم حكم اللّه ، وحكم اللّه واجب الطاعة ( وانه لا دليل على وجوب طاعته في أوامره العرفية ) كما لو امر زيدا بزواج امرأة ، ولذا قالت : أتأمرني يا رسول اللّه قال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : لا ، بل انا شافع فإنها فهمت كسائر المسلمين ان الرسول لو امر بأمر ، وجبت طاعته ( أو سلطنته على الأموال والأنفس ) .

ولو نوقش في الأدلة المذكورة ، لكان باب الجدال في أصل وجوب طاعة اللّه أيضا ممكنا ، لان مساق الأدلة في الموضوعين واحد ، والثاني مقطوع العدم الا من المكابر ، فكذا الأول .

( وبالجملة : فالمستفاد من الأدلة الأربعة - بعد التتبع والتأمل - ان للامام سلطنة مطلقة ) عامة ( على الرعية من قبل اللّه تعالى ، وان

ص: 176

تصرفهم نافذ على الرعية ، ماض مطلقا .

هذا كله في ولايتهم بالمعنى الأول .

واما بالمعنى الثاني اعني اشتراط تصرف الغير باذنهم ، فهو وان كان مخالفا للأصل الا انه قد ورد اخبار خاصة بوجوب الرجوع إليهم ، وعدم جواز الاستقلال لغيرهم بالنسبة إلى المصالح المطلوبة للشارع ، غير المأخوذة على شخص معين من الرعية كالحدود والتعزيرات ، والتصرف في أموال القاصرين والزام الناس بالخروج عن الحقوق

_________________________

تصرفهم نافذ على الرعية ، ماض مطلقا ) في الأموال والأنفس في العرفيات وغيرها :

( هذا كله في ولايتهم ) اى الرسول والأئمة عليهم السلام ( بالمعنى الأول ) اى استقلالهم بالولاية .

( واما ) ولايتهم ( بالمعنى الثاني اعني اشتراط تصرف الغير باذنهم ) وعدم استقلال الغير في التصرف ( فهو وان كان مخالفا للأصل ) إذ : الأصل عدم مدخلية أحد في تصرف غيره ( الا انه قد ورد اخبار خاصة بوجوب الرجوع إليهم ) اى إلى الأئمة ( وعدم جواز الاستقلال لغيرهم بالنسبة إلى ) القيام ب ( المصالح المطلوبة للشارع ، غير المأخوذة على شخص معين من الرعية ) بل كانت من المصالح العامة ( كالحدود والتعزيرات ، والتصرف في أموال القاصرين ) كالأطفال والمجانين والغائبين تصرفا ، لأجل صلاحهم أو صلاح من له الحق في أموال القاصرين ( والزام الناس بالخروج عن الحقوق ) الشرعية ، كالخمس والزكاة ، أو

ص: 177

ونحو ذلك .

ويكفى في ذلك ما دل على أنهم أولو الامر ، وولاته .

فان الظاهر : من هذا العنوان عرفا ، من يجب الرجوع إليه في الأمور العامة التي لم تحمل في الشرع على شخص خاص .

وكذا ما دل على وجوب الرجوع في الوقائع الحادثة إلى رواة الحديث معللا بأنهم حجتي عليكم ، وانا حجة اللّه ، فإنه دل على أن الامام هو المرجع الأصلي .

_________________________

الحقوق للناس كالقصاص وما أشبه ( ونحو ذلك ) من الأمور العامة ، كالحرب والسلم والمعاهدات الدولية .

( ويكفى في ذلك ) اى عدم استقلال غيرهم في هذه الأمور الا باذنهم عليهم السلام ( ما دل على أنهم أولو الامر ، وولاته ) .

( فان الظاهر : من هذا العنوان عرفا ، من يجب الرجوع إليه في الأمور العامة التي لم تحمل في الشرع على شخص خاص ) وهذا حاكم على مثل آية : أولو الارحام ، كما لو قيل لزيد الولاية على أقربائه ، ثم قيل السلطان له الولاية على الرعية ، فان العرف يجمع بينهما بان سلطة السلطان ما فوق سلطة زيد .

( وكذا ما دل على وجوب الرجوع في الوقائع الحادثة إلى رواة الحديث ، معللا ) اى حيث علل الإمام عليه السلام ذاك الوجوب ( بأنهم ) اى رواة الحديث ( حجتي عليكم ، وانا حجة اللّه ، فإنه دل على أن الامام هو المرجع الأصلي ) الّذي يستمد غيره حجيته منه .

ص: 178

وما عن العلل بسنده إلى الفضل بن شاذان عن مولانا أبى الحسن الرضا عليه السلام ، في علل حاجة الناس إلى الإمام ( ع ) حيث قال - بعد ذكر جملة من العلل - ومنها : انا لا نجد فرقة من الفرق ، ولا ملة من الملل ، بقوا وعاشوا الا بقيم ورئيس لما لا بد لهم منه في امر الدين والدنيا ، فلم يجز في حكمة الحكيم ان يترك الخلق بما يعلم أنه لا بدّ لهم منه ، ولا قوام لهم الا به .

هذا مضافا إلى ما ورد في خصوص الحدود ، والتعزيرات ، والحكومات ،

و

_________________________

وبهذا يظهر ان الغموض في : الوقائع الحادثة ، لا يوجب تأملا في عموم الحكم ، لان العلة عامة مهما كان المورد خاصا .

( وما عن العلل بسنده إلى الفضل بن شاذان عن مولانا أبى الحسن الرضا عليه السلام ، في علل حاجة الناس إلى الإمام ( ع ) حيث قال ) الامام ( - بعد ذكر جملة من العلل - ومنها : انا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل ، بقوا وعاشوا الا بقيم ورئيس لما لا بد لهم منه في امر الدين والدنيا ) مما يدل على أن امر الدنيا يحتاج إلى الرئيس ، وحيث إن الامر الشخصي خاص ولا شك في تولى الافراد له ، فالمراد بأمر الدنيا الأمور العامة ( فلم يجز في حكمة ) اللّه ( الحكيم ) الّذي يعمل ويأمر حسب المصلحة ( ان يترك الخلق بما يعلم أنه لا بدّ لهم منه ، ولا قوام لهم الا به ) اى يتركهم بدون رئيس ، والحال انه يعلم أن الرئيس مما لا بد لهم منه ، والنسخ هنا مختلفة : بما يعلم ، و : مما يعلم ، و : هو يعلم ، والمراد بالكل واحد .

( هذا مضافا إلى ما ورد في خصوص الحدود ، والتعزيرات ، والحكومات ،

ص: 179

انها لإمام المسلمين ، وفي الصلاة على الجنائز من أن سلطان الله أحق بها من كل أحد ، وغير ذلك مما يعثر عليه المتتبع .

وكيف كان ، فلا اشكال في عدم جواز التصرف في كثير من الأمور العامة بدون اذنهم ورضاهم ، لكن لا عموم يقتضي اصالة توقف كل تصرف على الاذن .

نعم : الأمور التي يرجع فيها كل قوم إلى رئيسهم لا يبعد الاطراد فيها بمقتضى كونهم أولي الأمر ، وولاته والمرجع الأصلي في الحوادث الواقعة .

_________________________

انها لإمام المسلمين ) كما يجدها من يريد في هذه الأبواب من الوسائل والمستدرك ( وفي الصلاة على الجنائز ) فيما إذا كان كل من الولي والوالي حاضرا ، حيث ورد وجوب تقديم الولي للوالي ( من أن سلطان اللّه أحق بها ) اى بالجنازة ( من كل أحد ، وغير ذلك مما يعثر عليه المتتبع ) .

ففي باب الولاية من البحار وغيره ما يكفى للقطع بذلك من كثرة الأحاديث .

( وكيف كان ، فلا اشكال في عدم جواز التصرف في كثير من الأمور العامة بدون اذنهم ورضاهم ، لكن لا عموم يقتضي ) ذلك العموم ( اصالة توقف كل تصرف على الاذن ) من الامام .

( نعم : الأمور التي يرجع فيها كل قوم إلى رئيسهم لا يبعد الاطراد فيها ) بالقول بلزوم الرجوع إلى الامام ( بمقتضى كونهم أولي الأمر وولاته ) اى ولاة الامر اى صاحب الامر ، والمتولى والمتصرف للامر ( والمرجع الأصلي في الحوادث الواقعة ) عطف على : أولي الأمر وكونهم

ص: 180

والمرجع في غير ذلك من موارد الشك إلى اطلاقات أدلة تلك التصرفات ان وجدت على الجواز ، أو المنع .

والا فإلى الأصول العملية .

لكن حيث كان الكلام في اعتبار اذن الامام ، أو نائبه الخاص ، مع التمكن منه

_________________________

المرجع الأصلي يستفاد من : اما الحوادث الواقعة .

( والمرجع في غير ذلك ) اى غير ما يرجع فيه كل قوم إلى رئيسهم ( من موارد الشك ) في انه هل يتمكن الشخص من مزاولته بنفسه ، أو يلزم الرجوع فيه إلى الامام ؟ كما لو شك في ان التقاص من مال المماطل ، أو المنكر يحتاج إلى الاذن ، أو يجوز المزاولة له بدون الاذن ؟ ( إلى اطلاقات أدلة تلك التصرفات ) كاطلاق أدلة التقاص ( ان وجدت ) الاطلاقات ( على الجواز ، أو المنع ) ولا ينافي الشك مع الاطلاق ، إذ :

الشك بالنسبة إلى الخصوصية ، والاطلاق هو المرجع الّذي لا خصوصية فيه - كما لا يخفى - .

( والا ) يكن اطلاق يعين الجواز أو المنع ( ف ) المرجع يكون ( إلى الأصول العملية ) .

فان كانت حالة سابقة فالاستصحاب ، والا فإن كان الشك في التكليف فالبراءة ، أو المكلف به فالاحتياط .

وان دار بين محذورين ، فالتخيير .

( لكن الكلام في اعتبار اذن الامام ، أو نائبه الخاص ، مع التمكن منه ) اى

ص: 181

لم يجز اجراء الأصول ، لأنها لا تنفع مع التمكن من الرجوع إلى الحجة .

وانما تنفع مع عدم التمكن من الرجوع إليها لبعض العوارض .

وبالجملة : فلا يهمنا التعرض لذلك انما المهم التعرض لحكم ولاية الفقيه بأحد الوجهين المتقدمين .

فنقول : اما الولاية على الوجه الأول ، اعني استقلاله في التصرف ف

_________________________

من الامام أو نائبه الخاص ( لم يجز اجراء الأصول ) العملية ، عند عدم وجدان الاطلاق ( لأنها ) اى الأصول ( لا تنفع مع التمكن من الرجوع إلى الحجة ) إذ : هي بعد اليأس عن الظفر بالدليل ، ومع وجود الحجة ، فالدليل موجود .

( وانما تنفع ) ذلك الرجوع إلى الأصول العملية ( مع عدم التمكن من الرجوع إليها ) اى إلى الحجة ( لبعض العوارض ) اما لعدم وجودها في الملأ ، أو مع وجودها ولكن المانع في طرف الراجح ، كأن كان في برية منقطعة ، أو ما أشبه .

( وبالجملة : فلا يهمنا التعرض لذلك ) اى التكليف في ظرف وجود الامام حاضرا أو نائبه الخاص - سواء كان نائبا لخصوص شيء أو لعموم الأمور - و ( انما المهم التعرض لحكم ولاية الفقيه بأحد الوجهين المتقدمين ) استقلاله بالتصرف ، واشتراط تصرف غيره باذنه .

( فنقول : اما الولاية على الوجه الأول ، اعني استقلاله في التصرف ) في الأمور العامة ( ف ) الظاهر أنه المفهوم من الروايات ، والمناقشة فيها من المصنف وغيره محل نظر - وقد ذكرنا طرفا من الكلام حول ذلك في شرح العروة كتاب التقليد - .

ص: 182

لم يثبت بعموم ، عدا ما ربما يتخيل من اخبار واردة في شأن العلماء ، مثل : ان العلماء ورثة الأنبياء و : ان الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكن ورثوا أحاديث من أحاديثهم : فمن اخذ بشيء منها اخذ بحظ وافر

وان : العلماء أمناء الرسل .

_________________________

وكيف كان فمذهب المصنف ره انه ( لم يثبت بعموم ، عدا ما ربما يتخيل من اخبار واردة في شأن العلماء ، مثل : ان العلماء ورثة الأنبياء ) فيما رواه الصدوق عن أبي عبد اللّه ، عن الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، في حديث طويل ( و : ان الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، ولكن ورثوا أحاديث ، من أحاديثهم : فمن اخذ بشيء منها اخذ بحظ وافر ) هذا من تتمة الحديث الأول .

والمراد : ان الأنبياء ليس شأنهم توريث المال كما هو شأن الفراعنة كما في حديث ، النص على ذلك ، حيث قال الامام أمير المؤمنين عليه السلام : العلم أفضل من المال بسبعة .

الأول - انه ميراث الأنبياء ، والمال ميراث الفراعنة الخ ، فلا ربط لهذا الحديث ، بان النبي لو ترك شيئا لا يكون لورثته .

( و ) الثاني : ( ان العلماء أمناء الرسل ) حيث روى عن الصادق عليه السلام : قال : قال رسول اللّه : الفقهاء أمناء الرسل ، ما لم يدخلوا في الدنيا ، قيل يا رسول اللّه وما دخولهم في الدنيا ، قال : اتباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم عن دينكم .

ولا يخفى : ان اتباع السلطان غير استتباع السلطان كما فعله

ص: 183

وقوله ( ع ) مجارى الأمور بيد العلماء باللّه ، الامناء على حلاله وحرامه .

وقوله ( ص ) علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل .

وفي المرسلة المروية في الفقه الرضوي : ان منزلة الفقيه في هذا الوقت ،

_________________________

نصير الدين ، والكركي ، وغيرهما .

( و ) الثالث : ( قوله \" ع \" ) اى الإمام الحسين عليه السلام الّذي رواه في تحف العقول في حديث طويل ( مجارى الأمور بيد العلماء باللّه ، الامناء على حلاله وحرامه ) .

وجه الاستدلال بهذه الأحاديث الثلاثة .

اما : العلماء ورثة الأنبياء ، فبانهم ورثة الأنبياء في الولاية على الناس ، كما أنهم ورثتهم في كونهم علماء بما أراد اللّه تعالى من الناس .

واما : العلماء أمناء الرسل ، فبانهم المفوض إليهم أحاديث الرسل وولاية الرسل ، كما أن الأمين مفوض إليه مال المؤمن وسره .

واما : مجارى الأمور ، فبان من مجارى الأمور الولاية على الأمور .

فاطلاق هذه الروايات الثلاثة يشمل الولاية .

( وقوله \" ص \" ) اى الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلم ( علماء أمتي ، كأنبياء بني إسرائيل ) فان أنبياء بني إسرائيل كانت بأيديهم الولاية ، إذ الأنبياء خلفاء اللّه في الأرض ، فكذلك علماء الأمة .

( وفي المرسلة المروية في الفقه الرضوي : ان منزلة الفقيه في هذا الوقت ،

ص: 184

كمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل .

وقوله عليه السلام ، في نهج البلاغة : أولى الناس بالأنبياء اعلمهم بما جاءوا به ، ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه ، الآية .

وقوله ( ص ) ثلثا : اللهم ارحم خلفائي قيل ومن خلفائك ؟ يا رسول اللّه قال الذين يأتون بعدى ، ويروون حديثي وسنتي .

_________________________

كمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل ) .

ووجه الاستدلال بهذا الحديث ، كالاستدلال بالحديث السابق .

( وقوله عليه السلام ، في نهج البلاغة : أولى الناس بالأنبياء اعلمهم بما جاءوا به ، ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه ، الآية ) .

والمفهوم من كون الأعلم أولى ، ان له ما كان للأنبياء من المناصب كقوله عليه السلام : نحن وبيت اللّه أولى بالنبي ، بمعنى انا أولى بمقامه وما كان له ، من غيرنا ، ولذا نحن أولى بالخلافة من يزيد .

( وقوله \" ص \" ) الّذي رواه في قضاء الوسائل ، عن الصادق عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام ، عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، حيث قال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : ( ثلثا : اللهم ارحم خلفائي ، قيل ومن خلفائك ؟ يا رسول اللّه ) الذين تترحم عليهم ( قال الذين يأتون بعدى ، ويروون حديثي وسنتي ) .

ومن المعلوم : ان الخليفة له الصلاحية التي للمستخلف ، إلا ما خرج بالدليل ، والنبي كانت له الولاية ، فكذلك الفقيه و : السنة أعم من الحديث ، لأنها تشمل الفعل والتقرير - إذا قوبلت بالحديث -

ص: 185

وقوله ( ع ) في مقبولة ابن حنظلة : قد جعلته عليكم حاكما .

وفي مشهورة أبى خديجة : جعلته عليكم قاضيا .

وقوله - عجل اللّه فرجه - : هم حجتي عليكم ، وانا حجة اللّه .

إلى غير ذلك مما يظفر به المتتبع .

لكن الانصاف بعد ملاحظة سياقها ، أو صدرها ، أو ذيلها ، يقتضي

_________________________

بينما ظاهر الحديث القول فقط .

( وقوله \" ع \" ) اى الصادق عليه السلام ( في مقبولة ) عمر ( ابن حنظلة قد جعلته عليكم حاكما ) .

ومن المعلوم : ان الحاكم هو الّذي له الولاية .

( وفي مشهورة أبى خديجة : جعلته عليكم قاضيا ) .

ومن الواضح : ان القضاة كانوا يزاولون جملة من اعمال الولاية .

( وقوله - عجل اللّه فرجه - : هم حجتي عليكم ، وانا حجة اللّه ) .

فان الظاهر : ان لهم ماله عليه السلام ، فكما انه حجة من قبل اللّه فهم حجة من قبله ، فهو كما إذا قال الوالي عن قبل الملك للرعية :

زيد عن قبلي ، كما انا عن قبل الملك

فهم منه ان جميع صلاحيات الوالي موجودة لزيد .

( إلى غير ذلك مما يظفر به المتتبع ) في كتاب القضاء من الوسائل ، والمستدرك ، وغيرهما .

( لكن الانصاف ) - حسب نظر المصنف ره - ( بعد ملاحظة سياقها ، أو ذيلها ، يقتضي

ص: 186

الجزم بأنها في مقام بيان وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية ، لا كونهم كالنبي ، والأئمة صلوات اللّه عليهم ، في كونهم أولى الناس في أموالهم فلو طلب الفقيه الزكاة ، والخمس ، من المكلف ، فلا دليل على وجوب الدفع إليه شرعا

_________________________

الجزم بأنها ) الروايات المذكورة هنا ( في مقام بيان وظيفتهم ) اى الفقهاء ( من حيث الأحكام الشرعية ) اى بيان الاحكام ( لا كونهم كالنبي والأئمة صلوات اللّه عليهم ، في كونهم أولى الناس في أموالهم ) ان كان المراد الولاية كالإمام فنعم ، وان كان المراد ما ذكره المصنف ره في طلب الخمس والزكاة ، فالظاهر من الأدلة السابقة وجود مثل هذه الولاية ويكفى في الدلالة حديث العلل حتى مع قطع النظر عن غيره .

وكيف كان فنظر المصنف انه ( فلو طلب الفقيه الزكاة ، والخمس ، من المكلف ، فلا دليل على وجوب الدفع إليه شرعا ) بل ما لو طلب مالا لأجل حفظ الثغور ، أو ما أشبه ، مما لم يكن بذله من الواجبات الابتدائية ، كالخمس ، والزكاة .

ومقابل هذا القول احتمال ان يكون للفقيه التصدي لكل امر يراه صلاحا مما لم يكن خارجا عن حوزة الشريعة ، حتى جعل ضرائب إضافية إذا رأى ذلك صلاحا ، ولكن بدون ان يكون ذلك قانونا ، بل امر وقتيا حسب المصلحة بنظر الفقيه .

وإلى هذا ذهب جمع من الفقهاء ، كالشيخ الأكبر في اجازته لملك إيران حيث جوز له اخذ المال من الناس لحفظ دمائهم ، وأموالهم

ص: 187

نعم : لو ثبت شرعا اشتراط صحة أدائهما بدفعه إلى الفقيه

_________________________

من الأعداء كما في كشف الغطاء ، وكالسيد محمد سعيد الحبوبي حيث أجاز - فيما ينقل عنه - سحرة السفن بدون رضا أصحابها في حالة حرب وقعت بين المؤمنين وغيرهم في العراق ، إلى غيرهما .

بل هذا : هو مقتضى قوله تعالى : ما على المحسنين من سبيل ، والمناط المستفاد من قتل المسلمين إذا تترس بهم الكفار ، وقتل الأبرياء من أهل مدن الكفار ، إذا توقف التغلب على الحكومة العاتية على ذلك والا فلا شك في ان الأطفال وأمثالهم من الأبرياء الذين كانوا في بلاد خيبر وغيرها ، وذهب بعضهم ضحية الحرب لم يكونوا مستحقي القتل والا سربا نفسهم ، وإذا جاز ذلك في الأنفس والاعراض ، جاز ذلك في الأموال بطريق أولى .

والحاصل : ان مقتضى القاعدة ان يكون للفقيه ما كان للامام الا ما خرج بالدليل ، لأنه مقتضى الخلافة لرسول اللّه ، وانهم حجة الامام ، كما أن الامام حجة اللّه ، وغيرهما من الأدلة .

ولذا نستبعد وجوب الجهاد الابتدائي على الفقيه فيما كان واجبا على الرسول والامام .

ولهذا المبحث كلام طويل استدلالا واستشهادا بالأدلّة ، وبعمل الفقهاء ليس هنا مورده .

( نعم : لو ثبت شرعا اشتراط صحة أدائهما بدفعه إلى الفقيه ) بان كان عمل الغير مشترطا بنظر الفقيه كاشتراط القصاص بنظره - كما

ص: 188

مطلقا أو بعد المطالبة ، وأفتى بذلك الفقيه ، وجب اتباعه ان كان ممن يتعين تقليده ابتداءً ، أو بعد الاختيار فيخرج عن محل الكلام .

هذا مع أنه لو فرض العموم فيما ذكر من الاخبار ، وجب حملها على إرادة الجهة المعهودة المتعارفة من وظيفته ( ص ) من

_________________________

تقدم - ( مطلقا ) سواء طالب الفقيه ، أم لا ( أو بعد المطالبة ) من الفقيه ( وأفتى بذلك ) اى بهذا الاشتراط ( الفقيه ، وجب اتباعه ) بالدفع إليه ، أو الصرف بإجازته ، والا لم يكن مأمونا عن العقاب ( ان كان ) الفقيه ( ممن يتعين تقليده ابتداءً ) بان كان صاحب الخمس والزكاة عاميا ، ولم يكن في الاحياء فقيه آخر ، أو كان هذا المفتى اعلم ، وقلنا : بحرمة تقليد الميت وتعين تقليد الأعلم ( أو بعد الاختيار ) فيما إذا كان هناك فقيهان متساويان ، فاختار أحدهما ، وقلنا : بان التخيير ابتدائي لا استمرارى ، وإلا جاز العدول إلى الفقيه الآخر القائل بعدم اشتراط صحة الأداء بنظر الفقيه ( فيخرج ) وجوب الأداء إلى الفقيه ، في هذا الحال : اى ما ذكرناه بقولنا : نعم . . ، ( عن محل الكلام ) لان الكلام في وجوب الأداء إلى الفقيه ، سواء قلده المالك أم لا ؟ وسواء طالبه ، أم لا ؟ وسواء كان نظر الفقيه وجوب الأداء إليه ، أم لا ؟ .

( هذا ) وجه عدم ولاية الفقيه ، لعدم الدليل على ذلك ( مع أنه لو فرض العموم فيما ذكر من الاخبار ، وجب حملها ) اى الاخبار ( على إرادة ) العام من ( الجهة المعهودة المتعارفة من وظيفته ( ص ) من

ص: 189

حيث كونه رسولا مبلغا وإلا لزم تخصيص أكثر افراد العام لعدم سلطنة الفقيه على أموال الناس وأنفسهم الا في موارد قليلة بالنسبة إلى موارد عدم سلطنته .

_________________________

حيث كونه رسولا مبلغا ) في بيان المسائل ، والانذار ، والتخويف ، والارشاد ، وما أشبه من شؤون الاحكام والتبليغ ، لا من شؤون الولاية والتولي ( والا ) فلو قلنا بعموم الاخبار لجميع أنواع التولي ( لزم تخصيص أكثر افراد العام ) اى السلطنة العامة ( لعدم سلطنة الفقيه على أموال الناس وأنفسهم ) فلا حق له في ان يأمر بعدم السفر ، وبعدم الإقامة وبتزويج البنت إلى شخص خاص ، والولد إلى بنت خاصة والاكتساب الخاص وعدم اكتساب خاص ، وزراعة خاصة ، وعمارة خاصة وعدم ما عداهما ، والسكنى في محل خاص ، واتخاذ مهنة خاصة ، إلى غير ذلك من الشؤون الكثيرة المربوطة بالأموال والأنفس والأعراض مما للرسول والإمام الحق فيما قطعا بالضرورة والاجماع ( الا في موارد قليلة ) كاخذ الخمس ، والزكاة ، وما أشبه ( بالنسبة إلى موارد عدم سلطنته ) .

لكن الانصاف : ان هذا الاشكال غير وارد .

إذ : الولاية منصرفة عن مثل تلك الأمور ، إذا أراد الفقيه الامر والنهى اعتباطا ، فلا يكون له سلطة على أموال الناس وأنفسهم ، كسلطة الولي بالنسبة إلى مال العبد ونفسه .

اما إذا أراد الفقيه الامر والنهى والتولي حسب المصلحة ، فخروج ذلك عن الأدلة اوّل الكلام .

ص: 190

وبالجملة فإقامة الدليل على وجوب طاعة الفقيه ، كالإمام ، إلا ما خرج بالدليل ، دونه خرط القتاد .

بقي الكلام في ولايته على الوجه الثاني اعني : توقف تصرف الغير على اذنه فيما كان متوقفا على اذن الإمام ( ع ) وحيث إن موارد التوقف على اذن الامام غير مضبوط ، فلا بد من ذكر ما يكون كالضابط لها .

فنقول كل معروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج ان علم كونه وظيفة شخص خاص ، كنظر الأب في مال ولده الصغير ، أو صنف

_________________________

والحاصل : ان الولاية المطلقة في الاحكام والأقضية والاعمال باستثناء ما خرج قطعا ، لا يوجب خروج الأكثر .

بل الظاهر : انصراف الأدلة عن مثل تلك الولاية الخاصة بالنبي والامام .

( وبالجملة فإقامة الدليل على وجوب طاعة الفقيه ، كالإمام ، الا ما خرج بالدليل ، دونه خرط القتاد ) اما ولايته بالمعنى الّذي ذكرناها فهو ظاهر الأدلة - كما عرفت - .

( بقي الكلام في ولايته ) اى الفقيه ( على الوجه الثاني اعني : توقف تصرف الغير على اذنه فيما كان متوقفا على اذن الامام \" ع \" ) كالقصاص والاقتصاص مثلا ( وحيث إن موارد التوقف على اذن الامام غير مضبوط ، فلا بد من ذكر ما يكون كالضابط لها ) اى لولاية الفقيه على الوجه الثاني .

( فنقول : كل معروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج ان علم ) شرعا ( كونه وظيفة شخص خاص ، كنظر الأب في مال ولده الصغير ، أو ) علم كونه وظيفة ( صنف

ص: 191

خاص ، كالافتاء والقضاء أو كل من يقدر على القيام به كالأمر بالمعروف فلا اشكال في شيء من ذلك ، وان لم يعلم ذلك واحتمل كونه مشروطا في وجوده أو وجوبه بنظر الفقيه ، وجب الرجوع فيه إليه .

ثم إن علم الفقيه من الأدلة جواز توليه لعدم اناطته بنظر خصوص الامام ، أو نائبه الخاص تولاه مباشرة ، أو استنابة ،

_________________________

خاص ، كالافتاء والقضاء ) الذين هما وظيفتا المجتهد والقاضي ( أو ) علم كونه وظيفة ( كل من يقدر على القيام به ) من المسلمين ( كالأمر بالمعروف ) وارشاد الجاهل ( فلا اشكال في شيء من ذلك ) في كونه ليس مشروطا بنظر الفقيه ( وان لم يعلم ذلك ) اى كونه وظيفة لشخص ، أو صنف ، أو كل من يقدر ( واحتمل كونه مشروطا في وجوده ) كالقصاص ( أو وجوبه ) كالأمر بالمعروف الموجب لجرح التارك - مثلا - ( بنظر الفقيه ، وجب الرجوع فيه ) اى فيما احتمل كونه مشروطا ( إليه ) اى إلى الفقيه فيما كان الاحتمال عن منشأ شرعي بان لم يكن هناك اطلاق ، أو عموم ، أو براءة تقتضى عدم الاشتراط .

( ثم ) ان رجع مريد العمل إلى الفقيه لاستحصال الاذن ، ف ( ان علم الفقيه من الأدلة جواز توليه ) لذلك المعروف - كالاقتصاص من مال المماطل - ( لعدم اناطته ) اى تولى ذلك المعروف ( بنظر خصوص الامام ، أو نائبه الخاص ) الّذي عينه الامام بالاسم ، مقابل النائب العام الّذي عينه بقوله عليه السلام : اما الحوادث الواقعة ، ( تولاه ) الفقيه ( مباشرة ) بنفسه ( أو استنابة ) بأخذ نائب لتولى ذلك

ص: 192

ان كان ممن يرى الاستنابة فيه ، والا عطله .

فان كونه معروفا ، لا ينافي اناطته بنظر الإمام عليه السلام والحرمان عنه عند فقده كسائر البركات التي حرمناها بفقده عجل اللّه فرجه .

ومرجع هذا إلى الشك في كون المطلوب مطلق وجوده أو وجوده من موجد خاص .

اما وجوب الرجوع إلى الفقيه في الأمور المذكورة

_________________________

الامر ( ان كان ) الفقيه ( ممن يرى ) جواز ( الاستنابة فيه ، والا ) يعلم الفقيه جواز توليته ( عطله ) ولم يقم به .

( ف ) ان قلت : كيف يكون الامر معروفا ، ومع ذلك يجوز تعطيله .

قلت : ( ان كونه معروفا ، لا ينافي اناطته بنظر الإمام عليه السلام ) بالخصوص ( والحرمان عنه عند فقده ) عليه السلام ( كسائر البركات التي حرمناها بفقده عجل اللّه فرجه ) كبركة العلوم ، وبركة الأرض ، والسماء وبركة تكميل النفوس والعقول .

( ومرجع هذا ) اى ما لا يعلم الفقيه جواز توليته ( إلى الشك في كون المطلوب مطلق وجوده ) اى وجود ذلك المعروف ، سواء كان باذن الامام أم لا ؟ ( أو وجوده من موجد خاص ) فالأصل عدم الجواز ، لما تقدم من اصالة عدم نفوذ كل تصرف شك في نفوذه ولم يكن هناك دليل يدل على جوازه .

( اما وجوب الرجوع إلى الفقيه في الأمور المذكورة ) اى ما احتمل

ص: 193

فيدل عليه مضافا إلى ما يستفاد من جعله حاكما كما في مقبولة ابن حنظلة الظاهرة في كونه كسائر الحكام المنصوبة في زمان النبي ( ص ) والصحابة في الزام الناس بارجاع الأمور المذكورة إليه ، والانتهاء فيها إلى نظره بل المتبادر عرفا من نصب السلطان حاكما وجوب الرجوع في الأمور العامة المطلوبة للسلطان إليه وإلى ما تقدم من قوله عليه السلام : مجارى الأمور بيد العلماء باللّه الامناء على حلاله وحرامه ، والتوقيع المروى في اكمال الدين

_________________________

كونه مشروطا في وجوده ، أو وجوبه بنظر الفقيه ( فيدل عليه مضافا إلى ما يستفاد من جعله حاكما ) من قبل الإمام عليه السلام ( كما في مقبولة ابن حنظلة الظاهرة ) تلك المقبولة ( في كونه ) اى الفقيه ( كسائر الحكام المنصوبة في زمان النبي ( ص ) والصحابة في الزام الناس ) كلمة : في ، متعلق ب : كسائر ، اى كون الفقيه شبيها بسائر الحكام ، في ان الناس ملزمون من قبل الشارع ( بارجاع الأمور المذكورة ) اى ما شك في كونه مشروطا بنظر الفقيه ( إليه ) اى إلى ذلك الحاكم ( والانتهاء فيها ) اى في تلك الأمور ( إلى نظره ) حتى لا يجوز بدون اخذ نظره ( بل المتبادر عرفا من نصب السلطان حاكما وجوب ) فاعل : المتبادر ، ( الرجوع في الأمور العامة المطلوبة للسلطان إليه ) اى إلى ذلك الحاكم ( وإلى ما تقدم ) عطف على : مضافا إلى ما يستفاد ( من قوله عليه السلام : مجارى الأمور بيد العلماء باللّه الامناء على حلاله وحرامه ) حيث دل على عدم جواز جرى الأمور الا باذنهم ( و ) مضافا إلى ( التوقيع المروى في اكمال الدين ) للصدوق

ص: 194

وكتاب الغنية ، واحتجاج الطبرسي الوارد في جواب مسائل إسحاق بن يعقوب التي ذكر انى سألت العمرى منه ان يوصل إلى الصاحب عجل اللّه فرجه كتابا فيه تلك المسائل التي قد أشكلت عليّ فورد التوقيع بخطه عليه آلاف الصلاة والسلام في أجوبتها - وفيها - واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنهم حجتي عليكم وانا حجة اللّه فان المراد بالحوادث ظاهرا مطلق الأمور التي لا بدّ من الرجوع فيها عرفا ، أو عقلا ، أو شرعا إلى الرئيس مثل النظر في

_________________________

( وكتاب الغنية ، واحتجاج الطبرسي الوارد في جواب مسائل إسحاق بن يعقوب التي ) صفة مسائل ( ذكر انى سألت العمرى منه ) أحد وكلاء الإمام الحجة عجل اللّه فرجه ( ان يوصل إلى الصاحب عجل اللّه فرجه كتابا فيه تلك المسائل التي قد أشكلت على ) والمسائل مجهولة عندنا لأنها لم تذكر في كتب الروايات ( فورد التوقيع بخطه عليه آلاف الصلاة والسلام في أجوبتها - وفيها - ) اى في جملة تلك الأجوبة ( واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنهم حجتي عليكم وانا حجة اللّه ) .

وجه الاستدلال بهذا الحديث لأجل وجوب الرجوع إلى الفقهاء ما ذكره بقوله : ( فان المراد بالحوادث ظاهرا ) حيث لا قرينة تصرف ظهور الجمع المحلى باللام في العموم ( مطلق الأمور التي لا بدّ من الرجوع فيها عرفا ) كاصلاح الطرق ، وبناء المدارس ، والمساجد لأجل البلاد الجديدة البناء ( أو عقلا ) كالمعاهدات الدولية ، وقضايا السلم والحرب ( أو شرعا ) كالأمثلة التي يذكرها المصنف ( إلى الرئيس مثل النظر في

ص: 195

أموال القاصرين لغيبة ، أو موت ، أو صغر ، أو سفه .

واما تخصيصها بخصوص المسائل الشرعية فبعيد من وجوه .

منها : ان الظاهر وكول نفس الحادثة إليه ليباشر امرها أو استنابة لا الرجوع في حكمها إليه .

_________________________

أموال القاصرين ) الذين كان قصورهم ( لغيبة ، أو موت ، أو صغر ، أو سفه ) .

وانما جعلنا هذه الأمثلة من الشرعي لان الشارع هو الّذي فرض هذه الأمور إلى الرئيس ، والا فالعقل والعرف لا يمنعان قيام ثقة من المربوطين بالقاصر - ربطا بسبب القرابة أو الصداقة أو الجوار - بالنظر في أموال القاصر .

( واما تخصيصها ) اى : الحوادث ، الموجودة في الرواية ( بخصوص المسائل الشرعية ) بان يقال : المراد رجوع الشخص في مسائل الحلال والحرام إلى الفقيه ( فبعيد ) جدا ( من وجوه ) .

( منها ) اى من وجوه البعد ( ان الظاهر وكول نفس الحادثة إليه ) اى إلى راوي الحديث ( ليباشر امرها ) اى يباشر الفقيه امر تلك الحادثة ( مباشرة ) بنفسه ( أو استنابة ) بان يأخذ نائبا لذلك ( لا الرجوع في حكمها ) اى حكم تلك الحادثة ( إليه ) اى إلى الفقيه ، فان الإمام عليه السلام قال : فارجعوا فيها ، ولم يقل : في حكمها .

والعبارة الأولى تناسب نفس الواقعة مما هو شأن الوالي .

والثانية تناسب حكم الواقعة مما هو شأن الفقيه .

ص: 196

ومنها : التعليل بكونهم حجتي عليكم وانا حجة اللّه ، فإنه انما يناسب الأمور التي يكون المرجع فيها هو الرأي والنظر ، فكان هذا منصب ولاة الامام من قبل نفسه لا انه واجب من قبل اللّه سبحانه على الفقيه بعد غيبة الامام والا كان المناسب ان يقول : انهم حجج اللّه عليكم كما وصفهم في مقام آخر بأنهم أمناء اللّه على الحلال والحرام .

_________________________

( ومنها : التعليل ) لرجوع الناس إلى الفقهاء ( بكونهم حجتي عليكم وانا حجة اللّه ، فإنه ) اى هذا التعليل ( انما يناسب الأمور التي يكون المرجع فيها هو الرأي والنظر ) فان الحجة انما يرجع إليه لاخذ رأيه ، لا لينقل حكم اللّه .

وتوضيحه ما ذكره بقوله ( فكان هذا ) الرجوع لأجل اخذ النظر والرأي ( منصب ولاة الامام من قبل نفسه ) اى نفس الامام ( لا انه واجب من قبل اللّه سبحانه على الفقيه بعد غيبة الامام ) حتى يكون أقرب إلى كونه بيان الحكم فقط ( والا ) فلو كان واجبا من قبل اللّه ( كان المناسب ان يقول ) الإمام عليه السلام في تعليل وجوب الرجوع إليهم ( انهم حجج اللّه عليكم ) لان الوجوب من قبله تعالى يلائم كونهم حججه ، لا كونهم حجج الامام ، فإنه لا ربط للامام بالموضوع حينئذ ( كما وصفهم ) اى الإمام عليه السلام ( في مقام آخر ) حيث كان بصدد بيان الاحكام ( بأنهم أمناء اللّه على الحلال والحرام ) فإنهم أمناء من قبله تعالى ، لا من الامام ، إذ : اللّه تعالى حملهم بيان الاحكام .

ص: 197

ومنها : ان وجوب الرجوع في المسائل الشرعية إلى العلماء الّذي هو من بديهيات الاسلام من السلف إلى الخلف مما لم يكن يخفى على مثل إسحاق بن يعقوب حتى يكتبه في عداد مسائل أشكلت عليه بخلاف وجوب الرجوع في المصالح العامة إلى رأى أحد ونظره ، فإنه يحتمل ان يكون الإمام ( ع ) قد وكله في غيبته إلى شخص أو اشخاص من ثقاته في ذلك الزمان .

والحاصل : ان الظاهر أن لفظ الحوادث ليس مختصا بما اشتبه حكمه

_________________________

( ومنها : ان وجوب الرجوع في المسائل الشرعية إلى العلماء الّذي هو من بديهيات الاسلام ) بل من بديهيات العقلاء ، حيث يرجع كل جاهل إلى العالم ، سواء في الأمور الدينية ، أو الدنيوية ( من السلف إلى الخلف مما لم يكن يخفى على مثل إسحاق بن يعقوب ) في فضله ونبله ( حتى يكتبه ) إلى الإمام عليه السلام ( في عداد مسائل أشكلت عليه ) كما في صدر الحديث ( بخلاف وجوب الرجوع في المصالح العامة إلى رأى أحد ونظره ، فإنه ) مشكل يسأل عنه الفاضل وغيره .

إذ : ( يحتمل ان يكون الإمام ( ع ) قد وكله في غيبته إلى شخص ، أو اشخاص من ثقاته في ذلك الزمان ) اى حال الغيبة .

( والحاصل ) في وجه استدلال نيابة الفقيه العامة ، بهذا الحديث ( ان الظاهر أن لفظ الحوادث ) الوارد في كلام الإمام عليه السلام ( ليس مختصا بما اشتبه حكمه ) حتى يكون مربوطا ببيان الاحكام ،

ص: 198

ولا بالمنازعات .

ثم إن النسبة بين مثل هذا التوقيع ، وبين العمومات الظاهرة في اذن الشارع في كل معروف لكل أحد مثل قوله عليه السلام : كل معروف صدقه ، وقوله عليه السلام : عون الضعيف من أفضل الصدقة ، وأمثال ذلك

_________________________

( ولا بالمنازعات ) حتى يكون مربوطا بالقضاء .

بل هو جمع محلى باللام ، ظاهره العموم لكل شيء ، الشامل للأمور العامة .

ومن العلوم : إذا جاز الرجوع إليهم وجب ، كما أنه إذا وجب الرجوع إليهم كان لهم التصدي ، وإذا كان لهم التصدي ، وجب .

اما القول بان اللام في : الحوادث ، للعهد المذكور في السؤال وحيث لا يعرف السؤال ، فهو مجمل يجب ان يؤخذ بالقدر المتيقن منه إذا كان له قدر متيقن ، فلا يخفى ما فيه فإنه مهما كان السؤال فالظاهر من الجمع المحلى باللام العموم .

هذا بالإضافة إلى ظهور صفة الحوادث بالواقعة ، العموم كما لا يخفى والكلام في ذلك قوى وحيث كان خارجا عن مقصد الشرح اضربنا عنه .

( ثم إن النسبة بين مثل هذا التوقيع ، وبين العمومات الظاهرة في اذن الشارع في كل معروف لكل أحد ) كقوله تعالى : وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ، وقوله تعالى : ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ، و ( مثل قوله عليه السلام : كل معروف صدقه ، وقوله عليه السلام : عون الضعيف من أفضل الصدقة ، وأمثال ذلك ) مما ظاهره جواز تصدى كل

ص: 199

وان كانت عموما من وجه الا ان الظاهر حكومة هذا التوقيع عليها .

وكونها بمنزلة المفسر الدال على وجوب الرجوع إلى الإمام ( ع ) أو نائبه في الأمور العامة التي يفهم عرفا دخولها تحت الحوادث الواقعة وتحت عنوان الامر في قوله تعالى : أولي الأمر

_________________________

أحد للأمور العامة ( وان كانت عموما من وجه ) .

لان كل معروف صدقة - مثلا - خاص من جهة لزوم كونه معروفا عند الناس عام من جهة امكان كونه حادثا أو غير حادث .

بخلاف اما الحوادث الواقعة ، فإنها خاصة بما يحدث ، عامة من حيث إن يكون معروفا لدى الناس مما يعرف حسنه العامة أم لا ؟ فتأمل ( الا ان الظاهر ) من الفهم العرفي في الجمع بين الحديثين ( حكومة هذا التوقيع عليها ) اى على تلك العمومات .

إذ : ظاهر الحديث ان الحق خاص بالفقيه ، فبدون اذنه ، يكون تصرف الغير خارجا عن كونه معروفا .

( وكونها ) اى حكومة التوقيع ( بمنزلة المفسر الدال على وجوب الرجوع إلى الإمام ( ع ) أو نائبه في الأمور العامة ) سواء كان عاما بمعنى الشمول ، كقضايا الحرب والسلم ، أو عاما بمعنى الكلى الّذي له افراد كادارة أموال القاصرين ( التي يفهم عرفا دخولها ) اى دخول تلك الحوادث العامة ( تحت الحوادث الواقعة ) المذكورة في التوقيع ( وتحت عنوان الامر في قوله تعالى : أولي الأمر ) حيث قال : أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ، فان الظاهر أن : الحوادث العامة

ص: 200

وعلى تسليم التنزل عن ذلك فالمرجع بعد تعارض العمومين إلى اصالة عدم مشروعية ذلك المعروف مع عدم وقوعه عن رأى ولى الامر هذا .

لكن المسألة لا تخلو عن اشكال وان كان الحكم به مشهوريا

و

_________________________

داخلة في عنوان : الامر ، فلها أصحاب خاصون يجب على الناس الرجوع إليهم فيها .

وعلى هذا الّذي ذكرنا لا يقال : بأنه على تقدير دلالة التوقيع يقع التعارض بينه وبين عون الضعيف وما أشبه ، فيتساقطان ويكون المرجع اصالة عدم نفوذ اعمال الفقيه .

( وعلى ) تقدير ( تسليم التنزل عن ذلك ) اى حكومة التوقيع على أحاديث عون الضعيف ، وما أشبه ( فالمرجع بعد تعارض العمومين ) عون الضعيف ، والتوقيع ( إلى اصالة عدم مشروعية ذلك المعروف ) كتصدى امر الأوقاف والقاصرين - مثلا - ( مع عدم وقوعه عن رأى ولى الامر ) وليس المرجع عدم نفوذ رأى ولى الامر ، إذ لا بدّ من إدارة ذلك الحادث فاما ان يديره ولى الامر أو غيره ( هذا ) تمام الكلام في وجه ولاية الفقيه .

( لكن المسألة لا تخلو عن اشكال ) لاحتمال ان يكون اللام في :

الحوادث ، العهد الذكرى أو ان يكون احكام الحوادث ، لا نفس الحوادث ( وان كان الحكم به ) اى بان الفقيه له ولاية ( مشهوريا ) بين الفقهاء (

ص: 201

على اى تقدير فقد ظهر مما ذكرنا ان ما دل عليه هذه الأدلة هو ثبوت الولاية للفقيه في الأمور التي يكون مشروعية ايجادها في الخارج مفروغا عنها ، بحيث لو فرض عدم الفقيه كان على الناس القيام بها كفاية

واما ما يشك في مشروعيته كالحدود لغير الامام ، وتزويج الصغيرة لغير الأب والجد وولاية المعاملة على مال الغائب بالعقد عليه ، وفسخ العقد الخياري عنه وغير ذلك ، فلا يثبت من تلك الأدلة مشروعيتها

_________________________

على اى تقدير ) سواء قلنا : بولاية الفقيه ، أم لا ؟ ( فقد ظهر مما ذكرنا ان ما دل عليه هذه الأدلة ) التي ذكرت لولاية الفقيه ( هو ثبوت الولاية للفقيه في الأمور التي يكون مشروعية ايجادها في الخارج مفروغا عنها ) ان علمنا أن الشارع يريد ايجادها في الخارج بكل صورة ( بحيث لو فرض عدم الفقيه كان على الناس القيام بها كفاية ) كحفظ أموال القاصرين وتجهيز الجنائز التي لا ولي لها ، وإدارة مصالح الوقف الّذي لا متولى خاص له ، وما أشبه ، مما يسمى بالأمور الحسبية اى التي يؤتى بها حسبة اى قربة إلى اللّه من الاحتساب والحساب في الأمور العائدة إلى اللّه تعالى .

( واما ما يشك في مشروعيته كالحدود لغير الامام ، وتزويج الصغيرة ) أو الصغير ( لغير الأب والجد ) اللذين هما وليان شرعيان ( وولاية المعاملة على مال الغائب بالعقد عليه ) إذا كان صلاحا ( وفسخ العقد الخياري عنه ) اى عن الغائب فيما كان الفسخ صلاحا ( وغير ذلك ) كالحرب الابتدائية لأجل الدعوة إلى الاسلام ( فلا يثبت من تلك الأدلة ) التي ذكرت لولاية الفقيه ( مشروعيتها

ص: 202

للفقيه ، بل لا بدّ للفقيه من استنباط مشروعيتها من دليل آخر .

نعم : الولاية على هذه ، وغيرها ، ثابتة للإمام ( ع ) بالأدلّة المتقدمة المختصة به ، مثل : آية أولى بالناس من أنفسهم .

وقد تقدم ان اثبات عموم نيابة الفقيه عنه في هذا النحو من الولاية على الناس ليقتصر في الخروج عنه على ما خرج بالدليل ، دونه خرط القتاد .

_________________________

للفقيه ، بل لا بد للفقيه من استنباط مشروعيتها من دليل آخر ) إذا كان هناك دليل آخر من عقل أو نقل .

( نعم : الولاية على هذه ) الأمور المذكورة ( وغيرها ) من سائر الأمور العامة ( ثابتة للامام \" ع \" ) قطعا ( بالأدلّة المتقدمة المختصة ) تلك الأدلة ( به ) اى بالامام غير المتعدية إلى الفقيه ( مثل آية أولى بالناس من أنفسهم ) وهي قوله تعالى : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، بضميمة ان الامام كالنبي في هذه الشؤون بآية : أنفسنا ، وغيرها من الأدلة .

( وقد تقدم ان اثبات عموم نيابة الفقيه عنه في هذا النحو من الولاية على الناس ليقتصر ) اى حتى يقتصر ( في الخروج عنه ) اى عن عموم النيابة ( على ما خرج بالدليل ) فيكون المحكم اصالة النفوذ ، لا اصالة عدم النفوذ ( دونه خرط القتاد ) .

والحاصل ان كلما لا بدّ منه للفقيه الولاية فيه ، وكلما ليس كذلك فاصالة عدم نفوذ ولاية الفقيه محكمة .

ص: 203

وبالجملة : فهاهنا مقامان ، أحدهما : وجوب ايكال المعروف المأذون فيه إليه ليقع خصوصياته عن نظره ، ورأيه ، كتجهيز الميت الّذي لا ولي له ، فإنه يجب ان تقع خصوصياته من تعيين الغاسل ، والمغسل ، وتعيين شيء من تركته للكفن ، وتعيين المدفن عن رأى الفقيه .

الثاني : مشروعية تصرف خاص في نفس ، أو مال ، أو عرض ، والثابت بالتوقيع ، وشبهه هو الأول دون الثاني وان كان

_________________________

( وبالجملة : فهاهنا مقامان ، أحدهما : وجوب ايكال المعروف المأذون فيه ) في قوله عليه السلام : كل معروف صدقة ( إليه ) اى إلى الفقيه ، حتى أنه لا يجوز التصرف الا بإجازة الفقيه ( ليقع خصوصياته ) اى خصوصيات ذلك المعروف الفردية ( عن نظره ، ورأيه ) وان كان أصل المعروف في الجملة جائز الكل أحد ( كتجهيز الميت الّذي لا ولي له ، فإنه يجب ان تقع خصوصياته من تعيين الغاسل ، والمغسل ) اى محل الغسل ( وتعيين شيء ) خاص ( من تركته ) كنقود الميت ( للكفن ، وتعيين المدفن ) والمصلى على الميت ، وما أشبه ذلك ( عن رأى الفقيه ) عن متعلق ب : تقع ، .

( الثاني : مشروعية تصرف خاص في نفس ) كاجراء الحد ، وإقامة القصاص ( أو مال ) كبيع أموال القاصر ( أو عرض ) كعقد الصغير الّذي لا ولي له ( والثابت بالتوقيع ، وشبهه ) من الأخبار المتقدمة ( هو الأول ) بان يرجع إلى الفقيه فيما علم أن الشارع يريده ، كتجهيز الميت ( دون الثاني ) فلا يجوز تلك التصرفات للفقيه ، كما لا يجوز لغيره ( وان كان

ص: 204

الافتاء في المقام الثاني بالمشروعية وعدمها أيضا من وظيفته ، الا ان المقصود عدم دلالة الأدلة السابقة على المشروعية .

نعم : لو ثبت أدلة النيابة عموما ، تم ما ذكر ثم إنه قد اشتهر في الألسن وتداول في بعض الكتب رواية : ان السلطان ولى من لا ولى

_________________________

الافتاء في المقام الثاني بالمشروعية ، وعدمها ) اى انه هل تشرع هذه التصرفات التي هي من القسم الثاني ؟ أو لا تشرع ( أيضا من وظيفته ) كما أن الاذن في القسم الأول من وظيفته ، إذ : لا يستنبط الجواز أو العدم الا الفقيه .

وقوله : « وان كان » ، مقدمة لدفع الدخل المقدر ، وهو : ان الافتاء بالجواز ، وعدم الجواز من شأن الفقيه فما فائدة كلامهم أيها الشيخ في انه يجوز أو لا يجوز إذ : الفقيه ان رأى جوازه تصرف ولا ينفعه كلامكم بأنه لا يجوز ، وان رأى عدم جوازه لم يتصرف ، وان كان رأيكم - على حسب الفرض - الجواز .

والجواب ما ذكره المصنف بقوله : ( الا ان المقصود ) من بحثنا نحن في انه هل يجوز تصرف الفقيه في القسم الثاني ، أم لا ؟ بيان ( عدم دلالة الأدلة السابقة على المشروعية ) لتصرف الفقيه .

( نعم : لو ثبت أدلة النيابة عموما ) اى ما دل على : ان العلماء ورثة الأنبياء ، وانهم خلفاء الرسول ، وما أشبه ( تم ما ذكر ) من ولاية الفقيه مطلقا ( ثم إنه قد اشتهر في الألسن وتداول في بعض الكتب ) غير الكتب الأربعة ، وما أشبه ( رواية : ان السلطان ولى من لا ولى

ص: 205

له ، وهذا أيضا بعد الانجبار سندا ، أو مضمونا ، يحتاج إلى أدلة عموم النيابة .

وقد عرفت : ما يصلح ان يكون دليلا عليه ، وانه لا يخلو عن وهن في دلالته ، مع قطع النظر عن السند كما اعترف به جمال المحققين في باب

_________________________

له ، وهذا ) الحديث ( أيضا ) كالأحاديث السابقة ( بعد الانجبار سندا ) إذا كان سنده ضعيفا ، وقد نقل باللفظ ( أو مضمونا ) إذا كان نقل بالمعنى

بان كان لفظ الامام بغير هذه الصورة ، وانما الراوي نقله بهذه الصورة ، فإنه إذا نقل الراوي الحديث بالمعنى احتاج العمل به إلى الانجبار ، لعدم معلومية إفادة المضمون نفس مفاد كلام الامام .

وقوله : أو مضمونا ، انما هو على سبيل منع الخلو ، ومعناه : ان الحديث محتاج إلى الانجبار في الجملة ، لان سنده غير معلوم ، ومتنه أيضا غير معلوم انه لفظ الإمام عليه السلام ( يحتاج إلى أدلة عموم النيابة ) إذ المنصرف من « السلطان » هو النبي والامام الأصل ، فإذا ثبتت نيابة الفقيه مطلقا عنهم عليهم السلام يشمل اطلاق : ولى من لا ولي له ، للفقيه ، والا فلا .

( وقد عرفت : ما يصلح ان يكون دليلا عليه ) اى على عموم النيابة ( وانه ) اى هذا الحديث ( لا يخلو عن وهن ) وضعف ، ( في دلالته ) كلمه : وانه ، عطف على : وقد عرفت ، ( مع قطع النظر عن ) الوهن في ( السند ) لأنه مرسلة غير مذكورة في الكتب المعتبرة للحديث ( كما اعترف به ) اى بالوهن ( جمال المحققين في باب

ص: 206

الخمس بعد الاعتراف بان المعروف بين الأصحاب كون الفقهاء نواب الامام .

ويظهر من المحقق الثاني أيضا في رسالته الموسومة بقاطع اللجاج في مسئلة جواز اخذ الفقيه اجرة أراضي الأنفال من المخالفين ، كما يكون ذلك للإمام عليه السلام إذا ظهر ( ع ) للشك في عموم النيابة ، وهو في محله .

ثم : ان قوله بمن لا ولي له في المرسلة المذكورة ليس مطلق من لا ولى له

_________________________

الخمس بعد الاعتراف ) اى بعد ان اعترف نفس جمال المحققين ( بان المعروف بين الأصحاب كون الفقهاء نواب الامام ) فليس توهينه للحديث من باب انه ليس بقابل بالنيابة ، بل من باب انه يرى ضعف الحديث بالذات .

( ويظهر ) كون هذا الحديث موهونا ( من المحقق الثاني أيضا في رسالته الموسومة بقاطع اللجاج في مسئلة جواز اخذ الفقيه اجرة أراضي الأنفال ) التي هي للإمام عليه السلام ( من المخالفين ) لأنهم عليهم - السلام انما أباحوا مالهم لشيعتهم ، اما غير الشيعة فتصرفه في الأرض لا يجوز ، الا باذن الفقيه الّذي هو نائب عنهم ( كما يكون ذلك للإمام عليه السلام ) اخذ الأجرة ( إذا ظهر ع ) .

وانما يظهر من المحقق الثاني الوهن في الاستدلال بهذا الحديث ( للشك في عموم النيابة ) للفقيه ( وهو ) اى الشك ( في محله ) لما عرفت .

( ثم : ان قوله بمن لا ولي له في المرسلة المذكورة ليس مطلق من لا ولي له ) .

ص: 207

بل المراد عدم الملكة ، يعنى انه ولى من من شأنه ان يكون له ولى ، بحسب شخصه ، أو صنفه ، أو نوعه ، أو جنسه ،

_________________________

فالمصنف في هذا الكلام في مقام بيان امرين .

الأول - النسبة بين هذه المرسلة وبين التوقيع .

الثاني - في مقام بيان مفاد المرسلة .

اما الأول - فالنسبة عموم من وجه إذ مادة الاجتماع كون الحادثة مشروعة ومصلحة للمولى عليه ، ومادة افتراق المرسلة من التوقيع كون الحادثة مصلحة للمولى عليه مع الشك في مشروعيتها - بقطع النظر عن المرسلة التي هي تثبت الشرعية - ، ومادة افتراق التوقيع كون الحادثة غير مصلحة مع مشروعيتها .

اما الثاني - وهو مفاد المرسلة وهو ما تكلم حوله ولخصه أخيرا بقوله : فمحصله ( بل المراد عدم الملكة ) الملكة عبارة عن الوجود الخاص ، ويسمى ملكة ، لأجل ان محلها ، أو ماهيتها تملك ذلك الوجود ، بخلاف مطلق الوجود ، فإنه لا يسمى ملكة ( يعنى انه ولى من من شأنه ان يكون له ولى ، بحسب شخصه ، أو صنفه ، أو نوعه ، أو جنسه ) الشخص كزيد والصنف كالزنجى ، والنوع كالانسان ، والجنس كالحيوان .

وعدم الملكة دائما يجب ان يكون له محل قابل من هذه الأمور الأربعة .

مثلا : إذا كان شخص زيد مورد الآن يكون له نفسية رفيعة ، ثم لم تكن له ذلك ، كان عدم النفسية عدم ملكة بالنسبة إليه ، .

ص: 208

فيشمل الصغير الّذي مات أبوه ، والمجنون بعد البلوغ ، والغائب ، والممتنع والمريض ،

_________________________

وإذا كان صنف الزنجي مقتضيا للسواد ، ثم كان زنجي ابيض ، كان عدم السواد عدم ملكة بالنسبة إليه .

وإذا كان نوع الانسان مقتضيا لان يكون متكلما ، ثم كان فرد اخرس كان عدم التكلم عدم ملكة بالنسبة إليه ، وإذا كان جنس الحيوان مقتضيا لان يكون حساسا ، ثم كان فرد من الحيوان غير حساس ، كان عدم الحس عدم ملكة بالنسبة إليه .

ففي المقام إذا كان شخص مقتضى القاعدة ان يكون له ولى خاص ثم لم يكن له ولى ، كان السلطان وليا له ( فيشمل الصغير الّذي مات أبوه ) - وهذا مثال للصنف - ولم يمثل للشخص لأنه ليس لنا مورد تكون الولاية على شخص الانسان بحيث لا تتعدى إلى غيره .

وباقي الأمثلة - باستثناء المثال الأخير : اى قاطبة المسلمين - أمثلة للنوع ، إذ : نوع الانسان القاصر مما ينبغي ان يكون له ولى ، فإذا لم يكن له ولى خاص ، كانت الولاية للسلطان .

اما المثال الأخير : فهو مثال للجنس ، إذ : جنس الحي الّذي له مصلحة لا يتمكن من الوصول إليها ينبغي ان يكون له ولى ، فتدبر ، ( والمجنون بعد البلوغ ) إذا المجنون قبل البلوغ ولايته لأبيه وجده ( والغائب ) الّذي توقفت مصلحة له على التصرف في ماله مثلا ( والممتنع ) عن أداء الحق ( والمريض ) الّذي لا يتمكن من إدارة أموره بنفسه ، أو

ص: 209

والمغمى عليه ، والميت الّذي لا ولي له ، وقاطبة المسلمين ، إذا كان لهم ملك كالمفتوح عنوة ، والموقوف عليهم في الأوقاف العامة ، ونحو ذلك .

لكن يستفاد منها ما لم يكن يستفاد من التوقيع المذكور وهو الاذن في فعل كل مصلحة لهم ، فثبتت بها

_________________________

وكيل ( والمغمى عليه ) وشارب المنوّم ، ومن أشبهه ( والميت الّذي لا ولي له ) إذ : لو كان له ولى فلا تصل النوبة إلى الحاكم الشرعي ( وقاطبة المسلمين ، إذا كان لهم ملك كالمفتوح عنوة ) اى قهرا ( والموقوف عليهم في الأوقاف العامة ) كالمساجد ، والقناطر ، وما أشبه ( ونحو ذلك ) من الأمور الصنفية ، والنوعية ، والجنسية ، فان السلطان يتولى شؤونها

( لكن يستفاد منها ) اى من المرسلة ( ما لم يكن يستفاد من التوقيع المذكور وهو الاذن في فعل كل مصلحة لهم ) بينما سبق ان التوقيع انما يدل على مراجعة الغير إلى الفقيه ، لا ان للفقيه ان يتصرف في كل شؤون الناس .

اما ان التوقيع لا يستفاد منه ذلك ، لأنه قال : فارجعوا فيه إلى رواة حديثنا ، ولم يتعرض لتصدى الفقيه بنفسه أمور الناس .

واما ان المرسلة : يستفاد منها ذلك ، لأنها قالت : ولى من لا ولي له .

ومن المعلوم : ان الولي يتصرف في شؤون المولى عليه سواء راجعه المولى عليه ، أم لا .

واما تخصيص ذلك ب : المصلحة ، فلظهور : ولى من ، في حذف :

اللام ، بين المضاف والمضاف إليه ، واللام ، يفيد المصلحة ( فثبتت بها ) اى

ص: 210

مشروعيته ما لم تثبت مشروعيته بالتوقيع المتقدم ، فيجوز له القيام بجميع مصالح الطوائف المذكورين .

نعم : ليس له فعل شيء لا يعود مصلحته إليهم ، وان كان ظاهر « الولي » يوهم ذلك ، إذ بعد ما ذكرنا من أن المراد ب « من لا ولي له من من شأنه ان يكون له ولى » يراد به كونه ممن ينبغي ان يكون له من يقوم بمصالحه ، لا بمعنى انه ينبغي ان يكون عليه ولى له عليه ولاية الاجبار ،

_________________________

بالمرسلة ( مشروعيته ما لم تثبت مشروعيته بالتوقيع المتقدم ) .

وعليه : ( فيجوز له ) اى للفقيه ( القيام بجميع مصالح الطوائف المذكورين ) كالايتام ، والمجانين ، والقصر ، وغيرهم - وهنا مورد افتراق المرسلة عن التوقيع - .

( نعم ) هذا بيان لاعمية التوقيع عن المرسلة ، فمادة الافتراق من جانب التوقيع ( ليس له ) اى للولي ( فعل شيء لا يعود مصلحته إليهم ) بخلاف التوقيع ، إذ لا دلالة فيه على كون ما يرجع إلى الفقيه فيه يلزم أن تكون مصلحة ( وان كان ظاهر « الولي » يوهم ذلك ) اى ان للولي فعل ما لا مصلحة لهم فيه - لان لفظ الولي شامل للتولى مطلقا مصلحة أم لا - .

وانما نقول : ليس له فعل شيء . . الخ ، ( إذ بعد ما ذكرنا من أن المراد ب « من لا ولي له من من شأنه ان يكون له ولى » يراد به ) اى بالولي ( كونه ممن ينبغي ان يكون له من يقوم بمصالحه ) وهذا معناه عمل ما في مصلحة المولى عليه ( لا بمعنى انه ينبغي ان يكون عليه ولى له عليه ولاية الاجبار ،

ص: 211

بحيث يكون تصرف ماضيا عليه .

والحاصل : ان الولي المنفى هو الولي للشخص ، لا عليه ، فيكون المراد بالولي المثبت ذلك أيضا ، فمحصله : ان اللّه جعل الولي الّذي يحتاج إليه الشخص ، وينبغي ان يكون له ، هو السلطان ، فافهم .

_________________________

بحيث يكون تصرفه ماضيا عليه ) كما يمضى تصرف الحاكم على من يجرى عليه حدا ، أو تعزيرا ، أو قصاصا ، أو بيعا لماله ، أو ما أشبه مما هو ضرر عليه ، وان كان فيه مصلحة العموم والنظام - مثلا - .

( والحاصل : ان الولي المنفى ) في قوله عليه السلام : من لا ولي له ، ( هو الولي للشخص ، لا ) الولي ( عليه ) أو الأعم من : له ، و : عليه ، ( فيكون المراد بالولي المثبت ) في قوله : السلطان ولى ، وذلك للتقابل بين النفي والاثبات ( ذلك ) الولي للنفع ( أيضا ، فمحصله : ان اللّه جعل الولي الّذي يحتاج إليه الشخص ، وينبغي ان يكون ) الولي ( له هو السلطان ) « السلطان » مفعول ثان ل « جعل » ( فافهم ) فان « اللام » في « له » انما يراد به النفع إذا كان في مقابل : عليه ، كما لو قيل : انا لك وزيد عليك ، اما إذا اطلق أحدهما فقط فليسا كذلك ، ولذا تقول : السلام عليك ، خصوصا وان : له ، بقرينة الولي وبقرينة السلطان ظاهر في التولي فقط ، وانما جيء باللام للالصاق .

ويمكن ان يكون فافهم إشارة إلى الاشكال في ما ذكره من عدم عموم ولاية الفقيه ، خصوصا بعد فهم الفقهاء ذلك من الأدلة وجريان عمل الغالب منهم على ذلك بالإضافة إلى الوجه الاعتباري وهو لزوم نقض

ص: 212

الغرض ، فان عدم صلاحية الفقيه يوجب تصرف غيرهم وتصدى الباقي كما لا يخفى .

وعلى اى حال فالذي يستظهر من النصوص ان الفقيه له الولاية المطلقة باستثناء ما كان خاصا بالامام ، ومراجعة تاريخ الفقهاء ترشد إلى أنهم فيما كانت الظروف تتاح لهم ، كانوا يزاولون الولاية المطلقة في مختلف الشؤون الدنيوية .

ص: 213

مسئلة في ولاية عدول المؤمنين ،

اعلم : ان ما كان من قبيل ما ذكرنا فيه ولاية الفقيه ، وهو ما كان تصرفا مطلوب الوجود للشارع ، إذا كان الفقيه متعذر الوصول ، فالظاهر جواز توليه لآحاد المؤمنين لأن المفروض كونه مطلوبا للشارع غير مضاف إلى شخص .

واعتبار نظارة الفقيه فيه ساقط ، بفرض التعذر .

_________________________

( مسئلة : في ولاية عدول المؤمنين ، اعلم : ان ما كان من قبيل ما ذكرنا فيه ) الضمير عائد إلى : ما ، ( ولاية الفقيه ) مفعول ذكرنا ( وهو ما كان تصرفا مطلوب الوجود للشارع ) كتجهيز الأموات ، وإدارة أمور القاصرين ( إذا كان الفقيه متعذر الوصول ) إليه ، كما لو كانوا في برية ومات أحدهم حيث لا يمكن ارجاء امره إلى حين الوصول إلى الفقيه ( فالظاهر جواز توليه ) والتصدي له ( لآحاد المؤمنين ) .

وانما قلنا : الظاهر ، ( لأن المفروض كونه مطلوبا للشارع غير مضاف إلى شخص ) خاص .

( و ) ان قلت : ان الشارع اعتبر نظارة الفقيه حسب ما تقدم من الأدلة .

قلت : ( اعتبار نظارة الفقيه فيه ) في هذا الشيء المطلوب للشارع ( ساقط ، ب ) سبب ( فرض التعذر ) لعدم وجود الفقيه ، فتولى الفقيه مثل الامر التعدد المطلوبى .

ص: 214

وكونه شرطا مطلقا له لا شرطا اختياريا مخالف لفرض العلم بكونه مطلوب الوجود مع تعذر الشرط ، لكونه من المعروف الّذي امر بإقامته في الشريعة .

نعم : لو احتمل كون مطلوبيته مختصة بالفقيه أو الامام ، صح الرجوع إلى اصالة عدم المشروعية

_________________________

( و ) ان قلت : لعل التولي للفقيه شرط مطلقا ، فإذا تعذر تولى الفقيه لم يجز لاحد ان يتولاه .

قلت : ( كونه شرطا مطلقا له ) اى لذلك الامر الّذي لا وليّ خاص له ( لا شرطا اختياريا ) اى في حال التمكن من الفقيه ، والاختيار - مقابل حال الاضطرار ، بسبب عدم وجود الفقيه ( مخالف لفرض العلم ) اى علمنا ( بكونه مطلوب الوجود مع تعذر الشرط ) ومن اين نعلم بكونه مطلوب الوجود مطلقا ؟ ( لكونه من المعروف الّذي امر بإقامته في الشريعة ) كلمة :

في ، متعلق ب : امر ، .

( نعم : لو احتمل كون مطلوبيته ) اى ذلك الامر المحتاج إلى الولي ( مختصة بالفقيه ) كالحدود مثلا ( أو الامام ) كبيع الأراضي المفتوحة عنوة ( صح الرجوع إلى اصالة عدم المشروعية ) اى عدم ولاية على شخص ، أو على شيء ، وعدم نفوذ تصرف انسان ، هو الأصل - اى الحالة السابقة ، إذا أريد استصحاب العدم - أو عدم هذه الصلاحية لمن يريد التولي ، إذ الصلاحية امر وجودي .

والظاهر أن الأصلين من باب السببى والمسببى ، فالشك في

ص: 215

كبعض مراتب النهى عن المنكر ، حيث إن اطلاقاته لا تعم ما إذا بلغ حدّ الجرح ،

قال الشهيد ره في قواعده يجوز للآحاد مع تعذر الحكام تولية آحاد التصرفات الحكمية على الأصح ، كدفع ضرورة اليتيم ، لعموم : وتعانوا على البر والتقوى ، وقوله عليه السلام : واللّه تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ، وقوله : كل معروف صدقه وهل يجوز اخذ

_________________________

النفوذ من باب الشك في الصلاحية ( كبعض مراتب النهى عن المنكر ، حيث إن اطلاقاته ) اى اطلاقات دليل النهى عن المنكر ( لا تعم ما إذا بلغ ) النهى ( حدّ الجرح ) كما لو أن مرتكب شرب الخمر لا ينقلع الا إذا أدمينا جسمه بالسكين ، ونحوه .

( قال الشهيد ره ) الأول ( في قواعده يجوز للآحاد ) من الناس ( مع تعذر الحكام ) اى تعذر امر الحكام بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر ( تولية آحاد التصرفات الحكمية ) - بكسر الحاء - اى المشتملة على الحكمة والمصلحة ( على الأصح ) خلافا لمن يقول بعدم الجواز في ذلك ( كدفع ضرورة اليتيم ) اى التصرف الّذي يدفع به ضرورة واحتياج اليتيم ، كتزويجه وبيع املاكه ، وما أشبه .

وانما يجوز ذلك ( لعموم : وتعاونوا على البر والتقوى ، وقوله عليه السلام : واللّه تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) اى ما دام كان في عون أخيه ( وقوله : كل معروف صدقه ) قال ( وهل يجوز اخذ

ص: 216

الزكوات والأخماس من الممتنع ، وتفريقها في أربابها ، وكذا بقية وظائف الحكام غير ما يتعلق بالدعاوى فيه وجهان .

وجه الجواز ما ذكرنا ، ولأنه لو منع من ذلك ، لفاتت مصالح صرف تلك الأموال ، وهي مطلوبة للّه تعالى .

وقال بعض متأخري العامة ان القيام بهذه المصالح أهم من ترك تلك الأموال بأيدي الظلمة يأكلونها بغير حقها ، ويصرفونها إلى غير مستحقها ، ف

_________________________

الزكوات والأخماس ، من الممتنع ، وتفريقها في أربابها ) اى المستحقين لهذه الحقوق ( وكذا ) هل يجوز تصدى ( بقية وظائف الحكام ) في حال كون تلك الوظائف ( غير ما يتعلق بالدعاوى ) اى غير القضاء من الأمور الراجعة إلى الحكام كاجراء الحدود ، وما أشبه ( فيه وجهان ) الجواز والعدم .

( وجه الجواز ما ذكرنا ) اى : كل معروف صدقة ، وغيرها من الآيات والاخبار ( ولأنه لو منع من ذلك ، لفاتت مصالح صرف تلك الأموال ) اى الأخماس ، والزكوات ( وهي ) اى تلك المصالح ( مطلوبة للّه تعالى ) ففوتها نقض الغرض .

( وقال بعض متأخري العامة ) : لا شك ( ان القيام بهذه المصالح ) اى مصالح صرف تلك الأموال ، كانعاش الفقراء ، واصلاح الطرق ، والقيام بسائر مصالح المسلمين ( أهم من ترك تلك الأموال بأيدي الظلمة ) الذين يستولون على الناس إذا انسحب أهل الخير والصلاح من القيام بهذه الشؤون ( يأكلونها بغير حقها ، ويصرفونها إلى غير مستحقها ، ف ) إذا

ص: 217

ان توقع امام يصرف ذلك في وجهه حفظ المتمكن تلك الأموال إلى حين تمكنه من صرفها إليه .

وان يئس من ذلك كما في هذا الزمان ، تعين صرفه على الفور في مصارفه ، لما في ابقائه من التغرير وحرمان مستحقيه من تعجيل اخذه ، مع مسيس حاجتهم إليه ولو ظفر بأموال مغصوبة حفظها لأربابها حتى يصل إليهم ،

و

_________________________

اخذ المتدين هذه الأموال ، ف ( ان توقع امام يصرف ذلك ) المال ( في وجهه ) بان كان منتظرا له ( حفظ ) الانسان ( المتمكن ) الّذي اخذ المال ( تلك الأموال إلى حين تمكنه من صرفها ) اى صرف تلك الأموال ( إليه ) قالوا وقد ادخر الشيخ الكلباسي ره صناديق من المال لأجل اعطائها إلى الإمام الحجة المهدى عجل اللّه فرجه ، فلما مات وجاءت نوبة حجة الاسلام الشفتى صرفها كلا فورا .

( وان يئس من ذلك ) من التمكن عن الامام ( كما في هذا الزمان تعين صرفه على الفور في مصارفه ، لما في ابقائه ) مع اليأس ( من التغرير ) اى تعريض المال إلى الخطر ( وحرمان مستحقيه من تعجيل اخذه ) فان المستحق له الحق في ان يأخذ تلك الأموال وان يأخذها فورا ، فلو اخر اعطائه إليه كان حرما ناله من التعجيل في اخذه ( مع مسيس حاجتهم إليه ) اى حاجتهم ماسّة وحاضرة .

ومن المعلوم : ان عدم اعطاء الحق كما ليس بجائز ، كذلك تأخير الحق عن وقته ( ولو ظفر ) الانسان المتدين ( بأموال مغصوبة حفظها لأربابها حتى يصل ) المال ( إليهم ،

ص: 218

مع اليأس يتصدق بها عنهم ، وعند العامة تصرف في المصارف العامة انتهى .

والظاهر : ان قوله : فان توقع إلى آخره من كلام الشهيد ره ولقد أجاد فيما أفاد ، الا انه لم يبين وجه عدم الجواز .

لعل وجهه ان مجرد كون هذه الأمور من المعروف لا ينافي اشتراطها بوجود الامام ، أو نائبه ، كما في قطع الدعاوى ، وإقامة الحدود

_________________________

مع اليأس ) عن الوصول إلى أربابه ( يتصدق بها عنهم ، وعند العامة تصرف ) تلك الأموال المغصوبة ( في المصارف العامة ) كبناء المساجد ، والقناطر ، والسبل ، وما أشبه ( انتهى ) كلام الشهيد ره .

( والظاهر : ان قوله : فان توقع إلى آخره من كلام الشهيد ره ) لا من كلام العامة ، إذ : العامة لا يعنونون مسئلة ترتبط بالامام الغائب خصوصا .

والظاهر من قوله - كما في هذا الزمان - ان الامام الّذي في كلامه الامام الأصل ، لا كل امام حتى يمكن ان يكون المراد : بعد المتمكن من امام المسلمين ، فيمكن ان يكون من كلام العامة ، ولا منافاة بين عدم عنوانهم لمثل هذه المسائل مع اعترافهم في كتبهم بالامام المهدي عليه السلام ( ولقد أجاد فيما أفاد ، الا انه لم يبين وجه عدم الجواز ) بعد ان قال : فيه وجهان ، .

و ( لعل وجهه ان مجرد كون هذه الأمور من المعروف لا ينافي اشتراطها بوجود الامام ، أو نائبه ، كما في قطع الدعاوى ، وإقامة الحدود )

ص: 219

وكما في التجارة بمال الصغير الّذي له أب وجد ، فان كونها من المعروف لا ينافي وكوله إلى شخص خاص .

نعم : لو فرض المعروف على وجه يستقل العقل بحسنه مطلقا ، كحفظ اليتيم من الهلاك الّذي يعلم رجحانه على مفسدة التصرف في مال الغير بغير اذنه ، صح المباشرة بمقدار يندفع به الضرورة .

أو فرض على وجه يفهم من دليله جواز تصديه لكل أحد ، الا انه خرج ما لو تمكن من الحاكم - حيث دلت الأدلة على وجوب ارجاع الأمور

_________________________

فإنها من المعروف ومع ذلك مشروطة بوجود القاضي ( وكما في التجارة بمال الصغير الّذي له أب وجد ، فان كونها من المعروف لا ينافي وكوله إلى شخص خاص ) هو الأب والجد ، وكما في تجهيز الميت فان كونه معروفا لا ينافي وكوله إلى الأولياء إلى غير ذلك من الأمثلة .

( نعم : لو فرض المعروف على وجه يستقل العقل بحسنه مطلقا ) سواء كان هناك شخص خاص ، أم لا ؟ ( كحفظ اليتيم من الهلاك الّذي يعلم رجحانه على مفسدة التصرف في مال الغير بغير اذنه ) مثلا انجائه من العرق يستلزم اخذ ثوبه ، أو انجائه من النار يستلزم الدخول إلى داره ، وهكذا ( صح المباشرة بمقدار يندفع به الضرورة ) مثلا : إذا دخل داره لا يدخل زواياها التي لا يرتبط بانجائه ، وهكذا .

( أو فرض ) عطف على : لو فرض ، ( على وجه يفهم من دليله جواز تصديه ) اى تولى ذلك المعروف ( لكل أحد ، الا انه خرج ) صورة ( ما لو تمكن من الحاكم - حيث دلت الأدلة على وجوب ارجاع الأمور

ص: 220

إليه - وهذا كتجهيز الميت والا فمجرد كون التصرف معروفا لا ينهض في تقييد ما دل على عدم ولاية أحد على مال أحد ، أو نفسه .

ولهذا الا يلزم عقد الفضولي على المعقود له بمجرد كونه معروفا ومصلحة ، ولا يفهم من أدلة المعروف ولاية للفضولى على المعقود عليه لان المعروف هو التصرف في المال ، أو النفس ، على الوجه المأذون فيه من المالك ، أو العقل ،

_________________________

إليه - ) فإذا لم يكن حاكم يكون عموم : تصدى كل أحد ، محكما ( وهذا كتجهيز الميت ) فيما إذا لم يمكن الاخذ من الحاكم ( والا ) يكن الفرض الأول ، والفرض الثاني ( فمجرد كون التصرف معروفا لا لم ينهض في تقييد ما دل على عدم ولاية أحد على مال أحد ، أو ) على ( نفسه ) .

والحاصل : ان هناك امرين ،

الأول - كون الامر معروفا على الاطلاق .

والثاني - عدم وجود متول خاص له ، فإذا لم يثبت الأول ، أو ثبت الثاني لم يجز التصدي لكل أحد .

( ولهذا ) الّذي ذكرنا من أن مجرد كون التصرف معروفا لا ينهض الخ ( لا يلزم عقد الفضولي على المعقود له ) اى المالك ( بمجرد كونه معروفا ومصلحة ، ولا يفهم من أدلة المعروف ) اى : كل معروف صدقة ، وما أشبه ( ولاية للفضولى على المعقود عليه ) اى المال الّذي عقد عليه الفضول .

وانما نقول : بان كل معروف صدقة لا يشمل مثل ذلك ( لان المعروف هو التصرف في المال ، أو النفس ، على الوجه المأذون فيه من المالك ، أو العقل

ص: 221

أو الشارع من غير جهة نفس أدلة المعروف .

وبالجملة : تصرف غير الحاكم يحتاج إلى نص عقليّ أو عموم شرعي أو خصوص في مورد جزئي ، فافهم .

_________________________

أو الشارع من غير جهة نفس أدلة المعروف ) كلمة : من ، متعلق ب :

الشارع ، اى يكون الشارع أجاز إجازة خارجية ، كمسألة تجهيز الميت .

وذلك لان : كل معروف ، انما رتب الحكم على الموضوع المحقق ، اى كون الشيء : معروفا ، فلا يمكن ان يكون : كل معروف ، مثبتا للموضوع وإلا لزم تساوى رتبة الحكم والموضوع ، وذلك محال ،

وعليه : فإذا ثبت ان شيئا معروف ، سواء كان الثبوت بواسطة اذن المالك أو بواسطة العقل أو بواسطة الشرع ، كان ذلك من صغريات كل معروف صدقة ، والا فمجرد : كل معروف ، لا يتكفل بكون الشيء معروفا .

( وبالجملة : تصرف غير الحاكم يحتاج إلى نص عقليّ ) كحسن الاحسان ( أو عموم شرعي ) كادلة انقاذ الغريق الشامل للتصرف في ثوب الطفل والمجنون الغريقين ( أو خصوص في مورد جزئي ) كما لو قال الشارع : يجوز لكل انسان ان يجهز الميت الّذي لا متولى له ( فافهم ) إذ : المعروف ، ما كان عند العرف معروفا ، وكفى ، ومثال تصرف الفضول في غير محله ، إذ عمله مع وجود المالك ليس معروفا أصلا ، وان كان ذا ربح ، فإذا تحقق الموضوع العرفي اى قيل للشيء : انه معروف ، ولم يكن هناك دليل خاص يمنع عن التصرف كان مقتضى القاعدة جواز توليه لعموم : كل معروف صدقة ، و : تعاونوا على البر ، و : ما على

ص: 222

بقي الكلام : في اشتراط العدالة في المؤمن الّذي يتولى المصلحة عند فقد الحاكم ، كما هو ظاهر أكثر الفتاوى ، حيث يعبرون ب « عدول المؤمنين » وهو مقتضى الأصل .

ويمكن ان يستدل عليه ببعض الاخبار أيضا ، ففي صحيحة محمد بن إسماعيل رجل مات من أصحابنا بغير وصية فرفع امره إلى قاضى الكوفة فصير عبد الحميد القيم بماله ، وكان الرجل خلف ورثة صغارا ، ومتاعا ، وجواري فباع عبد الحميد المتاع ، فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهن

_________________________

المحسنين من سبيل ، وما أشبه من الأدلة العامة .

( بقي الكلام : في اشتراط العدالة في المؤمن الّذي يتولى المصلحة عند فقد الحاكم ) هل هي شرط ، أم لا ؟ ( كما هو ظاهر أكثر الفتاوى ، حيث يعبرون ب « عدول المؤمنين » ) في هذه المسألة ( وهو مقتضى الأصل ) اى اصالة عدم جواز تولى الغير تكليفا ووضعا - بمعنى عدم نفوذ تصرفه - .

( ويمكن ان يستدل عليه ) اى اشتراط العدالة في المتولى عند فقد الحاكم ( ببعض الاخبار أيضا ، ففي صحيحة محمد بن إسماعيل رجل مات من أصحابنا بغير وصية ، فرفع امره ) بالنسبة إلى أمواله وصغاره ( إلى قاضى الكوفة فصير ) القاضي ( عبد الحميد القيم بماله ، وكان الرجل خلّف ورثة صغارا ، ومتاعا ، وجواري ) جمع جارية بمعنى الأمة ( فباع عبد الحميد المتاع ، فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهن ) ووسوس في ذلك

ص: 223

إذ لم يكن الميت صير إليه وصية وكان قيامه فيها بأمر القاضي لا نهن فروج قال : فذكرت ذلك لأبي جعفر ( ع ) وقلت له : يموت الرجل من أصحابنا ولا يوصى إلى أحد ، ويخلف الجواري ، فيقيم القاضي رجلا منا ، لبيعهن أو قال يقوم بذلك رجل منا ، فيضعف قلبه لا نهن فروج ، فما ترى في ذلك قال : إذا كان القيم به مثلك ، ومثل عبد الحميد ، فلا بأس ، بناء على أن المراد من المماثلة ، اما المماثلة في التشيع ، أو في الوثاقة ، وملاحظة مصلحة اليتيم ، وان لم يكن شيعيا ، أو في الفقاهة ، بان يكون من نواب الامام

_________________________

( إذ لم يكن الميت صير إليه وصية ) اى لم يجعله وصيا على نفسه ( وكان قيامه ) اى عبد الحميد ( فيها ) اى في الوصية ( بأمر القاضي ) وانما ضعف قلبه ( لا نهن فروج ) والاحتياط يقتضي بالدقة فيها ( قال : فذكرت ذلك لأبي جعفر ( ع ) وقلت له : يموت الرجل من أصحابنا ، ولا يوصى ) ذلك الميت ( إلى أحد ، ويخلف ) ذلك الميت ( الجواري ، فيقيم القاضي رجلا منا ، لبيعهن ، أو قال يقوم بذلك رجل منا ، فيضعف قلبه لا نهن فروج ، فما ترى في ذلك ) هل يبيع الجواري ، أم لا ؟ ( قال : إذا كان القيم به مثلك ، ومثل عبد الحميد ، فلا بأس ) بالتولى لامر الميت ( بناء ) اى الاستدلال مبنى على تزييف الاحتمالات ، باستثناء العدالة كما يتضح مما يأتي ( على أن المراد من المماثلة ، اما المماثلة ، في التشيع ، أو في الوثاقة ، وملاحظة مصلحة اليتيم ، وان لم يكن شيعيا ) وملاحظة عطف على : الوثاقة ، ( أو في الفقاهة ، بان يكون من نواب الامام

ص: 224

عموما في القضاء بين المسلمين أو في العدالة .

والاحتمال الثالث مناف لاطلاق المفهوم الدال على ثبوت البأس مع عدم الفقيه ، ولو مع تعذره وهذا بخلاف الاحتمالات الأخر ، فان

_________________________

عموما ) بان يكون نائبا عاما إذ لو كان نائبا خاصا لم يكن وجه لخوفه من التصرف في الجواري ( في القضاء بين المسلمين ) أو في الأعم من القضاء ( أو في العدالة ) .

( والاحتمال الثالث ) اى إرادة الفقاهة من قوله عليه السلام :

مثلك ومثل عبد الحميد ، ( مناف لاطلاق المفهوم الدال على ثبوت البأس ) وذلك المفهوم هو : وان لم يمكن مثلك ، ومثل عبد الحميد ، ففيه البأس ، ( مع عدم الفقيه ) مطلقا اى ( ولو مع تعذره ) .

إذ : لو قلنا : ان الامام بين انه لا بأس إذا كان فقيها ، كان مفهومه انه إذا لم يكن فقيها كان فيه البأس ، سواء كان الفقيه موجودا ، أو لم يكن موجودا .

وحيث إنه من المعلوم : ان مع عدم وجود الفقيه ليس بأس بغير الفقيه ، يهدم المفهوم ، وإذا هدم المفهوم هدم المنطوق ، فليس المراد ب : مثلك ، الفقيه .

اللهم الا ان يقال : ان المفهوم أعم ، لكنه خصص بالدليل الخارجي كما لو قال : أكرم زيدا ان جاءك ، ثم دل الدليل على وجوب : اكرام زيد إذا أكرمك ولو لم يجئك ، فإنه يخصص المفهوم .

( وهذا ) الاحتمال الثالث ( بخلاف الاحتمالات الأخر ، فان

ص: 225

البأس ثابت للفاسق ، أو الخائن ، أو المخالف ، وان تعذر غيرهم فتعين أحدها الدائر بينها ، فيجب الاخذ في مخالفة الأصل بالأخص منها وهو العدل .

لكن الظاهر من بعض الروايات كفاية الأمانة ، وملاحظة مصلحة اليتيم ، فيكون مفسرا للاحتمال الثاني في وجه المماثلة المذكورة في الصحيحة .

_________________________

البأس ثابت للفاسق ) مقابل العادل مطلقا ، سواء كان العادل موجودا أم لا ( أو الخائن ) مقابل الموثق ، سواء كان الموثق موجودا ، أم لا ( أو المخالف ) مقابل الشيعي ، سواء كان السنى موجودا ، أم لا ، ( وان تعذر غيرهم ) كلمة : ان ، وصلية ، والمراد بغيرهم العادل والموثق والشيعي .

وحيث سقط احتمال الفقاهة ( فتعين أحدها ) اى الثلاثة ( الدائر بينها ) إذ لا احتمال آخر ( فيجب الاخذ في مخالفة الأصل بالأخص منها ) فان التصرف في أموال الغير ، غير جائز الا بالقدر الّذي علمنا جوازه ، والمعلوم جوازه ، هو الأخص من الثلاثة الّذي اجتمع فيه كل الثلاثة ( وهو العدل ) الجامع للتشيع والوثاقة .

( لكن الظاهر من بعض الروايات كفاية الأمانة ) في تصدى أموال الصغار ( وملاحظة مصلحة اليتيم ، فيكون ) هذا الحديث ( مفسرا للاحتمال الثاني ) اى كفاية الوثاقة ( في وجه المماثلة المذكورة في الصحيحة ) اى قول الإمام : مثلك ، يراد به : مثلك في الوثاقة ، لا : مثلك في الفقاهة أو التشيع أو العدالة .

ص: 226

ففي صحيحة علي بن رئاب رجل مات وبيني وبينه قرابة ، وترك أولادا صغارا ومما ليك علمانا وجواري ولم يوص ، فما ترى فيمن يشترى منهم الجارية ؟

يتخذها أم ولد وما ترى في بيعهم ، قال فقال ان كان لهم ولى يقوم بأمرهم ، باع عليهم ونظر لهم وكان مأجورا بهم ، قلت : فما ترى فيمن يشترى منهم الجارية ، ويتخذها أم ولد ، فقال لا بأس بذلك ، إذا باع عليهم القيّم بأمرهم الناظر فيما يصلحهم ، وليس لهم ان يرجعوا فيما فعله القيّم بأمرهم ، الناظر فيما يصلحهم

وموثقة زرعة عن سماعة في رجل مات وله بنون وبنات ، صغار وكبار من غير وصية ، وله خدم ومماليك ، وعقر ،

_________________________

( ففي صحيحة علي بن رئاب ، رجل مات وبيني وبينه قرابة ، وترك أولاد اصغارا ومماليك علمانا وجواري ولم يوص ، فما ترى فيمن يشترى منهم الجارية يتخذها أم ولد ؟ ) بان يطئها فتلد منه ( وما ترى في بيعهم ) - وهذا كالتأكيد على اعضال الامر لان الاشتراء محذور ووطيها محذور آخر - ( قال فقال : ان كان لهم ولىّ يقوم بأمرهم باع عليهم ، ونظر لهم ، وكان مأجورا بهم ، قلت : فما ترى فيمن يشترى منهم الجارية ، ويتخذها أم ولد فقال لا بأس بذلك ، إذا باع عليهم القيّم بأمرهم الناظر فيما يصلحهم ، وليس لهم ) اى للأولاد الصغار إذا كبروا ( ان يرجعوا فيما فعله القيّم بأمرهم الناظر فيما يصلحهم ) الخبر فان ظاهر هذا الخبر كفاية كون الامر صادرا عن اصلاح

( وموثقة زرعة عن سماعة في رجل مات وله بنون وبنات صغار وكبار من غير وصية ، وله خدم ومماليك ، وعقر ) مماليك اما عطف بيان ، واما المراد بالخادم الأمة ، فان لفظ الخادم يستعمل للمذكر والمؤنث

ص: 227

كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك قال إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كله ، فلا بأس بناء على أن المراد من يوثق به ، ويطمئن بفعله عرفا وان لم يكن فيه ملكة العدالة .

لكن في صحيحة إسماعيل بن سعد ما يدل على اشتراط تحقق عنوان العدالة ، قال سألت الرضا عليه السلام : عن رجل يموت بغير وصية ، وله ولد صغار وكبار ، أيحل شراء شيء من خدمه ومتاعه من غير أن يتولى القاضي بيع ذلك ؟ فان تولاه قاض قد تراضوا به ، ولم يستخلفه الخليفة

_________________________

وحيث إن المملوك خاص بالمذكر يخصص الخدم بالمؤنث ( كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك ) المال الأعم من المملوك ( قال ) عليه السلام : ( ان قام رجل ثقة قاسمهم ) اى قسم بين الورثة ( ذلك ) المال ( كله فلا بأس ) .

وجه الاستدلال بهذا الخبر لكفاية الوثاقة ( بناء على أن المراد من يوثق به ، ويطمئن بفعله عرفا وان لم يكن فيه ملكة العدالة ) .

وانما قال : بناء لاحتمال ان يراد بالوثاقة ، العدالة ، فان الوثاقة الظاهرة في التامة - لا تكون الا بالعدالة .

( لكن في صحيحة إسماعيل بن سعد ما يدل على اشتراط تحقق عنوان العدالة ) الظاهرة في عدم كفاية الوثاقة ( قال سألت الرضا عليه السلام : عن رجل يموت بغير وصية ، وله ولد صغار وكبارا يحل شراء شيء من خدمه ومتاعه من غير أن يتولى القاضي بيع ذلك ؟ فان تولاه ) اى البيع ( قاض قد تراضوا ) الورثة ( به ، ولم يستخلفه الخليفة ) اى لم يكن

ص: 228

أيطيب الشراء منه ، أم لا ؟ قال عليه السلام : إذا كان الأكابر من ولده معه في البيع ، فلا بأس إذا رضى الورثة بالبيع وقام عدل في ذلك هذا .

والّذي ينبغي ان يقال : انك قد عرفت ان ولاية غير الحاكم لا تثبت الا في مقام يكون عموم عقلي ، أو نقلي ، يدل على رجحان التصدي لذلك المعروف أو يكون هناك دليل خاص

_________________________

قاضيا مأذونا ، وانما هم الورثة نصبوه وارتضوا به ( أيطيب الشراء منه ، أم لا ؟ قال عليه السلام : إذا كان الأكابر من ولده ) اى أولاد الميت ( معه ) اى مع القاضي ( في ) حين ( البيع ، فلا بأس إذا رضى الورثة بالبيع ) والمراد سائر الورثة غير الأولاد الكبار ، كالزوجة والإناث ( وقام عدل في ذلك ) .

اللهم الا ان يقال : يفهم من هذا الحديث اشتراط شاهد عدل عند البيع ، لا اشتراط ان يكون القيم عادلا .

الا ان يحتمل : فهم العدالة من لفظ القاضي ، فإنه يشترط في القاضي ان يكون عادلا ( هذا ) تمام الكلام في مفاد الروايات في باب اشتراط العدالة في المتصدى ، إذا فقد الفقيه .

( والّذي ينبغي ان يقال ) في جواز تصدى الفاسق ، انه ( انك قد عرفت ان ولاية غير الحاكم لا تثبت الا في مقام يكون عموم عقلي ، أو نقلي ، يدل على رجحان التصدي لذلك المعروف ) كعموم العقل بحسن انقاذ المظلوم من يد الظالم ، أو عموم النقل بان كل معروف صدقة - فيما ثبت ان التصدي معروف - ( أو يكون هناك دليل خاص ) يدل عليه

ص: 229

على الولاية اتبع ذلك النص عموما ، أو خصوصا فقد يشمل الفاسق ، وقد لا يشمل .

واما ما ورد فيه العموم ، فالكلام فيه قد يقع في جواز مباشرة الفاسق وتكليفه بالنسبة إلى نفسه ، وانه هل يكون مأذونا من الشرع في المباشرة أم لا ؟ وقد يكون بالنسبة إلى ما يتعلق من فعله بفعل غيره إذا لم يعلم وقوعه على وجه المصلحة ، كالشراء منه مثلا .

_________________________

اى على تصدى غير الفقيه لهذا المورد الخاص - مثل دليل الامر بالمعروف والنهى عن المنكر في القبض على يد الفاعل للمنكر - .

فما ورد فيه نص خاص ( على الولاية اتبع ذلك النص عموما أو خصوصا ) فإذا قال النص : ان المتولى يجب ان يكون عادلا ، لزم ان يكون عادلا ، وإذا اطلق ، جاز ان يكون فاسقا أيضا ( فقد يشمل ) النص الخاص ( الفاسق ، وقد لا يشمل ) وهذا تفسير لقوله : عموما أو خصوصا .

اما ما ورد فيه الخصوص ، فلا كلام فيه .

( واما ما ورد فيه العموم ، فالكلام فيه قد يقع في جواز مباشرة الفاسق وتكليفه بالنسبة إلى نفسه ، وانه هل يكون مأذونا من الشرع في المباشرة ) لذلك العمل ( أم لا ؟ وقد يكون بالنسبة إلى ما يتعلق من فعله بفعل غيره ) بفعل ، متعلق ب : يتعلق ، ( إذا لم يعلم ) ذلك الغير ( وقوعه ) اى فعل الفاسق ( على وجه المصلحة ، كالشراء منه مثلا ) مثال ما يتعلق من فعل الفاسق بفعل الغير .

ص: 230

اما الأول : فالظاهر جوازه ، وان العدالة ليست معتبرة في منصب المباشرة ، لعموم أدلة فعل ذلك المعروف ولو مثل قوله عليه السلام :

عون الضعيف من أفضل الصدقة ، وعموم قوله تعالى : وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، ونحو ذلك .

وصحيحة محمد بن إسماعيل السابقة قد عرفت انها محمولة على صحيحة علي بن رئاب المتقدمة ، بل وموثقة زرعة ، وغير ذلك مما

_________________________

( اما الأول ) اى مباشرة الفاسق وتكليفه بالنسبة إلى نفسه ( فالظاهر جوازه ، وان العدالة ليست معتبرة في منصب المباشرة ، لعموم أدلة فعل ذلك المعروف ولو مثل قوله عليه السلام : عون الضعيف من أفضل الصدقة ، وعموم قوله تعالى : وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) حيث يشمل المستثنى كل انسان ( ونحو ذلك ) مثل : ما على المحسنين من سبيل ، و : تعاونوا على البر والتقوى ، و : أحسن كما أحسن اللّه أليك ، و : ما أشبه ، من الآيات والروايات .

( و ) لا يستشكل بان هذه العمومات مقيدة بما دل على اعتبار العدالة ، كصحيحة إسماعيل ، ومحمد بن إسماعيل .

لأنا نقول : اما صحيحة إسماعيل ، فليست مربوطة بمحل الكلام ، إذ الكلام الآن في نفس الفاسق المتصدى ، والكلام في الصحيحة في مسئلة الشراء - اى عمل الغير - .

واما ( صحيحة محمد بن إسماعيل السابقة ) ف ( قد عرفت انها محمولة على صحيحة علي بن رئاب المتقدمة ، بل وموثقة زرعة ، وغير ذلك مما

ص: 231

سيأتي .

ولو ترتب حكم الغير على الفعل الصحيح منه كما إذا صلى فاسق على ميت لا ولي له ، فالظاهر سقوطها عن غيره إذا علم صدور الفعل منه وشك في صحته .

ولو شك في حدوث الفعل منه واخبر به ، ففي قبوله اشكال .

_________________________

سيأتي ) اى رواية الكاهلي الآتية ، مما دل على كفاية الصلاح للطفل .

( ولو ترتب حكم الغير على الفعل الصحيح منه ) اى من الفاسق ، اى ان الفاسق لو أتى بالفعل الصحيح ، سقط عن الغير ، والا لم يسقط ( كما إذا صلى فاسق على ميت لا ولي له ، فالظاهر ) من دليل حمل فعل المسلم على الصحيح ( سقوطها عن غيره إذا علم صدور الفعل منه ) اى من الفاسق ، ولو كان العلم علما عاديا حاصلا من قرائن الأحوال ( وشك في صحته ) وعدم صحته ، وكذلك في سائر تجهيزات الميت .

( ولو شك في حدوث الفعل منه ) اى من الفاسق ( و ) لكن ( اخبر به ) اى بأنه فعله ( ففي قبوله ) اى قبول قوله ( اشكال ) من : آية النبأ الظاهرة في عدم قبول قول الفاسق ، ولو شك فالأصل عدم القبول ، وعدم سقوط التكليف عن العادل ، وعدم حصول العمل المطلوب للشارع .

ومن : ان الرواية المروية عن أمير المؤمنين : ضع امرا أخيك على أحسنه .

ومن المعلوم : ان الامر ليس خاصا بالفعل .

مضافا إلى المناط الموجود في القول كالفعل ، فيكون ذلك حاكما

ص: 232

واما الثاني : فالظاهر اشتراط العدالة فيه ، فلا يجوز الشراء منه وان ادعى كون البيع مصلحة بل يجب اخذ المال من يده .

ويدل عليه - بعد صحيحة إسماعيل بن سعد المتقدمة بل وموثقة زرعة بناء على إرادة العدالة من الوثاقة - ان عموم أدلة القيام بذلك المعروف لا يرفع اليد عنها بمجرد تصرف الفاسق ،

_________________________

على ظاهر الآية ، كما يحكم عليه الفعل .

( واما الثاني ) وهو ما يكون بالنسبة إلى ما يتعلق من فعل الفاسق بفعل غيره ( فالظاهر ) من الأدلة ( اشتراط العدالة فيه ) اى في ترتيب الغير فعله على فعل المتصرف في أموال الطفل ، أو في نفس الطفل - كما لو أراد زواجه - ( فلا يجوز الشراء منه ، وان ادعى كون البيع مصلحة بل يجب اخذ المال ) للطفل ( من يده ) .

( ويدل عليه ) اى على عدم جواز الشراء منه ( - بعد صحيحة إسماعيل بن سعد المتقدمة ) حيث قال الإمام عليه السلام : وقام عدل في ذلك - بناء على كون المراد قيام العدل بالبيع ، لا قيام عدل شاهد على البيع - ( بل وموثقة زرعة ) حيث قال عليه السلام : ان قام رجل ثقة ( بناء على إرادة العدالة من الوثاقة - ان عموم أدلة القيام بذلك المعروف ) كقوله : لا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن ، وقوله :

ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ، بناء على وجود المناط في العمل بالخير ، كالدعوة إليه ، وما أشبه هذه الآيات ( لا يرفع اليد عنها ) اى عن تلك الأدلة العامة ( بمجرد تصرف الفاسق ) .

ص: 233

فان وجوب اصلاح مال اليتيم ، ومراعاة غبطته لا ترتفع عن الغير بمجرد تصرف الفاسق .

ولا يجدى هنا حمل فعل المسلم على الصحيح - كما في مثال الصلاة المتقدم - لان الواجب هناك هي صلاة صحيحة وقد علم صدور أصل

_________________________

بيان ذلك ، ما ذكره بقوله : ( فان وجوب اصلاح مال اليتيم ، ومراعاة غبطته لا ترتفع عن الغير بمجرد تصرف الفاسق ) فان العام يقول للعادل :

اعمل بالصلاح في مال اليتيم ، سواء عمل الفاسق ، أم لا ، فباي شيء يرفع اليد عن هذا العام .

نعم إذا كان المتصرف عادلا ، لم يكن مجال لشمول العام لسائر العدول ، اما إذا لم يكن المتصرف عادلا ، فباي شيء يرفع العادل يده عن التصرف ، وباي مجوز يجوز للعادل ان يشترى من الفاسق .

( و ) ان قلت : ما يوجب رفع اليد عن العام ، هو حمل فعل المسلم على الصحيح ،

قلت : ( ولا يجدى هنا ) في الاشتراء من الفاسق ( حمل فعل المسلم على الصحيح - كما في مثال الصلاة المتقدم - ) ذلك المثال ، فلا يمكن ان يقال : كما نكتفي بصلاة الفاسق على الميت فلا نصلى عليه ، كذلك نكتفي ببيع الفاسق لمال الطفل فنشترى منه .

إذ هنا فارق بين الامرين ، وهو ما أشار إليه بقوله : ( لان الواجب هناك ) في باب صلاة الميت ( هي صلاة صحيحة ، وقد علم صدور أصل

ص: 234

الصلاة من الفاسق ، وإذا شك في صحتها أحرزت باصالة الصحة .

واما الحكم فيما نحن فيه فلم يحمل على التصرف الصحيح .

وانما حمل على موضوع ، هو اصلاح المال ، ومراعاة الحال والشك في أصل تحقق ذلك فهو كما لو اخبر فاسق بأصل الصلاة ، مع الشك فيها .

_________________________

الصلاة من الفاسق ، وإذا شك في صحتها ) اى صحة صلاة الفاسق ( أحرزت باصالة الصحة ) وهي جارية في عمل العادل والفاسق ، إذا شك في سهو ، أو عمدا ، وما أشبه مما يوجب البطلان .

( واما الحكم فيما نحن فيه ) اى الحكم بجواز ترتيب الغير الأثر على عمل الفاسق المتصرف في مال الطفل ( فلم يحمل على التصرف الصحيح ) اى ليس الموضوع لحكم : ترتيب الأثر ، هو : العمل الصحيح حتى إذا شك في صحة العمل يتمسك باصالة الصحة ، فيجوز للغير ترتيب الأثر .

( وانما حمل ) الحكم ( على موضوع ، هو اصلاح المال ، ومراعاة الحال ) اى الحالة المحيطة بالتصرف في مال الطفل ، هل هي مصداق للأحسن الوارد في قوله سبحانه : ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن ، ( و ) قد تحقق في تصرف الفاسق ( الشك في أصل تحقق ذلك ) الاصلاح للمال ، والمراعاة للحال ( فهو ) شك في أصل الموضوع ، لا شك في صحة الموضوع .

ومن المعلوم : ان الشك في أصل الموضوع ليس محل اجراء اصالة الصحة ( فهو كما لو اخبر فاسق بأصل الصلاة ، مع الشك فيها ) حيث

ص: 235

وان شئت قلت : ان شراء مال اليتيم ، لا بدّ ان يكون مصلحة له ، ولا يجوز ذلك باصالة صحة البيع من البائع ، كما لو شك المشترى في بلوغ البائع ، فتأمل .

نعم لو وجد في يد الفاسق ثمن من مال الصغير لم يلزم الفسخ مع المشترى

_________________________

ليس ذلك مجرى لأصالة الصحة .

( وان شئت قلت ) في تقريب انه لا يجوز الاشتراء لمال اليتيم من الفاسق ( ان شراء مال اليتيم ، لا بدّ ان يكون مصلحة له ، ولا يجوز ذلك ) الشراء ( ب ) اجراء ( اصالة صحة البيع من البائع ) فإنه ( كما لو شك المشترى في بلوغ البائع ) فإنه لا يمكن تصحيح ذلك باصالة الصحة ( فتأمل ) إذ : لا فرق بين ترتيب الغير اثر الصحة على غسل الفاسق ، وبين ترتيب الغير اثر الصحة على بيع الفاسق ، فكما انه إذا مس الميت الّذي غسله الفاسق لا يحتاج الماس إلى غسل الميت لاجراء اصالة الصحة في فعل الفاسق ، كذلك يجوز الاشتراء من الفاسق لاجراء اصالة الصحة في بيع الفاسق وليس شرط : الا حسن ، الا من شرائط البيع ، كما أن شرط إباحة الماء مثلا ، ليس الا من شرائط صحة الغسل ، فكلما يصحح وجود الشرط في الغسل يصحح وجود الشرط في البيع .

( نعم ) لو باع الفاسق مال الصغير ، لا يجب علينا ابطال البيع برد المبيع إلى الصغير ، ورد الثمن إلى المشترى ، ف ( لو وجد في يد الفاسق ) البائع لمال الطفل ( ثمن من مال الصغير لم يلزم ) علينا ( الفسخ مع المشترى ) بان نبطل بيعه ،

ص: 236

واخذ الثمن من الفاسق لان مال اليتيم الّذي يجب اصلاحه وحفظه من التلف ، لا يعلم أنه الثمن أو المثمن .

واصالة صحة المعاملة من الطرفين يحكم بالأول ، فتدبر .

ثم إنه حيث ثبت جواز تصرف المؤمنين فالظاهر : انه على وجه التكليف الوجوبي أو الندبي ، لا على وجه النيابة من حاكم

_________________________

( و ) لم يلزم ( اخذ الثمن من الفاسق ) البائع لغرره على المشترى ، حتى نرد المثمن على الصغير .

وانما لا يلزم الفسخ ( لان مال اليتيم الّذي يجب اصلاحه وحفظه من التلف ، لا يعلم أنه الثمن ) لصحة بيع الفاسق ( أو المثمن ) لبطلان بيع الفاسق .

( و ) إذا شككنا في ذلك ، ف ( اصالة صحة المعاملة من الطرفين ) طرف البائع الفاسق ، وطرف المشترى ( يحكم بالأول ) اى بان مال الطفل هو الثمن لا المثمن ( فتدبر ) إذ : كيف تجرون اصالة الصحة في معاملة الفاسق بعد وقوعها ، وقد قلتم ان التعامل مع الفاسق لا يجرى فيه أصل الصحة واىّ فرق بين قبل المعاملة وبعدها في اجراء الصحة في الثاني دون الأول .

( ثم إنه حيث ثبت جواز تصرف المؤمنين ) العدول في أموال القاصرين إذا لم يكن حاكم شرعي ( فالظاهر : انه على وجه التكليف الوجوبي أو الندبي ) بمعنى انه واجب عليهم ، أو مستحب عليهم ، بالذات وبما انهم أولياء اصالة ، في حال فقد الحاكم ( لا على وجه النيابة من حاكم

ص: 237

الشرع ، فضلا عن كونه على وجه النصب من الامام ، فمجرد وضع العدل يده على مال يتيم ، لا يوجب منع الآخر ، ومزاحمته بالبيع ، ونحوه .

ولو نقله بعقد جائز فوجد الآخر المصلحة في استرداده ، جاز الفسخ ، إذا كان الخيار ثابتا بأصل الشرع .

أو بجعلهما مع جعله للصغير .

أو مطلق وليه

_________________________

الشرع ، فضلا عن كونه ) اى جواز التصرف ( على وجه النصب من الامام ) عليه السلام فليس العدل منصوبا عن الامام ، أو نائبا عن الفقيه .

وهذا الكلام مقدمة لقوله : ( فمجرد وضع العدل يده على مال يتيم لا يوجب منع الآخر ، و ) لا يوجب منع ( مزاحمته ) اى الآخر ( بالبيع ، ونحوه ) بل يجوز للآخر ان يبيع ما تحت يد العدل من مال الصغير .

وانما نقول ذلك : لاطلاق أدلة ولاية العدل الشاملة لقبل وضع العدل يده ، وبعد وضع العدل يده قبل اجراء معاملة على مال الصغير

( ولو نقله ) نقل العدل مال الطفل ( بعقد جائز ) كالعقد الخياري مثلا - ( فوجد ) العدل ( الآخر المصلحة في استرداده ، جاز ) للآخر ( الفسخ ، إذا كان الخيار ثابتا بأصل الشرع ) كخيار الحيوان .

( أو بجعلهما ) اى البائع العدل والمشترى ( مع جعله للصغير ) مقابل ما إذا جعلا الخيار للمشترى ، فإنه لا حق لولى اليتيم في الفسخ حينئذ كما هو واضح .

( أو ) جعل الخيار ل ( مطلق وليه ) أعم من كل عدل ، المباشر للبيع ،

ص: 238

من غير تخصيص بالعاقد .

لو أراد بيعه من شخص ، وعرضه لذلك ، جاز لغيره بيعه من آخر مع المصلحة ، وان كان في يد الأول .

وبالجملة : فالظاهر أن حكم عدول المؤمنين لا يزيد عن حكم الأب والجد ، من حيث جواز التصرف لكل منهما ما لم يتصرف الآخر .

واما حكام الشرع فهل هم كذلك ، فلو عين فقيه ، من يصلى على

_________________________

وغيره ( من غير تخصيص ) للخيار ( بالعاقد ) والا فلو خصصا الخيار بالعاقد - وكان ذلك عن مصلحة - لم يجز لعدل آخر فسخ البيع .

و ( لو أراد ) العدل ( بيعه ) اى مال الصغير ( من شخص ، وعرضه لذلك ) بان تقاولا في المعاملة ( جاز لغيره ) من سائر العدول ( بيعه من آخر مع المصلحة ) في بيعه من آخر ( وان كان ) المال ( في يد ) العدل ( الأول ) .

( وبالجملة : فالظاهر أن حكم عدول المؤمنين لا يزيد عن حكم الأب والجد ، من حيث جواز التصرف لكل منهما ) اى من الأب والجد ( ما لم يتصرف الآخر ) مع فارق واحد ، وهو ان الظاهر من النصوص في باب الأب والجد ، ان الجد مقدم على الأب في مقام التشاح ، بخلاف العدول ، فأحدهم ليس أولى من الآخرين ، بل الحكم للسابق منهم .

( واما حكام الشرع ) اى الفقهاء الذين لكل منهم الحق في التصرف في مال الطفل ( فهل هم كذلك ) مثل العدول في جواز التزاحم ، وكون الحكم للسابق منهم ؟ ( فلو عين فقيه ، من يصلى على

ص: 239

الميت الّذي لا ولي له ، أو من يلي أمواله ، أو وضع اليد على مال يتيم فهل يجوز للآخر مزاحمته ، أم لا ؟ الّذي ينبغي ان يقال : انه ان استندنا في ولاية الفقيه إلى مثل التوقيع المتقدم ، جاز المزاحمة قبل وقوع التصرف اللازم لان المخاطب بوجوب ارجاع الأمور إلى الحكام ، هم العوام ، فالنهي عن المزاحمة يختص بهم .

_________________________

الميت الّذي لا ولى له ، أو ) عين ( من يلي ) ويتولى شؤون ( أمواله ) اى أموال الميت ( أو وضع ) الفقيه ( اليد على مال يتيم ) أو غائب ، أو ما أشبه ( فهل يجوز للآخر مزاحمته ، أم لا ؟ الّذي ينبغي ان يقال ) هو التفصيل في المسألة ، استنادا إلى اختلاف مدرك المسألة ، ف ( انه ان استندنا في ولاية الفقيه إلى مثل التوقيع المتقدم ) اى : اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، ( جاز المزاحمة قبل وقوع التصرف اللازم ) من أحد الفقهاء ( لان المخاطب بوجوب ارجاع الأمور إلى الحكام ، هم العوام ، فالنهي عن المزاحمة ) إذا كان هناك نهى ( يختص بهم ) اى بالعوام ، إذ : في جانبهم يقع التزاحم بان يراجع فقيها ، وقبل ابرام الفقيه الامر يعدل عنه ويرجع إلى فقيه آخر ، أو يرجع أحد العوامين المربوطين بأمر واحد إلى فقيه ويرجع العامي الآخر إلى فقيه آخر ، كأخوين لهما أخت صغيرة يريد ان زواجها لمصلحة في زواجها فيرجع أحدهما إلى فقيه ، ويرجع الآخر إلى فقيه آخر ، واى الفقيهين سبق في زواجها كان له الامر .

ص: 240

واما الحكام فكل منهم حجة من الامام \" ع \" ، فلا يجب على كل واحد منهم ارجاع الامر الحادث إلى آخر ، فيجوز له مباشرته وان كان الآخر دخل فيه ، ووضع يده عليه فحال كل منهم حال كل من الأب والجد في ان النافذ تصرف السابق ، ولا عبرة بدخول الآخر في مقدمات ذلك وبنائه على ما يغاير تصرف الآخر ، كما يجوز لاحد الحاكمين تصدى المرافعة قبل حكم الآخر ، وان حضر المترافعان عنده واحضر الشهود وبنى على الحكم .

واما لو استندنا في ذلك على عمومات النيابة ،

_________________________

( واما الحكام فكل منهم حجة من الامام ، \" ع \" ، فلا يجب على كل واحد منهم ارجاع الامر الحادث إلى آخر ) ولا الانتظار حتى يرى ما ذا يفعل الآخر ( فيجوز له ) اى لكل من الحكام ( مباشرته ) والتصدي للامر ( وان كان الآخر دخل فيه ، ووضع يده عليه ) .

إذ : مجرد الدخول ووضع اليد لا يوجب انتهاء الأمر حتى لا يبقى موضوع لعمل الفقيه الآخر ( فحال كل منهم حال كل من الأب والجد في ان النافذ تصرف السابق ، ولا عبرة بدخول الآخر في مقدمات ذلك ) العمل ( وبنائه ) عطف على : دخول ، ( على ما يغاير تصرف الآخر ، كما يجوز لاحد الحاكمين تصدى المرافعة قبل حكم الآخر ، وان حضر المترافعان عنده واحضر الشهود وبنى على الحكم ) كلمة : ان ، وصلية .

( واما لو استندنا في ذلك ) اى في ولاية الفقيه ( على عمومات النيابة

ص: 241

وان فعل الفقيه كفعل الامام ، ونظره كنظره الّذي لا يجوز التعدي عنه لا من حيث ثبوت الولاية له على الأنفس والأموال ، حتى يقال : انه قد تقدم عدم ثبوت عموم يدل على النيابة في ذلك - بل من حيث وجوب ارجاع الأمور الحادثة إليه المستفاد من تعليل الرجوع فيها إلى الفقيه بكونه حجة منه عليه السلام على الناس .

فالظاهر : عدم جواز مزاحمة الفقيه الّذي دخل في امر ، ووضع يده عليه وبنى فيه - بحسب نظره - على تصرف وان لم يفعل نفس ذلك التصرف ، لان دخوله

_________________________

وان فعل الفقيه كفعل الامام ، ونظره كنظره الّذي لا يجوز التعدي عنه لا ) ان المراد بكون فعله كفعل الامام ( من حيث ثبوت الولاية له على الأنفس والأموال ، حتى ) يستشكل على ذلك و ( يقال : انه قد تقدم عدم ثبوت عموم يدل على النيابة في ذلك - ) في الأنفس والأموال ( بل ) ما نذكره من أن نظر الفقيه كنظر الامام ( من حيث وجوب ارجاع الأمور الحادثة إليه ) اى إلى الفقيه ( المستفاد ) هذا الوجوب - وكونه كالإمام - ( من تعليل الرجوع فيها ) اى في الحوادث الواقعة ( إلى الفقيه يكونه حجة منه عليه السلام على الناس ) كما أنه حجة من اللّه عليهم .

( فالظاهر : عدم جواز مزاحمة الفقيه الّذي دخل في امر ، ووضع يده عليه وبنى فيه ) اى في الامر ( - بحسب نظره - على تصرف ) كلمة :

على ، متعلق ب : بنى ، ( وان لم يفعل ) بعد ( نفس ذلك التصرف ) .

وانما لا يجوز دخول الثاني بعد دخول الأول ( لان دخوله ) اى

ص: 242

فيه كدخول الامام فدخول الثاني فيه وبنائه على تصرف آخر مزاحمة له فهو كمزاحمة الإمام ( ع ) فأدلة النيابة عن الإمام ( ع ) لا تشمل ما كان فيه مزاحمة الإمام ( ع ) .

فقد ظهر مما ذكرنا الفرق بين الحكام وبين الأب والجد ، لأجل الفرق بين كون كل واحد منهم حجة ، وبين كون كل واحد منهم نائبا .

وربما يتوهم كونهم حينئذ كالوكلاء المتعددين في ان بناء واحد

_________________________

الأول ( فيه ) اى في الامر ( كدخول الامام ، فدخول الثاني فيه وبنائه على تصرف آخر مزاحمة له ، فهو ) يكون ( كمزاحمة الإمام ( ع ) فأدلة النيابة عن الإمام ( ع ) لا تشمل ما كان فيه مزاحمة الامام \" ع \" ) .

لكن لا يخفى ضعف هذا الدليل ، لان الآخر أيضا ممثل للامام فيكون من قبيل مزاحمة نفس الامام لنفسه ، لا من قبيل مزاحمة انسان للامام .

فكما انه لا دليل على عدم صحة انصراف الامام عليه عن مقصد إلى مقصد آخر ، كذلك لا دليل على مزاحمة أحد الفقهاء لفقيه آخر .

( فقد ظهر مما ذكرنا ) من اختلاف جواز مزاحمة أحد الفقهاء لفقيه آخر ، وعدم جوازها - حسب اختلاف المستند لنيابة الفقيه - ( الفرق بين الحكام ) الشرعيين ( وبين الأب والجد ) حيث إن الأب والجد لهما المزاحمة مطلقا ، بخلاف الحكام فلهم المزاحمة في بعض الصور ( لأجل الفرق بين كون كل واحد منهم حجة ، وبين كون كل واحد منهم نائبا ) فعلى الحجية لا تجوز المزاحمة ، بخلاف ما لو بنينا على النيابة .

( وربما يتوهم كونهم ) اى الفقهاء ( حينئذ ) اى حين كان كل واحد منهم حجة ( كالوكلاء المتعددين ) لشخص واحد ( في ان بناء واحد

ص: 243

منهم على امر مأذون فيه لا يمنع الآخر عن تصرف مغاير لما بنى عليه الأول .

ويندفع : بان الوكلاء إذا فرضوا وكلاء في نفس التصرف لا في مقدماته فما لم يتحقق التصرف من أحدهم ، كان الآخر مأذونا في تصرف مغاير ، وان بنى عليه الأول ، ودخل فيه .

اما إذا فرضوا وكلاء عن الشخص الواحد ، بحيث يكون الزامهم كإلزامه ودخولهم في الامر كدخوله ، وفرضنا أيضا عدم دلالة دليل وكالتهم على الاذن في مخالفة نفس الموكل ، والتعدي عما بنى هو عليه مباشرة أو استنابة كان حكمه

_________________________

منهم على امر مأذون فيه لا يمنع الآخر عن تصرف مغاير لما بنى عليه الأول ) فكذلك الفقهاء المتعددون .

( ويندفع : بان الوكلاء إذا فرضوا وكلاء في نفس التصرف ) كان حالهم ذلك ( لا في مقدماته ، فما لم يتحقق التصرف من أحدهم ، كان الآخر مأذونا ) من قبل الموكل ( في تصرف مغاير ، وان بنى عليه ) الوكيل ( الأول ، ودخل فيه ) كلمة : ان ، وصلية .

( اما إذا فرضوا وكلاء عن الشخص الواحد ، بحيث يكون الزامهم كإلزامه ، ودخولهم في الامر كدخوله ) - وهذا تفسير : مقدماته ، مما نفاه في القسم الأول بقوله : لا في مقدماته ، - ( وفرضنا أيضا عدم دلالة دليل وكالتهم على الاذن في مخالفة نفس الموكل ، و ) على الاذن في ( التعدي عما بنى هو عليه مباشرة أو استنابة ) بان لم يفهم من دليل الوكالة إجازة العمل للوكيل إذا استناب الموكل انسانا آخر ( كان حكمه ) اى

ص: 244

حكم ما نحن فيه من غير زيادة ولا نقيصة .

والوهم انما نشأ من ملاحظة التوكيلات المتعارفة للوكلاء المتعددين المتعلقة بنفس ذي المقدمة فتأمل .

هذا كله مضافا إلى لزوم اختلال نظام المصالح المنوطة إلى الحكام سيما في مثل هذا الزمان الّذي شاع فيه القيام بوظائف الحكام ممن يدعى

_________________________

الوكيل ( حكم ما نحن فيه ) من نواب الامام ( من غير زيادة ولا نقيصة ) .

( والوهم انما نشأ من ملاحظة التوكيلات المتعارفة للوكلاء المتعددين المتعلقة ) تلك التوكيلات ( بنفس ذي المقدمة ) فقالوا : كما يجوز التزاحم بين الوكلاء ، كذلك يجوز التزاحم بين الفقهاء ( فتأمل ) .

إذ كون النيابة عن الامام مثل الوكالة المقيدة بما ذكره المصنف ره بقوله : وفرضنا أيضا عدم دلالة دليل . . الخ ، اوّل الكلام بل ظاهر أدلة النيابة انها كالوكالة المطلقة .

فمقتضى القاعدة ان حال الفقهاء كحال الوكلاء المطلقين ، بل تقييد الوكالة والنيابة بهذا القسم : اى ما ذكره بقوله ، وفرضنا الخ ، خارج عن محل البحث الّذي هو في ما يستفاد من أدلة النيابة : كالوكالة المطلقة عرفا .

( هذا كله ) تقريب عدم جواز التزاحم بين الفقهاء ( مضافا إلى لزوم اختلال نظام المصالح المنوطة إلى الحكام ) لان كل حاكم يجر القضية إلى نفسه ، وذلك مما يوجب النزاع والخصام ( سيما في مثل هذا الزمان الّذي شاع فيه القيام بوظائف الحكام ممن يدعى

ص: 245

الحكومة .

وكيف كان فقد تبين مما ذكرنا عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله ، في كل الزام قولي ، أو فعلى ، يجب الرجوع فيه إلى الحاكم .

فإذا قبض مال اليتيم من شخص ، أو عين شخصا لقبضه ، أو جعله ناظرا عليه ، فليس لغيره من الحكام مخالفة نظره ، لان نظره كنظر الامام .

_________________________

الحكومة ) عن قبل الامام .

وفيه ان فرض عدالة الحكام الواقعيين كاف في عدم لزوم الاختلال .

اما الحكام الادعائيون فعملهم ما يوجب الاختلال ليس موجبا لتبدل الحكام .

بل نرى الآن انه لا يلزم الاختلال مع انا نشاهد تعدد الحكام الواقعيين وتجاربهم لبعض القضايا واللّه المستعان .

( وكيف كان فقد تبين مما ذكرنا عدم جواز مزاحمة ففيه لمثله ، في كل الزام قولي ، أو فعلى ، يجب الرجوع فيه إلى الحاكم ) فإذا الزم الحاكم امرا قولا كالحكم بين المترافعين ، أو فعلا كما لو شرع في غسل الميت الّذي لا ولي له لا يجوز لحاكم آخر مزاحمته .

والمراد بالالزام الشروع في مقدماته ولو لم يصل إلى ذي المقدمة ( فإذا قبض ) الحاكم ( مال اليتيم من شخص ، أو عين شخصا لقبضه أو جعله ) الحاكم ( ناظرا عليه ) اى على مال اليتيم ( فليس لغيره من الحكام مخالفة نظره ، لان نظره ) على مذاق المصنف ( كنظر الامام ) حيث لا يجوز للانسان مخالفة نظر الامام .

ص: 246

واما جواز تصدى مجتهد لمرافعة تصداها مجتهد آخر قبل الحكم فيها إذا لم يعرض عنها ، بل بنى على الحكم فيها فلان وجوب الحكم فرع سؤال من له الحكم .

ثم إنه هل يشترط في ولاية غير الأب والجد ملاحظة الغبطة لليتيم أم لا ؟

_________________________

وقد يقال : بان : عموم الراد عليهم ، شامل للفقيه الآخر ، والرد يشمل فيما إذا شرع الفقيه الأول في المقدمات ، ولا يخفى ما فيهما .

( و ) ان قلت : على ما ذكرتم من عدم جواز تصدى مجتهد ثان لما تصداه مجتهد أولا ، فلم أجاز الفقهاء ان ينظر المجتهد الثاني في قضية المترافعين قبل حكم المجتهد الأول ؟ .

قلت : ( اما جواز تصدى مجتهد لمرافعة تصداها مجتهد آخر قبل الحكم ) من المجتهد الأول ( فيها ) اى في تلك المرافعة ( إذا لم يعرض ) المجتهد الأول ( عنها ) اى عن تلك المرافعة ( بل بنى ) المجتهد الأول ( على الحكم فيها فلان وجوب الحكم فرع سؤال من له الحكم ) الأول ويجب الحكم على الثاني إذا اعرض من له الحكم عن الأول وتوجه إلى الثاني .

ولا يخفى ضعف هذا الفارق ، فهل يقول المصنف ره بجواز الاعراض عن حكم الامام إلى المجتهد فيما إذا كانا حاضرين وأراد الامام الحكم ؟ .

( ثم إنه هل يشترط في ولاية غير الأب والجد ملاحظة الغبطة ) والمصلحة ( لليتيم ) في التصرف في ماله ( أم لا ) يشترط .

ص: 247

ذكر الشهيد في قواعده ان فيه وجهين .

ولكن ظاهر كثير من كلماتهم انه لا يصح الا مع المصلحة ، بل في مفتاح الكرامة انه اجماعى وان الظاهر من التذكرة - في باب الحجر - كونه اتفاقيا بين المسلمين ، وعن شيخه في شرح القواعد انه ظاهر الأصحاب وقد عرفت تصريح الشيخ والحلى بذلك ، حتى في الأب والجد .

ويدل عليه - بعد ما عرفت من اصالة عدم الولاية لاحد على أحد -

_________________________

( ذكر الشهيد في قواعده ان فيه وجهين ) لزوم الملاحظة لقوله تعالى : وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ .

وعدم اللزوم ، لان غيرهما قائم مقامهما فلا تكليف أزيد على غيرهما .

والأحسن في الآية مقابل الفساد ، بقرينة قوله تعالى في آية أخرى وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ .

( ولكن ظاهر كثير من كلماتهم انه ) اى التصرف في أموال اليتيم ( لا يصح الا مع المصلحة ، بل في مفتاح الكرامة انه اجماعى ، وان الظاهر من التذكرة - في باب الحجر - كونه اتفاقيا بين المسلمين ) لا عند علماء الشيعة فقط ( وعن شيخه ) اى شيخ مفتاح الكرامة ، وهو الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء ( في شرح القواعد انه ظاهر الأصحاب ، وقد عرفت ) سابقا ( تصريح الشيخ والحلى بذلك ) اى بلزوم مراعاة المصلحة والغبطة ( حتى في الأب والجد ) فعن غيرهما بطريق أولى .

( ويدل عليه ) اى على لزوم رعاية المصلحة ( - بعد ما عرفت من اصالة عدم الولاية لاحد على أحد - ) فلا ولاية لاحد على الصغير ، الا

ص: 248

عموم قوله تعالى : وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ .

وحيث إن توضيح معنى الآية - على ما ينبغي - لم أجده في كلام أحد من المتعرضين لبيان آيات الاحكام ، فلا بأس بتوضيح ذلك في هذا المقام ، فنقول ان « القرب » في الآية يحتمل معاني أربعة .

الأول : مطلق التقليب والتحريك حتى من مكان إلى آخر ، فلا يشمل مثل ابقائه على حال ، أو عند أحد .

الثاني : وضع اليد عليه بعد ان كان بعيدا عنه ، ومجتنبا ، فالمعنى تجنبوا عنه

و

_________________________

بقدر خرج بالدليل ، وهو ما إذا كان التصرف صلاحا ، فإذا لم يكن صلاحا ولو لم يكن فسادا أيضا - فالأصل عدم الولاية ( عموم قوله تعالى : وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) فان عمومها شامل لكل من يتولى التصرف في مال اليتيم .

( وحيث إن توضيح معنى الآية - على ما ينبغي - لم أجده في كلام أحد من المتعرضين لبيان آيات الاحكام ، فلا بأس بتوضيح ذلك في هذا المقام ، فنقول : ان « القرب » في الآية ) المنفى ، ب : لا ، ( يحتمل معاني أربعة ) .

( الأول : مطلق التقليب والتحريك حتى من مكان إلى ) مكان ( آخر فلا يشمل مثل ابقائه على حال ، أو عند أحد ) لأنه ليس تقليبا وتحريكا .

( الثاني : وضع اليد عليه ) اى على مال اليتيم ( بعد ان كان ) المال ( بعيدا عنه ) اى عن واضع اليد ، بان لم يكن تحت يده وفي تصرفه ( ومجتنبا ) عطف على : بعيدا ، ( فالمعنى تجنبوا عنه ) اى عن مال اليتيم (

ص: 249

لا تقربوا الا إذا كان القرب أحسن ، فلا يشمل حكم ما بعد الوضع .

الثالث : ما يعد تصرفا عرفا ، كالاقتراض ، والبيع ، والإجارة ، وما أشبه ذلك ، فلا يدل على تحريم ابقائه بحاله تحت يده إذا كان التصرف فيه أحسن منه ، الا بتنقيح المناط .

الرابع : مطلق الامر الاختياري المتعلق بمال اليتيم ، أعم من الفعل ، والترك ، والمعنى لا تختاروا في مال اليتيم فعلا أو تركا ، الا ما كان

_________________________

لا تَقْرَبُوا ) إليه ( الا إذا كان القرب أحسن ، فلا يشمل ) : لا تَقْرَبُوا ( حكم ما بعد الوضع ) أو الارتكاب ، وانه كيف ينبغي ان يصنع به .

( الثالث : ما يعد تصرفا عرفا ، كالاقتراض ، والبيع ، والإجارة ، وما أشبه ذلك ) من سائر المعاملات ( فلا يدل على تحريم ابقائه ) اى مال اليتيم ( بحاله تحت يده إذا كان التصرف فيه أحسن منه ) لان الآية انما نهى عن التصرف الّذي ليس بأحسن ، ولم ينه عن الابقاء - الّذي ليس بأحسن ذلك الابقاء عن التصرف - ( الا بتنقيح المناط ) بان يقال : إذا كان تصرف أحسن من تصرف يجب التصرف الا حسن ، فكذلك إذا كان التصرف أحسن من الابقاء ، يجب التصرف .

( الرابع : مطلق الامر الاختياري المتعلق بمال اليتيم ، أعم من الفعل ، والترك ) .

مثال الترك : ان يدعه بحاله ، وان كان الفعل أفضل ، وأعم من الابتدائي ، والاستمراري ، والحاصل أعم من الأقسام الثلاثة المتقدمة ( والمعنى لا تختاروا في مال اليتيم فعلا أو تركا ، الا ما كان

ص: 250

أحسن من غيره ، فيدل على حرمة الابقاء في الفرض المذكور ، لان ابقائه قرب له بما ليس أحسن .

واما لفظ : الا حسن ، في الآية ، فيحتمل ان يراد به ظاهره من التفضيل .

ويحتمل ان يراد به الحسن .

وعلى الأول : فيحتمل التصرف الأحسن من تركه - كما يظهر من بعض - ويحتمل ان يراد به ظاهره ، وهو الأحسن مطلقا من تركه ، ومن غيره من التصرفات .

_________________________

أحسن من غيره ) .

وعلى هذا ( فيدل ) النهى ( على حرمة الابقاء في الفرض المذكور ) فيما كان التصرف فيه بالاتجار ونحوه ، أحسن ( لان ابقائه قرب له ) اى للمال ( بما ليس أحسن ) هذا تمام الكلام في احتمالات : لا تقربوا .

( واما لفظ : الا حسن ، في الآية ، فيحتمل ان يراد به ظاهره من التفضيل ) فإذا كان هناك تجارتان ، إحداهما : تربح عشرة ، والأخرى احدى عشرة ، لا يجوز الا تجار بما ربحه عشرة .

( ويحتمل ان يراد به الحسن ) فيكون لفظ : الأحسن ، عرفيا ، كما يقول الفقهاء : الأقوى ، أو : الأحوط ، أو ما أشبه .

( وعلى الأول ) اى إرادة التفضيل ( فيحتمل التصرف الا حسن من تركه - كما يظهر ) هذا المعنى ( من بعض - ويحتمل ان يراد به ظاهره وهو الأحسن مطلقا من تركه ، ومن غيره من التصرفات ) .

ص: 251

وعلى الثاني : فيحتمل ان يراد ما فيه مصلحة ، ويحتمل ان يراد به ما لا مفسدة فيه على ما قيل : من أن أحد معاني الحسن ما لا حرج في فعله .

ثم : ان الظاهر من احتمالات « القرب » هو الثالث .

ومن احتمالات : الا حسن ، هو الاحتمال الثاني اعني التفضيل المطلق ، وحينئذ فإذا فرضنا ان المصلحة

_________________________

فمثلا : إذا كان في الترك بقاء المال ، وفي التجارة يمكن ربح عشرة ، ويمكن ربح احدى عشرة ،

فعلى الاحتمال الأول : يجوز الاتجار بما ربحه عشرة .

وعلى الاحتمال الثاني : لا يجوز الا بما ربحه احدى عشرة .

( وعلى الثاني ) اى يراد ب : الا حسن ، الحسن ، لا التفضيل ( فيحتمل ان يراد ما فيه مصلحة ، ويحتمل ان يراد به ما لا مفسدة فيه ) .

مثلا : قرض المال ما لا مفسدة فيه ، ولكن ليس فيه مصلحة ، بينما جعله في التجارة فيه مصلحة .

ثم : ان إرادة ما لا مفسدة فيه من : الأحسن ، بمعنى : الحسن ، انما هو ( على ما قيل : من أن أحد معاني الحسن ما لا حرج في فعله ) بل ربما يقال : ان هذا معنى عرفى يستفاد من اللفظ في مثل هذه المواضع .

( ثم : ان الظاهر من احتمالات « القرب » هو الثالث ) اى ما يعد تصرفا عرفا .

( ومن احتمالات : الا حسن ، هو الاحتمال الثاني ) اى من الأول وهو الا حسن مطلقا ( اعني التفضيل المطلق ، وحينئذ فإذا فرضنا ان المصلحة

ص: 252

اقتضت بيع مال اليتيم ، فبعناه بعشرة دراهم ، ثم فرضنا انه لا يتفاوت لليتيم ابقاء الدراهم ، أو جعلها دينارا ، فأراد الولي جعلها دينارا ، فلا يجوز ، لان هذا التصرف ليس اصلح من تركه ، وان كان يجوز لنا من اوّل الامر بيع المال بالدينار ، لفرض عدم التفاوت بين الدراهم والدينار بعد تعلق المصلحة بجعل المال نقدا .

اما لو جعلنا الحسن بمعنى : ما لا مفسدة فيه ، فيجوز .

_________________________

اقتضت بيع مال اليتيم ، فبعناه بعشرة دراهم ، ثم فرضنا انه لا يتفاوت لليتيم ابقاء الدراهم ) التي هي ثمن المتاع ( أو جعلها دينارا ، فأراد الولي جعلها دينارا ، فلا يجوز ، لان هذا التصرف ليس اصلح من تركه ، وان ) - وصلية - ( كان يجوز لنا من اوّل الامر بيع المال بالدينار ، لفرض عدم التفاوت بين الدراهم والدينار ، بعد تعلق المصلحة ب ) البيع ، و ( جعل المال نقدا ) .

لكن الانصاف ان هذا خلاف الظاهر من النص والفتوى ، ومن المتفاهم عرفا من نفس الآية .

ويؤيده باب النكاح ، إذ : التصرف في النفس بالزواج أولى بالمراعات من التصرف في المال - بعد صدق اليتيم حال وجود الجد والقطع باتحاد المناط في الأب والجد - .

( اما لو جعلنا الحسن بمعنى : ما لا مفسدة فيه ، فيجوز ) تبديل الدراهم بالدينار ، إذ : لا مفسدة في هذا التبديل .

ص: 253

وكذا لو جعلنا القرب بالمعنى الرابع ، لأنا إذا فرضنا ان القرب يعم ابقاء مال اليتيم على حاله - كما هو الاحتمال الرابع - فيجوز التصرف المذكور .

إذ : بعد كون الا حسن هو جعل مال اليتيم نقدا ، فكما انه مخير في الابتداء بين جعله دراهم أو دينارا لان القدر المشترك أحسن من غيره ، واحد الفردين فيه لا مزية لأحدهما على الآخر ، فيخير ، فكذلك بعد جعله دراهم ، إذا كان كل من ابقاء الدراهم على حالها ، وجعلها دينارا قربا والقدر المشترك أحسن من غيره ، فاحد

_________________________

( وكذا لو جعلنا القرب بالمعنى الرابع ) اى مطلق الامر الاختياري المتعلق بمال اليتيم ( لأنا إذا فرضنا ان القرب يعم ابقاء مال اليتيم على حاله ) والتصرف فيه ( - كما هو الاحتمال الرابع - فيجوز التصرف المذكور ) اى جعل دراهمه دينارا .

( إذ : بعد كون الأحسن هو جعل مال اليتيم نقدا ، فكما انه مخير في الابتداء بين جعله دراهم أو دينارا ) بان يبيعه بالدراهم أو بالدينار ( لان القدر المشترك ) بين الدرهم والدينار ( أحسن من غيره واحد الفردين ) من الدراهم والدينار ( فيه ) اى في القدر المشترك ( لا مزية لأحدهما على الآخر ، فيخير ، فكذلك ) « فيخير » مربوط بقوله :

مخير ، ( بعد جعله ) اى المال ( دراهم ) .

وذلك ( إذا كان كل من ابقاء الدراهم على حالها ، وجعلها دينارا قربا ) للمال ( والقدر المشترك ) بينهما ( أحسن من غيره ، فاحد

ص: 254

الفردين لا مزية فيه على الآخر ، فهو مخير بينهما .

والحاصل : انه كلما يفرض التخيير بين تصرفين في الابتداء لكون القدر المشترك بينهما أحسن ، وعدم مزية لاحد الفردين ، تحقق التخيير لأجل ذلك استدامة فيجوز العدول من أحدهما بعد فعله إلى الآخر إذا كان العدول مساويا للبقاء بالنسبة إلى حال اليتيم ، وان كان فيه نفع يعود إلى المتصرف .

لكن الانصاف : ان المعنى الرابع للقرب ، مرجوح في نظر العرف

_________________________

الفردين لا مزية فيه على الآخر ) وعليه ( فهو مخير بينهما ) ابتداءً واستمرارا .

( والحاصل : انه كلما يفرض التخيير بين تصرفين في الابتداء ) كان يبيع مال الصغير بدرهم أو بدينار ( لكون القدر المشترك بينهما أحسن و ) ل ( عدم مزية لاحد الفردين ) على الآخر ( تحقق التخيير لأجل ذلك ) اى لأجل ان القدر المشترك حسن ولا مزية ( استدامة ) .

ومعنى الاستدامة : ما ذكره بقوله : ( فيجوز العدول من أحدهما بعد فعله إلى الآخر ، إذا كان العدول مساويا للبقاء بالنسبة إلى حال اليتيم ) مثلا يبدل دراهمه إلى دنانير ( وان كان ) العدول ( فيه نفع يعود إلى المتصرف ) كان يكون ثقل الدينار أقل من ثقل الدرهم ، فيكون الدينار أقل كلفة بالنسبة إليه .

( لكن الانصاف : ان المعنى الرابع للقرب ) اى مطلق الامر الاختياري ، فعلا أو تركا ( مرجوح في نظر العرف

ص: 255

بالنسبة إلى المعنى الثالث ، وان كان الّذي يقتضيه التدبر في غرض الشارع ومقصوده من مثل هذا الكلام ان لا يختاروا في امر مال اليتيم الا ما كان أحسن من غيره .

نعم : ربما يظهر من بعض الروايات ، ان مناط حرمة التصرف هو الضرر ، لا ان مناط الجواز هو النفع .

ففي حسنة الكاهلي قال لأبي عبد اللّه عليه السلام ، انا لندخل على أخ لنا في بيت أيتام ، ومعهم خادم لهم فنقعد على

_________________________

بالنسبة إلى المعنى الثالث ) وهو ما يعد تصرفا عرفا ( وان كان الّذي يقتضيه التدبر في غرض الشارع ومقصوده من مثل هذا الكلام ) اى قوله تعالى : ولا تقربوا مال اليتيم ( ان لا يختاروا في امر مال اليتيم الا ما كان أحسن من غيره ) فيقرب المعنى الرابع بهذا اللحاظ .

وهذا أقرب بملاحظة ان الكلام انما يكون مفيدا للمعنى مع ملاحظة القرائن المحتفة بالكلام ، سواء كانت قرائن عقلية ، أو لفظية .

( نعم : ربما يظهر من بعض الروايات ، ان مناط حرمة التصرف ) في مال اليتيم ( هو الضرر ، لا ان مناط الجواز هو النفع ) فإذا لم يكن ضرر جاز .

وهذا يؤيد ان ليس المراد بالأحسن ، التفضيل ، ولا ماله حسن في الجملة بل يكفى عدم الضرر .

( ففي حسنة الكاهلي قال لأبي عبد اللّه عليه السلام ، انا لندخل على أخ لنا في بيت أيتام ، ومعهم خادم لهم ) اى للأيتام ( فنقعد على

ص: 256

بساطهم ، ونشرب من مائهم ، ويخدمنا خادمهم ، وربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا ، وفيه من طعامهم ، فما ترى في ذلك ؟ قال : ان كان في دخولكم عليهم منفعة لهم ، فلا بأس ، وان كان فيه ضرر ، فلا ، بناء على أن المراد من منفعة الدخول ما يوازى عوض ما يتصرفون من مال اليتيم عند دخولهم ، فيكون المراد بالضرر في الذيل ان لا يصل إلى الأيتام ما يوازى ذلك ،

_________________________

بساطهم ، ونشرب من مائهم ، ويخدمنا خادمهم ، وربما طعمنا ) اى اكلنا ( فيه ) اى في ذلك البيت ( الطعام من عند صاحبنا ، و ) الحال ان ( فيه ) اى في ذلك الطعام الّذي طعمناه ( من طعامهم ، فما ترى في ذلك ؟

قال : ان كان في دخولكم عليهم منفعة لهم ، فلا بأس ، وان كان فيه ضرر فلا ) .

وجه الاستدلال بهذه الرواية على كفاية عدم الضرر ( بناء على أن المراد من منفعة الدخول ) في قوله : منفعة لهم ، ( ما ) اى منفعة ( يوازى عوض ما يتصرفون من مال اليتيم عند دخولهم ) فان هذا المعنى هو المستفاد من هذه الجملة عرفا .

فمثلا : ان دخول زيد في دارهم يوجب عنوانا لهم ، وحفظا لاحترامهم أو لأجل التعامل لاشتراء أموالهم ، أو ما أشبه ذلك ، مما يعد في العرف منفعة في قبال الضرر الّذي يتوجه إليهم ، بأكل طعامهم أو استخدام خادمهم ( فيكون المراد بالضرر في الذيل ان لا يصل إلى الأيتام ما يوازى ذلك ) التصرف في طعامهم وخادمهم ، فإذا لم يصل ما يوازى تصرف الداخل كان التصرف حراما ، وإذا وصل ما يوازى التصرف كان حلالا

ص: 257

فلا تنافى ذلك بين الصدر والذيل على ما زعمه بعض المعاصرين ، من :

ان الصدر دال على إناطة الجواز بالنفع ، والذيل دال على إناطة الحرمة بالضرر ، فيتعارضان في مورد يكون التصرف غير نافع ولا مضر .

وهذا منه مبنى على أن المراد بمنفعة الدخول ، النفع الملحوظ بعد وصول ما بإزاء مال اليتيم إليه ، بمعنى أن تكون المنفعة في معاوضة ما يتصرف من مال اليتيم بما يتوصل إليهم من ماله كان يشرب ماء فيعطى فلسا

_________________________

( فلا تنافى ذلك بين الصدر ) القائل : بان صورة المنفعة جائزة ( والذيل ) القائل : بان صورة الضرر ليست جائزة ( على ما زعمه بعض المعاصرين ) وبين وجه التنافي بقوله : ( من : ان الصدر دال على إناطة الجواز بالنفع ) ولازمه : انه إذا لم يكن نفع ، لم يجز ( والذيل دال على إناطة الحرمة بالضرر ) ولازمه الجواز ، إذا لم يكن ضرر ، سواء كان نفع ، أم لا ( فيتعارضان في مورد يكون التصرف غير نافع ولا مضر ) .

فالصدر يقول : لا يجوز ، والذيل يقول : يجوز .

( وهذا ) التوهم للتعارض في هذا المورد ( منه ) اى من هذا المعاصر ( مبنى على أن المراد بمنفعة الدخول ، النفع الملحوظ ) اى الزائد ( بعد وصول ما بإزاء مال اليتيم ) مال اليتيم كالماء ، وما بإزائه كالفلس ( إليه ) اى إلى اليتيم ( بمعنى أن تكون المنفعة في معاوضة ما يتصرف من مال اليتيم ) « من » بيان : ما ، ( بما يتوصل إليهم ) اى إلى الأيتام ( من ماله ) اى مال التصرف ( كان يشرب ماء ) للأيتام ( فيعطى فلسا

ص: 258

بإزائه ، وهكذا .

وأنت خبير بأنه لا ظهور للرواية حتى يحصل التنافي .

وفي رواية ابن المغيرة ، قلت : لأبي عبد اللّه عليه السلام ان لي ابنة أخ يتيمة ، فربما اهدى لها الشيء ، فآكل منه ، ثم أطعمها بعد ذلك الشيء من مالي ، فأقول : يا رب هذا بهذا قال لا بأس فان ترك الاستفصال

_________________________

بإزائه ، وهكذا ) سائر التصرفات التي تقابل بالماء ،

والحاصل : انه إذا كانت المنفعة في كلام الامام يراد بها النفع الزائد ، يكون تعارضا بين الصدر والذيل .

اما إذا لم يرد بالنفع ، النفع الزائد لم يكن تعارض بين الامرين ، بل المراد : عدم الضرر ، فقط ، وكان الصدر ذكر مقدمة للذيل .

( وأنت خبير بأنه لا ظهور للرواية ) في ان المراد بالنفع ، النفع الزائد إذ لا ظهور لكلمة : المنفعة ، في أزيد من : عدم الضرر ، ( حتى يحصل التنافي ) بين صدر الرواية وذيلها .

( وفي رواية ابن المغيرة ، قلت : لأبي عبد اللّه عليه السلام ان لي ابنة أخ يتيمة ، فربما اهدى لها الشيء ، فآكل ) انا ( منه ، ثم أطعمها بعد ذلك ) في مناسبة أخرى ( الشيء من مالي ، فأقول ) في نفسي ( يا رب هذا ) الّذي أطعمها ( بهذا ) الّذي اكلت منه ( قال ) عليه السلام ( لا بأس ) .

وجه الاستدلال بهذا الحديث لكفاية عدم الضرر في التصرف في مال اليتيم ما ذكره بقوله : ( فان ترك ) الإمام عليه السلام ( الاستفصال

ص: 259

من مساواة العوض ، وزيادته يدل على عدم اعتبار الزيادة الا ان يحمل على الغالب من كون التصرف في الطعام المهدى إليها ، واعطاء العوض بعد ذلك اصلح .

إذ الظاهر : ان الطعام المهدى إليها هو المطبوخ ، وشبهه .

وهل يجب مراعاة الأصلح ، أم لا ؟ وجهان ، قال الشهيد ره في القواعد ، هل يجب على الولي مراعاة المصلحة في مال المولى عليه ، أو يكفى نفى المفسدة ، يحتمل الأول

_________________________

من مساواة العوض ، وزيادته ) بان يقول عليه السلام : لا يجوز التصرف في صورة المساواة ، ويجوز في صورة الزيادة ( يدل على عدم اعتبار الزيادة ) للعوض عن المقدار الّذي يستعمله من مال اليتيم ( الا ان يحمل ) الحديث ( على الغالب من كون التصرف في الطعام المهدى إليها ) اى إلى اليتيمة ( واعطاء العوض بعد ذلك اصلح ) لها ، لان الطعام الزائد يفسد ، فتعويضه خير لليتيمة .

( إذ الظاهر : ان الطعام المهدى إليها هو المطبوخ ، وشبهه ) والغالب ان يكون أزيد من حاجتها ، كما أن الغالب فساد بقائه ، فاكل الشخص منه ليعوضه لها صلاح بالنسبة إليها ، فتأمل .

( و ) إذا قلنا : بلزوم المصلحة وعدم جواز كفاية عدم المفسدة ، ف ( هل يجب مراعاة الأصلح ، أم لا ؟ ) بل يكفى الصالح ( وجهان ، قال الشهيد ره في القواعد ، هل يجب على الولي مراعاة المصلحة في مال المولى عليه ، أو يكفى نفى المفسدة ، يحتمل الأول ) اى رعاية المصلحة

ص: 260

لأنه منصوب لها ، ولأصالة بقاء الملك على حاله ، ولان النقل والانتقال لا بدّ لهما من غاية ، والعدميات لا تكاد تقع غاية .

وعلى هذا هل يتحرى الأصلح ، أم يكتفى بمطلق المصلحة فيه ، وجهان : نعم لمثل ما قلنا ، لا لان ذلك لا يتناهى .

_________________________

( لأنه ) اى الولي ( منصوب لها ) للمصلحة ( ولأصالة بقاء الملك على حاله ) بدون نقل وانتقال ، إذا فعل الولي ما لم يكن فيه صلاح .

إذ : منتهى الامر الشك ، فيكون المحكم اصالة عدم تحرك الملك عن حاله الأول ( ولان النقل والانتقال لا بدّ لهما من غاية ) وغرض عقلائي ( والعدميات لا تكاد تقع غاية ) فان المصلحة وجود اما عدم المفسدة فليس له وجود حتى يكون غاية للمعاملة .

( وعلى هذا ) لزوم المصلحة في عمل الولي ( هل يتحرى ) ويتفقد الولي ( الأصلح ، أم يكتفى بمطلق المصلحة فيه ) فيجوز له العدول عن الأصلح إلى الصلاح و : فيه ، اى في العمل الّذي يريد ايقاعه على الشيء المرتبط بالمولى عليه ( وجهان ) .

أحدهما : ( نعم ) يلزم الأصلح ( لمثل ما قلنا ) في اشتراط أصل المصلحة ، وذلك لأصالة عدم النقل والانتقال .

والثاني : ( لا ) يلزم مراعاة الأصلح ( لان ذلك ) اى الأصلح ( لا يتناهى ) إذ : ليس صلاح ، الا وفوقه اصلح .

فإذا قلنا بلزوم مراعاة الأصلح ، يلزم عدم تمكن الولي من التعامل اطلاقا .

ص: 261

وعلى كل تقدير لو ظهر في الحال الأصلح والمصلحة لم يجز العدول عن الأصلح .

ويترتب على ذلك اخذ الولي بالشفعة للمولى عليه ، حيث لا مصلحة ولا مفسدة ، وتزويج المجنون حيث لا مفسدة ، وغير ذلك ، انتهى ، الظاهر

_________________________

( وعلى كل تقدير ) سواء قلنا بلزوم الأصلح ، أم لا ( لو ظهر في الحال ) الّذي يريد الولي نقل مال المولى عليه ( الأصلح والمصلحة ) معا كما لو كان للمتاع مشتريان ، أحدهما يشتريه بعشرة ، والآخر بأحد عشر ( لم يجز العدول عن الأصلح ) لأصالة عدم النقل في هذا الحال وان قلنا بكفاية المصلحة في الجملة ، في غير هذا الحال .

( ويترتب على ذلك ) الّذي ذكرنا ، هل يشترط الاخذ بالمصلحة ، أم يكفى عدم المفسدة ؟ ( اخذ الولي بالشفعة للمولى عليه ) كما إذا كانت دار مثلا مشتركة بين اليتيم وغيره ، ثم باع غير اليتيم ، فإذا كان الاخذ بالشفعة بالنسبة إلى اليتيم صلاحا ، كان اللازم على الولي ان يأخذ بالشفعة ، وان لم يكن صلاحا لم يلزم ، ف ( حيث لا مصلحة ولا مفسدة ) لا يلزم الاخذ ، وان اخذ بالشفعة - والحال هذه - صح على القول بكفاية عدم المفسدة ، ولم يصح على القول باشتراط المصلحة ( وتزويج المجنون حيث لا مفسدة ) فإنه صحيح على القول بكفاية عدم المفسدة ، وباطل على القول باشتراط المصلحة ( وغير ذلك ) من الأمثلة ( انتهى ) كلام الشهيد في القواعد .

قال المصنف : ( الظاهر ) من تتبع النص والفتوى

ص: 262

ان فعل الأصلح في مقابل ترك التصرف رأسا ، غير لازم ، لعدم الدليل عليه ، فلو كان مال اليتيم موضوعا عنده وكان الاتجار به اصلح منه لا يجب ، الا إذا قلنا بالمعنى الرابع ، من معاني القرب في الآية ، بان يراد : لا تختاروا في مال اليتيم امرا من الافعال أو التروك الا ان يكون أحسن من غيره .

وقد عرفت الاشكال في استفادة هذا المعنى ، بل الظاهر :

التصرفات الوجودية ، فهي المنهى عن جميعها لا ما كان أحسن من غيره ، ومن

_________________________

( ان فعل الأصلح في مقابل ترك التصرف رأسا ) بان يترك الولي التصرف لا ان يترك الأصلح ويفعل الصالح ( غير لازم ، لعدم الدليل عليه ) إذ :

ظاهر الآية - كما قيل - ان القرب ، لو أريد به لزم ان يكون بالأحسن لا ان القرب واجب مطلقا ( فلو كان مال اليتيم موضوعا عنده وكان الاتجار به ) اى بالمال ( اصلح منه ) اى من البقاء عنده ( لا يجب ) على الولي الاتجار ( الا إذا قلنا بالمعنى الرابع ، من معاني القرب في الآية ، بان يراد : لا تختاروا في مال اليتيم امرا من الافعال أو التروك الا ان يكون أحسن من غيره ) .

وعلى هذا المعنى لا يمكن ان يختار في مال اليتيم بقائه موضوعا في حال كون الاتجار أحسن .

( وقد عرفت الاشكال في استفادة هذا المعنى ) من الآية ( بل الظاهر ) من : القرب ( التصرفات الوجودية ، فهي المنهى عن جميعها لا ما كان أحسن من غيره ، ومن

ص: 263

الترك ، فلا يشمل ما إذا كان فعل أحسن من الترك .

نعم ثبت بدليل خارج حرمة الترك ، إذا كان فيه مفسدة .

واما إذا كان في الترك مفسدة ، ودار الامر بين افعال بعضها اصلح من بعض ، فظاهر الآية عدم جواز العدول عنه .

بل ربما يعد العدول في بعض المقامات افسادا ، كما إذا اشترى في موضع بعشرة ، وفي موضع اخر قريب منه

_________________________

الترك ) فإذا كان الاتجار ممكنا بربح عشرة ، وبربح احدى عشرة ، وأمكن الابقاء بلا ربح ، كان اللازم ربح احدى عشرة على ربح عشرة وعلى الترك ( فلا يشمل ما إذا كان فعل أحسن من الترك ) فإنه لا يجب حينئذ العدول عن الترك إلى الفعل ، الا ان يقال بالمناط ، فإنه إذا جاز الترك الّذي لا ربح فيه أصلا ، جاز الفعل الّذي ليس باصلح بطريق أولى .

( نعم ثبت بدليل خارج ) كقوله تعالى : واللّه يعلم المصلح من المفسد ، في باب مخالطة الأيتام ( حرمة الترك ، إذا كان فيه مفسدة ) كما إذا كان يترك ثمار الصغير على النخل حتى تفسد ، أو يترك الولد أو البنت الصغيرين بلا عناية ورعاية حتى يفسدان أخلاقا أو عملا - مثلا - .

( واما إذا كان في الترك مفسدة ، ودار الامر بين افعال بعضها اصلح من بعض ، فظاهر الآية عدم جواز العدول عنه ) اى عن الأصلح لظهور : أحسن ، في التفضيل .

( بل ربما يعد العدول في بعض المقامات افسادا ، كما إذا اشترى ) متاع الصغير ( في موضع بعشرة ، وفي موضع آخر قريب منه ) اى من

ص: 264

بعشرين ، فإنه يعد بيعه في الأول إفسادا للمال ، ولو ارتكبه عاقل عد سفيها ، ليس فيه ملكة اصلاح المال .

وهذا هو الّذي اراده الشهيد بقوله : ولو ظهر في الحال الخ .

نعم قد لا يعد العدول من السفاهة ، كما لو كان بيعه مصلحة ، وكان بيعه في بلد آخر اصلح مع اعطاء الأجرة منه ان ينقله إليه ، والعلم بعدم الخسارة ، فإنه قد لا يعد ذلك سفاهة .

_________________________

الموضع الأول ( بعشرين ، فإنه يعد بيعه في الأول افساد للمال ، ولو ارتكبه ) اى البيع ( عاقل عد سفيها ، ليس فيه ملكة اصلاح المال ) ولذا نقول بعدم جواز بيعه في الموضع الأول .

( وهذا هو الّذي اراده الشهيد ) الأول ( بقوله ) المتقدم قبل أسطر ( ولو ظهر في الحال الخ ) وانما نفس كلامه بهذا المعنى ، مع أن كلامه أعم ، حتى يلائم قوله السابق : بالترديد بين اشتراط المصلحة وكفاية عدم المفسدة ، والأنفس قوله : ولو ظهر بهذا التفسير لوقع التنافي بين الكلامين كما لا يخفى .

( نعم قد لا يعد العدول ) عن بيعه في موضع يشترى فيه بعشرين إلى موضع يشترى فيه بعشرة ( من السفاهة كما لو كان ) أصل ( بيعه مصلحة وكان بيعه في بلد آخر اصلح مع اعطاء الأجرة منه ) اى من الصغير ، ل ( ان ينقله إليه ) اى ينقل المتاع إلى ذلك البلد ( والعلم بعدم الخسارة ) في الطريق ، وما أشبه ( فإنه قد لا يعد ذلك ) البيع في هذا البلد بعشرة ( سفاهة ) لاعتياد العقلاء ، بعدم تحرى البلاد البعيدة ، إذا

ص: 265

لكن ظاهر الآية وجوبه .

_________________________

كان الربح فيها أكثر الا نادرا .

( لكن ظاهر الآية وجوبه ) اى وجوب بيعه في البلد الأصلح ، للفظة : أحسن ، ولا شك ان البيع في ذلك البلد أحسن ، من البيع في هذا البلد واللّه العالم .

ص: 266

مسئلة يشترط فيمن ينقل إليه العبد المسلم ثمنا أو مثمنا ، ان يكون مسلما

فلا يصح نقله إلى الكافر عند أكثر علمائنا كما في التذكرة بل عن الغنية عليه الاجماع ، خلافا للمحكى في التذكرة عن بعض علمائنا .

_________________________

( مسئلة : يشترط فيمن ينتقل إليه العبد المسلم ثمنا ) كان العبد المسلم ، كان يشترى سيده دارا بإزاء عبده ( أو مثمنا ) كان يبيعه سيده بمقابل مائة دينار ( ان يكون مسلما ) اى قسم من المسلم كان الا الفرق المحكوم بكفرهم ، فهم والكافر سواء .

اللهم الا إذا كان العبد أيضا على ذلك المبدأ ، كما لو كان كل من العبد والمشترى ناصبيا ،

وفي جواز بيع الناصبي للكافر ، وجه قوى ، لعدم شمول الأدلة المانعة له ( فلا يصح نقله ) اى العبد المسلم ( إلى الكافر عند أكثر علمائنا )

وهل يجوز نقل الأمة الشيعية إلى غير الشيعة ؟ بعد كون الظاهر جواز نقل العبد الشيعي إليه ، احتمالان .

من : اصالة الجواز .

ومن قوله عليه السلام : لا توضع العارفة الا عند العارف ، فإنه شامل لما نحن فيه لفظا أو مناطا ( كما في التذكرة ) ان ذلك عند أكثر علمائنا ( بل عن الغنية عليه الاجماع ، خلافا للمحكى في التذكرة عن بعض علمائنا ) حيث قال بالجواز .

ص: 267

وسيأتي عبارة الإسكافي في المصحف .

واستدل للمشهور تارة بان الكافرة يمنع من استدامته ، لأنه لو ملكه قهرا بإرث أو اسلم في ملكه ، بيع عليه ، فيمنع من ابتدائه كالنكاح .

وأخرى : بان الاسترقاق سبيل على المؤمن ، فينتفى بقوله تعالى وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا .

_________________________

( وسيأتي عبارة الإسكافي في المصحف ) فان المصحف الشريف أيضا لا يجوز نقله إلى الكافر .

( واستدل للمشهور ) القائلين بعدم جواز بيع المسلم للكافر ( تارة بان الكافر يمنع من استدامته ) اى استدامة كونه مالكا للعبد المسلم ( لأنه ) اى الكافر ( لو ملكه ) اى المسلم ( قهرا بإرث ، أو اسلم ) عبد كافر ( في ملكه ) اى في ملك المولى الكافر ( بيع عليه ) كما دل على ذلك الدليل فإنه إذا لم يبعه الكافر بنفسه باعه الحاكم قهرا على الكافر ( فيمنع ) الكافر ( من ابتدائه ) اى ابتداء تملكه للمسلم ، بان يشتريه ، وذلك لوحدة المناط في الابتداء والاستمرار ( كالنكاح ) الّذي لا يجوز للكافر أن يتزوج المسلمة ابتداءً ، كما أن زوج الكافر لو أسلمت أجبر على الفراق استمرارا .

( و ) استدل له تارة ( أخرى : بان الاسترقاق سبيل على المؤمن فينتفى ) اى لا يتحقق ( بقوله تعالى : وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ) واى سبيل أعظم من أن يكون المؤمن تحت يد الكافر ، بحيث لا يقدر على شيء ، والكافر يقدر على كل تصرف فيه .

ص: 268

وبالنبوى المرسل في كتب أصحابنا المنجبر بعلمهم واستدلالهم به في موارد متعددة - حتى في عدم جواز علو بناء الكافر على بناء المسلم ، بل عدم جواز مساواته وهو قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلم :

الاسلام يعلو ولا يعلى عليه .

ومن المعلوم : ان ما نحن فيه أولى بالاستدلال عليه به .

لكن الانصاف : انه لو اغمض النظر عن دعوى الاجماع المعتضد بالشهرة ، أو اشتهار التمسك بالآية حتى اسند في كنز العرفان إلى

_________________________

( وبالنبوى المرسل في كتب أصحابنا المنجبر بعلمهم واستدلالهم به في مورد متعددة - حتى في عدم جواز علو بناء الكافر على بناء المسلم بل عدم جواز مساواته ) اى مساواة بناء الكافر لبنائه ( وهو قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : الاسلام يعلو ولا يعلى عليه ) فان المراد الاسلام وما يتبع الاسلام ، اى المسلم وسائر ما يتعلق بالاسلام الّذي منه البناء .

( ومن المعلوم : ان ما نحن فيه ) من سيطرة الكافر على العبد المسلم ( أولى بالاستدلال عليه ) اى على ما نحن فيه - بأنه لا يمكن - ( به ) اى بهذا الحديث ، من الاستدلال بهذا الحديث ، لعدم علو بناء الكافر على بناء المسلم ، إذ علو نفس الكافر على نفس المسلم أبشع من علو بناء الكافر على بناء المسلم .

( لكن الانصاف : انه لو اغمض النظر عن دعوى الاجماع المعتضد بالشهرة ، أو ) المعتضد ب ( اشتهار التمسك بالآية حتى اسند في كنز العرفان ) التمسك بالآية لأجل عدم صحة مالكية الكافر للعبد المسلم ( إلى

ص: 269

الفقهاء ، وفي غيره إلى أصحابنا لم يكن ما ذكروه من الأدلة خاليا عن الاشكال في الدلالة .

اما قياس حكاية الابتداء على الاستدامة ، فغاية توجيهه ان المستفاد من منع الشارع عدم رضاه بأصل وجوده حدوثا ، وبقاء ، من غير مدخلية لخصوص البقاء ، كما لو امر المولى باخراج أحد من الدار ، أو بإزالة النجاسة عن المسجد ، فإنه يفهم من ذلك عدم جواز الادخال .

_________________________

الفقهاء ، وفي غيره ) اى غير كنز العرفان اسند ذلك ( إلى أصحابنا - لم يكن ما ذكروه من الأدلة خاليا عن الاشكال في الدلالة ) على الاشتراط المذكور .

( اما قياس حكاية الابتداء على الاستدامة ) حيث قالوا إنه لا يمكن الاستدامة فلا يمكن الابتداء ( فغاية توجيهه ) اى توجيه هذا القياس ليخرج عن كونه قياسا باطلا إلى كونه دليلا صحيحا ( ان المستفاد من منع الشارع ) لبقاء العبد المسلم عند الكافر ، و ( عن استدامته ) اى دوام البقاء عنده ( عدم رضاه ) اى الشارع ( بأصل وجوده حدوثا ) بان يحدث تملك الكافر المسلم ( وبقاء ) بان يبقى عنده ( من غير مدخلية لخصوص البقاء ) بما هو بقاء ، فيكون ذلك ( كما لو امر المولى باخراج أحد من الدار أو بإزالة النجاسة عن المسجد ، فإنه يفهم من ذلك ) عرفا ( عدم جواز الادخال ) بأن يدخل اللص - مثلا - المأمور باخراجه ، ثانيا إلى الدار أو يدخل النجاسة المسرية في المسجد .

ص: 270

لكن يرد عليه ان هذا انما يقتضي كون عدم الرضا بالحدوث ، على نهج عدم الرضا بالبقاء .

ومن المعلوم : ان عدم رضاه بالبقاء مجرد تكليف بعدم ابقائه وباخراجه عن ملكه ، وليس معناه عدم امضاء الشارع بقائه حتى يكون العبد المسلم خارجا بنفسه شرعا عن ملك الكافر ، فيكون عدم رضاه بالادخال على هذا الوجه ، فلا يدل على عدم امضائه لدخوله في ملكه

_________________________

( لكن يرد عليه ) ان الشارع يعترف بملكية الكافر للمسلم ، والا لم يحتج إلى أن يأمر بالبيع عليه قهرا فمن اين انه لا يمكن تمليك الكافر للمسلم ابتداءً ؟ .

ف ( ان هذا ) المناط والقياس الّذي ذكر ( انما يقتضي كون عدم الرضا بالحدوث ، على نهج عدم الرضا بالبقاء ) إذ هذا هو مقتضى القياس والمناط ، إذ لا يزيد الفرع على الأصل .

( ومن المعلوم : ان عدم رضاه بالبقاء مجرد تكليف بعدم ابقائه وباخراجه ) اى المسلم ( عن ملكه ) اى ملك الكافر ، فهو امر تكليفي ، وليس امرا وضعيا بمعنى عدم الملك ( وليس معناه عدم امضاء الشارع بقائه ) اى بقاء الكافر في ملك المسلم ( حتى يكون العبد المسلم خارجا بنفسه ) بدون اخراج ( شرعا عن ملك الكافر ، فيكون عدم رضاه بالادخال ) في ملك الكافر ( على هذا الوجه ) اى وجه عدم البقاء بمعنى التكليف لا الوضع ( فلا يدل على عدم امضائه ) اى الشارع ( لدخوله ) اى المسلم ( في ملكه )

ص: 271

ليثبت بذلك الفساد .

والحاصل : ان دلالة النهى عن الادخال في الملك تابعة لدلالة النهى عن الابقاء في الدلالة ، على امضاء الشارع لآثار المنهى عنه ، وعدمه ، والمفروض انتفاء الدلالة في المتبوع .

ومما ذكرنا : يندفع التمسك للمطلب بالنص الوارد في عبد كافر اسلم ، فقال أمير

_________________________

اى ملك الكافر ( ليثبت بذلك ) اى بعدم امضائه ( الفساد ) للبيع .

( والحاصل ) في وجه الاستدلال على عدم بطلان اشتراء الكافر للعبد المسلم ( ان دلالة النهى عن الادخال في الملك تابعة لدلالة النهى عن الابقاء ) اى ابقاء العبد المسلم في ملك الكافر ( في الدلالة ) متعلق بتابعة ( على امضاء الشارع لآثار المنهى عنه ) اى تملك الكافر للمسلم - فإنه منهى عنه - ( وعدمه ) اى عدم وجود آثار المنهى عنه .

فإذا قلنا اثر النهى : البقائى ، البطلان ، نقول : بان اثر النهى :

الحدوثى ، أيضا البطلان .

وان قلنا : الأثر الحرمة بقاء ، نقول : الأثر ، الحرمة حدوثا - لا البطلان - ( والمفروض انتفاء الدلالة ) اى دلالة النهى على الفساد ( في المتبوع ) اى البقاء ، فالدلالة على الفساد في التابع اى الحدوث أيضا منتف .

( ومما ذكرنا : يندفع التمسك للمطلب ) وهو اشتراط ان لا يكون المشترى للعبد المسلم كافرا ( بالنص الوارد في عبد كافر اسلم ، فقال أمير

ص: 272

المؤمنين عليه السلام : اذهبوا ، فبيعوه من المسلمين وادفعوا ثمنه إلى صاحبه ، ولا تقروه عنده بناء على أن تخصيص البيع بالمسلمين في مقام البيان والاحتراز يدل على المنع من بيعه من الكافر ، فيفسد توضيح الاندفاع ان التخصيص بالمسلمين انما هو من جهة ان الداعي على الامر بالبيع ، هي إزالة ملك الكافر ، والنهى عن ابقائه عنده ، وهي لا تحصل بنقله إلى كافر آخر ، فليس تخصيص المأمور به لاختصاص مورد الصحة به ، بل لان الغرض من الامر لا يحصل الا به ، فافهم .

_________________________

المؤمنين عليه السلام : اذهبوا ، فبيعوه من المسلمين وادفعوا ثمنه إلى صاحبه ، ولا تقروه عنده ) .

وجه الدلالة ( بناء على أن تخصيص البيع بالمسلمين في مقام البيان والاحتراز ) عطف على : البيان ، ان القيد قيد احترازي ، لا انه قيد لفظي فقط ( يدل على المنع من بيعه من الكافر ، فيفسد توضيح الاندفاع ان التخصيص بالمسلمين ) ليس من جهة الاحتراز ، بل ( انما هو من جهة ان الداعي على الامر بالبيع ، هي إزالة ملك الكافر ، والنهى عن ابقائه عنده ، وهي ) اى إزالة ملك الكافر ( لا تحصل بنقله إلى كافر آخر ) إذ يجب حينئذ نقله أيضا إلى ثالث ، وهكذا ( فليس تخصيص المأمور به ) بكون المشترى مسلما ( لاختصاص مورد الصحة به ) اى بكون المشترى مسلما ( بل لان الغرض من الامر لا يحصل الا به ، فافهم ) فان الظاهر من القيد الاحترازية ، ولا منافاة بين ان يكون الوجه عدم بقائه عند الكافر مع مطلوبيته ان لا يكون عند كافر آخر ، فحصر الوجه في التخلص

ص: 273

واما الآية : فباب الخدشة فيها واسع تارة من جهة دلالتها في نفسها ولو بقرينة سياقها الآبي عن التخصيص ، فلا بد من حملها على معنى لا يتحقق فيه تخصيص .

_________________________

لا وجه له .

وعليه : فالحديث يكون دليلا على عدم صحة البيع من الكافر .

وحيث علمنا بأنه لا خصوصية في ذلك الا الاسلام نقول : بالتعدى عن مورد الرواية إلى كل بيع للمسلم إلى الكافر .

( واما الآية ) وهي قوله تعالى : وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ( فباب الخدشة فيها واسع تارة من جهة دلالتها في نفسها ) فإنها لا تدل على أن كل تسلّط سبيل ( ولو بقرينة سياقها الآبي عن التخصيص ) .

فلو قلنا : ان المراد بها نفى كل تسلط للكافر على المؤمن ، يجب ان لا يصح ايكال الكافر للمؤمن ، ولا الاشتراء منه ، لأنه تسليط للكافر على المطالبة من المؤمن ، وحبسه في الدين إذا كان واجدا مما طلا .

إلى غير ذلك من انحاء التسلط التي لا اشكال فيها .

وحيث إن الآية : آبية عن التخصيص - لان ظاهرها ان ذلك التسليط والسبيل مما لا يكون لأجل وصف الايمان - لا يمكن ان يفسر السبيل بتفسير يوجب التخصيص فيه ( فلا بد من حملها ) اى الآية ( على معنى لا يتحقق فيه تخصيص ) كان يكون المراد نفى الحجة .

فهي عبارة أخرى عن أن الحجة للمؤمن دائما أقوى من الحجة

ص: 274

أو بقرينة ما قبلها الدالة على إرادة نفى الجعل في الآخرة .

وأخرى من حيث تفسيرها في بعض الأخبار بنفي الحجة للكفار على المؤمنين ، وهو ما روى في العيون عن أبي الحسن عليه السلام ردا على من زعم أن المراد بها نفى تقدير اللّه سبحانه - بمقتضى الأسباب العادية تسلط الكفار على المؤمنين حتى أنكروا - لهذا المعنى الفاسد الّذي لا يتوهمه ذو مسكة ان الحسين بن علي ( ع ) لم يقتل ، بل شبه لهم

_________________________

للكافر - لا الفعلية عند البحث والمجادلة ، بل الواقعية ، وان الأدلة التي تدعم الايمان لا يمكن ان تغلب - .

( أو ) عطف على : في نفسها ، ( بقرينة ما قبلها الدالة على إرادة نفى الجعل في الآخرة ) وهو قوله تعالى : فاللّه يحكم بينكم يوم القيمة .

( وأخرى ) عطف على : تارة ، ( من حيث تفسيرها في بعض الأخبار بنفي الحجة للكفار على المؤمنين ، وهو ما روى في العيون عن أبي الحسن عليه السلام ردا على من زعم أن المراد بها ) اى بالآية ( نفى تقدير اللّه سبحانه - بمقتضى الأسباب العادية ) اى نفى اجراء اللّه العادة - كنفيه اجراء العادة بتبريد النار - ( تسلط الكفار على المؤمنين حتى أنكروا ) أولئك الزاعمون ( - لهذا المعنى الفاسد الّذي لا يتوهمه ذو مسكة ) اى صاحب امساك في الفكر يتمكن من اخذ زمام فكره ، حتى لا يذهب وراء كل باطل وفاسد .

وقوله : لهذا ، معناه ان التوهم كان ناشئا من تفسيرهم للآية بهذا التفسير الفاسد ( ان الحسين بن علي ( ع ) لم يقتل ) في كربلاء ( بل شبه لهم )

ص: 275

ورفع ، كعيسى على نبينا وآله وعليه السلام .

وتعميم الحجة على معنى يشمل الملكية ، أو تعميم السبيل على وجه يشمل الاحتجاج والاستيلاء ، لا يخلو عن تكلف .

_________________________

اى للقتلة ، حتى زعموا ان من قتلوه كان حسينا عليه السلام ، والحال ان الّذي قتلوه هو غير الحسين عليه السلام ( ورفع ) الحسين عليه السلام إلى السماء ( كعيسى على نبينا وآله وعليه السلام ) الّذي لم يقتل ، وانما قتل زعيم اليهود .

( و ) ان قلت : لما ذا تخصصون الآية بالحجة ، بل عمموها بحيث تشمل نفى الملك ، والاستيلاء إلى جنب نفى الحجة والاستدلال .

قلت : ( تعميم الحجة ) في تفسير الإمام عليه السلام حيث قال في تفسير الآية : لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لكافر على مؤمن حجة ، ( على معنى يشمل الملكية ) إذ : الحجة بمعنى الغلبة ، والمالك للشيء غالب عليه ( أو تعميم السبيل ) في الآية ( على وجه يشمل الاحتجاج والاستيلاء ) إذ :

الغلبة في الاحتجاج جعل .

ومن المعلوم : ان كل شيء مجهول للّه تعالى ، اما بنفسه كخلق السماوات والأرض ، واما بمقدماته كالافعال الاختيارية من العباد .

إذ : لولا تلك المقدمات الاختيارية لم تقع الأفعال الاختيارية من الناس المختارين ( لا يخلو عن تكلف ) لمنافات هذا التعميم للظهور ، والمتبع في الالفاظ الظهور العرفي .

وإذا لا يشمل الحجة في كلام الامام للملكية .

ص: 276

وثالثة : من حيث تعارض عموم الآية مع عموم ما دل على صحة البيع ، ووجوب : الوفاء بالعقود ، وحل اكل المال بالتجارة ، و : تسلط الناس على أموالهم وحكومة الآية عليها غير معلومة .

_________________________

( وثالثة : من حيث تعارض عموم الآية ) لو قلنا : بان لها عموما يشمل الاستيلاء والملكية ( مع عموم ما دل على صحة البيع ، ووجوب :

الوفاء بالعقود ، و : حل اكل المال بالتجارة ، و : تسلط الناس على أموالهم ) كقوله تعالى : أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ، وقوله تعالى : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، وقوله تعالى : إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ، وقوله عليه السلام :

الناس مسلطون على أموالهم .

( و ) ان قلت : ان النسبة وان كانت عموما من وجه ، لشمول : نفى السبيل ، للبيع وغيره ، وشمول : هذه الأدلة ، لبيع المسلم للكافر ، وغيره الّذي يقتضي التعارض في مادة الاجتماع ، وهي : بيع المسلم من الكافر ، فيتساقطان ، ونرجع فيه إلى الأدلة العامة المجوزة ، كالأصول ونحوها .

الا ان آية : نفى السبيل ، حاكمة على تلك الأدلة ، لان لسانها في مقام التفسير والبيان بان كلما كان سبيلا ثابتا بسائر الأدلة فهي منفية بالنسبة إلى الكافر على المؤمن .

قلت : ( حكومة الآية ) اى : نفى السبيل ( عليها ) اى على تلك الأدلة ( غير معلومة ) إذ : الحكومة تحتاج إلى قوة في الحاكم توجب تقديمه على المحكوم ، ولم يعلم أن قوة عدم : جعل السبيل ، أكثر من قوة

ص: 277

واباء سياق الآية عن التخصيص مع وجوب الالتزام به في طرف الاستدامة ، وفي كثير من الفروع في الابتداء يقرب تفسير السبيل بما لا يشمل الملكية ، بان يراد من : السبيل السلطنة ،

_________________________

تجارة عن تراض ، اى لم يعلم أن الشارع لاحظ قوة الرضا - مثلا - في النقل والانتقال ، أو لاحظ قوة عدم امكان ان يكون للكافر سبيل على المؤمن - في مورد تعارض الامرين : السبيل ، والرضا بالتجارة - .

( و ) ان قلت : سياق الآية يأبى عن التخصيص ، فلو قلنا : بان الملكية سبيل يلزم ان نقول بالتخصيص ، لأنا نرى إجازة الشارع الملكية في الملك الاستمراري فان الشارع لم يبطل ملك الكافر للمسلم ، فيما إذا اسلم عبد الكافر .

فاللازم ان نقول : الملكية ليست سبيلا فلا تشمل الآية الملكية ، فلا تدل على عدم جواز بيع العبد المسلم للكافر .

وهذا ما ذكره بقوله : و ( اباء سياق الآية ) القوى في ان الايمان بما هو ايمان ارفع من أن يجعل للكافر سبيل عليه ( عن التخصيص ) مطلقا ( مع وجوب الالتزام به ) اى بالتخصيص ( في طرف الاستدامة ) اى ملكية الكافر للمؤمن استدامة ( وفي كثير من الفروع في الابتداء ) كرهن المؤمن داره عند الكافر ، واستدانة المؤمن من الكافر ، وايكال الكافر للمؤمن ( يقرب تفسير السبيل ) في الآية الكريمة ( بما لا يشمل الملكية ، بان يراد من : السبيل ، السلطنة ) .

ومن المعلوم : ان بين الامرين عموما من وجه إذ : يمكن السلطنة

ص: 278

فيحكم بتحقق الملك ، وعدم تحقق السلطنة ، بل يكون محجورا عليه ، مجبورا على بيعه ، وهذا وان اقتضى التقييد في اطلاق ما دل على :

استقلال الناس في أموالهم ، وعدم حجرهم بها .

لكنه مع ملاحظة وقوع مثله كثيرا في موارد الحجر على المالك أهون من ارتكاب التخصيص في الآية

_________________________

بدون ملكية ، كالعين المستأجرة للمستأجر ، ويمكن الملكية بدون سلطنة كملك الصغير ، ويمكن اجتماعهما كسائر الاملاك للناس .

وبناء على عدم السبيل من ناحية ، والملكية من ناحية أخرى في مسئلة العبد المسلم ( فيحكم بتحقق الملك ، وعدم تحقق السلطنة ، بل يكون ) الكافر ( محجورا عليه ، مجبورا على بيعه ، وهذا ) الّذي ذكرنا من الحجر والجبر ( وان اقتضى التقييد في اطلاق ما دل على : استقلال الناس في أموالهم ) فلا يجبرون على البيع ( وعدم حجرهم بها ) اى بأحوالهم ، فلهم الحرية في كل التصرفات بالنسبة إلى أحوالهم .

( لكنه مع ملاحظة وقوع مثله كثيرا في موارد الحجر على المالك ) كما إذا كان صغيرا ، أو مجنونا ، أو سفيها ، أو مفلسا ، أو ما أشبه ( أهون من ارتكاب التخصيص في الآية ) إذ : الامر دائر بين ان نقول : بتخصيص الآية ، أو تخصيص أدلة الملكية المطلقة .

وإذا دار الامر بين تخصيصين كان أحدهما أقرب - لكثرة مثله - كان اللازم الاخذ به ، مثلا إذا قال المولى : أكرم العلماء ، وقال : أكرم الكسبة ، ثم قال : لا تكرم زيدا ، وكان زيد مشتركا بين زيد تاجر وزيد عالم

ص: 279

المسوقة لبيان ان الجعل شيء لم يكن ، ولن يكون .

وان نفى الجعل ناش عن احترام المؤمن الّذي لا يقيد بحال دون حال .

هذا مضافا إلى أن استصحاب الصحة في بعض المقامات يقتضي الصحة ، كما إذا كان الكافر مسبوقا بالاسلام ، بناء على شمول الحكم لمن كفر عن

_________________________

وقد خصص قبلا أكرم الكسبة ، بتخصيصات كثيرة ، فان ذلك يوجب انصراف الذهن إلى أن المراد بزيد المنهى عن اكرامه زيد الكاسب ، لا العالم .

خصوصا والآية أبية عن التخصيص ، فيصعب ارتكاب التخصيص في الآية ( المسوقة لبيان ان الجعل ) اى جعل السبيل للكافر على المؤمن ( شيء لم يكن ، ولن يكون ) .

فان الظاهر من : لن ، هنا ، الماضي والمستقبل ، لا المستقبل فقط ، ولذا قال المصنف : لم يكن ولن يكون .

( و ) لبيان ( ان نفى الجعل ناش عن احترام المؤمن الّذي لا يقيد ) احترام المؤمن ( بحال دون حال ) والتخصيص تقييد - كما لا يخفى - .

( هذا مضافا إلى أن استصحاب الصحة في بعض المقامات يقتضي الصحة ) لبيع العبد المسلم للكافر ( كما إذا كان الكافر مسبوقا بالاسلام ) فإنه في هذا الحال يصح بيع العبد المسلم له .

فإذا كفر وشككنا في صحة بيع العبد له كان مقتضى الاستصحاب الصحة ( بناء على شمول الحكم ) اى الحكم الّذي ذكروه بأنه لا يصح بيع العبد المسلم للكافر ( لمن كفر عن

ص: 280

الاسلام أو كان العبد مسبوقا بالكفر ، فيثبت في غيره بعدم الفصل .

ولا يعارضه اصالة الفساد في غير هذه الموارد ، لأن استصحاب الصحة مقدم عليها ، فتأمل .

_________________________

الاسلام ) لا ان يكون مرادهم بالكافر ، الكافر الأصلي فقط ( أو كان العبد مسبوقا بالكفر ) فإنه في حال كفره يصح بيعه للكافر .

فإذا اسلم وشككنا في انه هل يصح بيعه ، أم لا ؟ كان الأصل الصحة استصحابا لحال كفره .

وإذا تحقق الصحة بالأصل في بعض الصور ( فيثبت في غيره ) من سائر الصور ، كحال كفر المولى واسلام العبد من الأول ( بعدم الفصل ) إذ ليس هناك من يفصل بين اقسام المولى الكافر اى المسبوق بالاسلام وغيره ، كما أنه ليس هناك من يفصل بين اقسام العبد المسلم اى المسبوق بالكفر ، وغيره .

( و ) ان قلت : لنا ان نعكس الامر ، فنقول : إذا كان المولى كافرا أصليا لم يصح البيع له ، فإذا كان كافرا جديدا لم يصح البيع إليه لعدم القول بالفصل ، وكذا إذا كان العبد مسلما أصليا لم يصح بيعه ، فكذلك إذا كان مسلما جديدا .

قلت : ( لا يعارضه ) اى لا يعارض عدم الفصل الّذي ذكرنا لتصحيح البيع ( اصالة الفساد في غير هذه الموارد ) اى مورد كفر المولى اصالة ، واسلام العبد اصالة ( لأن استصحاب الصحة مقدم عليها ) اى على اصالة الفساد ( فتأمل ) فان استصحاب الصحة غير جار مع تبدل الموضوع ، فان

ص: 281

ثم : ان الظاهر أنه لا فرق بين البيع ، وأنواع التمليكات ، كالهبة والوصية .

واما تمليك المنافع ، ففي الجواز مطلقا ، كما يظهر من التذكرة ، ومقرب النهاية ، بل ظاهر المحكى عن الخلاف .

_________________________

فان المسلم لو كفر لا يمكن ان يستصحب صحة البيع إليه في حال اسلامه كما أن العبد الكافر لو اسلم لا يمكن ان يستصحب صحة بيعه في حال كفره .

إذا الكفر والاسلام من المقومات ، لا من الحالات الخارجة عن الموضوع ، حيث لا يضر تبدلها في جريان الاستصحاب - كما لا يخفى - .

( ثم : ان الظاهر أنه لا فرق ) في عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر ( بين البيع ، وأنواع التمليكات ، كالهبة والوصية ) فلا يصح ان يهب الانسان العبد المسلم إلى الكافر .

وكذلك لا يصح ان يوصى مالك العبد المسلم ان يعطى عبده - بعد موته - إلى شخص كافر .

وكذلك لا يصح ان يجعل العبد بدل الايجار حتى ينتقل إلى الكافر أو حق الوكالة التي أعطاها لكافر ، أو ما أشبه من وجوه الانتقال إلى الكافر .

( واما تمليك ) الكافر ( المنافع ) للعبد المسلم كما لو أن المالك للمسلم اعطى العبد للكافر بعنوان الإجارة لاستخدام الكافر إياه في مصالحه مثلا - ( ففي الجواز مطلقا ، كما يظهر من التذكرة ، ومقرب النهاية ، بل ظاهر المحكى عن الخلاف ) لأصالة الجواز ، والدليل انما دل على المنع

ص: 282

أو مع وقوع الإجارة على الذمة ، كما عن الحواشى ، وجامع المقاصد والمسالك .

أو مع كون المسلم الأجير حرا ، كما عن ظاهر الدروس .

_________________________

عن الانتقال ، والمناط ليس موجودا ، والتسلط وان كان ، لكنه في الجملة ومثله مشكوك الشمول للآية .

( أو ) الجواز ( مع وقوع الإجارة على الذمة ) لا على العين .

فإنه قد يكون العبد المسلم مكلفا ببناء دار الكافر في ذمته بحيث لا سبيل للكافر على شخص المسلم ، فإذا بنى المسلم داره بسبب ، أو مباشرة أدى ما عليه ،

وقد يكون العبد المسلم مكلفا ببناء الدار بنفسه حتى يكون للكافر تسلط على شخص المسلم .

أو الفصل على جواز الأول دون الثاني ، لان الأول ليس سبيلا ( كما عن الحواشى ، وجامع المقاصد ، والمسالك ) .

( أو ) الجواز ( مع كون المسلم الأجير حرا ) لا ما إذا كان عبدا - والمسألة خارجة عن موضوع الكلام ، وانما ذكرت هنا لأجل المناسبة كما لا يخفى - ( كما عن ظاهر الدروس ) وانما جاز في المسلم الحر ، لأنه ليس سبيلا ، بل هو كسائر المعاملات بين المسلم والكافر مما يلتزم المسلم تجاه . الكافر بعمل .

ويؤيده ما ورد من ايجار أمير المؤمنين عليه السلام نفسه لليهودي ، حتى يستقى له - كما في البحار - وكما كانت الزهراء عليها السلام تغزل

ص: 283

أو المنع مطلقا ، كما هو ظاهر القواعد ، ومحكى الايضاح أقوال :

أظهرها : الثاني ، فإنه كالدين ، ليس ذلك سبيلا فيجوز ، ولا فرق بين الحر والعبد ، كما هو ظاهر اطلاق كثير ، كالتذكرة ، وحواشي الشهيد ، وجامع المقاصد ، بل ظاهر المحكى عن الخلاف نفى الخلاف فيه ، حيث قال فيه : إذا استأجر كافر مسلما لعمل في الذمة ، صح ، بلا خلاف ، وإذا استأجره مدة من الزمان شهرا أو سنة ليعمل عملا

_________________________

لليهودي - كما في بعض الأخبار - .

وانما لم يجز بالنسبة إلى العبد المسلم لفحوى عدم جواز بيعه من الكافر ، أو لغير ذلك من بعض المؤيدات .

( أو المنع مطلقا ) في جميع الاقسام ( كما هو ظاهر القواعد ، ومحكى الايضاح ) لان السبيل موجود في جميع الاقسام ( أقوال ) .

( أظهرها ) لدى المصنف ( الثاني ) وهو التفصيل بين وقوع الإجارة على العين أو الذمة ( فإنه ) إذا كان على الذمة كان ( كالدين ، ليس ذلك سبيلا ) من الكافر على المسلم ، فكما يجوز ان يستدين المسلم من الكافر ، ويطلب منه كما ورد من طلب بعض الكفار عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، كذلك يجوز تعلق حق الكافر بذمة المسلم ( فيجوز ، ولا فرق بين الحر والعبد ، كما هو ظاهر اطلاق كثير ، كالتذكرة ، وحواشي الشهيد وجامع المقاصد ، بل ظاهر المحكى عن الخلاف نفى الخلاف فيه ، حيث قال ) الشيخ ( فيه ) اى في الخلاف ( إذا استأجر كافر مسلما لعمل في الذمة ، صح ، بلا خلاف ، وإذا استأجره مدة من الزمان شهرا أو سنة ليعمل عملا ،

ص: 284

صح أيضا عندنا ، انتهى .

وادعى في الايضاح انه لم ينقل من الأمة فرق بين الدين وبين الثابت في الذمة بالاستيجار ، خلافا للقواعد وظاهر الايضاح ، فالمنع مطلقا لكونه سبيلا .

وظاهر الدروس التفصيل بين العبد والحر ، فيجوز في الثاني ، دون الأول ، حيث ذكر بعد ان منع إجارة العبد المسلم الكافر مطلقا ، قال وجوزها

_________________________

صح أيضا عندنا ، انتهى ) .

الظاهر : ان الفرق بين المسألتين ان الأولى إجارة في الذمة ، والثانية إجارة في العين ، وكان المصنف انما ذكر المسألة الثانية وهي خارجة عن محل كلام المصنف ، لإفادة ان : لا خلاف ، الّذي ذكره الشيخ ، قوى جدا ، لأنه قابله بقوله عندنا في المسألة الثانية .

( وادعى في الايضاح انه لم ينقل من الأمة فرق بين الدين ) بان يستدين المسلم شيئا من الكافر ( وبين الثابت في الذمة بالاستيجار ) بان يستأجر الكافر المسلم لاداء عمل ما في ذمته ، لا استيجار شخصه ( خلافا للقواعد وظاهر الايضاح ، ف ) انهما ذهبا إلى ( المنع مطلقا ) كما تقدم ( لكونه سبيلا ) للكافر على المسلم ، فتشمله آية نفى السبيل .

( وظاهر الدروس التفصيل بين العبد والحر ، فيجوز ) الإجارة ( في الثاني ، دون الأول ، حيث ذكر ) الشهيد ( بعد ان منع إجارة العبد المسلم الكافر مطلقا ) حرا كان المسلم أو عبدا ( قال وجوزها ) اى الإجارة

ص: 285

الفاضل ، والظاهر أنه أراد إجارة الحر المسلم ، انتهى .

وفيه نظر ، لان ظاهر الفاضل في التذكرة : جواز إجارة العبد المسلم مطلقا ، ولو كان على العين .

نعم : يمكن توجيه الفرق : بان يد المستأجر على الملك الّذي ملك منفعته ، بخلاف الحر ، فإنه لا يثبت للمستأجر يد عليه ، ولا على منفعته ،

_________________________

( الفاضل ) وهو العلامة ( والظاهر أنه أراد إجارة الحر المسلم ، انتهى ) اى إجارة الكافر إياه .

وانما استظهر المصنف من الدروس التفصيل ، لأنه ذكر كلام الفاضل ، ثم وجهه بهذا التوجيه .

ولو لم يكن فرق عنده بين العبد والحر ، لم يكن وجه لهذا التقييد .

( وفيه نظر ) اى في توجيه الدروس كلام الفاضل ( لان ظاهر الفاضل في التذكرة : جواز إجارة العبد المسلم مطلقا ، ولو كان على العين ) وذلك لا يكون الا في العبد ، فليس مراده من الجواز إجارة الكافر الحر المسلم فقط .

( نعم : يمكن توجيه الفرق ) بالجواز في الحر دون العبد ( بان يد المستأجر ) تكون ( على الملك الّذي ملك ) المستأجر ( منفعته ) فكما انه إذا استأجر دارا يكون يده على عينها ، كذلك إذا استأجر عبدا تكون يده على ذات العبد فيتحقق السبيل المنفى في الآية ( بخلاف الحر ، فإنه لا يثبت للمستأجر يد عليه ) فان الانسان إذا استأجر شخصا حرا ليخيط له الثوب لا يكون للمستأجر يد على ذلك الحر ( ولا على منفعته ) بل يطلب منه

ص: 286

خصوصا لو قلنا : بان إجارة الحر تمليك الانتفاع ، لا المنفعة ، فتأمل .

واما الارتهان عند الكافر ، ففي جوازه مطلقا ، كما عن ظاهر نهاية الاحكام ، أو المنع ، كما في القواعد ، والايضاح ، أو

_________________________

شيئا في ذمته .

والفارق العرف حيث إنهم يرون تسلطا خاصا على الملك ، بحيث لا يرون مثل ذلك التسلط على ما ليس بملك .

كما أن الفرق بين التسلط على الذمة ، والتسلط على الشخص ، هو التسلط على دينار خارجي أو دينار ذمي ، فان الذمة كلية بخلاف الشخص ( خصوصا لو قلنا : بان إجارة الحر تمليك الانتفاع ، لا المنفعة ) إذا أعار انسان عن انسان شيئا ملك الانتفاع بذلك الشيء اما المنفعة فهي ملك للمالك بخلاف ما لو أجار ، فان المستأجر يملك المنفعة ، ففي الأول يحق للمستعير ان ينتفع ، وفي الثاني يملك المستأجر نفس المنفعة .

وقوله : خصوصا ، وجهه ان إجارة الحر لو كان تمليك انتفاع لم يكن للمستأجر سبيل إلى عين الحر ، ولا إلى المنفعة ، ومثله ليس سبيلا أصلا بخلاف إجارة العبد فإنها سبيل - كما تقدم - ( فتأمل ) فإنه لو كانت الإجارة ملك الانتفاع ، لا ملك المنفعة ، لم يبق فرق بين الإجارة والإعارة مع وجود الفرق بينهما من هذه الجهة - كما لا يخفى - .

( واما الارتهان ) للعبد المسلم ( عند الكافر ، ففي جوازه مطلقا ، كما عن ظاهر نهاية الاحكام ، أو المنع ) مطلقا ( كما في القواعد ، والايضاح ، أو

ص: 287

التفصيل بين ما لم يكن تحت يد الكافر - كما إذا وضعاه عند مسلم - كما عن ظاهر المبسوط ، والقواعد ، والايضاح في كتاب الرهن ، والدروس وجامع المقاصد ، والمسالك ، أو التردد ، كما في التذكرة ، وجوه أقواها الثالث ، لان استحقاق الكافر لكون المسلم في يده سبيل ، بخلاف استحقاقه لاخذ حقه من ثمنه .

واما اعارته من كافر ، فلا يبعد المنع ، وفاقا لعارية القواعد ، وجامع المقاصد ، والمسالك ، بل عن حواشي الشهيد ره : ان الإعارة ، والايداع أقوى منعا من الارتهان

_________________________

التفصيل بين ما لم يكن تحت يد الكافر - كما إذا وضعاه عند مسلم - ) إذ :

لا يشترط في الرهن ان يكون المرهون عند صاحب المال ( كما عن ظاهر المبسوط ، والقواعد ، والايضاح في كتاب الرهن ، والدروس ، وجامع المقاصد ، والمسالك أو التردد ) في الجواز والعدم ( كما في التذكرة وجوه : أقواها الثالث ) اى التفصيل بين ما كان تحت يد الكافر ، وما لم يكن ( لان استحقاق الكافر لكون المسلم في يده سبيل ) وهو منفى بالآية ( بخلاف استحقاقه لاخذ حقه من ثمنه ) فإنه لا يعد سبيلا .

( واما اعارته من كافر ) بان يستعير الكافر العبد المسلم ( فلا يبعد المنع ، وفاقا لعارية القواعد ، وجامع المقاصد ، والمسالك ، بل عن حواشي الشهيد ره : ان الإعارة ، والايداع ) للعبد المسلم عند الكافر ( أقوى منعا من الارتهان ) في العين المرهونة وكلاهما ممنوعان عن التصرف فيها ، بخلاف العارية فان بنائها على التصرف والوديعة يمكن

ص: 288

وهو حسن في العارية ، لأنها تسليط على الانتفاع ، فيكون سبيلا ، وعلوّا ، ومحل نظر في الوديعة ، لان التسليط على الحفظ ، وجعل نظره إليه مشترك بين الرهن والوديعة ، مع زيادة في الرهن التي قيل من اجلها بالمنع ، وهي التسلّط على منع المالك عن التصرف فيه الا باذنه وتسلطه على الزام المالك ببيعه .

وقد صرح في التذكرة : بالجواز في كليهما .

_________________________

التصرف فيها باذن المودع ( وهو ) اى كلام الشهيد ( حسن في العارية لأنها ) اى العارية ( تسليط ) من المعير للمستعير ( على الانتفاع ، فيكون سبيلا ، وعلوّا ، ) وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ، والاسلام يعلو ولا يعلى عليه ( ومحل نظر في الوديعة ، ) عطف على :

حسن ، ( لان التسليط على الحفظ ، وجعل نظره ) اى المودع عنده ( إليه ) اى إلى الشيء المودع ( مشترك بين الرهن والوديعة ) فكلاهما في صف واحد ، فقول الشهيد أقوى منعا محل اشكال ( مع زيادة في الرهن ) تقتضى ان يكون هو أقوى منعا من الوديعة ( التي قيل من اجلها ) اى اجل تلك الزيادة ( بالمنع ) في باب الرهن ( وهي التسلّط على منع المالك عن التصرف فيه ) اى في المرهون ( الا باذنه ) اى بإذن المرتهن الكافر ( وتسلطه ) اى الكافر ( على الزام المالك ببيعه ) عند عدم وفاء المالك الدين ، ومثل هذين سبيل قوى يشمله دليل نفى السبيل ، بخلاف الوديعة فهما ليسا ثابتين فيها - كما لا يخفى - .

( وقد صرح في التذكرة : بالجواز في كليهما ) العارية والوديعة

ص: 289

ومما ذكرنا يظهر عدم صحة وقف الكافر عبده المسلم على أهل ملّته .

ثم : ان الظاهر من الكافر ، كل من حكم بنجاسته ، ولو انتحل الاسلام ، كالنواصب ، والغلاة ، والمرتد ، غاية الأمر عدم وجود هذه الافراد في زمان نزول الآية .

ولذا استدل الحنفية - على ما حكى عنهم - على حصول البينونة ،

_________________________

( ومما ذكرنا ) من منع وجود سبيل للكافر على المسلم ( يظهر عدم صحة وقف الكافر ) ولا المسلم ( عبده المسلم على أهل ملّته ) اى الكفار في وقف الكافر ، وعلى غير أهل ملّته في وقف المسلم ، لان الوقف سبيل الا إذا كان الوقف على شكل لا يحقق السبيل .

كما إذا وقف العبد لإدارة معامل الكفار ، أو لتعليم أولادهم ، أو ما أشبه مما لا يحقق السبيل لهم عليه ، وانما يوجب الوقف على نفس العبد عملا .

( ثم : ان الظاهر من الكافر ) في هذا الباب ( كل من حكم بنجاسته ، ولو انتحل الاسلام ) اى نسب نفسه إليه ( كالنواصب ، والغلاة والمرتد غاية الأمر عدم وجود هذه الافراد ) من الكفار ( في زمان نزول الآية )

وذلك لا يوجب عدم شمول آية نفى السبيل لهم ، إذ : الكلى ينطبق على كل فرد له ، سواء كان حاصلا ، أو يحصل بعد ذلك .

( ولذا ) الّذي ذكرنا ، من أن عدم وجود الفرد في زمن نزول الآية ليس ضارّا بشمول الآية لذلك الفرد إذا تحقق فيه عنوان الكلى ( استدل الحنفية - على ما حكى عنهم - على حصول البينونة ) والفرقة بين الزوج

ص: 290

بارتداد الزوج .

وهل يلحق بذلك أطفال الكفار ؟ فيه اشكال .

ويعم المسلم المخالف ، لأنه مسلم فيعلو ولا يعلى عليه .

والمؤمن في زمان نزول آية نفى السبيل لم يرد به الا المقر

_________________________

وزوجته ( بارتداد الزوج )

قالوا لان بقائها تحت سلطته سبيل ، وقد نفت الآية السبيل .

ومن المعلوم : ان وقت نزول الآية لم يكن جميع اقسام الارتداد كالانكار للضرورى وما أشبه وانما الكافر في ذلك الوقت المنكر للألوهية أو الرسالة .

( وهل يلحق بذلك ) اى بالكافر في بيع العبد المسلم عليه قهرا وعدم صحة تمليكه المسلم ( أطفال الكفار ) كما إذا اسلم الكافر وهو ملك لطفل كافر ، أو بعنا عبدا مسلما لو لي الكافر ، كالحاكم الشرعي مثلا ( فيه اشكال ) .

من : انه لا سلطة له فعلا ، .

ومن : انه ملك له وهو سبيل .

( ويعم ) ما ذكرناه من العبد المسلم ، لا يباع للكافر ( المسلم المخالف ) فلا يصح بيع العبد السنى للكافر ( لأنه مسلم ) ولو لم يكن مؤمنا ( فيعلو ولا يعلى عليه ) .

( و ) ان قلت : الآية ذكرت : المؤمن ، والمؤمن لا يشمل المخالف قلت : ( المؤمن في زمان نزول آية نفى السبيل لم يرد به الا المقرّ

ص: 291

بالشهادتين .

ونفيه عن الاعراب الذين قالوا آمنّا ، وبقوله تعالى : لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ انما كان لعدم اعتقادهم بما اقرّوا فالمراد بالاسلام هنا ان يسلم نفسه للّه ، ورسوله في الظاهر ، لا الباطن ، بل قوله تعالى :

وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ، دلّ على أن ما جرى على ألسنتهم من :

الاقرار بالشهادتين كان ايمانا في خارج القلب .

والحاصل : ان الاسلام والايمان في زمان الآية كانا بمعنى واحد .

_________________________

بالشهادتين ) لا المؤمن بمعنى المقرّ بالشهادة الثالثة .

( و ) ان قلت : إذا كان المراد بالايمان هو الاسلام فلما ذا قال سبحانه :

قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا ، قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا .

قلت : ( نفيه ) اى الايمان ( عن الاعراب الذين قالوا آمنّا ، لقوله تعالى : وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ) : لما ، اى : بعد ، ( انما كان لعدم اعتقادهم بما اقرّوا فالمراد بالاسلام هنا ان يسلم نفسه للّه ورسوله في الظاهر ، لا الباطن ، بل قوله تعالى : وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ، دلّ على أن ما جرى على ألسنتهم من : الاقرار بالشهادتين كان ايمانا في خارج القلب ) باللسان فقط ، لا انهم ليسوا مؤمنين ، لأنهم لم يقبلوا الشهادة الثالثة .

( والحاصل : ان الاسلام والايمان في زمان الآية كانا بمعنى واحد ) لكن ربما كان الاسلام يطلق على مجرد التسليم الظاهري بدون انقياد القلب والجوارح كما في هذه الآية الكريمة بقرينة قوله تعالى في

ص: 292

واما ما دل على كفر المخالف ، بواسطة انكار الولاية ، فهو لا يقاوم بظاهره لما دلّ على جريان جميع احكام الاسلام عليهم ، من : التناكح ، والتوارث ، وحقن الدماء ، وعصمة الأموال ، وان الاسلام ما عليه جمهور الناس ، ففي رواية حمران بن أعين ، سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : الايمان ما استقر في القلب ، وافضى به إلى اللّه

_________________________

قلوبكم .

( واما ما دل على كفر المخالف ، بواسطة انكار الولاية ) مما لو تم كان موجبا لخروجه موضوعا عن حكم : الاسلام يعلو ولا يعلى عليه ، وعن آية :

نفى السبيل ( فهو لا يقاوم بظاهره ) وان جرى احكام الكفر واقعا في الآخرة بالنسبة إلى المعاند منهم أو حتى الجاهل المقصّر ( لما دل على جريان جميع احكام الاسلام عليهم ، من : التناكح ) ولو من طرف اخذ الزوجة منهم ، إذا قلنا بان تزويجهم البنت محظور ، لما ورد : ان العارفة لا توضع الا عند العارف ( والتوارث ) حيث إن المسلم يرث أحدهم من الآخر بخلاف المسلم والكافر فلا يرث الكافر منه ( وحقن الدماء ) حيث إن الكافر يخير بين الجزية ، والاسلام ، والحرب ، فإذا لم يكن كل ذلك ولا معاهدة لم يكن احترام لذمة ( وعصمة الأموال ) والاعراض فإنه إذا لم يكن كل الأربعة المتقدمة ، كان مال الكافر وعرضه مباحين ( وان الاسلام ) عطف على : جريان ، ( ما عليه جمهور الناس ، ففي رواية حمران بن أعين ، سمعت أبا جعفر عليه السلام ، يقول : الايمان ما استقر في القلب ، وافضى به ) اى انتهى بذلك الايمان ( إلى الله

ص: 293

تعالى ، وصدّقه العمل بالطاعة للّه ، والتسليم لامر اللّه ، والاسلام ما ظهر من قول وفعل ، وهو الّذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها ، وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المواريث ، وجازت النكاح ، واجتمعوا على الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، فخرجوا بذلك من الكفر ، واضيفوا إلى الايمان إلى أن قال : فهل للمؤمن فضل على المسلم في شيء من الفضائل والاحكام والحدود ؟ وغير ذلك .

_________________________

تعالى ) بمعنى ان يكون واقعا قلبيا ، لا صوريا لأجل اغراض وغايات ( وصدّقه العمل بالطاعة لله والتسليم لامر اللّه ) .

الظاهر أن المراد بهذا الايمان ، هو الجامع بين ان يكون قلبيا ، وان يكون فيه ولاية أهل البيت عليهم السلام ، للتلازم بينهما ، بعد تبين وجوب الولاية ، وان لم يكن الايمان في اوّل الامر الا التصديق القلبي فقط ( والاسلام ما ظهر من قول ) كالشهادتين ( وفعل ) كالعبادات ( وهو الّذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها ) لعل المراد غير الفرق المحكوم بكفرها ( وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المواريث ، وجازت النكاح واجتمعوا ) اى ان الجامع لجميعهم ما يظهر منهم ( على الصلاة ، والزكاة والصوم ، والحج ، فخرجوا بذلك ) الظاهر ( من الكفر ، واضيفوا ) اى نسبوا ( إلى الايمان ، إلى أن قال ) الراوي ( فهل للمؤمن فضل على المسلم في شيء من الفضائل ) اى الصفات التي يفضل المسلم بسببها على الكافر ( والاحكام والحدود ) اى احكام النكاح ، والطلاق ، وما أشبه ، والحدود والتعزيرات التي تجرى عليهم ( وغير ذلك ) من احكام الاسلام .

ص: 294

قال : لا ، بل هما يجريان في ذلك مجرى واحد ، ولكن للمؤمن فضل على المسلم في اعمالهما ، وما يتقربان به إلى الله تعالى .

ومن جميع ما ذكرنا ظهر : انه لا بأس ببيع المسلم من المخالف ، ولو كان جارية ، الا إذا قلنا : بحرمة تزويج المؤمنة من المخالف لاخبار دلّت على ذلك ، فان فحواها يدل على المنع من بيع الجارية المؤمنة .

لكن الا قوى عدم التحريم .

_________________________

( قال ) عليه السلام : ( لا ، بل هما يجريان ) المسلم فقط والمؤمن ( في ذلك ) الحكم الشرعي في جميع الأبواب ( مجرى واحد ، ولكن للمؤمن فضل على المسلم في اعمالهما ، و ) في ( ما يتقربان به إلى اللّه تعالى ) .

فهذا الحديث يدل على أن حال العبد المسلم حال العبد المؤمن في ما تقدم ، من عدم جواز بيعه للكافر .

( ومن جميع ما ذكرنا ) من استواء المسلم والمؤمن في الاحكام الظاهرية ( ظهر : انه لا بأس ببيع المسلم من المخالف ، ولو كان ) المسلم ( جارية ) مؤمنة ( الا إذا قلنا : بحرمة تزويج المؤمنة من المخالف لاخبار دلّت على ذلك ) اى على التحريم .

والمراد الحرمة الوضعية والتكليفية ( فان فحواها ) اى مناط تلك الأخبار ( يدل على المنع من بيع الجارية المؤمنة ) فان الزوجة تأخذ من دين زوجها ، فكيف إذا كانت أمة مملوكة .

( لكن الا قوى عدم التحريم ) لاطلاقات الأدلة ، وحرمة تزويج

ص: 295

ثم : انه قد استثنى من عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم ، مواضع منها : إذا كان الشراء مستعقبا للانعتاق ، بان يكون ممن ينعتق على الكافر قهرا - واقعا - كالأقارب ،

وظاهرا ، كمن أقر بحرية مسلم ثم اشتراه .

أو بان يقول الكافر للمسلم : اعتق عبدك عنى بكذا ، فاعتقه ذكر

_________________________

المخالف بالمؤمنة محل اشكال ، والفحوى محل مناقشة .

( ثم : انه قد استثنى من عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم ، مواضع ) ان كان مطلق الملكية سبيلا كان هذا الاستثناء متصلا .

واما إذا كانت الملكية المقترنة بالسلطنة الفعلية سبيلا ، فالاستثناء منقطع - كما لا يخفى - .

( منهما : إذا كان الشراء مستعقبا للانعتاق ، بان يكون ) العبد المشترى ( ممن ينعتق على الكافر قهرا - واقعا - كالأقارب ) فالعمودان الآباء والأولاد ينعتقون بمجرد الاشتراء .

مثلا إذا اشترى الانسان أباه أو ولده انعتقا عليه فورا .

( و ) عتقا ( ظاهرا ، كمن أقر بحرية مسلم ) كان عبدا لغيره ( ثم اشتراه ) فان شرائه يستعقب الانعتاق ، إذ هو باعترافه لا يتمكن من اثبات اليد عليه

ولا يخفى ما فيه من التأمل - كما سيأتي تفصيله - إذ الاقرار بأنه حرّ يوجب بطلان اشترائه ظاهرا مما يسبب ان يبقى الملك على ملكية المالك الأول ، فلا ينعتق العبد .

( أو بان يقول الكافر للمسلم : اعتق عبدك عنى بكذا ، فاعتقه ) المسلم ( ذكر

ص: 296

ذلك العلامة في التذكرة ، وتبعه جامع المقاصد ، والمسالك .

والوجه في الأول واضح وفاقا للمحكى عن الفقيه ، والنهاية ، والسرائر ، مدعيا عليه الاجماع ، والمتأخرين كافة فان مجرد الملكية غير المستقرة لا يعد سبيلا ، بل لم يعتبر الملكية الا مقدمة للانعتاق ، خلافا للمحكى عن المبسوط ، والقاضي ، فمنعاه ، لان الكافر لا يملك حتى ينعتق ، لان التملك بمجرده سبيل ، والسيادة علو .

_________________________

ذلك العلامة في التذكرة ، وتبعه جامع المقاصد ، والمسالك ) فان الكافر لا يستولى على العبد المسلم ، .

بل يملكه آنا مّا ، ويعتق عنه فورا .

( والوجه في الأول ) اى الّذي ينعتق على الكافر قهرا واقعا ( واضح ) اى وجه الاستثناء واضح ( وفاقا للمحكى عن الفقيه ، والنهاية و ، السرائر مدعيا ) في السرائر ( عليه الاجماع ، و ) للمحكى عن ( المتأخرين كافة )

ووجه الوضوح ما ذكره بقوله : ( فان مجرد الملكية غير المستقرة لا يعد سبيلا ) عرفا ، فلا تنفيه الآية ( بل لم يعتبر ) في الشرع ( الملكية ) للعمودين ( الا مقدمة للانعتاق ، خلافا للمحكى عن المبسوط ، والقاضي ، فمنعاه ) اى اشتراء الأقارب الذين ينعتقون فورا .

قالوا : ( لان الكافر لا يملك حتى ينعتق ، لان التملك بمجرده ) وبنفسه ولو لم يبق العبد في ملك الكافر ( سبيل والسيادة ) من الكافر للمسلم ( علو ) ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا ، والاسلام يعلو ولا يعلى عليه .

ص: 297

الا ان الانصاف ان السلطنة غير متحققة في الخارج .

ومجرد الاقدام على شرائه - لينعتق - منّة من الكافر على المسلم لكنها غير منفية .

واما الثاني فيشكل بالعلم بفساد البيع على تقديرى الصدق والكذب ، لثبوت الخلل .

اما في المبيع لكونه حرا .

أو في المشترى ، لكونه كافرا ،

_________________________

( الا ان الانصاف ) عدم تمامية استدلال المبسوط ، والقاضي ، إذ :

( ان السلطنة غير متحققة في الخارج ) هنا .

والظاهر من السبيل المنفى في الآية : السلطنة .

( ومجرد الاقدام ) من الكافر ( على شرائه - لينعتق - منّة من الكافر على المسلم ) ليقع المسلم في منة الكافر ، بل انعتاقا قهريا عليه ( لكنها غير منفية ) في آية نفى السبيل ، كما أن مثله ليس علوا .

( واما الثاني ) وهو الشراء المستعقب للانعتاق الظاهري ، كمن أقر على عبد مسلم بأنه حر ثم اشتراه ( فيشكل ) الاستثناء الّذي ذكروه ( ب ) سبب ( العلم بفساد البيع على تقديرى الصدق والكذب ) اى صدق الكافر بان العبد حرّ ، أو كذبه ( لثبوت الخلل ) في هذا الاشتراء .

( اما في المبيع ) اى العبد الّذي يشتريه الكافر ( لكونه حرا ) إذا كان الكافر صادقا في انه حرّ .

( أو في المشترى ، لكونه كافرا ) إذا كان الكافر كاذبا في كون العبد

ص: 298

فلا يتصور صورة صحيحة لشراء من اقرّ بانعتاقه ، الا ان يمنع اعتبار مثل هذا العلم الاجمالي ، فتأمل .

واما الثالث : فالمحكى عن المبسوط ، والخلاف : التصريح بالمنع ، لما ذكر في الأول .

_________________________

المذكور حرّا ( فلا يتصور صورة صحيحة لشراء من اقرّ ) الكافر ( بانعتاقه الا ان يمنع اعتبار مثل هذا العلم الاجمالي ) بأنه لا يصح البيع اما من جهة المشترى واما من جهة المبيع .

إذ : لو جرى مثل هذا العلم الاجمالي لزم ان يصح كثير من اقرار العقلاء .

مثلا : لو أقر انسان بان عبده حرّ لم يصح هذا الاقرار ، لأنه ان كان صادقا في انه حرّ : لم يكن اقرار العقلاء على أنفسهم ، وان كان كاذبا ، لا يقلب الاقرار الواقع عن واقعه .

وكذا لو أقر بان ما تحت يده لزيد لأنه ان كان صادقا لم يكن يصدق :

على أنفسهم ، وان كان كاذبا ، لم ينفع الاقرار ، وهكذا ( فتأمل ) .

إذ : لا وجه لمنع اعتبار العلم الاجمالي ، الا إذا كان العلم منحلا وليس في المقام انحلال ، فاللازم تأثير العلم الاجمالي .

( واما الثالث ) وهو ان قال الكافر للمسلم : اعتق عبدك عنى ( فالمحكى عن المبسوط ، والخلاف : التصريح بالمنع ) وانه لا يصح العتق عن الكافر ( لما ذكر في الأول ) من : ان مجرد الملك سبيل ، وقد عرفت تفصيل الكلام فيه .

ص: 299

ومنها : ما لو اشترط البائع عتقه ، فان الجواز هنا محكى عن الدروس والروضة .

وفيه نظر ، فان ملكيته قبل الاعتاق سبيل ، وعلوّ ، بل التحقيق انه لا فرق بين هذا وبين اجباره على بيعه في عدم انتفاء السبيل بمجرد ذلك .

_________________________

( ومنها : ما لو اشترط البائع عتقه ) حينما يبيعه على الكافر عتقا فورا لا ان يعتقه بعد سنة ، لوجود السبيل هنا قطعا ( فان الجواز هنا ) فيما لو اشترط عتقه ( محكى عن الدروس والروضة ) .

والوجه فيه : انه يعتق ، فلا سبيل للكافر عليه ، وان لم يعتقه كان للبائع ابطال المعاملة لخيار الشرط .

( وفيه نظر ، فان ملكيته ) اى ملكية الكافر للعبد ( قبل الاعتاق سبيل ، وعلوّ ) فلا يصح ( بل التحقيق انه لا فرق بين هذا ) اشتراط العتق ( وبين اجباره على بيعه في عدم انتقاء السبيل بمجرد ذلك ) .

الجبر على البيع أو الاشتراط ، فالسبيل موجود ، وذلك يوجب شمول الآية له ، وذلك يوجب بطلان البيع ، .

ثم لو لم يف الكافر بالشرط ، ولم يفسخ البائع فما ذا يكون المصير غير جبر الحاكم للكافر على البيع ؟

ولو صح البيع بهذا الشرط صح البيع فيما نعلم نحن ان الكافر يعتقه تلقائيا ، أو علمنا بأنه يموت بعد ساعة ويرثه المسلم ، أو ما أشبه ذلك من الصور الكثيرة .

ص: 300

والحاصل : ان السبيل فيه ثلاثة احتمالات ، كما عن حواشي الشهيد ، مجرد الملكية ويترتب عليه عدم استثناء ما عدا صورة الاقرار بالحرية .

والملك المستقر - ولو بالقابلية - كمشروط العتق ويترتب عليه استثناء ما عدا صورة اشتراط العتق .

_________________________

( والحاصل : ان السبيل فيه ثلاثة احتمالات ، كما عن حواشي الشهيد ) الأول ره .

الأول : ( مجرد الملكية ) فالشارع منع مجرد ملك الكافر للمسلم ( ويترتب عليه ) اى على هذا الاحتمال ( عدم استثناء ما عدا صورة الاقرار بالحرية ) لان في هذه الصورة فقط لا ملكية للكافر ، وانما يشبه اشترائه الانقاذ ، فالبيع صوري محض .

( و ) الثاني : ( الملك المستقر ) فالشارع منع ملك الكافر للمسلم إذا كان مستقرا ( - ولو ) كان الاستقرار ( بالقابلية - ) بان كان البيع مقدمة لملك قابل للاستقرار ، وان لم يستقر ( كمشروط العتق ) فان البيع قابل للاستقرار ، وان لم يستقر خارجا لوفاء الكافر بشرطه فاعتقه ( ويترتب عليه ) اى على هذا الاحتمال ( استثناء ما عدا صورة اشتراط العتق ) إذ : في الصورتين الأخيرتين ، وهما من ينعتق على الكافر واقعا أو ظاهرا إذا لملك فيهما ليس مستقرا ، بخلاف صورة الاشتراط - كما عرفت - .

ص: 301

والمستقر فعلا ، ويترتب عليه استثناء الجميع ، وخير الأمور أوسطها ثم : ان ما ذكرنا كله ، حكم ابتداء تملك الكافر للمسلم اختيارا .

اما التملك القهري ، فيجوز ابتداءً كما لو ورثة الكافر من كافرا جبر على البيع ، فمات قبله ، فإنه لا ينعتق عليه ولا على الكافر الميت لأصالة بقاء رقيته بعد تعارض دليل نفى السبيل وعموم أدلة الإرث ،

_________________________

( و ) الثالث : الملك ( المستقر فعلا ، ويترتب عليه استثناء الجميع ) لأنه لا ملك مستقر خارجا في الصور الثلاثة ( وخير الأمور أوسطها ) وهو ان يكون المراد : بالسبيل ، الملك المستقر ، ولو بالقابلية .

( ثم : ان ما ذكرنا ) من مسئلة تملك الكافر للعبد المسلم ( كله ، حكم ابتداء تملك الكافر للمسلم اختيارا ) بان اشتراه ، أو وهب إليه ، أو صولح معه ، أو جعل بدل ايجار ، أو جعالة ، أو شرط تملكه له في ضمن عقد أو نذر اعطائه له ، أو ما أشبه .

( اما التملك القهري ) بان يملك الكافر العبد المسلم قهرا ( فيجوز ابتداءً كما لو ورثه ) اى العبد المسلم ( الكافر من كافر ) كان ذلك الكافر الميت ( أجبر على البيع ، فمات قبله ) ولم يكن للكافر الميت ورثة مسلم ( فإنه لا ينعتق ) العبد المسلم ( عليه ) اى على الوارث ( ولا على الكافر الميت ) .

اما على الكافر الميت فلانه لم يجبر حتى مات .

واما على الكافر الوارث ، ف ( لأصالة بقاء رقيته بعد تعارض دليل نفى السبيل ) المقتضى لملكية الوارث ( وعموم أدلة الإرث )

ص: 302

لكن لا يثبت بهذا الأصل تملك الكافر فيحتمل ان ينتقل إلى الإمام ( ع ) بل هو مقتضى الجمع بين الأدلة ، ضرورة انه إذا نفى إرث الكافر بآية :

نفى السبيل ، كان الميت بالنسبة إلى هذا المال ممن لا وارث له ، فيرثه الإمام ( ع ) ، .

وبهذا التقرير يندفع ما يقال : ان إرث الامام مناف لعموم أدلة :

ترتيب طبقات الإرث .

توضيح الاندفاع انه إذا كان مقتضى : نفى السبيل ، عدم إرث الكافر ، يتحقق نفى الوارث الّذي هو

_________________________

( لكن ) لا يخفى انه ( لا يثبت بهذا الأصل ) اى استصحاب رقية العبد ، وعدم انعتاقه ( تملك الكافر ) الوارث للعبد ، لأنه من الأصل المثبت ( فيحتمل ان ينتقل ) العبد من الكافر الميت ( إلى الإمام ( ع ) بل هو ) اى انتقاله إلى الامام ( مقتضى الجمع بين الأدلة ضرورة انه إذا نفى إرث الكافر بآية : نفى السبيل ، كان الميت بالنسبة إلى هذا المال ممن لا وارث له ) وكل إرث لا وارث خاص له ، للامام ( فيرثه الامام ع ) بفحوى ما دل على أن الميت إذا لم يكن له وارث ، ورثه الامام .

( وبهذا التقرير ) الّذي ذكرنا لوجه إرث الامام لهذا العبد ( يندفع ما يقال : ان إرث الامام مناف لعموم أدلة : ترتيب طبقات الإرث ) وان الميت ما دام له وارث لا يرثه الامام .

( توضيح الاندفاع ) لهذا الاشكال ( انه إذا كان مقتضى : نفى السبيل ، عدم إرث الكافر ، يتحقق نفى الوارث الّذي هو ) اى نفى

ص: 303

مورد إرث الإمام ( ع ) فان الممنوع من الإرث كغير الوارث .

فالعمدة في المسألة ظهور الاتفاق المدعى صريحا في جامع المقاصد .

ثم : هل يلحق بالإرث كل ملك قهري ، أو لا يلحق ؟

أو يفرق بين ما كان سببه اختياريا ، أو غيره ؟

_________________________

الوارث ( مورد إرث الامام ع )

لا يقال : ظاهر دليل إرث الامام صورة عدم الوارث مطلقا .

لأنه يقال : ( فان الممنوع من الإرث ) وان كان وارثا نسبا ( كغير الوارث ) اى كصورة عدم الوارث مطلقا .

مثلا إذا كان للميت ولد - لا سواه - في جميع الطبقات ، وكان قاتلا ورثه الامام .

( فالعمدة في المسألة ) فيما لو كان وارث الكافر كافرا ( ظهور الاتفاق المدعى صريحا في جامع المقاصد ) والأوفق بالقواعد بيع العبد قهرا على الوارث إذ : الوارث ممنوع عين نفسه ، لا عن ثمنه ، فالانتقال إلى الامام قياسا بما لا وارث له أصلا ، مع الفارق ، ولا مناط ولا فحوى - كما لا يخفى -

( ثم : هل يلحق بالإرث كل ملك قهري ، أو لا يلحق ) بل يجب ان يلاحظ أدلة كل مقام على حدة .

( أو يفرق بين ما كان سببه اختياريا ) للكافر ، فلا يلحق بالإرث ( أو غيره ) اى غير اختياري للكافر ، فيلحق بالإرث .

مثلا : إذا باع الكافر عبده الكافر لمسلم بخيار نفسه ، أو للمشترى

ص: 304

وجوه خيرها أوسطها ، ثم أخيرها .

ثم : انه لا اشكال ولا خلاف في انه لا يقر المسلم على ملك الكافر ، بل يجب بيعه عليه ، لقوله عليه السلام : في عبد كافر اسلم ، اذهبوا فبيعوه من المسلمين ، وادفعوا إليه ثمنه ، ولا تقروه عنده .

ومنه يعلم : انه لو لم يبعه باعه الحاكم . ويحتمل ان يكون ولاية البيع للحاكم مطلقا ، لكون المالك غير قابل للسلطنة على هذا المال .

_________________________

ثم اسلم العبد عند المشترى ، ففسخ هو البيع ، أو فسخ المشترى ، فإذا فسخ الكافر ، كان ملكا قهريا بسبب اختياري ، وإذا فسخ المشترى كان ملكا قهريا بسبب غير اختياري ( وجوه ، خيرها أوسطها ) إذ : اللحوق بالإرث بلا دليل أو مناط لا وجه له ( ثم أخيرها ) لان السبب غير الاختياري يجعل من الملك كالإرث ، فيأتي فيه ما استدل هناك .

( ثم : انه لا اشكال ولا خلاف في انه لا يقر المسلم على ملك الكافر ، بل يجب بيعه عليه ، لقوله عليه السلام : في عبد كافر ) : كافر ، مضاف إليه لا وصف ( اسلم ، اذهبوا فبيعوه من المسلمين ، وادفعوا إليه ثمنه ولا تقروه عنده ) اى عند الكافر .

( ومنه يعلم : انه لو لم يبعه ) الكافر بنفسه ( باعه الحاكم ) لان المناط عدم بقائه عنده .

( ويحتمل ان يكون ولاية البيع للحاكم مطلقا ) سواء أراد الكافر بيعه أم لا . ( لكون المالك ) الّذي هو الكافر ( غير قابل للسلطنة على هذا المال ) الّذي هو العبد المسلم .

ص: 305

غاية الأمر : انه دل النص والفتوى على تملكه له ، ولذا ذكر فيها انه يباع عليه ، بل صرح فخر الدين ره في الايضاح بزوال ملك السيد عنه ، ويبقى له حق استيفاء الثمن منه ، وهو مخالف لظاهر النص والفتوى ، - كما عرفت -

وكيف كان فإذا تولاه المالك بنفسه ، فالظاهر أنه لا خيار له ولا عليه وفاقا للمحكى عن الحواشى ، في خيار المجلس ، والشرط ، لأنه احداث ملك ، فينتقى ، لعموم نفى السبيل لتقديمه على أدلة الخيار كما

_________________________

( غاية الأمر : انه دل النص والفتوى على تملكه له ) اى لهذا العبد المسلم ( ولذا ذكر ) الإمام عليه السلام ( فيها انه يباع عليه ) ولم يذكرانه يجبر على البيع ( بل صرح فخر الدين ره في الايضاح بزوال ملك السيد عنه ) بمجرد ان اسلم ( ويبقى له ) اى السيد ( حق استيفاء الثمن منه ) اى من طرف العبد ( وهو ) اى ما ذكره فخر الدين ( مخالف لظاهر النص والفتوى - كما عرفت - ) حيث قلنا : ان ظاهر هما تملكه له .

( وكيف كان فإذا تولاه المالك بنفسه ، فالظاهر أنه لا خيار له ) اى للكافر بان يفسخ البيع حتى يرجع العبد إليه ( ولا عليه ) بان يفسخ المشترى حتى يرجع العبد إلى الكافر ( وفاقا للمحكى عن الحواشى ، في خيار المجلس ، والشرط ، لأنه ) اى رجوع العبد إلى الكافر بسبب الخيار ( احداث ملك ، فينتفى ، لعموم نفى السبيل ) ولازمه ان لا يكون خيار لاحد الطرفين ( لتقديمه ) اى دليل : نفى السبيل ( على أدلة الخيار ، كما

ص: 306

يقدم على أدلة البيع .

ويمكن ان يبتنى على أن الزائل العائد كالذي لم يزل ، أو كالذي لم يعد .

فان قلنا : بالأول ثبت الخيار ؛ لان فسخ العقد يجعل الملكية السابقة ، كان لم تزل ، وقد أمضاها الشارع ، وامر بإزالتها ، بخلاف ما لو كان الملكية الحاصلة السابقة فان الشارع لم يمضها .

لكن هذا المبنى ليس

_________________________

يقدم ) دليل : نفى السبيل ( على أدلة البيع ) وسائر المعاملات الناقلة إذ لسان دليل نفى السبيل ، لسان الحكومة .

( ويمكن ان يبتنى ) امكان الفسخ بالخيار للكافر أو المشترى ( على أن الزائل العائد ) كالملك الّذي زال عن الكافر ، ثم عاد إليه ( كالذي لم يزل ) فيجوز الفسخ ( أو كالذي لم يعد ) فلا ينفع الفسخ في رجوع المال إلى الكافر .

( فان قلنا : بالأول ) اى كالذي لم يزل ( ثبت الخيار ، لان فسخ العقد يجعل الملكية السابقة ، كان لم تزل ) فليس ملكا جديدا حتى يمنع منه ( وقد أمضاها ) اى الملكية السابقة ( الشارع ، وامر بإزالتها ، بخلاف ) ما لو قلنا : بالثاني ، اى كان لم يعد ، اى ( ما لو كان الملكية الحاصلة ) غير ( السابقة ) وانما كان بعد الفسخ ملكا جديدا ( فان الشارع لم يعضها ) لما تقدم من أن الملك الحادث ليس ممضى عند الشارع .

( لكن هذا المبنى ) المذكور وهو : كان لم يزل ، أو كان لم يعد ، ( ليس

ص: 307

بشيء ، لوجوب الاقتصار في تخصيص نفى السبيل على المتيقن .

نعم : يحكم بالأرش ، لو كان العبد أو ثمنه معيبا ، .

ويشكل في الخيارات الناشئة عن الضرر ، من جهة قوة أدلة نفى الضرر .

فلا يبعد الحكم بثبوت الخيار للمسلم المتضرر من لزوم البيع ، بخلاف ما لو تضرر الكافر ، فان هذا الضرر انما حصل من كفره الموجب لعدم قابليته تملك المسلم ، الا فيما خرج بالنص .

_________________________

بشيء ، لوجوب الاقتصار في تخصيص نفى السبيل على المتيقن ) وهو الملك السابق على الفسخ ، فسواء قلنا : بأنه بعد الفسخ كان لم يزل ، أو كان لم يعد لم يكن وجه لتخصيص نفى السبيل به .

( نعم ) استثناء عن أن يكون خيار لأحدهما ( يحكم بالأرش لو كان العبد أو ثمنه معيبا ) لأنه لا وجه لعدم الأرش .

( ويشكل ) عدم الخيار ( في الخيارات الناشئة عن الضرر ، من جهة قوة أدلة نفى الضرر ) ولا دليل على أن يكون عدم ملك الكافر للمسلم حاكما على أدلة نفى الضرر ، بل لعل العكس أولى .

( فلا يبعد الحكم بثبوت الخيار للمسلم المتضرر من لزوم البيع ) : من ، متعلق ب : المتضرر ، ( بخلاف ما لو تضرر الكافر ) فإنه لا خيار له في الفسخ ( فان هذا الضرر ) لم يحصل من حكم الشارع بلزوم البيع ، بل ( انما حصل من كفره الموجب لعدم قابليته تملك المسلم ، الا فيها خرج بالنص ) كصورة البقاء ، اى ما لو اسلم الكافر وهو في ملك مولاه الكافر .

ص: 308

ويظهر مما ذكرنا حكم الرجوع في العقد الجائز كالهبة .

وخالف في ذلك كلّه ، جامع المقاصد ، فحكم بثبوت الخيار والرد ب العيب ، تبعا للدروس ، قال : لأن العقد لا يخرج عن مقتضاه بكون المبيع عبدا مسلما لكافر لانتفاء المقتضى ، لان : نفى السبيل ، لو اقتضى ذلك لاقتضى خروجه عن ملكه .

_________________________

( ويظهر مما ذكرنا ) وانه لاحق للكافر في التملك الجديد للمسلم ( حكم الرجوع ) من المولى الكافر ( في العقد الجائز ، كالهبة ) فإنه لو وهب الكافر عبده المسلم إلى مسلم ، ثم أراد الرجوع ، لم يحق له ذلك ، لا لان الهبة غير قابلة للرجوع ، بل لان متعلق الهبة غير قابل لان يرجع إلى الكافر .

( وخالف في ذلك ) الّذي ذكرنا من عدم رجوع الكافر في باب الخيار إلى عبده بخيار للمسلم أو للكافر ( كله ، جامع المقاصد ، فحكم بثبوت الخيار والرد ، ب ) سبب ( العيب تبعا للدروس ، قال : لأن العقد لا يخرج عن مقتضاه بكون المبيع عبدا مسلما لكافر ) وذلك ( لانتفاء المقتضى ) اى لا مقتضى لعدم الخيار .

ان قلت : المقتضى لعدم الخيار آية : نفى السبيل .

قلت : لا يمكن أن تكون الآية مقتضية ( لان : نفى السبيل : لو اقتضى ذلك ) اى عدم الخيار ( لاقتضى خروجه ) اى المسلم ( عن ملكه ) اى ملك الكافر .

وجه التلازم : ان الملك أيضا سبيل ، فاللازم ان نفسّر الآية بالجبر

ص: 309

فعلى هذا لو كان البيع معاطاة ، فهي على حكمها ، ولو اخرجه عن ملكه بالهبة ، جرت فيه احكامها .

نعم : لا يبعد ان يقال : للحاكم الزامه ، باسقاط نحو خيار المجلس أو مطالبته بسبب ناقل ، يمنع الرجوع ، إذا لم يلزم منه تخسير للمال ،

_________________________

على البيع ، أو ما أشبه .

ومن المعلوم : ان هذا التفسير لا ينافي رجوعه إلى ملك الكافر بالخيار ، وما أشبه .

( فعلى هذا ) الّذي ذكرناه من ثبوت الخيار ( لو كان البيع ) من الكافر لعبد المسلم ( معاطاة ، فهي ) اى المعاطاة ( على حكمها ) في ان لكل طرف ، الرجوع ، لما تقدم في باب المعاطاة من أنها ليست لازمة الا بالتلف ، ونحوه ( ولو اخرجه ) الكافر ( عن ملكه بالهبة ، جرت فيه ) اى في هذا العبد ( احكامها ) اى احكام الهبة ، من : اللزوم في مورد اللزوم ، والجواز في مورد الجواز .

( نعم : لا يبعد ان يقال : للحاكم الزامه ) اى الكافر البائع لعبده المسلم ( باسقاط نحو خيار المجلس ) كخيار المجلس ، وخيار الحيوان ( أو ) للحاكم ( مطالبته ) اى الكافر ( بسبب ناقل ، يمنع الرجوع ) كان يقول له : صالح مصالحة لازمة ، .

وانما كان للحاكم ذلك ، لأنه لو نقل بما يتمكن من ابطاله صار نقضا للغرض

فالمطالبة بسبب ناقل يمنع الرجوع ( إذا لم يلزم منه تخسير للمال ) اى لم يلزم من كل من الاسقاط للخيار والمطالبة بسبب ناقل ، خسارة

ص: 310

انتهى .

وفيما ذكره نظر ، لان : نفى السبيل لا يخرج منه الا الملك الابتدائي وخروجه لا يستلزم خروج عود الملك إليه ، بالفسخ واستلزام البيع للخيارات ليس عقليا ، بل تابع لدليله الّذي هو أضعف من دليل

_________________________

لمال الكافر .

كما لو كان ثمن العبد عشرة ، فباعه اشتباها بخمسة ، فان الزامه بعدم الفسخ خسارة لماله ، .

وكذلك إذا يكون البيع موجبا لثمن عشرة ، والصلح موجبا لثمن خمسة يكون الزامه بالصلح خسارة عليه ، فدليل نفى الضرر ينفى كون الحاكم يحق له هذا الالزام الموجب للضرر ( انتهى ) كلام جامع المقاصد .

( وفيما ذكره ) من التلازم بين الملكية ، وبين حق الخيار ( نظر ، لان : نفى السبيل ) الّذي استدل به على التلازم ( لا يخرج منه الا الملك الابتدائي ) وذلك الخروج للنص الخاص ، والاجماع - كما عرفت - .

( وخروجه ) اى الملك الابتدائي من نفى السبيل ( لا يستلزم خروج عود الملك إليه ) اى عود الملك إلى الكافر يخرج من نفى السبيل ( ب ) سبب ( الفسخ ، و ) اما كون البيع مستلزما للخيار ، فكيف يمكن ان نقول بأنه لا خيار للكافر أو لطرفه .

فنقول ( استلزام البيع للخيارات ليس عقليا ) حتى لا يمكن بيع بلا خيار ( بل تابع لدليله ) الدال على ثبوت الخيار ( الّذي هو أضعف من دليل

ص: 311

صحة العقد الّذي خص بنفي السبيل .

فهذا أولى بالتخصيص به .

مع أنه على تقدير المقاومة يرجع إلى اصالة الملك ، وعدم زواله بالفسخ والرجوع فتأمل .

_________________________

صحة العقد ) ولزومه ( الّذي خص ) اى دليل صحة العقد ( بنفي السبيل ) إذ : لولا نفى السبيل ، كان عموم : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، يقتضي صحة اشتراء الكافر للعبد المسلم .

( فهذا ) اى دليل الخيار ( أولى بالتخصيص به ) اى بدليل نفى السبيل ، .

والحاصل : ان هناك ثلاثة أدلة : 1 - صحة العقد ، 2 - دليل الخيار ، 3 - دليل نفى السبيل ، .

فكما ان الأول يخصص بنفي السبيل ، كذلك يخصص الثاني بنفي السبيل أيضا ، .

بل دليل الخيار أولى بالتخصيص به ، لان أدلة العقد أقوى في سندها ودلالتها من أدلة الخيار .

( مع أنه على تقدير المقاومة ) بين نفى السبيل ، : المقتضى لعدم الخيار ، مع دليل الخيار المقتضى للخيار ( يرجع إلى اصالة الملك ، وعدم زواله ) اى الملك الجديد ، وهو اشتراء المسلم للعبد المسلم من الكافر ( بالفسخ والرجوع ) عطف على : بالفسخ ، ( فتأمل ) لعله إشارة إلى ما سيجيء من قوله : الا ان يقال : ان مقتضى الجمع الخ .

ص: 312

واما ما ذكره أخيرا بقوله : لا يبعد ، ففيه ، ان الزامه بما ذكر ليس بأولى من الحكم بعدم جواز الرجوع ، فيكون خروج المسلم من ملك الكافر إلى ملك المسلم بمنزلة التصرف المانع من الفسخ والرجوع .

ومما ذكرنا يظهر : ان ما ذكره في القواعد من قوله ره : ولو باعه من مسلم بثوب ثم وجد في الثوب عيبا ، جاز رد الثوب .

وهل يسترد العبد أو القيمة ، فيه

_________________________

( واما ما ذكره ) جامع المقاصد ( أخيرا بقوله : لا يبعد ) إلى آخره ( ففيه ؛ ان الزامه بما ذكر ) اى الزام الحاكم للكافر باسقاط خياره ( ليس بأولى من الحكم بعدم جواز الرجوع ) إذ : لا فائدة لخيار لا يتمكن ذو الخيار من انفاذه ، فجعل الشارع - لمثل هذا الخيار - لغو ، وإذا دار الامر بين ان يجعل الشارع الخيار - لغوا - وبين ان لا يجعله - أصلا - كان اللازم الثاني ( فيكون خروج ) العبد ( المسلم من ملك الكافر إلى ملك المسلم بمنزلة التصرف ) من ذي الخيار في المال ( المانع ) ذلك التصرف : كوطى الجارية التي للمشترى فيها الخيار ، ( من الفسخ والرجوع ) وحاصل ذلك عدم الخيار .

( ومما ذكرنا ) من أنه لا رد للعبد المسلم إلى الكافر ، سواء كان بخيار البائع أو المشترى ( يظهر : ان ما ذكره في القواعد من قوله ره : ولو باعه ) اى باع الكافر عبده المسلم ( من مسلم بثوب ثم وجد في الثوب عيبا جاز ) للكافر ( ردّ الثوب ) المعيب .

( وهل يستردّ العبد أو القيمة ) للعبد ( فيه ) اى في تعيين أيهما ،

ص: 313

نظر ، ينشأ من كون الاسترداد تملكا للمسلم اختيارا ومن : كون الرد بالعيب موضوعا على القهر ، كالإرث . انتهى محل تأمل .

الا ان يقال : ان مقتضى الجمع بين أدلة الخيار ، ونفى السبيل ، ثبوت الخيار ، والحكم بالقيمة ، فيكون : نفى السبيل ، مانعا شرعيا من استرداد المثمن ، كنقل المبيع في زمن الخيار ، وكالتلف الّذي هو مانع عقلي وهو حسن ، ان لم

_________________________

استرداد العبد أو قيمته ( نظر ، ينشأ من كون الاسترداد تملكا للمسلم اختيارا ومن : كون الرد بالعيب موضوعا ) شرعا ( على القهر ) لا بالاختيار ( كالإرث ) الّذي يرث الكافر قهرا ، فاللازم تمكن الكافر من الاسترداد .

ومن أنه : سبيل جديد ، فاللازم عدم تمكنه من الاسترداد ، لآية نفى السبيل ( انتهى ) كلام العلامة .

وقوله : ( محل تأمل ) خبر : ومما ذكرنا .

( الا ان يقال ) في وجه فسخ الكافر للبيع ( ان مقتضى الجمع بين أدلة الخيار ، و ) بين ( نفى السبيل ، ثبوت الخيار ) بمقتضى الدليل ( والحكم ب ) اخذ الكافر ( القيمة ) بعد ان فسخ البيع ( فيكون : نفى السبيل ، مانعا شرعيا من استرداد ) الكافر ( المثمن ، كنقل المبيع في زمن الخيار ) فان ذا الخيار إذا فسخ ، وقد نقل المشترى المبيع اخذ البائع بدل المبيع ( وكالتلف الّذي هو مانع عقلي ) عن الاسترداد بخلاف النقل مع بقاء العين ، فإنه مانع شرعي ( وهو ) اى الجمع بين الدليلين بالتبديل إلى القيمة ( حسن ، ان لم ) نقل بالاشكال في هذا الجمع ،

ص: 314

يحصل السبيل بمجرد استحقاق الكافر للمسلم المنكشف باستحقاق بدله ولذا حكموا بسقوط الخيار فيمن ينعتق على المشترى ، فتأمل .

_________________________

بسبب انه ( يحصل السبيل ) للكافر على المسلم ( ب ) سبب ( مجرد استحقاق الكافر للمسلم المنكشف ) هذا الاستحقاق ( باستحقاق بدله ) اى بدل العبد ، فإنه نوع من السبيل .

( ولذا ) الّذي ذكرنا من أن استحقاق البدل نوع من التسلط ( حكموا بسقوط الخيار فيمن ينعتق على المشترى ) ولو أمكن البدل ، لزم ان يقولوا بعدم سقوط الخيار واخذ البائع البدل ( فتأمل ) حيث إنه لا وجه له لعدم الجمع المذكور بين دليل نفى السبيل ودليل الخيار .

ومسئلة من ينعتق عليه إذا لم يكن على سقوط الخيار فيها دليل كان اوّل الكلام .

ص: 315

مسئلة المشهور عدم جواز نقل المصحف إلى الكافر

ذكره الشيخ والمحقق في الجهاد والعلامة في كتبه ، وجمهور من تأخر عنه وعن الإسكافي : أنه قال : ولا اختار أن يرهن الكافر مصحفا وما يجب على المسلم تعظيمه ، ولا صغيرا من الأطفال

_________________________

( مسئلة المشهور ) بين الفقهاء ( عدم جواز نقل المصحف إلى الكافر ) ففي البحار المجلد التاسع عشر عن أمالي الشيخ مسند إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم انه صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى ان يسافر بالقرآن إلى ارض العدوّ ، مخافة ان يناله العدوّ ، لكن اخبار الدرهم الّذي كان في زمن الأئمة عليهم السلام وكان مكتوبا عليه سورة من القرآن ، وعدم ردعهم عليهم السلام اشتراء الكفار له ، واخبار كتابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى رؤساء الكفار مصدرا باسم اللّه .

مما يوجب صرف الخبر المتقدم إلى إرادة الإهانة من كلمة : النيل ، إذ لا فرق بين القرآن وجزئه على المشهور .

وكيف كان فقد ( ذكره الشيخ والمحقق في الجهاد والعلامة في كتبه ، وجمهور من تأخر عنه ) اى عن العلامة ( وعن الإسكافي : أنه قال :

ولا اختار أن يرهن الكافر مصحفا ) ليكون المصحف عند الكافر ( و ) كذلك كل ( ما يجب على المسلم تعظيمه ، ولا صغيرا من الأطفال ) .

ولعل مراده ان يرهن الطفل المسلم العبد عند الكافر ، ولعل

ص: 316

انتهى .

واستدلوا عليه بوجوب احترام المصحف .

وفحوى المنع من بيع العبد المسلم من الكافر .

وما ذكروه حسن ، وان كان وجهه لا يخلو عن تأمل أو منع .

وفي الحاق الأحاديث النبوية بالمصحف كما صرح به في المبسوط والكراهة ، كما هو صريح الشرائع ، ونسبه الصيمري إلى المشهور ، قولان :

_________________________

تخصيصه بذلك لتداول الرهن في زمانه لأجل الاعمال المعتاد قيام الصغار بها ، كنسج ، الأفرشة التي تسمى بالقالي ، وما أشبه و ( انتهى ) كلام الإسكافي .

( واستدلوا عليه ) اى على عدم جواز نقل المصحف إلى الكافر ( بوجوب احترام المصحف ) واعطائه للكافر ينافي ذلك .

( وفحوى ) اى أولوية ( المنع ) في بيع المصحف ( من بيع العبد المسلم من الكافر ) إذ : القرآن أكثر احتراما من الانسان .

( وما ذكروه ) من المنع ( حسن ، وان كان وجهه لا يخلو عن تأمل أو منع ) إذ الاحترام انما ينافي البيع ، فيما إذا كان البيع موجبا لعدم الاحترام ، أو كان نفس البيع إلى الكافر خلاف الاحترام ، وكلاهما ممنوعان والفحوى غير تام إذ لا أولوية اطلاقا .

( وفي الحاق الأحاديث النبوية بالمصحف ) في منع بيعها إلى الكافر ( كما صرح به ) اى بالالحاق والمنع ( في المبسوط والكراهة ، كما هو صريح الشرائع ، ونسبه الصيمري إلى المشهور ، قولان :

ص: 317

تردد بينهما العلامة في التذكرة ولا يبعد أن تكون الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طرق الآحاد حكمها حكم ما علم صدوره منه صلى الله عليه وآله وسلم وان كان ظاهر ما ألحقوه بالمصحف هو أقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم المعلوم صدورها عنه صلى الله عليه وآله وسلم .

وكيف كان ، فحكم أحاديث الأئمة صلوات الله عليهم حكم أحاديث النبي ( ص )

القول في شرائط العوضين ،

[ مسألة ] يشترط في كل منهما كونه متمولا ،

_________________________

تردد بينهما العلامة في التذكرة ) من اصالة الجواز مع كون البيع معرضا لاحتمال الإهانة ، فيكره ، ومن وجده المناط في القرآن والحديث فيحرم

هذا كله في الأحاديث المقطوع وردودها عنه صلى الله عليه وآله وسلم ( ولا يبعد أن تكون الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طرق ) اخبار ( الآحاد حكمها حكم ما علم صدوره منه صلى الله عليه وآله وسلم ) إذ دليل حجية الآحاد موجب للالحاق شرعا ( وان كان ظاهر ما ألحقوه بالمصحف ، هو أقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم المعلوم صدورها عنه صلى الله عليه وآله وسلم ) والاخبار غير معلوم الصدور

( وكيف كان ، فحكم أحاديث الأئمة صلوات الله عليهم حكم أحاديث النبي \" ص \" ) في ما ذكر من الحكم لوحدة الملاك .

( القول في شرائط العوضين ، يشترط في كل منهما كونه متمولا ) اى له مالية عرفية

ص: 318

لان البيع لغة مبادلة مال بمال ، وقد احترزوا بهذا الشرط عما لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء محللة في الشرع ، لان الأول ليس بمال عرفا كالخنافس والديدان ، فإنه يصح عرفا سلب المصرف لها ، ونفى الفائدة عنها والثاني ليس بمال شرعا ، كالخمر والخنزير .

ثم قسموا عدم الانتفاع إلى ما يستند إلى خسة الشيء كالحشوات وإلى ما يستند إلى قلته كحبة حنطة .

وذكروا انه ليس مالا - وان كان يصدق

_________________________

( لان البيع لغة مبادلة مال بمال ) فإذا لم يكن أحد العوضين ذا مالية لم يتحقق البيع ( وقد احترزوا بهذا الشرط عما لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء محللة ) تلك المنفعة ( في الشرع ، لان الأول ) وهو ما لا منفعة فيه يقصدها العقلاء ( ليس بمال عرفا ، كالخنافس والديدان ) اما إذا وجدت منفعة لهذه الأشياء كالحال الحاضر خرجت عن كونه مثالا لما لا منفعة فيه - كما لا يخفى - ( فإنه يصح عرفا سلب المصرف لها ) بان يقال : لا مصرف لهذه الأمور ( ونفى الفائدة عنها والثاني ) اى قيد محللة في الشرع في التعريف ( ليس بمال شرعا ، كالخمر والخنزير ) وما لا مالية له شرعا لم يجوز الشارع بيعه .

( ثم قسموا عدم الانتفاع إلى ما يستند إلى خسة الشيء كالحشرات وإلى ما يستند إلى قلته كحبة حنطة ) فان ذات الحبة ليست خسيسة ، وانما قلتها أوجبت عدم الانتفاع بها .

( وذكروا انه ) اى مثل حبة الحنطة ( ليس مالا - وان كان يصدق

ص: 319

عليه الملك - ولذا يحرم غصبه اجماعا .

وعن التذكرة انه لو تلف لم يضمن أصلا .

واعترضه غير واحد ممن تأخر عنه بوجوب رد المثل .

والأولى ان يقال : ان ما تحقق انه ليس بمال عرفا فلا اشكال ولا خلاف في عدم جواز وقوعه أحد العوضين ، إذ : لا بيع الا في ملك ، وما لم يتحقق فيه ذلك ، فإن كان اكل المال في مقابله اكلا بالباطل عرفا

_________________________

عليه الملك - ولذا ) الّذي يصدق عليه الملك ( يحرم غصبه اجماعا ) .

فبين الملك والمال عموم مطلق ، إذ كل مال ملك وليس كل ملك مال ( وعن التذكرة انه لو تلف ) مثل حبة الحنطة بيد متلف ( لم يضمن أصلا ) ولعله لأنه ليس بمال ، ودليل الضمان منصرف إلى الأموال .

( واعترضه غير واحد ممن تأخر عنه بوجوب رد المثل ) إلى المالك فما معنى عدم الضمان .

( والأولى ان يقال ) لميزان صحة البيع ، وعدم صحة البيع بالنسبة إلى شرط المالية ( ان ما تحقق انه ليس بمال عرفا ) كالخنفساء - مثلا - ( فلا اشكال ولا خلاف في عدم جواز وقوعه أحد العوضين ، إذ : لا بيع الا في ملك ) كما في النص بالإضافة إلى أنه اكل للمال بالباطل ، إذا البائع يأكل مال المشترى بدون ان يكون أعطاه عوضا عن ثمنه ( وما لم يتحقق فيه ذلك ) اى لم يتحقق انه ليس بمال ، بان جهلنا كونه مالا ، أم لا ، الضب مثلا الّذي ينتفع به لبعض المنافع الدوائية لكن نجهل هل انه مال عرفا ، أم لا ؟ ( فإن كان اكل المال في مقابله اكلا بالباطل عرفا ) حتى

ص: 320

فالظاهر فساد المقابلة .

وما لم يتحقق فيه ذلك فان ثبت دليل ، من : نص أو اجماع على عدم جواز بيعه ، فهو والا فلا يخفى وجوب الرجوع إلى عمومات صحة البيع والتجارة وخصوص قوله عليه السلام ، في المروى عن تحف العقول وكل شيء يكون لهم فيه الصلاح ، من جهة من الجهات ، فكل ذلك حلال بيعه ، إلى آخر الرواية ، وقد تقدمت في اوّل الكتاب .

_________________________

إذا رأى العرف ان أحدا اشتراه وأعطاه ثمنا بإزائه ، قال : ان اكل البائع للمال اكل بالباطل ( فالظاهر فساد المقابلة ) والمعاملة إذ كما أنه لو عرفنا ان الشيء ليس بمال ، نعرف ان الاكل في مقابله اكل بالباطل ، كذلك إذا عرفنا انه اكل بالباطل نعرف ان الشارع لم يمض مثل هذه المعاملة .

( وما لم يتحقق فيه ذلك ) اى كونه اكلا للمال بالباطل عرفا ( فان ثبت دليل ، من : نص أو اجماع على عدم جواز بيعه ) كبيع العذرة التي ليس اكل المال بإزائها اكلا بالباطل لكن ورد في النص ثمن العذرة سحت ( فهو ) المتبع ولا يصح بيعه ( والا فلا يخفى وجوب الرجوع إلى عمومات صحة البيع والتجارة ) كقوله تعالى : أحل الله البيع ، وقوله سبحانه :

تجارة عن تراض منكم ، وأمثالهما ( وخصوص قوله عليه السلام ، في المروى عن تحف العقول : وكل شيء يكون لهم فيه الصلاح ، من جهة من الجهات فكل ذلك حلال بيعه ، إلى آخر الرواية ، وقد تقدمت ) تمام الرواية ( في اوّل الكتاب ) فراجع ، .

ص: 321

ثم إنهم احترزوا باعتبار الملكية في العوضين من بيع ما يشترك فيه الناس ، كالماء ، والكلاء ، والسموك ، والوحوش ، قبل اصطيادها ، بكون هذه كلها غير مملوكة بالفعل .

واحترزوا به أيضا عن الأرض المفتوحة عنوة .

ووجه الاحتراز عنها انها غير مملوكة لملاكها على نحو سائر الاملاك بحيث يكون لكل منهم جزء معين من عين الأرض ، وان قل ، ولذا لا تورث

_________________________

وإذا تمت الكبرى وانضمت إليه صغرى هي ان الشيء الفلاني لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات ، كان اللازم صحة البيع .

( ثم إنهم احترزوا باعتبار الملكية في العوضين من بيع ما يشترك فيه الناس ، كالماء ، والكلاء ، والسموك ، والوحوش ) قبل حيازة الماء والكلاء ، و ( قبل اصطيادها ) وكذلك طيور الهواء ، وأشجار الغابات ، وما أشبه ذلك ( بكون هذه كلها غير مملوكة بالفعل ) وليس أحد من البائع والمشترى أولى بها من الآخر ، حتى يبيعها للآخر .

( واحترزوا به أيضا ) اى باشتراط الملكية ( عن الأرض المفتوحة عنوة ) التي فتحها المسلمون قهرا وجبرا ، لا ان أهاليها الكفار صالحوا المسلمين عليها ، أو ما أشبه .

( ووجه الاحتراز عنها انها ) اى المفتوحة عنوة ( غير مملوكة لملاكها على نحو سائر الاملاك ) وان كان المسلمون هم مالكون لها ( بحيث يكون لكل منهم جزء معين من عين الأرض ، وان قل ) ذلك الجزء المعين ( ولذا لا تورث ) الأرض المفتوحة عنوة ، بل هي قسم خاص من الملك ، ثمره ان فوائدها

ص: 322

ولا من قبيل الوقف الخاص على معينين ، لعدم تملكهم للمنفعة مشاعا .

ولا كالوقف على غير معينين ، كالعلماء ، والمؤمنين .

ولا من قبيل تملك الفقراء للزكاة ، والسادة للخمس ، بمعنى كونهم مصارف له لعدم تملكهم لمنافعها بالقبض ، لان مصرفه منحصر في مصالح المسلمين ، فلا يجوز تقسيمه

_________________________

للمسلمين بنظر الحاكم الشرعي ( ولا ) تكون ( من قبيل الوقف الخاص على معيّنين ) كالوقف الذرى - مثلا - .

وذلك ( لعدم تملكهم ) اى المسلمين ( للمنفعة ) للأرض المفتوحة ( مشاعا ) ولو كانت من قبيل الوقف الخاص فان ثمرها كان يعود عليهم مشاعا

بل قد عرفت : ان الحاكم الشرعي يصرف نفعها إليهم حسب الصلاح فربما يصيب أحدهم ، ولا يصيب الآخر أو يصيب بعضهم أزيد من بعض ( ولا كالوقف على غير معيّنين ) وان كانوا معلومى العنوان ( كالعلماء والمؤمنين ) وسيأتي وجه هذا ، وما يتلوه في قوله : لعدم تملكهم ، .

( ولا من قبيل تملك الفقراء للزكاة ، والسادة للخمس ، بمعنى كونهم ) اى السادة والفقراء ( مصارف له ) اى لكل من الزكاة والخمس ، وان لم يجب التوزيع عليهم والتسوية بينهم ( لعدم تملكهم ) اى المسلمين ( لمنافعها ) اى منافع الأرض المفتوحة عنوة ( بالقبض ) بخلاف الخمس والزكاة والوقف العام فإنهم يملكون هذه الأمور إذا قبضوها .

وانما قلنا : لعدم تملكهم ( لان مصرفه ) اى المحل الّذي يصرف فيه نفع الأرض المفتوحة عنوة ( منحصر في مصالح المسلمين ، فلا يجوز تقسيمه

ص: 323

عليهم من دون ملاحظة مصالحهم .

فهذه الملكية نحو مستقل من الملكية ، قد دل عليه الدليل .

ومعناها : صرف حاصل الملك في مصالح الملاك .

ثم : ان كون هذه الأرض للمسلمين مما ادعى عليه الاجماع ، ودل عليه النص ، كمرسلة حماد الطويلة ، وغيرها وحيث جرى في الكلام ذكر بعض اقسام الأرضين ، فلا بأس بالإشارة اجمالا إلى جميع

أقسام الأرضين واحكامها .

فنقول - ومن الله الاستعانة - : الأرض اما موات ،

و

_________________________

عليهم من دون ملاحظة مصالحهم ) بخلاف ما إذا كانت المصلحة ، التقسيم عليهم ، فإنه يقسم عليهم .

( فهذه الملكية ) للأرض المفتوحة ، بالنسبة إلى المسلمين على ( نحو مستقل من الملكية ، قد دل عليه الدليل ) اى على هذا النحو .

( ومعناها : صرف حاصل الملك في مصالح الملاك ) ومثله لا يجوز بيعه ، إذ ليس كل ملك يجوز بيعه .

( ثم : ان كون هذه الأرض للمسلمين مما ادعى عليه الاجماع ، ودل عليه النص ) فلا يتوهم انها ليست للمسلمين وانما يصرف نمائها في مصالحهم وان كان ربما لا تظهر الثمرة بين الامرين ( كمرسلة حماد الطويلة وغيرها ) مما يأتي بعضها ( وحيث جرى في الكلام ذكر بعض اقسام الأرضين ، فلا بأس بالإشارة اجمالا إلى جميع اقسام الأرضين واحكامها )

( فنقول - ومن الله الاستعانة - : الأرض اما موات ) لا عمارة فيها (

ص: 324

اما عامرة .

وكل منهما : اما أن تكون كذلك أصلية ، أو عرض لها ذلك ، فالاقسام أربعة لا خامس لها .

الأول : ما يكون مواتا بالأصالة ،

بان لم تكن مسبوقة بعمارة ولا اشكال ولا خلاف منافى كونها للإمام عليه السلام ، والاجماع عليه محكى عن الخلاف ، والغنية ، وجامع المقاصد ، والمسالك ، وظاهر جماعة أخرى والنصوص بذلك مستفيضة ، بل قيل إنها متواترة ، وهي من الأنفال .

نعم : أبيح التصرف فيها بالاحياء .

_________________________

اما عامرة ) والمراد بالعامرة ما كانت مشغولة بزرع ، أو بناء ، أو نهر ، أو ما أشبه .

( وكل منهما : اما أن تكون كذلك ) مواتا أو عامرة ( أصلية ، أو عرض لها ذلك ، فالاقسام أربعة ) فقط ( لا خامس لها ) .

( الأول : ) من اقسام الأرضين ( ما يكون مواتا بالأصالة بان لم تكن مسبوقة بعمارة ولا اشكال ولا خلاف منافى كونها للإمام عليه السلام ، والاجماع عليه محكى عن الخلاف ، والغنية ، وجامع المقاصد ، والمسالك وظاهر جماعة أخرى ، والنصوص بذلك مستفيضة ، بل قيل إنها متواترة ) ولا يبعد ذلك لكثرة النصوص الواردة في هذا الباب جدا ( وهي من الأنفال ) اى التي أعطاها اللّه لرسوله وللأئمة نافلة زيادة على ما اعطى على قرنائهم المذكورين في آية الخمس .

( نعم : أبيح ) من قبل الأئمة عليهم السلام ( التصرف فيها بالاحياء

ص: 325

بلا عوض .

وعليه يحمل ما في النبوي موتان الأرض للّه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم هي لكم منى أيها المسلمون ، ونحوه الآخر عادى الأرض للّه ولرسوله ، ثم هي لكم منّى .

وربما يكون في بعض الأخبار وجوب أداء خراجه إلى الامام \" ص \" كما في صحيحة الكابلي ، قال وجدنا في كتاب على أن الأرض للّه يورثه من يشاء

_________________________

بلا عوض ) للشيعة كما نص بذلك في الأحاديث ، اما غير الشيعة ففيه كلام

( وعليه ) اى على أنه أبيح لا على الملكية ( يحمل ما في النبوي ) حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم ( موتان ) على وزن حيوان ( الأرض لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم هي لكم منى أيها المسلمون ، ونحوه ) النبوي ( الآخر عادى الأرض لله ولرسوله ، ثم هي لكم منى )

ولفظة : عادى ، اما نسبة إلى عاد بمعنى قديم الأرض - التي لا عمارة لها - تشبيه للأرض في القدم بقوم عاد الذين كانوا في قديم الزمان

واما بمعنى ما عدا عليها الزمان بالإمامة مجازا فيكون من قبيل عيشة راضية .

( وربما يكون في بعض الأخبار وجوب أداء خراجه ) اى اجرتها ( إلى الامام \" ص \" ) وهذا لا ينافي النبوي ، لان المبيح إذا أراد رد الشيء المباح ، جاز له ذلك ( كما في صحيحة الكابلي ، قال ) عليه السلام ( وجدنا في كتاب على ) عليه السلام ( ان الأرض للّه يورثها من يشاء ) بان يميت قوما ، ويسكن

ص: 326

والعاقبة للمتقين قال انا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ، ونحن المتقون ، والأرض كلها لنا ، فمن أحيى من الأرض من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى الامام من أهل بيتي وله ما اكل منها ، الخبر ومصححة عمر بن يزيد ، انه سئل رجل أبا عبد الله عليه السلام ، عن رجل اخذ أرضا مواتا تركها أهلها ، فعمرها واجرى أنهارها ، وبنى فيها بيوتا ، وغرس فيها نخلا ، وشجرا ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : من أحيى أرضا من المؤمنين فهي له ، وعليه طسقها يؤتى به إلى الامام \" ع \" في حال الهدنة .

_________________________

الأرض قوما آخر ( والعاقبة للمتقين ) فليس الوارث ، أو الموروث له العاقبة الحسنى ، وانما العاقبة الحسنى لمن كان ذا تقوى ( قال ) اى علي عليه السلام ( انا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ، ونحن المتقون ، والأرض كلها لنا ، فمن أحيى من الأرض ) اى شيئا منها ( من المسلمين ، فليعمرها ) اى من أراد الاحياء فلا بأس بان يعمرها ( وليؤد خراجها إلى الامام من أهل بيتي ، وله ما اكل منها ) اى لا بأس بان يأكل منها إذا أدى خراجها إلى الامام إلى آخر ( الخبر ، ومصححة عمر بن يزيد ، انه سئل رجل أبا عبد الله عليه السلام ، عن رجل اخذ أرضا مواتا تركها أهلها فعمرها واجرى أنهارها ، وبنى فيها بيوتا ، وغرس فيها نخلا ، وشجرا ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : من أحيى أرضا من المؤمنين فهي له ، وعليه طسقها ) اى خراجها ( يؤتى به إلى الامام \" ع \" في حال الهدنة ) اى حال عدم قيام الامام بالحكومة

ص: 327

فإذا ظهر القائم فليوطن نفسه على أن يؤخذ منه ، الخبر .

ويمكن حملها على بيان الاستحقاق ووجوب ايصال الطسق إذا طلب الامام \" ع \" لكن الأئمة عليهم السلام بعد أمير المؤمنين عليه السلام حللوا شيعتهم وأسقطوا ذلك عنهم ، كما يدل عليه قوله عليه السلام : ما كان لنا فهو لشيعتنا ، وقوله عليه السلام في رواية مسمع بن عبد الملك :

كلما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون ، يحل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا ، فيجبيهم

_________________________

الاسلامية الظاهرية ( فإذا ظهر القائم فليوطن نفسه على أن يؤخذ منه الخبر ) لان الامام إذا قام بالامر داعى مصالح المسلمين ، وشؤون الحكومة فلا يترك الأرض هملا بيد كل مستولى عليها ، بل يعمل حسب شؤون الحكومة

( ويمكن حملها ) اى الأخبار الدالة على وجوب اعطاء الخراج ( على بيان الاستحقاق ) اى ان الامام مستحق للطسق ( ووجوب ايصال الطسق إذا طلب الامام \" ع \" لكن الأئمة عليهم السلام بعد أمير المؤمنين عليه السلام حللوا شيعتهم وأسقطوا ذلك عنهم ) وعلى هذا فالمراد بحال الهدنة حال عدم ظهور الإمام المهدى الّذي لم يكلف الإمام عليه السلام قبل ذلك بتصفية الأرض كليا ، ليكون دين الاسلام وحده السائد في كل الأرض ( كما يدل عليه ) اى على أن الأئمة عليهم السلام أسقطوا ذلك عن الشيعة ( قوله عليه السلام : ما كان لنا فهو لشيعتنا ، وقوله عليه السلام في رواية مسمع بن عبد الملك : كلما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه ) اى فيما بأيديهم ( محللون ، يحل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا ، فيجبيهم ) من الجباية

ص: 328

طسق ما كان في أيديهم ، ويترك الأرض في أيديهم ، واما ما كان في أيدي سواهم فان كسبهم في الأرض حرام عليهم ، حتى يقوم قائمنا ، ويأخذ الأرض من أيديهم ، ويخرجهم عنها صغرة .

نعم : ذكر في التذكرة انه لو تصرف في الموات أحد بغير اذن الامام كان عليه طسقها .

_________________________

بمعنى جمع الأموال ( طسق ما كان في أيديهم ، ويترك الأرض في أيديهم ، واما ما كان في أيدي سواهم ) اى سوى الشيعة ( فان كسبهم في الأرض حرام عليهم ، حتى يقوم قائمنا ، ويأخذ الأرض من أيديهم ، ويخرجهم عنها صغرة ) اى وهم أذلاء إلى آخر الخبر .

ولا يخفى ان هذا في اوّل نهضة القائم عليه السلام ، والا فالدين الحق يسود البلاد كليا ، بحيث لا يبقى في الأرض من لا يوالى الامام \" ع \" اطلاقا .

كما أن تعاملنا معهم في حال الغيبة بوارد الأرض لا بأس به وان كان لهم حراما .

اما من جهة التحليل لنا واما من جهة : الزموهم بما التزموا به ، فإنه شامل لما عليهم ولما لهم كما لا يخفى .

وان كان الظاهر الابتدائي ان هذه الكلية بالنسبة إلى ما عليهم لا ما لهم .

( نعم : ذكر في التذكرة انه لو تصرف في الموات أحد بغير اذن الامام كان عليه طسقها ) وهذا بظاهره ينافي اخبار التحليل التي تقدم بعضها

ص: 329

ويحتمل حمل هذه الأخبار المذكورة على حال الحضور .

والا فالظاهر عدم الخلاف في عدم وجوب مال الإمام في الأراضي في حال الغيبة ، بل الاخبار متفقة على أنها لمن أحياها .

وسيأتي حكاية اجماع المسلمين على صيرورتها ملكا بالاحياء .

الثاني : ما كانت عامرة بالأصالة اى لا من معمر .

والظاهر أنه أيضا للإمام عليه السلام ، وكونها من الأنفال ، وهو ظاهر اطلاق قولهم : وكل ارض لم يجر عليها ملك مسلم ، فهو للامام \" ع \"

_________________________

( ويحتمل حمل هذه الأخبار المذكورة ) اى ما دل على وجوب اعطاء الطسق ( على حال الحضور ) للإمام عليه السلام ، لا حتى حال الغيبة .

( والا فالظاهر عدم الخلاف في عدم وجوب مال الإمام في الأراضي في حال الغيبة ، بل الاخبار متفقة على أنها لمن أحياها ) مما يلزم حمل اخبار الطسق على حال الحضور ، أو ما أشبه من سائر المحامل ، حتى لا تنافى اخبار انها لمن أحياها .

( وسيأتي حكاية اجماع المسلمين على صيرورتها ) اى أراضي الموات ( ملكا بالاحياء ) لمن أحياها .

( الثاني : ) من اقسام الأرضين ( ما كانت عامرة بالأصالة اى لا من معمر ) كالمزارع الطبيعية وأطراف الأنهار ، وما أشبه .

( والظاهر أنه أيضا ) كالموات ( للإمام عليه السلام ، وكونها من الأنفال ) كما ذكروا ذلك مفصلا في كتاب الخمس ( وهو ظاهر اطلاق قولهم :

وكل ارض لم يجر عليها ملك مسلم ، فهو للامام \" ع \" ) إذ اطلاقه شامل

ص: 330

وعن التذكرة الاجماع عليه ، وفي غيرها نفى الخلاف عنه لموثقة أبان بن عثمان عن إسحاق بن عمار ، المحكى عن تفسير علي بن إبراهيم عن الصادق عليه السلام : حيث عد من الأنفال كل ارض لا رب لها ونحوها المحكى عن تفسير العياشي عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام .

ولا يخصص عموم ذلك بخصوص بعض الأخبار ، حيث جعل فيها من الأنفال كل ارض ميتة لا رب لها ، بناء على ثبوت المفهوم للوصف المسوق للاحتراز ،

_________________________

للعامرة بالأصل كشموله للموات .

( وعن التذكرة الاجماع عليه ، وفي غيرها ) اى غير التذكرة ( نفى الخلاف عنه لموثقة أبان بن عثمان عن إسحاق بن عمار ، المحكى عن تفسير علي بن إبراهيم ، عن الصادق عليه السلام : حيث عد من الأنفال ) التي هي للإمام عليه السلام ( كل ارض لا رب ) اى لا مالك ( لها ) ومن المعلوم شمول اطلاق الرواية للاراضى العامرة ( ونحوها المحكى عن تفسير العياشي عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام )

( و ) لا يقال : ان اطلاق هذه الأخبار يخصص بما دل على أن الأرض الميتة للامام .

لأنا نقول : ( لا يخصص عموم ذلك بخصوص بعض الأخبار ، حيث جعل فيها ) اى في تلك البعض ( من الأنفال كل ارض ميتة لا رب لها )

وجه التخصيص ( بناء على ثبوت المفهوم للوصف ) اى قوله : ميتة ، ( المسوق ) ذلك الوصف ( للاحتراز ) فالمعنى ان الأرض إذا لم تكن ميتة

ص: 331

لأن الظاهر ورود الوصف مورد الغالب ، لان الغالب في الأرض التي لا مالك لها ، كونها مواتا .

وهل يملك هذه بالحيازة وجهان ، من : كونه مال الإمام \" ع \" .

ومن : عدم منافاته للتملك بالحيازة ، كما يملك الأموات بالاحياء مع كونه مال الإمام فدخل في عموم النبوي : من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم ، فهو أحق به

_________________________

فليست من الأنفال وبهذا المفهوم يخصص عموم خبر : ابان ، والعياشي

وانما قلنا لا يخصص ( لأن الظاهر ) من النص والفتوى ( ورود الوصف ) بكونها ميتة ( مورد الغالب ، لان الغالب في الأرض التي لا مالك لها ، كونها مواتا ) فمثل هذا الوصف لا مفهوم له بالإضافة إلى ما ذكروا في الأصول :

من أنه لا مفهوم اطلاقا .

( وهل يملك هذه ) الأرض العامرة بالأصل ( بالحيازة ) كما يملك الموات بالاحياء ، أم لا ؟ ( وجهان ، من : كونه مال الإمام \" ع \" ) فللانسان التصرف فيها فقط ، لتحليلهم ، لا انه يملكها فإذا ذهب عنها صارت ملكا لانسان آخر يتصرف فيها .

( ومن : عدم منافاته للتملك بالحيازة ، كما يملك الأموات بالاحياء ) فالملك طولى ، كما أن ملك الله ، وملك الرسول طولى أيضا ، فالمتصرف يملكها ( مع كونه مال الإمام ) طولا ( فدخل في عموم النبوي : من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم ، فهو أحق به ) وظاهر الأحقية الملك لان الحق تعبير عرفى شامل لا قوى الحقوق الّذي هو الملك إلى اضعفها كحق الانسان

ص: 332

الثالث : ما عرض له الحياة بعد الموت

وهو ملك للمحيي فيصير ملكا له بالشروط المذكورة في باب الاحياء ، باجماع الأمة ، كما عن المهذب وباجماع المسلمين ، كما عن التنقيح ، وعليه عامة فقهاء الأمصار ، كما عن التذكرة لكن ببالي من المبسوط كلام يشعر بأنه يملك التصرف لا نفس الرقبة ، فلا بد من الملاحظة .

_________________________

في المسجد والمدرسة .

( الثالث ) من اقسام الأرضين ( ما عرض له الحياة بعد الموت ) كما لو عمر انسان مواتا ( وهو ملك للمحيي فيصير ملكا له بالشروط المذكورة في باب الاحياء ) اى كتاب احياء الموات .

وهي أولا : ان لا يكون عليها يد مسلم .

وثانيا : ان لا يكون حريما لعامر .

وثالثا : ان لا يكون مشعرا للعبادة كعرفات ومنى .

ورابعا : ان لا يكون مما اقطعه الامام لاحد .

وخامسا : ان لا يسبق إليه سابق بالتحجير ( باجماع الأمة ، كما عن المهذب ، وباجماع المسلمين ، كما عن التنقيح ، وعليه عامة فقهاء الأمصار ، كما عن التذكرة ، لكن ببالي من المبسوط كلام يشعر بأنه يملك التصرف لا نفس الرقبة ، فلا بد من الملاحظة ) قال في محكى المبسوط :

إذا حجر أرضا لم يصح بيعها ، ومن الناس من قال : يصح ، وهو شاذ عندنا ، فلا يصح بيعه لأنه لا يملك رقبة الأرض بالاحياء .

وانما يملك التصرف بشرط ان يؤدى إلى الامام ما يلزم عليها .

ص: 333

الرابع : ما عرض له الموت بعد العمارة ،

فان كانت العمارة أصلية فهي مال الإمام \" ع \" وان كانت العمارة من معمّر ، ففي بقائها على ملك معمرها ، أو خروجها عنه وصيرورتها ملكا لمن عمرها ثانيا ، خلاف معروف في كتاب احياء الموات ، منشأه اختلاف الاخبار .

_________________________

وعند المخالف لا يجوز لأنه لا يملك بالتحجير ، مثل الاحياء فكيف يبيع ما لا يملك ، انتهى .

( الرابع ) من اقسام الأرضين ( ما عرض له الموت بعد العمارة فان كانت العمارة أصلية ) كما لو جفت أشجار الغابة وتحولت إلى ارض موات ( فهي مال الإمام \" ع \" ) لأنها في حاليها حال الحياة وحال الموت للامام ( وان كانت العمارة من معمّر ، ففي بقائها على ملك معمّرها ، أو خروجها عنه ) بالموت ( وصيرورتها ملكا لمن عمّرها ثانيا ، خلاف معروف في كتاب احياء الموات ، منشأه ) اى منشأ اختلاف الأقوال ( اختلاف الاخبار )

فبعض الاخبار دل على بقائها في ملك المعمّر الأول ، كرواية سليمان بن خالد ، قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام : عن الرجل يأتي الأرض فيستخرجها ويجرى أنهارها ويعمّرها ويزرعها ، ما ذا عليه ؟ قال :

الصدقة ، قلت : فإن كان يعرف صاحبها ، قال عليه السلام : فيؤدّ إليه حقه ، .

وبعض الأخبار : دل على أنها ملك للمعمّر الثاني ، كصحيحة الكابلي ، وفيها : فان تركها وأخربها ، فاخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها ، فهو أحق بها من الّذي تركها ، فليؤدّ خراجها

ص: 334

[ رجوع إلى القسم الثالث ]

ثم القسم الثالث : اما أن تكون العمارة فيه من المسلمين ، أو من الكفار فإن كان من المسلمين فملكهم لا يزول الا بناقل ، أو بطر والخراب على أحد القولين .

وان كان من الكفار ، فكذلك ان كان في دار الاسلام ، وقلنا :

بعدم اعتبار الاسلام وان اعتبرنا الاسلام كان باقيا على ملك الإمام \" ع \" وان كان في دار الكفر ، فملكها يزول بما يزول به

_________________________

إلى الامام من أهل بيتي ، وله ما اكل منها حتى يظهر القائم عليه السلام إلى غيرهما من الاخبار .

( ثم القسم الثالث ) وهو ما عرض له الحياة بعد الموت ( اما أن تكون العمارة فيه من المسلمين ، أو من الكفار فإن كان من المسلمين فملكهم ) للأرض ( لا يزول الا بناقل ) كالبيع والهبة والإرث ونحوها ( أو بطرو الخراب ، على أحد القولين ) السابقين القائل بان طرو الخراب يوجب زوال الملك .

والقول الآخر هو بقائه على ملك السابق .

( وان كان ) العمارة ( من الكفار ، فكذلك ) اى كما لو كانت العمارة للمسلمين ( ان كان ) تلك الأرض ( في دار الاسلام ، وقلنا : بعدم اعتبار الاسلام ) في المحيى - كما هو أحد القولين - وان كل من أحيى أرضا فهي له سواء كان المحيى مسلما أو كافرا ( وان اعتبرنا الاسلام ) في المحيى ( كان ) الأرض ( باقيا على ملك الإمام \" ع \" وان كان ) الأرض المحياة ( في دار الكفر ، فملكها ) اى ملك الكافر لتلك الأرض ( يزول بما يزول به

ص: 335

ملك المسلم ، وبالاغتنام كسائر أموالهم ، ثم ما ملكه الكافر من الأرض ، اما ان يسلم عليه طوعا ، فيبقى على ملكه كسائر املاكه ، واما ان لا يسلم عليه طوعا ، فان بقي يده عليه كافرا ، فهي أيضا كسائر املاكه تحت يده ، وان ارتفعت يده عنها ، فاما ان يكون بانجلاء المالك عنها وتخليتها للمسلمين أو بموت أهلها وعدم الوارث فيصير ملكا للإمام عليه السلام ، ويكون من الأنفال التي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ،

_________________________

ملك المسلم ) من خراب - على أحد القولين - أو نقل وانتقال ( وبالاغتنام ) أيضا ( كسائر أموالهم ) إذا غنمها المسلمون بشروط المحاربة والجهاد ( ثم ما ملكه الكافر من الأرض ، اما ان يسلم عليه طوعا ، فيبقى على ملكه كسائر املاكه ، واما ان لا يسلم عليه طوعا ، فان بقي يده عليه ) اى على تلك الأرض - ولا يخفى ان تذكير الضمير العائد إلى الأرض باعتبار من التأويل ، كتقدير المكان ، أو عائد إلى الموصول كلفظة : ما ، الّذي مصداقه الأرض أو ما أشبه - ( كافرا ) حال عن ضمير : يده ، ( فهي أيضا كسائر املاكه تحت يده ) في انها ملك له ، إذ الكافر يملك ما تحت يده ( وان ارتفعت يده ) اى يد الكافر ( عنها ، فاما ان يكون بانجلاء المالك عنها ) بان تركها واعرض عنها وذهب إلى مكان آخر ( وتخليتها للمسلمين ) وحينئذ تخرج الأرض عن ملكه ، لان الاعراض من أسباب سقوط الملك ( أو بموت أهلها وعدم الوارث ف ) في كلتا الحالتين ( يصير ) تلك الأرض ( ملكا للإمام عليه السلام ، ويكون من الأنفال التي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ) الايجاف الاسراع ، والخيل الفرس ، والركاب الإبل ، كناية

ص: 336

[ الأراضي المفتوحة عنوة ]

وان رفعت يده عنها قهرا وعنوة فهي كسائر ما لا ينقل من الغنيمة ، كالنخل والأشجار والبنيان للمسلمين كافة اجماعا ، على ما حكاه غير واحد ، كالخلاف والتذكرة وغيرهما ، والنصوص به مستفيضة ، ففي رواية أبى بردة المسؤول فيها عن بيع أرض الخراج ، قال عليه السلام : من يبيعها ؟ هي ارض المسلمين ، قلت : يبيعها الّذي في يده ، قال يصنع بخراج المسلمين ما ذا ؟

ثم قال لا بأس ان يشترى حقه منها ، ويحول حق المسلمين عليه .

_________________________

عن عدم القهر والغلبة والحرب في اخذ الأرض ( وان رفعت يده عنها قهرا ) بالمحاربة وما أشبه ( وعنوة ) عبارة أخرى عن قهر ( فهي كسائر ما لا ينقل ) اى غير المنقول ( من الغنيمة ، كالنخل والأشجار والبنيان للمسلمين كافة ) اى جميعا ( اجماعا ، على ما حكاه ) اى الاجماع ( غير واحد كالخلاف والتذكرة وغيرهما ، والنصوص به مستفيضة ، ففي رواية أبى بردة المسؤول فيها عن بيع أرض الخراج ، قال عليه السلام : من يبيعها ؟ ) على نحو الاستفهام الانكارى ( هي ارض المسلمين ، قلت : يبيعها الّذي في يده قال ) عليه السلام ( يصنع بخراج المسلمين ما ذا ؟ ) اى ان الأرض ان كانت له فالخراج ليس له ، فإذا باعها فوّت الخراج على المسلمين ، فما هو مصير الخراج ؟ وهذا وجه لعدم جواز البيع .

( ثم قال ) عليه السلام : ( لا بأس ) بالبيع ( ان يشترى حقه منها ) اى من الأرض ، فان المعمّر له حق في العمارة ( ويحول حق المسلمين ) اى الخراج ( عليه ) اى على المشترى ، فإنه انما يبيع ماله ، إماما للمسلمين

ص: 337

ولعله يكون أقوى عليها واملى بخراجهم منه .

وفي مرسلة حماد الطويلة : ليس لمن قاتل شيء من الأرضين ، وما غلبوا عليه ، الا ما حوى العسكر ، إلى أن قال والأرض التي اخذت بخيل وركاب ، فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها ، ويحييها ويقوم على ما صالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الخراج النصف أو الثلث أو الثلثين على قدر ما يكون لهم صالحا ، ولا يضربهم ، فإذا اخرج

_________________________

فيتحول من يد إلى يد .

( ولعله ) اى المنتقل إليه ( يكون أقوى عليها ) اى على الأرض واعطاء الخراج أقوى من الأول المنتقل عنه ( واملى ) اى أكثر إملاء واخراجا ( بخراجهم ) اى خراج المسلمين ( منه ) اى من الأول المنتقل عنه .

( وفي مرسلة حماد الطويلة : ليس لمن قاتل ) الكفار ( شيء من الأرضين ، وما غلبوا عليه ) من أموال الكفّار ( الا ما حوى العسكر ) من المنقول ، اما غير المنقول كالأرض والبنيان والشجر ، فللمسلمين جميعا ( إلى أن قال ) عليه السلام ( والأرض التي اخذت بخيل وركاب ، فهي موقوفة ) اى محفوظة ( متروكة في يد من يعمرها ، ويحييها ويقوم على ما صالحهم الوالي ) اى بمقابل الخراج الّذي يأخذه الوالي منهم ( على قدر طاقتهم من الخراج النصف ) من الغلة ( أو الثلث أو الثلثين على قدر ما يكون لهم صالحا ، ولا يضر بهم ) مع مراعاة الوالي لمصلحة المسلمين أيضا ، إذ : الأرض لهم ، فاللازم مراعاة الجانبين ( فإذا اخرج

ص: 338

منها ما اخرج ، بدأ ، فأخرج منه العشر من الجميع ، مما سقط السماء ، أو سقى سيحا ، ونصف العشر مما سقى بالدوالي ، والنواضح إلى أن قال فيؤخذ ما بقي بعد العشر ، فيقسم بين الوالي وبين شركائه الذين هم عمال الأرض ، واكرتها ، فيدفع عليهم انصبائهم على قدر ما صالحهم عليه ، ويأخذ الباقي ، فيكون ذلك ارزاق أعوانه على دين الله وفي مصلحة ما ينوبه من : تقوية الاسلام ، وتقوية الدين

_________________________

منها ما اخرج ، بدأ ، فأخرج منه العشر من الجميع ، مما سقط السماء ، أو سقى سيحا ونصف العشر مما سقى بالدوالي ، والنواضح ، إلى أن قال ) عليه السلام : ( فيؤخذ ما بقي بعد العشر ) اى الزكاة ، .

والمراد : ان المالك إذا اخذ حصته اخرج الزكاة مما ليس بحصته وبعد اخراج الزكاة يقسم ما ليس بحصته بين الوالي وبين العمال والوالي حينما يأخذ حصة نفسه يصرفها في الموارد المقررة في الشريعة ، مثلا : كان الحاصل عشرين كرا فعشرة اكرار للمالك ، والعشرة الباقية يدفع عشرها زكاة ، وخمسة للعمال ، وأربعة للوالي ، فتأمل ( فيقسم ) الباقي الزائد من حصة المالك ومن الزكاة ( بين الوالي وبين شركائه الذين هم عمال الأرض ، واكرتها ) عطف بيان لعمّال ( فيدفع ) المالك ( عليهم انصبائهم ) جمع نصيب ( على قدر ما صالحهم عليه ، ويأخذ ) الوالي ( الباقي ) بعد حصة المالك ، والزكاة ، وحصة الاكرة ( فيكون ذلك ارزاق أعوانه على دين الله ) اى الذين يعينونه لإقامة الدين ( وفي مصلحة ما ينوبه ) اى ينوب دين الله ( من : تقوية الاسلام ، وتقوية الدين )

ص: 339

في وجوه الجهاد ، وغير ذلك مما فيه مصلحة العامة ليس لنفسه من ذلك قليل ولا كثير ، الخبر .

وفي صحيحة الحلبي ، قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن السواد ما منزلته قال هو لجميع المسلمين ، لمن هو اليوم ولمن دخل في الاسلام بعد اليوم ، ولمن لم يخلق بعد ، فقلنا : أنشتريه من الدهاقين ؟ قال لا يصلح الا ان تشتريها منهم على أن تصيرها للمسلمين ،

_________________________

عطف بيان ( في وجوه الجهاد ، وغير ذلك ) كبناء القناطر والمدارس والمساجد والربط ، وما أشبه ( مما فيه مصلحة العامة ) اى عامة الناس وغالبهم ( ليس لنفسه من ذلك ) المال المأخوذ خراجا ( قليل ولا كثير ) إلى آخر ( الخبر ) .

فان هذا الخبر كالاخبار السابقة واللاحقة ، ظاهرة في كون الأرض تعود إلى جميع المسلمين ، ولذا يكون ريعها وواردها لهم جميعا .

( وفي صحيحة الحلبي ، قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن السواد ) اى ارض العراق ، وكانت تسمى سواد الكثرة الزرع فيها ، فان الزرع الأخضر يميل إلى السواد - كما لا يخفى - ( ما منزلته ) اى لمن يكون ( قال ) عليه السلام ( هو لجميع المسلمين ، لمن هو اليوم ) مسلم ( ولمن دخل في الاسلام بعد اليوم ، ولمن لم يخلق بعد ) من أولاد المسلمين أو ممن سيسلم ( فقلنا : أنشتريه من الدهاقين ) جمع دهقان معرب دهبان اى حافظ القرية - ( قال ) عليه السلام ( لا يصلح الا ان تشتريها منهم على أن تصيرها للمسلمين ) اى يكون الاشتراء ذريعة لرفع يد الدهقان ،

ص: 340

فان شاء ولى الامر ان يأخذها ، اخذها قلت : فان اخذها منه قال يرد عليه رأس ماله وله ما اكل من علتها بما عمل .

ورواية ابن شريح ، سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شراء الأرض من أرض الخراج ، فكرهه قال : انما أرض الخراج للمسلمين ، فقالوا له فإنه يشتريها الرجل وعليه خراجها فقال لا بأس الا ان يستحيى من عيب ذلك

_________________________

وارجاع الأرض إلى حالتها الشرعية التي هي ملك لكل المسلمين ( فان شاء ولى الامر ) الحاكم الاسلامي ( ان يأخذها ) اى الأرض ممن اشتراها ( اخذها ) ممن اشتراها من الدهقان ( قلت : فان اخذها ) ولى الامر ( منه ) فما ذا يكون مصير ثمنها الّذي أعطاه للدهقان ؟ ( قال ) عليه السلام ( يرد ) الوالي ( عليه ) اى على المشترى ( رأس ماله ) الّذي اشترى الأرض بذلك المال ( وله ) اى للمشترى ( ما اكل من غلتها ب ) مقابل ( ما عمل ) في الأرض من الاصلاح ، أو بمقابل عمله الّذي هو : اشترائه من الدهقان ، وارجاعه إلى ملك المسلمين .

( ورواية ابن شريح ، سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شراء الأرض من أرض الخراج ، فكرهه ) المراد به التحريم لان الكراهة لغة تستعمل في المكروه والمحرم ( قال : انما أرض الخراج للمسلمين ، فقالوا له فإنه يشتريها الرجل ) اى حق الاختصاص ( وعليه خراجها ) للمسلمين ( فقال ) عليه السلام ( لا بأس ) بهذا الاشتراء ( الا ان يستحيى من عيب ذلك ) بان يعاب ويقال له كيف اشتريت ارض المسلمين ؟ فلا يشترى .

ص: 341

ورواية إسماعيل بن فضل الهاشمي ، ففيها وسألته عن رجل اشترى أرضا من أرض الخراج ، فبنى بها أو لم بين ، غير أن أناسا من أهل الذمة نزلوها هل له ان يأخذ منهم اجرة البيوت إذا ادوّا جزية رؤوسهم قال يشارطهم فما اخذ بعد الشرط ، فهو حلال .

وفي خبر أبى الربيع ، لا تشتر من ارض السواد شيئا ، الا من كانت له ذمة ،

_________________________

( ورواية إسماعيل بن فضل الهاشمي ، ففيها وسألته عن رجل اشترى أرضا من أرض الخراج ، فبنى بها ) عمارة ( أو لم يبن ، غير أن أناسا من أهل الذمة نزلوها ) هل ( له ان يأخذ منهم اجرة البيوت إذا ادوّا ) إلى الحاكم الاسلامي ( جزية رؤوسهم ) هذا الشرط لبيان انهم ذميون وانهم يؤدون إلى الحاكم الاسلامي ما عليهم من الجزئية فلهم لهذا الشخص ان يأخذ منهم بالإضافة إلى الجزية اجرة على الأرض ( قال ) عليه السلام :

( يشارطهم ) شرطا على ما يأخذ منهم ، إذ اخذ اجرة غير محددة لا تصح ( فما اخذ بعد الشرط ، فهو حلال ) اخذها .

والظاهر أنه لو أراد ان يأخذ بدون الشرط لم يكن له الا أجرة المثل ( وفي خبر أبى الربيع ، لا تشتر من ارض السواد شيئا ، الا من كانت له ذمة ) قرء : لا تشتر ، بالخطاب وعليه فقوله : الا ، من باب الالتفات وقرء : لا يشترى ، والمراد بالذمة العهد والكفالة ، اما بكونهم مسلمين ، أو أهل ذمة من الكفار ، فإنهم هم الذين يشترون الأرض بمعنى اشتراء حق الاختصاص .

ص: 342

فإنما هي فيء للمسلمين ، إلى غير ذلك .

وظاهرها كما ترى ، عدم جواز بيعها حتى تبعا للآثار المملوكة فيها على أن تكون جزءا من المبيع ، فيدخل في ملك المشتري ، نعم تكون للمشترى على وجه كان للبائع ، اعني مجرد الاولولية ، وعدم جواز مزاحمته إذا كان التصرف واحداث تلك الآثار باذن الامام ، أو بإجازته ولو لعموم الشيعة ،

_________________________

اما الكافر الحربي ، فلا ، .

ويمكن ان يكون المراد باهل الذمة الذين يدفعون الخراج في مقابل الاشتراء بدون اعطاء الخراج ، ثم علل عليه السلام قوله : لا تشتر ، بقوله ( فإنما هي فيء للمسلمين ) وفائدة عائدة إليهم ، فكيف يمكن ان تباع لمن لا ذمة له ؟ اى لا يعطى الخراج ( إلى غير ذلك ) من الأخبار الدالة على أن أرض الخراج لا يمكن بيع رقبتها .

( وظاهرها ) اى الأخبار المتقدمة ( كما ترى ، عدم جواز بيعها ) اى أرض الخراج ( حتى تبعا للآثار المملوكة فيها ) كالبناء والأشجار التي عملها انسان في الأرض ( على أن تكون ) الأرض ( جزءا من المبيع فتدخل ) الأرض في ضمن الآثار ( في ملك المشتري ، نعم تكون ) الأرض ( للمشترى ) للآثار ( على وجه كان للبائع ، اعني مجرد الاولولية ) بهذه الأرض ( وعدم جواز مزاحمته ) بان يأتي انسان آخر ويتصرف في الأرض ( إذا كان التصرف ) في تلك الأرض ( واحداث تلك الآثار باذن الامام ) خصوصا ( أو بإجازته ) عليه السلام ( ولو لعموم الشيعة ) وكذلك إذا كان التصرف في

ص: 343

كما إذا كان التصرف بتقبيل السلطان الجائر .

أو بإذن الحاكم الشرعي ، بناء على عموم ولايته لأمور المسلمين ونيابته عن الامام .

لكن ظاهر عبارة المبسوط ، اطلاق المنع عن التصرف فيها ، ببيع ، ولا شراء ، ولا هبة ، ولا معاوضة ، ولا يصح ان يبنى دورا ، ومنازل ، ومساجد ، وسقايات ، وغير ذلك من : أنواع التصرف الّذي يتبع الملك ، ومتى فعل

_________________________

تلك الأرض جائزا بوجه آخر ( كما إذا كان التصرف بتقبيل السلطان الجائر ) اى تلقاها الشخص من السلطان ، فان الأئمة عليهم السلام أجازوا للشيعة التصرف المبتنى على عمل الجائر ، وان كان عمل الجائر محرما في نفسه .

( أو ) كان التقبيل ( بإذن الحاكم الشرعي ، بناء على عموم ولايته لأمور المسلمين ونيابته عن الامام ) .

وقد عرفت سابقا : ان عموم الولاية هو المختار .

( لكن ظاهر عبارة المبسوط ، اطلاق المنع عن التصرف فيها ) اى سواء اذن السلطان أو الفقيه ، أم لا ( ببيع ولا شراء ، ولا هبة ، ولا معاوضة ، ولا يصح ان يبنى ) أحد فيها ( دورا ، ومنازل ، ومساجد ، وسقايات ) محلات سقى الماء ( وغير ذلك من : أنواع التصرف الّذي يتبع الملك ) اى التصرف الّذي لا يجوز الا للمالك .

وكان نظر الشيخ إلى وجوب ان تبقى الأرض للغلة والزرع فقط أو الأعم من ذلك ومن بناء الحاكم فيها لمصلحة المسلمين عامة ( ومتى فعل )

ص: 344

شيئا من ذلك ، كان التصرف باطلا ، وهو على حكم الأصل .

ويمكن حمل كلامه على صورة عدم الإذن من الامام \" ع \" حال حضوره .

ويحتمل إرادة التصرف بالبناء على وجه الحيازة والتملك .

وقال في الدروس : لا يجوز التصرف في المفتوحة عنوة الا باذن الامام ، سواء كان بالبيع أو الوقف ، أو غيرهما .

نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك .

واطلق في المبسوط : ان التصرف فيها

_________________________

الشخص ( شيئا من ذلك ، كان التصرف ) بالعمارة والمعاملة ( باطلا ، وهو ) يبقى ( على حكم الأصل ) للمسلمين عامة ، لا حرمة لهذه التصرفات فيها

( ويمكن حمل كلامه ) اى كلام المبسوط ( على صورة عدم الإذن من الامام \" ع \" حال حضوره ) ولا عن نائبه الخاص أو العام ، ولا عن السلطان الجائز .

( ويحتمل ) ان يحمل كلام الشيخ على ( إرادة التصرف ) في الأرض ( بالبناء ) ونحوه ( على وجه الحيازة والتملك ) لا على وجه كون الأرض للمسلمين ، والبناء عرضى يجب ان يؤدى الخراج إلى الحاكم الاسلامي

( وقال في الدروس : لا يجوز التصرف في المفتوحة عنوة الا باذن الامام ، سواء كان ) التصرف ( بالبيع أو الوقف ، أو غيرهما ) من سائر انحاء التصرف .

( نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك ) التصرف وكأنه لان الإمام عليه السلام أجاز ذلك ( واطلق في المبسوط : ان التصرف فيها ) اى في الأرض المفتوحة

ص: 345

لا ينفذ .

وقال ابن إدريس : انما نبيع ونوقف تحجيرنا وبنائنا وتصرفنا ، لا نفس الأرض ، انتهى .

وقد ينسب إلى الدروس التفصيل بين زماني الغيبة والحضور ، فيجوز التصرف في الأول ولو بالبيع والوقف ، لا في الثاني الا باذن الإمام عليه السلام .

وكذا إلى جامع المقاصد ، وفي النسبة نظر ، بل الظاهر موافقتهما لفتوى جماعة من جواز التصرف فيه في زمان الغيبة ، باحداث الآثار وجواز

_________________________

عنوة ( لا ينفذ ) واطلاقه شامل لحالى الحضور والغيبة .

( وقال ابن إدريس : انما نبيع ونوقف تحجيرنا وبنائنا وتصرفنا ) اى آثار التصرف كالبناء وما أشبه ( لا نفس الأرض ، انتهى ) كلام الشهيد .

( وقد ينسب إلى الدروس التفصيل بين زماني الغيبة والحضور ، فيجوز التصرف في الأول ) زمان الغيبة ( ولو بالبيع والوقف ، لا في الثاني ) اى زمان الحضور ( الا باذن الإمام عليه السلام ) .

ولعل الوجه الإباحة منهم عليه السلام في زمان الغيبة ، دون زمان الحضور الّذي يكون الامام هو المرجع ، ويكون كل شيء يعمل به حسب قاعدته الأولية .

( وكذا ) نسب هذا التفصيل ( إلى جامع المقاصد ، وفي النسبة ) إليهما ( نظر ، بل الظاهر ) من كلاهما ( موافقتهما لفتوى جماعة ) من الفقهاء ( من جواز التصرف فيه في زمان الغيبة ، باحداث الآثار وجواز

ص: 346

نقل الأرض تبعا للآثار فيفعل ذلك بالأرض تبعا للآثار ، والمعنى انها مملوكة ما دام الآثار موجودة ، قال في المسالك في شرح قول المحقق : ولا يجوز بيعها ولا هبتها ولا وقفها انتهى : ان المراد لا يصح ذلك في رقبة الأرض مستقلة ، اما فعل ذلك بها تبعا لآثار التصرف من بناء وغرس وزرع ونحوها فجائز على الأقوى قال : فإذا باعها بائع مع شيء من هذه الآثار دخلت في المبيع على سبيل التبع ، وكذا الوقف ، وغيره ويستمر كذلك

_________________________

نقل الأرض تبعا للآثار )

وعلى هذا ( ف ) رأيها انه ( يفعل ذلك ) النقل والانتقال ( بالأرض تبعا للآثار ، والمعنى ) التصرف تبعا للآثار ( انها مملوكة ما دام الآثار موجودة ) لا انها تملك كما نسب إلى الشهيد والمحقق الثاني ، ( قال في المسالك في شرح قول المحقق : ولا يجوز بيعها ولا هبتها ولا وقفها ، انتهى : ان المراد لا يصح ذلك في رقبة الأرض مستقلة ) بان تكون الأرض بالذات محل هذه الأمور ( اما فعل ذلك ) للمتصرف ( بها ) اى بالأرض ( تبعا لآثار التصرف ) التي أوجد تلك الآثار في الأرض ( من بناء وغرس ) كالأشجار ( وزرع ) كالحنطة والشعير ( ونحوها ) كشق الأنهار ، وحفر الآبار ( فجائز على الأقوى )

ثم ( قال : فإذا باعها ) اى الأرض ( بائع مع شيء من هذه الآثار دخلت ) الأرض ( في المبيع على سبيل التبع ) للآثار ( وكذا الوقف ) فإنه إذا وقف دخلت الأرض تبعا للأشجار والابنية ( وغيره ) كالصلح والهبة ، وسائر التصرفات الناقلة ( ويستمر ) التصرف ( كذلك ) كما

ص: 347

ما دام شيء من الآثار باقيا ، فإذا ذهبت اجمع ، انقطع حق المشترى ، والموقوف عليه ، وغيرهما عنها ، هكذا ذكره جمع ، وعليه العمل ، انتهى .

نعم : ربما يظهر من عبارة الشيخ في التهذيب جواز البيع والشراء في نفس الرقبة ، حيث قال : ان قال قائل ان ما ذكرتموه انما دل على إباحة التصرف في هذه الأرضين ، ولا يدل على صحة تملكها بالشراء والبيع ، ومع عدم صحتها لا يصح ما يتفرع عليهما .

قلنا : انا قد قسّمنا الأرضين على ثلاثة أقسام ارض اسلم أهلها عليها فهي ملك لهم ، يتصرفون فيها

_________________________

تصرف ( ما دام شيء من الآثار باقيا ، فإذا ذهبت ) الآثار ( اجمع ، انقطع حق المشترى ، و ) حق ( الموقوف عليه ، وغيرهما عنها ) كالموهوب له ، والمرأة إذا جعلت الأرض صد اقالها ، والمصالح معه إلى غير ذلك ( هكذا ذكره جمع ، وعليه العمل ، انتهى ) كلام المسالك .

( نعم : ربما يظهر من عبارة الشيخ في التهذيب جواز البيع والشراء في نفس الرقبة ، حيث قال : ان قال قائل ان ما ذكرتموه ) من الكلام حول الأرض المفتوحة عنوة ( انما دل على إباحة التصرف في هذه الأرضين ، ولا يدل على صحة تملكها بالشراء والبيع ، ومع عدم صحتها ) اى البيع والشراء ( لا يصح ما يتفرع عليهما ) من التصرفات المالكية كالوقف والصلح والهبة وجعلها صداقا وجعالة وما أشبه .

( قلنا : انا قد قسّمنا الأرضين على ثلاثة أقسام )

الأول ( ارض اسلم أهلها عليها فهي ملك لهم ، يتصرفون فيها )

ص: 348

وارض يؤخذ عنوة أو يصالح أهلها عليها ، فقد أبحنا شرائها وبيعها ، لان لنا في ذلك قسما ، لأنها أراضي المسلمين .

وهذا القسم أيضا يصح الشراء والبيع فيه على هذا الوجه .

واما الأنفال ، وما يجرى مجراها فلا يصح تملكها بالشراء ، وانما أبيح لنا التصرف فيها حسب .

ثم استدل على أراضي الخراج ، برواية أبى بردة السابقة الدالة

_________________________

تصرف الملاك في املاكهم .

( و ) الثاني ( ارض يؤخذ ) من الكفار ( عنوة ) وقهرا ( أو يصالح أهلها عليها ، فقد أبحنا شرائها وبيعها ، لان لنا في ذلك قسما لأنها أراضي المسلمين ) ونحن مسلمون ، فلنا فيها قسما ، وحيث إن لنا قسما صح ان نتصرف فيها تصرف الملاك .

والمراد بالصلح الصلح على أن تكون الأرض للمسلمين ، لا أن تكون الأرض لهم .

( وهذا القسم أيضا يصح الشراء والبيع فيه على هذا الوجه ) اى وجه كونها لنا قسما فيها .

( واما ) القسم الثالث من الأرض وهي ( الأنفال ، وما يجرى مجراها ) من الأراضي التي هي للإمام عليه السلام ( فلا يصح تملكها بالشراء ، وانما أبيح لنا التصرف فيها حسب ) اى فقط .

( ثم استدل ) الشيخ ( على أراضي الخراج ) وانه يجوز بيعها ( برواية أبى بردة السابقة الدالة

ص: 349

على جواز بيع آثار التصرف دون رقبة الأرض .

ودليله قرينة على توجيه كلامه .

وكيف كان فما ذكروه من حصول الملك ، تبعا للآثار مما لا دليل عليه ان أرادوا الانتقال .

نعم : المتيقن هو ثبوت حق الاختصاص للمتصرف ، ما دام شيء من الآثار موجودا .

فالذي ينبغي ان يصرف الكلام إليه ، هو بيان الوجه الّذي يجوز

_________________________

على جواز بيع آثار التصرف دون رقبة الأرض ) .

( و ) لكن لا يخفى ان ما ذكرناه بقولنا : نعم ، غير تام ، إذ : ظاهر اوّل كلام الشيخ ، وان كان يستفيد منه جواز بيع أرض الخراج ، ولكن ( دليله ) اى دليل الشيخ ، وهو رواية أبى بردة ( قرينة على توجيه كلامه ) وانه انما أراد البيع تبعا للآثار ، لا بيع الرقبة ، إذ : رواية أبى بردة لا تدل على بيع الرقبة .

( وكيف كان فما ذكروه من حصول الملك ) للأرض المفتوحة عنوة ( تبعا للآثار ، مما لا دليل عليه ، ان أرادوا الانتقال ) اى انتقال الأرض إلى المشترى .

( نعم : المتيقن ) من الأدلة ( هو ثبوت حق الاختصاص ) فالأرض تبعا للآثار تختص ( للمتصرف ، ما دام شيء من الآثار موجودا ) وفرق بين حق الاختصاص ، وبين الملكية الموقتة .

( فالذي ينبغي ان يصرف الكلام إليه ، هو بيان الوجه الّذي يجوز

ص: 350

التصرف معه ، حتى يثبت حق الاختصاص .

فنقول : اما في زمان الحضور والتمكن من الاستيذان ، فلا ينبغي الاشكال في توقف التصرف على اذن الامام ، لأنه ولىّ المسلمين ، فله نقلها عينا ، ومنفعة .

ومن الظاهر : ان كلام الشيخ المطلق في المنع عن التصرف محمول على صورة عدم اذن الإمام عليه السلام مع حضوره .

واما في زمان الغيبة ، ففي عدم جواز التصرف الا في ما أعطاه السلطان

_________________________

التصرف معه ) اى مع ذلك الوجه ( حتى يثبت حق الاختصاص ) إذ : نفس حق الاختصاص أيضا يحتاج إلى دليل .

( فنقول : اما في زمان الحضور والتمكن من الاستيذان ، فلا ينبغي الاشكال في توقف التصرف على اذن الامام ، لأنه ولى المسلمين ، فله نقلها ) اى الأرض المفتوحة ( عينا ) كان يبيعها للمشترى ( ومنفعة ) كان يؤجرها .

( ومن الظاهر : ان كلام الشيخ ) المتقدم ( المطلق في المنع عن التصرف ) في المفتوحة ( محمول على صورة عدم اذن الإمام عليه السلام مع حضوره )

وانما نقول بهذا الظاهر : لان الفقهاء - حتى الشيخ نفسه - لا يقولون بالمنع عن التصرف مطلقا في حال الغيبة .

( واما في زمان الغيبة ، ففي عدم جواز التصرف ) في المفتوحة ( الا في ما أعطاه السلطان

ص: 351

الّذي حلّ قبول الخراج والمقاسمة منه ، أو جوازه مطلقا ، نظرا إلى عموم ما دل على تحليل مطلق الأرض للشيعة ، لا خصوص الموات التي هي مال الإمام عليه السلام .

وربما يؤيده جواز قبول الخراج الّذي هو كأجرة الأرض ، فيجوز التصرف في عينها مجانا .

أو عدم جوازه الا بإذن الحاكم الّذي هو نائب الامام .

_________________________

الّذي حلّ ) باذن الامام للشيعة ( قبول الخراج والمقاسمة منه ) الخراج المقدار الخاص المضروب على الأرض ، كعشرة دنانير كل عام ، والمقاسمة الحصة الخاصة من الحاصل ، كالثلث - مثلا - ( أو جوازه ) اى التصرف ( مطلقا ، نظرا إلى عموم ما دل على تحليل مطلق الأرض للشيعة ) الشامل ذلك الاطلاق للمفتوحة عنوة ( لا خصوص الموات التي هي مال الإمام عليه السلام )

ومن المعلوم : ان للامام الحق لان يبيح الأرض المفتوحة ، لان كل شيء لهم ، والامر امرهم .

( وربما يؤيده ) اى جواز التصرف مطلقا ( جواز قبول الخراج الّذي هو كأجرة الأرض ) اى ان يتقبل الشيعي الخراج لنفسه ما دام الامام غائبا ، فلا يدفعه مع العلم ان الخراج كأصل الأرض للمسلمين ، فإذا جاز إباحة الامام للخراج ، جاز اباحته لأصل الأرض ، فتأمل .

( فيجوز التصرف في عينها ) اى المفتوحة ( مجانا ) وبلا خراج .

( أو عدم جوازه الا بإذن الحاكم الّذي هو نائب الامام ) فحاله حال المنسوب عنه في صلاحيته لان يجيز ، اما بدون اذنه فلا يجوز هذا مقابل

ص: 352

أو التفصيل بين من يستحق اجرة هذه الأرض فيجوز له التصرف فيها ، لما يظهر من قوله عليه السلام للمخاطب في بعض اخبار حلّ الخراج « وان لك نصيبا في بيت المال »

وبين غيره الّذي يجب عليه حق الأرض .

ولذا أفتى غير واحد - على ما حكى - بأنه لا يجوز حبس الخراج وسرقته عن السلطان الجائر والامتناع عنه .

_________________________

اطلاق جواز التصرف بدون اذنه الّذي قاله به المحقق القمي والنراقي الكبير ، وابنه ، وغيرهم .

( أو التفصيل بين من يستحق اجرة هذه الأرض ) المفتوحة كالمسلمين ( فيجوز له التصرف فيها ، لما يظهر من قوله عليه السلام للمخاطب في بعض اخبار حلّ الخراج وان لك نصيبا في بيت المال ) مما يفهم منه ان كل من له نصيب في بيت المال جاز له ان يتصرف فيه ، والمناط موجود في الأرض .

( وبين غيره الّذي يجب عليه حق الأرض ) فلا يجوز له التصرف الا بإذن الحاكم .

( ولذا أفتى غير واحد - على ما حكى - بأنه لا يجوز حبس الخراج وسرقته عن السلطان الجائر والامتناع عنه ) اى عن اعطاء الخراج ، فيدل ذلك على أن من لا حق له في الخراج لا يجوز له ان يتصرف في الأرض اعتباطا وبدون خراج واذن من الحاكم الشرعي .

ص: 353

واستثنى بعضهم ما إذا دفعه إلى نائب الامام \" ع \" أو بين ما عرض له الموت من الأرض المحياة حال الفتح ، وبين الباقية على عمارتها من حين الفتح .

فيجوز احياء الأول لعموم أدلة الاحياء ، وخصوص رواية سليمان بن خالد وجوه أو فقها بالقواعد : الاحتمال الثالث ، ثم الرابع ، ثم الخامس

_________________________

( واستثنى بعضهم ) من عدم جواز منعه عن الجائر صورة ( ما إذا دفعه إلى نائب الامام \" ع \" أو ) التفصيل ( بين ما عرض له الموت من الأرض المحياة حال الفتح ) الاسلامي ( وبين الباقية على عمارتها من حين الفتح ) فالعامرة بعد الخراب ملحقة بما عرض له الموت .

والحاصل : ان المناط استمرار الحياة ، لا الحياة حالا .

( فيجوز احياء الأول ) اى ما عرض له الموت بدون خراج ( لعموم أدلة الاحياء ، وخصوص رواية سليمان بن خالد ) المتقدمة المطلقة لعمارة الأرض الخربة الشاملة للمفتوحة وغيرها ونحوها ، من سائر الروايات الدالة مطلقا على احياء الموات .

بخلاف الثاني اى الباقية على عمارتها ، فإنه للمسلمين ويجب مراجعة الحاكم الشرعي بشأنها ( وجوه ) مبتداء لقوله المتقدم : ففي عدم جواز الخ ، .

( أو فقها بالقواعد : الاحتمال الثالث ) وهو عدم جواز التصرف الا باذن الامام ، لأنه نائب عنه عليه السلام ( ثم الرابع ) لما تقدم من الدليل وان له حقا ( ثم الخامس ) وهو التفصيل بين الموات والمحياة .

ص: 354

ومما ذكرنا يعلم حال ما ينفصل من المفتوح عنوة كأوراق الأشجار وأثمارها ، وأخشاب الابنية ، والسقوف الواقعة ، والطين المأخوذ من سطح الأرض ، والجص ، والحجارة ، ونحو ذلك ، فان مقتضى القاعدة كون ما يحدث بعد الفتح من الأمور المنقولة ملكا للمسلمين .

ولذا صرح جماعة - كالعلامة والشهيد والمحقق الثاني وغيرهم ، على ما حكى عنهم - بتقييد جواز رهن أبنية الأرض المفتوحة عنوة بما إذا لم تكن الآلات من تراب الأرض .

_________________________

ووجه الترجيح بين هذه الأقوال ، قوة دليل كل سابق على لاحقه

( ومما ذكرنا ) من الأقوال ( يعلم حال ما ينفصل من المفتوح عنوة كأوراق الأشجار ) الثابتة في الأراضي المفتوحة ( وأثمارها ، وأخشاب الابنية ) المتخذة من الأشجار ، والتي كانت في البلاد حال الفتح ( والسقوف الواقعة ، والطين المأخوذ من سطح الأرض ، والجص ، والحجارة ، ونحو ذلك ، فان مقتضى القاعدة كون ما يحدث بعد الفتح من الأمور المنقولة ) كالأشجار والأخشاب والجص وما أشبه ( ملكا للمسلمين ) تبعا لأصل الأرض ، .

إذ : ما يحدث من الأرض تابع لأصل الأرض ، الا إذا كان هناك دليل على الفرق .

( ولذا صرح جماعة - كالعلامة والشهيد والمحقق الثاني وغيرهم ، على ما حكى عنهم - بتقييد جواز رهن أبنية الأرض المفتوحة عنوة ، بما إذا لم تكن الآلات ) اى آلات البناء ( من تراب الأرض ) والا كان

ص: 355

نعم : الموجودة فيها حال الفتح للمقاتلين ، لأنه مما ينقل .

وحينئذ فمقتضى القاعدة : عدم صحة اخذها الا من السلطان الجائر أو من حاكم الشرع مع امكان ان يقال : لا مدخل لسلطان الجور لان القدر المأذون في تناوله منه منفعة الأرض ، لا اجزائها الا ان يكون الاخذ على وجه الانتفاع ، لا التملك ،

_________________________

حكم الآلات حكم أصل الأرض في عدم جواز رهنها ، كما لا يجوز رهن أصل الأرض المفتوحة .

( نعم : الموجودة فيها ) اى في الأرض من الأمور المنقولة كالأخشاب الواقعة ، والأوراق الساقطة ، وما أشبه ( حال الفتح للمقاتلين ) بعد اخراج الخمس منها ( لأنه ) اى الموجود ( مما ينقل ) .

( وحينئذ ) اى حين كانت الآلات تابعة لأصل الأرض ( فمقتضى القاعدة : عدم صحة اخذها الا من السلطان الجائر ) لان الإمام عليه السلام اذن للشيعة في معاملة الجائر كمعاملة العادل تسهيلا على الشيعة ( أو من حاكم الشرع ) لأنه نائب الإمام عليه السلام ( مع امكان ان يقال ) باختصاص الجواز بحاكم الشرع فقط .

إذ : ( لا مدخل لسلطان الجور ) في الآلات ( لان القدر المأذون في تناوله ) إلى تناول ذلك القدر ( منه ) اى من سلطان الجور ( منفعة الأرض ) بالزراعة وما أشبه ( لا اجزائها ) ففي الاجزاء يرجع إلى اصالة عدم الجواز ، الا بالطريق الشرعي الأولى وهو الحاكم الشرعي ( الا ان يكون الأخذ ) للآلات من الجائر ( على وجه الانتفاع ، لا التملك ) مثلا :

ص: 356

فيجوز .

ويحتمل كون ذلك بحكم المباحات ، لعموم من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به .

ويؤيده بل يدل عليه ، استمرار السيرة خلفا عن سلف على بيع الأمور المعمولة من تربة ارض العراق ، من الآجر ، والكوز ، والأواني ، وما عمل من التربة الحسينية .

ويقوى هذا الاحتمال

_________________________

ان يأخذ الأخشاب للانتفاع بها مدة في العروش ، وما أشبه ( فيجوز ) الاخذ من السلطان الجائر ، لان الانتفاع باجزاء الأرض كالانتفاع بأصل الأرض داخل في اجازتهم عليهم السلام للشيعة في التعامل يشأنها مع الحاكم الجائر .

( ويحتمل كون ذلك ) اى الآلات لا تحتاج إلى اذن الجائر ، ولا اذن النائب ، ولا يكون الامر خاصا بالانتفاع ، لا التملك بها ، بل أن تكون ( بحكم المباحات ، لعموم : من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به ) بعد انصراف أدلة الأرض المفتوحة إلى عين الأرض ، لا ما ينفصل منها .

( ويؤيده ) اى كون الآلات من المباحات الأصلية ( بل يدل عليه ، استمرار السيرة خلفا عن سلف على بيع الأمور المعمولة من تربة ارض العراق ، من الآجر ، والكوز ، والأواني ، وما عمل من التربة الحسينية ) كالسبحة والتربة ، وكذلك بيع الأخشاب والأوراق وما أشبه

( ويقوى هذا الاحتمال ) اى كون الاجزاء من المباحات من حيث

ص: 357

بعد انفصال هذه الاجزاء من الأرض .

[ مسألة من شروط العوضين كونه طلقا ]

واعلم : انه ذكر الفاضلان وجمع ممن تأخر عنهما في شروط العوضين بعد الملكية ، كونه طلقا ، وفرعوا عليه عدم جواز بيع الوقف الا فيما استثنى ، ولا الرهن الا بإذن المرتهن ، أو اجازته ، ولا أمّ الولد الا في المواضع المستثناة .

والمراد بالطلق تمام السلطنة على الملك

بحيث يكون للمالك ان يفعل

_________________________

الحكم ( بعد انفصال هذه الاجزاء من الأرض ) اى ما دامت الاجزاء تكون جزء الأرض لم تكن بحكم المباحات .

اما إذا انفصلت فاحتمال كونها أصبحت من المباحات قوى جدا ، لان الأرض المفتوحة التي حكمها عدم البيع والشراء منصرفة عن هذه الأجزاء المنفصلة .

( واعلم : انه ذكر الفاضلان وجمع ممن تأخر عنهما في شروط العوضين بعد ) شرط ( الملكية ، كونه طلقا ، وفرعوا عليه ) اى على اشتراط الطلقية ( عدم جواز بيع الوقف ) الذرى الّذي هو ملك للذرية ( الا فيما استثنى ) من الموارد التي ورد الدليل على جواز بيع الوقف ( ولا الرهن الا بإذن المرتهن ) صاحب الدار مثلا ، مقدما ( أو اجازته ) مؤخرا ( ولا أمّ الولد الا في المواضع المستثناة ) التي يجوز بيع أمّ الولد فيها ، .

فان الوقف والمرهون وأمّ الولد ، وان كانت ملكا ، لكنها ليست طلقا .

( والمراد بالطلق تمام السلطنة على الملك ، بحيث يكون ) ويجوز شرعا ( للمالك ان يفعل

ص: 358

بملكه ما شاء ، ويكون مطلق العنان في ذلك .

لكن هذا المعنى في الحقيقة راجع إلى كون الملك مما يستقل المالك بنقله ، ويكون نقله ماضيا فيه لعدم تعلق حق به مانع عن نقله بدون اذى ذي الحق فمرجعه إلى أن من شرط البيع ان يكون متعلقه مما يصح للمالك بيعه مستقلا ، وهذا لا محصل له .

_________________________

بملكه ما شاء ، ويكون مطلق العنان في ذلك ) التصرف الّذي يشاءه ومطلق العنان تشبيه بالفرس الّذي اطلق مالكه عنانه فيذهب حيث شاء بدون مانع .

( لكن هذا المعنى ) للطلق ( في الحقيقة ) راجع إلى عدم المانع في الملك ، فليس شرطا زائدا ، إذ هو ( راجع إلى كون الملك مما يستقل المالك بنقله ، ويكون نقله ) اى نقل المالك ( ماضيا ) ونافذا ( فيه ) اى في الملك ( لعدم تعلق حق به ) اى بالملك ( مانع عن نقله بدون اذن ذي الحق ) : بدون ، متعلق ب : نقله ، كحق أمّ الولد بذاتها ، وحق الراهن بالرهن ( فمرجعه ) اى اشتراط طلقية الملك ( إلى أن من شرط البيع ان يكون متعلقه ) اى الشيء الّذي يقع عليه البيع ( مما يصح للمالك بيعه مستقلا ) بدون احتياج المالك إلى اخذ موافقة شخص آخر ( وهذا ) الشرط مما ( لا محصل له ) لما عرفت من أن هذا الشرط راجع إلى عدم المانع ، ومن الواضح ان كل موضوع مشروط بعدم المانع في ترتب الحكم على ذلك الموضوع .

ص: 359

فالظاهر : ان هذا العنوان ليس في نفسه شرط ليتفرع عليه عدم جواز بيع الوقف ، والمرهون ، وأمّ الولد ، بل الشرط في الحقيقة انتفاء كل من تلك الحقوق الخاصة ، وغيرها مما ثبت منعه عن تصرف المالك ، كالنذر والخيار ، ونحوهما ، وهذا العنوان منتزع من انتفاء تلك الحقوق

فمعنى الطلق ان يكون المالك مطلق العنان في نقله غير محبوس عليه لاحد الحقوق التي ثبت منعها للمالك عن التصرف في ملكه ، فالتعبير

_________________________

( فالظاهر : ان هذا العنوان ) اى عنوان الطلق ( ليس في نفسه شرط ليتفرع عليه عدم جواز بيع الوقف ، والمرهون ، وأمّ الولد ، بل الشرط في الحقيقة انتفاء كل من تلك الحقوق الخاصة ) اى الرهنية والوقفية والأمية ( وغيرها ) ككونه منذورا أو جانيا ، أو ما أشبه ( مما ثبت منعه ) اى منع ما ثبت من الحقوق الخاصة ( عن تصرف المالك ، كالنذر ) حيث يشترط ان لا يكون البيع منذورا ( والخيار ) بان لا يكون لأجنبي خيار في البيع ( ونحوهما ) كما يشترط ان لا يكون عبدا جانيا حيث يتعلق بالجانى حق المجنى عليه ( وهذا العنوان ) اى عنوان الطلق ( منتزع من انتفاء تلك الحقوق ) لا ان الطلق عنوان وجودي بنفسه .

( فمعنى الطلق ) - بناء على كونه عنوانا منتزعا - ( ان يكون المالك مطلق العنان في نقله ) للمبيع ( غير محبوس عليه ) اى على المالك حبسا ( ل ) اجل ( أحد الحقوق التي ثبت منعها للمالك عن التصرف في ملكه ) .

وبناء على كون الطلقية عنوانا منتزعا ( فالتعبير

ص: 360

بهذا المفهوم المنتزع ، تمهيد لذكر الحقوق المانعة عن التصرف ، لا تأسيس لشرط ، ليكون ما بعده فروعا بل الامر في الفرعية والاصالة بالعكس ، .

[ الحقوق المانعة من تصرف المالك في ملكه ]

ثم : ان أكثر من تعرض لهذا الشرط لم يذكر من الحقوق الا الثلاثة المذكورة .

ثم عنونوا حق الجاني ، واختلفوا في حكم بيعه ، وظاهران الحقوق المانعة أكثر من هذه الثلاثة ، أو الأربعة ، وقد أنهاها بعض من عاصرناه

_________________________

بهذا المفهوم المنتزع ) اى كونه طلقا ( تمهيد لذكر الحقوق المانعة عن التصرف ) في المال ( لا ) ان الطلق ( تأسيس لشرط ، ليكون ما بعده فروعا ) فليس كونه غير مرهون فرعا على كونه مطلقا - مثلا - ( بل الامر في الفرعية والاصالة بالعكس ) الأصل هو كونه غير مرهون - مثلا - والفرع كونه طلقا ، إذ : الطلق منتزع عن كونه غير مرهون ، لا كما ذكر العلامة وغيره ، من : ان الأصل كونه طلق ، والفرع كونه غير مرهون .

( ثم : ان أكثر من تعرض لهذا الشرط ) اى شرط كونه طلقا ( لم يذكر من الحقوق ) المانعة عن الطلقية ( الا الثلاثة المذكورة ) الرهن ، وأمّ الولد ، والوقف .

( ثم عنونوا حق الجاني ) اى حق المجنى عليه في العبد الجاني ( واختلفوا في حكم بيعه ) اى الجاني بدون إجازة المجنى عليه ( وظاهر ان الحقوق المانعة ) من البيع ( أكثر من هذه الثلاثة ، أو الأربعة وقد أنهاها بعض من عاصرناه ) وهو صاحب المقابيس

ص: 361

إلى أزيد من عشرين ، فذكر - بعد الأربعة المذكورة في عبارة الأكثر - النذر المتعلق بالعين قبل البيع ، والخيار المتعلق به والارتداد ، والحلف على عدم بيعه ، وتعيين الهدى للذبح ، واشتراط عتق العبد في عقد لازم ، والكتابة المشروطة ،

_________________________

( إلى أزيد من عشرين فذكر - بعد الأربعة المذكورة في عبارة الأكثر - ) في ، متعلق ب : المذكورة ، ( النذر المتعلق بالعين قبل البيع ) كما لو نذر ان جاء ولده اعطى كتابه صدقة ، ثم جاء ولده فان النذر تعلق بالعين قبل ان يبيعها إذ جاء ولده ، اما إذا لم يتعلق النذر بعد بالعين ، كما لو لم يأت ولده بعد ، وأراد بيع الكتاب فهو مسئلة أخرى ( والخيار المتعلق به ) كما لو اشترى زيد فرسا بخيار للبائع ، ثم أراد بيع الفرس قبل سقوط خيار البائع ( والارتداد ) بان ارتد العبد ، فكان حكمه القتل فباعه مالكه ( والحلف على عدم بيعه ) بان حلف ان لا يبيع كتابه - مثلا - ثم باعه ( وتعيين الهدى للذبح ) بان ساق الهدى ، فإنه معين للذبح ، ثم أراد بيعه ( واشتراط عتق العبد في عقد لازم ) كما لو اشترى العبد واشترط عليه البائع عتقه ، ثم باعه المشترى ولم يف بشرط عتقه ( والكتابة المشروطة ) مقابل الكتابة المطلقة ، .

والأولى ان يكاتب العبد على مائة - مثلا - بحيث انه لو وفي الجميع اعتق ، ثم وفي العبد البعض ، وقبل وفائه بالباقي باعه المولى .

اما المكاتبة المطلقة فإذا وفى العبد جزءا من المال لم يكن للمولى

ص: 362

أو المطلقة بالنسبة إلى ما لم يتحرر منه ، حيث إن المولى ممنوع عن التصرف باخراجه عن ملكه قبل الأداء ، والتدبير المعلق على موت غير المولى - بناء على جواز ذلك - فإذا مات المولى ولم يمت من علق عليه العتق ، كان مملوكا للورثة ، ممنوعا من التصرف فيه ، وتعلق حق الموصى له بالموصى به بعد موت الموصى ، وقبل قبوله - بناء على منع الوارث من التصرف قبله - وتعلق حق الشفعة بالمال

_________________________

بيعه ، لأنه يتحرر بمقدار وفائه من المال ( أو ) الكتابة ( المطلقة بالنسبة إلى ما لم يتحرر منه ) اى من العبد ، كما لو وفى العبد نصف المال فأراد المولى بيع نصفه الآخر الّذي يملكه المولى بعد ( حيث إن المولى ممنوع عن التصرف ) في العبد المكاتب ( باخراجه عن ملكه قبل الأداء ) لمال الكتابة ( والتدبير المعلق على موت غير المولى ) كما لو قال لعبده : أنت حر دبر وفاة زيد ( بناء على جواز ذلك ) التدبير ،

إذ : التدبير الجائز قطعا ما كان معلقا على موت المولى ( فإذا مات المولى ولم يمت من علق عليه العتق ، كان ) العبد ( مملوكا للورثة ، ممنوعا من التصرف فيه ) حتى يموت المعلق على موته فينعتق العبد ( وتعلق حق الموصى له ) كزيد ( بالموصى به ) كالكتاب ( بعد موت الموصى ) كمحمد ( وقبل قبوله ) اى الموصى له ( بناء على منع الوارث من التصرف قبله ) اى قبل الموصى به ، فإذا أوصى محمد ان يعطى كتابه - بعد موته - لزيد ثم مات محمد ، وزيد لم يقبل الوصية بعد ، يمنع الورثة عن التصرف في الكتاب حتى يرد زيد الوصية ( وتعلق حق الشفعة بالمال ) فإنه إذا كان

ص: 363

فإنه مانع من لزوم التصرفات الواقعة من المالك ، فللشفيع - بعد الاخذ بالشفعة - ابطالها وتغذية الولد المملوك بنطفة سيّده فيما إذا اشترى أمة حبلى ، فوطئها ، فاتت بالولد بناء على عدم جواز بيعها وكونه مملوكا ولد من حر شريك في أمه حال الوطي فإنه مملوك له لكن ليس له التصرف فيه الا بتقويمه واخذ قيمته

_________________________

هناك شريكان في دار - مثلا - فباع أحدهما حصته لزيد ، كان للشريك الآخر الاخذ بالشفعة ، بان يأخذ الدار من المشترى ويسلمه ما دفع من الثمن إلى البائع ، فان المشترى ممنوع من التصرف في النصف قبل اخذ الشريك بالشفعة ، أو اسقاطه لحقه ( فإنه ) اى حق الشفعة ( مانع من لزوم التصرفات الواقعة من المالك ) اى المشترى ( فللشفيع ) اى الشريك ( بعد الاخذ بالشفعة ابطالها ) اى ابطال تلك التصرفات ( وتغذية الولد المملوك بنطفة سيده فيما إذا اشترى أمة حبلى ) بالشروط المذكورة في محله من كتاب البيع ( فوطئها ) المشترى ( فاتت ) المرأة ( بالولد ) فان الولد تغذى بنطفة السيد ( بناء على عدم جواز بيعها ) اى بيع أمّ الولد ( وكونه مملوكا ) اى كون الولد مملوكا ( ولد من حر شريك في أمه حال الوطي ) بان كان هناك شريكان في أمة ، فوطئ أحدهما الأمة بدون اذن الشريك ، فان الولد ينعقد مملوكا للشريك غير الواطئ ، لكنه لا يتمكن من بيعه الا من الشريك الواطئ ( فإنه ) اى الولد ( مملوك له ) اى للشريك غير الواطئ ( لكن ليس له التصرف فيه ) اى في الولد ( الا بتقويمه ) اى تعيين قيمته ( واخذ قيمته ) من الواطئ .

ص: 364

وتعارض السبب الملك والمزيل للملك ، كما لو قهر حربي أباه والغنيمة قبل القسمة ، بناء على حصول الملك بمجرد الاستيلاء دون القسمة لاستحالة بقاء الملك بلا مالك وغير ذلك ،

_________________________

ولا يخفى ان قوله : وكونه مملوكا ، مثال جديد لا يرتبط ب : وتغذية الولد ، الخ ، ( وتعارض السبب الملك ) اى القهر والغلبة ( و ) السبب ( المزيل للملك ) اى القرابة والنسب ( كما لو قهر حربي أباه ) واخذه عبدا لنفسه ، فان القهر يوجب الملك فيما لو كان الأب حربيا ، أو كان في شريعتهم يجوز ذلك بمقتضى : الزموهم بما التزموا به ،

كما أن القرابة توجب عدم الملك ، لان الانسان لا يملك عموديه .

فان تعارض السببين يوجب عدم تمكن الحربي من بيع أبيه ( والغنيمة قبل القسمة ) فان المسلمين لو اغتنموا من الكفار غنيمة لكنها لم تقسم بعد بينهم ، تكون الغنيمة ملكا لهم ، لكن لا يجوز لأحدهم بيع حصته ( بناء على حصول الملك بمجرد الاستيلاء ) على أموال الكفار ( دون القسمة ) اى ليس السبب المملك القسمة ، بل الاستيلاء ( لاستحالة بقاء الملك بلا مالك ) .

هذا علة لقوله : بمجرد الاستيلاء ، إذ : لو قلنا : بان الملك للمسلمين انما يحصل للقسمة ، يجب أن تكون الغنيمة بدون المالك بين الاستيلاء وبين القسمة ، لأنها بمجرد الاستيلاء تخرج عن ملك الكفار ، فإذا لم تدخل في ملك المسلمين الا بعد القسمة ، بقي الملك بلا مالك في هذه القطعة من الزمان ( وغير ذلك ) من أمثلة الملك المحجور ، كتعلق

ص: 365

مما سيقف عليه المتتبع ،

لكنا نقتصر على ما اقتصر عليه الأصحاب من ذكر الوقف ، ثم أمّ الولد ، ثم الرهن ، ثم الجناية إن شاء الله .

_________________________

حق الغرماء بمال المفلس أو الميّت .

وتعلق حق المضمون له بالمال ، إذ : اشترط أداء الضمان منه .

وعدم تمامية السبب المملك في التبرعات ، كالهبة قبل القبض بناء على اشتراطه به - وعدم تمامية السبب المملّك في المعاوضات كالصرف قبل القبض - بناء على اشتراطه به - ( مما سيقف عليه المتتبع ) في كتب الأصحاب .

( لكنا نقتصر على ما اقتصر عليه الأصحاب من ذكر الوقف ، ثم الولد ثم الرهن ، ثم الجناية إن شاء الله ) تعالى .

وقد ذكر المصنف هذه الأربعة مفصّلا وذكر أربعة عشرة مجملا ، وذكرنا أربعة فهذه اثنان وعشرون .

لكن لا يخفى ان هناك موارد آخر داخلة اما في كليات ذكرت كالصدقة قبل القبض .

واما لم تذكروا لبحث في ذلك طويل جدا وانما المذكور هنا الأربعة فقط .

ص: 366

مسئلة لا يجوز بيع الوقف اجماعا محققا في الجملة ، ومحكيا ،

ولعموم قوله عليه السلام : الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها .

ورواية أبى علي بن راشد ، قال سألت أبا الحسن عليه السلام :

قلت جعلت فداك : انى اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي ، فلما عمرتها خبرت انها وقف ، فقال : لا يجوز شراء الوقف ، ولا تدخل الغلة في ملكك ادفعها إلى ما أوقفت عليه ، قلت : لا اعرف لها ربا ، قال : تصدق بغلتها .

وما ورد من حكاية وقف أمير المؤمنين عليه السلام ، وغيره من الأئمة

_________________________

( مسئلة : لا يجوز بيع الوقف اجماعا محققا ) لا منقولا فقط ( في الجملة ) متعلق بلا يجوز ( ومحكيا ) عن غير واحد ( ولعموم قوله عليه السلام :

الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها ) اى أهل الوقوف الذين يوقفون .

( ورواية أبى علي بن راشد ، قال سألت أبا الحسن عليه السلام :

قلت جعلت فداك : انى اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي ، فلما عمرتها خبرت ) بصيغة الماضي المجهول من باب التفعيل ( انها وقف ، فقال :

لا يجوز شراء الوقف ، ولا تدخل الغلة ) الحاصلة من تلك الأرض الموقوفة ( في ملكك ، ادفعها ) اى الأرض أو الغلة ( إلى ما أوقفت عليه ، قلت :

لا اعرف لها ربا ، قال : تصدق بغلتها ) فإنها صريحة في عدم جواز بيع الوقف ، وان البيع باطل .

( وما ورد من حكاية وقف أمير المؤمنين عليه السلام ، وغيره من الأئمة

ص: 367

صلوات الله عليهم أجمعين مثل ما عن ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله \" ع \" في صورة وقف أمير المؤمنين عليه السلام : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به علي بن أبي طالب \" ع \" وهو حي سوّى تصدق بداره التي في بنى زريق صدقة لاتباع ولا توهب ، حتى يرثها الله الّذي يرث السماوات والأرض ، واسكن فلانا هذه الصدقة ما عاش ، وعاش عقبه ، فإذا انقرضوا فهي لذوي الحاجة من المسلمين ، الخبر ، فان الظاهر من الوصف كونها صفة لنوع الصدقة ، لا لشخصها .

_________________________

صلوات الله عليهم أجمعين ) مما يدل على أن الوقف يبقى إلى الأبد ( مثل ما عن ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله \" ع \" في صورة وقف أمير المؤمنين عليه السلام : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به علي بن أبي طالب \" ع \" وهو حي سوّى ) هذان اللفظان للتأكيد - كما لا يخفى - وسوّى لعله بمعنى مستوى العقل ( تصدق بداره التي في بنى زريق صدقة لاتباع ولا توهب ، حتى يرثها الله الّذي يرث السماوات والأرض ) لعل المراد إلى حين قيام الساعة ( واسكن ) بالماضي اى على ابن أبي طالب عليه السلام ( فلانا هذه الصدقة ما عاش ، وعاش عقبه ) اى عقب فلان ( فإذا انقرضوا فهي لذوي الحاجة من المسلمين ) إلى آخر ( الخبر ، فان الظاهر من الوصف ) اى قوله : لاتباع ولا توهب ، ( كونها ) اى الصفة ( صفة لنوع الصدقة ) اى ان كل وقف هكذا مثل قولنا بيعا صحيحا عن تراض ، فان البيع الصحيح لا يكون الا عن تراض ( لا لشخصها ) فليس مثل : بيعا نقدا حتى يمكن ان يكون قسم آخر من الصدقة يمكن بيعها ،

ص: 368

ويبعد كونها شرطا خارجا عن النوع ، مأخوذا في الشخص مع أن سياق الاشتراط يقتضي تأخره عن ركن العقد اعني الموقوف عليهم خصوصا مع كونه اشتراطا عليهم .

مع أنه لو جاز البيع في بعض الأحيان كان اشتراط عدمه على الاطلاق فاسدا بل مفسدا ، لمخالفته للمشروع من جواز بيعه في بعض الموارد ،

_________________________

كما أن هناك بيعا آخر ليس بنقد .

( ويبعد كونها ) اى الصفة المذكورة وهي : لاتباع ولا توهب ، ( شرطا خارجا عن النوع ، مأخوذا في الشخص ) لا من مقومات الصدقة .

وهذا هو الظاهر العرفي من العبارة ( مع أن سياق الاشتراط ) لو كان شرطا لا مقوما ( يقتضي تأخره عن ركن العقد أعني الموقوف عليهم ) فاللازم ان يقال : صدقه لفلان بحيث لاتباع ، كما يقال : بعت الدار لزيد نقدا ، - مثلا - .

إذ : أركان الكلام تقدم على الزوائد والخصوصيات غالبا ( خصوصا مع كونه ) لو كان شرطا ( اشتراطا عليهم ) بخلاف ما لو كان مقوما للصدقة ، فليس شرطا عليهم ، بل بيانا لذات الصدقة .

( مع أنه لو جاز البيع في بعض الأحيان كان اشتراط عدمه ) اى عدم البيع ( على الاطلاق ) حتى حين جواز البيع ( فاسدا بل مفسدا ) للوقف أيضا ( لمخالفته ) اى هذا الشرط ( للمشروع من جواز بيعه في بعض الموارد ) : من ، متعلق بالمشروع ، فان الشرط المخالف للشرع فاسد

ص: 369

كدفع الفساد بين الموقوف عليهم ، أو رفعه ، أو طروّ الحاجة ، أو صيرورته مما لا ينتفع به أصلا .

الا ان يقال : ان هذا الاطلاق نظير الاطلاق المتقدم ، في رواية ابن راشد في انصرافه إلى البيع ، لا لعذر .

_________________________

مفسد على قول ، خلافا لمن لا يقول الا بفساده في نفسه ، وانه ليس بمفسد

ولا يخفى ما في كلام المتن من الاشكال .

ثم مثل المصنف بموارد جواز البيع بقوله : ( كدفع الفساد بين الموقوف عليهم ) الّذي ينشأ من الوقف ( أو رفعه )

فالأول : فيما كان محلا لوقوع الخلاف .

والثاني : فيما إذا وقع الخلاف بالفعل فاردنا رفعه ببيع الوقف ( أو طرو الحاجة ) اى عرض حاجة الواقف إلى البيع مما يأتي انه من موارد الاستثناء ( أو صيرورته ) اى الوقف ( مما لا ينتفع به أصلا ) كما سيأتي في المستثنيات .

( الا ان يقال : ان ) الوصف لو كان شرطا لم يضر ، إذ : لا يرد عليه الاشكال المتقدم إذ ( هذا الاطلاق ) الموجود في الوصف - اى اطلاق انه لا يباع ولا يوهب - ( نظير الاطلاق المتقدم ، في رواية ابن راشد ) حيث اطلق عليه السلام قوله : لا يجوز شراء الوقف ( في انصرافه إلى البيع لا لعذر )

فاطلاق الوصف في وقف أمير المؤمنين عليه السلام ، لو كان شرطا لا مقوما ليس موجبا للاشكال .

ص: 370

مع أن هذا التقييد مما لا بد منه على تقدير كون الصفة فصلا للنوع ، أو شرطا خارجيا .

مع احتمال علم الإمام بعدم طروّ هذه الأمور المبيحة .

وحينئذ يصح ان يستغنى بذلك عن التقييد على تقدير كون الصفة شرطا ،

_________________________

( مع ) ان الفرار إلى كون الوصف مقوما لا شرطا ، لا ينفع في دفع الاشكال .

ف ( ان هذا التقييد ) اى تقييد عدم البيع بعدم طروّ المستثنيات ( مما لا بد منه على تقدير كون الصفة ) اى : لا يباع ولا يوهب ( فصلا للنوع ) من قبيل الناطق للانسان ( أو شرطا خارجيا ) من قبيل جئنى بزيد العالم .

وانما كان هذا التقيد مما لا بد منه ، إذ : على كلا التقديرين يجوز بيع الوقف في صورة طروّ المستثنيات .

( مع ) انه يمكن ان نقول : بان الوصف ب : لا يباع ولا يوهب ، شرط خارجي ، وليس يستشكل عليه بطروّ المستثنيات ، ل ( احتمال علم الإمام ) أمير المؤمنين عليه السلام ( بعدم طروّ هذه الأمور المبيحة ) للبيع .

( وحينئذ ) اى حين قلنا بعلم الإمام عليه السلام ( يصح ان يستغنى بذلك ) اى بعلم للامام ( عن التقييد على تقدير كون الصفة شرطا ) إذ الشرط الّذي يعلم الشارط حصوله لا وجه لذكره ، كما لو علم الآمر بان العبد يأتيه بزيد العالم لم يكن يحتاج لان يقول : جئنى بزيد العالم ، بل يكفى ان يقول : جئنى بزيد - بدون ذكر العالم - إذ الوصف حينئذ مستغن

ص: 371

بخلاف ما لو جعل وصفا داخلا في النوع ، فان العلم بعدم طروّ مسوغات البيع في الشخص ، لا يغنى عن تقييد اطلاق الوصف في النوع - كما لا يخفى - .

_________________________

عنه ( بخلاف ما لو جعل ) القيد ( وصفا داخلا في النوع ) كالناطق بالنسبة إلى الانسان ( فان العلم بعدم طروّ مسوغات البيع في ) هذا ( الشخص ) الخاص من الوقف ( لا يغنى عن تقييد اطلاق الوصف ) الكائن ذلك الوصف ( في ) واقع ( النوع ) اى يقيد لفظا ، كما هو مقيد واقعا ، فيقول :

جئنى بالحيوان الناطق - مثلا - ( كما لا يخفى ) .

فتحصل : ان المصنف أولا ردّد الامر في : لا يباع ولا يوهب ، بين :

الشرط الخارجي ، فلا دلالة على أن كل وقف كذلك بحيث لا يباع ولا يوهب وبين : المفهوم الداخلي ، فيدل على أن من طبيعة الوقف عدم البيع والهبة ، .

ثم استدل على كون : لا يباع ، مقوما - لا وصفا خارجيا - بثلاث أدلة الأول : دعواه الظهور في كونه وصفا للنوع .

الثاني : قوله : مع أن سياق ، .

الثالث : قوله : مع أنه لو جاز ، .

وقوله : الا ان يقال : جواب عن الدليل الثالث .

كما أن قوله : مع أن هذا التقييد ، جواب آخر عنه .

وقوله : مع احتمال علم الإمام ، فهو ترق عن التساوي المستفاد مما قبله .

ص: 372

فظهر ان التمسك بإطلاق المنع على البيع على كون الوصف داخلا في أصل الوقف كما صدر عن بعض من عاصرناه ، لا يخلو عن نظر وان كان الانصاف ما ذكرنا من ظهور سياق الأوصاف في كونها أوصافا للنوع .

ومما ذكرنا ظهر : ان المانع عن بيع الوقف ، أمور ثلاثة حق الواقف حيث جعلها بمقتضى صيغة الوقف صدقة جارية ينتفع بها .

وحق البطون المتأخرة عن بطن البائع السابق .

_________________________

( فظهر ) من قولنا : الا ان يقال إلى هنا ( ان التمسك بإطلاق المنع على البيع ) في الرواية بناء ( على كون الوصف داخلا في أصل الوقف ) باستدلال ان الوصف حينئذ مقوّم للوقف ولا يكون وجود الوقف بدون هذا المقوّم ، ومهما وجد المقوّم لا يجوز البيع مهما تبدلت الحالات ( كما صدر عن بعض من عاصرناه لا يخلو عن نظر )

وجه الظهور : ان الاطلاق منصرف إلى البيع لا لعذر ، فلا ينافي البيع لعذر ( وان كان الانصاف ما ذكرنا من ظهور سياق الأوصاف في كونها أوصافا للنوع ) لا انها أوصاف لشخص الوقف الّذي وقفه الإمام عليه السلام .

( ومما ذكرنا ظهر : ان المانع عن بيع الوقف ، أمور ثلاثة )

الأول : ( حق الواقف حيث جعلها بمقتضى صيغة الوقف صدقة جارية ينتفع بها ) فقد حوّل الواقف حقه المطلق في هذا الملك إلى حق خاص ، فالتعدى عن الخصوصية خلاف حقه المطلق في الملك .

( و ) الثاني : ( حق البطون المتأخرة عن بطن البائع السابق ) :

عن ، متعلق ب : المتأخرة ، .

وانما جاء هذا الحق لان المالك الّذي كان له حق مطلق فوّض قسما من حقه إلى البطون .

ص: 373

والتعبد الشرعي المكشوف عنه بالروايات فان الوقف متعلق لحق الله ، حيث يعتبر فيه التقرب ، ويكون لله تعالى عمله ، وعليه عوضه وقد يرتفع بعض هذه الموانع فيبقى الباقي وقد يرتفع كلها ، وسيجيء التفصيل

ثم إن جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف إلى أن يباع ، فالوقف يبطل بنفس البيع ، لا بجوازه ، فمعنى جواز بيع العين الموقوفة جواز ابطال وقفها إلى بدل أو لا إليه

_________________________

( و ) الثالث : ( التعبد الشرعي المكشوف عنه بالروايات فان الوقف متعلق لحق الله ) فان الله تعالى قرر بقاء الشيء الموقوف كما وقفه الواقف ولذا لو تنازل الواقف والموقوف عليه لم يتمكنا من تغيير الوقف ( حيث يعتبر فيه ) اى في الوقف ( التقرب ، ويكون لله تعالى عمله ، وعليه ) سبحانه ( عوضه ) بل حتى إذا قلنا : ان الوقف لا يعتبر فيه القربة يكون حق الله موجودا فيه - لما تقدم - ( وقد يرتفع بعض هذه الموانع ) الثلاثة ( فيبقى الباقي ) من الموانع ( وقد يرتفع كلها ، وسيجيء التفصيل ) لصور الارتفاع .

( ثم ) انه لو جاز بيع الوقف فالوقف لا يبطل بمجرد الجواز ، وانما يبطل بالبيع .

ف ( ان جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف ) على وقفيته ، بان لا ينقلب ملكا ( إلى أن يباع فالوقف يبطل بنفس البيع لا بجوازه ) اى لا بجواز البيع ( فمعنى جواز بيع العين الموقوفة جواز ابطال وقفها إلى بدل ) بان يشترى مكانها بدلا لها ( أو لا إليه ) بل يتصرف في ثمنها ، لا ان معنى جواز البيع سقوط

ص: 374

فان مدلول صيغة الوقف - وان اخذ فيه الدوام ، والمنع عن المعاوضة عليه - الا انه قد يعرض ما يجوّز مخالفة هذا الانشاء ، كما أن مقتضى العقد الجائز ، كالهبة تمليك المتّهب المقتضى لتسلطه المنافى لجواز انتزاعه من يده ، ومع ذلك يجوز مخالفته ، وقطع سلطنته عنه فتأمل .

_________________________

الوقف عن الوقفية بمجرد جواز البيع .

وتترتب على هذا الامر ، انه لا يجوز تصرف ينافي الوقف قبل البيع .

ووجه ما نقول من بقاء الوقف إلى حين البيع ، ان أدلة الوقف قبل البيع محكمة ، وانما خرج بالدليل جواز البيع فقط ، ولا تلازم بين جواز البيع والسقوط عن الوقفية ( فان مدلول صيغة الوقف - وان اخذ فيه الدوام ، والمنع عن المعاوضة عليه - ) اى على الوقف ( الا انه قد يعرض ما يجوّز مخالفة هذا الانشاء ) اى إنشاء الوقف ( كما أن مقتضى العقد الجائز ، كالهبة تمليك ) الواهب ( المتّهب ) اى الموهوب له ( المقتضى لتسلطه ) اى المتّهب على المال ( المنافى لجواز انتزاعه ) اى المال و :

المنافى ، صفة : تمليك ، ( من يده ) اى يد المتّهب ( ومع ذلك يجوز مخالفته ، وقطع سلطنته عنه ) فجواز قطع السلطنة لا ينافي عدم جواز سائر التصرفات قبل قطع السلطنة ، وكذلك فيما نحن فيه جواز بيع الوقف لا ينافي عدم جواز سائر التصرفات المنافية للوقف قبل البيع ( فتأمل ) لعله إشارة إلى الفرق بين الهبة والوقف ، فنفى المعاوضات مأخوذ في مفهوم الوقف ، فإذا جازت المعاوضة - بحكم الشارع - دل ذلك على نفى الوقف ، فيدل على جواز سائر الأمور المنافية للوقف بخلاف الهبة ،

ص: 375

الا انه ذكر بعض في هذا المقام ان الّذي يقوى في النظر - بعد امعانه - : ان الوقف ما دام وقفا لا يجوز بيعه ، بل لعل جواز بيعه مع كونه وقفا ، من التضاد .

نعم : إذا بطل الوقف اتّجه حينئذ جواز بيعه .

ثم ذكر بعض مبطلات الوقف المسوّغة لبيعه وقد سبقه إلى ذلك بعض الأساطين في شرحه على القواعد ، حيث استدل على المنع عن بيع الوقف بعد النص

_________________________

فان نفى المعاوضات ليس مأخوذا في مفهوم الهبة - كما لا يخفى -

( الا انه ذكر بعض ) وهو صاحب الجواهر ( في هذا المقام ) اى مقام جواز بيع الوقف ( ان الّذي يقوى في النظر - بعد امعانه - : ) اى امعان النظر ( ان الوقف ما دام وقفا لا يجوز بيعه ) فاللازم ان نقول : بان معنى جواز بيع الوقف سقوطه عن الوقفية ( بل لعل جواز بيعه مع كونه وقفا ، من التضاد ) إذ جواز البيع ، وعدم جواز البيع متقابلان .

( نعم : إذا بطل الوقف اتّجه حينئذ جواز بيعه )

ولذا كان اللازم القول ببطلان الوقف قبل البيع ، فالبيع يقع على ما ليس بوقف .

( ثم ذكر ) الجواهر ( بعض مبطلات الوقف المسوّغة لبيعه وقد سبقه إلى ذلك ) اى إلى أن الوقف والبيع متنافيان ، فلا يجوز البيع الا بعد بطلان الوقف ( بعض الأساطين ) كالشيخ جعفر الكبير ( في شرحه على القواعد ، حيث استدل على المنع عن بيع الوقف بعد النص ) كقوله

ص: 376

والاجماع ، بل الضرورة بان البيع واضرابه ، ينافي حقيقة الوقف لاخذ الدوام فيه ، وان نفى المعاوضات مأخوذ فيه ابتداءً .

وفيه ان أريد من بطلانه انتفاء بعض آثاره ، وهو جواز البيع المسبب عن سقوط حق الموقوف عليهم عن شخص العين .

أو عنها وعن بدلها ،

_________________________

عليه السلام : الوقوف على حسب ما وقفها أهلها ( والاجماع ) المحقق في المسألة ( بل الضرورة ) فان كل مسلم ليس جديد الاسلام وبعيدا عن الاحكام يعلم حرمة بيع الوقف ( بان البيع واضرابه ، ينافي حقيقة الوقف ) وذلك التنافي ( لاخذ الدوام فيه ) اى في الوقف ( و ) ب ( ان نفى المعاوضات مأخوذ فيه ) فكيف يمكن البيع في حال كونه وقفا ؟ ( ابتداءً ) اى لا استمرارا .

إذ جواز البيع في حال طروّ المستثنيات ، ينفى كون الوقف منافيا للمعاوضات .

( وفيه ) اى في ما ذكراه الجواهر وشرح القواعد ، من انتفاء الوقفية حال جواز البيع ( ان أريد من بطلانه ) اى الوقف ( انتفاء بعض آثاره ، و ) الانتفاء ( هو جواز البيع المسبب عن سقوط حق الموقوف عليهم عن شخص العين ) لان حق البطون اللاحقة متعلق بالعين ، فإذا أجاز الشارع اسقط حق سائر البطون عن ذات العين .

وقال إن الحق متعلق بالبدل - فيما إذا وجب شراء بدله -

( أو ) سقوط حق الموقوف عليهم ( عنها وعن بدلها ) الضميران

ص: 377

حيث قلنا : بكون الثمن للبطن الّذي يبيع .

فهذا لا محصل له ، فضلا عن أن يحتاج إلى نظر ، فضلا عن امعانه وان أريد به انتفاء أصل الوقف ، كما هو ظاهر كلامه ، حيث جعل المنع من البيع من مقوّمات مفهوم الوقف .

ففيه - مع كونه خلاف الاجماع ، إذ لم يقل أحد ممن أجاز بيع الوقف في بعض الموارد ببطلان الوقف ، وخروج

_________________________

عائد ان إلى : العين ، يعنى : قال الشارع : ان البطون اللاحقة لا حق لهم اطلاقا ( حيث قلنا : بكون الثمن ) الّذي يكون بدلا عن المبيع ( للبطن الّذي يبيع ) ولا يجب التبديل إلى عين أخرى .

( فهذا ) الكلام - اى ان أريد من بطلانه - ( لا محصل له ، فضلا عن أن يحتاج إلى نظر ) ودقة ( فضلا عن ) احتياجه إلى ( امعانه ) اى امعان النظر وتعميمه .

وانما لا محصل لهذا الكلام ، إذ كل شخص يعلم أن جواز البيع ، معناه : انتفاء عدم جواز البيع الّذي كان من لوازم الوقوف ( وان أريد به انتفاء أصل الوقف ، كما هو ظاهر كلامه ) حتى تكون العين كأنها ملك صرف ( حيث جعل المنع من البيع من مقوّمات مفهوم الوقف ) فإذا جاز البيع ذهب المقوّم الموجب لذهاب أصل الوقف .

( ففيه - مع كونه خلاف الاجماع ) إذ : الاجماع قام على أن الوقف انما يجوز بيعه إذا طرأ المستثنيات لا انّه يسقط عن كونه وقفا ( إذ لم يقل أحد ممن أجاز بيع الوقف في بعض الموارد ببطلان الوقف ) رأسا ( وخروج

ص: 378

الموقوف عن ملك الموقوف عليه إلى ملك الواقف - ان المنع عن البيع ليس مأخوذا في مفهومه بل هو في غير المساجد وشبهها قسم من التمليك

ولذا يطلق عليه الصدقة ويجوز ايجابه بلفظ : تصدقت ، الا ان المالك له بطون متلاحقة فإذا جاز بيعه مع الابدال كان البائع وليا عن جميع الملاك في ابدال مالهم بمال آخر ، وإذا جاز

_________________________

الموقوف عن ملك الموقوف عليه إلى ملك الواقف - ) الّذي هو مقتضى بطلان الوقف .

إذ الوقف انما اسقط حقه عن الموقوفة لتكون وقفا للموقوف عليه ، لا لتكون ملكا له ، فإذا قلنا بزوال الوقف كان اللازم رجوعه إلى الواقف ( ان المنع عن البيع ) هذا متعلق ب : ففيه ، ( ليس مأخوذا في مفهومه ) اى مفهوم الوقف ، حتى يكون مقوما ( بل هو ) اى الوقف ( في غير المساجد وشبهها ) كالحسينيات والقناطر العامة والربط ( قسم من التمليك ) فان الواقف يملك الوقف للذرية ، أو لطلاب العلوم ، أو ما أشبه .

( ولذا ) الّذي هو تمليك ( يطلق عليه الصدقة ) فان الصدقة لا تكون الا لشخص يملك الصدقة - وفيه ما لا يخفى - ( ويجوز ايجابه ) اى ايجاب الوقف ( بلفظ : تصدقت ، الا ) استثناء عن كونه تمليكا ( ان المالك له ) اى لهذا الملك الموقوف ( بطون متلاحقة ) لا البطن الأول الّذي هو الوارث ، كما في الملك الصرف ( فإذا جاز بيعه مع الابدال ) فيما يجوز بيع الوقف لأجل تبديله إلى عين أخرى ( كان البائع ) بالجعل الشرعي ( وليا عن جميع الملاك ) البطون المتلاحقة ( في ابدال مالهم بمال آخر وإذا جاز ) ،

ص: 379

لا معه كما إذا بيع ، لضرورة البطن الموجود - على القول بجوازه - فقد جعل الشارع لهم حق ابطال الوقف ببيعه لأنفسهم فإذا لم يبيعوا لم يبطل .

ولذا لو فرض اندفاع الضرورة بعد الحكم بجواز البيع ، أو لم يتفق البيع ، كان الوقف على حاله .

ولذا صرح في جامع المقاصد بعدم جواز رهن الوقف ، وان بلغ حدا يجوز بيعه ، معللا باحتمال طروّ اليسار

_________________________

بيعه ( لا معه ) اى بدون الابدال ، بان يأكل الثمن البائع ( كما إذا بيع ، لضرورة البطن الموجود - على القول بجوازه - ) كما يأتي الكلام حوله في المستثنيات ( فقد جعل الشارع لهم حق ابطال الوقف ببيعه لأنفسهم ) وهذا ليس معناه ابطال الوقف رأسا .

وعليه ( فإذا لم يبيعوا لم يبطل ) خلافا لشرح القواعد والجواهر ، فظاهرهما البطلان وان لم يبيعوا .

( ولذا لو فرض اندفاع الضرورة بعد الحكم بجواز البيع ) فإنه لا يجوز بيعه ( أو لم يتفق البيع ) بان أرادوا بيعه ، لكن المشترى لم يرغب فيه فلم يشتره ، أو ما أشبه ذلك من صور عدم البيع ( كان الوقف ) باقيا ( على حاله ) وقفا .

( ولذا ) الّذي ذكرنا من أن جواز البيع لا يوجب سقوط الوقف عن الوقفية ( صرح في جامع المقاصد بعدم جواز رهن الوقف ، وان بلغ حدّا يجوز بيعه ، معللا ) عدم الجواز ( باحتمال طروّ اليسار ) والغنى

ص: 380

للموقوف عليهم عند إرادة بيعه في دين المرتهن ، إذا عرفت ان مقتضى العمومات في الوقف عدم جواز البيع ، فاعلم : ان لأصحابنا في الخروج عن عموم المنع في الجملة أقوال .

أحدها : عدم الخروج عنه ، أصلا وهو الظاهر من كلام الحلّى ، حيث قال في السرائر : - بعد نقل كلام المفيد قدس سره - والّذي يقتضيه مذهبنا انه بعد وقفه وقبضه ، لا يجوز الرجوع فيه ، ولا تغييره عن وجوهه وسبله ، ولا بيعه ، سواء كان بيعه أعود عليهم ، أم لا وسواء خرب الوقف ، ولا يوجد

_________________________

( للموقوف عليهم عند إرادة بيعه ) اى بيع الوقف ( في دين المرتهن ) وعند طروّ اليسار لا يجوز البيع ، إذا فرض ان البيع كان للاضطرار .

وكيف كان ، ف ( إذا عرفت ان مقتضى العمومات في الوقف عدم جواز البيع ، فاعلم : ان لأصحابنا في الخروج عن عموم المنع في الجملة ) في بعض الموارد مع الغض عن تعداد تلك الموارد ( أقوال ) .

( أحدها : عدم الخروج عنه ) اى عن عموم المنع ( أصلا ) ولا في مورد واحد ( وهو الظاهر من كلام الحلّى ، حيث قال في السرائر : - بعد نقل كلام المفيد قدس سره - والّذي يقتضيه مذهبنا انه بعد وقفه ) اى وقف الشيء ( وقبضه ) لأنه يشترط في الوقف القبض ( لا يجوز الرجوع فيه ) اى في ذلك الشيء - بان يرجعه ملكا - ( ولا تغييره عن وجوهه وسبله ) مثلا : لو وقفه على الطلبة يجعله للفقراء ( ولا بيعه ، سواء كان بيعه أعود ) اى انفع ( عليهم ) اى الموقوف عليهم ( أم لا وسواء خرب الوقف ، ولا يوجد

ص: 381

من يراعيه بعمارة من سلطان وغيره ، أو يحصل بحيث لا يجدى نفعا ، أم لا .

قال الشهيد ره بعد نقل أقوال المجوزين ، وابن إدريس سدّ الباب وهو نادر مع قوّته وقد ادعى في السرائر : عدم الخلاف في المؤبّد قال : ان الخلاف الّذي حكيناه بين أصحابنا انما هو إذا كان الوقف على قوم مخصوصين ، وليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم .

واما إذا كان الوقف على قوم ومن بعده على غيرهم ، وكان الواقف قد

_________________________

من يراعيه بعمارة من سلطان وغيره ) : من ، متعلق ب : من يراعيه ، ( أو يحصل ) من يراعيه ( بحيث لا يجدى ) ذلك الوقف ( نفعا ، أم لا ) هذا كلام الحلّى ، وأيده الشهيد في ظاهر كلامه ، فإنه .

( قال الشهيد ) الأول ( ره بعد نقل أقوال المجوزين وابن إدريس سدّ الباب ) اى باب جواز البيع ، فإنه لم يجوزه مطلقا ( وهو ) اى سد الباب ( نادر ) إذ لم يقل به أحد ( مع قوّته ) اى ان سد الباب قوى ( وقد ادعى في السرائر : عدم الخلاف في ) الوقف ( المؤبّد ) الدائمى ، فإنه لا يجوز بيعه قطعا ( قال : ان الخلاف الّذي حكيناه بين أصحابنا ) في انه هل يجوز بيع الوقف ، أم لا ؟ ( انما هو إذا كان الوقف على قوم مخصوصين ، وليس فيه ) اى في الوقف ( شرط يقتضي رجوعه ) اى الشيء الموقوف ( إلى غيرهم ) كما إذا وقف على أولاده ، ولم يقل ثم على أولاد الأولاد - مثلا - .

( واما إذا كان الوقف على قوم ومن بعده على غيرهم ، وكان الواقف قد

ص: 382

اشترط رجوعه إلى غيره ، إلى أن يرث اللّه الأرض لم يجز بيعه على وجه بغير خلاف بين أصحابنا ، انتهى .

وفيه نظر ، يظهر مما سيأتي من ظهور أقوال كثير من المجوزين في المؤبّد .

وحكى المنع مطلقا عن الإسكافي ، وفخر الاسلام أيضا ، الا في آلات الموقوف ، واجزائه التي انحصر طريق الانتفاع بها في البيع .

قال الإسكافي على ما حكم عنه في المختلف : ان الموقوف رقيقا أو

_________________________

اشترط رجوعه ) اى الشيء الموقوف ( إلى غيره ) اى غير القوم ، بان قال : هو وقف على أولادي ومن بعدهم ، إلى أولاد الأولاد - مثلا - ( إلى أن يرث اللّه الأرض ) كناية عن موت البشر جميعا ( لم يجز بيعه على ) اى ( وجه ) من الوجوه ، بل يبقى وقفا إلى الأبد ( بغير خلاف بين أصحابنا ، انتهى ) كلام ابن إدريس الّذي حكاه الشهيد .

( وفيه نظر ) اى فيما ذكره من أن المؤبّد لا خلاف في انه لا يجوز بيعه مطلقا ( يظهر ) النظر ( مما سيأتي من ظهور أقوال كثير من المجوزين في المؤبد ) فليس كما ذكره في انه لا خلاف في عدم جواز بيع المؤبد .

( وحكى المنع مطلقا عن الإسكافي ، وفخر الاسلام أيضا ، الا في آلات الموقوف ، واجزائه ) كبوارى المسجد ، وآجره الّذي هدم ، وبدّل بغيره مثلا - ( التي انحصر طريق الانتفاع بها ) اى بتلك الآلات ، والاجزاء ( في البيع ) والّا بقيت عاطلة بلا نفع أصلا .

( قال الإسكافي على ما حكى عنه في المختلف : ان الموقوف رقيقا أو

ص: 383

غيره لو بلغ حاله إلى زوال ما سبّله من منفعته فلا بأس ببيعه وابدال مكانه بثمنه ان أمكن ، أو صرفه فيما كان يصرف إليه منفعته ، أو رد ثمنه على منافع ما بقي من أصل ما حبس معه ، إذا كان في ذلك صلاح ، انتهى .

وقال فخر الدين في الايضاح في شرح قول والده قدس سرهما : ولو خلق حصير المسجد وخرج عن الانتفاع به ، أو انكسر الجذع بحيث لا ينتفع به في غير الاحراق ، فالأقرب جواز بيعه .

_________________________

غيره لو بلغ حاله إلى زوال ما سبّله ) ووقفه الواقف ( من منفعته ) بيان : ما ، ( فلا بأس ببيعه ، وابدال ) شيء آخر ( مكانه ) اى مكان الوقف ( بثمنه ان أمكن ) الابدال ( أو صرفه ) اى الثمن ( فيما كان يصرف إليه منفعته ) .

مثلا : كان الدكان الموقوف ينصرف اجاره في أهل العلم ، فان أمكن بدّل ثمنه بد كان آخر ، وان لم يمكن صرف ثمنه في أهل العلم ( أو رد ثمنه على منافع ما بقي ) كما لو كان هناك دكانان ، بيع أحدهما فصرف ثمنه لمنفعة الدكان الباقي لأجل تعميره وترميمه ( من أصل ما حبس معه ) « من » بيان : ما بقي ، وضمير : معه ، عائد إلى الوقف الّذي بيع وصار ثمنا ( إذا كان في ذلك ) اى صرف ثمن الوقف المبيع في اصلاح الوقف الباقي ، وترميمه ( صلاح ، انتهى ) كلام الإسكافي .

( وقال فخر الدين في الايضاح في شرح قول والده ) العلامة ( قدس سرهما : ولو خلق حصير المسجد ) اى صار باليا ( وخرج عن الانتفاع به ، أو انكسر الجذع بحيث لا ينتفع به في غير الاحراق ) بان سقط عن فائدة كونه سقفا ، وما أشبه ( فالأقرب جواز بيعه ) انتهى كلام العلامة .

ص: 384

قال - بعد احتمال المنع ب عموم النص في المنع - والأصح عندي جواز بيعه وصرف ثمنه في المماثل ان أمكن ، والا ففي غيره ، انتهى .

ونسبة المنع إليهما على الاطلاق لا بد ان يبنى على خروج مثل هذا عن محل الخلاف .

وسيظهر هذا من عبارة الحلبي في الكافي أيضا ، فلاحظ .

_________________________

( قال ) فخر الدين ( - بعد احتمال المنع ) عن بيع ذلك أيضا ( ب ) سبب ( عموم النص في المنع ) عن جواز بيع الوقف ( - والأصح عندي جواز بيعه وصرف ثمنه في المماثل ) بان يشترى بثمن الحصير حصير آخر وبثمن الجذع جذع آخر ( ان أمكن ) صرف ثمنه في المماثل ( والا ففي غيره ) كان يشترى بثمن الجذع حصيرا مثلا ( انتهى ) كلام الفخر .

( ونسبة المنع ) عن بيع الوقف ( إليهما ) اى إلى الإسكافي والفخر ( على الاطلاق ) اى قول الناسب انهما يطلقان بيع الوقف ( لا بد ان يبنى ) الاطلاق في كلامهما ( على خروج مثل هذا ) اى مثل الآلة والجزء ( عن محل الخلاف ) إذ : لو كان الآلة والجزء داخلا في محل الخلاف ، فهما لا يمنعان عن بيعه - كما عرفت - .

فالخلاف القائم انما هو في بيع أصل الوقف - مطلقا - اى بكل صورة .

فجماعة يجيزوه ، وجماعة - ومنهم الإسكافي والفخر - يمنعوه .

اما الآلة والجزء فلا خلاف في جواز بيعهما .

( وسيظهر هذا ) اى المنع عن بيع الوقف مطلقا - والمراد أصل الوقف لا اجزائه والآلة - ( من عبارة الحلبي في الكافي أيضا ، فلاحظ )

ص: 385

الثاني : الخروج عن عموم المنع في المنقطع في الجملة خاصة ، دون المؤبّد ، وهو المحكى عن القاضي حيث قال في محكى المهذب : إذا كان الشيء وقفا على قوم ومن بعدهم إلى غيرهم ، وكان الواقف قد اشترط رجوعه إلى غير ذلك ، إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها ، لم يجز بيعه على وجه من الوجوه .

فإن كان وقفا على قوم مخصوصين ، وليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم - حسب ما قدمناه - وحصل الخوف من هلاكه أو فساده أو كان

_________________________

عبارته ، والمصنف لم ينقلها .

( الثاني ) من الأقوال في مسئلة بيع الوقف ( الخروج عن عموم المنع في المنقطع في الجملة ) لا مطلقا ( خاصة ، دون ) الوقف ( المؤبّد ، وهو المحكى عن القاضي حيث قال في محكى المهذب : إذا كان الشيء وقفا على قوم ومن بعدهم إلى غيرهم ، وكان الواقف قد اشترط رجوعه ) اى الوقف ( إلى غير ذلك ) القوم اى نسلا بعد نسل ، أو قوما بعد قوم ( إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها ) بان لا يبقى وارث للأرض ، ولا وارث حي لاحد ( لم يجز بيعه على وجه من الوجوه ) اى طرأ اىّ طارئ .

( فإن كان وقفا على قوم مخصوصين ) كاولاده فقط ( وليس فيه شرط يقتضي ) ذلك الشرط ( رجوعه إلى غيرهم - حسب ما قدمناه - ) اى لم يكن الوقف مثل الوقف المتقدم في ذكر الواقف الطبقة التالية للطبقة الأولى بل اطلق ذكر طبقة واحدة ( وحصل الخوف من هلاكه ) اى هلاك الوقف بان يضمحلّ بالمرة ( أو فساده ) بان يطرأ عليه فساد وان بقي أصله موجودا ( أو كان

ص: 386

بأربابه حاجة ضرورية يكون بيعه اصلح لهم من بقائه عليهم ، أو يخاف من وقوع خلف بينهم يؤدّى إلى فساده ، فإنه حينئذ يجوز بيعه وصرف ثمنه في مصالحهم على حسب استحقاقهم ، فإن لم يحصل شيء من ذلك لم يجز بيعه على وجه من الوجوه ، ولا يجوز هبة الوقف ولا الصدقة به أيضا

وحكى عن المختلف وجماعة نسبة التفصيل إلى الحلبي ، لكن العبارة المحكية عن كافيه لا تساعده ، بل ربما استظهر منه المنع على الاطلاق فراجع .

_________________________

بأربابه حاجة ضرورية يكون بيعه اصلح لهم من بقائه عليهم ) والمراد بالأرباب الموقوف عليهم ( أو يخاف من وقوع خلف بينهم يؤدّى ) ذلك الخوف ( إلى فساده ) وهلاك الوقف ( فإنه حينئذ يجوز بيعه وصرف ثمنه في مصالحهم على حسب استحقاقهم ) فمن يستحق من الوقف الثلث ، يأخذ ثلث الثمن ، ومن يستحق الربع يأخذ ربعه ، وهكذا ( فإن لم يحصل شيء من ذلك ) المجوز للبيع ( لم يجز بيعه على وجه من الوجوه ) كالتبديل بالأحسن ، والصرف في الأفضل ( ولا يجوز هبة الوقف ، ولا الصدقة به أيضا ) كما لا يجوز بيعه .

( وحكى عن المختلف وجماعة نسبة التفصيل ) بين المؤبد ، فلا يجوز بيعه ، وبين غير المؤبّد ، فيجوز بيعه ( إلى الحلبي ، لكن العبارة المحكية عن كافيه لا تساعده ) اى لا تدل على التفصيل المذكور ( بل ربما استظهر منه ) اى من الحلبي في الكافي ( المنع على الاطلاق ) سواء كان الوقف مؤبدا ، أو غير مؤبد ( فراجع ) الكافي .

ص: 387

وحكى التفصيل المذكور عن الصدوق والمحكى عن الفقيه أنه قال بعد رواية علي بن مهزيار الآتية : ان هذا وقف كان عليهم دون من بعدهم ، ولو كان عليهم وعلى أولادهم ما تناسلوا ومن بعد على فقراء المسلمين ، إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها ، لم يجز بيعه ابدا

ثم إن جواز بيع ما عدا الطبقة الأخيرة في المنقطع لا يظهر من كلام الصدوق ، والقاضي ، كما لا يخفى .

_________________________

( وحكى التفصيل المذكور ) بين المؤبد وغيره ( عن الصدوق والمحكى عن ) كتاب ( الفقيه أنه قال بعد رواية علي بن مهزيار الآتية : ان هذا ) اى جواز البيع ( وقف كان عليهم دون من بعدهم ) ولذا جاز بيعه ( ولو كان عليهم وعلى أولادهم ما تناسلوا ومن بعد ) على تقدير انقراض الأولاد ( على فقراء المسلمين ، إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها ، لم يجز بيعه ابدا ) .

ومن المعلوم ان هذا تفصيل بين الوقف المؤبّد ، وغيره .

( ثم إن جواز بيع ما عدا الطبقة الأخيرة ) وهي الطبقة التي نص الواقف عليهم في الأخير ، فإنه لو قال : على أولادي الصلبيين ، ثم على أولادهم الصلبيين ، كانت الطبقة الأخيرة أولاد الأولاد ، وما عدا الطبقة الأخيرة هم قبل الطبقة الأخيرة كالأولاد الصلبيين في المثال ( في ) الوقف ( المنقطع ) لا المؤبّد ( لا يظهر من كلام الصدوق ، والقاضي ) لأنهما حكما بجواز بيع الطبقة الأخيرة فقط ، اما غير الطبقة الأخيرة فلم يتعرضا له ( كما لا يخفى ) .

ص: 388

ثم إن هؤلاء ان كانوا ممن يقول برجوع الوقف المنقطع إلى ورثة الموقوف عليه فللقول بجواز بيعه وجه .

اما إذا كان فيهم من يقول برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه إلى الواقف ، أو ورثته فلا وجه للحكم بجواز بيعه ، وصرف الموقوف عليهم ثمنه في مصالحهم .

وقد حكى القول بهذين عن القاضي

_________________________

( ثم إن هؤلاء ) الذين أجازوا بيع الطبقة الأخيرة ( ان كانوا ممن يقول برجوع الوقف المنقطع إلى ورثة الموقوف عليه ) فلو وقف زيد داره على عمرو ، ثم مات عمرو رجع الوقف إلى ورثة عمرو ( فللقول بجواز بيعه ) بان يبيعه الطبقة الأخيرة ( وجه )

( اما إذا كان فيهم من يقول برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه ) وموتهم ( إلى الواقف ، أو ورثته ) كورثة زيد في المثال ، لان زيدا لم يخرجه عن ملكه ، الا بمقدار بقائه عند الموقوف عليه ، فإذا مات الموقوف عليه ، رجع إلى الواقف أو ورثته ( فلا وجه للحكم بجواز بيعه ) بان ببيعه الطبقة الأخيرة ( وصرف الموقوف عليهم ثمنه في مصالحهم ) لأنه ليس عائدا إليهم .

( وقد حكى القول بهذين ) القولين ، اى القول بجواز بيع الطبقة الأخيرة وصرفه في مصالحهم ، والقول بعدم الجواز ( عن القاضي ) وكأنه قال بهذين القولين في مكانين ، فقد حصل له اختلاف الرأي في المسألة .

ص: 389

الا ان يوجه بأنه لا يقول ببقائه على ملك الواقف حتى يكون حبسا بل هو وقف حقيقي ، وتمليك للموقوف عليهم مدة وجودهم ، وحينئذ فبيعهم له مع تعلق حق الواقف نظير بيع البطن الأول ، مع تعلق حق سائر البطون في الوقف المؤبّد .

لكن هذا الوجه لا يدفع الاشكال عن الحلبي المحكى عنه القول المتقدم ،

_________________________

والظاهر أن الفسخ التي عندي خطاء والصحيح : بهذا ،

والمراد به : جواز بيع الطبقة الأخيرة وصرفه في مصالحهم بقرينة قوله : ( الا ان يوجه ) اى القول بجواز بيع الطبقة الأخيرة لأنفسهم ( بأنه ) اى القاضي ( لا يقول ببقائه ) اى الوقف ( على ملك الواقف ) اى بعد ان وقف ( حتى يكون حبسا ) ويكون مالكه الواقف ( بل هو وقف حقيقي ، وتمليك للموقوف عليهم مدة وجودهم ، وحينئذ ) الّذي كانوا هم الملاك ( فبيعهم له مع تعلق حق الواقف ) الحق الّذي هو عبارة عن انه إذا انقرض الموقوف عليه عاد ملكا للواقف ، انما هو ( نظير بيع البطن الأول مع تعلق حق سائر البطون في الوقف المؤبد ) كما يقول به المشهور في الموارد المستثناة .

فكما انه لا ينافي كونه متعلقا لحقوق البطون بيع البطن الموجود واكل ثمنه وذلك لإجازة الشارع كذلك في ما نحن فيه .

( لكن هذا الوجه ) الّذي وجهنا به عدم المنافاة بين بيع البطن وتعلق حق الواقف ( لا يدفع الاشكال عن الحلبي المحكى عنه القول المتقدم

ص: 390

حيث إنه يقول : ببقاء الوقف مطلقا على ملك الواقف .

الثالث : الخروج عن عموم المنع ، والحكم بالجواز في المؤبد في الجملة .

واما المنقطع فلم ينصّوا عليه وان ظهر من بعضهم التعميم ، ومن بعضهم التخصيص ، بناء على قوله برجوع المنقطع إلى ورثة الواقف ، كالشيخ ، وسلّار قدس سرهما .

_________________________

حيث إنه يقول : ببقاء الوقف مطلقا ) المؤبّد وغيره ( على ملك الواقف ) إذ كيف يمكن على هذا القول إن يبيع الملك البطن ويأكل ثمنه ، مع أنه ملك لغيره - الّذي هو الواقف - .

( الثالث ) من موارد الاستثناء ( الخروج عن عموم المنع ) اى المنع عن بيع الوقف ( والحكم بالجواز ) عطف على الخروج ( في ) الوقف ( المؤبّد في الجملة ) بشرائط خاصة .

( واما ) الوقف ( المنقطع ) كما لو وقف على زيد وذريته ، ثم انقطعوا ( فلم ينصّوا عليه ) وانّه هل يجوز بيعه ، أم لا ؟ ( وان ظهر من بعضهم التعميم ) وان المنقطع كالمؤبد في جواز بيعه ( ومن بعضهم التخصيص ) اى ان جواز البيع خاص بالوقف المؤبّد ، لا المنقطع .

وانما لم يجيزوا بيع المنقطع ( بناء على قوله ) اى قول المخصص ( برجوع المنقطع إلى ورثة الواقف ) فلا يجوز للموقوف عليه بيعه ( كالشيخ وسلار قدس سرهما ) .

ص: 391

ومن حكم برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه إلى وجوه البرّ كالسيد أبى المكارم ابن زهرة فلازمه جعله كالمؤبّد .

وكيف كان فالمناسب أوّلا نقل عبائر هؤلاء .

فنقول : قال المفيد في المقنعة : الوقوف في الأصل صدقات لا يجوز الرجوع فيها ، الا ان يحدث الموقوف عليهم ما يمنع الشرع من معونتهم ،

و

_________________________

( ومن حكم برجوعه ) اى الوقف ( بعد انقراض الموقوف عليه إلى وجوه البرّ ) والخيرات ، فإنه لا يجوز بيع الموقوف عليه بالوقف ( كالسيد أبى المكارم ابن زهرة ) .

وقوله : ومن ، مبتداء خبره قوله ( فلازمه ) اى لازم هذا القول ( جعله كالمؤبد ) لا كالمنقطع إذ لا انقطاع بنظر هذا القائل ، بل المؤبد يرجع إلى الله بعد انقراض البشر ، وهذا يرجع إلى الصرف في سبل الله تعالى بعد انقراض طبقة خاصة .

( وكيف كان ) الامر ، سواء قلنا بجواز البيع لكل وقف ، أو خصصنا الجواز بالمؤبّد ( فالمناسب أوّلا نقل عبائر هؤلاء ) حتى يتضح مرادهم .

( فنقول : قال المفيد في المقنعة : الوقوف في الأصل ) الّذي شرعه الاسلام ، - وهذا الأصل باق لا يجوز الخروج عنه الا بدليل خاص - ( صدقات ) سمّى الوقف بها في الأحاديث لأجل ان الوقف تصديق لثواب الله كما أن سائر الصدقات كذلك ( لا يجوز الرجوع فيها ) بارجاع الوقف ملكا ( الا ان يحدث الموقوف عليهم ما يمنع الشرع من معونتهم ) اى اعانتهم ( و ) يمنع الشرع

ص: 392

التقرب إلى الله بصلتهم ، أو يكون تغيير الشرط في الموقوف أعود عليهم وانفع لهم من تركه على حاله .

وإذا اخرج الواقف الوقف عن يده إلى من وقف عليه لم يجز له الرجوع في شيء منه ، ولا تغيير شرائطه ، ولا نقله عن وجوهه وسبله .

ومتى اشترط الواقف في الوقف انه متى احتاج إليه في حياته ، لفقر كان له بيعه وصرف ثمنه في مصالحه

_________________________

( التقرب إلى الله بصلتهم ) كما لو انقلب الموقوف عليه كافرا حربيا ، أو ثائرا ضد الإمام عليه السلام ، أو ما أشبه ذلك ( أو يكون تغيير الشرط في الموقوف ) بان يغير البستان الموقوف على الطبقة إلى دور لسكناهم ( أعود عليهم ، وانفع لهم من تركه على حاله ) .

مثلا : كان جعل البستان دورا لسكناهم يسوى كل سنة ألف دينار بينما بقائه بستانا لا يعطى في السنة الا عشرين دينارا .

( وإذا اخرج الواقف الوقف عن يده إلى من وقف عليه ) كما لو سلّم المدرسة إلى الطلاب ( لم يجز له الرجوع في شيء منه ) بان يرجع بعضه إلى نفسه ( ولا تغيير شرائطه ) اى الخصوصيات التي اخذها في الوقف كان وقفه على الذكور ، ثم أراد تشريك الإناث معهم ، أو بالعكس ( ولا نقله عن وجوهه وسبله ) كان وقفه على الطلاب ، ثم أراد ان يكون وقفا على الزوار .

( ومتى اشترط الواقف في الوقف انه متى احتاج إليه في حياته ، لفقر ، كان له بيعه ) « كان » جواب : متى ، ( وصرف ثمنه في مصالحه

ص: 393

جاز له فعل ذلك ، وليس لأرباب الوقف بعد وفات الواقف ان يتصرفوا فيه ببيع ، أو هبة ، أو يغيروا شيئا من شروطه ، الا ان يخرب الوقف ولا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان ، أو غيره ، أو يحصل بحيث لا يجدى نفعا فلهم حينئذ بيعه ، والانتفاع بثمنه ، وكذلك ان حصلت لهم ضرورة إلى ثمنه كان لهم حله ، ولا يجوز ذلك مع عدم ما ذكرنا من الأسباب والضرورات ، انتهى كلامه ره .

وقد استفاد من هذا الكلام في غاية المراد تجويز بيع الوقف في خمسة

_________________________

جاز له فعل ذلك ) عند وجود الشرط ، و : أجاز ، جواب : ان ، ( وليس لأرباب الوقف بعد وفات الواقف ان يتصرفوا فيه ببيع ، أو هبة ، أو يغيروا شيئا من شروطه ) التي جعلها الواقف .

وقوله : بعد وفات الواقف قيد غالبي ، مثل : اللاتي في حجوركم ، والا فليس لهم ذلك أيضا في حال حياة الواقف ( الا ان يخرب الوقف ولا يوجد من يراعيه بعمارة ) واصلاح ( من سلطان ، أو غيره ) بيان : من ، ( أو يحصل ) الخراب ( بحيث لا يجدى نفعا ) وان رمم ، وعمر ( فلهم ) اى لأرباب الوقف ( حينئذ بيعه ، والانتفاع بثمنه ، وكذلك ان حصلت لهم ضرورة إلى ثمنه ) كما لو اضطروا إلى الثمن لعلاج مريض خطير ، أو ما أشبه ذلك ( كان لهم حله ) اى حل الوقف بالبيع ، والانتفاع بالثمن ( ولا يجوز ذلك ) البيع ( مع عدم ما ذكرنا من الأسباب والضرورات ، انتهى كلامه ) اى المفيد ( ره ) .

( وقد استفاد من هذا الكلام في غاية المراد تجويز بيع الوقف في خمسة

ص: 394

مواضع ،

وضم صورة جواز الرجوع ، وجواز تغيير الشرط إلى المواضع الثلاثة المذكورة بعد وصول الموقوف إلى الموقوف عليهم ، ووفات الواقف ، فلاحظ وتأمل .

_________________________

مواضع ) .

وهي : 1 - « الا ان يحدث » .

2 - و « أو يكون تغيير الشرط » .

3 - و « وان اشترط الواقف » .

4 - و « الا ان يخرب الوقف » .

5 - و « وان حصلت لهم ضرورة » .

( وضم ) الشهيد ( صورة جواز الرجوع ، وجواز تغيير الشرط ) فيما كانا قبل تمام الوقف ، بالقبض والاقباض ( إلى المواضع الثلاثة المذكورة بعد وصول الموقوف إلى الموقوف عليهم ، ووفات الواقف ) .

والمراد بالمواضع الثلاثة ( الا ان يخرب ) و « أو يحصل » و « كذلك ان حصلت » .

ولا يخفى ان هذا الكلام من المصنف لا ينافي ما ذكره الشهيد من أن المواضع خمسة ، إذ هي خمسة باعتبار ، وستة باعتبار ، فتأمل ( فلاحظ ) كلام الشهيد ( وتأمل ) فيه .

فان قبل تمام الوقف لا يصح جعله مستثنى ، إذ الاستثناء انما يصح بعد تمام الوقف .

ص: 395

ثم إن العلامة ذكر في التحرير ان قول المفيد ره ، بأنه لا يجوز الرجوع في الوقف الا ان يحدث - إلى قوله - انفع لهم من تركه على حاله ، متأول .

ولعله من شدة مخالفته للقواعد لم يرتض بظاهره للمفيد .

وقال في الانتصار على ما حكى عنه ، ومما انفردت الإمامية به القول بان الوقف متى حصل له الخراب ، بحيث لا يجدى نفعا جاز - لمن هو وقف عليه - بيعه ، والانتفاع بثمنه ، وان أرباب الوقف متى دعتهم ضرورة شديدة إلى ثمنه

_________________________

( ثم إن العلامة ذكر في التحرير ان قول المفيد ره ، بأنه لا يجوز الرجوع في الوقف الا ان يحدث - إلى قوله - انفع لهم من تركه على حاله ، متأول ) اى إلى صورة عدم الانتفاع بالوقف لخراب ، أو شبهه .

والا لو صح هذا الكلام على اطلاقه لزم صحة تغيير كل وقف .

( ولعله ) اى لعل كلام العلامة في ان كلام المفيد متأول ( من ) جهة ( شدة مخالفته للقواعد ) الدالة على عدم صحة بيع الوقف ( لم يرتض بظاهره ) اى بظاهر هذا الكلام ( للمفيد ) .

( وقال ) السيد المرتضى ( في الانتصار على ما حكى عنه ، ومما انفردت الإمامية به القول بان الوقف متى حصل له الخراب ، بحيث لا يجدى نفعا جاز - لمن هو ) اى الوقف ( وقف عليه - ) اى الموقوف عليه ( بيعه ) فاعل : جاز ( والانتفاع بثمنه ، وان أرباب الوقف متى دعتهم ضرورة شديدة إلى ثمنه ) لا ما يسمى في العرف بالضرورة .

ص: 396

جاز لهم بيعه ، ولا يجوز لهم ذلك مع فقد الضرورة .

ثم احتج باتفاق الامامية ، ثم ذكر خلاف ابن الجنيد ، ورده بكونه مسبوقا وملحوقا بالاجماع ، وانه انما عول في ذلك على ظنون له ، وحسبان واخبار شاذة لا يلتفت إلى مثلها ، انتهى .

ثم قال : واما إذا صار الوقف بحيث لا يجدى نفعا ، أودعت أربابه الضرورة إلى ثمنه ، لشدة فقرهم ، فالأحوط ما ذكرناه من جواز بيعه .

_________________________

إذ الضرورة الشرعية أخص من الضرورة العرفية ، كما لا يخفى .

فحينئذ ( جاز لهم بيعه ، و ) لكن ( لا يجوز لهم ذلك ) البيع ( مع فقد الضرورة )

( ثم احتج ) السيد ( باتفاق الامامية ) على جواز البيع في هذه الصور ( ثم ذكر خلاف ابن الجنيد ) وانه لا يجوز بيع الوقف اطلاقا ( ورده بكونه مسبوقا وملحوقا بالاجماع ، وانه ) اى ابن الجنيد ( انما عول في ذلك ) المنع عن البيع ( على ظنون له ، وحسبان ) عطف بيان للظن ( واخبار شاذة ) اطلاقها يدل على المنع عن البيع ( لا يلتفت إلى مثلها ، انتهى ) كلام السيد .

( ثم قال ) السيد ( واما إذا صار الوقف بحيث لا يجدى نفعا ، أودعت أربابه الضرورة إلى ثمنه ، لشدة فقرهم ، فالأحوط ما ذكرناه من جواز بيعه )

والمراد بالاحتياط الحيطة على الوقف ، حتى لا يتلف - في الأول - والحيطة على الأرباب حتى لا يقعوا في عسر وحرج - في الثاني - .

ص: 397

لأنه انما جعل لمنافعهم ، فإذا بطلت منافعهم منه فقد انتقض الغرض عنه ، ولم يبق منفعة فيه الا من الوجه الّذي ذكرناه ، انتهى ره .

وقال في المبسوط : وانما يملك الموقوف عليه بيعه على وجه عندنا وهو انه إذا خيف على الوقف الخراب ، أو كان بأربابه حاجة شديدة ، ولا يقدرون على القيام به فحينئذ يجوز لهم بيعه ، ومع عدم ذلك لا يجوز بيعه ، انتهى .

ثم احتج على ذلك بالاخبار ، وقال سلار فيما حكى عنه : ولا يخلو الحال في الوقف والموقوف عليهم من أن يبقى ويبقوا على الحال التي وقف

_________________________

( لأنه ) اى الوقف ( انما جعل لمنافعهم ، فإذا بطلت منافعهم منه ) اى من الوقف ( فقد انتقض الغرض عنه ، ولم يبق منفعة فيه الا من الوجه الّذي ذكرناه ) اى البيع ( انتهى ) كلام السيد ( ره ) .

( وقال ) الشيخ ( في المبسوط : وانما يملك الموقوف عليه بيعه ) اى يجوز لهم بيع الوقف ( على وجه ) اى بعض الصور فقط ( عندنا ) معاشر الامامية ( وهو انه إذا خيف على الوقف الخراب ، أو كان بأربابه حاجة شديدة ، ولا يقدرون على القيام به ) اى بالوقف أو بما احتاجوه واضطروا إليه ، وارجاع ضمير المذكر إلى الحاجة على التأويل ( فحينئذ يجوز لهم بيعه ، ومع عدم ذلك ) المجوز للبيع ( لا يجوز بيعه ، انتهى ) كلام المبسوط .

( ثم احتج على ذلك ) الجواز في الصور المذكورة ( بالاخبار ، وقال سلار فيما حكى عنه : ولا يخلو الحال في الوقف والموقوف عليهم من أن يبقى ) الوقف ( ويبقوا على الحال التي وقف )

ص: 398

فيها ، أو يتغير الحال ، فإن لم يتغير الحال ، فلا يجوز بيع الموقوف عليهم الوقف ولا هبته ، ولا تغيير شيء من أحواله ، وان تغير الحال في الوقف حتى لا ينتفع به على اى وجه كان ، أو لحق الموقوف عليهم حاجة شديدة ، جاز بيعه وصرف ثمنه فيما هو انفع لهم ، انتهى .

وقال في الغنية على ما حكى عنه : ويجوز عندنا بيع الوقف للموقوف عليه إذا صار بحيث لا يجدى نفعا ، وخيف خرابه ، أو كانت بأربابه حاجة شديدة دعتهم الضرورة إلى بيعه ، بدليل اجماع الطائفة ، ولان غرض الواقف انتفاع الموقوف عليه ، فإذا

_________________________

( فيها ) اى في تلك الحال ( أو يتغير الحال ) اى حال الوقف أو حالهم ( فإن لم يتغير الحال ، فلا يجوز بيع الموقوف عليهم الوقف ) الوقف مفعول : بيع ، ( ولا هبته ، ولا تغيير شيء من أحواله ، وان تغير الحال في الوقف حتى لا ينتفع به على اى وجه كان ) كما لو كان بستانا ، فلم ينتفع به مع وصف بقائه بستانا ، ولا أمكن تبديله إلى دار ، أو دكان ، أو حمام أو ما أشبه ، ينتفع به الموقوف عليهم ( أو لحق الموقوف عليهم حاجة شديدة ، جاز بيعه وصرف ثمنه فيما هو انفع لهم ) كان يشتروا مكانه بستانا آخر - مثلا - ( انتهى ) .

( وقال في الغنية على ما حكى عنه : ويجوز عندنا بيع الوقف للموقوف عليه إذا صار بحيث لا يجدى نفعا ، وخيف خرابه ، أو كانت بأربابه حاجة شديدة دعتهم الضرورة إلى بيعه ، بدليل اجماع الطائفة ) على جواز البيع في هذه الصور ( ولان غرض الواقف انتفاع الموقوف عليه فإذا

ص: 399

لم يبق له منفعة الا على الوجه الّذي ذكرنا ، جاز ، انتهى .

وقال في الوسيلة : ولا يجوز بيعه - يعنى الوقف - الا بأحد شرطين ، الخوف من خرابه ، أو حاجة بالموقوف عليه شديدة لا يمكنه معها القيام به ، انتهى .

وقال الراوندي في فقه القرآن على ما حكى عنه : وانما يملك بيعه على وجه عندنا ، وهو إذا خيف على الوقف الخراب ، أو كان بأربابه حاجة شديدة .

وقال في الجامع على ما حكى عنه : فان خيف خرابه ، أو كان بهم

_________________________

لم يبق له منفعة الا على الوجه الّذي ذكرنا ، جاز ) البيع ( انتهى ) .

( وقال في الوسيلة : ولا يجوز بيعه - يعنى الوقف - الا بأحد شرطين ، الخوف من خرابه ، أو حاجة بالموقوف عليه شديدة ) صفة حاجة ( لا يمكنه معها ) اى مع تلك الحاجة ( القيام به ) اى بشأن الوقف ، فان الانسان المضطر الحال لا يتمكن من القيام بإدارة الأمور ، أو الضمير في به يعود إلى ما يحتاجه الموقوف عليه ، فالمعنى لا يمكنه مع الحاجة قيام الوقف بتلك الحاجة ( انتهى ) .

( وقال الراوندي في فقه القرآن على ما حكى عنه : وانما يملك ) الموقوف عليه ( بيعه ) اى الوقف ( على وجه ) واحد من وجهين ( عندنا ، وهو إذا خيف على الوقف الخراب ، أو كان بأربابه حاجة شديدة ) .

( وقال في الجامع على ما حكى عنه : فان خيف خرابه ، أو كان بهم

ص: 400

حاجة شديدة ، أو خيف وقوع فتنة لهم تستباح بها الأنفس جاز بيعه ، انتهى .

وعن النزهة : لا يجوز بيع الوقف الا ان يخاف هلاكه ، أو يؤدّى المنازعة فيه بين أربابه إلى ضرر عظيم ، أو يكون فيهم حاجة عظيمة شديدة ويكون بيع الوقف اصلح لهم ، انتهى .

وقال في الشرائع ولا يصح بيع الوقف ما لم يؤد بقائه إلى خرابه لخلف بين أربابه ويكون البيع أعود .

وقال في كتاب الوقف : ولو وقع بين الموقوف عليه خلف بحيث يخشى

_________________________

حاجة شديدة ، أو خيف وقوع فتنة لهم ) اى بينهم ( تستباح بها الأنفس ) بالقتل والهتك وما أشبه ( جاز بيعه ، انتهى ) .

( وعن النزهة : لا يجوز بيع الوقف الا ان يخاف هلاكه ، أو يؤدّى المنازعة فيه ) اى في الوقف ( بين أربابه إلى ضرر عظيم ، أو يكون فيهم حاجة عظيمة شديدة ويكون بيع الوقف اصلح لهم انتهى ) .

والظاهر : ان كل هذه الأمور مشروط عنده في الجواز لا انها على سبيل منع الخلو ، وذلك لظهور الواو في الجمع .

( وقال في الشرائع ) في كتاب البيع ( ولا يصح بيع الوقف ما لم يؤد بقائه إلى خرابه لخلف بين أربابه ) إذ لولا الخلف ، لقاموا جميعا بعمارته ( ويكون البيع أعود ) اى انفع لهم من بقائه وقفا .

( وقال ) الشرائع أيضا ( في كتاب الوقف : ولو وقع بين الموقوف عليه خلف بحيث يخشى ) بسبب خلفهم

ص: 401

خرابه ، جاز بيعه ، ولو لم يقع خلف ولا خشي خرابه ، بل كان البيع انفع لهم ، قيل يجوز بيعه ، والوجه المنع ، انتهى .

ومثل عبارة الشرائع في كتابي البيع والوقف عبارة القواعد في الكتابين .

وقال في التحرير : لا يجوز بيع الوقف بحال ولو انهدمت الدار لم تخرج العرصة عن الوقف ، ولم يجز بيعها ، ولو وقع خلف بين أرباب الوقف بحيث يخشى خرابه ، جاز بيعه على ما رواه أصحابنا .

ثم ذكر كلام ابن إدريس وفتواه على المنع مطلقا وتنزيله قول بعض

_________________________

( خرابه ، جاز بيعه ، ولو لم يقع خلف ولا خشي خرابه ، بل كان البيع انفع لهم ) لان منفعته قائما ، أقل من منفعته مبيعا ( قيل يجوز بيعه ، والوجه ) عند المحقق ( المنع ، انتهى ) .

( ومثل عبارة الشرائع في كتابي البيع والوقف عبارة القواعد في الكتابين ) البيع والوقف .

( وقال ) العلامة ( في التحرير : لا يجوز بيع الوقف بحال ) من الأحوال ( ولو انهدمت الدار ) الموقوفة ( لم تخرج العرصة عن الوقف ولم يجز بيعها ) بل تبقى وقفا ينتفع بها في هذا الحال ( ولو وقع خلف بين أرباب الوقف بحيث يخشى خرابه ) إذا بقي على حاله ( جاز بيعه على ما رواه أصحابنا ) .

( ثم ذكر كلام ابن إدريس وفتواه على المنع مطلقا ) في جميع الصور ( وتنزيله ) اى ابن إدريس ( قول بعض

ص: 402

الأصحاب بالجواز على المنقطع ، ونفيه الخلاف على المنع في المؤبد .

ثم قال : ولو قيل بجواز البيع إذا ذهب منافعه بالكلية ، كدار انهدمت وعادت مواتا ، ولم يتمكن من عمارتها ويشترى بثمنه ما يكون وقفا ، كان وجيها ، انتهى .

وقال في بيع التحرير : ولا يجوز بيع الوقف ما دام عامرا ، ولو أدى بقائه إلى خرابه جاز وكذا يباع لو خشي وقوع فتنة بين أربابه مع بقائه على الوقف انتهى .

_________________________

الأصحاب بالجواز على ) الوقف ( المنقطع ) كما لو وقف على أولاده الصلبيين فقط ( ونفيه ) اى ابن إدريس عطف على : تنزيله ، ( الخلاف على المنع ) عن البيع ( في ) الوقف ( المؤبد ) .

( ثم قال : ) التحرير ( ولو قيل : بجواز البيع إذا ذهب منافعه ) اى منافع الوقف ( بالكلية ، كدار انهدمت وعادت مواتا ، ولم يتمكن من عمارتها ) « من » زيادة للتأكيد ( ويشترى بثمنه ما يكون وقفا ، كان ) هذا القول ( وجيها ) صحيحا ( انتهى ) .

( وقال في بيع التحرير : ولا يجوز بيع الوقف ما دام عامرا ، ولو أدى بقائه إلى خرابه ) لعدم من يقوم بعمارته ( جاز ) البيع ( وكذا يباع لو خشي وقوع فتنة بين أربابه مع بقائه على الوقف ) .

والمراد بالخشية التي هي طريق عقلائي إلى الواقع لا مجرد خشية لا سند لها من العرف - كما لا يخفى - ( انتهى ) .

ص: 403

وعن بيع الارشاد : لا يصح بيع الوقف الا ان يخرب ، أو يؤدى إلى الخلف بين أربابه على رأى .

وعنه في باب الوقف : لا يصح بيع الوقف ، الا ان يقع بين الموقوف عليه خلف ويخشى به الخراب .

وقال في التذكرة في كتاب الوقف على ما حكى عنه : والوجه ان يقال : يجوز بيع الوقف مع خرابه وعدم التمكن من عمارته ، أو خوف فتنة بين أربابه يحصل باعتبارها فساد ، انتهى .

وقال في كتاب البيع : لا يصح بيع الوقف لنقص الملك فيه إذ القصد منه

_________________________

( وعن بيع الارشاد : لا يصح بيع الوقف الا ان يخرب ) ولا عامر له ( أو يؤدى إلى الخلف بين أربابه على رأى ) بعض الفقهاء .

( وعنه ) اى الارشاد ( في باب الوقف : لا يصح بيع الوقف ، الا ان يقع بين الموقوف عليه خلف ويخشى به ) اى بسبب الخلف ( الخراب ) إذ الخلاف يوجب عدم اعتنائهم لتعميره .

( وقال في التذكرة في كتاب الوقف على ما حكى عنه : والوجه ان يقال : يجوز بيع الوقف مع خرابه وعدم التمكن من عمارته ، أو خوف فتنة بين أربابه يحصل باعتبارها ) اى بسبب تلك الفتنة ( فساد ) من سفك دم أو مشاحنات ، أو هدر أموال ، أو ما أشبه ( انتهى ) .

( وقال في كتاب البيع : لا يصح بيع الوقف لنقص الملك فيه ) اى ليست للوقف ملكية تامة بحيث يمكن بيعه ( إذ القصد منه ) اى من الوقف

ص: 404

التأبيد .

نعم لو كان بيعه أعود عليهم لوقوع خلف بين أربابه ، وخشي تلفه ، أو ظهور فتنة بسببه ، جوز أكثر علمائنا بيعه ، انتهى .

وقال في غاية المراد : يجوز بيعه في موضعين خوف الفساد ، بالاختلاف .

وإذا كان البيع أعود ، مع الحاجة .

وقال في الدروس : لا يجوز بيع الوقف الا إذا خيف من خرابه ، أو خلف أربابه المؤدى إلى فساده .

وقال في اللمعة لو أدى بقائه إلى خرابه لخلف أربابه ، فالمشهور الجواز انتهى .

_________________________

( التأبيد ) اى ان يكونا أبديا .

( نعم لو كان بيعه أعود عليهم لوقوع خلف بين أربابه ، وخشي تلفه أو ظهور فتنة بسببه ) اى بسبب الوقف ( جوز أكثر علمائنا بيعه انتهى )

( وقال : في غاية المراد يجوز بيعه ) اى الوقف ( في موضعين ) .

الأول : ( خوف الفساد ، ب ) سبب ( الاختلاف ) .

( و ) الموضع الثاني ( إذا كان البيع أعود ) اى انفع للموقوف عليه ( مع الحاجة ) لهم إلى ثمنه .

( وقال في الدروس : لا يجوز بيع الوقف الا إذا خيف من خرابه ، أو خلف أربابه المؤدى إلى فساده ) اى فساد الوقف بالتلف ونحوه .

( وقال في اللمعة لو أدى بقائه إلى خرابه لخلف أربابه ، فالمشهور الجواز ، انتهى ) .

ص: 405

وقال في تلخيص الخلاف على ما حكى عنه : ان لأصحابنا في بيع الوقف أقوال متعددة ، اشهرها جوازه إذا وقع بين أربابه خلف ، وفتنة ، وخشي خرابه ولا يمكن سد الفتنة بدون بيعه ، وهو قول الشيخين واختاره نجم الدين والعلامة ، انتهى .

وقال في التنقيح على ما حكى عنه : إذا آل إلى الخراب ، لأجل الاختلاف ، بحيث لا ينتفع به أصلا جاز بيعه .

وعن تعليق الارشاد : يجوز بيعه إذا كان فساد يستباح فيه الأنفس .

وعن إيضاح النافع : انه جوز بيعه إذا اختلف أربابه اختلافا يخاف معه

_________________________

( وقال في تلخيص الخلاف على ما حكى عنه : ان لأصحابنا في بيع الوقف أقوال متعددة ، اشهرها جوازه إذا وقع بين أربابه خلف ، وفتنة وخشي خرابه ) من جراء تلك الفتنة ( ولا يمكن سد الفتنة بدون بيعه ، وهو قول الشيخين ) المفيد والطوسي ( واختاره نجم الدين ) المحقق ( والعلامة ، انتهى ) .

( وقال في التنقيح على ما حكى عنه : إذا آل ) وانتهى الوقف ( إلى الخراب ، لأجل الاختلاف ، بحيث لا ينتفع به أصلا ) ولو نفعا قليلا ( جاز بيعه ) .

( وعن تعليق الارشاد : يجوز بيعه ) اى الوقف ( إذا كان ) في بقائه ( فساد يستباح فيه الأنفس ) هتكا ودما وما أشبه .

( وعن إيضاح النافع : انه جوز بيعه إذا اختلف أربابه اختلافا يخاف معه

ص: 406

القتال ، ونهب الأموال ، ولم يندفع الا بالبيع ، قال : فلو أمكن زواله ، ولو بحاكم الجور لم يجز ، ولا اعتبار بخشية الخراب وعدمه انتهى .

ومثله الكلام المحكى عن تعليقه على الشرائع ، وقال في جامع المقاصد بعد نسبة ما في عبارة القواعد إلى موافقة الأكثر - ان المعتمد جواز بيعه في ثلاثة مواضع .

أحدها : إذا خرب واضمحل بحيث لا ينتفع به ، كحصر المسجد إذا اندرست وجذوعه إذا انكسرت .

ثانيها : إذا حصل خلف بين أربابه يخاف منه تلف الأموال ، ومستنده صحيحة علي بن مهزيار ، ويشترى بثمنه في

_________________________

القتال ، ونهب الأموال ، ولم يندفع ) هذا الفساد ( الا بالبيع ، قال :

فلو أمكن زواله ، ولو بحاكم الجور لم يجز ) البيع ( ولا اعتبار بخشية الخراب وعدمه ) فإنه لا يجوز البيع ولو خشي الخراب ( انتهى ) .

( ومثله الكلام المحكى عن تعليقه على الشرائع وقال في جامع المقاصد بعد نسبة ما في عبارة القواعد ) المتقدمة ( إلى موافقة الأكثر - ان المعتمد جواز بيعه في ثلاثة مواضع ) .

( أحدها : إذا خرب واضمحل بحيث لا ينتفع به ، كحصر المسجد إذا اندرست ) وبلى بحيث لا ينتفع به ( وجذوعه إذا انكسرت ) ولم ينتفع بكل قطعة منه .

( ثانيها : إذا حصل خلف بين أربابه يخاف منه تلف الأموال ، ومستنده ) اى البيع فيهما ( صحيحة علي بن مهزيار ، ويشترى بثمنه في

ص: 407

الموضعين ما يكون وقفا على وجه يندفع به الخلف تحصيلا لمطلوب الواقف بحسب الامكان ويتولى ذلك الناظر الخاص ان كان والا فالحاكم .

ثالثها : إذا لحق بالموقوف عليه حاجة شديدة ولم يكن ما يكفيهم من غلّة وغيرها ، لرواية جعفر بن حنان عن الصادق عليه السلام ، انتهى كلامه رفع مقامه .

وقال في الروضة : والأقوى في المسألة ما دل عليه صحيحة على ابن مهزيار عن أبي جعفر الجواد عليه السلام ، من جواز بيعه إذا وقع بين أربابه خلف شديد ، علّله عليه السلام بأنه ربما جاء فيه تلف الأموال

و

_________________________

الموضعين ما يكون وقفا على وجه يندفع به الخلف ) اى لا يشترى به شيء لا ينتفع به لأنه خلاف وجه البيع بل اللازم اشتراء شيء نافع ( تحصيلا لمطلوب الواقف بحسب الا مكان ) فان مطلوب الواقف النفع ، فإذا لم يحصل بالعين حصل بالبدل ( ويتولى ذلك ) التبديل ( الناظر الخاص ) للوقف ( ان كان ) له ناظر خاص ( والا فالحاكم ) .

( ثالثها : إذا لحق بالموقوف عليه حاجة شديدة ولم يكن ما يكفيهم من غلّة وغيرها ، لرواية جعفر بن حنان عن الصادق عليه السلام ) كما سيأتي ( انتهى كلامه رفع مقامه ) .

( وقال في الروضة : والأقوى في المسألة ما دل عليه صحيحة على ابن مهزيار عن أبي جعفر الجواد عليه السلام ، من جواز بيعه إذا وقع بين أربابه خلف شديد ، علّله عليه السلام ) اى جواز البيع حينئذ ( بأنه ربما جاء فيه تلف الأموال

ص: 408

النفوس ، وظاهر ان خوف أدائه إليهما وإلى أحدهما ليس بشرط بل هو مظنة لذلك .

قال : ولا يجوز بيعه في غير ما ذكرناه وان احتاج إليه أرباب الوقف ، ولم يكفهم غلته ، أو كان أعود ، أو غير ذلك ، مما قيل ، لعدم دليل صالح عليه ، انتهى ونحوه ما عن الكفاية .

هذه جملة من كلماتهم المرئية أو المحكية ، والظاهر : ان المراد بتأدية بقاء الوقف إلى خرابه حصول الظن بذلك الموجب لصدق الخوف

_________________________

النفوس ، وظاهر ) لدى الفهم العرفي من العبارة المذكورة ( ان خوف أدائه ) اى أداء بقاء الوقف ( إليهما ) إلى تلف الأموال والنفوس ( والى أحدهما ليس بشرط ) فلا يلزم الخوف الفعلي ( بل هو ) اى الخلف ( مظنة لذلك ) فان الخلف الشديد غالبا ينتهى إلى المذكور ، سواء خاف أحد ذلك ، أم لا

( قال : ولا يجوز بيعه في غير ما ذكرناه ) من الخلف الشديد ( وان احتاج إليه أرباب الوقف ، ولم يكفهم غلته ، أو كان ) البيع ( أعود ) اى انفع ( أو غير ذلك ، مما قيل ) بجواز البيع لدى حصول تلك الأمور ( لعدم دليل صالح عليه ) اى على جواز البيع حينذاك ( انتهى ) كلام الروضة ( ونحوه ما عن الكفاية ) للسبزواري .

( هذه جملة من كلماتهم المرئية ) التي رأيناها في كتبهم ( أو المحكية والظاهر ) لدى الفهم العرفي ( ان المراد بتأدية بقاء الوقف إلى خرابه حصول الظن بذلك ) ظنّا نوعيا ( الموجب ) ذلك الظن ( لصدف الخوف ،

ص: 409

لا التأدية على وجه القطع .

فيكون عنوان التأدية في بعض تلك العبارات متحدا مع عنوان خوفها وخشيتها في بعضها الآخر .

ولذلك عبّر فقيه واحد تارة بهذا وأخرى بذلك ، كما اتفق للفاضلين والشهيد ، ونسب بعضهم عنوان الخوف إلى الأكثر ، كالعلامة في التذكرة ، وإلى الأشهر ، كما عن إيضاح النافع ، وآخر ، عنوان التأدية إلى الأكثر ، كجامع المقاصد ، أو إلى المشهور كاللمعة .

_________________________

لا التأدية على وجه القطع ) فلا يلزم ان نقطع انه إذا بقي ادّى البقاء إلى الخراب ، بل يكفى الظن النوعي لذلك .

( فيكون عنوان التأدية في بعض تلك العبارات متحدا مع عنوان خوفها ) اى خوف التأدية ( وخشيتها في بعضها الآخر )

( ولذلك ) الّذي يكون معنى العبارتين واحدا ( عبّر فقيه واحد تارة بهذا ) اى أدائه إلى خرابه ( وأخرى بذلك ) اى خوف أدائه إلى خرابه ( كما اتفق ) تعدد العبارة ( للفاضلين والشهيد ، ونسب بعضهم عنوان الخوف إلى الأكثر ، كالعلامة في التذكرة ، وإلى الأشهر ، كما عن إيضاح النافع ، و ) نسب ( آخر ، عنوان التأدية إلى الأكثر ، كجامع المقاصد ، أو إلى المشهور كاللمعة )

ومن الواضح : انه لولا فهم وحدة العبارتين « التأدية وخوف التأدية » لم يكن المشهور هذا تارة وذلك أخرى ، ولزم كذب احدى النسبتين .

ص: 410

فظهر من ذلك ، ان جواز البيع بظن تأدية بقائه إلى خرابه مما تحققت فيه الشهرة بين المجوزين لكن المتيقن عن فتوى المشهور ، ما كان من اجل اختلاف أربابه .

اللهم الا ان يستظهر من كلماتهم ، كالنصّ كون الاختلاف من باب المقدّمة وان الغاية المجوزة هي مظنّة الخراب .

إذا عرفت ما ذكرنا ، فيقع الكلام تارة في الوقف المؤبّد ، وأخرى في المنقطع .

اما الاوّل فالذي ينبغي ان يقال فيه : ان الوقف على قسمين ، أحدهما : ما

_________________________

( فظهر من ذلك ) الّذي ذكرنا من : ان المراد بالتأدية خوف الأداء ( ان جواز البيع بظن تأدية بقائه إلى خرابه مما تحققت فيه الشهرة بين المجوزين ) بيع الوقف ( لكن المتيقن عن فتوى المشهور ، ما كان ) الخوف ( من اجل اختلاف أربابه ) لا مطلق التأدية إلى الخراب .

( اللهم الا ان يستظهر من كلماتهم ، كالنصّ ) اى كما يستظهر من النصّ ( كون الاختلاف من باب المقدّمة ) لا انه سبب ( وان الغاية المجوزة ) للبيع ( هي مظنّة الخراب ) سواء كان ناشئا عن الاختلاف ، أم لا

( إذا عرفت ما ذكرنا ) من أن المعيار ظن الخراب لا غير ( فيقع الكلام ) في بيع الوقف ، ( تارة في الوقف المؤبّد ، وأخرى في ) الوقف ( المنقطع ) .

( اما الاوّل ) اى المؤبّد ( فالذي ينبغي ان يقال فيه : ان الوقف على قسمين ، أحدهما : ما

ص: 411

يكون ملكا للموقوف عليهم ، فيملكون منفعته فلهم استيجاره واخذ اجرته ممن انتفع به بغير حق ، .

والثاني : ما لا يكون ملكا لاحد بل يكون فكّ ملك ، نظير التحرير ، كما في المساجد والمدارس والربط ، بناء على القول بعدم دخولها في ملك المسلمين كما هو مذهب جماعة ، فان الموقوف عليهم انما يملكون الانتفاع دون المنفعة ، فلو سكنه أحد بغير حق ، فالظاهر أنه ليس عليه أجرة المثل .

_________________________

يكون ملكا للموقوف عليهم ، فيملكون منفعته ) فان من ملك شيئا ملك نفعه ( فلهم استيجاره واخذ اجرته ممن انتفع به بغير حق ) لأنه غاصب وصاحب الملك يحق له اخذ الأجرة من الغاصب .

( والثاني : ما لا يكون ملكا لاحد بل يكون فكّ ملك ، نظير التحرير ) في العبد الّذي هو فك ملك ( كما في المساجد والمدارس والربط ) جمع رباط محلّ نزول المسافرين ، سمى رباطا بعلامة الحال والمحل ، إذ المسافر يربط خيله هناك ( بناء على القول بعدم دخولها في ملك المسلمين ) والا هذا أيضا كان من القسم الأول ( كما هو مذهب جماعة ) من أن الأوقاف العامة أيضا هي ملك المسلمين ( فان الموقوف عليهم ) في المساجد والمدارس والربط وما أشبه ( انما يملكون الانتفاع ) كان يصلى في المسجد ( دون المنفعة ) اى ليس نفع هذه الأوقاف لاحد .

وفائدة ذلك يظهر مما ذكره بقوله : ( فلو سكنه أحد بغير حق ، فالظاهر أنه ليس عليه أجرة المثل ) اطلاقا ، بل لو قلنا : بان الحاكم

ص: 412

والظاهر : ان محل الكلام في بيع الوقف انما هو القسم الأول واما الثاني : فالظاهر عدم الخلاف في عدم جواز بيعه ، لعدم الملك .

وبالجملة : فكلامهم هنا فيما كان ملكا غير طلق ، لا فيما لم يكن ملكا ، وحينئذ فلو خرب المسجد وخربت القربة ، وانقطعت المارّة عن الطريق الّذي فيه المسجد ، لم يجز بيعه وصرف ثمنه في

_________________________

له ان يأخذ اجرة منه ، لم تكن الأجرة للطلاب والمصلين والمسافرين لأنهم لا يملكون المنفعة .

( والظاهر ) من العناوين المتعرضة لاختلاف أرباب الوقف ومن غير العناوين من القرائن المكتنفة بكلام الفقهاء ( ان محل الكلام في بيع الوقف انما هو القسم الأول واما ) القسم ( الثاني : فالظاهر عدم الخلاف في عدم جواز بيعه ، لعدم الملك ) وما ليس بملك ، كيف يمكن اجراء البيع عليه .

لكن لا يخفى ان بعض الروايات والكلمات مطلقة ، وتعليلهم بالقرب من غرض الواقف ، وما أشبه ذلك دليل العموم ، فلو صارت المدرسة خربة لا يمكن تعميرها ، أو لا ينتفع بها لهجرة الطلاب من ذلك البلد ، وأمكن بيعها وتبديلها إلى محل صالح ، كان مقتضى القاعدة :

الجواز .

( وبالجملة : فكلامهم هنا ) في باب بيع الوقف ( فيما كان ملكا غير طلق لا فيما لم يكن ملكا ، وحينئذ فلو خرب المسجد وخربت القرية ، وانقطعت المارّة عن الطريق الّذي فيه المسجد ، لم يجز بيعه وصرف ثمنه في

ص: 413

احداث مسجد آخر ، أو تعميره .

والظاهر : عدم الخلاف في ذلك ، كما اعترف به غير واحد .

نعم ذكر بعض الأساطين بعد ما ذكر - انه لا يصح بيع الوقف العام لا لعدم تمامية الملك بل لعدم أصل الملك لرجوعها

_________________________

احداث مسجد آخر ، أو تعميره )

لكن ربما يقال : ان بقاء الحق إلى هذا الحد ، لا دليل عليه ، بمعنى : انه لا دليل على أن الانسان يملك طولا شيئا إذا محى اثره ، وإذ لا يملك طولا - لانصراف الأدلة الدالة على الملك عن مثل هذا الملك الطويل - لم يكن له حق التقييد الأبدي حتى بعد زوال الأثر .

والحاصل : ان الملك امر عرفى أمضاه الشارع والحق العرفي له امد بنظر العرف إلى وقت الخراب للمدينة والقرية - مثلا - بحيث لا يبقى للملكية مفهوم عرفى في تلك القرية والبلدة .

فإذا كان الامر كذلك ، كان اللازم ان نقول : بان الأوقاف الخاصة أو العامة أيضا تابعة لهذا الامر ، فلا مفهوم للوقف بعد الخراب .

( و ) كيف كان : ف ( الظاهر : عدم الخلاف في ذلك ) اى في ان الوقف الّذي ليس بملك لا يجوز بيعه وتبديله ( كما اعترف به غير واحد ) وان كان عدم الخلاف محل اشكال ، صغرى وكبرى .

( نعم ذكر بعض الأساطين بعد ما ذكر - انه لا يصح بيع الوقف العام لا لعدم تمامية الملك بل لعدم أصل الملك ) فإنها اما ملك غير تام الملكية ، لوجود شائبة التحرير فيها ، أو ليست بملك أصلا ( لرجوعها )

ص: 414

إلى اللّه ، ودخولها في مشاعره - انه مع اليأس عن الانتفاع به في الجهة المقصودة يؤجر للزراعة ونحوها مع المحافظة على الآداب اللازمة لها ان كان مسجدا مثلا ، واحكام السجلات لئلا يغلب اليد فيقضى بالملك وتصرف فائدتها فيما يماثلها من الأوقاف مقدّما للأقرب والأحوج والأفضل

_________________________

اى الأوقاف العامة ( إلى اللّه ، ودخولها في مشاعره - ) « لرجوعها » علة لقوله « لعدم أصل الملك » ( انه مع اليأس عن الانتفاع به ) اى بالوقف العام ( في الجهة المقصودة ) كالمسجد للعبادة والمدرسة لسكنى الطلبة ( يؤجر للزراعة ونحوها ) من سائر الانتفاعات الممكنة ( مع المحافظة على الآداب اللازمة لها ) اى لتلك الأرض الموقوفة ( ان كان مسجدا مثلا ) كان لا يطرح فيها السماد النجس ، ولا يمكث الجنب فيها وهكذا ( واحكام السجلات ) « احكام » من باب الافعال والسجل هو الورقة التي يكتب فيها حال البناء والأرض من أنه ملك أو وقف أو ما أشبه ( لئلا يغلب اليد ) لان الأولاد الذين لا يعرفون واقع هذه الأرض لما رأوا أباهم يتصرف فيها يحكمون بأنها ملك لأبيهم ، لقاعدة اليد ، وهكذا ( فيقضى ) ويحكم بسبب اليد ( بالملك ) وانه ليس بوقف ( و ) إذا أوجر الوقف ( تصرف فائدتها فيما يماثلها من الأوقاف ) كفائدة المسجد في المسجد وفائد المدرسة في المدرسة ، وهكذا ( مقدّما للأقرب ) فمسجد بينه وبين المسجد الموجر فرسخ ، مقدم على مسجد بينهما فرسخان ( والأحوج ) فمسجد يحتاج إلى البناء ، مقدم على مسجد يحتاج إلى التبييض ( والأفضل ) فالمسجد الجامع ، أفضل من مسجد السوق

ص: 415

احتياطا .

ومع التعارض فالمدار على الراجح .

وان تعذر صرف إلى غير المماثل كذلك .

فان تعذر صرف في مصالح المسلمين .

واما غير الأرض من الآلات والفرش والحيوانات وثياب الضرائح ونحوها .

فان بقيت على حالها ، وأمكن الانتفاع بها في خصوص المحل

_________________________

( احتياطا ) والّا فلا دليل على مقدمية بعض من المماثل على البعض الآخر .

( ومع التعارض ) في الصفات المذكورة كما لو كان مسجد أقرب ومسجد أفضل ( فالمدار على الراجح ) شرعا حسب الفهم العرفي من الأدلة

( وان تعذر ) المماثل ، لا الفاضل ، ولا المفضول ( صرف ) نفع الوقف الخرب ( إلى غير المماثل ) مثلا يصرف نفع المدرسة في المسجد ( كذلك ) الأقرب والأحوج والأفضل .

( فان تعذر صرف في مصالح المسلمين ) كالشوارع والقناطر وما أشبه ذلك ( واما غير الأرض من الآلات والفرش والحيوانات ) الموقوفة لجهة خاصة ، كما لو وقف حيوان لمسجد خاص ، ثم باد أهل القرية واندرست بحيث لا ينتفع بذلك المسجد ( وثياب الضرائح ) للأئمة مثلا ، ( ونحوها ) كسائر أوقافها .

( فان بقيت على حالها ، وأمكن الانتفاع بها في خصوص المحل

ص: 416

الّذي أعدت له كانت على حالها .

والا جعلت في المماثل ، والا ففي غيره ، والا ففي المصالح ، على نحو ما مرّ .

وان تعذر الانتفاع بها باقية على حالها بالوجه المقصود منها ، أو ما قام مقامه اشبهت الملك بعد اعراض المالك ، فيقوم فيها احتمال

_________________________

الّذي أعدت ) تلك الآلات ( له ) لذلك المحل ( كانت ) وقفا ( على حالها ) السابق .

( والا ) يمكن الانتفاع بها في المحلّ الموقوف له ( جعلت في المماثل ) كآلة مسجد في مسجد آخر ( والا ففي غيره ) اى غير المماثل كآلة مسجد في مدرسة ( والا ففي المصالح ) للمسلمين ( على نحو ما مرّ ) في الأرض .

( وان تعذر الانتفاع بها ) اى بتلك الآلات في حالكونها ( باقية على حالها ) انتفاعا ( بالوجه المقصود منها ) مثلا كان المصباح الزيتى ، فجاء الكهرباء ، ولا ينتفع بعد بالمصباح الزيتى ، فان أمكن تبديلها بالمصباح الكهربائي ، فهو ، وان لم يكن الانتفاع به ( أو ما قام مقامه ) كما لو كان الطقس حارا ، وكان للمسجد مراوح حصيرية ، ثم تبدل الطقس باردا ، فلم ينتفع لا بالمراوح الحصيرية ، ولا بالمراوح الكهربائية القائمة مقامها ( اشبهت الملك بعد اعراض المالك ) فان المالك إذا اعرض عن ملكه سقط عن الملكية وصارت كالأموال التي لا مالك لها ، .

إذ : دليل الملك لا يشمل بعد الاعراض ، كما قرر في محله ( فيقوم فيها ) اى في الآلات التي لا ينتفع بها ، أو بما قام مقامها ( احتمال

ص: 417

الرجوع إلى حكم الإباحة والعود ملكا للمسلمين ، ليصرف في مصالحهم والعود إلى المالك ، .

ومع اليأس عن معرفته يدخل في مجهول المالك .

ويحتمل بقائه على الوقف ، ويباع احترازا عن التلف والضرر ولزوم الحرج وتصرف مرتبا على النحو السابق ، وهذا هو الأقوى كما صرح به بعضهم ، انتهى .

وفيه ان إجارة الأرض وبيع الآلات حسن ، لو ثبت دليل على كونه ملكا للمسلمين ، ولو على نحو الأرض المفتوحة

_________________________

الرجوع إلى حكم الإباحة ) الأصلية ، كالملك الّذي اعرض المالك عنه ( والعود ) لتلك الآلات ( ملكا للمسلمين ) عامة ( ليصرف في مصالحهم والعود إلى المالك ) وورثته .

( ومع اليأس عن معرفته ) اى المالك وورثته ( يدخل في مجهول المالك ) لأنه ملك لا يعرف مالكه .

( ويحتمل بقائه ) بعد عدم الانتفاع به ( على الوقف ، ويباع احترازا عن التلف ) إذا بقي حتى تلف ( والضرر ) إذا بقي وانتقص ( ولزوم الحرج ) على القائم بشأنه إذا أراد عدم تلفه وعدم تنقصه ( وتصرف ) في ثمن الوقف ( مرتبا على النحو السابق ) بان جعل في المماثل ، ثم في غير المماثل ثم في مصالح المسلمين ( وهذا هو الأقوى كما صرح به بعضهم انتهى )

( وفيه ان إجارة الأرض ) الموقوفة مسجدا ( وبيع الآلات حسن ، لو ثبت دليل على كونه ملكا للمسلمين ، ولو ) ملكية ( على نحو الأرض المفتوحة

ص: 418

عنوة ، لكنه غير ثابت ، والمتيقن خروجه عن ملك مالكه ، اما دخوله في ملك المسلمين ، فمنفى بالأصل .

نعم يمكن الحكم بإباحة الانتفاع للمسلمين لأصالة الإباحة ، ولا يتعلق عليهم اجرة .

ثم إنه ربما ينافي ما ذكرنا من عدم جواز بيع القسم الثاني من الوقف ما ورد في بيع ثوب الكعبة ، وهبته ، مثل رواية مروان بن عبد الملك ، قال سألت أبا الحسن عليه السلام ،

_________________________

عنوة ) اى ملكا لعامة المسلمين ، لا ملكا على نحو الا ملاك الفردية ( لكنه غير ثابت ، و ) انما ( المتيقن خروجه عن ملك مالكه ) بعد ان وقفه مسجدا ( اما دخوله في ملك المسلمين ، فمنفى بالأصل )

لكن يمكن ان يقال : انه يدور الامر بين ابقاء ارض المسجد بائرة وبين اجارتها لانتفاع المسلمين ، والثاني أقرب إلى الأدلة ، فان ظاهر قوله تعالى « وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً » ان الأصل في المال كونه قياما للناس ، فإذا تعذر كيفية خاصة من القيام ، وأمكن كيفية أخرى ، لزم ان يصرف المال في الكيفية الثانية .

( نعم يمكن الحكم بإباحة الانتفاع للمسلمين لأصالة الإباحة ، ولا يتعلق عليهم اجرة ) لان معنى كونه مباحا لهم ان لا اجرة عليهم .

( ثم إنه ربما ينافي ما ذكرنا من عدم جواز بيع القسم الثاني من الوقف ) وهو الآلات ، والفرش ، وما أشبههما ( ما ورد في بيع ثوب الكعبة ، وهبته ، مثل رواية مروان بن عبد الملك ، قال سألت أبا الحسن عليه السلام

ص: 419

عن رجل اشترى من كسوة الكعبة ما قضى ببعضه حاجته ، وبقي بعضه في يده ، هل يصلح له ان يبيع ما أراد قال عليه السلام : يبيع ما أراد ويهب ما لم يرد ، وينتفع به ، ويطلب بركته ، قلت : أيكفن به الميت ، قال : لا ، قيل وفي رواية أخرى : يجوز استعماله ، وبيع نفسه .

وكذلك ما ذكروه في بيع حصر المسجد إذا خلقت ، وجذوعه إذا خرجت عن الانتفاع

_________________________

عن رجل اشترى من كسوة الكعبة ما قضى ببعضه حاجته ) كالتبرك ، والافتناء ، وما أشبه ( وبقي بعضه في يده ، هل يصلح له ان يبيع ما أراد ) مما بقي في يده ( قال عليه السلام : يبيع ما أراد ويهب ما لم يرد و ) ما أراد الانتفاع به ( ينتفع به ، ويطلب بركته ) المراد بالبركة ما يسبب البقاء والهناء ( قلت : أيكفن به الميت ، قال : لا ) ولعله لأنه مخيط أو ما أشبه ، ويحمل على الكراهة ، ويحتمل التحريم ( قيل وفي رواية أخرى ) في باب ثوب الكعبة ( يجوز استعماله ، وبيع نفسه ) اى نفس الثوب ، وذكر كلمة النفس للتأكيد .

( وكذلك ) ينافي ما ذكر من عدم بيع القسم الثالث ( ما ذكروه في بيع حصر المسجد إذا خلقت ، وجذوعه إذا خرجت عن الانتفاع ) وحينئذ فيقال : اى فرق بين المسجد ، وبين حصير المسجد ، وبين ثوب الكعبة حتى تقولون بالجواز فيهما ، دون نفس المسجد .

وربما يستدل للمنع عن البيع الخيري مطلقا مسجدا أو غيره بأمور خمسة .

ص: 420

. . . . . . . . . .

_________________________

الأول : قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم الوقوف على حسب ما وقفها أهلها .

الثاني : قوله عليه السلام إلى أن يرث اللّه الأرض ، مما ظاهره الوقف إلى الأبد .

الثالث : ان المالك جعله مؤبّدا ، فمقتضى سلطة الناس على أموالهم ، البقاء الأبدي .

الرابع : ان الوقف تحرير ، ولا معنى لدخول ما خرج عن الملك إلى الملكية كارتداد المحرّر عبدا .

الخامس : اصالة عدم صحة التصرفات وضعا ، وحرمتها تكليفا استصحابا للحالة السابقة .

ثم إن مقتضى بعض هذه الأدلة الاطلاق بالنسبة إلى جميع أقسام الوقف ، لكن خرج من ذلك الوقف الذّرى ، وآلات المسجد ، وثوب الكعبة ، وما أشبه ، فيبقى الباقي تحت العموم .

ولكن لا يخفى ما في هذه الأدلة .

إذ الأول : ناظر إلى مقدار صلاحية المالك ، وقد تقدم ان الملك ليس أبديا حتى يكون التصرف أبديا ولذا صرح الفقيه الهمداني في مسئلة الكفر بعدم بقاء الملك بالنسبة ، البلاد التي خربت كاراضى سامراء والكوفة ونحوهما .

فالمعنى الوقوف حسب ما وقفها أهلها بمقدار مالكية ، لرقبة الأرض قبل ان يوقفها .

فليس للمالك ان يوقف أكثر من ملكه امتدادا زمانيا ، كما أنه ليس له

ص: 421

. . . . . . . . . .

_________________________

ان يوقف أكثر من ملكه امتداد امكانيا ، في الهواء ، أو إلى تخوم الأرض .

ويرد على الثاني : ان الأرض إذا بادت وباد أهلها ورثها اللّه سبحانه ، فقول علي عليه السلام : إلى أن يرث اللّه الأرض ، يراد به الخراب لا يوم القيامة

مضافا إلى أن الظاهر من هذا الكلام لدى العرف البقاء وقفا إلى ذلك الوقت إذا لم يخرب ولم يبد أهله .

ومنه يظهر الجواب عن الدليل الثالث والرابع ، لان التحرير انما هو في قدر له الملك ، لا في القدر الّذي لم ينفذ ملكه فيه ، فان امتداد الملك ليس إلى ما بعد الخراب حتى يحق للمالك تحريره ،

والأصل لا مجال له بعد الدليل .

هذا مضافا إلى أن كون بيع آلات المسجد وثوب الكعبة من قبيل التخصيص خلاف الظاهر ، بل الظاهر أنه من باب التخصّص ، وعدم شمول الوقف إلى ما بعد هذه الحالة

مضافا إلى أن استدلالهم في بيع الوقف الذّرى بأنه تبع لغرض الواقف آت فيما نحن فيه أيضا

وعلى هذا فبقاء ارض المسجد والحسينية والمدرسة وما أشبه على حالة الوقف حتى بعد الخراب وفناء الأهل ، محل اشكال .

وقد تعرضنا للمسألة في كتاب الفقه شرح العروة مسهبا .

وانما نقلنا هنا هذا التعليق الّذي كنا علقناه على المكاسب سابقا تتميما للفائدة ، وان كان خارجا عن غرض الشرح ، والله العالم .

ص: 422

اللهم الا ان يقال : ان ثوب الكعبة ، وحصير المسجد ليسا من قبيل المسجد ، بل هما مبذولان للبيت والمسجد ، فيكون كسائر أموالهما .

ومعلوم ان وقفية أموال المساجد ، والكعبة من قبيل القسم الأول ، وليس من قبيل نفس المسجد ، فهي ملك للمسلمين ، فللناظر العام التصرف فيه بالبيع .

نعم فرق بين ما يكون ملكا طلقا كالحصير المشترى من مال المسجد فهذا يجوز للناظر بيعه مع المصلحة ، ولو لم يخرج عن حيّز الانتفاع ، بل كان

_________________________

وكيف كان ( اللهم الا ان يقال : ان ثوب الكعبة ، وحصير المسجد ليسا من قبيل المسجد ، بل هما مبذولان ) بذلا ، لا موقوفان أعينهما وقفا ( للبيت والمسجد ، فيكون ) كل واحد من الثوب والحصير ( كسائر أموالهما )

( ومعلوم ان وقفية أموال المساجد ، والكعبة من قبيل القسم الأول ) وهو ملك الموقوف عليه كالوقف الذّرى ( وليس من قبيل نفس المسجد ) الّذي هو تحرير وفك ملك ( فهي ) اى ثوب الكعبة والحصير للمسجد ( ملك للمسلمين ، فللناظر العام ) الّذي له ولاية على المسلمين ( التصرف فيه بالبيع )

ويبقى الكلام في جذع المسجد ، وآجره الّذي وقف مسجدا من الأول ، فكيف يجوزون بيعه ، وما الفرق بينه وبين ارض المسجد .

( نعم فرق بين ما يكون ملكا طلقا ) للمسجد ( كالحصير المشترى من مال المسجد ، فهذا يجوز للناظر ) في شؤون المسجد ( بيعه مع المصلحة ، ولو لم يخرج عن حيّز الانتفاع ، بل ) ولو ( كان

ص: 423

جديدا غير مستعمل ، وبين ما يكون من الأموال وقفا على المسجد كالحصير الّذي يشتريه الرجل ، ويضعه في المسجد ، والثوب الّذي يلبس البيت .

فمثل هذا يكون ملكا للمسلمين ، لا يجوز لهم تغييره عن وضعه الا في مواضع يسوغ فيها بيع الوقف .

ثم الفرق بين ثوب الكعبة ، وحصير المسجد ، ان الحصير يتصور فيه كونه وقفا على المسلمين ، ولكن يضعه في المسجد ، لأنه أحد وجوه انتفاعهم

_________________________

جديدا غير مستعمل ، وبين ما يكون من الأموال وقفا على المسجد كالحصير الّذي يشتريه الرجل ، ويضعه في المسجد ، والثوب الّذي يلبس ) به ( البيت ) الحرام .

( فمثل هذا ) القسم الثاني ( يكون ملكا للمسلمين ، لا يجوز لهم تغييره عن وضعه ، الا في مواضع ) خاصة ( يسوغ فيها بيع الوقف )

هذا ، وأنت خبير بان امكان ابداء الفرق ، لا يصحّح الامر ، لاحتياج الحكم إلى الدليل الشرعي ، والقول باستواء الأرض لغيرها ، أهون من ابداء هذه الفروق وان كان عدم ذهاب المشهور مما لم يوجب التهيب عن الفتوى بذلك .

( ثم الفرق بين ثوب الكعبة ، وحصير المسجد ، ان الحصير يتصور فيه كونه وقفا على المسلمين ، ولكن يضعه في المسجد ، لأنه ) اى الوضع في المسجد ( أحد وجوه انتفاعهم ) كما يصحّ ان يوضع في الصحن ، أو الحرم ، أو

ص: 424

كالماء المسبّل الموضوع في المسجد .

فإذا خرب المسجد ، أو استغنى عنه جاز الانتفاع به ، ولو في مسجد آخر بل يمكن الانتفاع به ، ولو في غيره ، ولو مع حاجته .

لكن يبقى الكلام في مورد الشك مثل ما إذا فرش حصيرا في المسجد أو وضع حبّ ماء فيه .

وان كان الظاهر في الأول الاختصاص ،

_________________________

الحسينية ، أو ما أشبه ( كالماء المسبّل الموضوع في المسجد ) الّذي ليس الماء للمسجد ، وانما يوضع في المسجد من باب انه أحد محلّات شرب الماء

( فإذا خرب المسجد ، أو استغنى عنه ) اى عن الحصير المذكور في ذلك المسجد الموضوع فيه ( جاز الانتفاع به ، ولو في مسجد آخر ) بل ولو في حسينية ، أو ما أشبههما ( بل يمكن الانتفاع به ، ولو في غيره ، ولو مع حاجته ) فان حاجة المسجد لا تجعل من الوقف العام خاصا .

( لكن يبقى الكلام في مورد الشك ) وان الوقف هل هو عام حتى يصح نقله إلى مسجد آخر ، أو خاص حتى لا يصح ( مثل ما إذا فرش حصيرا في المسجد ، أو وضع حبّ ماء فيه ) وشككنا في انهما خاصّان أو عامّان

( وان كان الظاهر في الأول ) اى الحصير ( الاختصاص ) بالمسجد الموضوع فيه .

وربما يقال : بان الأصل عدم الخصوصية ، إذ علمنا بالوقف ، ولم نعلم بالخصوصية ، فالأصل عدمها ، ولا ظهور في البين ، إذ : لو أريد ظهور حال الواضع ، فأيّ ظهور هذا ، وان أريد الظهور الناشئ عن

ص: 425

وأوضح من ذلك الترب الموضوعة فيه .

وفي الثاني العموم ، فيجوز التوضى منه وان لم يرد الصلاة في المسجد .

والحاصل : ان الحصير وشبهها الموضوعة في المساجد ، وشبهها يتصور فيه اقسام كثيرة ، يكون الملك فيها للمسلمين وليست من قبيل

_________________________

الغلبة ، فهو ليس بحيث يقاوم الأصل .

واصالة عدم الخصوصية محكمة على اصالة عدم خروج الملك عن ملك مالكه ، الا بنحو خاص .

ولا يقال : ان النحو الخاص متيقن ، وما عداه يحتاج إلى الدليل .

لأنا نقول : الخصوصية امر زائد يشك فيه ، فالأصل عدمه .

( وأوضح من ذلك ) الحصير في كونه ظاهرا في الاختصاص ( الترب ) الحسينية عليه السلام ( الموضوعة فيه ) فلا يجوز الذهاب بها إلى مسجد اخر .

( وفي الثاني ) اى الحب ( العموم ، فيجوز التوضى منه وان لم يرد الصلاة في المسجد ) إذ : الغالب ان الناس لا يخصصون جواز التوضى بمن يريد الصلاة في ذلك المسجد .

( والحاصل : ان الحصير وشبهها ) كالترب ، والحب ، والمراوح ( الموضوعة في المساجد ، وشبهها ) كالحسينيات والمدارس ( يتصور فيه اقسام كثيرة يكون الملك فيها للمسلمين ) كان تكون موقوفة للمسلمين ، أو موقوفة للمساجد ، أو موقوفة للبلدة ، أو موقوفة لتوضع في الموقوفات ، إلى غيرها لا موقوفة لخصوص هذا المسجد ( وليست من قبيل

ص: 426

نفس المسجد واضرابه .

فتعرض الأصحاب لبيعها لا ينافي ما ذكرنا .

نعم : ما ذكرنا لا يجرى في الجذع المنكسر من جذوع المسجد التي هي من اجزاء البنيان .

مع أن المحكى عن العلامة وولده والشهيدين والمحقق الثاني :

جواز بيعه وان اختلفوا في تقييد الحكم واطلاقه كما سيجيء ، الا ان نلتزم بالفرق

_________________________

نفس المسجد واضرابه ) مما لا ملكية لها لاحد .

( فتعرض الأصحاب لبيعها ) اى بيع الحصير وشبهها ( لا ينافي ما ذكرنا ) من أن المسجد لا يجوز إجارة ارضه ، وبيعها ، لأنها محررة .

إذ قد عرفت الفرق بان الملك في الآلات للمسلمين ، فيجوز بيعها ، بخلاف ارض المسجد .

( نعم : ما ذكرنا لا يجرى ) بالنسبة إلى الآلات - من أنها ملك للمسلمين فيجوز بيعها - ( في الجذع المنكسر من جذوع المسجد التي هي من اجزاء البنيان ) فيقال انه : كيف تقول الفقهاء بجواز بيع الجذع ولا يقولون بجواز بيع ارض المسجد مع أنها من باب واحد .

( مع أن المحكى عن العلامة وولده والشهيدين والمحقق الثاني :

جواز بيعه ) « مع » من تتمة الاشكال ( وان اختلفوا في تقييد الحكم ) ببيع الجذع ( واطلاقه ) فقال بعضهم بجواز بيعه مطلقا وقال آخر : بجواز بيعه في صورة خاصة ( كما سيجيء الا ان نلتزم بالفرق ) بين الجذع الّذي قلنا

ص: 427

بين ارض المسجد ، فان وقفها وجعلها مسجد افك ملك بخلاف ما عداها من اجزاء البنيان كالأخشاب والأحجار ، فإنها تصير ملكا للمسلمين فتأمل .

وكيف كان فالحكم في ارض المسجد ، مع خروجها عن الانتفاع بها رأسا ، هو ابقائها مع التصرف في منافعها ، كما تقدم عن بعض الأساطين أو بدونه .

واما اجزائه كجذوع سقفه ، وآجره من حائطه المنهدم

_________________________

بجواز بيعه ، و ( بين ارض المسجد ، فان وقفها وجعلها مسجدا فك ملك ) فليست الأرض مملوكة ، حتى يجوز بيعها ( بخلاف ما عداها من اجزاء البنيان كالأخشاب والأحجار ، فإنها تصير ملكا للمسلمين ) بجعل الواقف ، فيجوز بيعها ( فتأمل )

إذ : الفرق غير تام لما نشاهده من أن الباني يوقف الجميع : الأرض والبنيان بلفظ واحد ، ونية واحدة .

فاللازم اما ان نقول : بجواز البيع في الجميع ، واما ان نقول : بعدم جواز البيع في الجميع .

( وكيف كان ) الامر في الفارق بين الأرض وبين الآلات ( فالحكم ) الّذي يختاره المصنف ( في ارض المسجد ، مع خروجها عن الانتفاع بها رأسا ، هو ابقائها مع التصرف في منافعها ) كان تستأجر للزرع ، ونحوه ( كما تقدم ) الفتوى بذلك ( عن بعض الأساطين ، أو بدونه ) اى بدون التصرف في منافعها

( واما اجزائه كجذوع سقفه ، وآجره ) الواقع ( من حائطه المنهدم

ص: 428

فمع المصلحة في صرف عينه يجب صرف عينه فيه ، لان مقتضى : وجوب ابقاء الوقوف واجزائها على حسب ما يوقفها أهلها ، وجوب ابقائها جزءا للمسجد ، لكن لا يجب صرف المال من المكلف لمئونته بل يصرف من مال المسجد ، أو بيت المال وان لم يكن مصلحة في رده جزءا للمسجد فبناء على ما تقدم من أن الوقف في المسجد واضرابه فك ملك - لم يجز بيعه لفرض عدم الملك .

_________________________

فمع المصلحة في صرف عينه ) عند ترميم المسجد ( يجب صرف عينه فيه ) اى في نفس المسجد ( لان مقتضى : وجوب ابقاء الوقوف واجزائها على حسب ما يوقفها أهلها ، وجوب ابقائها ) اى تلك الأجزاء ( جزءا للمسجد لكن لا يجب صرف المال من المكلف لمئونته ) اى مئونة التعمير ، لأصالة عدم الوجوب ، فإذا وقعت شرفة المسجد ، لا يجب على مكلف ، اعطاء مال نفسه : لا عادة الشرفة ، وهكذا ( بل يصرف من مال المسجد ) إذا كان له مال ، وكان التعمير صلاحا ( أو بيت المال ) المكون من الزكاة وسهم الامام وشبههما ، لان من مصارف الزكاة سبيل الله تعالى ، ومن مصارف سهم الامام كل امر ديني ، لقوله عليه السلام : ان الخمس عوننا على ديننا ( وان لم يكن مصلحة في رده ) اى ردّ ذلك الجذع ، أو الآجر المنهدم ( جزءا للمسجد - فبناء على ما تقدم من أن الوقف في المسجد واضرابه فك ملك - لم يجز بيعه ) « لم يجز » جواب « ان » ( لفرض عدم الملك ) علة لقوله « لم يجز »

ص: 429

وحينئذ فان قلنا : بوجوب مراعاة الأقرب إلى مقصود الواقف فالأقرب تعين صرفه في مصالح ذلك ، كاحراقه لآجر المسجد ، ونحو ذلك كما عن الروضة ، والا صرف في مسجد آخر ، كما في الدروس ، والا صرف في سائر مصالح المسلمين ، قيل : بل لكل أحد حيازته وتملكه .

وفيه نظر ، وقد الحق بالمساجد ، المشاهد والمقابر والخانات والمدارس والقناطر الموقوفة على الطريقة المعروفة

_________________________

( وحينئذ ) اى حين عدم جواز بيع تلك الآلات ( فان قلنا : بوجوب مراعاة الأقرب إلى مقصود الواقف فالأقرب ) اى الأقرب فالأقرب كمسجد آخر ، وان تعذر فمدرسة دينية وهكذا ( تعين صرفه في مصالح ذلك ) المسجد ( كاحراقه ) اى الجذع ( لآجر المسجد ، ونحو ذلك ) من المنافع المربوطة بنفس ذلك المسجد ( كما عن الروضة ، والّا صرف في مسجد آخر ، كما في الدروس ) لان المسجد الآخر أقرب إلى مقصد الواقف ( والّا صرف في سائر مصالح المسلمين ) لأنه أقرب إلى نظر الواقف ( قيل :

بل لكل أحد حيازته وتملكه ) لأنه خرج من ملك المالك بالوقف ، وخرج عن الوقف أيضا فيكون كسائر المباحات .

( وفيه نظر ) لان المالك لم يخرجه عن ملكه مطلقا ، بل اخرجه للصرف في الخير ، فإذا لم يمكن ذلك الخير دار الامر بين رجوعه إلى المالك ، أو إلى خير مطلق ( وقد الحق بالمساجد ، المشاهد ) للأئمة الطاهرين ، وسائر المشاهد ( والمقابر ) للمسلمين ( والخانات ) الموقوفة في الطرق ( والمدارس ، والقناطر الموقوفة على الطريقة المعروفة )

ص: 430

والكتب الموقوفة على المشتغلين ، والعبد المحبوس في خدمة الكعبة ونحوها ، والأشجار الموقوفة لانتفاع المارة ، والبوارى الموضوعة لصلاة المصلين ، وغير ذلك مما قصد بوقفه الانتفاع العام لجميع الناس أو للمسلمين ، ونحوهم من غير المحصورين لا لتحصيل المنافع بالإجارة ، ونحوها ، وصرفها في مصارفها كما في الحمامات والدكاكين ، ونحوها ، لان جميع ذلك صار بالوقف كالمباحات بالأصل اللازم ابقائها على الإباحة

_________________________

« على » متعلق ب « الموقوفة » ( والكتب الموقوفة على المشتغلين ) أو للمكتبات ( والعبد المحبوس في خدمه الكعبة ، ونحوها ) كالمدارس والمساجد ( والأشجار الموقوفة لانتفاع المارة ، والبوارى الموضوعة لصلاة المصلين ، وغير ذلك ) كالحيوانات الموقوفة لجهة خاصة ( مما قصد بوقفه الانتفاع العام لجميع الناس أو للمسلمين ونحوهم من غير المحصورين ) كالطلاب والفقراء ( لا لتحصيل المنافع بالإجارة ، ونحوها ) كالمصالحة على أن ينتفع شخص به في مقابل اعطاء بدل ( وصرفها ) اى الأجرة ( في مصارفها ) الخاصة المجهولة في الوقف ( كما في الحمامات والدكاكين ونحوها ) كالدور التي توقف لأجل ان توجر ، وينتفع بإجارتها الطلاب أو من أشبههم .

وقوله « لا لتحصيل » عطف على قوله « مما قصد بوقفه »

وانما قلنا : بان ما قصد بوقفه الانتفاع العام حاله حال المسجد ( لان جميع ذلك صار بالوقف كالمباحات بالأصل اللازم ابقائها على الإباحة ) للمنتفعين لا على الإباحة للحيازة - كما لا يخفى -

ص: 431

كالطرق العامة ، والأسواق .

وهذا كله حسن ، على تقدير كون الوقف فيها فك ملك ، لا تمليكا ولو اتلف شيئا من هذه الموقوفات أو اجزائها متلف ، ففي الضمان وجهان من عموم على اليد ، فيجب صرف قيمته في بدله ومن أن : ما يطلب بقيمته يطلب بمنافعه

_________________________

( كالطرق العامة ، والأسواق )

فكما لا يجوز بيع المسجد ، كذلك لا يجوز بيع هذه الأمور ، لعدم حصول الملكية فيها ، والملك قوام البيع ، كما لا يخفى .

اما ما جعل لتحصيل المنافع ، كالحمامات ، فإذا سقطت عن الانتفاع جاز بيعها ، لأنها لم تجعل كالمباحات ، بل كالملك المحبوس .

( وهذا ) الكلام في كون تلك الأشياء كالمسجد ، في عدم صحة بيعها ( كله حسن ، على تقدير كون الوقف فيها فك ملك ، لا تمليكا ) والّا كان حالها حال الحمامات الموقوفة ، لا حال المساجد ، وغيرها ( ولو اتلف شيئا من هذه الموقوفات ) التي كان الوقف فيها فك ملك ( أو اجزائها متلف ، ففي الضمان وجهان ) .

وجه الضمان ما ذكره بقوله : ( من عموم : على اليد ) الشامل للوقوف والملك ( فيجب ) على المتلف ( صرف قيمته في بدله ) فإذا اتلف سقف الغرفة الموقوفة وجب عليه ان يصرف مالا لتجديد السقف مثلا وهكذا .

ووجه عدم الضمان ما ذكره بقوله ( ومن أن : ما يطلب بقيمته يطلب بمنافعه ) إذ : القيمة والمنفعة متلازمان ، إذ لو كان الشيء واجب القيمة

ص: 432

والمفروض عدم المطالبة بأجرة منافع هذه لو استوفاها ظالم ، كما لو جعل المدرسة بيت المسكن أو محرزا .

وان الظاهر من التأدية في حديث : اليد ، الايصال إلى المالك فيختص باملاك الناس .

والأول أحوط ، وقوّاه بعض

_________________________

على المتلف ، كان واجب المنفعة عليه ( والمفروض عدم المطالبة بأجرة منافع هذه ) الأوقاف ( لو استوفاها ظالم ، كما لو جعل المدرسة بيت المسكن أو محرزا ) اى مخزنا لشيء .

( و ) ان قلت : فما ذا تصنعون بعموم على اليد ،

قلت : ( ان الظاهر من التأدية ) اى : على اليد ما اخذت حتى تؤدى ( في حديث : اليد ، الايصال إلى المالك ) لا ناظر الوقف أو أربابه ( فيختص باملاك الناس ) فلا يشمل الحديث الأوقاف .

( والأول ) اى الضمان ( أحوط ، وقوّاه بعض ) بل هو مقتضى القاعدة ، لعدم تسليم الظهور المذكور في الحديث ، وقد تقدم : ان مقتضى القاعدة الاستيفاء من المتصرف في الوقف .

ص: 433

سيصدر قريبا جدا الجزء الثامن من اجزاء الكتاب والقسم الخامس من البيع إن شاء الله تعالى .

ص: 434

محتويات الكتاب

الموضوع الصفحة

في توابع الإجازة والرد 4

في حكم المشترى مع الفضولي 6

فيما لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه 89

فيمن لو باع من له نصف الدار وصوره 109

فيما لو بيع ما يقبل التملك وما لا يقبله 139

في أولياء العقد 148

في تعيين مناصب الفقيه 165

في ولاية عدول المؤمنين 214

في جواز مزاحمة الفقيه لمثله وعدمه 241

في ملاحظة الغبطة لليتيم وعدمها 249

في اشتراط اسلام من ينتقل إليه العبد 267

في عدم جواز نقل المصحف إلى الكافر 316

في شرائط العوضين 318

في بيان اقسام الأرضين واحكامها 324

ص: 435

الموضوع الصفحة

في ثبوت حق الاختصاص للمتصرف 351

في جواز التصرف وعدمه في الأراضي الخراجية 353

في ان من شروط العوضين كونهما طلقا 359

في عدم جواز بيع الوقف 367

في مسوغات بيع الوقف 376

محتويات الكتاب 435

ص: 436

المجلد 9

هویة الکتاب

سرشناسه : حسيني شيرازي، محمد، 1380 - 1305، شارح

عنوان و نام پديدآور : ايصال الطالب الي المكاسب: شرح واف بغرض الكتاب، تيعرض لحل مشكلاته و ابداآ مقاصد في ايجاز و توضيح/ محمد الحسيني الشيرازي

مشخصات نشر : تهران : موسسه كتابسراي اعلمي ، 1385.

مشخصات ظاهري : ج 16

شابك : 964-94017-6-8(دوره): ؛ 964-7860-59-5(ج. 1): ؛ 964-7860-58-7(ج. 2): ؛ 964-7860-57-9(ج. 3): ؛ 964-7860-56-0(ج. 4): ؛ 964-7860-54-4(ج. 6): ؛ 964-7860-53-6(ج. 7): ؛ 964-7860-55-2(ج. 8): ؛ 964-7860-52-8(ج. 9): ؛ 964-7860-51-X(ج. 10): ؛ 964-7860-50-1(ج. 11): ؛ 964-7860-49-8(ج. 12): ؛ 964-7860-45-X(ج. 13): ؛ 964-7860-47-1(ج. 15):

يادداشت : عربي

يادداشت : فهرست نويسي براساس اطلاعات فيپا

يادداشت : كتاب حاضر شرحي بر "المكاسب مرتضي بن محمد امين انصاري" است

عنوان ديگر : المكاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1281 - 1214ق. المكاسب -- نقد و تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

شناسه افزوده : انصاري، مرتضي بن محمدامين ، 1281 - 1214ق. المكاسب. شرح

رده بندي كنگره : BP190/1/الف8م702133 1385

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : م 85-16816

ص: 1

اشارة

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، و صلى الله على محمد و آله الطاهرين و لعنة الله على اعدائهم اجمعين.

و بعد فهذا هو القسم الخامس من البيع من كتابنا (ايصال الطالب) فى شرح الكتاب (المكاسب) للشيخ الفذّ آية الله الشيخ مرتضى الانصارى قدس سره و يشرع فى صور جواز بيع الوقف.

كتبته عسى أن يستفيد به المبتدى.

و جعله اللّه ذخرا ليوم فاقتى.

كربلاء المقدسة محمد بن المهدى الحسينى الشيرازى

ص: 2

[تتمة كتاب البيع]

[تتمة القول في شرائط العوضين]

[تتمة مسألة من شروط العوضين كونه طلقا]
[تتمة مسألة لا يجوز بيع الوقف إجماعا محققا في الجملة و محكيا]
[الوقف المؤبد]
صور جواز البيع
اشارة

اذا عرفت جميع ما ذكرنا فاعلم ان الكلام فى جواز بيع الوقف يقع فى صور.

الأولى: أن يخرب الوقف بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه

كالحيوان المذبوح، و الجذع البالى، و الحصير الخلق.

و الاقوى جواز بيعه، وفاقا لمن عرفت ممن تقدم نقل كلماتهم لعدم جريان أدلّة المنع.

اما الاجماع، فواضح.

و اما قوله: لا يجوز شراء الوقف، فلانصرافه الى غير هذه الحالة

______________________________

(اذا عرفت جميع ما ذكرنا) حول انّ اىّ وقف يباع، و اىّ وقف لا يباع (فاعلم أن الكلام فى جواز بيع الوقف يقع فى صور)

الصورة (الاولى: أن يخرب الوقف بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه) و انما يمكن الانتفاع به اذا بدّل الى غيره (كالحيوان المذبوح) الّذي كان وقفا، ثم ذبح، فانه لا يمكن الانتفاع بعينه، و انما يمكن الانتفاع به اذا بيع، و اشترى بثمنه حيوان حىّ (و الجذع البالى، و الحصير الخلق) و ما اشبه ذلك، كالآجر القديم الّذي لا ينتفع به فى البناء

(و الاقوى جواز بيعه، وفاقا لمن عرفت ممن تقدم نقل كلماتهم) و انما يجوز بيعه (لعدم جريان ادلّة المنع) عن بيع الوقف للمقام.

(اما) عدم جريان (الاجماع، فواضح) اذ: المشهور ذهبوا الى جواز البيع.

(و اما قوله) عليه السلام (لا يجوز شراء الوقف، فلانصرافه الى غير هذه الحالة) اذ: المتفاهم عرفا من هذه العبارة: ان الوقف ليس

ص: 3

و اما قوله عليه السلام: الوقوف على حسب ما يوقفها اهلها، فلا يدل على المنع هنا، لانه مسوق لبيان وجوب مراعاة الكيفية المرسومة فى إنشاء الوقف.

و ليس منها عدم بيعه، بل عدم جواز البيع من احكام الوقف و ان ذكر فى متن العقد

______________________________

كالملك، فليس له اطلاق احوالى يشمل، حتى حالة عدم الانتفاع.

(و اما قوله عليه السلام: الوقوف على حسب ما يوقفها اهلها، فلا يدل على المنع هنا) اى فى باب عدم الانتفاع بالوقوف (لانه مسوق لبيان وجوب مراعاة الكيفية المرسومة فى إنشاء الوقف) يعنى: ان الوقف يكون على الكيفية التى وقفها صاحب الملك، فان وقفه مسجدا او مدرسة او حسينية، فلا يتغير عن الكيفية الموقوفة، كان ينقلب المسجد مدرسة، او بالعكس، و لا ربط للعبارة بالبقاء للوقوف حتى ينافى البيع للعبارة.

(و ليس منها) اى من الكيفية (عدم بيعه) اى البيع و عدم البيع لا يرتبطان بالكيفية (بل عدم جواز البيع من احكام الوقف) كما ان جواز بيع الشي ء الّذي يشتريه المشترى، ليس داخلا فى مفهوم البيع، و انما يجوز للمشترى ان يبيعه، لان جواز البيع من احكام الملك (و ان ذكر) عدم البيع (فى متن العقد) للوقف، بان قال: وقفت وقفا لا يباع، فان الذكر فى متن العقد لا يوجب ان يدخل عدم جواز البيع فى كيفية الوقف و مفهومه كما انه لو ذكر البائع جواز بيع المشترى لما يشتريه لم يكن ذكره لاجازة البيع موجبا لدخول جواز البيع فى مفهوم عقد البائع، بل

ص: 4

للاتفاق على انه لا فرق بين ذكره فيه، و تركه، و قد تقدم ذلك.

و تضعيف قول من قال ببطلان العقد اذا حكم بجواز بيعه.

و لو سلم أن المأخوذ فى الوقف ابقاء العين، فانما هو مأخوذ فيه من حيث كون

______________________________

هو من احكام الملك، سواء ذكره البائع، أم لم يذكره

و انما قلنا: بان ذكر عدم جواز البيع فى عقد الوقف لا يوجب دخوله فى مفهوم الوقف (للاتفاق على انه لا فرق بين ذكره) اى عدم البيع (فيه) اى فى الوقف (و تركه) فانه من الاحكام (و قد تقدم ذلك) و انه لا فرق بين الذكر و الترك.

(و) تقدم (تضعيف قول من قال ببطلان العقد) اى عقد الوقف (اذا حكم بجواز بيعه) لانه راى تنافيا بين جواز البيع، و بين حقيقة الوقف.

قال: فاذا جاز البيع دلّ ذلك على بطلان الوقف، و قد رددناه هناك.

اذ عدم جواز البيع من احكام الوقف، لا من حقيقة الوقف، فكما انه اذا قلنا: بعدم جواز بيع المشترى لما اشتراه لم يكن ذلك ينافى حقيقة البيع، كذلك اذا قلنا: بجواز بيع الوقف لم يكن ذلك ينافى حقيقة الوقف

(و لو سلم ان المأخوذ فى الوقف ابقاء العين) بحيث يكون ابقاء العين داخلا فى مفهوم الوقف، لا انه حكم من احكام الوقف- كما اخترناه- (فانما هو) اى ابقاء العين (مأخوذ فيه) اى فى الوقف (من حيث كون

ص: 5

المقصود انتفاع البطون به مع بقاء العين، و المفروض تعذره هنا.

و الحاصل: ان جواز بيعه هنا غير مناف لما قصده الواقف فى وقفه فهو ملك للبطون، يجوز لهم البيع اذا اجتمع اذن البطن الموجود، مع اولياء سائر البطون، و هو الحاكم او المتولى.

و الحاصل: ان الامر دائر بين تعطيله، حتى يتلف بنفسه، و بين انتفاع البطن الموجود به بالاتلاف و بين

______________________________

المقصود) بالوقف (انتفاع البطون به) اى بالوقف (مع بقاء العين) لا من حيث أن بقاء العين من مقومات الوقف (و المفروض تعذره) اى انتفاع البطون (هنا) فيما اذا لم يكن الوقف قابلا للانتفاع، فاذا انتفت العلة اى جهة انتفاع البطون، انتفى المعلول اى بقاء العين.

(و الحاصل: ان جواز بيعه هنا) اى فى صورة عدم الانتفاع بالعين (غير مناف لما قصده الواقف فى وقفه) اذ: قصد الواقف البقاء ما دام ينتفع به (فهو) اى الموقوف (ملك للبطون، يجوز لهم البيع اذا اجتمع اذن البطن الموجود، مع) اذن (اولياء سائر البطون) التى لم توجد بعد (و هو الحاكم او المتولى)

و هذا الكلام تقريب انه لا ينافى الوقف للبيع اذا سقط عن الانتفاع لان المنافى ان كان الشرع، فقد عرفت عدم شمول الادلة، و ان كان جعل الواقف، فقد عرفت ان الواقف يريد الوقف ما دام الانتفاع.

(و الحاصل: ان الامر دائر بين تعطيله، حتى يتلف بنفسه، و بين انتفاع البطن الموجود به بالاتلاف) بان يبيعه و يأكل ثمنه (و بين

ص: 6

تبديله بما يبقى و ينتفع به الكل.

و الاوّل تضييع مناف لحق اللّه، و حق الواقف، و حق الموقوف عليه و به يندفع استصحاب المنع.

مضافا الى كون المنع السابق فى ضمن وجوب العمل بمقتضى الوقف، و هو انتفاع جميع البطون بعينه و قد ارتفع قطعا، فلا يبقى ما كان فى ضمنه.

______________________________

تبديله بما يبقى و ينتفع به الكل) من هذا البطن و سائر البطون.

(و الاول) اى تعطيله حتى يتلف (تضييع مناف لحق اللّه و حق الواقف، و حق الموقوف عليه) لان الله لا يحب فساد المال، و الواقف يريد انتفاع البطون، و البطون لهم حق فى الوقف.

(و به) اى بكونه تضييعا مناف للحقوق الثلاثة (يندفع استصحاب المنع) فلا يقال: انه كان ممنوع البيع، فاذا شككنا فى أنه هل جاز بيعه أم لا؟ كان الاصل بقاء المنع.

و انما يندفع لان التضييع حرام، فهو كالدليل الّذي اذا جاء لم يكن مجال للاصل.

(مضافا الى) ان الاستصحاب بنفسه لا يجرى لعدم بقاء الموضوع السابق، ل (كون المنع السابق) عن البيع انما كان (فى ضمن وجوب العمل بمقتضى الوقف، و هو) اى مقتضى الوقف (انتفاع جميع البطون بعينه) اى عين الوقف (و قد ارتفع) انتفاع جميع البطون (قطعا) لما عرفت: من انه آئل الى الخراب و عدم الانتفاع اصلا (فلا يبقى ما كان فى ضمنه)

ص: 7

و اما الثانى: فمع منافاته لحق سائر البطون، يستلزم جواز بيع البطن الاول.

اذ: لا فرق بين اتلافه، و نقله.

و الثالث: هو المطلوب.

نعم: يمكن ان يقال: اذا كان الوقف مما لا يبقى بحسب استعداده العادى الى آخر البطون، فلا وجه لمراعاتهم بتبديله بما يبقى لهم، فينتهى

______________________________

اى فى ضمن وجوب العمل، و مصداق «ما» المنع عن البيع.

و الحاصل: ان الممنوع، هو بيع لما ينتفع به البطون، و انتفاع البطون قد زال، فالمنع يزول، فلا مجال لاستصحاب المنع.

(و اما الثانى) و هو انتفاع البطن الموجود بالاتلاف (فمع منافاته لحق سائر البطون، يستلزم جواز بيع البطن الاول) فيثبت جواز البيع فى الجملة.

(اذ: لا فرق بين اتلافه، و) بين (نقله).

(و الثالث) و هو تبديله بما يبقى و ينتفع به الكل (هو المطلوب) فثبت جواز البيع و التبديل.

(نعم: يمكن ان يقال) لوجه عدم وجوب التبديل (اذا كان الوقف مما لا يبقى بحسب استعداده العادى الى آخر البطون) كالدار، فان البناء لا يبقى لبطون متعددة (فلا وجه لمراعاتهم) اى البطون (بتبديله بما يبقى لهم) بان تباع اذا آلت الى الخراب، و تشترى مكانها دار اخرى- مثلا (فينتهى

ص: 8

ملكه الى من أدرك آخر ازمنة بقائه، فتأمل.

و كيف كان، فمع فرض ثبوت الحق للبطون اللاحقة، فلا وجه لترخيص البطن الموجود فى اتلافه.

و مما ذكرنا يظهران الثمن على تقدير البيع لا يخص به البطن الموجود، وفاقا لمن تقدم ممّن يظهر

______________________________

ملكه) اى ملك الوقف للبطون (الى من ادرك آخر ازمنة بقائه) كالبطن الثالث مثلا.

و عليه فلا حق للبطن الرابع من اوّل الامر (فتأمل) فانه اذا كان كذلك، يلزم عدم ابدية اى وقف، و هذا خلاف ما التأموا عليه.

و لا يخفى: ان هذا الكلام مما يؤيد ما ذكرناه سابقا من: ان الملكية للواقف ليست بحيث تشمل الملك الى الابد.

و ربما يؤيد هذا بما اذا وقف لسكنى اولاده و اولاد اولاده و هكذا فان الجيل الثالث البالغ عددهم خمسين مثلا لا يمكن سكناهم فيه، فالامر دائر بين البيع و تقسيم الثمن بينهم، و بين ايجار قسم من الباقين.

و الثانى خلاف ظاهر كلام الواقف فلا يبقى الا الاول، فتأمل.

(و كيف كان، فمع فرض ثبوت الحق للبطون اللاحقة، فلا وجه لترخيص البطن الموجود فى اتلافه) فاللازم جواز بيعه و تبديله.

(و مما ذكرنا يظهر ان الثمن على تقدير البيع لا يخص به البطن الموجود) لان الوقف كان لجميعهم، فكيف يكون بدل الوقف لبعضهم فقط «و ما ذكرنا» هو ان البطون لها حق فى الوقف (وفاقا لمن تقدم ممّن يظهر

ص: 9

منه ذلك كالاسكافى، و العلامة، و ولده، و الشهيدين، و المحقق الثانى، و حكى عن التنقيح، و المقتصر، و مجمع الفائدة لاقتضاء البدلية ذلك.

فان المبيع اذا كان ملكا للموجودين بالفعل، و للمعدومين بالقوة كان الثمن كذلك فان الملكية اعتبار عرفى او شرعى يلاحظها المعتبر عند تحقق اسبابها.

فكما ان الموجود مالك له فعلا ما دام موجودا بتمليك الواقف، فكذلك المعدوم

______________________________

منه ذلك) اى حق البطون فى الثمن (كالاسكافى، و العلامة، و ولده، و الشهيدين، و المحقق الثانى، و حكى عن التنقيح، و المقتصر، و مجمع الفائدة لاقتضاء البدلية) اى بدلية الثمن للوقف (ذلك) اى عدم اختصاصه للبطن الموجود فقط.

(فان المبيع) اى الوقف (اذا كان ملكا للموجودين بالفعل، و للمعدومين بالقوّة) بمعنى ان ايا منهم صار موجودا كان له حق فى الوقف (كان الثمن كذلك) للكل بالنسبة (فان الملكية اعتبار عرفى او شرعى) بان الغى الشارع الاعتبار العرفى، و أسّس تأسيسا جديدا (يلاحظها) أى الملكية (المعتبر) الممضى اعتباره (عند تحقق اسبابها) التى هى اسباب بنظر المعتبر.

(فكما ان) البطن (الموجود مالك له) اى للوقف (فعلا ما دام) البطن (موجودا بتمليك الواقف) للبطن (فكذلك) البطن (المعدوم مالك له

ص: 10

شأنا بمقتضى تمليك الواقف.

و عدم تعقل الملك للمعدوم، انما هو فى الملك الفعلى، لا الشأنى و دعوى: ان الملك الشأنى ليس شيئا محققا موجودا.

يكذبها إنشاء الواقف له كانشائه لملك الموجود فلو جاز ان تخرج العين الموقوفة الى ملك الغير بعوض، لا يدخل فى ملك المعدوم

______________________________

شأنا بمقتضى تمليك الواقف).

(و) ان قلت: كيف يعقل الملك للمعدوم.

قلت: (عدم تعقل الملك للمعدوم، انما هو فى الملك الفعلى، لا الشأنى) اذ: معنى الشأنى، انه لو وجد لملك، بالإضافة الى ان الملك اعتبار، و الاعتبار يمكن تعلقه بالموجود و بالمعدوم.

الا ترى انك تقول: التناقض محال، فتحمل المحالية على التناقض مع ان احد طرفيه معدوم و إلا لزم وجود المتناقضين.

(و دعوى: ان الملك الشأنى ليس شيئا محققا موجودا) فلا يترتب عليه اثر حتى تقولوا ان الثمن ملك للمعدوم، ككونه ملكا للموجود.

(يكذبها) اى يكذب هذه الدعوى (إنشاء الواقف له كانشائه لملك) البطن (الموجود)

و لا يعقل إنشاء العدم اى ان المنشأ بعد الانشاء يوجد فى عالم الاعتبار، كما ان المخلوق بعد الايجاد يوجد فى عالم الموجودات (فلو جاز ان تخرج العين الموقوفة) الساقطة عن الانتفاع (الى ملك الغير) المشترى (بعوض) يتصف ذلك العوض بانه (لا يدخل فى ملك المعدوم

ص: 11

على نهج دخول المعوض، جاز ان تخرج بعوض، لا يدخل فى ملك الموجود.

و إليه اشار الشهيد قدس سره فى الفرع الآتى، حيث قال: انه يعنى الثمن صار مملوكا على حد الملك الاول، اذ يستحيل ان يملك لا على حده خلافا لظاهر بعض العبائر المتقدمة.

و اختاره المحقق فى الشرائع فى دية العبد الموقوف المقتول.

______________________________

على نهج دخول المعوض) اى ان دخوله شأنى كما ان دخول اهل الوقف كان شأنيا (جاز ان تخرج) العين (ب) مقابل (عوض، لا يدخل) ذلك العوض (فى ملك) البطن (الموجود).

فكما انكم تقولون ان العوض يدخل فى ملك الموجود، لانه عوض وقف لهم، كذلك يلزم ان تقولوا ان العوض يدخل فى ملك البطن المعدوم لانه عوض وقف لهم.

(و إليه) اى الى قولنا: فلو جاز، الخ (اشار الشهيد قدس سره فى الفرع الآتى، حيث قال: انه يعنى الثمن صار مملوكا) لكل البطون (على حد الملك الاول) اى نفس الموقوفة (اذ يستحيل ان يملك) الثمن (لا على حده) اى لا على النحو الّذي كان الاصل مملوكا، اذ: هذا بدل و كل بدل حكمه حكم المبدل (خلافا لظاهر بعض العبائر المتقدمة) كعبارة المفيد و الانتصار، حيث ان ظاهر هما ان الثمن ملك للموجودين فقط.

(و اختاره المحقق فى الشرائع فى دية العبد الموقوف المقتول) حيث ان العبد الموقوف لجماعة اذا قتل كانت ديته لاولئك الجماعة، و قد

ص: 12

و لعل وجه ان الوقف، ملك للبطن الموجود، غاية الامر تعلق حق البطون اللاحقة فاذا فرض جواز بيعه، انتقل الثمن الى من هو مالك له فعلا.

و لا يلزم من تعلق الحق بعين المبيع تعلقه بالثمن، و لا دليل عليه.

و مجرد البدلية لا يوجب ترتب جميع اللوازم اذ: لا عموم لفظيا يقتضي البدلية و التنزيل.

______________________________

افتى المحقق بانها للبطن الاول الموجودين، لا لكل البطون.

(و لعل وجهه) اى وجه اختصاص الموجودين بثمن الوقف (ان الوقف، ملك للبطن الموجود، غاية الامر تعلق حق البطون اللاحقة)

اما انه ملك للبطن الموجود، فلانه لا يمكن ملك المعدوم.

و اما انه متعلق لحق البطون، فلان الواقف جعله كذلك، و الشارع امضى اعتبار الواقف (فاذا فرض جواز بيعه، انتقل الثمن الى من هو مالك له فعلا).

(و) ان قلت: فكيف صار حق البطون.

قلت: (لا يلزم من تعلق الحق بعين المبيع تعلقه بالثمن) أيضا (و لا دليل عليه) اى على التلازم المذكور.

(و مجرد البدلية) للثمن (لا يوجب ترتب جميع اللوازم) كما ان الخمس بدل عن الزكاة، و لا يترتب عليه جميع اللوازم المترتبة على الزكاة (اذ:

لا عموم لفظيا يقتضي البدلية) حتى نقول: بان العموم ظاهر فى ترتب جميع الآثار (و) عموم (التنزيل) حتى فى تعلق حق البطون.

ص: 13

بل هو بدل له فى الملكية و ما يتبعها من حيث هو ملك.

و فيه ان ما ينقل الى المشترى ان كان هو الاختصاص الموقت الثابت للبطن الموجود، لزم منه رجوع المبيع- بعد انعدام البطن السابق- الى البطن اللاحق، فلا يملكه المشترى ملكا مستمرا، و ان كان هو مطلق الاختصاص المستقر الّذي لا يزول الا بالناقل، فهو لا يكون الا بثبوت جميع الاختصاصات الحاصلة للبطون له فالثمن لهم على نحو الثمن

______________________________

(بل هو بدل له فى الملكية و ما يتبعها من حيث هو ملك)

هذا غاية ما يمكن ان يوجه به قول القائل بان الثمن للبطن الموجود فقط.

(و فيه ان ما ينقل) لعين الوقف (الى المشترى) فيما باعه البطن الموجود (ان كان هو الاختصاص الموقت) بعمر البطن الموجود (الثابت) ذلك الاختصاص (للبطن الموجود) بان لا يكون المبيع عين الوقف، بل مقدار اختصاص البائع بالوقف، كمدة عشرين سنة الّذي هو منتهى عمر البطن الموجود (لزم منه رجوع) الوقف (المبيع- بعد انعدام البطن السابق-) بالموت (الى البطن اللاحق، فلا يملكه المشترى ملكا مستمرا) بل يملكه مدة عمر البطن البائع فقط (و ان كان) النقل الى المشترى (هو مطلق الاختصاص المستقر الّذي لا يزول الا بالناقل) كسائر الاعيان المبيعة حتى يصبح الوقف ملكا للمشترى (فهو) اى النقل هكذا (لا يكون الا بثبوت جميع الاختصاصات الحاصلة للبطون له) اى للوقف.

و على هذا (فالثمن لهم) اى للبطون (على نحو المثمن)

ص: 14

و مما ذكرنا تعرف ان اشتراك البطون فى الثمن، اولى من اشتراكهم فى دية العبد المقتول حيث انه بدل شرعى يكون الحكم به متأخرا عن تلف الواقف، فجاز عقلا منع سراية حق البطون اللاحقة إليه، بخلاف الثمن فانه يملكه من يملكه بنفس خروج الوقف عن ملكهم على وجه المعاوضة الحقيقة.

______________________________

فكما ان فى المثمن اختصاص للبطن الموجود و اختصاص للبطن المستقبل كذلك الثمن يكون له اختصاصان و لا يحق للبطن الموجود الاستئثار به لان فيه حقا لغيره أيضا.

(و مما ذكرنا) من ان نقل جميع الاختصاصات يوجب تعلق حق البطون بالثمن أيضا (تعرف ان اشتراك البطون فى الثمن) للوقف (اولى من اشتراكهم فى دية العبد المقتول) الّذي كان وقفا لجماعة (حيث انه) اى الثمن الّذي هو دية (بدل شرعى) ف (يكون الحكم به) اى بكونها للبطون (متأخرا عن تلف الوقف) اذ: الشارع حكم بانه اذا مات العبد تعلقت ديته بذمة القاتل فمرتبة الدية متأخرة عن مرتبة العبد (فجاز عقلا منع سراية حق البطون اللاحقة إليه) اى الى ثمن العبد الّذي هو الدية (بخلاف الثمن) فى بيع الوقف (فانه يملكه من يملكه) اى يملك الثمن من يكون مالكا للوقف (بنفس خروج الوقف عن ملكهم) خروجا (على وجه المعاوضة الحقيقية) فاذا ذهب المثمن جاء الثمن بنفس ذهاب المثمن، بخلاف العبد المقتول، فان حكم الشارع بالدية فاصل بين قتل العبد و بين تعلق الدية بذمة القاتل.

ص: 15

فلا يعقل اختصاص العوض بمن لم يختص بالمعوض.

و من هنا اتضح أيضا، ان هذا اولى بالحكم من بدل الرهن الّذي حكموا بكونه رهنا، لان حق الرهنية متعلق بالعين، من حيث انه ملك لمالكه الاول، فجاز ان يرتفع الى بدل بارتفاع ملكية المالك الاول بخلاف الاختصاص الثابت للبطن المعدوم فانه ليس قائما بالعين من حيث انه ملك البطن الموجود، بل اختصاص موقت.

______________________________

(فلا يعقل) فى مقام البيع (اختصاص العوض) الّذي هو الثمن (بمن لم يختص بالمعوض) اى البطن الموجود الّذي لم يختص بالوقف.

(و من هنا) الّذي ذكرنا ان بدل الوقف يكون بدلا بمجرد خروج الوقف عن الملك (اتضح أيضا، ان هذا) الّذي ذكرناه من تعلق حق البطون بالثمن (اولى بالحكم) الّذي ذكرناه (من بدل الرهن الّذي حكموا بكونه رهنا)

كما لو ان كتاب زيد، كان رهنا عند عمرو، فباع الكتاب بقلم، فان القلم يكون رهنا عند عمرو أيضا، فاذا كان بدل الرهن متعلقا لحق المرتهن كان بدل الوقف متعلقا للبطون بطريق اولى.

وجه الاولوية (لان حق الرهنية متعلق بالعين، من حيث انه ملك لمالكه الاول) و هو الّذي رهن الكتاب (فجاز ان يرتفع) حق الرهن (الى بدل بارتفاع ملكية المالك الاول) فلا يكون بدله رهنا (بخلاف الاختصاص الثابت للبطن المعدوم) فى باب الوقف (فانه) اى الاختصاص (ليس قائما بالعين من حيث انه ملك البطن الموجود، بل اختصاص موقت)

ص: 16

نظير اختصاص البطن الموجود منشأ بانشائه مقارن له بحسب الجعل متأخر عنه فى الوجود.

و قد تبين مما ذكرنا: ان الثمن حكمه حكم الوقف فى كونه ملكا لجميع البطون على ترتيبهم فان كان مما يمكن ان يبقى و ينتفع منه البطون على نحو المبدل و كانت مصلحة البطون فى بقائه

______________________________

بعمر البطن المعدوم.

(نظير اختصاص) الوقف ب (البطن الموجود منشأ) هذا الاختصاص للبطن المعدوم (بانشائه) اى بنفس الانشاء الحاصل للبطن الموجود (مقارن) ذلك الاختصاص للمعدوم (له) اى الاختصاص الحاصل للموجود (بحسب الجعل) الواقفى الّذي أمضاه الشارع، اذ: الواقف إنشاء إنشاء واحدا لهما (متأخر) الاختصاص للمعدوم (عنه) اى عن الاختصاص للموجود (فى الوجود)

و عليه: يكون بدل الوقف اولى بالحكم، من بدل الرهن، فاذا قلنا:

بان بدل الرهن يكون متعلقا لحق المرتهن، يكون بدل الوقف اولى بكونه متعلقا لحق البطن اللاحق المعدوم حالا.

(و قد تبين مما ذكرنا) فى وجه الاشكال على كلام المحقق (ان الثمن) للوقف (حكمه حكم الوقف فى كونه ملكا لجميع البطون على ترتيبهم)

فالبطن الاول، مقدم على الثانى، و الثانى مقدم على الثالث، و هكذا (فان كان) البدل (مما يمكن ان يبقى و ينتفع منه البطون على نحو المبدل) كأن كان بدل الدار الموقوفة بدار اخرى (و كانت مصلحة البطون فى بقائه

ص: 17

ابقى و الّا ابدل مكانه ما هو اصلح.

و من هنا ظهر: عدم الحاجة الى صيغة الوقف فى البدل، بل نفس البدلية يقتضي كونه كالمبدل.

و لذا علله الشهيد فى غاية المراد بقوله: لانه صار مملوكا على حدّ الملك الاول.

اذ يستحيل ان يملك لا على حدّه.

ثم ان

______________________________

ابقى)- بالمجهول- اى ابقى البدل (و الّا ابدل مكانه) اى مكان البدل (ما هو اصلح) و هكذا.

(و من هنا) الّذي ذكرنا، ان البدل محكوم بجميع احكام الوقف، بمجرد كونه بدلا (ظهر: عدم الحاجة الى صيغة الوقف فى البدل، بل نفس البدلية يقتضي كونه) اى البدل- فى كونه وقفا- (كالمبدل).

(و لذا) الّذي انه كالمبدل فى جميع الامور (علله) اى عدم الاحتياج الى صيغة الوقف (الشهيد فى غاية المراد بقوله: لانه) اى البدل (صار مملوكا) للموقوف عليهم (على حدّ الملك الاول) اى مثل ملكهم لاصل الوقف

(اذ يستحيل ان يملك) البدل (لا على حدّه) لا مثل الملك الاول.

(ثم ان) مقتضى القاعدة المتقدمة من جريان جميع آثار الوقف الاول على البدل ان يكون الوقف البدل ممنوع التصرف فيه، و لو تبديلا الى الاصلح، كاصل الوقف، كما ان مقتضاه أيضا ان لا يجوز التبديل من الاصل الى البدل الّا بالمماثل مع الامكان، فالدار تبدل بالدار و ان كان

ص: 18

هذا العين حيث صارت ملكا للبطون، فلهم، او لوليّهم ان ينظر فيه و يتصرف فيه بحسب مصلحة جميع البطون، و لو بالابدال بعين اخرى اصلح لهم بل قد يجب اذا كان تركه يعد تضييعا للحقوق.

و ليس مثل الاصل ممنوعا عن بيعه، الا لعذر، لان ذلك كان حكما من احكام الوقف الابتدائى.

و بدل الوقف انما هو بدل له فى كونه ملكا للبطون، فلا يترتب عليه جميع احكام الوقف الابتدائى.

______________________________

الحمام و الدكان اصلح، و انفع مثلا.

و منه يظهر الاشكال فيما اختاره الشيخ ره بقوله: ان (هذا العين) اى البدل (حيث صارت ملكا للبطون، فلهم، او لوليّهم) اذا كان لهم ولىّ (ان ينظر فيه، و يتصرف فيه) اى فى البدل (بحسب مصلحة جميع البطون، و لو بالابدال) لهذا البدل (بعين اخرى اصلح لهم) من البدل الاول (بل قد يجب) على الولىّ ابدال البدل ببدل آخر (اذا كان تركه) اى ترك البدل (يعدّ تضييعا للحقوق)

كما اذا كان ايجار البدل مائة و لو بدّل كان ايجاره خمسمائة.

(و ليس) البدل (مثل الاصل) اى اصل الوقف (ممنوعا عن بيعه، إلا لعذر) حتى لا يجوز تبديله بالاصلح (لان ذلك) اى عدم جواز التبديل (كان حكما من احكام الوقف الابتدائى) مقابل الوقف البدلى.

(و بدل الوقف انما هو بدل له فى كونه ملكا للبطون) فقط لا فى جميع احكام الوقف (فلا يترتب عليه) اى على البدل (جميع احكام الوقف الابتدائى)

ص: 19

و مما ذكرنا أيضا يظهر عدم وجوب شراء المماثل للوقف كما هو ظاهر التذكرة، و الارشاد، و جامع المقاصد، و التنقيح و المقتصر، و مجمع الفائدة، بل قد لا يجوز، اذا كان غيره اصلح لان الثمن اذا صار ملكا للموقوف عليهم الموجودين و المعدومين، فاللازم ملاحظة مصلحتهم، خلافا للعلامة، و ولده، و الشهيد، و جماعة، فاوجبوا المماثلة مع الامكان لكون المثل اقرب الى مقصود الواقف.

و فيه: مع عدم انضباط غرض الواقف اذ قد يتعلق غرضه بكون الموقوف

______________________________

و قد عرفت الاشكال فى هذا الكلام.

(و مما ذكرنا) من ان البدل ليس محكوما بحكم اصل الوقف (أيضا يظهر عدم وجوب شراء المماثل للوقف كما هو ظاهر التذكرة، و الارشاد و جامع المقاصد، و التنقيح، و المقتصر، و مجمع الفائدة، بل قد لا يجوز) شراء المماثل (اذا كان غيره) اى غير المماثل (اصلح) لان المماثل حينئذ يكون تضييعا.

و انما لا يجب شراء المماثل (لان الثمن اذا صار ملكا للموقوف عليهم الموجودين و المعدومين، فاللازم ملاحظة مصلحتهم) فان كانت المصلحة فى غير المماثل، لزم شراء غير المماثل (خلافا للعلامة، و ولده و الشهيد و جماعة) آخرين (فاوجبوا المماثلة مع الامكان، لكون المثل اقرب الى مقصود الواقف) و اللازم اتباع مقصود الواقف.

(و فيه: مع عدم انضباط غرض الواقف) بانه المماثل، او غير المماثل (اذ قد يتعلق غرضه بكون الموقوف

ص: 20

عينا خاصة، و قد يتعلق بكون منفعة الوقف مقدارا معينا من دون تعلق غرض بالعين، و قد يكون الغرض خصوص الانتفاع بثمرته، كما لو وقف بستانا لينتفعوا بثمرته، فبيع، فدار الامر بين ان يشترى بثمنه بستانا فى موضع لا يصل إليهم الا قيمة الثمرة، و بين ان يشترى ملكا آخر تصل إليهم اجرة منفعته.

فان الاول و ان كان مماثلا، الا انه ليس اقرب الى غرض الواقف انه لا دليل على وجوب ملاحظة الاقرب الى مقصوده، انما اللازم ملاحظة مدلول كلام فى إنشاء الوقف

______________________________

عينا خاصة) كالدار مثلا، فاللازم المماثل (و قد يتعلق بكون منفعة الوقف مقدارا معينا من دون تعلق غرض بالعين) كما لو كان غرضه الانتفاع بالف دينار كل سنة، و اشترى الدكان أولا لهذا الغرض، ثم صار الدكان لا ينفع بهذا القدر، و انما نفع الحمام الف دينار مثلا (و قد يكون الغرض خصوص الانتفاع بثمرته) من غير نظر الى العين، و لا الى مقدار الايجار (كما لو وقف بستانا لينتفعوا بثمرته، فبيع) البستان لاحد مجوزات البيع (فدار الامر بين ان يشترى بثمنه بستانا فى موضع لا يصل إليهم إلا قيمة الثمرة و بين ان يشترى ملكا آخر تصل إليهم اجرة منفعته) كالدار التى تؤجر.

(فان الاول) اى البستان (و ان كان مماثلا، الا انه ليس اقرب الى غرض الواقف) اذ: غرضه الثمرة، و هو لا يحصل فى اىّ منهما (انه) مبتدأ لقوله «و فيه» (لا دليل على وجوب ملاحظة الاقرب الى مقصوده انما اللازم ملاحظة مدلول كلام فى إنشاء الوقف) حتى نتبع اللّفظ فى

ص: 21

ليجرى الوقوف على حسب ما يوقفها اهلها.

فالحاصل: ان الوقف ما دام موجودا بشخصه، لا يلاحظ فيه الا مدلول كلام الواقف و اذا بيع و انتقل الثمن الى الموقوف عليهم لم يلاحظ فيه الا مصلحتهم هذا، قال العلامة فى محكى التذكرة كل مورد جوزنا بيع الوقف، فانه يباع و يصرف الثمن الى جهة الوقف، فان امكن شراء مثل تلك العين مما ينتفع به كان اولى، و إلا جاز شراء كل ما يصح وقفه، و الا

______________________________

اشتراء البدل (ليجرى الوقوف على حسب ما يوقفها اهلها) فاذا لم يكن لكلام دلالة خاصة، كان البدل مطلقا، فاللازم اشتراء الاصلح، و ان لم يكن هناك اصلح جاز كل واحد من الابدال.

(فالحاصل: ان الوقف ما دام موجودا بشخصه، لا يلاحظ فيه الا مدلول كلام الواقف) فى انه يجب ان يبقى، كما قال الواقف (و اذا بيع و انتقل الثمن الى الموقوف عليهم لم يلاحظ فيه الا مصلحتهم)

و قد عرفت ان البدل بحكم كونه كالاصل يجب ان يتبع فيه كلام الواقف أيضا.

اللهم الا ان يقال: ان اللازم ملاحظة قصد الواقف عرفا، من جهة ملاحظة الموقوف عليهم، لان دليل الوقف و التبديل لا يستفاد منهما اكثر من ملاحظة قصد الواقف (هذا، قال العلامة فى محكى التذكرة كل مورد جوزنا بيع الوقف، فانه يباع و يصرف الثمن الى جهة الوقف، فان امكن شراء مثل تلك العين) الموقوفة (مما ينتفع به كان اولى، و إلا جاز شراء كل ما يصح وقفه، و الا) يمكن شراء كلما يصح وقفه لان الثمن كان قليلا

ص: 22

صرف الثمن الى الموقوف عليه، يعمل فيه ما شاء، لان فيه جمعا بين التوصل الى غرض الواقف من نفع الموقوف عليه على الدوام، و بين النصّ الدال على عدم جواز مخالفة الواقف، حيث شرط التأبيد، فاذا لم يمكن التأبيد بحسب الشخص، و امكن بحسب النوع، وجب لانه موافق لغرض الواقف، و داخل تحت الاول الّذي وقع العقد عليه.

و مراعاة الخصوصية الكلية يفضى الى فوات الغرض باجمعه

______________________________

جدا او ان الوقف كان معرضا للسيطرة عليه، من قبل الظالم، او ما اشبه (صرف الثمن الى الموقوف عليه، يعمل فيه ما شاء) كسائر امواله (لان فيه) اى فى الترتيب الّذي ذكرناه من المماثل و غير المماثل، و الصرف فى مصلحة الموقوف عليه (جمعا بين التوصل الى غرض الواقف من نفع الموقوف عليه على الدوام، و بين النصّ الدالّ على عدم جواز مخالفة الواقف، حيث شرط التأبيد) و بين الغرض الخاص للواقف فى كون الموقوفة شيئا خاصا، كالدار و البستان مثلا (فاذا لم يمكن التأبيد بحسب الشخص، و امكن بحسب النوع، وجب) فان امكن بحسب الصنف كالدار بدلا عن الدار، كان مقدما، و الا فالدار تبدل بالبستان مثلا (لانه موافق لغرض الواقف) فان غرضه من باب تعدد المطلوب (و داخل) البدل (تحت) الوقف (الاول الّذي وقع العقد) اى عقد الوقف (عليه)

(و) اذا اردنا (مراعاة الخصوصية الكلية) لا مراعاة الكلية بما هى كلية، بل قلنا: ان اللازم بقاء العين، و الا فلا بدل لها فان ذلك (يفضى) و ينتهى (الى فوات الغرض باجمعه) و هذا خلاف تعدد

ص: 23

و لان قصر الثمن على البائعين يقتضي خروج باقى البطون عن الاستحقاق بغير وجه مع انهم يستحقون من الوقف كما يستحق البطن الاول و تعذر وجودهم حال الوقف.

قال بعض علمائنا، و الشافعية: ان ثمن الوقف كقيمة الموقوف اذا تلف فيصرف الثمن على الموقوف عليهم ملكا على رأى، انتهى.

و لا يخفى عليك مواقع الردّ و القبول فى كلامه ره

______________________________

المطلوب الظاهر من حالة الواقفين المشمول لقوله صلى الله عليه و آله و سلم الوقوف الخ.

(و لان قصر الثمن على البائعين) بان يتصرفوا فيه (يقتضي خروج باقى البطون عن الاستحقاق) الّذي قرّره الواقف لهم (بغير وجه)

اذ: لا وجه لاخراج البطون من الاستحقاق شرعا، و لا عقلا (مع) اى و الحال (انهم) اى البطون اللاحقة (يستحقون من الوقف كما يستحق البطن الاول)

(و تعذر وجودهم حال الوقف) اى عدمهم لا يوجب سقوط حقهم اذ: الحق لا يناط بالموجود لا شرعا و لا عرفا.

(و قال بعض علمائنا، و الشافعية: ان ثمن الوقف) اذا بيع (كقيمة الموقوف اذا تلف) اذا اتلفه متلف حيث يجب عليه دفع القيمة اى ان الثمن و القيمة كليهما فى حال واحد (فيصرف الثمن على الموقوف عليهم ملكا على رأى) لكنه عندنا غير مختار لما عرفت من الدليل (انتهى) كلام العلامة

(و لا يخفى عليك مواقع الرد و القبول فى كلامه ره) فمن مواقع الردّ

ص: 24

ثم ان المتولى للبيع، هو البطن الموجود بضميمة الحاكم القيم من قبل سائر البطون.

و يحتمل ان يكون هذا الى الناظر ان كان لانه المنصوب لمعظم الامور الراجعة الى الوقف.

الا ان يقال: بعدم انصراف وظيفته المجعولة من قبل الواقف الى التصرف فى نفس العين

______________________________

- على مذاق المصنف ره- قوله فان امكن شراء مثل تلك العين الخ، اذ: لا يجب شراء المثل عند المصنف، و قوله: و الّا جاز شراء كل ما يصح الخ اذ: لا بد من شراء الاصلح، و قوله: فاذا لم يمكن الخ فان المصنف لا يعتبر امكان التأبيد، اما مواقع القبول، فسائر الاحكام التى ذكر مما يوافق المصنف ره عليهما.

(ثم ان المتولى للبيع، هو البطن الموجود بضميمة الحاكم القيم من قبل سائر البطون) فان الحاكم قيّم على ما لا قيّم له.

(و يحتمل ان يكون هذا الى الناظر) للوقف (ان كان) للوقف ناظر من قبل الواقف (لانه المنصوب لمعظم الامور الراجعة الى الوقف)

و انما قال: معظم الامور، لان بعض الامور الاخر راجعة الى البطون، و اذا لم يكن للوقف ناظر تصل النوبة الى الحاكم.

(الا ان يقال) فى وجه عدم تولّيه (بعدم انصراف وظيفته المجعولة من قبل الواقف الى التصرف فى نفس العين) بالبيع و ما اشبه.

و عليه: فلا حق للناظر فى بيع العين، و انما له حق فى تصدّى الشئون المربوطة بالعين ما دامت العين موجودة.

ص: 25

و الظاهر سقوط نظارته عن بدل الوقف.

و يحتمل بقائها لتعلق حقه بالعين الموقوفة، فيتعلق ببدلها.

ثم انه لو لم يمكن شراء بدله و لم يكن الثمن مما ينتفع به مع بقاء عينه كالنقدين، فلا يجوز دفعه الى البطن الموجود، لما عرفت من كونه كالمبيع مشتركا بين جميع البطون.

و حينئذ فيوضع عند امين، حتى يتمكن من شراء ما

______________________________

(و الظاهر) لدى المصنف (سقوط نظارته) اى نظارة الناظر المجعولة من قبل الواقف (عن بدل الوقف) لان النظارة كانت على العين لا على البدل.

(و يحتمل بقائها) اى النظارة (لتعلق حقه) اى الناظر (بالعين الموقوفة، فيتعلق ببدلها) لان بدل العين فى حكم العين من جميع الجهات، الا ما خرج بالدليل، و ليست النظارة خارجة بدليل.

(ثم انه لو لم يمكن شراء بدله) فيما اذا باع الوقف (و لم يكن الثمن مما ينتفع به مع بقاء عينه) اذ لو امكن الانتفاع به مع بقاء عينه، كما لو كان الثمن شاة مثلا وجب الابقاء، لانه اقرب الى مقصد الواقف (كالنقدين) فيما لم يمكن اجارتها لانتفاع المستأجر من بقائها عنده مثلا (فلا يجوز دفعه) اى الثمن (الى البطن الموجود) يتصرف فيه كما يشاء (لما عرفت من كونه) اى الثمن (كالمبيع) اى الوقف (مشتركا بين جميع البطون) فلا يمكن تخصيص بطن واحد به.

(و حينئذ، فيوضع) الثمن (عند امين، حتى يتمكن من شراء ما

ص: 26

ينتفع به، و لو مع الخيار الى مدّة.

و لو طلب ذلك البطن الموجود، فلا يبعد وجوب اجابته، و لا يعطل الثمن حتى يوجد ما يشترى به من غير خيار.

______________________________

ينتفع به) اما بدلا للوقف، او مكانا للثمن ابقاء الثمن حتى يمكن اشتراء بدل الوقف (و لو مع الخيار الى مدّة) بان يشترى بالثمن دارا بيع خيار الى سنة مثلا، ثم يفسخ متولى الثمن المعاملة بعد سنة، ليشترى بالثمن ما يمكن الانتفاع به وقفا، أو بدلا، حتى يتسنى الوقف و الاشتراء بخيار، فيما اذا كان الاشتراء كذلك اصلح، او كان الشي ء المرغوب فيه لا يتوفر فى الحال الحاضر فيشترى بالثمن شيئا خيار يا حتى اذا تسنّى الشي ء المطلوب، فسخ البيع، و اشترى بالثمن ذلك الشي ء المطلوب.

(و لو طلب ذلك) الاشتراء الخيارى- فيما لم يمكن الاشتراء غير الخيارى- (البطن الموجود، فلا يبعد وجوب اجابته) لان للبطن حقا فى الثمن، كما ان للناظر حق النظارة، و طلبه مشروع (و لا يعطل الثمن حتى يوجد ما يشترى به من غير خيار)

اذ لا وجه للتعطيل، فان عدم الشراء تضييع لحق البطن الموجود الّذي يطلب الشراء و ليس فيه منافاة لحق الوقف او حق البطون، بخلاف عدم الشراء، فانه تضييع لحق البطن الموجود الّذي طلبه بلا جهة.

و يحتمل عدم وجوب الاجابة، اذ البطن لم يكن له هذا الحق، فمن أين يوجد له هذا الحق؟ بعد بيع الوقف.

ص: 27

نعم لو رضى الموجود بالاتّجار به و كانت المصلحة فى التجارة جاز مع المصلحة الى ان يوجد البدل.

و الربح تابع للاصل.

و لا يملكه الموجودون، لانه جزء من البيع، و ليس كالنماء الحقيقى ثم لا فرق فى جميع ما ذكرنا من جواز البيع مع خراب الوقف، بين عروض الخراب لكله، او بعضه فيباع البعض المخروب، و يجعل بدله ما يكون وقفا و لو كان صرف ثمنه فى باقيه بحيث يوجب

______________________________

(نعم لو رضى) البطن (الموجود بالاتّجار به) اى بالثمن عوض ان يشترى به شي ء خيارى (و كانت المصلحة فى التجارة، جاز) الاتجار (مع المصلحة الى ان يوجد البدل) فانه يشترى البدل و ان كان ربح البدل اقل من ربح الاتجار، لان البدل اقرب الى الوقف و الى قصد الواقف.

(و) اذا اتجر بالثمن، ف (الربح تابع للاصل) فى وجوب ابقائه.

(و لا يملكه الموجودون، لانه جزء من المبيع، و ليس كالنماء الحقيقى) الّذي هو لارباب الوقف، فكونه مسمّى بالربح اعتبارى محض، و الا فهو فى الحقيقة جزء من الثمن الّذي ربح.

(ثم لا فرق فى جميع ما ذكرنا من جواز البيع مع خراب الوقف، بين عروض الخراب لكله، او بعضه) لان الدليل انما دل على جواز البيع حال الخراب، و ذلك شامل لخراب البعض، و خراب الكل على حد سواء (ف) اذ اخرب البعض (يباع البعض المخروب و يجعل بدله ما يكون وقفا و لو صرف ثمنه) اى ثمن المبيع (فى باقيه) فيما خرب البعض (بحيث يوجب

ص: 28

زيادة منفعته، جاز مع رضا الكل، لما عرفت من كون الثمن ملكا للبطون، فلهم التصرف فيه على ظن المصلحة.

و منه يعلم جواز صرفه فى وقف آخر عليهم على نحو هذا الوقف فيجوز

______________________________

زيادة منفعته، جاز) الصرف (مع رضا الكل) اى كل الموقوف عليهم، اذ لا دليل على ان يكون المشترى وقفا جديدا.

و عليه فيجوز صرف الثمن سواء كان للكل او للبعض فى وقف آخر كما لو باع الدار الموقوفة و صرف ثمنها فى خان موقوف مثلا (لما عرفت من كون الثمن ملكا للبطون، فلهم التصرف فيه على ظن المصلحة) اى اذا ظن انه مصلحة.

و الاكتفاء بالظن انما هو لانه الغالب الّذي يعتمد عليه العقلاء اذ العلم لا يحصل غالبا كما لا يخفى.

(و منه) اى و مما ذكرنا من جواز صرف ثمن البعض المخروب فى البعض الباقى (يعلم جواز صرفه) اى الثمن (فى وقف آخر عليهم) اى على نفس الموقوف عليهم، اما وقف آخر لغير هم فذلك خلاف كون الوقف المبيع وقفا عليهم، اذا كان الوقف الآخر (على نحو هذا الوقف) لا على وقف عليهم غير هذا النحو، مثلا لو كان لهم ثلاثة دور موقوفة، داران وقف لسكناهم، و دار وقف لان ينتفعوا بايجارها، كان اللازم لدى بيع احدى الدارين ان يصرف ثمنها فى الدار الاخرى التى هى للسكنى، لا الدار التى هى للايجار

و ذلك لوضوح ان الاقرب الى الدار المبيعة هى الدار التى للسكنى (فيجوز

ص: 29

صرف ثمن ملك مخروب فى تعمير وقف آخر عليهم.

و لو خرب بعض الوقف، و خرج عن الانتفاع و بقى بعضه محتاجا الى عمارة لا يمكن بدونها انتفاع البطون اللاحقة، فهل يصرف ثمن المخروب الى عمارة الباقى، و ان لم يرض البطن الموجود، وجهان آتيان فيما اذا احتاج اصلاح الوقف- بحيث لا يخرج عن قابلية انتفاع البطون اللاحقة- الى صرف منفعته الحاضرة التى يستحقها البطن الموجود اذا لم يشترط الواقف

______________________________

صرف ثمن ملك مخروب فى تعمير وقف آخر عليهم).

(و لو خرب بعض الوقف، و خرج عن الانتفاع) بحيث جاز بيعه (و بقى بعضه محتاجا الى عمارة لا يمكن بدونها) اى بدون العمارة (انتفاع البطون اللاحقة، فهل يصرف ثمن المخروب الى عمارة الباقى، و ان لم يرض البطن الموجود) او يتوقف ذلك على رضاية البطن الموجود، و الا يشترى به مكان آخر اذا لم يرض البطن الموجود بذلك (وجهان)

الاول: يصرف فى عمارة الباقى مطلقا رضى الموجود، أم لا؟ لان الباقى اقرب الى المبيع.

الثانى: لا يصرف الا برضاهم، لانه لا فرق بين الامرين، و حيث ان الموجود هم ذوو التصرف لا يجوز التعدى عن رضاهم.

ثم ان هذين الوجهين (آتيان فيما اذا احتاج اصلاح الوقف- بحيث لا يخرج عن قابلية انتفاع البطون اللاحقة- الى صرف منفعته) اى منفعة الوقف (الحاضرة التى يستحقها البطن الموجود اذا لم يشترط الواقف

ص: 30

اخراج مئونة الوقف عن منفعته قبل قسمته فى الموقوف عليهم.

و هنا فروع اخر يستخرجها الماهر بعد التأمل.

______________________________

اخراج مئونة الوقف عن منفعته قبل قسمته فى الموقوف عليهم).

اما اذا اشترط فلا اشكال فى ان صرف المنفعة فى الاصلاح مقدم على القسمة.

و انما كان وجهان فى صورة عدم الاشتراط، لاحتمال ان المنفعة ملك لهذا البطن، فكيف يصرف فى الموقوف مع عدم رضاهم؟

و احتمال ان بقاء الوقف الّذي هو مراد الواقف مقدم على انتفاع هذا البطن بالمنفعة الموجودة.

نعم لو دار الامر- فيما كان الوقف لبطنين فقط- بين انتفاع هذا البطن او البطن اللاحق لم يبعد تقدم هذا البطن.

(و هنا فروع اخر يستخرجها الماهر بعد التأمل) مثل انه اذا لم يف الثمن بالمماثل التام، فهل يقدم غير المماثل الناقص.

مثلا ثمن الدار المبيعة يفى بدكان كامل او نصف دار، فايهما يقدم؟

و انه اذ كان شراء المثل صلاحا للموجودين و شراء غيره صلاحا لغيرهم، أو بالعكس، او كان احدهما اصلح للوقف و الآخر اصلح للبطون.

مثلا شراء الدكان اصلح للوقف، حيث يبقى بدون احتياج الى تعمير او ضريبة حكومية، و شراء الدار اصلح للبطون حيث ان ايجارها اكثر، و هكذا من عشرات الفروع الاخر.

ص: 31

الصورة الثانية: ان يخرب بحيث يسقط عن الانتفاع المعتد به

بحيث يصدق عرفا انه لا منفعة فيه كدار انهدمت، فصارت عرصة توجر للانتفاع بها باجرة لا تبلغ شيئا معتدا به، فان كان ثمنه على تقدير البيع لا يعطى به الا ما كان منفعته كمنفعة العرصة، فلا ينبغى الاشكال فى عدم الجواز.

و ان كان يعطى بثمنه ما يكون منفعته اكثر من منفعة العرصة بل يساوى منفعة الدار

______________________________

(الصورة الثانية) من الصور التى يجوز بيع الوقف فيها فى الجملة (ان يخرب بحيث يسقط عن الانتفاع المعتد به بحيث يصدق عرفا) بالحمل الشائع الصناعى (انه لا منفعة فيه) و ان كان فى الواقع و الحقيقة له منفعة قليلة (كدار) موقوفة (انهدمت، فصارت عرصة توجر للانتفاع بها باجرة لا تبلغ شيئا معتدا به) كما لو كانت اجرة الاصل مائة و اجرة العرصة خمسة مثلا (فان كان ثمنه على تقدير البيع) اى ان يباع (لا يعطى به) اى بذلك الثمن (الا ما كان منفعته كمنفعة العرصة) كما انه لو بيعت العرصة اعطى بثمنها دار اجرتها خمسة دنانير مثلا، كما هى اجرة العرصة (فلا ينبغى الاشكال فى عدم الجواز) اذ لا مبرّر للبيع اطلاقا.

(و ان كان يعطى بثمنه ما يكون منفعته اكثر من منفعة العرصة) كما لو كان ايجار الدار المشتراة بثمن العرصة عشرين، بينما ثمن العرصة خمسة (بل يساوى منفعة الدار) السابقة، كما لو كانت منفعة الدار الموقوفة مائة، و منفعة العرصة عشرين ثم اذا اشترينا بثمن العرصة دارا

ص: 32

ففى جواز البيع وجهان، من عدم الدليل على الجواز مع قيام المقتضى للمنع و هو ظاهر المشهور، حيث قيّدوا الخراب المسوّغ للبيع بكونه بحيث لا يجدى نفعا.

و قد تقدم التصريح من العلامة فى التحرير بانه لو انهدمت الدار لم تخرج العرصة من الوقف، و لم يجز بيعها.

اللهم الا ان يحمل النفع المنفى فى كلام المشهور على النفع المعتدّ به بحسب حال العين.

______________________________

اخرى كانت منفعتها أيضا مائة (ففى جواز البيع وجهان، من عدم الدليل على الجواز مع قيام المقتضى للمنع) و هو حرمة بيع الوقف (و هو ظاهر المشهور، حيث قيّدوا الخراب المسوّغ للبيع بكونه بحيث لا يجدى نفعا) و العرصة حسب الفرض لها نفع و ان كان قليلا.

(و قد تقدم التصريح من العلامة فى التحرير بانه لو انهدمت الدار لم تخرج العرصة من الوقف) و هذا شاهد لعدم جواز البيع، اذ:

بالانهدام لا تخرج العرصة عن كونها وقفا (و لم يجز بيعها) هذا مؤكد لما استفيد من كلامه السابق، و من ان الفائدة الجزئية كلا فائدة، فيكون بقاء الوقف خلاف غرض الواقف- و قد اسقط المصنف هذا الشق الّذي هو عدل لقوله «من عدم الدليل» لانه واضح، و لان قوله «اللهم» يشير إليه-.

(اللهم الا ان يحمل النفع المنفى فى كلام المشهور) حيث اجازوا البيع فى صورة عدم النفع (على النفع المعتدّ به بحسب حال العين) اى ان

ص: 33

فان الحمام الّذي يستأجر كل سنة مائة دينار، اذا صار عرصة يؤجر كل سنة خمسة دراهم او عشرة لغرض جزئى كمجمع الزبائل و نحوه يصدق عليه انه لا يجدى نفعا.

و كذا القرية الموقوفة، فان خرابها بغور انهارها و هلاك اهلها، و لا تكون تسلب منافع اراضيها رأسا.

و يشهد لهذا ما تقدم عن التحرير، من جعل عرصة الدار المنهدمة مواتا لا ينتفع بها بالكلية، مع انها كثيرا ما تستأجر

______________________________

هذا النفع ليس يعدّ نفعا لمثل هذا العين، و ان كان هو نفع فى الجملة فى نظر الواقع و الحقيقة (فان الحمام الّذي يستأجر كل سنة مائة دينار، اذا صار عرصة يؤجر كل سنة خمسة دراهم أو عشرة) دراهم (لغرض جزئى كمجمع الزبائل و نحوه) بان تستعمل العرصة لجمع الزبائل (يصدق عليه انه لا يجدى نفعا) لان هذا ليس نفعا للحمام لا من جهة الاستعمال فى جمع الزبائل فيه و لا من حيث الاجرة.

(و كذا القرية الموقوفة، فان خرابها بغور انهارها) يقال غار الماء و غار النهر اذ اذهب مائه (و هلاك اهلها) او نزوحهم عنها.

و قوله «بغور» خبر «خرابها» (و لا تكون تسلب منافع اراضيها) سلبا (رأسا) بحيث لا تكون لها منفعة اصلا، و مع ذلك يطلق عليها الخراب

(و يشهد لهذا) الّذي ذكرنا من صدق الخراب و ان لم ينعدم النفع الجزئى (ما تقدم عن التحرير، من جعل عرصة الدار المنهدمة مواتا لا ينتفع بها بالكلية، مع انها) اى الدار المنهدمة (كثيرا ما تستأجر

ص: 34

للاغراض الجزئية فالظاهر دخول الصورة المذكورة فى اطلاق كلام كل من سوغ البيع عند خرابه بحيث لا يجدى نفعا.

و يشمله الاجماع المدعى فى الانتصار و الغنية.

لكن الخروج بذلك عن عموم ادلة وجوب العمل بمقتضى وقف الواقف الّذي هو حبس العين، و عموم قوله (ع) لا يجوز شراء الوقف مشكل.

و يؤيد المنع: حكم اكثر من تأخر عن الشيخ بالمنع عن بيع النخلة

______________________________

للاغراض الجزئية) فان التحرير جعل الهدم موجبا لصدق الموت على الدار مما يدل على عدم الاعتناء بالمنافع الجزئية.

و على هذا (فالظاهر دخول الصورة المذكورة) اى الصورة الثانية (فى اطلاق كلام كل من سوغ البيع عند خرابه) اى الوقف خرابا (بحيث لا يجدى نفعا) اذ النفع القليل كلا نفع.

(و يشمله) اى ما اذا خرب حتى كان نفعه جزئيا (الاجماع المدعى فى الانتصار و الغنية) المتقدم.

(لكن الخروج بذلك) اى بالخراب الموجب للنفع الجزئى (عن عموم ادلة وجوب العمل بمقتضى وقف الواقف الّذي هو حبس العين) بان نجز البيع خلافا لحبس الواقف- الّذي كان له هذا الحبس- (و) عن (عموم قوله (ع): لا يجوز شراء الوقف) الشامل لصورة الخراب فى الجملة، مع بقاء الانتفاع القليل (مشكل) لانه لا وجه لهذا الخروج الا احتمال شمول ادلة الصورة الاولى للصورة الثانية.

(و يؤيد المنع: حكم اكثر من تأخر عن الشيخ بالمنع عن بيع النخلة

ص: 35

المنقلعة، بناء على جواز الانتفاع بها فى وجوه اخر، كالتسقيف، و جعلها جسرا، و نحو ذلك.

بل ظاهر المختلف- حيث جعل النزاع بين الشيخ و الحلى ره لفظيا حيث نزّل تجويز الشيخ على صورة عدم امكان الانتفاع به فى منفعة أخرى- الاتفاق على المنع، اذا حصل فيه انتفاع، و لو قليلا كما يظهر من التمثيل بجعله جسرا.

______________________________

المنقلعة) التى كانت موقوفة، فانقلعت (بناء اعلى جواز) اى امكان (الانتفاع بها) بتلك النخلة (فى وجوه اخر) غير الثمرة (كالتسقيف، و جعلها جسرا، و نحو ذلك) كالاسطوانة لحفظ السقف، مع ان هذه المنافع جزئية بالنسبة الى النخلة، فلو كانت النخلة المثمرة دينارا كانت المنقلعة مائة فلس مثلا.

(بل ظاهر المختلف- حيث جعل النزاع بين الشيخ و الحلى ره لفظيا) فان الشيخ يجوز البيع، و الحلى يمنع.

و انما جعل العلامة النزاع بينهما لفظيا (حيث نزّل تجويز الشيخ على صورة عدم امكان الانتفاع به) اى بالوقف (فى منفعة اخرى-) و عدم تجويز الحلى على صورة الانتفاع فى الجملة (الاتفاق) خبر لقوله «ظاهر المختلف» (على المنع، اذا حصل فيه انتفاع، و لو قليلا).

اذ حمل كلام المجوز على صورة عدم الانتفاع، معناه ان لا مجوز فى صورة الانتفاع (كما يظهر) المنع فى صورة الانتفاع القليل (من التمثيل بجعله) اى النخل (جسرا) فانه انتفاع قليل جدا، و مع ذلك لم يجوز

ص: 36

نعم: لو كان قليلا فى الغاية بحيث يلحق بالمعدوم امكن الحكم بالجواز، لانصراف قوله عليه السلام: لا يجوز شراء الوقف، الى غير هذه الحالة.

و كذا حبس العين، و تسبيل المنفعة، انما يجب الوفاء به ما دامت المنفعة المعتد بها موجودة، و الا فمجرد حبس العين و امساكه و لو من دون منفعة لو وجب الوفاء به لمنع عن البيع فى الصورة الاولى.

ثم ان الحكم المذكور جار فيما اذا صارت منفعة الموقوف قليلة لعارض آخر

______________________________

البيع فى هذه الصورة.

(نعم: لو كان) الانتفاع (قليلا فى الغاية) اى فى غاية القلة (بحيث يلحق بالمعدوم) كما لو كان نفع بستان الفا، فصار واحدا (امكن الحكم بالجواز، لانصراف قوله عليه السلام: لا يجوز شراء الوقف، الى غير هذه الحالة) اى حالة النفع القليل.

(و كذا) ظاهر كلام الواقف الّذي هو (حبس العين، و تسبيل المنفعة، انما يجب الوفاء به ما دامت المنفعة المعتد بها موجودة، و الا) يجز البيع فى حال النفع الملحق بالعدم (فمجرد حبس العين و امساكه و لو من دون منفعة) معتد بها (لو وجب الوفاء به) اى بالحبس بان يبقى محبوسا (لمنع عن البيع فى الصورة الاولى) و هى صورة عدم المنفعة اطلاقا.

(ثم ان الحكم المذكور) اى جواز البيع، او عدم جوازه على الاختلاف المتقدم (جار فيما اذا صارت منفعة الموقوف قليلة، لعارض آخر

ص: 37

غير الخراب، لجريان ما ذكرنا فيه.

ثم انك قد عرفت فيما سبق، انه ذكر بعض ان جواز بيع الوقف لا يكون الا مع بطلان الوقف، و عرفت وجه النظر فيه.

ثم وجه بطلان الوقف فى الصورة الاولى، بفوات شرط الوقف المراعى فى الابتداء و الاستدامة و هو كون العين مما ينتفع بها مع بقاء عينها

______________________________

غير الخراب) كما لو ان القرية صارت منفورا عنها، فهجر اكثر اهلها حتى صار ايجار الدكان بعشرة بعد ان كان بالف مثلا، او وجد فى الدار دودا و ما اشبه سبّب قلة الرغبة فيها الى حدّ ما يسمى بعدم الانتفاع.

و انما نقول بجواز البيع فى هذه الصورة (لجريان ما ذكرنا) من الادلة فى جواز البيع حالة الخراب (فيه) اى فى غير الخراب من العوارض المشابهة للخراب لوحدة للمناط.

(ثم انك قد عرفت فيما سبق، انه ذكر بعض) و هو الجواهر (ان جواز بيع الوقف لا يكون، الا مع بطلان الوقف، و عرفت وجه النظر فيه) و أنه لا وجه للقول بالبطلان، و انما البيع يوجب ابطال الوقف.

(ثم وجّه) ذلك البعض (بطلان الوقف فى الصورة الاولى) اى صورة عدم الانتفاع (بفوات شرط الوقف المراعى)- بصيغة المفعول- اى الشرط الّذي روعى (فى الابتداء و الاستدامة، و هو) اى الشرط (كون العين مما ينتفع بها مع بقاء عينها) فان هذا الشرط لو لم يكن موجودا من الابتداء لم يصح الوقف اصلا.

اذ الوقف عبارة عن حبس العين و تسبيل المنفعة، كما انه لو فقد

ص: 38

و فيه ما عرفت سابقا: من ان بطلان الوقف بعد انعقاده صحيحا لا وجه له فى الوقف المؤبّد، مع انه لا دليل عليه.

مضافا الى انه لا دليل على اشتراط الشرط المذكور فى الاستدامة، فان الشرط فى العقود الناقلة يكفى وجودها حين النقل.

فانه قد يخرج المبيع عن المالية، و لا يخرج بذلك عن ملك المشترى.

______________________________

هذا الشرط فى الاثناء لم يبق مقدم الوقف فيبطل.

(و فيه ما عرفت سابقا: من ان بطلان الوقف بعد انعقاده صحيحا لا وجه له فى الوقف المؤبد) مقابل الوقف غير المؤبد كما تقدم (مع أنه لا دليل عليه) اى على البطلان.

(مضافا الى انه لا دليل على اشتراط الشرط المذكور) اى الانتفاع مع بقاء العين (فى الاستدامة) و انما الدليل خاص بالابتداء فقط (فان الشرط فى العقود الناقلة يكفى وجودها حين النقل) فقط.

(ف) مثلا (انه قد يخرج المبيع عن المالية، و لا يخرج بذلك عن ملك المشترى)

و واضح انه يشترط النقل بالمالية، فقد اشترطت الملكية فى الابتداء لا فى الاستدامة.

و الحاصل: انه لا دليل على ان كل شرط يشترط فى الابتداء يشترط فى الاستدامة أيضا.

ثم اشار المصنف الى الاشكال فى قول الجواهر: بان اجازة الشارع

ص: 39

مع ان جواز بيعه لا يوجب الحكم بالبطلان، بل يوجب خروج الوقف عن اللزوم الى الجواز كما تقدم.

ثم ذكر انه قد يقال بالبطلان أيضا: بانعدام عنوان الوقف، فيما اذا وقف بستانا مثلا ملاحظا فى عنوان وقفه البستانية، فخربت حتى خرجت عن قابلية ذلك، فانه و ان لم تبطل منفعتها اصلا، لإمكان الانتفاع بها دارا مثلا، لكن ليس من عنوان الوقف، و

______________________________

للبيع لازمها البطلان للوقف بقوله.

(مع ان جواز بيعه) اى الوقف (لا يوجب الحكم بالبطلان) اى بطلان الوقف قبل البيع (بل يوجب خروج الوقف عن اللزوم) اى لزوم البقاء (الى الجواز) اى جواز البقاء و جواز البيع، و المراد بالجواز الاعم حتى من الوجوب اى وجوب البيع (كما تقدم) الكلام فى ذلك عند نقل كلام الجواهر

(ثم ذكر) الجواهر (انه قد يقال بالبطلان) للوقف (أيضا) كبطلانه فيما اذا انعدمت فائدته او قلّت (بانعدام عنوان الوقف، فيما اذا وقف بستانا مثلا ملاحظا فى عنوان وقفه البستانية) بان كان من باب وحدة المطلوب، لا من باب تعدّد المطلوب، فانه قد يريد الواقف اعاشة ذويه و يريد ان يكون بستانا حتى اذا لم يكن بستانا اوقفه أيضا، و قد يريد وقف البستان بما هو بستان حتى انه اذا لم يكن بستانا لم يوقفه (فخربت حتى خرجت عن قابلية ذلك) اى كونه بستانا (فانه و ان لم تبطل منفعتها) اى البستان (اصلا، لإمكان الانتفاع بها دارا مثلا) بل و بنفس مقدار الانتفاع السابق (لكن ليس) الانتفاع الدارى (من عنوان الوقف، و

ص: 40

احتمال بقاء العرصة على الوقف باعتبار انها جزء من الوقف، و هى باقية و خراب غيرها و ان اقتضى بطلانه فيه، لا يقتضي بطلانه فيها.

يدفعه ان العرصة كانت جزءا من الموقوف من حيث كونه بستانا، لا مطلقا، فهى حينئذ جزء عنوان الوقف الّذي فرض خرابه.

و لو فرض إرادة وقفها ليكون بستانا او غيره، لم يكن اشكال فى بقائها لعدم ذهاب عنوان الوقف.

______________________________

احتمال بقاء العرصة على الوقف) بعد بطلان كونه بستانا (باعتبار انها) اى العرصة (جزء من الوقف، و هى) اى العرصة التى هى جزء (باقية)

(و خراب غيرها) اى غير العرصة- كالبناء- و «خراب» مبتدأ (و ان اقتضى بطلانه) اى الوقف (فيه) اى فى العين كالبناء (لا يقتضي بطلانه) اى الوقف (فيها) اى فى العرصة، فاللازم القول بعدم بطلان الوقف.

(يدفعه) خبر «و خراب» (ان العرصة كانت جزءا من الموقوف من حيث كونه) اى الموقوف (بستانا، لا مطلقا) سواء كان بستانا او غير بستان (فهى) اى العرصة (حينئذ) اى حين كان الوقف بعنوان كونه بستانا (جزء عنوان الوقف الّذي فرض خرابه) اى خراب ذلك العنوان و بخراب العنوان يخرب الجزء أيضا.

(و لو فرض إرادة) الواقف (وقفها) اى البستان (ليكون بستانا او غيره، لم يكن اشكال فى بقائها) اى الموقوفية للعرصة حين ذهاب البستان (لعدم ذهاب عنوان الوقف) الّذي هو الاعم من البستان.

ص: 41

و ربما يؤيد ذلك فى الجملة ما ذكروه فى باب الوصية: من انه لو اوصى بدار، فانهدمت قبل موت الموصى، بطلت الوصية، لانتفاء موضوعها.

نعم: لو لم يكن الدارية، و البستانية، و نحو ذلك، مثلا عنوانا للوقف و ان قارنت وقفه بل كان المراد به الانتفاع به فى كل وقف على حسب ما يقبله، لم يبطل الوقف بتغير احواله.

______________________________

(و ربما يؤيد ذلك) الّذي ذكرنا من انه لو كان الوقف على عنوان البستان بما هو بستان، ثم ذهب كونه بستانا، بطل الوقف (فى الجملة) لا كلية، اذ ليس البابان من مقولة واحدة، و لا دليل على وحدة المناط فى البابين (ما ذكروه فى باب الوصية: من انه لو اوصى بدار، فانهدمت قبل موت الموصى، بطلت الوصية، لانتفاء موضوعها) اى الدار، فان الوصية كالوقف فى انها لو تعلقت بشي ء خاص ثم ذهب ذلك العنوان، بطلت، اذ بذهاب الموضوع يذهب الحكم.

(نعم: لو لم يكن الدارية، و البستانية، و نحو ذلك، مثلا عنوانا للوقف و ان قارنت) الدارية و البستانية (وقفه) اى وقف ذلك الموقوف، بان كان فى حال الوقف دارا او بستانا- مثلا- (بل كان المراد به) اى بالدار و البستان الموقوفين (الانتفاع به) اى بالدار و البستان (فى كل وقت) و ان بقى عنوان الدارية و البستانية، أم لا، (على حسب ما يقبله) اى يقبله من الصور كالدار تقبل ان تكون بستانا، و هكذا، و بالعكس (لم يبطل الوقف بتغير احواله) لان العنوان باق، و ببقاء العنوان يبقى

ص: 42

ثم ذكر ان فى عود الوقف الى ملك الواقف، او وارثه بعد البطلان او الموقوف عليه وجهين.

أقول يرد على ما قد يقال بعد الاجماع على ان انعدام العنوان لا يوجب بطلان الوقف، بل و لا جواز البيع، و ان اختلفوا فيه عند الخراب او خوفه لكنه غير تغير العنوان، كما لا يخفى انه

______________________________

الوقف.

(ثم ذكر) الجواهر (ان فى عود الوقف الى ملك الواقف، او وارثه) اذا مات الواقف (بعد البطلان) للوقف بذهاب العنوان فيما كان مقيدا على نحو وحدة المطلوب (او) عوده الى (الموقوف عليه وجهين)

وجه لعوده الى الواقف، لانه اخرجه عن ملكه بمقدار بقاء العنوان فاذا ذهب العنوان عاد الى المالك.

و وجه لعوده الى الموقوف عليه، لانه خرج عن ملك الواقف بالوقف و صار متعلق حق الموقوف عليه، فاذا بطل الوقف كان ملكا لهم، دون الواقف، فان الواقف انقطعت علاقته عن الوقف.

(اقول) الى هنا كان كلام الجواهر، و من هنا كلام الشيخ من الايراد على الجواهر (يرد على ما قد يقال) اى قول الجواهر (بعد الاجماع على ان انعدام العنوان لا يوجب بطلان الوقف، بل و لا جواز البيع و ان اختلفوا فيه) اى فى البطلان او جواز البيع و الترديد لان صاحب الجواهر يقول بالبطلان و غيره يقولون بجواز البيع (عند الخراب او خوفه) اى خوف الخراب (لكنه) اى الخراب (غير تغير العنوان، كما لا يخفى انه) «انه»

ص: 43

لا وجه للبطلان بانعدام العنوان، لانه ان اريد بالعنوان ما جعل مفعولا فى قوله: وقفت هذا البستان فلا شك انه ليس الا كقوله: بعت هذا البستان، او وهبته فان التمليك المعلق بعنوان، لا يقتضي دوران الملك مدار العنوان، فالبستان اذا صار ملكا فقد ملك منه كل جزء خارجى و ان لم يكن فى ضمن عنوان البستان، و ليس التمليك من قبيل الاحكام الجعلية المتعلقة بالعنوانات.

و ان اريد بالعنوان

______________________________

فاعل «يرد» (لا وجه للبطلان) اى بطلان الوقف (بانعدام العنوان)

فاوّلا: اجماع على عدم البطلان.

و ثانيا: لا مقتضى له (لانه ان اريد بالعنوان) الّذي يبطل فيبطل الوقف (ما جعل مفعولا فى قوله: وقفت هذا البستان) او هذه الدار مثلا (فلا شك انه ليس الا كقوله: بعت هذا البستان، او وهبته، فان) الوقف المعلق بعنوان مثل (التمليك المعلق بعنوان، لا يقتضي دوران الملك) و الوقف (مدار العنوان، فالبستان اذا صار ملكا) للمشترى بان باعه مالكه (فقد ملك منه) اى المشترى (كل جزء خارجى) من عرصة و اشجار (و ان لم يكن فى ضمن عنوان البستان) و كذلك الوقف، و الهبة و غيرهما (و ليس التمليك من قبيل الاحكام الجعلية المتعلقة بالعنوانات) حتى اذا تبدل العنوان يتبدل الحكم، كالحكم بالقصر المعلق على عنوان المسافر، و الحكم بوجوب النفقة المعلق على عنوان الزوجية، و هكذا.

(و ان اريد بالعنوان) الّذي قال الجواهر: ان انعدامه يوجب

ص: 44

شي ء آخر فهو خارج عن مصطلح اهل العرف و العلم.

و لا بد من بيان المراد منه هل يراد ما اشترط لفظا او قصدا فى الموضوع زيادة على عنوانه.

و اما تأييد ما ذكر بالوصية، فالمناسب ان يقايس ما نحن فيه بالوصية بالبستان

______________________________

بطلان الوقف (شي ء آخر) غير عنوان البستانية (فهو خارج عن مصطلح اهل العرف و العلم) فان مصطلحهم فى العنوان: ما جعل مفعولا فى قوله وقفت هذا البستان.

(و لا بد من بيان المراد منه) اى من العنوان (هل يراد ما اشترط لفظا) اى قال وقفت بشرط ان يبقى بستانا (او قصدا فى الموضوع زيادة على عنوانه) اى عنوان الموضوع، بان قصد «بستان» الموضوع بعنوان انه بستان، لا بالاعم من البستان و غيره، الصادق ذلك الاعم على العرصة بعد خراب البستان.

و الحاصل: ان هناك ثلاث تصورات.

الاول: «عنوان البستان»

الثانى: «البستان بشرط البستانية شرطا لفظيا»

الثالث: «البستان المقصود كونه بحالة البستانية»

(و اما تأييد) الجواهر (ما ذكر) من انه لو خرج البستان عن البستانية بطل الوقف (بالوصية) فى مثال ما لو اوصى بالدار، فانهدمت فى حياة الموصى مما اوجب بطلان الوصية (فالمناسب ان يقايس ما نحن فيه بالوصية بالبستان

ص: 45

بعد تمامها، و خروج البستان عن ملك الموصى بموته، و قبول الموصى له، فهل يرضى احد بالتزام بطلان الوصية بصيرورة البستان عرصة.

نعم: الوصية قبل تمامها يقع الكلام فى بقائها و بطلانها من جهات اخر.

ثم ما ذكره من الوجهين مما لا يعرف له وجه بعد اطباق كل من قال بخروج

______________________________

بعد تمامها) اى تمام الوصية (و) بعد (خروج البستان عن ملك الموصى) بصيغة الفاعل- (بموته، و قبول الموصى له) للوصية (فهل يرضى احد) من الفقهاء (بالتزام بطلان الوصية بصيرورة البستان عرصة) و الوقف من هذا القبيل، لا من قبيل انهدام الدار قبل موت الموصى، اذ قبل الموت لم تتم الوصية، بخلاف انهدام البستان بعد الوقف، فانه قد تم الوقف.

(نعم: الوصية قبل تمامها) بان لم يمت الوصى (يقع الكلام فى بقائها) اى الوصية (و بطلانها من جهات اخر) غير جهة انتفاء العنوان كجهة بعد الموت و قبل القبول، او جهة بعد الموت و قبل القبض و القبول، أو بعد القبض قبل القبول، اى ان الوصية هل تبطل، أم لا؟

اذ أطرأ عليها طارئ غير الخراب، اما من جهة الخراب بعد تمامية الوصية- الّذي هو المقيس عليه- فلا وجه للقول بالبطلان، فتأمل.

(ثم ما ذكره) الجواهر (من الوجهين) اى قوله «ان فى عود الوقف وجهين» (مما لا يعرف له) اى للوجهين- و المراد وجه العود الى الواقف- (وجه، بعد اطباق كل من قال بخروج

ص: 46

الوقف المؤبّد عن ملك الواقف على عدم عوده إليه ابدا.

الصورة الثالثة: ان تخرب بحيث تقل منفعته لكن لا الى حد يلحق بالمعدوم

و الاقوى هنا: المنع و هو الظاهر من الاكثر فى مسئلة النخلة المنقلعة حيث جوز الشيخ فى محكى الخلاف بيعها، محتجا بانه: لا يمكن الانتفاع بها الاعلى هذا الوجه، لان الوجه الّذي

______________________________

الوقف المؤبّد عن ملك الواقف على عدم عوده إليه) اى الى الواقف (ابدا)

و فيه: ان عدم قول احد، لا ينفى ان له وجها وجيها كما لا يخفى، و الله العالم.

(الصورة الثالثة) من الصور التى يجوز بيع الوقف فيها فى الجملة (ان تخرب) ارض الوقف (بحيث تقل منفعته) قلة عرفية، لا قلة قليلة جدا، اذ: المنصرف من القلة، القلة العرفية، و لذا قال (لكن لا الى حدّ يلحق بالمعدوم) فى نظر العرف (و الاقوى هنا: المنع) عن بيع الوقف، و ذلك لاطلاق ادلة منع بيع الوقف، و دليل الاستثناء لا يشمل هذه الصورة (و هو) المنع (الظاهر من الاكثر فى مسئلة النخلة المنقلعة) اذا كانت موقوفة، فانقلعت بسبب السيل، و نحوه فهل يجوز بيعها، أم لا؟ فان النخلة المنقلعة لها منفعة قليلة، اذ يمكن جعلها فى السقف و نحوه، و مع ذلك لم يجوز الاكثر بيعها (حيث جوز الشيخ فى محكى الخلاف بيعها) خلافا للاكثر (محتجا) للجواز (بانه: لا يمكن الانتفاع بها) منفعة معتدا بها عرفا، اذ منفعة النخلة الاثمار، لا جعلها فى السقف مثلا (الا على هذا الوجه) اى البيع، فلذا يجوز بيعها (لان الوجه الّذي

ص: 47

شرطه الواقف قد بطل، و لا يرجى عوده.

و منعه الحلّى، قائلا، و لا يجوز بيعها: بل ينتفع بها بغير البيع مستندا الى وجوب ابقاء الوقف على حاله، مع امكان الانتفاع.

و زوال بعض المنافع، لا يستلزم زوال جميعها، لإمكان التسقيف بها، و نحوه و حكى موافقته عن الفاضلين، و الشهيدين، و المحقق الثانى و اكثر المتأخرين.

______________________________

شرطه الواقف) فى الانتفاع، و هو الاثمار (قد بطل، و لا يرجى عوده).

اذ: النخلة بعد الانقلاع لا تثبت فى الارض مرة ثانية لتنمو.

(و منعه) اى الجواز (الحلى، قائلا: و لا يجوز بيعها، بل ينتفع بها بغير البيع) فلم يبطل اثر الوقف حتى يجوز البيع (مستندا) اى ان الحلّى استند فى عدم جواز بيع الوقف (الى وجوب ابقاء الوقف على حاله مع امكان الانتفاع) فى جعله فى السقف و نحوه.

(و) ان قلت: قد زال نفع اعطاء النخلة الثمرة.

قلت: (زوال بعض المنافع، لا يستلزم زوال جميعها) و زوال الجميع هو ميزان جواز البيع (لإمكان التسقيف بها) اى بالنخلة (و نحوه) كجعلها جسرا، او بابا، او ما اشبه ذلك.

(و حكى موافقته) اى موافقة الحلى فى عدم جواز البيع (عن الفاضلين) المحقق، و العلامة، (و الشهيدين) الاول و الثانى (و المحقق الثانى) الكركى (و اكثر المتأخرين) عن هؤلاء العلماء، هذا.

ص: 48

و حكى فى الايضاح عن والده قدس سرهما ان النزاع بين الشيخ و الحلّى، لفظى.

و استحسنه، لان فى تعليل الشيخ اعترافا بسلب جميع منافعها

و الحلّى فرض وجود منفعته، و منع لذلك بيعها و قيل يمكن بناء نزاعهما على رعاية المنفعة المعدّ لها الوقف كما هو الظاهر من تعليل الشيخ

______________________________

(و) لكن (حكى) فخر المحققين ولد العلامة (فى) كتابه (الايضاح عن والده) العلامة الحلّى (قدس سرهما ان النزاع) فى جواز البيع و عدمه (بين الشيخ و الحلّى، لفظى) اذ الشيخ يجوز البيع، فى ما لا نفع لها اطلاقا، و الحلّى لا يجوز البيع، فيما لها نفع فى الجملة.

(و استحسنه) اى ان الايضاح استحسن نظر ولده (لان فى تعليل الشيخ) لجواز بيع النخلة (اعترافا بسلب جميع منافعها) هو يجوز البيع فى هذه الصورة.

(و الحلى فرض وجود منفعته) اى منفعة الوقف (و منع لذلك) لوجود المنفعة (بيعها)

فكلام المجوز فى موضوع، و كلام المانع فى موضوع آخر (و قيل) القائل صاحب المقابيس، قال فى بيان كلام العلامة و ولده فى وجه كون النزاع بين الشيخ و الحلى لفظيا (يمكن بناء نزاعهما) الشيخ و الحلّى (على رعاية) و ملاحظة (المنفعة المعدّ لها الوقف كما هو الظاهر من تعليل الشيخ)

فوجه كون النزاع بينهما لفظيا ان الشيخ يقول: المنفعة المعدّ لها الوقف هى الاثمار.

ص: 49

و لا يخلو عن تأمل.

و كيف كان: فالاقوى هنا المنع.

و اولى منه بالمنع ما لو قلّت منفعة الوقف من دون خراب.

فلا يجوز بذلك البيع اذا قلنا بجواز بيعه، اذا كان اعود و سيجي ء تفصيله.

الصورة الرابعة: [أن يكون بيع الوقف أنفع و أعود للموقوف عليه]

______________________________

فحيث لا اثمار، فلا منفعة.

و الحلّى يقول: المنفعة المعدّ لها الوقف كلّ منفعة- حتى التسقيف- فحيث للنخلة منفعة التسقيف، لم يجز البيع.

(و) لكن هذا الجمع الّذي ذكره صاحب المقابيس (لا يخلو عن تأمل)

اذ الكلام فى المنفعة مطلقا، لا المنفعة المعدّ لها الوقف.

(و كيف كان) سواء كان وجه لفظية النزاع ما ذكرناه، او ما ذكره المقابيس (فالاقوى هنا) فى قلة المنفعة (المنع) عن بيع الوقف.

(و اولى منه بالمنع) عن البيع (ما لو قلّت منفعة الوقف من دون خراب) كما اذا بقيت النخلة قائمة لكن صار ثمرها العشر مثلا.

(فلا يجوز بذلك) اى بسبب القلّة (البيع) للنخلة (اذا قلنا بجواز بيعه) بيع الوقف (اذا كان) البيع (اعود) و انفع (و سيجي ء تفصيله) فى الصورة الرابعة إن شاء الله تعالى.

(الصورة الرابعة) من الصور التى يجوز بيع الوقف فيها فى الجملة

ص: 50

ان يكون بيع الوقف انفع و اعود للموقوف عليه، و ظاهر المراد منه ان يكون ثمن الوقف ازيد نفعا من المنفعة الحاصلة تدريجا مدة وجود الموقوف عليه.

و قد نسب جواز البيع هنا الى المفيد، و قد تقدم عبارته، فراجع.

و زيادة النفع قد تلاحظ بالنسبة الى البطن الموجود، و قد تلاحظ بالنسبة الى جميع البطون، إذا قيل بوجوب شراء بدل الوقف بثمنه.

______________________________

(ان يكون بيع الوقف انفع و اعود للموقوف عليه، و ظاهر المراد منه) اى من كونه اعود (ان يكون ثمن الوقف ازيد نفعا من المنفعة الحاصلة تدريجا مدة وجود الموقوف عليه).

مثلا لو كانت الدار قائمة مدة خمسين سنة التى هى مده وجود الموقوف عليه، كان ايجارها كل سنة عشرين دينارا، فالمجموع الف دينار و لو بيعت الدار كان ثمنها خمسة آلاف و نفع خمسة آلاف اذا وضع فى التجارة، كان كل سنة خمسين دينارا مثلا.

(و قد نسب جواز البيع هنا الى المفيد) بل و السيد، و جملة من المتأخرين، كما فى الجواهر (و قد تقدم عبارته، فراجع) حتى ترى هل تدل على ما نسب إليه، أم لا؟

(و زيادة النفع قد تلاحظ بالنسبة الى البطن الموجود) حيث ان نفع الثمن يعطيهم كل سنة خمسين، بينما نفع الموقوفة كل سنة عشرون (و قد تلاحظ بالنسبة الى جميع البطون، اذا قيل بوجوب شراء بدل الوقف بثمنه)

ص: 51

و الاقوى: المنع مطلقا، وفاقا للاكثر، بل الكلى، بناء على ما تقدم من عدم دلالة قول المفيد على ذلك.

و على تقديره فقد تقدم عن التحرير: ان كلام المفيد متأوّل.

و كيف كان، فلا اشكال فى المنع لوجود مقتضى المنع، و هو: وجوب العمل على طبق إنشاء الواقف.

______________________________

اذ: الانفعية حينئذ، يجب ان تلاحظ بالنسبة الى الكل، حتى يطلق عليه الانفعية بقول مطلق، و الا فلا يطلق عليه الانفعية الا فى الجملة.

و اما اذا لم نقل بوجوب شراء البدل، بل قلنا: بان الثمن يأكله البطن الموجود فقط، فاللازم ملاحظة الانفعية بالنسبة إليهم فقط.

(و الاقوى: المنع مطلقا) سواء كان انفع بالنسبة إليهم، أم بالنسبة الى جميع البطون (وفاقا للاكثر، بل الكل، بناء اعلى ما تقدم) قبل اسطر من قولنا «و قد تقدم عبارته فراجع» حيث ان فيه تعريضا بان عبارته لا تدلّ على ما نسب إليه (من عدم دلالة قول المفيد على ذلك) الّذي نسب إليه.

(و على تقديره) اى تقدير ان عبارته دالة على البيع (فقد تقدم عن التحرير: ان كلام المفيد متأول) الى صورة عدم الفائدة فى بقاء الوقف.

(و كيف كان) سواء افتى المفيد بذلك، أم لا (فلا اشكال فى المنع) عن البيع (لوجود مقتضى المنع، و هو: وجوب العمل على طبق إنشاء الواقف) و البيع و التبديل مخالفان لانشائه.

ص: 52

و قوله عليه السلام لا يجوز شراء الوقف، و غير ذلك.

و عدم ما يصلح للمنع عدا رواية ابن محبوب عن على بن رئاب، عن جعفر بن حنان، قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام: عن رجل وقف غلّة له على قرابته من ابيه، و قرابته من أمّه، و اوصى لرجل و لعقبه من تلك الغلة ليس بينه و بينه قرابة بثلاثمائة درهم فى كل سنة، و يقسّم الباقى على قرابته من ابيه، و قرابته من أمّه، فقال عليه السّلام: جائز للذى اوصى له بذلك، قلت: أ رأيت أن لم تخرج من غلّة تلك الارض التى اوقفها الّا

______________________________

(و قوله عليه السلام لا يجوز شراء الوقف) كما تقدم (و غير ذلك) من الادلة الدالة على المنع عن بيع الوقف.

(و عدم ما يصلح للمنع) عن المقتضى، ان يفيد جواز البيع اذا كان الثمن انفع (عدا رواية ابن محبوب عن على بن رئاب، عن جعفر بن حنان، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن رجل وقف غلة له) اى ارضا ذات غلة، و انما اطلق عليها غلة، بعلاقة الحال و المحلّ (على قرابته من ابيه، و قرابته من أمّه، و اوصى لرجل و لعقبه من تلك الغلة ليس بينه و بينه) اى بين الواقف و بين ذلك الرجل (قرابة بثلاثمائة درهم فى كل سنة، و يقسّم الباقى) بعد الثلاثمائة (على قرابته من ابيه، و قرابته من أمّه) هذا تكرار كما لا يخفى (فقال عليه السلام: جائز للذى اوصى له بذلك) اى للرجل الّذي اوصى له بثلاثمائة درهم فى كل سنة (قلت: أ رأيت ان لم تخرج من غلة تلك الارض التى اوقفها الّا

ص: 53

خمسمائة درهم، فقال عليه السلام: أ ليس فى وصيّته ان يعطى الّذي اوصى له من الغلة ثلاثمائة درهم، و يقسّم الباقى على قرابته من ابيه و أمّه، قلت: نعم، قال عليه السلام: ليس لقرابته ان يأخذوا من الغلة شيئا، حتى يوفى الموصى له ثلاثمائة درهم، ثم لهم ما يبقى بعد ذلك، قلت: أ رأيت ان مات الّذي اوصى له، قال عليه السلام: ان مات كانت له ثلاثمائة درهم لورثته يتوارثونها ما بقى احد منهم، فان انقطع ورثته و لم يبق منهم احد كانت ثلاثمائة درهم لقرابة الميت، يرد الى ما يخرج من الوقف، ثم يقسّم بينهم يتوارثون ذلك ما بقوا و بقيت الغلة قلت:

فللورثة

______________________________

خمسمائة درهم) اى ما ذا بهذه الخمسمائة (فقال عليه السلام: أ ليس فى وصيّته ان يعطى الّذي اوصى له من الغلة ثلاثمائة درهم، و يقسّم الباقى على قرابته من ابيه و أمّه قلت: نعم) هكذا كانت الوصية (قال عليه السلام: ليس لقرابته ان يأخذوا من الغلة شيئا، حتى يوفى الموصى له) اى يعطى لذلك الرجل (ثلاثمائة درهم، ثم لهم) اى للقرابة (ما يبقى بعد ذلك، قلت: أ رأيت ان مات الّذي اوصى له، قال عليه السلام: ان مات كانت له ثلاثمائة درهم لورثته، يتوارثونها ما) دام (بقى احد منهم، فان انقطع ورثته) بان لم يكن للرجل ورثة (و لم يبق منهم احد كانت ثلاثمائة درهم لقرابة الميت، يرد) و يرجع ذلك الثلاثمائة (الى) سائر (ما يخرج من الوقف، ثم يقسّم بينهم) اى بين الموقوف عليهم (يتوارثون) القرابة (ذلك) المال (ما بقوا و بقيت الغلة قلت: و) هل (للورثة

ص: 54

من قرابة الميت ان يبيعوا الارض اذا احتاجوا، و لم يكفهم ما يخرج من الغلّة، قال: نعم، اذا رضوا كلهم، و كان البيع خيرا لهم باعوا، و الخبر المروى عن الاحتجاج ان الحميرى كتب الى صاحب الزمان جعلنى الله فداه، انه روى عن الصادق عليه السلام خبر مأثور، ان الوقف اذا كان على قوم باعيانهم و اعقابهم فاجتمع اهل الوقف على بيعه، و كان ذلك اصلح لهم ان يبيعوا، فهل يجوز ان يشترى عن بعضهم، ان لم يجتمعوا كلهم على البيع، أم لا يجوز؟ الا ان يجتمعوا كلهم على ذلك، و عن الوقف الّذي لا يجوز بيعه.

فاجاب عليه السلام: اذا كان الوقف على امام المسلمين، فلا يجوز

______________________________

من قرابة الميت ان يبيعوا الارض اذا احتاجوا) الى ثمن الارض (و لم يكفهم ما يخرج من الغلّة، قال: نعم) لهم ان يبيعوا (اذا رضوا كلهم و كان البيع خيرا لهم باعوا) الى آخر الخبر (و) مثله (الخبر المروى عن الاحتجاج ان الحميرى كتب الى صاحب الزمان جعلنى الله فداه، انه روى عن الصادق عليه السلام خبر مأثور، ان الوقف اذا كان على قوم باعيانهم و اعقابهم) كالذرية، لا مثل الطلبة او المساكين، فان الوقف هنا للعنوان، لا لشخص رقبته (فاجتمع اهل الوقف على بيعه، و كان ذلك اصلح لهم ان يبيعوا، فهل يجوز ان يشترى عن بعضهم، ان لم يجتمعوا كلهم على ذلك) البيع (و عن الوقف الّذي لا يجوز بيعه) اى سأله عليه السلام عن المسألة السابقة، و عن هذه المسألة.

(فاجاب عليه السلام: اذا كان الوقف على امام المسلمين، فلا يجوز

ص: 55

بيعه، و اذا كان على قوم من المسلمين، فليبع كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين و متفرقين ان شاء الله.

دلّت على جواز البيع، اما فى خصوص ما ذكره الراوى، و هو كون البيع اصلح، و اما مطلقا بناء على عموم الجواب.

لكنه مقيّد بالاصلح، لمفهوم رواية جعفر.

كما انه يمكن حمل اعتبار رضى الكل فى رواية جعفر على صورة بيع تمام الوقف لا اعتباره بما فى بيع كل واحد بقرينة رواية الاحتجاج.

______________________________

بيعه، و اذا كان على قوم من المسلمين، فليبع كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين و متفرقين ان شاء الله) اى جائز سواء باع بعضهم او باع كلهم.

(دلّت) هذه الرواية المروية عن الاحتجاج (على جواز البيع، امّا فى خصوص ما ذكره الراوى، و هو كون البيع اصلح، و اما مطلقا) كبيع سائر الاملاك (بناء على عموم الجواب) اذا لم يقيده الامام بالاصلحية.

(لكنه) اى الجواب (مقيّد بالاصلح، لمفهوم رواية جعفر) المتقدمة التى دلّت على اشتراط جواز البيع بكونه اصلح للموقوف عليهم.

(كما انه يمكن حمل اعتبار رضى الكل فى رواية جعفر) حيث اعتبرت رضاية الكل فى جواز البيع (على صورة بيع تمام الوقف لا اعتباره) اى رضى الكل (بما فى بيع كل واحد) حصته الخاصة (بقرينة رواية الاحتجاج) التى قالت مجتمعين و متفرقين.

ص: 56

و يؤيّد المطلب صدر رواية ابن مهزيار الآتية لبيع حصّة ضيعة الامام عليه السلام عن الوقف.

و الجواب اما عن رواية جعفر فبانها انما تدل على الجواز مع حاجة الموقوف عليهم، لا لمجرد كون البيع انفع.

فالجواز مشروط بالامرين كما تقدم عن ظاهر النزهة، و سيجي ء الكلام فى هذا القول بل يمكن ان يقال: ان المراد بكون البيع خيرا لهم مطلق النفع الّذي يلاحظه الفاعل، ليكون منشأ لإرادته.

فليس مراد الامام عليه السلام: بيان اعتبار ذلك

______________________________

(و يؤيّد المطلب) اى جواز بيع الوقف (صدر رواية ابن مهزيار الآتية لبيع حصّة ضيعة الامام عليه السلام عن الوقف) بل و بعض الروايات الاخر كرواية امير المؤمنين عليه السلام الآتية، و غيرها.

(و الجواب اما عن رواية جعفر فبانها انما تدل على الجواز مع حاجة الموقوف عليهم، لا لمجرد كون البيع انفع) الظاهر خصوصا من اخير الرواية الجواز فى صورة رضاية البائع، و كون البيع انفع.

(فالجواز مشروط بالامرين) الحاجة، و كون البيع انفع (كما تقدم عن ظاهر النزهة، و سيجي ء الكلام فى هذا القول) و انه هل يصح البيع فى هذا الحال، أم لا؟ (بل يمكن ان يقال: ان المراد بكون البيع خيرا لهم مطلق النفع الّذي يلاحظه الفاعل، ليكون) النفع الملحوظ (منشئا لارادته) لا ان المراد خيرية واقعية يستحق موضوع الاعود و الانفع.

(فليس مراد الامام عليه السلام: بيان اعتبار ذلك) اى الخير

ص: 57

تعبدا.

بل المراد بيان الواقع الّذي فرضه السائل يعنى اذا كان الامر على ما ذكرت من المصلحة فى بيعه «جاز» كما يقال: اذا اردت البيع و رأيته اصلح من تركه، فبع.

و هذا مما لا يقول به احد.

و يحتمل أيضا: ان يراد من الخبر هو خصوص رفع الحاجة التى فرضها السائل.

______________________________

(تعبّدا) بان يكون الشارع اجاز البيع فى حالكونه خيرا واقعا.

(بل المراد بيان الواقع الّذي فرضه السائل) اى الواقع الفرضى الّذي هو رؤية الموقوف عليه كون البيع خيرا (يعنى اذا كان الامر على ما ذكرت من المصلحة فى بيعه، جاز، كما يقال: اذا اردت البيع و رأيته اصلح من تركه، فبع).

(و) الحاصل: ان الرواية ان كان معناها ان البيع اذا كان اصلح واقعا جاز، كما يقوله النزهة فى الجملة فسيأتي الكلام فيه.

و ان كان: معناها ان الموقوف عليه اذا رأى البيع اصلح ف (هذا مما لا يقول به احد) فيلزم طرح الرواية، لانها معرض عنها.

(و يحتمل أيضا: ان يراد من الخبر هو خصوص رفع الحاجة) التى المّت بالموقوف عليه (التى فرضها السائل) فلا يرتبط بما نحن فيه الّذي هو كون البيع انفع.

ص: 58

و عن المختلف و جماعة: الجواب عنه بعدم ظهوره فى المؤبّد، لاقتصاره على ذكر الاعقاب.

و فيه نظر، لان الاقتصار فى مقام الحكاية لا يدل على الاختصاص

اذ يصح ان يقال: فى الوقف المؤبّد انه وقف على الاولاد مثلا.

و حينئذ فعلى الامام عليه السلام ان يستفصل اذا كان بين المؤبّد و غيره فرق فى الحكم، فافهم.

______________________________

(و عن المختلف و جماعة: الجواب عنه بعدم ظهوره) اى الحديث (فى) الوقف (المؤبّد لاقتصاره على ذكر الاعقاب) فقط دون اضافة «الى ان يرث الله الارض و من عليها» مثلا.

(و فيه نظر) بل ظاهر الرواية الوقف المؤبّد (لان الاقتصار) على ذكر الاعقاب فقط (فى مقام الحكاية لا يدل على الاختصاص) بما اريد به الاعقاب فقط لا المؤبّد.

(اذ يصح ان يقال: فى الوقف المؤبّد انه وقف على الاولاد مثلا) دون ان يقال و اولاد الاولاد، الى ان يرث الله الارض.

(و حينئذ) اى حين اقتصر على ذكر الاعقاب او الاولاد المحتمل للمؤبّد، و غيره (فعلى الامام عليه السلام ان يستفصل اذا كان بين المؤبّد و غيره فرق فى الحكم) بجواز بيع غير المؤبّد، و عدم جواز بيع المؤبّد (فافهم) فانه لا وجه لهذه المحامل بعد ظهور الرواية فى المعنى الاول، و ليست معرضا عنها، فاللازم العمل بها.

ص: 59

و كيف كان، ففى الاستدلال بالرواية مع ما فيها من الاشكال على جواز البيع بمجرد الانفعية، اشكال مع عدم الظفر بالقائل به عدا ما يوهمه ظاهر عبارة المفيد المتقدمة.

و مما ذكرنا يظهر الجواب عن رواية الحميرى.

ثم لو قلنا فى هذه الصورة بالجواز، كان الثمن للبطن الاول البائع يتصرف فيه على ما شاء.

و منه يظهر وجه آخر لمخالفة

______________________________

(و كيف كان) الامر فى احتمالات محامل الرواية (ففى الاستدلال بالرواية مع ما فيها من الاشكال على جواز البيع بمجرد الانفعية، اشكال)

اما ما فيها من الاشكال فهو منافاتها لادلة الوقف، و للسيرة، و ما اشبه

و اما وجه الاشكال فقد بينه بقوله (مع عدم الظفر بالقائل به عدا ما يوهمه ظاهر عبارة المفيد المتقدمة).

لكنك عرفت ان غير المفيد أيضا افتى بذلك.

(و مما ذكرنا يظهر الجواب عن رواية الحميرى) من الاشكال فيها، و عدم القائل أيضا، فتأمل.

(ثم لو قلنا فى هذه الصورة) اى الصورة الرابعة فيما كان البيع اعود (بالجواز، كان الثمن للبطن الاول البائع يتصرف فيه على ما شاء) لانه ظاهر النص و الفتوى، اذ: لو لا تصرفه فأيّ فرق بين بقاء الوقف او تبديله بالثمن.

(و منه) اى من لزوم تصرف البطن الاول (يظهر وجه آخر لمخالفة

ص: 60

الروايتين للقواعد، فان مقتضى كون العين مشتركة بين البطون كون بدله كذلك كما تقدم من استحالة كون بدله ملكا لخصوص البائع، فيكون تجويز البيع فى هذه الصورة، و التصرف فى الثمن رخصة من الشارع للبائع فى اسقاط حق اللاحقين آنا مّا قبل البيع، نظير الرجوع فى الهبة المتحقق ببيع الواهب، لئلا يقع البيع على المال المشترك.

______________________________

الروايتين للقواعد) المقررة فى الوقف، مما استفيد من النص و السيرة (فان مقتضى كون العين مشتركة بين البطون كون بدله كذلك) مشتركا بين البطون (كما تقدم من استحالة) عرفية (كون بدله ملكا لخصوص البائع).

اذ: كيف يمكن ان يكون المبدل ملكا لكل البطون، و البدل ملكا لخصوص بطن واحد.

و عليه (فيكون تجويز) الشارع (البيع فى هذه الصورة) اى صورة الانفعية (و التصرف فى الثمن رخصة من الشارع للبائع فى اسقاط حق) البطون (اللاحقين آنا مّا قبل البيع).

اذ: لو بقى حقهم لم يكن للبطن ان يبيع، و كيف يبيع ما هو متعلق لحق غيره (نظير الرجوع) من الواهب (فى الهبة المتحقق) ذلك الرجوع (ببيع الواهب) فان البيع دليل على ان الهبة رجعت الى الواهب آنا مّا، ثم وقع البيع عليها، اذ: لا بيع الا فى ملك.

و انما نقول انه رخصة من الشارع فى اسقاط حق اللاحقين (لئلا يقع البيع على المال المشترك) اى الوقف الّذي هو مشترك بين البطون

ص: 61

فيستحيل كون بدله مختصا.

الصورة الخامسة: ان يلحق الموقوف عليهم ضرورة شديدة.

و قد تقدم عن جماعة، تجويز البيع فى هذه الصورة، بل عن الانتصار و الغنية الاجماع عليه، و يدل عليه رواية جعفر المتقدمة.

و يرده ان ظاهر الرواية انه يكفى فى البيع عدم كفاية غلّة الارض لمئونة سنة الموقوف عليهم، كما لا يخفى، و هذا اقل مراتب الفقر الشرعى، و المأخوذ من عبائر من تقدم من المجوزين اعتبار الضرورة و الحاجة الشديدة، و بينها و بين مطلق الفقر عموم

______________________________

(فيستحيل) اى حتى يكون محالا (كون بدله مختصا).

وجه الاستحالة: لانه يخرج المثمن من كيس من لا يدخل فى كيسه الثمن.

(الصورة الخامسة) من الصور التى يجوز بيع الوقف فيها فى الجملة (ان يلحق الموقوف عليهم ضرورة شديدة) احتاجوا معها الى البيع.

(و قد تقدم عن جماعة، تجويز البيع فى هذه الصورة، بل عن الانتصار) للسيد (و الغنية) لابن زهرة (الاجماع عليه، و يدل عليه رواية جعفر المتقدمة) فى الصورة الرابعة.

(و يردّه ان ظاهر الرواية انه يكفى فى البيع عدم كفاية غلّة الارض لمئونة سنة الموقوف عليهم، كما لا يخفى، و هذا اقلّ مراتب الفقر الشرعى) و كلما اشتدّت الحاجة كان اظهر مصداقا للفقر الشرعى، كما لا يخفى (و المأخوذ من عبائر من تقدم من المجوزين) للبيع فى هذه الصورة (اعتبار الضرورة و الحاجة الشديدة، و بينها) اى الضرورة (و بين مطلق الفقر عموم

ص: 62

من وجه، اذ قد يكون فقيرا، و لا يتفق له حاجة شديدة بل مطلق الحاجة لوجدانه من مال الفقراء ما يوجب التوسعة عليه.

و قد يتفق الحاجة و الضرورة الشديدة فى بعض الاوقات لمن يقدر على مئونة سنته.

فالرواية بظاهرها غير معمول بها، مع انه قد يقال: ان ظاهر الجواب جواز البيع بمجرّد رضى الكل، و كون البيع انفع، و لو لم يكن حاجة.

______________________________

من وجه، اذ قد يكون فقيرا، و لا يتفق له حاجة شديدة، بل مطلق الحاجة) اى لا يوجد له حاجة مطلقا لا شديدة و لا قليلة (لوجدانه) اى الفقير (من مال الفقراء ما يوجب التوسعة عليه) اى على نفسه.

(و قد يتفق الحاجة و الضرورة الشديدة فى بعض الاوقات لمن يقدر على مئونة سنته) كما لو اتفق له مرض، او ما اشبه.

و لكن الانصاف: ان هذا صرف اشكال صورى، اذ: وجدان مال الفقراء لا يدفع صدق الحاجة الشديدة، و كذلك ذو الحاجة فقير فى هذا الحال.

و لو اردنا الاشكال فى الروايات بمثل هذه الاشكالات لم يبق الا اقلّ الروايات سالمة عن الاشكال.

(ف) قوله (الرواية بظاهرها غير معمول بها) محلّ منع (مع انه قد يقال: ان ظاهر الجواب) للامام عليه السلام فى رواية جعفر (جواز البيع بمجرّد رضى الكل، و كون البيع انفع، و لو لم يكن حاجة) فالرواية غير مربوطة بالصورة الخامسة.

ص: 63

و كيف كان: فلا يبقى للجواز عند الضرورة الشديدة الا الاجماعان المعتضدان بفتوى جماعة، و فى الخروج بهما عن قاعدة عدم جواز البيع، و عن قاعدة وجوب كون الثمن على تقدير البيع غير مختص بالبطن الموجود مع وهنه بمصير جمهور المتأخرين، و جماعة من القدماء الى الخلاف بل معارضته بالاجماع المدّعى فى السرائر اشكال.

الصورة السادسة: ان يشترط الواقف بيعه عند الحاجة او اذا كان فيه مصلحة

______________________________

(و كيف كان: فلا يبقى للجواز عند الضرورة الشديدة الا الاجماعان) من الانتصار و الغنية (المعتضدان بفتوى جماعة، و فى الخروج بهما عن قاعدة عدم جواز البيع) الّذي هو الاصل فى كل وقف (و عن قاعدة وجوب كون الثمن على تقدير البيع غير مختص بالبطن الموجود مع وهنه) اى دعوى الاجماع على الجواز (بمصير جمهور المتأخرين، و جماعة من القدماء الى الخلاف) و انهم لم يجوزوا البيع، فكيف يتحقق الاجماع (بل معارضته) اى اجماع الجواز (بالاجماع المدّعى فى السرائر) على عدم جواز البيع (اشكال) مبتداء، خبره ما تقدم من قوله «و فى الخروج بهما»

(الصورة السادسة) من الصور التى يجوز بيع الوقف فيها فى الجملة (ان يشترط الواقف) عند اجراء الصيغة (بيعه) اى الوقف كلا او بعضا (عند الحاجة) لنفسه او للموقوف عليهم (او اذا كان فيه) اى فى البيع (مصلحة) و لو بدون حاجة.

ص: 64

البطن الموجود، او جميع البطون، او عند مصلحة خاصة على حسب ما يشترط.

فقد اختلف كلمات العلامة، و من تأخر عنه فى ذلك.

فقال فى الارشاد: و لو شرط بيع الوقف عند حصول ضرر كالخراج و المؤن من قبل الظالم و شراء غيره بثمنه، فالوجه الجواز، انتهى.

و فى القواعد: و لو شرط بيعه عند الضرورة كزيادة خراج و شبهه و شراء غيره بثمنه، او عند خرابه، و عطلته،

______________________________

و الصلاح المشترط اما بالنسبة الى (البطن الموجود) لدى البيع (او جميع البطون) الحاضرة و المستقبلة (او عند مصلحة خاصة) لا للبطون بل لاعتبارات اخر (على حسب ما يشترط) الواقف.

(فقد اختلف كلمات العلامة، و من تأخر عنه فى ذلك) اى جواز البيع بالاشتراط.

(فقال فى الارشاد: و لو شرط بيع الوقف عند حصول ضرر كالخراج و المؤن من قبل الظالم) بان اراد الظالم اخذ خراج باهض و مئونة كثيرة من الوقف، فنبيعه لنتخلص من اعطاء المال للظالم (و شراء غيره بثمنه، فالوجه الجواز، انتهى) كلام الارشاد.

(و فى القواعد: و لو شرط) الواقف (بيعه) اى الوقف (عند الضرورة كزيادة خراج) من الظالم، بل او العادل أيضا (و شبهه) اى شبه الخراج كما لو عين الظالم ضريبة جديدة ظلما، او صارت مئونة السقى و شبهه كثيرة (و شراء غيره بثمنه، او) شرط بيعه (عند خرابه، و عطلته) عن

ص: 65

او خروجه عن حد الانتفاع، او قلة نفعه، ففى صحة الشرط اشكال.

و مع البطلان ففى ابطال الوقف نظر، انتهى.

و ذكر فى الايضاح فى وجه الجواز رواية جعفر بن حنان المتقدمة قال: فاذا جاز بغير شرط، فمع الشرط اولى.

و فى وجه المنع ان الوقف للتأبيد، و البيع ينافيه

______________________________

قابلية ما وقف لاجله (او خروجه عن حد الانتفاع، او قلة نفعه، ففى صحة الشرط اشكال).

اذ المألوف من الشرط، ان يكون فى العقود، لا فى الايقاعات، كالطلاق و العتق، و الوقف شبيه بالايقاع.

(و مع البطلان) اى لو قلنا ببطلان هذا الشرط، لانه شرط فاسد (ففى ابطال) اى الشرط (الوقف نظر) للخلاف فى ان الشرط الفاسد هل هو مفسد، أم لا؟ (انتهى) كلام القواعد.

(و ذكر) فخر المحققين (فى الايضاح فى وجه الجواز) لبيع الوقف عند الشرط المذكور (رواية جعفر بن حنان المتقدمة، قال) الايضاح (فاذا جاز) بيع الوقف (بغير شرط، فمع الشرط اولى) لانه جائز من جهة الشرط، و من جهة اصل الوقف، كما انه لو وجبت صلاة الظهر فى نفسها فمع النذر اولى، لاجتماع جهتى الوجوب فيها.

(و) ذكر الايضاح (فى وجه المنع) عن بيع الوقف مع الشرط (ان الوقف للتأبيد، و البيع ينافيه) فلا يصح اشتراطه لانه خلاف مقتضى الوقف

ص: 66

قال: و الاصح ان لا يجوز بيع الوقف بحال، انتهى.

و قال الشهيد فى الدروس: و لو شرط الواقف بيعه عند حاجتهم او وقوع الفتنة بينهم، فاولى بالجواز، انتهى.

و يظهر منه ان للشرط تأثيرا، و انه يحتمل المنع من دون الشرط، و التجويز معه.

و عن المحقق الكركى انه قال: التحقيق ان كل موضع قلنا بجواز بيع الوقف يجوز اشتراط البيع فى الوقف، اذا بلغ تلك الحالة، لانه شرط مؤكد و ليس بمناف للتأبيد المعتبر فى الوقف، لانه

______________________________

(قال: و الاصح ان لا يجوز بيع الوقف بحال) من الاحوال، سواء اشترط، أم لا، (انتهى) كلام الايضاح.

(و قال الشهيد فى الدروس: و لو شرط الواقف بيعه عند حاجتهم) اى حاجة ارباب الوقف (او وقوع الفتنة بينهم، فاولى بالجواز) من جواز البيع بدون الاشتراط (انتهى).

(و يظهر منه) اى من كلام الدروس (ان للشرط تأثيرا) فى الجواز (و انه يحتمل المنع) عن البيع (من دون الشرط، و) يحتمل (التجويز معه) اى مع الشرط.

(و عن المحقق الكركى انه قال: التحقيق ان كل موضع قلنا بجواز بيع الوقف) كالخراب، و الاختلاف، و نحوهما (يجوز اشتراط البيع فى الوقف، اذا بلغ) الوقف (تلك الحالة، لانه) اى الشرط المذكور (شرط مؤكد) بصيغة اسم الفاعل (و ليس بمناف للتأبيد المعتبر فى الوقف لانه)

ص: 67

مقيّد واقعا بعدم حصول احد اسباب البيع.

و الا، فلا للمنافات فلا يصح حينئذ حبسا لان اشتراط شراء شي ء بثمنه، يكون وقفا مناف لذلك، لاقتضائه الخروج عن المالك، فلا يكون وقفا و لا حبسا

______________________________

اى التأبيد فى الوقف (مقيد واقعا بعدم حصول احد اسباب البيع) عن التأبيد.

(و الا) نقل فى موضع بجواز البيع (فلا) يصح الاشتراط (للمنافات) بين الشرط المجوّز، و بين مقتضى الوقف الّذي هو التأبيد.

و على هذا (فلا يصح حينئذ حبسا) بمعنى انه اذا شرط فى الوقف او الحبس ان يبيعه و يشترى بثمنه ما يكون وقفا، لم يصح وقفا و لا حبسا.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 9، ص: 68

اما الوقف: فلانه شرط البيع، و هو مناف للوقف.

و اما الحبس: فلانه ذكر ان يشترى بثمنه شيئا ليوقفه، و الحبس لا يكون ثمنه وقفا (لان اشتراط شراء شي ء بثمنه) اى بثمن المحبوس (يكون) ذلك المشترى (وقفا مناف لذلك) الحبس اذ: الحبس ليس مؤبّدا حتى يجب ان يشترى بثمنه شيئا ليوقف مكان المحبوس (لاقتضائه) اى شرط شراء شي ء بثمن الحبس ليكون وقفا (الخروج) للمال المحبوس (عن) ملك (المالك) و الحال ان الحبس لا يوجب الخروج عن الملك.

و على هذا (فلا يكون) الموقوف المشترط بيعه و الاشتراء بثمنه (وقفا) لانه مناف لاشتراط البيع (و لا حبسا) لانه مناف لتبديل ثمنه الى شي ء آخر ليبقى وقفا

ص: 68

انتهى.

اقول: يمكن ان يقال: بعد التمسّك فى الجواز بعموم الوقوف على حسب ما يوقفها اهلها، و: المؤمنون عند شروطهم، بعدم ثبوت كون جواز البيع منافيا لمقتضى الوقف، فلعله مناف لاطلاقه.

و لذا يجتمع الوقف مع جواز البيع عند طروّ مسوّغاته،

______________________________

(انتهى).

(اقول: يمكن ان يقال: بعد التمسّك فى الجواز) اى جواز الاشتراط فى الوقف، و انه نافذ (بعموم الوقوف على حسب ما يوقفها اهلها) حيث دل على ان الكيفية التى يوقف الواقف الوقف على تلك الكيفية تكون نافذة، و الاشتراط من كيفية الوقف (و: المؤمنون عند شروطهم) فانه اعم من شرط الوقف، او غير الوقف (بعدم) متعلق ب «يقال» (ثبوت كون جواز البيع منافيا لمقتضى الوقف) اذ: الوقف عبارة عن تحبيس الاصل و تسبيل الثمرة، اما التأبيد فلا (فلعله) اى الاشتراط (مناف لاطلاقه) اى اطلاق الوقف، اذ: التحبيس ظاهر فى الدوام.

(و لذا) الّذي ليس جواز البيع مناف لمقتضى الوقف (يجتمع الوقف مع جواز البيع عند طروّ مسوّغاته) و لو كان البيع منافيا للمقتضى، لم يجز البيع اصلا.

مثلا: هل يمكن بيع بدون ثمن؟

و من عدم امكان ذلك يستكشف ان عدم الثمن مناف لمقتضى البيع.

اما امكان بيع مع عدم النقدية يستكشف منه ان النقدية من مقتضى

ص: 69

فان التحقيق- كما عرفت سابقا- ان جواز البيع لا يبطل الوقف، بل هو وقف يجوز بيعه، فاذا بيع خرج عن كونه وقفا.

ثم انه لو سلّم المنافاة، فانما هو بيعه للبطن الموجود، و اكل ثمنه و اما تبديله بوقف آخر، فلا تنافى بينه و بين مفهوم الوقف، فمعنى كونه حبسا، كونه محبوسا من ان يتصرف فيه بعض طبقات الملاك على نحو الملك المطلق، و اما حبس شخص الوقف فهو لازم لاطلاقه و تجرّده عن مسوغات

______________________________

الاطلاق لا مقتضى اصل البيع (فان التحقيق- كما عرفت سابقا-) فى ردّ كلام الجواهر (ان جواز البيع، لا يبطل الوقف، بل هو) حين جواز بيعه (وقف يجوز بيعه) و هذا كاشف عن ان جواز البيع لا ينافى مقتضى اصل الوقف (فاذا بيع خرج عن كونه وقفا) لانتفاء الموضوع.

(ثم انه لو سلّم المنافاة) بين الاشتراط و بين الوقف (فانما هو) اى المنافى للوقف (بيعه للبطن الموجود، و اكل ثمنه) بان يكون المنافى اكل الثمن بعد البيع (و اما تبديله) بعد البيع (بوقف آخر، فلا تنافى بينه) اى بين البيع الّذي يعقبه التبديل (و بين مفهوم الوقف).

و على هذا (فمعنى كونه) اى الوقف (حبسا، كونه محبوسا من ان يتصرف فيه بعض طبقات الملاك على نحو الملك المطلق) بان يبعه و يأكل ثمنه (و اما حبس شخص الوقف) بان لا يباع حتى لاجل التبديل (فهو لازم لاطلاقه) اى اطلاق الوقف (و تجرّده عن مسوّغات

ص: 70

الابدال شرعية كانت، كخوف الخراب، او بجعل الواقف، كالاشتراط فى متن العقد، فتأمل.

ثم انه روى صحيحا فى الكافى ما ذكره امير المؤمنين عليه السلام، فى كيفية وقف ماله فى عين ينبع، و فيه، فان اراد- يعنى الحسن عليه السلام- ان يبيع نصيبا من المال ليقضى به الدين، فليفعل ان شاء لا حرج عليه فيه و ان شاء جعله سرىّ الملك

______________________________

الابدال شرعية كانت) تلك المسوّغات للابدال (كخوف الخراب) او الخراب الفعلى (او بجعل الواقف، كالاشتراط فى متن العقد) للواقف بان يشترط ان يبيعه البطن متى ما عرض بعض العوارض (فتأمل) فان الظاهر ان منع الشخص من لوازم مفهوم الوقف لا لوازم اطلاقه فالاشتراط محلّ اشكال.

(ثم انه) يدل بعض الروايات انه لا منافات بين الوقف و البيع اذا اشترط الواقف ذلك، فقد (روى صحيحا فى الكافى ما ذكره امير المؤمنين عليه السلام، فى كيفية وقف ماله فى عين ينبع) و هى عين قرب المدينة (و فيه) اى فى لفظ وقف الامام عليه السلام (فان اراد- يعنى الحسن عليه السلام- ان يبيع نصيبا من المال) الموقوف (ليقضى به الدين، فليفعل ان شاء، لا حرج عليه) فانه دال على صحة الاشتراط (فيه) اى فى لفظ الوقف (و ان شاء) الحسن عليه السلام (جعله) اى جعل الحسن عليه السلام الوقف (سرىّ الملك) السري بالتشديد فعيل بمعنى الشريف من اضافة الصفة الى الموصوف، اى جعله ملك الشريف الّذي هو ملك

ص: 71

و ان ولد عليّ و مواليهم و اموالهم الى الحسن بن على.

و ان كانت دار الحسن بن على غير دار الصدقة فبدا له ان يبيعها فليبعها ان شاء و لا حرج عليه فيه فان باع، فانه يقسّم ثمنه ثلاثة اثلاث، فليجعل ثلثا فى سبيل الله، و يجعل ثلثا فى بنى هاشم و بنى المطلب،

______________________________

طلق، لا قيد فيه كالانسان السري الّذي لا عبودية و قيد فيه.

و هذا أيضا يدل على جواز اشتراط تبديل الوقف الى الملك (و ان) جملة مستأنفة (ولد عليّ و مواليهم) اى عبيدهم (و اموالهم الى الحسن بن على) اى انه الناظر فى امورهم، و المكلف بقيام مصالحهم و ذلك وصاية من الامام عليه السلام، او بيان لان الحسن عليه السلام امام، فله ذلك.

(و ان كانت) جملة مستأنفة اخرى (دار الحسن بن على) التى سكن الحسن عليه السلام فيها (غير دار الصدقة) بان لم يسكن فى الدار الموقوفة (فبدا له) اى ظهر للحسن عليه السلام (ان يبيعها) اى يبيع دار الوقف، لانه لم يحتج إليها، لان له دار ملكية هو ساكن فيها (فليبعها ان شاء).

و هذا أيضا يدل على جواز اشتراط الواقف بيع الموقوف عليه الوقف (و لا حرج عليه) اى على الحسن عليه السلام (فيه) اى فى بيع دار الصدقة (فان باع، فانه يقسّم ثمنه) اى ثمن الدار، و تذكير الضمير باعتبار كونها وقفا (ثلاثة اثلاث، فليجعل ثلثا فى سبيل الله، و يجعل ثلثا فى بنى هاشم و بنى المطلب،

ص: 72

و ثلثا فى آل ابى طالب، و انه يضعه فيهم حيث يراه الله.

ثم قال و ان حدث فى الحسن، او فى الحسين حدث فان الآخر منهما ينظر فى بنى على، الى ان قال فانه يجعله فى رجل يرضاه من بنى هاشم، و انه يشترط على الّذي يجعله إليه ان يترك هذا المال على اصوله، و ينفق الثمرة حيث امره من سبيل الله، و وجهه، و ذوى الرحم من

______________________________

و ثلثا فى آل ابى طالب، و انه) اى الحسن عليه السلام (يضعه) اى الثلثين (فيهم) فى آل هاشم، و مطلب، و طالب (حيث يراه الله) اى ان الاختيار بيده، لا انه يجب عليه ان يقسّم بينهم بالسويّة.

(ثم قال) الامام عليه السلام (و ان حدث فى الحسن، او فى الحسين) المتوليين للوقف، و لهما النظارة طولا (حدث) كالموت (فان الآخر منهما ينظر فى بنى على) اى يكون ناظرا عليهم، كما اذا سافر الحسن عليه السلام، فالحسين ناظر، و هكذا.

فان هذه الفقرة أيضا تدل على اختيار الحسين عليه السلام كاختيار الحسن عليه السلام فله ان يبيع الوقف حسب التفصيل المتقدم (الى ان قال) الامام عليه السلام (فانه) اى الثانى من الحسن و الحسين (يجعله) اى الوقف- بعد موته- (فى رجل يرضاه من بنى هاشم، و انه يشترط على الّذي يجعله) اى الوقف (إليه) بان يجعله متوليا على الوقف (ان يترك هذا المال) الموقوف (على اصوله، و ينفق الثمرة حيث امره) اى فى الموارد المقررة (من سبيل الله، و وجهه) اى ما كان لوجه الله تعالى و قربة إليه- عطف بيان- (و ذوى الرحم من

ص: 73

بنى هاشم، و بنى المطلب، و القريب و البعيد، لا يباع شي ء منه، و لا يوهب و لا يورث، الرواية.

و ظاهرها جواز اشتراط البيع فى الوقف لنفس البطن الموجود فضلا عن البيع لجميع البطون و صرف ثمنه فيما ينتفعون به.

و السند صحيح، و التأويل مشكل، و العمل اشكل.

______________________________

بنى هاشم، و بنى المطلب، و القريب و البعيد، لا يباع شي ء منه، و لا يوهب، و لا يورث) الى آخر (الرواية) مما يدل على ان كلام الامام فى الوقف، و ان جواز بيعه حسب شرطه عليه السلام كان خاصا بالامامين الحسن و الحسين عليهما السلام.

(و ظاهرها جواز اشتراط البيع فى الوقف لنفس البطن الموجود) الّذي هو اوّل السلسلة (فضلا عن البيع لجميع البطون) اى للبطون المتأخرة، فانه يفهم منه بطريق اولى (و) جواز (صرف ثمنه) اى الوقف المبيوع (فيما ينتفعون به) فضلا عن تبديله الى وقف آخر.

(و السند) للرواية (صحيح) كما عرفت (و التأويل) بانه لم يكن وقفا (مشكل) لانه خلاف ظاهر الرواية (و العمل) بها (اشكل) لان معنى الوقف بقاء العين، و هذا هو المفهوم لدى العرف الظاهر من اطلاقات ادلة الوقف.

لكن الانصاف لزوم العمل بها بعد صحة السند، و ظهور الدلالة له و عدم الاعراض.

و لو اردنا المناقشة فى الروايات بهذه المناقشات لم تبق جملة

ص: 74

الصورة السابعة ان يؤدى بقائه الى خرابه، علما او ظنا،

و هو المعبّر عنه بخوف الخراب فى كثير من العبائر المتقدمة.

و الاداء الى الخراب قد يكون للخلف بين اربابه، و قد يكون لا له، و الخراب المعلوم، و المخوف قد يكون على حد سقوطه من الانتفاع نفعا معتدّا به، و قد يكون على وجه نقص المنفعة.

و اما اذا فرض جواز الانتفاع به بعد الخراب بوجه آخر

______________________________

كبيرة من الرواية سليمة، و لا وجه لذلك اطلاقا.

(الصورة السابعة) من الصور التى يجوز بيع الوقف فيها فى الجملة (ان يؤدّى بقائه الى خرابه، علما او ظنا) بان نعلم: انه اذا بقى خرب، او نظن ذلك (و هو المعبّر عنه بخوف الخراب فى كثير من العبائر المتقدمة) بل الخوف اعمّ حتى من الوهم العقلائى، فاذا كانت سيارة من كل ثلاث سيارات تصطدم، فان احتمال اصطدام كل سيارة و هم، لانه احتمال فى مقابل احتمالى عدم الاصطدام، و مع ذلك فهو خوف عقلائى.

(و الاداء الى الخراب قد يكون للخلف بين اربابه، و قد يكون لا له) اى لا للخلف بين الارباب (و الخراب المعلوم و المخوف) منه (قد يكون على حد سقوطه من الانتفاع نفعا معتدّا به) بان لا يكون له نفع يعتنى به العقلاء لمثل هذا الوقف (و قد يكون على وجه نقص المنفعة) كما لو كان نفع بستان الف دينار، فصار مائتين و خمسين- مثلا-.

(و اما اذا فرض جواز الانتفاع به) اى بالوقف (بعد الخراب بوجه آخر)

ص: 75

كانتفاعه السابق، او ازيد، فلا يجوز بيعه، الا على ما استظهره بعض من تقدم كلامه سابقا من ان تغير عنوان الوقف يسوّغ بيعه و قد عرفت ضعفه.

و قد عرفت من عبائر جماعة تجويز البيع فى صورة التأدية الى الخراب، و لو لغير الاختلاف.

و من اخرى تقييد هم به.

الصورة الثامنة ان يقع بين الموقوف عليهم اختلاف لا يؤمن معه تلف المال

______________________________

كالانتفاع بعرصة الدار المخروبة لجعلها محلا لوقوف الاغنام للبيع- مثلا- (كانتفاعه السابق، او ازيد) بان كان ايجار العرصة كايجار الدار مائة- مثلا- او مائة و خمسين بعد ان كان ايجار الدار مائة (فلا يجوز بيعه، الا على ما استظهره بعض من تقدم كلامه سابقا من ان تغير عنوان الوقف) كتغير الدار الى العرصة (يسوّغ بيعه) كما تقدم عن الجواهر (و قد عرفت ضعفه) اى ضعف كلام الجواهر.

(و قد عرفت) فيما تقدم (من عبائر جماعة تجويز البيع فى صورة التأدية الى الخراب، و لو لغير الاختلاف) اى خرابا ليس ناشئا من اختلاف ارباب الوقف، بل لعوارض اخر، كهجرة اهل القرية- مثلا-.

(و) عرفت (من) جماعة (اخرى تقييدهم) جواز البيع فى صورة التأدية الى الخراب (به) اى بما اذا كان ناشئا من الاختلاف، و اللّه العالم.

(الصورة الثامنة) من الصور التى يجوز بيع الوقف فيها (أن يقع بين الموقوف عليهم اختلاف لا يؤمن معه تلف المال) بسبب الصرف فى

ص: 76

و النفس و ان لم يعلم او يظن بذلك، فان الظاهر من بعض العبارات السابقة، جوازه لذلك، خصوصا من عبر بالاختلاف الموجب لخوف الخراب.

الصورة التاسعة: ان يؤدى الاختلاف بينهم الى ضرر عظيم من غير تقييد بتلف المال،

فضلا عن خصوص الوقف.

الصورة العاشرة: ان يلزم فساد يستباح منه الانفس.

و الاقوى الجواز مع تأدية البقاء الى الخراب

______________________________

الشكايات، و الهدايا، و الرشوات، و ما اشبه (و النفس) بالقتال، و الاغتيال (و ان لم يعلم او يظن بذلك) بل كان صرف الاحتمال العقلائى (فان الظاهر من بعض العبارات السابقة، جوازه) اى البيع (لذلك) اى للاختلاف المؤدّى الى تلف الاموال و النفوس حكما، او احتمالا (خصوصا من عبر بالاختلاف الموجب لخوف الخراب) و سيأتى الدليل على ذلك.

(الصورة التاسعة) من الصور التى يجوز بيع الوقف فيها (أن يؤدّى الاختلاف بينهم) اى بين ارباب الوقف (الى ضرر عظيم من غير تقييد) للضرر (بتلف المال، فضلا عن) ضرر (خصوص الوقف) و سيأتى دليل هذا أيضا.

(الصورة العاشرة) من صور جواز بيع الوقف فيها (ان يلزم) من بقاء الوقف (فساد يستباح منه الانفس) قتلا، و جرحا، و ما اشبه.

(و الاقوى الجواز) لبيع الوقف (مع تأدية البقاء الى الخراب) علما

ص: 77

على وجه لا ينتفع به نفعا يعتد به عرفا، سواء كان لاجل الاختلاف، او غيره و المنع فى غيره من جميع الصور.

اما الجواز فى الاول فلما مرّ من الدليل على جواز بيع ما سقط عن الانتفاع فان الغرض من عدم البيع، عدم انقطاع شخصه فاذا فرض العلم او الظن بانقطاع شخصه فدار الامر بين انقطاع شخصه، و نوعه و بين انقطاع شخصه لا نوعه.

______________________________

او ظنا، او احتمالا عقلائيا (على وجه لا ينتفع به نفعا يعتد به عرفا، سواء كان) عدم الانتفاع (لاجل الاختلاف) المؤدّى الى الخراب (او غيره) كهجرة اهل البلد مما يؤدّى الى خراب الابنية، لتركها، او ما اشبه ذلك (و المنع) عن البيع (فى غيره) اى غير ما ادّى البقاء الى الخراب (من جميع الصور).

(اما الجواز فى الاول) اى صورة اداء البقاء الى الخراب (فلما مرّ من الدليل على جواز بيع ما سقط عن الانتفاع).

وجه الاستدلال بذلك، ما ذكره بقوله: (فان الغرض من عدم البيع عدم انقطاع شخصه) اى شخص الوقف، و هو عبارة اخرى عن بقائه (فاذا فرض العلم او الظن) المعتبر عند العقلاء فى الموضوعات، و لذا يجرون على حسبه حتى فى الامور المهمة (بانقطاع شخصه) اى فى المستقبل، لان بقائه يؤدى الى خرابه (فدار الامر بين انقطاع شخصه و) انقطاع (نوعه) معا بان يخرب، فلا شخص، و لا بدل (و بين انقطاع شخصه لا نوعه) بان يبدل الوقف حتى يبقى فرد آخر من النوع، و لا يذهب

ص: 78

كان الثانى اولى، فليس فيه منافاة لغرض الواقف اصلا.

و اما الادلة الشرعية فغير ناهضة لاختصاص الاجماع.

و انصراف النصوص الى غير هذه الصورة.

و اما الموقوف عليهم، فالمفروض اذن الموجود منهم، و قيام الناظر

______________________________

النوع بالكلية (كان الثانى) و هو انقطاع شخصه لا نوعه (اولى).

اذ هناك دليلان على حرمة بيع الوقف.

الاول: انه مناف لغرض الواقف، و الواقف بما كان مالكا محترم الغرض.

الثانى: الادلة الشرعية، و كلا الدليلين لا يجريان فى المقام.

اما الاول: لما اشار إليه بقوله: (فليس فيه منافاة لغرض الواقف اصلا) بل غرض الواقف المنكشف من اغراض العقلاء مثله هو بقاء النوع.

(و أما الادلة الشرعية فغير ناهضة) بحرمة مثل هذا البيع للتبديل (لاختصاص الاجماع) الدالّ على حرمة بيع الوقف بغير هذه الصورة، لان الفقهاء بانفسهم استثنوا من حرمة البيع هذه الصورة.

(و انصراف النصوص) الدالّة على عدم جواز بيع الوقف (الى غير هذه الصورة) التى تؤدّى فيها البقاء الى الخراب.

(و) ان قلت: فى الوقف حق للبطون الموقوف عليهم، و البيع مناف لحقهم.

قلت: (اما الموقوف عليهم، فالمفروض اذن الموجود منهم) فى البيع (و قيام الناظر

ص: 79

العامّ، و الخاص مقام غير الموجود.

نعم: قد يشكل الامر فيما لو فرض تضرّر البطن الموجود من بيعه للزوم تعطيل الانتفاع الى زمان وجدان البدل او كون البدل قليل المنفعة بالنسبة الى الباقى.

و مما ذكر

______________________________

العام) و هو الحاكم الشرعى (و الخاص) و هو المتولى المنصوب من قبل الواقف (مقام غير الموجود) فيأذن فى البيع.

(نعم: قد يشكل الامر) فى بيع الوقف المؤدّى بقائه الى خرابه (فيما لو فرض تضرر البطن الموجود من بيعه) فلم يرضوا فى البيع (للزوم تعطيل الانتفاع الى زمان وجدان البدل) كما لو كان وجدان البدل يحتاج الى سنة من التفتيش ففى هذه السنة يتضرر البطن الموجود حيث لا نفع لهم اذا بيع الوقف (او كون البدل) الّذي يشترى عاجلا لعدم تضرر البطن الموجود (قليل المنفعة بالنسبة الى) البطن (الباقى) حيث يوجب عدم رضاية الناظر الّذي يجب عليه ملاحظة نفع البطون اللاحقة، فانه يدور الامر حينئذ بين الضررين، اما ان يشترى بالثمن حالا مكان بعيد حتى لا يتضرر البطن الموجود، لكنه مستلزم قلة المنفعة فى المستقبل لعدم رغبة المستأجرين فى الآتى الى مكان بعيد، او يصبر حتى يوجد مكان قريب يشترى بالبدل لكنه مستلزم لعدم انتفاع البطن الموجود مدة سنة بالبدل.

(و مما ذكر) من ان البيع انما هو لعدم تفويت النوع بالإضافة الى

ص: 80

يظهر انه يجب تأخير البيع الى آخر ازمنة امكان البقاء، مع عدم فوات الاستبدال فيه.

و مع فوته، ففى تقديم البيع اشكال.

و لو دار الامر بين بيعه و الابدال به و بين صرف منفعته الحاصلة

______________________________

فوات الشخص (يظهر انه يجب تأخير البيع الى آخر ازمنة امكان البقاء) على الوقف (مع عدم فوات الاستبدال فيه) اى فى آخر ازمنة البقاء.

اذ الاصل فى الوقف: الابقاء، الا اذا كان الابقاء موجبا لفوت النوع و الشخص، فانه حينئذ يجوز البيع و ذلك آخر ازمنة الامكان.

(و مع فوته) اى فوت الاستبدال فى آخر ازمنة امكان البقاء (ففى تقديم البيع) على آخر ازمنة امكان البقاء (اشكال) كما لو ان الفوت كان فى شهر رمضان، فهل نقدم البيع فى شهر شعبان حتى لا يفوتنا الاستبدال لتوفر المثل فى شهر شعبان، او نؤخر البيع الى شهر رمضان تحفظا على ابقاء الوقف، و ان فاتنا البدل حينذاك بل يبقى الثمن للموقوف عليهم لكل وجه.

وجه التأخير فى البيع الابقاء على شخص الوقف.

و وجه التقديم الابقاء على نوع الوقف.

اقول و فى العبارة احتمال آخر كما لا يخفى.

(و لو دار الامر بين بيعه) اى الوقف (و الابدال به) حتى ينتفع البطن الموجود، و يبقى النوع لسائر البطون (و بين صرف منفعته الحاصلة

ص: 81

مدة من الزمان لتعميره، ففى ترجيح حق البطن الّذي يفوته المنفعة او حق الواقف و سائر البطون المتأخرة المتعلق بشخص الوقف وجهان، يخلوا و لهما عن قوة اذا لم يشترط الواقف اصلاح الوقف من منفعته

______________________________

مدة من الزمان) كايجاره عشر سنوات، و اخذ الاجرة و تعميره بها (لتعميره) حتى يبقى شخص الوقف، و لكن لا ينتفع به البطن الموجود فى مدة عشر سنوات (ففى ترجيح حق البطن) الحاضر (الّذي يفوته المنفعة) فى هذه المدة، فنقول باجارته و صرف الاجرة فى تعمير شخص الوقف، فان الواقف اراد شخص الوقف، و البطون تعلق حقهم بشخص الوقف (المتعلق) حق الواقف، و حق البطون، (بشخص الوقف وجهان، لا يخلو اوّلهما) و هو ترجيح حق البطن الموجود بالتبديل (عن قوة).

اذ لا وجه لضياع حق البطن الموجود، و قد تقرر فى الفقه انه لو دار الامر بين ان يصلى الانسان الركعة الاولى عن جلوس، او الركعة الثانية، كان الواجب عليه ان يصلى الركعة الاولى قياما.

و كذلك اذا دار بين ان يفطر اوّل يوم من شهر رمضان، او ثانى يوم منه، و هكذا.

و فى المقام لو دار الامر بين فوت نفع البطن الموجود و هو خلاف غرض الواقف، او فوت نفع البطن المتأخر، و هو خلاف غرض الواقف أيضا، يلزم ان نقدم حق البطن الموجود لانه اتباع لغرض الواقف المقدم على غرضه بالنسبة الى البطن اللاحق (اذا لم يشترط الواقف اصلاح الوقف من منفعته) اى منافع نفس الوقف

ص: 82

مقدما على الموقوف عليه.

و قد يستدل على الجواز فيما ذكرنا بما عن التنقيح من: ان بقاء الوقف على حاله- و الحال هذه- اضاعة و اتلاف للمال و هو منهى عنه شرعا فيكون البيع جائزا.

و لعله اراد الجواز، بالمعنى الاعم، فلا يرد عليه انه يدل على وجوب البيع.

و فيه ان المحرّم هو

______________________________

(مقدما) حال عن الاصلاح (على الموقوف عليه) فانه حينئذ يعمر الوقف باجرته، و لا يعطى مدة الاجارة نفعه الى البطن الموجود، و ذلك حسب شرط الواقف نفسه.

(و قد يستدل على الجواز) اى جواز البيع (فيما ذكرنا) من اداء بقاء الوقف الى خرابه (بما عن التنقيح من: ان بقاء الوقف على حاله) بدون بيع و تبديل (- و الحال هذه-) اى ممّا يؤدى بقائه الى خرابه (اضاعة و اتلاف للمال، و هو) اى اتلاف المال (منهى عنه شرعا فيكون البيع جائزا) و ترتفع حرمة بيع الوقف.

(و لعله اراد) بالجواز (الجواز، بالمعنى الاعم) الشامل للوجوب أيضا مقابل الحرمة (فلا يرد عليه) ما ذكره صاحب المقابيس (انه) اى الدليل المذكور (يدل على وجوب البيع) فلا يناسبه قوله «فيكون البيع جائزا» بل اللازم ان يقول «فيكون البيع واجبا».

(و فيه) اى فى الاستدلال المذكور لجواز بيع الوقف (ان المحرم هو

ص: 83

اضاعة المال المسلط عليه، لا ترك المال الّذي لا سلطان عليه الى ان يخرب بنفسه، و إلا لزم وجوب تعمير الاوقاف المشرفة على الخراب بغير البيع مهما امكن مقدّما على البيع او اذا لم يمكن البيع.

و الحاصل: ان ضعف هذا الدليل بظاهره واضح.

و يتضح فساده على القول بكون الثمن للبطن الموجود، لا غير.

______________________________

اضاعة المال المسلط عليه) اى الّذي كان للانسان سلطة على ذلك المال (لا) ان المحرم (ترك المال الّذي لا سلطان) و لا تسلّط للانسان (عليه الى ان يخرب بنفسه، و الا) فلو حرم ترك المال حتى يخرب (لزم وجوب تعمير الاوقاف المشرفة على الخراب بغير البيع) اى يعمر بدون ان يباع (مهما امكن) التعمير (مقدّما) للتعمير (على البيع) ابقاء اعلى شخص تلك الاوقاف (او اذا لم يمكن) التعمير بدون ان يباع فاللازم تعميره ب (البيع) بان يباع الوقف، و يبدل الى مكان آخر، و حيث ان اللازم، و هو قوله «لزم» باطل، فالملزوم، و هو قول المستدل- اى التنقيح- أيضا باطل.

و لا يخفى عليك ما فى كلام الشيخ من الاشكال، لعدم التلازم.

(و الحاصل: ان ضعف هذا الدليل بظاهره واضح) الا ان يؤول الدليل الى ما يرجع الى الدليل السابق، من انه خلاف غرض الواقف او ما اشبه ذلك.

(و يتضح فساده) اى فساد دليل التنقيح (على القول بكون الثمن للبطن الموجود، لا غير) اذا بقاء الوقف حتى ينهدم اسهل من بيعه، و

ص: 84

و يتلوه فى الضعف ما عن المختلف، و التذكرة، و المهذب، و غاية المرام، من: ان الغرض من الوقف استيفاء منافعه و قد تعذر فيجوز اخراجه عن حده تحصيلا للغرض منه، و الجمود على العين مع تعطيلها تضييع للغرض، كما انه لو تعطل الهدى ذبح فى الحال و ان اختص بموضع، فلما تعذر مراعاة المحل ترك مراعاته لتخلص المعتذر.

______________________________

اكل ثمنه، فان فى الابقاء امتدادا، و لو موقتا، و غرض الواقف بخلاف البيع و اكل ثمنه، فان فيه اذهابا له.

(و يتلوه) اى دليل التنقيح الّذي استدل به لجواز البيع فى صورة اداء البقاء الى الخراب (فى الضعف ما عن المختلف، و التذكرة، و المهذب، و غاية المرام، من: ان الغرض من الوقف استيفاء منافعه و قد تعذر) استيفاء المنافع، لان بقائه يؤدّى الى خرابه (فيجوز اخراجه) اى الوقف (عن حدّه) بالبيع و الاستبدال (تحصيلا للغرض منه) اى من الوقف (و الجمود على العين) هذا مبتدأ، و خبره «تضييع» بان يبقى الوقف حتى يخرب (مع تعطيلها) فى المستقبل لغرض ان بقائها يؤدّى الى خرابها (تضييع للغرض) الّذي من اجله اوجب الشارع بقاء الوقف (كما انه لو تعطّل الهدى) الّذي يساق الى الكعبة بكسر رجل، او ما اشبه، لم ينتظر به حتى يموت، بل (ذبح فى الحال) لادراك بعض الفوائد المترتبة عليه (و ان اختص) الهدى حسب التشريع (بموضع) خاص و هو مكة (فلما تعذر مراعاة المحل ترك مراعاته) بل اجاز الشارع ذبحه حيث تعطل (لتخلص المعتذر) اى تخلّصه من العطب.

ص: 85

و فيه ان الغرض من الوقف استيفاء المنافع من شخص الموقوف، لانه الّذي دل عليه صيغة الوقف و المفروض تعذره، فيسقط، و قيام الانتفاع بالنوع مقام الانتفاع بالشخص، لكونه اقرب الى مقصود الواقف، فرع الدليل على وجوب اعتبار ما هو الاقرب الى غرض الواقف بعد تعذّر اصل الغرض.

فالاولى

______________________________

(و فيه) اى فى هذا الدليل الّذي ذكره المختلف و غيره (ان الغرض من الوقف استيفاء المنافع من شخص الموقوف، لانه) اى لان الاستيفاء من شخصه، هو (الّذي دلّ عليه صيغة الوقف) اذ علق الواقف الوقف بالشخص الخاص (و المفروض تعذره) اى تعذّر الاستيفاء من الشخص (فيسقط) الغرض (و قيام الانتفاع بالنوع) ببدله (مقام الانتفاع بالشخص، لكونه) اى البدل (اقرب الى مقصود الواقف، فرع) وجود (الدليل على وجوب اعتبار ما هو الاقرب الى غرض الواقف بعد تعذر اصل الغرض) و ليس هنا دليل على ذلك.

لكن الانصاف ان الاعتبار العرفى هو: ان الواقف اراد الشخص، و مع تعذره اراد النوع، و هذا الاعتبار العرفى كاف فى لزوم الاخذ به، لان الوقوف على حسب ما يوقفها اهلها، شامل له.

و كيف كان.

(فالاولى) عند المصنف ره، ان لا نقول: بان المقتضى للبقاء موجود، و انما هناك دليل على جواز البيع و التبديل فى صورة اداء

ص: 86

منع جريان ادلة المنع مع خوف الخراب المسقط للمنفعة راسا و جعل ذلك مؤيّدا.

و اما المنع فى غير هذا القسم من الصورة السابعة و فيما عداها من الصور اللاحقة فلعموم قوله عليه السلام: لا يجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة فى ملكك، فان ترك الاستفصال فيه عن علم المشترى بعدم وقوع بيع الوقف على بعض الوجوه المجوزة و عدمه الموجب لحمل فعل البائع على

______________________________

البقاء الى الخراب، بل (منع جريان ادلة المنع) عن بيع الوقف (مع خوف الخراب المسقط) ذلك الخراب (للمنفعة راسا و جعل ذلك) الدليل الّذي ذكره المختلف و غيره (مؤيّدا)

هذا كله وجه جواز البيع بالنسبة الى ما ذكره المصنف بقوله «و الاقوى الجواز»

(و اما المنع) عن البيع (فى غير هذا القسم من الصورة السابعة و فيما عداها) اى الصورة السابعة (من الصور اللاحقة) و هى الثامنة و التاسعة و العاشرة (فلعموم قوله عليه السلام: لا يجوز شراء الوقف، و لا تدخل الغلة فى ملكك، فان ترك الاستفصال فيه) اى فى المنع حيث ان الامام اطلق النهى عن الاشتراء، و لم يقل: ان وقع خلف بين اربابه مثلا- فاشتر، و ان لم يقع فلا تشتر.

فترك الاستفصال (عن علم المشترى بعدم وقوع بيع الوقف) من الواقف (على بعض الوجوه المجوزة، و عدمه) اى عدم وجود الوجه المجوّز (الموجب) ذلك اى عدم العلم (لحمل فعل البائع على

ص: 87

الصحة- يدل على ان الوقف ما دام له غلة لا يجوز بيعه.

و كذا قوله عليه السلام: الوقوف على حسب ما يوقفها اهلها.

و ما دل على انه يترك حتى يرثها وارث السماوات و الارض.

هذا كله مضافا الى الاستصحاب فى جميع هذه الصور، و عدم الدليل الوارد عليه عدا المكاتبة المشهورة التى انحصر تمسك كل من جوّز هذه الصور فيها، و هى مكاتبة ابن مهزيار،

______________________________

الصحة- يدل) عدم الاستفصال (على ان الوقف ما دام له غلة) و لو قليلا فى مقابل عدم الغلة الّذي قلنا بالجواز حينئذ- (لا يجوز بيعه).

(و كذا قوله عليه السلام: الوقوف على حسب ما يوقفها اهلها) فانه دالّ على اطلاق وجوب الابقاء عليها.

(و ما دل على انه يترك حتى يرثها وارث السماوات و الارض)

لكن يمكن ان يقال: ان هذه الادلة من قبيل العناوين الاولية، لا اطلاق لها من هذه الجهة، و انما يجب ان نلتمس المخصص، فان وجد فهو، و الا كان اللازم البقاء على مقتضى الوقف.

(هذا كله مضافا الى الاستصحاب) لوجوب ابقاء الوقف (فى جميع هذه الصور) السابعة و ما بعدها- لو شككنا فى ان العوارض هل هى مزيلة لحكم الوقف، أم لا؟ (و عدم الدليل الوارد عليه) اى على الاستصحاب (عدا المكاتبة المشهورة التى انحصر تمسك كل من جوّز هذه الصور) اى الصور السابعة و ما بعدها (فيها) اى فى المكاتبة، اذ لا دليل لهم سواها (و هى مكاتبة ابن مهزيار) التى هى حجة و

ص: 88

قال كتبت الى ابى جعفر الثانى انّ فلانا ابتاع ضيعة فاوقفها و جعل لك فى الوقف الخمس، و يسألك عن رأيك فى بيع حصتك من الارض او تقويمها على نفسه بما اشتراها او يدعها موقوفة، فكتب إليّ اعلم فلانا انى آمره ببيع حصتى من الضيعة، و ايصال ثمن ذلك إليّ ان ذلك رايى ان شاء الله تعالى او يقومها على نفسه ان كان ذلك اوفق له، فكتبت إليه ان الرجل ذكر

______________________________

معمول بها، فلا اشكال فيهما من هاتين الجهتين (قال كتبت الى ابى جعفر الثانى) و هو الجواد عليه السلام (انّ فلانا ابتاع ضيعة، فاوقفها و جعل لك فى الوقف الخمس) و الاربعة الاخماس الاخر لغيرك (و يسألك عن رايك فى بيع حصتك من الارض) ليرسل لك ثمنها (او تقويمها) اى الحصة (على نفسه) حتى يشتريها هو واقف الضيعة (بما اشتراها) بالقيمة التى اشترى الارض.

فمثلا اشترى الارض بالف، فيعطيك مائتين قيمة الخمس (او يدعها موقوفة) فلا يجوز له ان يبيعها لك، و لا ان يشتريها منك (فكتب) الامام عليه السلام (إليّ) اى و هو ابن مهزيار (اعلم فلانا) بصيغة الامر من باب الافعال على وزن اكرم (انى آمره) متكلم وحدة من فعل المستقبل من امر يأمر (ببيع حصتى من الضيعة، و ايصال ثمن ذلك) المبيع (إليّ ان ذلك رايى ان شاء الله تعالى) كلمة تبرك محض لا شرطية، كما لا يخفى (او يقومها على نفسه) فيشتريه هو و يرسل الثمن إليّ (ان كان ذلك) التقويم على نفسه (اوفق له) اى للواقف (فكتبت) اى ابن مهزيار (إليه) اى الى ابى جعفر عليه السلام- أيضا- (ان الرجل) الواقف (ذكر

ص: 89

ان بين من وقف عليهم بقية هذه الضيعة اختلافا شديدا، و انه ليس يأمن ان يتفاقم ذلك بينهم بعده، فان كان ترى ان يبيع هذا الوقف، و يدفع الى كل انسان منهم ما وقف له من ذلك امرته فكتب عليه السلام بخطه و اعلمه ان رأيى ان كان قد علم الاختلاف بين ارباب الوقف ان بيع الوقف امثل فليبع، فانه ربما جاء فى الاختلاف تلف الاموال و النفوس، الخبر حيث انه يمكن الاستدلال للجواز بها فى القسم الثانى من الصورة السابعة بناء

______________________________

ان بين من وقف عليهم بقية هذه الضيعة) و هى الاربعة اخماس الاخر (اختلافا شديدا، و انه ليس يأمن ان يتفاقم) و يشتد (ذلك) الاختلاف (بينهم بعده) اى بعد ان يحدث الواقف (فان كان ترى) ايها الامام عليه السلام (ان يبيع) الواقف (هذا الوقف، و يدفع الى كل انسان منهم ما وقف له من ذلك امرته) اى ثمن حصته (فكتب عليه السلام بخطه و اعلمه) فعل امر من باب الافعال (ان رأيى ان كان) الواقف (قد علم) بسبب (الاختلاف بين ارباب الوقف ان بيع الوقف امثل) اى احسن (فليبع، فانه ربما جاء فى الاختلاف تلف الاموال و النفوس) الى آخر (الخبر)

وجه الاستدلال بهذا الخبر (حيث أنه يمكن الاستدلال للجواز) اى جواز بيع الوقف (بها) اى بهذه المكاتبة (فى القسم الثانى من الصورة السابعة) و المراد بذلك صورة اداء البقاء الى الخراب فى الجملة، لا الخراب الكلى (بناء) علة للاستدلال بالخبر للقسم الثانى

ص: 90

على ان قوله عليه السلام: فانه الخ، تعليل لجواز البيع فى صورة الاختلاف و ان المراد بالمال هو الوقف فان ضمّ النفوس انما هو لبيان الضرر الآخر المترتب على الاختلاف، لا ان المناط فى الحكم هو اجتماع الامرين كما لا يخفى، فيكون حاصل التعليل انه كل ما كان الوقف فى معرض الخراب جاز بيعه.

و فيه:

______________________________

(على ان قوله عليه السلام: فانه) ربما جاء فى الاختلاف (الخ، تعليل لجواز البيع فى صورة الاختلاف) اى هذا الاثر للاختلاف و هو الخراب، هو العلة الوحيدة (و ان المراد بالمال)- اى قوله عليه السلام «الاموال» (هو الوقف) لان القسم الثانى من الصورة السابعة كان مدارها صرف اداء بقائه الى الخراب فى الجملة (فان ضمّ) الامام عليه السلام (النفوس) الى الاموال حيث قال «تلف الاموال و النفوس» (انما هو لبيان الضرر الآخر المترتب على الاختلاف، لا ان المناط فى الحكم) بجواز البيع (هو اجتماع الامرين) تلف الاموال و النفوس معابل يكفى تلف الاموال فقط فى الجملة (كما لا يخفى) اذ الظاهر: ان ذلك من باب الترقى، لا من باب مدخلية الاجماع (فيكون حاصل التعليل) لجواز البيع (انه كل ما كان الوقف فى معرض الخراب جاز بيعه) و لو لم يكن من جهة اختلاف ارباب الوقف، و لو كان فيه تلف بعض المال.

(و فيه) انه بناء اعلى ما ذكرتم، لا يكون كلام العلماء الا اخصّ من الدليل اذ الدليل دل على جواز البيع فى صورة الاحتمال، و كلام العلماء دل على

ص: 91

ان المقصود جواز بيعه اذا ادّى بقائه الى الخراب علما او ظنا، لا مجرد كونه ربما يؤدى إليه المجامع للاحتمال المساوى او المرجوح على ما هو الظاهر من لفظ «ربما» كما لا يخفى على المتتبع لموارد استعمالاته.

و لا اظن احدا يلتزم لجواز البيع بمجرد احتمال اداء بقائه الى الخراب، لان كلمات من عبّر بهذا العنوان- كما عرفت- بين قولهم ادّى بقائه الى خرابه، و بين قولهم يخشى او يخاف خرابه.

و الخوف- عند المشهور كما يعلم من سائر موارد

______________________________

جواز البيع فى صورة العلم بالخراب او الظن، ف (ان المقصود) للعلماء (جواز بيعه اذا ادّى بقائه الى الخراب علما او ظنا، لا مجرد كونه ربما يؤدى إليه) اى الى الخراب (المجامع) اى «ربما» يجتمع (للاحتمال المساوى) اى يتساوى فى الاحتمال الخراب و عدمه (او المرجوح) اى ان الخراب مرجوح (على ما هو الظاهر من لفظ «ربما») الوارد فى الرواية (كما لا يخفى على المتتبع لموارد استعمالاته) اى استعمالات «ربما»

(و لا اظن احدا يلتزم لجواز البيع بمجرد احتمال اداء بقائه الى الخراب)

و انما لا يلتزم به احد (لان كلمات من عبّر بهذا العنوان- كما عرفت-) بعضها (بين قولهم ادّى بقائه الى خرابه، و بين قولهم يخشى او يخاف خرابه) و الخوف لا يشمل الاحتمال المتساوى، فكيف بالمرجوح.

(و) ذلك لان (الخوف- عند المشهور كما يعلم من سائر موارد

ص: 92

اطلاقاتهم مثل قولهم يجب الافطار، و التيمم مع خوف الضرر، و يحرم السفر مع خوف الهلاك- لا يتحقق الا بعد قيام أمارة الخوف.

هذا مع ان مناط الجواز على ما ذكر تلف الوقف رأسا و هو القسم الاول من الصورة السابعة الّذي جوزنا فيه البيع، فلا يشمل الخراب الّذي لا يصدق معه التلف.

مع انه لا وجه- بناء اعلى عموم التعليل- للاقتصار على خوف خراب خصوص الوقف، بل كلما خيف تلف مال جاز بيع الوقف

______________________________

اطلاقاتهم مثل قولهم يجب الافطار، و التيمم مع خوف الضرر، و يحرم السفر مع خوف الهلاك- لا يتحقق الا بعد قيام أمارة الخوف).

لكن الانصاف ان هذا الاشكال من المصنف فى غاية الاشكال، بل الظاهر من الرواية هو ما ذكره مجوز البيع.

(هذا) اشكال على التمسك بالرواية (مع ان) هناك اشكالا آخر، اذ (مناط الجواز) للبيع (على ما ذكر) فى الرواية (تلف الوقف رأسا) لانه قال «تلف الاموال» و الجمع المحلى باللام يفيد العموم، و ذلك لا يكون الا بالخراب الكامل (و هو القسم الاول من الصورة السابعة الّذي جوزنا فيه البيع، فلا يشمل الخراب) فى الجملة (الّذي لا يصدق معه التلف) كما هو محل الكلام فى القسم الثانى من الصورة السابعة.

(مع انه لا وجه- بناء على عموم التعليل-) و ان العلة هى تلف المال فى الجملة (للاقتصار على خوف خراب خصوص الوقف، بل كلما خيف تلف مال) يصدق عليه «تلف الاموال» (جاز بيع الوقف).

ص: 93

و اما تقريب الاستدلال بالمكاتبة على جواز البيع فى الصورة الثامنة و هى صورة وقوع الاختلاف الّذي ربما اوجب تلف الاموال و النفوس، فهو ان الحكم بالجواز معلق على الاختلاف، الا ان قوله «فانه ربما الخ» مقيد بالاختلاف الخاص، و هو الّذي لا يؤمن معه من التلف، لان العلة تقيد المعلول، كما فى قولك: لا تأكل الرمان لانه حامض.

______________________________

و هذا أيضا لا يبعد القول به، فليس هذا اشكالا على التمسك بالرواية لكلام المشهور.

هذا كله تقريب الاستدلال بالمكاتبة لجواز البيع فى القسم الثانى من الصورة السابعة، و هو تلف بعض الاموال، اى ادّى البقاء الى خراب الوقف فى الجملة.

اما ادائه الى خرابه خرابا كاملا فقد تقدم عن المصنف اجازة البيع فى هذا القسم.

(و اما تقريب الاستدلال بالمكاتبة على جواز البيع فى الصورة الثامنة و هى صورة وقوع الاختلاف) بين ارباب الوقف (الّذي ربما اوجب) ذلك الاختلاف (تلف الاموال و النفوس، فهو ان الحكم بالجواز) لبيع الوقف (معلق على الاختلاف، الا ان قوله «فانه ربما الخ» مقيد بالاختلاف الخاص، و هو) الاختلاف (الّذي لا يؤمن معه من التلف، لان العلة تقيد المعلول، كما فى قولك: لا تأكل الرّمان لانه حامض) فانه يقيد النهى بالرمان الحامض، كما ان العلة تعمّم أيضا، فانه يستفاد منه عرفا ان كل حامض و لو لم يكن رمانا فانه محظور.

ص: 94

و فيه ان اللازم على هذا تعميم الجواز فى كل مورد لا يؤمن معه من تلف الاموال و النفوس، و ان لم يكن من جهة اختلاف الموقوف عليهم فيجوز بيع الوقف، لا صلاح كل فتنة، و ان لم يكن لها دخل فى الوقف.

اللهم الا ان يدعى سوق العلة مساق التقريب لا التعليل الحقيقى حتى يعدى الى جميع موارده.

______________________________

(و فيه ان اللازم على هذا) اى بناء على كون العلة مخصصة (تعميم الجواز) اى جواز البيع (فى كل مورد لا يؤمن معه من تلف الاموال و النفوس، و ان لم يكن) عدم الأمن (من جهة اختلاف الموقوف عليهم) لما عرفت من ان العلة كما تخصص، كذلك تعمم.

و السرّ ان المدار العلة، و كثيرا ما يكون بين العلة المذكورة و بين المعلول، العموم من وجه، كما بين الرمان و الحموضة (فيجوز بيع الوقف لا صلاح كل فتنة، و ان لم يكن لها) اى لتلك الفتنة (دخل فى الوقف) كما لو كان هناك فتنة بين طائفتين لا تخمد الا اذا صرفنا مالا و المال ليس عندنا الا بان نبيع الوقف.

(اللهم الا ان يدعى سوق العلة) و ذكرها (مساق التقريب) اى ان العلة تقريبية (لا التعليل الحقيقى حتى يتعدى الى جميع موارده).

و المراد بالعلة التقريبية الحكمة التى وجودها و عدمها ليسا مدارا للحكم، بل هى علة فى الجملة، مثل عدم اختلاط المياه علة للعدة، فان العدة لا تدور مدار الاختلاط.

اذ ربما كان اختلاطا و لا عدة، كما فى نكاح الامة المسبية.

ص: 95

لكن تقييد الاختلاف حينئذ بكونه مما لا يؤمن ممنوع و هو الّذي فهمه الشهيد ره فى الروضة كما تقدم كلامه، لكن الحكم على هذا الوجه مخالف للمشهور، فلا يبقى حينئذ وثوق بالرواية بحيث يرفع اليد بها عن العمومات

______________________________

و ربما لم يكن اختلاطا و كانت عدة كما فى نكاح من علمنا ببراءة رحمها.

و على هذا فتلف الاموال علة لبيع الوقف لكن لا كل تلف الاموال بل تلف الاموال فى صورة خاصة.

(لكن تقييد الاختلاف حينئذ) اى حين كان الاختلاف حكمة للبيع لا علة (بكونه مما لا يؤمن) بسببه من تلف الاموال و النفوس (ممنوع).

اذ الحكمة لا تلاحظ فى الحكم، بل اللازم ان نقول: ان الاختلاف سبب جواز البيع، سواء كان هناك خوف ذهاب الاموال و النفوس، أم لا.

كما نقول ان طلاق الزوج علة للعدة، سواء كان هناك اختلاط المياه أم لا.

و الحاصل: ان كان خوف التلف علة، لزم التعميم، و لا يقول به احد.

و ان كان حكمة، لزم ان يكون الاختلاف سببا، و لو علمنا عدم هدر الاموال و النفوس (و هو) اى عدم تقيّد الاختلاف بكونه مما لا يؤمن (الّذي فهمه الشهيد ره فى الروضة كما تقدم كلامه، لكن الحكم) بجواز البيع (على هذا الوجه) اى مجرد وجود الاختلاف بدون خوف هدر الاموال و النفوس (مخالف للمشهور، فلا يبقى حينئذ) اى حين كان فى كل من احتمال العلية و الحكمية اشكال (وثوق بالرواية) يمكن ان يعمل بها (بحيث يرفع اليد بها) اى بسبب هذه الرواية (عن العمومات

ص: 96

و القواعد، مع ما فيها من ضعف الدلالة، كما سيجي ء إليه الاشارة.

و مما ذكرنا يظهر تقريب الاستدلال على الصورة التاسعة و رده.

و اما تقريب الاستدلال على الصورة العاشرة فهو ان ضمّ تلف النفس الى تلف الاموال مع ان خوف تلف الانفس يتبعه خوف تلف المال غالبا يدل على اعتبار بلوغ الفتنة فى الشدة الى حيث يخاف منه تلف النفس.

______________________________

و القواعد، مع ما فيها من ضعف الدلالة، كما سيجي ء إليه الاشارة) اى الى وجه الضعف اى ضعف دلالتها على كون مورد السؤال الوقف، و كذلك لم يحصل قبض، مع ان القبض شرط فى الوقف.

و هذا تمام الكلام فى الصورة الثامنة من صور بيع الوقف.

(و مما ذكرنا يظهر تقريب الاستدلال) لجواز بيع الوقف (على الصورة التاسعة و ردّه).

اما تقريب الاستدلال: فبان يحمل «ربما» فى الرواية على التعليل الحقيقى، و يحمل ذكر تلف الاموال و الانفس على المثال، للضرر العظيم.

و اما رده: فبانه يلزم جواز بيع الوقف كلما حصل الضرر، و لو لا من جهة الاختلاف و لا يلتزم بذلك القائل بالصورة التاسعة، كما لا يخفى.

(و اما تقريب الاستدلال) بهذه الرواية (على الصورة العاشرة) و هو ان يستلزم فساد يستباح به الانفس (فهو ان ضمّ تلف النفس الى تلف الاموال) فى الرواية (مع ان خوف تلف الانفس يتبعه خوف تلف المال غالبا) اذ الغالب ان لا تتلف النفس الا و معه تلف المال (يدل على اعتبار بلوغ الفتنة فى الشدة الى حيث يخاف منه تلف النفس).

ص: 97

و لا يكفى بلوغها الى ما دون ذلك بحيث يخاف منه تلف المال فقط.

و فيه: ان اللازم على هذا عدم اختصاص موجب فساد بوقوع الفتنة بين الموقوف عليهم، بل يجوز حينئذ بيع الوقف لرفع كل فتنة.

مع ان ظاهر الرواية كفاية كون الاختلاف بحيث ربما جاء فيه

______________________________

فذكر تلف الاموال انما هو لاجل غلبة ملازمة تلف المال لتلف النفس لا لان لتلف المال مدخلية فى الجواز.

(و لا يكفى بلوغها) اى الفتنة (الى ما دون ذلك) اى دون تلف النفس (بحيث يخاف منه) اى من وقوع الفتنة (تلف المال فقط).

و الحاصل: ان ذكر تلف المال من باب الملازمة، لا من باب انه موضوع، اوله مدخلية فى الموضوع فالمعيار تلف النفس فقط.

(و فيه: ان اللازم على هذا) الّذي ذكرتم، من ان المناط: خوف تلف النفس (عدم اختصاص موجب الفساد بوقوع الفتنة بين الموقوف عليهم) اذ خوف تلف النفس اعم من ذلك (بل) لو كان المناط خوف تلف النفس (يجوز حينئذ بيع الوقف لرفع كل فتنة) مع انه لا يقول بذلك احد.

(مع ان ظاهر الرواية كفاية) الاحتمال.

و الفقهاء يقولون بانه لا بدّ من العلم او الظن، فالرواية اعم من المدعى- و هذا اشكال آخر-.

اما كون الرواية ظاهرة فى الاحتمال، لقوله «ربما».

و اما الفقهاء: فقد عرفت انهم قالوا بلزوم الظن او العلم.

فظاهر الرواية كفاية (كون الاختلاف بحيث ربما جاء فيه) اى فى ذلك

ص: 98

تلف الاموال و النفوس، و المقصود كما يظهر من عبارة الجامع المتقدمة هو اعتبار الفتنة التى يستباح بها الانفس.

و الحاصل: ان جميع الفتاوى المتقدمة فى جواز بيع الوقف الراجعة الى اعتبار اداء بقاء الوقف علما، او ظنا، او احتمالا، الى مطلق الفساد، او فساد خاص، او اعتبار الاختلاف مطلقا، او اختلاف خاص مستندة الى ما فهم اربابها من المكاتبة المذكورة.

و الاظهر فى مدلولها هو:

______________________________

الاختلاف (تلف الاموال و النفوس، و المقصود) للفقهاء من الصورة العاشرة (كما يظهر من عبارة الجامع المتقدمة هو اعتبار الفتنة التى يستباح بها) اى بسبب تلك الفتنة (الانفس) قطعا، لا «ربما» كما هو ظاهر الرواية.

(و الحاصل: ان جميع الفتاوى المتقدمة فى جواز بيع الوقف الراجعة الى اعتبار اداء بقاء الوقف علما، او ظنا، او احتمالا، الى مطلق الفساد) فى الاموال و الانفس (او فساد خاص) كالفساد فى الانفس (او اعتبار الاختلاف مطلقا) بين ارباب الوقف لجواز البيع سواء كان قلة المنفعة او عدم المنفعة، او كان اختلافا فقط او اختلافا مؤديا الى تلف الاموال و النفوس (او اختلاف خاص) يؤدى الى عدم المنفعة، او يؤدى الى تلف الاموال و النفوس (مستندة الى ما فهم اربابها) اى اصحاب تلك الفتاوى (من المكاتبة المذكورة).

(و الاظهر فى مدلولها) الّذي يجب ان نقول به لجواز بيع الوقف (هو:

ص: 99

اناطة الجواز بالاختلاف الّذي ربما جاء فيه تلف الاموال و النفوس، لا مطلق الاختلاف، لان الذيل مقيّد، و لا خصوص المؤدّى علما او ظنا لان موارد استعمال لفظة «ربما» اعم من ذلك، و لا مطلق ما يؤدّى الى المحذور المذكور لعدم ظهور الذيل فى التعليل، بحيث يتعدّى عن مورد النصّ

______________________________

اناطة الجواز بالاختلاف الّذي ربما جاء فيه تلف الاموال و النفوس) احتمالا عقلائيا (لا مطلق الاختلاف) الّذي ليس فيه احتمال تلف الاموال و النفوس (لان الذيل) للرواية، و هو قوله عليه السلام: فانه ربما جاء فى الاختلاف الخ (مقيّد) بصيغة اسم الفاعل، بمعنى ان صدر الرواية و ان علق جواز البيع بصورة الاختلاف، لكن ظاهر الذيل انه قيد للاختلاف، فان علمنا انه لا ينتهى الاختلاف الى تلف مال او نفس، لم يكن وجه لبيع الوقف (و لا خصوص) الاختلاف (المؤدى علما او ظنا).

و انما قلنا: لا خصوص (لان موارد استعمال لفظة «ربما») فى ذيل الحديث (اعم من ذلك) اى من خصوص المؤدّى علما او ظنا، فان ظاهر «ربما» انه قد يكون ذلك للعاقبة السيئة، لا انا نعلم او نظن، العاقبة السيئة (و لا مطلق ما يؤدّى الى المحذور) اى ما كان بيع الوقف لرفع كل فتنة خارجية، و ان لم تكن تلك الفتنة من الاختلاف حول الوقف (المذكور) اى ما كان فيه تلف تلك الاموال و النفوس بان وقعت مثلا فتنة حول امرأة، فان بعنا الوقف و قسمنا ثمنه على اطراف النزاع لم يقع تلف مال او نفس و ان لم نبع كان خوف تلف الاموال و النفوس، فانه لا يصح بيع الوقف حينئذ (لعدم ظهور الذيل فى التعليل، بحيث يتعدّى عن مورد النص)

ص: 100

و ان كان فيه اشارة الى التعليل.

و على ما ذكرنا فالمكاتبة غير مفتى بها عند المشهور، لان الظاهر اعتبارهم العلم او الظن باداء بقائه الى الخراب غير الملازم للفتنة الموجبة لاستباحة الاموال و الانفس،

______________________________

فانه ربما كان ظاهر العلة ان الحكم يدور مدارها.

و ربما كان ظاهرها ان الحكم معلق بالصدر و الذيل.

مثلا لو قال الطبيب لذى الحمّى: لا تأكل الرمان لانه حامض، فهم منه ان العلة الحموضة، و ان تحققت فى ضمن الخلّ.

و اما ان قال المؤمن انى احبّ المسجد الفلانى لانه اكبر، لم يفهم منه ان العلة الكبر و ان تحقق فى ضمن الزوجة، بل فهم منه ان العلة هو المسجد الاكبر.

و ما نحن فيه من القبيل الثانى اى ان العلة الاختلاف فى الوقف المحتمل ادائه الى تلف الاموال و النفوس (و ان كان فيه) اى فى الذيل (اشارة الى التعليل) و ان خوف التلف علة منحصرة بدون مدخلية كون ذلك للاختلاف فى الوقف.

(و على ما ذكرنا) من ان جواز البيع خاص بصورة الاختلاف الّذي ربما يؤدّى الى تلف الاموال و النفوس (فالمكاتبة غير مفتى بها عند المشهور، لان الظاهر) من كلامهم (اعتبارهم العلم او الظن باداء بقائه الى الخراب) و ذلك (غير الملازم للفتنة الموجبة لاستباحة الاموال و الانفس).

ص: 101

فتكون النسبة بين فتوى المشهور، و مضمون الرواية، عموما من وجه.

لكن الانصاف ان هذا لا يمنع من جبر ضعف دلالة الرواية، و قصور مقاومتها للعمومات المانعة بالشهرة، لان اختلاف فتاوى المشهور انما هو من حيث الاختلاف فى فهم المناط الّذي انيط به الجواز من قوله عليه السلام: ان كان قد علم

______________________________

و على هذا (فتكون النسبة بين فتوى المشهور، و مضمون الرواية، عموما من وجه) لان الاختلاف الّذي ربما جاء فيه تلف الاموال و الانفس، قد يكون مع العلم او الظن باداء بقائه الى الخراب، و قد يكون بدونه، كما ان العلم او الظن باداء بقائه الى الخراب، قد يكون مع الاختلاف الّذي ربما جاء فيه تلف الاموال و الانفس، و قد يكون بدونه.

(لكن الانصاف ان هذا) اى كون مضمون الرواية و فتوى المشهور بينهما عموما من وجه (لا يمنع من جبر ضعف دلالة الرواية، و قصور مقاومتها) «قصور» عطف على «ضعف» اى لا يمنع من جبر القصور الّذي فى المكاتبة فانها لا تقاوم (للعمومات المانعة) عن بيع الوقف (بالشهرة) متعلق ب «جبر».

وجه «لا يمنع» ان المكاتبة معمول بها، و العمل يجبرها فتتمكن ان تقاوم ما دل على المنع عن بيع الوقف.

و انما قلنا: لا يمنع (لان اختلاف فتاوى المشهور انما هو من حيث الاختلاف فى فهم المناط الّذي انيط به) اى بذلك المناط (الجواز) لبيع الوقف (من قوله عليه السلام) بيان «المناط» (ان كان قد علم

ص: 102

الاختلاف، المنضمّ الى قوله: فانه ربما جاء فى الاختلاف.

و اما دلالة المكاتبة على كون مورد السؤال هو الوقف المؤبّد التامّ، فهى على تقدير قصورها منجبرة بالشهرة، فيندفع بها ما يدعى من قصور دلالتها من جهات، مثل عدم ظهورها فى المؤبّد لعدم ذكر البطن اللاحق

______________________________

الاختلاف، المنضمّ الى قوله: فانه ربما جاء فى الاختلاف) و انه هل المناط الامر ان معا، او الصدر وحده، او الذيل وحده، و الا فعلى كل حال، المشهور عملوا بهذه المكاتبة.

(و) ان قلت: ان المكاتبة لا يمكن ان يعمل بها من جهة اخرى، و هى ان ظاهرها فى الوقف غير المقبوض، و من المعلوم ان القبض اذا لم يتحقق فى الوقف لم يتحقق الوقف.

قلت (اما دلالة المكاتبة على كون مورد السؤال هو الوقف المؤبّد) مقابل المنقطع (التامّ) مقابل غير المقبوض (فهى) اى المكاتبة (على تقدير قصورها) دالة بعدم دلالتها فى ان الموضوع للحكم الوقف المؤبّد التام (منجبرة بالشهرة) اى ان الشهرة تتم دلالتها، حيث ان المشهور فهموا منها الوقف المؤبّد التام، و ان لم يكن فيها دلالة على ذلك (فيندفع بها) اى بالشهرة (ما يدعى من قصور دلالتها من جهات) عديدة، فلا يمكن التمسك بها لجواز بيع الوقف (مثل عدم ظهورها فى المؤبّد، لعدم ذكر البطن اللاحق) فلا يمكن الاستدلال بالمكاتبة لاستفادة جواز بيع الوقف المؤبّد.

ص: 103

و ظهورها فى عدم اقباض الموقوف عليهم، و عدم تمام الوقف كما عن الايضاح.

و اوضحه الفاضل المحدث المجلسى، و جزم به المحدث البحرانى و مال إليه فى الرياض، قال الاول فى بعض حواشيه على بعض كتب الاخبار انه يخطر بالبال انه يمكن حمل الخبر على ما اذا لم يقبضهم الضيعة الموقوفة عليهم، و لم يدفعها إليهم.

و حاصل السؤال ان الواقف يعلم

______________________________

(و) مثل (ظهورها فى عدم اقباض الموقوف عليهم، و) ذلك موجب ل (عدم تمام الوقف) فلا يمكن الاستدلال بها، لجواز بيع الوقف المقبوض الّذي تم الوقف فيه.

و قوله: و عدم، عطف بيان لقوله «و ظهورها» (كما عن الايضاح) الاشكال فى المكاتبة بهذا الاشكال.

(و اوضحه) اى الاشكال (الفاضل المحدث المجلسى، و جزم به المحدث البحرانى) صاحب الحدائق (و مال إليه) اى الى الاشكال المذكور (فى الرياض، قال الاول) اى الايضاح (فى بعض حواشيه على بعض كتب الاخبار انه يخطر بالبال انه يمكن حمل الخبر على ما اذا) الواقف (لم يقبضهم) اى الموقوف عليهم (الضيعة الموقوفة عليهم، و لم يدفعها) اى الضيعة (إليهم) و اذا لم يحصل القبض لم يتم الوقف فيجوز بيعه، فلا تدل المكاتبة على جواز بيع الموقوف التام وقفه.

(و حاصل السؤال) اى سؤال الراوى فى المكاتبة (ان الواقف يعلم

ص: 104

انه اذا دفعها إليهم يحصل بينهم الاختلاف، و يشتدّ لحصول الاختلاف بينهم قبل الدفع إليهم فى تلك الضيعة، او فى امر آخر، فهل يدعها موقوفة و يدفعها إليهم؟ او يرجع عن الوقف لعدم لزومه بعد، و يدفع إليهم ثمنها ايهما افضل، انتهى موضع الحاجة.

و الانصاف انه توجيه حسن لكن ليس فى السؤال ما يوجب ظهوره فى ذلك فلا يجوز رفع اليد عن مقتضى ترك الاستفصال فى الجواب

______________________________

انه اذا دفعها) اى الضيعة الموقوفة (إليهم يحصل بينهم الاختلاف، و يشتدّ) الاختلاف، و انما يعلم الواقف (لحصول الاختلاف بينهم قبل الدفع إليهم فى تلك الضيعة، او) لعلم من قرائن الاحوال حصول الاختلاف منهم (فى امر آخر، ف) سؤال الراوى فى انه (هل يدعها) اى الضيعة (موقوفة و يدفعها إليهم، او يرجع عن الوقف).

و انما يتمكن ان يرجع عن الوقف (لعدم لزومه بعد) اذ لم يحصل القبض، و بدون القبض لا يكون الوقف لازما (و يدفع إليهم ثمنها) تبرعا (ايّهما افضل) من الابقاء على الوقف، او البيع و دفع الثمن (انتهى موضع الحاجة) من كلام الايضاح.

(و الانصاف انه توجيه حسن) فى حدّ ذاته (لكن ليس فى السؤال ما يوجب ظهوره) اى ظهور السؤال (فى ذلك) الّذي ذكره فى التوجيه (فلا يجوز رفع اليد عن مقتضى ترك الاستفصال فى الجواب) للامام، فان الامام لم يفصّل بين صورة اقباض الوقف، و عدم الاقباض، بل اطلق الجواب بجواز البيع فيدل الجواب على جواز البيع و لو حصل اقباض.

ص: 105

كما ان عدم ذكر البطن اللاحق لا يوجب ظهور السؤال فى الوقف المنقطع، اذ كثيرا ما يقتصر فى مقام حكاية وقف مؤبّد على ذكر بعض البطون

فترك الاستفصال عن ذلك، يوجب ثبوت الحكم للمؤبّد.

و الحاصل: ان المحتاج الى الانجبار بالشهرة، ثبوت حكم الرواية للوقف التامّ المؤبّد، لا تعيين ما انيط به الجواز

______________________________

(كما ان عدم ذكر البطن اللاحق) فى السؤال (لا يوجب ظهور السؤال فى الوقف المنقطع) حتى يقال: ان الرواية لا تدل على جواز بيع الوقف المؤيّد، و انما يدل على جواز بيع الوقف المنقطع، و لا اشكال فى ذلك.

و انما لا يوجب (اذ كثيرا ما يقتصر فى مقام حكاية وقف مؤبّد على ذكر بعض البطون) و منتهى الامر انه مطلق شامل للموقت و المؤبّد.

(فترك) الامام عليه السلام (الاستفصال عن ذلك) و هل انه مؤبّد او منقطع؟ (يوجب ثبوت الحكم) بجواز البيع (للمؤبّد) أيضا، بل لنا ان نقول: ان الظاهر من الوقف كونه مؤبّدا، الا اذا دلّ دليل على انه موقت

(و الحاصل: ان) الشي ء (المحتاج الى الانجبار بالشهرة، ثبوت حكم الرواية) بجواز البيع (للوقف التامّ المؤبّد) مقابل الوقف الناقص الّذي ليس بمقبوض، و الوقف المنقطع يعنى ان الرواية دلالتها على جواز البيع للتام المؤيّد ضعيفة- اذ الدليل هو عدم الاستفصال- فالشهرة تجبر ضعف الدلالة (لا) ان المحتاج الى الانجبار بالشهرة (تعيين ما انيط به الجواز) اى الميزان لجواز بيع الوقف- سواء كان

ص: 106

من كونه مجرّد الفتنة، او ما يؤدّى الفتنة إليه، او غير ذلك مما تقدم من الاحتمالات فى الفقرتين المذكورتين.

نعم تحتاج الى الاعتضاد بالشهرة من جهة اخرى، و هى ان مقتضى القاعدة كما عرفت: لزوم كون بدل الوقف كنفسه مشتركا بين جميع البطون

و ظاهر الرواية تقريره للسائل فى تقسيم ثمن الوقف على الموجودين فلا بد اما من رفع اليد عن مقتضى المعاوضة

______________________________

تاما مؤبّدا أم لا؟- (من كونه) مناط الجواز (مجرّد الفتنة) و ان لم تؤدّ الى شي ء (او ما يؤدّى الفتنة إليه) من ذهاب الاموال و الانفس (او غير ذلك مما تقدم من الاحتمالات فى الفقرتين المذكورتين) اى قوله عليه السلام: ان كان قد علم الاختلاف، و قوله عليه السلام: فانه ربما.

و انما لا يحتاج هذا الى الشهرة، لان المكاتبة دالة من هذه الجهة و انما اللازم ان نرى مدى ظهورها و كيفية دلالتها، اذ الانجبار انما يكون لضعف الدلالة، او ضعف السند، لا للدلالة الظاهرة.

(نعم تحتاج) المكاتبة (الى الاعتضاد بالشهرة من جهة اخرى، و هى ان مقتضى القاعدة كما عرفت: لزوم كون بدل الوقف كنفسه مشتركا بين جميع البطون) لان الواقف جعله هكذا، و الشرع أمضاه.

(و ظاهر الرواية) المكاتبة (تقريره) اى الامام عليه السلام (للسائل فى تقسيم ثمن الوقف على الموجودين) و هذا يحتاج الى الانجبار بالشهرة، لان دلالة الرواية ليست من القوة بحيث تكفى لخرق القاعدة الا اذا انضمت الشهرة إليها (فلا بد اما من رفع اليد عن مقتضى المعاوضة)

ص: 107

الا بتكلف سقوط حق سائر البطون عن الوقف آنا مّا، قبل البيع لتقع المعاوضة فى مالهم.

و اما من حمل السؤال على الوقف المنقطع اعنى الحبس الّذي لا اشكال فى بقائه على ملك الواقف، او على الوقف غير التام، لعدم القبض

______________________________

بان نقول: ان الوقف و ان كان لجميع البطون و مقتضى ذلك ان بدل الوقف أيضا يكون لجميع البطون- اذ العوض يدخل فى كيس من خرج المعوض من كيسه- الا انا نقول ان معاوضة الوقف خارجة عن قاعدة المعاوضة بدليل المكاتبة المنجبرة بالشهرة (الا) ان نقول: لا نحتاج الى اخراج الوقف عن مقتضى المعاوضة (بتكلف سقوط حق سائر البطون عن الوقف آنا مّا، قبل البيع) فالوقف يكون- آنا مّا- للبطن الموجود فقط (لتقع المعاوضة فى مالهم).

و من المعلوم ان البدل يدخل فى كيسهم فقط حينئذ، بدون ان يكون ذلك خلاف دليل المعاوضة.

(و اما من حمل السؤال على الوقف المنقطع اعنى الحبس) لا الوقف المنقطع المصطلح الّذي وقع الخلاف فيه، فى انه هل يبقى على ملك الواقف، أم لا؟ كما سيأتى الكلام حوله (الّذي لا اشكال فى بقائه على ملك الواقف) و حينئذ يحق للواقف ان يبيعه، و يعطى ثمنه للمحبوس عليهم، لانه ملكه، و لا خلاف لمقتضى قاعدة المعاوضة فى الرواية حينئذ، كما لا يحتاج الى الالتزام بالملك الآنى (او على الوقف غير التام، لعدم القبض).

ص: 108

او لعدم تحقق صيغة الوقف، و ان تحقق التوطين عليه و تسميته وقفا بهذا الاعتبار.

و يؤيّده تصدى الواقف بنفسه للبيع الا ان يحمل على كونه ناظرا، او يقال: انه اجنبى استأذن الامام (ع) فى بيعه عليهم حسبة، بل يمكن ان يكون قد فهم الامام عليه السلام

______________________________

و فيه أيضا لا خلاف لمقتضى قاعدة المعاوضة، و لا حاجة الى القول بالملك الآنى (اول) القول ب (عدم تحقق صيغة الوقف، و ان تحقق) من المالك (التوطين) و البناء (عليه) اى على ان يكون وقفا (و) عليه يكون (تسميته وقفا) و الحال انه ليس بوقف (بهذا الاعتبار) اى باعتبار توطين المالك على ان يكون وقفا.

(و يؤيّده) اى كونه بعد ملك الواقف، لانه حبس، او لعدم قراءته الصيغة، او لعدم اقباضه (تصدى الواقف بنفسه للبيع) اذ لو كل الوقف لم يكن ملكا للواقف بل صار ملكا للموقوف عليهم، فاية جهة لتصدى الواقف لبيع ما خرج عن ملكه، و لا ربط له به، فتأمل (الا ان يحمل) تصديه للبيع لا على كونه بعد ملكا له، بل (على كونه) اى الواقف (ناظرا) على الوقف، و لذا تصدى لبيعه و ان خرج عن ملكه بسبب الوقف التامّ (او يقال: انه) اى المالك لم يتصدّ للوقف لانه باق على ملكه، فانه (اجنبى) و انما (استأذن الامام (ع) فى بيعه عليهم حسبة) اى قربة الى اللّه تعالى، لقطع النزاع الّذي نشأ بسبب وقفه (بل يمكن ان يكون) الحديث المكاتبة غير مربوط بالوقف المؤبّد التامّ، لانه (قد فهم الامام عليه السلام) و فهمه

ص: 109

من جعل السائل قسمة الثمن بين الموجودين مفروغا عنها، مع ان المركوز فى الاذهان اشتراك جميع البطون فى الوقف، و بدله ان مورد السؤال هو الوقف الباقى على ملك الواقف، لانقطاعه، او لعدم تمامه.

و يؤيّده ان ظاهر صدره المتضمن لجعل الخمس من الوقف للامام عليه السلام هو هذا النحو أيضا الا ان يصلح هذا الخلل، و امثاله،

______________________________

حجة، فيكون ما اجازه عليه السلام من بيع الوقف انما هو فى صورة عدم تمامية الوقف- و تكون المكاتبة حينئذ اجنبية من موضع الكلام الّذي هو جواز بيع الوقف- (من جعل السائل قسمة الثمن بين الموجودين مفروغا عنها) لانه ذكره ارسال المسلمات (مع ان المركوز فى الاذهان) للمتشرعة (اشتراك جميع البطون فى الوقف، و) فى (بدله ان مورد السؤال) مفعول «فهم الامام» (هو الوقف الباقى على ملك الواقف، لانقطاعه) اى الحبس الّذي هو وقف منقطع الآخر، و لا يخرج الوقف بذلك عن ملك الواقف (او لعدم تمامه) اى لم يحصل القبض ليكون وقفا شرعيا، بل هو باق على ملك الواقف.

(و يؤيّده) هذا تأييد آخر لعدم كون مورد السؤال فى المكاتبة الوقف المصطلح (ان ظاهر صدره) اى صدر الحديث المكاتبة (المتضمن لجعل الخمس من الوقف للامام عليه السلام هو هذا النحو) اى ملكا محبوسا، لا وقفا تاما (أيضا) كما ان ظاهره ان أربعة الاخماس الاخر أيضا ملك محبوس للموقوف عليهم، لا انه وقف اصطلاحى مؤبد تامّ (الا ان يصلح هذا الخلل) فى المكاتبة، و هو ظهورها فى الملك المحبوس (و امثاله) من

ص: 110

بفهم الاصحاب الوقف المؤبّد التامّ.

و يقال: انه لا بأس بجعل الخبر المعتضد بالشهرة مخصّصا لقاعدة المنع عن بيع الوقف و موجبا لتكلف الالتزام لسقوط حقّ اللاحقين عن الوقف عند إرادة البيع.

او نمنع تقرير الامام للسائل فى قسمة الثمن الى الموجودين.

و يبقى الكلام

______________________________

الاشكالات الاخر التى تقدمت ورودها على المكاتبة (بفهم الاصحاب) من المكاتبة (الوقف المؤبّد) لا الحبس (التامّ) لا غير المقبوض.

(و) ثم (يقال: انه لا بأس بجعل الخبر المعتضد بالشهرة مخصّصا لقاعدة المنع عن بيع الوقف) بان يكون بيع الوقف مطلقا محظورا، الا فى مورد ذلك الخبر (و موجبا) عطف على مخصّصا (لتكلف الالتزام) اى لان نتكلف بان نلتزم (لسقوط حقّ اللاحقين) اى البطون اللاحقة (عن الوقف) متعلق بسقوط (عند إرادة البيع) اى عند ما يريد البطن الموجود بيع الوقف ليسقط حق البطون اللاحقة آنا ما، لانه لو لم يسقط يلزم ان يدخل العوض فى كيس البطن الموجود، بينما يخرج المعوض- و هو الوقف- من كيس كل البطون، و قد عرفت ان ذلك مستحيل.

(او) نقول: ان الخبر المكاتبة مخصص لعمومات المنع و (نمنع تقرير الامام للسائل فى قسمة الثمن الى الموجودين) فلا يلزم ان نقول بان الوقف يصبح آنا ما للموجودين- الّذي هو خلاف القاعدة-.

(و يبقى الكلام) بعد الفراغ عن الكلام فى حجية المكاتبة فى

ص: 111

فى تعيين المحتملات فى مناط جواز البيع، و قد عرفت الاظهر منها.

لكن فى النفس شي ء من الجزم بظهوره فلو اقتصر على المتيقن من بين المحتملات، و هو الاختلاف المؤدّى علما او ظنا الى تلف خصوص مال الوقف، و نفوس الموقوف عليهم، كان اولى.

______________________________

تخصيصها لعمومات المنع، و عن الكلام حول ان الثمن للموجودين فقط او لكل البطون (فى تعيين المحتملات فى مناط جواز البيع) و انه هل هو الاختلاف المؤدّى الى تلف الاموال و النفوس او مجرد الاختلاف، او لمجرد دفع تلف الاموال و النفوس، و ان لم يكن ذلك فى الوقف فى نفسه، و انما نبيع الوقف لاطفاء فتنة خارجية (و قد عرفت الاظهر منها) اى من هذه المحتملات عندنا.

(لكن فى النفس شي ء من الجزم بظهوره) اى ظهور الاحتمال الّذي استظهرناه فان «ربما» و ان كانت كثيرا ما تستعمل فى الاحتمال و هذا هو الّذي استظهرناه بدون قيد الاداء الى تلف الاموال و النفوس- الّا ان «ربما» أيضا كثيرا ما تستعمل فى مقام العلم و الظن، فلا وجه لتعيين المعنى الاول (فلو اقتصر) فى جواز بيع الوقف (على المتيقن من بين المحتملات، و هو الاختلاف المؤدّى علما او ظنا الى تلف خصوص مال الوقف، و نفوس الموقوف عليهم، كان) الاخذ بهذا المتيقن (اولى) اذ هذه الصورة خارجة عن حرمة بيع الوقف قطعا، امّا ما عداها فيبقى على اصالة التحريم، لانها مشمولة لعمومات المنع عن البيع.

ص: 112

و الفرق بين هذا، و القسم الاول من الصورة السابعة الّذي جوزنا فيه البيع ان المناط فى ذلك القسم العلم او الظن بتلف الوقف رأسا.

و المناط هنا خراب الوقف الّذي يتحقق به تلف المال و ان لم يتلف الوقف، فان الزائد من المقدار الباقى مال قد تلف، و ليس المراد من التلف فى الرواية تلف الوقف رأسا، حتى يتّحد مع ذلك القسم المتقدم اذ: لا يناسب هذا ما هو الغالب فى تلف الضيعة التى هى مورد الرواية

______________________________

(و الفرق بين هذا) القسم- بناء اعلى هذا المعنى الّذي ذكرناه- (و القسم الاول من الصورة السابعة الّذي جوزنا فيه البيع) مع ان بادى الرأى يظنّ اتحاد القسمين (ان المناط فى ذلك القسم) الاوّل من الصورة السابعة (العلم او الظن بتلف الوقف رأسا) اى تلف مجموع الوقف

(و المناط هنا) فى ما نحن فيه الّذي دل عليه المكاتبة (خراب الوقف) اى تلف بعضه فقط (الّذي يتحقق به) اى بذلك الخراب (تلف المال) فى الجملة (و ان لم يتلف الوقف) كله (فان الزائد من المقدار الباقى) الّذي لم يخرب، كما اذا فرضنا ان الوقف يسوى الفا و قد خرب منه ستمائة، فان الاربعمائة باقية، و الزائد عليها «اى الستمائة» (مال قد تلف، و) على هذا (ليس المراد من التلف فى الرواية تلف الوقف رأسا، حتى يتّحد) هذا القسم (مع ذلك القسم المتقدم) اى القسم الاوّل من الصورة السابعة (اذ: لا يناسب هذا) اى تلف الوقف كلّه (ما هو الغالب فى تلف الضيعة التى هى) اى الضيعة (مورد الرواية)

ص: 113

فان تلفها غالبا بسقوطها عن المنفعة المطلوبة منها بحسب شأنها.

ثم ان الظاهر من بعض العبائر المتقدمة، بل المحكى عن الاكثر ان الثمن فى هذا البيع للبطن الموجود، الا ان ظاهر كلام جماعة، بل صريح بعضهم كجامع المقاصد، هو انه يشترى بثمنه ما يكون وقفا على وجه يندفع به الخلف، تحصيلا لمطلوب الواقف بحسب الامكان.

و هذا منه قدس سره مبنى على وجه ظهور الرواية فى تقرير السائل فى قسمة الثمن على الموجودين

______________________________

المكاتبة و انما لا يناسب التلف الكلى لمورد الرواية (فان تلفها) اى الضيعة (غالبا بسقوطها عن المنفعة المطلوبة منها بحسب شأنها) و ذلك بتلف البعض لا تلف الكل.

(ثم ان الظاهر من بعض العبائر المتقدمة، بل المحكى عن الاكثر ان الثمن فى هذا البيع) للوقف (للبطن الموجود) فقط (الا ان ظاهر كلام جماعة، بل صريح بعضهم كجامع المقاصد، هو انه يشترى بثمنه ما يكون وقفا على وجه يندفع به) اى بذلك الاشتراء (الخلف) و الخلاف بين اربابه (تحصيلا لمطلوب الواقف بحسب الامكان).

اذ: مطلوب الواقف البقاء للوقف، لكن لما لم يمكن بقاء عين الوقف بيع، ثم يشترى بالثمن لكل واحد او جماعة من الموقوف عليهم قطعة خاصة حتى يرتفع الخلف.

(و هذا) الكلام (منه) اى من جامع المقاصد (قدس سره مبنى على وجه ظهور الرواية فى تقرير السائل فى قسمة الثمن على الموجودين) اذ

ص: 114

او على منع العمل بهذا التقرير فى مخالفة مقتضى قاعدة المعاوضة من اشتراك جميع البطون فى البدل كالمبدل.

لكن الوجه الثانى

______________________________

لو كانت الرواية ظاهرة عنده لم يكن وجه للاشتراء الّذي ذكره (او على) ظهور الرواية فى قسمة الثمن، لكن بنائه «ره» على (منع العمل بهذا التقرير) اى تقرير الامام لظاهر كلام السؤال من توزيع القيمة على البطن الموجود (فى مخالفة مقتضى قاعدة المعاوضة) بين الوقف و ثمنه.

اذ مقتضاها ان يدخل الثمن فى كيس كل البطون حيث خرج المثمن من كيس الكل (من اشتراك جميع البطون فى البدل) الّذي هو الثمن (ك) اشتراك جميعهم فى (المبدل) الّذي هو الوقف.

(لكن الوجه الثانى) اى ما قلناه بقولنا «او على» اى ان كان محذور المحقق الكركى من عدم القسمة بين البطن الموجود هو كونه خلاف مقتضى المعاوضة، فكيف افتى بالقسمة بين الموجودين فقط فى صورة البيع للحاجة الشديدة.

اذ المناط فى المسألتين- مسألة البيع للخراب و الفتنة و مسألة البيع للحاجة الشديدة- واحد.

فانه ان امكن كون الثمن يدخل فى كيس غير من خرج المثمن من كيسه، لزم ان نقول بالقسمة فى المسألتين.

و ان لم يمكن لزم، ان نقول بعدم القسمة فى صورة الحاجة أيضا،

ص: 115

ينافى قوله باختصاص الموجودين بثمن ما يباع للحاجة الشديدة، تمسكا برواية جعفر، فتعيّن الاول و هو منع التقرير.

لكنه خلاف مقتضى التأمل فى الرواية.

و اما

الوقف المنقطع

و هو ما اذا وقف على من ينقرض- بناء اعلى صحته- كما هو المعروف فاما ان نقول: ببقائه على ملك الواقف.

و اما ان نقول بانتقاله الى الموقوف عليهم، و على الثانى

______________________________

اذ: عدم القسمة فى المسألة الفتنة و الخراب للوقف (ينافى قوله) اى المحقق الثانى (باختصاص الموجودين بثمن ما يباع للحاجة الشديدة تمسكا برواية جعفر) المتقدمة (فتعيّن) ان يكون مراد المحقق الوجه (الاول و هو منع التقرير) اى تقرير الامام للسائل فى قسمة الثمن بين الموجودين.

(لكنه) اى منع التقرير (خلاف مقتضى التأمل فى الرواية) اذ ظاهرها ان الامام قرّر كلام السائل، فيرد الاشكال على المحقق الثانى فى منعه التقسيم على البطن الموجود.

هذا تمام الكلام فى الوقف المؤبّد، و انه هل يجوز بيعه أم لا؟

(و اما الوقف المنقطع و هو ما اذا وقف على من ينقرض- بناء اعلى صحته-) كما اذا وقف على زيد الّذي لا عقب له مثلا (كما هو المعروف) اى صحة الوقف المنقطع (فاما ان نقول: ببقائه على ملك الواقف) و انما هو حبس على الموقوف عليه لمدة بقائه.

(و اما ان نقول بانتقاله الى الموقوف عليهم، و) بناء (على الثانى)

ص: 116

فاما ان يملكوه ملكا مستقرا بحيث ينتقل منهم الى ورثتهم عند انقراضهم

و اما ان يقال: بعوده الى ملك الواقف.

و اما ان يقال: بصيرورته فى سبيل اللّه.

فعلى الاول لا يجوز للموقوف عليهم البيع لعدم الملك، و فى جوازه للواقف مع جهالة مدة استحقاق الموقوف عليهم اشكال من حيث لزوم الغرر بجهالة وقت استحقاق التسليم التام على وجه ينتفع به.

______________________________

و هو انتقاله الى الموقوف عليهم (فاما ان يملكوه ملكا مستقرا بحيث ينتقل منهم الى ورثتهم عند انقراضهم) الورثة الذين ليسوا بموقوف عليهم.

(و اما ان يقال: بعوده الى ملك الواقف) عند انقراضهم.

(و اما ان يقال: بصيرورته فى سبيل اللّه) لانه انقطع عن الواقف و لم يدخل فى ملك الموقوف عليهم.

(فعلى الاول) و هو ان لا يكون ملكا للموقوف عليه بل باقيا على ملك الواقف (لا يجوز للموقوف عليهم البيع لعدم الملك) و قد ورد: لا بيع الا فى ملك (و فى جوازه) اى البيع (للواقف مع جهالة مدة استحقاق الموقوف عليهم) لان الواقف لا يعلم متى ينقرض الموقوف عليهم حتى ينفك الملك عن الوقف (اشكال) من انه ملكه، فيصح له بيعه، و (من حيث لزوم الغرر) و قد نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن الغرر (ب) سبب (جهالة وقت استحقاق) المشترى (التسليم) من البائع (التام) بدون تقيد بكونه محبوسا (على وجه ينتفع) المشترى (به) و هذا من اعظم اقسام الغرر.

ص: 117

و لذا منع الاصحاب- كما فى الايضاح على ما حكى عنهم- بيع مسكن المطلقة المعتدّة بالاقراء لجهالة مدة العدة مع كثرة التفاوت.

نعم المحكى عن جماعة، كالمحقق، و الشهيدين فى المسالك و الدروس، و غيرهم صحة البيع فى السكنى الموقتة بعمر احدهما

______________________________

(و لذا منع الاصحاب- كما فى الايضاح على ما حكى عنهم- بيع مسكن المطلقة المعتدّة بالاقراء) لا المعتدة بالاشهر، لانها لا تحيض، و هى فى سنّ من تحيض، فانه لا يحق لها ان تخرج من البيت الّذي طلقت فيه، و لا يحق للزوج او غيره ان يخرجها من ذلك البيت.

و المراد بالاقراء الحيضات، فانها اذ اطلقت فى طهر غير المواقعة ثم مرت عليها ثلاث حيضات، خرجت عن العدة بمجرد الحيض الثالث.

و من المعلوم ان الحيض يتقدم و يتأخر و ان كانت المرأة ذات عدة و انما منعوا بيع دارها (لجهالة مدة العدة) فلا يعلم المشترى وقت استحقاق الدار، و ذلك غرر يمنع عن جواز البيع (مع كثرة التفاوت) بين محتملات اوقات تحقق الحيض الثالث الموجب لخروجها عن العدّة الّذي يترتب على ذلك الخروج استحقاق المشترى لتسلّم الدار.

(نعم المحكى عن جماعة، كالمحقق، و الشهيدين فى المسالك، و الدروس، و غيرهم، صحة البيع فى السكنى) اى فيما لو اسكن المالك الدار للانسان بنحو الحبس الشرعى المذكور فى كتاب الوقف (الموقتة) تلك السكنى (بعمر احدهما) اى احد من المالك و الساكن مع ان وقت انتهاء عمر احدهما مجهول.

ص: 118

بل ربما يظهر من محكى التنقيح، الاجماع عليه و لعله اما لمنع الغرر، و اما النص، و هو ما رواه المشايخ الثلاثة فى الصحيح او الحسن عن الحسين بن نعيم، قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل جعل داره سكنى لرجل زمان حياته و لعقبه من بعده، قال عليه السلام: هى له و لعقبه من بعده، كما شرط، قلت فان احتاج الى بيعها يبيعها قال: نعم قلت: فينقض البيع السكنى، قال

______________________________

(بل ربما يظهر من محكى التنقيح، الاجماع عليه) اى على صحة بيع السكنى، و هذا مما يؤيّد جواز بيع المالك للوقف فيما نحن فيه كهذه المسألة فى جهالة المدة الموجبة لجهالة وقت التسليم (و لعله) اى جواز بيع السكنى (اما لمنع الغرر) فان تقدم ايام، او شهور، او سنوات، لا يضر عرفا (و اما النص، و هو ما رواه المشايخ الثلاثة) اصحاب الكتب الاربعة الصدوق، و الكلينى، و الشيخ (فى الصحيح، او الحسن عن الحسين بن نعيم، قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل جعل داره سكنى رجل زمان حياته) اى حياة ذلك الرجل الجاعل (و لعقبه) اى عقب الجاعل (من بعده) اى بعد ان مات الجاعل- هذا حسب ما يستظهر من لفظ الرواية- (قال عليه السلام: هى) الدار (له) اى للجاعل (و لعقبه من بعده) اذ: السكنى لا تخرج الملك عن ملك الجاعل (كما شرط) الجاعل (قلت فان احتاج) الجاعل (الى بيعها) هل (يبيعها قال) عليه السلام (نعم قلت: فينقض البيع السكنى) بان يبطل السكنى فيحق ان يسلم الجاعل المسكن للمشترى بمجرد السكنى (قال)

ص: 119

لا ينقض البيع السكنى، كذلك سمعت ابى يقول: قال ابو جعفر لا ينقض البيع الاجارة، و لا السكنى، و لكن يبيعه على ان الّذي يشتريه لا يملك ما اشتراه، حتى ينقضى السكنى على ما شرط، الخبر.

و مع ذلك فقد توقف فى المسألة العلامة، و ولده، و المحقق الثانى و لو باعه

______________________________

عليه السلام: (لا ينقض البيع السكنى).

ثم قال عليه السلام (كذلك) الّذي ذكرت لك (سمعت ابى يقول:

قال ابو جعفر) الباقر عليه السلام (لا ينقض البيع الاجارة) فان آجر زيد داره من عمرو، ثم باعها زيد من خالد، لا يوجب البيع بطلان الاجارة بل تبقى الاجارة على حالها، فاذا انقضت مدة الاجارة كان عليه ان يسلمها الى المشترى (و لا السكنى) اى لا ينقض البيع السكنى، فاذا انقضت مدة السكنى، كان للمشترى ان يتسلم الدار (و لكن يبيعه على) شرط (ان الّذي يشتريه لا يملك ما اشتراه، حتى ينقضى السكنى على) نحو (ما شرط) الى آخر (الخبر).

و هذا الخبر صريح فى ان جهالة مدة السكنى لا توجب عدم جواز البيع.

(و مع ذلك) الخبر الصريح فى جواز البيع (فقد توقف فى المسألة العلامة، و ولده، و المحقق الثانى) و ذلك لقوة الادلة الدالة على منع البيع الغررى مما يوجب التأويل فى الرواية او رد علمها الى اهلها.

(و لو باعه) الواقف فى الوقف المنقطع، حيث قلنا بان الموقوف

ص: 120

من الموقوف عليه المختص بمنفعة الوقف، فالظاهر جوازه، لعدم الغرر

و يحتمل العدم لان معرفة المجموع المركب من ملك البائع، و حق المشترى لا يوجب معرفة المبيع.

و كذا لو باعه ممن انتقل إليه حق الموقوف عليه.

نعم لو انتقل الى الواقف ثم باع، صحّ جزما.

و

______________________________

يبقى ملكا للواقف (من الموقوف عليه المختص) ذلك الموقوف عليه (بمنفعة الوقف، فالظاهر جوازه) و ان اشكلنا فى جواز بيعه للاجنبى (لعدم الغرر) فى المقام، اذ الموقوف يبقى تحت تصرف الموقوف عليه قطعه بالوقف، و قطعه بالملك.

(و يحتمل العدم) اى عدم جواز البيع أيضا، اذ هو غرر (لان معرفة المجموع المركب من ملك البائع) بعد نهاية الوقف (و حق المشترى) حال الوقف (لا يوجب معرفة المبيع) اذ لم يعرف المشترى انه فى وقت يملك المبيع.

(و كذا لو باعه) اى الواقف باع الموقوف (ممن انتقل إليه حق الموقوف عليه) بان كان الوقف بحيث يصحّ ان ينقله الموقوف عليه عن نفسه الى غيره، ثم نقله الموقوف عليه و بعد ذلك باعه الواقف للمنقول إليه.

(نعم لو انتقل) الحق من الموقوف عليه (الى الواقف) نفسه، حتى اصبح الحق للواقف كما ان عين الملك له (ثم باع صحّ جزما) لانه لا غرر هنا

(و) ان قلت: يمكن ان نجوّز البيع حال كونه حقا للموقوف عليه،

ص: 121

اما مجرد رضى الموقوف عليهم، فلا يجوز البيع من الاجنبى، لان المنفعة مال لهم، فلا ينتقل الى المشترى بلا عوض.

اللهم الا ان يكون على وجه الاسقاط لو صححناه منهم.

او يكون المعاملة مركبة من نقل العين من طرف الواقف، و نقل المنفعة من قبل الموقوف عليهم، فيكون العوض موزّعا عليهما.

و لا بدّ ان يكون ذلك

______________________________

اذا هم رضوا بذلك، و ان يسلموا الملك الى المشترى.

قلت: (اما مجرد رضى الموقوف عليهم، فلا يجوز البيع من الاجنبى) الّذي هو ليس بموقوف عليه، فى مقابل ما اذا باعه الواقف من نفس الموقوف عليهم (لان المنفعة مال لهم) اى للموقوف عليهم (فلا ينتقل الى المشترى بلا عوض) اذ: كيف يمكن ان تخرج المنفعة من كيسهم ليدخل عوضها فى كيس الواقف.

(اللهم الا ان يكون) رضى الموقوف عليهم (على وجه الاسقاط لو صححناه منهم) اى من الموقوف عليهم، بان قلنا ان لهم حق اسقاط حقهم فى الوقف.

(او) نقول: بانه (يكون المعاملة) اى بيع الوقف برضى الموقوف عليهم (مركبة من نقل العين من طرف الواقف، و نقل المنفعة) و هى حق السكنى (من قبل الموقوف عليهم، فيكون العوض موزّعا عليهما) بان يقوم الملك مسلوب المنفعة الى خمسين سنة، و يقوم منفعة الملك خمسين سنة

(و) على هذا (لا بدّ ان يكون ذلك) اى نقل العين و المنفعة

ص: 122

على وجه الصلح لان غيره لا يتضمن نقل العين و المنفعة كليهما خصوصا مع جهالة المنفعة.

و مما ذكرنا يظهر وجه التأمل فيما حكى عن التنقيح من انه: لو اتفق الواقف و الموقوف عليه على البيع فى المنقطع جاز، سواء اراد بيع الوقف او بيع الموقوف عليه.

كما يدل عليه كلامه المحكى عنه فى مسألة السكنى حيث اجاز استقلال مالك العين بالبيع، و لو من دون رضى مالك الانتفاع او المنفعة

______________________________

(على وجه الصلح) من المالك و الموقوف عليه بالنسبة الى المشترى، لا على وجه البيع (لان غيره) اى غير الصلح (لا يتضمن نقل العين و المنفعة كليهما) فان البيع مبادلة مال بمال، لا مبادلة المنفعة بالمال (خصوصا مع جهالة المنفعة) فان الطرفين فى البيع يجب ان يكونا معلومين، فكيف يمكن نقل المنفعة المجهولة بالبيع، فلا بد اذا من الصلح

(و مما ذكرنا) من انه لا يصح البيع للجهالة (يظهر وجه التأمل فيما حكى عن التنقيح من انه: لو اتفق الواقف و الموقوف عليه على البيع فى) الوقف (المنقطع) الآخر (جاز) البيع (سواء اراد) صاحب التنقيح (بيع الوقف، او بيع الموقوف عليه) بان يبيع الواقف برضاية الموقوف عليه او يبيع الموقوف عليه برضاية الواقف.

(كما يدل عليه كلامه المحكى عنه فى مسألة السكنى) اى يدل على جواز الانضمام (حيث اجاز استقلال مالك العين بالبيع، و لو من دون رضى مالك الانتفاع او المنفعة) فانه اذا جاز بيع المالك استقلالا بدون

ص: 123

نعم: لو كان للموقوف عليه حق الانتفاع من دون تملك للمنفعة كما فى السكنى على قول- صحّ ما ذكره، لإمكان سقوط الحق بالاسقاط بخلاف المال، فتأمل.

______________________________

رضى الموقوف عليه، جاز بيع المالك منضما الى رضى الموقوف عليه بطريق اولى، و مالك الانتفاع هو من قال له المالك انتفع به كالاباحة، و لا يملك المنفعة حتى يجوز له المعاوضة على المنفعة، بخلاف مالك المنفعة كالمستأجر الّذي يملك منفعة الدار مثلا.

(نعم) استثناء عما تقدم من عدم صحة بيع الواقف حتى مع رضاية الموقوف عليه (لو كان للموقوف عليه حق الانتفاع من دون تملك للمنفعة كما فى السكنى على قول-) و القول الآخران السكنى حالها حال الاجارة، فكما يملك المستأجر المنفعة كذلك يملك الساكن منفعة العين (صحّ ما ذكره) التنقيح من صحة بيع المالك برضاية الموقوف عليه (لإمكان سقوط الحق بالاسقاط) فان الساكن يسقط حقه فى العين، فيكون الملك خالصا اصلا و منفعة للمالك فيصح له بيعه (بخلاف المال) فانه اذا كان مالكا للمنفعة لم يصح اسقاط الساكن حقه، لانه مال له، و المال لا يسقط (فتأمل) لانه كما يمكن اسقاط الحق يمكن اسقاط المال بمعنى المنفعة، كما نرى صحة ذلك فى باب الاجارة، فان للمستأجر ان يسقط حقه حتى يخلص الملك للمالك، و كذلك ما نحن فيه.

و يمكن ان يكون: فتأمل، اشارة الى انه لا يصح للساكن اسقاط حقه مطلقا حتى لو قلنا بانه مالك للانتفاع اذ: السكنى عقد قرره الشارع، و

ص: 124

و تمام الكلام فى هذه المسائل فى باب السكنى و الحبس ان شاء اللّه تعالى.

و على الثانى فلا يجوز البيع للواقف، لعدم الملك: و لا للموقوف عليه لاعتبار الواقف بقائه فى يدهم الى انقراضهم.

و على الثالث: فلا يجوز البيع للموقوف عليه، و ان اجاز الواقف لمنافاته لاعتبار الواقف فى الوقف بقاء العين كما لا يجوز أيضا للواقف

______________________________

لا دليل على انه يمكن للساكن او الواقف اسقاطه، فيكون لازما.

(و تمام الكلام فى هذه المسائل) اى مسئلة انه هل السكنى حق الانتفاع، او ملك المنفعة، و على اىّ، فهل يحق للساكن اسقاطه، أم لا؟ (فى باب السكنى و الحبس) من كتاب الوقف (ان شاء الله تعالى)

(و على الثانى) و هو القول بانتقال المنقطع الى الموقوف عليهم و انهم يملكوه ملكا مستقرا (فلا يجوز البيع للواقف، لعدم الملك) اذ بناء اعلى هذا القول انتقل المال منه الى الموقوف عليه (و لا للموقوف عليه) و ان كان المال ملكا لهم (لاعتبار الواقف بقائه) اى المال (فى يدهم، الى انقراضهم) فهو كالملك المحجور.

(و على الثالث) و هو انتقال المال الى الموقوف عليه، لكن اذا انقرضوا انتقل المال الى الواقف (فلا يجوز البيع للموقوف عليه، و ان اجاز الواقف) بيعهم (لمنافاته) اى منافات البيع (لاعتبار) اى للذى اعتبره (الواقف فى الوقف بقاء العين) و البيع مناف للوقف المعتبر بقائه (كما لا يجوز أيضا للواقف) بيعه، و ان كان المال ينتقل إليه حين انقراض

ص: 125

الغير المالك فعلا و ان اجاز الموقوف عليه الا اذا جوزنا بيع ملك الغير مع عدم اعتبار مجيز له فى الحال بناء اعلى ان الموقوف عليه الّذي هو المالك فعلا ليس له الاجازة، لعدم تسلّطه على النقل فاذا انقرض الموقوف عليه، و ملكه الواقف، لزم البيع.

ثم انه قد اورد على القاضى قدس سره حيث

______________________________

الموقوف عليه، لانه (الغير المالك فعلا) بل مالك فى المستقبل، و لا بيع الا فى ملك (و ان اجاز الموقوف عليه) الّذي هو المالك فعلا اذ الموقوف عليه له حق السكنى فى ملك محجور عليه و المالك المحجور عليه لا يستحق البيع حتى يتمكن من اجازة البيع (الا اذا جوزنا بيع ملك الغير مع عدم اعتبار مجيز له فى الحال).

و حينئذ يصح للمالك الواقف البيع، فانه بيع لملك الغير اى الموقوف عليه، و لا مجيز فعلا اذ المالك ليس له حق الاجازة لانه ليس بماله الآن، و الموقوف عليه ليس له حق الاجازة لانه يملك العين محجورا و لا يحق له البيع حتى تكون الاجازة بيده.

و قوله «مع عدم الخ» انما يصحّ (بناء اعلى ان الموقوف عليه الّذي هو المالك فعلا ليس له الاجازة، لعدم تسلّطه على النقل) و انما له الانتفاع فقط (فاذا انقرض الموقوف عليه، و ملكه الواقف، لزم البيع) لانه وجد المجيز الآن.

(ثم انه قد اورد على القاضى قدس سره) بالتهافت فى كلامه (حيث

ص: 126

جوز للموقوف عليه بيع الوقف المنقطع، مع قوله ببقاء الوقف المنقطع على ملك الواقف.

و يمكن دفع التنافى بكونه قائلا بالوجه الثالث، من الوجوه المتقدمة و هو ملك الموقوف عليهم ثم عوده الى الواقف الا ان الكلام فى ثبوت هذا القول بين من اختلف فى مالك الموقوف فى الوقف المنقطع.

و يتضح ذلك فى مراجعة المسألة فى كتاب الوقف.

______________________________

جوز للموقوف عليه بيع الوقف المنقطع) و هذا يقتضي ان يكون ملكا للموقوف عليه (مع قوله ببقاء الوقف المنقطع على ملك الواقف) و هذا يقتضي عدم جواز بيع الموقوف عليه.

(و يمكن دفع التنافى) بين كلامى القاضى ره (بكونه قائلا بالوجه الثالث، من الوجوه المتقدمة) فى الوقف المنقطع (و هو) ان يكون الموقوف (ملك الموقوف عليهم) الآن (ثم عوده الى) ملك (الواقف) بعد الانقراض، اذا بقى فى ملك الموقوف عليهم (الا ان الكلام فى ثبوت هذا القول) اى كون الوقف للموقوف عليهم ثم يرجع الى ملك الواقف (بين من اختلف فى مالك الموقوف) اذ المسلم ان هناك قولين:

قول بانه ملك الواقف.

و قول بانه ملك الموقوف عليهم من الاول الى الاخير (فى الوقف المنقطع) اما القول الثالث ففى وجود القائل به اشكال.

(و يتضح ذلك) الاشكال فى وجود هذا القول (فى مراجعة المسألة فى كتاب الوقف).

ص: 127

و على الرابع: فالظاهر ان حكمه حكم الوقف المؤبّد، كما صرّح به المحقق الثانى- على ما حكى عنه- لانه حقيقة وقف مؤبّد، كما لو صرح بكونه فى سبيل الله بعد انقراض الموقوف عليه الخاص.

ثم ان ما ذكرنا فى حكم الوقف المنقطع فانما هو بالنسبة الى البطن الّذي لا بطن بعده يتلقى الملك من الواقف.

و اما حكم بيع بعض البطون مع وجود من بعدهم فان قلنا: بعدم تملكهم

______________________________

(و على الرابع) و هو رجوع الوقف بعد انقراض الموقوف عليهم الى سبيل الله (فالظاهر ان حكمه حكم الوقف المؤبّد، كما صرّح به المحقق الثانى- على ما حكى عنه-)

و انما كان حاله حال الوقف المؤبّد (لانه حقيقة وقف مؤبّد) اذ ما دام الموقوف عليه موجودا فهو محجور، و بعده أيضا محجور، لكونه فى سبيل الله، فيكون حاله (كما لو صرح بكونه فى سبيل الله بعد انقراض الموقوف عليه الخاص)

و عليه فما ذكرناه فى المؤبّد يأتى هنا أيضا.

(ثم ان ما ذكرنا فى حكم الوقف المنقطع) من الاقوال و الاحتمالات (فانما هو بالنسبة الى البطن الّذي لا بطن بعده) بحيث يكون البطن اللاحق (يتلقى الملك) الموقوف (من الواقف) فان بناء الفقهاء ان كل بطن يتلقى الملك من الواقف لا من البطن الّذي سبقه.

(و اما حكم بيع بعض البطون مع وجود من بعدهم) فيما علمنا بانقراضهم كبيع الأب مع وجود ابن له عقيم (فان قلنا: بعدم تملكهم)

ص: 128

للمنقطع، فهو كما تقدم.

و اما على تقدير القول بملكهم، فحكم بيع غير الاخير من البطون حكم بيع بعض البطون فى الوقف المؤبّد فيشترك معه فى المنع فى الصور التى منعنا و فى الجواز فى الصورة التى جوزنا لاشتراك دليل المنع و الجواز.

و يتشاركان أيضا فى حكم الثمن بعد البيع.

______________________________

اى البطون (ل) الوقف (المنقطع، فهو كما تقدم) من انه لا يحق له البيع.

(و اما على تقدير القول بملكهم) اى مالكية كل بطن للوقف فى زمان وجود ذلك البطن (فحكم بيع غير الاخير من البطون، حكم بيع بعض البطون فى الوقف المؤبّد) كما تقدم الكلام فيه (فيشترك) المنقطع (معه) اى مع المؤبّد (فى المنع) عن البيع (فى الصور التى منعنا. و فى الجواز فى الصورة التى جوزنا لاشتراك دليل المنع و الجواز) فى المؤبّد و المنقطع- فى هذه الصورة-

(و يتشاركان أيضا) المنقطع و المؤبّد (فى حكم الثمن بعد البيع) فما قلنا بانه تكليف الثمن فى المؤبّد، نقول به فى المنقطع فى هذه الصورة و لا يخفى ان هناك فارقا بين الصورتين، فتنظير احدهما بالآخر محل اشكال، و الله العالم.

ص: 129

مسألة و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا، صيرورة المملوكة أم ولد لسيّدها،
اشارة

فان ذلك يوجب منع المالك عن بيعها، بلا خلاف بين المسلمين على الظاهر المحكى عن مجمع الفائدة، و فى بعض الاخبار دلالة على كونه من المنكرات فى صدر الاسلام، مثل ما روى من قول امير المؤمنين عليه السلام لمن سأله عن بيع امة ارضعت ولده، قال له خذ بيدها و قل من يشترى أمّ ولدى

______________________________

(مسألة: و من اسباب خروج الملك عن كونه طلقا، صيرورة المملوكة أم ولد لسيّدها) بان كانت له مملوكة فاولدها (فان ذلك يوجب منع المالك عن بيعها، بلا خلاف بين المسلمين على الظاهر المحكى عن مجمع الفائدة، و فى بعض الاخبار دلالة على كونه من المنكرات فى صدر الاسلام، مثل ما روى من قول امير المؤمنين عليه السلام لمن سأله عن بيع امة ارضعت ولده) و ليست بامّ ولد له، و انما أمّ ولد رضاعية (قال له) عليه السلام استنكارا (خذ بيدها و قل من يشترى أمّ ولدى) فاذا ثبت الحكم فى أمّ الولد الرضاعية يثبت الحكم فى أمّ الولد النسبية بطريق اولى

لكن الظاهر انه لم يقل احد بحرمة بيع أمّ الولد الرضاعية، فيكون كلام الامام من باب الانكار العرفى، لا الشرعى، فلا يثبت الحكم فى أمّ الولد الرضاعية.

و هناك فى الوسائل فى الباب الثالث و الثمانين من نكاح العبيد

ص: 130

و فى حكم البيع كل تصرف ناقل للملك الغير المستعقب بالعتق، او مستلزم للنقل كالرهن،

كما يظهر من تضاعيف كلماتهم فى جملة من الموارد.

منها: ما جعل أمّ الولد ملكا غير طلق، كالوقف و الرهن.

______________________________

و الاماء دلالة على عدم جواز البيع اذا ولدت الولد و هى امة له، لا ما اذا ولدت و هى زوجة له، و ان اشتراها بعد ذلك.

نعم فى الخبر الآتى: لم باع امير المؤمنين عليه السلام امهات الاولاد، دلالة على حرمة البيع مطلقا.

اللهم الّا ان ينصّ بخبر الوسائل كما سيأتى (و فى حكم البيع كل تصرف ناقل للملك) كالصلح و الهبة و جعلها بدل الاجارة، و ما اشبه ذلك (الغير المستعقب بالعتق) مقابل النقل الّذي يتعقبه العتق، كما لو باعها من ابنها، اذ الانسان لا يملك العمودين- كما قرر فى كتاب العتق- (او مستلزم للنقل) عطف على «ناقل» اى ان مثل هذا التصرف أيضا فى حكم النقل الموجب لبطلانه (كالرهن) فانه اذا لم يعط المديون دينه كان الدائن يحق له ان يبيع الوثيقة ليستوفى من ثمنها طلبه (كما يظهر) عدم جواز كل تصرف ناقل، او مستلزم للنقل (من تضاعيف) و خلال (كلماتهم فى جملة من الموارد)

(منها: ما جعل أمّ الولد ملكا غير طلق، كالوقف و الرهن) اى انهم يقولون، ان أمّ الولد ملك، و لكنهما ليس ملكا طلقا، كما ان الوقف و الرهن ملك، و لكنهما ليسا طلقا.

ص: 131

و قد عرفت: ان المراد من الطلق تمامية الملك و الاستقلال فى التصرف.

فلو جاز الصلح عنها و هبتها، لم يخرج عن كونها طلقا بمجرد عدم جواز ايقاع عقد البيع عليها كما ان المجهول الّذي يصح الصلح عنه وهبته و الابراء عنه و لا يجوز بيعه، لا يخرج عن كونه طلقا.

______________________________

(و قد عرفت ان المراد من الطلق تمامية الملك، و الاستقلال فى التصرف) عطف على تمامية.

(فلو جاز الصلح عنها) اى عن أمّ الولد (و) جاز (هبتها لم يخرج عن كونها طلقا) فقولهم ليست بطلق دليل على عدم جواز الصلح عنها او هبتها، كما هو شأن كل ملك غير طلق، كالوقف و المرهون، و ليس المراد عدم جواز بيعها فقط، اذ: (بمجرد عدم جواز ايقاع عقد البيع عليها) لا تخرج عن الطلقية.

و الحاصل: ان قولهم انها ليست بطلق، يدل على عدم جواز تصرف ناقل عليها، لا انه دليل على عدم جواز البيع فقط، بان يجوز اجراء سائر التصرفات عليها.

اذ كثيرا ما لا يجوز البيع بالنسبة الى شي ء و مع ذلك لا يخرج عن الطلقية

و إليه اشار بقوله: (كما ان المجهول الّذي يصح الصلح عنه، و هبته و الابراء عنه) اى ابراء الذمة عن ذلك المجهول (و لا يجوز بيعه، لا يخرج عن كونه طلقا).

فمرادهم بانها ليست بطلق، انها لا يصح كل تصرف ناقل فيها، بيعا كان او غيره.

ص: 132

و منها: كلماتهم فى رهن أمّ الولد فلاحظها.

و منها: كلماتهم فى استيلاد المشترى فى زمان خيار البائع، فان المصرح به فى كلام الشهيدين فى خيار الغبن، ان البائع لو فسخ يرجع الى القيمة لامتناع انتقال أمّ الولد كذا فى كلام العلامة، و ولده، و جامع المقاصد ذلك أيضا فى زمان مطلق الخيار.

و منها: كلماتهم فى مستثنيات بيع أمّ الولد، ردّ او قبولا

______________________________

(و منها: كلماتهم فى رهن أمّ الولد فلاحظها) فان ظاهرهم فى تلك الكلمات عدم صحة كل تصرف ناقل.

(و منها: كلماتهم فى استيلاد المشترى) للجارية التى يشتريها (فى زمان خيار البائع) كما لو اشترى الانسان جارية، و كان للبائع خيار الى سنة مثلا، ثم ان المشترى استولد الجارية فى هذه المدة، فهل للبائع الاخذ بالخيار بمقتضى جعل الخيار لنفسه، أمّ لا يحق له؟

لان الامة صارت أمّ ولد للمشترى، فلا يمكن نقلها من ملك المشترى الى البائع حتى النقل بالخيار (فان المصرح به فى كلام الشهيدين فى خيار الغبن، ان البائع لو فسخ) و الحال ان المشترى استولد الجارية (يرجع) البائع (الى القيمة) فياخذ قيمة الجارية من المشترى، لا عينها (لامتناع انتقال أمّ الولد) من المشترى الى البائع (كذا فى كلام العلامة و ولده، و جامع المقاصد ذلك أيضا) يرجع البائع الى القيمة، لا العين (فى زمان مطلق الخيار) الاقسام الاخر للخيار لا فقط خيار الغبن.

(و منها: كلماتهم فى مستثنيات بيع أمّ الولد، ردّ او قبولا) اى سواء

ص: 133

فانها كالصريحة فى ان الممنوع مطلق نقلها، لا خصوص البيع.

و بالجملة فلا يبقى للمتأمل شك فى ثبوت حكم البيع لغيره من النواقل.

و مع ذلك كله فقد جزم بعض سادة مشايخنا بجواز غير البيع من النواقل، للاصول و خلو كلام المعظم عن حكم غير البيع، و قد عرفت ظهوره من تضاعيف كلمات المعظم فى الموارد المختلفة و مع ذلك فهو الظاهر من المبسوط

______________________________

من رد ان الشي ء الفلانى يكون مستثنى، أم قبل كون الشي ء الفلانى مستثنى، فان ظاهرهم المنع عن مطلق الانتقال (فانها) اى كلماتهم (كالصريحة فى ان الممنوع مطلق نقلها، لا خصوص البيع)

(و بالجملة فلا يبقى للمتأمل) فى كلماتهم (شك فى ثبوت حكم البيع لغيره من النواقل) لا ان المنع خاص بالبيع فقط.

(و مع ذلك كله) مما عرفت من ادلة كون المنع عاما لكل ناقل (فقد جزم بعض سادة مشايخنا) يعنى سيد المناهل (بجواز غير البيع من النواقل، للاصول) اى اصالة شمول ادلة تلك النواقل لام الولد و اصالة صحة تلك النواقل، و اصالة سلطة المالك (و) ل (خلو كلام المعظم) من الفقهاء (عن حكم غير البيع، و) لكن خلو كلام المعظم محل نظر.

اذ: (قد عرفت ظهوره) اى ظهور المنع عن النواقل (من تضاعيف) و ثنايا (كلمات المعظم فى الموارد المختلفة و مع ذلك) الظهور من التضاعيف (فهو) اى المنع (الظاهر) من كلام الآخرين (من المبسوط

ص: 134

و السرائر، حيث قالا: اذا مات ولدها جاز بيعها، و هبتها، و التصرف فيها بسائر انواع التصرف.

و فى الايضاح قد ادعى الاجماع صريحا على المنع عن كل ناقل، و ارسله بعضهم كصاحب الرياض، و جماعة ارسال المسلمات، بل عبارة بعضهم ظاهرة فى دعوى الاتفاق حيث قال: ان الاستيلاد مانع من صحة التصرفات الناقلة من ملك المولى الى ملك غيره، او المعرّضة لها للدخول فى ملك غيره، كالرهن على خلاف فى ذلك

______________________________

و السرائر، حيث قالا: اذا مات ولدها جاز بيعها، و هبتها، و التصرف فيها بسائر انواع التصرف) فان المفهوم من هذا الكلام: ان قبل موت الولد لا يصح سائر التصرفات فيها لا انه لا يصح خصوص البيع فقط.

(و فى الايضاح قد ادعى الاجماع صريحا على المنع عن كل ناقل، و ارسله) اى المنع عن سائر التصرفات (بعضهم كصاحب الرياض و جماعة ارسال المسلمات) و كانه لا مخالف للمسألة اطلاقا (بل عبارة بعضهم ظاهرة فى دعوى الاتفاق) عن سائر التصرفات الناقلة (حيث قال: ان الاستيلاد مانع من صحة التصرفات الناقلة من ملك المولى) الّذي استولدها (الى ملك غيره، او) التصرفات (المعرّضة لها) اى لامّ الولد (للدخول فى ملك غيره، كالرهن) فانه و ان لم يكن ناقلا، الا انه يعرض الوثيقة كام الولد- للنقل الى ملك الدائن (على خلاف فى ذلك) اى فى التصرف المعرّض.

ص: 135

ثم ان عموم المنع لكل ناقل، و عدم اختصاصه بالبيع، قول جميع المسلمين.

و الوجه فيه ظهور ادلة المنع المعنونة بالبيع فى إرادة مطلق النقل فان مثل قول امير المؤمنين فى الرواية السابقة: خذ بيدها، و قل من يشترى أم ولدى، يدل على ان كون مطلق نقل أمّ الولد الى الغير كان من المنكرات.

و هو مقتضى التأمّل فيما سيجي ء من اخبار بيع أمّ الولد فى ثمن رقبتها و عدم جوازه فى ما سوى ذلك.

______________________________

(ثم ان عموم المنع) عن نقل أمّ الولد (لكل ناقل، و عدم اختصاصه) اى اختصاص النقل (بالبيع، قول جميع المسلمين)

(و الوجه فيه) اى فى ان علماء المسلمين كلهم قالوا بالمنع (ظهور ادلة المنع المعنونة بالبيع) اى التى ذكر فيها البيع فقط (فى إرادة مطلق النقل) «فى» متعلق ب «ظهور» (فان مثل قول امير المؤمنين) عليه السلام (فى الرواية السابقة) فى اوّل المسألة (خذ بيدها، و قل من يشترى أم ولدى، يدل على ان كون مطلق نقل أمّ الولد الى الغير كان من المنكرات) اذ العرف لا يفهم من مثل هذا الكلام الا استنكار نقل الولد لا خصوص البيع- بقرينة الحكم و الموضوع-.

(و هو) اى كون الممنوع مطلق النقل لا خصوص البيع (مقتضى التأمّل فيما سيجي ء من اخبار بيع أمّ الولد فى ثمن رقبتها، و عدم جوازه) اى البيع (فى ما سوى ذلك) اى سائر الضرورات.

ص: 136

هذا، مضافا الى ما اشتهر و ان لم نجد نصّا عليه من ان الوجه فى المنع هو بقائها رجاء لانعتاقها من نصيب ولدها بعد موت سيّدها.

و الحاصل: انه لا اشكال فى عموم المنع لجميع النواقل.

ثم ان المنع مختص بعدم هلاك الولد، فلو هلك جاز، اتفاقا، فتوى و نصّا.

و لو مات الولد، و خلف ولدا، ففى اجراء حكم الولد عليه، لاصالة بقاء المنع و لصدق الاسم

______________________________

(هذا، مضافا الى ما اشتهر) بين الفقهاء (و ان لم نجد نصّا عليه من ان الوجه فى المنع) عن بيع أمّ الولد (هو بقائها) فى ملك المستولد (رجاء لانعتاقها من نصيب ولدها بعد موت سيّدها) المستولد لها، فان هذه العلة عامة شاملة للبيع و غيره.

لكن لا يخفى ان مثل هذا الاشتهار انما يكون وجها لظهور كلماتهم فى المنع عن مطلق النقل، لكنه لا يكون دليلا.

(و الحاصل: انه لا اشكال فى عموم المنع لجميع النواقل) لا خصوص البيع فقط (ثم ان المنع مختص بعدم هلاك الولد) و عليه (فلو هلك جاز) البيع (اتفاقا، فتوى و نصّا) اذ بارتفاع الموضوع، يرتفع الحكم، و أمّ الولد غير صادقه الآن و المشتق ليس حقيقة فى ما انقضى خصوصا بقرينة ما تقدم من اشتهار أن المنع لاجل رجاء الانعتاق من حصّة ولدها

(و لو مات الولد، و خلف ولدا، ففى اجراء حكم الولد عليه لاصالة بقاء المنع) اذ نشكّ فى ان المنع هل ارتفع، أم لا؟ (و لصدق الاسم)

ص: 137

فيندرج فى اطلاق الادلة، و تغليبا للحرمة،.

او العدم لكونه حقيقة فى ولد الصلب، و ظهور ارادته من جملة من الاخبار و اطلاق ما دلّ من النصوص و الاجماع على الجواز بعد موت ولدها.

او التفصيل بين كونه وارثا لعدم ولد الصلب للمولى و عدمه

______________________________

لانها تسمّى أمّ ولد- الآن- كما يصدق «حلائل ابنائكم» لزوجة ولد الولد (فيندرج فى اطلاق الادلة) المانعة عن بيع أمّ الولد (و تغليبا للحرمة) اذ رأينا من موارد الشرع المختلفة ان الشارع يميل الى المنع عن بيع الانسان، و الى إرادة عتق الانسان، و المنع عن بيع أمّ ولد الولد اقرب الى الانعتاق، لانها تعتق من نصيب حفيدها فى بعض الاحيان.

(او العدم) اى عدم اجراء حكم الولد على ولد الولد (لكونه) اى «الولد» (حقيقة فى ولد الصلب) لا ولد الولد.

و ذلك لانصراف ولد الولد عن اطلاق لفظة «الولد» (و ظهور ارادته) اى ولد الصلب (من جملة من الاخبار) كالآتى بعضها (و) ل (اطلاق ما دلّ من النصوص و الاجماع على الجواز) اى جواز البيع (بعد موت ولدها) فان الاطلاق شامل لما اذا كان للولد ولد، و لما اذا لم يكن للولد ولد.

(او التفصيل بين كونه) اى ولد الولد (وارثا لعدم ولد الصلب للمولى) من غير هذه الجارية- اذ ولد الولد يقوم مقام والده فى إرث الجدّ اذا لم يكن والده موجودا- (و عدمه) اى عدم كونه وارثا.

ص: 138

لمساوات الاول مع ولد الصلب فى الجهة المقتضية للمنع وجوه، حكى أوّلها عن الايضاح، و ثالثها عن المهذب البارع، و نهاية المرام، و عن القواعد و الدروس و غيرهما التردّد.

بقى الكلام فى معنى أم الولد،

فان ظاهر اللفظ اعتبار انفصال الحمل، اذ لا يصدق الولد الا بالولادة لكن المراد هنا مجازا ولدها و لو حملا للمشارفة.

______________________________

و انما نفصل بهذا التفصيل (لمساوات الاول) و هو ما اذا كان ولد الولد وارثا (مع ولد الصلب فى الجهة المقتضية للمنع) و هى عتق الامة من إرث ولدها (وجوه، حكى اوّلها) و هو المنع عن البيع (عن الايضاح و ثالثها) و هو التفصيل (عن المهذب البارع، و نهاية المرام، و عن القواعد و الدروس و غيرهما التردّد) فى المسألة.

و الظاهر ان الشيخ أيضا مردد و ان كان لا يبعد الجواز لان المستثنى من ادلة السلطنة صورة وجود الولد ففى ما عداه يرجع الى ادلة السلطنة

(بقى الكلام فى معنى أمّ الولد، فان ظاهر اللفظ) عند الفهم العرفى (اعتبار انفصال الحمل، اذ لا يصدق الولد الا بالولادة) فالمرأة الحامل لا تسمّى أمّ ولد (لكن المراد هنا مجازا ولدها) اى اذا كان لها ولد (و لو حملا للمشارفة) و هو مجاز يئول و يشرف الى الحقيقة، كمن اقترب المدينة يقال دخلها، و المرأة الحامل تسمّى والدة مجازا بالمشارفة- لكن لا يخفى ان المجاز خلاف القاعدة الا اذا كان له ظهور-.

ص: 139

و يحتمل ان يراد الولادة من الوالد دون الوالدة.

و كيف كان فلا اشكال، بل لا خلاف فى تحقق الموضوع بمجرد الحمل و يدل عليه الصحيح عن محمّد بن مارد، عن ابى عبد الله عليه السلام فى الرجل يزوّج الجارية تلد منه اولادا ثم يشتريها فتمكث عنده ما شاء الله لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها، ثم يبدو له فى بيعها، قال: هى امته إنشاء باع ما لم يحدث عنده حمل، و ان شاء اعتق.

______________________________

(و يحتمل) ان تكون هى أمّ ولد بالحقيقة لا مجازا بالمشارفة، ب (ان يراد الولادة من الوالد دون الوالدة) فان الوالد انما يسمّى والد الانفصال المنى منه، و اذا تحقق الوالد تحققت الوالدة للتضايف بين الوالد و الوالدة، و الولد.

لكن لا يخفى ان هذا و ان كان صحيحا بالدقة، لكنه لا يصح عند الظهور العرفى، مضافا الى ان تحقق الوالدة يكون بتحقق الوالد غير تام

(و كيف كان) سواء قلنا بصدق «أمّ الولد» عرفا، أم لا (فلا اشكال، بل لا خلاف فى تحقق الموضوع) الموجب لحرمة البيع (بمجرد الحمل) و لو نطفة.

(و يدل عليه الصحيح عن محمّد بن مارد، عن ابى عبد الله عليه السلام فى الرجل يزوّج الجارية تلد منه اولادا ثم يشتريها فتمكث عنده) بعد الاشتراء (ما شاء الله) من الزمان (لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها، ثم يبدو له) اى يظهر للرجل- اى يريد- (فى بيعها، قال: هى امته إنشاء باع ما لم يحدث عنده حمل، و ان شاء اعتق) فانه دليل على ان

ص: 140

و فى رواية السكونى عن جعفر بن محمّد قال: قال على بن الحسين صلوات الله عليهم اجمعين فى مكاتبة يطأها مولاها فتحبل فقال عليه السلام: يردّ عليها مهر مثلها و تسعى فى رقبتها، فان عجزت فهى من امهات الاولاد.

لكن فى دلالتها على ثبوت الحكم بمجرّد الحمل، نظر، لان زمان الحكم بعد تحقق السعى و العجز عقيب الحمل، و الغالب ولوج الروح حينئذ.

______________________________

الحمل مانع.

(و فى رواية السكونى عن جعفر بن محمّد قال: قال على بن الحسين صلوات الله عليهم اجمعين فى) امة (مكاتبة يطأها مولاها فتحبل) ما حكمها؟ (فقال عليه السلام: يردّ عليها مهر مثلها) لان الوطي كان حيث لا يجوز له ان يطأ، اذ المكاتبة تملك امر نفسها، و ليست كسائر الاماء الخالصة للمولى (و تسعى) هى (فى) فكّ (رقبتها) بمقتضى عقد المكاتبة (فان عجزت) عن دفع مال الكتابة (فهى) لاتباع، لانها (من امهات الاولاد) فان الظاهر: كون الحمل صار سببا لان تكون أم ولد.

(لكن فى دلالتها) اى رواية السكونى (على ثبوت الحكم بمجرّد الحمل، نظر، لان زمان الحكم) اى حكم الامام عليه السلام بانها من أمّهات الاولاد (بعد تحقق السعى و العجز) لانه عليه السلام قال «تسعى .. فان عجزت» (عقيب الحمل، و الغالب ولوج الروح حينئذ)

ص: 141

ثم الحمل يصدق بالمضعة اتفاقا، على ما صرح فى الرياض، و استظهره بعض آخر، و حكاه عن جماعة هنا و فى باب انقضاء عدة الحامل

و فى صحيحة ابن الحجاج، قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الحبلى يطلّقها زوجها، ثم تضع سقطا تمّ او لم يتمّ، او وضعته مضغة أ تنقضي عدتها عنها؟ فقال عليه السلام: كل شي ء وضعته يستبين انه حمل تمّ او لم يتمّ فقد انقضت عدتها، و ان كانت

______________________________

فالرواية تدل على ان كونها أمّ ولد انما تتحقق بعد ولوج الروح لا بمجرد الحمل فتأمّل.

(ثم الحمل يصدق بالمضغة اتفاقا، على ما صرح) به (فى الرياض، و استظهره بعض آخر) المضغة حين تكون النطفة كاللحم الممضوغ، و هى بعد النطفة، و العلقة التى هى كقطعة دم منجمدة (و حكاه عن جماعة هنا) فى مسألة بيع أمّ الولد (و فى باب انقضاء عدة الحامل) بانها اذا طرحت المضغة انقضت عدتها فى باب الطلاق.

(و فى صحيحة ابن الحجاج، قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن الحبلى يطلّقها زوجها، ثم تضع سقطا تمّ) السقط (او لم يتمّ او وضعته مضغة، أ تنقضي عدتها عنها؟) اى عن المضغة، بمعنى ان تكون المضغة سببا لانقضاء العدة (فقال عليه السلام: كل شي ء وضعته) الحامل بحيث (يستبين) و يظهر (انه حمل) لا ما اذا لم يكن الشي ء الموضوع فيه ظهور الحملية، بان لم يعلم كونه مبدأ نشو ادمى، أم لا (تمّ) ذلك الشي ء الموضوع (او لم يتمّ، فقد انقضت عدتها و ان كانت) ذلك الشي ء اسقطته

ص: 142

مضغة الخ.

ثم الظاهر صدق الحمل على العلقة.

و قوله عليه السلام و ان كانت مضغة، تقرير لكلام السائل لا بيان لاقل مراتب الحمل- كما عن الاسكافى-.

و ح فيتجه الحكم بتحقق الموضوع بالعلقة، كما عن بعض، بل عن

______________________________

المرأة (مضغة الخ).

(ثم الظاهر) عند العرف (صدق الحمل على العلقة) لان العرف يسمّون المرأة حينئذ حاملا.

(و) ان قلت: ظاهر كلام الامام «و ان كانت مضغة» ان ما دون المضغة لا يسبب سقوطها انقضاء عدتها، فيدل على انه لا يصدق عليها حامل، اذا كان ما فى بطنها علقة.

قلت: (قوله عليه السلام و ان كانت مضغة تقرير لكلام السائل) الّذي سئل عن المضغة (لا بيان لاقل مراتب الحمل- كما عن الاسكافى-) حيث انه جعل اقل مراتب الحمل المضغة.

فكلام الامام مثل ان يسأل سائل هل تتحقق دية الانسان بقتل صبىّ له عمره عشر سنوات، فيجاب بانه يتحقق و ان كان للصبىّ عشر سنوات، فانه لا يدل على عدم الدية، فيما اذا كان العمر اقل من عشر سنوات.

(و ح فيتجه الحكم بتحقق الموضوع) أم عدم جواز بيع أمّ الولد (بالعلقة، كما عن بعض) الفتوى به (بل عن

ص: 143

الايضاح، و المهذب البارع الاجماع عليه، و فى المبسوط فيما اذا القت جسدا ليس فيه تخطيط، لا ظاهر و لا خفى لكن قالت القوابل انه مبدأ خلق آدمى، و انه لو بقى لخلق و تصور قال قوم انها لا تصير أمّ ولد بذلك، و قال بعضهم تصير أمّ ولد، و هو مذهبنا، انتهى.

و لا يخلو عن قوة، لصدق الحمل.

و اما النطفة فهى بمجردها لا عبرة بها ما لم تستقر فى الرحم، لعدم صدق كونها حاملا.

و على هذا الفرد ينزل اجماع الفاضل المقداد على عدم العبرة بها فى العدة

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 9، ص: 144

______________________________

الايضاح، و المهذب البارع الاجماع عليه، و) قال الشيخ (فى المبسوط فيما اذا القت جسدا ليس فيه تخطيط) للاعضاء (لا ظاهر) للعين (و لا خفى) تعرف بدقة نظر و امعان (لكن قالت القوابل انه) اى الجسد الملقى (مبدأ خلق آدمى، و انه لو بقى) فى رحم أمه (لخلق) بالمجهول (و تصور) بالصورة (قال قوم انها لا تصير أمّ ولد بذلك، و قال بعضهم) انها (تصير أمّ ولد، و هو مذهبنا، انتهى) كلام المبسوط.

(و) هذا (لا يخلو عن قوة، لصدق الحمل) الّذي عرفت انه المناط

(و اما النطفة) قبل العلقة اى المنى الذاهب الى الرحم (فهى بمجردها لا عبرة بها) فى صدق الحمل، و صدق أمّ الولد (ما لم تستقر فى الرحم لعدم صدق كونها حاملا) بل هى من قبيل الشي ء العابر.

(و على هذا الفرد) اى النطفة قبل استقرارها (ينزل اجماع الفاضل المقداد على عدم العبرة بها فى العدة) فلو وطئها شبهة مثلا ثم

ص: 144

و اما مع استقرارها فى الرحم، فالمحكى عن نهاية الشيخ تحقق الاستيلاد بها، و هو الّذي قواه فى المبسوط فى باب العدة، بعد أن نقل عن المخالفين عدم انقضاء العدة، به مستدلا بعموم الآية و الاخبار

و مرجعه الى صدق الحمل.

و دعوى: ان اطلاق الحامل مجاز بالمشارفة

______________________________

قبل استقرار المنى فى الرحم سقط، لم تنقض بذلك عدة وطى الشبهة مثلا-

(و اما مع استقرارها فى الرحم، فالمحكى عن نهاية الشيخ تحقق الاستيلاد بها) اى بالنطفة، فهى تكون أمّ ولد (و هو الّذي قواه فى المبسوط فى باب العدة، بعد ان نقل عن المخالفين عدم انقضاء العدة به) اى باسقاط النطفة المستقرة (مستدلا) لما ذكره من انقضاء العدة بالاسقاط للنطفة (بعموم الآية) و هى قوله تعالى «و اولات الاحمال اجلهن ان يضعن حملهن» حيث يصدق انها وضعت حملها اذ الوضع اعم من الوضع التام او الناقص (و الاخبار) الدالة على ان انقضاء عدة الحامل بوضع الحمل.

(و مرجعه) اى مرجع استدلال الشيخ بعموم الآية و الاخبار (الى صدق الحمل) اذ لو لا صدق الحمل لم تكن الآية و الاخبار شاملة له.

(و دعوى: ان اطلاق الحامل) على المرأة التى تحمل النطفة المستقرة (مجاز بالمشارفة) لانها تؤل و تشرف على الحمل حين تكون النطفة مضغة، او ما اشبه، و ليس الصدق حقيقة، فلا تشملها الآية و

ص: 145

يكذّبها التأمل فى الاستعمالات.

و ربما يحكى عن التحرير موافقة الشيخ مع انه لم يرد فيه على حكاية الحكم عن الشيخ.

نعم فى بعض نسخ التحرير لفظ يوهم ذلك.

نعم قوى التحرير موافقته فيما تقدم عن الشيخ فى مسألة الجسد الّذي ليس فيه التخطيط، و نسب القول المذكور الى الجامع أيضا.

______________________________

الاخبار، لان المطلق يشمل الافراد الحقيقية، لا المجازية (يكذّبها التأمل فى الاستعمالات) فان العرف يرى ان المرأة بمجرد استقرار النطفة فى رحمها حامل.

(و ربما يحكى عن التحرير موافقة الشيخ) فى صدق أمّ الولد بمجرد استقرار النطفة (مع انه لم يزد فيه) فى التحرير (على حكاية الحكم عن الشيخ)

(نعم فى بعض نسخ التحرير لفظ يوهم ذلك) اى موافقة الشيخ بل الظاهر ان نقل الفقيه كلام الفقيه الاخر ساكتا عليه، يدل على انه موافق له، و الّا لما ذا سكت عليه.

(نعم قوى التحرير موافقته) اى الشيخ (فيما تقدم عن الشيخ فى مسألة الجسد الّذي ليس فيه التخطيط، و نسب القول المذكور الى الجامع أيضا) فمذهب التحرير و الجامع ان الجسد أيضا اذا كان مبدأ نشو آدمى يكون موجبا لصدق أمّ الولد.

ص: 146

و اعلم ان ثمرة تحقق الموضوع فيما اذا القت المملوكة ما فى بطنها انما تظهر فى بيعها الواقع قبل الالقاء فيحكم ببطلانه اذا كان الملقى حملا.

و اما بيعها بعد الالقاء، فيصح بلا اشكال،

و حينئذ فلو وطئها المولى، ثم جاءت بولد تام، او غير تام فيحكم ببطلان البيع الواقع بين اوّل زمان العلوق، و زمان الالقاء، و عن المسالك الاجماع على ذلك فذكر صور القاء المضغة و العلقة، و النطفة فى باب العدة انما هو لبيان انقضاء العدة بالالقاء، و

______________________________

(و اعلم ان ثمرة تحقق الموضوع) اى صدق أمّ الولد (فيما اذا القت المملوكة ما فى بطنها انما تظهر فى بيعها الواقع قبل الالقاء) اذ: لا ثمرة بعد الالقاء، لجواز البيع على كل حال، سواء صدقت أمّ الولد، أم لا (فيحكم ببطلانه) اى البيع (اذا كان الملقى حملا) بان يصدق عليه انه حمل

(و اما بيعها بعد الالقاء، فيصح بلا اشكال) فانه بطريق اولى يكون مجوزا لبيعها اذا مات ولدها.

(و حينئذ) اى حين كان العلوق موجبا لصدق أمّ الولد (فلو وطئها المولى، ثم جاءت بولد تام، او غير تام فيحكم ببطلان البيع الواقع بين اوّل زمان العلوق) اى انعقاد النطفة (و زمان الالقاء، و عن المسالك الاجماع على ذلك)

و على هذا (فذكر صور القاء المضغة، و العلقة، و النطفة فى باب العدة) اى عدة الطلاق، اما عدة الوفاة فانها ابعد الاجلين كما لا يخفى (انما هو لبيان انقضاء العدة بالالقاء، و) ذكرها

ص: 147

فى باب الاستيلاد لبيان كشفها عن ان المملوكة بعد الوطء صارت أمّ ولد لا ان البيع الواقع قبل تحقق العلقة صحيح الّا ان تصير النطفة علقة.

و لذا عبر الاصحاب عن سبب الاستيلاد بالعلوق الّذي هو اللّقاح

نعم: لو فرض عدم علوقها بعد الوطي الى زمان صحّ البيع قبل العلوق.

ثم المصرح به فى كلام بعض حاكيا له عن غيره، انه لا يعتبر فى العلوق ان يكون بالوطى فيتحقق

______________________________

(فى باب الاستيلاد لبيان كشفها) اى هذه الامور الثلاثة (عن ان المملوكة بعد الوطي صارت أمّ ولد، لا) لبيان (ان البيع الواقع قبل تحقق العلقة صحيح الّا ان تصير النطفة علقة) فحينئذ لا يصح البيع.

(و لذا) الّذي مراد هم تحديد زمان صيرورتها أمّ ولد لا بيان صحة البيع قبل العلقة (عبر الاصحاب عن سبب الاستيلاد) الموجب لعدم بيع الامة (بالعلوق الّذي هو اللقاح) و استقرار النطفة، لا صيرورتها مضغة او علقة، او ما اشبه.

(نعم: لو فرض عدم علوقها بعد الوطي الى زمان) بان دخلت النطفة، و لكنها لم تستقر، لاضطراب، او ما اشبه (صحّ البيع قبل العلوق) اذ لم تستقر النطفة بعد، و كذلك لو فرض ان النطفة افرغت فى كيس اصطناعى، و بعد البيع افرغت فى الرحم- مثلا-.

(ثم المصرح به فى كلام بعض حاكيا له عن غيره، انه لا يعتبر فى العلوق ان يكون بالوطى، فيتحقق) بجذب الرحم من المحلّ الّذي

ص: 148

بالمساحقة لان المناط هو الحمل، و كون ما يولد منها ولدا للمولى شرعا فلا عبرة بعد ذلك بانصراف الاطلاقات الى الغالب، من كون الحمل بالوطى.

نعم: يشترط فى العلوق بالوطى ان يكون الوطي على وجه يلحق الولد بالواطى، و ان كان محرما، كما اذا كانت فى حيض، او ممنوعة الوطي شرعا لعارض آخر.

______________________________

افرغ فيه منى الرجل، كما يتحقق (بالمساحقة) أيضا بان يساحق الرجل امته بدون ادخال، فيعلق المنى برحمها كما يتحقق أيضا بمساحقة المرأة التى وطئها الزوج بالامة بحيث يدخل منى الرجل منها الى الامة (لان المناط هو الحمل، و كون ما يولد منها ولدا للمولى شرعا) و هذا المناط متحقق فى المساحقة (فلا عبرة بعد ذلك) اى بعد تحقق المناط (بانصراف الاطلاقات الى الغالب، من كون الحمل بالوطى) اذ هذا الانصراف بدوى، لا يوجب تغيير وجهة اللفظ.

(نعم: يشترط فى العلوق بالوطى ان يكون الوطي على وجه يلحق الولد بالواطى، و ان كان) الوطي (محرما، كما اذا كانت) الامة (فى حيض او ممنوعة الوطي شرعا لعارض آخر) كما لو كانا فى حال الاحرام او صيام شهر رمضان، او كان ناذرا عدم الوطي، او ما اشبه ذلك.

اما اذا لم يكن الوطي على وجه يلحق به الولد، فلا اشكال فى عدم كونه مانعا عن البيع، كما اذا زنى بامة الغير فحبلت، ثم صارت ملكا له اذ الزنا لا ينقلب حلالا بالملكية المستقبلة كما ان حرمة الوطي لحيض، او ما

ص: 149

اما الامة المزوّجة فوطيها زنا لا يوجب لحوق الولد.

ثم ان المشهور اعتبار الحمل فى زمان الملك، فلو ملكها بعد الحمل، لم تصر أمّ ولد، خلافا للمحكى عن الشيخ و ابن حمزة فاكتفيا بكونها أمّ ولد قبل الملك.

و لعله لاطلاق العنوان.

و وجود العلة و هى كونها فى معرض الانعتاق

______________________________

اشبه، لا يوجب نفى الولد.

نعم: لو قلنا بجريان اللعان فى الامة لنفى الولد كان اللازم ان لا يكون الولد للاعن، فلا بأس ببيعها.

(اما الامة المزوّجة) و المشتركة، و المعتدة، و ما اشبه (فوطيها زنا) ف (لا يوجب لحوق الولد)

نعم الوطي بالشبهة يوجب لحوق الولد، لكن انما يحرم ذلك اذا لم نشترط كون الولد يعلق فى ملك الواطئ كما تقدم فى بعض الروايات، او كانت مزوجة فوطئها المولى شبهة- مثلا-.

(ثم ان المشهور اعتبار الحمل) المحرّم للبيع (فى زمان الملك، فلو ملكها بعد الحمل، لم تصر أمّ ولد، خلافا للمحكى عن الشيخ و ابن حمزة فاكتفيا بكونها أمّ ولد قبل الملك) أيضا.

(و لعله لاطلاق العنوان) فان عنوان أمّ الولد، يطلق على ما لو كان الولد سابقا على الملك، او لاحقا بالملك.

(و وجود العلة) المانعة عن البيع (و هى كونها فى معرض الانعتاق

ص: 150

من نصيب ولدها.

و يردّ الاول، منع اطلاق يقتضي ذلك، فان المتبادر من أمّ الولد، صنف من اصناف الجوارى باعتبار الحالات العارضة لها بوصف المملوكية، كالمدبّر و المكاتب.

و العلة المذكورة غير مطردة، و لا منعكسة.

______________________________

من نصيب ولدها) اذ: لا فرق فى ذلك بين سبق الولد على الملك، او لحوقه.

(و يردّ الاول) اى صدق العنوان (منع اطلاق) لعنوان «أمّ الولد» (يقتضي ذلك) اى شمول العنوان لولد كان سابقا على الملك (فان المتبادر من أمّ الولد، صنف من اصناف الجوارى باعتبار الحالات العارضة لها) اى للجوارى (بوصف المملوكية) اى المملوكة تكون أمّ ولد و غير أمّ ولد فاذا صارت صاحبة ولد، و هى ليست مملوكة للاب، لم تسمّ أمّ ولد اصطلاحا (كالمدبّر و المكاتب) فانهما عنوانان للمملوك لا يصدقان على كل مورد تحقق المعنى اللغوى لهذين اللفظين، كما اذا قال انسان لعبد غيره اوصى بان يحررك بعد وفاتى، و اعطى القائل المال لصاحب العبد لان يحرر عبده بعد ان توفى معطى المال.

(و العلة المذكورة) اى كون السبب لعدم البيع الانعتاق من حصة ولدها (غير مطردة، و لا منعكسة)

اما عدم الاطراد اى عدم جمع الافراد، فان هناك بعض امهات الاولاد تباع، كما اذا كانت الامة المستولدة مات قريب لها، و لا وارث للميّت

ص: 151

مضافا الى صريح رواية محمد بن مارد المتقدمة.

ثم ان المنع عن بيع أمّ الولد، قاعدة كلية مستفادة من الاخبار كروايتى السكونى، و محمد بن مارد المتقدمتين، و صحيحة عمر بن يزيد الآتية و غيرها.

و من الاجماع على انها لا تباع، الا لامر

______________________________

فانها تشرى من ذلك المال، و تعتق و تعطى ما بقى من الارث فالعلة موجودة هنا و مع ذلك تباع.

و اما عدم الانعكاس اى عدم منع الاغيار فان هناك بعض امهات الاولاد لاتباع مع عدم وجود العلة- اى انها لا تعتق من نصيب ولدها- كما اذا كان ولدها مرتدا اذا المرتدّ لا يرث.

(مضافا الى صريح رواية محمد بن مارد المتقدمة) الدالّة على عدم تحقق أمّ الولد بالعلوق قبل الملك.

(ثم) هل مقتضى القاعدة الكلية عدم بيع أمّ الولد الا اذا دل الدليل على جواز البيع، أم العكس اى جواز بيع أمّ الولد الا اذا دلّ الدليل على عدم جواز البيع.

الظاهر الاول، ف (ان المنع عن بيع أمّ الولد، قاعدة كلية مستفادة من الاخبار، كروايتى السكونى و محمد بن مارد المتقدمتين، و صحيحة عمر بن يزيد الآتية و غيرها) كقول امير المؤمنين عليه السلام، خذ بيدها و قل من يشترى أم ولدى- كما تقدم-

(و من الاجماع) عطف على «من الاخبار» (على انها لاتباع، الا لامر

ص: 152

يغلب ملاحظته على ملاحظة الحق الحاصل منها باستيلاد اعنى تشبثها بالحرية.

و لذا كل من جوز البيع فى مقام لم يجوز الا بعد اقامة الدليل الخاص فلا بد من التمسك بهذه القاعدة المنصوصة المجمع عليها، حتى تثبت بالدليل ثبوت ما هو اولى بالملاحظة فى نظر الشارع من الحق المذكور.

فلا يصغى اذا الى منع الدليل على المنع كلية، و التمسك باصالة صحة البيع من حيث قاعدة: تسلط الناس على اموالهم، حتى يثبت

______________________________

يغلب ملاحظته على ملاحظة الحق الحاصل منها باستيلاد) اى اذا كان هناك حق يغلب على حقها الحاصل بالاستيلاد بيعت، و الا لم تبع (اعنى تشبثها بالحرية) فان التشبث بالحرية حق لها قد حصل بالاستيلاد.

(و لذا) الّذي ذكرنا ان مقتضى القاعدة عدم الجواز، الا اذا قام الدليل على الجواز، ف (كل من جوز البيع فى مقام لم يجوز الا بعد اقامة الدليل الخاص) و لو كان الاصل الجواز، الا ما خرج، احتاج المنع الى الدليل (فلا بد من التمسك بهذه القاعدة المنصوصة) قاعدة اصالة المنع عن البيع، الا ما خرج (المجمع عليها، حتى تثبت بالدليل ثبوت ما هو اولى بالملاحظة فى نظر الشارع من الحق المذكور) اى حقها الحاصل بالاستيلاد.

(فلا يصغى اذا) و الحال هذه (الى منع الدليل على المنع) اى الى كلام من يقول انه لا دليل على المنع عن بيع أمّ الولد (كلية) اى المنع الكلى (و التمسك باصالة صحة البيع من حيث قاعدة: تسلط الناس على اموالهم) فالجواز هو الاصل (حتى يثبت

ص: 153

المخرج.

ثم ان المعروف بين العلماء ثبوت الاستثناء عن الكلية المذكورة فى الجملة.

لكن المحكى فى السرائر عن السيد قدس سره، عموم المنع، و عدم الاستثناء، و هو غير ثابت، و على تقدير الثبوت، فهو ضعيف.

يرده، مضافا الى ما ستعرف من الاخبار قوله فى صحيحة زرارة، و قد سأله عن أم ولد، قال: تباع و تورث، وحدها حد الامة بناء اعلى حملها على

______________________________

المخرج) الدال على عدم جواز البيع.

(ثم ان المعروف بين العلماء ثبوت الاستثناء عن الكلية المذكورة) اى كلية عدم جواز البيع (فى الجملة) فى بعض الموارد الآتية.

(لكن المحكى فى السرائر عن السيد) المرتضى (قدس سره، عموم المنع، و عدم الاستثناء) اصلا (و هو) اى كون السيد قائلا بهذا القول (غير ثابت، و على تقدير الثبوت، فهو ضعيف) لوجود النص و الفتوى على الجواز فى بعض الصور.

(يرده، مضافا الى ما ستعرف من الاخبار قوله) فاعل «يرده» (فى صحيحة زرارة، و قد سأله عن أم ولد قال: تباع و تورث) اى يرثها اولياء المولى فى مقابل انها تعتق بعد المولى (وحدها حد الامة) فان الامة و العبد فى باب الحدود و التعزيرات لها اقل من حد الحر، بمعنى انها ليست حرة حتى يكون حدها حد الاحرار (بناء على حملها على

ص: 154

انها قد تعرض لها ما يجوز ذلك.

و اما المواضع القابلة للاستثناء
اشارة

و قد وقع التكلم فى استثنائها لاجل وجود ما يصلح ان يكون اولى بالملاحظة من الحق فهى صور يجمعها تعلق حق للغير بها او تعلق حقها بتعجيل العتق او تعلق حق سابق على الاستيلاد او عدم تحقق الحكمة المانعة عن النقل.

______________________________

انها قد تعرض لها ما يجوز ذلك) اى البيع بان بطل مقتضى كونها أم ولد.

(و اما المواضع القابلة للاستثناء) فهى أربعة.

الاول: البائع او غير البائع كما اذا كان المولى مديونا.

الثانى: لحق نفسها.

الثالث: لحق سابق على الاستيلاد- و بين هذا و بين الاول عموم مطلق-.

الرابع: عدم تحقق الحكمة المانعة عن بيعها- كما سيأتى تفصيلها- (و قد وقع التكلم فى استثنائها) فقد ناقش بعض الفقهاء فى هذه المواضع (لاجل وجود ما يصلح ان يكون اولى بالملاحظة من الحق) اى حق الاستيلاد و «لاجل» علة ل «القابلة للاستثناء» (فهى صور يجمعها).

«1» (تعلق حق للغير بها) سواء كان الحق للبائع او لغيره.

«2» (او تعلق حقها) بنفسها (بتعجيل العتق).

«3» (او تعلق حق سابق على الاستيلاد).

«4» (او عدم تحقق الحكمة المانعة عن النقل) و هى كون بقائها موجبا لعتقها من حصة ولدها من إرث المولى، كما اذا كان ولدها قاتلا

ص: 155

[موارد القسم الأول أي تعلق حق للغير بها]
فمن موارد القسم الأول ما اذا كان على مولاها دين، و لم يكن له ما يؤدى هذا الدين.

و الكلام فى هذا المورد قد يقع فيما اذا كان الدين ثمن رقبتها.

و يقع فيما اذا كان غير ثمنها، و على الاول: يقع الكلام تارة بعد موت المولى، و اخرى فى حال حياته.

اما بعد الموت فالمشهور الجواز، بل عن الروضة انه موضع وفاق، و عن جماعة انه لا خلاف فيه، و لا ينافى ذلك

______________________________

او كافرا، او ما اشبهه مما يمنع عن إرثه.

(فمن موارد القسم الاول) و هو تعلق حق للغير بها (ما اذا كان على مولاها دين، و لم يكن له) اى للمولى (ما يؤدى هذا الدين).

(و الكلام فى هذا المورد قد يقع فيما اذا كان الدين ثمن رقبتها) بان اشتريها المولى نسيئة، و لم يدفع الثمن، و مات، فانها تباع ليؤدى بثمنها دين البائع.

(و) قد (يقع) الكلام (فيما اذا كان) دين المولى (غير ثمنها، و على الاول) و هو ما اذا كان الدين ثمن رقبتها (يقع الكلام تارة بعد موت المولى، و اخرى فى حال حياته).

فاللازم ان نتكلم فى باب دين المولى من ثلاث جهات.

(اما بعد الموت) بان كان المولى مديونا لثمن رقبتها، و مات و لم يكن عنده شي ء يؤدّى به ذلك الدين (فالمشهور الجواز) لبيعها (بل عن الروضة انه موضع وفاق، و عن جماعة انه لا خلاف فيه، و لا ينافى ذلك) اى

ص: 156

مخالفة السيد فى اصل المسألة، لانهم يريدون نفى الخلاف بين القائلين بالاستثناء فى بيع أمّ الولد، او القائلين باستثناء بيعها فى ثمن رقبتها فى مقابل صورة حياة المولى المختلف فيها.

و كيف كان فلا اشكال فى الجواز فى هذه الصورة لا لما قيل من قاعدة: تسلط الناس على اموالهم لما عرفت من انقلاب القاعدة الى المنع فى خصوص هذا المال، بل لما رواه المشايخ الثلاثة فى الصحيح

______________________________

دعوى عدم الخلاف (مخالفة السيد) المرتضى (فى اصل المسألة) اى اصل مسألة جواز بيع أمّ الولد، لانه لا يجوز البيع مطلقا (لانهم) اى المدعون للاتفاق (يريدون نفى الخلاف بين القائلين بالاستثناء فى بيع أمّ الولد) مطلقا، سواء فى ثمن رقبتها، او غير ثمن رقبتها (او القائلين باستثناء بيعها فى ثمن رقبتها) فقط (فى مقابل صورة حياة المولى المختلف فيها) فان بعض المجوزين للبيع فى حالة موت المولى، لم يجوز البيع فى حالة حياة المولى.

(و كيف كان) سواء اعتبرنا خلاف السيد ضارا بدعوى اللاخلاف، أم غير ضاربه (فلا اشكال فى الجواز) لبيع أمّ الولد (فى هذه الصورة) اى صورة دين المولى لثمن رقبتها بعد موت المولى (لا لما قيل من قاعدة: تسلط الناس على اموالهم).

و انما قلنا «لا لما ..» (لما عرفت من انقلاب القاعدة) فى باب أمّ الولد (الى المنع فى خصوص هذا المال) اى أمّ الولد (بل لما رواه المشايخ الثلاثة) الكلينى، و الصدوق، و الشيخ (فى الصحيح

ص: 157

عن عمر بن يزيد، قال: قلت لابى ابراهيم عليه السلام، أسألك عن مسألة، فقال عليه السلام: سل، قلت: لم باع امير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه امهات الاولاد؟ قال عليه السلام: فى فكاك رقابهن، قلت فكيف ذلك قال: ايما رجل اشترى جارية، فاولدها، و لم يؤدّ ثمنها، و لم يدع من المال ما يؤدى عنه اخذ منها ولدها و بيعت و أدّى ثمنها، قلت: فتباع فيما سوى ذلك من دين قال عليه السلام: لا و فى رواية اخرى لعمر بن يزيد، عن ابى الحسن عليه السلام قال سألته عن أمّ الولد تباع فى الدين قال: نعم، فى ثمن رقبتها، و مقتضى اطلاقها بل اطلاق الصحيحة- كما قيل-

______________________________

عن عمر بن يزيد، قال: قلت لابى ابراهيم عليه السلام، أسألك عن مسألة، فقال عليه السلام: سل، قلت: لم باع امير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه امهات الاولاد؟ قال عليه السلام: فى فكاك رقابهن، قلت فكيف ذلك) اى كيف يكون الامر حتى يكون البيع جائزا (قال: ايما رجل اشترى جارية، فاولدها، و لم يؤدّ ثمنها، و لم يدع من المال ما يؤدّى عنه) ثمن الجارية (اخذ منها ولدها، و بيعت، و ادّى ثمنها، قلت ف) هل (تباع فيما سوى ذلك من دين قال عليه السلام: لا و فى رواية اخرى لعمر بن يزيد، عن ابى الحسن عليه السلام، قال سألته عن) بيع (أمّ الولد) هل (تباع فى الدين؟ قال: نعم، فى ثمن رقبتها و) لا يخفى ان (مقتضى اطلاقها) لانها لم تقيد البيع بما بعد موت المولى (بل اطلاق الصحيحة- كما قيل-) ان لها اطلاقا يشمل حالتى الحياة

ص: 158

ثبوت الجواز مع حياة المولى، كما هو مذهب الاكثر، بل لم يعرف الخلاف فيه صريحا، نعم: تردد فيه الفاضلان و عن نهاية المرام، و الكفاية ان المنع نادر، لكنه لا يخلو عن قوة.

و ربما يتوهم القوة من حيث توهم تقييدها بالصحيحة السابقة بناء على اختصاص الجواز فيها بصورة موت المولى، كما يشهد به قوله عليه السلام فيها و لم يدع من المال الخ، فيدل على نفى الجواز عما سوى هذا الفرد.

______________________________

و الموت و ان كان الظاهر انه لا اطلاق لها، لظاهر قوله «و لم يدع من المال».

اما القائل بالإطلاق، فكانه فهم ان القيد غالبى لا انه قيد احترازى (ثبوت الجواز) لبيع الامة (مع حياة المولى، كما هو مذهب الاكثر، بل لم يعرف الخلاف فيه صريحا، نعم: تردد فيه الفاضلان) المحقق و العلامة (و عن نهاية المرام، و الكفاية) للسبزوارى (ان المنع) قول (نادر، لكنه لا يخلو عن قوة) التقوية من النهاية و الكفاية- لا من المصنف كما لا يخفى-.

(و ربما يتوهم القوة من حيث توهم تقييدها) اى رواية عمر بن يزيد (بالصحيحة السابقة) اى صحيحة عمر أيضا (بناء اعلى اختصاص الجواز فيها) اى فى الصحيحة (بصورة موت المولى) فالرواية مقيدة بالصحيحة (كما يشهد به) اى بان الصحيحة خاصة بصورة الموت (قوله عليه السلام فيها) اى فى الصحيحة (و لم يدع من المال الخ، فيدل) هذا القيد (على نفى الجواز عما سوى هذا الفرد) و هو حالة حياة المولى، و انما يكون هذا القيد فى

ص: 159

اما لورودها فى جواب السؤال عن موارد بيع امهات الاولاد، فيدل على الحصر.

و اما لان نفى الجواز فى ذيلها فيما سوى هذه الصورة يشمل بيعه فى الدين مع حياة المولى.

و اندفاع التوهم بكلا وجهيه واضح.

______________________________

الصحيحة احترازيا.

(اما لورودها فى جواب السؤال عن موارد بيع امهات الاولاد، فيدل على الحصر) لانه حينئذ فى مقام التحديد، و مقام التحديد دال على الحصر.

(و اما لان نفى الجواز فى ذيلها) حيث قال الراوى: قلت فتباع فيما سوى ذلك من دين؟ قال لا (فيما سوى هذه الصورة) اى صورة موت المولى (يشمل بيعه فى الدين مع حياة المولى) فحياة المولى خارجة عن جواز البيع، اما مفهوما، و اما منطوقا.

(و اندفاع التوهم بكلا وجهيه واضح).

اما اندفاع التوهم الاول، فلان الكلام ليس فى موارد جواز بيع أمّ الولد مطلقا حتى يكون التقييد ذا مفهوم، و انما الكلام فى مورد بيع امير المؤمنين عليه السلام أمّهات الاولاد.

و اما اندفاع التوهم الثانى: فلان قوله «فيما سوى ذلك» كما يحتمل ان يكون المراد منه سوى حالة الموت- فيكون له مفهوم بعدم الجواز فى حالة الحياة- كذلك يحتمل ان يكون المراد منه سوى حالة الدين المتعلق برقبتها، فيشمل حالة الحياة و الموت.

ص: 160

نعم: يمكن ان يقال فى وجه القوة بعد الغضّ عن دعوى ظهور قوله تباع، الظاهر فى الدين فى كون البائع غير المولى فيما بعد الموت ان النسبة بينها و بين رواية ابن مارد المتقدمة، عموم من وجه.

______________________________

و لا يخفى عليك عدم وضوح اندفاع التوهم لما يرد على الاندفاعين من الاشكال.

(نعم: يمكن ان يقال فى وجه القوة) اى قوة اختصاص جواز البيع بما بعد الموت (بعد الغضّ) و الاغماض (عن دعوى ظهور قوله: تباع، الظاهر فى الدين فى كون البائع غير المولى) «فى» متعلق ب «ظهور» (فيما بعد الموت) اى كون البيع بعد الموت.

و انما كان ظاهرا فى ذلك، لان «تباع» بصيغة المجهول يدل على مجهولية البائع، و لو كان البائع المولى لم يكن وجه للاتيان به مجهولا، بل مقتضى الكلام ان يقول «بيعه».

و انما قال «بعد الغض» لانه لو أردنا ان نأخذ بهذا الظاهر، و لم نغض عنه، يكون هذا منافيا لرواية ابن مارد، لا اعم من وجه، اذ ظاهر رواية ابن مارد البيع فى حال الحياة، لانه قال «إنشاء باعها» فان كان ظاهر «تباع» فى هذه الرواية: البيع بعد الموت، تكون النسبة بين الروايتين التنافى و المباينة، لا العموم من وجه (ان النسبة بينها) اى بين صحيحة عمر (و بين رواية ابن مارد المتقدمة، عموم من وجه).

اذ الصحيحة شاملة لحالة الموت و الحياة، لكنها خاصة بثمن الرقبة.

و رواية ابن مارد شاملة لثمن الرقبة و غيره، لكنها خاصة بحالة الحياة.

ص: 161

فيرجع الى اصالة المنع الثابتة بما تقدم من القاعدة المنصوصة المجمع عليها.

نعم ربما يمنع عموم القاعدة على هذا الوجه بحيث يحتاج الى المخصص.

فيقال بمنع الاجماع فى محل الخلاف، سيما مع كون المخالف جل المجمعين بل كلهم الا نادر.

و حينئذ فالمرجع الى قاعدة: سلطنة الناس على اموالهم.

______________________________

(ف) فى مورد الاجتماع و هو ثمن الرقبة فى حال الحياة، حيث تجتمع الروايتان، و احداهما يجوز البيع، و الاخرى تمنع البيع (يرجع الى اصالة المنع الثابتة بما تقدم من القاعدة المنصوصة المجمع عليها) و هى قاعدة المنع عن بيع أمّ الولد، الا ما خرج.

(نعم ربما يمنع عموم القاعدة على هذا الوجه) اى عموما يشمل حتى مثل حالة المولى فيما لو اراد ان يبيعها فى دين نفسها (بحيث تحتاج) القاعدة المانعة (الى المخصص) لجواز بيعها فى هذه الصورة.

(فيقال) فى وجه شمول القاعدة لهذه الصورة (بمنع الاجماع) على عدم جواز البيع (فى محل الخلاف) و هو صورة حياة المولى (سيما مع كون المخالف) اى الّذي يجوز البيع- مخالفا للمنع عن بيعها فى هذه الصورة- (جل المجمعين بل كلهم الا نادر) فكيف يتحقق الاجماع على المنع فى هذه الصورة.

(و حينئذ) اى حين منع الاجماع (فالمرجع) فى صورة حياة المولى (الى قاعدة: سلطنة الناس على اموالهم).

ص: 162

لكن التحقيق خلافه، و ان صدر هو عن بعض المحققين لان المستفاد من النصوص و الفتاوى: ان استيلاد الامة يحدث لها حقا مانعا عن نقلها الا اذا كان هناك حق اولى منه بالمراعات.

و ربما توهم معارضة هذه القاعدة وجوب اداء الدين، فيبقى قاعدة السلطنة، و اصالة بقاء جواز بيعها فى ثمن رقبتها قبل الاستيلاد.

و لا يعارضها اصالة بقاء المنع حال الاستيلاد، قبل العجز عن ثمنها،

______________________________

و عليه فيجوز بيع الامة فى ثمن رقبتها.

(لكن التحقيق خلافه، و ان صدر هو عن بعض المحققين) و هو صاحب المقابيس كما قيل (لان المستفاد من النصوص و الفتاوى: ان استيلاد الامة يحدث لها حقا مانعا عن نقلها الا اذا كان هناك حق اولى منه) اى من حقها (بالمراعات) و لم يعلم ان الحق فى حال حياة المولى اولى من حقها.

(و ربما توهم معارضة هذه القاعدة) اى قاعدة حق الامة مع حق (وجوب اداء الدين) الّذي هو حق للبائع فيتساقطان (فيبقى قاعدة السلطنة) للمولى على ماله (و) قاعدة (اصالة بقاء جواز بيعها فى ثمن رقبتها قبل الاستيلاد) «قبل» ظرف «لجواز» اى استصحاب الجواز، فيرجع إليهما فيجوز بيعها.

(و لا يعارضها) اى لا يعارض اصالة نقل بقاء جواز البيع (اصالة بقاء المنع حال الاستيلاد، قبل العجز عن ثمنها).

ص: 163

لان بيعها قبل العجز ليس بيعها فى الدين كما لا يخفى.

و يندفع اصل المعارضة بان ادلة وجوب اداء الدين مقيدة بالقدرة العقلية.

و الشرعية،

______________________________

فهنا استصحابان، استصحاب المنع الّذي كان قبل العجز، و استصحاب الجواز الّذي كان قبل الاستيلاد.

لكن استصحاب المنع لا يعارض استصحاب الجواز (لان بيعها قبل العجز ليس بيعا فى الدين) فتبدل الموضوع بالنسبة الى المنع، فالمرأة قبل العجز غير المرأة بعد العجز.

و الدليل انما دلّ على عدم الجواز فى صورة عدم العجز، بان لم يكن بيعها لاجل الدين، فاذا تبدل الموضوع لم يكن مجال لاستصحاب المنع، و يبقى استصحاب جواز البيع قبل الاستيلاد بلا معارض (كما لا يخفى) هذا كلام من اجاز البيع حال الحياة.

(و يندفع) هذا التوهم الّذي توهمه مجيز البيع حال الحياة (اصل المعارضة) اى التعارض بين قاعدة حق المستولدة فى نفسها المانع عن بيعها، و بين قاعدة وجوب اداء الدين (بان ادلة وجوب اداء الدين مقيدة بالقدرة العقلية) فاذا لم يكن للانسان قدرة عقلية، لم يجب اداء الدين.

(و) القدرة (الشرعية) فانه اذا قدر عقلا لكنه كان مالكا للمستثنيات لم يجب شرعا بيعها و اداء الدين من ثمنها.

ص: 164

و قاعدة المنع ينفى القدرة الشرعية كما فى المرهون، و الموقوف.

فالاولى فى الانتصار لمذهب المشهور ان يقال: برجحان اطلاق رواية عمر بن يزيد على اطلاق رواية ابن مارد الظاهر فى عدم كون بيعها فى ثمن رقبتها، كما يشهد به قوله عليه السلام: فتمكث عنده ما شاء اللّه لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها، ثم يبدو له فى بيعها،

______________________________

(و قاعدة المنع) المستفادة من ان لها حقا فى نفسها بمجرد الاستيلاد (ينفى القدرة الشرعية) فان الشارع اذا قال: لا تبع الشي ء الفلانى، فانه لا قدرة للانسان على اداء الدين فحاله كما لو كان مديونا و له وقف، فان منع الشارع عن بيع الوقف، يمنع عن كونه قادرا على اداء الدين.

اذا لا معارضة بين القاعدتين، و انما المقدم منهما قاعدة المنع (كما فى المرهون و الموقوف) فان ملك الانسان لهما، لا يوجب جواز بيعها فى اداء الدين.

(فالاولى فى الانتصار لمذهب المشهور) القائلين بجواز بيع أمّ الولد فى حال حياة المولى (ان يقال: برجحان اطلاق رواية عمر بن يزيد) الدالة على الجواز (على اطلاق رواية ابن مارد) و ان كان بينهما عموم من وجه (الظاهر) ذلك الاطلاق فى رواية ابن مارد (فى عدم كون بيعها فى ثمن رقبتها، كما يشهد به) اى عدم كون البيع فى ثمن الرقبة (قوله عليه السلام: فتمكث عنده ما شاء الله لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها، ثم يبدو له فى بيعها).

ص: 165

مع ان ظاهر البداء فى البيع ينافى الاضطرار إليه لاجل ثمنها.

و بالجملة فبعد منع ظهور سياق الرواية فيما بعد الموت، لا اشكال فى رجحان دلالتها على دلالة رواية ابن مارد على المنع كما يظهر بالتأمل.

مضافا الى اعتضادها بالشهرة المحققة، و المسألة محل اشكال.

ثم على المشهور من الجواز فهل يعتبر فيه عدم ما يفى به الدين،

______________________________

و قوله: الظاهر، اشارة الى وجه رجحان اطلاق رواية عمر على رواية ابن مارد

هذا (مع ان ظاهر البداء فى البيع) حيث قال عليه السلام:

يبدو له فى بيعها (ينافى الاضطرار إليه) اى الى البيع (لاجل ثمنها) و الا لعبر بانه اضطر.

و هذا وجه اخر لتقديم رواية عمر على رواية ابن مارد.

(و بالجملة فبعد منع ظهور سياق الرواية) اى رواية عمر (فيما بعد الموت، لا اشكال فى رجحان دلالتها على دلالة رواية ابن مارد على المنع) متعلق ب «دلالة» (كما يظهر بالتأمل).

و وجهه ما ذكرناه، مما اشار إليه بقوله «الظاهر فى عدم كون بيعها .. الخ».

(مضافا الى اعتضادها) اى رواية عمر الصحيحة (بالشهرة المحققة) القائلة بجواز البيع حال حياة المولى (و المسألة) بعد (محل اشكال) لو لا الشهرة.

(ثم على المشهور من الجواز) اى جواز بيع المولى امته المستولدة لاداء دين رقبتها اذا لم يجد المولى ما يؤدى به دينها (فهل يعتبر فيه) اى فى الجواز (عدم) وجدان المولى (ما يفى به الدين،

ص: 166

و لو من المستثنيات، كما هو ظاهر اطلاق كثير، او مما عداها كما عن جماعة الاقوى هو الثانى، بل لا يبعد ان يكون ذلك مراد من اطلق، لان الحكم بالجواز فى هذه الصورة فى النص و الفتوى مسوق لبيان ارتفاع المانع عن بيعها من جهة الاستيلاد، فتكون ملكا طلقا، كسائر الاملاك التى يؤخذ

______________________________

و لو من المستثنيات، كما هو ظاهر اطلاق كثير)

فاللازم ان لا يكون للمولى اى شي ء، لا من مستثنيات الدين، و لا من غير المستثنيات حتى يجوز له بيع المستولدة (او مما عداها) اى ما عدا المستثنيات، فاذا كان عنده المستثنيات، و لم يكن عنده غيرها، جاز بيعها، لان المستثنيات لا تباع فى الدين، فوجودها غير ضارّ بجواز بيع المستولدة (كما عن جماعة الاقوى هو الثانى) فيجوز بيعها و ان كان عنده المستثنيات (بل لا يبعد ان يكون ذلك) اى «عدم وجود ما عدا المستثنيات» (مراد من اطلق) و قال: يجوز البيع اذا لم يكن عند المولى شي ء.

فمراده ب «شي ء» ما عدا المستثنيات.

و انما قلنا «الاقوى الثانى» (لان الحكم بالجواز) اى جواز بيع المستولدة (فى هذه الصورة) اى صورة بيعها لاجل اداء دين رقبتها (فى النص و الفتوى مسوق لبيان ارتفاع المانع عن بيعها من جهة الاستيلاد) اى ان الاستيلاد اوجب مانعا عن بيعها، فاذا لم يكن للمولى شي ء يؤدى به ثمنها ارتفع المانع و جاز البيع (فتكون) الامة فى هذا الحال الّذي ارتفع المانع (ملكا طلقا، كسائر الاملاك التى يؤخذ

ص: 167

المالك بيعها من دون بيع المستثنيات.

فحاصل السؤال فى رواية عمر بن يزيد انه هل تباع أمّ الولد فى الدين؟ على حد سائر الاموال التى تباع فيه.

و حاصل الجواب تقرير ذلك فى خصوص ثمن الرقبة فيكون ثمن الرقبة بالنسبة الى أمّ الولد، كسائر الديون بالنسبة الى سائر الاموال

______________________________

المالك) اى يجب على المالك (بيعها من دون بيع المستثنيات) اى من دون ان يؤخذ المالك ببيع المستثنيات.

و ان شئت قلت: المستفاد من دليل المستثنيات، ان الشارع لم يعتبرها ما لا يؤدى به الدين، فهذا المولى لا مال له- و ان كان له المستثنيات-.

و اذا لم يكن له مال صدق عليه قوله عليه السلام «و لم يدع من المال ما يؤدى عنه»

(فحاصل السؤال، فى رواية عمر بن يزيد انه هل تباع أمّ الولد فى الدين؟ على حد) و مثل (سائر الاموال التى تباع فيه) اى فى الدين و من المعلوم ان المستثنيات لا تباع فى الدين.

(و حاصل الجواب تقرير ذلك) اى جواز البيع (فى خصوص ثمن الرقبة فيكون ثمن الرقبة بالنسبة الى أمّ الولد) لا كلّ دين على المولى (كسائر الديون) التى تجوّز بيع مال المولى (بالنسبة الى سائر الاموال) للمولى.

فالفارق فقط: هو ان بيع أمّ الولد فى دين رقبتها و بيع سائر

ص: 168

و مما ذكرنا يظهر: انه لو كان نفس أمّ الولد مما يحتاج إليه المولى للخدمة فلا تباع فى ثمن رقبتها، لان غاية الامر كونها بالنسبة الى الثمن كجارية اخرى يحتاج إليها.

و مما ذكرنا يظهر الوجه فى استثناء الكفن و مئونة التجهيز، فاذا كان للميت

______________________________

الاموال فى كل دين.

اما لزوم ان يكون خارجا من المستثنيات فهذا مشترك بين أمّ الولد و غير أمّ الولد، اى لا تباع المستثنيات لا فى دين رقبة أمّ الولد، و لا فى دين آخر من سائر ديون المولى.

(و مما ذكرنا) من ان وجود المستثنيات لا يضرّ بجواز بيع أمّ الولد (يظهر: انه لو كان نفس أمّ الولد مما يحتاج إليه المولى للخدمة، فلا تباع فى ثمن رقبتها) بل يبقى الدين على المولى حتى يؤدى من مكان آخر.

نعم تباع بعد موت المولى (لان غاية الامر فى) حال احتياج المولى إليها (كونها) اى أمّ الولد (بالنسبة الى الثمن) اى ثمن نفسها (كجارية اخرى يحتاج) المولى (إليها)

فكما لا تباع تلك الجارية لاداء ثمن أمّ الولد، كذلك لا تباع أمّ الولد لاداء ثمن نفسها.

(و مما ذكرنا) من ان أمّ الولد تباع، و لا تباع مستثنيات الدين (يظهر الوجه فى استثناء الكفن و مئونة التجهيز) الواجبة (فاذا كان للميّت

ص: 169

كفن، و أمّ ولد بيعت فى الدين، دون الكفن، اذ يصدق ان الميّت لم يدع ما يؤدى عنه الدين عداها لان الكفن لا يؤدّى عنه الدين.

ثم انه لا فرق بين كون ثمنها بنفسه دينا للبائع، او استدان الثمن، و اشترى به.

اما لو اشترى فى الذمة ثم استدان ما اوفى به البائع، فليس بيعها بيعها فى ثمن رقبتها بل ربما تامل فى ما قبله، فتأمل.

______________________________

كفن، و أمّ ولد) و كان الميّت مديونا لثمنها (بيعت) أمّ الولد (فى الدين دون الكفن) بل يكفن به الميّت (اذ يصدق ان الميّت لم يدع ما يؤدى عنه الدين عداها) اى عدا أمّ الولد (لان الكفن لا يؤدّى عنه الدين) فحاله حال المستثنيات.

(ثم انه لا فرق) فى بيع أمّ الولد فى ثمن رقبتها (بين كون ثمنها بنفسه دينا للبائع) بان اشتراها بالذّمة (او استدان الثمن، و اشترى به) لصدق الدليل الدالّ على انه ثمن لنفسها.

(اما لو اشترى) الامة (فى الذمة ثم استدان ما اوفى به البائع ف) هل تباع، أم لا؟ يحتمل العدم، لانه (ليس بيعها فى ثمن رقبتها) بل فى دين آخر على المشترى لانسان آخر غير البائع (بل ربما تأمل فى) جواز بيعها فى صورة (ما قبله) اى اذا استدان الثمن و اشترى به (فتأمل) اذ يصدق فى جميع الصورة انه دين رقبة الامة، حتى اذا دار الدين دورات متعددة، كما لو اشترى الامة فى الذمة ثم استدان دارا و باعها، و ادّى بثمنها ثمن الامة- مثلا-.

ص: 170

و لا فرق بين بقاء جميع الثمن فى الذمة، او بعضه و لا بين نقصان قيمتها عن الثمن او زيادتها عليه.

نعم لو امكن الوفاء ببيع بعضها اقتصر عليه كما عن غاية المراد التصريح به.

و لو كان الثمن مؤجّلا، لم يجز للمولى بيعها قبل حلول الاجل و ان كان مأيوسا عن الاداء عند الاجل.

______________________________

(و لا فرق) فى جواز بيعها (بين بقاء جميع الثمن فى الذمة، او بعضه) كما لو اشترى الامة بمائة و نقد منها تسعين، و بقى عشرة فى ذمته لاطلاق النص و الفتوى (و لا بين نقصان قيمتها عن الثمن او زيادتها عليه) كما لو نقصت قيمة الامة الآن عن قيمتها التى اشتريت بها، فكانت قيمتها وقت الاشتراء مائة، و الآن تسوى خمسين، او بالعكس.

(نعم لو امكن الوفاء ببيع بعضها اقتصر عليه) لان الاصل عدم الجواز الا بمقدار الضرورة بعد ما علمنا من الشارع نفرة عن بيعها (كما عن غاية المراد التصريح به) و هل انه لو امكن ايجارها او عملها حتى يوفر الثمن جاز البيع أم لا؟ احتمالان، من: اطلاق الادلة، و من العلة المذكورة من الاقتصار بمقدار الضرورة.

ثم لو امكن بيعها ممن تنعتق عليه و من غيره، فهل يقدم الاول أمّ هما متساويان؟ احتمالان.

(و لو كان الثمن مؤجّلا لم يجز للمولى بيعها قبل حلول الاجل و ان كان) المولى (مأيوسا عن الاداء عند الاجل) اذ الضرورات تقدر

ص: 171

و فى اشتراط مطالبة البائع، او الاكتفاء باستحقاقه و لو امتنع عن التسلّم.

او الفرق بين رضاه بالتأخير، و اسقاطه لحق الحلول، و ان لم يسقط بذلك و بين عدم المطالبة فيجوز فى الثانى دون الاول.

وجوه، احوطها الاول.

و مقتضى الاطلاق الثانى.

______________________________

بقدرها.

لكن لو خاف عدم الاشتراء عند الاجل، او خاف موت الجارية اذا صبر عليها الى ذلك الوقت، او خاف نقص قيمتها بما لا يتمكن سدّ البقية احتمل جواز البيع، لاطلاق الادلة المجوزة.

(و فى اشتراط مطالبة البائع) فى جواز البيع (او الاكتفاء باستحقاقه) اى استحقاق البائع الثمن (و لو امتنع) البائع (عن التسلّم) للمال- و لو وصلية-.

(او الفرق بين رضاه) اى البائع (بالتأخير و اسقاطه لحق الحلول و ان لم يسقط) الحق (بذلك) اى بالاسقاط (و بين عدم المطالبة فيجوز) البيع (فى الثانى دون الاول)

(وجوه، احوطها الاوّل) اى اشتراط مطالبة البائع.

(و مقتضى الاطلاق الثانى) اذ اطلاق الادلة المجوزة شامل لجميع صور الاستحقاق.

اللهم الا ان يقيد بدليل: الضرورات تقدر بقدرها.

ص: 172

و لو تبرع متبرع بالاداء فان سلّم الى البائع، برئت ذمة المشترى و لا يجوز بيعها.

و ان سلّم الى المولى، او الورثة ففى وجوب القبول نظر.

و كذا لو رضى البائع باستسعائها فى الاداء.

و لو دار الامر بين بيعها ممن ينعتق عليه، او بشرط العتق و بيعها من غيره ففى وجوب تقديم الاول وجهان.

______________________________

(و لو تبرع متبرع بالاداء) لثمن الجارية (فان سلّم) الثمن (الى البائع، برئت ذمة المشترى، و لا يجوز بيعها) حينئذ لانتفاء الموضوع الموجب لانتفاء الحكم.

(و ان سلّم) الثمن (الى المولى، او) الى (الورثة) بعد موت المولى (ففى وجوب القبول نظر) اذ القبول نوع اكتساب، و لم يدل الدليل على انه يجب الاكتساب لاداء الثمن.

(و كذا لو رضى البائع باستسعائها فى الاداء) بان لا يبيعها المولى، و انما تسعى هى لاداء ثمنها، فانه لا دليل على انه يجب على المولى القبول.

بل اطلاق ادلة جواز البيع يدل على عدم وجوب الاستسعاء.

(و لو دار الامر بين بيعها ممن ينعتق عليه) كالعمودين (او) بيعها (بشرط العتق) بان كان هناك مشتر يشتريها و يشترط عليه ان يعتقها و مشتر آخر لا يقبل هذا الشرط (و بيعها من غيره) الّذي لا يعتقها و لا تنعتق عليه (ففى وجوب تقديم الاول وجهان) من اطلاق الادلة، فلا

ص: 173

و لو ادى الولد ثمن نصيبه انعتق عليه و حكم الباقى يعلم من مسائل السراية.

و لو ادّى ثمن جميعها، فان اقبضه البائع فكالمتبرع و ان كان بطريق الشراء ففى وجوب قبول ذلك على الورثة نظر، من الاطلاق و من الجمع بين حقى الاستيلاد و الدّين.

______________________________

يجب، و من ان العتق اقرب الى ميل الشارع و رغبته فيجب.

(و لو ادى الولد ثمن نصيبه) بعد موت المولى الوالد، بان ادّى ثمن المقدار الّذي يرثه منها- على تقدير الارث- (انعتق عليه) لان الولد لا يملك اباه او أمه (و حكم الباقى) الّذي لم ينعتق (يعلم من مسائل السراية) فان بناء العتق على التغليب.

فربما نقول بذلك فاللازم حينئذ عتق الامة كلا، و السعى فى ثمن الباقى.

و ربما لا نقول بذلك فاللازم بيع الباقى و اداء باقى الثمن للبائع.

(و لو ادّى) ولدها (ثمن جميعها، فان اقبضه البائع فكالمتبرع) تنعتق هى (و ان كان بطريق الشراء) بان اراد الولد شراء أمه من المولى، او الورثة (ففى وجوب قبول ذلك على الورثة نظر، من الاطلاق) اى اطلاق الادلة الدالة على ان المولى او الورثة يجوز لهم البيع لكل من أرادوا فلا يجب عليهم بيعها من ولدها لتنعتق (و من الجمع بين حقى الاستيلاد) المقتضى لحبلها بحيث تنعتق (و الدّين) المقتضى لبيعها لاداء ثمنها الى البائع، فاللازم على هذا بيعها من ولدها.

ص: 174

و لو امتنع المولى من اداء الثمن من غير عذر فلجواز بيع البائع لها مقاصّة مطلقا او مع اذن الحاكم وجه.

و ربما يستوجبه خلافه لان منع البيع لحق أمّ الولد، فلا يسقط بامتناع المولى.

و لظاهر الفتاوى.

و تغليب جانب الحرية و فى الجميع نظر

______________________________

(و لو امتنع المولى من اداء الثمن) لها (من غير عذر) بان كان متمكنا، و لكنه لم يؤدّ عصيانا (فلجواز بيع البائع لها مقاصّة) لاخذ ما يطلبه (مطلقا) و لو بدون اذن الحاكم الشرعى (او مع اذن الحاكم وجه).

اذ من المحتمل لزوم استيذان الحاكم فى كل مقاصّة فهنا يجب أيضا.

و من المحتمل عدم وجوب استيذانه مطلقا فهنا لا يجب أيضا.

(و ربما يستوجبه) اى يقال الاوجه (خلافه) اى عدم جواز بيع أمّ الولد مقاصّة، حتى باذن الحاكم (لان منع البيع) انما هو (لحق أمّ الولد، فلا يسقط بامتناع المولى) لانه لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ.

(و لظاهر الفتاوى) الدالة على انه لاتباع الا فى ثمن نفسها فى صورة عدم المولى.

(و) ل (تغليب جانب الحرية) المقتضى لعدم جواز مقاصّة البائع من نفس أمّ الولد (و فى الجميع نظر).

اذ يرد على الاول: ان حق البائع مقدم على حقى أمّ الولد و المولى.

و على الثانى: ان الفتاوى انما هى فى صورة اقدام المولى للاعطاء

ص: 175

و المراد بثمنها ما جعل عوضا لها فى عقد مساومتها و ان كان صلحا.

و فى الحاق الشرط المذكور فى متن العقد بالثمن، كما اذا اشترط الانفاق على البائع مدة معينة اشكال.

و على العدم لو فسخ البائع

______________________________

اما صورة عدم اقدامه فلا وجه، لسقوط حق البائع.

و على الثالث: انه لا دليل بتغليب جانب الحرية مطلقا حتى فى امثال هذه المسألة، هذا.

و لكن للقائل فى المسألة مجال واسع (و المراد بثمنها ما جعل عوضا لها فى عقد مساومتها) اى حين اريد التبادل و انتقالها الى المولى الجديد (و ان كان) العقد (صلحا) لوضوح ان ليس المراد الاشتراء بما هو اشتراء، بل العرف يرى ان الاشتراء فرد من افراد الكلّى.

(و فى الحاق الشرط المذكور) اى الشرط الّذي يذكر (فى متن العقد بالثمن، كما اذا اشترط الانفاق على البائع مدة معينة) فى ضمن اشترائها، كما لو اشتراها بمائة بشرط ان ينفق على البائع سنة كاملة مما يوجب ان يخسر المشترى مائة اخرى أيضا، فلم يكن للمشترى هذه المائة، فهل له ان يبيع الامة لسد هذه النفقة (اشكال) من انه كالثمن فيجوز البيع، و من ان المال الآتى على ذمة المشترى بسبب الشرط لا يسمى ثمنا، فلا يجوز البيع.

(و على العدم) بان قلنا: ان الشرط لا يلحق بالثمن، فلا يجوز للمشترى بيعها (لو فسخ البائع) حيث رأى ان المشترى بالشرط

ص: 176

فان قلنا: بعدم منع الاستيلاد من الاسترداد بالفسخ استردت.

و ان قلنا: بمنعه عنه فينتقل الى القيمة.

و لو قلنا بجواز بيعها حينئذ فى اداء القيمة، امكن القول بجواز استردادها، لان المانع عنه هو عدم انتقالها، فاذا لم يكن بدّ من نقلها لاجل القيمة، لم يمنع على ردّها الى البائع، كما لو بيعت على البائع فى

______________________________

(ف) هل يتمكن البائع من فسخ المعاملة و استرداد الامة و قد استولدها المشترى، أم لا؟ احتمالان.

ف (ان قلنا: بعدم منع الاستيلاد من الاسترداد بالفسخ) فى كل مكان كان للبائع الفسخ (استردت) بعد ان فسخ البائع المعاملة.

(و ان قلنا: بمنعه) اى الاستيلاد (عنه) اى عن الاسترداد (فينتقل الى القيمة) فاذا لم يف المشترى بالشرط، و فسخ البائع، اخذ القيمة من المشترى، لكن لما كان المشترى غير قادر على اعطاء القيمة كان له ان يبيع الجارية، و يصدق انها بيعت فى ثمن رقبتها.

(و لو قلنا بجواز بيعها حينئذ فى اداء القيمة) لدلالة النص و الفتوى عليه (امكن القول بجواز استردادها) فاذا فسخ البائع استردها من دون حاجة الى القول باسترداد القيمة و بيعها، لرد المشترى القيمة الى البائع (لان المانع عنه) اى عن الاسترداد (هو عدم انتقالها) من ملك المشترى الّذي اولدها (فاذا لم يكن بدّ) و علاج (من نقلها لاجل القيمة، لم يمنع عن ردّها الى البائع) اذ لا فرق بين الانتقالين (كما لو بيعت على البائع فى

ص: 177

ثمن رقبتها.

هذا مجمل القول فى بيعها فى ثمنها.

و اما بيعها فى دين آخر.

فان كان مولاها حيا، لم يجز اجماعا على الظاهر المصرح به فى كلام بعض.

و ان كان بعد موته، فالمعروف من مذهب الاصحاب المنع أيضا، لاصالة بقاء المنع فى حال الحياة.

______________________________

ثمن رقبتها).

(هذا مجمل القول فى بيعها فى ثمنها).

و هناك فروع اخر اضرب عنها المصنف «ره» و السكوت عنها اجمل، لان المسألة خارجة عن محل الاستيلاد فعلا، و ان كانت فى زمن وجود العبيد و الاماء من اكثر المسائل دورا، و الله المستعان.

(و اما بيعها فى دين آخر) كما لو كان المولى مديونا لاجلها، او لاجل غيرها، مثلا كان مديونا فى نفقات شفائها من المرض، او نفقات نفس المولى.

(فان كان مولاها حيا، لم يجز اجماعا على الظاهر المصرح به) اى بالاجماع (فى كلام بعض) لان الكلى المذكور فى الروايات المانع عن بيعها شامل لهذا الفرد أيضا.

(و ان كان بعد موته، فالمعروف من مذهب الاصحاب المنع أيضا، لاصالة بقاء المنع فى حال الحياة) «فى» متعلق ب «المنع» اى استصحاب المنع الى ما بعد الموت.

ص: 178

و لاطلاق روايتى عمر بن يزيد المتقدمتين منطوقا و مفهوما.

و بهما يخصّص ما دل بعمومه على الجواز، مما يتخيل صلاحيته لتخصيص قاعدة المنع عن بيع أمّ الولد، كمفهوم مقطوعة يونس فى أمّ ولد ليس لها ولد، مات ولدها، و مات عنها صاحبها، و لم يعتقها، هل يجوز لاحد تزويجها؟ قال: لا، لا يحل لاحد تزويجها الا بعتق من الورثة

و ان كان لها ولد، و ليس على الميّت دين، فهى للولد، و اذا ملكها الولد عتقت بملك

______________________________

(و لاطلاق روايتى عمر بن يزيد) الصحيحة، و غيرها (المتقدمتين) فى مسألة البيع فى ثمن نفسها (منطوقا و مفهوما)

فان الصحيحة كانت صريحة فى عدم جواز البيع فى سائر الموارد و الرواية كانت دالّة بالمفهوم.

(و بهما يخصّص ما دل بعمومه على الجواز، مما يتخيل صلاحيته لتخصيص قاعدة المنع عن بيع أمّ الولد) و ما يتخيل صلاحية، هو (كمفهوم مقطوعة يونس فى أم ولد ليس لها ولد مات ولدها و مات عنها صاحبها، و لم يعتقها، هل يجوز لاحد تزويجها؟ قال: لا، لا يحل لاحد تزويجها الا بعتق من الورثة)

المراد التزويج بدون رضاية الورثة، فان ذلك لا يصح الا بعد عتقها اما تزويجها باجازة الموالى اى الورثة فان ذلك لا يحتاج الى العتق

(و ان كان لها ولد، و ليس على الميّت دين، فهى للولد) من باب إرثه عن والده (و اذا ملكها الولد) بالارث (عتقت ب) مجرد (ملك

ص: 179

ولدها لها، و ان كانت بين شركاء، فقد عتقت من نصيبه و تستسعى فى بقية ثمنها خلافا للمحكى عن المبسوط، فجوّز البيع حينئذ مع استغراق الدين.

و الجواز ظاهر اللّمعتين، و كنز العرفان، و الصيمرى، و لعل وجه تفصيل الشيخ: ان الورثة لا يرثون مع الاستغراق، فلا سبيل الى انعتاق أمّ الولد الّذي

______________________________

ولدها لها، و ان كانت) الامة (بين شركاء، فقد عتقت من نصيبه) اى نصيب ولدها، كما لو كان المشترك فيها ولدها، و ورثة آخرين للمولى (و تستسعى) الامة (فى بقية ثمنها) اى بقايا ثمن رقبتها، فان مفهوم قوله عليه السلام «و ليس على الميت دين» انه لو كان عليه دين، لم تكن هى للولد، بل تصرف فى الدين.

و هذا مطلق شامل لما يكون الدين فى ثمن رقبتها، او كان فى جهة اخرى (خلافا للمحكى عن المبسوط، فجوّز البيع حينئذ) اى حين كان المولى مديونا لدين آخر غير ثمن رقبتها (مع استغراق الدين) بان كان الدين مثلا الفا، او اكثر، و ثمنها الفا.

(و الجواز ظاهر اللّمعتين، و كنز العرفان، و الصيمرى، و لعل وجه تفصيل الشيخ) بين الدين المستغرق فيجوز بيعها، و بين الدين غير المستغرق، فلا يجوز بيعها (ان الورثة لا يرثون مع الاستغراق) اى استغراق الدين لثمن الامة (فلا سبيل الى انعتاق أمّ الولد) اذ المال يبقى فى ملك الميت، و ينتقل الى الديان لا الى الورثة (الّذي)

ص: 180

هو الغرض من المنع عن بيعها.

و عن نكاح المسالك: ان الاقوى انتقال التركة الى الوارث مطلقا

و ان منع من التصرف بها على تقدير استغراق الدين فينعتق نصيب الولد منها كما لو لم يكن دين، و يلزمه اداء قيمة النصيب من ماله

و ربما ينتصر للمبسوط على المسالك

______________________________

صفة «انعتاق» (هو الغرض من المنع عن بيعها) اذ لو لا قصد الانعتاق فباىّ سبب آخر يمنع بيعها.

و هذا بخلاف ما اذا لم يكن الدين مستغرقا، كما لو كان الدين الفا، و الامة بالف و مائة، فانه يكون لولدها نصيب، و بذلك النصيب تنعتق منها بقدر حصته، فلا يجوز البيع لان بناء الحرية على التغليب و اللازم ان تستسعى فى بقية الثمن.

(و عن نكاح المسالك: ان الاقوى انتقال التركة الى الوارث مطلقا) سواء كان الدين مستغرقا، أم لا؟

(و ان منع من التصرف بها) اى بالتركة (على تقدير استغراق الدين) كسائر الاملاك المحجورة على اربابها (فينعتق نصيب الولد منها) اى من الامّ المستولدة (كما لو لم يكن دين، و يلزمه) اى الولد (اداء قيمة النصيب من ماله) لان المفروض ان المال كله يجب ان يصرف فى الدّيان.

(و ربما ينتصر للمبسوط على المسالك) فيقال: بان مقتضى القاعدة ما ذكره الشيخ من: انه مع استغراق الدين لا سبيل لانعتاق أمّ الولد،

ص: 181

أوّلا بان المستفاد مما دلّ على انها تعتق من نصيب ولدها، ان ذلك من جهة استحقاقه لذلك النصيب، من غير ان يقوّم عليه اصلا.

و انما الكلام فى باقى الحصص ان لم يف نصيبه من جميع التركة بقيمة أمّه هل تقوم عليه، او تسعى هى فى اداء قيمتها.

______________________________

لا كما قاله المسالك من انه مع الاستغراق أيضا تنعتق الامّ (أوّلا بان المستفاد مما دلّ على انها تعتق من نصيب ولدها، ان ذلك من جهة استحقاقه لذلك النصيب، من غير ان يقوّم عليه اصلا)

فالولد اذا كان مستحقا للنصيب، بان لم يكن الدين مستغرقا اعتقت أمّ الولد من نصيبه.

اما اذا لم يكن له نصيب بل كان اللازم ان يعطى الولد المال بالنتيجة- لم يشمله: دليل انعتاق الامّ من حصته.

(و انما الكلام فى باقى الحصص) اذا كان نصيب الامّ من الولد ربعها مثلا، فثلاثة الارباع الباقية كيف تكون فى ما (ان لم يف نصيبه) اى نصيب الولد من الارث (من جميع التركة بقيمة أمّه) «بقيمة» متعلق ب «لم يف» (هل تقوم) الحصص الباقية كالثلاثة ارباع فى المثال (عليه) اى على الولد حتى يجب عليه اعطاء قيمة ثلاثة الارباع (او تسعى هى فى اداء قيمتها) الباقية.

و الحاصل: انه لا كلام فى صورة استغراق الدين، و انما الكلام فى صورة كون الدين غير مستغرق، مما يسبب عدم وفاء نصيب الولد بقيمة الامّ كاملة، او لم يكن دين، لكن كانت قيمة الامّ اكثر من نصيب الولد.

ص: 182

و ثانيا: بان النصيب اذا نسب الى الوارث فلا يراد منه، الا ما يفضل من التركة بعد اداء الدين، و سائر ما يخرج من الاصل و المقصود منه النصيب المستقر الثابت، لا النصيب الّذي يحكم بتملك الوارث له تفصّيا من لزوم بقاء الملك بلا مالك.

و ثالثا: ان ما ادعاه من الانعتاق على الولد بمثل هذا الملك مما

______________________________

(و ثانيا: بان النصيب) للولد (اذا نسب الى الوارث) بان قبل نصيب الوارث (فلا يراد منه، الا ما يفضل من التركة بعد اداء الدين، و) بعد اداء (سائر ما يخرج من الاصل) كالكفن، و ما اشبه (و المقصود منه النصيب المستقر الثابت) الّذي يبقى للاخير فى ملك الوارث (لا) ان المراد ب (النصيب الّذي يحكم بتملك الوارث له) و يقال: بانه ملك للوارث- لا لانه ملك حقيقة- بل (تفصّيا) و تخلصا (من لزوم بقاء الملك بلا مالك) اذ لو كان الدين مستغرقا فالمال بالنتيجة للديان، لكن لا مالك له فعلا الا الوارث، اذ الميّت ليس قابلا للملك، و الديان لا يملكون المال تلقيا من الميّت، بل لا بدّ من القول بان الورثة هم المالكون، لكنه محجور عليهم.

و انما نقول بذلك حتى لا يلزم بقاء الملك بدون المالك، فمثل هذا المال ليس للولد فيه نصيب واقعى حتى يشمله قولهم: ان الام تعتق من نصيب الولد.

(و ثالثا: ان ما ادعاه) المبسوط (من الانعتاق على الولد بمثل هذا الملك) المحجور الّذي ليس فيه للولد نصيب واقعى (مما

ص: 183

لم ينصّ عليه الاصحاب، و لا دلّ عليه دليل معتبر.

و ما يوهمه الاخبار، و كلام الاصحاب من اطلاق الملك فالظاهر ان المراد به غير هذا القسم.

و لذا لا يحكم بانعتاق العبد الموقوف على من ينعتق عليه بناء اعلى صحة الوقف، و انتقال الموقوف الى الموقوف عليه.

______________________________

لم ينصّ عليه الاصحاب، و لا دلّ عليه دليل معتبر) فكيف يقال: بعتق الامّ من هذا الملك.

(و) ان قلت: هذا ملك، فيشمله الاخبار و الفتوى.

قلت: (ما يوهمه الاخبار، و كلام الاصحاب من اطلاق الملك) على هذا المال الّذي خلفه الميّت (فالظاهر ان المراد به غير هذا القسم) من الملك المحجور.

فقول الاصحاب: بان الام تنعتق من ملك الولد، لا يراد به الا الملك الطلق، لا الملك المحجور- كالتركة فيما اذا كان الدين مستغرقا-

(و لذا) الّذي لا يشمل الملك فى كلام الاصحاب، و الاخبار للملك المحجور (لا يحكم بانعتاق العبد الموقوف على من ينعتق عليه) فيما اذا وقف مالك العبد عبده على ولد العبد- مثلا- فان الأب لو صار ملكا للولد ينعتق عليه، لكن اذا لم يكن ملكا محجورا كما فى المثال حيث ان العبد وقف (بناء اعلى صحة الوقف) اى صحة وقف العبد على ابنه مثلا (و انتقال الموقوف الى الموقوف عليه) اما لو لم نقل بصحة مثل هذا الوقف، او قلنا بصحته لكن قلنا: بانه لا ينتقل الموقوف الى الموقوف عليه، خرج ذلك

ص: 184

و رابعا: انه يلزم على كلامه انه متى كان نصيب الولد من اصل التركة باجمعها يساوى قيمة أمه، تقوم عليه سواء كان هناك دين مستغرق أم لا:

و سواء كان نصيبه الثابت فى الباقى بعد الديون، و نحوها يساوى قيمتها، أم لا:

و كذلك لو ساوى نصيبه من الاصل، نصفها، او ثلثها، او غير ذلك، فانه يقوم نصيبه عليه كائنا ما كان، و يسقط من القيمة نصيبه الباقى

______________________________

عن التمثيل به.

(و رابعا: انه يلزم على كلامه) اى كلام المبسوط (انه متى كان نصيب الولد من اصل التركة باجمعها) اى تمام التركة (يساوى قيمة أمه تقوم) الام (عليه) اى على الولد (سواء كان هناك) على الميّت (دين مستغرق) للتركة (أم لا) بل الدين لا يستغرق.

(و) حين كان الدين غير مستغرق (سواء كان نصيبه الثابت فى الباقى) من التركة (بعد الديون، و نحوها) اى نحو الديون كالكفن (يساوى قيمتها، أم لا)

(و كذلك) هذا عطف على قوله «يساوى قيمة أمه» (لو ساوى نصيبه) اى الولد (من الاصل، نصفها، او ثلثها) اى نصف قيمة الامّ او ثلث قيمة الام (او غير ذلك) كما لو كان ربعها، او ثلثيها- الى غير ذلك من النسب الكسرية- (فانه يقوم نصيبه عليه) اى على الولد (كائنا ما كان) النصيب (و يسقط من القيمة نصيبه الباقى

ص: 185

الثابت ان كان له نصيب، و يطلب بالباقى.

و هذا مما لا يقوله احد من الاصحاب، و ينبغى القطع ببطلانه

______________________________

الثابت ان كان له نصيب) باق ثابت، بان كان الدين غير مستغرق (و يطلب) الولد (بالباقى) الّذي هو ازيد من نصيبه.

(و هذا مما لا يقوله احد من الاصحاب، و ينبغى القطع ببطلانه)

و الحاصل: ان الصور اربع، لان نصيب الولد اما يساوى قيمة أمه أو لا يساوى.

و فى صورة التساوى الدين اما مستغرق، او غير مستغرق.

و فى صورة الدين غير مستغرق اما نصيبه الثابت فى الباقى يساوى قيمتها، او لا.

(1) نصيب الولد يساوى قيمة أمه و الدين مستغرق.

(2) نصيب الولد يساوى قيمة أمه و الدين غير مستغرق، لكن نصيب الولد الثابت فى الباقى يساوى قيمتها.

(3) نصيب الولد لا يساوى قيمة أمه و الدين غير مستغرق لكن نصيب الولد الثابت فى الباقى لا يساوى قيمتها.

(4) نصيب الولد لا يساوى قيمة أمّه و الا مثلة على ذلك.

(1) نصيب الولد خمسون و الدين مائة و قيمتها خمسون، و قد خلف الميّت ولدين و تركته مائة، فان نصيب الولد و هو خمسون يساوى عشر قيمة الامة لكن الدين مستغرق.

(2) الصورة السابقة باستثناء كون الدين خمسين «لا مائة» و

ص: 186

..........

______________________________

باستثناء كون قيمتها خمسا و عشرين «لا خمسين» فان نصيب الولد ليس اقل من قيمة أمه، و الدين ليس بمستغرق، و نصب الولد الثابت فى الباقى «بعد اخراج الدين» يساوى قيمتها اذ يبقى للولد بعد الدين خمس و عشرون، و ذلك يساوى قيمتها.

(3) نصيب الولد خمسون و الدين خمسون، و قيمتها ثلاثون، فان نصيب الولد الباقى لا يساوى قيمتها، اذ نصيبه الباقى خمسة و عشرون، و قيمتها اكثر من ذلك بخمسة.

(4) نصيب الولد خمسون و الدين خمسون، و قيمتها مائة، فان نصيب الولد لا يساوى قيمة أمه بل قيمة الام اكثر، و هذه صور الاقسام.

نصيب الولد يساوى قيمة أمه لا يساوى (4)

الدين مستغرق (1) ليس الدين بمستغرق

نصيبه الثابت فى الباقى يساوى قيمتها (2) لا يساوى (3)

ثم ان مرجع الوجوه الثلاثة الاول التى أوردها صاحب المقابيس على الشهيد الى الاشكال فى انه لا دليل على ان الولد يعتق أمه من مال آخر غير ماله الّذي ورثه.

و مرجع الوجه الرابع الى انه تلزم الغرامة على الولد و ذلك خلاف الاجماع، فالدليل موجود على بطلان هذا الوجه.

هذا حاصل كلام المقابيس على الشهيد فى المسالك انتصار الكلام المبسوط، قال الشيخ فى صدد ردّ المقابيس انتصارا للشهيد الثانى.

ص: 187

و يمكن دفع الاول بان المستفاد من ظاهر الادلة انعتاقها من نصيب ولدها، حتى مع الدين المستغرق، فالدين غير مانع من انعتاقها على الولد.

لكن ذلك لا ينافى اشتغال ذمة الولد، قهرا بقيمة نصيبه.

او وجوب بيعها فى القيمة جمعا بين ما دل على الانعتاق على الولد

______________________________

(و يمكن دفع الاول) اى ما ذكر بقوله «أولا» (بان المستفاد من ظاهر الادلة) الدالة على ان أمّ الولد تعتق من نصيب ولدها (انعتاقها من نصيب ولدها، حتى مع الدين المستغرق، فالدين) على المولى الأب (غير مانع من انعتاقها على الولد) و ذلك لاطلاق دليل ان الوالد ينعتق من مال ولده.

(لكن ذلك) الانعتاق من نصيب الولد (لا ينافى اشتغال ذمة الولد، قهرا بقيمة نصيبه) بان يعطى قيمة ما يصيبه من الارث، فاذا كان نصيب الولد مائة- من الارث- و كانت قيمة الامّ مائة انعتقت الامّ فى مقابل نصيب الولد، و كان على الولد ان يعطى مائة للذين يطلبون من ابيه حيثما كان الدين مستغرقا.

(او وجوب بيعها فى القيمة) بان يعطى الولد قيمة نصيبه، فاذا لم يتمكن من اداء قيمة النصيب، بيعت أمّ الولد لاداء دين الولد الّذي ركبه من جراء انعتاق أمّه.

و انما نقول: بانعتاق الامّ من جانب، و وجوب اعطاء الولد قيمة نصيبه من جانب آخر (جمعا بين ما دل على الانعتاق على الولد

ص: 188

الّذي يكشف عنه اطلاق النهى عن بيعها.

و بين ما دلّ على ان الوارث لا يستقر له ما قابل نصيبه من الدين على وجه يسقط حق الدّيان.

غاية الامر سقوط حقهم عن عين هذا المال الخاص، و عدم كونه كسائر الاموال التى يكون للوارث الامتناع عن اداء مقابلها، و دفع عينها الى الدّيان فيكون لهم اخذ العين

______________________________

الّذي يكشف عنه) اى عن الانعتاق على الولد (اطلاق النهى عن بيعها) فان الاطلاق شامل لما اذا كان على المولى دين مستغرق او لم يكن عليه دين مستغرق.

(و بين ما دلّ على ان الوارث لا يستقر له ما قابل نصيبه من الدين) استقرارا (على وجه يسقط حق الدّيان)

فالدليل الاول- اى الاطلاق- يقول بالانعتاق.

و الدليل الثانى «- اى ما دل على ان الوارث لا يستقر.» يدل على اشتغال ذمة الولد بقيمة نصيبه.

(غاية الامر) فى تقديم حق انعتاق الام على حق الديان (سقوط حقهم) اى الديان (عن عين هذا المال الخاص) اى أمّ الولد (و عدم كونه) اى أمّ الولد (كسائر الاموال التى يكون للوارث الامتناع عن اداء مقابلها، و) يكون له (دفع عينها الى الديان) بل على الوارث ان يعطى مقابل هذا المال «اى أمّ الولد» الى الديان، و تنعتق أمّ الولد من حصته فى الارث (فيكون لهم) اى للدّيان (اخذ العين) اى أمّ الولد

ص: 189

اذا امتنع الوارث من اداء ما قابل العين.

و الحاصل ان مقتضى النهى عن بيع أمّ الولد فى دين غير ثمنها بعد موت المولى عدم تسلط الديان على اخذها، و لو مع امتناع الولد عن فكها بالقيمة.

و عدم تسلط الولد على دفعها وفاء عن دين ابيه.

و لازم ذلك انعتاقها على الولد.

______________________________

(اذا امتنع الوارث من اداء ما قابل العين) اى قيمة أمّ الولد و هذا اشارة الى ما ذكره قبلا «او وجوب بيعها فى القيمة»

(و الحاصل) من الجمع بين دليلى حق أمّ الولد، و حق الدّيان (ان مقتضى النهى عن بيع أمّ الولد فى دين غير ثمنها بعد موت المولى)

و انما قال «غير ثمنها» لانه تقدم انه يجوز بيعها فى ثمن رقبتها اذا كان الدين مستغرقا بان لم يكن للمولى ما يؤدّى به ثمن الامة (عدم تسلط الدّيان على اخذها) اى اخذ أمّ الولد من باب دينهم (و لو مع امتناع الولد عن فكها بالقيمة) بان امتنع من اعطاء قيمة الامّ للدّيان لتنفك الامّ.

(و عدم) عطف على «عدم» (تسلط الولد على دفعها وفاء عن دين ابيه) لان دليل الانعتاق مانع عن دفعها.

(و لازم ذلك) اى لازم عدم تسلط الديان، و لا الولد على رقبة الامة (انعتاقها على الولد) قهرا من نصيبه من الارث.

ص: 190

فيتردد الامر حينئذ بين سقوط حق الديان عما قابلها من الدين، فتكون أمّ الولد نظير مئونة التجهيز التى لا يتعلق حق الديان بها.

و بين ان يتعلق حق الديان بقيمتها على من: تتلف فى ملكه، و تنعتق عليه و هو الولد.

و بين ان يتعلق حق الديان بقيمتها على رقبتها، فتسعى فيها.

و بين ان يتعلق حق الديان بمنافعها فلهم ان يؤجروها مدة طويلة يفى

______________________________

(فيتردد الامر) فى شأنها و شأن الديان (حينئذ) اى حين عدم حق الديان فى اخذها، و عدم حق الولد فى اعطائها (بين سقوط حق الديان عما قابلها من الدين) فيكون حال الميت كانه لا أم ولد له، فاللازم تقسيم الديان بقية التركة بالنسبة (فتكون أمّ الولد نظير مئونة التجهيز التى لا يتعلق حق الديان بها) اى بام الولد- اصلا-.

(و بين ان يتعلق حق الديان بقيمتها) اى قيمة أمّ الولد- لا عينها- تعلقا (على من تتلف) أمّ الولد (فى ملكه، و تنعتق عليه)

«و تنعتق عطف على» من «تتلف» و المراد ب «من» و بضمير «ملكه» «عليه»: الولد.

و لذا قال (و هو الولد) بان يأخذ الديان قيمة الامّ من الولد.

(و بين ان يتعلق حق الديان بقيمتها على رقبتها، فتسعى) هى بعد عتقها (فيها) اى فى قيمة نفسها.

(و بين ان يتعلق حق الديان بمنافعها فلهم ان يؤجروها مدة طويلة يفى

ص: 191

اجرتها بدينهم، كما قيل يتعلق حق الغرماء بمنافع أمّ ولد المفلّس.

و لا اشكال فى عدم جواز رفع اليد عما دل على بقاء حق الديان متعلقا بالتركة فيدور الامر بين الوجهين الاخيرين، فتنعتق على كل حال

و يبقى الترجيح بين الوجهين محتاجا الى التأمّل.

______________________________

اجرتها بدينهم) او يصالحوا عن اجرتها، او ما اشبه ذلك (كما قيل يتعلق حق الغرماء بمنافع أمّ ولد المفلّس) فاذا افلس انسان و حجر عليه الحاكم باع امواله، و وزعها فى الديان، لكنه لا يبيع أم ولده، و انما يؤجرها اجارة طويلة بمقدار قيمتها و يوزع الاجرة على الديان.

(و) حيث دار الامر بين ان لا يتعلق بها حق الديان اصلا كالتجهيز- و بين ان يتعلق على احد الوجوه المذكورة، ف (لا اشكال فى عدم جواز رفع اليد عما دل على بقاء حق الديان متعلقا بالتركة)

اذ لا وجه لذلك بعد اطلاق الادلة (فيدور الامر بين الوجهين الاخيرين) اى ان يتعلق حق الديان على الولد، و ان يتعلق حق الديان على نفسها، اما برقبتها، او بمنافعها (فتنعتق) أمّ الولد (على كل حال) سواء قلنا بهذا الوجه، او بذلك.

(و يبقى الترجيح بين الوجهين محتاجا الى التأمل)

اذ يحتمل ان يتعلق الحق على نفسها لانه لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ.

و يحتمل ان يتعلق الحق على ولدها، لانه المكلف بعتقها فيما اذا كان له نصيب، فيسحب الحكم الى صورة ما لم يكن له نصيب.

ص: 192

و مما ذكرنا يظهر اندفاع الوجه الثانى.

فان مقتضى المنع عن بيعها مطلقا، او فى دين غير ثمنها استقرار ملك الوارث عليها.

و منه يظهر: الجواب عن الوجه الثالث

______________________________

(و مما ذكرنا) فى دفع الاشكال الاول (يظهر اندفاع الوجه الثانى) القائل بان المراد «نصيب الولد» فى قولهم «تعتق الام من نصيب الولد» انما هو النصيب الّذي يكون له بعد اداء الدين، لا ان المراد النصيب الّذي امكن ان يكون له اذا لم يكن على الميت دين.

(فان مقتضى المنع عن بيعها) اى ما دل على المنع من بيع أمّ الولد (مطلقا) سواء فى دين رقبتها، او دين غير رقبتها (او فى دين غير ثمنها)- بان قلنا: بانه يجوز بيعها فى دين رقبتها، و انما لم يجز ان تباع فى دين غير رقبتها- (استقرار ملك الوارث عليها) اى ان الوارث الّذي هو الولد- ثابت ملكه لها، بمعنى انها ملك للولد من نصيب الولد، فلا يمكن ان تباع.

و بمجرد ان صارت ملكا للولد اعتقت، فاذا كان هناك دين مستغرق او غير مستغرق- للمولى الميت- يجب ان يعالج ذلك الدين، اما بتغريم الولد، او تغريم أمّ الولد فى سعيها، او فى عملها بان تؤجر و تعطى الاجرة للديان- كما تقدم-.

(و منه يظهر: الجواب عن الوجه الثالث) القائل بان الولد لا يملك الامّ بالارث، اذا كان على المولى دين مستغرق.

ص: 193

اذ بعد ما ثبت عدم تعلق حق الديان بعينها على ان يكون لهم اخذها عند امتناع الوارث من الاداء فلا مانع عن انعتاقها.

و لا جامع بينها و بين الوقف الّذي هو ملك للبطن اللاحق، كما هو ملك للبطن السابق.

و اما ما ذكره رابعا فهو انما ينافى الجزم

______________________________

و اذا لم يملكها الولد لم تنعتق (اذ بعد ما ثبت عدم تعلق حق الديان بعينها) تعلقا (على ان يكون لهم اخذها عند امتناع الوارث من الاداء) اذ هى متشبثة بالحرية (فلا مانع) بعد هذا الثبوت (عن انعتاقها).

اذ المانع عن الانعتاق انما هو حق الدّيان.

فاذا قلنا بانه لاحق لهم فيها، كان اللازم القول بالانعتاق.

(و) القول: بانها كالوقف غير تام، اذ (لا جامع بينها) اى الامة (و بين الوقف الّذي هو ملك للبطن اللاحق، كما هو ملك للبطن السابق)

فان تعلق حق البطن اللاحق بالعبد الموقوف، مانع عن انعتاق العبد على البطن السابق- اذا كان البطن السابق ولدا للعبد الموقوف-.

و هنا ليس كذلك، اذ الديان لا حقّ لهم فى الامة المستولدة حتى يوجب حقهم عدم صحة انعتاق الامة على ولدها.

(و اما ما ذكره رابعا) القائل: بان لازم انعتاقها اعطاء الولد لثمنها فى كل الصور، و هذا ما لا يقول به احد (فهو انما ينافى الجزم) اى

ص: 194

بكون قيمتها بعد الانعتاق متعلقا بالولد.

اما اذا قلنا: باستسعائها فلا يلزم شي ء.

فالضابط حينئذ انه تنعتق على الولد ما لم يتعقبه ضمان من نصيبه فان كان مجموع نصيبه او بعض نصيبه يملكه مع ضمان اداء ما قابله من الدين،

______________________________

ان نجزم (بكون قيمتها بعد الانعتاق) اى بعد ان انعتقت (متعلقا بالولد) اذ يلزم منه ما لا يقول به احد- كما تقدم-.

(اما اذا قلنا: باستسعائها) اى بانها تسعى لاداء قيمتها، او قلنا: بانها تؤجر و يصرف بدل ايجارها فى ثمنها (فلا يلزم شي ء) من القول بما يخالف الاجماع.

(فالضابط حينئذ) اى حين قلنا: باستسعائها (انه تنعتق على الولد ما لم يتعقبه) اى يتعقب عتقه (ضمان من نصيبه) بان لم يضمن الولد ان يعطى شيئا من كيسه او بعض نصيبه اى لم يجب العتق ان يعطى الولد تمام ثمنها، او بعض ثمنها، و ذلك بان كان الارث الّذي ورثه الولد يكفى بانعتاقها، بان لم يكن الدين على المولى بحيث يوجب انعتاق أمّ الولد خسارة على الولد (فان كان مجموع نصيبه) اى نصيب الولد (او بعض نصيبه) بحيث (يملكه) الولد (مع ضمان اداء ما قابله من الدين)

مثلا: كانت أمّ الولد مائة، و لا نصيب للولد- لكون الدين مستغرقا-

او كان نصيبه من الارث خمسين، لكون الدين ذهب بنصف حصة

ص: 195

كان ذلك فى رقبتها.

و ممّا ذكرنا يظهر أيضا انه لو كان غير ولدها أيضا مستحقا لشي ء منها بالارث لم يملك نصيبه مجانا، بل اما ان يدفع الى الديان ما قابل

______________________________

الولد- مثلا- حتى اذا اريد ان يكون الانعتاق من نصيب الولد، لزم على الولد ان يؤدى و يضمن المائة او الخمسين الّذي يقابل ثمن أمّ الولد (كان ذلك)- اى ما قابل- ف «ذلك» راجع الى الموصول- اى «ما»- (فى رقبتها) كلّا- كالمائة- او بعضا كالخمسين.

و قوله «فان كان» شرط، و قوله «كان ذلك» جزاء.

و حاصل هذا الكلام: ان الولد لا يخسر شيئا، بل الخسارة عليها و عليه فلا يلزم ما ذكره صاحب المقابيس فى اشكاله الرابع من انه يلزم من خسارة الولد خلاف الاجماع.

(و مما ذكرنا) من ان الولد لا يخسر، و انما الخسارة على نفس أمّ الولد فى سعيها (يظهر أيضا انه لو كان غير ولدها أيضا مستحقا لشي ء منها بالارث) كما لو مات الأب، و خلّف الجارية فقط، و كان وارثه ولدين مثلا- حيث ان الجارية تنصف بينهما، و كان على المولى دين يستغرق كل الامة، فان الامة تعتق و تكلف الامة باعطاء دين الديان (لم يملك نصيبه) و كذلك «يدفع» بالمجهول اى لم تملك أمّ الولد نصيب سائر الورثة (مجانا) حتى يكون عتقها ضررا على غير ولدها حتى يجب على الولد الثانى ان يعطى من كيسه نصف الدين (بل اما ان يدفع الى الديان) و هو الوارث الّذي سبب انعتاق أمّ الولد ذهاب نصيبه (ما قابل

ص: 196

نصيبه فتسعى أمّ الولد كما لو لم يكن دين فينعتق نصيب غير ولدها عليه مع ضمانها او ضمان ولدها قيمة حصته التى فكها من الديان.

و اما ان يخلى بينها و بين الديان، فتنعتق أيضا عليهم

______________________________

نصيبه) اى نصيب ذلك الديان (فتسعى أمّ الولد) لاداء ذلك النصيب من الدين (كما لو لم يكن دين)

فكما كان يحصل الولد الاخر على نصيبه اذا لم يكن دين من سعى أمّ الولد.

كذلك يحصل الديان- الآن- على دينهم من سعى أمّ الولد، فالتشبيه ب «كما» لاجل افادة وجوب سعى أمّ الولد فى الحالتين (فينعتق نصيب غير ولدها) «غير الولد» كالولد الثانى فى المثال (عليه) اى على غير الولد، بمعنى ان الولد الثانى يخسر عين الامة، اذ الانعتاق انما يكون من باب السراية رغما على الولد الثانى، و لكن الانعتاق لا يوجب خسارة الولد الثانى، بل (مع ضمانها) اى أمّ الولد بان تسعى لاداء حصة الولد الثانى (او ضمان ولدها) بان يكون الضمان على ولدها (قيمة حصته) اى حصة غير ولدها، فالضمير مصداقه «الولد الثانى» فى مثالنا (التى فكها من الديان) فان المفروض ان الولد الثانى اعطى الديان ما كان عليه- فى قبال حصته من الارث- اى اعطى نصف قيمة الامة، و الامة اعتقت، فاللازم ان يأخذ الولد حصته حتى لا يخسر شيئا (و اما ان يخلى بينها) اى بين أمّ الولد (و بين الديان فتنعتق أيضا عليهم) اى على الدّيان، لانهم لا يتمكنون من استملاكها

ص: 197

مع ضمانها، او ضمان ولدها ما قابل الدين لهم.

و اما حرمان الديان عنها عينا و قيمة وارث الورثة لها و اخذ غير ولدها قيمة حصته منها، او من ولدها و صرفها فى غير الدين فهو باطل لمخالفته لادلة ثبوت حق الديان من غير ان يقتضي النهى

______________________________

فى قبال دينهم (مع ضمانها) فى سعيها (او ضمان ولدها ما قابل الدين لهم) اذ لا وجه لخسارة الديان.

فاما ان نقول: انها تضمن، لان الحرية كانت فى كيسها.

و اما نقول: ان ولدها يضمن، لانه سبب حريتها و خسارة الديان، اذ لو لا هذا الولد لم تتحرر الامة حتى لا يتمكن الديان من استرقاقها فى قبال دينهم.

(و اما) بفتح الهمزة- و جوابه فهو باطل- (حرمان الديان عنها) اى عن هذه الامة (عينا و قيمة) بان نقول: بانه ليس لهم، لا عينها و لا قيمتها (وارث الورثة لها) بان ترث الورثة للامة لكنها لما اعتقت كان نصيب ولدها ضررا على الولد، اما نصيب سائر الورثة، فالامة او الولد مكلف باعطائهم نصيبهم (و) ذلك، ب (اخذ غير ولدها) من سائر الورثة (قيمة حصته) اى حصة غير ولدها (منها) بان تسعى هى لسدّ القيمة (او من ولدها) بان يكون مكلفا باعطاء القيمة لسائر الورثة (و صرفها) اى سائر الورثة يصرفون القيمة التى اخذوها (فى غير الدين) اى سائر شئونهم الشخصية (فهو باطل) جواب «اما» (لمخالفته لادلة ثبوت حق الديان) و لما ذا يذهب حق الديان هدرا (من غير ان يقتضي النهى

ص: 198

عن التصرف فى أمّ الولد لذلك.

و مما ذكرنا يظهر ما فى قول بعض من اورد على ما فى المسالك بما ذكرناه ان الجمع بين فتاوى الاصحاب و ادلتهم مشكل جدّا حيث انهم قيدوا الدين

______________________________

عن التصرف فى أمّ الولد لذلك) اى لحرمان الديان.

فان الجمع بين النهى عن التصرف فى أمّ الولد، و بين حق الديان، ان يأخذ الديان القيمة اما منها، او من ولدها، لا ان يبطل حقهم.

(و مما ذكرنا) من الجمع بين حق أمّ الولد، و حق الديان، بسقوط حق الديان عن عينها، و ثبوت حقهم فى قيمتها، اما على نفسها، او على ولدها (يظهر ما فى قول بعض من اورد على ما فى المسالك بما ذكرناه) و المورد صاحب المقابيس (ان الجمع) مقول القول (بين فتاوى الاصحاب و ادلتهم، مشكل جدّا)

اذ ادلتهم تقتضى غير قولهم، اذ دليلهم يقول: بان حق الديان يسقط- بمقتضى ان الامة تنعتق فان لازم انها تعتق سقوط حقهم- و هم لا يقولون بسقوط حق الديّان، لانهم يقولون: بان سقوط حق الديان من العين فقط.

و قوله «حيث» بيان من صاحب المقابيس لفتاوى الاصحاب حتى يظهر ان فتاواهم تخالف دليلهم (حيث انهم قيدوا الدين) الّذي اذا كان على المولى كان على الامة السعى، لفكه، او على ولدها ان

ص: 199

بكونه ثمنا، و حكموا بانها تعتق على ولدها من نصيبه و انّ ما فضل عن نصيبه ينعتق بالسراية، و تسعى فى اداء قيمته.

و لو قصدوا ان أمّ الولد، او سهم الولد، مستثنى من الدين كالكفن عملا بالنصوص المزبورة فله وجه.

الا انهم لا يعدون ذلك من المستثنيات

______________________________

يدفعه (بكونه ثمنا) لها، اما سائر الديون فليس على الامة او ولدها اداء تلك الديون (و حكموا بانها تعتق على ولدها من نصيبه) اى نصيب الولد (و انّ ما فضل عن نصيبه) كما لو كان نصيبه نصف الامة (ينعتق بالسراية، و تسعى) الامة (فى اداء قيمته) فاذا كان هذا فتوى الاصحاب و ادلتهم تقتضى سقوط حق الديان، كان بين دليلهم و فتواهم تخالفا

(و) ان قلت: لا تخالف بين الفتوى و الدليل، اذ فتواهم بوجوب سعى الامة، او ولدها لاداء الدين انما هو حسب وجوب اداء ديون الميّت، و دليلهم الدال على سقوط حق الديان يراد به سقوطه عن الامة لان الامة المستولدة كالكفن.

قلت: (لو قصدوا ان أمّ الولد) كلا فيما اذا كانت كلها من سهم الولد (او سهم الولد) منها فيما اذا كانت بعضها من سهم الولد (مستثنى من الدين، كالكفن، عملا بالنصوص المزبورة) حتى انها تفرض كانها لم تكن، فتوافق فتواهم دليلهم، اذ دليلهم سقوط حق الديان، و فتواهم استثناء أمّ الولد كالكفن (فله وجه) اذ لا يلزم التخالف بين الدليل و الفتوى

(الا انهم لا يعدون ذلك) اى أمّ الولد (من المستثنيات) من الدين

ص: 200

و لا ذكر فى النصوص صريحا، انتهى.

و انت خبير بان النصوص المزبورة لا تقتضى سقوط حق الديان كما لا يخفى.

و منها: تعلق كفن مولاها بها

على ما حكاه فى الروضة ذلك بشرط عدم كفاية بعضها له بناء على ما تقدم

______________________________

(و لا ذكر فى النصوص صريحا) بتصريح اسم أمّ الولد، كما صرحت النصوص باسم الكفن (انتهى) كلام صاحب المقابيس.

(و انت خبير بان النصوص المزبورة) التى دلت على عدم تعلق حق الديان بامّ الولد (لا تقتضى سقوط حق الديان) رأسا عن عين أمّ الولد، و عن قيمتها، بل انما دلت على سقوط حقهم عن عينها، و ذلك لا ينافى ثبوت حقهم فى قيمتها- فتسعى هى او ولدها فى اداء حق الديان-.

فلا يكون بين فتوى المشهور، و بين دليلهم تنافيا، اذ فتواهم تعلق حق الديان بقيمتها، و دليلهم سقوط حقهم عن عينها، و لا نحتاج الى تكلف ان نجعل أمّ الولد كالكفن (كما لا يخفى) و المسألة تحتاج الى كثير من التأمّل و الله العالم.

(و منها: تعلق كفن مولاها بها) بان لا يكون كفن و لا مال غير المستولدة (على ما حكاه فى الروضة ذلك بشرط عدم كفاية بعضها) اى بعض الامة (له) اى للكفن، بان كان ثمن الكفن مستغرقا لقيمة الامة.

و انما نقول: باستثناء هذه الصورة عن منع بيع الامة (بناء اعلى ما تقدم

ص: 201

نظيره فى الدين، من ان المنع لغاية الارث و هو مفقود مع الحاجة الى الكفن.

و قد عرفت ان هذه حكمة غير مطردة و لا منعكسة.

و اما بناء على ما تقدم من جواز بيعها فى غير ثمنها من الدين مع ان الكفن يتقدم على الدين

فبيعها له اولى، بل اللازم ذلك أيضا، بناء على حصر

______________________________

نظيره فى الدين) الّذي كان على المولى (من ان المنع) عن بيع الامة (لغاية الارث) اى لاجل ان يرث ولدها، فتتحرر هى من إرث ولدها (و هو) اى المنع لغاية الارث (مفقود مع الحاجة الى الكفن) اذ الكفن لا يبقى محلا للارث اذا الكفن مقدم على الارث.

(و) لكن هذا الاستثناء فيه اشكال.

اذ (قد عرفت) فى مسألة الدين (ان هذه) الحكمة: اى المنع عن البيع لاجل الارث (حكمة غير مطردة) فلا يشمل كل الافراد (و لا منعكسة) فلا تمنع الاغيار.

(و اما بناء على ما تقدم من جواز بيعها فى غير ثمنها من الدين) اى سائر ديون المولى (مع ان الكفن يتقدم على الدين) فالقياس هكذا، الكفن مقدم على الدين و الدين مقدم على حق الامة، فالكفن مقدم على حق الامة.

(فبيعها) اى أمّ الولد (له) اى للكفن (اولى) من بيعها فى سائر الديون (بل اللازم ذلك) اى بيعها فى الكفن (أيضا، بناء على حصر

ص: 202

الجواز فى بيعها و ثمنها على ما تقدم من ان وجود مقابل الكفن الممكن صرفه فى ثمنها، لا يعلم عن بيعها.

فيعلم من ذلك تقديم الكفن على حق الاستيلاد، و الا لصرف مقابله فى ثمنها و لم تبع.

و من ذلك يظهر النظر فيما قيل من: ان هذا القول مأخوذ من القول

______________________________

الجواز فى بيعها و ثمنها) و ان لم نقل بجواز البيع فى غير الثمن.

بناء (على ما تقدم من ان وجود مقابل الكفن) فى تركة المولى.

كما اذا ترك المولى جارية و دينارا، و الدينار كان مقابل الكفن اى تكون قيمة الكفن دينارا- (الممكن صرفه) اى صرف ذلك المقابل (فى ثمنها) اى ثمن الكفن (لا يعلم عن بيعها) اى بيع أمّ الولد فى دين رقبتها، فان الدينار لا يعطى للدين لتسلم أمّ الولد.

(فيعلم من ذلك) اى من عدم صرف المال فى الدين، بل يحفظ للكفن، و تباع الامة (تقديم الكفن على حق الاستيلاد، و الا) يكن الكفن مقدما على حق الاستيلاد (لصرف مقابله) اى مقابل الكفن- و هو الدينار فى المثال- (فى ثمنها) اى ثمن الامة الّذي كان المولى مديونا له (و لم تبع) الامة.

(و من ذلك) الّذي ذكرناه، من انه تباع الامة فى ثمن رقبتها، و لا يعطى المال الّذي عند المولى لدين الامة بل يشترى بذلك المال الكفن (يظهر النظر فيما قيل من: ان هذا القول) اى قول جواز بيع الامة فى الكفن (مأخوذ من القول

ص: 203

بجواز بيعها فى مطلق الدين المستوعب.

و توضيحه: انه اذا كان للميت المديون أم ولد، و مقدار ما يجهز به فقد اجتمع هنا حق الميت، و حق بايع أمّ الولد، و حق أمّ الولد، فاذا ثبت عدم سقوط حق بايع أمّ الولد دار الامر بين اهمال حق الميت بترك الكفن،

و اهمال حق أمّ الولد ببيعها.

فاذا حكم بجواز بيع أمّ الولد حينئذ

______________________________

بجواز بيعها فى مطلق الدين المستوعب) بمعنى انه ان لم نقل بذلك بل قلنا: بان جواز بيعها انما هو فى مجرد ثمن نفسها، لزم ان نقول:

بانها لاتباع فى الكفن.

(و توضيحه) اى توضيح قولنا «يظهر» (انه اذا كان للميت المديون أم ولد، و مقدار ما يجهز به) كالدينار- فى المثال- (فقد اجتمع هنا حق الميت) بان يكفّن (و حق بايع أمّ الولد) فى ثمن رقبتها (و حق أمّ الولد) فى انفكاكها (فاذا ثبت عدم سقوط حق بايع أمّ الولد) لشمول اطلاق الادلة له، بان كان الواجب اداء قيمة أمّ الولد (دار الامر بين اهمال حق الميت) بان يعطى الدينار- فى المثال- للبائع و تعتق الامة، و لا يكفن الميت.

و الاهمال انما هو (بترك الكفن) كما عرفت (و اهمال حق أمّ الولد ببيعها) ليؤدى حق البائع و يكفّن الميت بالدينار.

(فاذا حكم بجواز بيع أمّ الولد حينئذ) اى حين دار الامر بين اهمال

ص: 204

بناء على ما تقدم فى المسألة السابقة، كان معناه تقديم حق الميت على حق أمّ الولد.

و لازم ذلك تقديمه عليها مع عدم الدين و انحصار الحق فى الميت و أمّ الولد.

اللهم الا ان يقال: لما ثبت بالدليل السابق تقديم دين ثمن أمّ الولد على حقها، و ثبت بعموم النص تقديم الكفن على الدين، اقتضى الجمع بينهما

______________________________

حق الميت او حق أمّ الولد (بناء على ما تقدم فى المسألة السابقة، كان معناه تقديم حق الميت على حق أمّ الولد)

و منه يستكشف: انه كلما دار الامر بين حق أمّ الولد، او حق الميت قدم حق الميت.

(و لازم ذلك تقديمه) اى حق الميت (عليها) اى على حق أمّ الولد (مع عدم الدين) على الميت (و) ذلك فى صورة (انحصار الحق فى الميت، و أمّ الولد) بان دار الامر بين ان لا يكفّن الميت، او تباع أمّ الولد.

(اللهم الا ان يقال) فى وجه تقديم حق أمّ الولد (لما ثبت بالدليل السابق تقديم دين ثمن أمّ الولد) بان كان الميت مديونا لثمن أمّ الولد (على حقها) اى حق أمّ الولد، لان أمّ الولد تباع فى الدين (و ثبت بعموم النص) الدال على تقديم الكفن على كل شي ء (تقديم الكفن على الدين، اقتضى الجمع بينهما) اى بين دليل تقديم دين ثمنها و تقديم

ص: 205

تخصيص جواز صرفها فى ثمنها بما اذا لم يحتج الميت الى الكفن بنفسه او لبذل باذل، او بما اذا كان للميت مقابل الكفن، لان مقابل الكفن غير قابل للصرف فى الدين فلو لم يكن غيرها، لزم من صرفها فى الثمن تقديم الدين على الكفن

______________________________

الكفن (تخصيص جواز صرفها) اى صرف الامة (فى ثمنها) بان تباع و يعطى ثمنها للبائع (بما اذا لم يحتج الميت الى الكفن بنفسه) بان كان له كفن (او لبذل باذل) للكفن.

و عليه: فاذا لم يكن للميت كفن و لا بذل باذل، لزم صرف ثمنها فى الكفن، لتقدم الكفن على الدين (او) تخصيص جواز الصرف (بما اذا كان للميت مقابل الكفن) اى مال يمكن ان يشترى به الكفن (لان مقابل الكفن غير قابل للصرف فى الدين) اذا الكفن مقدم على الدين، كما عرفت (فلو لم يكن غيرها) بان لم يكن للمولى غير الامة و لا كفن له (لزم من صرفها فى الثمن) اى ثمن نفسها (تقديم الدين على الكفن)

و قد عرفت: ان الكفن مقدم على الدين.

و الحاصل: ان هنا دليلين، بينهما عموم من وجه، دليل تقديم الكفن على الدين و هو خاص بالكفن و عام يشمل صورة كون الدين ثمن رقبتها أم لا.

و دليل بيعها لصرف ثمنها فى رقبتها فانه خاص بكون الدين ثمن رقبتها، و عام يشمل صورة الاحتياج الى الصرف فى الكفن أم لا.

فيجتمعان فى صورة الاحتياج الى صرفها فى الكفن مع كون الدين

ص: 206

اما اذا لم يكن هناك دين و تردد الامر بين حقها و حق مولاها الميت فلا دليل على تقديم حق مولاها ليخصص به قاعدة: المنع عن بيع أمّ الولد، عدا ما يدعى من قاعدة: تعلق حق الكفن بمال الميت.

لكن الظاهر اختصاص تلك القاعدة بما اذا لم يتعلق به حق سابق مانع من التصرف فيه و الاستيلاد من ذلك الحق.

و لو فرض

______________________________

ثمن رقبتها.

لكن حيث عرفنا من الخارج اهمية الكفن و انه مقدم على كل شي ء، لزم ان تخصص جواز صرفها فى ثمن رقبتها بما اذا لم يبق الميت بدون الكفن و الا لزم تقديم الكفن على صرفها فى ثمن رقبتها، فتأمل.

(اما اذا لم يكن هناك دين) على المولى (و تردد الامر بين حقها) بان تعتق من نصيب ولدها (و حق مولاها الميت) بان تباع فى الكفن (فلا دليل على تقديم حق مولاها) فى الكفن على حقها فى الحرية (ليخصص به) اى بذلك الدليل (قاعدة: المنع عن بيع أمّ الولد، عدا ما يدعى من قاعدة: تعلق حق الكفن بمال الميت) فيقدم الكفن على حقها

(لكن الظاهر) من دليل الكفن لدى الفهم العرفى (اختصاص تلك القاعدة) اى قاعدة تعلق حق الكفن (بما اذا لم يتعلق به) اى بمال الميت (حق سابق) على حق الكفن (مانع من التصرف فيه) اى فى المال (و الاستيلاد من) قبيل (ذلك الحق) السابق لانه سابق على الكفن.

(و لو فرض) انا لم نقل بتقدم حق الاستيلاد على حق الكفن، بان

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 9، ص: 208

ص: 207

تعارض الحقين، فالمرجع الى اصالة فساد بيعها قبل الحاجة الى الكفن، فتأمل.

نعم: يمكن ان يقال: نظير ما قيل فى الدين، من ان الولد يرث نصيبه، و ينعتق عليه، و يتعلق بذمته مئونة التجهيز او تستسعى أمه و لو بايجار نفسها فى مدة و اخذ الاجرة قبل العمل، و صرفها فى التجهيز و المسألة محل اشكال.

______________________________

قلنا: ب (تعارض الحقين) و تساقطهما، لزم ان نلتمس دليلا آخر (فالمرجع الى اصالة فساد بيعها قبل الحاجة الى الكفن)

فاذا شك فى انه هل انقلب البيع صحيحا بعد الحاجة الى الكفن، أم لا؟ كان استصحاب الفساد محكما (فتامل) اذ لا مجال للاستصحاب لتبدل الموضوع و انما يكون المرجع اصالة صحة البيع.

(نعم: يمكن ان يقال) فى باب تعارض حق الاستيلاد و حق الكفن (نظير ما قيل فى الدين) اذا تعارض مع حق الاستيلاد (من ان الولد يرث نصيبه، و ينعتق عليه، و يتعلق بذمته) اى ذمة الولد (مئونة التجهيز) للميت (او تستسعى أمه) اى أمّ الولد (و لو بايجار نفسها فى مدة، و اخذ الاجرة قبل العمل) فيما اذا توقف الكفن على اخذ الاجرة قبل العمل، و الا فلو تمكثت من ان تعطى نفسها متعة- مثلا- مقدار ساعة لتحصل ثمن الكفن لم يحتج الامر الى التقييد بكون اخذ الاجرة قبل العمل (و صرفها فى التجهيز) للميت (و المسألة محل اشكال) من قوة حق الحرية، و من قوة دليل الكفن بعد ان لم يكن دليل على كون

ص: 208

و منها ما اذا جنت على غير مولاها فى حياته.

اما بعد موته فلا اشكال فى حكمها، لانها بعد موت المولى تخرج عن التشبث بالحرية، اما الى الحرية الخالصة، او الرقية الخالصة.

و حكم جنايتها عمدا انه ان كانت فى مورد ثبت القصاص، فللمجنى عليه القصاص نفسا كان او طرفا.

______________________________

التجهيز بذمة الولد، او فى سعيها باجارة، او نحوها.

(و منها) اى من موارد بيع أمّ الولد و انتقالها عن مولاها (ما اذا جنت على غير مولاها) فان الجناية توجب ان يكون للمجنى عليه حق استرقاق الجانى (فى حياته) اى فى حياة المولى.

(اما بعد موته) بان جنت بعد ان مات المولى (فلا اشكال فى حكمها) اى حكم أمّ الولد (لانها بعد موت المولى تخرج عن التشبث) و التعلق (بالحرية، اما الى الحرية الخالصة) فيما اذا اعتقت من نصيب ولدها فتكون الجناية جناية حر، لا جناية عبد (او الرقية الخالصة) فيما اذا بيعت فى ثمن رقبتها، او ما اشبه، فانها مملوكة حينئذ و تكون جنايتها من جناية العبد، فتأمل.

(و حكم جنايتها عمدا انه) اى الشأن (ان كانت) الجناية (فى مورد ثبت القصاص، فللمجنى عليه) او ذويه (القصاص نفسا كان) بان قتلت نفسا فلذوى المقتول ان يقتلوها (او طرفا) كما لو فقئت عين انسان، فللمجنى عليه ان يفقأ عينها.

ص: 209

و له استرقاقها كلا، او بعضا على حسب جنايتها فيصير المقدار المسترق منها ملكا طلقا.

و ربما تخيل بعض انه يمكن ان يقال: ان رقبتها للمجنى عليه لا تزيد على رقبتها للمالك الاول لانها تنتقل إليه على حسب ما كانت عند الاول.

ثم ادعى انه يمكن ان يدعى ظهور ادلة المنع خصوصا صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة، فى عدم بيع أمّ الولد مطلقا.

______________________________

(و له) اى المجنى عليه (استرقاقها كلا) اذا كانت الجناية بحيث تكون مستوعبة لثمنها كلّا (او بعضا) اذا كانت الجناية بقدر بعض ثمنها (على حسب جنايتها) و بمقدار الجناية (فيصير المقدار المسترق منها ملكا طلقا) للمجنى عليه او ذويه.

(و ربما تخيل بعض) و هو صاحب الجواهر (انه يمكن ان يقال:

ان رقبتها) اى أمّ الولد (للمجنى عليه) اذ تنتقل الامة إليه بالاسترقاق (لا تزيد على رقبتها للمالك الاول) اى المالك الّذي استولدها.

فكما ان الاول لا يحق له ان يبيعها، كذلك المالك الثانى، فهى رق محجور عند الاول و عند الثانى (لانها تنتقل إليه) اى الى المالك الثانى (على حسب ما كانت عند الاول) فهى تنتقل فى حالكونها محجورة

(ثم ادعى) صاحب الجواهر (انه يمكن ان يدعى ظهور ادلة المنع) عن بيع أمّ الولد (خصوصا صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة فى عدم بيع أمّ الولد مطلقا) «فى» متعلق ب «ظهور»

و معنى مطلقا، انها سواء كانت عند المالك الاول، او المالك

ص: 210

و الظاهر ان مراده بامكان القول المذكور مقابل امتناعه عقلا و الا فهو احتمال مخالف للاجماع و النص الدال على الاسترقاق الظاهر فى صيرورة الجانى رقا خالصا.

و ما وجه به هذا الاحتمال من انها تنتقل الى المجنى عليه على حسب ما كانت عند الاول فيه:

______________________________

الثانى.

(و) لكن او رد الشيخ على الجواهر، بان (الظاهر ان مراده بامكان القول المذكور) حيث «يمكن ان يدعى» (مقابل امتناعه عقلا) اى ان هذا القول ليس بممتنع عقلا (و الا) يرد الاحتمال العقلى (فهو احتمال مخالف للاجماع و النص)

فليس الاحتمال احتمالا من الادلة و الظواهر (الدال على الاسترقاق) اى استرقاق المجنى عليه للعبد الجانى،.

و قوله «الدال» صفة للاجماع و النص، باعتبار كل واحد، مثل قوله «فانظر الى طعامك و شرابك لم يتسنه» (الظاهر) ذلك الاسترقاق (فى صيرورة الجانى رقا خالصا) لا رقا محجورا بحيث لا يتمكن المجنى عليه من نقله و انتقاله.

(و ما وجه) صاحب الجواهر (به) الضمير عائد الى «ما» (هذا الاحتمال) اى احتمال كونه محجورا عند المجنى عليه (من انها تنتقل الى المجنى عليه على حسب ما كانت عند الاول)

فكما كانت محجورة عند الاول، كذلك تكون محجورة عند الثانى (فيه:

ص: 211

انه ليس فى النص، الا الاسترقاق، و هو جعلها رقّا له، كسائر الرقيق لا انتقالها عن المولى الاول إليه حتى يقال: انه انما كان على نحو الّذي كان للمولى الاوّل.

و الحاصل ان المستفاد بالضرورة من النص و الفتوى: ان الاستيلاد يحدث للامة حقا على مستولدها، يمنع من مباشرة بيعها، و من البيع لغرض عائد عليه، مثل قضاء ديونه، و كفنه، على خلاف فى ذلك

______________________________

انه ليس فى النص، الا الاسترقاق) اى النص الدال على ان للمجنى عليه استرقاق العبد الجانى (و هو) اى الاسترقاق- لغة و عرفا- (جعلها رقّا له، كسائر الرقيق، لا انتقالها عن المولى الاول إليه) اى الى المجنى عليه (حتى يقال: انه) اى الانتقال (انما كان على نحو الّذي كان للمولى الاول) بالإضافة الى الفرق بين المولى الاول و الثانى.

فانها مستولدة للمولى الاول و ليست كذلك للثانى.

كما انها اذا بيعت لدين او كفن، لم تكن عند المولى الثانى بمنزلتها عند المولى الاول.

(و الحاصل) فى رد الجواهر القائل بانها محجورة عند الثانى (ان المستفاد بالضرورة) و البداهة (من النص و الفتوى: ان الاستيلاد يحدث للامة حقا على مستولدها، يمنع) ذلك الحق (من مباشرة بيعها و من البيع لغرض عائد عليه) اى الى المولى- و ذلك بعد موته- (مثل قضاء ديونه، و كفنه) اى كفن المولى (على خلاف فى ذلك) فى ان حق الاستيلاد هل يمنع عن البيع لاجل الدين و الكفن، أم لا؟- كما

ص: 212

و ان كانت الجناية خطأ، فالمشهور انها كغيرها من المماليك يتخير المولى بين دفعها، او دفع ما قابل الجناية منها الى المجنى عليه، و بين ان يقديها باقلّ الامرين على المشهور او بالارش،

______________________________

تقدم نقل الخلاف- هذا كله فيما اذا كانت جناية المستولدة عمدا.

(و ان كانت الجناية خطأ، فالمشهور انها) اى أمّ الولد (كغيرها من المماليك) الخالصة الملكية (يتخير المولى بين دفعها) الى المجنى عليه ليسترقها (او دفع ما قابل الجناية منها الى المجنى عليه) فان كانت الجناية تسوى نصفها، دفع المولى نصفها او ثلثها دفع ثلثها و هكذا.

و قوله «او» للتفصيل اى دفعها فيما كانت الجناية مستوعبة و دفع بعضها فيما اذا لم تكن الجناية مستوعبة (و بين ان يفديها) باعطاء الفدية الى المجنى عليه (باقلّ الامرين) من قيمتها و قيمة الجناية، مثلا اذا فقئت عينا واحدة لانسان- و من المعلوم ان قيمة العين الواحدة خمسمائة دينار-.

فان كانت قيمة الامة أربعمائة اعطى المولى أربعمائة- لانه لا يجنى الجانى اكثر من قيمته-.

و ان كانت قيمة الامة ستمائة دفع خمسمائة فقط، و هذا معنى اقل الامرين (على المشهور) فى ان المولى مخيّر بين اقل الامرين (او بالارش) عطف على اقل الامرين- بمعنى انه ليس اقل الامرين، بل الارش، اى قيمة الجناية من غير فرق بين ان تكون اقل من قيمة الامة او

ص: 213

على ما عن الشيخ و غيره.

و عن الخلاف و السرائر، و استيلاد المبسوط: انه لا خلاف فى ان جنايتها تتعلق برقبتها لكن عن ديات المبسوط ان جنايتها على سيدها بلا خلاف، الا من ابى ثور فانه جعلها فى ذمتها تتبع بها بعد العتق، و هو مخالف لما فى الاستيلاد من المبسوط.

و ربما يوجه بإرادة نفى الخلاف بين العامة.

______________________________

اكثر او مساويا- (على ما عن الشيخ و غيره) فانهم لم يخيروا المولى بين دفع ما قابل الجناية منها، او اعطاء اقل الامرين بل قالوا بدفع ما قابل الجناية، او الارش.

(و عن الخلاف و السرائر، و استيلاد المبسوط: انه لا خلاف فى ان جنايتها تتعلق برقبتها) بمعنى عدم الخلاف فى انها تنتقل بسبب الجناية و ليس حق الاستيلاد مانعا عن انتقالها (لكن عن ديات المبسوط ان جنايتها على سيدها بلا خلاف، الا من ابى ثور) من العامة (فانه) اى أبا ثور (جعلها) اى جنايتها (فى ذمتها تتبع بها) و تؤخذ قيمة الجناية من الامة (بعد العتق، و) لا يخفى ان (هو) اى ما فى ديات المبسوط (مخالف لما فى الاستيلاد من المبسوط) اذ كون الجناية عليها مخالف لكون الجناية على سيّدها.

(و ربما يوجه) الجمع بين كلامى المبسوط (بإرادة نفى الخلاف) فى باب الديات (بين العامة) بقرينة استثناء ابى ثور و المراد بباب الاستيلاد عدم الخلاف بين الخاصة.

ص: 214

و ربما نسب إليه الغفلة، كما عن المختلف.

و الاظهر ان المراد بكونها على سيدها عود خسارة جنايتها على السيد فى مقابل عدم خسارة المولى لا من عين الجانى، و لا من مال آخر.

و كونها فى ذمة نفسها تتبع بها بعد العتق، و ليس المراد وجوب فدائها.

و على هذا أيضا

______________________________

(و ربما نسب إليه) اى الى الشيخ (الغفلة) فى دعواه عدم الخلاف تارة هكذا، و تارة هكذا (كما عن المختلف) فانه قال: ان الشيخ غفل حيث ادعى عدم الخلاف، مرة هكذا، و مرة هكذا.

(و الاظهر) انه لا تنافى بين كلامى الشيخ، ف (ان المراد بكونها) اى الخسارة (على سيدها) ليس انها ليست فى رقبتها، بل بمعنى (عود خسارة جنايتها على السيد فى مقابل عدم خسارة المولى) اصلا (لا من عين الجانى، و لا من مال آخر)

اذ المولى على اى تقدير خاسر، سواء اخذت عين الامة، او اخذت قيمة الجناية من المولى، بدليل انه مقابل كلام ابى ثور الّذي لا يجعل الجناية على المولى اطلاقا.

(و كونها) اى الجناية، عطف على «عدم» (فى ذمة نفسها تتبع بها) اى تتبع الامة بتلك الخسارة (بعد العتق، و ليس المراد وجوب فدائها) حتى يقع التنافى بين كلامى الشيخ.

(و على هذا) يعنى كون الخسارة بالنتيجة من كيس السيّد (أيضا

ص: 215

يحمل ما فى رواية مسمع، عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: أمّ الولد جنايتها فى حقوق الناس على سيدها و ما كان من حقوق الله فى الحدود فان ذلك فى بدنها.

فمعنى كونها على سيدها: ان الامة بنفسها لا تتحمل من الجناية شيئا.

و مثلها ما ارسل عن على عليه السلام، فى المعتق عن دبر، فهو من الثلث و ما جنى هو و أمّ الولد، فالمولى ضامن لجنايتهم.

و المراد من جميع ذلك خروج دية الجناية من مال المولى المردد بين ملكه

______________________________

يحمل) كما حمل كلام الشيخ (ما فى رواية مسمع، عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: أمّ الولد جنايتها فى حقوق الناس على سيدها) بمعنى ان الخسارة تقع على السيد اما فى عين الامة، او فى خسارة المولى لقيمة الجناية (و ما كان من حقوق الله فى الحدود) كما اذا زنت، او سرقت (فان ذلك فى بدنها) يجرى عليها الحد.

(فمعنى كونها على سيدها: ان الامة بنفسها لا تتحمل من الجناية شيئا) حتى يتبع بها بعد العتق.

(و مثلها ما ارسل عن على عليه السلام، فى المعتق عن دبر) اى من قال له المولى: انت حر دبر وفاتى (فهو من الثلث) لانه كالوصية (و ما جنى هو) اى المدبّر (و أمّ الولد فالمولى ضامن لجنايتهم)

(و المراد من جميع ذلك) كلام الشيخ و الروايات (خروج دية الجناية من مال المولى المردد) ذلك المال للمولى (بين ملكه) اى ملك

ص: 216

الجانى او ملك آخر.

و كيف كان فاطلاقات حكم جناية مطلق المملوك سليمة عن المخصص

و لا يعارضها أيضا اطلاق المنع عن بيع أمّ الولد لان ترك فدائها و التخلية بينها، و بين المجنى عليه ليس نقلا لها، خلافا للمحكى عن موضع من المبسوط، و المهذب، و المختلف من تعيين الفداء على السيد

______________________________

المولى الّذي هو (الجانى) بنفسه، بان يسترقه المجنى عليه (او ملك آخر) للمولى.

(و كيف كان فاطلاقات حكم جناية مطلق المملوك سليمة عن المخصص) فى باب أمّ الولد.

فما دل على ان المولى يخير او المجنى عليه يخيّر بين جعل الجناية فى نفس العبد الجانى، او فى مال آخر للمولى يشمل ما لو كان الجانى أم ولد أيضا.

اذ لا مخصص لتلك الادلة يوجب خروج أمّ الولد عن هذا الحكم بان يجب اعطاء الجناية من مال آخر للمولى.

(و لا يعارضها) اى لا يعارض اطلاقات حكم جناية مطلق المملوك (أيضا) اى كما لم يكن هناك مخصص لها (اطلاق المنع عن بيع أمّ الولد) و انما لا يعارض (لان ترك) المولى (فدائها) بان لم يعط قيمة جنايتها من ماله (و التخلية بينها، و بين المجنى عليه ليس نقلا لها) حتى يشملها دليل المنع عن نقل أمّ الولد (خلافا للمحكى عن موضع من المبسوط، و المهذب، و المختلف من تعيين الفداء على السيد) و انه

ص: 217

و لعله للروايتين المؤيدتين بان استيلاد المولى هو الّذي ابطل احد طرفى التخيير فتعين عليه الآخر بناء على انه لا فرق بين ابطال احد طرفى التخيير بعد الجناية، كما لو قتل، او باع عبده الجانى و بين ابطاله قبلها كالاستيلاد الموجب لعدم تأثير اسباب الانتقال فيها.

و قد عرفت معنى الروايتين.

و المؤيد مصادرة

______________________________

ليس فى رقبتها.

(و لعله للروايتين) رواية مسمع و المرسلة (المؤيدتين بان استيلاد المولى هو الّذي ابطل احد طرفى التخيير) اى الاسترقاق، لانها لا تنقل (فتعين عليه) اى على المولى الطرف (الآخر) و هو الفداء (بناء على انه لا فرق بين ابطال احد طرفى التخيير) اى الاسترقاق (بعد الجناية كما لو قتل، او باع عبده الجانى) فانه مكلف بدفع الفداء الى المجنى عليه (و بين ابطاله قبلها) اى قبل الجناية (كالاستيلاد الموجب لعدم تأثير اسباب الانتقال) كالجناية التى هى من اسباب الانتقال (فيها) اى فى الامة متعلق ب «عدم»

(و) لكن لا يخفى ما فى هذا الكلام، اذ (قد عرفت معنى الروايتين) بمعنى ان نتيجة الخسارة على المولى اما فى عين مملوكة، او فى كيسه الخاص، لا ان معنا هما الانحصار بالفداء.

(و المؤيّد) الّذي ذكروه (مصادرة) اى الاستدلال بالمطلوب على المطلوب، فان كون استيلاد المولى ابطل احد طرفى التخيير اوّل الكلام

ص: 218

لا يبطل به اطلاق النصوص.

و منها: ما اذا جنت على مولاها، بما يوجب صحة استرقاقها لو كان المجنى عليه غير المولى،

فهل تعود ملكا طلقا، ب جنايتها على مولاها فيجوز له التصرف الناقل فيها، كما هو المحكى عن الروضة عن بعض.

و عدّها السيورى من صور الجواز، أم لا كما هو المشهور، اذ لم يتحقق بجنايتها على مولاها الا جواز الاقتصاص منها.

و اما الاسترقاق فهو تحصيل للحاصل.

______________________________

(لا يبطل به) اى بمثل هذا المؤيّد الّذي هو مصادرة (اطلاق النصوص) الواردة فى باب العبد الجانى، و ان للمجنى عليه استرقاقه.

(و منها) اى من اسباب جواز انتقال أمّ الولد (ما اذا جنت على مولاها بما يوجب صحة استرقاقها لو كان المجنى عليه غير المولى) كما لو اعمت عينى المولى مثلا (فهل تعود) الامة (ملكا طلقا، ب) سبب (جنايتها على مولاها فيجوز له التصرف الناقل فيها) كان يبيعها مثلا (كما هو المحكى عن الروضة عن بعض) العلماء.

(و عدها) اى الجناية على مولاها (السيورى من صور الجواز) اى جواز نقل الامة المستولدة (أم لا) تعود ملكا طلقا (كما هو المشهور، اذ لم يتحقق بجنايتها على مولاها الا جواز الاقتصاص منها) كان يعمى المولى عينيها قصاصا فى المثال السابق.

(و اما الاسترقاق) بان يسترقها المولى (فهو تحصيل للحاصل) اذ لا يعقل رقية ثانية عليها بعد رقيتها الاولى.

ص: 219

و ما يقال: فى توجيهه من ان الاسباب الشرعية تؤثر بقدر الامكان فاذا لم تؤثر الجناية الاسترقاق امكن ان يتحقق للمولى اثر جديد، و هو استقلال جديد فى التصرف فيها.

مضافا: الى ان استرقاقها لترك القصاص كفكاك رقابهن الّذي انيط به الجواز فى صحيحة ابن يزيد المتقدمة.

______________________________

(و ما يقال: فى توجيهه) اى توجيه الاسترقاق (من ان الاسباب الشرعية) كالاسباب العقلية (تؤثر بقدر الامكان)

كما انه لو كان كل واحد من السهمين قاتلا، و ضرب بسهم فتأخر موته ساعة، ثم ضرب بسهم ثان عجل هذا السهم الثانى موته، بدون ان يكون سببا مستقلا لعدم معقولية اجتماع علتين فى معلول واحد.

كذلك اذا صارت يده نجسة بالدم الّذي يكتفى فى غسله بالمرة، ثم تنجست بالبول الّذي يحتاج الى المرتين، اثّر البول نجاسة زائدة بان احتاجت اليد الى غسلتين.

و عليه (فاذا لم تؤثر الجناية) على المولى (الاسترقاق) لانه لا قابلية للمملوك ان تتضاعف مملوكيته (امكن ان يتحقق للمولى اثر جديد، و هو استقلال) للمولى (جديد فى التصرف فيها) اذ لم يكن له استقلال قبل الجناية، بحكم كونها أم ولد.

(مضافا: الى ان استرقاقها لترك القصاص كفكاك رقابهن الّذي انيط به) اى بفك الرقاب (الجواز فى صحيحة ابن يزيد المتقدمة)

اى كما انه اذا كان المولى مديونا فى رقبتها جاز بيعها، لفك رقبتها

ص: 220

مضافا الى ان المنع عن التصرف لاجل التخفيف لا يناسب الجانى عمدا.

فمندفع بما لا يخفى.

______________________________

عن الثمن الّذي على المولى، كذلك اذا كانت جانية، جاز فك رقبتها عن القصاص بالاسترقاق.

و الحاصل: ان فك رقبتها عن القصاص «حتى لا يقتص منها» مثل فك رقبتها عن الثمن «ببيعها و اداء دين رقبتها» فكما يجوز الثانى يجوز الاول.

(مضافا الى ان المنع عن التصرف) فى الامة الجانية بان يمنع المولى، فلا يجوز له بيعها (لاجل التخفيف) عليها، لكونها أم ولد (لا يناسب) هذا التخفيف (الجانى عمدا) اذ الجانى عمدا يؤخذ بالشدة، لا باللطف و التخفيف.

(فمندفع) خبر «ما يقال» (بما لا يخفى)

اما كون الاسباب الشرعية تؤثر بقدر الامكان فهو صحيح، لكن المنصرف من ادلة استرقاق المجنى عليه للجانى، اذا كان المجنى عليه اجنبيا لا ما اذا كان مولى للجانى، و اما ان ترك القصاص كفكّ الرقبة تباع الامة فى كليهما، ففيه اشكال اذ النص دل على بيعها لاجل اعطاء ثمنها فقياس الاسترقاق على البيع، و قياس فكها من القصاص على فكها من الدين مع الفارق.

و اما ان كون المنع عن البيع لاجل التخفيف، فهو و ان كان مسلما

ص: 221

و اما الجناية على مولاها خطأ، فلا اشكال فى انها لا يجوز التصرف فيها، كما لا يخفى.

و روى الشيخ فى الموثق عن غياث عن جعفر عن ابيه، عن على عليه السلام، قال: أمّ الولد اذا قتلت سيدها خطأ فهى حرّة لا سعاية عليها.

و عن الشيخ و الصدوق باسنادهما عن وهب بن وهب، عن جعفر، عن ابيه صلوات الله عليهما: ان أمّ الولد اذا قتلت سيدها خطاء فهى حرّة لا سبيل عليها و ان قتلته عمدا قتلت به.

______________________________

لكنه حكمة، و لا دليل على انه علة تامة حتى يدور الحكم مداره، و الا فاذا اخذت أمّ الولد فى الزنا او فى سائر المعاصى لزم ان يقال: بجواز بيعها، لانها تؤخذ بالشدة لا باللطف.

(و اما الجناية على مولاها خطاء فلا اشكال فى انها لا يجوز التصرف فيها، كما لا يخفى)

(و روى الشيخ فى الموثق عن غياث، عن جعفر عن ابيه عن على عليه السلام، قال: أمّ الولد اذا قتلت سيدها خطأ فهى حرّة) يعنى من نصيب ولدها (لا سعاية عليها) لا قصاصا و لا بقاء فى العبودية.

(و عن الشيخ و الصدوق باسناد هما عن وهب من وهب، عن جعفر، عن ابيه صلوات الله عليهما: ان أمّ الولد اذا قتلت سيدها خطأ فهى حرّة لا سبيل عليها و ان قتلته عمدا قتلت به) يعنى اذا لم يعف الولى، ثم ان عفى اعتقت من نصيب ولدها اذ القاتل لا يرث، اما ولد القاتل فيرث.

ص: 222

و عن الشيخ عن حماد عن جعفر عليه السلام عن ابيه عليه السلام اذا قتلت أمّ الولد مولاها سعت فى قيمتها.

و يمكن حملها على سعيها فى بقية قيمتها، اذ اقصر نصيب ولدها و عن الشيخ فى التهذيب و الاستبصار: الجمع بينهما بغير ذلك فراجع.

و منها: ما اذا جنى حرّ عليها

______________________________

(و عن الشيخ عن حماد عن جعفر عليه السلام عن ابيه عليه السلام) قال: (اذا قتلت أمّ الولد مولاها سعت فى قيمتها)

و حيث ان السعى لا وجه له ظاهرا، لانها ان كانت ذات ولد اعتقت من نصيب ولدها، و ان مات ولدها بقيت فى الرقية حملها الشيخ المرتضى و غيره على محامل، كما قال ره.

(و يمكن حملها على سعيها فى بقية قيمتها، اذ اقصر نصيب ولدها) كما لو كان نصيب ولدها من الارث بمقدار نصف قيمتها، فانها تسعى لاداء النصف الآخر من القيمة.

(و عن الشيخ فى التهذيب، و الاستبصار: الجمع بينهما بغير ذلك، فراجع)

فحمل الخبر الاخير فى محكى التهذيب على كون القتل شبه عمد، فان كان حرا سعى فى اداء الدية و محكى الاستبصار حمله على صورة موت الولد، و كون السعى على جهة الجواز.

(و منها) اى من موارد جواز بيع أمّ الولد (ما اذا جنى حرّ عليها)

ص: 223

بما فيه ديتها فانها لو لم تكن مستولدة، كان للمولى التخيير بين دفعها الى الجانى و اخذ قيمتها، و بين امساكها و لا شي ء له، لئلا يلزم الجمع بين العوض و المعوض.

ففى المستولدة يحتمل ذلك.

و يحتمل ان لا يجوز للمولى اخذ القيمة، ليلزم منه استحقاق الجانى للرقبة.

______________________________

جناية دون القتل- كما لا يخفى- (بما فيه ديتها) كان فقئت عينيها، او صلمت اذنيها، او ما اشبه (فانها لو لم تكن مستولدة، كان للمولى التخيير بين دفعها الى الجانى و اخذ قيمتها) لا الدية (و بين امساكها و لا شي ء له) اى للمولى من الدية.

و انما نقول بهذا التخيير (لئلا يلزم الجمع بين العوض و المعوض) اذ لو ابقاها المولى لنفسه و اخذ الدية، لزم ان يكون المولى جمع بين الامة و بين قيمتها، هذا هو الحكم فى المملوك غير المستولدة- كما ذكره جمع من الفقهاء-.

(ففى المستولدة يحتمل ذلك) التخيير أيضا فيكون قد جاز نقل أمّ الولد

(و يحتمل ان) لا يحق للمولى اعطائها و اخذ قيمتها، بل عليه الشق الثانى من التخيير اى الابقاء عليها بدون اخذ شي ء.

ف (لا يجوز للمولى اخذ القيمة) و اعطائها (ليلزم منه) اى من اخذ المولى للقيمة (استحقاق الجانى للرقبة) و يكون سببا لنقل أمّ الولد.

ص: 224

و اما احتمال منع الجانى عن اخذها و عدم تملكه لها بعد اخذ الدية منه فلا وجه له لان الاستيلاد يمنع عن المعاوضة او ما فى حكمها، لا عن اخذ العوض بعد اعطاء المعوض بحكم الشرع.

و المسألة من اصلها موضع اشكال، لعدم لزوم الجمع بين العوض و المعوض، لان الدية عوض شرعى عما فات بالجناية، لا عن رقبة العبد

______________________________

(و اما احتمال منع الجانى عن اخذها) اى اخذ الامة (و عدم تملكه لها) اى ان الجانى لا يملك الامة «و عدم» عطف على «منع» (بعد اخذ) مولاها (الدية منه) اى من الجانى (فلا وجه له)

لانه أولا جمع بين العوض و المعوض عند المولى.

و ثانيا (لان الاستيلاد يمنع عن المعاوضة) كالبيع (او ما فى حكمها) كالصلح على المستولدة بشي ء (لا عن اخذ) الجانى (العوض) و هى الامة (بعد اعطاء) الجانى (المعوّض) و هو الدية (بحكم الشرع) متعلق ب «اخذ» هذا.

(و) لكن (المسألة من اصلها موضع اشكال، لعدم لزوم الجمع بين العوض و المعوض) فيما اذا اخذ المولى الدية (لان الدية عوض شرعى عما فات بالجناية، لا) انها عوض (عن رقبة العبد) و إلا لزم عدم جواز اخذ الدية فيما لم تكن مستوعبة للقيمة أيضا.

اذ كما لا يجوز الجمع بين العوض و المعوض، كذلك لا يجوز الجمع بين المعوض و بعض العوض هذا.

ثم كيف يمكن ان تكون الجناية بلا غرامة اصلا بعد شمول الادلة

ص: 225

و تمام الكلام فى محله.

و منها: ما اذا لحقت بدار الحرب، ثم استرقت،

حكاه فى الروضة و كذا لو اسرها المشركون، ثم استعادها المسلمون، فكانه فيما اذا اسرها غير مولاها، و لم يثبت كونها امة المولى الا بعد القسمة،

______________________________

للحر و العبد على حدّ سواء.

و لو اشكل بهذا الاشكال فى العبد لزم مثله فى الحرّ فانه كيف يجوز للانسان ان يأخذ الف دينار- مثلا- قيمة نفسه فيما اذا اعمى الجانى عينيه و الحال ان نفسه باقية لم تزهق (و تمام الكلام فى محله) فى باب الجناية على العبد.

(و منها) اى من موارد جواز بيع أمّ الولد (ما اذا لحقت بدار الحرب ثم استرقت) اذ لحوقها بدار الحرب يوجب رفع عصمة الاسلام بتوابعه منها (حكاه فى الروضة، و كذا لو اسرها المشركون، ثم استعادها المسلمون، فكأنه) اى كان اطلاق هذا الكلام مقيد بثلاثة شروط.

الاول: (فيما اذا اسرها غير مولاها) اذ لو كان الّذي اسرها هو مولاها لم يكن وجه لان تكون قسمة بين المسلمين، بل حالها حال ما اذا اخذ الكافر الحربى عباءة زيد ثم استعادها زيد منه، فان تملك الحربى لمال المسلم لا يسبب خروج المال عن ملك المسلم.

الثانى: (و لم يثبت كونها امة المولى الا بعد القسمة) اى بعد ان قسم الامام الغنائم، اذ لو ظهر انها امة لانسان مسلم لم يجز قسمتها لما تقدم فى الشرط الاول.

ص: 226

و قلنا بان القسمة لا تنقض و يغرم الامام قيمتها لمالكها.

لكن المحكى عن الاكثر و المنصوص انها ترد على مالكها، و يغرم قيمتها للمقاتلة.

و منها: ما اذا خرج مولاها عن الذمة،

و ملكت امواله التى هى منها

و منها: ما اذا كان مولاها ذميا، و قتل مسلما،

فانه يدفع هو و امواله الى اولياء المقتول.

______________________________

الثالث: (و قلنا بان القسمة) التى اجراها الامام او نائبه (لا تنقض و يغرم الامام قيمتها لمالكها) من بيت المال، حيث ان غرامات الامام على بيت المال فانه لو لم تجتمع هذه الشروط الثلاثة لم يكن وجه لانتقال أمّ الولد عن ملك مولاها.

(لكن المحكى عن الاكثر) عدم تمامية الشرط الثالث (و) ذلك لان (المنصوص انها) بعد القسمة (ترد على مالكها، و يغرم) الامام من بيت المال (قيمتها للمقاتلة) اى المجاهدين الذين وقعت أمّ الولد فى سهمهم.

(و منها) اذا كانت امة لذمى فى (ما اذا خرج مولاها عن الذمة، و ملكت) بالمجهول اى ملك المسلمون (امواله التى هى) أمّ الولد (منها) اى من تلك اموال، اذ لو خرج الذمى عن الذمة صارت امواله مباحة لكل المسلمين، و من هذا القبيل لو خرج المعاهد عن المعاهدة.

(و منها) اى من صور جواز بيع أمّ الولد (ما اذا كان مولاها ذميا، و قتل مسلما، فانه يدفع هو و امواله) التى هى منها (الى اولياء المقتول)

ص: 227

هذا ما ظفرت به من موارد القسم الاول، و هو ما اذا عرض لام الولد حق للغير اقوى من الاستيلاد.

و اما القسم الثانى: و هو ما اذا عرض لها حق لنفسها اولى بالمراعات من حق الاستيلاد.
فمن موارده ما اذا اسلمت و هى أمة ذمّي

فانها تباع عليه بناء على ان حق اسلامها المقتضى لعدم سلطنة الكافر عليها اولى من حق

______________________________

بل ينبغى ان يعد من هذا القسم أيضا ما اذا كان الكافر فى دينه جواز بيع أمّ الولد، لقاعدة: الزموهم بما التزموا به، التى تطابق النص و الاجماع عليها.

(هذا ما ظفرت به من موارد القسم الاول) الّذي يجوز فيه بيع أمّ الولد او نقلها بسائر انحاء النقل (و هو ما اذا عرض لام الولد حق للغير اقوى من الاستيلاد) فان حق الغير يقدم على حق الاستيلاد.

(و اما القسم الثانى: و هو ما اذا عرض لها حق لنفسها اولى بالمراعات من حق الاستيلاد)

(فمن موارده ما اذا اسلمت و هى امة ذمّى)

و انما لم يذكر مطلق الكافر، اذ لو كان للمسلمين سلطة عليه لزم محاربته بحكم: ان الكافر الحربى يحارب حتى يسلم، او يعطى الذمة فلا مجال لجبره على بيع أم ولده، فتأمل (فانها تباع عليه) اى على الذمّى (بناء على ان حق اسلامها المقتضى لعدم سلطنة الكافر عليها اولى من حق

ص: 228

الاستيلاد المعرض للعتق.

و لو فرض تكافؤ دليلهما كان المرجع: عمومات صحة البيع، دون قاعدة: سلطنة الناس على اموالهم، المقتضية لعدم جواز بيعها عليه، لان المفروض ان: قاعدة السلطنة، قد ارتفعت بحكومة ادلة نفى سلطنة الكافر على المسلم، فالمالك ليس مسلطا قطعا و لا حق له فى عين الملك جزما.

______________________________

الاستيلاد المعرض للعتق) فان علة البيع الموجبة لخلاصها من الكافر موجودة الآن، فلا وجه للصبر حتى يموت الكافر و يؤثر حق الاستيلاد اثره فى ذلك الوقف.

(و لو فرض تكافؤ) و تعادل (دليلهما) دليل الاستيلاد، و دليل عدم سلطة الكافر على المؤمن، بحيث لم يكن احدهما مقدما على الآخر (كان) اللازم القول بتساقطهما.

و حينئذ، ف (المرجع: عمومات صحة البيع) مثل: احل الله البيع و تجارة عن تراض (دون قاعدة: سلطنة الناس على اموالهم، المقتضية) قاعدة السلطنة (لعدم جواز بيعها) اى الامة (عليه) اى على الكافر.

و انما نقول: بان المرجع عمومات صحة البيع (لان المفروض ان:

قاعدة السلطنة قد ارتفعت بحكومة ادلة نفى سلطنة الكافر على المسلم، فالمالك) الكافر (ليس مسلطا) على المسلمة (قطعا، و لا حق له) اى للكافر (فى عين الملك) اى ذات المسلمة (جزما)

فدليل السلطنة ساقط، و يبقى التعارض بين دليل الاستيلاد، و

ص: 229

انما الكلام فى تعارض حقى أمّ الولد من حيث كونها مسلمة فلا يجوز كونها مقهورة بيد الكافر،

و من حيث كونها فى معرض العتق، فلا يجوز اخراجها من هذه العرضة.

و الظاهر ان الاول اولى للاعتبار و حكومة قاعدة نفى السبيل على جل القواعد.

______________________________

دليل عدم سلطة الكافر على المسلم.

(انما الكلام فى تعارض حقى أمّ الولد من حيث كونها مسلمة فلا يجوز كونها مقهورة بيد الكافر) المقتضى لجواز بيعها الآن.

(و من حيث كونها فى معرض العتق، فلا يجوز اخراجها من هذه العرضة) لانها لو بيعت الآن، فاذا مات الكافر المولى لها لم تعتق.

(و الظاهر) من الادلة (ان الاول) اى دليل عدم السبيل (اولى)

أوّلا (للاعتبار) فان الاسلام له من الشرف ما يوجب ان لا يبقى مسلم تحت كافر اطلاقا، حتى اذا سبب خروجه عن ملكية الكافر ضررا مستقبلا عليه.

مثلا: لو اوجب بيع المسلم على الكافر ان لا يكون للامة زوج و هى بحاجة إليه لان المشترى لها من الكافر الآن امرأة و لا يوجد رجل يشتريها

(و) ثانيا: ل (حكومة قاعدة نفى السبيل) و هى قوله تعالى:

وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (على جل القواعد) كقاعدة:

ص: 230

و لقوله صلى الله عليه و آله: الاسلام يعلو و لا يعلى عليه.

و مما ذكرنا ظهر انه لا وجه للتمسك باستصحاب المنع قبل اسلامها لان الشك انما هو فى طروّ ما هو مقدم على حق الاستيلاد.

و الاصل عدمه، مع

______________________________

السلطنة، و قاعدة: تجارة عن تراض، و قاعدة الزوجية، فانه لو اسلمت الزوجة لم تبق فى حبالة زوجها الكافر، و قاعدة: لا ضرر، فيما اذا اوجب خروج المسلم عن تحت الكافر ضررا الى غيرها من القواعد.

(و) رابعا: (لقوله صلى الله عليه و آله: الاسلام يعلو و لا يعلى عليه) فان بقائها حتى تعتق عند موت الكافر موجب لكون الاسلام، قد على عليه.

(و مما ذكرنا) من تقديم دليل نفى السلطنة على المؤمن، على حق الاستيلاد (ظهر انه لا وجه للتمسك باستصحاب المنع) عن بيعها (قبل اسلامها) بان يقال: انها حال كفرها لم يجز بيعها، لانها أم ولد فاذا اسلمت و شككنا فى جواز بيعها، كان مقتضى الاستصحاب العدم.

وجه الظهور: وجود الادلة الاجتهادية كما عرفت، فلا مجال للاصل العملى.

اما وجه القائل بالاستصحاب ما ذكره بقوله: (لان الشك انما هو فى طروّ ما هو مقدم على حق الاستيلاد) بان يقال: هل طرأ- بسبب الاسلام- على هذه المرأة ما هو مقدم على حق الاستيلاد، أم لا؟

(و الاصل عدمه) اى عدم الطروّ، فيستصحب عدم جواز البيع (مع

ص: 231

امكان معارضة الاصل بمثله، لو فرض فى بعض الصور تقدم الاسلام على المنع عن البيع.

و مع امكان دعوى ظهور: قاعدة المنع، فى عدم سلطنة المالك، و تقديم حق الاستيلاد على حق الملك، فلا ينافى تقديم حق آخر لها على هذا الحق.

و منها: ما اذا عجز مولاها عن [عن نفقتها]

______________________________

امكان معارضة الاصل بمثله)

هذا ردّ آخر، لاستصحاب المنع عن بيعها، بان يقال: هناك استصحابان، استصحاب يدل على جواز البيع، و استصحاب يدل على عدم جواز البيع، فيتساقط الاصلان و يرجع الى عموم حق الاسلام (لو فرض فى بعض الصور تقدم الاسلام على المنع عن البيع) كما لو اسلمت قبل العلوق، ثم علق الولد بها، فانها قبل العلوق كانت جائزة البيع، و نشك فى ان علوقها هل صار سببا للمنع عن بيعها، الاصل العدم.

(و) هناك ردّ ثالث لاصالة عدم جواز البيع، و هو ما اشار إليه بقوله: (مع امكان دعوى ظهور: قاعدة المنع، فى عدم سلطنة المالك) فالمالك ليس مسلطا على البيع (و تقديم حق الاستيلاد على حق الملك) «و تقديم» عطف على «عدم سلطنة» (فلا ينافى) هذا المنع (تقديم حق آخر لها) اى للامة و هو حق الاسلام (على هذا الحق) و هو حق الاستيلاد فالاستيلاد مقدم على الملك و الاسلام مقدم على الاستيلاد.

(و منها) اى من اقسام القسم الثانى (ما اذا عجز مولاها عن

ص: 232

نفقتها، و لو فى كسبها، فتباع على من ينفق عليها، على ما حكى عن اللمعة و كنز العرفان، و ابى العباس، و الصيمرى، و المحقق الثانى، و قال فى القواعد لو عجز عن الانفاق على أمّ الولد امرت بالتكسب، فان عجزت انفق عليها من بيت المال، و لا يجب عتقها، و لو كانت الكفاية بالتزويج، وجب.

و لو تعذر الجميع ففى البيع اشكال، انتهى.

______________________________

نفقتها، و لو فى كسبها) بان لم يف كسب الامة لسدّ نفقاتها (فتباع على من ينفق عليها، على ما حكى) الجواز فى هذه الصورة (عن اللمعة، و كنز العرفان، و ابى العباس، و الصيمرى، و المحقق الثانى، و قال فى القواعد) ذكر المصنف كلام القواعد للاشارة الى انه مخالف بجواز بيعها فى هذه الصورة (لو عجز) المولى (عن الانفاق على أمّ الولد امرت) بصيغة المجهول (بالتكسب) لتستعيش من كسبها (فان عجزت) عن الكسب الكافى (انفق عليها من بيت المال) لانه معدّ لمصالح المسلمين و لسدّ حاجات الفقراء (و لا يجب) على المولى (عتقها) و ان كان العتق موجبا لسدّ حاجاته (و لو كانت الكفاية) لمعيشتها (بالتزويج، وجب) لوجوب سدّ حاجاته على المولى بكيفية محلّلة و الزواج من تلك الكيفيات.

(و لو تعذر الجميع) من الكسب و بيت المال و التزويج (ففى البيع اشكال) من انه: بيع أم ولد فلا يجوز و من انه:

لمصلحتها و سدّ حاجاتها فيجوز (انتهى) كلام العلامة.

ص: 233

و ظاهره عدم جواز البيع مهما امكن الانفاق من مال المولى او كسبها او مالها او عوض بضعها او وجود من يؤخذ بنفقتها او بيت المال، و هو حسن و مع عدم ذلك كله فلا يبعد المنع عن البيع أيضا،

و فرضها كالحرّ فى وجوب سدّ رمقها كفاية على جميع من اطلع عليها و لو فرض عدم ذلك أيضا،

او كون ذلك ضررا عظيما عليها فلا يبعد الجواز لحكومة ادلة: نفى الضرر و لان رفع هذا عنها اولى من تحملها ذلك رجاء ان تنعتق من نصيب

______________________________

(و ظاهره عدم جواز البيع مهما امكن الانفاق) و لو بغير الطرق التى ذكرها (من مال المولى، او كسبها، او مالها) ان كان لها مال (او عوض بضعها) بالزواج (او وجود من يؤخذ) شرعا (بنفقتها) كالعمودين مثلا (او بيت المال، و هو) اى كلام العلامة (حسن، و مع عدم ذلك كله فلا يبعد المنع عن البيع أيضا) اى كما يمنع عن البيع فى صورة وجود احد الامور المذكورة.

(و) لا يبعد (فرضها كالحرّ فى وجوب سدّ رمقها كفاية) اى وجوبا كفائيا (على جميع من اطلع عليها) اى على حالها (و لو فرض عدم ذلك أيضا) احتمل جواز اخذها بالقوة كعام المجاعة.

(او كون ذلك ضررا عظيما عليها) بحيث يكون دليل: لا ضرر مقدما على دليل: عدم بيعها (فلا يبعد الجواز لحكومة ادلة: نفى الضرر) على ادلة عدم جواز البيع (و لان رفع هذا) الضرر (عنها) اى عن المستولدة (اولى من تحملها ذلك) الضرر (رجاء ان تنعتق من نصيب

ص: 234

ولدها مع جريان ما ذكرنا اخيرا فى الصورة السابقة من احتمال ظهور ادلة المنع فى ترجيح حق الاستيلاد على حق مالكها لا على حقها الآخر فتدبر.

و منها: بيعها على من تنعتق عليه،

على ما حكى من الجماعة

______________________________

ولدها) فى المستقبل هذا.

و هناك وجه آخر لجواز البيع أيضا، اشار إليه بقوله: (مع جريان ما ذكرنا اخيرا فى الصورة السابقة) بقولنا «فلا ينافى تقديم حق آخر لها على هذا الحق» (من احتمال ظهور ادلة المنع فى ترجيح حق الاستيلاد على حق مالكها)

فحق الاستيلاد مقدم على قاعدة: سلطنة المالك (لا على حقها الآخر) اى حق نفس المستولدة، و «الآخر» صفة «حقها»

و المراد بحقها الاخر- هنا- حق سد حاجاتها (فتدبر)

فان دليل الاستيلاد قوى جدّا، فلا يمكن تقديم حق آخر لها على حق الاستيلاد.

نعم لتقديم: لا ضرر وجه قوى، لكن ذلك فيما اذا توقف دفع الضرر بالبيع، و الا فان امكن بما دون البيع- و لو بالرهن و ما اشبه- كان ما دون البيع مقدما.

(و منها) اى من صور القسم الثانى بان يكون لنفسها حق اولى بالمراعات من حق الاستيلاد (بيعها على من تنعتق عليه) كالعمودين، الآباء و الابناء (على ما حكى من الجماعة

ص: 235

المتقدم إليهم الاشارة، لان فيه تعجيل حقها، و هو حسن، لو علم ان العلة حصول العتق.

فلعل الحكمة انعتاق خاص.

اللهم الا ان يستند الى ما ذكرنا اخيرا فى ظهور ادلة المنع: او يقال: ان هذا عتق فى الحقيقة.

و يلحق بذلك بيعها بشرط العتق.

فلو لم يف المشترى

______________________________

المتقدم إليهم الاشارة) اللمعة، و كنز العرفان الخ (لان فيه) اى فى هذا البيع (تعجيل حقها) بالعتق (و هو حسن، لو علم ان العلة) فى عدم جواز بيعها (حصول العتق) بعد موت المولى.

(فلعل الحكمة انعتاق خاص) لسبب إرث الولد، لان الشارع لاحظ خدمتها الكاملة للمولى، ثم عتقها اجلالا لحق الامومة، و هذا غير حاصل فى البيع للعمودين.

(اللهم الا ان يستند) لجواز بيعها ممن ينعتق (الى ما ذكرنا اخيرا فى ظهور ادلة المنع) فى ترجيح حق الاستيلاد على حق مالكها لا على حقها الآخر (او يقال: ان هذا) البيع ممن ينعتق عليه (عتق فى الحقيقة) فلا يمنعه ادلة المنع عن بيع المستولدة.

(و يلحق بذلك) اى ببيعها ممن ينعتق عليه (بيعها بشرط العتق) لانه عتق لها فى الحقيقة.

(فلو لم يف المشترى) بان لم يعتقها عمدا، او لموت، او نحوه

ص: 236

احتمل وجوب استردادها كما عن الشهيد الثانى.

و يحتمل اجبار الحاكم، و العدول للمشترى على الاعتاق.

او اعتاقها عليه قهرا.

و كذلك بيعها ممن اقرّ بحريتها.

و يشكل بانه ان علم المولى صدق المقرّ لم يجز له البيع و اخذ الثمن

______________________________

(احتمل وجوب استردادها) على البائع (كما عن الشهيد الثانى)

اذ انما جاز البيع لاجل العتق، فاذا لم تعتق لزم ابطال البيع.

(و يحتمل اجبار الحاكم) للمشترى بالعتق، لان الحاكم ولى المخالف للشرع (و) اجبار (العدول) من المؤمنين، اذا لم يوجد الحاكم الشرعى و نائبه، فان الولاية بعد الحاكم لعدول المؤمنين و قوله:

(للمشترى) متعلق «بالاجبار» (على الاعتاق)

(او) يحتمل (اعتاقها عليه قهرا) بان تنعتق أمّ الولد على المشترى عتقا تلقائيا، بلا احتياج الى اعتاق المشترى لها، لان «المؤمنون عند شروطهم» يفيد الوضع.

(و كذلك) حال (بيعها ممن اقرّ بحريتها) اذ بمجرد الدخول فى ملك المقرّ تنعتق هى عليه.

(و يشكل) بيعها ممن تنعتق عليه حسب اقراره بحريتها (بانه ان علم المولى صدق المقرّ) بانها حرة (لم يجز له البيع و اخذ الثمن) اذ البيع بنظر المشترى باطل، فكيف يأخذ المولى الثمن منه.

و قد تحقق فى موضعه انه لا يمكن ان يكون بيع باطلا من جانب، و

ص: 237

فى مقابل الحر.

و ان علم بكذبه لم يجز أيضا، لعدم جواز بيع أمّ الولد.

و مجرد صيرورتها حرة على المشترى فى ظاهر الشرع- مع كونها ملكا له فى الواقع و بقائها فى الواقع على صفة الرقية للمشترى- لا يجوّز البيع، بل الحرية الواقعية و ان تأخرت اولى من الظاهرية و ان تعجلت.

و منها ما اذا مات قريبها، و خلف تركة، و لم يكن له وارث سواها فتشترى من مولاها

______________________________

صحيحا من جانب آخر.

فاخذ الثمن (فى مقابل الحر) غير جائز.

(و ان علم بكذبه لم يجز أيضا، لعدم جواز بيع أمّ الولد) اذ فى الواقع انها لا تتحرر بمجرد اقرار المشترى بانها حرة.

(و مجرد صيرورتها حرة على المشترى فى ظاهر الشرع- مع كونها ملكا له فى الواقع) ان صح البيع، لانه اذا صح البيع صارت ملكا للمشترى واقعا (و بقائها فى الواقع على صفة الرقية للمشترى-) اذا الاقرار لا يغير الواقع عن واقعه (لا يجوّز البيع، بل الحربة الواقعية و ان تأخرت) حتى موت المولى (اولى من) الحرية (الظاهرية، و ان تعجلت) اولوية لازمة لا اولوية راجحة- كما لا يخفى-.

(و منها) اى من صور القسم الثانى (ما اذا مات قريبها، و خلف تركة، و لم يكن له وارث سواها، فتشترى) الامة المستولدة (من مولاها

ص: 238

للعتق، و ترث قريبها و هو مختار الجماعة السابقة، و ابن سعيد فى النزهة، و حكى عن العمانى، و عن المهذّب اجماع الاصحاب عليه، و بذلك يمكن ترجيح اخبار الارث على قاعدة المنع.

مضافا الى ظهورها فى رفع سلطنة المالك، و المفروض هنا عدم كون البيع باختياره بل يباع عليه لو امتنع.

[موارد القسم الثالث أي تعلق حق سابق على الاستيلاد]
اشارة

و من موارد القسم الثالث: و هو ما يكون الجواز

______________________________

للعتق) اى لان تعتق (و) بعد العتق (ترث قريبها) اذ العبد لا يرث (و هو مختار الجماعة السابقة) اللمعة، و كنز العرفان الخ (و ابن سعيد فى النزهة، و حكى عن العمانى، و عن المهذّب اجماع الاصحاب عليه، و بذلك) اى بالاجماع (يمكن ترجيح اخبار الارث على قاعدة المنع) عن بيع أمّ الولد.

اذ الامر دائر بين تقديم اخبار الارث الدالة على ان العبد يشترى و يعتق و يرث.

و بين تقديم اخبار المنع عن بيع أمّ الولد، و الاجماع يرجّح الاول، و ان كان بين الطائفتين عموم من وجه.

(مضافا الى) وجود وجه آخر لتقديم اخبار الارث، و هو (ظهورها) اى اخبار المنع عن البيع (فى رفع سلطنة المالك) على المستولدة (و المفروض هنا) فى مسئلة اشترائها (عدم كون البيع باختياره) اى اختيار المالك (بل يباع عليه لو امتنع) عن البيع.

(و من موارد القسم الثالث) من اقسام بيع أمّ الولد (و هو ما يكون الجواز

ص: 239

لحق سابق على الاستيلاد

ما اذا كان علوقها بعد الرهن

فان المحكى عن الشيخ، و الحلّى، و ابن زهرة، و المختلف، و التذكرة، و اللمعة و المسالك، و المحقق الثانى، و السيورى، و ابى العباس و الصيمرى:

جواز بيعها حينئذ.

و لعله لعدم الدليل على بطلان حكم الرهن بالاستيلاد اللاحق بعد تعارض ادلة حكم الرهن و ادلة المنع عن بيع أمّ الولد فى دين غير ثمنها.

خلافا للمحكى عن الشرائع و التحرير، فالمنع مطلقا

______________________________

لحق سابق على الاستيلاد ما اذا كان علوقها بعد الرهن) بان رهن المولى امته غير الحامل، ثم اجاز له المرتهن ان يواقعها، فواقعها فحبلت (فان المحكى عن الشيخ، و الحلّى، و ابن زهرة، و المختلف، و التذكرة، و اللمعة و المسالك و المحقق الثانى، و السيورى، و ابى العباس، و الصيمرى: جواز بيعها حينئذ) اى حين كان الحق سابقا على الاستيلاد.

(و لعله لعدم الدليل على بطلان حكم الرهن) السابق (بالاستيلاد) متعلق بالبطلان، اى لم يبطل بسبب الاستيلاد (اللاحق بعد تعارض ادلة حكم الرهن) المقتضية لجواز البيع (و ادلة المنع عن بيع أمّ الولد فى دين غير ثمنها) و اذا تساقطا كان اللازم الرجوع الى استصحاب جواز البيع.

(خلافا للمحكى عن الشرائع و التحرير، فالمنع مطلقا) و ان الرهن

ص: 240

و عن الشهيد فى بعض تحقيقاته: الفرق بين وقوع الوطي باذن المرتهن، و وقوعه بدونه.

و عن الارشاد و القواعد التردّد، و تمام الكلام فى باب الرهن.

و منها: ما اذا كان علوقها بعد افلاس المولى، و الحجر عليه،

و كانت فاضلة عن المستثنيات فى اداء الدين، فتباع حينئذ كما فى القواعد، و اللمعة، و جامع المقاصد، و عن المهذب، و كنز العرفان، و غاية المرام

______________________________

لا يقتضي جواز البيع.

(و عن الشهيد) الاول (فى بعض تحقيقاته: الفرق بين وقوع الوطي) من الراهن (باذن المرتهن) فلا يجوز البيع (و وقوعه) اى الوطي (بدونه) اى بدون اذن المرتهن، فيجوز البيع.

(و عن الارشاد و القواعد التردد) فى المسألة (و تمام الكلام فى باب الرهن) و لو شك و لم يجر الاستصحاب كان اللازم الرجوع الى عمومات المنع.

(و منها) اى من صور القسم الثالث (ما اذا كان علوقها) و حملها (بعد افلاس المولى، و) بعد (الحجر عليه، و) قد (كانت) الامة (فاضلة عن المستثنيات فى اداء الدين) اذ الحجر انما يوجب بيع الزائد عن المستثنيات، اما ما كان من المستثنيات فانه لا يباع لاجل الديّان (فتباع) الامة المستولدة (حينئذ) اى حين وجود الشرطين الحجر، و كونها زائدة عن المستثنيات (كما فى القواعد، و اللمعة، و جامع المقاصد و) حكى أيضا (عن المهذب، و كنز العرفان، و غاية المرام

ص: 241

لما ذكر من سبق تعلق حق الديان بها.

و لا دليل على بطلانه بالاستيلاد، و هو حسن، مع وجود الدليل على تعلق حق الغرماء بالاعيان.

اما لو لم يثبت الا الحجر على المفلّس فى التصرف و وجوب بيع الحاكم امواله فى الدين، فلا يؤثر فى دعوى اختصاصها بما هو قابل للبيع فى نفسه، فتأمل، و تمام الكلام فى باب الحجر إن شاء الله

______________________________

لما ذكر) فى باب الرهن (من سبق تعلق حق الديان بها) على حق الاستيلاد.

و الحق السابق يمنع من الحق اللاحق الا اذا ثبت ان اللاحق اقوى.

(و لا دليل على بطلانه) اى بطلان حق الديان (بالاستيلاد، و هو حسن، مع وجود الدليل على تعلق حق الغرماء بالاعيان) اذ تكون الامة بنفسها حينئذ متعلقة لحق الغرماء، و هو حق سابق.

(اما لو لم يثبت) من ادلة الحجر (الا الحجر على المفلّس فى التصرف) فى امواله (و وجوب بيع الحاكم امواله فى الدين) لا ان امواله صارت متعلقة لحق الغرماء (فلا يؤثر) الحجر (فى دعوى اختصاصها بما هو قابل للبيع فى نفسه، فتأمل).

لعله اشارة الى ان القول: بان الحجر انما هو حجر عن التصرف لا عبارة عن تعلق حق الغرماء بالاموال، لا ينفع فى دفع البيع عن أمّ الولد، اذ المنع عن التصرف ليس الا مقدمة لاجل البيع، و الا فما وجه الحجر لو لم يرد بيع الشي ء المحجور (و تمام الكلام فى باب الحجر إن شاء الله

ص: 242

تعالى.

و منها: ما اذا كان علوقها بعد جنايتها.

و هذا فى الجناية التى لا يجوز البيع لو كانت الجناية لا حقة بل تلزم المولى بالفداء.

و اما لو قلنا: بان الجناية اللاحقة أيضا ترفع المنع، لم تكن فائدة فى فرض تقديمها.

______________________________

تعالى).

(و منها) اى من موارد القسم الثالث (ما اذا كان علوقها) و حملها (بعد جنايتها) فان حق الجانى المتعلق باسترقاقها مقدم على حق الاستيلاد.

(و هذا) المورد انما ينفع (فى الجناية التى لا يجوز البيع) لام الولد فى تلك الجناية (لو كانت الجناية لاحقة) و هى التى يتخير المولى بين الفداء و اعطائها (بل تلزم المولى بالفداء) فان هذه الجناية لو كانت بعد الاستيلاد كان على المولى الفداء.

اما لو كانت قبل الاستيلاد كان المولى مخيرا بين الفداء و بين اعطائها.

(و اما لو قلنا: بان الجناية اللاحقة) على الاستيلاد (أيضا) كالجناية السابقة (ترفع المنع) عن البيع (لم تكن فائدة فى فرض تقديمها) اى تقديم الجناية، لانها أولا و اخيرا على حد سواء.

ص: 243

و منها: ما اذا كان علوقها فى زمن خيار بايعها،

فان المحكى عن الحلى جواز استردادها مع كونها ملكا للمشترى.

و لعله لاقتضاء الخيار ذلك، فلا يبطله الاستيلاد، خلافا للعلامة، و ولده، و المحقق، و الشهيد الثانيين، و غيرهم فحكموا بانه اذا فسخ رجع بقيمة أمّ الولد و لعلّه لصيرورتها منزلة التالف.

و الفسخ بنفسه لا يقتضي الا جعل العقد من زمان الفسخ كان لم يكن.

______________________________

(و منها) اى من صور القسم الثالث (ما اذا كان علوقها فى زمن خيار بايعها) بان باع البائع الامة و جعل لنفسه الخيار مدة، ثم ان المشترى احبلها فى زمن الخيار (فان المحكى عن الحلّى جواز استردادها مع كونها) الآن (ملكا للمشترى).

و انما قال «مع كونها» لافادة انها تنتقل، حتى لا يتوهم انها لم تصبح ملكا للمشترى، فليس من باب انتقال أمّ الولد.

(و لعله) اى جواز النقل عن ملك المشترى بعد الاستيلاد (لاقتضاء الخيار ذلك) الاسترداد (فلا يبطله الاستيلاد) لان حق المشترى سابق على الاستيلاد (خلافا للعلامة، و ولده، و المحقق، و الشهيد الثانيين، و غيرهم فحكموا بانه اذا فسخ) البائع (رجع بقيمة أمّ الولد) لا الى عينها (و لعلّه لصيرورتها) بعد ان اصبحت أم ولد (منزلة التالف).

(و) ان قلت: ان الفسخ يقتضي رد العين و هى موجودة الآن.

قلت: (الفسخ بنفسه) مع قطع النظر عن لوازمه المترتبة عليه (لا يقتضي الا جعل العقد من زمان الفسخ) لا من اوّل العقد (كان لم يكن)

ص: 244

و اما وجوب رد العين فهو من احكامه لو لم يمتنع عقلا، او شرعا، و المانع الشرعى كالعقلى.

نعم: لو قيل ان الممنوع انما هو نقل المالك، او النقل من قبله لديونه.

اما الانتقال عنه بسبب يقتضيه الدليل خارج عن اختياره فلم يثبت فلا مانع شرعا من

______________________________

و لذا فالنماء فى ما بين العقد و الفسخ للمالك الثانى.

و لو كان الفسخ ابطالا من حين العقد، كان اللازم ان يكون النماء للمالك الاول.

(و اما وجوب رد العين فهو من احكامه) اى احكام الفسخ، لا انه نفس الفسخ (لو لم يمتنع) رد العين (عقلا) كما لو كان تالفا حقيقة (او شرعا) كما فى المقام، حيث ان أمّ الولد لا يمكن ان تنتقل من ملك مولاها الّذي احبلها (و المانع الشرعى كالعقلى) فى انه يمنع عن الاحكام الشرعية المترتبة لو لا المانع.

(نعم: لو قيل ان الممنوع انما هو نقل المالك) لام الولد (او النقل من قبله) اى قبل المالك (لديونه) كما لو بيعت فى ديون المالك، حيث تقدم انه لا يصح.

(اما الانتقال عنه) اى عن المالك، لا باختيار المالك، و لا لاجل المالك (بسبب يقتضيه الدليل) فى حال كون ذلك السبب (خارج عن اختياره)- صفة بسبب- (فلم يثبت) منع ذلك الانتقال (فلا مانع شرعا من

ص: 245

استرداد عينها.

و الحاصل: ان منع الاستيلاد عن استرداد بايعها لها يحتاج الى دليل مفقود.

اللهم الا ان يدعى ان الاستيلاد حق لام الولد مانع عن انتقالها عن ملك المولى لحقه، او لحق غيره.

الا ان يكون للغير حق اقوى، او سابق يقتضي انتقالها، و المفروض

______________________________

استرداد عينها) بعد الفسخ.

و انما قال المصنف «نعم لو قيل» اشعارا بضعف هذا القيل، لانه يفهم حق الامة من دليل «لا تباع» فلا فرق بين ان يكون سبب النقل، المولى، او غيره، و عليه فاللازم على المولى دفع القيمة.

(و الحاصل: ان منع الاستيلاد عن استرداد بايعها) اى بائع الامة (لها يحتاج) المنع (الى دليل مفقود) اذ مقتضى القاعدة: ان يكون للبائع حق الاسترداد.

(اللهم الا ان يدعى ان الاستيلاد حق لام الولد مانع عن انتقالها عن ملك المولى لحقه) اى لاجل حق المولى بان يكون حق المولى سببا للانتقال كما اذا كان المولى مديونا (او لحق غيره) اى غير المولى، كما اذا كان لحق ذى الخيار- فى المثال-.

(الا ان يكون للغير حق اقوى) و لو كان حقا حادثا بعد الاستيلاد (او) حق (سابق) كحق طالب ثمن الامة (يقتضي) ذلك الحق (انتقالها) اى الامة (و المفروض

ص: 246

ان حق الخيار لا يقتضي انتقالها بقول مطلق.

بل يقتضي انتقالها مع الامكان شرعا، و المفروض ان تعلق حق أمّ الولد مانع شرعا كالعتق و البيع، على القول بصحتهما فى زمان الخيار، فتأمل.

و منها: ما اذا كان علوقها بعد اشتراط اداء مال الضمان منها،

______________________________

ان حق الخيار لا يقتضي انتقالها بقول مطلق) اى فى جميع الصور.

(بل يقتضي انتقالها مع الامكان شرعا) اذ بدون الامكان لا يحكم الشارع بالانتقال (و المفروض ان تعلق حق أمّ الولد مانع شرعا) عن الانتقال (كالعتق و البيع، على القول بصحتهما فى زمان الخيار).

فكما انه اذا كان للبائع الخيار فاعتقه المشترى فى زمن الخيار، او باعه المشترى فى زمان الخيار لم يكن للبائع بعد الفسخ رد العين بل له ان يسترد القيمة.

كذلك اذا احبلها المشترى لم يكن للبائع ردها بل يسترد قيمتها (فتأمل) اذ عدم حق للبائع فى الاسترداد اوّل الكلام، فالاستدلال به مصادرة.

(و منها) اى من صور القسم الثالث (ما اذا كان علوقها) اى حملها (بعد اشتراط اداء مال الضمان منها) كما اذا باع زيد لعمرو شيئا فاخذ عمرو خالدا ضامنا للثمن، و قال خالد انى أؤدّي مال الضمان من هذه الجارية، فانه اذا احبلها المولى بعد ذلك كان الضمان سابقا على الاستيلاد

ص: 247

بناء على ما استظهر الاتفاق عليه، من جواز اشتراط الاداء من مال معين فيتعلق به حق المضمون له.

و حيث فرض سابقا على الاستيلاد فلا يزاحم به على قول محكى فى الروضة.

و منها: ما اذا كان علوقها بعد نذر جعلها صدقة، اذا كان النذر مشروطا بشرط لم يحصل قبل الوطي،

ثم حصل بعده، بناء على ما ذكروه من خروج المنذور كونها

______________________________

(بناء على ما استظهر) اى قال بعض الفقهاء انه الظاهر (الاتفاق عليه من جواز اشتراط الاداء من مال معين) بمعنى انه لا يشترط ان يكون الضمان فى الذمة (فيتعلق به) اى بهذا المال المعين (حق المضمون له) الّذي هو زيد.

(و حيث فرض) ان حق المضمون له (سابقا على الاستيلاد فلا يزاحم) الاستيلاد (به) اى بهذا الحق (على قول محكى فى الروضة) مقابل قوله آخر، و هو ان حق الاستيلاد اقوى، فلا فرق بين ان يكون الحق الآخر سابقا او لاحقا.

(و منها) اى من صور القسم الثالث (ما اذا كان علوقها بعد نذر جعلها صدقة، اذا كان النذر مشروطا بشرط لم يحصل قبل الوطي، ثم حصل بعده) كما اذا نذر ان جاء ولده اعطى امته صدقة ثم احبلها قبل مجي ء الولد، ثم جاء الولد، و انما يجوز استيلادها قبل حصول النذر، و تخرج عن ملكه بعد حصوله (بناء على ما ذكروه من خروج المنذور كونها

ص: 248

صدقة عن ملك الناذر بمجرد النذر فى المطلق و بعد حصول الشرط فى المعلق، كما حكاه صاحب المدارك عنهم فى باب الزكاة.

و يحتمل كون استيلادها كاتلافها فيحصل الحنث و يستقر القيمة، جمعا بين حقى أمّ الولد و المنذور له.

و لو نذر التصدق بها فان كان مطلقا، و قلنا: بخروجها عن الملك بمجرد ذلك كما حكى عن بعض فلا حكم للعلوق.

______________________________

صدقة عن ملك الناذر بمجرد النذر فى) النذر (المطلق) كما لو نذر ان تكون جاريته صدقة (و بعد حصول الشرط فى) النذر (المعلق) كمثال نذر الصدقة بمجي ء الولد (كما حكاه صاحب المدارك عنهم فى باب الزكاة) فقبل مجي ء الولد، حيث ان الامة له جاز استيلادها، و بعد مجي ء الولد خرجت الجارية عن ملك الناذر الى الجهة المنذورة لها.

(و يحتمل كون استيلادها كاتلافها) حيث انها خرجت عن قابلية الانتقال عن ملك الناذر (فيحصل الحنث) لانه اتلف متعلق النذر (و يستقر) على الناذر (القيمة) بان يصرف قيمتها الى الجهة المنذورة (جمعا بين حقى أمّ الولد) كى تبقى مقدمة للعتق (و المنذور له) حيث انه اذا تعذرت العين اعطى البدل.

(و لو نذر التصدق بها) اى بالامة- قبل الاستيلاد- نذر مطلقا (فان كان) نذرا (مطلقا، و قلنا: بخروجها عن الملك بمجرد ذلك) النذر (كما حكى عن بعض) كما تقدم (فلا حكم للعلوق) يوجب تحريم الانتقال عن ملك الناذر، اذ العلوق انما حصل فى ملك الغير، لا فى ملك

ص: 249

و ان قلنا: بعدم خروجها عن ملكه، احتمل تقديم حق المنذور له فى العين، و تقديم حق الاستيلاد، و الجمع بينهما بالقيمة.

و لو كان معلقا فوطئها قبل حصول الشرط صارت أم ولد، فاذا حصل الشرط وجب التصدق بها، لتقدم سببه.

و يحتمل انحلال النذر لصيرورة التصدق مرجوحا بالاستيلاد، مع الرجوع الى القيمة

______________________________

الناذر.

(و ان قلنا: بعدم خروجها عن ملكه) اى ملك الناذر، و انما صارت متعلق حق الغير فقط (احتمل تقديم حق المنذور له فى العين) فلا حكم للاستيلاد (و تقديم حق الاستيلاد) فلا حكم للنذر (و الجمع بينهما) اى بين الحقين (بالقيمة) بان تبقى العين لحق الاستيلاد، و يجب على الناذر دفع القيمة فى جهة النذر لحق النذر.

(و لو كان) النذر (معلقا) كما لو نذر ان جاء ولده فهى صدقة لزيد (فوطئها قبل حصول الشرط) كمجي ء الولد فى المثال (صارت أم ولد، فاذا حصل الشرط) بان جاء الولد (وجب التصدق بها) اى بالمستولدة (لتقدم سببه) اى سبب التصدق، و هو النذر على الاستيلاد.

(و يحتمل انحلال النذر) و بطلانه لسبب الاستيلاد (لصيرورة التصدق مرجوحا بالاستيلاد) اذ المستولدة لا تخرج عن ملك المستولد، و قد شرطوا ان يكون متعلق النذر راجحا (مع الرجوع الى القيمة) اى انحلال غير تام، بل انحلال فى العين فقط، بان تعطى قيمة الامة لجهة

ص: 250

او بدونه، و تمام الكلام يحتاج الى بسط تام لا يسعه الوقت.

و منها: ما اذا كان علوقها من مكاتب مشروط ثم فسخت كتابته، فللمولى ان يبيعها،

على ما حكاه فى الروضة عن بعض الاصحاب، بناء على ان مستولدته أم ولد بالفعل غير معلق على عتقه،

______________________________

الصدقة (او بدونه) اى بدون الرجوع الى القيمة (و تمام الكلام يحتاج الى بسط تام لا يسعه الوقت) المعد للاشارة الى مسائل الاستيلاد اذا تعارضت مع حقوق اخرى.

و لا يخفى ان القسم و العهد كذلك مع ادنى تفاوت.

(و منها) اى من مسائل صور القسم الثالث (ما اذا كان علوقها) و حملها (من مكاتب مشروط) و هو ما اذا قال المولى لعبده: انت حر اذا اعطيت كذا دينارا- مثلا- بشرط ان تكمل المبلغ، مقابل المكاتب المطلق الّذي يكون حرّا كل مقدار اعطى فى مقابله.

مثلا: اذا كان مال المكاتبة مائة فاعطى عشرة حرر عشرة، بخلاف ما اذا كان مكاتبا مشروطا فانه لا يحرر جزء منه الا بعد اعطاء تمام المائة (ثم فسخت كتابته) لتأخير اداء مال الكتابة مثلا كان الشرط اداء مال الكتابة الى سنة فلم يؤدّ (فللمولى ان يبيعها، على ما حكاه فى الروضة عن بعض الاصحاب).

و انما يكون هذا من المستثنيات (بناء على ان مستولدته) اى امة المكاتب (أم ولد بالفعل) قبل الحرية للمكاتب (غير معلق على عتقه) فكون الامة أم ولد، لا تتوقف على عتق الواطئ، بل لو كان الواطئ عبدا

ص: 251

فلا يجوز له بيع ولدها.

و القسم الرابع و هو ما كان ابقائها فى ملك المولى غير معرض لها للعتق،

لعدم توريث الولد من ابيه، لاحد موانع الارث، او لعدم ثبوت النسب من طرف الام و الأب واقعا لفجور،

______________________________

صدقت أمّ الولد على الحامل منه (فلا يجوز له بيع ولدها).

و انما نشترط هذا الشرط، لانه اذا قلنا: بان صدق أمّ الولد تتوقف على حرية الواطئ- حرية فعلية، و لا تكفى الحرية الاقتضائية- لم تصدق أمّ الولد فى المقام، اذ الواطئ ليس حرا فعلا حال الاستيلاد، فاذا لم تتحقق أمّ الولد، لا يكون هذا من المستثنيات.

و انما يحتمل وجوب الحرية الفعلية للواطى فى صدق أمّ الولد، لانه اذا لم يكن حرا لم يرث الولد حتى تكون أمّ الولد فى معرض الحرية.

اذ من المعلوم: ان الام تعتق من نصيب الولد من الارث و العبد لا يرث، فتأمل.

(و القسم الرابع) من صور الاستثناء عن بيع أمّ الولد (و هو ما كان ابقائها) اى أمّ الولد (فى ملك المولى غير معرض لها للعتق، لعدم توريث الولد من ابيه، لاحد موانع الارث) كالكفر و العبودية (او لعدم ثبوت النسب من طرف الام و الأب واقعا) قيد «لعدم ثبوت النسب» (لفجور) فان ولد الزنا لا يرث اباه و لا أمه.

و انما ذكرنا «الام و الأب» لانه ان كانت الزانية الام فقط، لم تصبح أم ولد شرعا، و ان كان الزانى الأب فقط، لم يرث الولد منه حتى

ص: 252

او ظاهرا باعتراف.

ثم انا لم نذكر فى كل مورد من موارد الاستثناء الا قليلا من كثير ما يتحمله الكلام، فيطلب تفصيل كل واحد من مقامه.

______________________________

تنعتق منه أمه من نصيبه من الارث (او ظاهرا) و ان كان النسب موجودا واقعا (باعتراف) او لعان، او جهل، او ما اشبه.

كما لو قال الأب: انه ليس بولده.

او لا عن المرأة بما يسبب نفى الولد منه ان صح لعان الامة- مثلا-.

او جهل بان الولد له و لم يكن اثبات شرعى، فانه لا يرث حينئذ ظاهرا و ان كان ولده واقعا و كان وارثا فى الحقيقة فتأمل.

(ثم انا لم نذكر فى كل مورد من موارد الاستثناء الا قليلا من كثير ما يتحمله الكلام، فيطلب تفصيل كل واحد من مقامه) اذ المستثنيات متوقفة على تنقيح المباحث فى باب النذر، و الحجر، و الرهن، و المكاتبة، و غيرها، كما لا يخفى.

ص: 253

مسئلة و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا، كونه مرهونا،

فان الظاهر بل المقطوع به الاتفاق على عدم استقلال المالك فى بيع ملكه المرهون و حكى عن الخلاف اجماع الفرقة، و اخبارهم على ذلك.

و قد حكى الاجماع عن غيره أيضا و عن المختلف فى باب تزويج الامة المرهونة انه ارسل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: ان الراهن و المرتهن ممنوعات من التصرف.

______________________________

(مسألة) مربوطة بشرائط العوضين التى منها كون الملك طلقا (و من اسباب خروج الملك عن كونه طلقا، كونه مرهونا، فان الظاهر) من كلام الفقهاء (بل المقطوع به الاتفاق على عدم استقلال المالك فى بيع ملكه المرهون و حكى عن الخلاف اجماع الفرقة، و اخبارهم على ذلك) عدم جواز بيع المرهون.

(و قد حكى الاجماع عن غيره أيضا و عن المختلف فى باب تزويج الامة المرهونة انه ارسل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: ان الراهن و المرتهن ممنوعات من التصرف).

و اطلاقه يشمل البيع كسائر التصرفات فلا اشكال و لا كلام من هذه الناحية.

ص: 254

و انما الكلام فى ان بيع الراهن هل يقع باطلا من اصله او يقع موقوفا على الاجازة؟ او سقوط حقه باسقاطه، او بالفك.

فظاهر عبائر جماعة من القدماء و غيرهم، الاول، الا ان صريح الشيخ فى النهاية، و ابن حمزة فى الوسيلة، و جمهور المتأخرين عدا شاذ منهم، هو كونه موقوفا، و هو الاقوى، للعمومات السليمة عن المخصص لان معقد الاجماع و الاخبار الظاهرة

______________________________

(و انما الكلام فى ان بيع الراهن هل يقع باطلا من اصله او يقع موقوفا على الاجازة) من المرتهن (او) موقوفا على (سقوط حقه) اى حق المرتهن (باسقاطه) بان يقول المرتهن: اسقطت حقى عن الرهن، او اسقطت العين، و تلقائيا يسقط الرهن (او بالفك) باداء الراهن مال المرتهن حتى تنفك الوثيقة «التى هى الرهن».

(فظاهر عبائر جماعة من القدماء و غيرهم، الاول) اى ان البيع يقع باطلا (الا ان صريح الشيخ فى النهاية، و ابن حمزة فى الوسيلة، و جمهور المتأخرين عدا شاذ منهم، هو كونه) اى البيع (موقوفا) لا باطلا (و هو الاقوى) فلا يبطل البيع من رأسه (للعمومات السليمة عن المخصص) مثل: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و: تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ، و: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ، و ما اشبه.

و ما دلّ على المنع عن تصرف الراهن و المرتهن لا يصلح مخصصا للعمومات (لان معقد الاجماع و الاخبار الظاهرة) ذلك المعقد.

و المراد بالمعقد اللفظ الّذي انصب عليه الاجماع.

مثلا لو قال: «الراهن ممنوع عن التصرف اجماعا كانت الجملة

ص: 255

فى المنع عن التصرف، هو الاستقلال، كما يشهد به عطف المرتهن على الراهن، مع ما ثبت فى محله من وقوع تصرف المرتهن موقوفا، لا باطلا.

و على تسليم الظهور فى بطلان التصرف رأسا.

فهى موهونة بمصير جمهور المتأخرين على خلافه.

______________________________

معقدا» (فى المنع عن التصرف، هو الاستقلال) بان يكون البيع نافذا بلا حاجة الى اذن او فك.

و ذلك لمناسبة الحكم و الموضوع، فان العرف يرى ان المنع من جهة حق المرتهن فاذا اجاز و سقط حقه فلا منع (كما يشهد به) اى بكون المنع انما هو فيما اذا كان مستقلا (عطف المرتهن على الراهن).

قالوا: الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف (مع ما ثبت فى محله من وقوع تصرف المرتهن موقوفا) على اجازة الراهن (لا باطلا) من رأسه.

(و على) تقدير (تسليم الظهور) لعبارة «الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف» (فى بطلان التصرف رأسا) بلا توقف على الاجازة او فك، بل لا تنفع الاجازة و الفك فى التصحيح.

(فهى) اى البطلان الناشئ من الظهور المذكور (موهونة بمصير جمهور المتأخرين على خلافه).

و كيف يمكن ان يقال: الشي ء الفلانى له ظاهر كذا، و الحال ان الفقهاء ذوى الفهم الثاقب لم يفهموا هذا الظهور.

ص: 256

هذا كله مضافا الى ما يستفاد من صحة نكاح العبد بالاجازة، معللا بانه: لم يعص الله، و انما عصى سيده،

اذ المستفاد منه ان كل عقد كان النهى عنه لحق الآدمى يرتفع المنع و يحصل التأثير بارتفاع المنع، و حصول الرضا، و ليس ذلك كمعصية الله اصالة فى ايقاع العقد التى لا يمكن ان يلحقها رضى الله تعالى.

هذا كله مضافا الى فحوى ادلة صحة الفضولى

______________________________

(هذا كله مضافا الى ما يستفاد من صحة نكاح العبد بالاجازة) من المولى (معللا بانه: لم يعص الله، و انما عصى سيده) اى ليست معصية كشرب الخمر، و الا فعصيان المولى عصيان لله تعالى أيضا «فاذا اجاز» المولى «جاز» النكاح.

(اذ المستفاد منه) اى من هذا التعليل (ان كل عقد كان النهى عنه لحق الآدمى) لا لان الله ابطله، كالربا (يرتفع المنع) عن ذلك العقد (و يحصل التأثير) للعقد (بارتفاع المنع، و) ب (حصول الرضا) من ذى الحق (و ليس ذلك كمعصية الله اصالة فى ايقاع العقد) «فى» متعلق بمعصية، اى ان اصل العقد ليس معصية (التى لا يمكن ان يلحقها رضى الله تعالى) فبيع المرهون أيضا كذلك.

(هذا كله) وجه الاستدلال لصحة بيع المرهون (مضافا الى فحوى ادلة صحة الفضولى) اى المناط الموجود فى صحة الفضولى موجود فى المقام، بل الصحة هنا اولى، لان الفضولى يفقد رضى المالك و الاستناد إليه- فان الاستناد لازم فان معنى قوله تعالى: بالعقود، عقود كم- و

ص: 257

لكن الظاهر من التذكرة ان كل من ابطل عقد الفضولى ابطل العقد هنا.

و فيه نظر لان من استند فى البطلان فى الفضولى الى مثل قوله (ص):

لا بيع الا فى ملك، لا يلزمه البطلان هنا.

بل الاظهر ما سيجي ء عن إيضاح النافع من: ان الظاهر وقوف هذا العقد، و ان قلنا ببطلان الفضولى.

و قد ظهر من ذلك ضعف ما قواه بعض من عاصرناه من القول بالبطلان متمسكا بظاهر الاجماعات و الاخبار المحكية على

______________________________

فى المقام يفقد الرضا فقط فلو قلنا بصحة الفضولى كان المقام اولى بالصحة.

(لكن الظاهر من التذكرة ان كل من ابطل عقد الفضولى ابطل العقد هنا) فى الرهن.

(و فيه نظر) اذ لو قلنا ببطلان الفضولى لم يلزم البطلان هنا (لان من استند فى البطلان فى الفضولى الى مثل قوله (ص): لا بيع الا فى ملك، لا يلزمه البطلان هنا) اذ المفروض ان المرهون ملك للبائع.

(بل الاظهر ما سيجي ء عن إيضاح النافع من: ان الظاهر وقوف هذا العقد) اى عقد بيع الرهن، على الاجازة من المرتهن (و ان قلنا ببطلان الفضولى).

(و قد ظهر من ذلك) الّذي ذكرناه من ان مقتضى الادلة الصحة بشرط اجازة المرتهن (ضعف ما قواه بعض من عاصرناه من القول بالبطلان) لبيع الراهن (متمسكا بظاهر الاجماعات و الاخبار المحكية على

ص: 258

المنع و النهى قال: و هو موجب للبطلان و ان كان لحق الغير اذ العبرة بتعلق النهى بالعقد كالأمر خارج منه.

و هو كاف فى اقتضاء الفساد كما اقتضاه فى بيع الوقف، و أمّ الولد، و غيرهما مع استوائهما فى كون سبب النهى حق الغير.

______________________________

المنع) عن البيع (و النهى) عنه (قال: و هو) اى كل من المنع و النهى (موجب للبطلان) لان الاوامر و النواهى المتعلقة بالعقود تقتضى الوضع (و ان كان) كل من المنع و النهى (لحق الغير) لا لحق الله تعالى (اذ العبرة) فى البطلان (بتعلق النهى بالعقد) نهيا (كالأمر خارج منه).

اذ النهى قد يكون لامر خارج، كالنهى عن البيع وقت النداء من يوم الجمعة فانه لا يقتضي الفساد، و لذا قالوا بصحة المعاملة و ان كان المتعامل آثما، لان النهى خارج عن ذات المعاملة.

و قد يكون النهى لامر داخل كالنهى عن بيع المجهول، فانه يوجب البطلان، و النهى فى المقام من هذا القبيل.

(و هو) اى النهى لا لامر خارج (كاف فى اقتضائه الفساد) بالنسبة الى المعاملة (كما اقتضاه) اى النهى، للفساد (فى بيع الوقف، و) بيع (أمّ الولد، و غيرهما) كالمجهول (مع استوائهما) اى بيع الرهن، و بيع أمّ الولد و الوقف (فى كون سبب النهى حق الغير) فكما يبطل بيع الوقف و أمّ الولد كذلك يبطل بيع المرهون.

ص: 259

ثم اورد على نفسه بقوله: فان قلت: فعلى هذا يلزم بطلان عقد الفضولى و عقد المرتهن، مع ان كثيرا من الاصحاب ساووا بين الراهن و المرتهن فى المنع، كما دلت عليه الرواية، فيلزم بطلان عقد الجميع او صحته.

فالفرق تحكم. قلنا: ان التصرف المنهى عنه ان كان انتفاعا بمال الغير فهو محرم، و لا تحل له الاجازة المتعقبة.

______________________________

(ثم اورد على نفسه بقوله: فان قلت: فعلى هذا) الّذي ذكرتم من بطلان بيع الرهن لان فيه حقا للغير (يلزم بطلان عقد الفضولى و عقد المرتهن) لان فى المرهون حقا للراهن (مع ان كثيرا من الاصحاب ساووا بين الراهن و المرتهن فى المنع) فاذا بطل عقد الراهن لزم بطلان عقد المرتهن (كما دلت عليه) اى التساوى بين الراهن و المرتهن (الرواية) حيث قال صلى الله عليه و آله: الراهن و المرتهن ممنوعان (فيلزم بطلان عقد الجميع او صحته) اى صحة عقد الجميع.

(فالفرق) بين الراهن بالبطلان، و بين المرتهن و الفضولى بالصحة (تحكم. قلنا: ان التصرف المنهى عنه) على ثلاثة اقسام:

الانتفاع، و العقد الاستقلالى، و غير الاستقلالى و الفضولى لا يقصد الاستقلال و المرتهن لا يقصد الاستقلال صحيح و الراهن حيث انه يقصد الاستقلال- بحكم ان المال ماله- باطل، فالفارق الاستقلال و عدم الاستقلال (ان كان انتفاعا بمال الغير) كالجلوس فى دار الناس بغير اذنهم (فهو محرم، و لا تحل له الاجازة المتعقبة) و انما فائدة الاجازة المتعقبة ارتفاع الضمان.

ص: 260

و ان كان عقدا او ايقاعا، فان وقع بطريق الاستقلال لا على وجه النيابة عن المالك.

فالظاهر انه كذلك، كما سبق فى الفضولى.

و الا فلا يعد تصرفا يتعلق به النهى، فالعقد الصادر عن الفضولى قد يكون محرما.

و قد لا يكون كذلك.

و كذا الصادر عن المرتهن، ان وقع بطريق الاستقلال المستند الى البناء على ظلم الراهن و غصب حقه، او الى زعم التسلط عليه بمجرد الارتهان

______________________________

(و ان كان عقدا او ايقاعا، فان وقع بطريق الاستقلال لا على وجه النيابة عن المالك) كما لو باع الغاصب لنفسه.

(فالظاهر انه كذلك) باطل أيضا، و محرم (كما سبق فى الفضولى).

(و الا) يقع بطريق الاستقلال (فلا يعد) ذلك التصرف (تصرفا يتعلق به النهى، فالعقد الصادر عن الفضولى قد يكون محرما) اذا وقع استقلالا لا على وجه النيابة عن المالك.

(و قد لا يكون كذلك) اى محرما، و ذلك فيما اذا وقع نيابة عن المالك.

(و كذا) العقد (الصادر عن المرتهن، ان وقع بطريق الاستقلال المستند الى البناء على ظلم الراهن و غصب حقه) بان باع لنفسه، و اراد التصرف فى الزائد عن مقابل الدين (او الى زعم التسلط عليه) اى الى المرهون (بمجرد الارتهان،

ص: 261

كان منهيا عنه.

و ان كان بقصد النيابة عن الراهن فى مجرد اجراء الصيغة، فلا يزيد عن عقد الفضولى، فلا يتعلق به نهى اصلا.

و اما المالك فلما حجر على ماله برهنه و كان عقده لا يقع الا مستندا الى ملكه، و انحصار المالكية فيه و لا معنى لقصده النيابة، فهو منهى عنه، لكونه تصرفا مطلقا، و منافيا للحجر الثابت عليه.

فيتخصص العمومات بما ذكر.

______________________________

كان منهيا عنه) و باطلا.

(و ان كان بقصد النيابة عن الراهن فى مجرد اجراء الصيغة) و ايقاع العقد (فلا يزيد عن عقد الفضولى، فلا يتعلق به) اى بهذا العقد (نهى اصلا) و لا يكون باطلا.

(و اما) وجه البطلان فى عقد (المالك) الراهن (فلما حجر على ماله برهنه) اى بسبب ان رهنه (و كان عقده لا يقع الا مستندا الى ملكه) اى انه انما يوقع العقد على المرهون، لانه ماله (و انحصار المالكية فيه) عطف على مستندا (و لا معنى لقصده النيابة) اذ المال ماله (فهو منهى عنه، لكونه تصرفا مطلقا) لم يؤخذ فيه رضى المرتهن، مع ان المرتهن ذو حق فى المال (و منافيا للحجر الثابت عليه) اى على المال، او على تصرف الراهن.

(فيتخصص العمومات) الدالة على صحة البيع، مثل: احل الله البيع، و: الناس مسلطون على اموالهم (بما ذكر) من انه مال محجور.

ص: 262

و مجرد الملك لا يقضى بالصحة اذ الظاهر- بمقتضى التأمل- ان الملك المسوّغ للبيع هو ملك الاصل، مع ملك المتصرف فيه.

و لذا لم يصح البيع فى مواضع وجد فيها سبب الملك، و كان ناقصا، للمنع عن التصرف.

ثم قال: و بالجملة، فالذى يظهر بالتتبع فى الادلة، ان العقود ما لم تنته الى المالك فيمكن وقوعها موقوفة على اجازته.

______________________________

(و مجرد الملك) للراهن (لا يقضى بالصحة) للعقد الواقع عليه (اذ الظاهر) من النص و الفتوى (- بمقتضى التأمل-) فى الادلة (ان الملك المسوّغ للبيع هو ملك الاصل، مع ملك المتصرف فيه) اى ان يملك المتصرف اصل الشي ء، و ان يملك التصرف فى ذلك الشي ء.

فلو ملك الاصل و لكنه لم يملك التصرف فيه- بان كان محجورا عليه- لم يصح التصرف.

(و لذا) الّذي يشترط الصحة بملك التصرف (لم يصح البيع فى مواضع وجد فيها) اى فى تلك المواضع (سبب الملك، و) لكنه (كان ناقصا، للمنع عن التصرف) «للمنع» متعلق ب «ناقصا» كالصبى و المفلس و المالك للوقف الخاص، و أمّ الولد، و هكذا.

(ثم قال) المعاصر (و بالجملة، فالذى يظهر بالتتبع فى الادلة، ان العقود ما لم تنته الى المالك) بان كان العاقد غير المالك كالفضولى (فيمكن وقوعها موقوفة على اجازته) كما يظهر من رواية عروة البارقى و روايات نكاح العبيد و غيرها.

ص: 263

و اما اذا انتهت الى اذن المالك، او اجازته، او صدرت منه و كان تصرفه على وجه الاصالة فلا تقع على وجهين، بل تكون فاسدة، او صحيحة لازمة اذا كان وضع العقد على اللزوم.

و اما التعليل المستفاد من الرواية المروية فى النكاح من قوله عليه السلام: لم يعص الله و انما عصى سيده الخ، فهو جار فيمن لم يكن له مال، كما ان العبد لا يملك من نفسه، و اما المالك المحجور عليه، فهو عاص

______________________________

(و اما اذا انتهت) العقود (الى اذن المالك، او اجازته) الاذن السابق على العقد، و الاجازة لاحقة عليه (او صدرت) العقود (منه) اى من المالك مباشرة (و كان تصرفه على وجه الاصالة) عطف بيان على «صدرت منه» (فلا تقع على وجهين) متزلزلا و مراعى، بان تكون صحيحة تارة و فاسدة اخرى (بل تكون فاسدة) اذا لم يكن هناك الشرائط المعتبرة فى العقود (او صحيحة لازمة) اذا توفرت الشرائط (اذا كان وضع العقد على اللزوم) شرط لقوله «لازمة» كالبيع و نحوه، لاخراج مثل الهبة، حيث ان صحتها لا تلازم لزومها.

(و اما التعليل المستفاد من الرواية المروية فى النكاح من قوله عليه السلام: لم يعص الله و انما عصى سيده الخ، ف) هذا لا يدل على ان الراهن لم يعص الله ببيعه، و انما عصى المرتهن ذى الحق، فاذا اجاز المرتهن جاز، اذ (هو) اى التعليل (جار فيمن لم يكن له مال، كما ان العبد لا يملك) العقد (من نفسه، و اما المالك) الّذي يملك من نفسه كالراهن (المحجور عليه، فهو عاص

ص: 264

للّه تعالى بتصرفه، و لا يقال: انه عصى المرتهن لعدم كونه مالكا، و انما منع الله من تفويت حقه بالتصرف.

و ما ذكرناه جار فى كل مالك متمول لامر نفسه اذا حجر على ماله لعارض، كالفلس، و غيره، فيحكم بفساد الجميع.

و ربما يتجه الصحة فيما اذا كان الغرض من الحجر رعاية مصلحة كالشفعة

______________________________

للّه تعالى بتصرفه) اذ الله سبحانه لم يأذن لهذا التصرف (و لا يقال:

انه عصى المرتهن) كما قيل فى العبد انه عصى سيده (لعدم كونه مالكا) اى المرتهن ليس بمالك (و انما منع الله من تفويت حقه) اى حق المرتهن (بالتصرف) اى تصرف الراهن فى المال، فهو منع من الله ابتداءً، لا انه منع اللّه تابع لعصيان المرتهن، كما كان فى العبد، حيث ان منع الله له كان تابعا لمنع السيد.

(و ما ذكرناه) من ان التصرف فى مال نفسه المتعلق لحق الغير فاسد (جار فى كل مالك متول لامر نفسه) ممن كان محجورا على ماله (اذا حجر على ماله لعارض، كالفلس) فانه اذا تصرف المفلس كان تصرفه باطلا، لا انه محتاج الى اجازة الغرماء (و غيره) كالمريض فى ازيد من الثلث، على قول (فيحكم بفساد الجميع) اى جميع تصرفات المالك المحجور.

(و ربما يتجه الصحة فيما اذا كان الغرض من الحجر رعاية مصلحة كالشفعة) كالشريك الّذي يبيع حقه من غير الشريك، فان المبيع محجور لمصلحة الشريك، لكن تصرفه نافذ و ليس بباطل.

ص: 265

فالقول بالبطلان هنا كما اختاره اساطين الفقهاء، هو الاقوى، انتهى.

و يرد عليه بعد منع الفرق فى الحكم بين بيع ملك الغير على وجه الاستقلال.

و بيعه على وجه النيابة.

و منع اقتضاء مطلق النهى لا لامر خارج للفساد.

أولا: ان نظير ذلك يتصور فى بيع الراهن، فانه

______________________________

و كيف كان (فالقول بالبطلان هنا) فى بيع الراهن (كما اختاره اساطين الفقهاء، هو الاقوى) التفريع لاصل مسألة بيع الراهن لا ل «ربما» (انتهى) اى كلام المعاصر فى وجه بطلان بيع الراهن.

(و يرد عليه بعد منع الفرق فى الحكم) بالصحة (بين بيع ملك الغير على وجه الاستقلال) كما يفعله الغاصب و الجاهل بان المبيع مال الناس، بل يزعم انه مال نفسه.

(و) بين (بيعه على وجه النيابة) عن المالك، كما يفعله الفضول، بل مقتضى القاعدة صحة كليهما كما تقدم فى باب بيع الفضولى.

(و) بعد (منع اقتضاء مطلق النهى لا لامر خارج للفساد).

اذ النهى اذا كان ارشاد يا اقتضى الفساد.

اما اذا كان مولويا لم يكن مقتضيا للفساد كما حقق فى الاصول فى باب ان النهى عن المعاملة هل يقتضي الفساد، أم لا؟

(أولا: ان نظير ذلك) اى بيع الفضولى متوقعا للاجازة و عدمها تارة، و بيعه استقلالا تارة اخرى (يتصور فى بيع الراهن، فانه) اى

ص: 266

قد يبيع رجاء لاجازة المرتهن، و لا ينوى الاستقلال، و قد يبيع جاهلا بالرهن، او بحكمه، او ناسيا، و لا حرمة فى شي ء من ذلك.

و ثانيا: ان المتيقن من الاجماع و الاخبار على منع الراهن كونه على نحو منع المرتهن، على ما يقتضيه عبارة معقد الاجماع و الاخبار اعنى قولهم: الراهن و المرتهن ممنوعان، و معلوم ان المنع فى المرتهن انما هو على وجه لا ينافى وقوعه موقوفا.

______________________________

الراهن (قد يبيع رجاء الاجازة المرتهن، و لا ينوى الاستقلال، و قد يبيع جاهلا بالرهن) موضوعا (او بحكمه) و انه لا يجوز له البيع الا باجازة المرتهن (او ناسيا) للموضوع او الحكم (و لا حرمة فى شي ء من ذلك) اى البيع جهلا بالموضوع او الحكم، او نسيانا لهما.

و اذ لا حرمة لا فساد، فان المستشكل اراد ان يستدل على الفساد بالحرمة، و لذا رده الشيخ بهذا الرد.

(و ثانيا: ان المتيقن من الاجماع و الاخبار على منع الراهن) عن التصرف (كونه) استقلالا، لا فضولة رجاء الاجازة، فهو (على نحو منع المرتهن) فى كونه ممنوعا استقلالا، لا برجاء الاجازة (على ما يقتضيه عبارة معقد الاجماع و الاخبار اعنى) بالمعقد (قولهم: الراهن و المرتهن ممنوعان، و معلوم ان المنع) عن التصرف (فى المرتهن، انما هو على وجه) الاستقلال، ف (لا ينافى وقوعه) اى البيع من المرتهن (موقوفا) كما يقع البيع من المرتهن موقوفا.

ص: 267

و حاصله يرجع الى منع العقد على الرهن و الوفاء بمقتضاه على سبيل الاستقلال، و عدم مراجعة صاحبه فى ذلك.

و اثبات المنع ازيد من ذلك يحتاج الى دليل، و مع عدمه، يرجع الى العمومات.

و اما ما ذكره من منع جريان التعليل فى روايات العبد فيما نحن فيه مستندا الى الفرق بينهما، فلم اتحقق الفرق بينهما

______________________________

(و حاصله يرجع الى منع العقد على الرهن و الوفاء) بعد ذلك (بمقتضاه) بان تسليم المال الى المشترى (على سبيل الاستقلال، و عدم مراجعة صاحبه) اى صاحب الرهن- و هو المالك- (فى ذلك) الوفاء بمقتضى العقد.

(و اثبات المنع) عن التصرف (ازيد من ذلك) اى ازيد من التصرف الاستقلالى- بان يكون التصرف المتوقف على اجازة الراهن أيضا ممنوعا (يحتاج الى دليل) مفقود (و مع عدمه) اى عدم الدليل (يرجع الى العمومات) الدالة على صحة الفضولى.

و اذا تحقق الامر فى المرتهن كان الراهن مثله فى جواز التصرف على نحو الفضولية و التوقف على اجازة الطرف الآخر.

(و اما ما ذكره) المعاصر (من منع جريان التعليل فى روايات العبد فيما نحن فيه) اى بيع الراهن، و هو قوله «و اما التعليل المستفاد» (مستندا) فى منعه (الى الفرق بينهما) بين نكاح العبد، و بين بيع الراهن (فلم اتحقق الفرق بينهما).

ص: 268

بل الظاهر كون النهى فى كل منهما لحق الغير، فان منع الله- جل ذكره- من تفويت حق الغير ثابت فى كل ما كان النهى عنه لحق الغير من غير فرق بين بيع الفضولى، و نكاح العبد، و بيع الراهن.

و اما ما ذكره من المساوات بين بيع الراهن و بيع الوقف و أمّ الولد.

ففيه ان الحكم فيهما تعبد.

و لذا لا يؤثر الاذن السابق فى صحة البيع.

______________________________

اذ كل منهما ليس معصية ذاتية كشرب الخمر، بل عصيان، لانه تصرف فى حق الغير، فاذا اجاز الغير «ذى الحق» جاز (بل الظاهر كون النهى فى كل منهما) اى من نكاح العبد، و بيع الراهن (لحق الغير، فان منع الله- جل ذكره- من تفويت حق الغير ثابت فى كل ما كان النهى عنه لحق الغير) لا لاجل امر ذاتى حاصل فى نفس المنهى عنه (من غير فرق بين بيع الفضولى، و نكاح العبد، و بيع الراهن) و سائر معاملات الفضول، كإجارته، و مضاربته، و مزارعته، و مساقاته، و غيرها.

(و اما ما ذكره من المساوات بين بيع الراهن و بيع الوقف و أمّ الولد) فكما لا يصح هذين، لا يصح بيع الراهن.

(ففيه ان الحكم فيهما) بيع الوقف و أمّ الولد (تعبد) لامر ذاتى فيهما.

(و لذا لا يؤثر الاذن السابق) من مالك أمّ الولد، و مالك الوقف (فى صحة البيع) بخلاف بيع الرهن حيث لا نهى ذاتى فيه، و لذا

ص: 269

فقياس الرهن عليه فى غير محله.

و بالجملة: فالمستفاد من طريقة الاصحاب، بل الاخبار: ان المنع من المعاملة اذا كان لحق الغير الّذي يكفى اذنه السابق لا يقتضي الابطال رأسا، بل انما يقتضي الفساد بمعنى عدم ترتب الاثر عليه مستقلا من دون مراجعة ذى الحق.

و يندرج فى ذلك الفضولى، و عقد الراهن، و المفلس، و المريض، و عقد الزوج لبنت اخت زوجته، او اخيها،

______________________________

يؤثر اذن المرتهن السابق فى صحة البيع.

(فقياس الرهن عليه) على بيع الوقف و أمّ الولد (فى غير محله).

(و بالجملة: فالمستفاد من طريقة الاصحاب) التى تظهر من كلامهم فى باب الفضولى و غيره (بل الاخبار: ان المنع من المعاملة اذا كان لحق الغير الّذي يكفى) فى رفع المنع (اذنه السابق) بان كان المحذور فقط عدم اذن ذى الحق (لا يقتضي) اجراء المعاملة بدون الاذن السابق (الابطال) للمعاملة (رأسا) سواء اجاز بعد ذلك ذو الحق، أم لا (بل انما يقتضي الفساد بمعنى عدم ترتب الاثر عليه) اى على ذلك التعامل، اذ اراد العامل ترتيب الاثر (مستقلا من دون مراجعة ذى الحق) لا سابقا و لا لاحقا.

(و يندرج فى ذلك) اى فى الّذي قلنا انه يستفاد من طريقة الاصحاب (الفضولى، و عقد الراهن، و المفلس، و المريض، و عقد الزوج لبنت اخت زوجته، او) بنت (اخيها) اى ادخال امرأة على عمتها او خالتها

ص: 270

و للامة على الحرة، و غير ذلك.

فان النهى فى جميع ذلك انما يقتضي الفساد بمعنى عدم ترتب الاثر المقصود من العقد عرفا، و هو صيرورته سببا مستقلا لآثاره من دون مدخلية رضاء غير المتعاقدين.

و قد يتخيل وجه آخر لبطلان البيع هنا بناء على ما سيجي ء من:

ان ظاهرهم كون الاجازة هنا كاشفة، حيث انه يلزم منه كون مال غير الراهن

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 9، ص: 271

______________________________

(و للامة على الحرة، و غير ذلك) كعقد المرتهن.

فان الفضولى يحتاج الى اجازة ذى الحق، و المفلس الى الغرماء و المريض فيما زاد عن الثلث الى الورثة، و عقد المرأة الى اجازة العمة الخالة و الزوجة الحرة.

(فان النهى فى جميع ذلك انما يقتضي الفساد بمعنى عدم ترتب الاثر المقصود من العقد عرفا) «عرفا» قيد «للمقصود» (و هو) اى المقصود (صيرورته) اى العقد (سببا مستقلا لآثاره) اى آثار العقد (من دون مدخلية رضاء غير المتعاقدين) فان هنا لرضى ذى الحق «الّذي هو غير المتعاقدين» مدخلا، فان المتعاقدين هما الراهن و المشترى، و لرضى المرتهن مدخل، و هكذا فى سائر الموارد التى ذكرناها.

(و قد يتخيل وجه آخر لبطلان البيع هنا) فى بيع الراهن.

و هذا الوجه انما يكون (بناء على ما سيجي ء من: ان ظاهرهم كون الاجازة هنا كاشفة) لا ناقلة، و هذا الوجه هو (حيث انه يلزم منه) اى من كون بيع الراهن صحيحا (كون مال غير الراهن

ص: 271

- و هو المشترى- رهنا للبائع.

و بعبارة اخرى الرهن و البيع متنافيان فلا يحكم بتحققهما فى زمان واحد، اعنى ما قبل الاجازة.

و هذا نظير ما تقدم فى مسألة: من باع شيئا ثم ملكه، من انه على تقدير صحة البيع، يلزم كون الملك لشخصين فى الواقع.

______________________________

- و هو المشترى-) اذ المال بمجرد البيع ينتقل الى المشترى- بناء على كشف اجازة المرتهن من سبق انتقال المال، من حين البيع- (رهنا للبائع) اى لفائدة البائع، اذ البائع هو المديون.

(و بعبارة اخرى الرهن و البيع متنافيان) اذ الرهن يقتضي بقاء الوثيقة فى ملك الراهن ليقتص منه المرتهن، اذا لم يعط الراهن دينه و البيع معناه انه لا يملك الراهن الوثيقة (فلا يحكم بتحققهما فى زمان واحد، اعنى ما قبل الاجازة) من المرتهن.

(و هذا نظير ما تقدم فى مسألة: من باع شيئا ثم ملكه، من) الاشكال فى صحة مثل هذا البيع، ف (انه على تقدير صحة البيع، يلزم كون الملك لشخصين فى الواقع) بناء على الكشف، اذ لو باع زيد مال ابيه يوم الخميس ثم ملكه يوم الجمعة بسبب موت الأب، فان بين الخميس و الجمعة المال للاب، لانه المالك، و للابن لان ملكية يوم الجمعة للابن يكشف عن صحة البيع فى يوم الخميس.

فكما ان هما متنافيين، كذلك فى ما نحن فيه البيع و الرهن متنافيان.

ص: 272

و يدفعه ان القائل يلتزم بكشف الاجازة عن عدم الرهن فى الواقع.

و الا لجرى ذلك فى عقد الفضولى أيضا لان فرض كون المجيز مالكا للمبيع نافذا الاجازة، يوجب تملك مالكين لملك واحد قبل الاجازة.

و اما ما يلزم فى مسألة: من باع شيئا ثم ملكه، فلا يلزم فى مسألة اجازة المرتهن.

______________________________

(و يدفعه) اى اشكال التنافى بين الرهن و البيع (ان القائل) بصحة بيع الراهن (يلتزم بكشف الاجازة عن عدم الرهن فى الواقع) فان معنى الاجازة ان المرتهن رفع اليد عن كون دينه فى مقابل الوثيقة، بل اكتفى بان يكون له دين على الراهن بدون الوثيقة.

(و الا) فلو جرى هذا الاشكال فى باب بيع الراهن (لجرى ذلك) الاشكال (فى عقد الفضولى أيضا) مع ان المعاصر لا يستشكل فى عقد الفضولى (لان فرض كون المجيز مالكا للمبيع نافذ الاجازة، يوجب تملك مالكين) المجيز و المشترى (لملك واحد قبل الاجازة) المجيز لانه المالك واقعا، و المشترى لان الاجازة كاشفة عن صحة البيع من حين البيع.

(و اما ما يلزم) من الاشكال (فى مسألة: من باع شيئا ثم ملكه، فلا يلزم فى مسألة اجازة المرتهن) اذ اشكال «من باع» فى لزوم ان يكون لشي ء واحد مالكان.

و من المعلوم ان المرتهن ليس مالكا حتى يلزم وجود مالكين على ملك واحد فيما بين العقد و الاجازة.

ص: 273

نعم يلزم فى مسألة افتكاك الرهن، و سيجي ء التنبيه عليه إن شاء اللّه تعالى.

ثم ان الكلام فى كون الاجازة من المرتهن كاشفة، او ناقلة هو الكلام فى مسئلة الفضولى.

و محصله ان مقتضى القاعدة النقل، الا ان الظاهر من بعض الاخبار هو الكشف.

و القول بالكشف هناك يستلزمه

______________________________

(نعم يلزم) الاشكال (فى مسألة افتكاك الرهن) لانه بين العقد و الاجازة يجب ان يكون المال رهنا و لا رهنا.

اذ بمقتضى انه مرهون فهو رهن، و بمقتضى ان الاجازة كاشفة عن ملك المشترى من حين العقد يلزم ان لا يكون رهنا، و هما متنافيان (و سيجي ء التنبيه عليه إن شاء الله تعالى) هذا.

(ثم ان الكلام فى كون الاجازة من المرتهن) لبيع الراهن (كاشفة) عن صحة البيع من حين العقد (او ناقلة) من حين الاجازة (هو الكلام فى مسئلة الفضولى).

فمن قال بالكشف هناك، يقول بالكشف هنا.

و من قال بالنقل هناك، يقول بالنقل هنا.

(و محصله ان مقتضى القاعدة) التى تقدم تقريرها فى باب الفضولى (النقل، الا ان الظاهر من بعض الاخبار، هو الكشف).

(و) من المعلوم: ان (القول بالكشف هناك) فى باب الفضولى (يستلزمه)

ص: 274

هنا بالفحوى، لان اجازة المالك اشبه بجزء المقتضى، و هى هنا من قبيل رفع المانع.

و من اجل ذلك جوزوا عتق الراهن هنا مع تعقب اجازة المرتهن، مع ان الايقاعات عندهم لا تقع مراعاة.

و

______________________________

اى الكشف (هنا) فى باب بيع الراهن (بالفحوى) و الاولوية، لان البائع فى باب الفضولى ليس مالكا، و فى باب الراهن البائع مالك (لان اجازة المالك اشبه بجزء المقتضى) فى باب الفضولى، فقبل الاجازة لم يتم المقتضى (و هى) اى اجازة المرتهن (هنا) فى باب الرهن (من قبيل رفع المانع) بعد وجود المقتضى.

و من المعلوم: ان المقتضى ان لم يتم، كان معناه عدم وجود العلة، بخلاف ما اذا تم المقتضى، و لكنه كان مانعا عن التأثير.

و لذا فالصحة هنا اولى من الصحة فى باب الفضولى.

فالقول بالكشف فى باب الرهن اولى من القول بالكشف فى باب الفضولى.

(و من اجل ذلك) الّذي ذكرنا ان باب الرهن اولى بالصحة من باب الفضولى (جوزوا عتق الراهن هنا مع تعقب اجازة المرتهن، مع ان الايقاعات) التى منها العتق (عندهم لا تقع مراعاة) بالاجازة.

(و) ان قلت: ليس ذلك لاجل اولوية باب الرهن من باب الفضولى بل لاجل بناء العتق على التغليب، بمعنى انه مهما وجدت رائحة العتق حصل العتق.

ص: 275

الاعتذار عن ذلك- ببناء العتق على التغليب، كما فعله المحقق الثانى فى كتاب الرهن فى مسئلة عفو الراهن عن جناية الجانى على العبد المرهون- مناف لتمسكهم فى العتق بعمومات العتق، مع ان العلامة قدس سره فى تلك المسألة قد جوز العفو مراعى بفك الرهن.

هذا اذا رضى المرتهن بالبيع، و اجازه.

______________________________

قلت هذا غير تام، اذ (الاعتذار عن ذلك) اى عن وقوع العتق الفضولى فى باب الرهن (- ببناء العتق على التغليب، كما فعله المحقق الثانى فى كتاب الرهن فى مسئلة عفو الراهن عن جناية الجانى على العبد المرهون-) اذ ربما تكون هذه الجناية موجبة لسقوط العبد عن الوثيقية الكاملة، كما اذا كان الدين مائة و كان العبد يسوى مائة، و بعد ان فقئت عيناه بواسطة جناية الجانى كانت قيمته خمسين دينارا- مثلا- فاذا عفى الراهن عن الجانى كان معناه اسقاط الرهن عن الوثيقية الكاملة.

فهذا الاعتذار (مناف لتمسكهم فى العتق بعمومات العتق) لا بانه من باب التغليب، و «مناف» خبر «الاعتذار» (مع ان العلامة قدس سره فى تلك المسألة قد جوز العفو مراعى بفكّ الرهن) فان انفك الرهن كان عفو المالك فى محله، و الا لم يكن لعفوه أثر اذ هو عفو فى حق الغير.

(هذا) الّذي ذكرناه من بيع الراهن، و انه صحيح كالفضولى، و ليس باطلا- كما ادعاه المعاصر- (اذا رضى المرتهن بالبيع، و اجازه).

انما قال «و اجازه» لان الرضى الباطنى لا ينفع بدون الاجازة المظهرة له.

ص: 276

اما اذا اسقط حق الرهن ففى كون الاسقاط كاشفا، او ناقلا، كلام يأتى فى افتكاك الرهن او ابراء الدين.

ثم انه لا اشكال فى انه لا ينفع الردّ بعد الاجازة، و هو واضح و هل ينفع الاجازة بعد الرد؟ وجهان من: ان الرد فى معنى عدم رفع اليد عن حقه، فله اسقاطه بعد ذلك و ليس ذلك كردّ بيع الفضولى لان المجيز هناك فى معنى احد المتعاقدين.

______________________________

(اما اذا اسقط حق الرهن) بان خرجت الوثيقة عن كونها وثيقة، و رجعت الى مالكها مطلقة بدون تعلق بها (ففى كون الاسقاط كاشفا) حتى يكون البيع واقعا من حال العقد (او ناقلا) حتى يكون البيع حاصلا من حال اسقاط حق الرهن (كلام يأتى فى افتكاك الرهن او ابراء الدين) الّذي كان الرهن بإزائه، بان أبرأ المرتهن الدين الّذي له على الراهن.

(ثم انه لا اشكال فى انه لا ينفع الرد) من المرتهن، لمعاملة الراهن (بعد الاجازة) فان اجاز المرتهن ثم استثنى و اراد الردّ لم ينفع رده (و هو واضح) اذ الاجازة اوجبت صحة العقد اللازم، و بعد انعقاد العقد ليس مجال لرده (و هل ينفع الاجازة بعد الرد؟) كما لو سمع المرتهن ان الراهن باع، فقال رددت، ثم اراد اجازته (وجهان).

وجه المنع (من: ان الردّ فى معنى عدم رفع اليد عن حقه، فله اسقاطه) اى اسقاط الرد- بان يرفع اليد عن حقه- (بعد ذلك، و ليس ذلك) الردّ فى المقام (كردّ بيع الفضولى) حيث تقدم انه لا مجال للاجازة بعد ذلك (لان المجيز هناك) فى بيع الفضولى (فى معنى احد المتعاقدين)

ص: 277

و قد تقرر ان ردّ احد العاقدين مبطل لانشاء العاقد الآخر، بخلافه هنا فان المرتهن اجنبى له حق فى العين.

و من: ان الايجاب المؤثر انما يتحقق برضاء المالك و المرتهن، فرضاء كل منهما جزء مقوّم للايجاب المؤثر.

فكما ان ردّ المالك فى الفضولى مبطل للعقد بالتقريب المتقدم.

كذلك رد المرتهن، و هذا

______________________________

و الاجازة قائمة مقام احد ركنى العقد.

(و قد تقرر ان ردّ احد العاقدين مبطل لانشاء العاقد الآخر) فلو قال البائع بعت، فقال المشترى، لم اشتر، فانه يبطل قول البائع «بعت» و لو قبل الاشتراء بعد ذلك، لعدم تحقق «العقود» فلا يشمله: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (بخلافه) اى الرد (هنا) فى باب الرهن (فان المرتهن اجنبى) و انما (له حق) فقط (فى العين) و انما الراهن هو المالك فاذا اسقط حقه اثر العقد اثره.

(و) وجه ان الرد موجب لعدم فائدة فى اسقاطه (من: ان الايجاب المؤثر انما يتحقق برضاء المالك و المرتهن) لان لهما معا الحق فى الملك (فرضاء كل منهما جزء مقوّم للايجاب المؤثر) فايهما لم يتحقق لم يتحقق النقل و الانتقال.

(فكما ان ردّ المالك فى الفضولى مبطل للعقد بالتقريب المتقدم) اذ لا يتحقق صدق: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

(كذلك رد المرتهن) يوجب عدم الانعقاد، و ان اجاز بعد ذلك (و هذا

ص: 278

هو الاظهر من قواعدهم.

ثم ان الظاهر: ان فك الرهن بعد البيع بمنزلة الاجازة لسقوط حق المرتهن بذلك، كما صرح به فى التذكرة، و حكى عن فخر الاسلام، و الشهيد فى الحواشى و هو الظاهر عن المحقق، و الشهيد الثانيين.

و يحتمل عدم لزوم العقد بالفك، كما احتمله فى القواعد، بل مطلق السقوط الحاصل بالاسقاط، او الابراء، او بغيرهما، نظرا الى ان

______________________________

هو الاظهر من قواعدهم) و ان كان العرف يرى عدم البأس بالقبول بعد الرد.

(ثم ان الظاهر: ان فك الرهن بعد البيع بمنزلة الاجازة) فاذا باع الراهن ثم- قبل ردّ المرتهن- فك الرهن كان البيع صحيحا (لسقوط حق المرتهن) الّذي كان مانعا عن نفوذ البيع (بذلك) الفكّ (كما صرح به فى التذكرة، و حكى عن فخر الاسلام، و الشهيد فى الحواشى و هو الظاهر عن المحقق، و الشهيد الثانيين) صاحب جامع المقاصد و شرح اللمعة.

(و يحتمل عدم لزوم العقد بالفك) للرهن (كما احتمله فى القواعد، بل) لا ينفع فى تصحيح البيع (مطلق السقوط) لحق المرتهن (الحاصل) ذلك السقوط (بالاسقاط) بان اسقط المرتهن حقه فى الرهن (او الابراء) بان أبرأ الراهن من الدين اصلا (او بغيرهما) كما لو صالح عن حقه بشي ء مثلا، او ورث الراهن المرتهن.

و انما قال هؤلاء: بعدم فائدة الابراء و نحوه فى لزوم البيع (نظرا الى ان

ص: 279

الراهن تصرف فيما فيه حق المرتهن، و سقوطه بعد ذلك لا يؤثر فى تصحيحه.

و الفرق بين الاجازة و الفك ان مقتضى ثبوت الحق له، هو صحة امضائه للبيع الواقع فى زمان حقه، و ان لزم من الاجازة سقوط حقه، فيسقط حقه بلزوم البيع.

و بالجملة فالاجازة تصرف من المرتهن فى الرهن حال وجود حقه اعنى حال العقد بما يوجب سقوط حقه نظير اجازة المالك،

______________________________

الراهن تصرف فيما فيه حق المرتهن، و سقوطه) اى حق المرتهن (بعد ذلك) التصرف (لا يؤثر فى تصحيحه) اى تصحيح البيع.

(و) ان قلت: فلما ذا تقولون بانه اذا اجاز المرتهن، كان البيع نافذا؟ و اىّ فرق بين الاجازة و بين الفك؟

قلت: (الفرق بين الاجازة و الفك ان مقتضى ثبوت الحق له) اى للمرتهن (هو صحة امضائه للبيع الواقع فى زمان حقه، و ان لزم من الاجازة سقوط حقه) اى حق المرتهن، و «ان» وصلية، اى لا منافات بين وجود الحق للمرتهن سابقا على الاجازة، و سقوط حقه بالاجازة (فيسقط حقه بلزوم البيع) الحاصل ذلك اللزوم بالاجازة.

(و بالجملة فالاجازة) من المرتهن (تصرف من المرتهن فى الرهن حال وجود حقه اعنى حال العقد) اى عقد الراهن على المرهون، اذ المرتهن له الحق فى المرهون حال عقد الراهن عليه (بما) متعلق ب «تصرف» (يوجب سقوط حقه) فهو (نظير اجازة المالك) للفضولى.

اذ كلا من المرتهن و المالك صاحب حق فى المال الواقع عليه العقد

ص: 280

بخلاف الاسقاط، او السقوط بالابراء، او الاداء، فانه ليس فيه دلالة على مضى العقد حال وقوعه.

فهو اشبه شي ء ببيع الفضولى، او الغاصب لنفسهما ثم تملكهما.

و قد تقدم الاشكال فيه عن جماعة، مضافا الى استصحاب عدم اللزوم الحاكم على عموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بناء على ان هذا العقد غير لازم قبل السقوط، فيستصحب حكم الخاص.

______________________________

(بخلاف الاسقاط) اى اسقاط حق المرتهن فى المال المرهون (او السقوط) لحقه (بالابراء، او الاداء، فانه ليس فيه دلالة على مضى العقد حال وقوعه) اى وقوع العقد.

(فهو) اى عقد الراهن ثم سقوط حق المرتهن (اشبه شي ء ببيع الفضولى، او الغاصب لنفسهما) لا للمالك (ثم تملكهما) للمال.

(و قد تقدم الاشكال فيه عن جماعة) لان حق المالك حال العقد لم يسقط باجازة من المالك، فهو بيع لمال الغير من دون اجازته (مضافا الى استصحاب عدم اللزوم) فيما اذا باع الراهن ثم سقط حقه، فان البيع قبل سقوط حقه لم يكن لازما، فاذا شك فى اللزوم، كان استصحاب عدم اللزوم محكما (الحاكم على عموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) اذ المعنى (عقودكم) و سابقا لم يكن عقودكم، فاذا شك فى انه صار بالاسقاط عقودكم، أم لا، كان استصحاب العدم محكما (بناء على ان هذا العقد) اى عقد الراهن (غير لازم قبل السقوط) لحق المرتهن (فيستصحب حكم الخاص) اى كون الراهن ممنوعا من التصرف الّذي خصص عموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

ص: 281

و ليس ذلك محل التمسك بالعام، اذ ليس فى اللفظ عموم زمانى، حتى يقال: ان المتيقن خروجه، هو العقد قبل السقوط فيبقى ما بعد السقوط داخلا فى العام.

و يؤيد ما ذكرناه بل يدل عليه ما يظهر من بعض الروايات من عدم صحة نكاح العبد بدون اذن سيده بمجرد عتقه، ما لم يتحقق

______________________________

(و ليس ذلك محل التمسك بالعام) اى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (اذ ليس فى اللفظ) اى «لفظ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (عموم زمانى) بان يقال: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، شامل لكل عقد، و لكل زمان، فبيع الراهن يجب الوفاء به فى كل زمان حين العقد و بعد العقد قبل السقوط، و بعد العقد بعد السقوط، خرج من هذا العام الزمانى حال العقد و قبل السقوط- لتخصيص «الراهن ممنوع من التصرف» لهذا العام- فيبقى بعد السقوط داخلا فى عموم: اوفوا.

لكن هذا التمسك بالعموم الزمانى غير تام، اذ ليس فى «اوفوا» عموم زمانى (حتى يقال: ان المتيقن خروجه، هو العقد قبل السقوط) اى سقوط حق المرتهن (فيبقى ما بعد السقوط داخلا فى العام) اى العموم الزمانى المستفاد من «اوفوا».

(و يؤيد ما ذكرناه) من عدم فائدة سقوط حق المرتهن فى تصحيح بيع الراهن (بل يدل عليه ما يظهر من بعض الروايات من عدم صحة نكاح العبد بدون اذن سيده بمجرد عتقه) فانه لو تزوج بدون اذن السيد ثم اعتق، لم ينفعه العتق فى صحة النكاح، مع انه ملك امره حالا (ما لم يتحقق

ص: 282

الاجازة و لو بالرضا المستكشف من سكوت السيد مع علمه بالنكاح هذا.

و لكن الانصاف: ضعف الاحتمال المذكور من جهة: ان عدم تأثير بيع المالك فى زمان الرهن ليس الا لمزاحمة حق المرتهن المتقدم على حق المالك، بتسليط المالك.

فعدم الأثر ليس لقصور فى المقتضى، و انما هو من جهة المانع.

فاذا زال أثر المقتضى.

______________________________

الاجازة) من السيد (و لو) كانت الاجازة (بالرضا المستكشف) ذلك الرضا (من سكوت السيد مع علمه بالنكاح هذا).

(و لكن الانصاف: ضعف الاحتمال المذكور) اى احتمال عدم نفوذ عقد الراهن، بعد ان سقط حق المرتهن (من جهة: ان عدم تأثير بيع المالك فى زمان الرهن ليس الا لمزاحمة حق المرتهن) اذ حق المرتهن يحول دون نفوذ عمل الراهن المالك (المتقدم) ذلك الحق (على حق المالك ب) سبب (تسليط المالك) المرتهن على ماله.

و من المعلوم: ان المالك اذا سلط احدا على ماله تسليطا لازما، لم يكن له ان يرجع عن ذلك التسليط، و لذا يقدّم تسليطه المرتهن على سلطة نفسه على نفس المال.

(فعدم الأثر) اى أثر معاملة الراهن و بيعه (ليس لقصور فى المقتضى) اى ملكية المالك الراهن (و انما هو من جهة المانع) و هو حق المرتهن.

(فاذا زال) المانع (أثّر المقتضى) الّذي هو الملك و لا يتوقف على

ص: 283

و مرجع ما ذكرنا الى ان ادلة سببية البيع المستفادة من نحو:

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و: الناس مسلطون على اموالهم، و نحو ذلك عامة.

و خروج زمان الرهن يعلم من جهة مزاحمة حق المرتهن الّذي هو اسبق.

فاذا زال المزاحم وجب تأثير السبب.

و لا مجال لاستصحاب عدم تأثير البيع للعلم بمناط المستصحب،

______________________________

اجازة المرتهن.

(و مرجع ما ذكرنا) من عدم الاحتياج الى اذن المرتهن، بعد سقوط حقه (الى ان ادلة سببية البيع) للنقل و الانتقال (المستفادة) تلك السببية (من نحو: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و: الناس مسلطون على اموالهم و نحو ذلك) نحو: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ (عامة) تشمل كل زمان و مكان و غيرهما من سائر المزايا و الخصوصيات.

(و خروج زمان الرهن يعلم من جهة مزاحمة حق المرتهن الّذي هو) اى حق المرتهن (اسبق) من حق الراهن فى البيع.

(فاذا زال المزاحم وجب تأثير السبب) الّذي هو الملكية بدون شرط او قيد.

(و لا مجال لاستصحاب عدم تأثير البيع) بان يقال: ما دام الملك مرهونا كان البيع متوقفا على اجازة المرتهن.

فاذا فك الرهن نشك فى انه هل زال التوقف، أم لا؟ فالاصل بقاء التوقف.

و انما لا مجال لاستصحاب عدم تأثير البيع (للعلم بمناط المستصحب)

ص: 284

و ارتفاعه.

فالمقام من باب وجوب العمل بالعام، لا من مقام استصحاب حكم الخاص، فافهم.

و اما قياس ما نحن فيه على نكاح العبد بدون اذن سيده فهو قياس مع الفارق، لان المانعية عن سببية نكاح العبد بدون اذن سيده، قصور تصرفاته عن الاستقلال فى التأثير، لا مزاحمة حق السيد لمقتضى النكاح.

______________________________

و هو حق المرتهن (و) العلم ب (ارتفاعه) اذ بعد الفك لاحق المرتهن.

(فالمقام من باب وجوب العمل بالعام) الّذي هو: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و نحوه (لا من مقام استصحاب حكم الخاص) الّذي هو كون الراهن ممنوعا من التصرف (فافهم) اذ ان صحة البيع بعد الفك لا ينافى توقف البيع على الاجازة، لانه كان تصرفا فى المال الّذي للمرتهن حق فيه و سقوط حق المرتهن- فى حال البيع- بالفك خلاف الاستصحاب.

(و اما قياس ما نحن فيه على نكاح العبد بدون اذن سيده) حيث تقدم ان ظاهر بعض الروايات عدم فائدة تحريره فى اللزوم اذا لم يجوزه السيد (فهو قياس مع الفارق، لان المانعية عن سببية نكاح العبد بدون اذن سيده، قصور تصرفاته) اى العبد (عن الاستقلال فى التأثير).

فذلك من باب عدم المقتضى (لا مزاحمة حق السيد لمقتضى النكاح) حتى يكون من باب وجود المانع.

و ما نحن فيه من باب وجود المانع، لا من باب عدم المقتضى- كما تقدم-.

ص: 285

اذ لا منافات بين كونه عبدا، و كونه زوجا.

و لاجل ما ذكرنا لو تصرف العبد لغير السيد ببيع او غيره، ثم انعتق العبد، لم ينفع فى تصحيح ذلك التصرف هذا.

و لكن مقتضى ما ذكرنا سقوط حق الرهانة بالفك، او الاسقاط، او الابراء، او غير ذلك،

______________________________

(اذ لا منافات بين كونه عبدا، و كونه زوجا) اذ الزوجية خصوصا فى مثل المتعة لا تنافى حق المولى اطلاقا.

و هذا دليل على انه انما لا ينفذ النكاح لعدم تمامية المقتضى.

(و لاجل ما ذكرنا) من ان تصرف العبد لعدم المقتضى لا لوجود المانع، و لذا لا ينفع عتقه فى تصحيح زواجه السابق- فى حال كونه عبدا- (لو تصرف العبد) تصرفا منافيا لحق السيد (لغير السيد) بان كان التصرف لاجنبى (ببيع او غيره، ثم انعتق العبد، لم ينفع) العتق (فى تصحيح ذلك التصرف) اذ التصرف- حال وقوعه- كان فى حق المولى، و العتق لا يوجب تقلّب ذلك التصرف من كونه فى حق المولى، الى كونه تصرفا جائزا (هذا) وجه عدم صحة قياس بيع الراهن بنكاح العبد.

(و لكن مقتضى ما ذكرنا) من كون الفك موجبا لعدم الاحتياج الى اجازة المرتهن «كون» خبر «مقتضى» (سقوط حق الرهانة بالفك، او الاسقاط) اى اسقاط المرتهن لكون الشي ء رهنا عنده، و ان كان لم يسقط دينه (او الابراء) اى ابراء الدين فيسقط الرهن تبعا (او غير ذلك)

ص: 286

ناقلا و مؤثرا من حينه، لا كاشفا عن تأثير العقد من حين وقوعه، خصوصا بناء على الاستدلال على الكشف بما ذكره جماعة ممن قارب عصرنا، من ان مقتضى مفهوم الاجازة امضاء العقد من حينه، فان هذا غير متحقق فى افتكاك الرهن.

فهو نظير بيع الفضولى، ثم تملكه للمبيع حيث انه لا يسع القائل بصحته الا التزام تأثير العقد من حين انتقاله عن ملك

______________________________

كالصلح على الدين، او على حقه فى الرهن- مثلا- (ناقلا) خبر «كون» (و مؤثرا من حينه) اى حين الابراء (لا كاشفا عن تأثير العقد من حين وقوعه) اذ المانع عن نفوذ البيع الآن- حين الابراء- ارتفع، فالآن يؤثر العقد اثره.

اما قبل ذلك فوجود المانع يمنع عن تأثير العقد، لا تأثيرا حال وقوع العقد، و لا تأثيرا عند الفك، كشفا (خصوصا) قيد «لا كاشفا» (بناء على الاستدلال على الكشف بما ذكره جماعة ممن قارب عصرنا، من ان: مقتضى مفهوم الاجازة امضاء العقد من حينه) لا معناها امضاء العقد من حين الاجازة.

و انما قلنا «خصوصا» (فان هذا) اى الامضاء من حين العقد (غير متحقق فى افتكاك الرهن) اذ حال العقد لو نفذ البيع لزم ان يكون ملك المشترى رهنا فى مقابل دين البائع.

(فهو) اى بيع الرهن (نظير بيع الفضولى، ثم تملكه للمبيع) اى تملك الفضولى لما باعه، كما لو باع مال ابيه ثم ورثه من الأب (حيث انه لا يسع القائل بصحته الا التزام تأثير العقد من حين انتقاله عن ملك

ص: 287

المالك الاول، لا من حين العقد، و إلا لزم فى المقام كون ملك الغير رهنا لغير مالكه، كما يلزم فى تلك المسألة كون المبيع لمالكين فى زمان واحد لو قلنا بكشف الاجازة للتأثير من حين العقد هذا.

و لكن ظاهر كل من قال: بلزوم العقد، هو القول بالكشف.

و قد تقدم عن القواعد فى مسئلة عفو الراهن عن الجانى على المرهون ان الفك يكشف عن صحته.

______________________________

المالك الاول) كزمان موت الأب (لا من حين العقد، و الا) فلو قلنا بالكشف (لزم فى المقام) اى بيع الراهن الرهن، ثم فك الرهن (كون ملك الغير رهنا لغير مالكه) اذ معنى الكشف انه من حين العقد «حال كونه رهنا» للمشترى و الحال ان المديون للمرتهن هو البائع (كما يلزم) على الكشف (فى تلك المسألة) اى مسألة: من باع ثم ملك (كون المبيع لمالكين فى زمان واحد) الأب لانه المالك قبل ان يموت، و المشترى من الابن، لغرض ان الموت كشف عن الانتقال من حين العقد (لو قلنا بكشف الاجازة للتأثير) فى النقل و الانتقال (من حين العقد هذا) ما يقتضيه القواعد.

(و لكن ظاهر كل من قال: بلزوم العقد) اى عقد الراهن اذا اجاز المرتهن (هو القول بالكشف) فيرد عليهم الاشكال المتقدم، و هو لزوم ان يكون ملك المشترى رهنا بالدين البائع، و هذا خلاف قواعد الرهن.

(و قد تقدم عن القواعد فى مسئلة عفو الراهن عن الجانى على المرهون) «على» متعلق ب «الجانى» (ان الفك) للرهن (يكشف عن صحته)

ص: 288

و يدل على الكشف أيضا ما استدلوا به على الكشف فى الفضولى من ان العقد سبب تام الى آخر ما ذكره فى الروضة، و جامع المقاصد.

ثم ان لازم الكشف- كما عرفت فى مسألة الفضولى- لزوم العقد قبل اجازة المرتهن من طرف الراهن و المشترى فلا يجوز له فسخه بل، و لا ابطاله بالاذن للمرتهن فى البيع.

______________________________

اى صحة العفو، و هذا مؤيّد للكشف أيضا.

(و يدل على الكشف أيضا) اى كون فك الرهن كاشفا عن الانتقال من حين العقد (ما استدلوا به على الكشف فى) بيع (الفضولى من ان العقد سبب تام) فهو يؤثر اثره (الى آخر ما ذكره فى الروضة، و جامع المقاصد).

و هنا فى باب الرهن أيضا يستدل بنفس الدليل.

و الجواب عنه ان العقد غير المقترن بالاجازة من ذى الحق ليس سببا تاما، فاذا لحقت الاجازة صار المسبب تاما و فى هذا الحال يؤثر اثره.

(ثم ان لازم الكشف- كما عرفت فى مسألة الفضولى- لزوم العقد قبل اجازة المرتهن) لزوما (من طرف الراهن) البائع (و المشترى) لانهما اجريا العقد، فلا شأن لهما فى الفسخ، كما ان المشترى فى بيع الفضولى، لو اشترى من الفضولى، لم يكن له حق فى الفسخ، و انما الامر متوقف على اجازة المالك فقط (فلا يجوز له) اى للراهن (فسخه) اى العقد (بل، و لا ابطاله) ابطالا- لا بالفسخ- بل (بالاذن للمرتهن فى البيع) اذ لا فرق بين الفسخ و الابطال فى انه ليس من حق البائع بعد ان

ص: 289

نعم يمكن ان يقال: بوجوب فكه من مال آخر، اذ لا يتم الوفاء بالعقد الثانى الا بذلك.

فالوفاء بمقتضى الرهن غير مناف للوفاء بالبيع.

و يمكن ان يقال: انه انما يلزم الوفاء بالبيع بمعنى عدم جواز نقضه و اما دفع حقوق الغير و سلطنته فلا يجب، و لذا لا يجب على من باع مال الغير لنفسه

______________________________

خرج المال من يده ببيعه له.

(نعم يمكن ان يقال) انه اذا لم يحق للراهن الاذن للمرتهن بالبيع، و كان مديونا له، كان اللازم تدارك الدين (بوجوب فكه) اى الرهن (من مال آخر، اذ لا يتم الوفاء بالعقد الثانى) اى عقد البيع (الا بذلك) اى بفك الرهن من مال آخر.

(فالوفاء بمقتضى الرهن) بان يبقى المال مرهونا (غير مناف للوفاء بالبيع) بان يفك الرهن من مال آخر، و يعطى المرهون الى المشترى جمعا بين الحقين-.

(و يمكن ان يقال: انه انما يلزم الوفاء بالبيع بمعنى عدم جواز نقضه) فلا يجوز للبائع الراهن ان ينقض البيع الّذي اوقعه المرهون (و اما دفع حقوق الغير) بان يفك المال حتى يرتفع حق المرتهن من المرهون «المبيع» (و سلطنته) عطف على «حق» اى دفع سلطنة الغير اى سلطنة المرتهن على المال (فلا يجب، و لذا) الّذي لا يجب دفع حق الغير (لا يجب على من باع مال الغير لنفسه) كالغاصب، او الجاهل بانه

ص: 290

ان يشتريه من مالكه، و يدفعه إليه- بناء على لزوم العقد بذلك-.

و كيف كان، فلو امتنع فهل يباع عليه لحق المرتهن لاقتضاء الرهن ذلك و ان لزم من ذلك ابطال بيع الراهن،

______________________________

مال غيره، ثم علم بعد ان باعه (ان يشتريه من مالكه، و يدفعه إليه) اى الى المشترى.

و لو كان دفع حق الغير واجبا مقدمة للوفاء بالعقد وجب اشتراء الغاصب و الجاهل.

و اما عدم الوجوب فى المقام، فلانه لم يقل به احد، و لم يدل عليه دليل (- بناء على لزوم العقد بذلك-) اى باشتراء الغاصب و دفعه الى المشترى.

و اما اذا لم نقل بلزوم العقد بذلك، و قلنا: ان الغاصب اذا اشترى المال من المالك، لم يلزم العقد الّذي احدثه مع المشترى، فاوضح فى عدم لزوم الاشتراء، اذ اىّ دليل لوجوب الاشتراء و الحال انه لا يترتب عليه لزوم، و لا يمكن ان يترتب جواز على لزوم- فى امثال المقام- اى ان الشارع يلزم الانسان بان يأتى بشي ء حتى يرتب الشارع على ذلك الشى امرا جائزا، بحيث ان شاء فعله الملتزم عليه و ان شاء لم يفعله.

(و كيف كان، فلو امتنع) البائع الراهن عن فك الرهن بمال آخر (فهل يباع عليه) الرهن، بان يبيعه المرتهن لاستيفاء حقه، و هذا معنى (لحق المرتهن لاقتضاء الرهن ذلك) بيع الرهن اذا لم يؤدّ الراهن الدين (و ان لزم من ذلك) اى بيع المرتهن المال (ابطال بيع الراهن) الّذي باع المال للمشترى فضولة- بدون اذن المرتهن-

ص: 291

لتقدم حق المرتهن او يجبر الحاكم الراهن على فكه من مال آخر، جمعا بين حقى المشترى و المرتهن، اللازمين على الراهن البائع وجهان.

و مع انحصار المال فى المبيع، فلا اشكال فى تقديم حق المرتهن.

______________________________

(لتقدم حق المرتهن) على حق المشترى فيبطل حق المشترى بسبب حق المرتهن (او يجبر الحاكم الراهن على فكه) اى الدين (من مال آخر) دون المرهون.

و انما يجبر (جمعا بين حقى المشترى و المرتهن) لاقتضاء الرهن ذلك و هو الجمع بين الحقين.

فكونه رهنا يقتضي فكه، و كونه مبيعا يقتضي الوفاء بالبيع للمشترى (اللازمين على الراهن البائع) لانه راهن و باع (وجهان) خبر «فهل يباع».

(و مع انحصار المال) اى مال الراهن (فى المبيع) بان لم يكن له مال آخر يمكن اداء دين الراهن منه (فلا اشكال فى تقديم حق المرتهن) على حق المشترى، لتقدمه الزمانى، فان البيع وقع على ما فيه حق للغير.

ص: 292

مسئلة اذا جنى العبد عمدا بما يوجب قتله، او استرقاق كله، او بعضه.

فالاقوى صحة بيعه وفاقا للمحكى عن العلامة، و الشهيد، و المحقق الثانى، و غيرهم، بل فى شرح الصيمرى انه المشهور، لانه لم يخرج، باستحقاقه للقتل، او الاسترقاق عن ملك مولاه، على ما هو المعروف عمن عدا الشيخ فى الخلاف كما سيجي ء.

______________________________

(مسئلة: اذا جنى العبد عمدا بما يوجب قتله، او استرقاق كله) كما لو قتل انسانا (او) استرقاق (بعضه) كما اذا جرح بما قيمته مثلا عشرة، و الحال ان العبد قيمته مائة.

(فالاقوى صحة بيعه) من مولاه (وفاقا للمحكى عن العلامة، و الشهيد و المحقق الثانى، و غيرهم، بل فى شرح الصيمرى انه المشهور، لانه) اى العبد (لم يخرج، ب) سبب (استحقاقه للقتل، او الاسترقاق) من جانب المجنى عليه (عن ملك مولاه) «عن» متعلق ب «لم يخرج» (على ما هو المعروف) من عدم خروجه عن ملك مولاه (عمن عدا الشيخ فى الخلاف كما سيجي ء) فانه قال بخروجه عن ملك مولاه.

و اذا قلنا بهذا القول لم يصح بيعه للمولى اذ ليس بماله- فى هذا الحال-.

(و) ان قلت: انه و ان لم يخرج عن ملك مولاه، لكنه متعلق حق المجنى عليه.

ص: 293

تعلق حق المجنى عليه به، لا يوجب خروج الملك عن قابلية الانتفاع به.

و مجرد امكان مطالبة اولياء المجنى عليه له فى كل وقت بالاسترقاق او القتل، لا يسقط اعتبار ماليته.

و على تقدير تسليمه فلا ينقص ذلك عن بيع مال الغير فيكون موقوفا على افتكاكه عن القتل و الاسترقاق، فان افتك لزم، و الا بطل

______________________________

قلت: (تعلق حق المجنى عليه به) اى بالعبد (لا يوجب خروج الملك) الّذي هو العبد (عن قابلية الانتفاع به) بان ينتفع به مولاه ببيع او ما اشبه، لاستصحاب بقاء حق الانتفاع.

(و مجرد امكان مطالبة اولياء المجنى عليه) فيما اذا قتل وليهم (له) اى للعبد (فى كل وقت) مطالبة (بالاسترقاق او القتل، لا يسقط اعتبار ماليته) لمولاه، حتى يقال: بانه ليس بعد الجناية بمال، لانه فى معرض التلف- اذ ليس كل معرض تلف موجب للخروج عن المالية-.

(و على تقدير تسليمه) اى تسليم انه ليس بمال للمولى الآن- بعد الجناية- (فلا ينقص ذلك) اى سقوطه عن المالية (عن بيع مال الغير) فضولة.

فكما يجوز بيع مال الغير متوقفا على اجازته، كذلك يجوز بيع هذا العبد متوقفا على اجازة اولياء المجنى عليه (فيكون) بيع المولى للعبد الجانى (موقوفا) فى لزومه (على افتكاكه عن القتل و الاسترقاق) اما بهبة اولياء المجنى عليه، او باعطاء مولى العبد البدل لهم، او نحو ذلك (فان افتك) العبد (لزم) البيع الّذي اجراه المولى عليه (و الا) يفتك (بطل

ص: 294

البيع من اصله.

و يحتمل ان يكون البيع غير متزلزل، فيكون تلفه من المشترى فى غير زمن الخيار، لوقوعه فى ملكه،.

غاية الامر ان كون المبيع عرضة لذلك، يوجب الخيار مع الجهل كالمبيع الارمد اذا عمى، و المريض اذا مات بمرضه.

______________________________

البيع من اصله) اى بطلانا من حين العقد لا من حين تبين عدم الافتكاك او من حين القتل او الاسترقاق.

(و يحتمل ان يكون البيع) من المولى (غير متزلزل، فيكون تلفه من المشترى فى غير زمن الخيار) بان يخسر المشترى.

اما فى زمن الخيار فانه من مال البائع، اذ التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له، كما دل عليه النص و الفتوى، و يأتى تفصيله فى باب الخيارات إن شاء الله تعالى.

و انما يكون تلفه من المشترى (لوقوعه) اى التلف (فى ملكه) لا فى ملك البائع.

(غاية الامر) فى عدم تحمل المشترى للتلف (ان كون المبيع عرضة لذلك) اى فى معرض التلف (يوجب الخيار) للمشترى (مع الجهل) بانه عرضة للتلف، لانه مال ناقص (كالمبيع الارمد) الّذي بعينه رمد (اذا عمى، و المريض اذا مات بمرضه) و كان المشترى جاهلا، فان له الخيار فى الفسخ و الرجوع الى ثمنه، و عدم الفسخ حتى يكون التلف من كيسه لا من كيس البائع.

ص: 295

و يرده ان المبيع اذا كان متعلقا لحق الغير، فلا يقبل ان يقع لازما لادائه الى سقوط حق الغير، فلا بد اما ان يبطل، و اما ان يقع مراعى.

و قد عرفت: ان مقتضى عدم استقلال البائع فى ماله، و مدخلية الغير فيه، وقوع بيعه مراعى لا باطلا.

و بذلك يظهر الفرق بين ما نحن فيه، و بين بيع المريض الّذي يخاف عليه من الموت، و الارمد الّذي يخاف عليه من العمى الموجب للانعتاق.

______________________________

(و يرده) اى يرد الاحتمال المذكور (ان المبيع اذا كان متعلقا لحق الغير، فلا يقبل) البيع (ان يقع لازما لادائه) اى اللزوم (الى سقوط حق الغير، فلا بد اما ان يبطل) من اصله (و اما ان يقع مراعى) باجازة الغير.

(و قد عرفت: ان مقتضى عدم استقلال البائع فى ماله) اى العبد الجانى- فى المقام- (و مدخلية الغير فيه) و هو اولياء المجنى عليه (وقوع بيعه) اى المالك (مراعى) باجازة الاولياء (لا باطلا) لانه مقتضى الجمع بين الحقين.

(و بذلك) الّذي ذكرنا من وجود حق الغير فى العبد الجانى (يظهر الفرق بين ما نحن فيه، و بين بيع المريض الّذي يخاف عليه من الموت، و) العبد (الارمد الّذي يخاف عليه من العمى الموجب) ذلك العمى (للانعتاق) فان العبد اذ اعمى او اقعد انعتق، كما تقرر فى كتاب العتق.

ص: 296

فان الخوف فى المثالين لا يوجب نقصانا فى سلطنة المالك مانعا عن نفوذ تمليكه منجزا، بخلاف تعلق حق الغير.

اللهم الا ان يقال: ان تعلق حق المجنى عليه لا يمنع من نفوذ تمليكه منجزا، لان للبائع سلطنة مطلقة عليه، و كذا للمشترى.

و لذا يجوز التصرف لهما فيه من دون مراجعة ذى الحق.

غاية الامر ان له التسلط على ازالة ملكهما بالاتلاف، او التملك.

______________________________

(فان الخوف فى المثالين لا يوجب نقصانا فى سلطنة المالك) فى حال كون ذلك النقصان (مانعا عن نفوذ تمليكه) العبد للغير تمليكا (منجزا بخلاف تعلق حق الغير) بالعبد فانه مانع عن نفوذ تمليك المالك تمليكا منجزا.

(اللهم الا ان يقال: ان تعلق حق المجنى عليه لا يمنع من نفوذ تمليكه) اى تمليك البائع للعبد الجانى تمليكا (منجزا، لان للبائع سلطنة مطلقة عليه) اى على العبد الجانى، اذ السلطنة المطلقة التى كانت قبل الجناية لم يسقطها شي ء (و كذا للمشترى) اذا اشتراه، سلطنة مطلقة عليه.

(و لذا) الّذي للبائع و المشترى سلطنة مطلقة (يجوز التصرف لهما فيه) اى فى العبد (من دون مراجعة ذى الحق) الّذي هو ولى المجنى عليه.

(غاية الامر) رعاية لحق المجنى عليه (ان له التسلط على ازالة ملكهما) اى ملك البائع و المشترى (بالاتلاف) بان يقتل العبد قصاصا (او التملك) بان يسترقه.

ص: 297

و هذا لا يقتضي وقوع العقد مراعى، و عدم استقرار الملك.

و بما ذكرنا ظهر الفرق بين حق الراهن المانع من تصرف الغير و حق المجنى عليه غير المانع فعلا.

غاية الامر انه مانع شأنا.

و كيف كان فقد حكى عن الشيخ فى الخلاف: البطلان، فانه قال فيما حكى عنه: اذا كان لرجل عبد جان فباعه مولاه بغير اذن المجنى عليه، فان كانت جنايته توجب القصاص فلا يصح البيع، و ان كانت جنايته توجب الارش

______________________________

(و هذا) الحق للمجنى عليه (لا يقتضي وقوع العقد مراعى) باجازة المجنى عليه (و عدم استقرار الملك) «و عدم» عطف «وقوع».

(و بما ذكرنا) من السلطنة المطلقة للبائع فى العبد الجانى (ظهر الفرق بين حق الراهن المانع من تصرف الغير) فلا يجوز للمالك ان يبيع المرهون الاعلى نحو الفضولى (و) بين (حق المجنى عليه) فى العبد الجانى (غير المانع فعلا) قبل الاتلاف و الاسترقاق.

(غاية الامر انه مانع شأنا) لان المجنى عليه الاخذ بحقه.

(و كيف كان) سواء قلنا بان تصرف المالك فى العبد لازم، او مراعى (ف) هو خلاف الشيخ، اذ (قد حكى عن الشيخ فى الخلاف: البطلان) لبيع العبد الجانى (فانه قال فيما حكى عنه: اذا كان لرجل عبد جان فباعه مولاه بغير اذن المجنى عليه، فان كانت جنايته توجب القصاص) كما لو كان قاتلا (فلا يصح البيع، و ان كانت جنايته توجب الارش) كما لو صلم

ص: 298

صحّ، اذا التزم مولاه الارش ثم استدل بانه اذا وجب عليه القود فلا يصح بيعه، لانه قد باع منه ما لا يملكه، فانه حق للمجنى عليه.

و اما اذا وجب عليه الارش صح، لان رقبته سليمة، و الجناية ارشها فقد التزمه السيد فلا وجه يفسد البيع، انتهى و قد حكى عن المختلف انه حكى عنه فى كتاب الظهار: التصريح بعدم بقاء ملك المولى على الجانى عمدا، حيث قال: اذا كان عبد قد جنى جناية فانه لا يجزى عتقه من الكفارة، و ان كان خطاء، جاز ذلك و استدل باجماع الفرقة، فانه لا خلاف بينهم انه اذا كانت جنايته

______________________________

اذن انسان (صح) البيع (اذا التزم مولاه الارش ثم استدل) لعدم الصحة فى الفرع الاول (بانه اذا وجب عليه القود فلا يصح بيعه، لانه) اى المولى (قد باع منه) اى من هذا العبد (ما لا يملكه) و انما لا يملكه المولى (فانه) اى العبد (حق للمجنى عليه) و لا يصح بيع حق الغير.

(و اما اذا وجب عليه الارش) فقط (صح) البيع (لان رقبته) اى العبد (سليمة) اذ ليس على رقبته قصاص (و الجناية ارشها) «ارشها» بدل الاشتمال من «الجناية» (فقد التزمه السيد) و بعد ذلك لاحق للمجنى عليه فى العبد (فلا وجه يفسد البيع، انتهى و قد حكى عن المختلف انه حكى عنه فى كتاب الظهار: التصريح بعدم بقاء ملك المولى على الجانى عمدا، حيث قال: اذا كان عبد قد جنى جناية فانه لا يجزى عتقه عن الكفارة) الواجبة على المظاهر (و ان كان) جنى (خطاء، جاز ذلك) اى عتقه (و استدل باجماع الفرقة، فانه لا خلاف بينهم انه اذا كانت جنايته

ص: 299

عمدا ينتقل ملكه الى المجنى عليه.

و ان كان خطأ فدية ما جناه على مولاه، انتهى.

و ربما يستظهر ذلك من عبارة الإسكافي المحكية عنه فى الرهن، و هى ان من شرط الرهن ان يكون الرهن مثبتا لملكه اياه غير خارج بارتداد، او استحقاق الرقبة، جنايته عن ملكه انتهى.

و ربما يستظهر البطلان من عبارة الشرائع أيضا فى كتاب القصاص حيث قال: اذا قتل العبد حرا عمدا، فاعتقه مولاه صح و لم يسقط القود.

______________________________

عمدا ينتقل ملكه) اى العبد (الى المجنى عليه) فلا يصح عتقه فى ظهار او غيره.

(و ان كان خطأ فدية ما جناه على مولاه) و لذا يصح عتقه (انتهى).

(و ربما يستظهر ذلك) اى عدم بقاء ملك المولى على الجانى عمدا (من عبارة الاسكافى المحكية عنه فى) باب (الرهن، و هى) اى العبارة هذه (ان من شرط الرهن ان يكون الرهن مثبتا) اى ثابتا غير متزلزل، و ذلك (لملكه) اى الراهن (اياه) للمرهون (غير خارج) العبد الّذي يريدان يرهنه (بارتداد، او) ب (استحقاق الرقبة) بان يكون العبد للغير (ب) سبب (جنايته) اى العبد (عن ملكه) متعلق ب «خارج» (انتهى) كلام الاسكافى.

(و ربما يستظهر البطلان) لرهن العبد الجانى عمدا (من عبارة الشرائع أيضا فى كتاب القصاص: حيث قال: اذا قتل العبد) انسانا (حرا عمدا، فاعتقه مولاه صح) العتق (و لم يسقط القود) اى حق القصاص

ص: 300

و لو قيل لا يصح لئلا يبطل حق المولى من الاسترقاق كان حسنا، و و كذا بيعه و هبته، انتهى.

لكن يحتمل قويا ان يكون مراده بالصحة وقوعه لازما غير متزلزل، كوقوع العتق، لانه الّذي يبطل به حق الاسترقاق دون وقوعه مراعى بافتكاكه عن القتل و الاسترقاق.

______________________________

لولى المجنى عليه.

(و لو قيل لا يصح) العتق (لئلا يبطل حق المولى من الاسترقاق) اذ حق المولى اذا سقط عنه بالعتق لم يتمكن ولى الميت من استرقاق العبد، و الحال انه مخير بين القصاص و الاسترقاق، فكيف يجوز ان يفعل المولى فعلا يوجب سقوط حق الاسترقاق؟

فهذا القول (كان حسنا، و كذا بيعه و هبته) اى لا يجوز ان (انتهى).

عبارة الشرائع.

(لكن يحتمل قويا ان يكون مراده بالصحة)- فى البيع و الهبة- اى الصحة التى نفاها الشرائع (وقوعه لازما غير متزلزل، كوقوع العتق) فان ظاهر عطفهما عليه، انهما مثله فى اللزوم.

فكما ان العتق لا يكون متزلزلا، كذلك البيع و الهبة (لانه) اى اللازم منهما، هو (الّذي يبطل به حق الاسترقاق دون وقوعه مراعى) و متزلزلا (بافتكاكه عن القتل و الاسترقاق) «بافتكاكه» متعلق «بمراعى».

فالشرائع لا ينفى وقوع البيع و امثاله حتى يقال «يظهر من عبارة الشرائع البطلان» و انما ينفى وقوع البيع و امثاله لازما، بل يقول هو بان

ص: 301

و كيف كان فالظاهر من عبارة الخلاف: الاستناد فى عدم الصحة الى عدم الملك، و هو ممنوع، لاصالة بقاء ملكه.

و ظهور لفظ الاسترقاق فى بعض الاخبار فى بقاء الملك.

نعم فى بعض الاخبار ما يدل على الخلاف.

______________________________

البيع مراعى، فان فكه المولى صح البيع، و الا كان للمجنى عليه ان يقتل او يسترق.

و الحاصل ان الشرائع ناف للّزوم لا اصل البيع، فليس هو فى عداد القائلين بالبطلان.

(و كيف كان) سواء كان الشرائع قائلا بالبطلان، او بالصحة (فالظاهر من عبارة الخلاف: الاستناد فى عدم الصحة الى عدم الملك) يعنى ان العبد حيث يخرج بالجناية عن ملك المولى الى ملك المجنى عليه، لا يصح اجراء معاملة عليه (و هو ممنوع) اى عدم الملك.

أولا: (لاصالة بقاء ملكه) فان شككنا هل ان العبد يخرج عن ملك المولى بالجناية، أم لا؟ كانت اصالة بقاء الملك محكمة.

(و) ثانيا: ل (ظهور لفظ الاسترقاق) و ان للمجنى عليه استرقاق العبد الجانى (فى بعض الاخبار فى بقاء الملك) لمولاه، اذ لو انتقل العبد بمجرد الجناية الى المجنى عليه، لم يكن معنى للاسترقاق، و ان خرج عن ملك المولى و لم يدخل فى ملك احد لزم بقاء الملك بدون المالك.

(نعم فى بعض الاخبار ما يدل على الخلاف) اى عدم الملك للمولى بعد جناية العبد.

ص: 302

و يمكن ان يكون مراد الشيخ بالملك: السلطنة عليه، فانه ينتقل الى المجنى عليه.

و يكون عدم جواز بيعه من المولى مبنيا على المنع عن بيع الفضولى المستلزم للمنع عن بيع كل ما يتعلق به حق للغير ينافيه السلطنة المطلقة من المشترى عليه كما فى الرهن.

______________________________

لكن لعل الظاهر منها كون مال العبد الى ذلك، لانه مقتضى الجمع بين ظاهر لفظ الاسترقاق و بين ظاهر بعض الاخبار المنافية لذلك.

(و يمكن ان يكون مراد الشيخ) بخروج العبد عن ملك المولى، بالجناية (بالملك) المنفى (السلطنة) من المولى (عليه) اى على العبد.

اى لا سلطنة للمولى على العبد سلطنة مطلقة، كما قبل الجناية (فانه) اى الشأن (تنتقل) السلطنة (الى المجنى عليه) و ان بقى الملك للمولى- على حاله-.

(و يكون عدم جواز بيعه من المولى)- على ما ذكره الشيخ- (مبنيا على المنع عن بيع الفضولى) مطلقا (المستلزم) ذلك المنع عن بيع الفضولى (للمنع عن بيع كل ما يتعلق به حق للغير ينافيه) اى ينافى ذلك الحق (السلطنة المطلقة من المشترى عليه) اى على المنع.

و الحاصل: ان الشيخ لا يقول بعدم الملك، و انما يقول بعدم الملك المطلق، فليس الشيخ- على هذا- مخالفا للمشهور (كما فى الرهن). فان حق المرتهن يوجب عدم سلطنة الراهن سلطنة مطلقة، لا انه يوجب عدم ملك الراهن اصلا.

ص: 303

مسئلة اذا جنى العبد خطاء صح بيعه على المشهور،

بل فى شرح الصيمرى انه لا خلاف فى جواز بيع الجانى اذا كانت الجناية خطأ، او شبه عمد و يضمن المولى اقل الامرين من قيمته، و دية الجناية.

و لو امتنع كان للمجنى عليه اولوية انتزاعه، فيبطل البيع.

و كذا لو كان المولى معسرا

______________________________

(مسألة: اذا جنى العبد خطأ صح بيعه على المشهور، بل فى شرح الصيمرى انه لا خلاف فى جواز بيع الجانى اذا كانت الجناية خطأ) محضا، كما اذا وقع من السطح، فقتل انسانا (او شبه عمد) كما اذا اراد ان يرمى الغزال، فاصاب السهم انسانا (و يضمن المولى اقل الامرين من قيمته) اى قيمة العبد (و دية الجناية)

فاذا كانت القيمة مائة و الدية مائة و خمسين، ضمن المائة فقط- لما ذكروا فى بابه: من ان الجانى لا يجنى على اكثر من قيمته-.

و اذا كان العكس كانت عليه دية الجناية، و هى مائة، كما هو واضح

(و لو امتنع) من اعطاء اقل الامرين (كان للمجنى عليه اولوية انتزاعه) و لا يحق للمشترى الممانعة، لانه اولى من المشترى (فيبطل البيع) اذ هو مال تعلق به حق المجنى عليه فلا يكون بيعه مستقرا.

(و كذا لو كان المولى معسرا) لا يتمكن من اداء بدل الجناية

ص: 304

فللمشترى الفسخ مع الجهالة، لتزلزل ملكه ما لم يفديه المولى، انتهى.

و ظاهره انه اراد نفى الخلاف عن الجواز قبل التزام السيد، الا ان المحكى عن السرائر و الخلاف: انه لا يجوز، الا اذا افداه المولى، او التزم بالفداء، الا انه اذا باع ضمن.

و الا وفق بالقواعد ان يقال: بجواز البيع، لكونه ملكا لمولاه.

و تعلق حق الغير لا يمنع عن ذلك، لان كون المبيع مال الغير، لا يوجب بطلان البيع رأسا، فضلا عن تعلق حق الغير.

______________________________

(فللمشترى الفسخ) للبيع (مع الجهالة) بحال العبد (لتزلزل ملكه) للعبد (ما لم يفديه المولى) فللمشترى خيار العيب (انتهى) شرح الصيمرى.

(و ظاهره انه اراد نفى الخلاف عن الجواز) لبيع العبد الجانى (قبل التزام السيد) الفدية (الا ان المحكى عن السرائر و الخلاف: انه لا يجوز) البيع (الا اذا افداه المولى) بان اعطى الفدية و فك رقبة العبد (او التزم بالفداء) و ان لم يفد فعلا (الا انه اذا باع ضمن) الفدية.

(و الا وفق بالقواعد ان يقال: بجواز البيع).

و المراد بالقواعد ما بينه بقوله: (لكونه ملكا لمولاه) فيشمله قوله: احل الله البيع، و تجارة عن تراض، و الناس مسلطون، و ما اشبه.

(و تعلق حق الغير) اى المجنى عليه بهذا العبد (لا يمنع عن ذلك) البيع (لان كون المبيع مال الغير) كما فى الفضولى (لا يوجب بطلان البيع رأسا) كما تقدم فى مبحث الفضولى (فضلا عن تعلق حق الغير) و العمدة شمول الادلة لهما اى للفضولى و لمتعلق حق الغير.

ص: 305

و لعل ما عن الخلاف و السرائر مبنى على اصلهما من بطلان الفضولى و ما اشبهه من كل بيع يلزم من لزومه بطلان حق الغير، كما يؤمى إليه استدلال الحلى على بطلان البيع قبل التزامه.

و ضمانه بانه قد تعلق برقبة الجانى، فلا يجوز ابطاله.

و مرجع هذا المذهب الى انه لا واسطة بين لزوم البيع و بطلانه.

______________________________

(و لعل ما عن الخلاف و السرائر) من البطلان فى بيع العبد الجانى (مبنى على اصلهما من بطلان الفضولى، و ما اشبهه من كل بيع يلزم من لزومه) اى من لزوم ذلك البيع (بطلان حق الغير) سواء كان المبيع ما لا للغير، او متعلقا لحق الغير (كما يؤمى إليه) اى الى هذا الاصل (استدلال الحلى على بطلان البيع قبل التزامه).

(و ضمانه) اى التزام المولى بالفدية عن العبد الجانى، و ضمانه لاعطاء الفدية- و ضمانه: عطف بيان- (بانه) اى الحق للمجنى عليه (قد تعلق برقبة الجانى، فلا يجوز) للمولى (ابطاله) اى هذا الحق، بسبب البيع.

(و مرجع هذا المذهب) للحلى، و للشيخ (الى انه لا واسطة بين لزوم البيع و بطلانه).

فالبيع اما باطل، و اما لازم، لانه لو كان هناك واسطة و هى البيع الجائز لم يصح القول بان البيع يوجب بطلان الحق.

اذ يرد هذا الاستدلال «حينئذ» بانه لا يلزم البيع ابطال الحق، لان البيع جائز، و مع فرض الجواز لا يبطل الحق.

ص: 306

فاذا صح البيع ابطل حق الغير.

و قد تقدم غير مرة انه لا مانع من وقوع البيع مراعى باجازة ذى الحق او سقوط حقه فاذا باع المولى فيما نحن فيه قبل اداء الدية، او اقل الامرين على الخلاف، وقع مراعى، فان فداه المولى او رضى المجنى عليه بضمانه فذاك، و الا انتزعه المجنى عليه من المشترى.

و على هذا فلا يكون البيع موجبا الضمان البائع حق المجنى عليه.

______________________________

(فاذا صح البيع ابطل حق الغير) هذا تفريع على قوله «انه لا واسطة» اى لازم عدم الواسطة، اما بطلان البيع، و اما بطلان حق الغير.

(و) لكن عدم الواسطة غير صحيح اذ (قد تقدم غير مرة انه لا مانع من وقوع البيع مراعى باجازة ذى الحق) كالمجنى عليه- فى المثال- (او سقوط حقه) بمسقط آخر (فاذا باع المولى فيما نحن فيه قبل اداء الدية او اقل الامرين) من قيمة العبد و الدية (على الخلاف) فى انه ما ذا يجب على المولى (وقع) البيع (مراعى) فى النفوذ (فان فداه المولى او رضى المجنى عليه بضمانه) اى ضمان المولى بان التزم بان يعطى الفدية، و ان لم يعطها بعد (فذاك) لان البيع حينئذ يكون لازما حيث ينتقل الحق من العبد (و الا) بان لم يفده المولى و لم يضمنه (انتزعه المجنى عليه من المشترى) لغرض كون البيع مراعى.

(و على هذا) الّذي ذكرناه (فلا يكون البيع) للعبد الجانى (موجبا لضمان البائع حق المجنى عليه) بل انه فداه او كان هناك مسقط آخر،

ص: 307

قال فى كتاب الرهن من القواعد: و لا يجبر السيد على فداء الجانى و ان رهنه او باعه، بل يتسلط المجنى عليه، فان استوعبت الجناية القيمة بطل الرهن، و الّا ففى المقابل، انتهى.

لكن ظاهر العلامة فى غير هذا المقام هو: ان البيع بنفسه التزام بالفداء.

______________________________

فهو، و الا كان للمجنى عليه حق انتزاع العبد من المشترى.

(قال) العلامة (فى كتاب الرهن من القواعد: و لا يجبر السيد على) اعطاء (فداء) العبد (الجانى و ان رهنه) السيد (او باعه، بل يتسلط المجنى عليه) بين اخذ الفداء و بين اخذ نفس العبد، فان اعطاه المولى الفدية فهو، و الّا جاز له انتزاع العبد (فان استوعبت الجناية القيمة) اى قيمة العبد كما لو كانت الجناية مائة و القيمة مائة و خمسين (بطل الرهن، و الّا ف) البطلان للرهن و البيع (فى المقابل) للجناية فقط اى فى المائة فى المثال- و هى تعادل ثلثي العبد-.

اما الثلث الثالث فلا وجه للبطلان لان البيع و الرهن وقعا فى مال المولى، بلا مانع.

نعم اذا كان المشترى و المرتهن جاهلين بالواقع، كان لهما خيار تبعض الصفقة (انتهى) كلام العلامة، و انما نقل المصنف هذا الكلام تأييدا لفتواه.

(لكن ظاهر العلامة فى غير هذا المقام هو: ان البيع) من المولى للعبد الجانى (بنفسه التزام) من المولى (بالفداء) فالمولى يجبر على

ص: 308

و لعل وجهه انه يجب على المولى حيث تعلق- بالعبد و هو مال من امواله و فى يده- حق يتخير المولى فى نقله عنه، الى ذمته ان يوفى حق المجنى عليه، اما من العين او من ذمته فيجب عليه اما تخليص العبد من المشترى بفسخ او غيره.

و اما ان يفديه من ماله، فاذا امتنع المشترى من رده و المفروض عدم سلطنة البائع على اخذه قهر اللزوم الوفاء بالعقد، وجب عليه دفع الفداء.

______________________________

دفع الفدية.

(و لعل وجهه) اى وجه كون البيع التزاما بالفداء (انه) اى الفداء (يجب على المولى حيث تعلق-) فاعله «حق» الآتي (بالعبد و هو) اى العبد (مال من امواله و فى يده- حق) فاعل «تعلق» يتصف ذلك الحق بانه (يتخير المولى فى نقله) اى ذلك الحق (عنه) اى عن العبد (الى ذمته) بان يعطى الفداء (ان يوفى) فاعل «يجب» (حق المجنى عليه، اما من العين او من ذمته) بان يعطى نفس العبد فى مقابل الجناية او يعطى مالا آخر اداء لما في ذمته (فيجب عليه) اى على المولى (اما تخليص العبد من المشترى) بعد ان باعه المولى (بفسخ او غيره) فيفسخ فى ما اذا كان له خيار، او يستقيل المشترى و ذلك ليعطى عين العبد الى المجنى عليه.

(و اما ان يفديه من ماله، فاذا امتنع المشترى من رده و المفروض عدم سلطنة البائع على اخذه) اى العبد من المشترى (قهرا).

و انما لا يتسلط على اخذه قهرا (للزوم الوفاء بالعقد، وجب عليه دفع الفداء)

ص: 309

و يرد عليه ان فداء العبد غير لازم قبل البيع.

و بيعه ليس اتلافا له حتى يتعين عليه الفداء.

و وجوب الوفاء بالبيع لا يقتضي الا رفع يده لا رفع يد الغير بل هذا اولى بعدم وجوب الفك من الرهن الّذي تقدم فى آخر مسألته الخدشة فى وجوب

______________________________

لانه اذا تعذر احد الامرين البدلين وجب البدل الآخر.

(و يرد عليه) اى على هذا الوجه الّذي استوجهنا به كلام العلامة القائل بوجوب اعطاء البدل على المولى (ان فداء العبد غير لازم قبل البيع) اى قبل ان يبعه المولى، بل يكون للمولى ان يعطى نفس العبد او ان يفديه.

(و بيعه ليس اتلافا له) و محوا له من الوجود (حتى يتعين عليه الفداء) بحجة انه احد البدلين.

(و) ان قلت: انه يجب على المولى الوفاء بالبيع، فكيف يمكن ان يعطى نفس العبد للمجنى عليه بعد ان باعه.

قلت: (وجوب الوفاء بالبيع لا يقتضي الا رفع يده) اى ان يرفع المولى يده من العبد وفاء للبيع (لا رفع يد الغير) الّذي هو المجنى عليه، فان: اوفوا، توجه الى البائع، لا الى الّذي له حق فى المبيع (بل هذا) اى العبد الجانى (اولى بعدم وجوب الفك) اى لا يجب على المولى فكه بالفداء، بل له ان لا يفكه حتى يأخذه المجنى عليه، فيبطل البيع (من الرهن الّذي تقدم فى آخر مسألته) اى مسألة الرهن (الخدشة فى وجوب

ص: 310

الفك على الراهن بعد بيعه، لتعلق الدين هناك بالذمة و تعلق الحق هنا بالعين، فتأمل.

ثم ان المصرح به فى التذكرة، و المحكى عن غيرها: ان للمشترى فك العبد.

و حكم رجوعه الى البائع، حكم قضاء الدين عنه

______________________________

الفك على الراهن بعد بيعه) فاذا باع الراهن الرهن، لم يجب عليه ان يعطى الدين، بل له ان لا يعطيه حتى يأخذ المرتهن حقه من نفس المرهون.

و انما ما نحن فيه اولى (لتعلق الدين هناك) فى باب الرهن (بالذمة) و انما العين وثيقة (و تعلق الحق هنا بالعين) اذ الجناية تتعلق برقبة الجانى، فاذا لم يجب الفك فيما تعلق بالذمة لم يجب الفك فيما تعلق بالعين بطريق اولى.

فاذا كان الدين فى ذمة المولى و مع ذلك لم يجب عليه اعطائه، كان الاولى عدم لزوم اعطاء الفداء- الّذي لم يتعلق بذمة المولى- (فتأمل) اذ البيع بمنزلة التلف كما ذكروه فى غير مورد.

فقول المصنف «و بيعه ليس اتلافا له» محل اشكال.

(ثم ان المصرح به فى التذكرة، و المحكى عن غيرها: ان للمشترى فك العبد) بان يعطى ثمن الجناية ليبقى له العبد.

(و حكم رجوعه الى البائع) بان يرجع المشترى الى البائع، و يأخذ منه ما اداه الى المجنى عليه (حكم قضاء الدين عنه) فان الانسان اذ اقضى دين المدين، فان كان باجازة منه، جاز له الرجوع إليه و

ص: 311

و اخذ ما اداه من المديون، و ان لم يكن باذن منه لم يكن المديون مجبورا فى اداء ما اداه الدافع.

و فى ما نحن فيه هكذا، فانه اذا كان المشترى دفع قيمة الجناية باذن البائع، كان له الرجوع إليه، و الا لم يكن له ذلك، و فى المسألة موارد للمناقشة، كما لا يخفى و الله العالم.

ص: 312

مسئلة الثالث من شروط العوضين، القدرة على التسليم،
اشارة

فان الظاهر الاجماع على اشتراطها فى الجملة، كما فى جامع المقاصد، و فى التذكرة انه اجماع، و فى المبسوط الاجماع على عدم جواز بيع السمك فى الماء و لا الطير فى الهواء.

و عن الغنية: انه انما اعتبرنا فى المعقود عليه ان يكون مقدورا عليه تحفظا مما لا يمكن فيه ذلك، كالسمك فى الماء، و الطير فى الهواء.

فان ما هذه حاله لا يجوز بيعه.

______________________________

(مسألة: الثالث من شروط العوضين، القدرة على التسليم، فان الظاهر الاجماع على اشتراطها) اى القدرة على التسليم- فى صحة البيع- (فى الجملة) لا مطلقا، كما سيأتى تفصيله (كما فى جامع المقاصد و فى التذكرة: انه اجماع، و فى المبسوط الاجماع على عدم جواز بيع السمك فى الماء) كالنهر و البحر، لا مثل الحوض و ما اشبه (و لا الطير فى الهواء) غير الممكن اخذه عرفا.

(و عن الغنية: انه انما اعتبرنا فى المعقود عليه ان يكون مقدورا عليه) بان يقدر البائع على تسليمه (تحفظا) و لاجل الاخراج (مما لا يمكن فيه ذلك) اى مقدورا (كالسمك فى الماء، و الطير فى الهواء) و ما اشبههما.

(فان ما هذه حاله) بان لم يقدر البائع على تسليمه (لا يجوز بيعه،

ص: 313

بلا خلاف، و استدل فى التذكرة على ذلك بانه نهى النبي صلى اللّه عليه و آله عن بيع الغرر، و هذا غرر.

و النهى هنا يوجب الفساد اجماعا، على الظاهر المصرح به فى موضع من الايضاح.

و اشتهار الخبر بين الخاصة و العامة يجبر ارساله.

______________________________

بلا خلاف، و استدل فى التذكرة على ذلك) اى عدم صحة بيع ما لا يقدر على تسليمه (بانه نهى النبي صلى اللّه عليه و آله عن بيع الغرر) و فى حديث آخر نهى النبي صلى اللّه عليه و آله عن الغرر.

و المراد اما «الخديعة» اذا كان الغرر متعديا.

و اما الخطر و الضرر و الغفلة، و ما اشبه، اذا كان الغرر لازما (و هذا غرر) لان بيع ما لم يعلم حاله، و انه هل يتمكن المشترى من الوصول إليه، أم لا يعد فى عداد «الغرر» عرفا؟.

(و النهى هنا) فى باب المعاملات (يوجب الفساد اجماعا) و ليس مثل النهى عن البيع وقت النداء (على الظاهر) من النهى فى المعاملة لا لامر خارج، فان العرف يستفيدون من النهى: الفساد (المصرح به فى موضع من الايضاح) فدلالة الخبر على الفساد، لا بأس بها.

(و) اما السند، ف (اشتهار الخبر بين الخاصة و العامة) فى كتب الفتاوى، و بعض كتب الاخبار (يجبر ارساله) لان الشهرة تكشف عن ان المشهور وجدوا ما يوجب حجيته و لذا استندوا إليه، بعد ان علمنا انهم لا يفتون الا على طبق الخبر الموثق.

ص: 314

اما كون ما نحن فيه غررا فهو الظاهر من كلمات كثير من الفقهاء و اهل اللغة، حيث مثلوا للغرر ببيع السمك فى الماء، و الطير فى الهواء.

مع ان معنى الغرر على ما ذكره اكثر اهل اللغة صادق عليه.

و المروى عن امير المؤمنين عليه السلام: انه عمل ما لا يؤمن معه من الضرر.

______________________________

هذا كله بالنسبة الى الكبرى، و ان البيع الغررى فاسد.

و (اما) بالنسبة الى الصغرى و ان مثل ما نحن فيه من صغريات الغرر، ف (كون ما نحن فيه غررا فهو الظاهر من كلمات كثير من الفقهاء و اهل اللغة، حيث مثلوا للغرر ببيع السمك فى الماء، و الطير فى الهواء) هذا وجه الاستدلال بكلمات الفقهاء و اللغويين.

(مع ان معنى الغرر على ما ذكره اكثر اهل اللغة) اى المعنى للفظ «الغرر» (صادق عليه) اى على بيع السمك فى الماء.

فاهل اللغة بعضهم صرح بهذا المثال و الى هذا اشار بقوله «الفقهاء و اهل اللغة».

و بعضهم ذكر للغرر معنى ينطبق على المقال، و الى هذا اشار بقوله «ذكره اهل اللغة».

(و) كذلك يصدق عليه (المروى عن امير المؤمنين عليه السلام: انه) اى الغرر (عمل ما لا يؤمن معه من الضرر).

و من المعلوم ان بيع الطير و السمك، من هذا القبيل.

ص: 315

و فى الصحاح الغرة الغفلة، و الغار الغافل، و اغره اى اتاه على غرة منه، و اغتر بالشي ء اى خدع به، و الغرر الخطر، و نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن بيع الغرر، و هو مثل بيع السمك فى الماء، و الطير فى الهواء، الى ان قال: و التغرير حمل النفس على الغرر، انتهى و عن القاموس ما ملخصه: غره غرا و غرورا، و غرة بالكسر فهو مغرور، و غرير كامير خدعه و اطمعه فى الباطل، الى ان قال: غرر بنفسه تغريرا، و تغرة اى عرضها للهلكة، و الاسم الغرر محركة، الى ان قال: و الغار الغافل،

______________________________

(و فى الصحاح الغرة الغفلة، و الغار الغافل) و هذا بمعنى اللازم، اما بمعنى المتعدى فالغار هو المغفل، لانه يقال غره، فهو غار و ذلك مغرور (و اغره اى اتاه على غرة منه) اى غفلة (و اغتر بالشي ء اى خدع به، و الغرر الخطر) كانه معنى آخر للغرر، غير الغفلة (و نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن بيع الغرر، و هو مثل بيع السمك فى الماء، و الطير فى الهواء) و مثلهما بيع الوحش فى الصحراء (الى ان قال:) الصحاح (و التغرير حمل النفس على الغرر، انتهى، و عن القاموس ما ملخصه: غره غرا و غرورا)- اى له مصدر ان- (و غره بالكسر) اى ان اصله غرره على وزن حسبه (فهو مغرور، و غرير كامير) بمعنى (خدعه و اطمعه فى الباطل، الى ان قال:) القاموس (غرر بنفسه تغريرا) من باب التفعيل (و تغرة) مصدر آخر (اى عرضها للهلكة، و الاسم) اى اسم المصدر (الغرر) على وزن ضرر (محركة) الوسط (الى ان قال: و الغار الغافل) اذا كان من اللازم، اما اذا كان من المتعدى فهو المغفل

ص: 316

و اغتر غفل، و الاسم الغرة بالكسر، انتهى.

و عن النهاية بعد تفسير الغرة بالكسر، بالغفلة: انه نهى عن بيع الغرر، و هو ما كان له ظاهر يغر المشترى، و باطن مجهول، و قال الازهرى: بيع الغرر ما كان على غير عهدة و لا ثقة.

و يدخل فيه البيوع التى لا يحيط بكنهها المتبايعان من كل مجهول و قد تكرر فى الحديث، و منه حديث مطرف ان لى نفسا واحدة، و انى لا كره ان اغرر بها اى احملها على غير ثقة، و به سمى

______________________________

(و اغتر غفل، و الاسم) اى اسم المصدر (الغرة بالكسر انتهى) كلام القاموس.

(و عن النهاية) لابن اثير (بعد تفسير الغرة بالكسر، بالغفلة: انه نهى) اى الرسول صلّى اللّه عليه و آله (عن بيع الغرر، و هو ما كان له ظاهر يغر المشترى) و يخدعه (و باطن مجهول) لا يوافق ظاهره (و قال) اللغوى (الازهرى: بيع الغرر ما كان على غير عهدة) فلا يتعهد البائع جودة الجنس و صحته (و لا ثقة) من المشترى بان البائع لا يغش و لا يخدع

(و يدخل فيه) اى فى بيع الغرر (البيوع التى لا يحيط بكنهها المتبايعان من كل مجهول) كما اذا كان الثمن او المثمن مجهولا جنسا او قدرا او وصفا (و قد تكرر) لفظ الغرر (فى الحديث، و منه حديث مطرف ان لى نفسا واحدة) فاذا عطبت و هلكت فليس لى بدلها، و لذا لا اتمكن من الاستهانة بهذه النفس (و انى لاكره ان اغرر بها اى احملها على غير ثقة) بان اعمل شيئا لا اثق بانه هل يوجب الهلاك او النجاة؟ (و به) اى بسبب ان الشيطان يحمل الانسان على ما لا يوثق بعواقبه (سمى

ص: 317

الشيطان غرورا، لانه يحمل الانسان على محابه و وراء ذلك ما يسوئه انتهى. و قد حكى أيضا عن الاساس، و المصباح، و المغرب و الجمل، و المجمع تفسير الغرر بالخطر، ممثلا له فى الثلاثة الاخيرة ببيع السمك فى الماء، و الطير فى الهواء، و فى التذكرة ان اهل اللغة فسروا بيع الغرر بهذين.

و مراده من التفسير التوضيح بالمثال.

و ليس فى المحكى عن النهاية

______________________________

الشيطان غرورا) بفتح الغين، كما قال سبحانه «وَ لٰا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّٰهِ الْغَرُورُ»* اى الشيطان الّذي يغش الانسان (لانه يحمل الانسان على محابّه) اى الّذي يحبه الانسان من شهوات الدنيا (و وراء ذلك ما يسوئه) اى ما يسبب الإساءة الى الانسان، و عذابه من العقاب المعد فى الآخرة (انتهى و قد حكى أيضا عن الاساس، و المصباح، و المغرب و الجمل، و المجمع) اى مجمع البحرين (تفسير الغرر بالخطر، ممثلا له) اى للغرر (فى الثلاثة الاخيرة) المغرب و الجمل و المجمع (ببيع السمك فى الماء، و الطير فى الهواء، و فى التذكرة ان اهل اللغة فسروا بيع الغرر بهذين) اى السمك و الطير.

(و مراده) اى التذكرة (من التفسير) فى قوله «فسروا» (التوضيح بالمثال) اى وضحوا التفسير بهذا المثال، لا ان المثال تفسير حقيقة، كما لا يخفى.

(و ليس فى) التفسير (المحكى عن النهاية) حيث فسر الغرر ب

ص: 318

منافات لهذا التفسير، كما يظهر بالتأمل.

و بالجملة فالكل متفقون على اخذ الجهالة فى معنى الغرر، سواء تعلق الجهل باصل وجوده، أم بحصوله فى يد من انتقل إليه أم بصفاته كما او كيفا.

و ربما يقال: ان المنساق من الغرر المنهى عنه: الخطر، من حيث الجهل بصفات المبيع و مقداره لا مطلق

______________________________

«ظاهر يغر المشترى» (منافات لهذا التفسير) بالسمك و الطير.

وجه المنافات، انهما ليس لهما ظاهر يغر المشترى.

و انما لا منافات (كما يظهر بالتأمل) اذ الطير و السمك أيضا لهما ظاهر يغر المشترى، فان المشترى يزعم انه يتمكن من الوصول الى الطير و السمك فرخصها غالبا، بسبب غرره و خدعته، فاذا اقدم و اشترى تبين له انه لا يتمكن من الحصول عليهما، فيذهب ماله بدون بدل.

(و بالجملة فالكل متفقون على اخذ الجهالة فى معنى الغرر، سواء تعلق الجهل باصل وجوده) كما لو اشترى شيئا لا يعلم انه موجود، أم لا (أم) الجهل (بحصوله فى يد من انتقل إليه) كالسمك و الطير حيث لا يعلم هل انه يتمكن من اخذهما، أم لا؟ (أم بصفاته؟ كمّا) كما لا يعلم انه منّ او منّين (او كيفا) كما لا يعلم بانه جيّد او ردّى مما تتفاوت فيه الرغبات.

(و ربما يقال: ان المنساق من الغرر المنهى عنه: الخطر، من حيث الجهل بصفات المبيع و مقداره) اى لا يعلم كيفه او كمّه (لا مطلق

ص: 319

الخطر الشامل لتسليمه و عدمه، ضرورة حصوله فى بيع كل غائب خصوصا اذا كان فى بحر و نحوه، بل هو اوضح شي ء فى بيع الثمار، و الزرع، و نحوهما.

و الحاصل: ان من الواضح عدم لزوم المخاطرة فى مبيع مجهول الحال بالنسبة الى التسلم و عدمه، خصوصا بعد جبره

______________________________

الخطر الشامل لتسليمه و عدمه) فلا يشمل الغرر مثل بيع الطير فى الهواء و السمك فى الماء، اذ اعلم المشترى وصفهما و كمهما.

و انما لا يشمل الغرر الجهل بالتسليم (ضرورة حصوله) اى الجهل بالتسليم (فى بيع كل غائب) كما اذا باعه مالا له فى بلد آخر (خصوصا اذا كان فى بحر و نحوه) من المواضع التى يكثر العطب فيها، فانه يصح هذا البيع بلا اشكال، مع انه مجهول التسليم.

فلو كان الغرر شاملا لكل مجهول التسليم، لزم بطلان بيع كل غائب لكن بيع الغائب ليس باطلا، فليس بيع مجهول التسليم باطلا (بل هو) اى الجهل بالقدرة على التسليم (اوضح شي ء فى بيع الثمار، و الزرع) كالقت و الخضروات (و نحوهما) كورق التوت و الحناء، فانه غالبا لا يعلم الانسان هل تحصل آفة لا يتمكن البائع بسببها من التسليم أم لا تحصل؟

(و الحاصل: ان من الواضح عدم لزوم المخاطرة) اى القاء المشترى ماله فى الخطر (فى مبيع مجهول الحال) جهلا (بالنسبة الى التسلم) حيث لا يعلم انه هل يقدر على تسلم المتاع، أم لا؟ (و عدمه) اى عدم التسلم (خصوصا بعد جبره) اى فيما لو لم يقدر على التسلّم

ص: 320

بالخيار لو تعذر.

و فيه ان الخطر من حيث حصول المبيع فى يد المشترى اعظم من الجهل بصفاته مع العلم بحصوله.

فلا وجه لتقييد كلام اهل اللغة خصوصا بعد تمثيلهم بالمثالين المذكورين.

و احتمال ارادتهم ذكر المثالين لجهالة صفات المبيع لا الجهل بحصوله

______________________________

(بالخيار لو تعذر) التسلّم.

و عليه: فالغرر خاص بالجهل الكمّى او الكيفى، لا الجهل من حيث التسلّم و عدم التسلّم.

(و فيه ان) الغرر شامل لجهل التسلم أيضا اذا (الخطر من حيث حصول المبيع فى يد المشترى) و عدم حصوله فى يده (اعظم من الجهل بصفاته) اى صفات المبيع (مع العلم بحصوله) و بعد كون اللفظ عاما.

(فلا وجه لتقييد كلام اهل اللغة خصوصا بعد تمثيلهم بالمثالين المذكورين) اى بيع السمك فى الماء و الطير فى الهواء، فان المثال نص فى شمول الغرر لما تعذر تسليمه.

(و) ان قلت: لعلهم انما مثلوا بالمثالين لان الطير و السمك فى الماء مجهولان من حيث الصفات اذ الانسان لا يعلم صفات السمك فى الماء و لا الطير فى الهواء و ان شاهدهما من بعيد فالمثال لاجل الجهل بصفات المبيع لا لاجل عدم القدرة على التسليم.

قلت: (احتمال ارادتهم ذكر المثالين لجهالة صفات المبيع لا الجهل بحصوله)

ص: 321

فى يده، يدفعه ملاحظة اشتهار التمثيل بهما فى كلمات الفقهاء للعجز عن التسليم، لا للجهالة بالصفات.

هذا مضافا الى استدلال الفريقين من العامة و الخاصة بالنبوى المذكور على اعتبار القدرة على التسليم.

كما يظهر من الانتصار: حيث قال فيما حكى عنه: و مما انفردت به الامامية القول بجواز شراء العبد الآبق، مع الضميمة و لا يشترى وحده، الا اذا كان بحيث يقدر عليه المشترى و خالف باقى الفقهاء فى ذلك، و

______________________________

اى المبيع (فى يده، يدفعه ملاحظة اشتهار التمثيل بهما فى كلمات الفقهاء للعجز عن التسليم، لا للجهالة بالصفات).

و من الظاهر: ان تمثيل هؤلاء، و هؤلاء بالمثالين من باب واحد، لا ان تمثيل الفقهاء من باب الجهل بحصوله، و تمثيل اللغويين من باب الجهل بصفاته.

(هذا مضافا الى استدلال الفريقين من العامة و الخاصة بالنبوى المذكور على اعتبار القدرة على التسليم) فلا بدّ ان يشمل النبوى القدرة على التسليم، اذ ما يستفيده العرف من روايته لا بدّ و ان يكون هو ظاهر الرواية بحكم: وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ رَسُولٍ إِلّٰا بِلِسٰانِ قَوْمِهِ.

(كما يظهر من الانتصار: حيث قال فيما حكى عنه: و مما انفردت به الامامية القول بجواز شراء العبد الآبق، مع الضميمة، و لا يشترى وحده الا اذا كان بحيث يقدر عليه المشترى، و خالف باقى الفقهاء) من العامة (فى ذلك، و

ص: 322

ذهبوا الى انه لا يجوز بيع الآبق على كل حال الى ان قال: و يقول مخالفونا فى منع بيعه على انه بيع غرر، و ان نبينا نهى عن بيع الغرر الى ان قال و هذا ليس بصحيح، لان هذا البيع يخرجه عن ان يكون غررا انضمام غيره إليه، انتهى. و هو صريح فى استدلال جميع العامة بالنبوى، على اشتراط القدرة على التسليم.

و الظاهر اتفاق اصحابنا أيضا على الاستدلال به كما يظهر للمتتبع، و سيجي ء فى عبارة الشهيد التصريح به.

و كيف كان فالدعوى المذكورة مما لا يساعدها اللغة

______________________________

ذهبوا الى انه لا يجوز بيع الآبق على كل حال) و لو مع الضميمة (الى ان قال) الانتصار (و يقول مخالفونا فى منع بيعه على انه بيع غرر، و ان نبينا نهى عن بيع الغرر الى ان قال) السيد (و هذا) اى كونه بيع غرر (ليس بصحيح، لان هذا البيع يخرجه عن ان يكون غررا انضمام غيره) اى غير الآبق، و انضمام فاعل «يخرجه» (إليه) اى الى الآبق (انتهى. و هو صريح فى استدلال جميع العامة بالنبوى على اشتراط القدرة على التسليم) فليس الغرر خاصا بالجهل بالصفات.

(و الظاهر) من تعرضهم للمسألة فى كل كتاب رايناه (اتفاق اصحابنا أيضا على الاستدلال به) اى بالنبوى (كما يظهر للمتتبع، و سيجي ء فى عبارة الشهيد التصريح به) اى بهذا الاستدلال.

(و كيف كان فالدعوى المذكورة) اى «و احتمال ارادتهم الخ» (مما لا يساعدها اللغة) لانهم ذكروا مثال الغرر ببيع الطير و السمك مستدلين

ص: 323

و لا العرف و لا كلمات اهل الشرع.

و ما ابعد ما بينه و بين ما عن قواعد الشهيد ره: حيث قال: الغرر ما كان له ظاهر محبوب، و باطن مكروه، قال بعضهم و منه قوله تعالى:

متاع الغرور، و شرعا هو جهل الحصول، و مجهول الصفة فليس غررا، و بينهما عموم و خصوص من وجه،

______________________________

بعضهم بالنبوى (و لا العرف) لانهم يرون الغرر شاملا للجهل بالحصول أيضا (و لا كلمات اهل الشرع) كما عرفت عن الانتصار و غيره.

(و ما ابعد ما بينه) اى «و احتمال ارادتهم» (و) ما (بين ما عن قواعد الشهيد ره: حيث قال: الغرر ما كان له ظاهر محبوب، و باطن مكروه، قال بعضهم) اى فسّر الغرر بهذا التفسير بعض (و منه قوله تعالى: متاع الغرور) اى ان الدنيا متاع ظاهره يغرّ الانسان و يخدعه و باطنه عذاب و عقاب (و شرعا هو) اى الغرر (جهل الحصول) فخصص الشهيد الغرر بما جهل حصوله اما ما جهل صفاته فلم ير الشهيد ان الغرر يشمله و اما المجهول الذات و المعلوم الحصول (و مجهول الصفة) المعلوم الصفة (فليس غررا و بينهما) اى الغرر و الجهل (عموم و خصوص من وجه).

و لا يخفى ان للجهل اقساما، كالجهل بالجنس «هل هو حيوان او ليس بحيوان».

و النوع «هل هو انسان أم لا؟».

و الصنف «هل هو زنجى أم لا؟».

ص: 324

لوجود الغرر بدون الجهل فى العبد الآبق، اذا كان معلوم الصفة من قبل او وصف الآن، و وجود الجهل بدون الغرر فى المكيل و الموزون و المعدود اذا لم يعتبر.

و قد يتوغل فى الجهالة كحجر لا يدرى اذهب، أم فضة، أم نحاس أم صخر؟ و يوجدان معا فى العبد الآبق المجهول الصفة.

______________________________

و الشخص «هل هو زيد أم لا؟».

و العدد اى الكمّ «هل عشرة أم تسعة؟» و الكيف «هل هو ابيض أم لا؟» الى غيرها من انواع الجهالات (لوجود الغرر) الحصولى (بدون الجهل) فى الصفات (فى العبد الآبق، اذا كان معلوم الصفة من قبل او وصف الآن) وصفا يزيل الجهالة به (و وجود الجهل) الوصفى (بدون الغرر) الحصولى (فى المكيل و الموزون و المعدود) كالجص و الحنطة و البيض (اذا لم يعتبر) باحد الثلاثة، بان باعه اعتباطا، فان القدر و العدد مجهول لكن لا غرر فى حصوله، لغرض ان البائع يسلّمه و الجنس حاضر.

(و قد يتوغل) الايغال الدخول فى الشي ء الى اواخره كالايغال فى الصحراء، و فى البئر، و ما اشبه (فى الجهالة كحجر لا يدرى اذهب أم فضة، أم نحاس، أم صخر) و هذا من مجهول الصفات (و يوجدان) و هذا مادة الاجتماع فى «العموم من وجه» الحاصل بين الجهل و الغرر (معا) الجهل الحصولى و الجهل الوصفى (فى العبد الآبق المجهول الصفة) فانه غرر و جهل.

ص: 325

و يتعلق الغرر و الجهل تارة بالوجود، كالعبد الآبق المجهول الوجود.

و تارة بالحصول كالعبد الآبق المعلوم الوجود.

و بالجنس كحب لا يدرى ما هو و سلعة من سلع مختلفة.

و بالنوع كعبد من عبيد.

و بالقدر ككيل لا يعرف قدره.

و البيع الى مبلغ السهم.

و بالعين كثوب من ثوبين مختلفين.

______________________________

(و يتعلق الغرر و الجهل تارة بالوجود، كالعبد الآبق المجهول الوجود) بان احتملنا انه مات و فنى.

(و تارة بالحصول كالعبد الآبق) المجهول الحصول (المعلوم الوجود).

(و) تارة (بالجنس كحب لا يدرى ما هو) حنطة أم دخن، و المراد الجنس المنطقى (و سلعة من سلع مختلفة) كما لا يدرى حطب او قماش او ذهب.

(و) تارة (بالنوع كعبد من عبيد) و المراد هنا الصنف او الشخص.

(و) تارة (بالقدر ككيل لا يعرف قدره) هل يأخذ منا، أم منا و نصفا؟

(و) تارة (البيع) للارض (الى مبلغ السهم) اذ لا يدرى ان السهم كم يذهب، فلا يدرى اذرع الارض المبيعة.

(و) تارة (بالعين) اى الشخص (كثوب من ثوبين مختلفين) فانه

ص: 326

و بالبقاء كبيع الثمرة قبل بدوّ الصلاح عند بعض الاصحاب و لو اشترط ان يبدو الصلاح لا محالة، كان غررا عند الكل كما لو اشترط صيرورة الزرع سنبلا.

و الغرر قد يكون بماله مدخل ظاهر فى العوضين و هو ممتنع اجماعا.

______________________________

جهل بالعين.

(و) تارة يتعلق الجهل و الغرر (بالبقاء) بان لا يعلم هل يبقى المبيع الى وقت التسليم، أم لا؟ (كبيع الثمرة قبل بدوّ الصلاح عند بعض الاصحاب) حيث قالوا ببطلان البيع.

و بدو الصلاح فى كل ثمرة بحسبها، ففى العنب قبل التحصرم، و فى التمر قبل الاحمرار و الاصفرار، و فى الحبوب قبل انعقاد الحب، و هكذا (و لو اشترط) المشترى على البائع (ان يبدو الصلاح لا محالة) بان يقول: انا اشترى منك بشرط ان يبدو صلاحه فى المستقبل (كان) البيع (غررا عند الكل) من جهة انه مجهول الحصول، و مجهول البقاء، لانه لا يعلم هل تبقى الثمرة، أم لا؟ و لا يعلم على تقدير البقاء، هل يبدو صلاحها، أم لا؟ بخلاف ما اذا لم يشترط، فانه جهل بالبقاء فقط و هو غرر عند البعض (كما لو اشترط صيرورة الزرع سنبلا) فانه لا يعلم هل يصير سنبلا، أم لا؟ و هو غرر.

(و الغرر قد يكون بماله مدخل ظاهر فى العوضين) كما اذا لم يعلم انه عبد، او امة، حمار او فرس، و هكذا، كما تقدم فى بعض الامثلة (و هو ممتنع اجماعا) فاذا باع كذلك بطل البيع.

ص: 327

و قد يكون بما يتسامح به عادة لقلته كاسّ الجدار و قطن الجبّة و هو معفو عنه اجماعا، و نحوه اشتراط الحمل.

و قد يكون مرددا بينهما و هو محل الخلاف كالجزاف فى مال الاجارة، و المضاربة، و الثمرة قبل بدو الصلاح

______________________________

(و قد يكون بما يتسامح به عادة لقلته) اى قلة الغرر (كاسّ الجدار) الموجود فى الارض، فان الغالب عدم التحقيق عنه هل هو من آجر جيد، او آجر ردّى.

نعم: يلزم ان يكون حسب المتعارف مما يتسامح به العرف اما لو كان اسس بيت رفيع من الطين كان غررا (و قطن الجبّة) اى القطن الّذي يوجد فى داخل الجبّة، فانه لا يعلم قدره، و لا يعلم هل هو جيّد، اوردى (و هو) اى الغرر بهذا المقدار الجزئى (معفو عنه اجماعا) فلا يبطل البيع بجهالته (و نحوه اشتراط الحمل) فانه غرر معفو عنه، اذ لا يعلم انه هل يكمل، او يسقط، و هل ذكر او انثى، الى غيرها من جهات الجهل.

(و قد يكون) الغرر (مرددا بينهما) اى بين المتسامح فيه و غير المتسامح فيه (و هو محل الخلاف كالجزاف فى مال الاجارة و المضاربة) فانه ان كان جزافا زائدا لا يتسامح فيه و يوجب الغرر، كما اذا لم يعلم ان المال عشرة او مائة و ان كان جزافا فى الجملة بحيث يتسامح فيه عرفا، فانه لا يوجب الغرر.

كما اذا تردد بين ان يكون عشرة مثاقيل او تسعة و نصف، فان الدراهم و الدنانير السابقة كانت تحك بكثرة التداول حتى تنقص فى الجملة (و الثمرة قبل بدو الصلاح) اذ بعضها يبدو صلاحها متأخرا و

ص: 328

و الآبق لغير ضميمة، انتهى، و فى بعض كلامه تأمل، ككلامه الآخر فى شرح الارشاد، حيث ذكر فى مسألة تعين الاثمان بالتعيين الشخصى عندنا قالوا يعنى المخالفين من العامة، تعينها غرر، فيكون منهيا عنه.

اما الصغرى فلجواز عدمها او ظهورها مستحقة فينفسخ البيع.

______________________________

بعضها متقدما (و الآبق لغير ضميمة) فانه قد يكون الضميمة به بالا يوجب رفع الغرر، كما اذا باع عليه كبريت مع الآبق و قد يوجب التسامح، كآبق و عبد حاضر (انتهى) كلام الشهيد (و فى بعض كلامه تأمل).

كتخصيصه الغرر بالجهل بالحصول، مع انك قد عرفت ان الغرر اعم.

و كالتهافت بين اوّل كلامه الّذي خصص الغرر بالجهل بالحصول، و بين آخر كلامه الّذي جعل الغرر اعم من الجهل بالحصول و الجهل بالصفات و ما اشبه، الى غير ذلك (ك) التأمل فى (كلامه الآخر فى شرح الارشاد حيث ذكر فى مسألة تعين الاثمان بالتعيين الشخصى عندنا) فاذا باع شيئا بدينار كان الدينار كليا، اما اذا عينه فى دينار خاص تعين.

فانهم (قالوا) مفعول «ذكر» (يعنى المخالفين من العامة، تعينها) بان يبيع بدينار شخصى- مثلا- (غرر، فيكون منهيا عنه) فلا يصح البيع اذا كان الثمن شخصيا.

(اما الصغرى) و ان التعيين غرر (فلجواز عدمها) اى ان ينعدم الامر الشخصى، بان يتلف الدينار (او ظهورها مستحقة) كان يظهر ان الدينار للغير (فينفسخ البيع) و هذا غرر و جهالة.

ص: 329

و اما الكبرى فظاهرة، الى ان قال قلنا: ان نمنع الصغرى لان الغرر احتمال مجتنب عنه فى العرف بحيث لو تركه و بخ عليه، و ما ذكره لا يخطر ببال فضلا عن اللوم عليه، انتهى.

فان مقتضاه انه لو اشترى الآبق، او الضالّ المرجو الحصول بثمن قليل لم يكن غررا، لان العقلاء يقدمون على الضرر القليل، رجاء النفع الكثير.

______________________________

(و اما الكبرى) و هى كون الغرر منهى عنه (فظاهرة) لان الغرر منهى عنه فى النص و الفتوى (الى ان قال) الشهيد فى جواب الاشكال (قلنا: ان نمنع الصغرى) و ان البيع الشخصى غرر (لان الغرر احتمال مجتنب عنه فى العرف) فان العرف لا يقدمون على الغرر (بحيث لو تركه) اى ترك الاجتناب عن الغرر (و بخ عليه) و قيل له لما ذا اقدمت على هذه المعاملة الغررية (و ما ذكره) العامة من ان البيع الشخصى غرر (لا يخطر ببال) انه غرر (فضلا عن اللوم عليه) اى فضلا من ان يلام مرتكب هذا البيع (انتهى) كلام الشهيد.

(فان مقتضاه) اى مقتضى كلامه: ان الغرر احتمال مجتنب عنه (انه لو اشترى الآبق، او الضال المرجو الحصول بثمن قليل) كما لو اشترى عبدا قيمته مائة بدينار- مثلا- (لم يكن غررا، لان العقلاء يقدمون على الضرر القليل، رجاء النفع الكثير) فلا يلام العاقل عليه، فلا يكون غررا- بهذا الميزان الّذي ذكره الشهيد- مع انه غرر قطعا.

ص: 330

و كذا لو اشترى المجهول المردد بين ذهب و نحاس بقيمة النحاس بناء على المعروف من تحقق الغرر، بالجهل بالصفة، و كذا شراء مجهول المقدار بثمن المتيقن منه، فان ذلك كله مرغوب فيه عند العقلاء، بل يوبخون من عدل عنه اعتذارا بكونه خطرا.

فالاولى ان هذا النهى من الشارع لسد باب المخاطرة المفضية الى التنازع فى المعاملات، و ليس منوطا، بالنهى من العقلاء ليخص

______________________________

(و كذا لو اشترى المجهول المردد بين ذهب و نحاس بقيمة النحاس) فان المشترى لا يلام على ذلك عند العرف، مع انه غرر و ممنوع عنه شرعا.

و انما تكون هذه المعاملة غررا (بناء على المعروف من تحقق الغرر ب) سبب (الجهل بالصفة) فان الجهل بكونه ذهبا او نحاسا جهل بالصفة (و كذا شراء مجهول المقدار) كما اذا لم يعلم انه منّ او نصف منّ (بثمن المتيقن منه) بثمن نصف منّ (فان ذلك كله مرغوب فيه عند العقلاء بل يوبخون من عدل عنه) و لم يشتر (اعتذارا بكونه خطرا) و مع ان العقلاء يرغبون فيه فهو غرر، فليس الميزان للغرر ما ذكره الشهيد بقوله «لان الغرر احتمال مجتنب عنه الخ».

(فالاولى) ان يقال: (ان هذا النهى) عن الغرر- و لو كان غررا محبوبا للعرف- (من الشارع) تعبدى.

و ذلك (لسدّ باب المخاطرة) اى الاقدام على الخطر (المفضية الى التنازع فى المعاملات، و ليس) الغرر المحرم (منوطا ب) ما اذا كان هناك (النهى من العقلاء ليخصّ

ص: 331

مورده بالسفهاء او المتسفهة.

ثم انه قد حكى عن الصدوق فى معانى الاخبار تعليل فساد بعض المعاملات المتعارفة فى الجاهلية كبيع المنابذة و الملامسة، و بيع الحصاة بكونها غررا مع انه لا جهالة فى بعضها، كبيع المنابذة- بناء على ما فسره به- من انه قول احدهما لصاحبه انبذ إليّ الثوب، او انبذه أليك، فقد وجب البيع، و بيع الحصاة بان يقول: اذا نبذت الحصاة

______________________________

مورده) اى مورد الضرر (بالسفهاء او المتسفهة) اى الذين هم عقلاء، و لكن يعملون اعمال السفهاء.

و الحاصل: ان الغرر الشرعى اعم من الغرر العرفى، فربما لا يكون هناك غرر عرفا، و لكن الشارع يراه غررا.

(ثم انه قد حكى عن الصدوق فى) كتاب (معانى الاخبار تعليل فساد بعض المعاملات المتعارفة فى الجاهلية كبيع المنابذة و الملامسة و بيع الحصاة بكونها غررا) و لذا ابطلها الشارع (مع انه لا جهالة فى بعضها، كبيع المنابذة- بناء على ما فسره) الصدوق (به-) ضمير فسره يعود الى «بيع المنابذة» و ضمير «به» عائد الى «ما» و مصداقه «المعنى» (من انه قول احدهما) اى احد المتعاملين (لصاحبه انبذ الى الثوب، او انبذه أليك).

الاول يقوله المشترى، و الثانى يقوله البائع (فقد وجب) بهذا النبذ (البيع، و) مثل (بيع الحصاة) عطف على «بيع المنابذة» (بان يقول:

اذا نبذت الحصاة) على الثوب الّذي اريده

ص: 332

فقد وجب البيع.

و لعله كان على وجه خاص يكون فيه خطر و الله العالم.

و كيف كان فلا اشكال فى صحة التمسك لاعتبار القدرة على التسليم بالنبوى المذكور، الا انه اخص من المدعى، لان ما يمتنع تسليمه عادة- كالغريق فى بحر يمتنع خروجه منه عادة و

______________________________

(فقد وجب البيع) بهذا النبذ للحضاة.

و بيع الملامسة هو ان يجعلا ايجاب البيع لمس المتاع.

(و لعله كان) الامر فى هذه المعاملات (على وجه خاص يكون فيه خطر) و الا فبهذا التفسير الّذي ذكرناه لا غرر فى شي ء من ذلك، و ان كان له وجه بطلان من جهة اخرى، و هو انه لا عقد فى هذه المعاملات اذا قلنا ببطلان المعاطات.

و انما الكلام فى قول الصدوق بان هذه المعاملات غررية، و لذا هى باطلة.

و لعل المراد بالوجه الخاص ان يكون تعيين المبيع بالنبذ و اللمس و القاء الحصاة بدون معرفة الخصوصيات قبل النبذ و اللمس و الالقاء كان يقول المشترى ارم الحصاة على هذه الاثواب فباى ثوب وصلت يكون ذلك الثوب لى بهذا الثمن فانه مجهول.

و كذلك اذا كان النبذ و اللمس على مجهول، فانه من قبيل القمار (و الله العالم).

(و كيف كان) سواء صدق الغرر فى بيع المنابذة و اخويه، أم لا.

(فلا اشكال فى صحة التمسك لاعتبار القدرة على التسليم بالنبوى المذكور) نهى النبي صلى اللّه عليه و آله عن الغرر (الا انه) اى النبوى (اخص من المدعى، لان ما يمتنع تسليمه عادة- كالغريق فى بحر يمتنع خروجه منه عادة و

ص: 333

نحوه ليس فى بيعه خطر، لان الخطر انما يطلق فى مقام يحتمل السلامة و لو ضعيفا.

لكن هذا الفرد يكفى فى الاستدلال على بطلانه بلزوم السفاهة.

و كون اكل الثمن فى مقابله اكلا للمال بالباطل بل لا يعد مالا عرفا

______________________________

نحوه) كالطير فى الهواء الّذي يمتنع وصول اليد إليه، و الوحش الفار فى الصحراء (ليس فى بيعه خطر) حتى يصدق الغرر (لان الخطر انما يطلق فى مقام يحتمل السلامة، و لو) احتمالا (ضعيفا).

و من المعلوم: ان الغريق الممتنع خروجه لا يحتمل فيه السلامة حتى يسمّى خطرا مثلا الانسان المريض المحتمل سلامته و صحته يسمى مخطورا، اما المتيقن موته لا يسمى مخطورا.

و كيف كان فالاستدلال بالنبوى لبطلان بيع الغريق غير تام، اذ النبوى لا يشمله (لكن هذا الفرد) الغريق- مثلا- (يكفى فى الاستدلال على بطلانه بلزوم السفاهة).

و المعاملات السفهائية باطلة، لقوله تعالى: وَ لٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّٰهُ لَكُمْ قِيٰاماً، و لان المنصرف من ادلة المعاملة هى العقلائية منها، لا حتى السفهائية.

(و كون اكل الثمن فى مقابله اكلا للمال بالباطل) فيشمله قوله تعالى: و لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ، بل يشمله مناط الغرور، اذ لو كان المخطور مخطورا، فالمتيقن عدم الوصول إليه يكون مخطورا بطريق اولى (بل لا يعد ما لا عرفا).

ص: 334

و ان كان ملكا، فيصح عتقه، و يكون لمالكه لو فرض التمكن منه، الا انه لا ينافى سلب صفة التمول عنه عرفا.

و لذا يجب على غاصبه ردّ تمام قيمته الى المالك، فيملكه مع بقاء العين على ملكه على ما هو ظاهر المشهور

______________________________

و من المعلوم: ان البيع مبادلة مال بمال (و ان كان ملكا) و قد ذكروا فى موضعه ان الملك اعمّ من المال، فحبة الحنطة ملك و ليست بمال (فيصح عتقه) فى العبد الآبق- و هذا من توابع الملك، اذ لا عتق الا فى ملك- (و يكون لمالكه لو فرض التمكن منه) بل هو الآن لمالكه، فاذا تمكن انسان آخر منه لا يصح له التصرف فيه لانه مال الناس (الا انه) اى كونه ملكا له آثار خاصة (لا ينافى سلب صفة التموّل عنه عرفا).

فان العرف لا يراه ماله، فلا مالية له شرعا، اذ الشرع علق احكامه على ما كان مالا عرفا، الا ما خرج بالدليل مما يراه العرف مالا، و لا يراه الشرع كالخمر و الخنزير عند اهلهما.

(و لذا) الّذي ليس بمال (يجب على غاصبه ردّ تمام قيمته الى المالك) فمن سبب اباق العبد او اطلاق الطير يجب عليه ان يعطى للمالك تمام قيمته (فيملكه) اى التمام (مع بقاء العين على ملكه) اى ملك المالك (على ما هو ظاهر المشهور) فاذا كسر الشخص اناء انسان، كانت اجزاء الاناء للمالك مع انه يجب على الكاسر ان يعطى للمالك تمام قيمة الاناء، و لو لم تكن الاجزاء المكسورة ملكا لم يكن لها اختصاص بالمالك.

ص: 335

ثم: انه ربما يستدل على هذا الشرط بوجوه آخر.

منها: ما اشتهر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله من قوله صلّى اللّه عليه و آله: لا تبع ما ليس عندك، بناء على ان كونه عنده لا يراد به الحضور، لجواز بيع الغائب، و السلف، اجماعا، فهى كناية لا عن مجرد الملك لان المناسب حينئذ ذكر لفظة اللام.

و لا عن مجرد السلطنة عليه، و القدرة على تسليمه، لمنافاته لتمسك

______________________________

(ثم: انه ربما يستدل على هذا الشرط) اى شرط القدرة على التسليم (بوجوه اخر).

(منها: ما اشتهر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله) فى كتب الفتاوى (من قوله صلّى اللّه عليه و آله: لا تبع ما ليس عندك، بناء على ان كونه عنده) المفهوم من الحديث، و انه يشترط ان يكون المبيع عند البائع (لا يراد به الحضور) و الوجود الآن عند البائع (لجواز بيع الغائب) الّذي ليس بحاضر عند البائع (و السلف) الّذي ليس بموجود الآن (اجماعا، فهى) اى الكون عند البائع، و التأنيث باعتبار الخبر اى «كناية» (كناية لا عن مجرد الملك) اى لا تبع ما لا تملك (لان المناسب حينئذ) اى حين كان المراد مجرد الملك (ذكر لفظة اللام) بان يقول: لا تبع ما ليس لك، لا ان يقول «ما ليس عندك».

(و) أيضا كناية (لا عن مجرد السلطنة عليه، و القدرة على تسليمه) حالا او مستقبلا، حتى يكون المعنى: لا تبع ما لا تقدر على تسليمه؛ و لا سلطنة لك عليه (لمنافاته) اى هذا المعنى (لتمسك

ص: 336

العلماء من الخاصة و العامة بها على عدم جواز بيع العين الشخصية المملوكة للغير، ثم شرائها من مالكها، خصوصا اذا كان وكيلا عنه فى بيعه، و لو من نفسه، فان السلطنة و القدرة على التسليم حاصلة هنا، مع انه مورد الرواية عند الفقهاء فتعين ان يكون كناية

______________________________

العلماء من الخاصة و العامة بها) اى بهذه الرواية (على عدم جواز بيع العين الشخصية المملوكة للغير، ثم شرائها من مالكها) اى ان العلماء قالوا لا يجوز للانسان ان يبيع لعمرو دار زيد، ثم يشترى الدار و يعطيها لعمرو.

و استدلوا لعدم جواز ذلك بقوله صلّى اللّه عليه و آله «لا تبع ما ليس عندك».

و هذا الاستدلال دليل على انه ليس معنى هذه الرواية «لا تبع ما لا سلطنة لك عليه لا حالا و لا بعدا» اذ لو كان معناها هذا، لزم عدم صحة الاستدلال المذكور، اذ البائع فى المثال يكون له سلطة على الدار فيما بعد البيع (خصوصا اذا كان) البائع فى المثال (وكيلا عنه) اى عن المالك (فى بيعه، و لو) بيعا (من) قبل (نفسه) كما لو قال مالك الدار للبائع: بع الدار و لو لنفسك.

و انما قلنا خصوصا (فان السلطنة و القدرة على التسليم حاصلة هنا) للبائع، لان المالك سلطه على المال (مع انه مورد الرواية عند الفقهاء) و انه لا يصح البيع، لانه من بيع ما ليس عنده.

و حيث ان الرواية لم تكن كناية عن ذلك و لا ذاك (فتعين ان يكون كناية)

ص: 337

عن السلطنة التامة الفعلية التى تتوقف على الملك مع كونه تحت اليد، حتى كانه عنده، و ان كان غائبا.

و على اىّ حال فلا بد من اخراج بيع الفضولى عنه بأدلته، او بحمله

______________________________

اى يكون لفظ «عندك» كناية (عن السلطنة التامة الفعلية التى تتوقف على الملك مع كونه تحت اليد، حتى كانه) اى المال (عنده) اى عند البائع (و ان كان) المال (غائبا) فى بلد آخر مثلا.

و الحاصل: ان المحتملات المردودة فى الرواية ثلاثة.

الاول:- «لا تبع ما لا تملك».

الثانى:- «لا تبع ما لا سلطة لك عليه لا حالا و لا مستقبلا».

الثالث:- «لا تبع ما ليس حاضرا».

اذ الاول: يقتضي ان يقول: «لا تبع ما ليس لك».

و الثانى يقتضي صحة بيع ما ليس له حالا و يكون له مستقبلا، مع ان العلماء استدلوا بهذه الرواية على بطلان هذا البيع.

و الثالث: يقتضي بطلان بيع السلف، و الحال انه صحيح قطعا، اذ فالمعنى: لا تبع ما لا قدرة لك على تسليمه، فاذا كانت له قدرة على التسليم بان كان مالكا و تحت يده حتى كانه عنده، جاز بيعه.

(و على اىّ حال) ايّا كان معنى الرواية، فانها تشمل البيع الفضولى (فلا بد من اخراج بيع الفضولى عنه) اى عن هذا الحديث (ب) سبب (ادلته) الدالة على صحة البيع الفضولى (او بحمله) اى حمل:

ص: 338

على النهى المقتضى لفساده، بمعنى عدم وقوعه لبايعه لو اراد ذلك.

و كيف كان فتوجيه الاستدلال بالخبر على ما نحن فيه ممكن.

و اما الايراد عليه بدعوى ان المراد به الاشارة الى ما هو المتعارف فى تلك الازمنة من بيع الشي ء غير المملوك ثم تحصيله بشرائه و نحوه و دفعه الى المشترى.

______________________________

لا تبع، فى الحديث (على النهى المقتضى لفساده) اى فساد البيع، لا النهى المقتضى للحرمة- مع صحة البيع- من قبيل «ذروا البيع» حيث قالوا بالحرمة و الصحة (بمعنى عدم وقوعه) اى البيع (لبايعه) الفضول (لو اراد) البائع (ذلك) اى كون البيع لنفسه.

و قوله و على اى حال، دفع اشكال مقدر، و هو انه كيف فسر.

ثم الحديث يبقى عليه اشكال انه كيف لا يصح بيع ما ليس عنده، و الحال انا نرى صحة بيع الفضول، مع ان الفضول ليس عنده المال.

و الجواب، ان بيع الفضول اما تخصيص للحديث، او تخصص.

(و كيف كان) الامر (فتوجيه الاستدلال بالخبر) اى: لا تبع ما ليس عندك (على ما نحن فيه ممكن) عرفا، اى ظاهر، و المراد بما نحن فيه- اشتراط القدرة على التسليم-.

(و اما الايراد عليه) اى على الاستدلال بهذا الحديث لما نحن فيه (بدعوى ان المراد به) اى بما ليس عندك (الاشارة الى ما هو المتعارف فى تلك الازمنة) ازمنة صدور الرواية (من بيع الشي ء غير المملوك، ثم تحصيله بشرائه و نحوه) اى نحو الشراء كالصلح، و الاستيهاب (و دفعه الى المشترى).

ص: 339

فمدفوع: بعدم الشاهد على اختصاصه بهذا المورد، و ليس فى الاخبار المتضمنة لنقل هذا الخبر ما يشهد باختصاصه بهذا المورد.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 9، ص: 340

نعم يمكن ان يقال: ان غاية ما يدل عليه هذا النبوى، بل النبوى الأول أيضا فساد البيع، بمعنى عدم كونه علة تامة لترتب الأثر المقصود فلا ينافى وقوعه مراعى بانتفاء صفة الغرر، و تحقق كونه عنده.

و لو ابيت الا عن ظهور النبويين فى الفساد بمعنى لغوية العقد

______________________________

فليس الحديث مربوطا بالقدرة على التسليم، كما هو مناط الاستدلال.

(فمدفوع: بعدم الشاهد على اختصاصه بهذا المورد) بل لفظه عام (و ليس فى الاخبار المتضمنة لنقل هذا الخبر ما يشهد باختصاصه بهذا المورد).

فان المورد لا يخصص كما ذكروا فى الاصول، الا اذا كان المورد من القوة بحيث يوجب الانصراف الصارف للظهور العرفى و كيف يمكن ادعاء مثل ذلك هنا.

(نعم يمكن ان يقال: ان غاية ما يدل عليه هذا النبوى) لا تبع ما ليس عندك (بل النبوى الأول أيضا) نهى النبي عن الغرر (فساد البيع) الّذي لا يقدر البائع على تسليمه، لانه غرر، و لأنه ليس عنده (بمعنى عدم كونه) اى البيع (علة تامة لترتب الأثر المقصود).

فالحديثان ارشاد الى عدم اللزوم (فلا ينافى) عدم العلية التامة (وقوعه مراعى بانتفاء صفة الغرر، و تحقق كونه عنده) فاذا زال الغرر، بان قدر بعد ذلك على التسليم، و صدق انه عنده، لزم البيع، و إلا بطل.

(و لو ابيت الا عن ظهور النبويين فى الفساد بمعنى لغوية العقد

ص: 340

رأسا المنافية لوقوعه مراعى دار الأمر بين ارتكاب خلاف هذا الظاهر، و بين اخراج بيع الرهن و بيع ما يملكه بعد البيع، و بيع العبد الجانى عمدا و بيع المحجور لرقّ، او سفه، او فلس، فان البائع فى هذه الموارد

______________________________

رأسا) و ان العقد الّذي لا يقدر العاقد على تسليمه فاسد، لا انه مراعى (المنافية) تلك اللغوية (لوقوعه) اى العقد (مراعى) و متزلزلا (دار الأمر بين) ان نقول بأن الظاهر للحديثين، و ان كان الفساد الا انه لا بد ان نصرفها الى إرادة كون العقد مراعى.

و بين ان نقول بابقاء الظاهر على ظاهره، لكن نخرج من هذا الظاهر بعض المعاملات التى هى غرر، و ليست عنده و مع ذلك قالوا بصحتها.

و لكن التخصيص خلاف الظاهر- الظاهر الآبى عن التخصيص- فلا بد من القول بصرف الظاهر الى إرادة كون العقد مراعى، و هذا مراده بقوله: دار الأمر بين (ارتكاب خلاف هذا الظاهر) الّذي هو الفساد، و خلافه كونه «مراعى» (و بين) القول بهذا الظاهر، و لكن (اخراج بيع الرهن و بيع ما يملكه بعد البيع، و بيع العبد الجانى عمدا) الّذي هو متعلق حق المجنى عليه، و لا يعلم هل يرضى بالبدل أم لا؟ فبيعه غرر و يصدق عليه انه ليس عنده- (و بيع) الشخص (المحجور) عليه (لرقّ) اذ العبد لا يجوز له ان يتصرف فى ماله الا باجازة سيده (او سفه) فان معاملته متوقفة على اجازة الولى (او فلس) فان معاملة المفلّس متوقفة على اجازة الغرماء (فان البائع فى هذه الموارد

ص: 341

عاجز شرعا من التسليم، و لا رجحان لهذه التخصيصات، فحينئذ لا مانع عن التزام وقوع بيع كل ما يعجز عن تسليمه مع رجاء التمكن منه مراعى بالتمكن منه فى زمان لا يفوت الانتفاع المعتد به.

و قد صرح الشهيد فى اللمعة بجواز بيع الضال و المحجور عن غير اباق مراعى بامكان التسليم، و احتمله فى التذكرة

______________________________

عاجز شرعا من التسليم، و) حيث دار الأمر بين خلاف الظاهر، و بين هذه التخصيصات، نقول: (لا رجحان لهذه التخصيصات) كما تقدم، فاللازم ان نقول بالأول- اى خلاف الظاهر- (فحينئذ لا مانع عن التزام وقوع بيع كل ما يعجز عن تسليمه مع رجاء) البائع (التمكن منه) اى من التسليم (مراعى بالتمكن منه) حال عن «بيع كل ما» (فى زمان لا يفوت الانتفاع المعتد به) «فى» متعلق بالتمكن.

اما اذا كان التمكن فى زمان فات الانتفاع المعتد به، فهذا موجب لعدم وقوع البيع.

اذ البيع انما هو للانتفاع، فاذا كانت القدرة فى زمان لا منفعة فيه اصلا، او فات الانتفاع المعتد به، فلا بيع.

(و قد صرح الشهيد فى اللمعة بجواز بيع الضال) الّذي ضلّ و ضاع (و المحجور) الّذي استولى عليه انسان و جحده و هو مال هذا الانسان البائع (عن غير اباق) بان يكون العبد غير آبق بل ضالا او او محجورا (مراعى بامكان التسليم) من البائع، بان تمكن البائع من وجدان الضال و اخذ المحجور (و احتمله) اى الجواز العلامة (فى التذكرة

ص: 342

لكن الانصاف ان الظاهر من حال الفقهاء اتفاقهم على فساد بيع الغرر، بمعنى عدم تأثيره رأسا، كما عرفت من الايضاح.

و منها ان لازم العقد وجوب تسليم كل من المتبايعين العوضين الى صاحبه، فيجب ان يكون مقدور الاستحالة التكليف الممتنع.

و يضعف بانه ان اريد ان لازم العقد وجوب التسليم وجوبا مطلقا منعنا الملازمة.

______________________________

لكن الانصاف ان الظاهر من حال الفقهاء) الذين افتوا به فى مختلف المسائل (اتفاقهم على فساد بيع الغرر، بمعنى عدم تأثيره رأسا، كما عرفت من الايضاح) لا صحة البيع و لو فى الجملة.

(و منها) اى من الادلة التى اقيمت على اشتراط صحة العقد بالقدرة على التسليم (ان لازم العقد) عرفا و شرعا (وجوب تسليم كل من المتبايعين) البائع و المشترى (العوضين) البائع للمثمن، و المشترى للثمن (الى صاحبه، فيجب ان يكون) التسليم (مقدورا لاستحالة التكليف الممتنع) اذ: اما لا يجب التسليم و هو خلاف «اللازم» المذكور، او يجب بدون القدرة عليه، و هذا تكليف بغير المقدور و هو باطل.

(و يضعف) هذا الاستدلال (بانه ان اريد ان لازم العقد وجوب التسليم وجوبا مطلقا) سواء كان العاقد متمكنا من التسليم، أم لا (منعنا الملازمة) فمن اين؟ ان لازم العقد وجوب التسليم، بل ورد فى الشرع بعض الموارد التى يصح العقد، و لا يجب التسليم، كبيع الآبق مع الضميمة، و العرف لا يرى بذلك بأسا، خصوصا اذا كان هناك غرض فى

ص: 343

و ان اريد مطلق وجوبه فلا ينافى كونه مشروطا بالتمكن، كما لو تجدّد العجز بعد العقد.

و قد يعترض باصالة عدم تقييد الوجوب.

ثم يدفع بمعارضته باصالة عدم تقيد البيع بهذا الشرط.

______________________________

بيع ما لا يقدر البائع على تسليمه، كما لو كان مقصود المشترى اشتراء والده الآبق لا يعتق، او كان مقصوده عتق الآبق كفارة او شبهها.

(و ان اريد مطلق وجوبه) اى وجوبا فى الجملة (فلا ينافى كونه) اى الوجوب فى الجملة (مشروطا بالتمكن، كما لو تجدّد العجز بعد العقد) فان العقد صحيح، و مع ذلك لا يجب التسليم، لان العجز موجب لعدم وجوب غير المقدور، اما خيار المشترى حينئذ فهو كلام آخر، اذ كلا منافى صحة العقد، و انها ليست مشروطة بتمكن التسليم.

(و قد يعترض) ما ذكرناه من ان الوجوب فى الجملة لا ينافى كون الوجوب مقيدا بالتمكن (باصالة عدم تقييد الوجوب) اى وجوب التسليم «بالتمكن» بل يجب التسليم مطلقا، حتى اذا لم يتمكن كان البيع باطلا و هذا الأصل عبارة عن ما هو اللازم عقلا و شرعا- كما تقدم-.

(ثم يدفع) هذا الاعتراض (بمعارضته) اى اصل وجوب التسليم، بدون قيد باشتراط القدرة (باصالة عدم تقيّد البيع بهذا الشرط) صحته بالقدرة على التسليم.

خرج من هذا الأصل المورد الّذي علمنا باشتراط الصحة بالتمكن من التسليم، و بقيت صورة عدم القدرة خارجة، فاصالة صحة البيع محكمة.

ص: 344

و فى الاعتراض و المعارضة نظر واضح، فافهم.

و منها ان الغرض من البيع انتفاع كل منهما بما يصير إليه و لا يتم الا بالتسليم.

______________________________

(و فى الاعتراض) اى قوله «قد يعترض» (و المعارضة) اى قوله «ثم يدفع» (نظر واضح).

اما فى الاعتراض: فلانه يريد بنفى تقيد التمكن اثبات اطلاق الوجوب و هذا اصل مثبت.

و اما فى المعارضة: فلأنه يريد باصالة عدم اعتبار القدرة اثبات ان البيع سبب تام، و هذا أيضا اصل مثبت (فافهم) بأنه اذا اريد بالأصل:

الاصل العملى، كان الاشكال على الاعتراض و المعارضة واردا.

اما لو اريد من الأصل: الاطلاق، يعنى ان «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» يفيد الوجوب المطلق، و لا يتوجه الى العاقد الا بعد امكان التسليم، فلا يلزم التسليم لو لم يتمكن.

و لم يرد عليه اشكال لزوم كون الأصل مثبتا.

و ان شئت قلت: ان «اوفوا» يقول: ف بعقدك، سواء قدرت على التسليم، أم لا.

(و منها) اى من الادلة على اشتراط القدرة على التسليم (ان الغرض من البيع انتفاع كل منهما) البائع و المشترى (بما يصير إليه) من المثمن الى المشترى، و الثمن الى البائع (و لا يتم) الغرض (الا بالتسليم) فمع عدم امكان التسليم لا يحصل الغرض، و اذا لم يحصل الغرض لم يصح

ص: 345

و يضعفه منع توقف مطلق الانتفاع على التسليم.

بل منع عدم كون الغرض منه الا الانتفاع بعد التسليم، لا الانتفاع المطلق.

و منها ان بذل الثمن على غير المقدور سفه، فيكون ممنوعا و اكله اكلا بالباطل.

______________________________

البيع.

(و يضعفه) أولا: (منع توقف مطلق الانتفاع على التسليم).

لامكان ان يريد البائع جعل الثمن- غير المقدور على تسلّمه- حقّا له على الغاصب مثلا.

و امكان ان يريد المشترى جعل المثمن «العبد الآبق» معتوقا لاداء نذر، او كفارة، او ما اشبه.

(بل) يرد عليه ثانيا: (منع عدم كون الغرض منه الا الانتفاع بعد التسليم، لا الانتفاع المطلق) الممكن بدون التسليم.

و ثالثا: بأن تخلف الغرض لا محذور فيه اذا كان على نحو الداعى.

الا ترى ان صاحب الضيف اذا اشترى خبزا للضيف، ثم ذهب الضيف لم يكن له ارجاع الخبز و ان كان قد تخلف غرضه.

(و منها) اى من الأدلة على اشتراط القدرة على التسليم (ان بذل) المشترى (الثمن على غير المقدور سفه، فيكون ممنوعا) لأن المعاملة السفهائية باطلة (و) يكون (اكله) اى البائع للثمن (اكلا) للمال (بالباطل) فيشمله قوله تعالى «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ»*.

ص: 346

و فيه: ان بذل المال القليل فى مقابل المال الكثير المحتمل الحصول ليس سفها، بل تركه اعتذارا بعدم العلم بحصول العوض سفه، فافهم.

ثم ان ظاهر معاقد الاجماعات- كما عرفت- كون القدرة شرطا كما هو كذلك فى التكاليف، و قد اكد الشرطية فى عبارة الغنية المتقدمة حيث حكم بعدم جواز بيع ما لا يمكن فيه التسليم، فينتفى المشروط عند انتفاء

______________________________

(و فيه: ان بذل المال القليل فى مقابل المال الكثير المحتمل الحصول) كما لو اشترى العبد الآبق الّذي ثمنه الحقيقى الف، بعشرة (ليس سفها، بل تركه) اى ترك البيع (اعتذارا بعدم العلم بحصول العوض سفه)

و لذا ترى العقلاء يغامرون بأنفسهم و أموالهم فى المخاطر رجاء حصولهم على اموال كثيرة (فافهم) اذ تختلف مراتب الاحتمال، فاطلاق الجواز كاطلاق المنع، كلاهما محل مناقشة.

(ثم ان ظاهر معاقد الاجماعات- كما عرفت-) فى اوّل المسألة (كون القدرة) على التسليم (شرطا) فى صحة البيع (كما هو كذلك) القدرة شرط (فى التكاليف).

فكما انه لا تكليف بدون القدرة، كذلك لا صحة للبيع بدون القدرة على التسليم (و قد اكد الشرطية) للقدرة (فى عبارة الغنية المتقدمة حيث حكم بعدم جواز بيع ما لا يمكن فيه التسليم).

و الظاهر من عدم الجواز عدم الجواز وضعا، و عدم جواز ترتيب الاثر تكليفا (فينتفى) البيع (المشروط) بالقدرة على التسليم (عند انتفاء

ص: 347

الشرط.

و مع ذلك كله فقد استظهر بعض من تلك العبارة ان العجز مانع لا ان القدرة شرط.

قال و يظهر الثمرة فى موضع الشك.

______________________________

الشرط) اى القدرة على التسليم.

(و مع ذلك كله فقد استظهر بعض) و هو الجواهر (من تلك العبارة) اى عبارة الغنية (ان العجز) عن التسليم (مانع، لا ان القدرة شرط) لصحة البيع.

(قال) الجواهر (و تظهر الثمرة) فى ان القدرة شرط، او العجز مانع (فى موضع الشك).

اذ: لو كانت القدرة شرطا، فاذا شككنا فى القدرة كان الأصل عدمها، و يلزم القول بعدم صحة البيع.

اما لو كان العجز مانعا، فاذا شككنا وجود المانع كان اللازم تحكيم اطلاقات: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و ما اشبه، حتى يثبت المانع، و يلزم القول بصحة البيع.

و كذلك فى كل مورد دار امر الضدين بين ان يكون احدهما شرطا، او الآخر مانعا.

مثلا: لو كان الغصب مانعا و شك فيه استصحب عدم الغصب، و لزم القول بصحة الصلاة المأتى بها فى موضع مشكوك الغصبية.

اما لو كانت الاباحة شرطا، فمع الشك فى الاباحة لا يمكن الحكم

ص: 348

ثم ذكر اختلاف الأصحاب فى مسألة الضال و الضالة و جعله دليلا على ان القدر المتفق عليه ما اذا تحقق العجز.

و فيه مع ما عرفت: من ان صريح معاقد الاجماع خصوصا عبارة الغنية المتأكدة بالتصريح بالانتفاء عند الانتفاء هى شرطية القدرة ان العجز امر عدمى، لأنه عدم القدرة عمن من شأنه صنفا او نوعا او جنسا ان يقدر،

______________________________

بصحة الصلاة، اذ الشرط يحتاج الى العلم و الاحراز.

(ثم ذكر) الجواهر (اختلاف الأصحاب فى مسألة) بيع (الضال و الضالة) هل يجوز أو لا؟ (و جعله) اى الاختلاف (دليلا على ان القدر المتفق عليه) اى الّذي اتفق العلماء على بطلان البيع فيه، فيما لا قدرة للمالك على تسليمه (ما اذا تحقق العجز) عن التسليم، و لا يعم صورة الشك.

فالمورد الّذي اختلف العلماء فى انه هل يصح البيع، أم لا؟ كبيع الضال و الضالة، هو ما اذا شك فى امكان التسليم.

و المورد الّذي اتفقوا على انه لا يصح البيع، هو ما اذا علم بعدم امكان التسليم، مع جعل العجز فى المقامين مانعا، لا ان القدرة شرطا.

(و فيه مع ما عرفت: من ان صريح معاقد الاجماع خصوصا عبارة الغنية المتأكدة) تلك العبارة (بالتصريح بالانتفاء عند الانتفاء) اى لا بالانتفاء عند الوجود (هى شرطية القدرة) «هى» خبر «ان صريح» (ان العجز امر عدمى، لأنه عدم القدرة عمن من شأنه صنفا او نوعا او جنسا ان يقدر) اى ان العجز عدم ملكة.

و قد تقرر فى موضعه ان عدم الملكة قد ينسب الى الصنف الّذي من

ص: 349

فكيف يكون مانعا، مع ان المانع هو الأمر الوجودى الّذي يلزم من وجوده العدم.

ثم لو سلم صحة اطلاق المانع عليه لا ثمرة فيه لا فى صورة الشك الموضوعى او الحكمى، و لا فى غيرهما

______________________________

شأنه الملكة، و قد ينسب الى النوع و قد ينسب الى الجنس.

مثلا عدم اللحية بالنسبة الى زيد عدم ملكة، لأن صنفه و هو الانسان الأبيض، او نوعه و هو مطلق الانسان، او جنسه و هو الحيوان، من شأنه ان يكون ملتحيا.

فعدم القدرة من شخص، شأن صنفه او نوعه او جنسه القدرة، يكون عدم ملكة.

فالأول: كالعاقد البائع ماله، و الثانى: كالعاقد المعاوض، و الثالث: كمطلق العاقد الشامل للوكيل أيضا.

و اذا كان العجز عن التسليم امرا عدميا (فكيف يكون) العجز (مانعا) عن صحة البيع (مع ان المانع هو الأمر الوجودى الّذي يلزم من وجوده العدم) كالحدث فى الصلاة، فانه يسمى مانعا، لأنه يلزم من وجوده عدم الصلاة.

فقول الجواهر ان العجز من التسليم مانع، لا ان القدرة شرط، لا وجه له.

(ثم لو سلم صحة اطلاق المانع عليه) اى على عدم القدرة، لأنه عدم مضاف (لا ثمرة فيه).

فقول الجواهر «و يظهر الثمرة فى موضع الشك» لا وجه له (لا فى صورة الشك الموضوعى او) الشك (الحكمى، و لا فى غيرهما).

ص: 350

فانا اذا شككنا فى تحقق القدرة و العجز مع سبق القدرة فالأصل بقائها، او لا معه فالأصل عدمها

______________________________

فالشك الموضوعى هو ما اذا كانت الشبهة مصداقية، كما لو شككنا فى ان القدر الخارج من ادلة الصحة «بسبب العجز عن التسليم» هو ما اذا تعذر التسليم، او الأعم منه و من التعسّر، كما اذا كان العبد فى مكان لا يعلم انه يتعذر او يتعسّر الوصول إليه.

و الشك الحكمى هو ما اذا علمنا حال الموضوع كالعجز غير المستمر مثلا و شك فى حكمه من جهة الشك فى ان الخارج من ادلة الصحة و هو العاجز، هل قيّد بالاستمرار كى لا يخرج العجز غير المستمر، أم لم يقيد بالاستمرار كى يخرج؟

و الشك غيرهما هو ما اذا كانت الشبهة مفهومية، كما لو شككنا فى ان العبد الآبق فى مكان يتعسر الوصول إليه هل يصدق عليه القدرة، أم لا؟

للشك فى ان مفهوم القدرة هو الاعم من عدم التعذر، و عدم التعسر او خاص بعدم التعذر.

و انما قلنا: بعدم الثمرة (فانا اذا شككنا فى تحقق القدرة و العجز) و هل ان البائع فى صورة تعسر الوصول الى المبيع، قادر او عاجز؟- و هذا يراد به الشك الموضوعى- (مع سبق القدرة) بان كان العبد فى مكان سهل التناول ثم صار فى مكان آخر صعب التناول (فالأصل بقائها) اى القدرة (او لا معه) اى لا مع سبق القدرة، بان كان العبد فى مكان متعذر التناول، ثم صار فى مكان متعسر التناول (فالأصل عدمها)

ص: 351

اعنى العجز سواء جعل القدرة شرطا او العجز مانعا.

و اذا شككنا فى ان الخارج عن عمومات الصحة هو العجز المستمر، او العجز فى الجملة.

او شككنا فى ان المراد بالعجز ما يعم التعسر- كما حكى- أم خصوص التعذر

______________________________

اى عدم القدرة (اعنى العجز) اى تجرى اصالة العجز (سواء جعل القدرة شرطا او العجز مانعا).

اذ الاستصحاب كما يحقق الشرط يحقق المانع.

فاذا شك الانسان فى الوضوء و كان سابقا متوضئا او استصحب، تحقق الشرط.

و اذا شك فى ان الدم الخارج من الداخل حتى يكون مانعا من الصلاة- على القول بأن دم القروح الداخلة ليس معفوا عنه- أم من الخارج، و كان سابقا يجرى الدم من الداخل، كان مقتضى الاستصحاب الحكم بالمانعية.

(و اذا شككنا) و هذا للشك الحكمى (فى ان الخارج عن عمومات الصحة هو العجز المستمر، او العجز فى الجملة) و لو لم يكن مستمرا، كما لو كان وقت البيع عاجزا عن التسليم، لكنه بعد ذلك يرتفع العجز و يتمكن من التسليم، لغرض ان العبد يندم و يرجع عن الإباق او الضالة توجد.

(او شككنا فى ان المراد بالعجز ما يعم التعسر) بان كان الوصول الى البيع متعسرا (- كما حكى-) هذا التفسير للعجز (أم خصوص التعذر) و هذا مثال للشك الموضوعى المفهومى.

اذ الشك فى الموضوع قد يكون مصداقيا، و قد يكون مفهوميا.

ص: 352

فاللازم التمسك بعمومات الصحة من غير فرق بين تسمية القدرة شرطا او العجز مانعا.

و الحاصل: ان التردد بين شرطية الشي ء و مانعية مقابله انما يصح و يثمر فى الضدين، مثل الفسق و العدالة لا فيما نحن فيه كالعلم و الجهل

______________________________

مثلا: اذا قال المولى اكرم العلماء فقد يكون الشك «فى ان زيدا عالم أم لا؟ من جهة انا لا نعلم هل قرء النحو أم لا؟» و هذا شك موضوعى من جهة الشبهة المصداقية، و قد يكون الشك «فى ان زيدا عالم أم لا من جهة انا لا نعلم هل قارى النحو يسمى عالما أم لا؟ مع انا نعلم انه لو كان يسمى عالما» و هذا شك موضوعى من جهة الشبهة المفهومية (فاللازم التمسك بعمومات الصحة من غير فرق بين تسمية القدرة شرطا او العجز مانعا).

ففرق صاحب الجواهر بين شرطية القدرة، و مانعية العجز ليس كما ينبغى.

(و الحاصل: ان التردد بين شرطية الشي ء و مانعية مقابله انما يصح و يثمر فى الضدين، مثل الفسق و العدالة) فاذا كانت العدالة شرطا- و لم تحرز عدالة زيد- لم تصح الصلاة خلفه، لعدم احراز الشرط، و اما اذا كان الفسق مانعا، و لم تحرز العدالة و لا الفسق، صحت الصلاة خلفه، لاصالة عدم المانع- الّذي هو الفسق- (لا فيما نحن فيه) اى القدرة و العجز (كالعلم و الجهل) مما كان بينهما عدم و ملكة كما لو شك بين اشتراط القدرة و بين مانعية العجز، فلا ثمرة تترتب على كون القدرة شرطا او العجز مانعا، لعدم جريان اصالة عدم المانع.

ص: 353

و اما اختلاف الاصحاب فى مقابلة مسألة الضال و الضالة فليس لشك المالك فى القدرة و العجز و مبنيا على كون القدرة شرطا او العجز مانعا كما يظهر من

______________________________

مثلا: لا يجرى اصل عدم العجز لان العجز معناه عدم القدرة، فاصل عدمه معناه اصل عدم، عدم القدرة و النفى فى النفى اثبات، فمعناه اصل القدرة و هذا الأصل غير صحيح، لعدم حالة سابقة للقدرة- حسب الفرض-.

(و اما اختلاف الاصحاب فى مقابلة مسألة الضال و الضالة) الّذي جعله الجواهر مدركا لنفسه (فليس لشك المالك) البائع (فى القدرة و العجز) اى لأجل كون المالك شاكا فى قدرته على التسليم او عجزه (و) ليس (مبنيا على كون القدرة شرطا او العجز مانعا).

فان الجواهر قال: ان اختلاف الأصحاب فى صحة بيع الضال و الضالة مبنى على صورة شك المالك فى انه قادر أم عاجز عن تسليم المبيع؟ مع البناء على مانعية العجز لا شرطية القدرة.

يعنى ان الأصحاب بنائهم على ان العجز مانع، ثم قالوا لو شك المالك فى انه قادر او عاجز، هل يصح بيعه للضال، أم لا؟

فاختلافهم فى هذه الصورة «صورة شك المالك» مبنى على بنائهم مانعية العجز «لا شرطية القدرة».

و المصنف يقول ليس كلام الأصحاب و اختلافهم على حسب ما ذكره الجواهر (كما يظهر) انه «ليس لشك المالك الخ» (من

ص: 354

ادلتهم على الصحة و الفساد بل لما سيجي ء عند التعرض لحكمها.

ثم ان العبرة فى الشرط المذكور انما هو فى زمان استحقاق التسليم، فلا ينفع وجودها حال العقد اذا علم بعدمها حال استحقاق التسليم، كما لا يقدح عدمها قبل الاستحقاق

______________________________

ادلتهم على الصحة) فيمن قال: ان بيع الضال و الضالة صحيح (و الفساد) فى من قال: ان البيع فاسد، فادلتهم على الفساد حديث نفى الغرر، و الاجماع المدعى على الفساد و ادلتهم على الصحة المناقشة فى دليلى الفساد و قولهم بشمول المطلقات لبيع الضال و الضالة (بل لما سيجي ء عند التعرض لحكمها) و انه هل هو صحيح أم فاسد؟ عند قول المصنف «و اما الضال».

(ثم ان العبرة فى الشرط المذكور) اى القدرة على التسليم- و هذا الكلام رجوع الى اصل مسألة اشتراط القدرة على التسليم فى صحة البيع، بعد ان تمّت المناقشة لكلام صاحب الجواهر (انما هو فى زمان استحقاق التسليم) فاللازم قدرة البائع على تسليم البيع و قدرة المشترى على تسليم الثمن عند الوقت المحدد للتسليم (فلا ينفع وجودها) اى القدرة (حال العقد اذا علم بعدمها حال استحقاق التسليم).

مثلا: كان قادرا على التسليم يوم الجمعة عند اجراء العقد، لكنه كان عاجزا يوم السبت حال اشتراط التسليم.

و انما نقول باعتبار القدرة حال استحقاق التسليم، لانه المنصرف من النص و الفتوى (كما لا يقدح عدمها) اى عدم القدرة (قبل الاستحقاق)

ص: 355

و لو حين العقد و يتفرع على ذلك عدم اعتبارها اصلا اذا كانت العين فى يد المشترى.

و فيما لم يعتبر التسليم فيه رأسا كما اذا اشترى من ينعتق عليه فانه ينعتق بمجرد الشراء، و لا سبيل لأحد عليه و فيما اذا لم يستحق التسليم بمجرد العقد، اما لاشتراط تأخيره مدة.

و اما لتزلزل العقد، كما اذا اشترى فضولا، فانه لا يستحق التسليم الا بعد اجازة المالك فلا يعتبر القدرة على التسليم قبلها.

______________________________

للتسليم (و لو) كان عدم القدرة (حين العقد و يتفرع على ذلك) اى اعتبار القدرة حين الاستحقاق (عدم اعتبارها) اى القدرة (اصلا اذا كانت العين فى يد المشترى) و ذلك لأن التسليم حاصل.

(و) كذلك لا يعتبر القدرة على التسليم (فيما لم يعتبر التسليم فيه رأسا كما اذا اشترى من ينعتق عليه) مثلا اشترى الولد اباه (فانه ينعتق بمجرد الشراء، و لا سبيل لأحد) لا البائع و لا المشترى (عليه) لأن الحر لا سبيل لأحد عليه (و فيما اذا لم يستحق التسليم بمجرد العقد، اما لاشتراط تأخيره) اى التسليم (مدة) من الزمان كسنة مثلا.

(و اما لتزلزل العقد، كما اذا اشترى فضولا، فانه لا يستحق التسليم الا بعد اجازة المالك) فانه فى هذين الموردين لا يستحق التسليم عند العقد (فلا يعتبر القدرة على التسليم قبلها) اى قبل الاجازة.

و لا يخفى ان عطف «و فيما اذا لم يستحق» على سابقه محل مناقشة.

ص: 356

لكن يشكل- على الكشف- من حيث انه لازم من طرف الأصيل فيتحقق الغرر بالنسبة إليه اذا انتقل إليه ما لم يقدر على تحصيله.

نعم هو حسن فى الفضولى من الطرفين.

و مثله بيع الرهن قبل اجازة المرتهن او فكه،

______________________________

(لكن يشكل) عدم القدرة على التسليم قبل الاجازة بناء (- على الكشف-) اى القول بأن الاجازة كاشفة (من حيث انه) اى العقد (لازم من طرف الأصيل) على ما تقدم فى باب الفضولى انه لو باع الفضول شيئا لمشتر اصيل، كان البيع لازما من طرف المشترى و ان كان متزلزلا من طرف البائع.

و على انه لازم من طرف الاصيل (فيتحقق الغرر بالنسبة إليه) اى الى الاصيل (اذا انتقل إليه ما لم يقدر على تحصيله) و هذا غرر و خطر.

(نعم هو) اى عدم اعتبار القدرة على التسليم (حسن) بناء على النقل، اذ لم ينتقل الى المشترى المبيع الا بعد الاجازة فلا غرر.

كذلك حسن (فى الفضولى من الطرفين) اذ لم يكن البيع لازما من اىّ طرف، فلا غرر لا للبائع و لا للمشترى، و انما الانتقال و النقل بعد الاجازة.

(و مثله) اى مثل الفضولى (بيع) الراهن (الرهن قبل اجازة المرتهن او فكه) اى فك الرهن، فانه إن كان المشترى اصيلا فهو مثل الفضولى من طرف واحد و ان كان المشترى فضوليا فهو مثل الفضولى من الطرفين، اذ عمل الراهن فضولى، و ان كان فرق بينه و بين الفضولى فى البيع، بان الفضول فى البيع لا علاقة له بالمال، و الراهن

ص: 357

بل و كذا لو لم يقدر على تسليم ثمن السلم لأن تأثير العقد قبل التسليم فى المجلس موقوف على تحققه، فلا يلزم غرر.

______________________________

الفضولى له علاقة بالمال، لكن هذا الفرق لا يوجب تفاوتا بينهما من حيث ما نحن فيه (بل و كذا لو لم يقدر) اى لا تعتبر القدرة (على تسليم ثمن السلم).

السلم هو ان يبيع الانسان المتاع ليعطيه فى المستقبل و يأخذ الثمن حالا فانه لا تعتبر القدرة حال العقد (لأن تأثير العقد) فى النقل و الانتقال (قبل التسليم) للثمن (فى المجلس) اذ يعتبر فى السلم تسليم الثمن فى المجلس (موقوف) ذلك التأييد (على تحققه) اى تحقق التسليم (فلا يلزم غرر) لو لم يقدر على التسليم.

اذ قبل التسليم لا يتحقق الانتقال اصلا، اذ التسليم جزء من اجزاء العقد فى بيع الصرف و السلم، و الغرر انما يتحقق اذا تم العقد و لم يقدر على الشرط- الّذي هو التسليم- فعدم التسليم فى باب الصرف مثل عدم القبول.

فكما انه اذا اجرى البائع الايجاب و لم يجر المشترى القبول لم يكن غرر، اذ المنهى عنه العقد الغررى، و لا عقد فى المقام، كذا اذا حصل الايجاب و القبول فى باب السلم، و لم يحصل التسليم لم يكن غرر، اذ المنهى عنه العقد الغررى، و لا عقد فى المقام، فان من مقومات عقد السلم التسليم.

ص: 358

و لو تعذر التسليم بعد العقد رجع الى تعذر الشرط.

و من المعلوم: ان تعذر الشرط المتأخر حال العقد غير قادح، بل لا يقدح العلم بتعذره فيما بعده فى تأثير العقد اذا اتفق حصوله فان الشروط المتأخرة لا يجب احرازها حال العقد، و لا العلم بتحققها فيما بعد. و الحاصل:

______________________________

(و لو تعذر التسليم) للثمن فى باب السلم (بعد العقد) بأن كان التسليم مقدورا حال العقد، و تعذر بعد ان اجريا الايجاب و القبول (رجع الى تعذر الشرط) لا الى عدم تحقق العقد.

(و من المعلوم: ان تعذر الشرط المتأخر حال العقد) «حال» ظرف ل «تعذر» اى ان الشرط اذا كان متأخرا، لكن هذا الشرط تعذر حال العقد (غير قادح) اذ حال العقد لا يشترط هذا الشرط، و انما يشترط الشرط بعد العقد، لفرض انه شرط متأخر (بل لا يقدح) و لا يضر (العلم بتعذره) اى الشرط (فيما بعده) اى بعد العقد، بأن علم حال العقد، انه لا يتمكن من التسليم- الّذي هو شرط- بعد العقد (فى تأثير العقد) الجار متعلق ب «لا يقدح» (اذا اتفق حصوله) اى الشرط حال بعد العقد (فان الشروط المتأخرة لا يجب احرازها حال العقد) فلا يشترط فى صحة العقد ان يتمكن العاقد من التسليم- تمكنا حال العقد- (و لا) يشترط (العلم بتحققها) اى الشروط (فيما بعد) اى العقد.

(و الحاصل) ان التسليم فى بعض العقود من شرط العقد، و فى

ص: 359

ان تعذر التسليم مانع فى بيع يكون التسليم من احكامه، لا من شروط تأثيره.

و السر فيه ان التسليم فيه جزء الناقل فلا يلزم غرر من تعلقه بغير المقدور.

و بعبارة اخرى الاعتبار بالقدرة على التسليم بعد تمام النقل

______________________________

بعض العقود من احكام العقد، فالتسليم فى بيع الصرف و السلم من شرط العقد بحيث ان حال التسليم حال جزء العقد، و التسليم فى ساير البيوع من احكام البيع المترتبة على البيع و (ان تعذر التسليم مانع) عن الصحة (فى بيع يكون التسليم من احكامه، لا من شروط تأثيره) اذ الصحة ترتفع بسبب المانع.

اما اذا كان التسليم شرطا، فالصحة لا تأتى اصلا حتى يقال بأنها ارتفعت- فان العقد لم يتحقق اصلا-.

(و السر فيه) اى فى ان التعذر للتسليم مانع فى مثل البيوع العادية، لا فى مثل العرف و السلم، و ضمير «فيه» راجع الى «الحاصل» (ان التسليم فيه) اى فى ما كان التسليم شرطا، لا حكما- كالصرف و السلم (جزء الناقل) اذ المشروط عدم، عند عدم شرطه (فلا يلزم غرر من تعلقه) اى تعلق الناقل- و هو العقد- (بغير المقدور) بخلاف ما اذا كان التسليم حكما، فان العقد قد تم، فهو غررى اذا لم يقدر على التسليم.

(و بعبارة اخرى) لتوضيح ان تعذر التسليم فى السلم ليس غرريا، بخلاف البيع العادى (الاعتبار بالقدرة على التسليم بعد تمام النقل) فى سائر البيوع، فاذا لم يقدر كان البيع غرريا، اما فى الصرف و السلم

ص: 360

و لهذا لا يقدح كونه عاجزا قبل القبول اذا علم بتجدد القدرة بعده و المفروض ان المبيع بعد تحقق الجزء الأخير من الناقل و هو القبض حاصل فى يد المشترى.

فالقبض مثل الاجازة- بناء على النقل- و اولى منها- بناء على الكشف-.

______________________________

فالنقل لا يتحقق الا بالتسليم.

فعدم التسليم يوجب عدم البيع، لا انه يوجب كون البيع غرريا.

(و لهذا) الّذي ذكرنا من ان الاعتبار بالقدرة انما هو بعد تمام النقل (لا يقدح كونه عاجزا قبل القبول اذا علم بتجدد القدرة بعده) اى بعد القبول (و المفروض ان المبيع بعد تحقق الجزء الأخير من الناقل و هو القبض) فى باب الصرف و السلم (حاصل فى يد المشترى) بخلاف سائر البيوع فان المبيع بعد تحقق الجزء الأخير من الناقل- و الجزء الأخير هو القبول- ليس حاصلا فى يد المشترى.

(فالقبض) فى باب الصرف و السلم (مثل الاجازة) فى بيع الفضولى (- بناء على النقل-).

فكما ان الاجازة متممة، و ليست امرا خارجا عن الناقل، كذلك القبض فى الصرف و السلم (و اولى منها) اى من الاجازة (- بناء على الكشف-) اذ الاجازة- بناء على الكشف- لا شأن لها فى الناقلية، و انما هى كاشفة محضة عن تحقق النقل سابقا، بخلاف القبض فان له مدخلا فى النقل بحيث لولاه لم يكن نقل.

ص: 361

و كذلك الكلام فى عقد الرهن فان اشتراط القدرة على التسليم فيه بناء على اشتراط القبض- انما هو من حيث اشتراط القبض، فلا يجب احرازه حين الرهن و لا العلم بتحققه بعده.

فلو رهن ما يتعذر تسليمه ثم اتفق حصوله فى يد المرتهن اثر العقد اثره، و سيجي ء الكلام فى باب الرهن.

اللهم الا ان يقال: ان المنفى فى النبوى

______________________________

(و كذلك الكلام فى عقد الرهن) فلا يقدح فى صحة المعاملة عدم القدرة على التسليم بأن عقد للرهن ما لا يقدر على تسليمه (فان اشتراط القدرة على التسليم فيه) اى فى عقد الرهن (- بناء على اشتراط القبض-) اى قبض المرتهن للعين المرهونة (انما هو) اى اشتراط القدرة (من حيث اشتراط القبض) فالقدرة على التسليم لاجل شرطية القبض (فلا يجب احرازه) اى هذا الشرط، اى لا يجب ان يكون قادرا على التسليم (حين الرهن و لا العلم بتحققه) اى هذا الشرط و هو القدرة (بعده) اى بعد عقد الرهن.

(فلو رهن ما يتعذر تسليمه) كما لو كان طيرا فى الهواء (ثم اتفق حصوله فى يد المرتهن) بأن أخذ الطير (اثّر العقد اثره، و سيجي ء الكلام فى باب الرهن) و انه لا يشترط القدرة و لا العلم بالقدرة، حال الرهن ان شاء الله تعالى.

(اللهم الا ان يقال) فى وجه اشتراط القدرة على التسليم فى بيع الصرف و السلم و الرهن (ان المنفى فى النبوى) القائل لا غرر مضمون «نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله عن بيع الغرر» و فى حديث آخر «عن

ص: 362

هو كل معاملة يكون بحسب العرف غررا فالبيع المشروط فيه القبض كالصرف و السلم، اذا وقع على عوض مجهول قبل القبض او غير مقدور، غرر عرفا، لأن اشتراط القبض فى نقل العوضين شرعى لا عرفى، فيصدق الغرر و الخطر عرفا و ان لم يتحقق شرعا، اذ قبل التسليم لا انتقال، و بعده لا خطر.

______________________________

الغرر» (هو كل معاملة يكون بحسب العرف غررا) سواء كان الغرر الدقى أم لم يكن (فالبيع المشروط فيه القبض كالصرف و السلم، اذا وقع على عوض مجهول قبل القبض) «قبل» ظرف «للمجهول» بأن كان الثمن مجهولا، لم يعلم انه دينار أم درهم- مثلا- (او غير مقدور) بان كان العوض طيرا فى الهواء- و لا يخفى ان غير المقدور هو محل البحث، لا المجهول، و انما ذكر المجهول من باب التنظير و التقريب الى الذهن- (غرر عرفا) و انما كان غررا عرفا (لأن اشتراط القبض فى نقل العوضين) اى النقل و الانتقال (شرعى لا عرفى) فانه لو كان عرفيا لم يكن غررا، اذا العرف كان يرى ان النقل لم يحدث قبل القبض، فأين الغرر فى امر لم يتحقق بعد، اما حيث كان العرف يرى ان العقد هو سبب النقل، و لا يرى القبض الا امرا خارجا، يرى حصول الغرر فى هذه المعاملة المتحققة بمجرد العقد (فيصدق الغرر و الخطر عرفا) فهو منهى عنه (و ان لم يتحقق) الغرر (شرعا، اذ قبل التسليم لا انتقال) فان الشارع يرى ان متمم علة الانتقال القبض، و قوله «اذ» علة «لم يتحقق» و حيث انه لا انتقال فلا امر يوجب الغرر (و بعده) اى بعد التسليم (لا خطر) فمن اين يأتى الغرر و الخطر.

ص: 363

لكن النهى و الفساد يتبعان بيع الغرر عرفا.

و من هنا يمكن الحكم بفساد بيع غير المالك اذا باع لنفسه، لا عن المالك ما لا يقدر على تسليمه.

اللهم الا ان يمنع الغرر العرفى

______________________________

(لكن النهى) فى «لا غرر» (و الفساد) للبيع اذ النواهى فى المعاملات تدل على الفساد اذا لم تكن نهيا عن الخارج، و مثال النهى الخارجى «و ذروا البيع» حيث قالوا بصحة البيع (يتبعان بيع الغرر عرفا) لا بيع الغرر شرعا.

(و من هنا) حيث ان الغرر المنهى عنه هو العرفى لا الشرعى (يمكن الحكم بفساد بيع غير المالك اذا باع لنفسه، لا) ان باع (عن المالك ما لا يقدر على تسليمه) فانه و ان كان النقل لم يتم بعد، اذ هو متوقف على اجازة المالك، فلا غرر شرعا، لكنه غرر عرفى، فيكون منهيا عنه و فاسدا.

و هذا بخلاف ما اذا باع عن المالك، و المالك قادر على التسليم، فان البائع الحقيقى- و هو المالك قادر على التسليم- و الاعتبار بالبائع الحقيقى لا بمجرى صيغة العقد، و لذا لا يشترط تمكن الوكيل فى اجراء العقد، من التسليم، بل الميزان تمكن المالك.

(اللهم) رجوع الى ان عدم القدرة على التسليم فى باب الصرف و السلم، لا يوجب الغرر، فيصح البيع، اذا قدر بعد تمام العقد على التسليم (الا ان يمنع الغرر العرفى) فلا يبطل بيع الصرف و السلم، اذا لم يكن

ص: 364

بعد الاطلاع على كون اثر المعاملة شرعا على وجه لا يلزم منه خطر فان العرف اذا اطلعوا على انعتاق القريب بمجرد شرائه لم يحكموا بالخطر اصلا، و هكذا، فالمناط صدق الغرر عرفا بعد ملاحظة الآثار الشرعية للمعاملة،

______________________________

المشترى قادرا على التسليم- حال العقد- اى لا يبطلان من جهة الغرر (بعد الاطلاع على كون اثر المعاملة شرعا) انما هو (على وجه لا يلزم منه خطر).

اذ الشارع قبل القبض لا يعترف بالمعاملة- لأن جزءا منها «و هو القبض» لم يتحقق بعد- فلا غرر من جهة انه لا معاملة، و بعد القبض- حيث تتم المعاملة- لا خطر (فان العرف اذا اطلعوا على انعتاق) العبد الآبق (القريب) للمشترى، بأن كان العبد أبا للمشترى- مثلا- (بمجرد شرائه لم يحكموا بالخطر اصلا).

و عليه: فالعرف انما يحكم بالخطر لجهالته بالموازين الشرعية، اما اذا اطلع عليها لم يحكم بالخطر، فكما ان العرف يرى خطرا فى شراء العبد الآبق، لكن اذا اطلع على ان الشارع يحكم بعدم تمامية المعاملة قبل القبض، يرى انه لا خطر، لأنه لا معاملة متحققة (و هكذا) فى كل مورد عرف العرف الميزان الشرعى الّذي لا يوجب الخطر، اضرب عن رؤيته التى كان يراها بأنه خطر (فالمناط صدق الغرر عرفا) لا عرفا مطلقا، بل (بعد ملاحظة الآثار الشرعية للمعاملة).

فان رأى العرف ان الشارع رتب الأثر على المعاملة رأى ان فيه خطرا.

ص: 365

فتأمل.

ثم ان الخلاف فى اصل المسألة لم يظهر الا من الفاضل القطيفى المعاصر للمحقق الثانى حيث حكى عنه انه قال- فى إيضاح النافع- ان القدرة على التسليم من مصالح المشترى فقط لا انها شرط فى أصل صحة البيع، فلو قدر على التسلم

______________________________

و ان رأى ان الشارع لم يرتب الأثر على المعاملة- كالصرف و السلم قبل القبض- لم ير فيه خطرا، اذ لا خطر فيما لا اثر له (فتأمل) فأن العرف يرى الخطر، لأنه انما يرى موازين نفسه، لا الموازين الشرعية، و الا كانت الا حالة فى الموازين الى العرف توجب الدور، اذ معنى العرف حينئذ كان هو الشرع، فيكون الا حالة من الشرع الى العرف الّذي يراد به الشرع أيضا.

و بهذا- اى بقوله فتأمل- انتهى المصنف الى ان بيع الصرف و السلم فيما لا قدرة حال البيع على التسليم يكون غررا موجبا للبطلان، و ان قدر المشترى على التسليم بعد العقد، و سلّم الثمن لأن المعاملة الغررية باطلة، و ان خرجت بعد ذلك عن كونها غررية.

(ثم ان الخلاف فى اصل المسألة) اى مسألة اشتراط القدرة على التسليم (لم يظهر الا من الفاضل القطيفى المعاصر للمحقق الثانى حيث حكى عنه انه قال- فى إيضاح النافع- ان القدرة على التسليم من مصالح المشترى فقط) لأنه الّذي ينتفع به، بالنسبة الى المثمن (لا انها شرط فى أصل صحة البيع، فلو قدر) المشترى (على التسلم) و اخذ

ص: 366

صح البيع، و ان لم يكن البائع قادرا عليه، بل لو رضى مع علمه بعدم تمكن البائع من التسليم جاز، و ينتقل إليه و لا يرجع على البائع لعدم القدرة اذا كان البيع على ذلك مع العلم فيصح بيع المغصوب و نحوه.

نعم: اذا لم يكن المبيع من شأنه ان يقبض عرفا لم تصح المعاوضة عليه بالبيع لأنه فى معنى اكل مال بالباطل

______________________________

المثمن بنفسه (صح البيع، و ان لم يكن البائع قادرا عليه) اى على التسليم (بل لو رضى) المشترى بالابتياع (مع علمه بعدم تمكن البائع من التسليم جاز) البيع (و ينتقل) المبيع (إليه) اى الى المشترى بعد ان صح البيع (و لا يرجع) المشترى (على البائع).

و احتمال الرجوع انما هو (لعدم القدرة) اى لا يحق للمشترى ان يرجع الى البائع بأخذ ثمنه منه بحجة ان البائع لا يقدر على تسليم المبيع بأن يفسخ المعاملة (اذا كان البيع على ذلك) اى مبنيا على ان البائع لا يكلف بالتسليم، و «اذا» شرط ل «لا يرجع» (مع العلم) بأنه لا يقدر على التسليم، و «مع العلم» توضيح لقوله «على ذلك» او ان المراد «اذا كان البيع على غير المقدور تسليمه مع علم المشترى» (فيصح بيع المغصوب و نحوه) اذا علم المشترى ذلك، و نحوه المغصوب كالملقى فى مكان لا يصل البائع إليه.

(نعم: اذا لم يكن المبيع من شأنه ان يقبض عرفا) لا ان البائع لا يتمكن عليه مع تمكن الغير، بل لا يتمكن كل احد كالشي ء الملقى فى البحر مثلا (لم تصح المعاوضة عليه بالبيع لأنه فى معنى اكل مال بالباطل) و قد قال

ص: 367

و ربما احتمل امكان المصالحة عليه.

و من هنا يعلم ان قوله «يعنى المحقق فى النافع» لو باع الآبق منفردا لم يصح، انما هو مع عدم رضى المشترى، او مع عدم علمه او كونه بحيث لا يتمكن منه عرفا.

و لو اراد غير ذلك فهو غير مسلّم، انتهى.

و فيه ما عرفت من الاجماع و لزوم الغرر غير المندفع بعلم المشترى

______________________________

تعالى: لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل.

(و ربما احتمل امكان المصالحة عليه) لأن مبنى المصالحة على التسامح، و لذا لا يشترط فيه ما يشترط فى سائر المعاملات.

(و من هنا) الّذي ذكرنا ان القدرة على التسليم ليست شرطا (يعلم ان قوله «يعنى المحقق فى النافع» لو باع الآبق منفردا لم يصح، انما هو) اى كونه لم يصح (مع عدم رضى المشترى، او مع عدم علمه) بأنه آبق، و عدم الرضى بمعنى كونه مكرها على البيع (او كونه) اى الآبق (بحيث لا يتمكن منه عرفا) لا ان البائع فقط لا يتمكن منه، و «لا يتمكن» بصيغة المجهول.

(و لو اراد) المحقق (غير ذلك) الّذي ذكرناه (فهو غير مسلم، انتهى).

(و فيه ما عرفت من الاجماع) على عدم جواز بيع ما لا يقدر على تسليمه (و لزوم الغرر غير المندفع) ذلك الغرر (بعلم المشترى) فان علم المشترى بان البائع لا يقدر على التسليم، لا يرفع الغرر.

و انما الغرر ليس مندفعا

ص: 368

لأن الشارع نهى عن الاقدام عليه، الا ان يجعل الغرر هنا بمعنى الخديعة، فيبطل فى موضع تحققه و هو عند جهل المشترى، و فيه ما فيه.

ثم ان الظاهر- كما اعترف به بعض الاساطين- ان القدرة على التسليم ليست مقصودة بالاشتراط الا بالتبع، و انما المقصد الأصلي هو التسلّم.

و من هنا لو كان المشترى قادرا دون البائع كفى فى الصحة كما عن الاسكافى، و العلامة و كاشف الرموز، و الشهيدين، و المحقق الثانى، و

______________________________

(لأن الشارع نهى عن الاقدام عليه) كما ان الشارع نهى عن الربا و لا يؤثر فيه رضا المعطى و عدم رضاه (الا ان يجعل الغرر هنا) فى باب البيع (بمعنى الخديعة، فيبطل) الغرر «فاعل» المعاملة (فى موضع تحققه) اى الموضع الّذي كان فيه خديعة (و هو عند جهل المشترى) اذ عند علمه لا يسمى خديعة (و فيه ما فيه) اذ ليس الغرر بمعنى الخديعة كما قلناه سابقا.

(ثم ان الظاهر- كما اعترف به بعض الاساطين- ان القدرة على التسليم ليست مقصودة بالاشتراط) اى عند ما نشترط القدرة على التسليم (الا بالتبع) لشرط آخر- هو شرط واقعى- (و انما المقصد الأصلي هو التسلّم) اى اخذ المشترى للمال.

(و من هنا) الّذي ليس التسليم شرطا بل التسلم (لو كان المشترى قادرا دون البائع كفى فى الصحة) للبيع (كما عن الاسكافى، و العلامة و كاشف الرموز، و الشهيدين، و المحقق الثانى، و

ص: 369

عن ظاهر الانتصار: ان صحة بيع الآبق على من يقدر على تسلّمه مما انفردت به الامامية، و هو المتجه، لأن ظاهر معاقد الاجماع بضميمة التتبع فى كلماتهم و استدلالاتهم بالغرر، و غيره مختص بغير ذلك.

و منه يعلم أيضا انه لو لم يقدر احدهما على التحصيل لكن يوثق بحصوله فى يد احدهما عند استحقاق المشترى للتسليم، كما لو اعتاد الطائر العود صح، وفاقا للفاضلين، و الشهيدين، و المحقق الثانى، و غيرهم.

نعم عن نهاية الاحكام: احتمال العدم

______________________________

عن ظاهر الانتصار) للسيد المرتضى (ان صحة بيع الآبق على من يقدر على تسلمه مما انفردت به الامامية) فيتبين انه اجماع (و هو) اى كفاية القدرة على التسلّم (المتجه، لان ظاهر معاقد الاجماع بضميمة التتبع فى كلماتهم و استدلالاتهم بالغرر، و غيره) ككونه اكلا للمال بالباطل (مختص بغير ذلك) اى غير صورة تمكن المشترى من التسلّم، اذ لو قدر المشترى على التسلّم لم يكن غرر، و لا اكل للمال بالباطل.

(و منه يعلم أيضا) اى مما ذكرنا من عدم اشتراط التسليم (انه لو لم يقدر احدهما) البائع او المشترى (على التحصيل) للمتاع (لكن يوثق بحصوله فى يد احدهما عند استحقاق المشترى للتسليم، كما لو) باع الطائر فى الهواء فيما لو (اعتاد الطائر العود) بعد ساعة مثلا (صح، و فاقا للفاضلين، و الشهيدين، و المحقق الثانى، و غيرهم) اذ لا غرر و لا اكل للمال بالباطل، و لا اجماع على البطلان حينئذ.

(نعم عن نهاية الأحكام: احتمال العدم) اى عدم صحة بيع الطائر

ص: 370

بسبب انتفاء القدرة فى الحال على التسليم، و ان عود الطائر غير موثوق به، اذ ليس له عقل باعث.

و فيه ان العادة باعثة كالعقل، مع ان الكلام على تقدير الوثوق و لو لم يقدر على التحصيل و تعذر عليهما الا بعد مدة مقدرة عادة و كانت مما لا يتسامح فيه، كسنة او ازيد ففى بطلان البيع، لظاهر الاجماعات المحكية، و لثبوت الغرر او صحته لأن ظاهر معقد الاجماع التعذر رأسا.

و لذا حكم مدعيه بالصحة هنا

______________________________

المعتاد للعود (بسبب انتفاء القدرة فى الحال) اى حال البيع (على التسليم، و ان عود الطائر غير موثوق به، اذ ليس له) اى للطائر (عقل باعث) على العود حتى يعتمد على عقله.

(و فيه ان العادة باعثة) على العود (كالعقل) الّذي هو باعث على العود (مع ان الكلام على تقدير الوثوق) فقوله «غير موثوق به» خارج عن مفروض المسألة (و لو لم يقدر) البائع و المشترى (على التحصيل) للمبيع (و تعذر عليهما الا بعد مدة مقدرة عادة) حيث يمكن التحصيل بعد ذلك المدة (و كانت) تلك المدة (مما لا يتسامح فيه، كسنة او ازيد) مثلا (ففى بطلان البيع لظاهر الاجماعات المحكية) على عدم صحة بيع ما لا يقدر على تسليمه (و لثبوت الغرر) عرفا (او صحته) للاطلاقات و عدم تمامية وجهى البطلان، من الاجماع و الغرر (لأن ظاهر معقد الاجماع التعذر رأسا).

(و لذا حكم مدعيه) اى مدعى الاجماع (بالصحة هنا) فى صورة

ص: 371

و الغرر منفى مع العلم بوجوب الصبر عليه الى انقضاء مدة كما اذا اشترط تأخير التسليم مدة، وجهان، بل قولان، تردد فيهما فى الشرائع، ثم قوى الصحة، و تبعه فى محكى السرائر، و المسالك، و الكفاية و غيرها.

نعم للمشترى الخيار مع جهله بفوات منفعة الملك عليه مدة.

و لو كان مدة التعذر غير مضبوطة عادة، كالعبد المنفذ الى هند لأجل حاجة لا يعلم زمان قضائها، ففى الصحة اشكال، من حكمهم بعدم جواز بيع مسكن المطلقة المعتدة بالاقراء لجهالة وقت تسليم العين.

______________________________

التمكن بعد مدة (و الغرر منفى مع العلم) من المشترى (بوجوب الصبر عليه) اى على تسلم المتاع (الى انقضاء مدة) كسنة مثلا (كما اذا اشترط تأخير التسليم مدة) فانه لا غرر (وجهان، بل قولان) خبره ما تقدم من قوله «ففى بطلان البيع» (تردد فيهما فى الشرائع، ثم قوى الصحة، و تبعه فى محكى السرائر، و المسالك، و الكفاية، و غيرها).

(نعم) اذا قلنا بالصحة كان (للمشترى الخيار مع جهله بفوات منفعة الملك عليه مدة) اما مع العلم فلا، اذ هو اقدم على ذلك.

(و لو كان مدة التعذر) اى تعذر التسليم (غير مضبوطة عادة، كالعبد المنفذ الى هند لأجل حاجة لا يعلم زمان قضائها) سنة او اكثر او اقل (ففى الصحة) اى صحة البيع (اشكال، من حكمهم بعدم جواز بيع مسكن المطلقة المعتدة بالاقراء) لأنه لا يعلم فى كم مدة تنقضى الاقراء الثلاثة بخلاف المعتدة بالاشهر، لانها فى سن من تحيض و لا تحيض.

و انما اشكلوا فى ذلك (لجهالة وقت تسليم العين) ففى المقام

ص: 372

و قد تقدم بعض الكلام فيه فى بيع الواقف للوقف المنقطع.

ثم ان الشرط هى القدرة المعلومة للمتبايعين، لأن الغرر لا يندفع بمجرد القدرة الواقعية.

و لو باع ما يعتقد التمكن، فتبين عجزه فى زمان البيع و تجددها بعد ذلك، صح، لأن المناط القدرة و لو لم يتجدد بطل.

و المعتبر هو الوثوق

______________________________

أيضا كذلك.

و من انه لا يعد غررا، حيث يعلم المشترى بذلك، لكن الاشكال لما كان اقرب فى نظر المصنف لم يتعرض الى وجه الصحة.

(و قد تقدم بعض الكلام فيه) اى فى صورة جهالة المدة (فى بيع الواقف للوقف المنقطع) فراجع.

(ثم ان الشرط) اى شرط القدرة على التسليم (و هى القدرة المعلومة للمتبايعين، لأن الغرر لا يندفع بمجرد القدرة الواقعية) التى يجهلها المتعاقدان.

(و لو باع ما يعتقد التمكن، فتبين عجزه فى زمان البيع) اى كان عاجزا، و كان عجزه فى نفس زمان البيع، لا انه حدث العجز بعد ذلك (و تجددها) اى القدرة (بعد ذلك، صح) لأن المناط القدرة وقت التسليم، و هى حاصلة (و لو لم يتجدد) القدرة (بطل) لأنه بيع ما لا يقدر على تسليمه، و زعمه انه قادر لا يصحح الشرط الواقعى المفقود.

(و المعتبر) فى صحة البيع بالإضافة الى القدرة الواقعية (هو الوثوق)

ص: 373

فلا يكفى مطلق الظن، و لا يعتبر اليقين.

ثم لا اشكال فى اعتبار قدرة العاقد، اذا كان مالكا، لا ما اذا كان وكيلا فى مجرد العقد، فانه لا عبرة بقدرته كما لا عبرة بعلمه.

و اما لو كان وكيلا فى البيع و لوازمه بحيث يعد الموكل اجنبيا عن هذه المعاملة، فلا اشكال فى كفاية قدرته.

و هل يكفى قدرة الموكل؟ الظاهر نعم مع علم المشترى بذلك اذا علم

______________________________

بالقدرة على التسليم (فلا يكفى مطلق الظن) لأن الظن لا يوجب رفع اسم الغرر (و لا يعتبر اليقين) اذ يرفع الغرر العرفى بالوثوق، فلا يحتاج الى ازيد من ذلك.

(ثم لا اشكال فى) اشتراط (اعتبار قدرة العاقد، اذا كان) العاقد (مالكا، لا ما اذا كان وكيلا فى مجرد العقد، فانه لا عبرة بقدرته كما لا عبرة بعلمه) بخصوصيات المبيع.

اذ هو آلة محض، و الأدلة المشترطة للعلم و القدرة منصرفة عن مثل الآلة، كما انه كذلك فى باب النكاح و الاجارة و غيرهما.

(و اما لو كان وكيلا فى البيع و لوازمه بحيث يعد الموكل اجنبيا عن هذه المعاملة) كالوكيل المفوض الّذي هو يبيع و يشترى بدون علم الموكل اصلا، و انما بوكالة له للوكيل فحسب (فلا اشكال فى كفاية قدرته) لأنه المنصرف من الأدلة حيث ان عمل الوكيل هنا هو عمل الأصيل.

(و هل تكفى قدرة الموكل) بدون قدرة الوكيل المفوض (الظاهر نعم مع علم المشترى بذلك) بأن الموكل قادر (اذا علم

ص: 374

بعجز العاقد.

فان اعتقد قدرته لم يشترط علمه بذلك.

و ربما قيد الحكم بالكفاية بما اذا رضى المشترى بتسليم الوكيل و رضى المالك برجوع المشترى عليه.

______________________________

بعجز العاقد).

و انما قلنا بعلم المشترى بقدرة الموكل، لما تقدم من ان الشرط هو القدرة المعلومة لا القدرة الواقعية.

و انما قلنا باشتراط العلم بعجز العاقد- و هذا شرط لعلم المشترى بأن الموكل قادر- يعنى ان المشترى اذا علم بأن العاقد عاجز، و ان الموكل قادر، كفى فى رفع الغرر، اذ المعيار قدرة واقعية على التسليم، و علم المشترى بتلك القدرة الواقعية، و كلا الأمرين حاصلان.

(فان اعتقد) المشترى (قدرته) اى الموكل على التسليم (لم يشترط علمه بذلك) اى بعجز القاصد، اذ تكفى الاعتقاد بالقدرة، مع وجود القدرة الواقعية، و كلاهما حاصل.

(و ربما قيد) و المقيد العلامة الطباطبائى كما حكى (الحكم بالكفاية) اى بكفاية قدرة الموكل، مضافا الى ان الحكم مقيد بعلم المشترى (بما اذا رضى المشترى بتسليم الوكيل) فقدرة الموكل مشروطة بثلاثة امور:

الأوّل: علم المشترى.

و الثانى: رضى المشترى بتسليم الوكيل.

(و) الثالث: (رضى المالك برجوع المشترى عليه) اى على المالك.

ص: 375

و فرع على ذلك رجحان الحكم بالبطلان فى الفضولى، لأن التسليم المعتبر من العاقد غير ممكن قبل الاجازة.

و قدرة المالك انما تؤثر لو بنى العقد عليها، و حصل التراضي بها حال البيع لأن بيع المأذون لا يكفى فيه قدرة الآذن مطلقا بل مع الشرط المذكور،

______________________________

(و فرع على ذلك) التقييد المذكور (رجحان الحكم بالبطلان) اى بطلان المعاملة (فى الفضولى، لأن التسليم المعتبر من العاقد غير ممكن قبل الاجازة) من المالك.

فان التسليم الّذي يعتبره الشارع تسليما، هو التسليم المقارن لرضى المالك، و العاقد الفضولى لا يتمكن من هذا التسليم قبل ان يجيز المالك العقد.

(و) ان قلت: للمالك قدرة على التسليم.

قلت: القدرة وحدها لا تكفى فى الصحة، اذ (قدرة المالك انما تؤثر) فى صحة العقد (لو بنى العقد عليها) بأن عقد اعتمادا على قدرة المالك (و حصل التراضي بها) اى بتلك القدرة (حال البيع) و ليس الفضولى كذلك.

و الحاصل ان الشرط الثالث مفقود فى الفضولى (لأن بيع المأذون) اى الوكيل- مثلا- (لا يكفى فيه) اى فى كون ذلك البيع صحيحا (قدرة الآذن مطلقا) سواء بنى العقد على تلك القدرة، أم لا (بل مع الشرط المذكور) اى مبنيا على قدرة المالك.

فان الانسان الوكيل قد يبيع مال الموكل باعتبار انه وكيل عنه، و

ص: 376

و هو غير متحقق فى الفضولى.

و البناء على القدرة الواقعية باطل، اذ الشرط هى القدرة المعلومة دون الواقعية، الى ان قال: و الحاصل ان القدرة قبل الاجازة لم توجد، و بعدها ان وجدت لم تنفع.

______________________________

بالبناء على قدرة المالك، و قد يبيع مال الموكل باعتبار كونه غاصبا، بمعنى انه لا يريد اعطاء الثمن للمالك، و انما يقصد ان المثمن مال نفسه، و ان الثمن عائد الى كيس نفسه- كالوكيل اذا نوى الغصب- (و هو) اى اشتراط رضى المالك برجوع المشترى إليه (غير متحقق فى الفضولى) اذ المالك لم يجوز البيع فكيف يرضى برجوع المشترى إليه؟ و اذا رضى بالبيع خرج عن كونه فضوليا.

(و) ان قلت: تكفى فى صحة الفضولى القدرة الواقعية للمالك.

قلت: (البناء على القدرة الواقعية باطل، اذ الشرط) لصحة المعاملة (هى القدرة المعلومة) للمشترى المبنى عليها البيع (دون) القدرة (الواقعية، الى ان قال: و الحاصل ان القدرة) على التسليم (قبل الاجازة لم توجد).

اذ المعتبر القدرة المبنى عليها المبيع، و هذه القدرة تتوقف على رضى المالك، فاذا لم يحصل رضى المالك لم تكن قدرة على التسليم:

«التسليم المثمر» فان التسليم بدون رضى المالك لم يكن تسليما مثمرا شرعا (و بعدها) اى بعد الاجازة (ان وجدت) القدرة (لم تنفع) لأن القدرة معتبرة حين العقد لا بعد العقد.

ص: 377

ثم قال: لا يقال انه قد يحصل الوثوق للفضولى بارضاء المالك و انه لا يخرج عن رأيه فيتحقق له بذلك القدرة على التسليم حال العقد، لان هذا الفرض يخرج الفضولى عن كونه فضوليا لمصاحبة الاذن للبيع.

غاية الأمر حصوله بالفحوى، و شاهد الحال، و هما من انواع الاذن

______________________________

(ثم قال: لا يقال انه قد يحصل الوثوق للفضولى بارضاء المالك، و انه) اى المالك (لا يخرج عن رأيه فيتحقق له) اى للفضولى (بذلك) اى بسبب هذا الوثوق (القدرة على التسليم حال العقد) فليس قدرة بعد العقد- كى تقولوا انها لا تنفع-.

لأنا نقول: صورة الوثوق ليست فضوليا و كلامنا فى الفضولى (لان هذا الفرض) اى فرض وثوق الفضولى (يخرج الفضولى عن كونه فضوليا)

و انما يخرج (لمصاحبة الاذن للبيع) و كلما صحب البيع الاذن من المالك لم يكن فضوليا.

(غاية الأمر) ليس اذنا صريحا، بل (حصوله بالفحوى، و) ب (شاهد الحال، و هما) اى الفحوى و شاهد الحال (من انواع الاذن)

و المراد من الفحوى: ما يظهر من الكلام بقرائن لفظية، التى منها الأولوية المستفادة من الكلام، مثلا «لا تقل لهما أفّ» تدل دلالة لفظية باللزوم العرفى على «لا تضربهما»

و المراد بشاهد الحال القرائن العقلية الموجودة عند التكلم، او ما اشبه.

مثلا: شاهد الحال يدل على ان الصديق لا يمنع من دخول

ص: 378

فلا تكون فضوليا و لا يتوقف صحته على الاجازة، و لو سلمنا بقائه على الصفة فمعلوم ان القائلين بصحته الفضولى لا يقصرون الحكم على هذا الفرض

و فيما ذكره من مبنى مسألة الفضولى، ثم فى تفريع الفضولى، ثم فى الاعتراض الّذي ذكره، ثم فى الجواب عنه أولا و ثانيا تأمّل، بل نظر،

______________________________

الصديق فى داره و ان لم يكن هناك كلام (فلا تكون) المعاملة (فضوليا) لأنها ما لا اذن فيها (و لا يتوقف صحته على الاجازة، و لو سلمنا بقائه) اى الفضولية (فمعلوم ان القائلين بصحة الفضولى لا يقصرون الحكم) بصحة الفضولى (على هذا الفرض) اى فرض الوثوق برضى المالك.

و على هذا يلزم بطلان الفضولى فى صورة عدم الوثوق برضى المالك و على الأول يلزم بطلان كل فضولى- لعدم القدرة على التسليم- مع ان المشهور قائلون بصحة الفضولى مطلقا.

(و فيما ذكره من مبنى مسألة الفضولى) اى عدم كفاية قدرة المالك الموكل على التسليم و اعتبار رضى المشترى بتسليمه فى كفاية قدرته (ثم فى تفريع الفضولى) اى لو كانت قدرة الوكيل على التسليم معتبرة، فيلزم بطلان الفضولى (ثم فى الاعتراض الّذي ذكره) بقوله: لا يقال (ثم فى الجواب عنه أولا) بقوله: لأن هذا الفرض الخ (و ثانيا) بقوله: و لو سلمنا (تأمّل، بل نظر)

اما الاول: فلأن المعتبر فى الفضولى قدرة المالك على التسليم و لو مجردة عن التراضي، لعدم دليل على هذا التقييد و شمول العمومات و ارتفاع الغرر،.

ص: 379

فتدبر.

______________________________

و اما التفريع عليه فلأن اعتبار القدرة فى الوكيل لا يلازم اعتبارها فى الفضولى، لأن العاقد الوكيل كالأصيل بخلاف الفضولى.

و اما فى الاعتراض فلأنه مبنى على صحة المبنى، و قد عرفت الاشكال فيه.

و اما فى الجواب الأول فلأن الوثوق بالرضا لا يخرج المعاملة عن كونها فضولية، كما تقدم الكلام فيه فى مبحث الفضولى.

و اما فى الجواب الثانى فلأنه موقوف على المبنى و قد عرفت الاشكال فيه (فتدبر)

اذ بعض الاشكالات التى أوردها على القائل ليس بوارد.

مثلا: التلازم بين الوكيل العاقد و الفضولى حاصل بل الأولوية فلأنه اذا بطل معاملة الوكيل المفوض مع انه وكيل، فالأولى بطلان معاملة الفضولى.

ص: 380

مسئلة لا يجوز بيع الآبق منفردا على المشهور بين علمائنا،

كما فى التذكرة، بل اجماعا كما عن الخلاف، و الغنية، و الرياض، و بلا خلاف كما عن كشف الرموز لأنه مع اليأس عن الظفر بمنزلة التالف، و مع احتماله بيع غرر منفى اجماعا، نصا و فتوى، خلافا لما حكاه فى التذكرة عن بعض علمائنا- و لعله الاسكافى- حيث ان المحكى عنه انه لا يجوز ان يشترى الآبق وحده الا اذا كان بحيث يقدر عليه المشترى، او يضمنه البائع انتهى، و

______________________________

(مسألة: لا يجوز بيع) العبد (الآبق منفردا) بأن يبيعه بدون ضم ضميمة (على المشهور بين علمائنا، كما فى التذكرة، بل اجماعا كما عن الخلاف، و الغنية، و الرياض، و بلا خلاف كما عن كشف الرموز)

لا يخفى ان مقتضى التدرج الى الأقوى تقديم «بلا خلاف» عن «اجماعا» (لأنه مع اليأس عن الظفر) بالعبد الآبق يكون (بمنزلة التالف) فأكل المال فى مقابله اكل بالباطل (و مع احتماله) اى احتمال الظفر (بيع غرر، منفى) اى لا يصح بيع الغرر (اجماعا نصا و فتوى)

و لو قال «نصا و فتوى اجماعا» لعله كان أليق (خلافا لما حكاه فى التذكرة عن بعض علمائنا- و لعله الاسكافى- حيث ان المحكى عنه انه لا يجوز ان يشترى الآبق وحده الا اذا كان بحيث يقدر عليه المشترى) و ان لم يقدر عليه البائع (او يضمنه البائع) بأنه ان لم يقدر على تسليمه ردّ الثمن الى المشترى، و معنى هذا صحة البيع فى الجملة (انتهى، و

ص: 381

قد تقدم عن الفاضل القطيفى فى إيضاح النافع: منع اشتراط القدرة على التسليم.

و قد عرفت ضعفه، لكن يمكن ان يقال بالصحة فى خصوص الآبق لحصول الانتفاع به فى باب العتق خصوصا مع تقييد الاسكافى بصورة ضمان البائع، فانه يندفع به الغرر عرفا لكن سيأتى ما فيه.

فالعمدة الانتفاع بعتقه، و له وجه لو لا النص الآتى، و الاجماعات المتقدمة.

______________________________

قد تقدم عن الفاضل القطيفى فى إيضاح النافع: منع اشتراط القدرة على التسليم) فى مطلق المعاملات، و عليه فبيع الآبق لا بأس به فى نظره.

(و قد عرفت ضعفه، لكن يمكن ان يقال بالصحة فى خصوص الآبق لحصول الانتفاع به فى باب العتق) و هو انتفاع عظيم مرغوب فيه.

لكن يمكن ان يستشكل فيه بأنه لو صح- بناء على امكان العتق- للزم ان يقال: بأنه لا يلزم العلم بخصوصيات العبد أيضا، لامكان الانتفاع بالمجهول فى باب العتق، و لا يقول بذلك أحد (خصوصا) نقول بصحة بيع الآبق (مع تقييد الاسكافى بصورة ضمان البائع، فانه يندفع به الغرر عرفا) و اذ لا غرر، صح البيع (لكن سيأتى ما فيه) اى فى اندفاع الغرر بالضمان.

(فالعمدة) فى وجه الجواز- لو قيل به- (الانتفاع بعتقه، و له وجه) وجيه (لو لا النص الآتى، و الاجماعات المتقدمة) هذا أولا.

ص: 382

مع ان قابلية المبيع لبعض الانتفاعات لا يخرجه عن الغرر.

و كما لا يجوز جعله مثمنا لا يجوز جعله منفردا ثمنا، لاشتراكها فى الأدلة.

و قد تردد فى اللمعة فى جعله ثمنا بعد الجزم بمنع جعله مثمنا و ان قرّب اخيرا المنع منفردا.

و لعل الوجه الاستناد فى المنع عن جعله مثمنا الى النص و الاجماع الممكن دعوى اختصاصهما بالمثمن دون

______________________________

(مع ان قابلية المبيع لبعض الانتفاعات) كالعبد الآبق للعتق فقط دون سائر الانتفاعات الكثيرة التى يكون العبد قابلا لها (لا يخرجه عن الغرر) و الا لجاز كل بيع غررى لأنه قابل لبعض الانتفاعات.

(و) لا يخفى انه (كما لا يجوز جعله) اى الآبق (مثمنا) كذلك (لا يجوز جعله منفرد اثمنا، لاشتراكهما فى الأدلة)

و الفرق ان العبد قد يعتبر مثمنا، فيقال: بعتك هذا العبد بدينار، و قد يعتبر ثمنا، فيقال: بعتك هذه الدار بهذا العبد، و العلامة دخول الباء.

(و قد تردد فى اللمعة فى جعله ثمنا بعد الجزم بمنع جعله مثمنا و ان قرّب اخيرا المنع منفردا) اى منع بيع منفردا بدون ضميمة.

(و لعل الوجه) اى وجه ترديده فى الثمن (الاستناد فى المنع عن جعله مثمنا الى النص و الاجماع الممكن دعوى اختصاصهما بالمثمن) فيبقى الثمن بلا مانع، فيشمله دليل صحة جعل كل مال ثمنا (دون) استناده

ص: 383

نفى الغرر الممكن منعه بجواز الانتفاع به فى العتق.

و يؤيده حكمه بجواز بيع الضال و المجحود، مع خفاء الفرق بينهما و بين الآبق فى عدم القدرة على التسليم.

______________________________

الى (نفى الغرر) اى ان الشهيد لا يستدل على منع جعل الآبق مثمنا بنهى النبي صلى الله عليه و آله عن بيع الغرر (الممكن منعه) حتى فى المثمن.

و انما يمكن منعه (ب) سبب (جواز الانتفاع به فى العتق)

و الحاصل: انه استند الى النص و الاجماع، و هما ظاهر ان فى المثمن، و لم يستند الى دليل نفى الغرر، حتى يقال: ان الغرر منفى فى المثمن فكيف بالثمن؟ و تكون النتيجة جواز جعل الآبق ثمنا.

(و يؤيده) اى انه استند الى النص و الاجماع فى المنع عن جعله مثمنا، لا الى نفى الغرر (حكمه) اى الشهيد (بجواز بيع الضال و المجحود) الّذي جحده الغاصب، فليس للمالك قدرة عليه (مع خفاء الفرق بينهما) اى الضال و المجحود (و بين الآبق فى عدم القدرة على التسليم) فلو كان دليله فى نفى الغرر للزم القول بعدم الجواز فى الضال و المجحود أيضا.

ثم ان المصنف قال «مع خفاء» و لم يقل «مع عدم الفرق»

و لعل وجهه ان الآبق متنقل فيصعب الوصول إليه، بخلاف الضال فانه اسهل من حيث الوصول إليه، و المجحود يمكن الوصول إليه بسهولة بندم الجاحد، بخلاف الآبق فانه غالبا لا يرجع، فتأمّل.

ص: 384

و نظير ذلك ما فى التذكرة حيث ادعى أوّلا: الاجماع على اشتراط القدرة على التسليم ليخرج البيع عن كونه بيع غرر.

ثم قال: و المشهور بين علمائنا المنع عن بيع الآبق منفردا الى ان قال: و قال بعض علمائنا: بالجواز، و حكاه عن بعض العامة أيضا، ثم ذكر الضال و لم يحتمل فيه إلا جواز البيع منفردا، او اشتراطه الضميمة فان

______________________________

(و نظير ذلك) اى نظير ما فى اللمعة من الفرق بين بيع الآبق، و بيع الضال مع خفاء الفرق.

و انما كان كلام التذكرة مثل كلام اللمعة لأنه فى بيع الآبق افتى بالبطلان، و فى بيع الضال تردد، و نقل فيه قولين (ما فى التذكرة حيث ادعى أوّلا: الاجماع على اشتراط القدرة على التسليم)

و انما يشترط القدرة (ليخرج البيع عن كونه بيع غرر) اذ ما لا قدرة للانسان على تسليمه يكون بيعه غرريا.

(ثم قال: و المشهور بين علمائنا المنع عن بيع الآبق منفردا) بدون ضمّ ضميمة (الى ان قال: و قال بعض علمائنا: بالجواز، و حكاه) اى الجواز (عن بعض العامة أيضا، ثم ذكر الضال) و انه هل يجوز بيعه، أم لا؟ (و لم يحتمل فيه إلا جواز البيع منفردا، او اشتراطه الضميمة) اى يحتمل ان يجوز بيعه منفردا، و يحتمل ان يجوز بيعه مع الضميمة.

و انما قلنا: كلام التذكرة نظير كلام اللمعة فى خفاء الفرق (فان

ص: 385

التنافى بين هذه الفقرات الثلاث ظاهر.

و التوجيه يحتاج الى تأمل.

______________________________

التنافى بين هذه الفقرات الثلاث).

الفقرة الأولى: دعوى الاجماع على اعتبار القدرة على التسليم.

و الفقرة الثانية: وقوع النزاع فى انه هل يصح بيع الآبق منفردا، أم لا؟

و الفقرة الثالثة: تردده فى جواز بيع الضال منفردا (ظاهر) اذ لو كانت القدرة شرطا اجماعا، فكيف اختلف الأصحاب فى بيع الآبق؟ و كيف تردد هو فى بيع الضال؟ مع انه لا قدرة فيهما.

ثم كيف فرق بين الآبق و الضال بجعل المشهور عدم جواز بيع الآبق، و جعل بيع الضال مورد تردد.

(و التوجيه يحتاج الى تأمل).

اذ يمكن ان يقال: لا تنافى بين ادعاء الاجماع على اشتراط القدرة «و هى الكبرى» و بين الاختلاف فى بيع الآبق و تردده فى بيع الضال «و هى الصغرى» و ذلك للاشكال فى كون المثالين من مصاديق الكبرى.

اذ المراد ببعض العلماء المجوزين لبيع الآبق «الاسكافى» و ذلك اجاز فى صورة ضمان البائع، فلا غرر.

و الاجماع على القدرة انما كان لأجل انه بدونها غرر.

و اما تردده فى الضال فلأن المستند للمجمعين يمكن ان يكون نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله عن الغرر، و فى بيع الضال لا غرر- لما تقدم فى كلام اللمعة من الفرق بين الآبق و الضال-.

ص: 386

و كيف كان فهل يلحق بالبيع الصلح عما يتعذر تسليمه؟ فيعتبر فيه القدرة على التسليم، وجهان، بل قولان، من عمومات الصلح، و ما علم من التوسع فيه لجهالة المصالح عنه اذا تعذر او تعسّر معرفته بل مطلقا

و اختصاص الغرر المنفى بالبيع.

______________________________

و من هذا ظهر زيف التنافى الثانى الّذي اشرنا إليه بقولنا: «ثم كيف فرق الخ» و ذلك لأنك قد عرفت الفرق بين الآبق و الضال، فتأمل.

(و كيف كان فهل يلحق بالبيع) فى اعتبار القدرة على التسليم (الصلح عما يتعذر تسليمه) كما لو صالح عن عبده الآبق (فيعتبر فيه القدرة على التسليم) أم لا يلحق بالبيع، فلا يعتبر فيه القدرة على التسليم (وجهان، بل قولان).

وجه عدم الاعتبار (من عمومات الصلح، و ما علم من التوسع فيه) فان مبنى الصلح على التساهل و التسامح (لجهالة المصالح عنه اذا تعذر او تعسّر معرفته).

كما اذا علم زيد ان لعمرو على ذمته حقا، لكنه لم يعلم ان حقّه حق ملك، او حق تحجير، او حق دعوى فى مسألة قضاء، او غيرها، فانه يصح لزيد ان يصالح عمروا عن حق عمرو عليه، بدينار مثلا (بل مطلقا) حتى اذا لم يتعذر، و لا يتعسر معرفة المصالح عنه.

(و) ان قلت: دليل لا غرر، يشمل الصلح أيضا.

قلت: الظاهر (اختصاص الغرر المنفى بالبيع) اذ الحديث نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله عن بيع الغرر، هذا هو وجه عدم اعتبار القدرة

ص: 387

و من ان الدائر على السنة الأصحاب نفى الغرر من غير اختصاص بالبيع، حتى انهم يستدلون به فى غير المعاوضات كالوكالة فضلا عن المعاوضات كالاجارة، و المزارعة، و المساقات، و الجعالة بل قد يرسل فى كلماتهم عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه نهى عن الغرر و قد رجح بعض الاساطين جريان الاشتراط فيما لم يبن على المسامحة من الصلح.

و ظاهر المسالك فى مسألة رهن ما لا يقدر على تسليمه

______________________________

فى باب الصلح.

(و) اما وجه اعتبار القدرة (من ان الدائر على السنة الأصحاب نفى الغرر من غير اختصاص بالبيع، حتى انهم يستدلون به) اى بأن الغرر موجب للبطلان (فى غير المعاوضات كالوكالة) فاذا كانت الوكالة غررية كانت باطلة، كما لو قال: وكلت فى القيام بشأن مجهول من شئونى (فضلا عن المعاوضات كالاجارة، و المزارعة، و المساقات، و الجعالة) فاللازم ان يكون الصلح أيضا كذلك، اذا كان غرريا يكون باطلا (بل قد يرسل فى كلماتهم) و الخبر مذكور فى مستدرك الوسائل (عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه نهى عن الغرر و قد رجّح بعض الاساطين) التفصيل ب (جريان الاشتراط) اى اشتراط عدم الغرر (فيما لم يبن على المسامحة من الصلح) فالمصلح المبنى على المسامحة لا غرر فيه، و الصلح غير المبنى على المسامحة فيه الغرر.

(و ظاهر المسالك فى مسألة رهن ما لا يقدر على تسليمه) كرهن

ص: 388

على القول بعدم اشتراط القبض فى الرهن جواز الصلح عليه.

و اما الضال و المجحود، و المغضوب، و نحوها مما لا يقدر على تسليمه، فالأقوى فيها عدم الجواز، وفاقا لجماعة، للغرر المنفى المعتضد بالاجماع المدعى على اشتراط القدرة على التسليم، الا ان يوهن بتردد مدعيه- كالعلامة فى التذكرة- فى صحة بيع الضال منفرد او يمنع الغرر خصوصا فيما يراد عتقه بكون المبيع قبل القبض مضمونا على البائع

______________________________

الآبق (على القول بعدم اشتراط القبض فى الرهن).

اما على القول باشتراط القبض فى الرهن فلا يصح مطلقا لأن شرط القبض مفقود (جواز الصلح عليه) بأن يقوم الصلح مقام الرهن، و حيث ان الرهن الغررى لا يصح، نجعل مكان الرهن الصلح، لان الصلح الغررى لا بأس به، هذا تمام الكلام فى بيع الآبق الّذي عنونا المسألة به.

(و اما الضال و المجحود، و المغصوب، و نحوها) كالمدفون فى مكان مجهول (مما لا يقدر على تسليمه، فالأقوى فيها عدم الجواز) اى عدم جواز بيعها (وفاقا لجماعة) من الفقهاء (للغرر المنفى المعتضد) دليل نفى الغرر (بالاجماع المدعى على اشتراط القدرة على التسليم، الا ان يوهن) الاجماع (بتردد مدعيه- كالعلامة فى التذكرة- فى صحة بيع الضال منفردا).

و اذا كان الأمر اجماعا كيف يتردد عليه (و يمنع الغرر خصوصا فيما يراد عتقه) بأن كان الضال عبدا مثلا و اراد المشترى ان يعتقه (بكون المبيع قبل القبض مضمونا على البائع).

ص: 389

و اما فوات منفعته مدة رجاء الظفر به، فهو ضرر قد اقدم عليه.

و جهالته غير مضرة، مع امكان العلم بتلك المدة، كضالة يعلم انها لو لم توجد بعد ثلاثة ايام فلن توجد بعد ذلك

______________________________

فانه لا يخلو الأمر عن ثلاثة لأنه اما ان يجد الضال فورا، او بعد مدة او لا يجد اصلا.

اما اذا وجده- بعد العقد فورا- فلا غرر.

و اما اذا لم يجده فالتلف قبل القبض من مال مالكه فلا غرر أيضا على المشترى.

و اما اذا وجده بعد مدة، فان فوائده فى تلك المدة و ان خسرها المشترى لكنه هو الّذي اقدم على هذه الخسارة و الانسان اذا اقدم على الضرر، لم يكن ينفيه دليل: لا ضرر.

و الى هذا أشار بقوله:

(و اما فوات منفعته) اى منفعة المبيع (مدة رجاء الظفر به، فهو ضرر قد اقدم عليه) المشترى.

(و) ان قلت: لا نقول بالبطلان من جهة الضرر حتى تقولوا، انه بنفسه قد اقدم على هذا الضرر، بل انه باطل من حيث الجهالة بتلك المدة.

قلت: (جهالته) اى جهالة ذلك الضرر (غير مضرة، مع امكان العلم بتلك المدة، كضالة يعلم انها لو لم توجد بعد ثلاثة ايام فلن توجد بعد ذلك) فان المدة و ان كانت مجهولة، لكنها آئلة الى العلم، و لا دليل على بطلان مثل هذه الجهالة، و انما الجهالة الموجبة للبطلان الجهالة

ص: 390

و كذا فى المغصوب و المنهوب.

و الحاصل: انه لا غرر عرفا بعد فرض كون اليأس عنه فى حكم التلف المقتضى لانفساخ البيع من اصله.

و فرض عدم تسلط البائع على مطالبته بالثمن لعدم تسليم المثمن فانه لا خطر حينئذ فى البيع خصوصا مع العلم بمدة الرجاء التى يفوت الانتفاع بالبيع فيها، هذا.

______________________________

المطلقة (و كذا) الكلام (فى) بيع (المغصوب و المنهوب) فيصح بيعها.

(و الحاصل: انه لا غرر عرفا بعد فرض كون اليأس عنه فى حكم التلف المقتضى لانفساخ البيع من اصله).

فمع وجد انه لا غرر، و مع عدم الوجد ان يبطل البيع، فلا غرر أيضا.

(و) ان قلت: الثمن يبقى مدة عند البائع، حتى يتبين البطلان و هذا ضرر على المشترى.

قلت: هذا غير صحيح بعد (فرض عدم تسلط البائع على مطالبته) اى مطالبة المشترى (بالثمن) و انما لا يحق له المطالبة (لعدم تسليم المثمن) اذ لا يحق لكل من الطرفين تسليم ما بيده الا مقارنا لتسليم الاخر ما عنده (فانه لا خطر حينئذ فى البيع خصوصا مع العلم بمدة الرجاء التى يفوت الانتفاع بالبيع فيها) اى فى تلك المدة، و هذا عبارة اخرى عما ذكره بقوله «مع امكان العلم بتلك المدة الخ» (هذا) غاية ما يقال فى صحة بيع الضال و نحوه.

ص: 391

و ليكن يدفع جميع ما ذكر ان المنفى فى حديث الغرر- كما تقدم هو ما كان غررا فى نفسه عرفا مع قطع النظر عن الأحكام الشرعية الثابتة للبيع.

و لذا قوينا فيما سلف جريان نفى الغرر فى البيع المشروط تأثيره شرعا بالتسليم.

و

______________________________

(و ليكن يدفع جميع ما ذكره) من الاستدلال لصحة البيع (ان المنفى فى حديث الغرر- كما تقدم-) تفسير الحديث (هو ما كان غررا فى نفسه عرفا مع قطع النظر عن الأحكام الشرعية الثابتة للبيع) كوجوب التسليم و نحوه.

(و لذا) الّذي ذكرنا من «قطع النظر عن الأحكام الخ» (قوينا فيما سلف جريان نفى الغرر فى البيع المشروط تأثيره شرعا بالتسليم) كالصرف و السلم،

فان بعضا قالوا، لا غرر فى الصرف و السلم، لأنه قبل التسليم لا يتحقق البيع، و بعد التسليم لا غرر.

فأجبنا عنهم بأن المناط الصدق العرفى، و العرف يرى وجود الغرر قبل التسليم، و ان التسليم من الأحكام الشرعية، فالبيع غرر، و كلما كان غرريا، كان باطلا.

(و) نقول: بمثل ذلك فى باب الضال و المجحود، فانه و ان كان المبيع قبل القبض فى ضمان البائع لما ورد من ان التلف قبل القبض من

ص: 392

من المعلوم: ان بيع الضال و شبهه ليس محكوما عليه فى العرف بكونه فى ضمان البائع بل يحكمون- بعد ملاحظة اقدام المشترى على شرائه بكون تلفه منه فى الانفساخ بالتلف حكم شرعى عارض للبيع الصحيح الّذي ليس فى نفسه غررا عرفا.

و مما ذكر يظهر انه لا يجدى فى رفع الغرر الحكم بصحة البيع مراعى بالتسليم. فان تسلم قبل مدة لا يفوت

______________________________

مال مالكه، الا ان هذا من الأحكام الشرعية، و الا فالعرف يرى وقوع البيع و ان البيع غررى، فيشمله دليل: نفى الغرر.

اذ (من المعلوم: ان بيع الضال و شبهه) كالمجحود (ليس محكوما عليه فى العرف بكونه فى ضمان البائع) بل هذا حكم شرعى (بل يحكمون بعد ملاحظة اقدام المشترى على شرائه) اى شراء الضال- مثلا- (بكون تلفه منه) اى من المشترى (فى الانفساخ ب) سبب (التلف حكم شرعى عارض للبيع الصحيح الّذي ليس فى نفسه غررا عرفا) فلا ربط له برفع الغرر مما هو بيع غررى، كبيع الضال، و عليه فيشمله دليل: نفى الغرر.

(و مما ذكر) من انه بيع غررى عرفا، فيشمله دليل نفى الغرر (يظهر انه لا يجدى فى رفع الغرر الحكم بصحة البيع مراعى بالتسليم).

و اراد القائل بهذا رفع الضرر عن المشترى، لأنه ان سلّم لا ضرر و لا غرر فالبيع صحيح، و ان لم يسلّم حيث كان الضرر و الغرر كان البيع باطلا.

(فان تسلم) المشترى المتاع (قبل مدة) مديدة بحيث (لا يفوت

ص: 393

الانتفاع المعتد به و الا تخير بين الفسخ و الامضاء، كما استقر به فى اللمعة، فان ثبوت الخيار حكم شرعى عارض للبيع الصحيح الّذي فرض فيه العجز عن تسلّم المبيع، فلا يندفع به الغرر الثابت عرفا فى البيع المبطل له لكن قد مرت المناقشة فى ذلك بمنع اطلاق الغرر على مثل هذا بعد اطلاعهم على الحكم الشرعى اللاحق للمبيع

______________________________

الانتفاع المعتد به) كان البيع صحيحا (و الا تخير بين الفسخ و الامضاء) فان فسخ فلا بيع، و ان امضى فقد اقدم هو على ضرر نفسه، و الانسان لو اقدم على ضرر نفسه لم يشمله دليل: لا ضرر و لا ضرار (كما استقر به فى اللمعة) اى قال الأقرب الحكم بصحة البيع مراعى.

و انما لا يجدى هذا الكلام من اللمعة (فان ثبوت الخيار حكم شرعى عارض للبيع الصحيح الّذي فرض فيه) اى فى ذلك البيع الصحيح (العجز عن تسلّم) المشترى (المبيع) يعنى اذا لم يكن البيع غرريا ثبت فيه الخيار فيما اذا عجز المشترى على تسلم المبيع (فلا يندفع به) اى بالخيار (الغرر الثابت عرفا فى البيع المبطل) ذلك الغرر (له) اى لذلك البيع.

هذا و (لكن قد مرت المناقشة فى ذلك) اى فى كون ان نفى الغرر بالنسبة الى ما كان غررا فى نفسه عرفا مع قطع النظر عن الأحكام الشرعية (بمنع اطلاق الغرر على مثل هذا) الغرر العرفى (بعد اطلاعهم على الحكم الشرعى اللاحق للمبيع).

فان المبيع بأحكامه الشرعية اللاحقة له اما غرر او ليس بغرر، لا ان

ص: 394

من ضمانه قبل العلم، و من عدم التسلط على مطالبته الثمن فافهم.

و لو فرض اخذ المتبايعين لهذا الخيار فى متن العقد، فباعه على ان يكون له الخيار اذا لم يحصل المبيع فى يده الى ثلاثة أيام، امكن جوازه لعدم الغرر حينئذ عرفا.

______________________________

المبيع مجردا عن الأحكام الشرعية اما غرر و اما ليس بغرر (من ضمانه قبل العلم، و من عدم التسلط على مطالبته الثمن) «من» بيان «الحكم الشرعى» اى ان العرف يرى انه هل يضمن شرعا المبيع قبل التسليم؟

فان كان مضمونا على البائع، لا يرى انه غرر، و ان لم يكن مضمونا يرى انه غرر، و كذلك يرى العرف هل انه يسلط المشترى على المطالبة فهو غرر، او لا يسلط فهو غرر (فافهم) فان العرف يرى الغرر و ان عرف الحكم الشرعى.

و حيث ان الظاهر من ادلة نفى الغرر، الغرر العرفى، فليس المناط فيه الغرر الشرعى، كسائر الموضوعات التى علق عليها الأحكام اثباتا او نفيا.

(و لو فرض اخذ المتبايعين لهذا الخيار) اى خيار الفسخ اذا لم يسلم البائع المبيع فى مدة لا يفوت الانتفاع المعتد به (فى متن العقد، فباعه على ان يكون له) اى للمشترى (الخيار اذا لم يحصل المبيع فى يده الى ثلاثة أيام، امكن جوازه) اى جواز البيع (لعدم الغرر حينئذ) اى حين هذا الشرط (عرفا) اذ المشترى يعلم انه اما ان يحصل بيده المال خلال الثلاثة او يبقى ثمنه كما كان.

ص: 395

و لذا لا يعد بيع العين غير المرئية الموصوف بالصفات المعينة من بيع الغرر، لأن ذكر الوصف بمنزلة اشتراطه فيه الموجب للتسلط على الرد.

و لعله لهذا اختار فى محكى المختلف تبعا للاسكافى- جواز بيع الآبق اذا ضمنه البائع، فان الظاهر منه اشتراط ضمانه.

و عن حاشية الشهيد ظهور الميل إليه و

______________________________

(و لذا) الّذي ذكرنا بأنه لا غرر عرفا (لا يعد بيع العين غير المرئية الموصوف بالصفات المعينة) الرافعة للغرر عرفا (من بيع الغرر) و ان احتمل عدم وجود تلك الصفات فى المبيع (لان ذكر الوصف بمنزلة اشتراطه) اى الوصف (فيه) اى فى البيع.

فلا فرق بين ان يقول: بعتك الدابة، بشرط أن تكون بيضاء سمينة، او ان يقول: بعتك الدابة البيضاء السمينة (الموجب) ذلك الاشتراط (للتسلط على الرد) اذا لم يجد المشترى الوصف كما قال البائع.

(و لعله لهذا) الّذي ذكرنا من انه لا غرر عرفا اذا جعل المشترى الخيار لنفسه لمدة معينة (اختار فى محكى المختلف- تبعا للاسكافى- جواز بيع الآبق اذا ضمنه البائع) بأن قال: ان جاء فلك، و ان لم يجي ء فأنت لست مسئولا و انا ضامن له (فان الظاهر منه) اى من هذا الكلام الّذي ذكره المختلف و الاسكافى (اشتراط ضمانه) اى ان البائع يشترط ضمان نفسه فيما اذا لم يأت الآبق.

(و عن حاشية الشهيد ظهور الميل إليه) اى الى كلام المختلف (و

ص: 396

ان كان قد يرد على هذا عدم اندفاع الغرر باشتراط الضمان فتأمل.

______________________________

ان كان قد يرد على هذا) الكلام الّذي ذكره المختلف (عدم اندفاع الغرر باشتراط الضمان) اذ الغرر أمر عرفى و هو صادق هنا (فتأمل) حيث ان الغرر انما يكون اذا كان الثمن فى الخطر، و لا خطر فى مقام الاشتراط.

ص: 397

مسئلة يجوز بيع الآبق مع الضميمة فى الجملة

كما عن الانتصار، و كشف الرموز، و التنقيح، بل بلا خلاف كما عن الخلاف حاكيا فيه كما عن الانتصار اطباق العامة على خلافه.

و ظاهر الانتصار خروج البيع بالضميمة عن كونه غررا حيث حكى احتجاج العامة بالغرر فانكره مع الضميمة، و فيه اشكال.

و الأولى لنا التمسك قبل الاجماعات المحكية المعتضدة بمخالفة من جعل الرشد فى مخالفتهم

______________________________

(مسألة: يجوز بيع الآبق مع الضميمة فى الجملة) فى مقابل السلب الكلى (كما عن الانتصار، و كشف الرموز، و التنقيح، بل بلا خلاف كما عن الخلاف) لشيخ الطائفة (حاكيا فيه) اى فى الخلاف (كما) حكى أيضا (عن الانتصار) للسيد المرتضى (اطباق العامة على خلافه) و انه لا يجوز بيع الآبق.

(و ظاهر الانتصار خروج البيع بالضميمة عن كونه غررا) فليس هذا استثناء عن عدم جواز بيع الغرر، و انما هو تخصّص (حيث حكى) الانتصار (احتجاج العامة) لعدم الجواز (بالغرر) و انه بيع غررى (فانكره) اى كونه غررا اذا كان المبيع الآبق (مع الضميمة، و فيه) اى فى كلام الانتصار (اشكال) لأنه غرر عرفا فهو من باب التخصيص، لا من باب التخصص.

(و الأولى لنا التمسك قبل الاجماعات المحكية المعتضدة بمخالفة من جعل الرشد فى مخالفتهم) من العامة و «جعل» بصيغة المجهول

ص: 398

بصحيحة رفاعة النخاس قال: قلت: لأبى الحسن عليه السلام، أ يصلح ان اشترى من القوم الجارية الآبقة و اعطيهم الثمن، و أطلبها انا؟

قال عليه السلام: لا يصلح شرائها الا ان تشترى منهم ثوبا او متاعا، فتقول لهم اشترى منكم جاريتكم فلانة و هذا المتاع بكذا و كذا درهما، فان ذلك جائز، و موثقة سماعة عن ابى عبد اللّه عليه السلام فى الرجل قد يشترى العبد و هو آبق عن اهله، قال عليه السلام: لا يصلح الا ان يشترى معه شيئا، فيقول اشترى منك هذا الشي ء و عبدك بكذا و كذا درهما، فان لم يقدر على العبد كان الّذي نقده فيما اشترى معه.

______________________________

اشارة الى قوله عليه السلام: خذ ما خالف العامة فان الرشد فى خلافهم (بصحيحة رفاعة النخاس) بالخاء المعجمة، و هو بائع العبيد (قال:

قلت: لأبى الحسن عليه السلام، أ يصلح ان اشترى من القوم الجارية الآبقة و اعطيهم الثمن، و أطلبها) اى الجارية (انا) كيما اجدها واردها من الإباق (قال عليه السلام: لا يصلح شرائها الا ان تشترى منهم ثوبا او متاعا) معها (فتقول لهم اشترى منكم جاريتكم فلأنه و هذا المتاع بكذا و كذا درهما، فان ذلك) البيع لها مع الضميمة (جائز، و موثقة سماعة عن ابى عبد اللّه عليه السلام فى الرجل قد يشترى العبد و هو آبق عن اهله قال عليه السلام: لا يصلح الا ان يشترى معه شيئا) آخر (فيقول اشترى منك هذا الشي ء و عبدك بكذا و كذا درهما) فانه يصح (فان لم يقدر على العبد كان الّذي نقده فيما) اى فى مقابل ما (اشترى معه) فلا يذهب ثمنه هباء.

ص: 399

و ظاهر السؤال فى الأولى.

و الجواب فى الثانية الاختصاص بصورة رجاء الوجدان و هو الظاهر أيضا من معاقد الاجماعات المنقولة.

فالمأيوس- عادة- من الظفر به الملحق بالتالف لا يجوز جعله جزءا من المبيع، لأن بذل جزء من الثمن فى مقابله لو لم يكن سفها او اكلا للمال بالباطل، لجاز جعله ثمنا يباع به مستقلا، فالمانع عن استقلاله

______________________________

(و ظاهر السؤال فى) الرواية (الأولى) حيث قال «و اطلبها انا».

(و الجواب فى) الرواية (الثانية) حيث قال عليه السلام: «فان لم يقدر» (الاختصاص) لجواز البيع مع الضميمة (بصورة رجاء الوجدان و هو الظاهر أيضا من معاقد الاجماعات المنقولة) اذ لو لا رجاء الوجدان لم يكن وجه لطلبها، و لا وجه لقوله عليه السلام: فان لم يقدر، فانك لا تقول ان لم تقدر على تحريك هذا الجبل، و انما تقول «ان» اذا كان محتملا للأمرين.

(فالمأيوس- عادة- من الظفر به الملحق بالتالف) عرفا (لا يجوز جعله جزءا من المبيع).

و انما لا يجوز (لأن بذل) المشترى (جزء من الثمن فى مقابله) اى مقابل الآبق المأيوس منه (لو لم يكن سفها) و المعاملة السفهائية باطلة (او اكلا للمال بالباطل) فيشمله قوله تعالى: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل (لجاز جعله ثمنا) اى جعل ذلك الجزء (يباع به) اى بهذا الجزء الآبق (مستقلا) اذا (فالمانع عن استقلاله

ص: 400

بالبيع مانع عن جعله جزء مبيع، للنهى عن الغرر السليم عن المخصص.

نعم يصح تملكه على وجه التبعية للمبيع باشتراط، و نحوه و أيضا الظاهر اعتبار كون الضميمة مما يصح بيعها،

______________________________

بالبيع مانع عن جعله جزء مبيع) و ذلك (للنهى عن الغرر السليم عن المخصص).

لكن ربما يقال: ان كان الاستدلال بالحديث فلا دلالة فيه اذ ما ذكر من الدلالة ضعيف للغاية و ان كان ربما يلتفت إليه بعد الالفات، و الغرر لو كان موجبا لم يكن فرق بين البيع مستقلا او تبعا، و كثيرا ما لا يجوز بيع الشي ء مستقلا و يجوز تبعا، كما لو جهل مقدار الجزء و علم مقدار الكل، او جهل ثمن الجزء و علم ثمن الكل، فانه لا يصح بيع الجزء و يصح بيع الكل.

(نعم يصح تملكه على وجه التبعية للمبيع باشتراط، و نحوه) على نحو الشرط الّذي ذكرنا فى المسألة السابقة انه يجوز بيع الآبق وحده مع الشرط- لأنه ليس بغرر-.

و المراد بنحو الشرط جعل مدة الظفر بالآبق محل انصباب العقد فقد يقول اشترى منك الثوب و الآبق «المأيوس عن وجدانه» بشرط انه اذا لم اجده فلى الفسخ، و قد يقول اشترى منك العبد الّذي اجده الى مدة كذا (و أيضا) كما استظهرنا رجاء الوجدان، فى صحة بيع الآبق مع الضميمة (الظاهر اعتبار كون الضميمة مما يصح بيعها) فيصح حينئذ بيع العبد الآبق مع الضميمة.

ص: 401

و اما صحة بيعها منفردة، فلا يظهر من الرواية، و لا يكفى ضم المنفعة الا اذا فهمنا من قوله: فان لم يقدر، الى آخر الرواية تعليل الحكم بوجود ما يمكن مقابلته بالثمن، فيكون ذكر اشتراء الضميمة معه من باب المثال او كناية عن نقل مال او حق عليه مع الآبق، لئلا يخلو الثمن عن المقابل،

______________________________

(و اما صحة بيعها) اى الضميمة (منفردة، فلا يظهر من الرواية، و لا يكفى ضم المنفعة) الى الآبق، كأن يقول: بعتك الآبق و منفعة هذه الدار سنة بكذا دينارا، اذ المنفعة لا يصح بيعها مجردة، فان البيع مبادلة مال بمال، و قد تقدم ان المال هو العين، لا المنفعة (الا اذا فهمنا من قوله: فان لم يقدر، الى آخر الرواية تعليل الحكم) بالجواز مع الضميمة (بوجود ما يمكن مقابلته بالثمن) سواء يصح بيع الضميمة منفردة كالعين- أم لا، كالمنفعة (فيكون ذكر اشتراء الضميمة معه من باب المثال) فان الامام عليه السلام: انما قال لفظ «الاشتراء» بالنسبة الى الضميمة باعتبار كون «ما يشترى» مقابلا للثمن، لا باعتبار لزوم صدق «الاشتراء» حتى يوجب خروج مثل «المنفعة» مما لا يصح شرائه (او) ان لفظ «الاشتراء» فى الرواية (كناية عن نقل مال او حق عليه) اى على البائع، اى جعل حق للمشترى على نفسه، نقلا (مع الآبق، لئلا يخلو الثمن عن المقابل) البيع سبب للنقل، و الكناية ذكر السبب و إرادة المسبب، فقد ذكر الامام عليه السلام بيع الثوب و أراد مطلق النقل، لأن النقل مسبب عن البيع، و الفرق بين «المثال» و «الكناية» ان فى الكناية يلزم السببية و المسببية، و ليس كذلك المثال.

ص: 402

فتأمل.

ثم انه لا اشكال فى انتقال الآبق الى المشترى الا انه لو بقى على اباقه و صار فى حكم التالف لم يرجع على البائع بشي ء و ان اقتضى قاعدة التلف قبل القبض استرداد ما قابله من الثمن، فليس معنى الرواية انه لو لم يقدر على الآبق وقعت المعاوضة على الضميمة و الثمن

______________________________

فلو قال اكرم زيدا- و اراد العالم، لا خصوص زيد- كان زيد مثالا، لا كناية، اذ ليس زيد سببا لسائر العلماء، بخلاف ما لو قال: بع الثوب، و اراد نقله بأى وجه كان، لا خصوص البيع- فانه يصلح ان يكون كناية اذ البيع سبب النقل، فالقائل جعله كناية عن مطلق النقل (فتأمل) فانه كيف نحمل الشراء على العموم- كناية او مثالا- و ظاهر اللفظ يأباهما و لا دليل من الخارج على إرادة الاعم.

(ثم انه لا اشكال فى انتقال الآبق الى المشترى) اذا اشتراه مع الضميمة (الا انه لو بقى على اباقه و صار فى حكم التالف) كان لم يعلم اين هو؟ و مضت مدة طويلة (لم يرجع على البائع بشي ء) لأن المشترى هو الّذي اقدم على مثل هذا المال، و قد اجازه الشارع (و ان اقتضى قاعدة التلف قبل القبض استرداد ما قابله من الثمن).

فان القاعدة تقول: التلف قبل القبض من مال مالكه «ان» وصلية اى انا نقول بالقاعدة المذكورة، الا فى هذا المقام (فليس معنى الرواية انه لو لم يقدر) المشترى (على الآبق وقعت المعاوضة على الضميمة و و الثمن) بأن كان الثمن كلا فى مقابل الضميمة فقط، فليس الآبق مبيعا

ص: 403

ليكون المعاوضة على المجموع مراعاة لحصول الآبق فى يده كما يوهمه ظاهر المحكى عن كاشف الرموز، من ان الآبق ما دام ابقاء، ليس مبيعا فى الحقيقة و لا جزء مبيع، مع انه ذكر بعد ذلك ما يدل على إرادة ما ذكرنا، بل معناها انه لا يرجع المشترى بتعذر الآبق الّذي هو فى حكم التلف الموجب للرجوع بما يقابله التالف

______________________________

اصلا (ليكون) تفريع على كون المعاوضة بين الضميمة فقط و الثمن (المعاوضة على المجموع) الآبق و الضميمة (مراعاة) و معلقة (لحصول الآبق فى يده) اى يد المشترى، فان حصل الآبق فى يد المشترى كان الثمن بإزاء المجموع و ان لم يحصل كان الثمن بإزاء الضميمة فقط (كما يوهمه) اى كون المعاوضة مراعاة (ظاهر المحكى عن كاشف الرموز).

و حاصل كلام كاشف الرموز (من ان الآبق ما دام آبقا، ليس مبيعا فى الحقيقة و لا جزء مبيع).

و انما ننفى هذا الكلام، لأن الظاهر من بيع الآبق مع الضميمة ان الآبق جزء، سواء تمكن المشترى عليه، أم لا (مع انه) اى كاشف الرموز (ذكر بعد ذلك) اى بعد هذا الكلام (ما يدل على إرادة ما ذكرنا) من انه صار ملكا للمشترى فان بقى على اباقه لم يرجع المشترى على البائع بشي ء جزما، لقاعدة «التلف قبل القبض من مال مالكه» (بل معناها) اى معنى الرواية (انه لا يرجع المشترى ب) سبب (تعذر الآبق) التعذر (الّذي هو فى حكم التلف) التلف (الموجب للرجوع) الى البائع، اذا تلف المثمن قبل القبض (بما) اى بمقدار من الثمن (يقابله التالف) الضمير

ص: 404

بما يقابله من الثمن.

و لو تلف قبل اليأس ففى ذهابه على المشترى اشكال.

و لو تلفت الضميمة قبل القبض، فان كان بعد حصول الآبق فى اليد فالظاهر الرجوع بما قابله الضميمة،

______________________________

عائد الى «ما» و «بما» متعلق ب «الرجوع» (بما يقابله من الثمن) متعلق ب «لا يرجع» اى لا يرجع المشترى «بما يقابل التالف من الثمن» و إن كان مقتضى القاعدة «الرجوع بما يقابله التالف».

(و لو تلف) الآبق (قبل اليأس) من الظفر به (ففى ذهابه على المشترى اشكال) بل يحتمل ان يكون ذاهبا على البائع لقاعدة: التلف قبل القبض من مال مالكه.

و انما نحتمل هذا، لأنه ان كان تلف بعد اليأس، كان ذاهبا من كيس المشترى قطعا، حيث ان المشترى هو الّذي أقدم على ذلك، اما اذا تلف قبل اليأس، فالمشترى لم يقدم على ذلك، فتشمله قاعدة: التلف قبل القبض.

(و لو تلفت الضميمة قبل القبض) كما لو باع الآبق و كتابا ثم تلف الكتاب قبل ان يقبضه (فان كان) تلف الضميمة (بعد حصول الآبق فى اليد) بان حصل المشترى على العبد ثم تلف الكتاب عند البائع (فالظاهر الرجوع) اى رجوع المشترى (بما قابله الضميمة) اى بالمقدار من الثمن الّذي يقابل الكتاب.

فان كان الثمن مائة و مقابل الكتاب عشرة رجع المشترى الى البائع

ص: 405

لا مجموع الثمن، لأن الآبق لا يوزع عليه الثمن ما دام آبقا لا بعد الحصول فى اليد، و كذا لو كان بعد اتلاف المشترى له مع العجز عن التسلّم كما لو ارسل إليه طعاما مسموما لأنه بمنزلة القبض.

و ان كان قبله ففى انفساخ البيع فى الآبق تبعا للضميمة

______________________________

بعشرة فقط (لا مجموع الثمن) فلا يحق للمشترى ان يقول للبائع اعطنى كل المائة.

و انما يتوهم حقه فى الرجوع الى كل الثمن بحجة ان الآبق ليس مقابلا للثمن، و انما مقابل الثمن الكتاب فقط، فاذا تلف الكتاب كان للمشترى ان يأخذ كل الثمن.

و انما نرد هذا التوهم (لأن الآبق لا يوزع عليه الثمن ما دام آبقا لا بعد الحصول فى اليد) فاذا حصل الآبق فى اليد وزع عليه الثمن فيكون تسعون من الثمن فى مقابل العبد، و عشرة فى مقابل الكتاب، فاذا تلف الكتاب كان للمشترى حق الرجوع الى عشرة فقط (و كذا) لا يرجع المشترى الى مجموع الثمن لو تلف الضميمة (لو كان) تلف الضميمة (بعد اتلاف المشترى له) اى للآبق (مع العجز عن التسلّم) اى تسلم الآبق (كما لو ارسل) المشترى (إليه) اى الى العبد (طعاما مسموما) فقتله (لأنه) اى اتلافه (بمنزلة القبض) فان المتلف ضامن.

(و ان كان) تلف الضميمة (قبله) اى قبل الحصول الآبق فى اليد (ففى انفساخ البيع فى الآبق تبعا للضميمة) لأن المصحح لبيع الآبق هو الضميمة، فاذا فسدت الضميمة بتلفها من ملك البائع، انفسخ بيع

ص: 406

او بقائه بما قابله من الثمن وجهان، من ان العقد على الضميمة اذا صار كأن لم تكن تبعه العقد على الآبق لأنه كان سببا فى صحته.

و من انه كان تابعا له فى الحدوث فاذا تحقق تملك المشترى له، فاللازم من جعل الضميمة كأن لم يعقد عليها رأسا، هو انحلال المقابلة الحاصلة بينه، و بين ما يخصه من الثمن لا الحكم الآخر الّذي كان يتبعه فى الابتداء

______________________________

الآبق، لأنه صار بدون ضميمة (او بقائه) اى بيع الآبق (بما قابله من الثمن) كالتسعين فى المثال (وجهان).

وجه الانفساخ (من ان العقد على الضميمة اذا صار كأن لم تكن) بسبب تلفه قبل القبض (تبعه العقد على الآبق) فى الانفساخ (لأنه) اى البيع على الضميمة (كان سببا فى صحته) اى فى صحة بيع الآبق.

(و) وجه عدم الانفساخ (من انه) اى الآبق (كان تابعا له) اى لبيع الضميمة (فى الحدوث فاذا تحقق تملك المشترى له) اى الضميمة.

اى انه اذا تحقق تملك المشترى للضميمة، كان بيع الآبق تابعا له فى الحدوث (فاللازم من جعل الضميمة كأن لم يعقد عليها رأسا) و ذلك فيما اذا تلف قبل القبض (هو انحلال المقابلة الحاصلة بينه) اى بين الضميمة- و تذكير الضمير باعتبار «المتاع» مثلا- (و بين ما يخصه من الثمن) كالعشرة فى المثال، و عليه فلا يبطل البيع بالنسبة الى الآبق (لا الحكم الآخر) اى عدم صحة البيع بالنسبة الى الآبق (الّذي كان) ذلك الحكم الآخر (يتبعه) اى يتبع الضميمة (فى الابتداء) حتى يقال

ص: 407

لكن ظاهر النص انه لا يقابل الآبق بجزء من الثمن اصلا، و لا يوضع له شي ء منه ابدا على تقدير عدم الظفر به.

و من هنا ظهر حكم ما لو فرض فسخ العقد من جهة الضميمة فقط، لاشتراط خيار يخص بها.

______________________________

انه كما اذا لم تكن الضميمة فى الابتداء كان بيع الآبق باطلا، كذلك اذا لم تكن الضميمة بعد ذلك بأن تلفت الضميمة.

(لكن) الظاهر انه لو تلف الكتاب كان للمشترى الحق فى ان يسترجع كل الثمن.

اذ (ظاهر النص انه لا يقابل الآبق بجزء من الثمن اصلا، و لا يوضع) اى لا يطرح (له) اى للآبق (شي ء منه) اى من الثمن (ابدا على تقدير عدم الظفر به) اى بالآبق.

و عليه فاذا كان الثمن كله فى مقابل الكتاب و تلف الكتاب، كان للمشترى الرجوع فى المائة دينار كله، لا فى العشرة فقط.

(و من هنا) الّذي ذكرنا حكم تلف الضميمة قبل القبض (ظهر حكم ما لو فرض فسخ العقد)- لا الانفساخ بسبب تلف الضميمة، كما كان هو الفرع السابق- (من جهة الضميمة فقط، لاشتراط خيار يخص بها) اى بالضميمة.

كما لو قال: اشتريت منك الآبق و الكتاب بمائة، ولى خيار فسخ الكتاب، ثم فسخ الكتاب، فان فيه احتمالين:

احتمال انفساخ كل العقد، او العقد بالنسبة الى الكتاب فقط.

ص: 408

نعم لو عقد على الضميمة فضولا و لم يجز مالكها، انفسخ العقد بالنسبة الى المجموع.

ثم لو وجد المشترى فى الآبق عيبا سابقا اما بعد القدرة عليه او قبلها كان له الرجوع بارشه كذا قيل.

______________________________

(نعم لو عقد) البائع (على الضميمة فضولا) بأن باع زيد عبده الآبق و كتاب عمرو بمائة و (لم يجز مالكها، انفسخ العقد بالنسبة الى المجموع) لأن العقد بالنسبة الى المجموع لم يتحقق اصلا، و عقد الآبق فقط لا يصح.

(ثم لو وجد المشترى فى الآبق عيبا سابقا) على العقد (اما بعد القدرة عليه) اى على الآبق (او قبلها) اى قبل القدرة (كان له الرجوع بارشه) اى ارش العيب (كذا قيل).

ص: 409

مسئلة المعروف انه يشترط العلم بالثمن قدرا،

فلو باع بحكم احدهما بطل اجماعا، كما عن الخلاف، و التذكرة، و اتفاقا، كما عن الروضة، و حاشية الفقيه للسلطان، و فى السرائر، فى مسألة البيع بحكم المشترى ابطاله بان كل مبيع لم يذكر فيه الثمن فانه باطل، بلا خلاف بين المسلمين، و الأصل فى ذلك حديث: نفى الغرر المشهور بين المسلمين.

و يؤيده التعليل فى رواية حماد بن ميسرة عن

______________________________

(مسألة: المعروف) بين الفقهاء (انه يشترط العلم بالثمن قدرا) كأن يعلما ان الثمن عشرة او مائة مثلا (فلو باع) البائع المتاع (بحكم احدهما) كأن قال: بعتك الكتاب بأى مقدار شئت انا، او شئت انت (بطل) البيع (اجماعا، كما عن الخلاف، و التذكرة، و اتفاقا، كما عن الروضة، و حاشية) من لا يحضره (الفقيه للسلطان، و) قال ابن ادريس (فى السرائر، فى مسألة البيع بحكم المشترى ابطاله) اى انه قال: بأن البيع باطل (ب) سبب (ان كل مبيع لم يذكر فيه الثمن فانه باطل، بلا خلاف بين المسلمين، و الأصل فى ذلك) اى ان الدليل فى وجه البطلان (حديث: نفى الغرر، المشهور بين المسلمين) اذ البيع المجهول ثمنه غرر قطعا، و النهى الوارد فى الحديث يستفاد منه الوضع لا التكليف.

(و يؤيده) اى البطلان (التعليل فى رواية حماد بن ميسرة عن

ص: 410

جعفر عن ابيه عليهما السلام انه كره ان يشترى الثوب بدينار غير درهم لانه لا يدرى كم الدينار من الدرهم.

لكن فى صحيحة رفاعة النخاس ما ظاهره المنافاة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام، فقلت له: ساومت رجلا بجارية له فباعنيها بحكمى فقبضتها منه، ثم بعثت إليه بألف درهم، فقلت له: هذه الف درهم حكمى، عليك ان تقبلها فأبى ان يقبلها منّى و قد كنت مسستها قبل ان ابعث إليه بألف درهم، فقال عليه السلام: ارى ان تقوم

______________________________

جعفر عن ابيه عليهما السلام انه كره ان يشترى الثوب بدينار غير درهم لانه لا يدرى كم الدينار من الدرهم) اذ الدينار و الدرهم- فى ازمنة الروايات- كانا يختلفان نسبة، فربما كان قيمة الدرهم عشر قيمة الدينار و ربما اقل او اكثر.

(لكن فى صحيحة رفاعة النخاس ما ظاهره المنافاة) و انه يصح البيع اذا او كل الثمن بحكم احد المتبايعين (قال سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت له: ساومت رجلا بجارية له) بأن اشترى الجارية منه (فباعنيها بحكمى) اى بقيمة اعينها أنا (فقبضتها) اى الجارية (منه) اى من الرجل (ثم بعثت إليه بالف درهم، فقلت له: هذه الف درهم حكمى، عليك ان تقبلها فأبى ان يقبلها منّى) لان قيمتها كان فى نظر البائع اكثر من الألف (و قد كنت مسستها) وطئت الجارية (قبل ان ابعث إليه بألف درهم) فما ذا اصنع؟ (فقال عليه السلام: ارى ان تقوم

ص: 411

الجارية بقيمة عادلة فان كان قيمتها اكثر مما بعثتها إليه كان عليك ان ترد ما نقص من القيمة، و ان كان قيمتها اقل مما بعثت إليه فهو له قال قلت: أ رأيت ان اصبت بها عيبا بعد ان مسستها قال: ليس عليك ان تردها عليه و لك ان تأخذ قيمة ما بين الصحة و العيب لكن التأويل فيها متعين لمنافاة ظاهرها

______________________________

الجارية بقيمة عادلة) هى قيمة مثلها فى العرف (فان كان قيمتها اكثر مما بعثتها إليه) كما لو كان الف و خمسمائة مثلا (كان عليك ان ترد ما نقص من القيمة) بأن تعطيه الخمسمائة زيادة على الألف (و ان كان قيمتها اقل) كما لو كان ستمائة مثلا (مما بعثت إليه) كالألف فى المثال (فهو له) يحتمل ان يكون المراد من «فهو» الأقل.

و يحتمل ان يراد الألف.

اما الأول: فلأنه القيمة العادلة.

و اما الثانى: فلانه المقدار الّذي قصده المشترى، و قد علق الامر على قصده فهو اللازم لا الاقل (قال قلت: أ رأيت) اخبرنى (ان اصبت بها عيبا بعد ان مسستها) فهل لى ان اردها؟ و استرجع الألف؟ (قال ليس عليك) اى ليس لك (ان تردها عليه) لان الوطي يمنع الرد (و لك ان تأخذ قيمة ما بين الصحة و العيب) اى الأرش، فلو كانت قيمة الصحيحة الفا و المعيبة ثمانمائة، فله ان يسترد مأتين (لكن التأويل فيها متعين)

و انما يجب التأويل (لمنافاة ظاهرها) اى ظاهر لزوم القيمة العادلة

ص: 412

لصحة البيع و فساده.

فلا يتوهم جواز التمسك بها لصحة هذا البيع، اذ لو كان صحيحا لم يكن معنى لوجوب قيمة مثلها بعد تحقق البيع بثمن خاص.

نعم هى محتاجة الى ازيد من هذا التأويل بناء على القول بالفساد

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 9، ص: 413

______________________________

و ظاهر انه لا يحق له ردها بالعيب (لصحة البيع و فساده) اى ان هذه الرواية ظاهرها ينافى كون البيع صحيحا، و ينافى كون البيع فاسدا.

اما انه ينافى كون البيع صحيحا، لانه ان كان صحيحا لم يكن وجه للقيمة العادلة، اذ معنى الصحة كون اللازم القيمة المسماة لا المثل، و ان كان فاسدا لم يكن وجه لعدم تمكن المشترى من ارجاع الجارية حال كونها معيبة لانه ان كان البيع فاسدا كان المشترى قد وطى جارية الغير فعليه ان يردها و يرد اجرة الوطي.

(فلا يتوهم جواز التمسك بها) اى بهذه الرواية (لصحة هذا البيع) اى البيع الّذي يكون مجهول الثمن (اذ لو كان صحيحا لم يكن معنى لوجوب قيمة مثلها بعد تحقق البيع بثمن خاص) بل اللازم القيمة المسماة- و هى القيمة التى علقت على إرادة المشترى، و قد اراد اعطاء الألف-.

(نعم هى) الرواية (محتاجة الى ازيد من هذا التأويل) الّذي ذكرناه فى حال فرض كون البيع صحيحا (بناء على القول بالفساد)

اذ: بناء على الصحة يمكن توجيه الرواية بان الثمن اذا كان بنظر احدهما جاز.

ص: 413

بان يراد من قوله «باعنيها بحكمى» قطع المساومة على ان اقوّمها على نفسى بقيمتها العادلة فى نظرى حيث ان رفاعة كان نخاسا يبيع و يشترى الرقيق فقومها رفاعة على نفسه بألف درهم، اما معاطاة و اما مع إنشاء الايجاب وكالة، و القبول اصالة، فلما مسها و بعث الدراهم لم يقبلها المالك، لظهور غبن له فى البيع و ان رفاعة مخطئ فى القيمة

______________________________

اما بناء على الفساد، لا يمكن توجيه الرواية بانه كيف لم يجوّز له الامام عليه السلام ارجاع الجارية فى صورة العيب؟ مضافا الى ان الفساد مخالف لقوله: «باعنيها» و قوله: «لو لم يقبلها» و قوله: «ان كان قيمتها اكثر فعليك ان ترد» (بأن يراد) هذا متعلق بقوله «التأويل فيها متعين» او قوله «ازيد من هذا التأويل»- فان مفاد العبارتين واحد- (من قوله «باعنيها بحكمى» قطع المساومة) و القرار بينى و بين البائع (على ان اقومها على نفسى بقيمتها العادلة فى نظرى) بان و كله فى المعاملة، لا ان البائع اجرى المعاملة.

و من المعلوم: ان الموكل لا تلزم معرفته بمقدار الثمن فيما اذا كان الوكيل مفوضا (حيث ان رفاعة كان نخاسا) النخاس هو الّذي (يبيع و يشترى الرقيق) اى العبيد (فقومها رفاعة على نفسه بألف درهم اما معاطاة) بان لم يجر الايجاب و القبول (و اما مع إنشاء الايجاب وكالة) عن صاحب الجارية (و القبول اصالة) عن نفسه (فلما مسها و بعث الدراهم) الألف (لم يقبلها) اى الدراهم (المالك، لظهور غبن له) اى للمالك (فى البيع، و ان رفاعة مخطئ فى القيمة) اذ المنصرف من

ص: 414

او لثبوت خيار الحيوان للبائع على القول به.

و قوله عليه السلام: ان كان قيمتها اكثر، فعليك ان ترد ما نقص اما ان يراد به لزوم ذلك عليه من باب ارضاء المالك اذا اراد امساك الجارية حيث ان المالك لا حاجة له فى الجارية، فيسقط خياره ببذل التفاوت

______________________________

امثال هذه الوكالات التقويم بالقيمة العادلة، لا قيمة اعتباطية.

(او) لم يقبلها المالك- لا لتخطئة رفاعة فى القيمة- بل (لثبوت خيار الحيوان) الشامل للحيوان الانسى أيضا (للبائع على القول به) اى بوجود خيار الحيوان فى العبيد أيضا.

(و) ان قلت: اذا كان الرد من باب الخيار، بأن فسخ المالك المعاملة فكيف قال الامام عليه السلام «عليك ان ترد ما نقص»؟ اذ: مع الفسخ لا بيع، فلا يكلّف المشترى برد الناقص؟

قلت: (قوله عليه السلام: ان كان قيمتها اكثر، فعليك ان ترد ما نقص) لا ينافى الفسخ بالخيار، لانه (اما ان يراد به) اى بوجوب ردّ الناقص (لزوم ذلك) الرد (عليه) اى على المالك (من باب ارضاء المالك اذا اراد) المشترى (امساك الجارية)

و انما يمسك المشترى الجارية بعد فسخ المعاملة، و رجوعها الى المالك (حيث ان المالك لا حاجة له فى الجارية، فيسقط خياره) اى المالك (ببذل التفاوت) بين القيمة الواقعية، و بين القيمة التى عينها المشترى.

فالمعنى انّك ايّها المشترى اسقط خيار البائع بسبب اعطائه التفاوت

ص: 415

و اما ان يحمل على حصول الحبل بعد المس فصارت أم ولد و تعين عليه قيمتها اذا فسخ البائع.

و قد يحمل على صورة تلف الجارية.

و ينافيه قوله فيما بعد: فليس عليك ان تردها انتهى.

و كيف كان فالحكم بصحة البيع بحكم المشترى، و انصراف الثمن

______________________________

فمعنى «عليك ان ترد» ان ذلك عليك اذا اراد البائع الفسخ، و اردت انت ارضاء المالك لئلا يفسخ.

(و اما ان يحمل على حصول الحبل) فى الجارية (بعد المس) لان المشترى وطئها (فصارت أم ولد و تعين عليه قيمتها اذا فسخ البائع)

كما لو اشترى جارية و كان للبائع خيار الفسخ، فانه لو احبلها المشترى لم يكن للبائع اخذها اذا فسخ البيع، بل اللازم ان يأخذ القيمة اذا فسخ، لان أمّ الولد لا تنتقل.

(و قد يحمل) حملا ثالثا- اى قوله عليك ان ترد- (على صورة تلف الجارية) فان ذا الخيار اذا فسخ المعاملة، و قد تلف قبل ذلك المتاع، كان لذى الخيار اخذ القيمة.

(و) لكن هذا الحمل غير تام.

اذ (ينافيه قوله فيما بعد: فليس عليك ان تردها انتهى) اذ ظاهر هذه الفقرة وجود الجارية حيّة.

(و كيف كان فالحكم بصحة البيع) الّذي كان ثمنه معلقا (بحكم المشترى، و انصراف الثمن)- فى مثل هذا البيع

ص: 416

الى القيمة السوقية لهذه الرواية- كما حكى عن ظاهر الحدائق ضعيف و اضعف منه ما عن الاسكافى من تجويز قول البائع: بعتك بسعر ما بعت و يكون للمشترى الخيار.

و يرده ان البيع فى نفسه اذا كان غررا فهو باطل، فلا يجبره الخيار

______________________________

(الى القيمة السوقية) فلا يحق للمشترى ان يحكم باقل، و لا حق للبائع ان يريد الاكثر،

فالحكم بالصحة (لهذه الرواية- كما حكى عن ظاهر الحدائق) الفتوى به (ضعيف) لما عرفت من انها مخالفة للنص و الفتوى.

(و اضعف منه ما عن الاسكافى من تجويز قول البائع: بعتك بسعر ما بعت) سابقا.

كما لو باع البائع من هذا الجنس بسعر خاص لجماعة من الناس، فيقول للمشترى: بعتك بمثل السعر الّذي بعته به قبلا، فيما اذا لم يعلم المشترى ذلك السعر، اما اذا علم فلا اشكال فى الصحة.

و يحتمل ان يكون المراد ب «بعت» الثانى «اشتريت» اى أبيعك بالسعر الّذي اشتريته بذلك السعر (و يكون للمشترى) اذا علم الثمن (الخيار) فى الفسخ و الامضاء، و كانه جعل الخيار قدرا كالخسارة المشترى و ندمه اذا رأى الثمن غاليا.

(و يرده ان البيع فى نفسه اذا كان غررا فهو باطل، فلا يجبره الخيار) بالإضافة الى ان الخيار يحتاج الى دليل، و هو مفقود فى المقام.

ص: 417

و اما بيع خيار الرؤية فذكر الاوصاف فيه بمنزلة اشتراطها المانع عن حصول الغرر، كما تقدم عند حكاية قول الاسكافى فى مسألة القدرة على التسليم.

______________________________

(و) ان قلت: فكيف تقولون بصحة البيع فيما اذا لم يره المشترى؟ و اشتراه بالاوصاف، فانه أيضا غرر، لكنه يجبر بخيار الرؤية.

قلت: (اما بيع خيار الرؤية فذكر الاوصاف فيه) يكون (بمنزلة اشتراطها) اى اشتراط تلك الاوصاف (المانع) ذلك الاشتراط (عن حصول الغرر، كما تقدم عند حكاية قول الاسكافى فى مسألة القدرة على التسليم) فلا يكون هناك غرر، بخلاف المقام.

فصحة البيع هناك و جبره بخيار الرؤية لا توجب القول بصحة البيع هنا.

ص: 418

مسئلة العلم بقدر المثمن كالثمن شرط باجماع علمائنا

كما عن التذكرة، و عن الغنية العقد على المجهول باطل بلا خلاف، و عن الخلاف: ما يباع كيلا فلا يصح بيعه جزافا و ان شوهد، اجماعا، و فى السرائر: ما يباع وزنا فلا يباع كيلا بلا خلاف.

و الاصل فى ذلك ما تقدم من النبوى المشهور و فى خصوص الكيل و الوزن خصوص الاخبار المعتبرة منها صحيحة الحلبى فى رجل اشترى من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم

______________________________

(مسألة العلم بقدر المثمن) كيلا، او وزنا، او عدا، او ذرعا، او ما اشبه (ك) العلم بقدر (الثمن شرط) فى صحة البيع (باجماع علمائنا كما عن التذكرة، و عن الغنية العقد على المجهول) المقدار (باطل بلا خلاف، و عن الخلاف) لشيخ الطائفة (ما يباع كيلا فلا يصح بيعه جزافا) بلا كيل (و ان شوهد، اجماعا، و فى السرائر: ما يباع وزنا فلا يباع كيلا بلا خلاف) و مراده ما اذا لم يكن الكيل طريقا الى الوزن و دليلا عليه

(و الاصل فى ذلك) اى الدليل على اعتبار العلم بقدر المثمن (ما تقدم من النبوى المشهور) نهى النبي صلى الله عليه و آله عن الغرر الشامل للزوم العلم بالمثمن كيلا، و وزنا، و عدا، و غيرها (و فى خصوص الكيل و الوزن) لا سائر خصوصيات المثمن (خصوص الاخبار المعتبرة منها صحيحة الحلبى فى رجل اشترى من رجل طعاما عدلا) هو وعاء من القطن، او شبهه (بكيل معلوم) بأن كان ذلك العدل كيلا معلوما

ص: 419

ثم ان صاحبه قال للمشترى: ابتع منّى هذا العدل الآخر بغير كيل، فان فيه مثل ما فى الآخر الّذي ابتعته، قال عليه السلام: لا يصلح الا بكيل، قال عليه السلام، و ما كان من طعام سميت فيه كيلا فانه لا يصلح مجازفة هذا مما يكره من بيع الطعام.

و فى رواية الفقيه فلا يصح بيعه مجازفة.

و الايراد على دلالة الصحيحة بالاجمال او باشتمالها على خلاف المشهور من عدم تصديق البائع

______________________________

(ثم ان صاحبه) اى البائع (قال للمشترى: ابتع منّى هذا العدل الآخر بغير كيل، فان فيه) اى فى هذا العدل (مثل ما فى الآخر الّذي ابتعته) اى اشتريته (قال عليه السلام: لا يصلح الا بكيل)

ثم (قال عليه السلام، و) كل (ما كان من طعام سميت فيه كيلا فانه لا يصلح مجازفة) بلا معرفة القدر (هذا) البيع بدون العلم بالكيل (مما يكره من بيع الطعام)

و المراد بالكراهة: التحريم، لانها تستعمل فيه لغة و عرفا و ان كان فى اصطلاح المتشرعة يغلب استعمالها فى الكراهة مقابل التحريم.

(و فى رواية الفقيه) قال عليه السلام: (فلا يصح بيعه مجازفة) و هذا اصرح من ذلك.

(و الايراد على دلالة الصحيحة بالاجمال) لانه لا يعلم انه هل المراد ب «سميت فيه كيلا» ما من شانه يكال، او ما سمى البائع فيه الكيل (او باشتمالها على خلاف المشهور من عدم تصديق البائع) و الحال

ص: 420

غير وجيه لان الظاهر من قوله: سميت فيه كيلا؛ انه يذكر فيه الكيل فهى كناية عن كونه مكيلا فى العادة.

اللهم الا ان يقال: ان توصيف الطعام بكونه كذلك الظاهر فى التنويع مع انه ليس من الطعام ما لا يكال، و لا يوزن الا فى مثل الزرع قائما يبعد إرادة هذا المعنى فتأمل.

و اما الحكم بعدم تصديق البائع فمحمول

______________________________

ان البائع مصدق فيما يقول، لانه ذو اليد.

فهذا الايراد (غير وجيه، لان الظاهر من قوله: سميت فيه كيلا، انه يذكر فيه الكيل) اى انه من الامور المكيلة (فهى) اى عبارة الامام عليه السلام (كناية عن كونه مكيلا فى العادة) فلا اجمال فيه.

(اللهم الا ان يقال: ان توصيف الطعام بكونه كذلك) اى مكيلا (الظاهر فى التنويع) و ان الطعام على نوعين نوع يذكر فيه الكيل و نوع لا يذكر فيه الكيل (مع انه ليس من الطعام ما لا يكال، و لا يوزن الا فى مثل الزرع) كالنعناع، و الكراث، و ما اشبههما (قائما، يبعد إرادة هذا المعنى) اى كونه مكيلا، بل المراد التسمية فيما يصح بيعه بلا كيل فلا تكون الرواية دليلا على مسألتنا (فتأمل) اذ كون الطعام اما مكيلا او موزنا يوجب حمل «سميت» على التوضيح لا التنويع فيكون الوصف من قبيل «و لا طائر يطير بجناحيه» فتكون الرواية دليلا لاشتراط الكيل فى المكيلات.

(و اما الحكم بعدم تصديق البائع) و انه خلاف المشهور (فمحمول

ص: 421

على شرائه سواء زاد او نقص خصوصا اذا لم يطمئن بتصديقه، لا شرائه على انه القدر المعين الّذي اخبر به البائع فان هذا لا يصدق عليه الجزاف.

قال فى التذكرة لو اخبره البائع بكيله ثم باعه بذلك الكيل صح عندنا و قال فى التحرير لو اعلمه بالكيل فباعه بثمن سواء زاد او نقص لم يجز.

و اما نسبته الكراهة الى

______________________________

على شرائه) ذلك العدل (سواء زاد او نقص خصوصا اذا لم يطمئن) المشترى (بتصديقه، لا) انه محمول على (شرائه على انه القدر المعيّن الّذي اخبر به البائع)

و انما نحمل الرواية على ذلك المعنى لا هذا المعنى (فان هذا) اى لو اشترى باعتبار القدر المعين (لا يصدق عليه الجزاف)

فتسمية الامام اياه مجازفة شاهدة على إرادة الحمل الاول- اى على شرائه سواء زاد او نقص- و يدل على كفاية الشراء بكلام البائع كلمات الفقهاء.

(قال فى التذكرة لو اخبره البائع بكيله ثم باعه بذلك الكيل صح عندنا) و ان لم يكل الآن.

(و قال فى التحرير لو اعلمه بالكيل فباعه بثمن) دون ان يكون البيع لذلك القدر، بل (سواء زاد او نقص لم يجز) لانه مجهول و غرر.

(و اما نسبته) اى الامام عليه السلام فى الرواية السابقة (الكراهة الى

ص: 422

هذا البيع، فليس فيه ظهور فى معنى المصطلح يعارض ظهور لا يصلح و لا يصح فى الفساد.

و فى الصحيح عن ابن محبوب عن زرعة عن سماعة، قال سألته عن شراء الطعام و ما يكال و يوزن بغير كيل و لا وزن، فقال عليه السلام: اما ان تأتى رجلا فى طعام قد كيل او وزن تشترى منه مرابحة، فلا بأس ان اشتريته منه، و لم تكله او لم تزنه اذا اخذه المشترى الاول بكيل او وزن و قلت له عند البيع انى اربحك كذا و كذا، و دلالتها اوضح من الاولى

______________________________

هذا البيع، فليس) مضرا بما نقوله من البطلان.

اذ: ليس (فيه) اى فى لفظ الكراهة (ظهور فى معنى المصطلح) فى كلام المتشرعة، فى المرجوح، (يعارض ظهور لا يصلح و لا يصح) فى الرواية (فى الفساد) حتى يقال: بأنه يجمع بين اللفظين يكون مثل هذا البيع مكرها.

(و فى الصحيح عن ابن محبوب عن زرعة عن سماعة، قال سألته عن شراء الطعام و ما يكال و يوزن) فيما اذا اشترى (بغير كيل و لا وزن فقال عليه السلام: اما ان تأتى رجلا فى طعام قد كيل او وزن، تشترى) قبل ذلك (منه مرابحة) بأن فتعطيه ثمنا اكثر من الثمن الّذي اشتراه بذلك الثمن، كما لو اشترى الطعام بثمانين فتعطيه مائة (فلا بأس ان اشتريته منه، و لم تكله او لم تزنه اذا اخذه المشترى الاول) اى البائع لك، او البائع للبائع- مثلا- (بكيل او وزن، و قلت له) اى للبائع (عند البيع انى اربحك كذا و كذا، و دلالتها اوضح من الاولى)

ص: 423

و رواية ابان عن محمد بن حمران، قال قلت: لابى عبد الله عليه السلام اشترينا طعاما فزعم صاحبه انه كاله، فصدقناه و اخذناه بكيله قال عليه السلام: لا بأس، قلت: أ يجوز ان ابيعه كما اشتريته بغير كيل؟ قال عليه السلام: اما انت فلا تبعه حتى تكيله دلت على عدم جواز البيع بغير كيل الا اذا اخبره البائع فصدقه المشترى.

و فحوى رواية ابى العطار و فيها: قلت فاخرج الكر، و الكرين

______________________________

اذ مفهوم الحديث: انه اذا لم يكن كيل او وزن ففيه البأس و ظاهر البأس البطلان، اذ هو المنصرف من اللفظ عند الاطلاق فى باب المعاملات.

(و رواية ابان عن محمد بن حمران، قال قلت: لابى عبد الله عليه السلام: اشترينا طعاما فزعم صاحبه انه كاله، فصدقناه و اخذناه بكيله) بدون ان نكيله من جديد (قال عليه السلام: لا بأس، قلت:

أ يجوز ان ابيعه كما اشتريته بغير كيل؟ قال عليه السلام: اما انت فلا تبعه حتى تكيله)

فان هذه الرواية (دلت على عدم جواز البيع بغير كيل، الا اذا اخبره البائع فصدقه المشترى)

و الظاهر من «اما انت الخ» الكراهة، و وجهها ان المشترى لا يعلم كون كلام البائع صادقا قطعا، و لذا ينبغى له الاحتياط فى عدم البيع حتى يكيله هو ليأمن من تبعات المعاملة.

(و فحوى رواية ابى العطار، و فيها: قلت فاخرج الكر، و الكرين)

ص: 424

فيقول الرجل اعطنيه بكيلك، فقال عليه السلام: اذا ائتمنك فلا بأس به و مرسلة ابن بكير عن رجل سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشترى الجص فيكيل بعضه و يأخذ البقية بغير كيل، فقال: اما ان يأخذ كله بتصديقه، و اما ان يكيله كله، فان المنع من التبعيض المستفاد منه ارشادى محمول على انه ان صدقه فلا حاجة الى كلفة كيل البعض، و الا فلا يجزى كيل البعض.

______________________________

الكر كيل خاص يعادل الفا و مأتا رطل بالعراقى، كما فى باب ماء الكر (فيقول الرجل) المشترى (اعطنيه بكيلك) الّذي كلت انت بدون حاجة الى كيل جديد (فقال عليه السلام: اذا ائتمنك) فى قولك: انه كذا كرا (فلا بأس به) فان مفهومه البأس فى صورة عدم الائتمان فكيف بصورة عدم الكيل اصلا بأن يبيعه جزافا (و مرسلة ابن بكير عن رجل سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشترى الجص فيكيل بعضه و يأخذ البقية بغير كيل) هل يجوز ذلك، أم لا؟ (فقال: اما ان يأخذ كله بتصديقه) بدون كيل، لانه اذا صدقة لم يحتج الى كيل البعض (و اما ان يكيله كله) اذا لم يصدّقه فى كيله، و هذا شبه ارشاد، و الا فانه اذا صدقه جاز ان يأخذ بعضه كيلا و بعضه باخباره.

و لذا قال المصنف (فان المنع من التبعيض المستفاد منه) اى من الحديث (ارشادى محمول على انه ان صدقة فلا حاجة الى كلفة كيل البعض، و الا) يصدقه (فلا يجزى كيل البعض)

ص: 425

و يحتمل الرواية الحمل على استيفاء المبيع بعد الاشتراء.

و كيف كان ففى مجموع ما ذكر من الاخبار، و ما لم يذكر مما فيه ايماء الى المطلب، من حيث ظهوره فى كون الحكم مفروغا عنه عند السائل و تقرير الامام كما فى رواية كيل ما لا يستطاع عده، و غيرها، مع ما ذكر من الشهرة المحققة، و الاتفاقات المنقولة كفاية فى المسألة.

______________________________

(و يحتمل الرواية) احتمالا خارجا عما نحن فيه ب (الحمل على استيفاء المبيع بعد الاشتراء) بانه اذا اشترى مثلا كرّا كليا فاراد الاستيفاء كان الاستيفاء بالكيل، فتكون الرواية خارجة عن محل كلامنا.

(و كيف كان) سواء قلنا بعدم دلالة بعض هذه الاخبار او دلالتها (ففى مجموع ما ذكر من الاخبار، و ما لم يذكر مما فيه ايماء الى المطلب) اى وجوب الكيل او الوزن، إيماء (من حيث ظهوره) اى ظهور ما فيه الايماء (فى كون الحكم) بلزوم الكيل و الوزن (مفروغا عنه عند السائل و تقرير الامام) اى لم يردعه الامام بان يقول: لا حاجة الى الكيل و الوزن (كما فى رواية كيل ما لا يستطاع عده) فعن ابى عبد الله عليه السلام: انه سأل عن الجوز لا نستطيع ان نعده، فيكال بمكيال، ثم يعد ما فيه، ثم يكال ما بقى على حساب ذلك العدد، قال: لا بأس به (و غيرها) مما ذكر فى الوسائل و المستدرك فى كتاب التجارة (مع ما ذكر من الشهرة المحققة) بين الفقهاء (و الاتفاقات المنقولة كفاية فى المسألة) و لو نوقش فى مثل هذه المسألة، لكانت اغلب المسائل قابلة للمناقشة.

ص: 426

ثم ان ظاهر اطلاق جميع ما ذكر ان الحكم ليس منوطا بالغرر الشخصى و ان كانت حكمته سد باب المسامحة المفضية الى الوقوع فى الغرر، كما ان حكمة الحكم باعتبار بعض

______________________________

(ثم ان ظاهر اطلاق جميع ما ذكر ان الحكم ليس منوطا بالغرر الشخصى) حتى اذا لم يكن فى معاملة غرر جاز البيع بدون الكيل و الوزن.

كما ان حكم العدّة ليس منوطا باختلاط المياه.

و حكم غسل الجمعة ليس منوطا بوساخة بدن المغتسل، و هكذا.

نعم هناك بعض الاحكام تدور مدار الشخصيات كالضرر، و العسر و الحرج، فانه لو كان استعمال الماء ضررا لجميع من فى المدينة الا لهذا الشخص لم يجز لهذا التيمم، و ان جاز لسائر من فى المدينة (و ان كانت حكمته) اى حكمة ايجاب الكيل و الوزن (سد باب المسامحة المفضية) تلك المسامحة- الحاصلة بعدم الكيل و الوزن- (الى الوقوع فى الغرر)

و معنى الحكمة ان الشارع لاحظ انه لو اباح البيع بدون كيل او وزن، لوقع كثير من الناس فى الغرر، و بهذه الملاحظة شرّع الحكم للعموم.

و انما لم يخصص الحكم بمن يقع فى الغرر، لانه ان خصص الحكم بهم لوقع من يزعم عدم الغرر، فى الغرر لان بعض الناس يزعم انه لا غرر فيقدم على المعاملة، فيقع فى الغرر (كما ان حكمة الحكم باعتبار بعض

ص: 427

الشروط فى بعض المعاملات رفع المنازعة المتوقعة عند اهمال ذلك الشرط.

فحينئذ فيعتبر التقدير بالكيل، و الوزن، و ان لم يكن فى شخص المقام غرر كما لو باع مقدارا من الطعام بما يقابله فى الميزان من جنسه او غيره المتساوى له فى القيمة فانه لا يتصور هنا غرر اصلا مع الجهل بمقدار كل من العوضين

______________________________

الشروط) كالعلم بجنس المبيع (فى بعض المعاملات) كالبيع- دون الصلح- (رفع المنازعة المتوقعة) تلك المنازعة (عند اهمال ذلك الشرط) و حينئذ يشترط ذلك الشرط، و ان علمنا بعدم المنازعة.

و انما يشترط، لان المنازعة اخذت حكمة لا علة.

و اما معرفة ان الحكم تابع للعلة او الحكمة، فمنوطة بلسان الدليل كما لا يخفى.

(فحينئذ) اى حين كان اعتبار الكيل و الوزن حكمة لا علة (فيعتبر التقدير بالكيل و الوزن، و ان لم يكن فى شخص المقام غرر، كما لو باع) البائع (مقدارا من الطعام) كالحنطة (بما يقابله فى الميزان من جنسه) كما لو اراد هذا الحنطة البغدادية و ذاك الحنطة الشمالية، فبدّل احدهما حنطته بالآخر، بان ملاء كفتى الميزان حنطة متقابلة (او غيره) كما لو باع الحنطة بالسكر (المتساوى له فى القيمة) فيما كانت القيمتان متساويتين (فانه لا يتصور هنا غرر اصلا مع) وجود (الجهل بمقدار كل من العوضين) لانهما لا يعرفان ان المقدار كيلو، او كيلو ان

ص: 428

لانه مساو للآخر فى المقدار.

و يحتمل غير بعيد حمل الاطلاقات سيما الاخبار على المورد الغالب و هو ما كان رفع الغرر من حيث مقدار العوضين موقوفا على التقدير، فلو فرض اندفاع الغرر بغير التقدير، كفى، كما فى الفرض المزبور.

و كما اذا كان للمتبايعين حدس قوى بالمقدار نادر التخلف عن الواقع.

و كما اذا كان المبيع قليلا لم يتعارف وضع الميزان لمثله، كما لو دفع

______________________________

(ل) انهما يعلمان ب (انه مساو للآخر فى المقدار) و مع ذلك لا يجوز.

(و) لكن (يحتمل غير بعيد حمل الاطلاقات سيما الاخبار) اى اطلاقات كلمات الفقهاء، و الاخبار الدالة على اشتراط الكيل و الوزن (على المورد الغالب، و هو ما كان رفع الغرر من حيث مقدار العوضين موقوفا على التقدير) اى الكيل و الوزن (فلو فرض اندفاع الغرر بغير التقدير، كفى، كما فى الفرض المزبور) و هو مقابلة الجنسين فى كفتى الميزان، او الجنس الواحد مثلا، و كما اذا كان قيمة السكر نصف قيمة الحنطة، فاخذ مقدار من الحنطة و اعطى ضعفه سكرا مثلا.

(و كما اذا كان للمتبايعين حدس قوى بالمقدار نادر التخلف عن الواقع) فانه لا يحتاج الى الكيل و الوزن لانصراف الاطلاقات عن مثل ذلك.

(و كما اذا كان المبيع قليلا لم يتعارف وضع الميزان لمثله، كما لو دفع

ص: 429

فلسا و اراد به دهنا لحاجة فان الميزان لم يوضع لمثله، فيجوز لما تراضيا عليه من التخمين.

و لا منافات بين كون الشي ء من جنس المكيل و الموزون، و عدم دخول الكيل و الوزن فيه لقلته كالجنتين و الثلاثة من الحنطة، او لكثرته كزبرة الحديد، كما نبه عليه فى القواعد، و شرحها و حاشيتها.

و مما ذكرنا يتّجه عدم اعتبار العلم بوزن الفلوس المسكوكة فانها و ان كانت من الموزون.

______________________________

فلسا و اراد به دهنا لحاجة فان الميزان لم يوضع لمثله، فيجوز بما تراضيا عليه من التخمين).

(و) ان قلت: كيف يمكن ان يكون الشي ء مكيلا و موزنا؟ و لا يكون الميزان و المكيال موضوعين لمثل ذلك الشي ء و هل هذا الا تهافت؟

قلت: (لا منافات بين كون الشي ء من جنس الكيل و الموزون و عدم دخول الكيل و الوزن فيه لقلته كالحبتين و الثلاثة من الحنطة) فان معنى كونه مكيلا كون جنسه كذلك و معنى عدم وضع الكيل له عدم وضع الكيل لهذا الشخص- كما عرفت فى المثال- (او لكثرته كزبرة الحديد كما نبه عليه فى القواعد، و شرحها و حاشيتها) و ان كان جنس الحديد مما يكال.

(و مما ذكرنا) من انصراف الاطلاقات عن بعض الموارد الموجب ذلك الانصراف لعدم وجوب الوزن (يتجه عدم اعتبار العلم بوزن الفلوس المسكوكة فانها و ان كان من الموزون) لكونه نحاسا او نحوه.

ص: 430

و لذا صرح فى التذكرة بوقوع الربا فيها، الا انها عند وقوعها ثمنا حكمها كالمعدود فى ان معرفة مقدار ماليتها لا يتوقف على وزنها فهى كالقليل و الكثير من الموزون الّذي لا يدخله الوزن.

و كذا شبه الفلوس من المسكوكات المركبة من النحاس و الفضة كأكثر نقود بغداد فى هذا الزمان، و كذا الدرهم و الدينار الخالصان فانهما و ان كانا من الموزون و يدخل فيهما الربا اجماعا.

الا ان ذلك لا ينافى جواز جعلهما عوضا من

______________________________

(و لذا صرح فى التذكرة بوقوع الربا فيها) لان المكيل و الموزون يدخله الربا (الا انها عند وقوعها ثمنا) لا بدلا فى باب الربا، كما لو اعطى فلسا فى مقابل فلسين، فانه فى باب الربا يعتبر التساوى فى الوزن (حكمها كالمعدود فى ان معرفة مقدار ماليتها لا يتوقف على وزنها) بل يجوز جعله ثمنا بدون ان يعرف كم له من الوزن (فهى كالقليل و الكثير من الموزون الّذي لا يدخله الوزن) فلا يحتاج التعامل بها الى الوزن.

(و كذا شبه الفلوس من المسكوكات المركبة من النحاس و الفضة) او المركبة من غيرهما من سائر الفلزات، او ما اشبه الفلز (كأكثر نقود بغداد فى هذا الزمان) بل و فى زماننا أيضا (و كذا الدرهم) الفضّي (و الدينار) الذهبى (الخالصان فانهما و ان كانا من الموزون و يدخل فيهما الربا اجماعا) حيث ان المكيل و الموزون يدخل فيهما الربا و الذهب و الفضة من الموزونات.

(الا ان ذلك) اى كونهما موزونا (لا ينافى جواز جعلهما عوضا من

ص: 431

دون معرفة بوزنهما لعدم غرر فى ذلك اصلا.

و يؤيد ذلك جريان سيرة الناس على المعاملة بهما من دون معرفة اغلبهم بوزنها.

نعم يعتبرون فيهما عدم نقصانها عن وزنهما المقرر فى وضعهما

______________________________

دون معرفة بوزنهما لعدم غرر فى ذلك اصلا)

و الظاهر ان اعتبار الكيل و الوزن من جهة لزوم الغرر فى صورة عدمهما، فاذا انتفى الغرر لم يشمله دليل لزوم الكيل و الوزن.

(و يؤيد ذلك) الّذي ذكرنا من عدم لزوم معرفة الوزن فى المسكوكات و ان كانت من الموزونات (جريان سيرة الناس) المتشرعة (على المعاملة بهما) اى بالدرهم و الدينار (من دون معرفة اغلبهم بوزنها) و السيرة متصلة الى زمان المعصوم.

فان النقود فى زمنهم عليهم السلام لم تكن معلومة الوزن لاغلب الناس، و مع ذلك لم يرد دليل يدل على لزوم الوزن، بل كافوا يتعاملون بها بدون ردع من الائمة عليهم السلام و لا ارشاد منهم عليهم السلام بل تقريرهم كما فى قصة الامام الباقر حيث امر بضرب السكة.

و من المعلوم: انه لو كان لا يجوز التعامل الا بمعرفة الوزن لكان اللازم البيان، فعدم الدليل دليل العدم.

(نعم يعتبرون) الناس (فيهما) اى فى الدرهم و الدينار (عدم نقصانها عن وزنهما المقرر فى وضعهما) اى الوضع الّذي قرره ضارب السكة لهما عند وضع السكة.

ص: 432

من حيث تفاوت قيمتها بذلك، فالنقص فيهما عندهم بمنزلة العيب.

و من هنا لا يجوز اعطاء الناقص منهما لكونه غشّا و خيانة، و بهذا يمتاز الدرهم و الدينار عن الفلوس السود، و شبهها حيث ان نقصان الوزن لا يؤثر فى قيمتها، فلا بأس باعطاء ما يعلم نقصه.

و الى ما ذكرنا من الفرق اشير فى صحيحة ابن عبد الرحمن، قال

______________________________

و انما يعتبرون عدم النقص (من حيث تفاوت قيمتها) اى المسكوكات (بذلك) النقص (فالنقص فيهما عندهم) اى عند الناس (بمنزلة العيب) فاذا كان وزن الدينار المتعارف مثقالا، ثم كان انقص من ذلك كان معيبا.

نعم لا يبعد عدم اعتبار نقص قليل جدّا مما يسببه التداول، اذ التداول الكثير يوجب حك بعض الذهب.

(و من هنا) الّذي ان النقص عيب (لا يجوز اعطاء الناقص منهما) اى من الدرهم و الدينار (لكونه غشّا و خيانة، و بهذا) اى بعدم اعتبار النقص فى الدرهم و الدينار (يمتاز الدرهم و الدينار عن الفلوس السود و شبهها) من المسكوكات التى ليست ذهبا و فضة (حيث ان نقصان الوزن لا يؤثر فى قيمتها) اى الفلوس (فلا بأس باعطاء ما يعلم نقصه) نقصا يتسامح بمثله و ذلك لان مالية الدرهم و الدينار بالوزن، بخلاف الفلوس و نحوها فماليّتها بالسكة، و هذا انما هو فى القديم، اما فى الحال الحاضر فالغالب ان المالية للنقود الفضية أيضا بالسكة.

(و الى ما ذكرنا من الفرق اشير فى صحيحة ابن عبد الرحمن، قال

ص: 433

قلت: لابى عبد الله عليه السلام، اشترى الشي ء بالدراهم، فاعطى الناقص الحبة و الحبتين، قال عليه السلام: لا حتى تبينه، ثم قال:

الا ان تكون هذه الدراهم الاوضاحية التى تكون عندنا عددا.

و بالجملة فإناطة الحكم بوجوب معرفة وزن المبيع وكيله، مدار الغرر الشخصى قريب فى الغاية الى ان الظاهر كونه مخالفا لكلمات الاصحاب فى موارد كثيرة.

______________________________

قلت: لابى عبد الله عليه السلام، اشترى الشي ء بالدراهم، فاعطى) الدرهم (الناقص) بمقدار (الحبة و الحبتين، قال عليه السلام: لا حتى تبينه) للآخذ (ثم قال: الا ان تكون هذه الدراهم الاوضاحية التى تكون عندنا عددا) اى ما كان اعتباره بالعد- لقيمة السكة- لا ما كان اعتباره بالوزن لعدم قيمة السكة.

و الدراهم الاوضاحية كانت دراهم مغشوشة، يتعامل الناس بها باعتبار السكة، لا باعتبار الوزن بخلاف الدراهم الفضية فان التعامل بها كان لاجل الوزن و لم يكن للسكة فيها اعتبار.

(و بالجملة فإناطة الحكم بوجوب معرفة وزن المبيع وكيله، مدار الغرر الشخصى)

فكلما وجد الغرر الشخصى لم يجز البيع بلا كيل او وزن.

و كلما لم يوجد الغرر الشخصى جاز البيع بدون الكيل و الوزن (قريب فى الغاية الى ان الظاهر كونه) اى كون المناط ذلك (مخالفا لكلمات الاصحاب فى موارد كثيرة) بل ظاهرهم ان الغرر اخذ على نحو الحكمة لا العلة.

ص: 434

ثم ان الحكم فى المعدود و وجوب معرفة العدد فيه حكم المكيل و الموزون بلا خلاف ظاهر.

و يشير إليه بل يدل عليه تقرير الامام عليه السلام فى الرواية الآتية المتضمنة لتجويز الكيل فى المعدود المتعذر عدّه.

و يظهر من المحكى عن المحقق الأردبيلى المناقشة فى ذلك بل الميل الى منعه.

و جواز بيع المعدود مشاهدة و يرده رواية الجواز الآتية.

______________________________

(ثم ان الحكم فى المعدود) كالجوز و البيض (و وجوب معرفة العدد فيه حكم المكيل و الموزون بلا خلاف ظاهر) فلا يجوز بيع البيض اعتباطا بدون معرفة عدده.

(و يشير إليه) اى الى اعتبار العدد (بل يدل عليه تقرير الامام عليه السلام فى الرواية الآتية المتضمنة لتجويز الكيل فى المعدود) الكثير (المتعذر عده) فانه لو لا اعتبار العد لم يكن وجه للزوم الكيل فيما اذا تعذر العد.

(و يظهر من المحكى عن المحقق الاردبيلى المناقشة فى ذلك) اى فى لزوم العد فى المعدود (بل الميل الى منعه) اى منع لزوم العد

(و جواز بيع المعدود مشاهدة) و ذلك لعدم الدليل فى المعدود فيجوز الاخذ بإطلاق عدم الاشتراط فيما اذا لم يكن غررا (و يرده رواية الجواز الآتية)

ص: 435

و المراد بالمعدودات ما يعرف مقدار ماليتها باعدادها كالجوز و البيض بخلاف مثل الشاة و الفرس و الثوب.

و عدّ العلامة البطيخ و الباذنجان فى المعدودات، حيث قال فى شروط السلم من القواعد: و لا يكفى فى السلم و صحة العد فى المعدودات بل لا بد من الوزن فى البطيخ و الباذنجان و الرمان و انما اكتفى بعدها فى البيع للمعاينة انتهى.

و قد صرح فى التذكرة بعدم الربا فى البطيخ و الرمان اذا كان رطبا

______________________________

(و المراد بالمعدودات ما يعرف مقدار ماليتها باعدادها) جمع عدد (كالجوز و البيض بخلاف مثل الشاة و الفرس و الثوب) فان مقدار المالية فى هذه الثلاثة لا تعرف بالعدد بل بالمشاهدة.

(وعد العلامة البطيخ و الباذنجان فى المعدودات حيث قال فى شروط السلم من القواعد: و لا يكفى فى السلم و صحة العد فى المعدودات) فيما اذا باعها سلما.

و بيع السلم هو ان يعطى المشترى الثمن ليأخذ المثمن بعد مدة من الزمان (بل لا بدّ من الوزن فى البطيخ و الباذنجان و الرمان)

قال (و انما اكتفى بعدها) و جاز العد بدون الوزن (فى البيع للمعاينة) اى لاجل كونها تشاهد، فاذا فقدت المشاهدة- كما فى العلم- وجب التعيين بالوزن (انتهى) كلام العلامة.

(و قد صرح فى التذكرة بعدم الربا فى البطيخ و الرمان اذا كان رطبا) اى فاكهة مقابل ما اذا جفّ حبّ الرمان لاجل الامراق و يسمى

ص: 436

لعدم الوزن، و ثبوته مع الجفاف، بل يظهر منه كون القثاء و الخوخ و المشمش أيضا غير موزونة و كل ذلك محل تأمل لحصول الغرر احيانا بعدم الوزن، فالظاهر ان تقدير المال عرفا فى المذكورات بالوزن لا بالعدد كما فى الجوز و البيض.

______________________________

بالفارسية «اناردان» (لعدم الوزن) فانه لا يعتبر الوزن عرفا فيهما، لتعارف بيعهما- فى زمن العلامة «ره»- عدا (و ثبوته) اى الوزن (مع الجفاف) فى حب الرمان و فى البطيخ أيضا، فانه يتعارف فى بعض البلاد تجفيف البطيخ أيضا (بل يظهر منه) اى من العلامة (كون القثاء) بالفارسية «خيار» (و الخوخ و المشمش أيضا غير موزونة، و كل ذلك) اى عدم اعتبار الوزن فى الامثلة التى ذكرها العلامة (محل تأمل لحصول الغرر احيانا بعدم الوزن، فالظاهر) عند الشيخ «ره» (ان تقدير المال عرفا فى المذكورات) فى كلام العلامة (بالوزن لا بالعدد كما) ان التقدير بالعد (فى الجوز و البيض) لكن الظاهر، الاعتبار بالبلد الّذي يباع فيه كما ذكروا فى باب الربا.

و الغرر الجزئى مثل الغرر فى الجوز و البيض غير مانع و لو شك فى لزوم الوزن فالاصل العدم لاطلاق: احل الله البيع.

ص: 437

قريبا جدا سيصدر الجزء التاسع من الكتاب و القسم السادس من البيع إن شاء الله تعالى.

الناشر

ص: 438

محتويات الكتاب

الموضوع الصفحة

المقدمة 2

الصورة الاولى من جواز بيع الوقف 3

الصورة الثانية من جواز بيع الوقف 32

الصورة الثالثة من جواز بيع الوقف 47

الصورة الرابعة من جواز بيع الوقف 50

الصورة الخامسة من جواز بيع الوقف 62

الصورة السادسة من جواز بيع الوقف 64

الصورة السابعة من جواز بيع الوقف 75

الصورة الثامنة من جواز بيع الوقف 76

الصورة التاسعة و العاشرة من جواز بيع الوقف 77

فى عدم جواز بيع أمّ الولد 130

فى معنى أمّ الولد 139

فى الموارد القابلة لاستثناء بيع أمّ الولد 155

فى الموارد المستثناة من عدم جواز بيع أمّ الولد 179

ص: 439

الموضوع الصفحة

فى اسباب خروج الملك عن كونه طلقا 254

فى ما اذا جنى العبد عمدا يجوز بيعه 293

فى ما اذا جنى العبد خطأ يجوز بيعه 304

فى ان القدرة على التسليم شرط فى العوضين 313

فى ثمرة التردد بين شرطية الشي ء و مانعية مقابله 353

فى جواز بيع العبد الآبق منفردا 381

فى جواز بيع العبد الآبق مع الضميمة 398

فى اشتراط العلم بمقدار الثمن 410

فى اشتراط العلم بمقدار المثمن 419

محتويات الكتاب 439

ص: 440

المجلد 10

هویة الکتاب

سرشناسه : حسيني شيرازي، محمد، 1380 - 1305، شارح

عنوان و نام پديدآور : ايصال الطالب الي المكاسب: شرح واف بغرض الكتاب، تيعرض لحل مشكلاته و ابداآ مقاصد في ايجاز و توضيح/ محمد الحسيني الشيرازي

مشخصات نشر : تهران : موسسه كتابسراي اعلمي ، 1385.

مشخصات ظاهري : ج 16

شابك : 964-94017-6-8(دوره): ؛ 964-7860-59-5(ج. 1): ؛ 964-7860-58-7(ج. 2): ؛ 964-7860-57-9(ج. 3): ؛ 964-7860-56-0(ج. 4): ؛ 964-7860-54-4(ج. 6): ؛ 964-7860-53-6(ج. 7): ؛ 964-7860-55-2(ج. 8): ؛ 964-7860-52-8(ج. 9): ؛ 964-7860-51-X(ج. 10): ؛ 964-7860-50-1(ج. 11): ؛ 964-7860-49-8(ج. 12): ؛ 964-7860-45-X(ج. 13): ؛ 964-7860-47-1(ج. 15):

يادداشت : عربي

يادداشت : فهرست نويسي براساس اطلاعات فيپا

يادداشت : كتاب حاضر شرحي بر "المكاسب مرتضي بن محمد امين انصاري" است

عنوان ديگر : المكاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1281 - 1214ق. المكاسب -- نقد و تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

شناسه افزوده : انصاري، مرتضي بن محمدامين ، 1281 - 1214ق. المكاسب. شرح

رده بندي كنگره : BP190/1/الف8م702133 1385

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : م 85-16816

ص: 1

اشارة

الجزء العاشر

[ مقدمة المؤلف ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى يوم الدين وبعد فهذا هو القسم السادس من البيع والجزء العاشر من كتابنا ( ايصال الطالب إلى المكاسب ) يشرع في : مناط اعتبار تقدير المبيع في المكيل والموزون ، والمعدود .

وفقنا الله لاتمام سائر الأجزاء تباعا .

كربلاء المقدسة محمد بن المهدى الحسيني الشيرازي

ص: 2

[ تتمة كتاب البيع ]

[ تتمة القول في شروط العوضين ]

[ تتمة مسألة العلم بقدر المثمن كالثمن شرط بإجماع علمائنا ]

مسئلة : [ التقدير بغير ما يتعارف التقدير به ]

لو قلنا بأن المناط في اعتبار تقدير المبيع في المكيل والموزون والمعدود بما يتعارف التقدير به ، هو حصول الغرر الشخصي ، فلا اشكال في جواز تقدير كل منهما بغير ما يتعارف تقديره به ، إذا انتفى الغرر بذلك ، بل في كفاية المشاهدة فيها من غير تقدير أصلا .

لكن تقدم ان ظاهر الأخبار الواردة في هذا الباب اعتبار التقدير

_________________________

( مسألة : لو قلنا بأن المناط في اعتبار تقدير المبيع في المكيل والموزون والمعدود ) والمذروع كالأثواب ( بما يتعارف التقدير به ، هو حصول الغرر الشخصي ) وان الشارع انما أوجب التقدير بالكيل ونحوه حتى يرفع الغرر ، لا لتعبد خاص ( فلا اشكال في جواز تقدير كل منهما ) أي من الثلاثة ، بل الأربعة ( بغير ما يتعارف تقديره به ) كأن يكال الموزون أو يوزن المعدود بل تحويل أحدها إلى الآخر ربما كان ابعد من الغرر ، فان المعدود لو وزن كان أكثر ضبطا ( إذا انتفى الغرر ) لا بما إذا لم ينتف كما إذا عد المكيل أو كيل المذروع ( بذلك ) اى التقدير بغير ما يتعارف به ( بل في ) جواز ( كفاية المشاهدة فيها ) اى في الثلاثة ( من غير تقدير أصلا ) إذ كثيرا ما توجب المشاهدة رفع الغرر .

( لكن تقدم ) في المسألة السابقة ( ان ظاهر الأخبار الواردة في هذا الباب ) حيث هي ناصة في التقدير بما تعارف ، وإذا لم تكن خصوصية الصدر تنبيه إلى العلة اى ان العلة نفى الغرر ( اعتبار التقدير ) المعين كالمكيل كيلا ، والموزون وزنا ، لا أحدهما بالآخر

ص: 3

من غير ملاحظة الغرر الشخصي لحكمة سد باب الغرر المؤدّى إلى التنازع المقصود رفعه من اعتبار بعض الخصوصيات في أكثر المعاملات ، زيادة على التراضي الفعلي حال المعاملة .

وحينئذ فيقع الكلام والاشكال في تقدير بعض المقدرات بغير ما تعارف فيه .

_________________________

( من غير ملاحظة الغرر الشخصي ) حتى يكون التقدير ( لحكمة سد باب الغرر المؤدّى إلى التنازع ) بين المتبايعين ( المقصود رفعه ) اى رفع التنازع ( من اعتبار بعض الخصوصيات في أكثر المعاملات ) « من » متعلق ب « المقصود » ( زيادة على التراضي الفعلي حال المعاملة ) فإنه لم يعتبر الشارع الرضا فقط ، وانما لاحظ خصوصيات اخر ، ولذا فليست الحكمة سدّ باب الغرر فقط ، حتى يقال : بأنه حيث لا غرر ، لا اشكال في جواز تقدير المكيل بالوزن وبالعكس ، وهكذا .

( وحينئذ ) اى حين قلنا إن الغرر نوعي لا شخصي ، وليس المناط في اعتبار الكيل والوزن ، ان لا يغر أحد المتبايعين ، بل يجب تقدير كل شيء بحسبه ، وان لم يكن غرر في تقديره بنحو آخر - كتقدير المكيل بالوزن ، مثلا - ( فيقع الكلام والاشكال في تقدير بعض المقدرات بغير ما تعارف فيه ) .

اما لو قلنا بأن الغرر شخصي فلا كلام ولا اشكال ، إذ المناط حينئذ عدم الغرر الشخصي .

فكلما تحقق عدم الغرر الشخصي جاز التقدير بالمخالف ، كتقدير

ص: 4

فنقول :

[ هل يجوز بيع المكيل وزنا وبالعكس ]

اختلفوا في جواز بيع المكيل وزنا ، وبالعكس وعدمه على أقوال .

ثالثها : جواز الكيل وزنا دون العكس ، لأن الوزن أصل الكيل واضبط .

وانما عدل إليه في المكيلات تسهيلا ، فالمحكى عن الدروس في السلم جوازه

_________________________

المكيل بالوزن ، وكلما لم يتحقق الغرر الشخصي لم يجز .

( فنقول : اختلفوا في جواز بيع المكيل وزنا ، وبالعكس ) الموزون كيلا ( وعدمه ) اى عدم الجواز ( على أقوال ) الجواز مطلقا ، وعدم الجواز مطلقا .

و ( ثالثها : جواز الكيل وزنا دون العكس ، لأن الوزن أصل الكيل ) فإنه وزن مقدار - كمن مثلا - ثم افرغ ذلك الوزن في اناء يملأه ، ثم قدّر ذلك الاناء بأنه كيل ( واضبط ) لأن الوزن لا اختلاف فيه بخلاف الكيل ، لاختلاف الحجوم حتى في الشيء الواحد ، مثلا الماء مقدار رطل منه ، يختلف حجمه ، لأن بعض المياه خفيفة فحجمها أكثر ، وبعض المياه ثقيلة فحجمها أقل .

( وانما عدل إليه ) اى إلى الكيل ، من الوزن ( في المكيلات تسهيلا ) فان الكيل أسهل عرفا من الوزن ، خصوصا في الأزمنة السابقة التي لم تكن أوزان البتة - كما في العصر الحاضر - ( فالمحكى عن الدروس في السلم ) وهو البيع بثمن نقد ومثمن مؤجّل ( جوازه ) اى التقدير بالخلاف

ص: 5

مطلقا ، حيث قال : ولو اسلم في المكيل وزنا وبالعكس ، فالوجه الصحة ، لرواية وهب عن الصادق عليه السلام .

وكأنه أشار بها إلى رواية وهب عن جعفر عن أبيه عن عليّ صلوات الله عليهم ، قال : لا بأس بسلف ما يوزن فيما يكال وما يكال فيما يوزن .

ولا يخفى قصور الرواية سندا بوهب ، ودلالة بأن الظاهر منها جواز اسلاف الموزون في المكيل وبالعكس لا جواز تقدير المسلم فيه المكيل بالوزن

_________________________

( مطلقا ) المكيل وزنا ، والموزون وكيلا ( حيث قال ) الدروس ( ولو اسلم ) اى باع سلما ( في المكيل وزنا ) كما لو جعل اللبن المكيل موزونا ، بأن قال أشتري منك اللبن كل من بدينار - والحال ان اللبن بنفسه مكيل عرفا - ( وبالعكس ) في الموزون كيلا ( فالوجه الصحة ، لرواية وهب عن الصادق عليه السلام ) انتهى كلام الدروس .

( وكأنه أشار بها إلى رواية وهب عن جعفر عن أبيه عن عليّ صلوات الله عليهم ، قال : لا بأس بسلف ) اى بيع السلف ( ما يوزن فيما يكال وما يكال فيما يوزن ) .

( ولا يخفى ) عدم صحة الاستدلال بهذه الرواية ل ( قصور الرواية سندا بوهب ) فإنه اكذب البرية كما في كتب الرجال ( ودلالة بأن الظاهر منها ) اى من الرواية ( جواز اسلاف الموزون في المكيل ) بأن يكون المثمن مكيلا والثمن موزنا ( وبالعكس ) بأن يكون المثمن موزونا والثمن مكيلا ، مثلا اللبن مكيل والأرز موزون ، فيعطى الأرز ثمنا ليأخذ اللبن كيلا بعد شهر أو بالعكس ( لا جواز تقدير المسلم فيه المكيل بالوزن

ص: 6

وبالعكس .

ويعضده ذكر الشيخ للرواية في باب اسلاف الزيت في السمن .

فالذي ينبغي ان يقال : ان الكلام تارة في كفاية كل من التقديرين في المقدر بالآخر من حيث جعله دليلا على التقدير المعتبر فيه بأن يستكشف

_________________________

وبالعكس ) .

وانما قلنا إن هذا المعنى هو ظاهر الرواية ، لا ما ذكره الشهيد ، لأنه لو كان المراد ان يقول المشترى : أعطيك مائة في مقابل لبن تزنه ، أو في مقابل ارز تكيله - بعد شهر - لكان حق عبارة الرواية ان يقال « ما يوزن بالكيل وما يكال بالوزن » كما لا يخفى .

( ويعضده ) اى ما قلناه انه ظاهر الرواية لا ما ذكره الشهيد ( ذكر الشيخ للرواية في باب اسلاف الزيت في السمن ) حيث إن أحدهما مكيل والآخر موزون ، ولو أراد الشيخ معنى الشهيد ، لذكر الرواية في باب مطلق السلف ، وانه يجوز ان يجعل المكيل موزونا ، حسب الشرط ، وبالعكس ، فتأمل .

( فالذي ينبغي ان يقال : ان الكلام تارة في كفاية كل من التقديرين في المقدر ب ) التقدير ( الآخر ) كتقدير شيء مكيل بالوزن ، وبالعكس ( من حيث جعله ) اى التقدير الجديد ( دليلا على التقدير المعتبر فيه ) أي في ذلك الجنس ، مثلا اللبن مكيل ، لكن يستكشف كيله بالوزن حتى أن الوزن لا نعتبره في اللبن بما هو وزن ، وانما نعتبره طريقا إلى الكيل مثلا ( بأن يستكشف

ص: 7

من الكيل وزن الموزون وبالعكس .

وتارة في كفايته فيه أصلا من غير ملاحظة تقديره المتعارف .

اما الأول : فقد يكون التفاوت المحتمل مما يتسامح فيه عادة وقد يكون مما لا يتسامح فيه .

اما الأول : فالظاهر جوازه خصوصا مع تعسّر تقديره بما يتعارف فيه لأن ذلك غير خارج في الحقيقة عن تقديره مما يتعارف فيه .

_________________________

من الكيل وزن الموزون وبالعكس ) فيستكشف من الوزن كيل المكيل .

( وتارة في كفايته ) اى التقدير المخالف ( فيه ) اى في الجنس المقدر بالتقدير الجديد ( أصلا ) واستقلالا ( من غير ملاحظة تقديره المتعارف ) كان يوزن اللبن ، من غير ملاحظة كون الوزن طريقا إلى الكيل .

( اما الأول ) وهو ما كان التقدير الجديد طريقا إلى التقدير المتعارف ( فقد يكون التفاوت المحتمل مما يتسامح فيه عادة ) كما لو وزن المكيل وكان التفاوت بين الجديد والمتعارف مقدار نصف مثقال في كل من لبن مثلا - ( وقد يكون مما لا يتسامح فيه ) ككون التفاوت ربعا في المثال السابق .

( اما الأول ) وهو كون التفاوت مما يتسامح فيه ( فالظاهر جوازه ) اى تقديره بالجديد ( خصوصا مع تعسّر تقديره بما يتعارف فيه ) كما لو لم يوجد الكيل حتى يكال به اللبن ، فوزن وزنا طريقا إلى الكيل وكان التفاوت المحتمل مثقالا في كل من .

وانما نقول بجواز ذلك ( لان ذلك ) التقدير الجديد ( غير خارج في الحقيقة عن تقديره مما يتعارف فيه ) فان الوزن الطريقي ، كيل أيضا .

ص: 8

غاية ما في الباب ان يجعل التقدير الآخر طريقا إليه .

ويؤيده رواية عبد الملك بن عمر ، قال : قلت لأبى عبد الله عليه السلام اشترى مائة راوية من زيت فأعرض رواية أو اثنتين فآتزنهما ثم آخذ سائره على قدر ذلك ، قال عليه السلام : لا بأس ، استدل بها في التذكرة على جواز بيع الموزون عند تعذر وزنه بوزن واحد من المتعدد ونسبة الباقي إليه واردفه بقوله : ولأنه يحصل المطلوب ، وهو العلم .

_________________________

( غاية ما في الباب ) في وزن اللبن مثلا ( ان يجعل التقدير الآخر ) كالوزن في المثال ( طريقا إليه ) اى إلى المتعارف - وهو الكيل - في مثال اللبن .

( ويؤيده ) اى جواز التقدير الجديد إذا كان طريقا إلى التقدير المتعارف ( رواية عبد الملك بن عمرو ، قال : قلت لأبى عبد الله عليه السلام اشترى مائة راوية ) وهي السقاء الكبيرة التي تحمل على الإبل غالبا ( من زيت فأعرض راوية أو اثنتين ) اعرضهما على الوزن ( فآتزنهما ) حتى اعرف مقدار وزن كل واحد منهما ( ثم آخذ سائره ) بقية الروايات التي اشتريتها وتذكير الضمير باعتبار المتاع ونحوه - ( على قدر ذلك ) فلو كانت الراوية مائة منّ اعتبر سائر الروايات أيضا مائة مائة ( قال عليه السلام :

لا بأس ، استدل بها في التذكرة على جواز بيع الموزون عند تعذر وزنه بوزن واحد من المتعدد ) كالراوية الواحدة من الروايات المتعددة ( ونسبة الباقي إليه ) اى إلى ذلك الواحد ( واردفه ) اى ذكر التذكرة دليلا آخر - غير الراوية - للجواز ( بقوله : ولأنه يحصل المطلوب ، وهو العلم )

ص: 9

واستدلاله الثاني يدل على عدم اختصاص الحكم بصورة التعذر .

والتقييد بالتعذر لأنه استنبطه من الغالب في مورد السؤال وهو تعذر وزن مائة راوية من الزيت .

ولا يخفى ان هذه العلة لو سلمت على وجه يقدح في عموم ترك الاستفصال انما يجب الاقتصار على موردها لو كان الحكم مخالفا لعمومات وجوب التقدير .

_________________________

بالمقدار فلا فرق بين ان يحصل بالوزن أو بالكيل ( واستدلاله الثاني ) وهو قوله : ولأنه يحصل الخ ( يدل على عدم اختصاص الحكم بصورة التعذر ) فيجوز التقدير الجديد حتى مع امكان التقدير المتعارف .

( والتقييد بالتعذر ) في اوّل كلام العلامة ( لأنه استنبطه من الغالب في مورد ) مثل هذا ( السؤال ) عن الإمام عليه السلام أو الفقيه ( وهو تعذر وزن مائة راوية من الزيت ) والمراد بالتعذر كثرة العسر لا التعذر حقيقة .

( ولا يخفى ان هذه العلة ) اى التعذر ( لو سلمت على وجه يقدح في عموم ترك الاستفصال ) فان الرواية لم تفصل بين التعذر ، فان كانت هذه العلة التي استنبطها العلامة بحيث توجب تقييد الرواية بصورة التعذر ( انما يجب الاقتصار على موردها ) اى مورد العلة - وهو صورة التعذر - فلا يجوز إذا لم يتعذر الأمر ( لو كان الحكم ) بتقدير جديد طريقا إلى التقدير المتعارف ( مخالفا لعمومات وجوب التقدير ) اما لو كان الحكم غير مخالف ، أو لم تكن العلة قادحة في العموم ، فاللازم ، القول بجواز التقدير الجديد ، سواء تعذر التقدير المتعارف ، أم لا .

ص: 10

وقد عرفت ان هذا في الحقيقة تقدير وليس بجزاف .

نعم : ربما ينافي ذلك التقرير المستفاد من الصحيحة الآتية في بيع الجوز ، كما سيجيء .

واما لو كان التفاوت مما لا يتسامح فيه ، فالظاهر أيضا الجواز مع البناء على ذلك المقدر المستكشف

_________________________

( وقد عرفت ) ان الحكم ليس مخالفا لعمومات وجوب التقدير .

إذ ( ان هذا ) التقدير الجديد ( في الحقيقة ) هو ( تقدير ) متعارف .

إذ الجديد جعل طريقا إلى المتعارف ( وليس بجزاف ) حتى يحتاج إلى دليل خاص .

( نعم ربما ينافي ذلك ) اى ينافي عدم اعتبار التعذر ( التقرير ) من الامام ( المستفاد من الصحيحة الآتية في بيع الجوز كما سيجيء ) إذ الراوي سأل فيما إذا لم يستطع البائع عدّ الجواز ، هل يجوز أن يكال ؟ فأجاب الامام بالجواز .

إذ ظاهر كلام الامام انه حين تعذر العدّ يجوز الكيل .

هذا كله فيما إذا كان الجديد طريقا إلى المتعارف ، وكان التسامح مما يتسامح فيه .

( واما لو كان التفاوت مما لا يتسامح فيه ) كما لو كان التفاوت في المنّ ربعا مثلا ( فالظاهر أيضا الجواز ) لجعل أحد التقديرين - لوزن - سبيلا إلى التقدير الآخر - كالكيل ( مع البناء ) من المتبايعين ( على ذلك المقدر المستكشف ) مثلا : لو اشترى اللبن وزنا باعتبار انه يطابق كذا

ص: 11

من التقدير إذا كان ذلك التقدير أمارة على ذلك المقدار ، لأن ذلك أيضا خارج عن الجزاف فيكون نظير أخبار البائع بالكيل ويتخير المشترى لو نقص .

وما تقدم من صحيحة الحلبي في اوّل الباب من المنع عن شراء أحد العدلين بكيل أحدهما قد عرفت توجيهه هناك

_________________________

من الكيل ( من التقدير ) « من » بيان « المستكشف » ( إذا كان ) وأخذ ( ذلك التقدير ) الجديد ( أمارة على ذلك المقدار ) المتعارف .

وانما نقول بجواز هذا ( لأن ذلك ) التقدير بالمقدار الجديد ( أيضا ) كالقسم السابق - الّذي كان التفاوت مما يتسامح فيه - ( خارج عن الجزاف ) فإنه لا يقال : انه باع اللبن جزافا ( فيكون ) الوزن في المقام الّذي هو طريق إلى الكيل - مثلا - ( نظير أخبار البائع بالكيل ) .

فكما ان الاخبار يخرج المعاملة عن الجزافية ، كذلك الوزن ( ويتخير المشترى لو نقص ) فيكون له الخيار .

( و ) ان قلت : صحيحة الحلبي تدل على عدم جواز مثل ذلك .

قلت : ( ما تقدم من صحيحة الحلبي في اوّل الباب من المنع عن شراء أحد العدلين بكيل أحدهما ) حيث قال عليه السلام : لا يصلح الا بكيل ( قد عرفت توجيهه هناك ) .

إذ حملنا الصحيحة على ما إذا اشترى العدل سواء زاد أو نقص بدون ان يكون مصدّقا للبائع فيما يخبر .

ص: 12

هذا كله مع جعل التقدير غير المتعارف أمارة على المتعارف .

واما كفاية أحد التقديرين عن الآخر اصالة ، من غير ملاحظة التقدير المتعارف ، فالظاهر جواز بيع الكيل وزنا على المشهور كما عن الرياض لأن ذلك ليس من بيع المكيل مجازفة ، المنهى عنه في الاخبار ومعقد الاجماعات

_________________________

( هذا كله مع جعل التقدير غير المتعارف أمارة على المتعارف ) كان جعل الوزن أمارة على الكيل ، وكان الكيل هو المتعارف في هذا الجنس - كاللبن في المثال المتقدم - .

( واما كفاية أحد التقديرين ) الكيل والوزن ( عن الآخر اصالة ) كما لو جعل الوزن - في اللبن المكيل متعارفا - أصلا ، بدون ملاحظة ان الوزن طريق إلى الكيل ، ( من غير ملاحظة التقدير المتعارف ، فالظاهر جواز بيع الكيل وزنا على المشهور كما عن الرياض ) .

ولا يخفى ان الشيء قد يعتبر بالكيل وقد لا يعتبر بالكيل ، بل بالمشاهدة ، والّذي يعتبر بالكيل قد يجعل الكيل طريقا وقد يكون الكيل بنفسه مناطا .

فالذي يعتبر بالمشاهدة كالشاى الّذي يباع في المقاهي في الاستكان ، والّذي يعتبر فيه الكيل طريقا كاللبن ربعه بكذا ، واوقيته بكذا ، والّذي يعتبر الكيل فيه بنفسه كالشرابت المكالة بالقنينات ، وما أشبه .

ثم إنه انما يجوز بيع المكيل ، بالوزن ( لأن ذلك ليس من بيع المكيل مجازفة ، المنهى عنه في الاخبار ومعقد الاجماعات ) فان الممنوع

ص: 13

لأن الوزن اضبط من الكيل ، ومقدار مالية المكيلات معلوم به اصالة من دون ارجاع إلى الكيل .

والمحكى المؤيد بالتتبع ان الوزن أصل للكيل ، وان العدول إلى الكيل من باب الرخصة .

وهذا معلوم لمن تتبع موارد تعارف الكيل في الموزونات .

_________________________

البيع مجازفة ، وهذا ليس بمجازفة ( لأن الوزن اضبط من الكيل ، ومقدار مالية المكيلات معلوم به ) اى بالوزن ( اصالة ) .

هذا على القول بأن أصل الكيل هو الوزن ، فقد وزن مثل « ربع » ثم افرغ في اناء خاص ، ثم جعل ذلك الاناء ميزانا ومناطا لبيع هذا الشيء ( من دون ارجاع إلى الكيل ) اى ان الوزن لا يرجع به إلى الكيل ، فإذا قيل كل منّ بكذا ، لم يلاحظ ان المن يكون كم صاعا .

( والمحكى ) عن الفقهاء وغيرهم ( المؤيد بالتتبع ) في موارد المكيل والموزون - عند العرف - ( ان الوزن أصل للكيل ، وان العدول إلى الكيل من باب الرخصة ) في عدم الوزن اكتفاء بالكيل الّذي هو طريق إلى الوزن ، والا فلو أراد واوزن المكيل كان جائزا بل أفضل .

( وهذا معلوم ) الّذي ذكرنا من أن الكيل أصله الوزن ( لمن تتبع موارد تعارف الكيل في الموزونات ) اى ما يكال من الأمور الموزونة ، كالحليب الّذي هو من الموزونات ولكنه يكال ، وذلك مقابل الكيل في غير الموزونات كما قد يكال الجوز والبيض إذا صار كثيرا فان الوزن ليس أصلا في هذا المقام .

ص: 14

ويشهد لأصالة الوزن ان المكاييل المتعارفة في الأماكن المتفرقة على اختلافها في المقدار ليس لها مأخذ الا الوزن ، إذ ليس هنا كيل واحد يقاس المكاييل عليه .

واما كفاية الكيل في الموزون من دون ملاحظة كشفه عن الوزن .

ففيه اشكال ، بل لا يبعد عدم الجواز ، وقد عرفت عن السرائر

_________________________

( ويشهد لأصالة الوزن ) وان الكيل تبع له ( ان المكاييل المتعارفة في الأماكن المتفرقة ) اى في مختلف البلاد ( على اختلافها ) اى تلك المكاييل ( في المقدار ) ككيل ربع ، وكيل أوقية ، وكيل من وهكذا ( ليس لها ) اى لتلك المكاييل ( مأخذ الا الوزن ) فيزنون في كل بلد وبمقدار ذلك الوزن يصنعون الكيل ، ولولا الوزن من اين يكون المكيال موحدا في تلك البلاد ؟ ( إذ ليس هنا ) عندنا ( كيل واحد يقاس من المكاييل عليه ) بخلاف الوزن ، قلنا وزن واحد ، نملأ به الظرف ، فيكون ذلك الظرف كيلا .

( واما كفاية الكيل في الموزون ) كما لو كان الدهن موزونا ، فكلنا منه مقدار منّ ، ثم كلنا بقية ذلك الدهن ، وجعلنا كل المساوى للقدر الأول ، امنانا أيضا ، وهذا لا بأس به .

اما إذا جعلنا الكيل أصلا ( من دون ملاحظة كشفه عن الوزن ) كما لو ملأنا ظرفا خاصا - لا نعلم مقدار وزنه - ثم جعلناه وحدة كيلية ، وقلنا إن كل ملأ هذا الظرف بدينار - مثلا - .

( ففيه اشكال ، بل لا يبعد عدم الجواز ، وقد عرفت عن السرائر ) انه

ص: 15

أن ما يباع وزنا لا يباع كيلا بلا خلاف ، فان هذه مجازفة صرفة ، إذ ليس الكيل - فيما لم يتعارف فيه - وعاء منضبط فهو بعينه ما منعوه من التقدير بقصعة حاضرة أو ملأ اليد .

فان الكيل من حيث هو لا يوجب في الموزونات معرفة زائدة على ما يحصل بالمشاهدة .

فالقول بالجواز فيما نحن فيه مرجعه إلى كفاية المشاهدة .

_________________________

قال : ( ان ما يباع وزنا لا يباع كيلا بلا خلاف ، فان هذه ) بأن يجعل الكيل المجهول الوزن ، وحده ، ( مجازفة صرفة ، إذ ليس الكيل ) بظرف مجهول المقدار ( - فيما لم يتعارف ) الكيل ( فيه - وعاء منضبط ) فان العرف لا يعتبر مثل هذا الكيل الحادث ، وان كان يعتبر الكيل المتعارف كيلا وان كان مجهول المقدار ( فهو ) اى الكيل الّذي لم يجعل طريقا إلى الوزن ( بعينه ما منعوه من التقدير بقصعة حاضرة أو ملأ اليد ) كما إذا قال كل ملأ يدي من التمر بعشرة أفلس - مثلا - .

( فان الكيل من حيث هو ) كيل ، بدون جعله طريقا إلى الوزن ( لا يوجب في الموزونات معرفة زائدة على ما يحصل بالمشاهدة ) .

فكما انه لا يصح ان يقول : هذا المقدار من التمر الموجود هنا ، بعشرة أفلس ، كذلك لا يجوز ان يقول كل ملأ كفى من التمر بعشرة أفلس .

( فالقول بالجواز فيما نحن فيه ) اى في الكيل المجهول الّذي ليس راجعا إلى الوزن ( مرجعه إلى كفاية المشاهدة ) وحيث لا تصح المشاهدة لا يصح الكيل المجهول .

ص: 16

ثم إنه قد علم مما ذكرنا انه لو وقعت معاملة الموزون بعنوان معلوم عند أحد المتبايعين دون الآخر كالحقة والرطل والوزنة - باصطلاح أهل العراق - الّذي لا يعرفه غيرهم خصوصا الأعاجم ، غير جائز لأن مجرد ذكر أحد هذه العنوانات عليه وجعله في الميزان ووضع صخرة مجهولة المقدار معلومة الاسم في مقابله لا يوجب للجاهل معرفة زائدة على ما يحصل بالمشاهدة ، هذا كله في المكيل والموزون .

واما المعدود فإن كان الكيل أو الوزن طريقا إليه ،

_________________________

( ثم إنه قد علم مما ذكرنا ) من أن اللازم وجوب معرفة المقدار ، وإلا ساوى مع المشاهدة وكان الأمر مجازفة ( انه لو وقعت معاملة الموزون بعنوان معلوم عند أحد المتبايعين دون الآخر كالحقة والرطل والوزنة - باصطلاح أهل العراق - الّذي ) صفة اصطلاح ( لا يعرفه غيرهم خصوصا الأعاجم ، غير جائز ) « خبر » لما يفهم من قوله : « لو وقعت » اى وقوع هذه المعاملة ليس بجائز ( لأن مجرد ذكر أحد هذه العنوانات ) اى عنوان الحقة والرطل والوزنة ( عليه ) اى على المبيع ( وجعله ) اى المبيع ( في الميزان ووضع صخرة مجهولة المقدار ) لدى المشترى و ( معلومة الاسم ) - كالحقة - مثلا - ( في مقابله ) اى مقابل المبيع ( لا يوجب للجاهل معرفة زائدة على ما يحصل بالمشاهدة ) فكما لا تجوز المشاهدة لا يجوز هذا أيضا ( هذا كله في المكيل والموزون ) .

( واما المعدود ) فهل يجوز بيعه كيلا أو وزنا ، لولا يجوز الإعداد ( فإن كان الكيل أو الوزن طريقا إليه ) كما لوعد الف بيضة ثم كالها

ص: 17

فالكلام فيه كما عرفت في أخويه .

وربما ينافيه التقرير المستفاد من صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام انه سأل عن الجوز لا نستطيع ان نعده فيكال بمكيال ، ثم يعد ما فيه ثم يكال ما بقي على حساب ذلك العدد قال عليه السلام : لا بأس به فان ظاهر السؤال اعتقاد السائل عدم جواز ذلك في غير حال الضرورة ولم يردعه الامام بالتنبيه على أن ذلك غير مختص بصورة الاضطرار .

_________________________

في مكيال ، ثم جعل كل كيل طريقا إلى الف بيضة ، أو وزن الألف فكان مائة كيلو ، ثم جعل كل مائة كيلو طريقا إلى الألف ( فالكلام فيه كما عرفت في أخويه ) المكيل والموزون ، حيث تقدم انه يصح جعل أحدهما طريقا إلى الآخر ، وهنا أيضا يجوز .

( وربما ينافيه ) اى جواز جعل أحدهما طريقا إلى العد ( التقرير المستفاد من صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام انه سأل عن الجوز لا نستطيع ان نعده ف ) هل ( يكال بمكيال ، ثم يعد ما فيه ) اى ما في المكيال ؟ ( ثم يكال ما بقي على حساب ذلك العدد ) كما لو بقي في المكيال مائة جوزة ، عدّ كل مكيال مائة ( قال عليه السلام : لا بأس به ) .

وانما قلنا : ان هذا الخبر مناف لجواز جعل الكيل والوزن طريقا إلى العدّ ( فان ظاهر السؤال اعتقاد السائل عدم جواز ذلك ) جعل الكيل طريقا ( في غير حال الضرورة ) فإنه قال « لا يستطيع » ( ولم يردعه الامام ) بأن يقول ذلك جائز سواء استطاع ، أم لم يستطع ( بالتنبيه على أن ذلك ) جعل الكيل طريقا إلى العدّ ( غير مختص بصورة الاضطرار ) .

ص: 18

لكن التقرير غير واضح .

فلا تنهض الرواية لتخصيص العمومات .

ولذا قوى في الروضة الجواز مطلقا .

واما كفاية الكيل فيه اصالة فهو مشكل ، لأنه لا يخرج عن المجازفة ، والكيل لا يزيد على المشاهدة .

_________________________

( لكن ) الاستظهار المذكور لا وجه له .

إذ ( التقرير ) من الامام لكون الجواز خاصا بحال الضرورة ( غير واضح ) بل الظاهر اطلاق الجواز .

( فلا تنهض الرواية لتخصيص العمومات ) بأن يكون ظهور الرواية في عدم الجواز حال عدم الاضطرار مخصصا لعمومات : أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ .

إذ ظاهر العمومات جواز جعل الكيل سبيلا إلى العدّ .

فإذا قلنا بظهور الرواية في اختصاص الجواز بحال الاضطرار ، كانت الرواية مخصصة للعمومات ، والا فلا تكون الرواية مخصصة .

( ولذا ) الّذي ذكر من عدم ظهور الرواية ، الخصوصية بحال الضرورة ( قوى في الروضة الجواز مطلقا ) حتى في حال الاختيار .

( واما كفاية الكيل فيه ) اى في المعدود ( اصالة ) من غير جعل الكيل طريقا إلى العدد ( فهو مشكل ، لأنه ) اى الكيل اصالة بدون ان يلاحظ ان كل كيل كم عددا يأخذ ( لا يخرج عن المجازفة ) عرفا ( والكيل ) الاصالى ( لا يزيد على المشاهدة ) .

فكما لا يصح البيع بالمشاهدة كذلك لا يصح بالكيل اصالة .

ص: 19

واما الوزن فالظاهر كفايته بل ظاهر قولهم في السلم : انه لا يكفى العد في المعدودات وان جاز بيعها معجلا بالعد ، بل لا بدّ من الوزن أنه لا خلاف في انه اضبط ، وانه يغنى عن العد فقولهم في شروط العوضين أنه لا بدّ من العد في المعدودات محمول على أقل مراتب التقدير .

لكنه ربما ينافي ذلك تعقيب بعضهم ذلك بقولهم ويكفى الوزن عن العد فإنه يوهم كونه الأصل ، في الضبط الا ان يريدوا هنا الاصالة والفرعية

_________________________

( واما الوزن ) في المعدودات بأن يوزن الجوز والبيض ( فالظاهر كفايته ) لأنه يعطى فائدة العدّ وأكثر ( بل ظاهر قولهم في السلم ) وهو ما كان الثمن نقدا والمثمن في المستقبل ( انه لا يكفى العد في المعدودات ) فلا يصح ان يبيعه الف بيضة في المستقبل بمائة دينار في الحال ( وان جاز بيعها ) اى المعدودات ( معجلا بالعد ، بل لا بدّ من الوزن ) كأن يقول : أبيعك سلما مائة حقة من البيض ( انه ) فاعل « ظاهر قولهم » ( لا خلاف في انه ) اى الوزن ( اضبط ) من العد ( وانه ) اى الوزن ( يغنى عن العد ) .

( ف ) ان قلت : فلما ذا يشترطون العد في المعدودات ؟

قلت : ( قولهم في شروط العوضين انه لا بد من العد في المعدودات محمول على أقل مراتب التقدير ) فان أعلى مراتب التقدير الوزن ، وأقله العد .

( لكنه ربما ينافي ذلك ) اى كونه أقل مراتب التقدير ( تعقيب بعضهم ذلك ) اى كون العد أقل المراتب ( بقولهم ويكفى الوزن عن العد فإنه يوهم كونه ) اى العد ( الأصل في الضبط الا ان يريدوا هنا الاصالة ) للعد ( والفرعية )

ص: 20

بحسب الضبط المتعارف لا بحسب الحقيقة فافهم .

بقي الكلام في تعيين المناط في كون الشيء مكيلا ،

أو موزونا ، فقد قيل إن الموجود في كلام الأصحاب اعتبار الكيل والوزن فيما بيع بهما في زمن الشارع وحكم الباقي في البلدان ما هو المتعارف فيهما فما كان مكيلا أو موزونا في بلد ، يباع كذا والا فلا .

_________________________

للوزن ( بحسب الضبط المتعارف لا بحسب الحقيقة ) .

فان المتعارف في ضبط المعدودات ، العدّ ، فان تعذر وزنوا ، وان كان الأصل بحسب الحقيقة والدقة الوزن ، والعد للسهولة ونحوها ( فافهم ) فان العدّ له مدخلية في مالية بعض الأشياء حتى أن الوزن يفوت تلك الأغراض العقلائية ، ولذا يكون العدّ هو الأصل .

( بقي الكلام في تعيين المناط في كون الشيء مكيلا ، أو موزونا ، فقد قيل إن الموجود في كلام الأصحاب اعتبار الكيل والوزن فيما بيع بهما في زمن الشارع وحكم الباقي ) اى الأجناس التي لم تكن في زمن الشارع مما ( في البلدان ) الآن ( ما هو المتعارف فيها ) اى في تلك البلدان ، فما كان في زمن الشارع حكمه تابع لحالته في زمن الشارع ، وما لم يكن في زمن الشارع فحكمه تابع لحالته المتعارفة في البلاد ( فما كان مكيلا أو موزونا في بلد ، يباع كذا ) مكيلا أو موزونا ( والا ) يكن مكيلا أو موزنا في البلد ( فلا ) يشترط فيه الكيل والوزن .

مثلا الحنطة كانت في زمن الشارع موزونة ، والبرتقال والطماطة لم يكونا في زمن الشارع ، فالطماطة حيث إنها تباع موزونة في البلاد يجب

ص: 21

وعن ظاهر مجمع البرهان وصريح الحدائق نسبته إلى الأصحاب وربما منع ذلك بعض المعاصرين ، قائلا : ان دعوى الاجماع على كون المدار هنا على زمانه عليه السلام على الوجه المذكور غريبة ، فانى لم أجد ذلك في كلام أحد من الأساطين فضلا عن أن يكون اجماعا ، نعم قد ذكروا ذلك بالنسبة إلى حكم الربا لا انه كذلك بالنظر إلى الجهالة والغرر الّذي من المعلوم عدم المدخلية لزمانه عليه السلام في رفع شيء من ذلك واثباته

_________________________

وزنها والبرتقال حيث لا يوزن في البلاد لا يجب وزنه .

( وعن ظاهر مجمع البرهان وصريح الحدائق نسبته ) اى هذا القول ( إلى الأصحاب ، وربما منع ذلك ) اى كون المدار زمان الشارع ( بعض المعاصرين ، قائلا : ان دعوى الاجماع على كون المدار هنا ) في باب الكيل والوزن في البيع ( على زمانه عليه السلام على الوجه المذكور غريبة ، فانى لم أجد ذلك ) المدار ( في كلام أحد من الأساطين فضلا عن أن يكون اجماعا ، نعم قد ذكروا ذلك ) كون المدار زمانه عليه السلام ( بالنسبة إلى حكم الربا ) إذ من شرائط الربا المعاملي ان يكون الجنس مكيلا أو موزونا ( لا انه كذلك ) مداره ما ذكره ( بالنظر إلى الجهالة والغرر ) حتى إذا كان مكيلا في زمانه عليه السلام ، وعدم مكيل في زماننا يكون بيعه بلا كيل ، جهالة وغررا ، فيكون البيع باطلا ( الّذي من المعلوم عدم المدخلية لزمانه عليه السلام في رفع شيء من ذلك ) اى في رفع الجهالة والغرر ( واثباته ) اى إثبات كل واحد منهما ، فإذا كان غير مكيل في زمانه ، والآن مكيل يكون عدم كيله لا بأس به ، لأن عدم الكيل لا يوجب الجهالة

ص: 22

انتهى .

أقول : ما ذكره دام ظله من عدم تعرض جلّ الفقهاء لذلك هنا ، يعنى في شروط العوضين ، وانما ذكروه في باب الربا حق ، الا ان المدار وجود أوعد ما في الربا على اشتراط الكيل والوزن في صحة بيع جنس ذلك الشيء .

وأكثر الفقهاء لم يذكروا تحديد هذا الشرط والمعيار فيه هنا يعنى في شروط العوضين ، الا ان الأكثر ذكروا في باب الربا ما هو المعيار هنا وفي ذلك الباب .

_________________________

والغرر ، إذا كان مكيلا في زمانه عليه السلام والآن غير مكيل ، يكون بيعه بلا كيل جهالة وغررا ( انتهى ) كلام المعاصر المستشكل .

( أقول : ما ذكره دام ظله من عدم تعرض جل الفقهاء لذلك ) اى لمدارية زمان الشارع في كون الشيء مكيلا ، أم لا ( هنا ، يعنى في شروط العوضين ، وانما ذكروه ) اى ذكروا ان المدار زمان الشارع ( في باب الربا حق ، الا ان المدار وجودا وعدما في الربا ) اى إذا كان مكيلا أو موزنا كان ربا ، والا لم يكن ربا ( على اشتراط الكيل والوزن في صحة بيع جنس ذلك الشيء ) بأن يباع الجنس بالجنس .

( وأكثر الفقهاء لم يذكروا تحديد هذا الشرط ) اى شرط المكيلية والموزونية ( والمعيار فيه ) بأنه اى جنس مكيل أو موزون في اىّ شيء ليس مكيلا ولا موزونا ( هنا يعنى في شروط العوضين ، الا ان الأكثر ذكروا في باب الربا ما هو المعيار هنا ) في شروط العوضين ( وفي ذلك الباب ) إذ

ص: 23

واما اختصاص هذا المعيار بمسألة الربا ، وعدم جريانه في شروط العوضين كما ذكره فهو خلاف الواقع .

اما أولا : فلشهادة تتبع كلمات الأصحاب بخلافه قال في المبسوط في باب الربا : إذا كانت عادة الحجاز على عهده صلّى اللّه عليه وآله في شيء الكيل ، لم يجز ، الا كيلا في سائر البلاد ، وما كانت وزنا ، لم يجز الا وزنا في سائر البلاد ، والمكيال مكيال أهل المدينة ، والميزان ميزان أهل مكة

_________________________

الأمران من باب واحد .

( واما اختصاص هذا المعيار ) للمكيل والموزون ( بمسألة الربا ، وعدم جريانه ) اى ذلك المعيار ( في شروط العوضين ) كأن يكون المعيار في باب الربا زمانه عليه السلام ويكون المعيار في باب شروط العوضين شيئا آخر ( كما ذكره ) المعاصر ( فهو خلاف الواقع ) .

( اما أولا : فلشهادة تتبع كلمات الأصحاب بخلافه ) إذ يظهر منهم ان المعيار في البابين شيء واحد ( قال في المبسوط في باب الربا :

إذا كانت عادة الحجاز على عهده صلّى اللّه عليه وآله في شيء الكيل ، لم يجز ، الا كيلا في سائر البلاد ، وما كانت ) عادة الحجاز على عهده صلّى اللّه عليه وآله في شيء ( وزنا ، لم يجز الا وزنا في سائر البلاد ، والمكيال مكيال أهل المدينة ، والميزان ميزان أهل مكة ) .

وذلك لأن أهل الحجاز كان لهم وزن لأنفسهم ، اما الكيل السائل فيه كان من المدينة وأهل المدينة كان لهم الكيل ، والوزن كان متخذا من أهل الحجاز .

ص: 24

هذا كله بلا خلاف ، فإن كان مما لا تعرف عادة في عهده صلّى اللّه عليه وآله حمل على عادة البلد الّذي فيه ذلك الشيء ، فما عرف بالكيل لا يباع الا كيلا ، وما عرف فيه الوزن لا يباع الا وزنا ، انتهى .

ولا يخفى عموم ما ذكره من التحديد لمطلق البيع ، لا لخصوص مبايعة المتماثلين ونحوه كلام العلامة في التذكرة .

وأما ثانيا : فلأن ما يقطع به بعد التتبع في كلماتهم هنا وفي باب الربا ان الموضوع في كلتا المسألتين شيء واحد

_________________________

( هذا كله بلا خلاف ، فإن كان ) الجنس ( مما لا تعرف عادة في عهده صلى اللّه عليه وآله ) وانه كان مكيلا أو موزونا ، أم لا ( حمل على عادة البلد الّذي فيه ذلك الشيء ، فما عرف بالكيل لا يباع الا كيلا ، وما عرف فيه الوزن لا يباع الا وزنا ، انتهى ) كلام الشيخ .

( ولا يخفى عموم ما ذكره من التحديد ) لكون الشيء مكيلا أو موزونا ( لمطلق البيع ، لا لخصوص مبايعة المتماثلين ونحوه ) اى نحو المتماثلين ، كالأصل والفرع ، فإنهم قالوا في باب ان الحنطة بالحنطة ، أو الحنطة بالشعير ، كلاهما يستلزم الربا إذا كانت هناك زيادة ( كلام العلامة في التذكرة ) .

ومن ذلك يتبين ان شروط العوضين في باب المعاملة ، كشرط الربا ، كليهما من واد واحد في الميزان المقرر للمكيلية والموزونية .

( وأما ثانيا : فلأن ما يقطع به بعد التتبع في كلماتهم هنا ) اى في شروط العوضين ( وفي باب الربا ان الموضوع في كلتا المسألتين شيء واحد

ص: 25

اعني المكيل والموزون قد حمل عليه حكمان ، أحدهما : عدم صحة بيعه جزافا ، والآخر عدم صحة بيع بعضه ببعض متفاضلا .

ويزيده وضوحا ملاحظة اخبار المسألتين المعنونة بما يكال أو يوزن فإذا ذكروا ضابطة لتحديد الموضوع فهي مرعية في كلتا المسألتين .

وأما ثالثا : فلانه يظهر من جماعة تصريحا أو ظهورا ، ان من شرط الربا كون الكيل والوزن شرطا في صحة بيعه .

_________________________

اعني المكيل والموزون ) فهو الموضوع لصحة المعاملة في باب شروط المعاوضة وفي باب لزوم الربا إذا كان العوضان جنسا واحدا أو كالجنس الواحد .

و ( قد حمل عليه ) اى على هذا الموضوع الواحد ( حكمان أحدهما :

عدم صحة بيعه جزافا ) في باب العوضين ( و ) الحكم ( الآخر عدم صحة بيع بعضه ببعض متفاضلا ) حتى يلزم الربا .

( ويزيده ) اى كون الموضوع واحدا ( وضوحا ملاحظة اخبار المسألتين المعنونة بما يكال أو يوزن فإذا ذكروا ) الفقهاء ( ضابطة لتحديد الموضوع ) اى ما هو ضابط المكيل والموزون ( فهي مرعية في كلتا المسألتين ) مسألة الربا ومسألة شروط العوضين .

( وأما ثالثا : فلانه يظهر من جماعة تصريحا أو ظهورا ، ان من شرط الربا كون الكيل والوزن شرطا في صحة بيعه )

فهناك ملازمة بين تطرق الربا إلى شيء ، وبين اشتراط صحة بيعه بأحد التقديرين .

ص: 26

قال المحقق في الشرائع بعد ذكر اشتراط اعتبار الكيل والوزن في الربا تفريعا على ذلك أنه لا ربا في الماء ، إذ لا يشترط في بيعه الكيل أو الوزن .

وقال في الدروس ولا يجرى الربا في الماء لعدم اشتراطهما في صحة بيعه نقدا .

ثم قال : وكذا الحجارة ، والتراب ، والحطب ، ولا عبرة ببيع الحطب وزنا في بعض البلدان لان الوزن غير شرط في صحته

_________________________

فإذا كان المعيار في باب الربا على كون الشيء مكيلا أو موزونا في زمانه صلى الله عليه وآله ، كان اللازم في شرط العوضين أيضا ان يكون مكيلا أو موزونا في زمانه صلى اللّه عليه وآله - لان ذلك مقتضى التلازم - .

( قال المحقق في الشرائع بعد ذكر اشتراط اعتبار الكيل والوزن في الربا تفريعا على ذلك ) اى على الاشتراط ( انه لا ربا في الماء ، إذ لا يشترط في بيعه الكيل أو الوزن )

وظاهره التلازم بين عدم الربا وعدم الكيل والوزن في البيع .

( وقال في الدروس ولا يجرى الربا في الماء لعدم اشتراطهما ) اى الكيل والوزن ( في صحة بيعه نقدا ) وكلما لم يشترط في بيعه الكيل والوزن ، لم يكن فيه ربا .

( ثم قال : وكذا الحجارة ، والتراب ، والحطب ، ولا عبرة ببيع الحطب وزنا في بعض البلدان ، لان الوزن ) حتى في نفس تلك البلدان ( غير شرط في صحته ) اى في صحة بيع الحطب .

ومن المعلوم : ان المفهوم من هاتين العبارتين التلازم بين تطرق

ص: 27

انتهى .

وهذا المضمون سهل الإصابة لمن لاحظ كلماتهم فلاحظ المسالك هنا ، وشرح القواعد وحاشيتها للمحقق الثاني والشهيد عند قول العلامة والمراد بالمكيل والموزون هنا جنسه وان لم يدخلاه لقلته كالحبة والحبتين من الحنطة أو لكثرته كالزبرة .

ولازم ذلك يعنى اشتراط دخول الربا في جنس باشتراط الكيل والوزن في صحة بيعه انه إذا ثبت الربا في زماننا في جنس لثبوت كونه مكيلا أو

_________________________

الربا إلى شيء وبين اشتراط صحة بيعه بأحد التقديرين ( انتهى )

( و ) من المعلوم : ان ( هذا المضمون ) اى التلازم ( سهل الإصابة ) بان يطلع عليه الانسان ( لمن لاحظ كلماتهم فلاحظ المسالك هنا وشرح القواعد ، وحاشيتها ) اى حاشية القواعد ( للمحقق الثاني والشهيد عند قول العلامة والمراد بالمكيل والموزون هنا ) في باب الربا ( جنسه ) اى ان جنس هذا الشيء يدخل فيه الكيل والوزن ( وان لم يدخلاه ) اى لم يدخل الكيل والوزن في هذا الفرد الخاص من ذلك الجنس ( لقلته كالحبة والحبتين من الحنطة ) فإنه يدخل فيها الربا ( أو لكثرته كالزبرة ) اى القطعة من الحديد .

( ولازم ذلك يعنى اشتراط دخول الربا في جنس باشتراط الكيل والوزن في صحة بيعه ، انه ) لو ثبت الربا في معاملة ، ثبت الكيل والوزن فيها ، وكذا العكس .

ف ( إذا ثبت الربا في زماننا في جنس ، لثبوت كونه مكيلا أو

ص: 28

موزونا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله لزم ان لا يجوز بيعه جزافا .

والا لم يصدق ما ذكروه من اشتراط الربا باشتراط التقدير في صحة بيعه وبالجملة فتلازم الحكمين اعني دخول الربا في جنس ، واشتراط بيعه بالكيل أو الوزن مما لا يخفى على المتتبع في كتب الأصحاب .

وحينئذ فنقول : كلما ثبت كونه مكيلا أو موزونا في عصره صلى الله عليه وآله ، فهو ربوى في زماننا ، ولا يجوز بيعه جزافا .

فلو فرض تعارف بيعه جزافا عندنا كان باطلا وان لم يلزم غرر ، للاجماع

_________________________

موزونا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله لزم ان لا يجوز بيعه جزافا ) لما عرفت من التلازم .

( والا ) يكن هذا لازما ( لم يصدق ما ذكروه من اشتراط الربا باشتراط التقدير في صحة بيعه ) لكنه صادق ، فاللازم ان نقول بالتلازم المذكور .

( وبالجملة ) هذا اجمال لما قاله : وأما ثالثا . . إلى هنا ( فتلازم الحكمين اعني دخول الربا في جنس ، واشتراط بيعه بالكيل أو الوزن مما لا يخفى على المتتبع في كتب الأصحاب )

( وحينئذ ) الّذي ثبت التلازم ( فنقول : كلما ثبت كونه مكيلا أو موزونا في عصره صلى الله عليه وآله ، فهو ربوى في زماننا ، ولا يجوز بيعه ) في زماننا ( جزافا ) بلا كيل أو وزن .

( فلو فرض تعارف بيعه جزافا عندنا كان ) البيع ( باطلا ، وان لم يلزم غرر ، للاجماع ) على بطلان بيع ما من شأنه الكيل والوزن ، بدون

ص: 29

ولما عرفت من أن اعتبار الكيل والوزن لحكمة سدّ باب نوع الغرر لا شخصه فهو حكم لحكمة غير مطردة .

نظير النهى عن بيع الثمار قبل الظهور لرفع التنازع ، واعتبار الانضباط في المسلم فيه لان في تركه مظنة التنازع والتغابن ، ونحو ذلك .

والظاهر كما عرفت من غير واحد ان المسألة اتفاقية

_________________________

كيل أو وزن .

( ولما عرفت ) سابقا ( من أن اعتبار الكيل والوزن لحكمة سدّ باب نوع الغرر ، لا شخصه )

فقد تقدم ان بين الغرر العرفي والغرر الشرعي العموم من وجه ( فهو ) اى بطلان البيع بلا كيل أو وزن ( حكم ) من الشارع ( لحكمة ) هي الغرر ( غير مطردة )

( نظير ) العدة لحكمة عدم اختلاط المياه .

ونظير ( النهى عن بيع الثمار قبل الظهور ) اى ظهور الثمرة ( ل ) حكمة ( رفع التنازع ، و ) ل ( اعتبار الانضباط في المسلم فيه ) اى الجنس الّذي هو المثمن ( لان في تركه ) اى ترك الشارع هذا الشرط كما لو أجاز بيع الثمرة قبل الظهور ( مظنة التنازع والتغابن ، ونحو ذلك ) كالعداء بين الجانبين .

( والظاهر كما عرفت من غير واحد ) من الفقهاء ( ان المسألة اتفاقية ) فلا يجوز بيع المكيل في زمانه صلى الله عليه وآله جزافا .

ص: 30

واما ما علم أنه كان يباع جزافا في زمانه صلى الله عليه وآله فالظاهر جواز بيعه كذلك عندنا مع عدم الغرر قطعا ، والظاهر أنه اجماعى كما يشهد به دعوى بعضهم الاجماع على أن مثل هذا ليس بربوي والشهرة محققة على ذلك .

نعم ينافي ذلك بعض ما تقدم من اطلاق النهى عن بيع المكيل والموزون جزافا الظاهر فيما تعارف كيله في زمان الإمام عليه

_________________________

لكن الانصاف الاشكال في ذلك ، بل لا يبعد كفاية مراعاة الحال الحاضر .

وفي كون المسألة اتفاقية نظر ظاهر .

( واما ما علم أنه كان يباع جزافا في زمانه صلى الله عليه وآله فالظاهر جواز بيعه كذلك ) جزافا ( عندنا ، مع عدم الغرر قطعا ، والظاهر أنه ) اى جواز البيع جزافا ( اجماعى كما يشهد به ) اى بكونه اجماعيا ( دعوى بعضهم الاجماع على أن مثل هذا ليس بربوي ) .

وقد تقدم التلازم بين كون الشيء ربويا وكونه مكيلا أو موزونا ، فإذا لم يكن شيء ربويا كان معناه انه ليس بمكيل أو موزون ( والشهرة محققة على ذلك ) اى جواز بيعه جزافا .

( نعم ينافي ذلك ) اى جواز بيعه جزافا ( بعض ما تقدم من اطلاق النهى عن بيع المكيل والموزون جزافا )

فإنه إذا كان الشيء مكيلا في هذا الزمان ، ثم بيع جزافا كان البيع منهيا عنه ( الظاهر ) ذلك الاطلاق ( فيما تعارف كيله في زمان الإمام عليه

ص: 31

السلام ، أو في عرف السائل أو في عرف المتبايعين ، أو أحدهما ، وان لم يتعارف في غيره .

وكذلك قوله عليه السلام : ما كان من طعام سميت فيه كيلا فلا يصلح مجازفة الظاهر في وضع المكيال عليه عند المخاطب وفي عرفه وان لم يكن كذلك في عرف الشارع .

اللهم الا ان يقال :

_________________________

السلام ، أو في عرف السائل ) كما لو كان السائل من أهل بلد يكال فيه ذلك الشيء ( أو في عرف المتبايعين ، أو أحدهما ، وان لم يتعارف ) كيله ( في غيره ) اى غير ذلك العرف .

والحاصل : ان النهى عن البيع جزافا شامل لكل هذه الصور ، فكيف تقولون بجواز بيعه جزافا ؟ إذا كان في زمن الرسول صلى الله عليه وآله يباع بالجزاف .

( وكذلك ) ينافي بيعه جزافا ( قوله عليه السلام : ما كان من طعام سميت فيه كيلا فلا يصلح مجازفة الظاهر في وضع المكيال عليه ) اى على ذلك الطعام ( عند المخاطب وفي عرفه ) فكيف تقولون بجواز بيعه مجازفة إذا كان في زمن الرسول صلى الله عليه وآله يباع بالجزاف ( وان لم يكن كذلك ) مكيلا ( في عرف الشارع )

( اللهم الا ان يقال ) لا اطلاق في هذه الأحاديث ، فان زمانهم عليهم السلام كان كزمان الشارع في ان المكيل في زمانهم كان مكيلا في زمانه ، والجزاف في زمانهم كان جزافا في زمانه .

ص: 32

انه لم يعلم أن ما تعارف كيله أو وزنه في عرف الأئمة عليهم السلام وأصحابهم كان غير مقدّر في زمان الشارع حتى يتحقق المنافاة .

والأصل في ذلك ان مفهوم المكيل والموزون في الاخبار لا يراد بهما كلما فرض صيرورته كذلك حتى يعم ما علم كونه غير مقدّر في زمن الشارع .

بل المراد بهما المصداق الفعلي المعنون بهما في زمان المتكلم وهذه

_________________________

إذ : ( انه لم يعلم أن ما تعارف كيله أو وزنه في عرف الأئمة عليهم السلام وأصحابهم ) الذين سألوا عن الأئمة عليهم السلام ( كان غير مقدر ) بالكيل والوزن ( في زمان الشارع ) الرسول صلى الله عليه وآله ( حتى يتحقق المنافاة ) بين اطلاق الأئمة عليهم السلام عدم صحة بيع الجزاف وبين كون الشيء جزافا في زمن الشارع المقتضى لصحة بيع الجزاف .

( والأصل في ذلك ) اى في عدم المنافاة ( ان مفهوم المكيل والموزون في الاخبار لا يراد بهما ) اى بالمكيل والموزون ( كلما فرض صيرورته كذلك ) اى مكيلا أو موزونا - فليس « المكيل والموزون » على نحو القضية الحقيقية - ( حتى يعم ) المكيل والموزون ( ما علم كونه غير مقدّر في زمن الشارع ) حتى يكون قول الإمام عليه السلام « لا يصح بيع المكيل بلا كيل » مثلا لما كان غير مقدّر في زمن الرسول صلى الله عليه وآله أيضا

( بل المراد بهما ) اى بالمكيل والموزون ( المصداق الفعلي ) للمكيل والموزون ( المعنون بهما ) اى بالكيل والوزن ( في زمان المتكلم ) كالإمام عليه السلام وأصحابه ( وهذه

ص: 33

الافراد لا يعلم عدم كونها مكيلة ولا موزونة في زمن النبي صلى الله عليه وآله .

لكن يرد على ذلك - مع كونه مخالفا للظاهر المستفاد من عنوان ما يكال ويوزن -

_________________________

الافراد ) المعنونة بالكيل والوزن في زمن الإمام عليه السلام ( لا يعلم عدم كونها مكيلة ولا موزونة في زمن النبي صلى الله عليه وآله )

فقول الإمام « لا يصح بيع المكيل بلا كيل » لا يشمل ما كان الآن مكيلا ولم يكن في زمن النبي مكيلا ، لا يشمله من باب السالبة بانتفاء الموضوع بمعنى انه لم يعلم أنه كان شيء هكذا حاله ، بان كان في زمن النبي صلى الله عليه وآله مكيلا وفي زمن الامام ليس بمكيل -

( لكن يرد على ذلك ) الّذي ذكر من انّ المراد بالمكيل والموزون المصداق الفعلي ( - مع كونه مخالفا للظاهر المستفاد ) ذلك الظاهر ( من عنوان ما يكال ويوزن - )

إذ : الظاهر من موضوعات القضايا ، كونها على نحو الحقيقية لا الفعلية ، فإذا قيل كل انسان حيوان ، لم يكن ظاهره على انسان فعلى ، بل ظاهره كل ما صدق عليه الانسان في زمان من الأزمنة الثلاثة فهو حيوان .

وكذلك إذا قيل « المكيل كذا » لا يراد به المكيل الفعلي ، بل على نحو القضية الحقيقية .

وبعبارة أخرى : القضايا الشرعية انما هي قضايا حقيقية .

ص: 34

انه لا دليل حينئذ على اعتبار الكيل في ما شك في كونه مقدرا في ذلك الزمان ، مع تعارف التقدير فيه في الزمان

_________________________

فإذا قيل : أكرم العالم ، لا يراد به العالم حال التكلم ، بل العالم في كل وقت .

فإذا كان زيد حال امر المولى جاهلا ، ثم صار عالما وجب اكرامه حال علمه ، ولو انعكس بان كان عمر وعالما حال امر المولى وثم نسي علمه فجهل سقط عن وجوب الاكرام .

وهذا بخلاف القضايا الخارجية التي تراعى فيها الموضوعات الفعلية فإذا قال : ائتني بكل عالم في البلد ، أريد العلماء في وقت التكلم ، فلو علم انسان بعد ذلك لم يشمله الخطاب ، ولو جهل أحد العلماء كان مشمولا للحكم .

وعلى هذا فإذا قال الشارع : المكيل حكمه كذا ، يراد : المكيل في زمن البيع - مثلا - .

اما ما كان مكيلا في زمن الرسول صلى الله عليه وآله ثم سقط عن المكيلية فليس محكوما بذلك الحكم .

وهذا هو الظاهر من أدلة المكيل والموزون ظهورا عرفيا ولا يرفع اليد عنه الا بدليل ( انه لا دليل حينئذ ) اى حين قلنا باعتبار المكيلية والموزونية في زمن النبي صلى الله عليه وآله ( على اعتبار الكيل ) اى لزوم ان يكال ذلك الجنس ( في ما شك في كونه مقدرا ) مكيلا ( في ذلك الزمان ) اى زمان النبي صلى الله عليه وآله ( مع تعارف التقدير فيه في الزمان

ص: 35

الآخر إذ لا يكفى في الحكم حينئذ دخوله في مفهوم المكيل والموزون ، بل لا بدّ من كونه أحد المصاديق الفعلية في زمان صدور الأخبار .

ولا دليل أيضا على الحاق كل بلد لحكم نفسه ، مع اختلاف البلدان

_________________________

الآخر ) اى زمان إرادة البيع .

مثلا : لو فرضنا ان الفحم مشكوك في انه كان مكيلا في زمان النبي صلى الله عليه وآله ، أم لا ، لكن الآن - حين نريد بيعه - هو مكيل في كل البلاد ، فإنه بمقتضى ما ذكرتم : من اعتبار الكيل فيما كان مكيلا في زمن النبي صلى الله عليه وآله يلزم صحة بيع الفحم بدون الكيل ، لأصالة عدم اشتراط الكيل فيه بعد ان شككنا في كونه مكيلا في زمن النبي صلى الله عليه وآله .

وانما لا يعتبر الكيل في المشكوك ( إذ لا يكفى في الحكم ) بوجوب كيله ( حينئذ ) اى حين كان المعيار المكيلية في زمان الشارع - كما يقول الطرف المقابل لنا - ( دخوله ) اى دخول الجنس ( في مفهوم المكيل والموزون ) حال البيع ، فإنه وان قيل للفحم هو مكيل - مثلا - لا يكفى في وجوب كيله الا إذا تحقق انه كان مكيلا في زمن الشارع وقد فرض ان كونه مكيلا في زمن الشارع مشكوك فيه ( بل لا بدّ كونه ) اى الجنس ( أحد المصاديق الفعلية في زمان صدور الاخبار ) كزمان النبي صلى الله عليه وآله .

( و ) كذلك ( لا دليل أيضا ) لما ذكره الفقهاء ( على الحاق كل بلد لحكم نفسه ، مع اختلاف البلدان ) في كون الجنس مكيلا في بلد وجزافا في بلد ، إذ المعيار حينئذ ملاحظة زمان الشارع وانه كان مكيلا ، أم لا .

ص: 36

والحاصل : ان الاستدلال بأخبار المسألة المعنونة بما يكال أو يوزن ، على ما هو المشهور من كون العبرة في التقدير بزمان النبي صلى الله عليه وآله .

ثم بما اتفق عليه البلاد .

ثم بما تعارف في كل بلدة بالنسبة إلى نفسه ، في غاية الاشكال .

_________________________

( والحاصل ) في الاشكال على اعتبار ملاحظة زمان النبي صلى الله عليه وآله في المكيلية ( ان الاستدلال باخبار المسألة المعنونة ) تلك الأخبار ( بما يكال أو يوزن ، على ما هو المشهور ) « على » متعلق ب « الاستدلال » ( من كون العبرة في التقدير بزمان النبي صلى الله عليه وآله )

فإن كان مكيلا في زمان النبي لزم فيه الكيل ، وان كان جزافا في زمان النبي صح بيعه جزافا .

وكذلك بالنسبة إلى الموزون وغير الموزون .

( ثم ) إذا لم نعلم حاله في زمان النبي صلى الله عليه وآله هل كان مكيلا أو موزونا ، أم لا ؟ ( بما اتفق عليه البلاد ) إذا كانت البلاد متفقة في كيل أو وزن أو جزاف .

( ثم ) إذا اختلفت البلاد ( بما تعارف في كل بلدة بالنسبة إلى نفسه ) اى نفس ذلك البلد .

ففي البلد الّذي كان الشيء فيه مكيلا يلزم الكيل ، وفي البلد الّذي يباع فيه الشيء جزافا يجوز بيعه جزافا ( في غاية الاشكال ) لان الأدلة

ص: 37

فالأولى تنزيل الأخبار على ما تعارف تقديره عند المتبايعين ، واثبات ما ينافي ذلك من الأحكام المشهورة بالاجماع المنقول المعتضد بالشهرة المحققة .

وكذا لا اشكال لو علم التقدير في زمن الشارع ، ولم يعلم كونه بالكيل أو الوزن .

ومما ذكرنا ظهر ضعف ما في كلام جماعة من التمسك لكون الاعتبار في التقدير بعادة الشرع بوجوب حمل

_________________________

لا تساعد على هذا التفصيل .

( فالأولى ) حسب الأدلة ( تنزيل الأخبار ) الدالة على اعتبار الكيل والوزن ( على ما تعارف تقديره عند المتبايعين ) فإن كان المتعارف عندهم الكيل والوزن لا يصح جزافا ، والأصح جزافا ( واثبات ما ينافي ذلك ) المتعارف ( من الأحكام المشهورة ) بين الفقهاء ، كاعتبار زمان الرسول صلّى اللّه عليه وآله ( ب ) سبب ( الاجماع المنقول المعتضد بالشهرة المحققة ) بالاجماع متعلق ب « اثبات » .

( وكذا لا اشكال ) عطف على « غاية الاشكال » ( لو علم التقدير في زمن الشارع ، ولم يعلم كونه بالكيل أو الوزن ) فان القول بأنه يكال الآن ، أو يوزن ، أو يتبع العرف باستصحاب عدم تغيره عن حالته السابقة في زمان الرسول صلّى اللّه عليه وآله .

( ومما ذكرنا ) من قولنا « نعم ينافي ذلك » ( ظهر ضعف ما في كلام جماعة من التمسك لكون الاعتبار ) في المكيلية والموزونية ( في التقدير بعادة الشرع ) وما كان متعارفا في زمان الشارع ، وذلك ( بوجوب حمل

ص: 38

اللفظ على المتعارف عند الشارع ولكون المرجع فيما لم يعلم عادة الشرع هي العادة المتعارفة في البلدان بأن الحقيقة العرفية هي المرجع عند انتفاء الشرعية ولكون المرجع عادة كل بلد إذا اختلف البلدان بأن العرف الخاص قائم مقام العام عند انتفائه انتهى .

_________________________

اللفظ على المتعارف عند الشارع ) فإذا قال الشارع : المكيل يراد به ما يكال في زمانه ( ولكون المرجع فيما لم يعلم عادة الشرع هي العادة المتعارفة في البلدان ) و « لكون » عطف على « لكون الاعتبار » ( بأن الحقيقة العرفية هو المرجع عند انتفاء ) الحقيقة ( الشرعية ) « بوجوب » علة ، ل « لكون الاعتبار » و « بان » علة ، ل « لكون المرجع » ( ولكون المرجع عادة كل بلد إذا اختلف البلدان ) بان كان الجنس في بعض البلدان مكيلا ، وفي بعض البلدان موزونا ( بان العرف الخاص قائم مقام ) العرف ( العام عند انتفائه انتهى ) اى إذا فقد العرف العام « ولكون المرجع » أيضا عطف على « لكون الاعتبار » و « بان العرف » علة له .

وانما ظهر ضعف هذا الكلام ، لأن اللفظ الواحد لا يحتمل أزيد من معنى واحد .

فان أريد ب « ما يكال ويوزن » في لسان الشارع « زمان الشرع » لم يمكن يراد باللفظ « العرف العام » و « العرف الخاص » .

وان أريد باللفظ « العرف » لم يكن ان يراد باللفظ « زمان الشرع » .

فارادتهما من قبيل استعمال اللفظ في أكثر من معنى .

ص: 39

وذكر المحقق الثاني أيضا ان الحقيقة العرفية يعتبر فيها ما كان يعتبر في حمل اطلاق لفظ الشارع عليها .

فلو تغيرت في عصر بعد استقرارها فيما قبله ، فالمعتبر هو العرف السابق ، ولا اثر للتغير الطارئ ، للاستصحاب .

_________________________

( وذكر المحقق الثاني أيضا ) في وجه عدم صحة التدرج من الشرع إلى العرف العام ثم إلى العرف الخاص ، اى لا يصح ان نقول :

ان الميزان في المكيلية زمن الشارع ، فإن لم يعلم زمن الشارع فالميزان العرف العام ، فإن لم يكن عرف عام فالميزان عرف خاص ( ان الحقيقة العرفية يعتبر فيها ) اى في الحقيقة العرفية ( ما كان يعتبر في حمل اطلاق لفظ الشارع عليها ) .

فكما ان اطلاق لفظ الشارع يحمل على المعنى الشرعي إذا كان هناك شرع كذلك اطلاق لفظ الشارع يحمل على المعنى العرفي إذا كان هناك عرف .

( فلو تغيرت ) الحقيقة الشرعية أو العرفية ( في عصر بعد استقرارها ) اى تلك الحقيقة ( فيما قبله ، فالمعتبر هو العرف السابق ، ولا اثر للتغير الطارئ ) .

مثلا : قال الشارع المكيل وكانت الحنطة مكيلا ثم اخذ الناس يبيعونها بالجزاف كان اللازم مراعاة عرف الشارع في بيعها بالكيل ( للاستصحاب ) فإنما شك في تغير الحكم بتغير العرف فالأصل بقاء الحكم السابق .

ص: 40

ولظاهر قوله صلّى اللّه عليه وآله حكمي على الواحد حكمي على الجماعة .

واما في الأقارير والايمان ونحوها فالظاهر الحوالة على عرف ذلك العصر الواقع فيه شيء عنها حملا له على ما يفهمه الموقع انتهى .

_________________________

( ولظاهر قوله صلّى اللّه عليه وآله حكمي على الواحد حكمي على الجماعة ) والجماعة أعم من الجماعة العرضية التي كانت في زمن الشارع ، أو الجماعة الطولية التي كانت بامتداد الأزمنة من زمان الشارع إلى الزمان المتأخر عنه .

( واما في الأقارير والايمان ونحوها ) كالعقود والايقاعات ، كما لو قال « له على دينار » أو « أقسم باللّه أن اعطى دينارا » أو « بعتك بدينار » مثلا - ( فالظاهر ) انه لا يحمل على زمان الشارع ، بأن يقال : المراد بالدينار الدينار الشرعي بل ( الحوالة على عرف ذلك العصر الواقع فيه شيء عنها ) اى عصر الاقرار واليمين ( حملا له ) اى للاقرار ونحوه ( على ما فهمه الموقع ) اى الّذي أوقع الاقرار ونحوه فإن كان الدينار في عرفنا غير الدينار في عرف الشارع حمل الاقرار بالدينار ، على أن المراد به الدينار في زماننا ( انتهى ) كلام المحقق الثاني .

وحيث إن الشيخ « ره » فهم من كلام المحقق انه يريد ان المعنى للفظ إذا كان في زمان الشارع على نحو ثم صار معنى آخر لزم ان نقول بالمعنى السابق .

كما إذا كانت « الدابة » في زمن الشارع تطلق على كل ما يدب ، ثم صارت في زماننا تطلق على الحمار فقط ، فان اللازم حمل كلام الشارع

ص: 41

أقول ليس الكلام في مفهوم المكيل والموزون بل الكلام فيما هو المعتبر في تحقق هذا المفهوم فان المراد بقولهم عليهم السلام ما كان مكيلا ، فلا يباع جزافا ، أو لا يباع بعضه ببعض الا متساويا ، اما ان يكون ما هو المكيل في عرف المتكلم ، أو يراد به ما هو المكيل في العرف العام ، أو ما هو المكيل في عرف كل مكلف .

وعلى اىّ تقدير فلا يفيد الكلام لحكم غير ما هو المراد فلا بد لبيان

_________________________

على كل ما يدب .

أشكل عليه بقوله : ( أقول ليس الكلام ) فيما نحن فيه ( في مفهوم المكيل والموزون ) حتى يلزم ملاحظة مفهومها في زمان الشارع ( بل الكلام فيما هو المعتبر في تحقق هذا المفهوم ) اى المصداق ، فإنه قد يشك في ان « العالم » ما هو معناه هل يشمل « عالم السحر » ، أم لا ؟ وقد يعلم أنه خاص بعلم الفقه ، لكن لا نعلم هل ان زيدا عالم بالفقه ، أم لا ؟ ( فان المراد بقولهم عليهم السلام ما كان مكيلا ، فلا يباع جزافا ) في باب المعاملات ( أو لا يباع بعضه ببعض الا متساويا ) في باب الربا ( اما ان يكون ) من جهة المصداق - بعد معلومية المفهوم - ( ما هو المكيل في عرف المتكلم ) اى الرسول صلّى اللّه عليه وآله ( أو يراد به ما هو المكيل في العرف العام ) اى عند جميع الناس ( أو ما هو المكيل في عرف كل مكلف ) اى كل بلد على نحو المعتاد عندهم .

( وعلى اىّ تقدير ) من هذه التقادير الثلاثة ( فلا يفيد الكلام لحكم غير ما هو المراد ) من الكلام ( فلا بد لبيان

ص: 42

حكم غير ما هو المراد من دليل خارجي .

وإرادة جميع هذه الثلاثة خصوصا مع ترتيب خاص في ثبوت الحكم بها وخصوصا مع كون مرتبة كل لاحق مع عدم العلم بسابقة لا مع عدمه غير صحيحة ، كما لا يخفى .

_________________________

حكم غير ما هو المراد من دليل خارجي ) .

فإذا أريد من المكيل المكيل في زمان الشارع ، مثلا ، لا يمكن ان يراد به المكيل في العرف العام ، بل لا بدّ من دليل خارجي يدل على أنه ان فقد المكيل في زمنه صلّى اللّه عليه وآله كان التكليف الرجوع إلى المكيل في العرف العام .

( و ) ان قلت ما المانع من أن نقول : ان المراد بالمكيل في الروايات جميع هذه الثلاثة ، اى المكيل في زمانه ، وفي العرف العام ، وفي العرف الخاص ؟

قلت : ( إرادة جميع هذه الثلاثة خصوصا مع ترتيب خاص ) بأن يقوم المكيل في زمانه ثم العرف العام ، ثم العرف الخاص ( في ثبوت الحكم بها ) اى بهذه الثلاثة ( وخصوصا مع كون مرتبة كل لاحق ) كالعرف الخاص اللاحق بعد العرف العام ، والعرف العام اللاحق بعد الشرع ( مع عدم العلم بسابقة لا مع عدمه ) اى عدم السابق فالعرف الخاص مرتب على عدم العلم بالعرف العام ، لا انه مرتب على عدم العرف العام .

وانما قال : خصوصا ، لأن شمول لفظ المكيل لشيء مقيدا بعدم العلم بشيء آخر ، خلاف الظاهر من اللفظ ، إذ لا دخل للعلم في مفاهيم الألفاظ ( غير صحيحة ) خبر « وإرادة » ( كما لا يخفى ) .

ص: 43

ولعل المقدس الأردبيلي أراد ما ذكرنا حيث تأمل ، فيما ذكروه من الترتيب بين عرف الشارع والعرف العام والعرف الخاص معللا باحتمال إرادة الكيل والوزن المتعارف عرفا عاما ، أو في أكثر البلدان أو في الجملة مطلقا ، أو بالنسبة إلى كل بلد بلد كما قيل في المأكول والملبوس في السجدة من الامر الوارد

_________________________

إذ : شمول لفظ واحد لمعنى متعدد غير تام ، كما حقق في الأصول ، خصوصا إذا كان على نحو الترتيب ، وبالأخص إذا كان على نحو ترتيب علمي .

( ولعل المقدس الأردبيلي أراد ما ذكرنا ) اى ان لفظ المكيل لا يشمل لثلاث معان ، مرتبا بعضها على بعض ، ترتيبا علميا ( حيث تأمل ) ره ان ( فيما ذكروه من الترتيب بين عرف الشارع والعرف العام والعرف الخاص ، معللا ) تأمله ( باحتمال إرادة الكيل والوزن المتعارف عرفا عاما ) فقط بأن يكون اللازم الكيل والوزن ، فيما يكال أو يوزن في عموم البلاد ، بدون ملاحظة زمان الشارع ، هل انه كان يكال في ذلك الزمان ، أم لا ؟

مثلا - ( أو في أكثر البلدان ) فإذا كان الشيء مكيلا في أكثر البلدان وجب كيله وان كان في بلدنا - مثلا - لا يكال ( أو في الجملة مطلقا ) اى بالنسبة إلى بلد الكيل وغير بلد الكيل ، فإذا كان شيء يكال في بلد ما وجب بيعه بالكيل ، وان كان في غالب البلاد غير مكيل ( أو بالنسبة إلى كل بلد بلد ) فإذا كان في بلد مكيلا وفي بلد غير مكيل ، كان اللازم كيله في البلد الّذي يكال فيه ، ولا يلزم كيله في البلد الّذي لا يكال فيه ( كما قيل في ) ميزان ( المأكول والملبوس في ) باب ( السجدة من ) جهة ( الامر الوارد

ص: 44

بهما لو سلّم والظاهر هو الأخير ، انتهى .

وقد رده في الحدائق بأن الواجب في معاني الألفاظ الواردة في الأخبار حملها على عرفهم صلوات اللّه عليهم فكلما كان مكيلا أو موزونا في عرفهم وجب اجراء الحكم عليه في الأزمنة المتأخرة .

وما لم يعلم فهو - بناء أعلى قواعدهم - يرجع إلى العرف العام إلى آخر ما ذكره من التفصيل .

_________________________

بهما ) اى بالمأكول والملبوس ( لو سلّم ) فهل المراد المأكول والملبوس في العرف العام ؟ أو في أكثر البلدان ؟ أو في الجملة مطلقا ؟ أو بالنسبة إلى كل بلد بلد ؟ ( والظاهر هو الأخير ) اى ملاحظة الكيل بالنسبة إلى كل بلد بلد ، كملاحظة المأكولية والملبوسية بالنسبة إلى كل بلد بلد ( انتهى ) كلام المقدس الأردبيلي .

( وقد رده في الحدائق بأن الواجب في معاني الألفاظ الواردة في الأخبار حملها على عرفهم صلوات اللّه عليهم فكلما كان مكيلا أو موزونا في عرفهم وجب اجراء الحكم ) اى حكم المكيل والموزون ( عليه في الأزمنة المتأخرة ) عن صدور الروايات .

( وما لم يعلم ) انه كان مكيلا أو موزونا في زمن الشارع صلى الله عليه وآله ( فهو بناء أعلى قواعدهم - ) اى قواعد الفقهاء الذين يحكمون العرف في الموضوعات التي حكم الشارع عليها باحكام ( يرجع إلى العرف العام إلى آخر ما ذكره من التفصيل ) فيما إذا لم يكن هناك عرف عام فما ذا يصنع وانه يرجع فيه إلى الأكثر أو إلى كل بلد حسب مفهومه الخاص أو يحتاط ، أو غير ذلك من المحتملات .

ص: 45

ثم قال ويمكن ان يستدل للعرف العام بما تقدم في صحيحة الحلبي من قوله عليه السلام ما كان من طعام سميت فيه كيلا فان الظاهر أن المرجع في كونه مكيلا إلى تسميته عرفا مكيلا .

ويمكن تقييده بما لم يعلم حاله في زمانهم عليهم السلام ، انتهى .

أقول : قد عرفت ان الكلام هنا ليس في معنى اللفظ لأن مفهوم الكيل معلوم لغة ، وانما الكلام في تعيين الاصطلاح الّذي

_________________________

( ثم قال ) الحدائق ( ويمكن ان يستدل للعرف العام ) وانه حجة إذا لم يكن لهم عليهم السلام عرف خاص ( بما تقدم في صحيحة الحلبي ، من قوله عليه السلام ما كان من طعام سميت فيه كيلا .

ف ) وجه الاستدلال ( ان الظاهر أن المرجع في كونه مكيلا إلى تسميته عرفا مكيلا ) إذ ليس المراد من « سميت » التسمية الشخصية ، بل التسمية العرفية .

( و ) حيث إن هذا الخبر اطلاقا بالنسبة إلى ما كان لهم عليهم السلام عرف فيه أو لم يكن لهم عليهم السلام عرف فيه .

قال الحدائق : ( يمكن تقييده بما لم يعلم حاله في زمانهم عليهم السلام ) إذ لو علم حاله لزم اتباع حالة زمانهم عليهم السلام لا اتباع العرف العام ( انتهى ) كلام الحدائق .

( أقول : قد عرفت ان الكلام هنا ) في المكيل والموزون ( ليس في معنى اللفظ ) .

فقول الحدائق « ان الواجب في معاني الألفاظ » لا وجه له ( لأن مفهوم الكيل معلوم لغة ، وانما الكلام في ) المصداق و ( تعيين الاصطلاح الّذي

ص: 46

يتعارف فيه هذا المفهوم .

ثم لو فرض كون الكلام في معنى اللفظ كان اللازم حمله على العرف العام ، إذا لم يكن عرف شرعي ، لا إذا جهل عرفه الشرعي فإنه لم يقل أحد بحمل اللفظ حينئذ على المعنى العرفي ، بل لا بدّ من الاجتهاد في تعيين ذلك المعنى الشرعي ، ومع العجز يحكم باجمال اللفظ ، كما هو واضح هذا كله مع أن الأخبار انما وصلت إلينا من الأئمة صلوات اللّه

_________________________

يتعارف فيه هذا المفهوم ) هل المراد اصطلاح الشارع ، أو اصطلاح العرف العام ، أو العرف الخاص .

( ثم لو فرض كون الكلام في معنى اللفظ ) وانه ما هو معنى المكيل ؟

( كان اللازم حمله ) اى اللفظ ( على العرف العام ، إذا لم يكن عرف شرعي ) اما إذا كان عرف شرعي - كالحج الّذي عرفه الشرعي قصد بيت اللّه الحرام لا مطلق القصد ، الّذي هو معناه اللغوي - ( لا إذا جهل عرفه الشرعي ) وقد قال الحدائق « وما لم يعلم » ولم يقل « وما لم يكن » ( فإنه لم يقل أحد بحمل اللفظ ) الوارد في كلام الشارع ( حينئذ ) اى حين جهل العرف الشرعي ( على المعنى العرفي ، بل لا بدّ من الاجتهاد في تعيين ذلك المعنى الشرعي ، ومع العجز ) عن الظفر بالمعنى الشرعي ( يحكم باجمال اللفظ ، كما هو واضح ) .

فاللازم معاملة المجمل معه من الاحتياط أو العمل بسائر الأصول العملية ( هذا كله مع ) انه يرد على صاحب جامع المقاصد بالإضافة إلى ما تقدم ( ان الأخبار انما وصلت إلينا من الأئمة صلوات اللّه

ص: 47

عليهم ، فاللازم اعتبار عرفهم لا عرف الشارع .

واما ما استشهد به للرجوع إلى العرف العام ، من قوله عليه السلام : ما سميت فيه كيلا الخ فيحتمل ان يراد عرف المخاطب ، فيكون المعيار العرف الخاص بالمتبايعين .

نعم مع العلم بالعرف العام لا عبرة بالعرف الخاص ، لمقطوعة ابن هاشم الآتية فتأمل .

وابعد شيء في المقام ما ذكره في جامع المقاصد ، من أن الحقيقة العرفية يعتبر

_________________________

عليهم ، فاللازم اعتبار عرفهم لا عرف الشارع ) مع أن جامع المقاصد اعتبر عرف الشارع - ولا يخفى ان المصنف لو قدم هذا الكلام كان أحسن - .

( واما ما استشهد به ) الحدائق ( للرجوع إلى العرف العام ، من قوله عليه السلام : ما سميت فيه كيلا الخ ) « من » بيان « ما » ( فيحتمل ان يراد ) بقوله « ما سميت » ( عرف المخاطب ، فيكون المعيار العرف الخاص بالمتبايعين ) لا العرف العام كما قاله الحدائق .

( نعم مع العلم بالعرف العام لا عبرة بالعرف الخاص ، لمقطوعة ابن هاشم الآتية ، فتأمل )

إذ يحتمل تقدم العرف الخاص لأنه المخاطب ، وقد قال عليه السلام : انا معاشر الأنبياء أمرنا ان نكلم الناس على قدر عقولهم .

( وابعد شيء في المقام ) اى في مقام اعتبار الكيل والوزن ( ما ذكره في جامع المقاصد ) في كلامه المتقدم ( من أن الحقيقة العرفية يعتبر

ص: 48

فيها ما كان يعتبر في حمل اطلاق لفظ الشارع عليهما فلو تغيرت في عصر بعد استقرارها فيما قبله انتهى .

وبالجملة فاتمام المسائل الثلاث بالاخبار مشكل ، لكن الظاهر أن كلها متفق عليها ، نعم اختلفوا فيما إذا كان البلاد مختلفة في ان لكل بلد حكم نفسه من حيث الربا أو انه يغلب جانب التحريم كما عليه جماعة من أصحابنا .

_________________________

فيها ما كان يعتبر في حمل اطلاق لفظ الشارع عليهما ) اى على المكيل والموزون ( فلو تغيرت ) الحقيقة العرفية ( في عصر بعد استقرارها فيما قبله انتهى ) .

وجه الغرابة ان العرف ليس كالشرع في كونه معيارا ، فلما ذا جعله المحقق الثاني معيارا .

أقول لكن الظاهر أن المراد من كلام المحقق ما لو كان الشرع اخذ الموضوع بالمعنى العرفي في كلام ، في مقابل ما إذا كان للشرع موضوع مخترع ، والا فما فهمه الشيخ « ره » عن كلام المحقق جدا بعيد .

( وبالجملة فاتمام المسائل الثلاث ) الاعتبار بالشرع ثم العرف العام ثم العرف الخاص ( بالاخبار مشكل ، لكن الظاهر أن كلها متفق عليها ، نعم اختلفوا فيما إذا كان البلاد مختلفة ) من حيث الوزن وعدم الوزن ( في ان لكل بلد حكم نفسه من حيث الربا ) ففي البلد الّذي يكال فيه يكون الجنس هناك ربويا ، وفي البلد الّذي لا يكال فيه لا يكون ربويا ( أو انه يغلب جانب التحريم ، كما عليه جماعة من أصحابنا ) من دخول

ص: 49

لكن الظاهر : اختصاص هذا الحكم بالربا ، لا في جواز البيع جزافا في بلد لا يتعارف فيه التقدير .

ثم إنه يشكل الامر فيما علم كونه مقدرا في زمان الشارع لكن لم يعلم أن تقديره بالكيل أو بالوزن ، ففيه وجوه .

أقواها وأحوطها اعتبار ما هو ابعد من الغرر .

وأشكل من ذلك ما لو علم كون الشيء غير مكيل في زمن الشارع أو في

_________________________

الربا فيما يكال في بعض البلاد .

( لكن الظاهر : اختصاص هذا الحكم ) اى تغليب جانب الحرام في باب الربا إذا كانت البلاد مختلفة ( بالربا ، لا في جواز البيع جزافا في بلد لا يتعارف فيه التقدير ) بالكيل والوزن ، والا فلا ينبغي الاشكال في جواز البيع جزافا في البلد الّذي لا يتعارف فيه التقدير .

( ثم إنه يشكل الامر فيما علم كونه مقدرا في زمان الشارع لكن لم يعلم أن تقديره بالكيل أو بالوزن ، ففيه وجوه )

الكيل لأنه الغالب في زمان الشارع .

والوزن لأنه الأصل وهو أدق ، واعتبار عادة العرف في هذا الشيء الآن لأصالة عدم النقل .

والتخيير لان كلا من الكيل والوزن يجوز تبديله بالآخر .

( أقواها وأحوطها اعتبار ما هو ابعد من الغرر ) لأن الظاهر أن اعتبار الكيل والوزن للتجنب عن الغرر ، فكلما كان ابعد من الغرر كان أولى وأفضل ( وأشكل من ذلك ما لو علم كون الشيء غير مكيل في زمن الشارع أو في

ص: 50

العرف العام مع لزوم الغرر فيه عند قوم خاص .

ولا يمكن جعل ترخيص الشارع لبيعه جزافا تخصيصا لأدلة نفى الغرر لاحتمال كون ذلك الشيء من المبتذلات في زمن الشارع ، أو في العرف بحيث يتحرز عن الغرر بمشاهدته ، وقد بلغ عند قوم في العزة إلى حيث لا يتسامح فيها .

_________________________

العرف العام مع لزوم الغرر فيه عند قوم خاص ) كما إذا كان الماء عند قوم خاص مكيلا بحيث انه لو لم يكل لزم فيه الغرر ، مع أنه عند الشارع وعند العرف العام ليس مكيلا .

( و ) ان قلت : ان الشارع لم يحتم بيعه مكيلا فلذا يجوز بيعه جزافا

قلت : ( لا يمكن جعل ترخيص الشارع لبيعه جزافا تخصيصا لأدلة نفى الغرر )

فان قوله عليه السلام « لا غرر » لا يمكن تخصيصه بمثل هذا المخصص وهو بيعه جزافا في زمن الشارع ( لاحتمال كون ذلك الشيء ) كالماء في المثال ( من المبتذلات في زمن الشارع ، أو في العرف ) العام ( بحيث يتحرز عن الغرر بمشاهدته ، و ) الحال انه ( قد بلغ ) الماء ( عند قوم في العزة إلى حيث لا يتسامح فيها )

فإجازة الشارع لبيعه جزافا انما هو لأجل عدم الغرر لا انه تخصيص لأدلة الغرر فلا يمكن ان يقال : يجوز بيعه جزافا بحجة انه كان في زمن الشارع يباع جزافا .

ص: 51

فالأقوى وجوب الاعتبار - في الفرض المذكور - بما يندفع به الغرر من الكيل أو الوزن أو العدّ .

وبالجملة : فالأولى جعل المدار فيما لا اجماع فيه على وجوب التقدير فيما بنى الامر في مقام استعلام مالية الشيء على ذلك التقدير .

فإذا سئل عن مقدار ما عنده من الجوز فيجاب بذكر العد بخلاف ما إذا سئل عن مقدار مالية ما عنده من الرمان والبطيخ ، فإنه لا يجاب الا بالوزن .

وإذا سئل عن مقدار الحنطة والشعير فربما

_________________________

( فالأقوى وجوب الاعتبار - في الفرض المذكور - ) وهو ما كان في زمن الشارع جزافا ، لكن الآن يوجب الغرر ( بما يندفع به الغرر من الكيل أو الوزن أو العدّ ) لان أدلة الغرر أقوى من أدلة بيع ذلك الشيء جزافا عند العرف العام أو في زمن الشارع .

( وبالجملة : فالأولى جعل المدار فيما لا اجماع فيه ) بأنه يجوز بيعه جزافا مطلقا ( على وجوب التقدير ) هذا مفعول ثان ل « جعل » ( فيما بنى الأمر في مقام استعلام مالية الشيء على ذلك التقدير ) اى التقدير بالكيل ونحوه .

( فإذا سئل عن مقدار ما عنده من الجوز فيجاب بذكر العد ) مثلا يقول مائة ( بخلاف ما إذا سئل عن مقدار مالية ما عنده من الرمان والبطيخ ، فإنه لا يجاب الا بالوزن ) وانه مائة ، حقة مثلا .

( وإذا سئل عن مقدار الحنطة والشعير ) الّذي عنده ( فربما

ص: 52

يجاب بالكيل ، وربما يجاب بالوزن .

لكن الجواب بالكيل مختص بمن يعرف مقدار الكيل من حيث الوزن إذ الكيل بنفسه غير منضبط بخلاف الوزن .

وقد تقدم ان الوزن أصل في الكيل ، وما ذكرنا هو المراد بالمكيل والموزون الذين حمل عليهما الحكم بوجوب الاعتبار بالكيل والوزن عند البيع بدخول الربا فيهما

_________________________

يجاب بالكيل ، وربما يجاب بالوزن ) وانه كرّ ، أو مائة من .

( لكن الجواب بالكيل مختص بمن يعرف مقدار الكيل من حيث الوزن ) كان يعرف ان الكر من الحنطة يساوى مائة من مثلا ( إذ الكيل بنفسه غير منضبط ) فلا يمكن ان يكون مرجعا .

مثلا الكيل الّذي كل من طوله وعرضه وعمقه شبر يأخذ من الحنطة حقة ، ومن الشعير حقة ونصفا ، ومن الدخن نصف حقة ، إذ الاحجام تخالف المقادير في الأجناس المختلفة ، بل في الجنس الواحد عند اختلاف أنواعه ، فان الماء الحلو والمالح مختلف الأوزان ، وان اتحدت حجومهما ( بخلاف الوزن ) فإنه لا يختلف .

( وقد تقدم ان الوزن أصل في الكيل ، وما ذكرنا ) بان الميزان هو ما يجاب عند السؤال عن المالية ( هو المراد بالمكيل والموزون الذين حمل عليهما ) اى حمل على المكيل والموزون ( الحكم بوجوب الاعتبار بالكيل والوزن عند البيع ) والحكم ( بدخول الربا فيهما )

فإذا قيل : يعتبر الكيل والوزن في بعض الأجناس ، أو قيل

ص: 53

واما ما لا يعتبر مقدار ماليته بالتقدير بأحد الثلاثة كالماء والتبن والخضريات ، فالظاهر كفاية المشاهدة فيها من غير تقدير ، فان اختلف البلاد في التقدير والعدم فلا اشكال في التقدير في بلد التقدير .

واما بلد عدم التقدير فإن كان ذلك لابتذال الشيء عندهم بحيث يتسامح

_________________________

يدخل الربا في المكيل والموزون ، فالمراد هو الجنس الّذي إذا سئل عن مالية الشيء أجيب بالكيل والوزن .

مثلا : إذا سأل كم يسوى السكر ، يقال : كل كيلو بمائة فلس فمثل السكر يجب كيله ووزنه عند البيع ، ويدخل فيه الربا ، بخلاف ما إذا سئل كم يسوى البيض فإنه لا يقال : كل كيلو بكذا .

( واما ما لا يعتبر مقدار ماليته بالتقدير بأحد الثلاثة ) الكيل والوزن والعد ( كالماء والتبن والخضريات ) كالكراث وورق السلق ( فالظاهر كفاية المشاهدة فيها من غير تقدير ) الا إذا كان في البلد له تقدير خاص مثل ان كل باقة من الكراث بكذا أو كل وزنة من التبن بكذا ( فان اختلف البلاد في التقدير ) بأحد الثلاثة ( والعدم ) فكان الشيء في بلد يقدّر بالكيل مثلا ، وفي بلد يباع جزافا ( فلا اشكال في ) وجوب ( التقدير في بلد التقدير )

وذلك لصدق ان الجنس مكيل أو موزون أو معدود ، في ذلك البلد فيشمله الدليل الدال على وجوب التقدير .

( واما بلد عدم التقدير فإن كان ذلك ) عدم التقدير ( لابتذال الشيء عندهم ) وكثرته ( بحيث يتسامح

ص: 54

في مقدار التفاوت المحتمل ، مع المشاهدة كفت المشاهدة .

وان كان لعدم مبالاتهم بالغرر ، واقدامهم عليه حرصا مع الاعتداد بالتفاوت المحتمل بالمشاهدة ، فلا اعتبار بعادتهم بل يجب مخالفتها .

فان النواهي الواردة في الشرع عن بيوع الغرر والمجازفات كبيع الملاقيح ، والمضامين ، والملامسة ، والمنابذة ، والحصاة

_________________________

في مقدار التفاوت المحتمل ، مع المشاهدة ) كما لو كان البيض في بلد كثيرا بحيث تباع كل صبرة منه بدينار ، وان كانت الصبرة تختلف بزيادة مائة أو نقصانها مثلا ( كفت المشاهدة ) لأن دليل التقدير لا يشمل مثل هذا الجنس في هذا البلد .

( وان كان ) عدم التقدير ( لعدم مبالاتهم بالغرر ، واقدامهم عليه حرصا ) بدون الكيل والوزن ( مع الاعتداد ) عرفا ( بالتفاوت المحتمل بالمشاهدة ) إذ العين كثيرا ما تخطئ في التقدير الدقيق ، كما لو كان انسان له مال كثير فلا يهتم بأن يخدع بمقدار دينار الّذي هو تفاوت الزائد والناقص ( فلا اعتبار بعادتهم بل يجب مخالفتها ) فلا يجوز بيع ذلك الجنس مشاهدة بل يجب التقدير فيه .

( فان النواهي الواردة في الشرع عن بيوع الغرر والمجازفات ) اى البيوع التي لا تقدير فيها ( كبيع الملاقيح ) جمع ملقوحة ( والمضامين ) جمع مضمون ، والأول ما في أرحام الحيوانات والثاني بيع ما في أصلاب الفحول ( والملامسة ) بأن يقول : أبيعك ما الامسه بعد ( والمنابذة ) بأن يقول : أبيعك ما انبذه أليك بعد ( والحصاة ) بأن يقول : أبيعك ما

ص: 55

على بعض تفاسيرها وثمر الشجر قبل الوجود ، وغير ذلك ، لم يرد إلا ردا على من تعارف عندهم الاقدام على الغرر والبناء على المجازفات الموجب لفتح أبواب المنازعات .

وإلى بعض ما ذكرنا أشار ما عن علي بن إبراهيم عن أبيه في رجاله ذكره في حديث طويل ، قال : ولا ينظر فيما يكال أو يوزن الا إلى العامة ، ولا يؤخذ فيه الخاصة

_________________________

اضرب عليه الحصاة بعد ( على بعض تفاسيرها ) .

والتفسير الآخر هو ان يتقاولا على الشيء المعلوم ، ثم يجعلا اللمس والنبذ والحصاة ايجابا ، مثل بيع المعاطاة ، والممنوع هو الأول لأنه مجهول .

اما التفسير الثاني فلا بأس به لأنه معلوم ، وانما جعل الإيجاب والقبول عمليا دون اللفظ ( و ) بيع ( ثمر الشجر قبل الوجود ) اى قبل ان توجد الثمرة ( وغير ذلك ) من اقسام البيع الممنوع منه شرعا ( لم يرد الا ردا على من تعارف عندهم الاقدام على الغرر والبناء على المجازفات الموجب ) ذلك البناء ( لفتح أبواب المنازعات ) .

ولذا فلا يصح الاعتماد على ذلك البلد الّذي يباع فيه الشيء جزافا .

( وإلى بعض ما ذكرنا ) من أن الاعتبار بما يؤمن معه الغرر ، لا بما يتعارف عند بعض الناس فقط ، ممن لا يبالون بالغرر ( أشار ما عن علي بن إبراهيم عن أبيه في رجاله ذكره في حديث طويل ، قال : ولا ينظر فيما يكال أو يوزن الا العامة ، ولا يؤخذ فيه الخاصة ) فليس المعتبر تسامح الخاصة ،

ص: 56

فإن كان قوم يكيلون اللحم ويكيلون الجوز فلا يعتبر بهم ، لأن أصل اللحم ان يوزن ، وأصل الجوز ان يعد ،

وعلى ما ذكرنا فالعبرة ببلد فيه وجود المبيع لا ببلد العقد ، ولا ببلد المتعاقدين .

وفي شرح القواعد لبعض الأساطين ثم الرجوع إلى العادة مع اتفاقها اتفاقي .

ولو اختلف فلكل بلد حكمه

_________________________

بل المعتبر اعتبار حال العقلاء من عموم الناس ( فإن كان قوم يكيلون اللحم ويكيلون الجوز فلا يعتبر بهم ، لأن أصل اللحم ان يوزن ، وأصل الجوز ان يعد ) فالعرف الخاص الّذي هو على خلاف الصلاح لا يعتبر ميزانا .

( وعلى ما ذكرنا ) من اعتبار العرف الخاص فيما لم يكن مقدما على المسامحة ( فالعبرة ببلد فيه وجود المبيع لا ببلد العقد ، ولا ببلد المتعاقدين ) .

مثلا : كان بلد المبيع الّذي يوجد فيه الجنس كربلاء وبلد العقد بغداد ، ومسكن المتعاقدين سامراء ، فإنه يعتبر حال الجنس في كربلاء وذلك لأن بلد المبيع هو الظاهر من أدلة اعتبار البلد .

( وفي شرح القواعد لبعض الأساطين ثم الرجوع إلى العادة ) المتبعة في ذلك الجنس ( مع اتفاقها ) اى اتفاق عادة البلاد ( اتفاقي ) بين الفقهاء ، ( ولو اختلف ) عادة البلاد ( فلكل بلد حكمه ) في التقدير

ص: 57

كما هو المشهور .

وهل يراد به بلد العقد ، أو المتعاقدين ؟ .

الأقوى الأول .

ولو تعاقدا في الصحراء رجعا إلى حكم بلدهما .

ولو اختلفا رجح الأقرب ، أو الأعظم ، أو ذو الاعتبار على ذي الجزاف أو البائع في مبيعه والمشترى في ثمنه .

_________________________

عدمه ( كما هو المشهور ) لأن المنصرف من وجوب التقدير البلد الّذي يقدر فيه ، لا كل بلد .

( وهل يراد به ) اى بأن كل بلد له حكمه ( بلد العقد ، أو ) بلد ( المتعاقدين ) الّذي هما من أهله .

( الأقوى الأول ) لأنه المنصرف من أدلة وجوب التقدير .

اما ان أصل هذا الّذي يتعاقد من أين ؟ فذلك غير منصرف من الأدلة .

( ولو تعاقدا في الصحراء ) حيث لا يكون بلد يتبعه العقد في لزوم التقدير وعدمه ( رجعا إلى حكم بلدهما ) في التقدير والعدم .

( ولو اختلفا ) اى المتعاقدان فكان أحدهما من بلد فيه تقدير ، وكان الآخر من بلد لا تقدير فيه ( رجح ) البلد ( الأقرب ) إلى موضع العقد ( أو الأعظم ) كما لو كان أحدهما يحتوى على مليون انسان ، والاخر على الف انسان ( أو ) رجح ( ذو الاعتبار ) والتقدير ( على ذي الجزاف ، أو ) رجح ( البائع في مبيعه ) اى المثمن ( والمشترى في ثمنه ) فلكل حكمه في التقدير والجزاف .

ص: 58

أو يبنى على الاقراع مع الاختلاف ، وما اتفقا عليه مع الاتفاق أو التخيير .

ولعله الأقوى .

ويجرى مثله في معاملة الغرباء في الصحراء مع اختلاف البلدان والأولى التخلص بايقاع المعاملة على وجه لا يفسدها الجهالة من صلح .

_________________________

مثلا كان البائع باع منا من الحنطة بحقة من السكر ، وكان بلد البائع يزنون الحنطة وبلد المشترى لا يزنون السكر ، فان الحنطة يجب ان توزن ، اما السكر الّذي هو الثمن فلا يجب وزنه .

( أو يبنى على الاقراع مع الاختلاف ) اى اختلفا في ان يزنا ، أم لا ، في صورة اختلاف بلديهما ( و ) يبنى على ( ما اتفقا عليه ) من التقدير أو الجزاف ( مع الاتفاق ) بأن اتفقا على التقدير أو على البيع جزافا ( أو التخيير ) بين التقدير أو البيع جزافا - في صورة اختلاف بلديهما - .

( ولعله ) اى التخيير ( الأقوى ) لأنه لا دليل لترجيح أحدهما على الآخر .

( ويجرى مثله ) اى مثل هذه الاحتمالات ( في معاملة الغرباء في الصحراء مع اختلاف البلدان ) بأن لا يكون المتعاملون أهل بلد أصلا ، بخلاف المسألة السابقة التي هي ان يكون المتعاملون أهل البلاد لكن صار البيع في الصحراء .

( والأولى التخلص ) من اشكال عدم الوزن والكيل - إذا أراد البيع جزافا - ( بايقاع المعاملة على وجه لا يفسدها الجهالة ) بمقدار المبيع ( من صلح )

ص: 59

أو هبة بعوض ، أو معاطاة ، ونحوها .

ولو حصل الاختلاف في البلد الواحد على وجه التساوي فالأقوى التخيير .

ومع الاختصاص بجمع قليل اشكال ، انتهى .

_________________________

مبنى على التسامح ( أو هبة بعوض ، أو معاطاة ) غير بيعى كالإباحة في مقابل الإباحة ( ونحوها ) كالقرض ثم الابراء .

( ولو حصل الاختلاف في البلد الواحد على وجه التساوي ) بأن كان بعض أهل البلد يبيعه جزافا ، وبعضهم يبيعه كيلا أو وزنا ( فالأقوى التخيير ) بين الأمرين .

( ومع الاختصاص ) لبيعه جزافا ( بجمع قليل ) بأن كان بعض الباعة الأقلية يبيعه جزافا ، اما المعظم فيبيعونه كيلا أو وزنا ( اشكال ) في جواز بيعه جزافا ( انتهى ) كلام بعض الأساطين في شرحه على القواعد .

ص: 60

مسئلة : لو اخبر البائع بمقدار المبيع جاز الاعتماد عليه على المشهور .

وعبارة التذكرة مشعرة بالاتفاق عليه ، ويدل عليه غير واحد من الأخبار المتقدمة .

وما تقدم في صحيحة الحلبي الظاهرة في المنع عن ذلك محمول على صورة ايقاع المعاملة غير مبنية على المقدار المخبر به وان كان الأخبار

_________________________

( مسألة : لو اخبر البائع بمقدار المبيع ) أو اخبر المشترى بمقدار الثمن .

فهل اخباره أمارة تعبدية حتى يصح الاعتماد على اخباره حتى مع عدم الظن بصدقه .

أو أمارة عرفية حتى لا يصح ، والشارع امضى هذه الامارة العرفية .

ربما قالوا بالثاني ، لقوله عليه السلام نعم : إذا ائتمنك ، فتأمل ( جاز الاعتماد عليه على المشهور ) بين الفقهاء .

( وعبارة التذكرة مشعرة بالاتفاق عليه ، ويدل عليه غير واحد من الأخبار المتقدمة ) كخبر محمد بن حمران وغيره مما تقدم .

( وما تقدم في صحيحة الحلبي الظاهرة في المنع عن ذلك ) اى عن الاعتماد على اخبار البائع حيث قال عليه السلام : لا يصلح الا بكيل ( محمول ) جمعا بينه وبين الروايات المجوزة .

اما على الكراهة أو ( على صورة ايقاع المعاملة غير مبنية على المقدار المخبر به ) فالبيع يكون مجازفة ( وان كان الأخبار ) اى اخبار البائع بمقدار كيله

ص: 61

داعيا إليها فإنها لا تخرج بمجرد ذلك عن الغرر ، وقد تقدم عن التحرير ما يوافق ذلك .

[ هل يعتبر كون الخبر طريقا عرفيا للمقدار ]

ثم إن الظاهر اعتبار كون الخبر طريقا عرفيا للمقدار ، كما يشهد به الروايات المتقدمة .

فلو لم يفد ظنا فاشكال .

من بقاء الجهالة الموجبة للغرر .

ومن عدم تقييدهم الاخبار

_________________________

( داعيا إليها ) اى إلى المعاملة .

وفرق بين الداعي وبين الابتناء فإنك قد تشترى الخبز بداعي انه جاءك الضيف ، وقد تشتر به مبنيا ومشروطا بوجود الضيف عندك ( فإنها ) اى المعاملة ( لا تخرج بمجرد ذلك ) الداعي بدون الابتناء ( عن الغرر وقد تقدم عن التحرير ما يوافق ذلك ) الّذي ذكرنا من البطلان ، إذا لم يكن بنحو الابتناء .

( ثم إن الظاهر اعتبار كون الخبر ) اى خبر البائع بمقدار الكيل والوزن ( طريقا عرفيا للمقدار ، كما يشهد به الروايات المتقدمة ) كقوله عليه السلام :

إذ ائتمنك .

( فلو لم يفد ) الأخبار ( ظنا ) عرفيا بكلام البائع ، واخباره بمقدار المبيع ( فاشكال ) في الاعتماد على اخباره .

( من بقاء الجهالة الموجبة للغرر ) فاللازم عدم صحة البيع .

( ومن عدم تقييدهم ) اى الفقهاء ( الاخبار ) اى اخبار البائع

ص: 62

بإفادة الظن ولا المخبر بالعدالة .

والأقوى - بناء على اعتبار التقدير وان لم يلزم الغرر الفعلي - هو الاعتبار .

نعم لو دار الحكم مدار الغرر كما في صحة المعاملة ايقاعها مبنية على المقدار المخبر به وان كان مجهولا .

ويندفع الغرر ببناء المتعاملين على ذلك المقدار

_________________________

( بإفادة الظن ) حتى يكون طريقا عرفيا بل أطلقوا قبول قول البائع ( ولا ) تقييدهم ( المخبر بالعدالة ) حتى يكون طريقا شرعيا فلم يقولوا يجب ان يكون المخبر عادلا .

( والأقوى - بناء على اعتبار التقدير وان لم يلزم الغرر الفعلي - ) لما تقدم من أن التقدير انما وضع لحكمة الغرر ، لا لعلة الغرر ، فيمكن ان لا يكون هناك غرر ، ومع ذلك يجب التقدير ، فالأقوى ( هو الاعتبار ) للوثوق والظن بصدق المخبر لان التقدير لا يقوم مقامه الا الوثوق والظن عرفا فبدونهما يكون كالشئ بدون تقدير .

( نعم ) ان كان المعيار في لزوم التقدير تجنب الغرر لم يلزم الوثوق إذا لم يكن هناك غرر عرفى .

ف ( لو دار الحكم مدار الغرر كما في صحة المعاملة ايقاعها ) اى المعاملة ( مبنية على المقدار المخبر به ) اى الّذي اخبر به البائع ( وان كان مجهولا ) عند المشترى حيث لا يعلم هل يصدق البائع ، أم لا ؟

( ويندفع الغرر ببناء المتعاملين على ذلك المقدار ) الّذي يخبر

ص: 63

فان ذلك ليس بأدون من بيع العين الغائبة على أوصاف مذكورة في العقد ، فيقول بعتك هذه الصبرة على أنها كذا وكذا صاعا .

وعلى كل تقدير الحكم فيه بالصحة فلو تبين الخلاف .

فاما ان يكون بالنقيصة ، واما ان يكون بالزيادة

[ ثبوت الخيار للمشتري لو تبين الخلاف بالنقيصة ]

فإن كان بالنقيصة تخير المشترى بين الفسخ وبين الامضاء

_________________________

به البائع .

إذ العرف لا يرى غررا في ذلك حينئذ ، لأنه يرى أن المتاع ان كان ناقصا اخذ المشترى المقدار الناقص من البائع ، فمن اين يأتي الغرر ؟

( فان ذلك ) البيع المبنى على اخبار البائع ( ليس بأدون من بيع العين الغائية على أوصاف مذكورة في العقد ) مع عدم اشتراط الوثوق بكلام البائع .

فكما يجوز بيع العين الغائبة ولا غرر ، فكذلك يجوز بيع الشيء المقدر على أنه كذا وكذا قدرا ( فيقول ) البائع ( بعتك هذه الصبرة على أنها كذا وكذا صاعا ) فأي فرق في رفع الغرر بين الوصف وبين ذكر المقدار ؟

( وعلى كل تقدير الحكم فيه ) اى في التقدير بدون الظن بكلام البائع ( بالصحة فلو تبين الخلاف ) اى خلاف ما قال البائع .

( فاما ان يكون بالنقيصة ، واما ان يكون بالزيادة ) كما لو كان الاخبار بأنه مائة ، ثم تبين انه مائة وعشرة أو تسعين ( فإن كان ) الخلاف ( بالنقيضة ) بان ظهر تسعين في المثال ( تخير المشترى بين الفسخ وبين الامضاء ) .

ص: 64

بل في جامع المقاصد احتمال البطلان ، كما لو باعه ثوبا على أنه كتان ، فبان قطنا ، ثم رده بكون ذلك من غير الجنس وهذا منه ، وانما الفائت الوصف .

لكن يمكن ان يقال مغايرة الموجود الخارجي لما هو عنوان العقد حقيقة مغايرة حقيقة لا يشبه مغايرة الفاقد للوصف لواجده لاشتراكهما

_________________________

بالنسبة ، فيسترد عشرة دنانير من الثمن الّذي كان مائة دينار مثلا ( بل في جامع المقاصد ) ذهب إلى أكثر من التخيير - في مقابل صحة البيع ولزومه - ب ( احتمال البطلان ، كما لو باعه ثوبا على أنه كتان ، فبان قطنا ) لأن المبيع ليس مقصود أو المقصود ليس مبيعا ( ثم رده ) إلى البطلان ( بكون ذلك ) البطلان في مثال الكتان والقطن ( من غير الجنس ) إذ القطن غير الكتان ( وهذا ) ما نحن فيه وهو ما كان انقص ( منه ) اى من الجنس ( وانما الفائت ) في المقام ( الوصف ) اى الانضمام ، لأنه باع التسعين منضما إلى العشرة ، والحال انه ليس بمنضم .

( لكن يمكن ان يقال ) تأييدا للبطلان في المقام ، بأنه ليس من فقد الوصف .

ف ( مغايرة الموجود الخارجي ) اى التسعين ( لما هو عنوان العقد ) اى المائة ( حقيقة ) فان التسعين يغاير المائة حقيقة ( مغايرة حقيقية ) فهو من قبيل القطن والكتان ( لا يشبه مغايرة الفاقد للوصف لواجده ) اى واجد الوصف كالمغايرة بين العبد الكاتب والعبد غير الكاتب فيما إذا باعه العبد باعتبار انه كاتب فبان انه ليس بكاتب ( لاشتراكهما )

ص: 65

في أصل الحقيقة ، بخلاف الجزء والكل ، فتأمل فان المتعين الصحة والخيار .

ثم إنه قد عبر في القواعد عن ثبوت هذا الخيار للبائع مع الزيادة ، وللمشترى مع النقيصة بقوله تخيّر المغبون .

فربما تخيّل بعض تبعا لبعض ان هذا ليس من خيار فوات الوصف أو الجزء ، معللا بأن خيار الوصف انما يثبت مع التصريح باشتراط الوصف في العقد .

_________________________

اى فاقد الوصف وواجده ( في أصل الحقيقة ) كالعبدية - في المثال - ( بخلاف الجزء والكل ) فان التسعين ليس حقيقة المائة ( فتأمل ) إذ ليس اختلاف الجزء والكل اختلافا في الحقيقة ، بل في الزيادة ، والنقصان فقط ( فان المتعين الصحة ) في بيع الناقص باسم الزائد ( والخيار ) كما تقدم .

( ثم إنه قد عبر في القواعد عن ثبوت هذا الخيار للبائع مع الزيادة ) في المال كما لو باع باعتبار انه مائة متر ، فظهر مائة وعشرة أمتار ( وللمشترى مع النقيصة ) كما لو باع باعتبار انه مائة متر فظهر تسعين مترا ( بقوله تخيّر المغبون ) منهما .

( فربما تخيّل بعض تبعا لبعض ) آخر ( ان هذا ليس من خيار فوات الوصف ، أو ) فوات ( الجزء ) حيث عبّر العلامة عن هذا الخيار بلفظ الغبن ( معللا ) بأنه ليس من خيار فوات الوصف ( بان خيار الوصف انما يثبت مع التصريح باشتراط الوصف في العقد ) .

ص: 66

ويدفعه تصريح العلامة في هذه المسألة من التذكرة بأنه لو ظهر النقصان رجع المشترى بالناقص .

وفي باب الصرف من القواعد بأنه لو تبين المبيع على خلاف ما اخبر البائع تخير المشترى بين الفسخ والامضاء ، بصحة معينة من الثمن .

وتصريح جامع المقاصد في المسألة الأخيرة بابتنائها على المسألة المعروفة وهي ما لو باع متساوي الاجزاء

_________________________

كما لو قال : اشترى منك عبدا كاتبا ، ثم ظهر العبد اميّا ليس بكاتب وليس ما نحن فيه كذلك إذ لم يشترط الوصف في العقد .

( ويدفعه تصريح العلامة في هذه المسألة من التذكرة ، بأنه لو ظهر النقصان ) في المبيع ( رجع المشترى بالناقص ) .

ومن المعلوم ان هذا التصريح ينافي كونه من باب الغبن ، لأن الخيار في الغبن الفسخ لا النقصان .

فبقرينة قوله : « بالناقص » نفهم ان المراد بالغبن في كلام القواعد ليس الغبن الاصطلاحي .

( وفي باب الصرف من القواعد ) صرح ( بأنه لو تبين المبيع على خلاف ما اخبر البائع تخير المشترى بين الفسخ والامضاء بحصة معينة من الثمن )

ومن المعلوم : ان خيار الغبن ليس كذلك ، إذ ليس الامضاء بحصة من الثمن .

( و ) كذلك ( تصريح جامع المقاصد في المسألة الأخيرة ) اى مسألة الصرف ( بابتنائها على المسألة المعروفة ، وهي ما لو باع متساوي الاجزاء )

ص: 67

على أنه مقدار معين ، فبان أقل .

ومن المعلوم : ان الخيار في تلك المسألة اما لفوات الوصف ، واما لفوات الجزء على الخلاف الآتي .

واما التعبير بالمغبون فليشمل البائع على تقدير الزيادة ، والمشترى على تقدير النقيصة نظير تعبير الشهيد في اللمعة عن البائع والمشترى في بيع العين الغائبة برؤيتها السابقة مع تبين الخلاف ، حيث قال تخير

_________________________

كالصبرة ، لا كالحيوان ( على أنه مقدار معين ، فبان أقل )

كما لو باع الصبرة على أنها مائة من ، فبان تسعين منّا .

( ومن المعلوم : ان الخيار في تلك المسألة ) المعروفة ( اما لفوات الوصف ، واما لفوات الجزء ) لا من باب الغبن ( على الخلاف الآتي ) من أنه خيار فوات الوصف ، أو خيار فوات الجزء .

( و ) ان قلت : فلم عبر العلامة ب « المغبون » في كلامه السابق ؟

قلت : ( اما ) ذلك ( التعبير بالمغبون فليشمل البائع على تقدير الزيادة ) بان باع مائة واعطى مائة وعشرة ( والمشترى على تقدير النقيصة ) بان اشترى مائة فظهر تسعين .

فكذلك ( نظير تعبير الشهيد في اللمعة عن البائع والمشترى في بيع العين الغائبة ) بيعا مستندا ( برؤيتها السابقة ) بان كان المشترى رآها ثم بنى على تلك الرؤية فاشتراها أو كان البائع رأى الثمن « فيما كان عينا » فاخذ الثمن باعتبار تلك الرؤية السابقة ( مع تبين الخلاف حيث قال تخير

ص: 68

المغبون منهما .

واما ما ذكره من أن الخيار انما يثبت في تخلف الوصف إذا اشترط في متن العقد ، ففيه ان ذلك في الأوصاف الخارجة التي لا يشترط اعتبارها في صحة البيع ، ككتابة العبد وخياطته .

واما الملحوظ في عنوان المبيع بحيث لو لم يلاحظ لم يصح البيع كمقدار معين من الكيل ، أو الوزن ، أو العد ، فهذا لا يحتاج إلى ذكره في متن العقد فان هذا أولى من وصف

_________________________

المغبون منهما ) مع العلم انه ليس من خيار الغبن .

وانما عبّر بهذا التعبير ، لأجل ان يشمل اللفظ كلا من البائع والمشترى .

( واما ما ذكره ) المستشكل ( من أن الخيار انما يثبت في تخلف الوصف إذا اشترط في متن العقد ، ففيه ) ان هذا على اطلاقه ليس بتام ، ف ( ان ذلك في الأوصاف الخارجة التي لا يشترط اعتبارها في صحة البيع ، ككتابة العبد وخياطته ) فان بيع العبد صحيح ، سواء كان كاتبا أم لا .

( واما الملحوظ في عنوان المبيع ) حيث انصب عليه ( بحيث لو لم يلاحظ ، لم يصح البيع كمقدار معين من الكيل ، أو الوزن ، أو العد ) كما لو قال : بعتك كذا كيلا ، وكذا حقة ، أو كذا عددا ( فهذا ) الملحوظ في عنوان المبيع ( لا يحتاج إلى ذكره في متن العقد ) بعد ذكره في عنوان المبيع ( فان هذا ) الملحوظ في عنوان المبيع ( أولى من وصف

ص: 69

الصحة الّذي يغنى بناء العقد عليه عن ذكره في العقد فان معرفة وجود ملاحظة الصحة ليست من مصححات العقد ، بخلاف معرفة وجود المقدار المعين .

وكيف كان فلا اشكال في كون هذا الخيار خيار التخلف .

وانما الاشكال في ان المتخلف في الحقيقة هل هو جزء المبيع ؟ أو وصف من أوصافه .

_________________________

الصحة الّذي يغنى بناء العقد عليه ) « بناء » فاعل « يغنى » .

فان المتبايعين يبنيان على أن يكون كل من المثمن والثمن صحيحا ، ويعقدان العقد بناء على هذا الوصف ( عن ذكره ) اى وصف الصحة ( في العقد ) « عن » متعلق ب « يغنى » .

فكما انه لا يشترط ذكر وصف الصحة في العقد ، فكذلك لا يشترط ذكر المقدار كيلا أو وزنا أو عدا بعد صبّ العقد عليه .

وانما قلنا « أولى » ( فان معرفة وجود ملاحظة الصحة ليست من مصححات العقد ) فإنه إذا باع غير الصحيح كان المشترى خيار العيب ، لا ان العقد فاسد ( بخلاف معرفة وجود المقدار المعين ) فإنها من مصححات العقد ، لعدم جواز بيع الجزاف .

( وكيف كان ) الأمر ( فلا اشكال في كون هذا الخيار ) اى خيار تخلف المقدار عما بنيا عليه ( خيار المتخلف ) لا خيار الغبن .

( وانما الاشكال في ان المتخلف في الحقيقة هل هو جزء المبيع ) حتى يكون الامضاء - إذا أراد ذو الخيار امضاء العقد - ببعض الثمن ( أو وصف من أوصافه ) حتى يكون الامضاء بتمام الثمن ، إذ الأوصاف لا تقابل

ص: 70

فلذلك اختلف في ان الامضاء هل هو بجميع الثمن ؟ أو بحصة منه نسبتها إليه كنسبة الموجود من الاجزاء إلى المعدوم .

وتمام الكلام في موضع تعرض الأصحاب للمسألة .

[ كل ما يكون طريقا عرفيا إلى مقدار المبيع فهو بإخبار البائع ]

ثم إن في حكم اخبار البائع بالكيل والوزن من حيث ثبوت الخيار عند تبين الخلاف كل ما يكون طريقا عرفيا إلى مقدار المبيع ، وأوقع العقد بناء عليه كما إذا جعلنا الكيل في المعدود والموزون طريقا إلى عده أو وزنه .

_________________________

بالأثمان ، وانما الاجزاء تقابل بالأثمان .

( فلذلك ) الاختلاف في ان المتخلف جزء أو وصف ( اختلف ) الفقهاء ( في ان الامضاء هل هو بجميع الثمن ) هذا ، لاختلاف الوصف ( أو بحصة منه ) اى من الثمن ( نسبتها ) اى نسبة تلك الحصة ( إليه ) اى إلى الثمن ( كنسبة الموجود من الاجزاء إلى المعدوم ) .

فإذا كان المقدار مائة والثمن مائة دينار ، ثم ظهر المبيع تسعين كان البائع استحق تسعين دينارا فقط .

( وتمام الكلام ) في ان هذا الخيار خيار تخلف الجزء أو الوصف ( في موضع تعرض الأصحاب للمسألة ) إن شاء الله تعالى .

( ثم إن في حكم اخبار البائع بالكيل والوزن من حيث ثبوت الخيار عند تبين الخلاف ) .

وكذلك اخبار المشترى بهما فيما إذا كان مكيلا أو موزونا ( كل ما يكون طريقا عرفيا إلى مقدار المبيع وأوقع العقد بناء عليه ) اى على ذلك المقدار ( كما إذا جعلنا الكيل في المعدود والموزون طريقا إلى عده أو وزنه )

ص: 71

مسئلة قال في الشرائع يجوز بيع الثوب والأرض مع المشاهدة

وان لم يمسحا .

ولو مسحا كان أحوط لتفاوت الغرض في ذلك وتعذر ادراكه بالمشاهدة ، انتهى .

وفي التذكرة لو باع مختلف الاجزاء مع المشاهدة ، صح كالثوب والدار ، والغنم

_________________________

كما إذا حسبنا مائة بيضة وكلناها بكيل ، ثم جعلنا ذلك الكيل علامة وطريقا لمائة بيضة ، أو إذا وزنا حقة من الحنطة ثم افرغناها في كيل ثم جعلنا ذلك الكيل علامة وطريقا لحقة من الحنطة .

( مسألة ) في ذكر مصاديق اختلف في انها هل تحتاج إلى التقدير أم لا ؟ ( قال في الشرائع يجوز بيع الثوب والأرض مع المشاهدة ) والرؤية فقط ( وان لم يمسحا ) بأن لم يذرع الثوب ، ولا الأرض .

( ولو مسحا كان أحوط ) وابعد عن الغرر .

وانما كان أحوط ( لتفاوت الغرض في ذلك ) اى في المقدار ، فإنه ربما يتعلق الغرض بألف متر وذلك ما لا يعرف بالمشاهدة .

نعم ربما لا يكون الغرض الا مقدار في الجملة وذلك مما لا يحتاج إلى المسح والذرع ( وتعذر ادراكه ) اى المقدار ( بالمشاهدة ) فقط ( انتهى ) كلام الشرائع .

( و ) قال ( في التذكرة لو باع مختلف الأجزاء مع المشاهدة ، صح ) وذلك ( كالثوب ، والدار ، والغنم ) بخلاف متفق الاجزاء ، كالحنطة والشعير ، والمراد : الثوب المخيط أو مطلق القماش ، باعتبار ان في

ص: 72

اجماعا ، وصرح في التحرير بجواز بيع قطع الغنم ، وان لم يعلم عددها .

أقول يشكل الحكم بالجواز في كثير من هذه الموارد ، لثبوت الغرر غالبا مع جهل اذرع الثوب وعدد قطيع الغنم .

والاعتماد في عددها على ما يحصل تخمينا بالمشاهدة عين المجازفة .

وبالجملة إذا فرضنا ان مقدار مالية الغنم قلة وكثرة يعلم بالعدد فلا فرق بين الجهل بالعدد فيها ، وبين الجهل بالمقدار في المكيل

و

_________________________

الزمن السابق كان القماش مختلف الاجزاء باعتبار النسج والجنس المنسوج ، بخلاف هذه الأزمنة التي يكون الجنس بكيفية واحدة من جهة المكائن ( اجماعا ، وصرح ) العلامة ( في التحرير بجواز بيع قطيع الغنم وان لم يعلم عددها ) وهذا غير ما تقدم من بيع فرد واحد من الغنم .

( أقول يشكل الحكم بالجواز ) بدون التقدير ( في كثير من هذه الموارد ، لثبوت الغرر غالبا مع جهل ) البائع أو المشترى ، ب ( اذرع الثوب وعدد قطيع الغنم ) .

( و ) ان قلت : لا جهل ولا غرر لوجود المشاهدة .

قلت : ( الاعتماد في عددها على ما يحصل تخمينا بالمشاهدة عين المجازفة ) والمجازفة جهل وغرر ، فيشمله قوله صلّى اللّه عليه وآله : لا غرر .

( وبالجملة إذا فرضنا ان مقدار مالية الغنم ) أو الثوب أو الأرض ( قلة وكثرة ) كمائة دينار ، وألف دينار ( يعلم بالعدد ) وانه مائة شاة أو مائة وعشرة ، وكذلك يعلم بالمسح والذرع ( فلا فرق بين الجهل بالعدد فيها ) اى في الغنم ( وبين الجهل بالمقدار في المكيل

ص: 73

الموزون والمعدود .

وكذا الحكم في عدد الأذرع والطاقات في الكرابيس والجريان في كثير من الأراضي المقدرة عادة بالجريب .

نعم ربما يتفق تعارف عدد خاص في اذرع بعض طاقات الكرابيس .

لكن الاعتماد على هذا من حيث كونه طريقا إلى عدد الأذرع نظير

_________________________

الموزون والمعدود ) .

فأي فرق بين المقامين حتى تقولون بجواز الأول دون الثاني ، إذ الغرر موجود فيهما معا .

( وكذا الحكم في عدد الأذرع والطاقات ) والطاقة عدة ذراع ( في الكرابيس ) جمع كرباس ، وهو نوع من القماش .

وكذلك في سائر اقسام القماش ( و ) عدد ( الجريان ) جمع جريب ، وهو مقدار خاص من الأرض ( في كثير من الأراضي المقدرة عادة بالجريب ) بخلاف بعض الأراضي ، حيث إن العادة جرت على بيعها بدون ملاحظة كمية الجربان ، ولا يلزم من البيع غرر .

( نعم ربما يتفق تعارف عدد خاص في اذرع بعض طاقات الكرابيس ) فمثل كل طاقة مائة ذرع ، ومثل هذه الطاقة يجوز بيعها بدون تقدير الأذرع .

( لكن الاعتماد على هذا ) المبيع بدون الذرع ( من حيث كونه طريقا إلى عدد الأذرع ) وقد تقدم انه يكفى الطريق إلى الكيل والوزن والعدد ، فكيف بمثل الطاقة ونحوها ، حيث لا نص على لزوم الذرع .

وانما نقول : به من باب رفع الغرر ( نظير

ص: 74

اخبار البائع .

وليس هذا معنى كفاية المشاهدة .

وتظهر الثمرة في ثبوت الخيار .

إذ على تقدير كفاية المشاهدة لا يثبت خيار مع تبين قلة الأذرع بالنسبة إلى ما حصل التخمين به من المشاهدة الا إذا كان النقص عيبا .

_________________________

اخبار البائع ) الّذي جعل طريقا .

( وليس هذا ) الّذي كان طريقا إلى الذرع ( معنى كفاية المشاهدة ) كما ادعاه المحقق والعلامة ، بل معناه الاكتفاء بالطريق عن التحقيق عن المقدار .

( وتظهر الثمرة ) بين كون المشاهدة حينئذ أصلا أو طريقا ( في ثبوت الخيار ) للمشترى للأرض والقطيع والطاقة - مثلا - .

( إذ على تقدير كفاية المشاهدة لا يثبت خيار مع تبين قلة الأذرع ) القلة ( بالنسبة إلى ما حصل التخمين به من المشاهدة ) .

مثلا : المشاهدة ادّت إلى أن الطاقة مائة ذراع تخمينا ، ثم ظهرت الطاقة تسعين ذراعا .

فإنه - بناء على الطريقية - يكون للمشترى الخيار .

اما بناء على كفاية المشاهدة في نفسها فلا خيار ، لأنه قد حصلت المشاهدة التي هي معيار الصحة ( الا إذا كان النقص عيبا ) استثناء من « لا يثبت » اى لا يكون خيار النقص ، وانما يكون خيار العيب في صورة بلوغ النقص إلى حد عدّ في العرف نقصا ، فان كفاية المشاهدة لا تنافى

ص: 75

أو اشترط عددا خاصا من حيث الذراع طولا وعرضا .

وبالجملة : فالمعيار هنا دفع الغرر الشخصي إذ لم يرد هنا نص بالتقدير ليحتمل إناطة الحكم به ولو لم يكن غرر كما استظهرناه في المكيل والموزون ، فافهم .

_________________________

وجود الخيار إذا ظهر المبيع معيبا ، كما إذا شاهد دارا فاشتراها ثم ظهرت ان بنائها من حجر رخو لا يصلح للبناء - مثلا - .

( أو اشترط عددا خاصا من حيث الذراع ) في الطاقة ( طولا ) كمائة متر مثلا ( وعرضا ) كأن يكون عرض الطاقة مترين مثلا فان كفاية المشاهدة لا تنافى خيار الاشتراط .

( وبالجملة : فالمعيار هنا ) في مورد كفاية المشاهدة وعدم كفايتها كالأرض ، والقطيع ، والقماش ( دفع الغرر الشخصي ) فإن كان في البيع بالمشاهدة غرر عرفا لم يجز ، لشمول اطلاق دليل نفى الغرر ، له وان لم يكن غرر جاز .

وانما قلنا : بأن المناط الغرر ( إذ لم يرد هنا نص بالتقدير ) اى نصا يوجب تقدير هذه الأشياء بالعدد ، والأذرع ( ليحتمل إناطة الحكم ) بالجواز وعدم الجواز ( به ) اى بذلك التقدير ( ولو لم يكن غرر ) بدون ذلك التقدير ( كما استظهرناه ) اى ان المناط ليس الغرر وانما الكيل والوزن ( في المكيل والموزون ) حيث قلنا إنه يلزم الكيل والوزن للأدلة الخاصة ، وان لم يكن غرر بدون الكيل والوزن ( فافهم ) حيث احتمل ان الكيل والوزن أيضا من باب نفى الغرر ، لا انه تعبد شرعي وان لم يكن

ص: 76

مسئلة بيع بعض من جملة متساوية الاجزاء ،

كصاع من صبرة مجتمعة الصيعان

_________________________

غرر ، فإنها فرق بين المكيل والموزون ، وبين المذروع والمعدود في ان اللازم ان لا يكون هناك غرر ، واللّه العالم .

( مسألة ) أصول البيع على ثلاثة أقسام :

الأول : بيع الفرد .

الثاني : بيع الكسر .

الثالث : بيع الكلى .

والأول : اما ان يبيع فردا معينا كهذا الكتاب ، وقد يبيع أحد فردين بلا تعيين ، كان يبيع أحد كتابين ،

والثاني : اما ان يكون كسرا محدودا مثل ان يقول : أبيعك عشر هذه الصبرة وهي عشر كيلوات ، واما ان يكون كسرا غير محدود ، مثل ان يقول : أبيعك عشر هذه الصبرة .

والثالث : اما ان يكون كليا في الذمة مثل ان يقول : أبيعك كيلوا ، واما ان يكون كليا في الخارج مثل ان يقول : أبيعك كيلوا من هذه الصبرة واما ان يكون كليا مشروطا ان يدفعه من صبرة خارجية هذه هي أصول الاقسام .

وهناك اقسام فرعية يأتي الكلام على جملة منها : ( بيع بعض من جملة متساوية الاجزاء ، كصاع من صبرة مجتمعة الصيعان ) الصبرة عبارة

ص: 77

أو متفرقتها ، أو ذراع من كرباس ، أو عبد من عبدين ، وشبه ذلك يتصور على وجوه .

الأول : ان يريد بذلك البعض كسرا واقعيا من الجملة مقدرا بذلك العنوان ،

فيريد بالصاع - مثلا - من صبرة تكون عشرة أصوع عشرها ومن عبد من العبدين نصفهما .

ولا اشكال في صحة ذلك .

ولا في كون المبيع مشاعا في الجملة .

_________________________

عن كمية من الحنطة ونحوها ( أو متفرقتها ) كما لو كان الف كيلو من الحنطة في عشرة أمكنة ( أو ذراع من كرباس ) يشتمل على كمية من الأذرعة ( أو عبد من عبدين ، وشبه ذلك ) من الأمثلة ، ( يتصور على وجوه )

( الأول : ان يريد بذلك البعض ) الّذي باعه ( كسرا واقعيا من الجملة ) اى جملة الصبرة ( مقدرا بذلك العنوان ) كعنوان الصاع مثلا ( فيريد ) البائع ( بالصاع - مثلا - من صبرة ) هي عبارة عن جملة ( تكون عشرة أصوع عشرها ) عشرها مفعول « يريد » وهذا في مقابل ان يريد صاعا على نحو الكلى في المعين ( و ) يريد ( من ) بيع ( عبد من العبدين ) يملكهما البائع ( نصفهما ) لا على نحو الواحد المردد .

( ولا اشكال في صحة ذلك ) البيع .

( و ) كذلك ( لا ) اشكال ( في كون المبيع مشاعا في الجملة ) اى في المجموع لان البائع والمشترى قصدا ذلك ، فان العقود تتبع القصود .

ص: 78

ولا فرق بين اختلاف العبدين في القيمة وعدمه .

ولا بين العلم بعدد صيعان الصبرة وعدمه ، لان الكسر مقدر بالصاع ، فلا يعتبر العلم بنسبته إلى المجموع ، هذا .

ولكن قال في التذكرة والأقرب انه لو قصد الإشاعة في عبد من عبدين أو شاة من شاتين بطل ، بخلاف الذراع من الأرض ، انتهى .

ولم يعلم وجه الفرق الا منع ظهور الكسر المشاع من لفظ العبد والشاة

_________________________

( ولا فرق بين اختلاف العبدين في القيمة ) كما لو كان أحدهما مائة والآخر سبعين ( وعدمه ) كما لو كان كل واحد منهما مائة - مثلا - .

( و ) كذلك ( لا ) فرق ( بين العلم بعدد صيعان الصبرة ) كما لو علم أنها عشرة ( وعدمه ) كما لو لم يعلم أنها عشرة أو عشرين ( لان الكسر مقدر بالصاع ) فإنه اشترى مقدارا مشاعا من الصبرة يساوى صاعا ، ولم يشتر عشرا ، أو ما أشبه حتى يلزم العلم بالمجموع ( فلا يعتبر العلم بنسبته ) اى نسبة المبيع ( إلى المجموع ، هذا ) هو مقتضى القاعدة .

( ولكن قال في التذكرة والأقرب انه لو قصد الإشاعة في عبد من عبدين أو شاة من شاتين بطل ) البيع ( بخلاف ) ما لو باع ( الذراع من الأرض ) فإنه يصح ( انتهى )

( ولم يعلم وجه الفرق ) إذ لو بطل المشاع بطل فيهما ، ولو صح فيهما ( الا ) ان يكون كلام العلامة في باب الظهور اللفظي .

وذلك ب ( منع ظهور الكسر المشاع من لفظ العبد والشاة ) بان يكون الظاهر بيع الفرد المردد ، بخلاف ذراع الأرض فإنه ظاهر في

ص: 79

الثاني ان يراد به بعض مردد بين ما يمكن صدقه عليه من الافراد المتصورة في المجموع ،

نظير تردد الفرد المنتشر بين الافراد .

وهذا يتضح في صاع من الصيعان المتفرقة .

ولا اشكال في بطلان ذلك مع اختلاف المصاديق في القيمة كالعبدين المختلفين

_________________________

الكسر المشاع .

وذلك لأن الظاهر من « العبدين » أحدهما ، لا النصف المشاع منهما .

وعلى هذا فلا يخالف العلامة ما ذكرناه من صحة المشاع حتى في العبدين والشاتين .

( الثاني ) : من صور بيع البعض ( ان يراد به ) اى يبيع البعض في الجملة ( بعض مردد بين ما يمكن صدقه عليه من الافراد المتصورة في المجموع ، نظير تردد الفرد المنتشر بين الافراد )

فكما انه لو قال : جئنى برجل ، يكون الرجل منتشرا بين الرجال ، كذلك إذا قال : بعتك صاعا ، فليس المراد الكسر المشاع ، بل المراد الفرد المنتشر القابل الانطباق على كل صاع صاع .

( وهذا ) القسم ( يتضح في صاع من الصيعان المتفرقة ) كما لو كان هنا صاع وهنا صاع وهكذا فقال : بعتك احدى هذه الاصوع .

( ولا اشكال في بطلان ذلك ) البيع ( مع اختلاف المصاديق في القيمة كالعبدين المختلفين ) قيمة بان كان أحدهما مائة والاخر تسعين

ص: 80

لأنه غرر لان المشترى لا يعلم بما يحصل في يده منهما .

واما مع اتفاقهما في القيمة كما في الصيعان المتفرقة فالمشهور أيضا كما في كلام بعض المنع ، بل في الرياض نسبته إلى الأصحاب ، وعن المحقق الأردبيلي قدس سره أيضا نسبة المنع عن بيع ذراع من كرباس مشاهد من غير تعيين أحد طرفيه إلى الأصحاب .

واستدل على المنع بعضهم بالجهالة التي تبطل معها البيع اجماعا

_________________________

( لأنه غرر ) وقد فهي النبي صلى الله عليه وآله عن الغرر ( لان المشترى لا يعلم بما يحصل في يده ) هل من قيمته مائة ؟ أو من قيمته سبعون ؟ كما أن البائع أيضا يجهل ذلك ( منهما ) اى من العبدين ، وكذلك إذا كان أحد الصاعين يسوى مائة فلس والآخر سبعين فلسا مثلا .

( واما مع اتفاقهما في القيمة كما في الصيعان المتفرقة ) مع كون الجميع من جنس واحد ( فالمشهور أيضا كما في كلام بعض ) نسبته إلى الشهرة ( المنع ، بل في الريا ونسبته إلى الأصحاب ، وعن المحقق الأردبيلي قدس سره أيضا نسبة المنع عن بيع ذراع من كرباس ) حاضر ( مشاهد ) يراه الطرفان ( من غير تعيين أحد طرفيه ) هذا الطرف من الكرباس أو ذاك الطرف ( إلى الأصحاب ) .

ولا يخفى : ان بيع الكرباس كذلك مثل بيع الصاع في كلام الرياض .

( واستدل على المنع بعضهم بالجهالة ) للمبيع ( التي تبطل معها ) اى مع تلك الجهالة ( البيع اجماعا ) إذ يجهل كل من البائع والمشترى عين المبيع .

ص: 81

وآخر بأن الابهام في البيع مبطل له لا من حيث الجهالة .

ويؤيده انه حكم في التذكرة - مع منعه عن بيع أحد العبدين المشاهدين المتساويين - بأنه لو تلف أحدهما فباع الباقي ولم يدر أيهما هو

_________________________

( و ) استدل ( آخر بان الابهام في البيع مبطل له ) من حيث هو ابهام ( لا من حيث الجهالة ) .

والفرق بين الابهام والجهالة واضح ، ويظهر بأن الابهام لا واقع له يطابقه المبهم ، بخلاف الجهالة فإنه في الواقع معلوم ، لكن في الظاهر مجهول .

مثلا : بيع العبد من العبدين مبهم وليس مجهولا ، إذ « عبد من عبدين » لا واقع له ، بخلاف ما إذا تلف عبد من عبدي زيد ، فإنه مجهول لأنه واقع على أحدهما مجهول لدى زيد .

ومثله لو قال « طلقتك » لاحدى زوجتيه ، أو قال « أعتقك » لاحد عبديه ثم جهل انه طلق هندا أو فاطمة وانه اعتق كافورا أو فيروزا ، فان هذا من الجهالة .

اما لو قال « طلقك أحدا كما » أو « أعتقت أحدكما » فإنه مبهم ولذا قال بعض الفقهاء في باب « القرعة لكل امر مشكل » انه لا يشمل المبهم وانما يشمل المجهول .

( ويؤيده ) اى كون البطلان من جهة الابهام ( انه حكم في التذكرة مع منعه عن بيع أحد العبدين المشاهدين ) بصيغة المفعول ( المتساويين ) قيمة ( - بأنه لو تلف أحدهما فباع الباقي ولم يدر أيهما هو )

ص: 82

صح خلافا لبعض العامة .

وثالث : بلزوم الغرر .

ورابع : بان الملك صفة وجودية محتاجة إلى محل تقوم به كسائر الصفات الموجودة في الخارج .

و « أحدهما على سبيل البدل » غير قابل لقيامه به لأنه امر انتزاعي من امرين معينين .

ويضعف الأول بمنع المتقدمتين

_________________________

الباقي المبيع ( صح ) .

وذلك لان البيع في الأول مبهم وفي صورة التلف مجهول ( خلافا لبعض العامة ) حيث قال بالبطلان في صورة الابهام أيضا .

( و ) استدل ( ثالث : بلزوم الغرر ) والغرر قد يراد به الجهالة ، ويراد به الابهام ، وقد يراد به الأعم .

( و ) استدل ( رابع : بان الملك صفة وجودية محتاجة إلى محل تقوم به كسائر الصفات الموجودة في الخارج ) كالسواد والبياض ، والأبوة والبنوة .

( و « أحدهما على سبيل البدل » غير قابل لقيامه به ) اى بالمحل ( لأنه امر انتزاعي من امرين معينين ) فان كل شيء هو هو ، لا انه هو أو غيره مثل زيد ، زيد لا انه زيد أو عمرو .

ومن المعلوم ان زيدا له وجود وعمروا له وجود لكن لا وجود ل « زيد أو عمرو » ( ويضعف ) الدليل ( الأول ) اى كونه مجهولا ( بمنع المقدمتين )

ص: 83

لان الواحد على سبيل البدل غير مجهول ، إذ لا تعين له في الواقع حتى يجهل .

والمنع عن بيع المجهول - ولو لم يلزم غرر - غير مسلم .

نعم وقع في معقد بعض الاجماعات ما يظهر منه صدق كلتا المقدمتين .

_________________________

الصغرى هو « الواحد المردد مجهول » والكبرى « كل مجهول لا يصح بيعه »

اما منع الصغرى ، ف ( لان الواحد على سبيل البدل غير مجهول ) اى ليس مجهولا ( إذ لا تعين له في الواقع حتى يجهل ) فان « مجهول » يطلق على ماله واقع ولكنا نجهل ذلك الواقع ، كما إذا طلق واحدة من زوجتيه - معينة عند صيغة الطلاق - ثم جهل هل ان التي أوقع عليها الطلاق فاطمة أو هند .

اما إذا طلق « إحداهما مرددا » فلا يقال لها مجهولة ، إذ لا واقع لها ، بل هي مبهمة .

فقول المستدل « ان الواحد المردد مجهول » غير تام .

( و ) اما منع الكبرى ، فذلك لان ( المنع عن بيع المجهول ) اى لا يجوز بيع المجهول ( - ولو لم يلزم غرر - ) « لو » وصلية ( غير مسلم ) ، - خبر المنع - فان المجهول الموجب للضرر لا يجوز ، لا كل مجهول .

( نعم وقع في معقد بعض الاجماعات ما يظهر منه صدق كلتا المتقدمتين ) « ما » فاعل « وقع » اى صدق الصغرى والكبرى .

ص: 84

ففي السرائر - بعد نقل الرواية التي رواها في الخلاف على جواز بيع عبد من عبدين - قال إن ما اشتملت عليه الرواية مخالف لما عليه الأمة بأسرها مناف لأصول مذهب أصحابنا وفتاواهم وتصانيفهم لأن المبيع إذا كان مجهولا كان البيع باطلا بغير خلاف ، انتهى .

وعن الخلاف في باب السلم انه لو قال : اشترى منك أحد هذين العبدين ، أو هؤلاء العبيد لم يصح الشراء دليلنا انه بيع مجهول فيجب ان لا يصح ، ولأنه بيع غرر لاختلاف قيمتي العبدين .

ولأنه لا دليل على صحة ذلك في الشرع .

_________________________

( ففي السرائر - بعد نقل الرواية التي رواها في الخلاف على جواز بيع عبد من عبدين - قال ) صاحب السرائر ( ان ما اشتملت عليه الرواية مخالف لما عليه الأمة بأسرها مناف لأصول مذهب أصحابنا وفتاواهم وتصانيفهم لأن المبيع إذا كان مجهولا كان البيع باطلا بغير خلاف ، انتهى ) .

فإنه يظهر منه ان « هذا من المجهول » و « المجهول باطل » وهما الصغرى والكبرى اللتين ناقشنا فيهما .

( وعن الخلاف في باب السلم انه لو قال : اشترى منك أحد هذين العبدين ، أو هؤلاء العبيد لم يصح الشراء ) .

ثم قال : ( دليلنا ) على عدم صحة الشراء ( انه بيع مجهول فيجب ان لا يصح ، ولأنه بيع غرر لاختلاف قيمتي العبدين ) وبيع الغرر لا يصح .

( ولأنه لا دليل على صحة ذلك في الشرع ) .

وكلما لا دليل على صحته لا يصح ، لأن الشارع يجب ان يمضيه ،

ص: 85

وقد ذكرنا هذه المسألة في البيوع ، وقلنا : ان أصحابنا رووا جواز ذلك في العبدين فان قلنا بذلك تبعنا فيه الرواية ولم نقس غيرهما عليهما انتهى .

وعبارته المحكية في باب البيوع هي انه روى أصحابنا انه إذا اشترى عبدا من عبدين على أن للمشترى ان يختار أيهما شاء ، انه جائز ، ولم يرووا في الثوبين شيئا .

ثم قال : دليلنا اجماع الفرقة ، وقوله صلّى اللّه عليه وآله : المؤمنون عند شروطهم ،

_________________________

لا امضاء .

( وقد ذكرنا هذه المسألة في البيوع ، وقلنا : ان أصحابنا رووا جواز ذلك في العبدين ) إذا باع أحدهما ( فان قلنا بذلك ) اى بالجواز ( تبعنا فيه الرواية ولم نقس غيرهما عليهما ) اى لم نجوز في غير بيع العبدين فكأنه دليل استثنائي عن القاعدة ( انتهى ) كلام الخلاف .

( وعبارته المحكية في باب البيوع هي انه روى أصحابنا انه إذا اشترى عبدا من عبدين على أن للمشترى ان يختار أيهما شاء ، انه جائز ) هذا البيع ( ولم يرووا في الثوبين ) اللذين يشترى أحدهما ( شيئا ) يدل على الجواز .

( ثم قال : دليلنا ) على جواز بيع أحد العبدين - اى الدليل الموجب للاحتجاج على العامة أو الخاصة الذين ينكرون رواية الجواز - ( اجماع الفرقة ، وقوله صلّى اللّه عليه وآله : المؤمنون عند شروطهم ) فان

ص: 86

انتهى .

وسيأتي أيضا في كلام فخر الدين ان عدم تشخيص المبيع من الغرر الّذي يوجب النهى عنه الفساد اجماعا .

وظاهر هذه الكلمات صدق الجهالة وكون مثلها قادحة اتفاقا مع فرض عدم نص ، بل قد عرفت رد الحلّى للنص المجوز بمخالفته لاجماع الأمة .

ومما ذكرنا من منع كبرى الوجه الأول يظهر حال الوجه الثاني من وجوه المنع ، اعني كون الابهام مبطلا .

_________________________

البيع نوع من الشرط ( انتهى ) كلام الشيخ .

( وسيأتي أيضا في كلام فخر الدين ان عدم تشخيص المبيع من الغرر الّذي يوجب النهى عنه ) في قوله نهى النبي عن الغرر ( الفساد اجماعا ) .

( و ) أنت خبير بأن ( ظاهر هذه الكلمات ) من الشيخ وابن إدريس والفخر ( صدق الجهالة ) - وهي الصغرى - ( وكون مثلها قادحة ) وهي الكبرى - ( اتفاقا ) اى يقدح بالاجماع ( مع فرض عدم نص ) قيد ، ل « قادحة » ( بل قد عرفت رد الحلّى ) في السرائر ( للنص المجوز ) لمثل هذا البيع ( بمخالفته لاجماع الأمة ) هذا تمام الكلام في الدليل الأول الّذي أقاموه لبطلان بيع عبد من عبدين - مرددا - .

( ومما ذكرنا من منع كبرى الوجه الأول ) - وهي « كل مجهول لا يصح بيعه » - ( يظهر حال الوجه الثاني من وجوه المنع ، اعني كون الابهام مبطلا ) .

ص: 87

واما الوجه الثالث فيرده منع لزوم الغرر ، مع فرض اتفاق الافراد في الصفات الموجبة لاختلاف القيمة .

ولذا يجوز الاسلاف في الكلى من هذه الافراد مع أن الانضباط في السلم آكد .

وأيضا فقد جوزوا بيع الصاع الكلى من الصبرة ، ولا فرق بينهما من حيث الغرر قطعا .

_________________________

تقرير الدليل « ان بيع أحد عبدين مبهم » و « كل مبهم لا يصح بيعه » .

والجواب انه « كل مبهم لا يصح بيعه » غير تام .

( واما الوجه الثالث ) من أوجه المنع ، وهو انه غرر ، ونهى النبي صلّى اللّه عليه وآله عن الغرر ( فيرده منع لزوم الغرر ، مع فرض اتفاق الافراد ) كالعبدين ، أو كصاعين من صبرة ( في الصفات الموجبة ) تلك الصفات ( لاختلاف القيمة ) .

اما الاختلاف في صفات لا توجب اختلاف القيمة فليست مهمة عند العرف .

( ولذا ) الّذي لا يلزم الغرر مع اتفاق الافراد في الصفات المهمة ( يجوز الاسلاف ) اى بيع السلف ( في الكلى من هذه الافراد ) .

كما لو قال : بعتك صاعا من الصبرة المشاهدة ( مع أن الانضباط في المسلم آكد ) لأنه غير موجود الآن ، فإذا صح السلم فيه صح بيع أحد الفردين المشاهدين ، لأنه كما لا غرر في السلم ، لا غرر هنا .

( وأيضا فقد جوزوا بيع الصاع الكلى من الصبرة ، ولا فرق بينهما ) بين الصاع الكلى وبين أحد شيئين ( من حيث الغرر قطعا ) فإذا جاز

ص: 88

ولذا ردّ في الايضاح حمل الصاع من الصبرة على الكلى برجوعه إلى عدم تعيين المبيع الموجب للغرر المفسد اجماعا .

واما الرابع فبمنع احتياج صفة الملك إلى موجود خارجي فان الكلى المبيع سلما أو حالا مملوك للمشترى ، ولا وجود لفرد منه في الخارج بصفة كونه مملوكا للمشترى .

_________________________

بيع الصاع الكلى ، جاز بيع أحد شيئين .

( ولذا ردّ في الايضاح حمل الصاع من الصبرة على الكلى ) اى فيما لو كان الصاع المبيع كليا ( برجوعه إلى عدم تعيين المبيع ) لأن الكلى ليس معينا ( الموجب للغرر المفسد اجماعا ) .

فإذا قلنا بجواز الصاع الكلى - كما هو المشهور - يلزم ان نقول بجواز بيع أحد شيئين .

والحاصل : انه لا غرر مع عدم اختلاف الشيئين .

( واما ) الوجه ( الرابع ) من الوجوه التي استدل بها لعدم جواز بيع أحد شيئين ، وحاصله انه لا مصداق « لأحدهما » ( فبمنع احتياج صفة الملك ) اى الملك الّذي هو صفة ( إلى موجود خارجي ) تقوم هذه الصفة بذلك الموجود ، فالبيع ليس واقعا على مفهوم « أحدهما » بل على الذات وأحدهما مرآت كالبيع الواقع على الكلى بما هو مرآت للأفراد ( فان الكلى المبيع سلما أو حالا ) كما لو قال : بعتك مائة رطل من تمر بعد ستة اشهر أو في الحال ( مملوك للمشترى ، ولا وجود لفرد منه في الخارج بصفة كونه مملوكا للمشترى ) إذ قبل اعطاء البائع إياه ليس ملكا للمشترى ، ولذا يجوز

ص: 89

فالوجه ان الملكية امر اعتباري يعتبره العرف والشرع أو أحدهما في موارده وليست صفة وجودية متأصلة كالحموضة والسواد .

ولذا صرحوا بصحة الوصية بأحد الشيئين ، بل أحد الشخصين ، ونحوهما .

_________________________

لأصحابها التصرف فيها بكل أنواع التصرف بدون الاحتياج إلى إجازة المشترى كما لا يخفى .

( فالوجه ان الملكية امر اعتباري يعتبره العرف والشرع ) كالشئ المبيع الّذي يعده العرف والشرع مملوكا للمشترى ( أو أحدهما ) كالعرف في مثل البيع الربوي الّذي لا يراه الشارع مملوكا للمشترى ، وانما يراه العرف فقط ، أو كالشرع فيما لو حاز الانسان أرضا مباحة بالأصل ، فإن الشرع يراها ملكا له دون العرف الّذي يرى أنه لا بدّ وان يشتريها من الدولة ( في موارده ) اى موارد الملك خارجا ( وليست ) الملكية ( صفة وجودية متأصلة كالحموضة والسواد ) حتى تحتاج إلى محل خارجي .

( ولذا ) الّذي ذكرنا انه لا يحتاج إلى محل وجودي ( صرحوا بصحة الوصية بأحد الشيئين ، بل أحد الشخصين ، ونحوهما ) كإحدى الجهتين .

مثل ان يقول : أعطوا زيدا - بعدى - اما هذه الدار ، واما هذا البستان .

أو يقول : أعطوا هذه الدار اما لزيد أو لعمرو .

أو يقول : انفقوا هذا الدرهم في هذا المسجد أو هذه الحسينية ، وهكذا .

ص: 90

فالانصاف كما اعترف به جماعة ، أولهم المحقق الأردبيلي : عدم دليل معتبر على المنع .

قال في شرح الارشاد على ما حكى عنه ، بعد ان حكى عن الأصحاب المنع عن بيع ذراع من كرباس من غير تقييد كونه من اى الطرفين ، قال وفيه تأمل ، إذا لم يقم دليل على اعتبار هذا المقدار من العلم فإنهما إذا تراضيا على ذراع من هذا الكرباس من اىّ طرف أراد المشترى ، أو من اى جانب كان من الأرض فما المانع بعد العلم بذلك

_________________________

( فالإنصاف كما اعترف به ) اى بأنه الانصاف أو الضمير راجع إلى المطلب الّذي سيأتي ( جماعة ، أولهم المحقق الأردبيلي : عدم دليل معتبر على المنع ) عن بيع أحد الشيئين .

( قال في شرح الارشاد على ما حكى عنه بعد ان حكى عن الأصحاب المنع عن بيع ذراع من كرباس من غير تقييد كونه ) اى الذراع ( من اى الطرفين ) اى من طرفي الكرباس رأسه أو آخره - والحاصل فيما كان المبيع مرددا - ( قال ) شارح الارشاد ( وفيه ) اى في المنع عن ذلك ( تأمل ، إذا لم يقم دليل على اعتبار هذا المقدار من العلم ) فلا دليل على لزوم ان يعلم البائعان الطرف المبيع من الكرباس ( فإنهما ) اى البائعان ( إذا تراضيا على ذراع من هذا الكرباس من اىّ طرف أراد المشترى أو من اى جانب كان من الأرض ) كما لو باعه جريبا من الأرض المعينة ، ولكنه لم يعين هل ان الجريب من اوّل الأرض أو آخرها ، وكانا متساويين في نظر العرف ( فما المانع ) من صحة البيع ( بعد العلم بذلك ) الذراع

ص: 91

انتهى .

فالدليل هو الاجماع لو ثبت .

وقد عرفت من غير واحد نسبته إلى الأصحاب ، قال بعض الأساطين في شرحه على القواعد بعد حكم المصنف بصحة بيع الذراع من الثوب والأرض الراجع إلى بيع الكسر المشاع .

قال وان قصدا معينا من عين أو كليا لا على وجه الإشاعة بطل لحصول الغرر بالابهام في الأول .

_________________________

والجريب الكلى ( انتهى ) .

إذا ( فالدليل ) على المنع عن بيع المردد ( هو الاجماع لو ثبت ) الاجماع ، إذ قد عرفت الاشكال في سائر الأدلة .

( وقد عرفت من غير واحد نسبته ) اى عدم الجواز ( إلى الأصحاب ، قال بعض الأساطين في شرحه على القواعد بعد حكم المصنف ) العلامة « ره » ( بصحة بيع الذراع من الثوب والأرض الراجع ) ذلك البيع ( إلى بيع الكسر المشاع ) لا الكلى في المعين .

( قال وان قصدا معينا من عين ) اى فردا مرددا فهو معين ككونه كيلوا مثلا ، ومن غير تعيين لأنه مردد بين هذا وذاك ( أو كليا لا على وجه الإشاعة ) اى كليا في المعين ( بطل ) البيع ( لحصول الغرر ب ) سبب ( الابهام في الأول ) .

وقد عرفت ان الابهام عبارة عمالا واقع له ، مثل قوله « بعتك أحد الشيئين » حيث لا واقع « لأحد الشيئين » في مقابل « الجهالة » التي

ص: 92

وكونه بيع المعدوم .

وباختلاف الأغراض في الثاني غالبا فيلحق به النادر .

وللاجماع المنقول فيه إلى أن قال : والظاهر - بعد امعان النظر

_________________________

لها واقع مجهول لدى الانسان ، كما لو قال : « بعتك هذا الثوب » ثم اختلط الثوب في أثواب .

( وكونه بيع المعدوم ) عطف على « بالابهام » .

وانما كان بيع المعدوم لأنه لا مصداق « لأحدهما » في الخارج - كما تقدم - .

( وب ) سبب ( اختلاف الأغراض في الثاني ) اى كليا لا على وجه الإشاعة ( غالبا ) فان الأغراض تختلف في كون الذراع اوّل الأرض أو آخرها ، أو اوّل الكرباس أو آخره ، لاختلاف خصوصيات الأرض والكرباس .

وإذا اختلف الاغراض في الشيء المبيع ولم يعين المصداق الخارجي كان غررا فيشمله نهى النبي صلّى اللّه عليه وآله عن الغرر ( فيلحق به النادر ) فإنه وان كان في هذا الموضع الخاص - كالكرباس - أو هذا البائع والمشترى الخاص ، لا اختلاف في الغرض ، لكن كون الشيء مما يختلف فيه الغرض بحسب العرف كاف في كونه غررا فلا يجوز حتى في هذا المورد الخاص .

( وللاجماع المنقول فيه ) اى في هذا المورد ، فإنه قام الاجماع على بطلان بيع الكلى ، لا على وجه الإشاعة ( إلى أن قال : والظاهر ) من الأدلة ( - بعد امعان النظر

ص: 93

ونهاية التتبع - ان الغرر الشرعي لا يستلزم الغرر العرفي ، وبالعكس .

وارتفاع الجهالة في الخصوصية قد لا يثمر مع حصولها في أصل الماهية .

ولعل الدائرة في الشرع أضيق وان كان بين المصطلحين عموم وخصوص من وجهين .

_________________________

ونهاية التتبع - ان الغرر الشرعي لا يستلزم الغرر العرفي ، وبالعكس ) الغرر العرفي لا يستلزم الغرر الشرعي ، فبين الغررين عموم من وجه .

( وارتفاع الجهالة في الخصوصية قد لا يثمر مع حصولها في أصل الماهية ) .

فان أصل ماهية « الكلى لا على وجه الإشاعة » مجهولة ، لأنها لا تشخص لها في الخارج ، وكلما لا يكون له تشخص في الخارج فهو مجهول فهذا الجهل يمنع من بيع الكلى وان لم تكن جهالة في خصوص هذا البيع بمعنى عدم اعتناء الطرفين المتبايعين بالخصوصيات الخارجية .

ولا يخفى التواء العبارة كما لا يخفى انها عبارة أخرى عن قوله السابق « فيلحق به النادر » .

( ولعل الدائرة ) للغرر ( في الشرع أضيق ) فان بيع المكيل بدون الكيل اعتمادا على مشاهدة دقيقة لا غرر فيه عرفا ، لكنه ممنوع شرعا لأنه غرر شرعي - على ما تقدم - ( وان كان بين المصطلحين ) اصطلاح الشارع في الغرر ، واصطلاح العرف فيه ( عموم وخصوص من وجهين ) اى عموم من وجه وخصوص من وجه - فالتثنية باعتبار العموم والخصوص - .

فقد يكون غرر شرعي دون عرفى كالمثال السابق اى بيع المكيل

ص: 94

وفهم الأصحاب مقدم ، لأنهم ادرى بمذاق الشارع واعلم انتهى .

ولقد أجاد حيث التجاء إلى فهم الأصحاب في ما يخالف العمومات .

« فرع » على المشهور من المنع لو اتفقا على أنهما أرادا غير شائع لم يصح البيع ،

لاتفاقهما على بطلانه .

_________________________

بالمشاهدة الدقية .

وقد يكون غرر عرفى دون شرعي كبيع الآبق مع الضميمة .

وقد يجتمعان كبيع المكيل بدون الكيل جزافا .

( وفهم الأصحاب ) لعدم جواز بيع الفرد المردد ( مقدم ) على مقتضى اطلاقات الأدلة بجواز مثل هذا البيع ( لأنهم ادرى بمذاق الشارع واعلم ) فإذا فهموا الخاص من العام - مثلا - دلّ ذلك على أن هناك كانت قرينة على الخصوصية صارت مجهولة لدينا ( انتهى ) كلام شارح القواعد .

( ولقد أجاد حيث التجاء إلى فهم الأصحاب في ما يخالف العمومات ) فان المنع عن بيع الفرد المردد يخالف العمومات المجوزة ، نحو : أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ، و تِجارَةً عَنْ تَراضٍ و : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، لكنه نقول بالمنع لفهم الأصحاب من العمومات غير هذا البيع .

« فرع » على عدم جواز بيع الفرد المردد ( على المشهور من المنع ) عن بيع المردد ( لو اتفقا على أنهما أرادا ) حين البيع مرددا ( غير شائع ) اى غير الكسر المشاع ( لم يصح البيع ، لاتفاقهما على بطلانه ) فلا بيع بينهما .

ص: 95

ولو اختلفا فادعى المشترى الإشاعة ، فيصح البيع ، وقال البائع أردت معينا ففي التذكرة الأقرب قبول قول المشترى عملا باصالة الصحة واصالة عدم التعيين ، انتهى .

وهذا حسن لو لم يتسالما على صيغة ظاهرة في أحد المعينين .

اما معه فالمتبع هو الظاهر واصالة الصحة لا تصرف الظواهر .

واما اصالة عدم التعيين فلم اتحققها

_________________________

( ولو اختلفا فادعى المشترى ) ارادتهما ( الإشاعة ، فيصح البيع ، وقال البائع ) بل ( أردت معينا ) غير مشاع ، اى الفرد المردد ( ففي التذكرة الأقرب قبول قول المشترى عملا باصالة الصحة ، واصالة عدم التعيين ) اى عدم الفرد المردد ، فإنه إذا وقع بيع ثم اختلفا في الصحة والعدم كان القول قول الّذي يدعى الصحة ، كما أنه إذا علمنا بأصل وجود الماهية ولم نعلم بالخصوصية الفردية كان الأصل عدم وجود الخصوصية الفردية ( انتهى ) كلام صاحب التذكرة .

( وهذا ) الكلام الّذي ذكره التذكرة ( حسن لو لم يتسالما على ) اجراء ( صيغة ظاهرة في أحد المعينين ) المشاع والمردد .

( اما معه ) بان كانت الصيغة ظاهرة في المردد ( فالمتّبع هو الظاهر ) عندنا لأن الظاهر حجة ( واصالة الصحة لا تصرف الظواهر ) الا إذ اعلمنا ان الطرفين أرادا غير هذا الظاهر .

( واما اصالة عدم التعيين ) التي ذكرها العلامة ( فلم اتحققها ) لأنها ليست أصلا عمليا ، ولا من الأصول العقلائية .

ص: 96

وذكر بعض من قارب عصرنا انه لو فرض للكلام ظهور في عدم الإشاعة كان حمل الفعل على الصحة قرينة صارفة وفيه نظر .

الثالث : من وجوه بيع البعض من الكل ان يكون

المبيع طبيعة كلية منحصرة المصاديق في الافراد المتصورة في تلك الجملة .

والفرق بين هذا الوجه والوجه الثاني - كما حققه - في جامع المقاصد بعد التمثيل للثاني بما إذا فرق الصيعان وقال : بعتك أحدها ، ان

_________________________

( وذكر بعض من قارب عصرنا انه لو فرض للكلام ظهور في عدم الإشاعة ) اى ظهور في الفرد المردد - الموجب للبطلان - ( كان حمل الفعل على الصحة قرينة صارفه ) عن ذلك الظهور ، فنقول بأن مرادهما الإشاعة ، وان كان ظاهر لفظهما الفرد المردد ( وفيه نظر ) .

إذ حمل الفعل على الصحة « أصل » والظهور « دليل اجتهادي » والأصل لا يتمكن ان يقاوم الدليل الاجتهادى والله العالم .

( الثالث : من وجوه بيع البعض من الكل ان يكون المبيع طبيعة كلية منحصرة المصاديق في الافراد المتصورة في تلك الجملة ) فالتشخص الموجود في كل فرد فرد ليس مبيعا ، وانما المبيع ، هو الطبيعة الكلية .

( والفرق بين هذا الوجه ) الثالث ( والوجه الثاني - كما حققه - ) اى الفرق ( في جامع المقاصد بعد التمثيل للثاني ) اى الوجه الثاني ( بما إذا فرق ) البائع ( الصيعان ) كل صاع في مكان ( وقال : بعتك أحدها ) حيث إن المبيع هنا فرد مردد ، وبعبارة أخرى الطبيعة مع تشخصها الفردى ( ان

ص: 97

المبيع هناك واحد من الصيعان المتميزة المتشخصة غير معين فيكون بيعه مشتملا على الغرر .

وفي هذا الوجه امر كلى غير متشخص ولا متميز بنفسه ويتقوم بكل واحد من صيعان الصبرة ، ويوجد به .

_________________________

المبيع ) « ان » خبر « والفرق » ( هناك ) في الوجه الثاني ( واحد من الصيعان المتميزة ) خارجا ( المتشخصة ) بالتشخصات الفردية ( غير معين ) فهو بيع المبهم ( فيكون بيعه مشتملا على الغرر ) إذ لا يعرف البائع ان أيها باع ، ولا يعرف المشترى ان أيها اشترى .

( وفي هذا الوجه ) الثالث ( امر كلى غير متشخص ولا متميز بنفسه ) وانما يكون تميزه بالتعيين ( ويتقوم ) ذلك المبيع ( بكل واحد من صيعان الصبرة ، ويوجد ) ذلك الكلى المبيع ( به ) اى بكل واحد .

والحاصل : ان المبيع في الثاني الطبيعة مع الخصوصية الفردية وفي القسم الثالث الطبيعة بدون الخصوصية الفردية .

وتظهر الثمرة في موارد : منها : ان في القسم الثاني يلزم تعيين المبيع بالقرعة بخلاف القسم الثالث ، إذ في القسم الثاني ان أحدها بيع ، بخلاف القسم الثالث فان المنتشر بيع ، ومن المعلوم ان القرعة لا مجال لها في المنتشر ، وكذلك لو تلف أحدها كان مجال للقرعة في القسم الثاني دون القسم الثالث .

ومنها : ان المبيع في القسم الثاني جزئي ، وفي القسم الثالث كلى .

ومنها : انه لا يمكن للبائع اعطاء نصفى فردين في المردّد ، بخلاف

ص: 98

ومثله ما لو قسم الأرباع وباع ربعا منها من غير تعيين .

ولو باع ربعا قبل القسمة صح وتنزل على واحد منها مشاعا ، لأنه حينئذ امر كلى .

فان قلت : المبيع في الأولى أيضا امر كلى .

قلنا : ليس كذلك بل هو واحد من تلك الصيعان المتشخصة مبهم

_________________________

ما لو باع الكلى ، فإنه يتمكن من اعطاء فرد أو نصفى فردين ، وثلاثة اثلاث افراد ثلاثة ، وهكذا .

ومنها غير ذلك مما لا يخفى .

( ومثله ) اى مثل القسم الثاني ( ما لو قسم ال ) صبرة ( أرباع وباع ربعا منها من غير تعيين ) فان المبيع حينئذ امر مبهم لأنه باع الصحة الكلية مع التشخص .

( ولو باع ربعا قبل القسمة ) بأن كانت الأرباع مجتمعة فقال : بعتك ربعا من هذه الصبرة ( صح ) البيع ( وتنزل على واحد منها ) اى من تلك الأرباع المجتمعة ( مشاعا ) لأنه باع الطبيعة المجردة ( لأنه ) اى المبيع ( حينئذ ) اى حين كانت الأرباع مجتمعة ( امر كلى ) إذ لا تشخص فردى في البين حتى يكون المبيع الطبيعة مع التشخص .

( فان قلت : المبيع في الأولى ) اى الفرد المنتشر ( أيضا امر كلى ) لأنه يمكن تطبيقه على كل فرد فرد من الصيعان ذات الأفراد المتميزة .

( قلنا : ليس كذلك ) اى ليس امرا كليا ( بل هو ) اى المبيع ( واحد من تلك الصيعان المتشخصة ) فان الطبيعة بقيد التشخص مبيع - كما فرض - ( مبهم )

ص: 99

بحسب صورة العبارة فيشبه الأمر الكلى ، وبحسب الواقع جزئي غير معين ، ولا معلوم .

والمقتضى لهذا المعنى هو تفريق الصيعان وجعل كل واحد منها برأسه فصار اطلاق أحدها منزلا على شخصي غير معلوم ، فصار كبيع أحد الشياه ، واحد العبيد .

ولو قال بعتك صاعا من هذه شايعا في جملتها لحكمنا بالصحة انتهى .

_________________________

لاحتماله هذا الفرد وهذا الفرد ( بحسب صورة العبارة ) لأن البائع ، قال : أبيعك أحدها ( فيشبه الأمر الكلى ، و ) لكنه ( بحسب الواقع جزئي غير معين ، ولا معلوم ) لأنه قابل الانطباق لكل فرد فرد .

( والمقتضى لهذا المعنى ) اى الشيء الّذي اقتضى ان يكون المبيع جزئيا مبهما - لا كليا - ( هو تفريق الصيعان ) اى كون كل صاع منحازا - في مقابل أن تكون الصيعان في محل واحد مجتمعة - ( وجعل كل واحد منها ) اى من تلك الصيعان ( برأسه ) اى في محل خاص ( فصار اطلاق أحدها ) اى بيع أحد الصيعان ( منزلا على شخصي ) لا كلى ( غير معلوم ) لأنه قابل الانطباق لكل صاع صاع ( فصار كبيع أحد الشياه ، واحد العبيد ) مما هو شخص مبهم وليس كليا .

( ولو قال ) البائع ( بعتك صاعا من هذه ) الصيعان المتميزة ( شايعا في جملتها ) بأن كانت الطبيعة مبيعة لا الفرد ( لحكمنا بالصحة ) فيكون البيع حينئذ كليا لا جزئيا كما لا يخفى ( انتهى ) كلام جامع المقاصد .

ص: 100

وحاصله : ان المبيع مع الترديد جزئي حقيقي ، فيمتاز عن المبيع الكلى الصادق على الافراد المتصورة في تلك الجملة .

وفي الايضاح ان الفرق بينهما هو الفرق بين الكلى المقيد بالوحدة وبين الفرد المنتشر .

_________________________

( وحاصله : ان المبيع مع الترديد ) كالصيعان المتميزة ( جزئي حقيقي ، فيمتاز عن المبيع الكلى الصادق على الافراد المتصورة في تلك الجملة ) من الصبرة فيما كانت الصيعان مجتمعة .

( وفي الايضاح ) قال : ( ان الفرق بينهما ) اى بين القسم الثاني والقسم الثالث ( هو الفرق بين الكلى المقيد بالوحدة ، وبين الفرد المنتشر ) ففي الصيعان المتميزة المبيع فرد منتشر ، وفي الصبرة المجتمعة المبيع كلى مقيد بالوحدة .

فالفرق ان الوحدة قد تكون قيدا ، وقد تكون جزءا .

وهذا الفرق غير الفرق السابق والفارق في الكلى ، حيث إن الفرق السابق ، كان يقول : ان المبيع كلى محض بدون أن تكون الشخصية جزءا أو قيدا .

وهذا الفرق ، يقول : ان المبيع كلى مقيد ، اما بالنسبة إلى الفرد المنتشر .

فكلا الفارقين يقول : بشيء واحد .

والحاصل ان الفارقين انما يختلفان بالنسبة إلى الكلى ، هل هو كلى محض أو كلى مقيد ؟ اما بالنسبة إلى الفرد المنتشر فلا فرق بين الفارقين .

ص: 101

ثم الظاهر صحة بيع الكلى بهذا المعنى ، كما هو صريح جماعة ، منهم الشيخ ، والشهيدان ، والمحقق الثاني ، وغيرهم بل الظاهر عدم الخلاف فيه وان اختلفوا في تنزيل الصاع من الصبرة على الكلى ، أو الإشاعة .

لكن يظهر مما عن الايضاح وجود الخلاف في صحة بيع الكلى وان منشأ القول بالتنزيل على الإشاعة ، هو بطلان بيع الكلى بهذا المعنى .

والكلى الّذي يجوز بيعه هو ما يكون في الذمة .

_________________________

( ثم الظاهر صحة بيع الكلى بهذا المعنى ) بأن يبيع طبيعة كلية ( كما هو صريح جماعة ، منهم الشيخ ، والشهيدان والمحقق الثاني ، وغيرهم ) لشمول عمومات البيع له ( بل الظاهر عدم الخلاف فيه ) اى في ان هذا النوع صحيح ( وان اختلفوا في تنزيل الصاع من الصبرة على الكلى ، أو الإشاعة ) .

فإذا كان كليا ، كان اللازم تسليم البائع المبيع إلى المشترى ولو تلف كل الصبرة الا مقدار الصاع الّذي باعه ولو كان مشاعا .

فإذا تلف صاع ، انقسم التالف على البائع والمشترى بالنسبة ، لأن المال مشترك بينهما ، إلى غير ذلك من الفروق بين الكلى والإشاعة .

( لكن يظهر مما عن الايضاح وجود الخلاف في صحة بيع الكلى ) في المعين ( وان منشأ القول بالتنزيل على الإشاعة ) فيما لو قال : بعتك صاعا من هذه الصبرة ( هو بطلان بيع الكلى بهذا المعنى ) اى الكلى في المعين .

( والكلى الّذي يجوز بيعه هو ما يكون ) كليا ( في الذمة ) .

ص: 102

قال في الايضاح في ترجيح التنزيل على الإشاعة انه لو لم يكن مشاعا لكان غير معين فلا يكون معلوم العين ، وهو الغرر الّذي يدل النهى عنه على الفساد اجماعا ولأن أحدهما بعينه لو وقع البيع عليه ترجيح من غير مرجح .

ولا بعينه هو المبهم ، وابهام المبيع مبطل .

وتبعه بعض المعاصرين مستندا تارة إلى ما في الايضاح من لزوم الابهام والغرر ، وأخرى : إلى عدم معهودية ملك الكلى في غير الذمة

_________________________

( قال في الايضاح في ترجيح التنزيل ) اى تنزيل كلام البائع ( على الإشاعة ) دون الكلى ( انه لو لم يكن ) المبيع ( مشاعا لكان غير معين ) .

وإذا كان غير معين ( فلا يكون معلوم العين ، وهو الغرر الّذي يدل النهى عنه ) اى عن الغرر ( على الفساد اجماعا ) لأن النهى عن المعاملة يقتضي الوضع اى الفساد ( ولأن أحدهما بعينه ) فيما كان هناك صاعان ، وقال : بعتك كلى الصاع منهما ( لو وقع البيع عليه ) فهو ( ترجيح من غير مرجح ) وذلك باطل لان معناه وجود المعلول بدون العلة .

( و ) لو وقع البيع على أحدهما ( لا بعينه ) يكون ( هو المبهم ، وابهام المبيع مبطل ) للبيع ، لأنه غرر والأدلة دلت على لزوم تعيين المبيع .

( وتبعه ) اى الايضاح في عدم صحة الكلى ، وصحة الإشاعة فقط ( بعض المعاصرين مستندا تارة إلى ما في الايضاح من لزوم الابهام والغرر ) ومثله مبطل .

( وأخرى : إلى عدم معهودية ملك الكلى في غير الذمة ) اى ملك

ص: 103

لا على وجه الإشاعة .

وثالثة : باتفاقهم على تنزيل الأرطال المستثناة من بيع الثمرة على الإشاعة .

ويرد الأول ما عرفت من منع الغرر في بيع الفرد المنتشر ، فكيف نسلم في الكلى ؟

والثاني بأنه معهود في الوصية والاصداق ، مع أنه لم يفهم مراده من

_________________________

الكلى في الذمة فلا بأس به ، لأنه وارد في الشرع كثيرا ( لا على وجه الإشاعة ) اى الكلى غير المشاع .

( وثالثة : باتفاقهم على تنزيل الأرطال المستثناة من بيع الثمرة على الإشاعة ) فإذا قال : أبيعك ثمرة هذا البستان ، ثمرة هذا البستان ، الا عشرة أرطال منها ، فإنها لي ، كان المستثنى مشاعا ، لا كليا .

ولو صح بيع الكلى كان اللازم ان يقول : ان المستثنى كلى لا مشاع لأن الظاهر من الاستثناء الكلى ، لا الإشاعة - .

( ويرد الأول ما عرفت ) سابقا ( من منع الغرر في بيع الفرد المنتشر فكيف نسلم ) الغرر ( في الكلى ) إذ الفرد المنتشر أقرب إلى الغرر ، ومع ذلك يقولون بصحة المنتشر ، فكيف يمكن ان يقال بالغرر في الكل الّذي هو أبعد من الغرر .

( و ) يرد ( الثاني بأنه ) اى الكلى ( معهود في الوصية والاصداق ) فإذا أوصى بالكلي أو أصدق المرأة الكلى ، جاز بلا اشكال ( مع ) انه يرد عليه ثانيا ب ( انه لم يفهم مراده من ) عدم

ص: 104

المعهودية ، فان أنواع الملك ، بل كل جنس لا يعهد تحقق أحدها في مورد الآخر الا ان يراد منه عدم وجود مورد يقيني حكم فيه الشارع بملكية الكلى المشترك بين افراد موجودة فيكفي في رده النقض بالوصية وشبهها .

هذا كله ، مضافا إلى صحيحة الأطنان الآتية فان موردها اما بيع الفرد

_________________________

( المعهودية ، فان أنواع الملك ) الكلى والجزئي والخارجي والذمي والمختص والمشاع وغيرها ( بل كل جنس ) من الأجناس الحقيقية كالانسان والبقر والغنم ، أو الاعتبارية كالملكية والزوجية والرقية ( لا يعهد تحقق أحدها في مورد الآخر ) .

فالملك الكلى ليس ملكا جزئيا ، ولا العكس ، والانسان ليس بقرا ولا العكس ، وهكذا .

وعليه : فلا يمكن ان يكون الملك الكلى في هذا المورد معهودا في مكان آخر ( الا ان يراد منه ) اى عدم المعهودية ( عدم وجود مورد يقيني حكم فيه الشارع بملكية الكلى المشترك بين افراد موجودة ) .

وإذا لم يكن مورد يقيني فكيف يقال بالكلي في بيع الصاع من الصبرة ( فيكفي في رده النقض بالوصية ) كما لو قال : « أعطوا فلانا صاعا من صبرتى على وجه الكلية » فإنه صحيح بلا اشكال ( وشبهها ) كالصداق - كما تقدم - .

( هذا كله ، مضافا إلى صحيحة الأطنان الآتية ) فإنها على بعض الاحتمالات يراد بها بيع الكلى ( فان موردها اما بيع الفرد

ص: 105

المنتشر ، واما بيع الكلى في الخارج ، واما الثالث فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى .

_________________________

المنتشر ، واما بيع الكلى في الخارج ) فهي على أحد الاحتمالين تكون نقضا لكلام المعاصر ( واما ) الرد على ( الثالث فسيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى ) .

وقد عرفت مما تقدم ان الاحتمالات اربع : أحدها المفهومي ، وأحدها المصداقى ، والكلى في المعين والإشاعة .

ص: 106

مسئلة لو باع صاعا من صبرة فهل ينزل على الوجه الأول

من الوجوه الثلاثة المتقدمة اعني الكسر المشاع ؟

أو على الوجه الثالث وهو الكلى بناء على المشهور من صحته ، وجهان ، بل قولان ، حكى ثانيهما عن الشيخ ، والشهيدين ، والمحقق الثاني ، وجماعة .

واستدل له في جامع المقاصد : بأنه السابق إلى الفهم .

_________________________

( مسألة : لو باع صاعا من صبرة ) مجتمعة ( فهل ينزل ) المبيع ( على الوجه الأول من الوجوه الثلاثة المتقدمة اعني الكسر المشاع ) فإذا كانت الصبرة عشرة أصوع ، كان المبيع العشر ، بحيث صار المشترى شريكا للبائع في عشر المال .

( أو على الوجه الثالث وهو الكلى بناء على المشهور من صحته ) اى صحة الكلى - اما الوجه الثاني وهو المردد فقد عرفت بطلانه - ( وجهان ، بل قولان ، حكى ثانيهما عن الشيخ ، والشهيدين ، والمحقق الثاني ، وجماعة ) آخرين .

( واستدل له في جامع المقاصد بأنه ) اى الوجه الثاني هو ( السابق إلى الفهم ) من اللفظ .

ولعل وجهه : ان الوجه الأول يحتاج إلى مئونة زائدة وهي فرض شيوع الصاع في كل جزء جزء من اجزاء الصبرة وهذا خلاف المتبادر إلى الذهن .

ص: 107

وبرواية يزيد بن معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن رجل اشترى عشرة آلاف طن من انبار ، بعضه على بعض من أجمة واحدة ، والأنبار فيه ثلاثون الف طن ، فقال البائع : قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن ، فقال المشترى : قد قبلت واشتريت ورضيت ، فأعطاه المشترى من ثمنه ألف درهم ووكل من يقبضه ، فأصبحوا وقد وقع في القصب نار فاحترق منه عشرون الف طن ، وبقي عشرة آلاف طن ، فقال عليه السلام العشرة آلاف طن التي بقيت هي للمشترى ، والعشرون التي احترقت من مال البائع .

ويمكن دفع الأول بأن مقتضى الوضع في قوله صاعا من صبرة

_________________________

( وبرواية يزيد بن معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى عشرة آلاف طن من انبار ، بعضه على بعض من أجمة واحدة ، والأنبار فيه ثلاثون الف طن ، فقال البائع : قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن ، فقال المشترى : قد قبلت واشتريت ورضيت ، فأعطاه المشترى من ثمنه ألف درهم ) أو دينار ( ووكل من يقبضه ، فأصبحوا وقد وقع في القصب نار فاحترق منه عشرون الف طن ، وبقي عشرة آلاف طن ) فلمن هذه العشرة ؟ ( فقال عليه السلام العشرة آلاف طن التي بقيت هي للمشترى ، والعشرون التي احترقت ) هي ( من مال البائع ) انتهى الحديث .

( ويمكن دفع الأول ) اى الانصراف الّذي ادعاه المحقق الثاني ( بأن مقتضى الوضع في قوله ) بعتك ( صاعا من صبرة ) بالتنوين في « صاعا »

ص: 108

هو الفرد المنتشر الّذي عرفت سابقا ان المشهور بل الاجماع على بطلانه .

ومقتضى المعنى العرفي هو المقدار المقدر بصاع ، وظاهره حينئذ الإشاعة ، لأن المقدار المذكور من مجموع الصبرة مشاع فيه .

واما الرواية فهي أيضا ظاهرة في الفرد المنتشر ، كما اعترف به في الرياض .

لكن الانصاف ان العرف يعاملون في البيع المذكور معاملة الكلى

_________________________

الظاهر في التنكير ومعناه « الطن الواحد » وهو ظاهر في الإشاعة ( هو الفرد المنتشر ) لا الإشاعة ( الّذي عرفت سابقا ان المشهور بل الاجماع على بطلانه ) .

لكن ربما يقال : ان الظاهر هو الفرد المنتشر فيما إذا لم يكن صبرة مجتمعة فان الظاهر هو الكلى في المعين فيما إذا كانت الصبرة مجتمعة .

( ومقتضى المعنى العرفي هو المقدار المقدر بصاع ، وظاهره حينئذ الإشاعة ) .

والفرق بين الكلى في المعين ان الخصوصيات الفردية ليست جزءا من المبيع ، بخلاف الفرد المنتشر فان الخصوصيات جزء .

وانما قلنا : ان الظاهر الإشاعة ( لأن المقدار المذكور ) اى الصاع ( من مجموع الصبرة مشاع فيه ) اى في هذا الشيء المجتمع وهو الصبرة .

( واما الرواية ف ) نقول ( هي أيضا ظاهرة في الفرد المنتشر ، كما اعترف به في الرياض ) لا الكلى في المعين ، كما قاله المحقق الثاني .

( لكن الانصاف ان العرف يعاملون في البيع المذكور معاملة الكلى ) في المعين ، لا الإشاعة ، ولا الفرد المنتشر

ص: 109

فيجعلون الخيار في التعيين إلى البائع ، وهذه أمارة فهمهم الكلى .

واما الرواية ، فلو فرضنا ظهورها في الفرد المنتشر ، فلا بأس بحملها على الكلى ، لأجل القرينة الخارجية .

وتدل على عدم الإشاعة من حيث الحكم ببقاء المقدار المبيع وكونه مالا للمشترى

_________________________

( فيجعلون الخيار في التعيين ) من اىّ موضع شاء اعطائه وفاء المقدار الصاع ( إلى البائع ، وهذه ) اى جعل الاختيار في التعيين إلى البائع ( أمارة فهمهم الكلى ) إذ لو كان إشاعة ، لزم ان يكون الاختيار بيدهما كما هو مقتضى سائر اقسام الشركة .

اما مسألة احتمال الفرد المنتشر فقد عرفت الاجماع على خلافها .

( واما الرواية ، فلو فرضنا ظهورها في الفرد المنتشر ، فلا بأس بحملها ) اى الرواية ( على الكلى ) في المعين ( لأجل القرينة الخارجية ) وهي الاجماع على بطلان الفرد المنتشر .

فالأمر دائر بين الفرد المنتشر الباطل اجماعا ، والإشاعة وهو خلاف جواب الإمام عليه السلام حيث إنها لو كانت مشاعة كان التالف منهما لا من البائع فقط ، فبقى الكلى في المعين فقط .

( وتدل ) القرينة الخارجية ( على عدم الإشاعة ) في الرواية ( من حيث الحكم ببقاء المقدار المبيع وكونه ) اى الباقي ( مالا للمشترى ) إذ لو كان مشاعا لكان الباقي مشتركا بينهما .

وقوله « كونه » عطف على « بقاء » اى من حيث الحكم بكونه مالا للمشترى .

ص: 110

فالقول الثاني لا يخلو من قوة ، بل لم نظفر بمن جزم بالأول ، وان حكاه في الايضاح قولا .

ثم إنه يتفرع على المختار من كون المبيع كليا أمور .

أحدها : كون التخيير في تعيينه بيد البائع

لأن المفروض ان المشترى لم يملك الا الطبيعة المعراة عن التشخص الخاص فلا يستحق على البائع خصوصية ، فإذا طالب بخصوصية زائدة على الطبيعة ، فقد طالب بما ليس حقا له ، وهذا جار في كل من ملك كليا في الذمة ،

_________________________

وعلى هذا ( فالقول الثاني ) وهو الكلى - في مقابل القول الأول بالإشاعة - ( لا يخلو من قوة ، بل لم نظفر بمن جزم بالأول ، وان حكاه ) اى الأول ( في الايضاح قولا ) .

ولا يخفى ان هذا فيما إذا لم تكن قرينة داخلية أو خارجية على الإشاعة ، والا كان مقتضى القرينة الإشاعة .

( ثم إنه يتفرع على المختار من كون المبيع كليا ) لا مشاعا ( أمور ) .

( أحدها : كون التخيير في تعيينه ) اى تعيين المبيع ( بيد البائع لأن المفروض ان المشترى لم يملك الا الطبيعة المعراة عن التشخص الخاص ) فإنه هو مقتضى الكلى ( فلا يستحق ) المشترى ( على البائع خصوصية ، فإذا طالب ) المشترى ( بخصوصية زائدة على الطبيعة ) كما لو قال : أعطني من هذا الطرف من الصبرة دون الطرف الآخر ( فقد طالب بما ليس حقا له ) فلا تجب اجابته على البائع ( وهذا ) اى كون الاختيار بيد البائع ( جار في كل من ملك كليا في الذمة ) كما لو ملك عمرو من زيد

ص: 111

أو في الخارج ، فليس لمالكه اقتراح الخصوصية على من عليه الكلى .

ولذا كان اختيار التعيين بيد الوارث إذا أوصى الميت لرجل بواحد من متعدد يملكه الميت كعبد من عبيده ونحو ذلك الا انه قد جزم المحقق القمي في غير موضع من أجوبة مسائله بأن الاختيار في التعيين بيد المشترى ، ولم يعلم له وجه مصحح .

_________________________

منا من الحنطة في ذمة زيد ( أو في الخارج ) كالكلى في المعين ( فليس لمالكه ) اى مالك الكلى ( اقتراح الخصوصية على من عليه الكلى ) كزيد في المثال .

( ولذا ) الّذي ليس المالك الكلى الاختيار ( كان اختيار التعيين بيد الوارث إذا أوصى الميت لرجل بواحد من متعدد يملكه الميت كعبد من عبيده ) أو صاع من صبرته ( ونحو ذلك ) من افراد الفرد المنتشر والكلى في المعين .

نعم : لو كانت الوصية على نحو الإشاعة كان الرجل شريكا للوارث كما لا يخفى ( الا انه قد جزم المحقق القمي في غير موضع من أجوبة مسائله ) في كتاب جامع الشتات ( بأن الاختيار في التعيين بيد المشترى ، ولم يعلم له وجه مصحح ) .

ولعله لكونه صاحب الحق فيجب ان يقبل ما يطابق حقه ، فإذا لم يقبل شيئا لم يتعين ان يكون ذلك الشيء غير المقبول حقا له .

ويؤيده : تجارة عن تراض ، فان عدم رضى المشترى ، يوجب ان لا يكون عن تراض .

ص: 112

فيا ليته قاس ذلك على طلب الطبيعة حيث إن الطالب - ملك الطبيعة على المأمور واستحقها منه - لم يجز له بحكم العقل مطالبة خصوصية دون أخرى .

وكذلك مسألة التمليك كما لا يخفى .

واما على الإشاعة .

_________________________

كما يمكن ان يكون الوجه أيضا ان المشترى لم يشتر الكلى بما هو كلى ، إذ لا تحقق له في الخارج ، بل الكلى بما هو متشخص فهو ذو حق في التشخص أيضا فيجب ان يكون انطباق ذلك الكلى على هذا الشخص برضاه ، والا لم يكن مؤديا حقّه ، فتأمل .

( فيا ليته قاس ذلك ) اى طلب المشترى مع البائع ( على طلب ) المولى ( الطبيعة ) من العبد كما لو قال له اعط صاعا من الحنطة للفقير ( حيث إن الطالب ) وهو الفقير - في المثال - ( - ملك الطبيعة على المأمور ) المكلف بالاعطاء ( واستحقها ) اى الطبيعة ( منه ) اى من المأمور ( - لم يجز له بحكم العقل مطالبة خصوصية دون أخرى ) بل الخصوصية بيد المأمور .

فإذا قاس القمي « ره » ما نحن فيه بطلب الطبيعة ، ظهر له ان الخصوصية ليست داخلة في المبيع ، فليس للمشترى حق في ان يطلب خصوصية دون أخرى .

( وكذلك ) اى مثل الطلب ( مسألة التمليك ) اى مسألتنا ( كما لا يخفى ) .

( واما على الإشاعة ) بأن باعه الطبيعة المشاعة ، لا الكلى في المعين

ص: 113

فلا اختيار لأحدهما لحصول الشركة فيحتاج القسمة إلى التراضي .

ومنها انه لو تلف بعض الجملة وبقي مصداق الطبيعة انحصر حق المشترى فيه ،

لأن كل فرد من افراد الطبيعة وان كان قابلا لتعلق ملكه به بخصوصه ، الا انه يتوقف على تعيين مالك المجموع واقباضه .

فكلما تلف قبل اقباضه خرج عن قابلية ملكيته للمشترى فعلا فينحصر في الموجود .

_________________________

( فلا اختيار لأحدهما ) من البائع والمشترى ، بل يلزم رضاهما معا ( لحصول الشركة ) بين البائع والمشترى ( فيحتاج القسمة إلى التراضي ) منهما معا .

( ومنها انه لو تلف بعض الجملة ) التي كان المبيع في ضمنها ( وبقي مصداق الطبيعة ) سواء كان بمقدار المبيع ، أو أقل ، كما لو اشترى صاعا من عشرة أصوع ، فتلف تسعة أو تسعة ونصف ( انحصر حق المشترى فيه ، لأن كل فرد من افراد الطبيعة وان كان قابلا لتعلق ملكه ) اى ملك المشتري ( به ) اى بذلك الفرد ( بخصوصه ، الا انه يتوقف ) تعلق حق المشترى بهذا دون ذاك ( على تعيين مالك المجموع واقباضه ) للمشترى .

( فكلما تلف ) من الصبرة - مثلا - ( قبل اقباضه ) قبل ان يقبض المالك حق المشترى ( خرج عن قابلية ملكيته للمشترى فعلا ) إذ : لا يمكن ان يكون التالف ملكا للمشترى والحال انه لم يقبضه بعد ( فينحصر ) ملك المشتري ( في الموجود ) .

ص: 114

وهذا بخلاف المشاع فان ملك المشتري فعلا ثابت في كل جزء من المال من دون حاجة إلى اختيار ، واقباض ، فكلما يتلف من المال ، فقد تلف من المشترى جزء بنسبة حصته .

ومنها انه لو فرضنا ان البائع بعد ما باع صاعا من الجملة باع من شخص آخر صاعا كليا آخر ،

فالظاهر أنه إذا بقي صاع واحد كان للأول ، لأن الكلى المبيع ثانيا انما هو سار في مال البائع ، وهو ما عدا الصاع من الصبرة

_________________________

( وهذا ) الحكم انما هو في المبيع الكلى ( بخلاف المشاع ) كما لو اشترى عشر عشرة أصوع ( فان ملك المشتري فعلا ) قبل القبض ( ثابت في كل جزء من المال من دون حاجة ) في ثبوت ملك المشتري ( إلى اختيار ، واقباض ) .

وعليه ( فكلما يتلف من المال ، فقد تلف من المشترى جزء بنسبة حصته ) فإذا تلف عشر المال فقد تلف عشر حصة المشترى إذا كان مال المشترى في المجموع عشرا ، مثلا إذا كان المال مائة من وكانت للمشترى عشرة ، ثم تلف عشرة ، هل تلف من المشترى واحد وتلف من البائع تسعة ؟ وهكذا .

( ومنها انه لو فرضنا ان البائع بعد ما باع صاعا من الجملة باع من شخص آخر صاعا كليا آخر ، فالظاهر ) من دليل الاختصاص للصاع الأخير بهذا المشترى ( انه إذا بقي صاع واحد كان للأول ) ولا يكون للثاني ، ولا مجال للقرعة ، ولا لقاعدة العدل والانصاف بالتنصيف ( لأن الكلى المبيع ثانيا انما هو سار في مال البائع ، وهو ما عدا الصاع من الصبرة ) « هو » راجع إلى « مال البائع »

ص: 115

فإذا تلف ما عدا الصاع فقد تلف جميع ما كان الكلى فيه ساريا فقد تلف المبيع الثاني قبل القبض .

وهذا بخلاف ما لو قلنا بالإشاعة .

[ صور إقباض الكلي ]

ثم اعلم : ان المبيع انما يبقى كليا ما لم يقبض ، واما إذا قبض فان قبض منفردا عما عداه كان مختصا بالمشترى ، وان قبض في ضمن الباقي بأن اقبضه البائع مجموع الصبرة ، فيكون بعضة وفاء ، والباقي أمانة حصلت

_________________________

( فإذا تلف ما عدا الصاع ) بأن بقي صاع فقط ( فقد تلف جميع ما كان الكلى فيه ساريا ) .

وعليه ( فقد تلف المبيع الثاني قبل القبض ) والتلف قبل القبض من مال مالكه .

( وهذا بخلاف ما لو قلنا بالإشاعة ) فان الباقي يكون على ثلاثة أقسام ، قسم للمالك ، وقسم للمشترى الأول ، وقسم للمشترى الثاني ، كل بنسبة حصته إلى أصل المال .

ففي المثال السابق إذا بقي عشرة من المائة كان لكل واحد من المشتريين واحد ، وللمالك ثمانية .

( ثم اعلم : ان المبيع انما يبقى كليا ما لم يقبض ، واما إذا قبض فان قبض منفردا عما عداه ) كان قبض المشترى للواحد من العشرة ، واحدا ( كان مختصا بالمشترى ، وان قبض في ضمن الباقي ) كان قبض المشترى للواحد من العشرة ، كل العشرة ( بأن اقبضه البائع مجموع الصبرة ، فيكون بعضه ) الخاص بالمشترى ( وفاء ، والباقي أمانة حصلت

ص: 116

الشركة لحصول ماله في يده ، وعدم توقفه على تعيين واقباض حتى يخرج التالف عن قابلية تملك المشترى له فعلا ، وينحصر حقه في الباقي فحينئذ حساب التالف على البائع ، دون المشترى ترجيح بلا مرجح ، ف يحسب عليهما .

والحاصل : ان كل جزء معين قبل الاقباض قابل لكونه كلا .

_________________________

الشركة ) « حصلت » جواب « ان » .

وانما تحصل الشركة والإشاعة ، ولا تبقى على الكلية ( لحصول ماله في يده ) اى حصول مال المشترى في يد المشترى ( وعدم توقفه على تعيين واقباض حتى يخرج التالف عن قابلية تملك المشترى له ) اى لذلك التالف ( فعلا ، و ) حتى ( ينحصر حقه ) اى حق المشترى ( في الباقي )

وعلى هذا ( فحينئذ ) يكون ( حساب التالف على البائع ، دون المشترى ترجيح بلا مرجح ، ف ) إذا أردنا ان لا يكون ترجيح بلا مرجح يجب ان ( يحسب ) التالف ( عليهما ) البائع والمشترى بالنسبة .

اللهم الا ان يقال : ان حصول المال في يد المشترى لا يوجب الانقلاب عن الكلية إلى الاشتراك ، لكون الانقلاب خلاف الأصل من غير دليل .

وحينئذ فاللازم اما ان يكون التلف من البائع كالسابق ، أو القرعة ، أو قاعدة العدل والانصاف .

( والحاصل ) في الاستدلال على كون التالف منهما بعد الاقباض للجميع ( ان كل جزء معين قبل الاقباض قابل لكونه كلا ) فيما إذا كان

ص: 117

أو بعضا ، ملكا فعليا للمشترى .

والملك الفعلي له حينئذ هو الكلى الساري ، فالتالف المعين غير قابل لكون جزئه محسوبا على المشترى ، لان تملكه لمعين موقوف على اختيار البائع واقباضه ، ف يحسب على البائع ، بخلاف التالف بعد الاقباض ، فان تملك المشترى لمقدار منه حاصل فعلا لتحقق الاقباض

فنسبة كل جزء معين من الجملة إلى كل من

_________________________

الجزء المعين بقدر مال المشترى كصاع - مثلا - ( أو بعضا ) فيما إذا كان أكثر من مال المشترى ، كصاعين - مثلا - فيما إذا كان ملك المشتري صاع واحد فقط ( ملكا فعليا للمشترى ) بان يحصل الاقباض حتى يحصل الملك الفعلي .

( و ) عليه ف ( الملك الفعلي له ) اى للمشترى ( حينئذ ) اى حين لم يقبض ( هو الكلى الساري ) في مجموع الصبرة ( فالتالف المعين ) كما إذا تلف صاعان من صبرة قدرها عشرة أصوع ( غير قابل لكون جزئه محسوبا على المشترى ، لان ) المشترى لم يملك شيئا معينا الآن ، إذ ( تملكه ) اى المشترى ( لمعين ) خارجي ( موقوف على اختيار البائع واقباضه ، ف ) إذ تلف شيء قبل القبض ( يحسب ) التالف ( على البائع ، بخلاف التالف بعد الاقباض ، فان تملك المشترى لمقدار منه ) وهو الصاع مثلا ، فيما إذا كان المشترى اشترى صاعا واحدا ( حاصل فعلا لتحقق الاقباض ) الّذي هو شرط حصول الملك فعلا .

( فنسبة كل جزء معين من الجملة ) اى كل الصبرة ( إلى كل من

ص: 118

البائع والمشترى على حد سواء .

نعم لو لم يكن اقباض البائع للمجموع على وجه الايفاء بل على وجه التوكيل في التعيين ، أو على وجه الأمانة حتى يعين البائع بعد ذلك كان حكمه حكم ما قبل القبض ،

[ لو باع ثمرة شجرات واستثنى منها أرطالا معلومة ]

هذا كله مما لا اشكال فيه .

وانما الاشكال في انهم ذكروا فيما لو باع ثمرة شجرات ، واستثنى منها أرطالا معلومة

_________________________

البائع والمشترى على حد سواء ) .

وعليه فيكون التالف منهما معا بالنسبة .

( نعم لو لم يكن اقباض البائع للمجموع ) إلى المشترى للجزء ( على وجه الايفاء ) اى ان البائع حين اعطى المشترى كل الصبرة لم يقصد ان يقبضه الجزء - المملوك للمشترى - إيفاء لحق المشترى ( بل على وجه التوكيل في التعيين ) بأن قال له : خذ هذا المجموع ، وأنت وكيل في ان تعين مال نفسك من بين المجموع ( أو على وجه الأمانة ) بأن قال : له هذه الجملة أمانة عندك ، حتى آتى لا قسم - مثلا - ( حتى يعين البائع بعد ذلك ) مال المشترى « حتى » غاية « للأمانة » ( كان حكمه ) اى حكم ما بعد القبض ( حكم ما قبل القبض ، هذا كله مما لا اشكال فيه ) عند المصنف ، وان أشكل في كلا الشقين من كون التالف من مال المشترك في صورة الاعطاء للمجموع وفاء ، من كون مال البائع في صورة الاعطاء أمانة .

( وانما الاشكال في انهم ذكروا فيما لو باع ثمرة شجرات ، واستثنى منها أرطالا معلومة ) كما لو قال : بعتك ثمرة هذه الأشجار باستثناء عشرة

ص: 119

انه لو خاست الثمرة سقط من المستثنى بحسابه .

وظاهر ذلك تنزيل الأرطال المستثناة على الإشاعة .

ولذا قال في الدروس : ان في هذا الحكم دلالة على تنزيل الصاع من الصبرة على الإشاعة .

وحينئذ يقع الاشكال في الفرق بين المسألتين حيث إن مسألة الاستثناء ظاهرهم الاتفاق على تنزيلها على الإشاعة ، والمشهور هنا

_________________________

أرطال ، فإنها لي ( انه لو خاست الثمرة ) بعضا ( سقط من المستثنى بحسابه ) فإذا خاست نصف الثمرة سقط من الأرطال خمسة ، وهكذا .

( وظاهر ذلك ) القول من الفقهاء ( تنزيل الأرطال المستثناة على الإشاعة ) فان المال المشاع يحسب على الطرفين .

اما لو كان كليا في المعين كان اللازم عدم تضرر البائع صاحب الأرطال .

( ولذا ) الّذي ذكرنا ان ظاهر كلامهم هنا حكمهم بالإشاعة ( قال في الدروس : ان في هذا الحكم ) بالسقوط من المستثنى بحسابه ( دلالة على تنزيل الصاع من الصبرة ) في مسألتنا - اى ما لو باع صاعا كليا - ( على الإشاعة ) .

( وحينئذ ) اى حين كان السقوط من الأرطال بحساب الخيس ( يقع الاشكال في الفرق بين المسألتين ) مسألة الأرطال ، ومسألة الاصوع ( حيث إن مسألة ) الأرطال في صورة ( الاستثناء ) لها عن المبيع ( ظاهرهم الاتفاق على تنزيلها على الإشاعة ، والمشهور هنا ) في مسألة

ص: 120

التنزيل على الكلى ، بل لم يعرف من جزم بالإشاعة .

وربما يفرق بين المسألتين بالنص فيما نحن فيه على التنزيل على الكلى .

وهو ما تقدم من الصحيحة المتقدمة .

وفيه ان النص ان استفيد منه حكم القاعدة لزم التعدي عن مورده إلى مسألة الاستثناء أو بيان الفارق .

_________________________

الاصوع ( التنزيل على الكلى ، بل لم يعرف من جزم بالإشاعة ) هنا ، مع أن الظاهر أن المسألتين من واد واحد .

( وربما يفرق بين المسألتين ) مسألة الأرطال ومسألة الصيعان ( بالنص فيما نحن فيه ) مسألة الصيعان ( على التنزيل على الكلى ) والا فمقتضى القاعدة الشركة والإشاعة .

( و ) النص ( هو ما تقدم من الصحيحة المتقدمة ) وهي صحيحة أطنان القصب .

( وفيه ) ان هذا الفارق ليس بتام .

إذ : ( ان النص ان استفيد منه حكم القاعدة ) وانه كلما كان هناك مال خرج منه بعضه كان ذلك البعض على نحو الكلى ، لا على نحو الإشاعة ( لزم التعدي عن مورده ) اى مورد النص ( إلى مسألة الاستثناء ) اى الأرطال ، لأن مسألة الأرطال أيضا صغرى من صغريات القاعدة ( أو بيان الفارق ) بين الأرطال وبين الاصوع .

ص: 121

وخروجها عن القاعدة - وان اقتصر على موردها - لم يتعد إلى غير مورده حتى في البيع الا بعد ابداء الفرق بين موارد التعدي ، وبين مسألة الاستثناء .

وبالجملة : فالنص بنفسه لا يصلح فارقا مع البناء على التعدي عن مورده الشخصي .

وأضعف من ذلك الفرق بقيام الاجماع على الإشاعة في مسألة الاستثناء ،

_________________________

( وخروجها ) اى مسألة الأرطال ( عن القاعدة - وان اقتصر على موردها - ) اى مورد الصحيحة ( لم يتعد إلى غير مورده ) اى غير مورد النص - وهو الأطنان من القصب - ( حتى في البيع ) كما لو كان المبيع امنان من الحنطة لا أطنان من القصب .

ان قلت : نتعدى إلى بعض الموارد كالبيع ، لا بعض الموارد الأخر كمسألة الأرطال ؟

قلت : لا يصح هذا الفرق ( الا بعد ابداء الفرق بين موارد التعدي وبين مسألة الاستثناء ) فلم تتعدون من القصب إلى الحنطة ؟ ولا تتعدون إلى استثناء الأرطال ، مع أنهما من واد واحد .

( وبالجملة : فالنص بنفسه لا يصلح فارقا ) بين الأرطال والصيعان ( مع البناء على التعدي عن مورده الشخصي ) نعم إذا لم نقل بالتعدى صح النص فارقا .

( وأضعف من ذلك ) الفارق ( الفرق بقيام الاجماع على الإشاعة في مسألة الاستثناء )

ص: 122

لأنا نقطع بعدم استناد المجمعين فيها إلى توقيف بالخصوص .

وأضعف من هذين الفرق بين مسألة الاستثناء ومسألة الزكاة ، وغيرهما مما يحمل الكلى فيها على الإشاعة ، وبين البيع باعتبار القبض في لزوم البيع وايجابه على البائع .

فمع وجود فرد يتحقق فيه البيع يجب دفعه إلى المشترى .

_________________________

اى استثناء الأرطال ولولا الاجماع ، لكان اللازم ان نقول مسألة الأرطال أيضا يجب أن تكون من باب الكلى .

وانما كان هذا الفارق أضعف ( لأنا نقطع بعدم استناد المجمعين فيها ) اى في مسألة الاستثناء ( إلى توقيف بالخصوص ) بل قالوا ذلك عن ما رواه دليلا لذلك ، فاللازم النظر في مستندهم ، فان الاجماع محتمل الاستناد ليس بحجة .

( وأضعف من هذين ) الفارقين ( الفرق بين مسألة الاستثناء ومسألة الزكاة ، وغيرهما ) كمسألة الخمس ( مما يحمل الكلى فيها ) اى في تلك المسائل ( على الإشاعة ، وبين البيع باعتبار القبض ) الجار متعلق ب « الفرق » ( في لزوم البيع وايجابه ) اى بايجاب القبض البيع ( على البائع ) .

فحيث ان الزكاة والأرطال لا تحتاجان إلى القبض ، والبيع يحتاج إلى القبض كانت المسألتان من باب الإشاعة ومسألة البيع من باب الكلى .

( فمع وجود فرد يتحقق فيه البيع ) كالأطنان الباقية من القصب ( يجب دفعه إلى المشترى ) بكامله بدون اشتراك البائع للمشترى - حتى يكون من باب الإشاعة - .

ص: 123

إذ هو شبه الكلى في الذمة .

وفيه مع أن ايجاب القبض متحقق في مسألتي الزكاة والاستثناء

_________________________

( إذ هو ) اى الكلى في المعين ( شبه الكلى في الذمة ) حيث إنه يجب على صاحب الذمة اعطاء الفرد الموجود إلى المشترى ، بدون ان يكون شريكا له ، إذ تلف مال صاحب الذمة لا يوجب تحمل المشترى لبعض ذاك التالف .

وحاصل هذا الفرق : ان الزكاة والأرطال لا يحتاجان إلى القبض في ملكية مستحق الزكاة والأرطال ، بل المال الزكوي والثمرة ذات الأرطال المستثناة من الآن - وقيل القبض - مشترك بين صاحب المال وبين مستحق الأرطال ومستحق الزكاة ، فإذا ذهب من المال شيء ذهب منهما معا ، لا من صاحب المال فقط بخلاف المال في باب البيع ، فان كل المال للمالك .

وانما يكون مالا للمشترى إذا قبض المشترى لحصته ، فإذا لم يحصل القبض وتلف شيء من المال يكون التالف من ملك البائع فقط ، هذا أولا .

وثانيا : ان الفارق بين الأرطال والزكاة ، وبين البيع ، هو ان القبض يوجب اللزوم في البيع دون الأرطال والزكاة ، فان اللزوم فيهما حاصل ، وان لم يقبض صاحب الزكاة ومالك الثمرة .

( وفيه مع أن ايجاب القبض متحقق في مسألتي الزكاة والاستثناء ) .

إذ كما يجب قبض المبيع كذلك يجب قبض الزكاة والأرطال ، فلا يكون الايجاب فارقا لوجود الايجاب في المسائل الثلاث .

ص: 124

ان ايجاب القبض على البائع يتوقف على بقائه ، إذ مع عدم بقائه كلا أو بعضا ينفسخ البيع في التالف .

والحكم بالبقاء يتوقف على نفى الإشاعة .

فنفى الإشاعة بوجوب الاقباض لا يخلو عن مصادرة كما لا يخفى .

واما مدخلية القبض في اللزوم فلا دخل له أصلا في الفرق .

_________________________

و ( ان ايجاب القبض على البائع يتوقف على بقائه ، إذ مع عدم بقائه كلا ) بأن تلف كل المبيع ( أو بعضا ) بأن تلف بعض المبيع ( ينفسخ البيع في التالف ) لقاعدة ان التلف قبل القبض من مال مالكه .

( والحكم بالبقاء ) اى حكمنا بأن مال المشترى باق - ولم يكن جزءا من التالف - ( يتوقف على نفى الإشاعة ) إذ لو كان المال مشاعا ، لكان التالف منهما معا لا من البائع وحده .

( ف ) إذا أردتم اثبات ( نفى الإشاعة ب ) دليل ( وجوب الاقباض ) كان هذا الاستدلال ( لا يخلو عن مصادرة ) وجعل المدعى دليلا ، فان « وجوب القبض » متوقف على « عدم التلف » و « عدم التلف » متوقف على « الإشاعة » .

فإذا أريد اثبات « عدم الإشاعة » من « وجوب القبض » دار ( كما لا يخفى ) هذا كله رد لقوله « وايجابه على البائع » .

( واما مدخلية القبض في اللزوم ) الّذي جعله القائل فارقا بين البيع ، وبين مسألة الأرطال والزكاة ( فلا دخل له أصلا في الفرق ) فان المال لو كان مشتركا بينهما لزم ان يكون التالف منهما ، سواء كان مالكية

ص: 125

ومثله في الضعف : لو لم يكن عينه ما في مفتاح الكرامة من الفرق بأن التلف من الصبرة قبل القبض ، فيلزم على البائع تسليم المبيع منها وان بقي قدره ، فلا ينقص المبيع لأجله بخلاف الاستثناء فان التلف فيه بعد القبض .

والمستثنى بيد المشترى أمانة على الإشاعة بينهما فيوزع الناقص عليها .

ولهذا لم يحكم بضمان المشترى هنا ، بخلاف البائع هناك ،

_________________________

أحدهما للمال على نحو اللزوم ، أم لا .

( ومثله في الضعف : لو لم يكن ) هذا الفارق ( عينه ) اى عين الفارق السابق ( ما في مفتاح الكرامة من الفرق بأن التلف من الصبرة ) المبيع صاع منها ( قبل القبض ف ) لم يكن التالف مربوطا بالمشترى أصلا ، بل ( يلزم على البائع تسليم ) الصاع ( المبيع منها ) اى من الصبرة ( وان بقي ) من الصبرة ( قدره ) اى فقط قدر المبيع .

وعليه ( فلا ينقص المبيع ) من المشترى ( لأجله ) اى لأجل التلف ( بخلاف الاستثناء ) في الأرطال ( فان التلف فيه ) يكون ( بعد القبض ) فان المالك البائع للثمرة الّذي استثنى لنفسه أرطالا كان قابضا للأرطال .

( والمستثنى ) اى الأرطال ( بيد المشترى أمانة على الإشاعة بينهما ) الأرطال مشاعا للبائع ، وما بقي مشاعا للمشترى ( فيوزع الناقص عليها ) بالنسبة .

( ولهذا ) الّذي كانت الأرطال أمانة بيد المشترى ( لم يحكم بضمان المشترى هنا ) في باب الأرطال ( بخلاف البائع هناك ) في الصاع من

ص: 126

انتهى .

وفيه - مع ما عرفت - من أن التلف من الصبرة قبل القبض انما يوجب تسليم تمام المبيع من الباقي بعد ثبوت عدم الإشاعة فكيف يثبت به انه ان أريد من كون التلف في مسألة الاستثناء بعد القبض ، انه بعد قبض المشترى .

ففيه انه موجب لخروج البائع عن ضمان ما يتلف من مال المشترى

_________________________

الصبرة ، حيث إنه لو تلف المال كلا كان ضامنا لحصة المشترى .

وقد ظهر ان الفارق السابق كان يفرق بين مسألتي الأرطال والزكاة وبين مسألة البيع بالايجاب واللزوم .

وهذا الفارق بينهما ما يقبض ، وكلا الفارقين قريب المخرج ولذا قال المصنف « لو لم يكن عينه » ( انتهى ) كلام مفتاح الكرامة .

( وفيه - مع ما عرفت - ) في جواب الفارق السابق ( من أن التلف من الصبرة قبل القبض انما يوجب تسليم تمام المبيع من الباقي بعد ثبوت عدم الإشاعة ) بين البائع والمشترى ( فكيف يثبت ) عدم الإشاعة ( به ) اى بوجوب تسليم تمام المبيع ، لما عرفت من أنه دور ومصادرة ( انه ) هذا جواب مفتاح الكرامة ، مربوط به « فيه » ( ان أريد من كون التلف في مسألة الاستثناء بعد القبض ، انه بعد قبض المشترى ) اى أريد بالقبض قبض المشترى ، و « انه » نائب « أريد » .

( ففيه انه ) اى قبض المشترى ( موجب لخروج البائع عن ضمان ما يتلف من مال المشترى ) .

ص: 127

ولا كلام فيه ولا اشكال ، وانما الاشكال في الفرق بين المشترى في مسألة الصاع والبائع في مسألة الاستثناء .

حيث إن كلا منهما يستحق مقدارا من المجموع لم يقبضه مستحقه ، فكيف يحسب نقص التلف على أحدهما دون الآخر ، مع اشتراكهما في عدم قبض حقهما الكلى .

وان أريد من كون التلف بعد القبض

_________________________

إذ : المشترى لما اخذ البستان فلا ضمان على البائع ، فان التلف قبل القبض من مال مالكه ، لا التلف بعد القبض ( ولا كلام فيه ولا اشكال ، وانما الاشكال في الفرق بين المشترى في مسألة الصاع ) حيث تقولون انه لو تلف المال بيد البائع لا ينقص من المشترى شيء ( و ) بين ( البائع في مسألة الاستثناء ) حيث تقولون انه لو تلف المال بيد المشترى كان البائع أيضا يرد عليه النقص ، مع أن البائع لم يتسلّم ارطاله ، كما لم يتسلم المشترى في مسألة الصاع صيعانه .

( حيث إن كلا منهما ) البائع في الأرطال والمشترى في الصيعان ( يستحق مقدارا من المجموع ) مجموع الصبرة ومجموع الثمرة ( لم يقبضه مستحقه ، فكيف يحسب نقص التلف على أحدهما ) البائع في الأرطال ( دون الآخر ) المشترى في الصيعان ( مع اشتراكهما ) اى البائع والمشترى ( في عدم قبض حقهما الكلى ) فاللازم اما اشتراكهما في النقص أو عدم اشتراكهما فيه .

( وان أريد من كون التلف بعد القبض ) في مسألة استثناء الأرطال

ص: 128

ان الكلى الّذي يستحقه البائع قد كان في يده بعد العقد ، فحصل الاشتراك ، فإذا دفع الكلى إلى المشترى ، فقد دفع مالا مشتركا ، فهو نظير ما إذا دفع البائع مجموع الصبرة إلى المشترى ، فالاشتراك كان قبل القبض .

ففيه ان الاشكال بحاله ، إذ يبقى سؤال الفرق بين قوله : بعتك

_________________________

قبض البائع .

بمعنى ( ان الكلى الّذي يستحقه البائع قد كان في يده بعد العقد فحصل الاشتراك ) بسبب بيع البائع الثمرة للمشترى ( فإذا دفع ) البائع ( الكل ) من حصة نفسه وحصة المشترى ( إلى المشترى ، فقد دفع مالا مشتركا ، فهو نظير ما إذا دفع البائع ) للصيعان ( مجموع الصبرة إلى المشترى ) حيث إن الصبرة في هذا الحال تكون مشتركة بين البائع والمشترى ( فالاشتراك كان قبل القبض ) .

وحاصل الفرق ان الصاع لم يكن مقبوضا للمشترى ، فإذا تلف شيء لم يذهب من كيس المشترى ، والرطل كان مقبوضا للبائع فإذا تلف شيء ذهب من كيس البائع .

( ففيه ان الاشكال ) في الفارق بين المسألتين ( بحاله ، إذ يبقى سؤال الفرق ) بين المسألتين ، لأنا لا نسلم ان كون المال بيد البائع - في مسألة الثمرة - يعد قبضا للبائع ، بل قبض البائع انما يتحقق إذا سلّمه المشترى ارطاله .

إذ : ما هو الفرق ( بين قوله : بعتك

ص: 129

صاعا من هذه الصبرة ، وبين قوله : بعتك هذه الصبرة أو هذه الثمرة إلا صاعا منها .

وما الموجب للاشتراك في الثاني دون الأول ؟ مع كون مقتضى الكلى عدم تعيين فرد منه أو جزء منه لمالكه الا بعد اقباض مالك الكل الّذي هو المشترى في مسألة الاستثناء .

فان كون الكل بيد البائع المالك للكلى لا يوجب الاشتراك ، هذا .

_________________________

صاعا من هذه الصبرة ) في مسألة الصيعان ( وبين قوله : بعتك هذه الصبرة أو هذه الثمرة الا صاعا منها ) في مسألة الأرطال .

( وما الموجب للاشتراك ) بين البائع والمشترى - حيث يكون التالف منهما - ( في الثاني ) استثناء أرطال من الثمرة ( دون الأول ) بيع صاع من الصبرة ( مع كون مقتضى ) بيع ( الكلى ) في الصاع أو استثناء الكلى في الثمرة ( عدم تعيين فرد منه ) فيما لو قال المالك : بعتك الصبرة الا صاعا ( أو جزء منه لمالكه ) فيما لو قال المالك : بعتك الثمرة إلا عشرا منها - في مسألة الأرطال - ( الا بعد اقباض مالك الكل الّذي هو المشترى في مسألة الاستثناء ) مال المالك البائع له .

إذ قبل ان يسلّمه المشترى ثمرته كانت الثمرة المملوكة للمالك البائع كليا غير مقبوض .

( ف ) ان قلت : كيف تقولون ان المالك البائع لم يقبض الثمرة ؟ والحال ان كل المال كان بيده قبل ان يسلّمه للمشترى ؟

قلت : ( ان كون الكل بيد البائع المالك للكلى ) في مسألة الأرطال ( لا يوجب الاشتراك ، هذا ) كله تزييف للفرق بين الأرطال والاصوع .

ص: 130

مع أنه لم يعلم من الأصحاب في مسألة الاستثناء الحكم بعد العقد بالاشتراك ، وعدم جواز تصرف المشترى الا باذن البائع كما يشعر به فتوى جماعة ، منهم : الشهيدان ، والمحقق الثاني ، بأنه لو فرط المشترى وجب أداء المستثنى من الباقي .

ويمكن ان يقال

_________________________

( مع أنه لم يعلم من الأصحاب في مسألة الاستثنا ) للأرطال ( الحكم بعد العقد ) ببيع الثمرة ( بالاشتراك ) بين البائع والمشترى ( وعدم جواز تصرف المشترى ) في الثمرة ( الا باذن البائع ) .

مع أن مقتضى كلام مفتاح الكرامة بالاشتراك ، انه لا يجوز للمشترى التصرف في الثمرة - كما هو كذلك في كل مال مشترك - بخلاف ما إذا قلنا بأن حق البائع في الثمرة من باب الكلى فإنه يجوز للمشترى التصرف ( كما يشعر به ) اى بجواز تصرف المشترى الملازم لعدم الاشتراك ( فتوى جماعة ، منهم : الشهيدان ، والمحقق الثاني ، بأنه لو فرط المشترى ) فتلف بعض الثمرة ( وجب ) على المشترى ( أداء المستثنى من الباقي ) فان هذا الكلام ظاهر في كون حق البائع كليا ، لا مشتركا .

إذ لو كان مشتركا ، لم يلزم المشترى الا بأداء المثل أو القيمة .

ومن المعلوم : ان المثل لا ينحصر في الباقي بل يمكن اعطاء المثل من مكان آخر ، فقولهم بوجوب الأداء من الباقي دليل على أنهم يرون ان حق البائع في المال من باب الكلى في المعين ، لا من باب الاشتراك .

( ويمكن ان يقال ) في الفرق بين مسألة الأرطال التي جعلوها

ص: 131

ان بناء المشهور في مسألة استثناء الأرطال ان كان على عدم الإشاعة قبل التلف واختصاص الاشتراك بالتالف دون الموجود كما ينبئ عنه فتوى جماعة منهم : بأنه لو كان تلف البعض بتفريط المشترى كان حصة البائع في الباقي .

_________________________

مشتركة ، وبين مسألة الاصوع التي جعلوها كليا ، ان وجه الاشتراك في باب الأرطال ، ان لكل من البائع والمشترى قدر كلى « البائع كلى عشرة أرطال » و « المشترى كلى تسعين رطلا » - فيما إذا كان في البستان مائة رطل مثلا ، فإذا تلف شيء لم يكن تلفه من صاحب هذا الكلى أولى من تلفه من صاحب ذلك الكلى فاللازم ان نقول : بأن التالف منهما - .

وهذا حاصل قول المصنف « وان كان بنائهم » ذكرناه فقط لتقريب ذهن الطالب إلى حاصل الجواب .

وكيف كان ، نقول في بيان الفارق بين مسألتي الأرطال والاصوع ( ان بناء المشهور في مسألة استثناء الأرطال ان كان على عدم الإشاعة ) اى عدم الاشتراك ( قبل التلف ) للثمرة ( واختصاص الاشتراك بالتالف دون الموجود ) يعنى « ان الموجود من الثمرة كلى » و « التالف منهما مشترك » .

وبناء على هذا يرد سؤال الفرق بين مسألتي الأرطال والاصوع سؤالا في نصف مسألة الأرطال ، والنصف هو حال التلف فقط ( كما ينبئ عنه ) اى عن اختصاص الاشتراك بالتالف دون الموجود ( فتوى جماعة منهم بأنه لو كان تلف البعض بتفريط المشترى كان حصة البائع في الباقي ) فإنه ظاهر في ان كون الثمرة مشتركة انما هو بعد التلف ، لا قبل التلف .

ص: 132

ويؤيده استمرار السيرة - في صورة استثناء الأرطال المعلومة من الثمرة - على استقلال المشترى في التصرف ، وعدم المعاملة مع البائع معاملة الشركاء .

فالمسألتان مشتركتان في التنزيل على الكلى ، ولا فرق بينهما الا في بعض ثمرات التنزيل على الكل ، وهو حساب التالف عليهما .

ولا يحضرني وجه واضح فهذا الفرق ، الا دعوى ان المتبادر من الكلى المستثنى

_________________________

( ويؤيده ) اى يؤيد عدم الاشتراك في حال وجود الثمرة ( استمرار السيرة ) من المتدينين ( - في صورة استثناء الأرطال المعلومة من الثمرة على استقلال المشترى في التصرف ، و ) على ( عدم المعاملة مع البائع معاملة الشركاء ) ولو كان في حال الوجود مشاعا مشتركا لم يكن وجه لهذه السيرة .

( فالمسألتان ) جواب « ان كان على عدم الإشاعة » اى مسألة الأرطال ومسألة الاصوع ( مشتركتان في التنزيل على الكلى ) فمال المشترى في الصبرة كلى ، ومال البائع في الثمرة كلى ( ولا فرق بينهما ) اى بين المسألتين ( الا في بعض ثمرات التنزيل على الكل ، و ) ذلك البعض الفارق ( هو حساب التالف عليهما ) اى على البائع والمشترى ، فان حساب التالف عليهما خلاف مسألة الكلى ، وانما هو من مقتضى الإشاعة .

( ولا يحضرني وجه واضح لهذا الفرق ) بين حالة وجود الثمرة فحصة البائع كلى ، وحالة تلف الثمرة فحصة البائع على نحو الإشاعة ( الا دعوى ان المتبادر من الكلى المستثنى ) للبائع

ص: 133

هو الكلى الشائع فيما يسلم للمشترى ، لا مطلق الموجود وقت البيع .

وان كان بنائهم على الإشاعة من اوّل الأمر أمكن ان يكون الوجه في ذلك ان المستثنى كما يكون ظاهر في الكلى ، كذلك يكون عنوان المستثنى منه الّذي انتقل إلى المشترى ، بالبيع كليا ، بمعنى انه ملحوظ

_________________________

( هو الكلى الشائع فيما يسلم للمشترى ) يعنى انه إذا قال : بعتك الثمرة باستثناء عشرة أرطال ، كان ظاهر هذا الكلام « استحقاقى لعشرة أرطال مما يبقى بعد التلف ، لا عشرة أرطال من التالف والباقي » .

وعليه : فإنما يجب على البائع تدارك التالف مما يبقى ، لا لعدم الإشاعة ، بل المال مشاع ، وانما يرفع اليد عن بعض ثمرات الإشاعة « وهي كون التلف منهما » لأجل التبادر ، ( لا مطلق الموجود ) من الثمرة ( وقت البيع ) « لا » عطف على « هو الكلى الشائع » .

فتحصل : ان الاشكال هو « لما ذا قال المشهور بالإشاعة في الأرطال ، وبالكلي في الصاع ؟ » .

والجواب : « ان المشهور قالوا بالكلي في الأرطال أيضا قبل التلف وانما قالوا بالإشاعة بعد التلف ، لأجل التبادر » فتأمل .

( وان كان بنائهم على الإشاعة من اوّل الأمر ) حتى قبل التلف ( أمكن ان يكون الوجه في ذلك ) في الصيعان والأرطال ( ان المستثنى ) من الأرطال ( كما يكون ظاهرا في الكلى ، كذلك يكون عنوان المستثنى منه ) اى الّذي كان للمشترى - كتسعين رطل في المثال المتقدم - ( الّذي انتقل إلى المشترى ، ب ) سبب ( البيع ) أيضا ( كليا ، بمعنى انه ملحوظ

ص: 134

بعنوان كلى يقع عليه البيع .

فمعنى ، بعتك هذه الصبرة إلا صاعا منها : بعتك الكلى الخارجي الّذي هو المجموع المخرج عنه الصاع ، فهو كلى كنفس الصاع .

فكل منهما مالك لعنوان كلى ، فالموجود مشترك بينهما ، لان نسبة كل جزء منه إلى كل منهما على نهج سواء .

فتخصيص أحدهما به ترجيح من غير مرجح وكذا التالف

_________________________

بعنوان كلى يقع عليه البيع ) فلكل من البائع ومن المشترى ، في « الأرطال » الكلى .

( فمعنى بعتك هذه الصبرة إلا صاعا منها ) - وهي مسألة الأرطال كمالا يخفى - ( بعتك الكلى الخارجي ) اى في المعين ، مقابل الكلى الذمي ( الّذي هو المجموع المخرج عنه الصاع ، فهو ) اى المستثنى منه ( كلى كنفس الصاع ) المستثنى - في مثال الأرطال - .

( فكل منهما ) البائع والمشترى ، في مسألة الأرطال ( مالك لعنوان كلى ) المشترى لتسعين رطل كلى ، والبائع لعشرة أرطال كلى - في المثال السابق - ( فالموجود مشترك بينهما ، لان نسبة كل جزء منه ) اى من الموجود ( إلى كل منهما ) اى البائع والمشترى ( على نهج سواء )

( ف ) إذا تلف البعض كان ( تخصيص أحدهما ) من البائع والمشترى ( به ) اى بالموجود ( ترجيح من غير مرجح ) .

ولذا نقول : بكون التلف يكون منهما والموجود يكون لهما ( وكذا التالف

ص: 135

نسبته إليهما على السواء فيحسب عليهما .

وهذا بخلاف ما إذا كان المبيع كليا ، فان مال البائع ليس ملحوظا بعنوان كلى في قولنا : بعتك صاعا من هذه الصبرة ، إذ لم يقع موضوع الحكم في هذا الكلام حتى يلحظ بعنوان كلى كنفس الصاع .

فان قلت : ان مال البائع بعد بيع الصاع ليس جزئيا حقيقيا متشخصا في الخارج ، فيكون كليا كنفس الصاع .

_________________________

نسبته إليهما على السواء فيحسب عليهما ) لقاعدة العدل والانصاف .

( وهذا بخلاف ما إذا كان المبيع كليا ) في مسألة صاع الصبرة ( فان مال البائع ليس ملحوظا بعنوان كلى في قولنا : بعتك صاعا من هذه الصبرة ، إذ لم يقع ) مال البائع ( موضوع الحكم في هذا الكلام ) اى في قوله : بعتك صاعا ( حتى يلحظ ) مال البائع ( بعنوان كلى كنفس الصاع ) الّذي وقع موضوع الحكم فكان كليا .

وعليه فإذا تلف شيء كان من مال البائع ، لا من البائع والمشترى معا .

إذ الكلى الّذي هو للمشترى باق فلا وجه لورود التلف عليه .

( فان قلت ) في كلتا مسألتي الصاع والرطل مال كل من البائع والمشترى كلى ، فليس مالهما كليا في مسألة الأرطال فقط ، لا مسألة الصاع ، فأيضا لا فرق بين المسألتين ( ان مال البائع بعد بيع الصاع ليس جزئيا حقيقيا متشخصا في الخارج ، فيكون ) مال البائع أيضا ( كليا كنفس الصاع ) الّذي للمشترى ، ومقتضى ذلك أنه إذا تلف بعضه يكون منهما ، لا من البائع فقط .

ص: 136

قلت : نعم ، ولكن ملكية البائع له ليس بعنوان كلى حتى يبقى ما بقي ذلك العنوان ، ليكون الباقي - بعد تلف البعض - مصداقا لهذا العنوان ، وعنوان الصاع على نهج سواء ، ليلزم من تحصيصه بأحدهما الترجيح من غير مرجح ، فيجىء الاشتراك ، فإذا لم يبق إلا صاع ، كان الموجود مصداقا لعنوان ملك المشتري ، فيحكم بكونه مالكا له ، ولا يزاحمه بقاء عنوان ملك البائع ،

_________________________

( قلت : نعم ) ليس مال البائع جزئيا حقيقيا ( ولكن ملكية البائع له ) اى للمال وهي الاصوع الباقية ( ليس بعنوان كلى ) مثل ان يكون كلى تسعة أصوع مال البائع ، كما أن كلى الصاع الواحد مال المشترى ( حتى يبقى ) مال البائع ( ما بقي ذلك العنوان ) الكلى ( ليكون الباقي - ) من المال ( بعد تلف البعض - ) كما لو تلف صاع مثلا ( مصداقا لهذا العنوان ) اى عنوان مال البائع وهو تسعة أصوع مثلا ( وعنوان الصاع ) وهو مال المشترى ( على نهج سواء ، ليلزم من تخصيصه ) اى العنوان ( بأحدهما ) بأن نقول : هذا الباقي خاص بالمشترى أو بالبائع - اى بالنسبة إلى صاع منه فيما لو تلف صاع فقط - ( الترجيح من غير مرجح ) .

وحيث يستحيل الترجيح من غير مرجح ( فيجىء الاشتراك ) اى ليس هكذا .

وعلى هذا ( فإذا لم يبق إلا صاع ، كان الموجود مصداقا لعنوان ملك المشتري ، فيحكم بكونه ) اى المشترى ( مالكا له ) اى للباقي ( ولا يزاحمه ) اى لا يزاحم عنوان ملك المشتري ( بقاء عنوان ملك البائع ) لأن ملك البائع

ص: 137

فتأمل ، هذا ما خطر عاجلا بالبال ، وقد أو كلنا تحقيق هذا المقام الّذي لم يبلغ إليه ذهني القاصر إلى نظر الناظر البصير الخبير الماهر عفى اللّه عن الزلل في المعاثر .

[ أقسام بيع الصبرة ]

قال في الروضة - تبعا للمحكى عن حواشي الشهيد - ان اقسام بيع الصبرة عشرة ، لأنها اما ان يكون معلومة المقدار ، أو مجهولته

_________________________

لا عنوان له حتى يزاحم عنوان ملك المشتري .

والحاصل : انه كلما كان هناك عنوانان ، عنوان للبائع وعنوان للمشترى ، كان بينهما الاشتراك ، كما في استثناء الأرطال .

إذ للبائع عنوان « الأرطال » وللمشترى عنوان « الكلى الا الأرطال » .

وكلما كان هناك عنوان واحد لم يكن اشتراك ، فيقدم صاحب العنوان الواحد لدى التزاحم كما في مسألة الاصوع ، فان للمشترى عنوان « مالكية الصاع » وليس للبائع عنوان « مالكية الاصوع الباقية » ( فتأمل ) .

إذ كيف تقولون : بأنه لا عنوان للبائع في الاصوع ، وله العنوان في استثناء الأرطال ( هذا ما خطر عاجلا بالبال ) في الفرق بين الاصوع وبين الأرطال ( وقد أوكلنا تحقيق هذا المقام الّذي لم يبلغ إليه ذهني القاصر ) أوكلناه ( إلى نظر الناظر البصير الخبير الماهر عفى اللّه عن الزلل في المعاثر ) اى محلات السقوط والزلل .

( قال في الروضة ) شرح اللمعة ( - تبعا للمحكى عن حواشي الشهيد - ) الأول ( ان اقسام بيع الصبرة عشرة ، لأنها ) اى الصبرة ( اما ان يكون معلومة المقدار ) كعشرة أصوع مثلا ( أو مجهولته ) كأن لم

ص: 138

فان كانت معلومة « 1 » صح بيعها اجمع « 2 » وبيع جزء منها معلوم مشاع « 3 » وبيع مقدار كقفيز تشتمل عليه « 4 » وبيعها كل قفيز بكذا « 5 » لا بيع كل قفيز منها بكذا .

_________________________

يعلم هل انها عشرة أو عشرون ؟ ( فان كانت معلومة « 1 » صح بيعها اجمع « 2 » وبيع جزء منها معلوم مشاع ) صفتان ل « جزء » كالعشر مثلا ( « 3 » وبيع مقدار كقفيز تشتمل ) تلك الصبرة ( عليه ) إذ لا يصح بيع عشرين قفيز مثلا فيما إذا كانت الصبرة عشرة فقط ( « 4 » وبيعها كل قفيز بكذا ) بأن يبيع كل الصبرة كل قفيز بدرهم - مثلا - فيكون المبيع ، الكلى ، ولكن هو في قوة عشرة بيوع ، وقالوا في مثله بأن كل بيع له حكمه الخاص ، مثلا إذا باع العباءة والقباء بدرهمين فله صورتان :

الأولى : ان يبيعهما ، بيعا واحدا ، وحينئذ يكون العيب في أحدهما مثلا - موجبا لردهما لا لرد أحدهما .

الثانية : ان يبيعهما بيعين لكن في صيغة واحدة - كما لو زوج بنت زيد لعمرو وبنت خالد لبكر بلفظ واحد ، فإنهما نكاحان لكن اللفظ واحد ، ولذا يكون في حكم نكاحين مستقلين - وحينئذ يكون العيب في أحدهما - مثلا - موجبا لرده فقط ، لا لردهما ( « 5 » لا ) انه يجوز ( بيع كل قفيز منها بكذا ) بدون ان يكون مقدار المبيع معلوما ، حتى أنه لا يعلم هل باع قفيزا أو قفيزين أو أكثر ؟ لأنه مجهول ، وقد قالوا إنه لو قال : آجرتك الدار سنة كل شهر بدينار صح ، ولو قال : آجرتك كل شهر بدينار لم يصح ، لأنه لا يعلم كم شهرا آجرها .

ص: 139

والمجهولة كلها باطلة ، الا الثالث وهو بيع مقدار معلوم تشتمل الصبرة عليه ، ولو لم يعلم باشتمالها عليه .

فظاهر القواعد والمحكى عن حواشي الشهيد ، وغيرهما عدم الصحة واستحسنه في الروضة ، ثم قال : ولو قيل : بالاكتفاء بالظن باشتمالها عليه كان متجها .

والمحكى عن ظاهر الدروس واللمعة : الصحة ، قال فيها وان نقصت

_________________________

( و ) الصور الخمسة الأخرى وهي الصبرة ( المجهولة ) المقدار بأن لم يعلم هل انها عشرة أصوع أو أكثر أو أقل ؟ ( كلها باطلة ، الا الثالث وهو بيع مقدار معلوم ) كقفيز ( تشتمل الصبرة عليه ) إذ المبيع معلوم حينئذ فلا وجه للقول ببطلان البيع بالنسبة إليه ( ولو ) باع مقدارا ( لم يعلم باشتمالها ) اى الصبرة ( عليه ) كما لو باع عشرة أصوع ولم يعلم هل ان الصبرة تحتوى على عشرة أصوع ، أم لا ؟

( فظاهر القواعد والمحكى عن حواشي الشهيد ، وغيرهما عدم الصحة ) للجهالة ( واستحسنه ) اى عدم الصحة ( في الروضة ، ثم قال : ولو قيل : بالاكتفاء بالظن باشتمالها ) اى الصبرة و « باشتمال » متعلق ب « الظن » ( عليه ) اى على ذلك المقدار المبيع ( كان متجها ) لاعتبار الظن بالموضوعات عند العقلاء والشارع لم يردع عن ذلك .

( والمحكى عن ظاهر الدروس ، واللمعة : الصحة ، قال فيها ) اى في اللمعة ( وان نقصت ) الصبرة عن القدر المقرر بيعه ، كما لو

ص: 140

تخير بين اخذ الموجود منها بحصة الثمن ، وبين الفسخ لتبعض الصفقة .

وربما يحكى عن المبسوط والخلاف خلافه ، ولا يخلو عن قوة ، وان كان في تعيينه نظر لا لتدارك الغرر بالخيار لما عرفت - غير مرة - من أن الغرر انما يلاحظ في البيع مع قطع النظر عن الخيار

_________________________

اشتراها على أنها عشرة أصوع بعشرة دراهم ، فظهرت تسعة أصوع ( تخير ) المشترى ( بين اخذ الموجود منها ) وهي التسعة ( بحصة من الثمن ) نسبتها إلى أصل الثمن كنسبة السلعة الموجودة إلى السلعة التي قرروها عند البيع فيعطى تسعة دراهم في المثال ( وبين الفسخ لتبعض الصفقة ) فان أحد اقسام الخيار تبعض الصفقة .

( وربما يحكى عن المبسوط والخلاف خلافه ) وهو انه إذا لم يعلم باشتمال الصبرة على المقدار المقرر لم يصح البيع ( ولا يخلو ) عدم الصحة ( عن قوة ، وان كان في تعيينه ) اى البطلان ، والضمير راجع إلى « خلافه » ( نظر ) .

إذ : يحتمل ان يكون صحيحا ، والحاصل انا نقوى البطلان ، وان كنا نحتمل الصحة أيضا .

وانما نحتمل الصحة التي أشرنا إليها بقولنا « وان كان في تعيينه نظر » ( لا لتدارك الغرر بالخيار ) فان بعضا قالوا بالصحة واستدلوا لذلك بأنه لا محذور فيه الا الضرر والضرر يتدارك بالخيار .

وانما قلنا « لا لتدارك » ( لما عرفت - غير مرة - من أن الغرر انما يلاحظ في البيع مع قطع النظر عن الخيار ) اى يلزم ان نرى هل البيع

ص: 141

الّذي هو من احكام العقد ، فلا يرتفع به الغرر الحاصل عند العقد ، بل لمنع الغرر .

وان قيل عدم العلم بالوجود من أعظم افراد الغرر .

قلنا : نعم إذا بنى العقد على جعل الثمن في مقابل الموجود ، واما إذا بنى على توزيع الثمن على مجموع المبيع غير معلوم الوجود بتمامه فلا غرر عرفا .

_________________________

بنفسه غررى أم لا ؟ اما رفع الغرر بالخيار فهو لا يستوجب ان يكون البيع غير غررى ( الّذي هو من احكام العقد ) المترتبة على العقد ( فلا يرتفع به ) اى بالخيار ( الغرر الحاصل عند العقد ) فان العقد يلزم أن يكون صحيحا حتى يأتي عليه الخيار فإذا كان العقد غرريا ، لم يكن صحيحا ، فلا خيار ، فلا يمكن ان تستند الصحة للعقد على الخيار ( بل لمنع الغرر ) فان الظن باشتمال الصبرة على المقدار المقرر كاف في ان لا يسمى غرريا عند العرف .

( وان قيل عدم العلم بالوجود ) اى بوجود المقدار المقرر كعشرة أصوع مثلا ( من أعظم افراد الغرر ) .

( قلنا : نعم ) انه غرر ( إذا بنى العقد على جعل الثمن ) كلا ( في مقابل ) المقدار ( الموجود ، واما إذا بنى على توزيع الثمن على مجموع المبيع غير معلوم الوجود بتمامه ) « غير » صفة « المبيع » وضمير « بتمامه » راجع إلى « المبيع » ( فلا غرر عرفا ) .

لكن الانصاف انه لو فتح هذا الباب لزم غضّ النظر عن بعض ما هو مسلم انه غرر .

ص: 142

وربما يحتمل الصحة مراعى يتبين اشتمالها عليه .

وفيه : ان الغرر ان ثبت حال البيع لم ينفع تبين الاشتمال .

هذا ، ولكن الأوفق بكلماتهم في موارد الغرر عدم الصحة إلا مع العلم بالاشتمال ، أو الظن الّذي يتعارف الاعتماد عليه ، ولو كان من جهة استصحاب الاشتمال .

واما الرابع : مع الجهالة وهو بيعها كل قفيز بكذا ، فالمحكى عن جماعة المنع .

_________________________

( وربما يحتمل الصحة مراعى يتبين اشتمالها ) اى الصبرة ( عليه ) اى على المقدار المقرر ، فان كانت مشتملة صح البيع ، وإلا بطل .

( وفيه : ان الغرر ان ثبت حال البيع لم ينفع تبين الاشتمال ) وان لم يثبت لم يضر تبين عدم الاشتمال .

( هذا ، ولكن الأوفق بكلماتهم في موارد الغرر عدم الصحة ) لأن الغرر يطلق على الجهالة ، وان لم توجب ضررا وخطرا ، ومثله موجود في المقام ( الا مع العلم بالاشتمال ) بأن يعلم أن الصبرة مشتمله على عشرة أصوع مثلا ( أو الظن الّذي يتعارف الاعتماد عليه ، ولو كان ) ذلك الظن ( من جهة استصحاب الاشتمال ) أو الظن العرفي بالمقدار ، لأنه حينئذ لا يسمى غررا عرفا .

( واما الرابع : مع الجهالة ) بالمقدار ( وهو بيعها ) اى الصبرة كلا ( كل قفيز بكذا ) في حال انه لا يعلم أنها عشرة أو تسعة مثلا ( فالمحكى عن جماعة المنع ) .

ص: 143

وعن ظاهر اطلاق المحكى عن عبارتى المبسوط والخلاف انه لو قال : بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم ، صح البيع .

قال في الخلاف : لأنه لا مانع منه ، والأصل جوازه ، وظاهر اطلاقه يعم صورة الجهل بالاشتمال .

وعن الكفاية نفى البعد عنه ، إذ المبيع معلوم بالمشاهدة ، والثمن مما يمكن ان يعرف بأن يكال الصبرة ويوزع الثمن على قفزاتها .

قال وله نظائر

_________________________

( وعن ظاهر اطلاق المحكى عن عبارتى المبسوط والخلاف انه لو قال : بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم ) بأن كان البيع للجميع لكن بهذه الصورة ( صح البيع ) .

( قال في الخلاف : لأنه لا مانع منه ) اى من هذا البيع ( والأصل جوازه ) لأنه مشمول لأدلة : الوفاء بالعقود ، و : تجارة عن تراض ، وما أشبه ( وظاهر اطلاقه ) الجواز ( يعم صورة الجهل بالاشتمال ) بأن لم يعلم كم أصوع القفيز .

( وعن الكفاية نفى البعد عنه ) اى قال لا يبعد جوازه ( إذ المبيع معلوم بالمشاهدة ، والثمن مما يمكن ان يعرف بأن يكال الصبرة ويوزع الثمن على قفزاتها ) فإذا كانت القفزان عشرة كان الثمن عشرة دراهم ، وان كانت تسعة كان الثمن تسعة دراهم .

( قال وله نظائر ) كما لو آجر الدار كل غرفة بدينار ، أو ساقى البستان كل نخلة بدرهم ، أو جعل لمن وجد عبيده كل عبد بعشرة دنانير

ص: 144

ذكر جملة منها في التذكرة ، وفيه نظر .

_________________________

( ذكر جملة منها في التذكرة ، و ) لكن ( فيه نظر ) لمنع كفاية المشاهدة في ما يكال أو يوزن أو يعد أو يذرع ، والمعرفة اللاحقة بالمقدار لا ترفع الغرر السابق ، واللّه العالم .

ص: 145

مسئلة إذا شاهد عينا في زمان سابق على العقد عليها

فان اقتضت العادة تغيرها عن صفاتها السابقة إلى غيرها المجهول عند المتبايعين فلا يصح البيع ، الا بذكر صفات تصحح بيع الغائب ، لأن الرؤية القديمة غير نافعة وان اقتضت العادة بقائها عليها .

فلا اشكال في الصحة ولا خلاف أيضا الا من بعض الشافعية .

وان احتمل الأمر ان جاز الاعتماد على اصالة عدم

_________________________

( مسألة : إذا شاهد عينا في زمان سابق على العقد عليها ) اى على ذلك العين - والمراد بالعين الشيء ، ولذا ارجع ضمير المذكر إليه - ( فان اقتضت العادة تغيرها ) اى العين ( عن صفاتها السابقة إلى غيرها المجهول ) ذلك التغير ( عند المتبايعين ) كما لو كانت شاة رآها قبل سنة ، فإنه من المعلوم ان الشاة تتغير في هذه المدة ، ربما إلى الكبر والسمن الزائد عن المقدار المحتمل ( فلا يصح البيع ، الا بذكر صفات تصحح ) تلك الصفات ذكرها ( بيع الغائب ، لأن الرؤية القديمة ) مع التغير ( غير نافعة ) للعلم ولرفع الجهالة ( وان اقتضت العادة بقائها ) اى العين ( عليها ) اى على تلك الصفات السابقة كما لو باع دارا أو كتابا شاهده قبل شهر مثلا .

( فلا اشكال في الصحة ولا خلاف أيضا الا من بعض الشافعية ) فان ذلك لا يعد غررا ، فيشمله دليل جواز البيع من غير معارض .

( وان احتمل الأمر ان ) التغير وعدمه ( جاز الاعتماد على اصالة عدم

ص: 146

التغير والبناء عليها في العقد ، فيكون نظير اخبار البائع بالكيل والوزن لأن الأصل من الطرق التي يتعارف التعويل عليها ولو فرضناه في مقام لا يمكن التعويل عليه لحصول أمارة على خلافه .

فان بلغت قوة الظن حدا يلحقه بالقسم الأول ، وهو ما اقتضى العادة تغيره لم يجز البيع ، وإلا جاز مع ذكر تلك الصفات ، لا بدونه ،

_________________________

التغير ) وهي أصل موضوعي ( والبناء عليها ) اى على هذه الاصالة ( في العقد ، فيكون ) الاعتماد على الأصل ( نظير اخبار البائع بالكيل والوزن ) فلا يكون البيع غررا ( لأن الأصل من الطرق التي يتعارف التعويل عليها ) شرعا وعرفا ( ولو فرضناه ) اى الأصل ( في مقام لا يمكن التعويل عليه لحصول أمارة على خلافه ) .

كما لو كانت الدار المشاهدة سابقا على شاطئ البحر ، وقد زاد الماء بحيث علمنا أنه غير أكثر الدور ، الا ما شذّ .

( فان بلغت قوة الظن ) على خلاف الأصل ( حدّا يلحقه بالقسم الأول وهو ما اقتضى العادة تغيره ) .

فكما ان أصل عدم التغير لا يجرى مع مخالفة العادة ، كذلك لا يجرى مع وجود أمارة الخلاف ( لم يجز البيع ) لأنه غرر عرفا ( والا ) تبلغ قوة الظن إلى حد الجهالة الملحق له بالقسم الأول ( جاز ، مع ذكر تلك الصفات ) لبناء البيع عليها ( لا بدونه ) اى بدون ذكر الصفات .

والمراد بالذكر اللفظي أو البنائي ، وذلك مثل بناء المتبايعين على صحة المبيع ، وعدم كونه معيبا .

ص: 147

لأنه لا ينقص عن الغائب الموصوف الّذي يجوز بيعه بصفات لم يشاهد عليها .

بل يمكن القول بالصحة في القسم الأول إذا لم يفرض كون ذكر الصفات مع اقتضاء العادة عدمها لغوا .

لكن هذا كله خارج عن البيع بالرؤية القديمة .

وكيف كان : فإذا باع أو اشترى برؤية قديمة ، فانكشف التغيّر ، تخيّر المغبون وهو البائع ، ان تغير إلى صفات زادت في ماليته ،

و

_________________________

وانما يجوز بيعه مع الصفات ( لأنه لا ينقض عن الغائب الموصوف الّذي يجوز بيعه بصفات لم يشاهد ) ذلك الموصوف ، و « يشاهد » على صيغة المجهول ( عليها ) اى على تلك الصفات ، ففي المقام أولى لأنه شاهد سابقا .

( بل يمكن القول بالصحة ) للبيع ( في القسم الأول ) وهو ما اقتضى العادة تغيّره ، لكن الصحة مع ذكر الصفات ( إذا لم يفرض كون ذكر الصفات مع اقتضاء العادة عدمها لغوا ) إذ يكون حينئذ من بيع المجهول

( لكن هذا ) الّذي ذكرناه من الظن بتغيّر الصفات ، أو ذكر الصفات أو ما أشبه ( كله خارج عن البيع بالرؤية القديمة ) الّذي موضوعه عدم اعتياد تغيّر الصفات ، وعدم ذكر الصفات .

( وكيف كان : فإذا باع أو اشترى برؤية قديمة ، فانكشف التغيّر ، تخير المغبون ) في قبول البيع أو رفضه ( و ) المغبون ( هو البائع ، ان تغير إلى صفات زادت في ماليته ) كما لو صارت الشاة سمينة ( و ) تخير

ص: 148

المشترى ان نقصت عن تلك الصفات ، لقاعدة الضرر .

ولان الصفات المبنى عليها في حكم الصفات المشروطة فهي من قبيل تخلف الشرط كما أشار إليه في نهاية الاحكام ، والمسالك ، بقولهما الرؤية بمثابة الشرط في الصفات الكائنة في المرئى ، فكل ما فات منها فهو بمثابة التخلف في الشرط ، انتهى .

وتوهّم ان الشروط إذا لم تذكر في متن العقد ، لا عبرة بها فما نحن فيه من قبيل ما لم يذكر من الشروط في متن العقد .

_________________________

( المشترى ان نقصت عن تلك الصفات ) كما لو صارت الشاة هزيلة .

وانما نقول بتخيّر المغبون ( لقاعدة الضرر ) فان لزوم البيع ضررى فقاعدة : لا ضرر ، رافعة للزوم .

( ولان الصفات المبنى عليها ) اى التي بنى البيع على تلك الصفات ( في حكم الصفات المشروطة ) في البيع ( فهي ) اى فالرؤية تخلفها ( من قبيل تخلف الشرط )

فكما ان تخلف الشرط يوجب الخيار ، كذلك تخلف الرؤية ( كما أشار إليه في نهاية الاحكام ، والمسالك ، بقولهما الرؤية بمثابة الشرط في الصفات الكائنة ) تلك الصفات ( في المرئى ، فكل ما فات منها ) اى من تلك الصفات ( فهو بمثابة التخلف في الشرط ، انتهى ) كلامهما .

( وتوهم ان الشروط إذا لم تذكر في متن العقد ، لا عبرة بها ) اى بتلك الشروط ( فما نحن فيه ) من الاشتراء برؤية قديمة ثم وجدانه قد تغيرت صفاته ( من قبيل ما لم يذكر من الشروط في متن العقد ) فلا يوجب

ص: 149

مدفوع بأن الغرض من ذكر الشروط في العقد ، صيرورتها مأخوذة فيه ، حتى لا يكون العمل بالعقد بدونها وفاء بالعقد والصفات المرئية سابقا حيث إن البيع لا يصح الا مبنيا عليها كانت دخولها في العقد أولى من دخول الشرط المذكور على وجه الشرطية .

_________________________

تخلفها خيارا .

( مدفوع بأن الغرض من ذكر الشروط في ) متن ( العقد ، صيرورتها ) اى صيرورة الشروط ( مأخوذة فيه ) اى في العقد ( حتى لا يكون العمل بالعقد بدونها ) اى بدون تلك الشروط ( وفاء بالعقد ) لأن الشروط ، أصبحت كجزء العقد ، فإذا لم يوف بها كان العقد لم يوف به ( والصفات المرئية سابقا ) « سابقا » ظرف « للمرئية » ( حيث إن البيع لا يصح إلا مبنيا عليها ) اى على تلك الصفات ( كانت دخولها في العقد أولى ) لأنها مع عدمها يبطل البيع ، اما الشرط فلا يبطل البيع بتخلفه ( من دخول الشرط المذكور على وجه الشرطية ) .

اعلم أن الشرط في المعاملة التي يتعلق به الغرض على أربعة أقسام ، لأنه اما نوعي ، أو شخصي .

وكل منهما اما ان يذكر في العقد ، أم لا .

فالشرط النوعي إذا تخلف بطل العقد سواء كان مذكورا في العقد ، أم لا .

والشرط الشخصي ان ذكر وتخلف كان من باب خيار الشرط ، وان لم يذكر كان من باب تخلف الداعي ، وذلك يوجب بطلانا ، لا خيارا .

ص: 150

ولذا لو لم يبن البيع عليها ولم يلاحظ وجودها في البيع ، كان البيع باطلا .

فالذكر اللفظي انما يحتاج إليه في شروط خارجة ، لا يجب ملاحظتها في العقد .

واحتمل في نهاية الأحكام : البطلان .

ولعله لأن المضي على البيع ، وعدم نقضه عند تبين الخلاف ان كان وفاء بالعقد ، وجب ، فلا خيار .

وان لم يكن وفاء لم يدل دليل على جوازه .

_________________________

( ولذا ) الّذي ذكر من أن دخولها في العقد أولى ( لو لم يبن البيع عليها ) بل اشترى عين الغائبة بدون علم بصفاتها ، وبدون بناء على الرؤية السابقة ( ولم يلاحظ وجودها في البيع ، كان البيع باطلا ) لأنه من باب بيع المجهول ومن باب الغرر .

( فالذكر اللفظي ) للشرط ( انما يحتاج إليه في شروط خارجة ، لا يجب ملاحظتها في العقد ) كاشتراط ان يخيط البائع ثوب المشترى مثلا .

( واحتمل في نهاية الأحكام : البطلان ) فيما إذا اشترى برؤية قديمة ، ثم ظهر التغير ، في مقابل ما تقدم من القول بالخيار .

( ولعله ) اى البطلان ( لأن المضي على البيع ، وعدم نقضه عند تبين الخلاف ) بتغير الصفة القديمة المرئية ( ان كان وفاء بالعقد ، وجب ) العقد ( فلا خيار ) لدليل : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .

( وان لم يكن وفاء ) لأن المقصود غير المبيع ( لم يدل دليل على جوازه )

ص: 151

وبعبارة أخرى : العقد إذا وقع على الشيء الموصوف انتفى متعلقه بانتفاء صفته ، والا فلا وجه للخيار مع اصالة اللزوم .

ويضعفه : ان الأوصاف الخارجة عن حقيقة المبيع إذا اعتبرت فيه عند البيع ، اما ببناء العقد عليها واما بذكرها في متن العقد لا يعد من مقومات للعقد كما انها ليست من مقومات المبيع ففواتها فوات حق للمشترى ، ثبت بسببه الخيار دفعا لضرر الالتزام بما لم يقدم عليه .

_________________________

اى جواز ونفوذ هذا العقد ، فاللازم القول بالبطلان .

( وبعبارة أخرى ) لوجه البطلان ( العقد إذا وقع على الشيء الموصوف ) بالصفة المرئية سابقا ( انتفى متعلقه ) اى متعلق العقد ( بانتفاء صفته ) اى صفة المتعلق ، كما أنه إذا اشترى العبد المقيد بكونه كاتبا ، فظهر انه ليس بكاتب ، فان العبد غير الكاتب ليس متعلقا للعقد ( والا ) ينتفى المتعلق ( فلا وجه للخيار مع اصالة اللزوم ) في العقد بدليل :

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، والحاصل : ان العقد بين لازم وباطل ، فلا وجه للخيار .

( ويضعفه : ان الأوصاف الخارجة عن حقيقة المبيع ) لا الأوصاف الداخلة ، كما لو باع الحيوان بشرط كونه ناطقا ، أو بوصف كونه ناطقا ( إذا اعتبرت فيه ) اى في المبيع ( عند البيع ، اما ببناء العقد عليها ) وان لم تذكر عند البيع ( واما بذكرها في متن العقد لا يعد من مقومات للعقد ) مثل الايجاب والقبول حتى أن تخلفها يوجب البطلان ( كما انها ليست من مقومات المبيع ) كناطقية الحيوان ( ففواتها ) اى تلك الأوصاف ( فوات حق للمشترى ثبت بسببه الخيار دفعا لضرر الالتزام بما لم يقدم ) المشترى ( عليه ) فلا يتم

ص: 152

وتمام الكلام في باب الخيارات إن شاء اللّه تعالى .

فرعان :

الأول لو اختلفا في التغيير ، فادعاه المشترى

ففي المبسوط والتذكرة ، والايضاح ، والدروس ، وجامع المقاصد ، والمسالك تقديم قول المشترى ، لأن يده على الثمن كما في الدروس وهو راجع إلى ما في المبسوط ، والسرائر من : ان المشترى هو الّذي ينتزع منه الثمن ولا ينتزع منه الا باقراره ، أو ببينته تقوم عليه ،

_________________________

كلام القائل اما ان البيع لازم ، واما ان البيع باطل .

( وتمام الكلام في باب الخيارات إن شاء اللّه تعالى ) وانه كيف يحدث الخيار .

وحاصله : ان لزوم البيع ضررى ، فدليل : لا ضرر ، يرفع اللزوم ، لا أصل البيع حتى يكون باطلا .

( فرعان : الأول لو ) اشترى شيئا بروية سابقة ، ثم ( اختلفا في التغيير فادعاه المشترى ) وأنكره البائع ( ففي المبسوط ، والتذكرة ، والايضاح ، والدروس ، وجامع المقاصد ، والمسالك تقديم قول المشترى ) فله الحق في الفسخ ( لأن يده على الثمن ) فالأصل ان له الحق في ان لا يدفع الثمن .

والحاصل : انه يشك في انه هل وجب عليه اعطاء الثمن أم لا ؟

فالأصل عدم وجوب الاعطاء ( كما في الدروس ) الاستدلال بهذا الدليل ( وهو راجع إلى ما في المبسوط ، والسرائر من : ان المشترى هو الّذي ينتزع منه الثمن ولا ينتزع منه الا باقراره ، أو ببينته تقوم عليه ) ولا اقرار ولا بينة ، إذ لو جاء البائع ببينته لعدم التغير ، أو اعترف نفس المشترى

ص: 153

انتهى .

وتبعه العلامة أيضا في صورة الاختلاف في أوصاف المبيع الموصوف إذا لم يسبقه برؤية ، حيث تمسك باصالة براءة ذمة المشتري من الثمن ، فلا يلزمه ما لم يقربه ، أو يثبت بالبينة .

ولأن البائع يدعى علمه بالمبيع على هذا الوصف الموجود والرضا به ، والأصل عدمه كما في التذكرة ، ولأن الأصل عدم وصول حقه إليه كما في

_________________________

بأنه لم يتغير ، كان لازما عليه اعطاء الثمن .

اما حيث لا يوجد ان فله الحق في عدم اعطاء الثمن ( انتهى ) .

( وتبعه العلامة أيضا في صورة الاختلاف ) بين البائع والمشترى ( في أوصاف المبيع الموصوف ) الّذي وصفه البائع ( إذا لم يسبقه برؤية ) بأن اشترى المشترى شيئا يذكر البائع أوصافه بدون ان يراه قبل ذلك ( حيث تمسك ) العلامة لخيار المشترى ( باصالة براءة ذمة المشتري من الثمن ، فلا يلزمه ) اعطاء الثمن ( ما لم يقربه ، أو يثبت بالبينة ) ومعنى البراءة الالزام لا أصل الاعطاء ، لأن المفروض ان له الخيار ، ومع الخيار لا الزام ، وان صح ان لا يلزم ولكن يجوز الاعطاء .

( ولأن البائع يدعى علمه ) اى المشترى ( بالمبيع على هذا الوصف الموجود والرضا به ) اى ان المشترى راض بهذا الوصف ( والأصل عدمه ) اى عدم علم المشترى بهذا الوصف وعدم الرضا به ( كما في التذكرة ) الاستدلال بهذا الأصل .

( ولأن الأصل عدم وصول حقه ) اى المشترى ( إليه كما في

ص: 154

جامع المقاصد .

ويمكن ان يضعف الأول بأن يد المشترى على الثمن بعد اعترافه بتحقق الناقل الصحيح يد أمانة .

غاية الأمر انه يدعى سلطنته على الفسخ ، فلا ينفع تشبثه باليد .

الا ان يقال : ان وجود الناقل لا يكفى في سلطنة البائع على الثمن بناء على ما ذكره العلامة في احكام الخيار من التذكرة ولم ينسب خلافه الا إلى بعض الشافعية - من عدم وجوب تسليم الثمن والمثمن من عدم وجوب تسليم الثمن والمثمن في مدة الخيار ، وان تسلّم الآخر .

_________________________

جامع المقاصد ) هذا غاية ما استدل لخيار المشترى إذا لم تكن للبائع بيّنة .

( ويمكن ان يضعف الأول ) وهو ان المشترى هو الّذي ينتزع منه الثمن ( بأن يد المشترى على الثمن بعد اعترافه بتحقق الناقل الصحيح ) إذ لا يدعى المشترى بطلان الناقل ( يد أمانة ) فاللازم ان يعطى الثمن .

( غاية الأمر انه يدعى سلطنته ) اى سلطنة المشترى ( على الفسخ ، فلا ينفع ) في دعواه سلطنته على الفسخ ( تشبثه باليد ) إذ اليد لا تثبت الفسخ .

( الا ان يقال : ان وجود الناقل ) للثمن وهو العقد ( لا يكفى في سلطنة البائع على الثمن ) .

وانما لا يكفى ( - بناء على ما ذكره العلامة في احكام الخيار من التذكرة ولم ينسب خلافه ) اى خلاف ما ذكره ( الا إلى بعض الشافعية - من عدم وجوب تسليم الثمن والمثمن في مدة الخيار ، وان تسلّم الآخر ) .

ص: 155

وحينئذ فالشك في ثبوت الخيار يوجب الشك في سلطنة البائع على اخذ الثمن فلا مدفع لهذا الوجه الا اصالة عدم سبب الخيار لو تم كما سيجيء .

والثاني : مع معارضته باصالة عدم علم المشترى بالمبيع على وصف آخر حتى يكون حقا له يوجب الخيار بأن الشك في علم المشترى بهذا الوصف .

_________________________

فمثلا إذ اسلم البائع الحيوان إلى المشترى لم يجب على المشترى تسليم الثمن إلى البائع في الثلاثة أيام التي للمشترى الخيار فيها .

( وحينئذ ) اى حين كان لم يجب التسليم في مدة الخيار ( فالشك في ثبوت الخيار ) للمشترى المدعى تغير المبيع ( يوجب الشك في سلطنة البائع على اخذ الثمن ) .

وعلى هذا : ( فلا مدفع لهذا الوجه ) الدال على أنه يحق للمشترى عدم تسليم الثمن ( الا اصالة عدم سبب الخيار لو تم ) هذا الأصل ( كما سيجيء ) .

( و ) يضعف ( الثاني ) وهو اصالة عدم علم المشترى بهذه الأوصاف ( مع معارضته باصالة عدم علم المشترى بالمبيع على وصف آخر ) .

مثلا : البائع يقول : انك تعلم أن الشاة كانت مهزولة ، والمشترى يقول انى كنت اعلم أنها سمينة فاصالة عدم علم المشترى بالسمنة معارض باصالة عدم علم المشترى بالهزال ( حتى يكون ) العلم بوصف آخر ( حقا له يوجب الخيار ) لأنه إذا كان المشترى يعلم بوصف آخر « غير الوصف الموجود الآن » كان ذلك موجبا لحقه في الخيار ( بأن الشك في علم المشترى بهذا

ص: 156

الوصف .

وعلمه بغيره مسبب عن الشك في وجود غير هذا الوصف سابقا فإذا انتفى غيره بالأصل الّذي يرجع إليه اصالة عدم تغير المبيع لم يجر اصالة عدم علمه بهذا الوصف .

والثالث

_________________________

الوصف ) الموجود الآن ، كالهزال في المثال .

( و ) ادعاء ( علمه بغيره ) اى غير هذا الوصف ( مسبب عن الشك في وجود غير هذا الوصف سابقا ) .

فمثلا الشك في علم المشترى بهزالها السابق تابع للشك في الهزال سابقا ، لأنه إذا لم تكن مهزولة سابقا لم يعقل ان يكون المشترى عالما بأنها مهزولة ، إذ العلم فرع المعلوم ( فإذا انتفى غيره ) أو غير هذا الوصف الموجود حالا - والمفروض ان الوصف الموجود حالا الهزال - ( بالأصل ) لأصالة عدم السمن سابقا ( الّذي يرجع إليه ) اى إلى هذا الأصل ( اصالة عدم تغير المبيع ) .

فان اصالة عدم تغيير المبيع ناشئة عن اصالة عدم وجود وصف في السابق يخالف هذا الوصف الموجود حالا ( لم يجر اصالة عدم علمه ) اى المشترى ( بهذا الوصف ) الموجود حالا « وهو وصف الهزال » .

وان شئت قلت : ان اصالة عدم التغيير مقدم على سائر الأصول ، فإذا تحقق الموضوع وجب عليه اعطاء الثمن .

( و ) يضعف ( الثالث ) وهو اصالة عدم وصول حق المشترى إليه

ص: 157

بأن حق المشترى من نفس العين قد وصل إليه قطعا ، ولذا يجوز له امضاء العقد .

وثبوت حق له من حيث الوصف المفقود ، غير ثابت فعليه الاثبات .

والمرجع اصالة لزوم العقد .

ولأجل ما ذكرنا قوى بعض تقديم قول البائع ، هذا .

ويمكن بناء المسألة على أن بناء المتبايعين حين العقد على

_________________________

( بأن حق المشترى من نفس العين قد وصل إليه قطعا ، ولذا ) الّذي وصل حقه إليه ( يجوز له امضاء العقد ) فإنه لو لم يصل إليه حقه لم يجز له امضاء العقد ، إذ لا يمكن امضاء عدم الواصل .

( وثبوت حق له ) اى للمشترى ( من حيث الوصف المفقود ) بأن يقال إن الوصف مفقود ، فللمشتري حق على البائع حيث لم يسلم إليه ماله ( غير ثابت ) ان للمشترى حقا إذا لم يعلم التغير ( فعليه ) اى للمشترى ( الاثبات ) في ان له هذا الحق .

( و ) لدى الشك في انه هل وصل حقه أم لا ؟ ( المرجع اصالة لزوم العقد ) فإنه كلما شك في ان العقد لازم أو لا ، كان المرجع اللزوم ، لقوله تعالى : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الا ما خرج بالدليل .

( ولأجل ما ذكرنا ) من الأدلة الدالة على عدم استقامة قول المشترى ( قوى بعض تقديم قول البائع هذا ) تمام الكلام حول أدلة الجانبين .

( ويمكن بناء المسألة ) مسألة حصول التغير في المبيع عما شاهده المشترى عليه ، أم لا ( على أن بناء المتبايعين حين العقد على

ص: 158

الأوصاف الملحوظة حين المشاهدة ، هل هو كاشتراطها في العقد ، فهي كشروط مضمرة في نفس المتعاقدين كما عرفت عن النهاية والمسالك .

ولهذا لا يحصل من فقدها الأخيار لمن اشترطت له ، ولا يلزم بطلان العقد ، أو انها مأخوذة في نفس المعقود عليه ، بحيث يكون المعقود عليه هو الشيء المقيد .

ولذا لا يجوز الغائها في المعقود عليه

_________________________

الأوصاف الملحوظة حين المشاهدة ) بنائها على تلك الأوصاف ( هل هو ) اى البناء ( كاشتراطها ) اى اشتراط تلك الأوصاف ( في العقد ) فكأنه قال اشترى منك الشاة المشروطة بكونها سمينة ( فهي كشروط مضمرة في نفس المتعاقدين ) كشرط السلامة ( كما عرفت عن النهاية والمسالك ) .

( ولهذا ) اى لكونها كالشروط المضمرة ( لا يحصل من فقدها ) اى فقد هذه الشروط ( الأخيار لمن اشترطت له ، ولا يلزم ) من فقدها ( بطلان العقد ) لأن الشرط كما حقق في محله التزام في التزام ، فإذا فقد الالتزام بالشرط ، لا يلزم فقدان الالتزام بأصل العقد ( أو انها ) اى الشروط ( مأخوذة في نفس المعقود عليه ، بحيث يكون المعقود عليه هو الشيء المقيد ) فلم يشتر المشترى الشاة بشرط السمن ، وانما اشترى الشاة السمينة ، فيكون السمن من قبيل الناطق فيما لو اشترى الحيوان الناطق حيث إنه لو تبين غير ناطق بطل العقد .

( ولذا ) الّذي هو قيد ، وليس شرطا ( لا يجوز الغائها ) اى الأوصاف الملحوظة حين المشاهدة ( في المعقود عليه ) إذ معنى الالغاء

ص: 159

كما يجوز الغاء غيرها من الشروط .

فعلى الأول يرجع النزاع في التغير وعدمه ، إلى النزاع في اشتراط خلاف هذا الوصف الموجود على البائع وعدمه والأصل مع البائع .

وبعبارة أخرى : النزاع في ان العقد وقع على الشيء الملحوظ فيه الوصف المفقود ، أم لا .

لكن الانصاف ان هذا البناء

_________________________

الجهالة .

ومن المعلوم ان الجهالة بالمبيع توجب بطلان البيع ( كما يجوز الغاء غيرها ) اى غير الأوصاف الملحوظة لدى المشاهدة ( من الشروط ) كما لو شرط ان يكون العبد كاتبا ثم الغى هذا الشرط .

( فعلى الأول ) وهي ان الأوصاف كالشروط ( يرجع النزاع ) بين المشترى المدعى للتغير ، والبائع المنكر له ( في التغير وعدمه ، إلى النزاع في اشتراط خلاف هذا الوصف الموجود على البائع وعدمه ) « على » متعلق ب « الاشتراط » .

اى هل اشترط المشترى « السمنة » خلاف « الهزال » الموجود في الشاة الآن - مثلا - أم لم يشترط ( والأصل مع البائع ) لأن الأصل عدم الشرط .

( وبعبارة أخرى : النزاع وقع في ان العقد وقع على الشيء الملحوظ فيه الوصف المفقود ) كالسنة ( أم لا ) ومن المعلوم ان الأصل عدم خصوصية لحاظ الوصف .

( لكن الانصاف ان هذا البناء ) من المتبايعين على الأوصاف

ص: 160

في حكم الاشتراط من حيث ثبوت الخيار .

لكنه ليس شيئا مستقلا حتى يدفع عند الشك بالأصل ، بل المراد به ايقاع العقد على العين الملحوظ كونه متصفا بهذا الوصف ، وليس هنا عقد على العين والتزام بكونه متصفا بذلك الوصف ، فهو قيد ملحوظ في المعقود عليه ، نظير الأجزاء لا شرط ملزم في العقد ، فحينئذ يرجع النزاع إلى وقوع

_________________________

المشاهدة سابقا ( في حكم الاشتراط ) لا في حكم القيد الموجب لبطلان العقد إذا لم يكن القيد ( من حيث ثبوت الخيار ) فإذا لم توجد الأوصاف كان للمشترى الخيار في الفسخ والامضاء .

( لكنه ) اى هذا البناء ( ليس شيئا مستقلا حتى يدفع عند الشك ) في انه هل بنى أم لا ؟ ( بالأصل ) اى باصالة عدم البناء ( بل المراد به ) اى بهذا البناء ( ايقاع العقد على العين الملحوظ كونه متصفا بهذا الوصف ) المفقود .

فالبناء قيد يوجب عدمه البطلان ، لا انه شرط يوجب عدمه الخيار ، ( وليس هنا عقد على العين والتزام بكونه ) اى المبيع ( متصفا بذلك الوصف ) كالسمنة في المثال ، حتى يكون من قبيل التزام في التزام ، وبفقد أحد الالتزامين يبقى الالتزام الآخر ( فهو ) اى البناء ( قيد ملحوظ في المعقود عليه ، نظير الاجزاء ) حيث إن انتفاء الجزء عبارة أخرى عن انتفاء المقدم الموجب للبطلان ( لا شرط ملزم في العقد ، فحينئذ ) اى حين كان الوصف قيدا كالجزء لا شرطا ( يرجع النزاع ) بين المشترى المدعى والبائع المنكر ( إلى وقوع

ص: 161

العقد على ما ينطبق على الشيء الموجود حتى يلزم الوفاء وعدمه ، والأصل عدمه .

ودعوى معارضته ، باصالة عدم وقوع العقد على العين المقيدة بالوصف المفقود ، ليثبت الجواز .

مدفوعة بان عدم وقوع العقد على العين المقيدة لا يثبت جواز العقد الواقع الا بعد اثبات وقوع العقد على العين غير المقيدة ، باصالة عدم وقوع العقد على المقيدة .

_________________________

العقد على ما ينطبق على الشيء الموجود ) الشاة الهزيلة ( حتى يلزم الوفاء وعدمه ) اى ان العقد لم يقع على الشيء الموجود ( والأصل عدمه ) اى عدم وقوع العقد على الشيء الموجود ، لأن انطباق العقد على هذا الشيء الموجود مسبوق بالعدم .

( ودعوى معارضته ) اى معارضة أصل عدم وقوع العقد على الشيء الموجود ( باصالة عدم وقوع العقد على العين المقيدة بالوصف المفقود ) « فالأصل عدم وقوع العقد على الهزيل » « والأصل عدم وقوع العقد على الشاة المقيدة بالسمنة » فيتساقط الأصلان ويرجع إلى دليل : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ( ليثبت الجواز ) والنفوذ لهذا العقد .

( مدفوعة بان عدم وقوع العقد على العين المقيدة ) .

هذا الأصل غير تام ، فلا يتمكن ان يتعارض مع أصل عدم وقوع العقد على الهزيل ( لا يثبت جواز العقد الواقع ) ونفوذه ( الا بعد اثبات وقوع العقد على العين غير المقيدة ، ب ) سبب ( باصالة عدم وقوع العقد على المقيدة )

ص: 162

وهو غير جائز ، كما حقق في الأصول .

وعلى الثاني : يرجع النزاع إلى رجوع العقد والتراضي على الشيء المطلق ، بحيث يشمل الموصوف بهذا الوصف الموجود وعدمه ، والأصل مع المشترى .

ودعوى معارضته باصالة عدم وقوع العقد

_________________________

« باصالة » متعلق ب « اثبات » ( وهو ) اثبات « عدم العقد على السمين » ل « وقوع العقد على الهزيل » ( غير جائز ، كما حقق في الأصول ) لأنه أصل مثبت فان الأصول انما تثبت آثارها الشرعية لا الآثار العقلية والعادية .

ومن المعلوم ان عدم الوقوع على السمين لازمه غير الشرعي الوقوع على الهزيل ، لا لازمه الشرعي ، فإذا كان الأصل غير تام لا يتمكن ان يعارض الأصل التام كما لا يخفى .

( وعلى الثاني ) وهو ان الشروط مأخوذة في نفس المعقود عليه بحيث يكون المعقود عليه هو الشيء المقيد ( يرجع النزاع ) في التغيير وعدمه ( إلى رجوع العقد والتراضي على الشيء المطلق ) كمطلق الشاة ( بحيث يشمل ) العقد ( الموصوف بهذا الوصف الموجود ) كالهزال ( وعدمه ) اى عدم رجوع العقد على الشيء المطلق ، فالمشترى يدعى عدم الرجوع إلى الشيء المطلق بل المقيد بالسمنة ، والبائع يدعى رجوع العقد على الشيء المطلق ( والأصل مع المشترى ) لأن المشترى ينكر الاطلاق ، والأصل عدم الاطلاق في متعلق العقد .

( ودعوى معارضته ) اى أصل عدم الاطلاق ( باصالة عدم وقوع العقد

ص: 163

على الشيء الموصوف بالصفة المفقودة .

مدفوعة : بأنه لا يلزم من عدم تعلقه بذاك ، تعلقه بهذا حتى يلزم على المشترى الوفاء به فالزام المشترى بالوفاء بالعقد موقوف على ثبوت تعلق العقد بهذا ، وهو غير ثابت ، والأصل عدمه .

وقد تقرر في الأصول ان نفى أحد الضدين بالأصل ، لا يثبت الضد الآخر ليترتب

_________________________

على الشيء الموصوف بالصفة المفقودة ) كالسمينة - في المثال - .

( مدفوعة : بأنه لا يلزم من عدم تعلقه ) اى العقد ( بذاك ) اى بالمقيد بالسمنة ( تعلقه ) اى العقد ( بهذا ) اى بالموجود ، كالهزيل ، لما تقدم من أن نفى أحد الضدين لا يثبت الضد الآخر .

فاصالة عدم الليل لا يثبت النهار .

واصالة عدم اللحية لا يثبت الامردية ( حتى يلزم على المشترى الوفاء به ) اى بهذا العقد المتعلق بالمطلق .

والحاصل : « اصالة عدم تعلق العقد بالسمين » لا اثر شرعي له حتى يجرى فلا يجرى ، وإذا لم يجر كان أصل عدم اطلاق متعلق العقد محكما ، وهو أصل في جانب المشترى ( فالزام المشترى بالوفاء بالعقد موقوف على ثبوت تعلق العقد بهذا ) الموجود حالا ( وهو ) اى تعلق العقد بهذا الموجود ( غير ثابت ) للشك في انه هل تعلق العقد بهذا الموجود أو تعلق بشيء آخر ( والأصل عدمه ) اى عدم التعلق بهذا الموجود .

( وقد تقرر في الأصول ان نفى أحد الضدين بالأصل ، لا يثبت الضد الآخر ليترتب

ص: 164

عليه حكمه .

وبما ذكرنا يظهر فساد التمسك باصالة اللزوم حيث إن المبيع ملك المشتري ، والثمن ملك البائع اتفاقا .

وانما اختلافهما في تسلط المشترى على الفسخ فينفى بما تقدم من قاعدة اللزوم .

توضيح الفساد

_________________________

عليه حكمه ) اى حكم الضد الآخر .

مثلا : إذا ترتب عليه النهار وجوب الصيام ، وشككنا في انه هل الآن ليل أو نهار ، فاصالة عدم الليل لا تثبت وجود النهار ، ليترتب عليه وجوب الصيام .

( وبما ذكرنا ) من عدم جريان الأصل لأنه مثبت ( يظهر فساد التمسك ) لاثبات العقد ( باصالة اللزوم ) فان الأصل في العقود ، اللزوم ( حيث إن المبيع ملك المشتري ، والثمن ملك البائع اتفاقا ) حيث إن العقد إذا جرى اقتضى ذلك .

( وانما اختلافهما ) اى البائع والمشترى ( في تسلط المشترى على الفسخ ) فان المشترى يدعى ان له حق الفسخ حيث تغير المبيع عما شاهده عليه سابقا ، والبائع ينكر ذلك ( فينفى ) تمكن المشترى على الفسخ ( بما تقدم من قاعدة اللزوم ) .

( توضيح الفساد ) لهذا التمسك ، ان أصل اللزوم مسببى عن أصل تعلق العقد بهذا الموجود ، والأصل المسببى لا يجرى ما دام يجرى

ص: 165

ان الشك في اللزوم وعدمه من حيث الشك في متعلق العقد .

فانا نقول : الأصل عدم تعلق العقد بهذا الموجود حتى يثبت اللزوم وهو وارد على اصالة اللزوم .

والحاصل : ان هنا امرين

_________________________

الأصل السببى .

مثلا : إذا شككنا في ان اليد النجسة التي غمست في الماء المشكوك الكرية الّذي كان سابقا كرا ، هل طهرت ، أم لا ؟ فإنه لا يجرى أصل بقاء النجاسة في اليد بعد جريان أصل كرية الماء ، لأن الشك في بقاء النجاسة مسبب عن الشك في بقاء الكرية .

فإذا جرى أصل بقاء الكرية لم يبق وجه الشك في نجاسة اليد ، وفي المقام هكذا .

ف ( ان الشك في اللزوم وعدمه ) مسببى ، لأنه ( من حيث الشك في متعلق العقد ) وان العقد هل تعلق بهذا الموجود ، أو تعلق بشاة سمينة .

( فانا نقول : الأصل عدم تعلق العقد بهذا الموجود حتى يثبت اللزوم ) فان اللزوم فرع التعلق بهذا الموجود ( وهو ) اى أصل عدم تعلق العقد بهذا الموجود ( وارد على اصالة اللزوم ) لان أصل اللزوم مسبب ، والأصل السببى دائما وارد على الأصل المسببى .

( والحاصل : ان هنا امرين ) يمكن اجراء الأصل فيهما ، لكن أحدهما : لا حالة سابقة له ، والثاني مثبت ، ومن المعلوم ان الأصل

ص: 166

أحدهما : عدم تقييد متعلق العقد بذلك الوصف المفقود ، واخذه فيه وهذا الأصل ينفع في عدم الخيار ، لكنه غير جار ، لعدم الحالة السابقة .

والثاني : عدم وقوع العقد على الموصوف بذاك الوصف المفقود وهذا جار ، غير نافع نظير الشك في كون الماء المخلوق دفعة كرا من أصله فان اصالة عدم كريته نافعة غير جارية .

_________________________

انما يجرى إذا كانت له حالة سابقة ولم يكن مثبتا .

( أحدهما : عدم تقييد متعلق العقد بذلك الوصف ، المفقود ، و ) عدم ( اخذه ) اى الوصف المفقود كالسمنة ( فيه ) اى في متعلق العقد ( وهذا الأصل ) لو جرى ( ينفع في عدم الخيار ) لأنه لو اخذ الوصف وفقد كان للمشترى الخيار ( لكنه غير جار ، لعدم الحالة السابقة ) لأنه لم يكن في وقت ، عقد بمتعلق بدون الوصف - قطعا - ثم شك في انه هل وصف أم لا ؟

( والثاني : عدم وقوع العقد على الموصوف بذلك الوصف المفقود ) كالسمنة في الشاة - مثلا - ( وهذا جار ، غير نافع )

وان شئت قلت : اصالة عدم الوصف لا حالة سابقة له ، واصالة عدم الموصوف له حالة سابقة ، لكنه مثبت .

وهذان الأصلان ( نظير الشك في كون الماء المخلوق دفعة كرا ) خبر « كون » ( من أصله ) اى حين خلقته ( فان اصالة عدم كريته نافعة ) في عدم تطهير الشيء فيه ، لكنه ( غير جارية ) لأنه لا حالة سابقة له .

ص: 167

واصالة عدم وجود الكر جارية غير نافعة ، في ترتب آثار القلة على الماء المذكور فافهم واغتنم .

وبما ذكرنا يظهر حال التمسك بالعمومات المقتضية للزوم العقد

_________________________

( واصالة عدم وجود الكر ) بان يقال : لم يكن في هذا المكان كر سابقا ، فنشك في انه هل وجد فيه ، أم لا ؟ فالأصل عدم الوجود ، فهذه الاصالة ( جارية ) لكنها ( غير نافعة ، في ترتب آثار القلة على الماء المذكور ) لأنها مثبتة لأنكم تريدون ترتيب القلة على هذا الأصل ، والكرية والقلة ضدان لا يترتب أحدهما على عدم الآخر ليترتب على الضد الّذي يراد اثباته آثاره الشرعية ( فافهم واغتنم ) حيث إن الامر دقيق .

( وبما ذكرنا ) من تقديم اصالة عدم اللزوم على اصالة اللزوم ( يظهر ) انه لا مجال للتمسك بعمومات اللزوم ، مثل « لا تأكلوا أموالكم » .

وجه الظهور ان الأصل العملي يثبت موضوع المخصص للعام ، فهنا « عام يقول بلزوم العقد » و « خاص يقول بالخيار لمن لم يصل حقه إليه كاملا »

فإذا كان « الأصل عدم وصول الحق إلى المشترى » قدّم هذا الأصل على عموم الوفاء بالعقد مثلا : إذا قال المولى « أكرم العلماء الا الجهال » فإنه « باصالة جهالة زيد » يثبت موضوع المخصص فيقدم على عموم أكرم العلماء فيما لو شك في ان زيدا هل صار عالما ، أم لا ؟

وكيف كان فقد ظهر بما ذكرنا ( حال التمسك بالعمومات المقتضية للزوم العقد ) فيما إذا شككنا هل كانت الشاة سمينة سابقا فللمشتري حق

ص: 168

الحاكمة على الأصول العملية المتقدمة ، مثل ما دل على حرمة : اكل المال الا أن تكون تجارة عن تراض ، وعموم : ولا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه ، وعموم الناس مسلطون على أموالهم ، بناء على أنها تدل على عدم تسلط المشترى على استرداد الثمن من البائع ، لأن المفروض صيرورته ملكا ، إذ لا يخفى عليك ان هذه العمومات مخصصة قد خرج عنها بحكم أدلة الخيار

_________________________

الخيار ، لزوال الوصف ، أم لم تكن سمينة فلا حق له في الخيار ( الحاكمة ) تلك العمومات ( على الأصول العملية المتقدمة ) كأصل عدم وقوع العقد على الشاة الهزيلة .

وانما يقدم العام على الأصل ، لان الأصل أصيل حيث لا دليل .

فالعمومات ( مثل ما دل على حرمة : اكل المال الا أن تكون تجارة عن تراض ، وعموم : ولا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه ، وعموم :

الناس مسلطون على أموالهم ) إلى غيرها من العمومات ( بناء على أنها تدل على عدم تسلط المشترى على استرداد الثمن من البائع ) إذ الاسترداد ليس تجارة عن تراض ، والثمن أصبح مال البائع ، فلا يحل للمشترى والبائع مسلط على الثمن ( لأن المفروض صيرورته ) اى الثمن ( ملكا ) للبائع .

وانما قلنا : ظهر بطلان هذا التمسك ( إذ لا يخفى عليك ان هذه العمومات مخصصة ) - بصيغة المفعول - ( قد خرج عنها ) اى عن هذه العمومات ( بحكم أدلة الخيار ) الدالة على أنه إذا فات الوصف كان

ص: 169

المال الّذي لم يدفع عوضه الّذي وقع المعاوضة عليه إلى المشترى .

فإذا شك في ذلك ، فالأصل عدم دفع العوض ، وهذا هو الّذي تقدم من اصالة عدم وصول حق المشترى إليه فان عدم وصول حقه إليه يثبت موضوع خيار تخلف الوصف .

فان قلت :

_________________________

للمشترى الخيار في ابطال العقد ( المال ) اى الثمن ( الّذي لم يدفع عوضه ) اى المثمن ، فالعوض ( الّذي وقع المعاوضة عليه ) لم يدفع ( إلى المشترى ) فإذا لم يدفع البائع المثمن إلى المشترى كان للمشترى الخيار في فسخ العقد واسترداد الثمن .

( فإذا شك في ذلك ) اى في انه هل دفع البائع المثمن أم لا ؟ - وذلك للشك في ان المثمن هل هو السمينة أم الهزيلة ؟ - ( فالأصل عدم دفع العوض ) اى عوض مال المشترى ، وهو المثمن ( وهذا ) الأصل ( هو الّذي تقدم من اصالة عدم وصول حق المشترى إليه )

وانما يقدم هذا الأصل على عمومات اللزوم ، لان هذا الأصل يثبت موضوع المخصص ( فان ) أصل ( عدم وصول حقه ) اى المشترى ( إليه يثبت موضوع خيار تخلف الوصف ) فلا مجال للتمسك بعمومات اللزوم .

( فان قلت ) انكم قلتم : يجب الوفاء بالعقد ، الا إذا لم يدفع عوض مال المشترى إليه ، والأصل عدم دفع عوضه إليه ، فللمشتري الخيار ، وهذا غير تام ، فان الخارج من وجوب الوفاء الثمن الّذي لم ينطبق مثمنه على ما دفع إلى المشترى ، فإذا شككنا في هذا اى « الثمن الّذي الخ »

ص: 170

لا دليل على كون الخارج عن العمومات المذكورة معنونا بالعنوان المذكور بل نقول : قد خرج من تلك العمومات : المال الّذي وقع المعاوضة بينه وبين ما لم ينطبق على المدفوع .

فإذا شك في ذلك ، فالأصل عدم وقوع المعاوضة المذكورة .

قلت :

_________________________

كان الأصل عدمه فالعمومات محكمة ، لأنه إذا شك في الخاص كان عموم العام محكّما .

والحاصل : انه ( لا دليل على كون الخارج عن العمومات المذكورة ) اى عمومات الوفاء بالعقد ( معنونا بالعنوان المذكور ) اى عنوان « ما إذا لم يدفع عوض مال المشترى إليه » حتى يجرى الأصل : لعدم وصول عوضه إليه ( بل نقول : قد خرج من تلك العمومات : المال الّذي وقع المعاوضة بينه وبين ما لم ينطبق على المدفوع ) كالثمن الّذي وقع المعاوضة بينه وبين الشاة السمينة التي لا تنطبق على الهزيلة ، والتي دفعت إلى المشترى .

( فإذا شك في ذلك ) اى في كون الثمن وقع المعاوضة بينه وبين السمينة ( فالأصل عدم وقوع المعاوضة المذكورة ) فلا يحكم بالمستثنى ، ويحكم عمومات الوفاء بالعقد .

( قلت ) « كون المثمن موصوفا بصفة منطبقة على الشاة المسلّمة إلى المشترى » إذا شك فيه ، كان الأصل عدمه ، فإذا لم ينطبق المسلم على الموصوف ، كان للمشترى الخيار .

ص: 171

السبب في الخيار وسلطنة المشترى على فسخ العقد ، وعدم وجوب الوفاء به عليه ، هو عدم كون العين الخارجة منطبقة على ما وقع العقد عليه .

وبعبارة أخرى هو عدم وفاء البائع بالعقد بدفع العنوان الّذي وقع العقد عليه إلى المشترى لا وقوع العقد على ما يطابق العين الخارجية كما أن السبب في لزوم العقد مقتضاه من انتقال العين بالصفات التي وقع العقد عليها إلى ملك المشتري .

_________________________

فان ( السبب في الخيار ) للمشترى ( وسلطنة المشترى على فسخ العقد وعدم وجوب الوفاء به ) اى بالعقد ( عليه ) اى على المشترى ( هو ) عائد إلى السبب ( عدم كون العين الخارجة ) كالشاة الهزيلة ( منطبقة على ما وقع العقد عليه ) كالشاة السمينة .

( وبعبارة أخرى ) السبب في الخيار ( هو عدم وفاء البائع بالعقد ) بان لم يف ( بدفع العنوان ) السمينة ( الّذي وقع العقد عليه ) اى على ذلك العنوان ( إلى المشترى ) متعلق ب « دفع » ( لا ) ان السبب الخيار ، هو ( وقوع العقد على ما يطابق العين الخارجية ) .

فسبب الخيار عدمي ، لا وجودي ( كما أن السبب في لزوم العقد ) وجودي ، وهو تحقق ( مقتضاه ) اى مقتضى العقد ( من انتقال العين بالصفات التي وقع العقد عليها ) اى على تلك الصفات ( إلى ملك المشتري )

وانما قال « كما » لبيان ان سبب اللزوم حيث كان وجوديا يكون سبب الخيار عدميا ولو كان سبب الخيار وجوديا لكان سبب اللزوم عدميا

ص: 172

والأصل موافق للأول ، ومخالف للثاني .

مثلا : إذا وقع العقد على العين على أنها سمينة ، فبانت مهزولة ، فالموجب للخيار هو انه لم ينتقل إليه في الخارج ما عقد عليه وهو السمين لا وقوع العقد على السمين ، فان ذلك لا يقتضي الجواز .

وانما المقتضى للجواز عدم انطباق العين الخارجية على متعلق العقد .

ومن المعلوم : ان عدم الانطباق هو المطابق للأصل عند الشك .

_________________________

لان الخيار واللزوم مختلفان من حيث السبب .

فإذا كان سبب أحدهما عدميا دل على أن سبب الآخر وجودي .

وإذا كان سبب أحدهما وجوديا دل على أن سبب الآخر عدمي .

( والأصل موافق للأول ) وهو عدم كون وفاء البائع بالعقد ، ( ومخالف للثاني ) وهو وقوع العقد على ما لا يطابق .

( مثلا : إذا وقع العقد على العين على أنها سمينة ، فبانت مهزولة ، فالموجب للخيار هو انه لم ينتقل إليه ) اى إلى المشترى ( في الخارج ) في مقابل الانتقال في عالم العقد والالتزام ( ما عقد عليه ، وهو السمين لا ) ان السبب للخيار ( وقوع العقد على السمين ، فان ذلك ) وقوع العقد على السمين ( لا يقتضي ) الخيار اى ( الجواز ) للعقد - في مقابل اللزوم - .

( وانما المقتضى للجواز عدم انطباق العين الخارجية ) وهي الهزيلة ( على متعلق العقد ) وهي السمينة .

( ومن المعلوم : ان عدم الانطباق هو المطابق للأصل عند الشك ) إذ

ص: 173

فقد تحقق مما ذكرنا صحة ما تقدم من اصالة عدم وصول حق المشترى إليه .

وكذا صحة ما في التذكرة من اصالة عدم التزام المشترى بتملك هذا الموجود ، حتى يجب الوفاء بما الزم .

نعم : ما في المبسوط ، والسرائر ، والدروس من اصالة بقاء يد المشترى على الثمن ، كأنه لا يناسب اصالة اللزوم ،

_________________________

الأصل عدم الحادث ، فان الحادث وجود ، وإذا شك فيه كان الأصل عدمه ، بخلاف الامر الوجودي فإنه لا أصل فيه الا الاستصحاب فيما كان في السابق موجودا .

( فقد تحقق مما ذكرنا ) صحة جريان بعض الأصول ، وعدم صحة جريان بعض الأصول الأخر .

مثل ( صحة ما تقدم من اصالة عدم وصول حق المشترى إليه ) لأنه قبل تسلمه الهزيلة لم يصل حقّه إليه ، فإذا تسلم الهزيلة وشككنا في وصول حقه إليه ، فالأصل العدم .

( وكذا صحة ما في التذكرة من اصالة عدم التزام المشترى بتملك هذا ) الهزيل ( الموجود ، حتى يجب الوفاء بما الزم ) إذ انما يلزم الوفاء بما التزمه الانسان ، لا بأي شيء آخر .

( نعم : ما في المبسوط ، والسرائر ، والدروس من اصالة بقاء يد المشترى على الثمن ، كأنه لا يناسب اصالة اللزوم ) فيما لو شك في العقود ، فإنه لو شك في العقد كان أصل اللزوم محكما - كما حقق في محله - وإذا

ص: 174

بل يناسب اصالة الجواز عند الشك في لزوم العقد ، كما يظهر من المختلف في باب السبق والرماية ، وسيأتي تحقيق الحال في باب الخيار .

واما دعوى : وورود اصالة عدم تغيّر المبيع على الأصول المذكورة لأن الشك فيها مسبب عن الشك في تغيّر المبيع .

_________________________

تحقق اللزوم بالأصل فلا وجه لأصالة بقاء يد المشترى على الثمن ، لان أصل اللزوم حاكم على أصل بقاء يد المشترى ( بل يناسب اصالة الجواز )

اى لو قلنا : انه لو شك في العقد كان مقتضى القاعدة اصالة الجواز كان يتفرع على هذا الأصل اصالة بقاء يد المشترى على الثمن .

لكنا لا نقول باصالة الجواز ( عند الشك في لزوم العقد ) بل نقول باصالة اللزوم ، لقوله تعالى : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، وغيره فكل عقد شك في انه لازم أو جائز ، نقول بأنه لازم حتى يدل دليل خارجي على أنه جائز نقول بأنه لازم حتى يدل دليل خارجي على أنه جائز ( كما يظهر ) ان الأصل الجواز - خلافا لما ذكرنا - ( من المختلف في باب السبق والرماية وسيأتي تحقيق الحال ) في ان الأصل في العقود اللزوم أو الجواز ( في باب الخيار ) إن شاء الله تعالى .

( واما دعوى : وورود اصالة عدم تغيّر المبيع على الأصول المذكورة ) اى سواء كانت الأصول الدالة على لزوم البيع ، أو الأصول الدالة على جوازه ( لأن الشك فيها ) اى في تلك الأصول ( مسبب عن الشك في تغيّر المبيع ) .

إذ لو جرى أصل عدم التغيير لم يكن مجال ، لا لأصل اللزوم ولا

ص: 175

فهي مدفوعة مضافا إلى منع جريانه فيما إذا علم بالسمن قبل المشاهدة فاختلف في زمان المشاهدة ، كما إذا علم بكونها سمينة وانها صارت مهزولة ولا يعلم أنها في زمان المشاهدة كانت باقية على السمن أو لا فحينئذ مقتضى الأصل تأخر الهزال عن المشاهدة ،

_________________________

لأصل الجواز ، فان الشك في ان البيع لازم ، أم لا ، ناش من الشك في ان المبيع تغير عما شوهد عليه سابقا أم لا .

ومن المعلوم : انه لو جرى الأصل في السبب لم يكن مجال لجريان الأصل في المسبب ، سواء كان أصلا موافقا للأصل السببى أو مخالفا له كما حقق في الأصول .

( فهي مدفوعة ) ووجه الدفع ما يأتي بعد أسطر بقوله : « ان مرجع اصالة الخ » ( مضافا إلى منع جريانه ) اى جريان أصل عدم تغيّر المبيع ( فيما إذا علم بالسمن قبل المشاهدة فاختلف ) البائع والمشترى ( في زمان المشاهدة ) كما لو كانت سمينة يوم الجمعة ، وكان يوم المشاهدة يوم السبت ، وكان يوم البيع الاحد ( كما إذا علم بكونها سمينة ) في الجمعة ( وانها صارت مهزولة ) قطعا - كما في الحال - ( ولا يعلم أنها في زمان المشاهدة ) يوم السبت هل انها ( كانت باقية على السمن ) حتى يكون العقد وقع على السمين ( أولا ؟ ) حتى يكون العقد وقع على المهزول ، فلا يكون للمشترى حق .

( فحينئذ مقتضى الأصل تأخر الهزال عن المشاهدة ) كما في كل حادثين نعلم تاريخ أحدهما ، ولا نعلم تأريخ الآخر ، فان الأصل تأخر

ص: 176

فالأصل تأخّر التغيّر ، لا عدمه الموجب للزوم العقد ان مرجع اصالة عدم تغيّر المبيع إلى عدم كونها حين المشاهدة سمينة .

ومن المعلوم : ان هذا بنفسه لا يوجب لزوم العقد ، نظير اصالة عدم وقوع العقد على السمين .

نعم لو ثبت بذلك الأصل هزالها عند المشاهدة وتعلق العقد بالمهزول

_________________________

مجهول التاريخ ، فإنه يستصحب عدم الهزال عن المشاهدة « التي كانت يوم السبت » .

( فالأصل تأخّر التغيّر ، لا عدمه ) اى عدم التغيير ( الموجب ) أصل عدم التغيير ( للزوم العقد ) بالإضافة إلى هذا الاشكال ( ان مرجع اصالة عدم تغيّر المبيع إلى عدم كونها ) اى الشاة ( حين المشاهدة سمينة ) لأن الشك في التغيير ناش عن الشك في السمن حال المشاهدة فإذا لم يكن سمن لم يكن تغيير ، وإذا كان سمن كان تغييرا .

( ومن المعلوم : ان هذا ) عدم كونها حين المشاهدة سمينة ( بنفسه لا يوجب لزوم العقد ) لأنه مثبت ، إذ لازم عدم السمن حال العقد وقوع العقد على الهزيل ، ومن المعلوم ان الأصل لا يثبت اللوازم العقلية ، والعرفية ( نظير اصالة عدم وقوع العقد على السمين ) فان هذا الأصل لا يثبت وقوع العقد على الهزيل الموجب للزوم العقد .

( نعم لو ثبت بذلك الأصل ) اى بأصل « عدم وقوع العقد على السمين » أو أصل « عدم كونها حين المشاهدة سمينة » ( هزالها عند المشاهدة وتعلق العقد ) « تعلق » عطف على « هزالها » ( بالمهزول ،

ص: 177

ثبت لزوم العقد .

ولكن الأصول العدمية في مجاريها لا يثبت وجود اضدادها .

هذا كله مع دعوى المشترى النقص الموجب للخيار .

ولو ادعى البائع الزيادة الموجبة لخيار البائع ، فمقتضى ما ذكرنا في طرف المشترى تقديم قول البائع ، لان الأصل عدم وقوع العقد على هذا الموجود حتى يجب عليه الوفاء به .

_________________________

ثبت لزوم العقد ) لان البائع سلّم إلى المشترى ما وقع العقد عليه .

( ولكن الأصول العدمية في مجاريها ) اى كان المجرى عدميا كأصل عدم السمن - فيما نحن فيه - ( لا يثبت وجود اضدادها ) كالهزال في المقام - .

( هذا كله ) إذا كان التغيير المختلف ، فيه ( مع دعوى المشترى النقص الموجب للخيار ) بان ادعى انها كانت حين المشاهدة سمينة ، والا هي هزيلة .

( ولو ادعى البائع الزيادة الموجبة لخيار البائع ) كما لو ادعى انها كانت هزيلة عند المشاهدة والآن صارت سمينة ( فمقتضى ما ذكرنا في طرف المشترى ) اى اصالة عدم وقوع العقد على الهزيل الموجود الآن حتى يلزم على المشترى الوفاء به ( تقديم قول البائع ، لان الأصل عدم وقوع العقد على هذا الموجود ) السمين ( حتى يجب عليه ) اى على البائع ( الوفاء به ) .

فان القاعدة تقتضى ان يكون الأصل مع مدعى التغيير ، بائعا كان

ص: 178

وظاهر عبارة اللمعة تقديم قول المشترى هنا ولم يعلم وجهه .

« الثاني » لو اتفقا على التغيّر بعد المشاهدة ووقوع العقد على الوصف المشاهد ،

واختلفا في تقدم التغيّر على المبيع ليثبت الخيار وتأخره عنه على وجه لا يوجب الخيار ،

_________________________

أو مشتريا .

نعم إذا ادعى البائع الهزال لمصلحة ، كما لو ارتفع السعر ، فهو يريد بطلان البيع لم يكن القول قوله ، لان نقص المبيع لا يوجب خيار البائع وانما يوجب خيار المشترى ، فإذا لم يرد المشترى ان يأخذ بالخيار لم يكن للبائع فسخ المعاملة .

( وظاهر عبارة اللمعة تقديم قول المشترى هنا ) في باب ادعاء البائع الزيادة ( ولم يعلم وجهه ) .

ولعله لان البيع وقع على هذا المبيع بالذات ، ولم يعلم زيادته ، فالأصل عدم الزيادة فلا مقتضى لاختيار البائع في الفسخ ، فتأمل .

الفرع « الثاني » من الفرعين ( لو اتفقا على التغيّر ) وان المبيع تغيّر ( بعد المشاهدة ) كما لو كان حال المشاهدة سمينا ثم اتفقا على أنه هزل بعد ذلك ( ووقوع العقد على الوصف المشاهد ، واختلفا في تقدم التغير على المبيع ليثبت الخيار ) للمشترى ( وتأخره ) اى التغير ( عنه ) اى عن البيع ( على وجه لا يوجب الخيار ) .

مثلا : المشاهدة يوم الجمعة والبيع يوم الأحد فقال البائع كان التغير في الاثنين ، وقال المشترى بل كان في السبت .

ص: 179

تعارض كل من اصالة عدم تقدم البيع والتغير على صاحبه ، وحيث إن مرجع الأصلين إلى اصالة عدم وقوع البيع حال السمن مثلا ، واصالة بقاء السمن وعدم وجود الهزال حال البيع .

والظاهر أنه لا يترتب على شيء منهما الحكم بالجواز واللزوم ، لان اللزوم من احكام وصول ما عقد عليه ، وانتقاله إلى المشترى .

واصالة بقاء السمن لا يثبت وصول السمين .

_________________________

وقوله « على وجه » إشارة إلى أن بعض التغييرات بعد البيع أيضا يوجب الخيار كما لو كان قبل القبض أو في زمن الخيار ، فان التلف قبل القبض من مال مالكه ، والتلف في زمن الخيار ممّن لا خيار له ( تعارض كل من اصالة عدم تقدم البيع ) على التغير ( و ) عدم تقدم ( التغير ) على البيع ( على صاحبه ) فان كلا من البيع والتغيير صاحب للآخر ( وحيث إن مرجع الأصلين ) المذكورين ( إلى اصالة عدم وقوع البيع حال السمن مثلا ) هذا هو أصل تأخر البيع ( واصالة بقاء السمن وعدم وجود الهزال حال البيع ) هذا هو أصل تأخر السمن .

( والظاهر أنه لا يترتب على شيء منهما ) اى من الأصلين المذكورين ( الحكم بالجواز ) والخيار ( واللزوم ، لان اللزوم من احكام وصول ما عقد عليه ، وانتقاله إلى المشترى ) لا من آثار بقاء السمن إلى ما بعد البيع .

( واصالة بقاء السمن ) إلى ما بعد البيع ( لا يثبت وصول السمين ) لأنه مثبت ، والأصل المثبت ليس بحجة .

ص: 180

كما أن اصالة عدم وقوع البيع حال السمن لا ينفيه .

فالمرجع إلى اصالة عدم وصول حق المشترى إليه ، كما في المسألة السابقة .

الا ان الفرق بينهما هو ان الشك في وصول الحق هناك ناش عن الشك في نفس الحق .

وهنا ناش عن الشك في وصول الحق المعلوم .

_________________________

( كما أن اصالة عدم وقوع البيع حال السمن لا ينفيه ) اى لا ينفى وصول السمين ، لأنه أيضا مثبت .

( فالمرجع ) بعد سقوط الأصل الحاكم السببى لتعارضه بأصل مثله ( إلى ) الأصل المسببى ، وهو ( اصالة عدم وصول حق المشترى إليه ، كما في المسألة السابقة ) اى الفرع الأول الّذي كان اختلافهما في التغيير وعدمه .

( الا ان الفرق بينهما ) اى بين المسألة السابقة وهذه المسألة ( هو ان الشك في وصول الحق هناك ) إلى المشترى ( ناش عن الشك في نفس الحق ) وانه هل حصل تغيير أصلا ، أم لم يحصل تغيير ؟

( وهنا ) في الفرع الثاني ( ناش عن الشك في وصول الحق المعلوم ) لأنهما متفقان على التغيير ، وانما الشك في تقدمه على البيع أو تأخره عنه

فمثلا : قد نشك في ان حق زيد دينار أو درهم ، وقد نشك في ان حقه الّذي هو درهم قطعا هل وصل إليه ، أم لا ؟

ص: 181

وبعبارة أخرى : الشك هنا في وصول الحق ، وهناك في حقه الواصل ، ومقتضى الأصل في المقامين عدم اللزوم .

ومن ذلك يعلم الكلام فيما لو كان مدعى الخيار هو البائع ، بان اتفقا على مشاهدته مهزولا ، ووقوع العقد على المشاهد ، وحصل السمن واختلفا في تقدمه على البيع ليثبت الخيار للبائع ، فافهم وتدبر ، فان المقام لا يخلو عن اشكال واشتباه .

_________________________

( وبعبارة أخرى : الشك هنا ) في الفرع الثاني ( في وصول الحق وهناك ) في الفرع الأول ( في حقه الواصل ، ومقتضى الأصل في المقامين عدم اللزوم ) لأصالة عدم وصول الحق .

( ومن ذلك ) الّذي ذكرنا في مسألة الشك في هزال الشاة بعد سمنه حتى يكون للمشترى الخيار وعدمه ( يعلم الكلام فيما لو كان مدعى الخيار هو البائع ، بان اتفقا على مشاهدته ) اى الحيوان ( مهزولا ، و ) اتفقا على ( وقوع العقد على المشاهد ، و ) انه بعد ذلك ( حصل السمن و ) لكن ( اختلفا في تقدمه على البيع ليثبت الخيار للبائع ) لأنه باع الزائد وهو مغبون ، أو تأخره عن البيع ليكون السمن انما زاد في ملك المشتري فلا خيار للبائع .

فان اصالة عدم وصول حق البائع إليه « من الثمن » يقتضي الخيار بعد سقوط الأصول السببية من الجانبين ، مثل الكلام الّذي تقدم في المشترى ( فافهم وتدبر ، فان المقام لا يخلو عن اشكال واشتباه ) .

ويظهر من ذلك ما لو ادعى كل واحد الخيار لنفسه وأنكره الآخر

ص: 182

ولو وجد المبيع تالفا بعد القبض فيما يكفى في قبضه التخلية ، واختلفا في تقدم التلف على البيع وتأخره .

فالأصل بقاء ملك المشتري على الثمن ، لأصالة عدم تأثير البيع .

وقد يتوهم جريان اصالة صحة البيع هنا للشك في بعض شروطه وهو وجود المبيع .

وفيه

_________________________

لا دعاء المشترى تغير المثمن ، وادعاء البائع تغير الثمن .

( ولو وجد المبيع تالفا بعد القبض ) بان قبض المشترى التالف ( فيما يكفى في قبضه التخلية ) كالدار والد كان ( واختلفا في تقدم التلف على البيع ) فلا حق للبائع في الثمن ( وتأخره ) حتى يكون الضرر من كيس المشترى .

( فالأصل ) مع المشترى ولا يلزم عليه تسليم الثمن إلى البائع .

لأصالة ( بقاء ملك المشتري على الثمن ، لأصالة عدم تأثير البيع ) في النقل والانتقال ، إذ بيع التالف لا يؤثر شيئا .

( وقد يتوهم ) ان الأصل مع البائع ، فيقال : ب ( جريان اصالة صحة البيع هنا ) في الشك في كون التلف قبل البيع أم بعده ( للشك في بعض شروطه ) اى شروط البيع ( وهو وجود المبيع ) فإنه كلما شك في شرط من شروط البيع بعد العقد ، كان اللازم اجراء اصالة الصحة ، كما لو عقدا ، ثم شكّا في انهما كانا مختارين أو بالغين حال العقد أم لا ، وهكذا فان الأصل الصحة .

( وفيه ) انه يعتبر في جريان اصالة الصحة أمران :

ص: 183

ان صحة العقد عبارة عن كونه بحيث يترتب عليه الأثر شرعا فإذا فرضنا انه عقد على شيء معدوم في الواقع فلا تأثير له عقلا في تمليك العين ، لان تمليك المعدوم لا على قصد تمليكه عند الوجود ولا على قصد تمليك بدله مثلا أو قيمته غير معقول .

_________________________

الأول : ثبوت أركان العقد .

والثاني : ان يكون بحيث لولا الصحة ، لزم صدور القبيح من الفاعل المسلم وفي المسألة يفقد الشرط الثاني ، لأنه إذا قلنا بعدم صحة العقد لم يلزم صدور القبيح .

إذ القبيح انما هو اجراء العقد على المعدوم مع علم مجرى العقد ، اما مع جهله فلا قبيح في البين .

ولذا لا تجرى اصالة الصحة في مسألتنا ، ف ( ان صحة العقد عبارة عن كونه ) اى العقد ( بحيث يترتب عليه الأثر شرعا ) ومن المعلوم ان غير المعقول لا يترتب عليه الأثر شرعا ( فإذا فرضنا انه عقد على شيء معدوم ) كالدار التي صارت خربة ( في الواقع ) وان جهل المتبايعان كونه معدوما ( فلا تأثير له عقلا في تمليك العين ) المعدوم .

وحيث لا اثر عقلا لا يكون اثر شرعا ( لان تمليك المعدوم لا على قصد تمليكه عند الوجود ) كما لو ملك ثمرة البستان وهي الآن معدومة لكن بقصد تمليكها عندما وجدت ، فان ذلك جائز ، كما لا يخفى ( ولا على قصد تمليك بدله مثلا ) في المثلى ( أو قيمته ) في القيمي ( غير معقول ) إذ لا ملك أصلا حتى يصلح لان يملك .

ص: 184

ومجرد انشائه باللفظ لغو عرفا يقبح مع العلم دون الجهل بالحال

فإذا شككنا في وجود العين حال العقد ، فلا يلزم من الحكم بعدمه فعل فاسد من المسلم ، لان التمليك الحقيقي غير متحقق .

والصوري وان تحقق لكنه ليس بفاسد ، إذ اللغو فاسد عرفا ، اى قبيح إذا صدر عن علم بالحال .

_________________________

( ومجرد انشائه ) اى الملك ( باللفظ ) بدون قصد النقل والانتقال ( لغو عرفا يقبح مع العلم ) بأنه معدوم ( دون الجهل بالحال ) إذ لا يلزم الانسان عن فعل شيء هو جاهل بواقعه ، ويظن صحته .

( فإذا شككنا في وجود العين حال العقد ) وعدم وجود العين ( فلا يلزم من الحكم بعدمه ) اى بعدم وجود العين حال العقد ( فعل فاسد من المسلم ) حتى ينفى ذلك باصالة الصحة ، ويلزمه صحة العقد ( لان التمليك الحقيقي غير متحقق ) فيما إذا حكمنا بعدم وجود العين حال العقد

( و ) التمليك ( الصوري وان تحقق ) خارجا ( لكنه ليس بفاسد ، إذ اللغو فاسد عرفا ، اى قبيح إذا صدر عن علم بالحال ) والمفروض ان المتعاقدين لا يعلمان بالحال .

والحاصل : ان فعل المسلم يحمل على الصحة فيما إذا كان عدم حمله على الصحة يوجب حمله على القبيح ، لكن المقام ليس كذلك ، فان عدم حمله على الصحة يوجب حمله على الجهل لا على القبيح ، فلا أصل صحة في المقام .

ص: 185

وبالجملة : الفاسد شرعا الّذي تنزه عنه فعل المسلم ، هو التمليك الحقيقي المقصود الّذي لم يمضه الشارع ، فافهم ، هذا .

فإنه قد غفل عنه بعض في مسألة الاختلاف في تقديم بيع الراهن على رجوع المرتهن عن اذنه في البيع ، وتأخيره عنه .

حيث تمسك باصالة صحة الرجوع عن الاذن ، لان الرجوع لو وقع بعد بيع الراهن ، كان فاسد العدم مصادفته محلا يؤثر فيه .

_________________________

( وبالجملة : الفاسد شرعا الّذي تنزه عنه فعل المسلم هو التمليك الحقيقي المقصود الّذي لم يمضه الشارع ) ولا تمليك حقيقي هنا بناء على كون المبيع معدوما حال البيع ( فافهم : هذا ) الشرط لجريان اصالة الصحة

( فإنه قد غفل عنه بعض ) الفقهاء ( في مسألة الاختلاف في تقديم بيع الراهن على رجوع المرتهن عن اذنه في البيع ) للعين المرهونة ( وتأخيره ) اى البيع ( عنه ) اى عن الاذن .

كما لو رهن زيد داره عند عمرو ، فأراد زيد بيع الدار قبل فكّها ، فاستأذن عمروا ، فاذن له عمرو ، وباعها زيد ، فاختلفا بعد ذلك في ان البيع هل حصل قبل ان يرجع عمرو عن اذنه حتى يكون البيع صحيحا أو حصل البيع بعد ان رجع عمرو عن اذنه حتى يكون البيع باطلا ؟

( حيث تمسك ) هذا البعض ( باصالة صحة الرجوع عن الاذن ) وثمرتها بطلان البيع ( لان الرجوع ) عن الاذن ( لو وقع بعد بيع الراهن ، كان ) الرجوع ( فاسدا ) لأنه لا اثر لهذا الرجوع ( لعدم مصادفته ) اى الرجوع ( محلا يؤثر فيه ) فان تأثير الرجوع انما هو قبل البيع .

ص: 186

نعم لو تحققت قابلية التأثير عقلا أو تحقق الانشاء الحقيقي عرفا ولو فيما إذا باع بلا ثمن ، أو باع ما هو غير مملوك كالخمر ، والخنزير ، وكالتالف شرعا ، كالغريق ، والمسروق أو معدوم قصد تملّكه عند وجوده كالثمرة المعدومة أو قصد تمليك بدله مثلا أو قيمة .

كما لو باع ما اتلفه زيد على عمرو ، أو صالحه

_________________________

ووجه الخطأ في كلام هذا البعض انه لو لم نقل بالصحة في الرجوع لم يكن الرجوع قبيحا ، إذ الرجوع مع الجهل بالبيع غير قبيح ، وانما الرجوع مع العلم قبيح فإذا لم يقبح الرجوع لم يجر أصل الصحة في الرجوع

( نعم لو تحققت ) شرائط الحمل على الصحة بان ثبت أركان العقد وثبت قبح خلاف الصحة ، ثم شككنا في ان العقد هل هو صحيح أو فاسد ؟

لزم الحمل على الصحة ، تنزيها لفعل المسلم عن القبيح .

وعلى هذا فلو تحققت ( قابلية التأثير عقلا ) بأن لم يكن المتعلق للعقد معدوما غير قابل للوجود أصلا ( أو تحقق الانشاء الحقيقي ) وهو الانشاء بقصد النقل ، لا كالانشاء الهازل ( عرفا ولو فيما إذا باع بلا ثمن ، أو باع ما هو غير مملوك ) اى بلا مثمن ( كالخمر ، والخنزير ، وك ) ما لو باع ( التالف شرعا ، كالغريق ، والمسروق ) فإنهما باقيان واقعا ، لكن للشارع حكم بأنهما تالفان ( أو ) باع ما هو ( معدوم قصد تملّكه ) « قصد » فعل ماضي ( عند وجوده كالثمرة المعدومة ) في الحال ( أو قصد تمليك بدله مثلا ) في المثلى ( أو قيمة ) في القيمي .

( كما لو باع ) عمرو ( ما اتلفه زيد على عمرو ، أو ) لم يبع لكن ( صالحه )

ص: 187

إياه بقصد حصول اثر الملك في بدله تحقق مورد الصحة والفساد فإذا حكم بفساد شيء من ذلك ، ثم شك في ان العقد الخارجي منه أم من الصحيح ، حمل على الصحيح .

_________________________

أو صالح عمرو ( إياه ) ذلك الشيء المتلف ( بقصد حصول اثر الملك في بدله ) اى بدل المتلف ، بان يأخذ المشترى بدل المتلف من المتلف مثلا كان البدل أو قيمة ( تحقق ) جواب « لو تحققت » ( مورد الصحة والفساد ) لأنه إذا لم يكن صحيحا كان اما لعدم ، أو كان العقد كعدم الثمن أو عدم المثمن .

واما لأنه قبيح - كبيع الغريق والمسروق - شرعا .

( فإذا حكم بفساد شيء من ذلك ، ثم شك في ان العقد الخارجي ) الّذي أوقعه المتعاقدان ( منه ) اى من ذلك القسم الفاسد ( أم من الصحيح ، حمل ) العقد ( على الصحيح ) .

وتفصيل الكلام في جريان اصالة الصحة وعدم الجريان موكول إلى محلّه .

ص: 188

مسئلة لا بدّ من اختبار الطعم واللون والرائحة ، فيما يختلف قيمته باختلاف ذلك

كما في كل وصف يكون كذلك .

إذ لا فرق في توقف رفع الغرر على العلم بين هذه الأوصاف وبين تقدير العوضين بالكيل ، والوزن ، والعدوّ يغنى الوصف عن

_________________________

( مسألة ) : قد يختبر الشيء لاستعلام الصحة والفساد ، وهذا الاختبار ليس بلازم ، لجواز الاعتماد على اصالة الصحة .

وقد يختبر لأجل استعلام حالة ما يختلف قيمته ، وان الشيء من اىّ قسم هور .

وهذا الاختبار لازم ، فإنه ( لا بدّ من اختبار الطعم واللون والرائحة ، فيما يختلف قيمته باختلاف ذلك ) اى باختلاف كل واحد من هذه الصفات الثلاث .

مثلا : العسل الّذي طعمه أجود ، أو لونه اصفى ، أو رائحته أزكى يكون أغلى قيمة ( كما في كل وصف يكون كذلك ) كالرقة ، والسخانة ، والخشونة ، والنعومة ، وهكذا .

( إذ لا فرق في توقف رفع الغرر على العلم بين هذه الأوصاف ) المذكورة بحيث لولا العلم بها كان غررا ( وبين تقدير العوضين بالكيل والوزن والعد )

فكما يجب العلم بهذه الثلاثة لرفع الغرر ، كذلك يجب العلم بسائر الأوصاف التي يتوقف رفع الغرر على العلم بها ( ويغنى الوصف عن

ص: 189

الاختبار فيما ينضبط من الأوصاف ، دون ما لا ينضبط ، كمقدار الطعم والرائحة واللون وكيفياتها فان ذلك مما لا يمكن ضبطه الا باختبار شيء من جنسه ، ثم الشراء على ذلك النحو من الوصف ، مثل ان يكون الأعمى قد رأى قبل العمى لؤلؤة ، فبيع منه لؤلؤة أخرى على ذلك الوصف .

وكذا الكلام في الطعم والرائحة لمن كان مسلوب الذائقة والشامّة

_________________________

الاختبار فيما ينضبط من الأوصاف ) .

فإذا كان اللون الوردي مثلا معيارا في شيء ، كفى ان يقول البائع ان لونه وردى ، ولا يحتاج إلى الرؤية لارتفاع الغرر حينئذ بالوصف ( دون ما لا ينضبط ، كمقدار الطعم والرائحة واللون ) اى كمياتها ( وكيفياتها ) .

مثلا : مقدار كيلو من الماء قد يصب فيه مقدار ربع كيلو من السكر ، وقد يصب فيه مقدار نصف كيلو هذا من جهة الكم في الحلاوة .

وقد يصب فيه السكر الخوزى الّذي له طعم أحسن وقد يصب فيه السكر المأخوذ من السلق الّذي له طعم أدون ( فان ذلك مما لا يمكن ضبطه الا باختبار شيء من جنسه ، ثم الشراء على ذلك النحو ) المعلوم ( من الوصف ) .

وذلك ( مثل ان يكون الأعمى قد رأى قبل العمى لؤلؤة فبيع منه لؤلؤة أخرى على ذلك الوصف ) .

( وكذا الكلام ) في باب المقايسة ( في الطعم والرائحة لمن كان مسلوب الذائقة والشامة ) .

ص: 190

نعم لو لم يرد من اختبار الأوصاف الّا استعلام صحته وفساده ، جاز شرائها بوصف الصحة كما في الدبس والدهن مثلا ، فان المقصود من طعمهما ملاحظة عدم فسادهما ، بخلاف بعض أنواع الفواكه والروائح التي تختلف قيمتها باختلاف طعمها ، ورائحتها .

ولا يقصد من اختبار أوصافها ملاحظة صحتها وفسادها .

_________________________

حيث إنه كان قد اختبر قبل فقده لهما العسل فعرف منه طعما خاصا ورائحة خاصة ، وبعد فقده للحاستين يشترى بنحو ذلك الوصف الّذي اختبره قبل ذهاب حاستيه .

وكذا لو ذهب حس لمسه ، فاشترى الحرير - مثلا - الّذي له ملمس مثل ملمس الحرير الّذي سبق ان اختبره حال وجدانه لحاسة اللمس .

( نعم لو لم يرد من اختبار الأوصاف الّا استعلام صحته وفساده ، جاز شرائها بوصف الصحة ) لجواز الاعتماد على اصالة الصحة في كل الأشياء ، سواء ذكر ذلك في العقد ، أو كان التباني العرفي عليه ولذا يرد الفاسد ولو لم يشترط في متن العقد ( كما في الدبس والدهن مثلا ، فان المقصود من طعمهما ملاحظة عدم فسادهما ) غالبا .

والا فكثيرا ما يكون المقصود الخصوصيات الزائدة ( بخلاف بعض أنواع الفواكه ) كالتوت والبرتقال ( والروائح ) العطرة ( التي تختلف قيمتها باختلاف طعمها ، ورائحتها ) فان البرتقال لو كان حلوا كانت له قيمة مرتفعة ، بينما إذا كان مائلا إلى الحموضة كانت قيمته أقل .

( ولا يقصد من اختبار أوصافها ملاحظة صحتها أو فسادها ) الا نادرا .

ص: 191

واطلاق كلمات الأصحاب في جواز شراء ما يراد طعمه ورائحته بالوصف محمول على ما إذا أريد الأوصاف التي لها دخل في الصحة لا الزائدة على الصحة التي يختلف بها القيمة ، بقرينة تعرضهم بعد هذا البيان جواز شراءها من دون اختبار ولا وصف ، بناء على اصالة الصحة .

_________________________

( و ) ان قلت : أنتم قلتم بوجوب الاختبار بالنسبة إلى ما تختلف قيمته باختلاف الطعم والرائحة ، وهذا ينافي اطلاق الأصحاب جواز الوصف وعدم لزوم الاختبار .

قلت : ( اطلاق كلمات الأصحاب في جواز شراء ما يراد طعمه ورائحته بالوصف ) لا يراد به الاطلاق الشامل لما يختلف قيمته باختلاف الطعم والرائحة .

بل الاطلاق ( محمول على ما إذا أريد الأوصاف التي لها دخل في الصحة ) تلك الأوصاف التي لا يلزم الاختبار بالنسبة إليها بل يكفى فيها الوصف ( لا ) الأوصاف ( الزائدة على الصحة التي يختلف بها القيمة ) كطعم البرتقال في المثال السابق .

وانما نحمل اطلاق الأصحاب على ذلك ( بقرينة تعرضهم بعد هذا ) الاطلاق ( لبيان جواز شراءها من دون اختبار ولا وصف ، بناء على اصالة الصحة ) .

فالمراد بالأوصاف في اطلاقهم السابق ، الأوصاف التي لها مدخلية في الصحة ، لا مطلق الأوصاف .

ص: 192

وكيف كان فقد قوّى في السرائر عدم الجواز أخيرا ، بعد اختبار جواز بيع ما ذكرنا بالوصف وفاقا للمشهور المدعى عليه الاجماع في الغنية

قال : يمكن ان يقال : ان بيع العين المشاهدة المرئية لا يجوز ان يكون بالوصف لأنه غير غائب ، فيباع مع خيار الرؤية بالوصف فإذا لا بدّ من شمّه وذوقه ، لأنه حاضر مشاهد غير غائب يحتاج إلى الوصف وهذا قوّى

_________________________

( وكيف كان فقد قوّى في السرائر ) بالنسبة إلى الأوصاف التي لها مدخلية في الصحة ، هل انها يجب الاختبار فيها ، أم يكفى الوصف والمشاهدة ؟ ( عدم الجواز أخيرا ، بعد اختبار جواز بيع ما ذكرنا ) ما يراد بذكر الأوصاف فيه اختبار الصحة والفساد ( بالوصف وفاقا للمشهور المدعى عليه الاجماع في الغنية ) .

( قال : يمكن ان يقال : ان بيع العين المشاهدة المرئية لا يجوز ان يكون بالوصف ) .

عبارة المصنف فيها غموض ، والمراد ان السرائر فرق بين بيع عين غائبة ، فيجوز بيعها بالوصف ، وبين بيع عين حاضرة فلا يجوز الا بالاختبار

وانما أوجب الاختبار في العين الحاضرة ( لأنه ) اى المبيع ( غير غائب ، فيباع ) اى حتى يجوز ان يباع ( مع خيار الرؤية ) بيعا ( بالوصف ) بدون الاختبار ( فإذا ) حيث إن المبيع ليس غائبا ( لا بدّ من شمّه وذوقه لأنه ) اى المبيع ( حاضر مشاهد غير غائب ) حتى ( يحتاج إلى الوصف ، وهذا ) اى وجوب الاختبار في المبيع الحاضر وعدم الاكتفاء بالوصف وان كفى الوصف في المبيع الغائب - ( قوّى

ص: 193

انتهى .

ويضعفه ان المقصود من الاختبار رفع الغرر ، فإذا فرض رفعه بالوصف كان الفرق بين الحاضر والغائب تحكما .

بل الأقوى جواز بيعه من غير اختبار ولا وصف ، بناء على اصالة الصحة ، وفاقا للفاضلين ومن تأخر عنهما ، لأنه إذا كان المفروض ملاحظة الوصف من جهة دوران الصحة معه ، فذكره في الحقيقة يرجع إلى ذكر وصف الصحة ومن المعلوم انه غير معتبر في البيع اجماعا بل يكفى بناء المتعاقدين

_________________________

انتهى ) كلام السرائر .

( ويضعفه ) اى يضعف الزام السرائر الاختبار في العين الحاضرة ( ان المقصود من الاختبار رفع الغرر ، فإذا فرض رفعه ) اى الغرر ( بالوصف كان الفرق ) الّذي ذكره السرائر ( بين الحاضر ) حيث أوجب اختباره ( والغائب ) الّذي اكتفى فيه بالوصف ( تحكما ) لأنه فرق بلا فارق .

( بل الأقوى جواز بيعه ) اى المبيع الحاضر ( من غير اختبار ولا وصف بناء على اصالة الصحة ) فإنها أصل عقلائي قرره الشارع وأمضاه ( وفاقا للفاضلين ) المحقق والعلامة ( ومن تأخر عنهما ، لأنه إذا كان المفروض ملاحظة الوصف من جهة دوران الصحة معه ) اى مع الوصف ( فذكره ) اى الوصف ( في الحقيقة يرجع إلى ذكر وصف الصحة ، ومن المعلوم انه ) اى ذكر وصف الصحة ( غير معتبر في البيع اجماعا ) فان الانسان إذا أراد ان يشترى شيئا ، لا يلزم ان يشترط الصحة بل شرط الصحة موجود سواء ذكره ، أم لا ( بل يكفى بناء المتعاقدين

ص: 194

عليه ، إذا لم يصرح البائع بالبراءة من العيوب .

واما رواية محمد بن العيص عن الرجل يشترى ما يذاق ، أيذوقه قبل ان يشترى ؟ قال عليه السلام : نعم ، فليذقه ولا يذوقن ما لا يشترى فالسؤال فيها عن جواز الذوق ، لا عن وجوبه .

ثم إنه ربما نسب الخلاف في هذه المسألة

_________________________

عليه ) اى على وصف الصحة ، وان لم يكن له ذكر لفظي ، فإذا تخلف هذا الوصف بل ظهر المبيع أو الثمن معيبا غير صحيح ، كان له خيار العيب ( إذا لم يصرح البائع ) في طرف المثمن ، والمشترى في طرف المثمن ( بالبراءة من العيوب ) فإنه لا خيار حينئذ إذا ظهر الشيء معيبا .

اللهم الا إذا كان عيبا يوجب عدم اسم المبيع أصلا ، كما لو اشترى بيضا وذكر البراءة من العيوب ، ثم ظهر فيه سواد كالرماد لكثرة بقائه ، وجفاف ما فيه ، واسوداده مثلا .

( واما رواية محمد بن العيص ) الظاهر منها وجوب الاختبار فلا تدل على مراد الحلى ( عن الرجل يشترى ما ) من شأنه ان ( يذاق ) كالدبس والسمن ( أيذوقه قبل ان يشترى ؟ قال عليه السلام : نعم ، فليذقه ولا يذوقن ما لا يشترى ، ف ) لا علاقة لها بما نحن فيه ، بل الامر فيها في مقام توهم الحظر ، فلا يدل على الوجوب .

إذ : ( السؤال فيها عن جواز الذوق ، لا عن وجوبه ) بقرينة ولا يذوقن ما لا يشترى .

( ثم إنه ربما نسب الخلاف في هذه المسألة ) اى مسألة وجوب

ص: 195

إلى المفيد ، والقاضي ، وسلار ، وأبى الصلاح ، وابن حمزة .

قال في المقنعة كل شيء من المطعومات والمشمومات يمكن للانسان اختباره من غير افساد له كالادهان المختبرة ، بالشمّ ، وصنوف الطيب والحلوات المذوقة ، فإنه لا يصح بيعه بغير اختبار فان ابتيع بغير اختبار كان البيع باطلا ، والمتبايعان فيه بالخيار ، فان تراضيا بذلك لم يكن به بأس ، انتهى .

وعن القاضي : انه لا يجوز بيعه الا بعد ان يختبر ، فان بيع من غير اختبار

_________________________

الاختبار ، حيث انما ذكرنا عدم الوجوب ( إلى المفيد ، والقاضي ، وسلار وأبى الصلاح ، وابن حمزة ) ولننقل عبائرهم لنرى مقدار دلالة كلامهم على ما نسب إليهم .

( قال في المقنعة كل شيء من المطعومات والمشمومات يمكن للانسان اختباره من غير افساد له ) لا مثل الدابوعة والبطيخ حيث إن الاختبار يفسدهما لوجوب شقهما ( كالادهان المختبرة بالشمّ ، وصنوف الطيب ، والحلوات المذوقة ، فإنه لا يصح بيعه بغير اختبار فان ابتيع بغير اختبار كان البيع باطلا ، والمتبايعان فيه بالخيار ) .

الظاهر من الخيار ان مراده من البطلان بطلان اللزوم لا بطلان أصل العقد ( فان تراضيا بذلك ) الشيء غير المختبر ، ولم يبطلاه بخيار الفسخ ( لم يكن به بأس ، انتهى ) كلام المفيد في المقنعة .

( وعن القاضي : انه لا يجوز بيعه الا بعد ان يختبر ، فان بيع من غير اختبار

ص: 196

كان المشترى مخيرا في رده له على البائع .

والمحكى عن سلار ، وأبى الصلاح ، وابن حمزة اطلاق القول بعدم صحة البيع من غير اختبار فيما لا يفسده الاختبار ، من غير تعرض لخيار المتبايعين ، كالمفيد ، أو للمشترى ، كالقاضي !

ثم المحكى عن المفيد ، وسلار ان ما يفسده الاختبار يجوز بيعه بشرط الصحة .

وعن النهاية والكافي : ان بيعه جائز على شرط الصحة أو البراءة من العيوب .

_________________________

كان المشترى مخيرا في رده ) اى رد المشترى ( له ) اى للمبيع ( على البائع ) وهذا أيضا كالمفيد ظاهره الصحة مع الخيار .

( والمحكى عن سلار ، وأبى الصلاح ، وابن حمزة اطلاق القول بعدم صحة البيع من غير اختبار فيما لا يفسده الاختبار ، من غير تعرض ) منهم ( لخيار المتبايعين ، كالمفيد ) الّذي قال بخيار المتبايعين ( أو ) الخيار ( للمشترى ، كالقاضي ! ) كما تقدم عبارتهما .

( ثم المحكى عن المفيد ، وسلار ان ما يفسده الاختبار ) كالبطيخ مثلا والبيض ( يجوز بيعه بشرط الصحة ) بان يذكر هذا الشرط في متن العقد .

( وعن النهاية والكافي : ان بيعه جائز على شرط الصحة ، أو البراءة من العيوب ) . بان يقول البائع : بعتك هذا على شرط ان يكون صحيحا ، أو يقول : بعتك وانى بريء من كل عيب فيه .

ص: 197

وعن القاضي : لا يجوز بيعه الا بشرط الصحة ، والبراءة من العيوب

قال في محكى المختلف - بعد ذكر عبارة - القاضي : ان هذه العبارة توهم اشتراط أحد القيدين اما الصحة أو البراءة من العيوب ، وليس بجيد ، بل الأولى انعقاد البيع ، سواء شرط أحدهما أو خلى عنهما أو شرط العيب والظاهر أنه انما صار إلى الايهام من عبارة الشيخين

_________________________

( وعن القاضي : لا يجوز بيعه الا بشرط الصحة ، والبراءة من العيوب ) فالنهاية والكافي شرطا الجواز بأحدهما .

والقاضي صرح بعدم الجواز الا بأحدهما .

والأمران يرجعان إلى نتيجة واحدة .

فلو قلت : ادخل الدار على شرط ذكر اسم الله ، أو قلت : لا تدخل الدار الا مع اسم الله ، كان المؤدّى واحدا .

( قال في محكى المختلف - بعد ذكر عبارة - القاضي : ان هذه العبارة توهم اشتراط أحد القيدين ) في صحة بيع ما يفسده الاختبار ( اما الصحة أو البراءة من العيوب ، وليس ) هذا الحكم ( بجيد ، بل الأولى انعقاد البيع ، سواء شرط أحدهما أو خلى عنهما ) بان لم يشترط أحدهما ( أو شرط العيب ) بان قال : أبيعك بشرط ان يكون معيوبا ، فلا يحق لك الارجاع بالعيب .

ثم قال المختلف : ( والظاهر أنه ) اى القاضي ( انما صار إلى الايهام ) اى توهم اشتراط صحة البيع بذكر أحد الشرطين اشتراط الصحة أو البراءة ( من ) جهة ( عبارة الشيخين

ص: 198

حيث قالا : انه جاز على شرط الصحة ، أو بشرط الصحة .

ومقصودهما ان البيع بشرط الصحة أو على شرط الصحة جائز لا ان جوازه مشروط بالصحة أو البراءة ، انتهى .

أقول : ولعله لنكتة بيان ان مطلب الشيخين ليس وجوب ذكر الوصف في العقد كما عبّر في القواعد فيما يفسده الاختبار بقوله جاز شرط الصحة

_________________________

حيث قالا : انه جاز على شرط الصحة ) كما عبّر به المفيد في المقنعة ( أو بشرط الصحة ) كما عبّر عنه الشيخ في النهاية .

فتوهم القاضي من عبارتهما ، لزوم ذكر الشرط في متن العقد ، وأضاف من نفسه ذكر « البراءة »

والحاصل : ان العلامة يريد ان يقول : ان القاضي توهم من كلام المفيد والشيخ لزوم ذكر الشرط في متن العقد .

( و ) الحال ان الشيخين لا يريد ان ذكر الشرط في متن العقد بل ( مقصودهما ان البيع بشرط الصحة أو على شرط الصحة جائز ، لا ان جوازه ) اى جواز البيع ( مشروط بالصحة أو البراءة ، انتهى ) كلام العلامة

ثم إن الفرق بين « بشرط الصحة » وبين « على شرط الصحة » لفظي ، والا فالمراد بهما واحد .

( أقول : ولعله لنكتة بيان ان مطلب الشيخين ) المفيد والطوسي ( ليس وجوب ذكر الوصف ) اى وصف الصحة ( في العقد كما عبّر في القواعد فيما يفسده الاختبار بقوله جاز شرط الصحة ) ولم يعبر « بشرط الصحة »

وقوله « عبر » خبر « لعله » و « لنكتة » علة لهذا التعبير .

ص: 199

لكن الانصاف : ان الظاهر من عبارتى المقنعة والنهاية ، ونحوهما هو اعتبار ذاكر الصحة في العقد ، كما يظهر بالتدبر في عبارة المقنعة من أولها إلى آخرها وعبارة النهاية هنا هي عبارة المقنعة بعينها فلاحظ .

وظاهر الكل كما ترى اعتبار خصوص الاختبار فيما لا يفسده ، كما تقدم من الحلى ، فلا يكفى ذكر الأوصاف فضلا عن الاستغناء عنها باصالة السلامة .

_________________________

اى ان تعبير العلامة ب « جاز » لأجل بيان هذه النكتة ، وهو ان هذا الشرط جائز وليس بواجب .

( لكن الانصاف : ان الظاهر من عبارتى المقنعة والنهاية ، ونحوهما ) ممن ذكر « شرط الصحة » ( هو اعتبار ذكر الصحة في العقد ، كما يظهر ) انه يريد الاشتراط ، لا مجرد الجواز ( بالتدبر في عبارة المقنعة من أولها إلى آخرها ، وعبارة النهاية هنا ) في هذه المسألة ( هي عبارة المقنعة بعينها ، فلاحظ ) فليس الامر كما ذكره المختلف ، بل كما ذكره القاضي هذا .

( وظاهر الكل كما ترى اعتبار خصوص الاختبار فيما لا يفسده ) الاختبار كالعسل والسمن ( كما تقدم من الحلى ) في السرائر ( فلا يكفى ذكر الأوصاف فضلا عن الاستغناء عنها ) اى عن الأوصاف ( باصالة السلامة ) بأن لا يختبر ولا يذكر الأوصاف ، بل يكتفى بأصل السلامة المعتمد لدى العقلاء في المعاملات .

ص: 200

ويدل عليه ان هؤلاء اشترطوا في ظاهر عبائرهم المتقدمة : اشتراط الوصف أو السلامة من العيوب فيما يفسده الاختبار ، وان فهم في المختلف خلاف ذلك .

لكن قدمنا ما فيه ، فينبغي ان يكون كلامهم في الأمور التي لا تنضبط خصوصية طعمها وريحها بالوصف .

_________________________

( ويدل عليه ) اى على اشتراط الاختبار ، ولا يكتفى بالوصف ، ولا بأصل السلامة - فيما لا يفسده الاختبار - ( ان هؤلاء اشترطوا في ظاهر عبائرهم المتقدمة اشتراط الوصف أو السلامة من العيوب فيما يفسده الاختبار ) البطيخ والبيض ( وان فهم في المختلف خلاف ذلك ) من عبائرهم ، فإنه فهم جواز الاشتراط ، لا ان الاشتراط شرط في صحة البيع .

( لكن قدمنا ما فيه ) اى في كلام المختلف ، حيث قلنا « لكن الانصاف الخ » ( فينبغي ان يكون كلامهم ) اى « وجوب الاختبار » ( في الأمور التي لا تنضبط خصوصية طعمها وربحها بالوصف ) .

والحاصل : انهم ذكروا فيما يفسده ، اشتراط الوصف أو السلامة و : فيما لا يفسده ذكروا « الاختبار » فينبغي ان يكون الاختبار « فيما لا ينضبط » إذ الأوصاف المنضبطة كالصحة مثلا ، لا يحتاج إلى الاختبار بل يكفى الوصف فعدم اكتفائهم بالوصف فيما لا يفسده دليل على أن مرادهم بالاختبار الأمور التي لا تنضبط .

ص: 201

والظاهر أن ذلك في غير الأوصاف التي يدور عليها السلامة من العيب ، الا ان تخصيصهم الحكم بما لا يفسده الاختبار كالمشاهد على أن المراد بالأوصاف التي لا يفسد اختبارها ما هو مناط السلامة .

كما أن مقابله وهو ما يفسد الشيء باختباره كالبيض والبطيخ كذلك غالبا .

ويؤيده حكم القاضي بخيار المشترى

_________________________

( والظاهر أن ذلك ) اى عدم الانضباط ( في غير الأوصاف التي يدور عليها السلامة من العيب ) .

وجه الظهور : ان الأوصاف التي تدور عليها الصحة منضبطة ( الا ان تخصيصهم الحكم ) اى وجوب الاختبار ( بما لا يفسده الاختبار كالمشاهد على ) خلاف ما ذكرنا - لأنا ذكرنا ان مرادهم « الأمور التي لا تنضبط » حيث قلنا فينبغي . . الخ - فهو دليل على ( ان المراد بالأوصاف التي لا يفسد اختبارها ما هو مناط السلامة ) اى المنضبطة .

( كما أن مقابله ) اى مقابل « ما لا يفسد باختباره » ( وهو ما يفسد الشيء باختباره كالبيض والبطيخ كذلك ) ما هو مناط السلامة ( غالبا )

( ويؤيده ) اى يؤيد ان المراد بالأوصاف الأوصاف الدخيلة في الصحة ، لا الأوصاف الزائدة على الصحة التي تختلف بها القيمة ( حكم القاضي بخيار المشترى ) ولم يقل خيارهما مع أنه لو كان المراد : الأوصاف الزائدة ، لم يختص الخيار بالمشترى ، بل كان الخيار تارة للبائع ، وتارة للمشترى .

ص: 202

وكيف كان فإن كان مذهبهم تعيين الاختبار فيما لا ينضبط بالأوصاف فلا خلاف معهم منا ولا من الأصحاب وان كان مذهبهم موافقا للحلّى بناء على إرادة الأوصاف التي بها قوام السلامة من العيب ، فقد عرفت انه ضعيف في الغاية .

_________________________

ثم إن قول المصنف « الا ان تخصيصهم » هو في مقابل قوله « فينبغي ان يكون كلامهم » .

وحاصل كلام المصنف في هاتين الجملتين ان مراد الشيخين والقاضي غامض ، إذ في كلامهم بعض الشواهد على أن مرادهم « بالأوصاف » وصف السلامة ، وبعض الشواهد على أن مرادهم « بالأوصاف » الأوصاف الزائدة على السلامة .

( وكيف كان ) الامر في ما يستظهر من عبائرهم ( ف ) الّذي ينبغي ان نقول : ( ان كان مذهبهم ) اى مذهب الشيخين والقاضي ( تعيين الاختبار فيما لا ينضبط بالأوصاف ) اى الأوصاف الزائدة - مقابل وصف الصحة فإنه ينضبط عرفا - ( فلا خلاف معهم ) اى مع الثلاثة ( منا ولا من الأصحاب ) لان الكل يشترطون الوصف الزائد على الصحة ( وان كان مذهبهم موافقا للحلّى ) بلزوم ذكر وصف الصحة في المعاملة ( بناء على إرادة ) الحلّى من الأوصاف الواجب ذكرها ( الأوصاف التي بها ) اى بتلك الأوصاف ( قوام السلامة من العيب ، فقد عرفت انه ضعيف في الغاية ) بل ما جرت عليه سيرة العقلاء والمتشرعة عدم ذكر وصف الصحة أصلا .

ص: 203

وان كان مذهبهم عدم كفاية البناء على اصالة السلامة عن الاختبار والوصف وان كان ذكر الوصف كافيا عن الاختبار فقد عرفت ان الظاهر من حالهم وحال غيرهم ، عدم التزام ذكر الأوصاف الراجعة إلى السلامة من العيوب في بيع الأعيان الشخصية .

ويمكن ان يقال بعد منع جريان اصالة السلامة في الأعيان

_________________________

( وان كان مذهبهم عدم كفاية البناء على اصالة السلامة عن الاختبار والوصف وان كان ذكر الوصف كافيا عن الاختبار ) اى انهم يرون عدم لزوم ذكر وصف الصحة ، لكنهم يقولون بلزوم أحد الامرين ، اما الاختبار واما الوصف ( فقد عرفت ان الظاهر من حالهم ) اى حال الشيخين والقاضي ( وحال غيرهم ، عدم التزام ذكر الأوصاف الراجعة إلى السلامة من العيوب في بيع الأعيان الشخصية ) وان كان يلزم ذكر الأوصاف الراجعة إلى السلامة بالنسبة إلى الكلى ، فإنهم بالنسبة إلى بيع العين الشخصية يكتفون باصالة السلامة .

( ويمكن ان يقال ) بالفرق بين الأوصاف المقومة كالحموضة للخل ، وبين الأوصاف غير المقوّمة كسائر اقسام السلامة ، وذلك بوجوب ذكر الوصف في الأول دون الثاني .

وربط عبارة المصنف هكذا « يمكن ان يقال . . ان السلامة من العيب الخاص متى ما كانت مقصودة على جهة الركنية . . . فلا بد من احراز السلامة . . ومتى ما كانت مقصودة لا على هذا الوجه لم تجب احرازها »

والحاصل : انما نقول ( بعد منع جريان اصالة السلامة في الأعيان )

ص: 204

لعدم الدليل عليها لا من بناء العقلاء الا فيما إذا كان الشك في طرو المفسد ، مع أن الكلام في كفاية اصالة السلامة عن ذكر الأوصاف اعمّ ، ولا من الشرع لعدم الدليل عليه

_________________________

الشخصية - مقابل الكلى - ( لعدم الدليل عليها ) اى على اصالة السلامة ( لا ) الدليل ( من بناء العقلاء ) إذ لا بناء للعقلاء على اصالة السلامة ( الا فيما إذا كان الشك في طرو المفسد ) بان كان الشيء سابقا صحيحا ، ثم شك في انه هل فسد أم لا ؟ فإنهم في مثل هذا المقام - فقط - يجرون أصل السلامة ( مع أن الكلام ) اى كلامنا - في عدم الاحتياج إلى ذكر وصف السلامة - ( في كفاية اصالة السلامة عن ذكر الأوصاف ) الدخيلة في السلامة ( اعمّ ) من طروّ المفسد ، أو من كون الفساد من اوّل الامر .

والحاصل : ان الاستدلال ببناء العقلاء ، لأصالة السلامة من قبيل كون الدليل أخص من المدعى .

إذ : المدّعى جريان اصالة السلامة مطلقا ، والدليل بناء العقلاء وهو خاص بما إذا شك في طروّ المفسد ، مع علمنا بأنه كان من اوّل الامر صحيحا .

فالاستدلال من قبيل الاستدلال ل « ان كل انسان ابيض » بان « زيدا ابيض » ( ولا ) الدليل ( من الشرع لعدم الدليل عليه ) فإنه لم ترد آية أو رواية تدل على أنه كلما شك في ان الشيء سالم ، أم لا يكون الأصل السلامة .

ص: 205

ان السلامة من العيب الخاص متى ما كانت مقصودة على جهة الركنية للمال كالحلاوة في الدبس ، والرائحة في الجلاب ، والحموضة في الخل ، وغير ذلك مما يذهب بذهابه معظم المالية فلا بد في دفع الغرر من احراز السلامة من هذا العيب الناشئ من عدم هذه الصفات ،

_________________________

وقوله « لا من الشرع » عطف على « لا من بناء العقلاء » ( ان السلامة ) متعلق ب « يمكن ان يقال » ( من العيب الخاص ) مقابل السلامة من العيوب التي اشترطت السلامة منها ، زائدة على السلامة عن العيوب الخاصة فإنه قد يشترط ان يكون الخل حامضا - بان لا يكون فاسدا - وهذا هو السلامة من العيب الخاص ، وقد يشترط ان يكون الخل شديد الحموضة - بان لا يكون حامضا عاديا - وهذا هو السلامة من العيب الزائد ، الّذي تصوره المشترى عيبا ، وان لم يكن عيبا في الواقع ، إذ الحموضة العادية - بعدم الحموضة الزائدة - ليست عيبا - فتدبر -

ف ( متى ما كانت ) السلامة من العيب الخاص ( مقصودة على جهة الركنية للمال كالحلاوة في الدبس ، والرائحة في الجلاب والحموضة في الخل ، وغير ذلك ) كالاسهال في السقمونيا ، والقبض في نواة الخوخ - مثلا - ( مما يذهب بذهابه ) اى بذهاب ذلك الوصف ( معظم المالية ) .

اما إذا ذهب كل المالية فلا معاملة في الحقيقة حتى يكون الكلام في خصوصياتها ( فلا بد ) جواب « متى » ( في دفع الغرر من احراز السلامة ) في المبيع ( من هذا العيب الناشئ من عدم هذه الصفات )

ص: 206

وحيث فرض عدم اعتبار اصالة السلامة ، فلا بد من الاختبار ، أو الوصف ، أو الاعتقاد بوجودها لامارة عرفية مغنية عن الاختبار والوصف .

ومتى ما كانت مقصودة لا على هذا الوجه لم تجب احرازها نعم لما كان الاطلاق منصرفا إلى الصحيح ، جاء الخيار عند تبين العيب ،

_________________________

الحلاوة والرائحة والحموضة ( وحيث فرض عدم اعتبار ) ذكر ( اصالة السلامة ) حال البيع ( فلا بد من الاختبار ، أو الوصف ) بان يصفه البائع بأنه حلو ، أو حامض ، أو ذو رائحة طيبة ( أو الاعتقاد بوجودها ) اى وجود تلك الأوصاف ( لامارة عرفية مغنية عن الاختبار والوصف ) كان يرى الذباب على الدبس والبعوض على الخل - مثلا - فمن شرط الوصف أو الاختبار انما نظر إلى هذا القسم .

( ومتى ) عطف على « متى ما كانت مقصودة على جهة الركنية » ( ما كانت مقصودة لا على هذا الوجه ) اى الركنية ( لم تجب احرازها ) اى احراز السلامة لأنه لا يلزم غرر من عدم تلك الأوصاف الزائدة ، مثلا لو لم يكن الخل شديد الحموضة لم يكن موجبا للغرر .

فان قلت إذا لم يكن غرر من عدم الوصف الزائد فلما ذا يكون للمشترى الخيار ؟ إذا لم يجد الوصف المذكور فيما إذا كان المتعارف في الخل حموضة شديدة .

قلت : ( نعم لما كان الاطلاق ) اى اطلاق الخل في ما كان الغالب شديد الحموضة - مثلا - ( منصرفا إلى الصحيح ) وهو شديد الحموضة في المثال - ( جاء الخيار عند تبين العيب ) بقلة الحموضة

ص: 207

فالخيار من جهة الانصراف .

نظير انصراف الاطلاق إلى النقد ، لا النسيئة ، وانصراف اطلاق الملك في المبيع إلى غير مسلوب المنفعة مدة يعتد بها لا من جهة الاعتماد في احراز الصحة ، والبناء عليها على اصالة السلامة .

وبعبارة أخرى : الشك في بعض العيوب قد لا يستلزم الغرر ككون الجارية ممن لا تحيض في سن الحيض ومثل هذا لا يعتبر احراز السلامة عنه

_________________________

( فالخيار من جهة الانصراف ) إلى الصحيح .

( نظير انصراف الاطلاق إلى النقد لا النسيئة ، و ) نظير ( انصراف اطلاق الملك في المبيع ) فيما لو باع الدكان - مثلا - ( إلى غير مسلوب المنفعة مدة يعتد بها ) كما لو كان الدكان موجرا مدة سنة ، فان المشترى إذا لم يعلم بالايجار ، واشترى الدكان كان له خيار الفسخ ( لا ) ان الخيار هنا ( من جهة الاعتماد في احراز الصحة ، والبناء عليها على اصالة السلامة ) .

فليس وجود الخيار دليلا على وجود الغرر ، فان الخيار قد يكون لأجل الغرر ، وقد يكون لأجل ان المنصرف من البيع خلاف المتاع المسلّم إلى المشترى ، وان لم يكن غرر .

( وبعبارة أخرى : الشك في بعض العيوب قد لا يستلزم الغرر ، ككون الجارية ممن لا تحيض في سن الحيض ومثل هذا ) العيب ( لا يعتبر احراز السلامة عنه ) عند المعاملة .

فلو اشتراها وهو لا يعلم أنها تحيض أو لا تحيض ، لم يكن بالاشتراء

ص: 208

وقد يستلزمه الغرر ، ككون الجارية خنثى وكون الدابة لا تستطيع المشي ، أو الركوب والحمل عليه ، وهذه مما يعتبر احراز السلامة عنها

وحيث فرض عدم احرازها بالأصل فلا بد من الاختبار أو الوصف ، هذا .

ويؤيد ما ذكرنا من التفصيل ان بعضهم كالمحقق في النافع ، والعلامة في القواعد ، عنون المسألة بما كان المراد طعمه أو ريحه ، هذا .

_________________________

بأس .

نعم : إذا ظهرت لا تحيض كان له خيار الفسخ .

( وقد يستلزمه ) اى يستلزم بعض العيوب ( الغرر ، ككون الجارية خنثى وكون الدابة لا تستطيع المشي ، أو ) لا تستطيع ( الركوب والحمل عليه ، وهذه ) العيوب ( مما يعتبر احراز السلامة عنها ) لأنه لو لم تحرز السلامة عنها كان البيع غررا ، وقد نهى الشارع عنه .

( وحيث فرض عدم احرازها بالأصل ) لما تقدم من أنه لا أصل عقلائي ولا أصل شرعي ( فلا بد من الاختبار أو الوصف ، هذا ) هو حاصل التفصيل الّذي اخترناه من قولنا : ويمكن ان يقال ، إلى هنا .

( ويؤيد ما ذكرنا من التفصيل ) بين قسمي العيب ( ان بعضهم كالمحقق في النافع ، والعلامة في القواعد ، عنون المسألة ) اى مسألة وجوب الاختبار والوصف ( بما كان المراد طعمه أو ريحه ) .

ومن المعلوم : ان المراد من هذا العنوان ما يكون السلامة اخذت فيه على وجه الركنية ، فهو يفرق بين سلامة تكون ركنا ، وبين سلامة لا تكون ركنا - كما ذكرناه - ( هذا ) غاية الكلام في وجه التفصيل .

ص: 209

ولكن الانصاف : ان مطلق العيب إذا التفت إليه المشترى وشك فيه فلا بد في رفع الغرر من احراز السلامة عنه اما بالاختبار ، واما بالوصف واما بالإطلاق إذا فرض قيامه مقام الوصف ،

اما لأجل الانصراف .

واما لأصالة السلامة من غير تفرقة بين العيوب أصلا فلا بد اما من كفاية الاطلاق في الكل للأصل والانصراف

_________________________

( ولكن الانصاف : ان مطلق العيب ) سواء كانت السلامة ركنا ، أم لا ( إذا التفت إليه المشترى وشك فيه ) كما لو شك في ان الجارية تحيض أو شك في انها خنثى ( فلا بد في دفع الغرر من احراز السلامة عنه ) اى عن ذلك العيب ( اما بالاختبار ، واما بالوصف ، واما بالإطلاق ) كاطلاق الخل المنصرف إلى المتعارف ، والجارية المنصرف إلى التي ليست بخنثى ، ولا بفاقدة الحيض ( إذا فرض قيامه ) اى الاطلاق ( مقام الوصف )

وانما نقول بوجوب احراز السلامة في مطلق العيوب الركنية وغيرها

( اما لأجل الانصراف ) إلى الصحيح من قسمي العيوب .

( واما لأصالة السلامة من غير تفرقة بين العيوب أصلا ) فلا يخص لزوم احراز السلامة بالعيوب الركنية دون غيرها .

وحيث لزم احراز السلامة في جميع اقسام العيوب ( فلا بد اما من كفاية الاطلاق ) اى اطلاق المبيع بدون وصف واختبار ( في الكل ) بدون فرق بين ان يكون الشك في السلامة من فقد الحيض ، أو من فقد الأنوثة - بان كانت خنثى - ( للأصل ) الّذي هو السلامة ( والانصراف )

ص: 210

واما من عدم كفايته في الكل نظرا إلى أنه لا يندفع به الغرر الا إذا حصل منه الوثوق حتى أنه لو شك في ان هذا العبد صحيح ، أو انه أجذم لم يجز البناء على اصالة السلامة إذا لم يفد الوثوق ، بل لا بدّ من الاختيار أو وصف كونه غير أجذم ، وهذا وان كان لا يخلو عن وجه الا انه مخالف لما يستفاد من كلماتهم في غير موضع ، من عدم وجوب اختيار غير ما يراد طعمه أو ريحه من حيث سلامته من العيوب ، وعدمها

_________________________

اى انصراف الجارية مثلا ، إلى ذات الآلة الواحدة ، والتي تحيض .

( واما من عدم كفايته ) اى الاطلاق ( في الكل )

وانما نقول بعدم الكفاية في الكل ( نظرا إلى أنه لا يندفع به ) اى بالإطلاق - بدون وصف أو اختبار - ( الغرر ، الا إذا حصل منه ) اى من الاطلاق ( الوثوق ) بالصحة من قسمي العيب . . عدم الكفاية ( حتى أنه لو شك في ان هذا العبد صحيح ، أو انه أجذم لم يجز البناء على اصالة ) الصحة ، و ( السلامة إذا لم يفد ) الأصل ( الوثوق ، بل لا بدّ ) في رفع الغرر ( من الاختبار أو وصف كونه غير أجذم ، وهذا ) عدم الكفاية في الكل الا مع الوثوق ( وان كان لا يخلو عن وجه ) لان رفع الغرر متوقف عليه ( الا انه ) اى عدم الكفاية في الكل ( مخالف لما يستفاد من كلماتهم في غير موضع ) اى مواضع متعددة من الفقه ( من عدم وجوب اختبار غير ما يراد طعمه أو ريحه ) لا يجب الاختبار ( من حيث سلامته من العيوب ، وعدمها ) اى عدم السلامة ، وهذا يؤيد التفصيل الّذي ذكرناه هذا تمام الكلام في وجوب الوصف والاختبار على مختلف الأقوال ، والله العالم بحقيقة الحال .

ص: 211

مسئلة يجوز ابتياع ما يفسده الاختبار من دون اختبار اجماعا على الظاهر .

والأقوى عدم اشتراط الصحة في العقد ، وكفاية الاعتماد على اصالة السلامة كما فيما لا يفسده الاختبار .

خلافا لظاهر جماعة تقدم ذكرهم من اعتبار اشتراط الصحة ، أو البراءة من العيوب ، أو خصوص أحدهما .

_________________________

( مسألة : يجوز ابتياع ما يفسده الاختبار ) كالبطيخ والبيض ( من دون اختبار اجماعا ، على الظاهر ) اى حسب ما يظهر من كلمات الفقهاء انهم مجمعون ، وليس الاجماع قطعيا .

( والأقوى عدم اشتراط الصحة في العقد ) فلا يلزم ان يشترط المشترى ان يكون البيض صحيحا - مثلا - ( وكفاية الاعتماد على اصالة السلامة كما فيما لا يفسده الاختبار ) كالعسل والدهن .

فكما يجوز الاعتماد فيهما على أصل السلامة بدون الاختبار ، كذلك يجوز الاعتماد على الأصل فيما يفسده الاختبار .

( خلافا لظاهر جماعة تقدم ذكرهم من اعتبار اشتراط الصحة ، أو البراءة من العيوب ) تخييرا بينهما فيما إذا أراد بيع ما يفسده الاختبار ( أو خصوص أحدهما ) اى تعيينا .

فان بعضهم قالوا : باشتراط خصوص اشتراط الصحة .

وبعضهم قالوا : باشتراط خصوص البراءة من العيوب .

ص: 212

وقد عرفت تأويل العلامة في المختلف لعبارتى المقنعة والنهاية الظاهرتين في ذلك وارجاعها إلى ما اراده - من قوله في القواعد : جاز بيعه بشرط الصحة - من أنه مع الصحة - يمضى البيع ، ولا معها يتخير المشترى .

وعرفت ان هذا التأويل مخالف للظاهر ، حتى أن قوله في القواعد ظاهر في اعتبار شرط الصحة .

ولذا قال في جامع المقاصد : وكما يجوز بيعه بشرط الصحة ، يجوز

_________________________

( وقد عرفت تأويل العلامة في المختلف لعبارتى المقنعة والنهاية الظاهرتين في ذلك ) في لزوم الاشتراط ، فان العلامة قال مرادهما جواز اشتراط الصحة أو البراءة ، لا انه يجب أحد الامرين ( وارجاعهما ) اى عبارتى المقنعة والنهاية ( إلى ما اراده ) العلامة بنفسه ( - من قوله في القواعد : جاز بيعه بشرط الصحة - من أنه ) « من » بيان « ما اراده » ( مع الصحة - يمضى البيع ، ولا معها ) بان ظهر المتاع غير صحيح ( يتخير المشترى ) بين الفسخ والامضاء .

( وعرفت ) في المسألة السابقة ( ان هذا التأويل مخالف للظاهر ) من كلام المقنعة والنهاية ( حتى أن قوله ) اى العلامة بنفسه ( في القواعد ) وهو : جاز بيعه بشرط الصحة ( ظاهر في اعتبار شرط الصحة ) لا ان شرط الصحة جائز - كما اوّله القواعد - .

( ولذا ) الّذي قلنا من أن العبارة المذكورة ظاهرة في اللزوم ، لا في الجواز ( قال في جامع المقاصد : وكما يجوز بيعه بشرط الصحة ، يجوز

ص: 213

بيعه مطلقا .

وكيف كان فإذا تبين فساد المبيع فإن كان قبل التصرف فيه بالكسر ونحوه فإن كان لفاسده قيمة كبيض النعامة والجوز ، تخير بين الرد والأرش .

ولو فرض بلوغ الفساد إلى حيث لا يعد الفاسد من افراد ذلك الجنس عرفا ، كالجوز الاجوف الّذي لا يصلح الا للاحراق ، فيحتمل قويا بطلان البيع

_________________________

بيعه مطلقا ) بدون البراءة وبدون اشتراط الصحة ، ولو لم يكن ظاهر « بشرط الصحة » لزم هذا الشرط لم يكن وجه لان يقابله جامع المقاصد بقوله : يجوز بيعه مطلقا .

( وكيف كان ) الامر سواء كان ظاهر عبارة المقنعة والنهاية ، ما ذكره العلامة ، أو ما ذكرناه ( فإذا تبين فساد المبيع ) كما لو ظهر البيض فاسدا ( فإن كان قبل التصرف فيه بالكسر ونحوه ) كسلق البيض أو جعله تحت الدجاجة للافراخ ( فإن كان لفاسده قيمة ) قبل كسره ( كبيض النعامة والجوز ) لما لهما من تجميل الرفوف بوضعهما فيها ( تخير ) المشترى ( بين الرد والأرش ) التفاوت بين الصحيح والفاسد - ان كان هناك تفاوت - ( ولو فرض بلوغ الفساد إلى حيث لا يعد الفاسد من افراد ذلك الجنس عرفا ، كالجوز الاجوف الّذي لا يصلح الا للاحراق ، فيحتمل قويا بطلان البيع ) إذ ليس هذا الموجود هو المقصود بالبيع وان كان مشتركا معه في الصورة .

ص: 214

ان لم يكن لفاسده قيمة ، تبين بطلان البيع ، لوقوعه على ما ليس بمتمول .

وان كان تبين الفساد بعد الكسر ، ففي الأول تبين الأرش خاصة ، لمكان التصرف .

ويظهر من المبسوط قوله بأنه لو كان تصرفه على قدر يستعلم فيه فساد المبيع لم يسقط الرد .

والمراد بالأرش تفاوت ما بين صحيحه وفاسده غير المكسور لان

_________________________

( وان لم يكن لفاسده قيمة ) قبل الكسر ( تبين بطلان البيع لوقوعه ) اى البيع ( على ما ليس بمتمول ) إذ لا قيمة له حسب الفرض ،

هذا كله صورتا تبين الفساد قبل الكسر .

( وان كان تبين الفساد بعد الكسر ، ففي الأول ) وهو ما كان لفاسده قيمة ( تبين الأرش خاصة ، لمكان التصرف ) فان الشيء إذا تصرف فيه المشترى ، ثم ظهر معيبا ، لا يحق له ان يرده ، بل له حق الأرش فقط

( ويظهر من المبسوط قوله بأنه لو كان تصرفه ) في الفاسد ( على قدر يستعلم فيه فساد المبيع ) وصحته ، كما لو ثقب البيض بالإبرة مثلا ( لم يسقط الرد ) لأنه لا يعد تصرفا .

فان التصرف المسقط للرد منصرف عن هذا التصرف الجزئي .

( و ) كيف كان ، ف ( المراد بالأرش تفاوت ما بين صحيحه وفاسده غير المكسور ) .

فالصحيح مثلا عشرة ، والفاسد تسعة فالأرش عبارة عن واحد ( لان

ص: 215

الكسر نقص حصل في يد المشترى .

ومنه يعلم ثبوت الأرش أيضا ولو لم يكن لمكسوره قيمة لان العبرة في التمول بالفاسد غير المكسور ، ولا عبرة بخروجه ، بالكسر عن التمول

ويبطل البيع في الثاني اعني ما لم يكن لفاسده قيمة وفاقا للمبسوط والسرائر ، وظاهر من تأخر عنهما ، وظاهرهم بطلان البيع من رأس

_________________________

الكسر نقص حصل في يد المشترى ) فلا يتحمله البائع .

( ومنه ) اى مما ذكرنا من أن ملاحظة الأرش تكون قبل الكسر - لا بعد الكسر - ( يعلم ثبوت الأرش أيضا ولو لم يكن لمكسوره قيمة ) كما لو كان لصحيحه عشرة ، ولفاسده قبل الكسر واحد ، ولا شيء لمكسوره أصلا ، فإنه يستحق من البائع رد تسعة ، لان ، الواحد الّذي ذهب بالكسر كان بفعل المشترى ، فلا يحق له ان يسترده من البائع ( لان العبرة في التمول ) اى المالية ( بالفاسد غير المكسور ) والتفاوت تسعة - في المثال - ( ولا عبرة بخروجه ، ب ) سبب ( الكسر عن التمول ) اطلاقا ، لأنه بفعل المشترى .

اللهم الا ان يقال : ان المشترى مغرور ، والمغرور يرجع إلى من غرّ ، فله ان يسترد من البائع كل العشرة .

( ويبطل البيع في الثاني ) هذا عطف على « ففي الأول تعيّن الأرش خاصة » ( اعني ما لم يكن لفاسده قيمة ) لأنه لم يأخذ مالا من البائع فكيف يعطيه شيئا من الثمن ؟ ( وفاقا للمبسوط والسرائر ، وظاهر من تأخر عنهما ، وظاهرهم بطلان البيع من رأس ) حتى أن البيع غير منعقد من

ص: 216

كما صرح به الشيخ ، والحلى ، والعلامة في التذكرة مستدلين بوقوعه على ما لا قيمة له كالحشرات ،

وهو صريح جملة ممن تأخر عنهم ، وظاهر آخرين عدا الشهيد في الدروس ، فان ظاهره انفساخ البيع من حين تبين الفساد لا من أصله وجعل الثاني احتمالا ، ونسبه إلى ظاهر الجماعة ، ولم يعلم وجه ما اختاره .

ولذا نسب في الروضة خلافه إلى الوضوح ، وهو كذلك .

_________________________

الأول ( كما صرح به الشيخ والحلى ، والعلامة في التذكرة مستدلين ) للبطلان ( بوقوعه على ما لا قيمة له كالحشرات ) التي لا يصح بيعها لأنها لا قيمة لها .

( وهو ) اى بطلان البيع من رأس ( صريح جملة ممن تأخر عنهم ، وظاهر آخرين عدا الشهيد في الدروس ، فان ظاهره انفساخ البيع من حين تبين الفساد ) اى فساد المبيع الّذي ليس لفاسده قيمة ( لا من أصله ) بان لم ينعقد البيع من رأس ، كما قال أولئك ( وجعل ) الشهيد ( الثاني ) وهو البطلان من رأس ( احتمالا ونسبه ) إلى البطلان من رأس ( إلى ظاهر الجماعة ، ولم يعلم وجه ما اختاره ) من الفساد من حين تبين الفساد .

( ولذا ) الّذي ان كلامه ليس ظاهر الوجه ( نسب في الروضة خلافه ) اى خلاف كلام الشهيد ، والخلاف هو البطلان من رأس ( إلى الوضوح وهو كذلك ) اى واضح .

ص: 217

فان الفاسد الواقعي ان لم يكن من الأموال الواقعية كان العقد عليه فاسدا ، لان اشتراط تحول العوضين واقعي لا علمي .

وان كان من الأموال الواقعية فإن لم يكن بينه وبين الصحيح تفاوت في القيمة ، لم يكن هنا أرش ، ولا رد ، بل كان البيع لازما وقد تلف المبيع بعد قبضه .

_________________________

( فان الفاسد الواقعي ان لم يكن من الأموال الواقعية ) في نظر الواقع ( كان العقد عليه فاسدا ، لان اشتراط تحول العوضين ) اى كونهما مالا ( واقعي ) يدور مدار الواقع ( لا علمي ) بحيث ان الانسان إذا علم المالية ، كان مالا ، وإذا علم عدم المالية لا يكون مالا .

( وان كان من الأموال الواقعية فإن لم يكن بينه وبين الصحيح تفاوت في القيمة ) كما لو كان بيض النعامة فاسده وصحيحه بقيمة واحدة لكن الغالب شرائه للأكل فاشتراه له ثم تبين فساده بعد أن كسره - مثلا - ( لم يكن هنا أرش ) لعدم التفاوت ( ولا رد )

اللهم الا إذا كان غير مقصود للمشترى لان مقصود الّذي صب عليه القبول هو الصحيح ، لأنه أراد ان يأكله ، فان له حق الرد حينئذ ، بل هو مردود من أصله ، لأنه غير مبيع .

نعم : إذا كان الأكل على نحو الداعي لم يكن وجه للرد لان تخلف الداعي لا يوجب ردا ( بل كان البيع لازما وقد تلف ) بسبب الكسر ( المبيع بعد قبضه ) لان تساوى قيمة صحيح البيض ، وفاسده انما هو لأجل المنظر حيث يقتنى بيض النعام لأجل منظره ، فإذا كسر بطلت هذه

ص: 218

وان كان بينه وبين الصحيح الواقعي تفاوت ، فاللازم هو استرجاع نسبة تفاوت ما بين الصحيح والفاسد من الثمن ، لا جميع الثمن .

اللهم الا ان يقال : انه مال واقعي إلى حين تبين الفساد فإذا اسقط عن المالية - لامر سابق على العقد وهو فساده واقعا - كان في ضمان البائع فينفسخ البيع حينئذ .

بل يمكن ان يقال : بعدم الانفساخ ، فيجوز له الامضاء فيكون

_________________________

الفائدة وتلف البيض .

( وان كان بينه ) اى بين الفاسد ( وبين الصحيح الواقعي تفاوت فاللازم ) بعد الكسر ( هو استرجاع نسبة تفاوت ما بين الصحيح والفاسد من الثمن ، لا ) استرجاع ( جميع الثمن ) لان المشترى اخذ شيئا له مالية في الجملة .

( اللهم الا ان يقال ) في توجيه كلام الشهيد الأول القائل بان الفسخ من حين الكسر ، لا البطلان من اوّل الامر ( انه مال واقعي إلى حين تبين الفساد ) بالكسر ( فإذا اسقط عن المالية - لامر سابق على العقد وهو ) اى ذلك الامر ( فساده واقعا - كان في ضمان البائع ) من باب ان المشترى مغرور ، والمغرور يرجع إلى من غرّ ، والغار له هو البائع ( فينفسخ البيع حينئذ ) اى حين تبين الفساد .

( بل يمكن ان يقال : بعدم الانفساخ ) بعد الكسر أيضا إذ المكسور أيضا له مالية أو فيه حقيّة ، فان المالك يتعلق حقه بالمكسور ، وان لم يكن المكسور مالا ( فيجوز له ) اى للمشترى ( الامضاء ) وعدم الفسخ ( فيكون

ص: 219

المكسور ملكا له ، وان خرج عن المالية ، بالكسر ، وحيث إن خروجه عن المالية لامر سابق على العقد كان مضمونا على البائع .

وتدارك هذا العيب اعني فوات المالية لا يكون الا بدفع تمام الثمن ، لكن سيجيء ما فيه من مخالفة القواعد والفتاوى .

وفيه وضوح كون ماليته عرفا وشرعا من حيث الظاهر .

واما إذا انكشف الفساد حكم بعدم المالية الواقعية من اوّل الامر

_________________________

المكسور ملكا له ، وان خرج عن المالية ، ب ) سبب ( الكسر ، و ) لكن إذا امضى كان له ان يأخذ تمام الثمن .

وذلك ( حيث إن خروجه ) اى المكسور ( عن المالية ) اى عدم المالية له ( لامر سابق على العقد ) وهو الفساد ( كان مضمونا على البائع ) .

( وتدارك هذا العيب ) السابق على العقد ( اعني فوات المالية ) اى عدمها ( لا يكون الا بدفع تمام الثمن ، لكن سيجيء ما فيه ) اى ما في « يمكن ان يقال » ( من مخالفة القواعد والفتاوى ) .

( وفيه ) اى في تصحيح كلام الشهيد من أن تبين الفساد يوجب ذهاب المالية ، والا فهو قبل التبين مال واقعي ( وضوح كون ماليته عرفا وشرعا من حيث الظاهر ) اى يزعم أنه له مالية ، لا ان له مالية واقعية .

( واما إذا انكشف الفساد حكم ) عليه ( بعدم المالية الواقعية من اوّل الامر ) قبل البيع .

فهو مثل ان يتخيل ان المائع خل ، ثم تبيّن انه خمر ، فإنه لا يسقط عن المالية بالتبين ، وانما ينكشف عن انه لم يكن مالا من اوّل الامر

ص: 220

مع أنه لو كان مالا واقعا ، العيب حادث في ملك المشتري ، فان العلم مخرج له عن المالية ، لا كاشف ، فليس هذا عيبا مجهولا .

ولو سلم فهو كالارمد يعمى بعد الاشتراء ، والمريض يموت مع أن فوات المالية يعد تلفا ، لا عيبا .

_________________________

بانكشاف كونه خمرا ( مع أنه لو كان مالا واقعا ) إلى حين العلم ، وبالعلم تسقط ماليته - كما هو ظاهر كلام الشهيد - ف ( العيب ) ليس حادثا في ملك البائع ، حتى يكون مكلّفا بالتدارك ، بل هو ( حادث في ملك المشتري ، فان العلم مخرج له عن المالية ) حسب الفرض ( لا كاشف ) عن عدم المالية السابقة ( فليس هذا عيبا مجهولا ) حتى يكون خسارته على البائع .

( ولو سلم ) ان العلم لا يوجب وجود العلم ، بل كاشف عن العيب السابق ، نقول أيضا البائع ليس ضامنا له ( فهو ) اى هذا العيب مثله ( كالارمد يعمى بعد الاشتراء ، والمريض يموت ) فان الخسارة على المشترى .

إذ : التلف قبل القبض من مال مالكه ، والتلف في زمن الخيار ممن لا خيار له .

اما التلف بدون هذين العنوانين فهو من كيس المالك الحالي ( مع أن فوات المالية ) بالكسر ( يعد تلفا ، لا عيبا ) فليس من قبيل اخذ الأرش حتى يكون للمشترى استرجاع جميع الثمن ، مع البيض المكسور ، فإنه جمع بين العوض والمعوض ولا يخفى ما في بعض هذه الايرادات

ص: 221

ثم إن فائدة الخلاف تظهر في ترتب آثار ملكية المشترى الثمن إلى حين تبين الفساد .

وعن الدروس واللمعة انها تظهر في مئونة نقله عن الموضع الّذي اشتراه فيه إلى موضع اختباره ، فعلى الأول على البائع ، وعلى الثاني على المشترى ، لوقوعه في ملكه .

وفي جامع المقاصد الّذي يقتضيه النظر انه ليس له

_________________________

من النظر .

( ثم إن فائدة الخلاف ) في كون الانفساخ من حين التبين كما ذكره الشهيد ، أو ان العقد باطل من أصله كما نقوله نحن ( تظهر في ترتب آثار ملكية المشترى الثمن إلى حين تبين الفساد ) لان البيع ان كان فاسدا من أصله فثمر الثمن ونتاجه للمشترى ، وان فسد من حين التبين كان نتاج الثمن للبائع .

وكذلك تظهر في فوائد المثمن ، فلو أوجر البيض للاقتناء مدة فإذا كان البيع فاسدا كانت الأجرة للبائع ، والا كانت للمشترى .

( وعن الدروس واللمعة انها ) اى فائدة الخلاف ( تظهر في مئونة نقله عن الموضع الّذي اشتراه ) المشترى ( فيه ) اى في ذلك الموضع ( اى موضع اختباره ، فعلى الأول ) اى الفساد من أصل البيع تكون المئونة ( على البائع ، وعلى الثاني ) اى الفساد من حين التبين ( على المشترى لوقوعه ) اى النقل ( في ملكه ) اى ملك المشتري .

( وفي جامع المقاصد الّذي يقتضيه النظر انه ليس له ) اى للمشترى

ص: 222

رجوع على البائع بها لانتفاء المقتضى .

وتبعه الشهيد الثاني ، قال : لأنه نقله بغير امره فلا يتّجه الرجوع عليه بها .

وكون المشترى هنا كجاهل استحقاق المبيع حيث رجع بما غرّم انّما يتّجه مع الغرور .

وهو منفى هنا ، لاشتراكهما

_________________________

( رجوع على البائع بها ) اى بالمئونة ( لانتفاء المقتضى ) للرجوع إلى البائع - حتى على القول بالبطلان من اوّل الامر ، خلافا لما تقدم عن الشهيد الأول - .

( وتبعه الشهيد الثاني ، قال : لأنه ) اى المشترى ( نقله ) اى المتاع ( بغير امره ) اى امر البائع ( فلا يتّجه الرجوع عليه ) اى على البائع ( بها ) اى بالمئونة .

( و ) ان قلت : للمشترى حق الرجوع إلى البائع بمئونة النقل ، لأنه مغرور ، والمغرور يرجع إلى من غرّ .

قلت : ( كون المشترى هنا كجاهل استحقاق المبيع ) فيما إذا باع البائع مال الغير ، وكان المشترى جاهلا بان المال ليس للبائع ( حيث رجع ) المشترى إلى البائع ( بما غرم ) فيما إذا كان جاهلا بان المال حق للغير ، ليس بتام ، ل ( انّما يتّجه مع الغرور ) بان كان البائع غاشا والمشترى مخدوعا .

( وهو ) اى الغرور ( منفى هنا ) في بيع الشيء الفاسد ( لاشتراكهما )

ص: 223

في الجهل ، انتهى .

واعترض عليه بأن الغرور لا يختص بصورة علم الغار .

وهنا قول ثالث نفى عنه البعد بعض الأساطين ، وهو كونه على البائع على التقديرين .

وهو بعيد على تقدير الفسخ من حين تبين الفساد

_________________________

البائع والمشترى ( في الجهل ، انتهى ) لفرض ان كليهما لا يعلمان بالفساد ، فلا يصدق على البائع « من غرّ » لان ظاهره التغرير عمدا .

وقوله « وكون المشترى » مبتداء و « انه يتجه » خبره .

( واعترض عليه ) اى على هذا الجواب الّذي مضمونه ان المشترى ليس مغرورا ( بان الغرور لا يختص بصورة علم الغار )

ولذا لو قدم زيد إلى عمرو طعام بكر ، بعنوان انه طعام نفسه ، فاكله عمرو جاهلا ، كان قرار الضمان على زيد ، لأنه غارّ ، وان كان زيد جاهلا وقد ظن بأن الطعام لنفسه .

( وهنا ) اى في مئونة النقل ( قول ثالث نفى عنه العبد بعض الأساطين وهو كونه على البائع على التقديرين ) اى تقدير الفساد من اوّل الامر ، وتقدير الفساد من حين التبين .

وذلك لان البائع غارّ في الصورتين فالمشترى يرجع إليه .

( وهو ) اى هذا القول ( بعيد على تقدير الفسخ من حين تبيّن الفساد ) .

إذ : على هذا التقدير يكون المشترى قد نقل مال نفسه ، فلما ذا

ص: 224

هذا كله في مئونة النقل من موضع الاشتراء إلى موضع الكسر .

واما مئونة نقله من موضع الكسر لو وجب تفريغه منه لمطالبة مالكه ، ولكونه مسجدا ومشهدا .

فإن كان المكسور مع عدم تموله ملكا نظير حبة الحنطة ، فالظاهر أنه على البائع على التقديرين ، لأنه بعد الفسخ ملكه .

واما لو لم يكن قابلا للتملك ، فلا يبعد مؤاخذة المشترى به ،

_________________________

يأخذ مئونة النقل من البائع الأجنبي عن المتاع - حسب الفرض - ؟

( هذا كله في مئونة النقل من موضع الاشتراء إلى موضع الكسر ) .

( واما مئونة نقله من موضع الكسر لو وجب تفريغه ) اى تفريغ موضع النقل ( منه ) اى من هذا الشيء الفاسد المكسور ( لمطالبة مالكه ) اى مالك ذلك الموضع بالتفريغ ( ولكونه ) اى ذلك الموضع ( مسجدا ) فيحرم اشغاله بما يزاحم المصلين ( أو مشهدا ) فإنه في حكم المسجد ، من جهة تحريم اشغاله بما يزاحم ما وقف لأجله .

( فإن كان المكسور مع عدم تموله ملكا نظير حبة الحنطة ) حيث إنها ملك ، وليس بمال ( فالظاهر أنه ) اى التفريغ ( على البائع على التقديرين ) تقدير كون الكسر كاشفا عن عدم الملك من الأول ، أو موجبا لعدم الملك من الحال ( لأنه ) اى المكسور ( بعد الفسخ ) بالكسر ( ملكه ) اى ملك البائع فان المالك هو المسؤول عن الأمور المرتبطة بملكه .

( واما لو لم يكن قابلا للتملك ) بأن لم ير العرف فيه حتى حق الاختصاص ( فلا يبعد مؤاخذة المشترى به ) اى بأنواع المحل منه ، لأنه

ص: 225

وفي رجوعه على البائع ما تقدم في مئونة نقله إلى موضع الكسر .

ثم : ان المحكى في الدروس عن الشيخ واتباعه : انه لو تبرأ البائع من العيب فيما لا قيمة لمكسوره صح .

قال : ويشكل انه اكل مال بالباطل .

وتبعه الشهيد ، والمحقق الثانيان ، وقد تصدى بعض لتوجيه صحة اشتراط البراءة ، بما حاصله : منع بطلان البيع وان استحق

_________________________

السبب القريب لاشغال المكان ، فيكون حاله حال من القى النفايات في مكان محترم ، كالمسجد والمشهد ، فإنه مسؤول بتنحيته عن ذلك المكان ( وفي رجوعه ) اى المشترى ( على البائع ) في مئونة النقل ( ما تقدم في مئونة نقله إلى موضع الكسر ) من كونه غارا للمشترى ، والمغرور يرجع إلى من غرّ ، أو ليس المقام من الغرور لأن البائع أيضا جاهل بالحال .

( ثم : ان المحكى في الدروس عن الشيخ واتباعه : انه لو تبرأ البائع من العيب فيما لا قيمة لمكسوره ) كبيض الدجاج - مثلا - ( صح ) البيع والتبري ، فإذا ظهر فاسدا لم يكن شيء على البائع .

( قال : ويشكل ) ان يكون البيع صحيحا ، ب ( انه اكل مال بالباطل ) فان البائع الّذي يأكل الثمن لم يعط إلى المشترى مالا حتى يستحق هذا الثمن .

( وتبعه الشهيد والمحقق الثانيان ) في ان اكل البائع حينئذ للثمن اكل للمال بالباطل ( وقد تصدى بعض لتوجيه صحة اشتراط البراءة ) من العيب ( بما حاصله : منع بطلان البيع وان استحق

ص: 226

المشترى مجموع الثمن ، من باب الأرش المستوعب ، فان الأرش غرامة أوجبها الشارع بسبب العيب ، لا انه جزء من الثمن استحق بسبب فوات ما قابله من المثمن .

ولذا يسقط بالاسقاط .

ولا يتعين على البائع الاعطاء من نفس الثمن

_________________________

المشترى مجموع الثمن ، من باب الأرش المستوعب ) للثمن .

وانما يكون البيع صحيحا ، لأن الأرش المستوعب ليس ثمنا مردودا إلى المشترى ، حتى يقال : كيف يمكن صحة البيع ؟ مع كون الثمن يرجع بجميعه إلى المشترى ( فان الأرش غرامة أوجبها الشارع بسبب العيب ) كالأرش في الانسان الحىّ ، إذا تعدى عليه ، فإنه ليس ثمنا إذ الحر لا يثمن ( لا انه ) اى الأرش ( جزء من الثمن استحق ) هذا الجزء ( بسبب فوات ما قابله من المثمن ) حتى يكون صحة البيع موجبة لجمع الثمن والمثمن لدى المشترى .

( ولذا ) الّذي كان الأرش غرامة لا ثمنا ( يسقط بالاسقاط ) .

فإذا قال المشترى : أسقطت عنك أيها البائع الأرش ، سقط عنه .

ولو كان الأرش ثمنا لم يكن وجه لسقوطه ، إذ لا معنى لاسقاط الانسان ملك نفسه .

ومن المعلوم : ان الاسقاط غير الاعراض عن الملك ، فلا يقال : كما يمكن الاعراض يمكن الاسقاط .

( و ) لذا أيضا ( لا يتعين على البائع الاعطاء ) اى اعطاء المشترى ( من نفس الثمن ) ولو كان جزءا من الثمن وجب ارجاعه من نفسه ، لأن

ص: 227

ليسقط بالتبري .

وليس هذا كاشتراط عدم البيع في عقد البيع ، إذ المثمن يتحقق على حسب معاملة العقلاء ، ولم يعلم اعتبار أزيد من ذلك في صحة البيع

_________________________

البائع لم يملك هذا المقدار منه في مقابل عدم تملك المشترى لجزء من المثمن حيث إن الأرش غرامة وليس جزءا من الثمن ( ليسقط ) الأرش ( بالتبري ) اى ما لو تبرأ البائع من العيب .

( و ) ان قلت : إذا كان المبيع فاسدا بحيث لا يملك أصلا وتبرأ البائع من العيب ، وقلتم بصحة التبري ، لزم ان يصح اشتراط البائع عدم المثمن أصلا ، ومن المعلوم انه لا يصح عدم المثمن فكذلك لا يصح التبري من العيب في صورة عدم المالية للمبيع ؟

قلت : ( ليس هذا كاشتراط عدم المبيع في عقد البيع ) بان يقول البائع : بعتك هذا الكتاب بدينار بشرط ان لا يكون الكتاب ملكا لك .

وانما ليس التبري كاشتراط عدم المبيع ( إذ المثمن ) في مسألة التبري ( يتحقق على حسب معاملة العقلاء ) إذ العقلاء يرون وجود الثمن عند المعاملة - إذ البيض موجود فعلا وهو مثمن يرى العقلاء صحة ايقاع البيع عليه - ( ولم يعلم اعتبار أزيد من ذلك ) اى من تحقق المثمن عند المعاملة ( في صحة البيع ) .

والمراد بالأزيد هي المالية الواقعية التي هي أزيد من المالية العقلائية عند المعاملة .

ص: 228

فمع فرض رضاه بذلك ، يكون قادما على بذل ماله على هذا النحو .

نعم لو لم يشترط استحق الرجوع بالأرش المستوعب .

ولعله لذا لم يعبروا بالبطلان وان ذكر المحقق وغيره الرجوع بالثمن .

وفهم منه جماعة بطلان البيع ، لكنه قد يمنع بعدم خروجه عن المالية ، وان لم يكن له قيمة

_________________________

( فمع فرض رضاه ) اى المشترى ( بذلك ) اى باشتراط براءة البائع ( يكون قادما على بذل ماله على هذا النحو ) اى نحو يكون فساد المبيع غير موجب لاستحقاقه الرجوع .

والانسان إذا اقدم على تلف ماله لم يكن له الرجوع ، كما لو اعطى الانسان طعامه للضيف فإنه لا يحق له ان يرجع إلى المال .

( نعم لو لم يشترط ) البائع البراءة من الثمن ( استحق الرجوع بالأرش المستوعب ) لكل الثمن ، لأنه مال معيب ، فله الأرش .

( ولعله لذا ) الّذي ذكرنا من أنه مستحق للأرش - وان كان مستوعبا - وذلك بصحة البيع ( لم يعبروا بالبطلان ) إذ لا وجه للبطلان بعد وجود شرائط صحة العقد فيه ( وان ذكر المحقق وغيره الرجوع بالثمن ) الظاهر من لفظ الثمن البطلان ، لكنهم أرادوا الأرش المستوعب .

( وفهم منه ) اى من لفظ الثمن ( جماعة بطلان البيع ، لكنه ) اى الفهم المذكور ( قد يمنع ) لأن الثمن أعم من الأرش ، فلا يفيد ذكر الثمن البطلان فان ذكر العام لا يدل على الخاص ، فلا بطلان ( ب ) سبب ( عدم خروجه ) اى المبيع الّذي لا قيمة له ( عن المالية ، وان لم يكن له قيمة ) لبقاء الحق

ص: 229

وهو أعم من بطلان البيع ، انتهى محصله .

وفيه مواقع للنظر ، فان المتعرضين للمسألة بين مصرح ببطلان البيع ، كالشيخ في المبسوط ، والحلى في السرائر ، والعلامة في التذكرة معللين ذلك بأنه لا يجوز بيع ما لا قيمة له ، وبين من صرح برجوع المشترى بتمام الثمن الظاهر في البطلان فان الرجوع بعين الثمن ، لا يعقل من دون البطلان

_________________________

في مكسوره ( وهو ) اى الثمن ( أعم من بطلان البيع ) لإمكان ان يستحق المشترى تمام الثمن لبطلان البيع ، أو يستحقه بعنوان الأرش ( انتهى محصله ) اى محصل ما ذكره البعض لتوجيه صحة اشتراط البراءة .

( وفيه مواقع للنظر ، فان المتعرضين ل ) هذه ( المسألة بين مصرح ببطلان البيع ) فيما لم يكن لمكسوره قيمة ( كالشيخ في المبسوط ، والحلّى في السرائر ، والعلامة في التذكرة ، معللين ذلك بأنه لا يجوز ) ولا ينفذ ( بيع ما لا قيمة له ، وبين من صرح برجوع المشترى بتمام الثمن الظاهر في البطلان ) .

والظهور لا ينافي امكان معنى آخر ، لكن الاعتبار بالظاهر في دلالة الألفاظ ، وليست الأدلة اللفظية كالأدلة العقلية ، حيث يوجب الاحتمال في الدليل العقلي بطلان الاستدلال .

وما ذكروا من « ان الاحتمال يبطل الاستدلال » انما هو في الأدلة العقلية ، كما لا يخفى ( فان الرجوع بعين الثمن ، لا يعقل من دون البطلان ) إذ لو كان أرشا لم يجب ان يكون عين الثمن بل جاز ما يكون قيمة للثمن

ص: 230

ويكفى في ذلك ما تقدم من الدروس من أن ظاهر الجماعة البطلان من اوّل الأمر ، واختار قدس سره الانفساخ من حين تبين الفساد فعلم أن لا قول بالصحة مع الأرش .

بل ظاهر العلامة ره في التذكرة عدم هذا القول بين المسلمين حيث إنه بعد حكمه بفساد البيع معللا بوقوع العقد على ما لا قيمة له وحكاية ذلك عن بعض الشافعية قال وقال بعضهم بفساد البيع ، لا لهذه العلة ، بل لأن الرد ثبت على سبيل استدراك الظلامة .

_________________________

مساويا له ، والمراد عدم المعقولية حسب الظاهر الشرعي ، لا عدم المعقولية حقيقة ، كما لا يخفى .

( ويكفى في ذلك ) اى في ان مرادهم البطلان ( ما تقدم من الدروس من أن ظاهر الجماعة ) اى الفقهاء ( البطلان من اوّل الأمر ، واختار ) الدروس ( قدس سره الانفساخ من حين تبين الفساد ) لا من اوّل الأمر ( فعلم أن لا قول بالصحة مع الأرش ) لأنهم كلا قائلون بالفساد اما من اوّل الأمر أو من حين التبين .

( بل ظاهر العلامة ره في التذكرة عدم هذا القول ) اى الصحة والأرش ( بين المسلمين حيث إنه بعد حكمه ) اى العلامة ( بفساد البيع معللا بوقوع العقد على ما لا قيمة له ) فكأنه العقد بلا مثمن أصلا ( وحكاية ذلك ) البطلان ( عن بعض الشافعية قال ) العلامة ( وقال بعضهم ) اى بعض الشافعية ( بفساد البيع ، لا لهذه العلة ) اى علة انه لا قيمة له ( بل لأن الرد ثبت على سبيل استدراك الظلامة ) - وهي عبارة عن الأرش - .

ص: 231

وكما يرجع بجزء من الثمن عند انتقاص جزء من المبيع كذلك يرجع بكل الثمن عند فوات كل المبيع ، ويظهر فائدة الخلاف في ان القشور الباقية بمن يختص حتى يجب عليه تطهير الموضع عنها ، انتهى هذا .

مع أنه لا مجال للتأمل في البطلان - بناء على ما ذكرنا من القطع بأن الحكم بمالية المبيع هنا شرعا وعرفا حكم ظاهري ، وتمول العوضين واقعا شرط واقعي لا علمي .

_________________________

( وكما يرجع بجزء من الثمن عند انتقاص جزء من المبيع ) كما لو كانت القيمة مائة وكان ناقصا بما يساوى عشرة ، فان المشترى يرجع إلى العشرة ( كذلك يرجع ) المشترى ( بكل الثمن عند فوات كل المبيع ) .

ومن المعلوم : ان ظاهر هذا الكلام البطلان عند الكل ، إذ لا قائل بالصحة .

ثم قال العلامة ( ويظهر فائدة الخلاف ) بين البطلان ، وبين الصحة واستحقاق تمام الثمن من باب الأرش ( في ان القشور الباقية بمن يختص ) بالبائع لبطلان البيع ، أو بالمشترى لصحة البيع واستحقاقه الأرش ( حتى يجب عليه تطهير الموضع عنها ) اى من تلك القشور ( انتهى ) كلام العلامة ( هذا ) وجه الاشكال في القول باستحقاق الأرش .

( مع أنه لا مجال للتأمل في البطلان - بناء على ما ذكرنا من القطع - ) اى انا نقطع ( بأن الحكم بمالية المبيع هنا ) في بيع ما ليس لمكسوره الفاسد قيمة ( شرعا وعرفا حكم ظاهري ، وتمول العوضين ) اى كونها مالا ( واقعا ) وحقيقة لا ظاهرا وخيالا ( شرط واقعي لا علمي ) فليس

ص: 232

ولذا لم يتأمل ذو مسكة في بطلان بيع من بان حرا أو ما بان خمرا ، وغير ذلك ، إذ انكشاف فقد العوض مشترك بينهما .

ثم إن الجمع بين عدم خروجه عن المالية وبين عدم القيمة لمكسوره مما لم يفهم فلعله أراد الملكية .

_________________________

من قبيل نجاسة البدن في الصلاة بل من قبيل عدم الطهارة عن الحدث في الصلاة ، فإنه إذا فقد الشرط الواقعي بطل الشيء واقعا وظاهرا .

اما إذا فقد الشرط العلمي فان علم الانسان بالفقد كان باطلا ، والا كان صحيحا .

( ولذا ) الّذي ذكرنا من أن الشرط الواقعي إذا كان مفقودا أوجب البطلان حقيقة ( لم يتأمل ذو مسكة ) من لفهمه امساك عن الانسياق وراء الأوهام ( في بطلان بيع من بان حرا أو ما بان خمرا ) لفقد المالية فيهما .

فلو باعهما جاهلا بظن انّه عبد وانها خلّ كان البيع باطلا ( وغير ذلك ) من أمثلة عدم المالية .

وانما قسنا ما نحن فيه بالحر والخمر ( إذ انكشاف فقد العوض ) اى المثمن ( مشترك بينهما ) اى بين ما نحن فيه وبين الخمر والحر .

( ثم إن الجمع بين عدم خروجه ) اى البيض الفاسد ( عن المالية ، وبين عدم القيمة لمكسوره ، مما لم يفهم ) للتلازم بين عدم المالية وعدم القيمة .

( فلعله أراد ) ب « المالية » ( الملكية ) الشاملة لمثل حبة الحنطة .

حيث إنهم ذكروا ان بين الأمرين عموما مطلق إذ كل مال للانسان ملك له ، وليس كل ملك للانسان له مالية .

ص: 233

مضافا إلى أن الأرش المستوعب للثمن لا يخلو تصوره عن اشكال ، لأن الأرش كما صرحوا به تفاوت ما بين قيمتي الصحيح والمعيب .

نعم ذكر العلامة في التذكرة ، والتحرير ، والقواعد ان المشترى للعبد الجاني عمدا يتخير مع الجهل بين الفسخ ، فيسترد الثمن أو طلب الأرش .

فان استوعب الجناية القيمة كان الأرش جميع الثمن أيضا .

_________________________

( مضافا إلى أن الأرش المستوعب للثمن لا يخلو تصوره عن اشكال ) وان كان ممكن عقلا ( لأن الأرش كما صرحوا به تفاوت ما بين قيمتي الصحيح والمعيب ) والاستيعاب ليس تفاوتا وانما هو كل الثمن .

( نعم ) يمكن ان يتصور بما ( ذكر ) ه ( العلامة في التذكرة ، والتحرير والقواعد ) من ( ان المشترى للعبد الجاني عمدا ) اى كانت جنايته عمدية وإذا جنى العبد عمدا تخير المجنى عليه بين استرقاقه ، وبين اخذ دية الجناية من مولاه ( يتخير ) المشترى ( مع الجهل ) بأن العبد جان عمدى ( بين الفسخ ، فيسترد الثمن ) اى يأخذ الثمن من مولاه ( أو طلب الأرش ) من المولى .

( فان استوعب الجناية القيمة ) بأن كانت جناية العبد بمقدار قيمته .

مثلا كانت جنايته على عين واحدة من حر ، وقيمته خمسمائة دينار ( كان الأرش جميع الثمن أيضا ) اى كما كان له استرداد كل الثمن في صورة الفسخ .

ص: 234

وقد تصدى جامع المقاصد لتوجيه عبارة القواعد في هذا المقام بما لا يخلو عن بعد ، فراجع .

وكيف كان فلا أجد وجها لما ذكره .

وأضعف من ذلك ما ذكره بعض آخر من منع حكم الشيخ واتباعه بصحة البيع واشتراط البائع على المشترى البراءة من العيوب .

وزعم أن معنى اشتراط البراءة في كلامهم اشتراط المشترى على البائع البراءة من العيوب ، فيكون مراد فالاشتراط الصحة .

_________________________

( وقد تصدى جامع المقاصد لتوجيه عبارة القواعد في هذا المقام ) بأنه كيف يمكن ان يكون الأرش تمام الثمن ؟ ( بما لا يخلو عن بعد فراجع ) .

( وكيف كان ) الأمر ( فلا أجد وجها لما ذكره ) ذلك البعض الّذي أراد توجيه كلام الشيخ .

( وأضعف من ذلك ) التوجيه الّذي تقدم لكلام الشيخ ( ما ذكره بعض آخر من منع حكم الشيخ واتباعه ) اى حكمهم ( بصحة البيع ) اى انهم لا يقولون بصحة البيع ( واشتراط البائع على المشترى البراءة من العيوب ) .

( وزعم ) هذا البعض ( ان معنى اشتراط البراءة في كلامهم ) اى كلام الشيخ واتباعه ( اشتراط المشترى على البائع البراءة من العيوب ) بأن يقول المشترى : انى اشترط عليك ان لا يكون في المبيع عيب ( فيكون ) اشتراط المشترى ( مراد فالاشتراط الصحة ) اى اشتراط المشترى على البائع صحة المبيع .

ص: 235

وأنت خبير بفساد ذلك بعد ملاحظة عبارة الشيخ والاتباع ، فان كلامهم ظاهر ، أو صريح في ان المراد براءة البائع من العيوب ، لا المشترى .

نعم : لم أجد في كلام الشيخين ، والمحكى عن غيرهما تعرض لذكر هذا الشرط في خصوص ما لا قيمة لمكسوره .

ثم إنه ربما يستشكل في جواز اشتراط البراءة من العيوب غير المخرجة عن المالية أيضا بلزوم الغرر ، فان بيع ما لا يعلم صحته وفساده

_________________________

( وأنت خبير بفساد ذلك ) الزعم ( بعد ملاحظة عبارة الشيخ والاتباع ، فان كلامهم ظاهر ، أو صريح في ان المراد براءة البائع من العيوب ، لا ) براءة ( المشترى ) .

( نعم ) يمكن ان يقال : ان الاشكال ليس واردا على الشيخ من جهة أخرى ، وهي انى ( لم أجد في كلام الشيخين ، والمحكى عن غيرهما تعرض لذكر هذا الشرط ) براءة البائع من عيوب المبيع ( في خصوص ما لا قيمة لمكسوره ) .

ولعل ظاهر كلامهم ما لمكسوره قيمة ، فلا يرد عليهم اشكال الأرش المستوعب ، هذا كله في اشتراط البراءة من العيب المستوعب للثمن .

( ثم إنه ربما يستشكل في جواز اشتراط البراءة من العيوب غير المخرجة عن المالية ) كما لو كان معيبا بما يوجب سقوط ثلث المالية - مثلا - ( أيضا ) كما لا يصح اشتراط البراءة من العيوب المخرجة ( بلزوم الغرر ) متعلق ب « يستشكل » ( فان بيع ما لا يعلم صحته وفساده ) سواء لم يعلم أحدهما ، أو كلاهما

ص: 236

لا يجوز ، الا بناء على اصالة الصحة واشتراط البراءة كان بمنزلة البيع من غير اعتداد بوجود العيوب وعدمها .

وقد صرح العلامة ، وجماعة بفساد العقد لو اشترط سقوط خيار الرؤية في العين الغائبة .

وسيجيء توضيحه في باب الخيارات إن شاء الله تعالى .

_________________________

( لا يجوز ، الا بناء على اصالة الصحة واشتراط البراءة ) .

ينافي اصالة الصحة ، لأنه ( كان بمنزلة البيع من غير اعتداد ) واعتناء ( بوجود العيوب وعدمها ) اى عدم العيوب .

( و ) يؤيد هذا الاشكال : انه ( قد صرح العلامة ، وجماعة بفساد العقد لو اشترط سقوط خيار الرؤية في العين الغائبة ) لأنه يوجب الغرر وما نحن فيه مثل ذلك .

( وسيجيء توضيحه ) اشكالا وجوابا ( في باب الخيارات ان شاء اللّه تعالى ) وانه لا اشكال في مثل هذا الاشتراط في الجملة .

ص: 237

مسئلة المشهور من غير خلاف يذكر ، جواز بيع المسك في فأره ،

والفأر بالهمزة ، قيل جمع فأرة كتمر وتمرة .

وعن النهاية انه قد لا يهمز تخفيفا .

ومستند الحكم : العمومات غير المزاحمة بما يصلح للتخصيص .

عدا توهم النجاسة المندفعة في باب النجاسات ، بالنص والاجماع .

أو توهم جهالته

_________________________

( مسألة ) في بعض فروع البيع ( المشهور من غير خلاف يذكر ، جواز بيع المسك في فأره ) وهي الجلدة التي فيها المسك ( والفأر بالهمزة قيل جمع فأرة كتمر وتمرة ) .

والظاهر أنه جنس لا جمع ، والفارق بين الجنس والفرد ، التاء .

( وعن النهاية انه قد لا يهمز تخفيفا ) فان الهمزة اثقل من الألف .

( ومستند الحكم ) بالجواز ( العمومات ) الدالة على الجواز ( غير المزاحمة بما يصلح للتخصيص ) بأن يدل على عدم الجواز في هذا الموضع الخاص ، فالعام هو المحكم .

( عدا توهم النجاسة ) .

حيث إن الجلد جزء من الحيوان غير المذكى - فيما إذا فرض انفصال الفأر عن الحيوان قبل تذكيته - فهو نجس ، ولا يجوز بيع نجس العين ( المندفعة في باب النجاسات ، بالنص والاجماع ) على أن الفأر ليس كذلك .

( أو توهم جهالته ) إذ لا يعرف ان المسك في الفأر صحيح أو فاسد

ص: 238

بناء على ما تقدم من احتمال عدم العبرة باصالة الصحة في دفع الغرر .

ويندفع بما تقدم من بناء العرف على الأصل في نفى الفساد .

وبناء الأصحاب على عدم التزام الاختبار في الأوصاف التي تدور معها الصحة .

لكنك خبير بأن هذا كله حسن ، لدفع الغرر الحاصل من احتمال الفساد .

_________________________

( بناء على ما تقدم من احتمال عدم العبرة باصالة الصحة في دفع الغرر ) وذلك ما تقدم في المسألة السابقة .

وانما قلنا : بناء ، لأنه إذا لم يبن على ذلك جاز الاعتماد على اصالة الصحة ، فلم يكن في بيع الفأرة اشكال .

( ويندفع ) احتمال الجهالة ( بما تقدم من بناء العرف على الأصل ) اى أصل الصحة ( في نفى الفساد ) فلا وجه لاحتمال عدم العبرة باصالة الصحة .

( و ) من ( بناء الأصحاب على عدم التزام الاختبار في الأوصاف التي تدور معها ) اى مع تلك الأوصاف ( الصحة ) فيما إذا كانت تلك الأوصاف ، كان الشيء صحيحا والا كان فاسدا .

( لكنك خبير بأن هذا كله ) اى بناء العرف وبناء الأصحاب ( حسن لدفع الغرر الحاصل من احتمال الفساد ) .

فان أصل الصحة المعتبر عرفا وشرعا ينفى الغرر المحتمل من جهة الفساد .

ص: 239

واما الغرر من جهة تفاوت افراد الصحيح الّذي لا يعلم الا بالاختبار فلا رافع له .

نعم قد روى في التذكرة مرسلا عن الصادق عليه السلام جواز بيعه .

لكن لم يعلم إرادة ما في الفأرة .

وكيف كان ، فإذا فرض انه ليس له أوصاف خارجية يعرف بها الوصف الّذي له دخل في القيمة ، فالأحوط ما ذكروه من فتقه بادخال خيط فيها بإبرة ، ثم اخراجه وشمّه .

_________________________

( واما الغرر من جهة تفاوت افراد الصحيح الّذي لا يعلم ) ذلك التفاوت ( الا بالاختبار ) إذ : المسك على اقسام مختلفة جدا يتفاوت ثمن بعضها من بعض ( فلا رافع له ) إذ أصل الصحة انما هو في مقابل الفساد ، لا في مقابل الجهل بأنه اىّ قسم من اقسام الصحيح .

( نعم قد روى في التذكرة مرسلا عن الصادق عليه السلام جواز بيعه ) فإذا ثبت هذا الدليل الخاص كان محكما على قاعدة لزوم العلم .

( لكن لم يعلم إرادة ما في الفأرة ) مجهولا ، لاحتمال كون الرواية بصدد بيان جواز بيع المسك ، لدفع توهم عدم الجواز من جهة انه نجس ، فلا دلالة فيها لما نحن فيه .

( وكيف كان ، فإذا فرض انه ليس له ) اى للمسك في داخل الفأرة ( أوصاف خارجية ) ظاهرة على الفأرة ( يعرف بها ) اى بتلك الأوصاف الخارجية ( الوصف الّذي له دخل في القيمة ، فالأحوط ما ذكروه من فتقه بادخال خيط فيها بإبرة ، ثم اخراجه وشمّه ) وذلك لأنه بدون هذا العمل

ص: 240

ثم لو شمّه ، ولم يرض به ، فهل يضمن هذا النقص الداخل عليه من جهة الفتق لو فرض حصوله فيه ولو بكونه جزءا أخير السبب النقص ، بأن فتق قبله بادخال الخيط والإبرة مرارا ، وجه مبنى على ضمان النقص في المقبوض بالسوم .

_________________________

مجهول وموجب للغرر ، وقد نهى النبي صلّى اللّه عليه وآله : عن بيع الغرر .

وانما جعله أحوط لا فتوى ، لاحتمال الكفاية بالظاهر لاكتفاء العرف بها في أكثر الأحيان .

( ثم لو ) فعل ذلك الاختبار ، و ( شمّه ، ولم يرض به ، فهل يضمن ) المختبر ( هذا النقص الداخل عليه من جهة الفتق لو فرض حصوله ) اى النقص ( فيه ) اى في المسك بسبب هذا الاختبار ( ولو ) كان النقص ( ب ) سبب ( كونه ) اى هذا الاختبار ( جزءا أخيرا لسبب النقص ، بأن فتق قبله ) اى قبل هذا الاختبار من زيد مثلا ( بادخال الخيط والإبرة مرارا ) فتراكمت الاختبارات وسببت نقصها ( وجه ) لا بأس به ( مبنى على ضمان النقص في المقبوض بالسوم ) وهو ان يقبض الانسان المتاع ، لأجل ان يشتريه ، فينقص المتاع في يد المشترى بدون تعد أو تفريط ، فهل يضمن المشترى النقص ؟ لأنه نقص حصل في يده ، فيشمله : على اليد ما اخذت حتى تؤدى ، أو لا يضمن ، لأنه يد أمانة ، وليس على الأمين الا اليمين .

فما قلناه : في المقبوض بالسوم نقول به هنا في مسألة ادخال الإبرة في فأرة المسك ، لأن المسألتين من واد واحد .

ص: 241

فالأولى ان يباشر البائع ذلك ، فيشم المشترى الخيط .

ثم إن الظاهر من العلامة عدم جواز بيع اللؤلؤ في الصدف ، وهو كذلك .

وصرح بعدم جواز بيع البيض في بطن الدجاج للجهالة ، وهو حسن ، إذا لم يعرف لذلك الدجاج فرد معتاد من البيض من حيث الكبر والصغر .

_________________________

( فالأولى ) تفاديا عن هذا الاشكال ( ان يباشر البائع ذلك ) الاختبار ( فيشم المشترى الخيط ) أو يقول البائع مقدما : ان المشترى برئ من النقص .

( ثم إن الظاهر من العلامة عدم جواز بيع اللؤلؤ في الصدف ، وهو كذلك ) لمعلومية اللؤلؤ غالبا عند أهله ، فلا يستلزم البيع الجهالة ، فيشمله دليل : أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، وشبهه .

( وصرح ) العلامة ( بعدم جواز بيع البيض في بطن الدجاج للجهالة ، وهو ) اى عدم الجواز ( حسن ، إذا لم يعرف لذلك الدجاج فرد معتاد من البيض من حيث الكبر والصغر ) والا كان مقتضى القاعدة الجواز لأنه لا جهالة في ذلك إذا كان الفرد المعتاد معلوما .

نعم : لو باع كل ما تبيضه هذه الدجاجة في مدة معينة ولم يعلم العدد ، لم يكن ذلك جائزا ، للجهالة .

ص: 242

مسئلة لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضم معلوم إليه وعدمه ،

لأن ضم المعلوم إليه لا يخرجه عن الجهالة ، فيكون المجموع مجهولا ، إذ لا نعنى بالمجهول ما كان كل جزء جزء منه مجهولا .

ويتفرع على ذلك أنه لا يجوز بيع سمك الآجام ولو كان مملوكا لجهالته

و

_________________________

( مسألة : لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضم معلوم إليه وعدمه ) كما لو باع ما في يده - من الجنس المجهول - وحده ، أو مع القلم المعلوم - مثلا - ( لأن ضم المعلوم إليه لا يخرجه عن الجهالة ، فيكون المجموع مجهولا ) .

ان قلت : كيف يكون المجموع مجهولا ، والحال ان بعض أجزائه معلوم .

قلت : ( إذ لا نعنى بالمجهول ما كان كل جزء جزء منه مجهولا ) بل جهالة بعض الأجزاء كافية في جهالة المبيع ، المانعة عن صحة ايقاع البيع عليه فان النتيجة تابعة لأخس المقدمتين .

وان شئت قلت : ان الظاهر من أدلة لزوم معلومية المبيع ان يكون كل أجزاؤه معلوما ، فإذا صار بعض الاجزاء مجهولا لم تشمله : أدلة الصحة .

( ويتفرع على ذلك ) لزوم العلم بالبيع ( انه لا يجوز بيع سمك الآجام ) جمع أجمة محل القصب والماء ( ولو كان ) ذلك السمك ( مملوكا لجهالته ) اى السمك (

ص: 243

ان ضم إليه القصب أو غيره .

ولا اللبن في الضرع ، ولو ضم إليه ما يحلب منه ، أو غيره على المشهور ، كما في الروضة ، وعن الحدائق ، وخص المنع جماعة بما إذا كان المجهول مقصودا بالاستقلال ، أو منضما إلى المعلوم .

وجوّزوا بيعه إذا كان تابعا للمعلوم ، وهو المحكى عن المختلف وشرح الارشاد لفخر الاسلام ، والمقتصر ، واستحسنه المحقق والشهيد الثانيان ، ولعل المانعين لا يريدون الا ذلك

_________________________

ان ضم إليه القصب أو غيره ) من الأشياء المعلومة .

( ولا ) يجوز بيع ( اللبن في الضرع ، ولو ضم إليه ما يحلب منه ) اى ما كان موجودا في الخارج ( أو غيره ) من الأمور المعلومة ( على المشهور ، كما في الروضة ، و ) حكى ( عن الحدائق ) الشهرة ( وخص المنع جماعة بما إذا كان المجهول مقصودا بالاستقلال ، أو منضما إلى المعلوم ) بان المقصود الأولى المجهول ، أو كان كل واحد من المعلوم والمجهول مقصودين بالانضمام .

( وجوزوا بيعه ) اى المجهول ( إذا كان تابعا للمعلوم ) كمن يشترى الدار ، فان أساسها مجهول لديه ، ومع ذلك يجوز البيع ، لأنه تابع لهيكل الدار الخارجي ( وهو المحكى عن المختلف ، وشرح الارشاد لفخر الاسلام ، والمقتصر ، واستحسنه المحقق ، والشهيد الثانيان ، ولعل المانعين ) عن بيع المجهول ( لا يريدون ) المنع ( الا ذلك ) المجهول التابع .

ص: 244

نظرا إلى أن جهالة التابع لا يوجب الغرر ، ولا صدق اسم المجهول على المبيع عرفا ، حتى يندرج في اطلاق ما دل من الاجماع على عدم جواز بيع المجهول فان أكثر المعلومات بعض أجزائها مجهول ، خلافا للشيخ في النهاية ، وابن حمزة في الوسيلة ، والمحكى عن الإسكافي ، والقاضي بل في مفتاح الكرامة ، ان الحاصل من التتبع ان المشهور بين المتقدمين هو الصحة ، بل عن الخلاف ، والغنية الاجماع في مسألة السمك واختاره من

_________________________

فالمانع أيضا يجوّز بيع المجهول إذا كان تابعا ( نظرا إلى أن جهالة التابع لا يوجب الغرر ) فلا مانع منه ( و ) كذلك ( لا ) يوجب ( صدق اسم المجهول على المبيع عرفا ) فلا يقال عند العرف : ان المبيع مجهول ( حتى يندرج ) المجهول التابع ( في اطلاق ما دلّ من الاجماع على عدم جواز بيع المجهول ) .

إذ المنصرف من المجهول في أدلة المنع ، المجهول المقصود بالأصل ، أو بالضميمة ( فان أكثر المعلومات بعض أجزائها مجهول ) كاشتراء الدار والدكان والبستان والحمام فان أسسها وعروق أشجارها مجهولة ، وكذلك الأجناس فان خصوصيات اللون والجنس والطعم والرائحة فيها مجهولة ، وهكذا ( خلافا للشيخ في النهاية ، وابن حمزة في الوسيلة ، والمحكى عن الإسكافي ، والقاضي بل في مفتاح الكرامة ، ان الحاصل من التتبع ان المشهور بين المتقدمين هو الصحة ) إذا كان المبيع مجهولا ( بل عن الخلاف ، والغنية الاجماع في مسألة السمك ) في الآجام ( واختاره من

ص: 245

المتأخرين المحقق الأردبيلي ، وصاحب الكفاية ، والمحدث العاملي ، والمحدث الكاشاني ، وحكى عن ظاهر غاية المراد ، وصريح حواشيه على القواعد ، وحجتهم على ذلك الأخبار المستفيضة الواردة في مسألتي السمك واللبن وغيرهما .

ففي مرسلة البزنطي - التي ارسالها كوجود سهل فيها سهل - عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا كانت أجمة ليس فيها قصب اخرج شيئا من سمك ، فباع وما في الأجمة .

ورواية معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال :

_________________________

المتأخرين المحقق الأردبيلي ، وصاحب الكفاية ، والمحدث ) الحرّ ( العاملي ، والمحدث الكاشاني ، وحكى عن ظاهر غاية المراد وصريح حواشيه على القواعد ، وحجتهم ) اى المجوزين ( على ذلك ) الجواز ( الأخبار المستفيضة الواردة في مسألتي السمك ) في الآجام ( واللبن ) في الضرع ( وغيرهما ) .

( ففي مرسلة البزنطي - التي ارسالها كوجود سهل فيها سهل - ) فان البزنطي من أصحاب الاجماع ، وسهل من مشايخ الإجازة ، فكلا الامرين لا يضرّان بحجية الرواية وصحة العمل بها خصوصا وان المشهور بين المتقدمين العمل بها ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا كانت أجمة ليس فيها قصب ) والمراد بالاجمة هنا الماء النزيز ( اخرج ) المالك للأجمة ( شيئا من سمك ) ليكون معلوما ( فباع ) المخرج ( وما في الأجمة ) فإنه من ضم المعلوم إلى المجهول

( ورواية معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال :

ص: 246

لا بأس بأن يشترى الآجام ، إذا كان فيها قصب .

والمراد شراء ما فيها بقرينة الرواية السابقة واللاحقة ورواية أبى بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في شراء الأجمة ليس فيها قصب ، انما هي ماء قال تصيد كفا من سمك ، تقول : اشترى منك هذا السمك ، وما في هذه الأجمة بكذا وكذا .

وموثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام - كما في الفقيه - قال سألته عن اللبن يشترى وهو في الضرع ، قال عليه السلام لا ، الا ان يحلب لك في سكرجة

_________________________

لا بأس بان يشترى الآجام إذا كان فيها قصب ) لان القصب معلوم ، فبيع السمك مع القصب يكون من باب ضم المعلوم إلى المجهول .

( والمراد ) بهذه الرواية ( شراء ما فيها ) من السمك ( بقرينة الرواية السابقة ، واللاحقة ، ورواية أبى بصير عن أبي عبد الله عليه السلام ، في شراء الأجمة ليس فيها قصب ) بل ( انما هي ماء ) فقط ، هل يجوز أم لا ؟

( قال : تصيد كفا من سمك ، تقول : اشترى منك هذا السمك ، وما في هذه الأجمة بكذا وكذا ) فان ذلك جائز .

( وموثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام - كما في الفقيه - قال سألته عن اللبن يشترى وهو في الضرع ، قال عليه السلام لا ، الا ان يحلب لك في سكرجة ) بضم السين والكاف والراء المشددة اناء صغير يكال فيه اللبن .

وظاهر الحديث املاء السكرجة باللبن لا حلب قليل من اللبن فيه

ص: 247

فتقول : اشتر منّى هذا اللبن الّذي في الاسكرجة وما في ضروعها بثمن مسمّى ، فإن لم يكن في الضرع شيء كان ما في السكرجة ، وعليها تحمل صحيحة العيص بن القاسم ، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل له نعم ، نبيع البانها بغير كيل ، قال : نعم حتى ينقطع ، أو شيء منها بناء على أن المراد بيع اللبن الّذي في الضرع بتمامه أو بيع شيء منه محلوب في الخارج ، وما بقي في الضرع بعد حلب شيء منه .

_________________________

- كما لا يخفى - ( فتقول : اشتر منّى هذا اللبن الّذي في الاسكرجة وما في ضروعها ) اى ضروع الحيوانات ( بثمن مسمّى ، فإن لم يكن في الضرع شيء كان ) المبيع ( ما في السكرجة ، وعليها تحمل صحيحة العيص بن القاسم ، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل له نعم ، نبيع البانها بغير كيل ، قال : نعم حتى ينقطع ) اى البان الضرع إلى أن ينتهى ( أو شيء منها ) .

وجه الدلالة ( بناء على أن المراد ) من « حتى ينقطع » ( بيع اللبن الّذي في الضرع بتمامه ) .

والمراد ب ( أو ) شيء منها ( بيع شيء منه محلوب في الخارج وما بقي في الضرع بعد حلب شيء منه ) .

كما لو حلب مقدار الثلث ، ثم باع المحلوب ، أو باع الثلثين في الضرع ، فان كليهما عبارة عن « بيع شيء منه » .

اما إذا كان المراد الحلب ، ثم الكيل والبيع حتى يتم ، أو الحلب ثم الكيل بمقدار خاص قبل ان يتم كل ما في الضرع ، فليس في الخبر .

ص: 248

وفي الصحيح إلى ابن محبوب عن أبي إبراهيم الكرخي ، قال قلت :

لأبي عبد الله عليه السلام ، ما تقول في رجل اشترى من رجل أصواف مائة نعجة وما في بطونها من حمل بكذا وكذا درهما ؟ قال : لا بأس ان لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف .

وموثقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يتقبل بخراج الرجال وجزية رؤوسهم وخراج النخل ، والشجر والآجام ، والمصائد ، والسمك والطير ، وهو لا يدرى ، لعله لا يكون شيء

_________________________

دلالة على المقصود هنا .

( وفي الصحيح إلى ابن محبوب عن أبي إبراهيم الكرخي قال قلت :

لأبي عبد الله عليه السلام ، ما تقول في رجل اشترى من رجل أصواف مائة نعجة وما في بطونها من حمل بكذا وكذا درهما ؟ ) فإنه ضم الصوف المعلوم إلى الحمل المجهول ( قال : لا بأس ان لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف ) فلا يكون ثمنه بلا مقابل .

( وموثقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يتقبل بخراج الرجال وجزية رؤوسهم ) عطف تفسير لخراج الرجال ، والمراد أهل الكتاب بأن يشترى الشخص من سلطان المسلمين جزية أهل الكتاب الساكنين في بعض المناطق بكمية من المال ، ثم يذهب هو فيجبى خراج الرؤوس ( وخراج النخل ، والشجر ، والآجام ، والمصائد ) اى الصحارى التي فيها تصاد الحيوانات البرية ( والسمك والطير ) يشترى كل ذلك من السلطان ( و ) الحال ( هو لا يدرى لعله لا يكون شيء

ص: 249

من هذا ابدا ، أو يكون ، أيشتريه وفي اىّ زمان يشتريه ؟ ويتقبل به ، قال عليه السلام إذا علم من ذلك شيئا واحدا انه قد أدرك ، فاشتره وتقبل به

وظاهر الأخيرين كموثقة سماعة ان الضميمة المعلومة انما تنفع من حيث عدم الوثوق بحصول المبيع لا من حيث جهالته ، فانّ ما في الاسكرجة غير معلوم بالوزن والكيل .

_________________________

من هذا ابدا ) في تلك البلاد والصحارى والمياه ، بان لا يكون كتابي ولا صيد وما أشبههما ( أو ) قد ( يكون ) شيء ( أيشتريه وفي اىّ زمان يشتريه ) قبل ادراك أوقات الخراج ، أو في حين الادراك .

مثلا : الجزية تؤخذ كل عام في شهر محرم ، أيشتري الجزية قبل محرم ؟ أو في شهر محرم ؟ ( ويتقبل به ) عطف تفسير ( قال عليه السلام إذا علم من ذلك شيئا واحدا انه قد أدرك ، فاشتره وتقبل به ) فان الظاهر أن بيع المجهول إذا كانت له ضميمة معلومة كان جائزا .

( وظاهر الأخيرين ك ) ظاهر ( موثقة سماعة ان الضميمة المعلومة انما تنفع من حيث عدم الوثوق بحصول المبيع ، لا من حيث جهالته ) لقوله عليه السلام « ان لم يكن في بطونها حبل » وقوله « لعله لا يكون شيء من هذا ابدا » ( فان ما في الاسكرجة غير معلوم بالوزن والكيل ) فليس من باب ضم المعلوم إلى المجهول .

أقول : لكنك عرفت ان الظاهر من الرواية ملاء السكرجة وهي كيل معلوم فلا يصح الاستدلال بهذه الرواية ، لأجل جواز بيع المجهول إذا ضم إلى المعلوم .

ص: 250

وكذا المعلوم الحصول من الأشياء المذكورة في رواية الهاشمي .

مع أن المشهور كما عن الحدائق : المنع عن بيع الأصواف على ظهور الغنم ، بل عن الخلاف ، عليه الاجماع .

والقائلون بجوازه استدلوا برواية الكرخي ، مع منعهم عن مضمونها من حيث ضم ما في البطون إلى الأصواف

_________________________

( وكذا المعلوم الحصول من الأشياء المذكورة في رواية الهاشمي ) فان الشيء الواحد المعلوم حصوله ، حيث قال عليه السلام « إذا علمت من ذلك شيئا واحدا » غير معلوم الخصوصيات ، فليس إجازة الإمام عليه السلام للاشتراء في صورة وجود واحد معلوم الحصول ، من باب ضم المجهول إلى المعلوم ، بل من باب ضم المعلوم الحصول المجهول القدر إلى المجهول الحصول وهذه مسألة أخرى .

( مع ) ان رواية ابن محبوب أيضا يمكن الاستدلال بها على المقصود ف ( ان المشهور كما عن الحدائق : المنع عن بيع الأصواف على ظهور الغنم ، بل عن الخلاف ، عليه ) اى على المنع ( الاجماع ) فالاجماع والشهرة يمنعان من العمل بهذه الرواية .

( والقائلون بجوازه ) وهم غير المشهور ( استدلوا برواية الكرخي ، مع منعهم عن مضمونها من حيث ضم ما في البطون إلى الأصواف ) إذ : في الرواية مخالفتان للقاعدة .

الأولى : جواز بيع المجهول مع الضميمة - وقد قال بهذا جمع غير مشهور - .

ص: 251

فتبين ان الرواية لم يقل أحد بظاهرها .

ومثلها في الخروج عن مسألة ضم المعلوم إلى المجهول روايتا أبى بصير والبزنطي ، فان الكف من السمك لا يجوز بيعه ، لكونه من الموزون ولذا جعلوه من الربويات .

و

_________________________

الثانية : جواز بيع ما لا يعلم وجوده إذا انضم إلى معلوم الوجود ، وهذا لم يقل به أحد .

( فتبين ان الرواية ) للكرخى ( لم يقل أحد بظاهرها ) فان هذه الروايات الثلاثة لا يمكن الاستدلال بها لمسألتنا التي عنونّاها في اوّل المسألة .

( ومثلها في الخروج عن مسألة ضم المعلوم إلى المجهول روايتا أبى بصير والبزنطي ، فان الكف من السمك ) الّذي اعتبر في الروايتين معلوما فيكون مجوّزا لبيع المجهول ( لا يجوز بيعه ) بنفسه ( لكونه ) غير موزون الآن في الكف ، والحال انه ( من الموزون ) فبيعه منفرد الا يجوز حسب القاعدة .

( ولذا ) الّذي انه موزون ( جعلوه من الربويات )

ومن المعلوم : ان الربا انما هو في المكيل والموزون لا في الأشياء التي تباع اعتباطا .

( و ) ان قلت : فكيف اجزتم بيع سمك الآجام ، والحال انه موزون ولا يدخله الوزن في الأجمة .

ص: 252

لا ينافي ذلك تجويز بيع سمك الآجام إذا كانت مشاهدة لاحتمال ان لا يعتبر الوزن في بيع الكثير منه كالذي لا يدخل في الوزن لكثرته كزبرة الحديد بخلاف القليل منه .

واما رواية معاوية بن عمار ، فلا دلالة فيها على بيع السمك الا بقرينة روايتي أبى بصير والبزنطي اللتين عرفت حالهما فتأمل ، ثم على تقدير الدلالة

_________________________

قلت : ( لا ينافي ذلك ) الّذي ذكرنا من أن السمك موزون ( تجويز بيع سمك الآجام إذا كانت مشاهدة ) يراها الانسان في الجملة ( لاحتمال ان لا يعتبر الوزن في بيع الكثير منه كالذي لا يدخل في الوزن لكثرته ) دائما ( كزبرة الحديد ، بخلاف القليل منه ) اى من السمك .

( واما رواية معاوية بن عمار ، فلا دلالة فيها على بيع السمك الا بقرينة روايتي أبى بصير والبزنطي اللتين عرفت حالهما ) .

وإذا سقطتا سقطت عن الدلالة أيضا ( فتأمل ) فانا إذا لم نقل بدلالة هذه الروايات ، فعلى اىّ شيء تحمل ؟ وهل يمكن طرحها بعد صحة السند ووضوح الظهور فيها وعمل المشهور بها ؟

منتهى الأمر ان الروايات تدل على أزيد مما عنونّا المسألة به .

وذلك لدلالتها على جواز ضم المعلوم إلى المجهول من حيثين ، حيث الجهل بالوجود وحيث الجهل بالمقدار ومن جهتين جهة ان المعلوم غير موزون مع أنه موزون عادة ، وجهة ان المعلوم موزون الآن كما في رواية السكرجة .

( ثم على تقدير الدلالة ) في هذه الروايات ، ان أريد العمل بها في مواردها فلا تنفع القاعدة الكلية ،

ص: 253

ان أريد انتزاع قاعدة منها وهي جواز ضم المجهول إلى المعلوم ، وان كان المعلوم غير مقصود بالبيع الا حيلة لجواز نقل المجهول .

فلا دلالة فيها على ذلك .

ولم يظهر من العاملين بها التزام هذه القاعدة بل المعلوم من بعضهم بل كلّهم خلافه فانا نعلم من فتاواهم عدم التزامهم لجواز بيع كل مجهول من حيث الوصف أو التقدير بمجرد ضم شيء معلوم إليه كما يشهد به تتبع كلماتهم .

وان أريد الاقتصار على مورد النصوص ، وهو بيع سمك الآجام ولبن الضرع وما في

_________________________

( ان أريد انتزاع قاعدة منها وهي جواز ضم المجهول إلى المعلوم ، وان كان المعلوم غير مقصود بالبيع الا حيلة ) وتوصلا ( لجواز نقل المجهول ) « لجواز » متعلق ب « حيلة » .

( فلا دلالة فيها ) اى في هذه الروايات ( على ذلك ) الّذي يراد انتزاعه من القاعدة الكلية .

( ولم يظهر من العاملين بها ) اى بهذه الروايات ( التزام هذه القاعدة ) الكلية ( بل المعلوم من بعضهم ، بل كلّهم خلافه ، فانا نعلم من فتاواهم عدم التزامهم لجواز بيع كل مجهول من حيث الوصف ) كما لو لم يعلموا ان الدابة ذكر أو أنثى ، والسمك جيد أو ردئ ( أو التقدير ) كما لو لم يعلموا كيله أو وزنه ( بمجرد ضم شيء معلوم إليه ، كما يشهد به تتبع كلماتهم ) حيث إنهم لا يقولون بذلك .

( وان أريد الاقتصار على مورد النصوص وهو بيع سمك الآجام ولبن الضرع وما في

ص: 254

البطون مع الأصواف فالامر سهل على تقدير الاغماض عن مخالفة هذه النصوص للقاعدة ، المجمع عليها بين الكل ، من عدم جواز بيع المجهول مطلقا .

بقي الكلام في توضيح التفصيل المتقدم وأصله من العلامة ، قال في القواعد في باب شرط العوضين : كل مجهول مقصود بالبيع ، لا يصح بيعه وان انضم إلى المعلوم ويجوز مع الانضمام إلى معلوم ، إذا كان تابعا انتهى .

وارتضى هذا التفصيل جماعة ممن تأخر عنه ، الا ان مرادهم من المقصود ، والتابع غير واضح

_________________________

البطون مع الأصواف ) بالكيفية التي ذكرت في الروايات ( فالامر سهل على تقدير الاغماض عن مخالفة هذه النصوص للقاعدة ، المجمع عليها بين الكل من عدم جواز بيع المجهول مطلقا ) .

وانما يسهل الامر لوجود النصوص الظاهرة وعمل المشهور بها .

اما على تقدير عدم الاغماض فلا اشكال أيضا ، لأنها ليست قاعدة عقلية غير قابلة للتخصيص ، حتى لا تتمكن هذه النصوص من تخصيصها - كما لا يخفى -

( بقي الكلام في توضيح التفصيل المتقدم ) بين كون المعلوم تابعا ، أو متبوعا أو مساويا للمجهول ( وأصله ) اى أصل هذا التفصيل ( من العلامة قال في القواعد في باب شرط العوضين : كل مجهول مقصود بالبيع لا يصح بيعه وان انضم ) ذلك المجهول ( إلى المعلوم ) إذا كان المجهول أصلا أو مساويا ( ويجوز ) بيعه ( مع الانضمام إلى معلوم إذا كان ) المجهول ( تابعا ، انتهى ) .

( وارتضى هذا التفصيل جماعة ممن تأخر عنه ، الا ان مرادهم من المقصود ) في قولهم « إذا كان مقصودا » ( والتابع ) في قولهم « إذا كان تابعا » ( غير واضح )

ص: 255

والّذي يظهر من مواضع من القواعد والتذكرة : ان مراده بالتابع ما يشترط دخوله في البيع وبالمقصود ما كان جزءا .

قال في القواعد - في باب الشرط في ضمن البيع - لو شرط ان الأمة حامل أو الدابة كذلك صح اما لو باع الدابة وحملها ، والجارية وحملها بطل لان كل ما لا يصح بيعه منفرد الا يصح جزءا من المقصود ويصح تابعا ، انتهى .

وفي باب ما يندرج في المبيع ، قال السادس العبد ، ولا يتناول ماله الّذي ملكه مولاه ، الا ان يستثنيه المشترى ان قلنا إن العبد يملك .

فينتقل إلى المشترى

_________________________

( والّذي يظهر من مواضع من القواعد والتذكرة : ان مراده بالتابع ما يشترط دخوله في البيع ) كما لو قال : بعتك هذه الدار بشرط هذه النخلة التي هي خارجها ( وبالمقصود ما كان جزءا ) للمبيع .

( قال في القواعد - في باب الشرط في ضمن البيع - لو شرط ) المشترى على البائع ( ان الأمة حامل ، أو الدابة كذلك ) حامل ( صح اما لو باع الدابة وحملها والجارية وحملها بطل ) بان كان الحمل جزء المبيع ( لان كل ما لا يصح بيعه منفرد الا يصح جزءا من المقصود و ) لكن ( يصح تابعا ) اى بعنوان الشرط ونحوه ( انتهى ) كلام القواعد .

( وفي باب ما يندرج في المبيع قال السادس العبد ) إذا باعه المولى ( ولا يتناول ) لفظ « العبد » ( ماله الّذي ملكه مولاه ) فلا يملك المشترى أموال العبد إذا اشترى العبد ( الا ان يستثنيه المشترى ) بان يقول : اشترى العبد منك وما يملكه ( ان قلنا إن العبد يملك ) وان قلنا بعدم ملك العبد أصلا فلا مجال لهذه المسألة أصلا ( ف ) إذا شرط المشترى انتقال مال العبد مع العبد إليه ( ينتقل ) المال ( إلى المشترى

ص: 256

مع العبد وكان جعله للمشترى ابقاء له على العبد فيجوز ان يكون مجهولا أو غائبا

اما إذا أحلنا تملكه ، وباعه وما معه ، صار جزءا من المبيع ، فيعتبر فيه شرائط البيع ، انتهى .

وبمثل ذلك في الفرق بين جعل المال شرطا ، وبين جعله جزءا صرح في التذكرة في فروع مسألة تملك العبد وعدمه معللا بكونه مع الشرط كماء الآبار وأخشاب السقوف .

_________________________

مع العبد ، وكان جعله ) اى المال ( للمشترى ابقاء له على العبد ) اى ان العبد يستمر في مالكيته للمال ( فيجوز ان يكون ) المال ( مجهولا أو غائبا ) بخلاف ما إذا بيع المال مستقلا ، فإنه يلزم ان يكون معلوما .

والمراد بالغائب عدم الاحتياج إلى القبض فيما يتوقف البيع فيه إلى القبض في المجلس ، أو نحو ذلك .

( اما إذا أحلنا تملكه ) اى قلنا : بان ملك العبد محال ( وباعه وما معه ، صار ) المال ( جزءا من المبيع ) لا تابعا ، كالمسألة السابقة ( فيعتبر فيه ) اى في مال العبد ( شرائط البيع ، انتهى ) كلام العلامة .

( وبمثل ذلك في الفرق بين جعل المال شرطا ، وبين جعله جزءا ) وان الأول لا يحتاج إلى توفر شرائط البيع في المال ، دون الثاني فإنه يشترط فيه توفر شرائط البيع ( صرح في التذكرة في فروع مسألة تملك العبد وعدمه ) اى ان العبد هل يملك ، أم لا ؟ ( معللا ) الفرق وعدم لزوم توفر الشرائط في الشرط ( بكونه ) اى المال ( مع الشرط ، كماء الآبار وأخشاب السقوف ) فان المشترى للدار ، لا يلزم ان يعلم بمقدار

ص: 257

وقال في التذكرة أيضا - في باب شروط العوضين - لو باع الحمل مع أمّه جاز اجماعا .

وفي موضع من باب الشرط في العقد : لو قال : بعتك هذه الدابة وحملها ، لم يصح عندنا ، لما تقدم من أن الحمل لا يصح جعله مستقلا بالشراء ولا جزءا .

وقال أيضا : ولو باع الحامل ويشترط للمشترى الحمل ، صح ، لأنه تابع كأساس الحيطان ، وان لم يصح ضمه في البيع مع الام ،

_________________________

ماء البئر الموجودة في الدار ، ولا خصوصية أخشاب السقف ، بخلاف ما إذا أراد ان يشترى الماء والخشب - مثلا - .

( وقال في التذكرة أيضا - في باب شروط العوضين - لو باع الحمل مع أمه جاز اجماعا ) لأنه تابع ، فهو كالشرط وليس جزءا .

( و ) قال ( في موضع من باب الشرط في العقد : لو قال : بعتك هذه الدابة وحملها ، لم يصح عندنا ) معاشر الشيعة ، أو المراد عند نفس العلامة ( لما تقدم من أن الحمل لا يصح جعله مستقلا بالشراء ولا جزءا ) لأنه مجهول ، والمجهول لا يصح بيعه مستقلا بالشراء ولا جزءا من المبيع .

( وقال ) العلامة ( أيضا : ولو باع الحامل ويشترط للمشترى الحمل ، صح ، لأنه تابع كأساس الحيطان ) فان المشترى لا يعلم كم مقدار الأساس ، وما كيفيته ، ولكنه حيث صار تابعا لشراء الدار ، وما أشبه ، صح بيعه ، ولم يضره الجهل ( وان لم يصح ضمه ) اى الحمل ( في البيع مع الام

ص: 258

للفرق بين الجزء والتابع .

وقال في موضع آخر : لو قال : بعتك هذه الشياه وما في ضرعها من اللبن لم يجز عندنا .

وقال في موضع آخر : لو باع دجاجة ذات بيضة وشرطها ، صح ، وان جعلها جزءا من البيع ، لم يصح .

وهذه كلها صريحة في عدم جواز ضم المجهول على وجه الجزئية ، من غير فرق بين تعلق الغرض الداعي بالمعلوم أو المجهول .

وقد ذكر هذا المحقق الثاني في جامع المقاصد في مسئلة اشتراط دخول

_________________________

للفرق بين الجزء ) فيلزم العلم به ( والتابع ) فلا يلزم العلم به .

( وقال في موضع آخر : لو قال : بعتك هذه الشياه وما في ضرعها من اللبن ) بجعل اللبن جزءا ( لم يجز عندنا ) .

( وقال في موضع آخر : لو باع دجاجة ذات بيضة وشرطها ) اى شرط أن تكون البيضة الموجودة في باطن الدجاجة ملكا للمشترى ( صح ) البيع ( وان جعلها جزءا من البيع ، لم يصح ) انتهت عبارات العلامة .

( وهذه ) العبارات ( كلها صريحة في عدم جواز ضم المجهول على وجه الجزئية ) مما ينافي ما تقدم من ظاهر الروايات الدالة على الجواز ( من غير فرق بين تعلق الغرض الداعي ) إلى الاشتراء ( بالمعلوم أو المجهول ) .

( وقد ذكر هذا ) اى عدم الجواز ( المحقق الثاني في جامع المقاصد في مسئلة اشتراط دخول

ص: 259

الزرع في بيع الأرض ، قال : وما قد يوجد في بعض الكلام من أن المجهول ان جعل جزءا من المبيع لا يصح ، وان اشترط ، صح ، ونحو ذلك فليس بشيء ، لأن العبارة لا اثر لها ، والمشروط محسوب من جملة المبيع .

ولأنه لو باع الحمل والام ، صح البيع ، ولا يتوقف على بيعها واشتراطه ، انتهى .

وهو

_________________________

الزرع في بيع الأرض ) بان يبيع الأرض وزرعها على نحو الجزئية أو الشرطية ( قال ) المحقق ( وما قد يوجد في بعض الكلام من أن المجهول ان جعل جزءا من المبيع لا يصح ، وان اشترط ) المجهول في البيع بان كان تابعا ، لا جزءا ( صح ) البيع ( ونحو ذلك ) من العبارات الدالة على الفرق بين الجزء والشرط ( فليس بشيء ، لان العبارة ) بجعل لفظ الشرط مكان لفظ الجزء ، عند المعاملة ( لا اثر لها ، والمشروط ) أيضا ( محسوب من جملة المبيع ) فاللازم العلم به .

ثم ما ذكره البعض : من أنه لو جعل الحمل جزءا لم يصح البيع أيضا غير تام .

( و ) ذلك ( لأنه لو باع الحمل والام ، صح البيع ، ولا يتوقف على بيعها ) اى بيع الام ( واشتراطه ) اى اشتراط الحمل ، يعنى لا يتوقف صحة بيع الام على اشتراط الحمل ، بل يصح بيع الام وان جعل الحمل جزءا ( انتهى ) كلام جامع المقاصد .

( وهو ) اى ما ذكره المحقق الثاني من أنه يشترط في الشرط أيضا

ص: 260

الظاهر من الشهيدين في اللمعة والروضة حيث اشترطا في مال العبد المشروط دخوله في بيعه استجماعه لشروط البيع ، وقد صرح الشيخ في مسئلة اشتراط مال العبد اعتبار العلم بمقدار المال .

وعن الشهيد لو اشتراه وماله صح ، ولم يشترط علمه ولا التفصي من الربا ان قلنا إنه يملك ، وان أحلنا ملكه اشترط .

قال في الدروس : لو جعل الحمل جزءا من المبيع ، فالأقوى

_________________________

المعلومية - خلافا للعلامة - هو ( الظاهر من الشهيدين في اللمعة ، والروضة حيث اشترطا ) الشهيدان ( في مال العبد المشروط دخوله ) اى دخول ذلك المال ( في بيعه ) اى في بيع العبد ( استجماعه لشروط البيع ، وقد صرح الشيخ ) أيضا ( في مسئلة اشتراط مال العبد اعتبار العلم بمقدار المال ) .

( و ) لكن ( عن الشهيد ) الأول ، عكس ذلك ، وانه لا يشترط العلم حتى في صورة جعل مال العبد جزءا لا شرطا .

ف ( لو اشتراه وماله صح ، ولم يشترط علمه ) اى علم المشترى بمقدار المال وخصوصياته ( ولا التفصي من الربا ) كما لو كان عند العبد أوقية من الذهب فاشتراهما المشترى بأوقيتين .

وانما صح الاشتراء للعبد وماله ( ان قلنا إنه يملك ، وان أحلنا ملكه ) بان قلنا : ان ملك العبد محال ( اشترط ) علم المشترى بمال العبد كما وكيفا ، وعدم لزوم الربا .

( قال ) الشهيد ( في الدروس : لو جعل الحمل جزءا من المبيع ، فالأقوى

ص: 261

الصحة لأنه بمنزلة الاشتراط .

ولا يضر الجهالة ، لأنه تابع ، انتهى ، واختاره جامع المقاصد .

ثم التابع في كلام هؤلاء يحتمل ان يراد به ما يعد في العرف تابعا ، كالحمل مع الام ، واللبن مع الشاة ، والبيض مع الدجاج ، ومال العبد معه ، والباغ في الدار ، والقصر في البستان ونحو ذلك مما نسب البيع عرفا إلى المتبوع ، لا إليهما معا ، وان فرض تعلق الغرض الشخصي بكليهما في بعض الأحيان ، بل بالتابع خاصة كما قد يتفق

_________________________

الصحة لأنه بمنزلة الاشتراط ) فكما يصح الشرط كذلك يصح الجزء .

( ولا تضر الجهالة ) بالحمل ( لأنه ) اى الحمل ( تابع ) وجهالة التابع ليست بضارة ( انتهى ، واختاره جامع المقاصد ) هذه جملة من كلماتهم التي عرفت انها على ثلاثة أقسام تجويز التابع والجزء ، وعدم تجويزهما ، وتجويز التابع دون الجزء .

( ثم التابع في كلام هؤلاء يحتمل ان يراد به ما يعد في العرف تابعا ، كالحمل مع الام ، واللبن مع الشاة ، والبيض مع الدجاج ، ومال العبد معه ) اى مع العبد ( والباغ ) اى الكرم شجرة العنب ( في الدار ، والقصر ) اى الدار الموجودة ( في البستان ، ونحو ذلك ) من التوابع ( مما نسب البيع عرفا إلى المتبوع ) فيقال : اشترى الشاة والدجاج ، وهكذا ( لا إليهما معا ) فلا يقال : اشترى الشاة والحمل ، وهكذا ( وان فرض تعلق الغرض الشخصي بكليهما ) التابع والمتبوع ( في بعض الأحيان ) « ان » وصلية ( بل ) وان تعلق الغرض الشخصي ( بالتابع خاصة ) في بعض الأحيان ( كما قد يتفق

ص: 262

في حمل بعض افراد الخيل ، وهذا هو الظاهر من كلماتهم في بعض المقامات ، كما تقدم عن الدروس ، وجامع المقاصد من صحة بيع الام ، وحملها ، لان الحمل تابع .

قال في جامع المقاصد في شرح قوله المتقدم في القواعد ويجوز مع الانضمام إلى معلوم ، إذا كان تابعا ان اطلاق العبارة يشمل ما إذا شرط حمل دابة في بيع دابة أخرى .

الا ان يقال التبعية انما يتحقق مع الام ، لأنه حينئذ بمنزلة بعض اجزائها .

_________________________

بعض افراد الخيل ، وهذا ) اى كون مرادهم بالتابع ، ما يعد في العرف تابعا ( هو الظاهر من كلماتهم في بعض المقامات ، كما تقدم عن الدروس وجامع المقاصد من صحة بيع الام وحملها ، لان الحمل تابع ) عرفا .

( قال في جامع المقاصد في شرح قوله المتقدم في القواعد ويجوز مع الانضمام إلى معلوم ، إذا كان تابعا ) قال ( ان اطلاق العبارة يشمل ما إذا شرط حمل دابة في بيع دابة أخرى ) كما لو كان لزيد دابتان ، إحداهما حامل : ثم باع الحامل وشرط المشترى عليه في ضمن البيع اعطاء الحمل له أيضا .

( الا ان يقال ) لا يشمل اطلاق العبارة هذا الفرد لان ( التبعية انما يتحقق مع الام ، لأنه ) اى الحمل ( حينئذ ) اى حين بيعه مع الام ( بمنزلة بعض اجزائها ) اى اجزاء الام .

اما اشتراط الحمل مع غير الام فلا يصح .

ص: 263

ومثله زخرفة جدران البيت ، انتهى .

وفي التمثيل نظر ، لخروج زخرفة الجدران من محل الكلام في المقام ، الا ان يريد مثال الاجزاء ، لا مثال التابع .

لكن هذا ينافي ما تقدم من اعتبارهم العلم في مال العبد ، وفاقا للشيخ ره ، مع أن مال العبد تابع عرفى ، كما صرح به في المختلف في مسئلة بيع العبد واشتراط ماله .

_________________________

( ومثله ) اى الدابة في صحة بيع الحمل تابعا لها ( زخرفة جدران البيت ) فإنها تصح تابعا للبيت ، ولا تصح تابعا لبيت آخر .

إذ المراد بالزخرفة ليس مجرد النقش ، بل الاجزاء من خشب وفضة وما أشبه مما يزخرف بها البيت ( انتهى ) كلام جامع المقاصد .

( وفي التمثيل ) بزخرفة البيت ( نظر ، لخروج زخرفة الجدران من محل الكلام في المقام ) .

أقول : الظاهر أن المصنف ره لم يعط المثال حقه ، والا فالارتباط بين المثالين - على ما ذكرنا - ظاهر ( الا ان يريد مثال الاجزاء ، لا مثال التابع ) لان الزخرفة جزء من البيت ، وليست تابعة له .

( لكن هذا ) اى كون مرادهم بالتابع ما يعد في العرف تابعا : وانه لا يلزم العلم به ( ينافي ما تقدم من اعتبارهم العلم في مال العبد ، وفاقا للشيخ ره ) فان التابع لو كان مستثنى عن اشتراط العلم به ، فلم ذكروا لزوم العلم بمال العبد فيما إذا أراد ان يشتريه مع ماله ؟ ( مع أن مال العبد تابع عرفى ، كما صرح به في المختلف في مسئلة بيع العبد واشتراط ماله )

ص: 264

ويحتمل ان يكون مرادهم التابع بحسب قصد المتبايعين ، وهو ما يكون المقصود بالبيع غيره ، وان لم يكن تابعا عرفيا ، كمن اشترى قصب الآجام ، وكان فيها قليل من السمك ، أو اشترى سمك الآجام وكان فيها قليل من القصب .

وهذا أيضا قد يكون كذلك بحسب النوع ، وقد يكون كذلك بحسب الشخص ، كمن أراد السمك القليل لأجل حاجة لكن لم يتهيأ له شرائه الا في

_________________________

للمشترى .

( ويحتمل ان يكون مرادهم ) بالتابع - لا التابع العرفي ، كما هو الاحتمال السابق - بل ( التابع بحسب قصد المتبايعين ، وهو ما يكون المقصود بالبيع غيره ، وان لم يكن تابعا عرفيا ، كمن اشترى قصب الآجام ، وكان فيها قليل من السمك ) فان السمك ليس تابعا للقصب الا ان المشترى حيث كان قصده من الاشتراء القصب كان السمك تابعا في قصده ( أو اشترى سمك الآجام وكان فيها قليل من القصب ) وهذان المثالان فيما إذا اشترى السمك أو القصب ، والا لم يكن الآخر تابعا له ، كما لا يخفى .

( وهذا ) المعنى للتابع ( أيضا ) كالمعنى السابق ( قد يكون كذلك بحسب النوع ) كما أن النوع إذا اشترى القصب لم يقصد السمك القليل ( وقد يكون كذلك ) المقصود غيره ( بحسب الشخص ، كمن أراد السمك القليل ) فلم يكن السمك خارجا عن قصده .

وانما أراد السمك ( لأجل حاجة لكن لم يتهيأ له شرائه ) اى شراء السمك ( الا في

ص: 265

ضمن قصبة الأجمة .

والأول هو الظاهر من مواضع من المختلف ، منها في بيع اللبن في الضرع مع المحلوب منه حيث حمل رواية سماعة المتقدمة على ما إذا كان المحلوب يقارب الثمن ، ويصير أصلا والّذي في الضرع تابعا .

_________________________

ضمن قصبة الأجمة ) فان القصد في البيع والشراء منصب على القصب ، وان كان المشترى أراد السمك أيضا .

ولا يخفى ما في مقابلة النوع والشخص - في العبارة - من الاشكال .

لأنه ان أراد في العبارة « عدم القصد » فيرد عليه ان الشخص مقصود .

وان أراد في العبارة « القصد » فيرد عليه ان النوع غير مقصود .

اللهم الا ان يريد ان كون الشيء تابعا حسب قصد المتعاملين ، قد يكون تابعا حسب قصد نوع المتعاملين وقد يكون تابعا حسب قصد شخص المتعاملين .

والثاني كمن أراد السمك القليل ، فتأمل .

( و ) المعنى ( الأول ) للتابع وهو مراعاة الفرض النوعي ( هو الظاهر من مواضع من المختلف ، منها في بيع اللبن في الضرع مع المحلوب منه ) بان يبيع المحلوب والموجود في الضرع معا ( حيث حمل ) العلامة ( رواية سماعة المتقدمة على ما إذا كان المحلوب يقارب الثمن ، ويصير أصلا ) للبيع نوعا ( والّذي في الضرع تابعا ) .

فان المراد بذلك التابع النوعي ، لا انه تابع شخصي - كما هو المعنى الثاني للتابع - .

ص: 266

وقال في مسألة بيع ما في بطون الانعام مع الضميمة والمعتمدان نقول إن كان الحمل تابعا ، صح البيع ، كما لو باعه الام وحملها ، أو باعه ما يقصد مثله بمثل الثمن وضم الحمل ، فهذا لا بأس به والا كان باطلا .

واما الاحتمال الثاني اعني مراعاة الغرض الشخصي للمتبايعين ، فلم نجد عليه شاهدا ، الا ثبوت الغرر ، على تقدير تعلق الغرض الشخصي بالمجهول ، وانتفائه على تقدير تعلقه بالمعلوم ، ويمكن تنزيل اطلاقات عبارات المختلف عليه

_________________________

( وقال ) العلامة ( في مسألة بيع ما في بطون الانعام مع الضميمة ) قال : ( والمعتمد ان نقول إن كان الحمل تابعا ، صح البيع ، كما لو باعه الام وحملها ) فان الحمل مقصود حينئذ ، ولكن ليس أصلا ، بل تابعا نوعا ( أو باعه ) اى باع البائع للمشترى ( ما يقصد مثله ) - اى المثمن الّذي يكون مقصود للناس - ( بمثل الثمن ) كما لو أعطاه الشاة بدينار ، وقال :

المقصود عرفا من الشاة المقابل بالدينار هو المبيع لك أيها المشترى ( وضم الحمل ) إلى المثمن ( فهذا لا بأس به ) فإنه قصد التابع ( والا ) يقصد تبعية الحمل ( كان باطلا ) لان الحمل مجهول ، فجعله مثمنا يوجب جهالة المبيع .

( واما الاحتمال الثاني اعني مراعاة الغرض الشخصي للمتبايعين ، فلم نجد عليه شاهدا ) ودليلا ( الا ثبوت الغرر ، على تقدير تعلق الغرض الشخصي بالمجهول ، وانتفائه ) اى الغرر ( على تقدير تعلقه بالمعلوم :

ويمكن تنزيل اطلاقات عبارات المختلف عليه ) اى على الغرض الشخصي

ص: 267

كما لا يخفى .

وربما احتمل بعض ، بل استظهر ان مرادهم بكون المعلوم مقصودا والمجهول تابعا كون المقصود بالبيع ذلك المعلوم بمعنى الاقدام منهما - ولو لتصحيح البيع -

_________________________

( كما لا يخفى ) .

( وربما احتمل بعض ) وهو صاحب الجواهر ( بل استظهر ) اى قال إن الظاهر من كلامهم ( ان مرادهم بكون المعلوم مقصودا ، والمجهول تابعا ) ليصح بيع المجهول ، ان يكون التباني من المتبايعين والمجعول في مقابل الثمن هو الشيء المعلوم ، ويكون الشيء المجهول تابعا له ومنزلا منزلته ، وان لم يكن كذلك بحسب العرف وبحسب غرض المتعاقدين وبحسب الظاهر من لفظ العقد .

فإذا قال البائع : بعتك القصب بضميمة السمك - وكان غرضهما من الاشتراء في الواقع للقصب - رأى العرف ان المبيع هو القصب ، وكان القصب غرض المتعاقدين ، وكان القصب هو الظاهر من اللفظ ، الا ان التباني حيث كان على جعل السمك مبيعا ، كان البيع باطلا ، لأنه مجهول .

وعليه فليس المعيار العرف ، ولا الغرض ، ولا اللفظ وانما التباني والجعل .

فمراد هم بكون المعلوم مقصود أو المجهول تابعا ( كون المقصود بالبيع ذلك المعلوم ) لا المجهول ( بمعنى الاقدام منهما - ولو لتصحيح البيع - )

اى ان هذا الاقدام ليس لان الغرض الأولى هو المعلوم ، بل لأجل

ص: 268

على أن المبيع المقابل بالثمن هذا المعلوم الّذي هو وان سمى ضميمة ، لكنه المقصود في تصحيح البيع .

قال ولا ينافيه كون المقصود بالنسبة إلى الغرض ، ما فيه الغرر ، نظير ما يستعمله بعض الناس في التخلص من المخاصمة ،

_________________________

ان يكون البيع صحيحا - حيث يعلمان بأنه إذا جعلا المجهول مقابلا للمثمن بطل الثمن - ( على أن المبيع المقابل بالثمن ) هو ( هذا المعلوم ) « على » متعلق ب « الاقدام » ( الّذي هو ) « مبتدأ » ( وان سمى ) في العبارة ( ضميمة ، لكنه المقصود في تصحيح البيع ) « لكنه » بمنزلة « الخبر » .

فالغرض مثلا السمك ، لكنه حيث كان مجهولا ، وعلما ان السمك لو جعل مثمنا بطل البيع ، تحايلا بجعل القصب « في لفظ العقد » مثمنا .

( قال ) الجواهر ( ولا ينافيه ) اى لا ينافي كون البيع صحيحا إذا أوقع البيع على المعلوم ، وان كان الغرض الأصلي لهما من المبايعة الشيء المجهول ( كون المقصود بالنسبة إلى الغرض ) اى كون الغرض المقصود حقيقة ( ما فيه الغرر ) لأنه مجهول .

وانما لا ينافي ، لان المعيار في المعاملات ما انصب عليه العقد لا ما كان الغرض المحرك للعقد .

فإذا كان الغرض المحرك لعقد هذه الامرأة التصرف في مالها وتحصيل الجاه المتعلق بها ، لم يكن ذلك داخلا في عقد النكاح المنصب عليها .

فالامر في المقام ( نظير ما يستعمله بعض الناس في التخلص من المخاصمة )

ص: 269

بعد ذلك في الّذي يراد بيعه لعارض من العوارض بايقاع العقد على شيء معين معلوم لا نزاع فيه ، وجعل ذلك من التوابع واللواحق لما عقد عليه البيع .

فلا يقدح حصوله وعدم حصوله كما أو في إليه في ضميمة الآبق ، وضميمة الثمر على الشجر ، وضميمة ما في الضروع ، وما في الآجام ،

_________________________

المحتملة ( بعد ذلك ) اى بعد العقد ( في الّذي يراد بيعه ) « في » متعلق ب « يستعمله » ( لعارض من العوارض ) « لعارض » متعلق ب « المخاصمة » .

اى لأجل التجنب من المخاصمة المحتملة التي تحصل لعارض من العوارض ( بايقاع العقد ) متعلق ب « التخلص » ( على شيء معين معلوم لا نزاع فيه ، وجعل ذلك ) المحتمل التخاصم فيه ( من التوابع واللواحق لما عقد عليه البيع ) « لما » متعلق ب « اللواحق » .

( فلا يقدح حصوله ) اى ذلك الشيء المقصود اصالة ( وعدم حصوله ) لا يقدح بعد ان جعل تابعا ( كما اومى إليه ) إلى التخلص عن المشكلة بجعل الشيء المقصود تابعا ( في ضميمة الآبق ) لشيء آخر وحسب البيع على ذلك الشيء الآخر ، مع أن الآبق هو المقصود بالبيع ( وضميمة الثمر على الشجر ) لشيء آخر حيث إن مقدار الثمن ليس معلوما ، فلا يصح بيعه الا منضما إلى شيء آخر ( وضميمة ما في الضروع ) من اللبن ( وما في الآجام ) من السمك إلى شيء آخر ليصح بيع لبن الضرع ، وسمك الآجام .

ص: 270

انتهى .

ولا يخفى انه لم يوجد عبارة من عبائرهم تقبل هذا الحمل الا ان يريد بالتابع : جعل المجهول شرطا والمعلوم مشروطا .

فيريد ما تقدم عن القواعد والتذكرة ولا أظن إرادة ذلك من كلامه بقرينة استشهاده باخبار الضميمة في الموارد المتفرقة ،

_________________________

والحاصل ان التخلص من مشكلة عدم صحة البيع لأجل جهل المبيع يحصل بجعل المجهول تابعا .

كما أن التخلص من مشكلة عدم حصول العبد الآبق الموجب للتخاصم يحصل بجعل العبد ضميمة - وفي كلا الامرين المقصود الأصل التابع والضميمة - .

وانما جعل الشارع هذين الطريقين ، لأجل الخلاص من الاشكال الوارد لو حسب العقد على المجهول وعلى الآبق ابتداءً ( انتهى ) كلام الجواهر .

( ولا يخفى انه لم يوجد عبارة من عبائرهم تقبل هذا الحمل ) بان يراد بالتابع : التابع في الجعل والبناء ، لا التابع عرفا أو فرضا ( الا ان يريد ) الجواهر ( بالتابع : جعل المجهول شرطا ) لا جزءا ( والمعلوم مشروطا ) فعبائرهم تحتمل هذا المعنى للتابع .

( فيريد ما تقدم عن القواعد والتذكرة ولا أظن إرادة ذلك ) المعنى اى الشرط ( من كلامه ) اى كلام الجواهر ( بقرينة استشهاده ) اى الجواهر ( باخبار الضميمة في الموارد المتفرقة ) الحمل واللبن والملك فإنها

ص: 271

والأوفق بالقواعد ان يقال : اما الشرط والجزء فلا فرق بينهما من حيث لزوم الغرر بالجهالة .

واما قصد المتبايعين بحسب الشخص

_________________________

اجزاء وليست شروطا .

( والأوفق بالقواعد ) في باب الضميمة المجهولة كالسمك القليل في صورة بيع القصب والسمك ( ان يقال : اما الشرط والجزء فلا فرق بينهما من حيث لزوم الغرر ب ) سبب ( الجهالة ) .

فلا فرق بين ان يقول : بعتك هذا القصب بشرط ان يكون السمك معه ، أو : بعتك هذا القصب والسمك ، إذ كما يضر جهالة الجزء ، كذلك يضر جهالة الشرط ، لان كليهما موجب للغرر ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله عن بيع الغرر .

الا ترى انه لو قال : بعتك هذا الكتاب وشيئا ، أو قال : بعتك هذا الكتاب بشرط اعطائك شيئا ، كان كلاهما غررا في نظر العرف والواقع .

( واما قصد المتبايعين بحسب الشخص ) بان يكون قصدهما في هذه المعاملة كون المجهول تابعا ، والحال انه ليس بتابع في العرف

مثلا يشترى البستان ويقصد ان القصر الموجود في ضمنه الّذي تساوى قيمته قيمة البستان - مثلا - تابع له ، فان هذا القصد بالتبعية شخصي ، إذ ليس النوع يقصد تبعية مثل هذا القصر ، بل يقصد الجزئية والضميمة .

ص: 272

فالظاهر أنه غير مؤثر في الغرر وجود أو عدما .

لأن الظاهر من حديث الغرر من كلماتهم عدم مدخلية قصد المتبايعين في الموارد الشخصية بل وكذلك قصدهما بحسب النوع على الوجه الّذي ذكره في المختلف من كون قيمة المعلوم تقارب الثمن المدفوع له وللمجهول .

_________________________

( فالظاهر أنه ) اى القصد الشخصي ( غير مؤثر في الغرر وجودا وعدما ) .

فوجود هذا القصد لا يرفع الغرر ، وعدم هذا القصد لا يوجب الغرر بل الغرر موجود سواء قصد التبعية ، أم لا .

( لأن الظاهر من حديث الغرر من كلماتهم ) اى الظاهر من كلماتهم التي استفادوها من حديث الغرر ( عدم مدخلية قصد المتبايعين في الموارد الشخصية ) بل الغرر امر واقعي يحصل إذا تم سببه ، سواء كان قصد المتبايعين الجزئية للشئ المجهول ، أو الشرطية ( بل وكذلك ) لا مدخلية للغرر وجود أو لا عدما ( قصدهما ) اى المتبايعين ( بحسب النوع على الوجه الّذي ذكره في المختلف من كون قيمة المعلوم ) كالبستان ( تقارب الثمن المدفوع له ) اى للمعلوم ( وللمجهول ) .

كما لو دفع مائة وكان كل واحد من البستان والقصر التابع له ، يساوى تسعين دينارا .

فان القصد عرفا ان كان القصر تابعا للبستان ، لا يوجب ان لا يكون الامر غررا .

ص: 273

واما التابع العرفي فالمجهول منه وان خرج عن الغرر عرفا الا ان المجعول منه جزءا ، داخل ظاهرا في معقد الاجماع على اشتراط العلم بالمبيع المتوقف على العلم بالمجموع .

نعم لو كان الشرط تابعا عرفيا ، خرج عن بيع الغرر .

وعن معقد الاجماع على اشتراط كون المبيع معلوما فيقتصر عليه

_________________________

واما قوله « على الوجه » فذلك لأجل اخراج التابع العرفي الّذي لا يرتبط بالقصد .

( واما التابع العرفي ) الّذي لا يندرج في المبيع عرفا لكنه تابع عرفا في مقابل ما سيأتي مما يندرج عرفا - ( فالمجهول منه ) اى من هذا التابع ( وان خرج عن الغرر عرفا ، الا ان المجعول منه ) اى من هذا التابع ( جزءا ) بان اعطى الثمن في مقابل المبيع الّذي هو عبارة عن التابع والمتبوع ( داخل ظاهرا في معقد الاجماع على اشتراط العلم بالمبيع المتوقف ) ذلك العلم بالمبيع ( على العلم بالمجموع ) من التابع والمتبوع

( نعم لو كان الشرط تابعا ) بان شرط التابع ، ولم يجعل التابع جزءا ( عرفيا ، خرج عن بيع الغرر ) لما تقدّم انه في الجزء ليس بغرر فكيف في الشرط .

( وعن معقد الاجماع على اشتراط كون المبيع معلوما ) إذ لا اجماع على لزوم كون الشرط - أيضا - معلوما .

وانما الاجماع على معلومية المبيع والمبيع لا يشمل الجزء ( فيقتصر ) في عدم لزوم معرفة التابع ( عليه ) اى على ما إذا كان شرطا ، ولم يكن

ص: 274

هذا كله في التابع من حيث جعل المتبايعين .

واما التابع للمبيع الّذي يندرج في المبيع ، وان لم ينضم إليه حين العقد ولم يخطر ببال المتبايعين .

فالظاهر عدم الخلاف ، والاشكال في عدم اعتبار العلم به الا إذا استلزم غررا في نفس المبيع .

_________________________

يوجب الغرر .

فتحصل ان الاقسام ثلاثة :

الأول - الجزء والشرط الموجب جهلهما الغرر وهذا يلزم العلم بهما

الثاني : - الجزء الّذي لا يوجب جهله الغرر ، وهذا أيضا يلزم العلم به لاطلاق الاجماع الدال على لزوم معلومية المبيع .

الثالث : الشرط الّذي لا يوجب جهله الغرر ، وهذا لا يلزم العلم به لأنه ليس بغرر ، ولا جزء من المبيع ، حتى يمنع عنه دليل الغرر أو دليل لزوم العلم باجزاء المبيع .

( هذا كله في التابع من حيث جعل المتبايعين ) بان جعله المتبايعان تابعا .

( واما التابع للمبيع الّذي يندرج ) بنفسه ( في المبيع ، وان لم ينضم إليه حين العقد ) ذلك التابع بل ( ولم يخطر ببال المتبايعين ) كالبيضة في بطن الدجاجة واللبن في ضرع الشاة .

( فالظاهر عدم الخلاف ، و ) عدم ( الاشكال في عدم اعتبار العلم به ) اى بذلك التابع ( الا إذا استلزم ) عدم العلم بالتابع ( غررا في نفس المبيع )

ص: 275

إذ الكلام في مسألة الضميمة من حيث الغرر الحاصل في المجموع ، لا الساري من المجهول إلى المعلوم فافهم .

_________________________

كما إذا كان الطير يوزن عند البيع ، فعدم العلم بالبيض يوجب ان لا يعلم أن هذا الطير الّذي وزنه ربع ، الآن هل هو ربع في الواقع لصغر البيضة التي في بطنها ، أو انه ربع الّا شيء معتد به لكبر البيضة التي في بطنها .

وانما قيدنا الغرر بكونه « في نفس المبيع » ( إذ الكلام في مسألة الضميمة من حيث الغرر الحاصل في المجموع ) فلا يعلم كم لحم الطير ، كما لا يعلم كم وزن البيضة ( لا ) الغرر ( الساري من المجهول إلى المعلوم )

فإنه ربما يكون غرريا بذاته .

وربما يكون غرريا لأنه منضم إلى شيء ، ذلك الشيء غررى ، كما لو ضم كيلوا من السكر إلى شيء في العلبة ، فالسكر ليس غرريا بذاته ، وانما سرى إليه الغرر بواسطة جهالة ما في العلبة ( فافهم ) حيث إنه لا فرق في ايجاب الغرر البطلان ، بين ان يكون الغرر في ذات الشيء أو ان يكون ساريا من شيء آخر إلى المبيع .

ص: 276

مسئلة يجوز ان يندر لظرف ما يوزن مع ظرفه مقدار

يحتمل الزيادة والنقيصة ، على المشهور ، بل لا خلاف فيه في الجملة ، بل عن فخر الاسلام التصريح بدعوى الاجماع .

قال فيما حكى عنه : نص الأصحاب على أنه يجوز الاندار للظروف ، بما يحتمل الزيادة والنقيصة ، فقد استثنى من المبيع امر مجهول واستثناء المجهول مبطل للبيع ، الا في هذه الصورة ، فإنه لا يبطل اجماعا انتهى .

_________________________

( مسألة : يجوز ان يندر ) اى يستثنى ( لظرف ما يوزن مع ظرفه ) كالدهن الّذي يوزن مع القربة الّذي هو فيها ( مقدار ) نائب فاعل « يندر » ( يحتمل الزيادة والنقيصة ) مثلا : يوزن الدهن مع القربة عشر كيلوات ، ثم يستثنى للقربة مقدار كيلو في حين انه يحتمل أن تكون القربة أكثر من كيلو أو أقل منه ( على المشهور ، بل لا خلاف فيه في الجملة ، بل عن فخر الاسلام التصريح بدعوى الاجماع ) على ذلك .

( قال فيما حكى عنه : نص الأصحاب على أنه يجوز الاندار للظروف بما يحتمل الزيادة والنقيصة ، فقد استثنى من المبيع امر مجهول ) وهو الظرف المجهول المقدار ( واستثناء المجهول مبطل للبيع ) .

فلو قال : بعتك هذا الكيلو إلا شيئا منه بطل ، لأنه يوجب الجهل بمقدار المبيع ( الا في هذه الصورة ) صورة الاندار ( فإنه لا يبطل اجماعا انتهى ) كلام فخر الاسلام .

ص: 277

والظاهر : ان اطلاق الاستثناء باعتبار خروجه عن المبيع ، ولو من اوّل الامر ، بل الاستثناء الحقيقي من المبيع يرجع إلى هذا أيضا .

ثم إن الأقوال في تفصيل المسألة ستة الأول : جواز الاندار بشرطين كون المندر متعارف الاندار عند التجار وعدم العلم بزيادة ما يندره وهو للنهاية ، والوسيلة وعن غيرهما .

_________________________

( والظاهر : ان اطلاق الاستثناء ) على الاندار والحال انه خارج من اوّل الامر ، لا انه داخل أولا ثم يخرج ( باعتبار خروجه ) اى الظرف ( عن المبيع ، ولو ) خروجا ( من اوّل الامر ) لا خروجا بعد الدخول ( بل الاستثناء الحقيقي من المبيع يرجع إلى هذا ) المعنى - وهو الخروج من اوّل الامر - ( أيضا ) فليس هناك شيء يدخل في المبيع ثم يخرج منه ، فليس الاستثناء هنا لفظ مجازى .

( ثم إن الأقوال في تفصيل المسألة ) اى مسألة الاندار ( ستة ) .

القول ( الأول : جواز الاندار بشرطين ) .

الأول : ( كون المندر متعارف الاندار عند التجار ) كقربة الدهن والعسل .

( و ) الثاني : ( عدم العلم بزيادة ما يندره ) كان يجعل القربة كيلوا والحال انه يعلم أنها نصف كيلو .

اما العكس بان يندر أقل والحال انه يعلم أنها كيلوا ونصفا ، فلا بأس به ( و ) هذا القول ( هو للنهاية ، والوسيلة و ) حكى ( عن غيرهما ) أيضا .

ص: 278

الثاني : عطف النقيصة على الزيادة في اعتبار عدم العلم بها ، وهو للتحرير ، الثالث : اعتبار العادة مطلقا ، ولو علم الزيادة أو النقيصة ومع عدم العادة في ما يحتملهما وهو لظاهر اللمعة ، وصريح الروضة ، الرابع :

التفصيل بين ما يحتمل الزيادة والنقيصة فيجوز مطلقا ، وما علم الزيادة فالجواز بشرط التراضي ، الخامس : عطف العلم بالنقيصة على الزيادة

_________________________

القول ( الثاني : عطف النقيصة على الزيادة في اعتبار عدم العلم بها ) فإنه لا يصح استثناء كيلو للقربة إذا علم أنها نصف كيلو ، أو إذا علم أنها كيلوا ونصفا ( وهو للتحرير ) للعلامة .

القول ( الثالث : اعتبار العادة مطلقا ) فكل مقدار اعتاد العرف على استثنائه للقرية صح استثنائه ( ولو علم الزيادة أو النقيصة ) فإذا كان المعتاد استثناء كيلو للقرية جاز ، وان علم أن القربة كيلو ونصف ، أو نصف كيلو مثلا ( ومع عدم العادة ) في استثناء مقدار خاص للقربة يجوز الاستثناء ( في ما يحتملهما ) اى يستثنى كيلوا ، وان احتمل ان القربة في الواقع كيلو ونصف ، أو نصف كيلو وهذا القول ( وهو لظاهر اللمعة ، وصريح الروضة ) للشهيدين الأول والثاني .

القول ( الرابع : التفصيل بين ما يحتمل الزيادة والنقيصة فيجوز مطلقا ) سواء تراضيا ، أم لا ( وما علم الزيادة ) كان يجعل القربة كيلوا والحال انه يعلم أنها نصف كيلو ( فالجواز بشرط التراضي ) بين المتبايعين ونسب هذا إلى المشهور بين الفقهاء .

القول ( الخامس ) هو الرابع مع ( عطف العلم بالنقيصة على الزيادة )

ص: 279

وهو للمحقق الثاني ناسبا له إلى كل من لم يذكر النقيصة ، السادس :

إناطة الحكم بالغرر .

ثم إن صورة المسألة : ان يوزن مظروف مع ظرفه فيعلم انه عشرة أرطال ، فإذا أريد بيع المظروف فقط - كما هو المفروض - وقلنا : بكفاية العلم بوزن المجموع ، وعدم اعتبار العلم بوزن المبيع منفردا - على ما هو مفروض المسألة ومعقد الاجماع المتقدم - .

_________________________

بان قال : وما علم الزيادة والنقيصة ( وهو للمحقق الثاني ناسبا له إلى كل من لم يذكر النقيصة ) وكأنه اكتفى بأحد الطرفين من الآخر كقول الشاعر :

دعاني إليها القلب انى لامره * مجيب ، فلا ادرى ارشد طلابها

اى : أم غى .

القول ( السادس : إناطة الحكم بالغرر ) فإن كان الاندار غررا لم يجز ، وإلا جاز .

( ثم إن صورة المسألة : ان يوزن مظروف مع ظرفه ) كان يوزن الدهن مع القربة ( فيعلم انه ) اى المظروف والظرف معا ( عشرة أرطال ، فإذا أريد بيع المظروف فقط - كما هو المفروض - ) لا بيع الظرف والمظروف معا ( وقلنا : بكفاية العلم بوزن المجموع ، وعدم اعتبار العلم بوزن المبيع منفردا - على ما هو مفروض المسألة ومعقد الاجماع المتقدم - ) وبكون ذلك استثناء من لزوم العلم بكيل ووزن المكيل والموزون .

ص: 280

فتارة يباع المظروف المذكور جملة بكذا ، وحينئذ فلا يحتاج إلى الاندار ، لان الثمن والمثمن معلومان بالفرض .

وأخرى يباع على وجه التسعير ، بان يقول : بعتكه كل رطل بدرهم فيجىء مسألة الاندار ، للحاجة إلى تعيين ما يستحقه البائع من الدراهم .

ويمكن ان يحرر المسألة على وجه آخر ، وهو : انه بعد ما علم وزن الظرف والمظروف ، وقلنا : بعدم لزوم ، العلم بوزن المظروف منفردا فاندار اى مقدار للظرف يجعل وزن المظروف في حكم المعلوم .

_________________________

( فتارة يباع المظروف المذكور جملة بكذا ) بدون ان يعلم وزنه الحقيقي ، وهل انه تسعة أرطال أو ثمانية - مثلا - ؟ فيما شك في ان القربة رطل أو رطلان ( وحينئذ ) اى حين باع المظروف جملة ( فلا يحتاج إلى الاندار ، لان الثمن والمثمن معلومان بالفرض ) فالثمن : الدينار ، والمثمن : المظروف جملة .

( وأخرى يباع على وجه التسعير ، بان يقول ) بعد ان وزنهما فكان عشرة أرطال ( بعتكه كل رطل بدرهم ، فيجىء ) هنا ( مسألة الاندار ، للحاجة إلى تعيين ما يستحقه البائع من الدراهم ) فإنه ان كان ثمانية أرطال استحق ثمانية دراهم ، وان كان تسعة ، استحق تسعة دراهم .

( ويمكن ان يحرر المسألة على وجه آخر ، وهو : انه بعد ما علم وزن الظرف والمظروف ) عشرة أرطال - مثلا - ( وقلنا : بعدم لزوم العلم بوزن المظروف منفردا ) للاجماع المتقدم ، وغيره ( فاندار اى مقدار للظرف ) رطلا أو رطلين ( يجعل وزن المظروف في حكم المعلوم ) لان المظروف يكون

ص: 281

وهل هو منوط بالمعتاد بين التجار والتراضي ؟ أو بغير ذلك .

فالكلام في تعيين المقدار المندر لأجل احراز شرط صحة بيع المظروف بعد قيام الاجماع على عدم لزوم العلم بوزنه بالتقدير ، أو باخبار البائع .

وإلى هذا الوجه ينظر بعض الأساطين ، حيث أناط المقدار المندر بما لا يحصل معه غرر .

_________________________

حينئذ ثمانية أو تسعة .

( وهل هو ) اى المقدار الّذي يندره للظرف ( منوط بالمعتاد بين التجار والتراضي ) كما لو اعتادوا اندار رطل مثلا ( أو بغير ذلك ) كالذي تراضيا عليه ، وان كان مخالفا للمعتاد بين التجار .

( فالكلام ) حينئذ - بعد الفراغ عن صحة الاندار في الجملة - ( في تعيين المقدار المندر ) - بصيغة المفعول - ( لأجل احراز شرط صحة بيع المظروف ، بعد قيام الاجماع على عدم لزوم العلم بوزنه ) اى وزن المظروف ( بالتقدير ) بان يكال أو يوزن ، و « بالتقدير » متعلق ب « وزنه » ( أو باخبار البائع ) عطف على « بالتقدير » لما تقدم من أن اخبار البائع بالكيل والوزن طريق إلى التقدير - الّذي يجب ان يكون بالنسبة إلى المكيل والموزون -

( وإلى هذا الوجه ) اى كون الوجه في الاندار ، احراز شرط صحة بيع المظروف - في مقابل ان يكون الاندار لأجل تعيين الثمن - ( ينظر بعض الأساطين ، حيث أناط المقدار المندر ) - بالفتح - ( بما لا يحصل معه غرر ) .

فان هذا يلائم كون الاندار لأجل احراز شرط صحة بيع المظروف

ص: 282

واعترض على ما في القواعد ، ومثلها من اعتبار التراضي في جواز اندار ما يعلم زيادته بان التراضي لا يدفع غررا ، ولا يصحح عقدا .

وتبعه في ذلك بعض اتباعه ، ويمكن ان يستظهر هذا الوجه من عبارة الفخر المتقدمة حيث فرع استثناء المجهول من المبيع على جواز الاندار .

_________________________

إذ لو لم يعلم المقدار ، كان غررا - وهذا هو الوجه الثاني - اما الوجه الأول ، وهو : كون الاندار لأجل تعيين الثمن ، فذلك لا يرتبط بالغرر .

ثم إن المراد بما لا يحصل معه الغرر هو المقدار المتعارف انداره .

( واعترض ) هذا البعض ( على ما في القواعد ، ومثلها ) من سائر الكتب ( من اعتبار التراضي في جواز اندار ما يعلم زيادته ) « من » بيان « ما في القواعد » ( بان التراضي لا يدفع غررا ، ولا يصحح عقدا ) وإلا جاز عدم الكيل والوزن مطلقا في كل مكيل وموزون ، بان يتراضى الطرفان بالمقدار المجهول في إزاء ثمن معلوم .

فاللازم عدم الغرر في المقدار المندر أيضا كما يلزم عدم الغرر في كل مكيل وموزون .

( وتبعه ) اى تبع بعض الأساطين ( في ذلك ) اى كون وجه الاندار احراز شرط صحة بيع المظروف ( بعض اتباعه ، ويمكن ان يستظهر هذا الوجه ) اى كون الاندار لأجل صحة بيع المظروف ( من عبارة الفخر المتقدمة ) في اوّل المسألة ( حيث فرع استثناء المجهول من المبيع ) اى المجهول وزنه ( على جواز الاندار ) .

ص: 283

إذ على الوجه الأول يكون استثناء المجهول متفرعا على جواز بيع المظروف بدون الظرف المجهول ، لا على جواز اندار مقدار معين .

إذ الاندار حينئذ لتعيين الثمن ، فتأمل .

وكيف كان فهذا الوجه مخالف لظاهر كلمات الباقين ، فان جماعة منهم - كما عرفت من الفاضلين وغيرهما - خصّوا اعتبار التراضي بصورة العلم بالمخالفة ، فلو كان الاندار

_________________________

( إذ على الوجه الأول ) وهو كون الاندار لأجل تعيين الثمن ( يكون استثناء المجهول متفرعا على جواز بيع المظروف بدون الظرف المجهول ) قدره ( لا ) انه متفرع ( على جواز اندار مقدار معين ) .

( إذ الاندار حينئذ ) اى حين كان لأجل تعيين الثمن ( لتعيين الثمن ) لا لأجل صحة بيع المظروف ( فتأمل ) .

إذ لا فرق في كون الاندار لأجل صحة بيع المظروف ، أو لأجل تعيين الثمن في انه يتفرع عليه استثناء المجهول من المبيع .

فان الامر في كليهما مجهول ، منتهى الامر قد يكون الجهل بالمثمن وقد يكون الجهل بالثمن ، فالاستثناء صالح لان يتفرع على اىّ منهما .

( وكيف كان ) سواء استظهر هذا الوجه من كلام الفخر ، أم لا ( فهذا الوجه ) اى كون الاندار لأجل صحة بيع المظروف ( مخالف لظاهر كلمات الباقين ، فان جماعة منهم - كما عرفت من الفاضلين ) المحقق والعلامة ( وغيرهما - خصّوا اعتبار التراضي ) لمقدار الاندار ( بصورة العلم بالمخالفة ) وان القدر المندر للقربة مخالف للقدر الواقعي لها ( فلو كان الاندار

ص: 284

لاحراز وزن المبيع وتصحيح العقد لكان معتبرا مطلقا .

إذ لا معنى لإيقاع العقد على وزن مخصوص بثمن مخصوص من دون تراض .

_________________________

لاحراز وزن المبيع وتصحيح العقد لكان ) الاندار ( معتبرا مطلقا ) لا في صورة العلم بالمخالفة فقط .

( إذ لا معنى لايقاع العقد على وزن مخصوص بثمن مخصوص من دون تراض ) فإنه إذا كان الاندار لأجل تصحيح العقد لا يصح ان يقال : يعتبر التراضي في صورة المخالفة فقط ، بل اللازم الاحتياج إلى التراضي حتى في صورة الجهل بالمخالفة .

فإنه لا يصح عقد الا بالتراضي ، لقوله تعالى : إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ .

اما إذا كان الاندار لأجل تعيين ما يستحقه البائع من المشترى ، صح تخصيص اعتبار التراضي بصورة العلم بالمخالفة .

إذ على هذا العقد ، صحيح قبل الاندار ، ولأجل ان العقد صحيح قبل الاندار ، وجب على المشترى ايفاء حق البائع بتمامه في مقابل المثمن الّذي اخذه من البائع ، ووجب على البائع عدم اخذ الزائد عما يستحقه من الثمن من المشترى .

والاندار انما يكون حينئذ لأجل تعيين حق البائع ، فإذا علم مخالفة المندر لمقدّر الظرف ، فلا بد من التراضي ، واما إذا لم يعلم ، فلا يلزم التراضي ، لأن العقد صحيح حسب الفرض .

ص: 285

وقد صرح المحقق ، والشهيد الثانيان في وجه اعتبار التراضي مع العلم بالزيادة أو النقيصة ، بان الاندار من دون التراضي تضييع لمال أحدهما .

ولا يخفى : انه لو كان اعتبار الاندار قبل العقد ، لتصحيحه ، لم يتحقق تضييع المال ، لان الثمن وقع في العقد في مقابل المظروف ، سواء فرض زائدا أو ناقصا .

_________________________

واشتغال ذمة المشتري بأزيد مما يدفعه إلى البائع غير معلوم ، فيرجع إلى اصالة البراءة .

وكذلك اشتغال ذمة البائع بأزيد مما يدفعه إلى المشترى .

( وقد صرح المحقق ، والشهيد الثانيان في وجه اعتبار التراضي ) بين البائع والمشترى ( مع العلم بالزيادة أو النقيصة ) بين الظرف والقدر المندر ( بان الاندار من دون التراضي تضييع لمال أحدهما ) وهو الّذي اعطى الأزيد واخذ الأقل .

( ولا يخفى : انه لو كان اعتبار الاندار قبل العقد ، ل ) اجل ( تصحيحه ) اى تصحيح العقد ، ولم يكن اعتباره لأجل تعيين الثمن بعد ان كان العقد صحيحا ( لم يتحقق تضييع المال ) في صورة العلم بالمخالفة بين القدر المندر ، وبين الظرف ( لان الثمن وقع في العقد في مقابل المظروف ، سواء فرض زائدا ) عن الثمن ( أو ناقصا ) عنه .

وهذا بخلاف ما لو أريد الوجه الأول وكان اعتبار الاندار بعد العقد لتعيين الثمن ، لان الثمن وقع حينئذ في مقابل قدر خاص ، فزيادة الثمن

ص: 286

هذا مع أنه إذا فرض كون استقرار العادة على اندار مقدار معين يحتمل الزيادة والنقيصة ، فالتراضى على الزائد عليه أو الناقص عنه يقينا ، لا يوجب غررا ، بل يكون كاشتراط زيادة مقدار على المقدار المعلوم غير قادح في صحة البيع ، مثلا : لو كان المجموع عشرة أرطال ، وكان المعتاد اسقاط رطل للظرف ، فإذا تراضيا على أن يندر للظرف رطلا ، فكأنه شرط للمشترى ان لا يحسب عليه رطلا .

_________________________

عن ذلك القدر الخاص أو نقصانه عنه ، تضييع للمال الّذي اخذ الأنقص ، واعطى الأزيد - سواء كان بائعا أو مشتريا - .

( هذا ) وجه لأجل ان المشهور أرادوا بالاندار لأجل التسعير ، لا لأجل تصحيح العقد ( مع ) انه هناك وجه آخر يدل على ذلك أيضا ، ف ( انه إذا فرض كون استقرار العادة على اندار مقدار معين يحتمل الزيادة ) على المقدار الواقعي ( والنقيصة ) كاندار رطل ، بينما يحتمل ان يكون قدر الظرف واقعا نصف رطل أو رطلين مثلا ( فالتراضى على الزائد عليه ) اى على مقدار العادة ( أو الناقص عنه ) زيادة أو نقصا ( يقينا ، لا يوجب غررا ) فلا وجه لإناطة الحكم بالغرر ، إذ لا غرر أصلا ( بل يكون ) التراضي بالزائد يقينا ، أو الناقص يقينا ( كاشتراط زيادة مقدار على المقدار المعلوم ) اما زيادة الثمن ، أو زيادة المثمن ( غير قادح ) خبر « يكون » ( في صحة البيع ، مثلا : لو كان المجموع ) من الظرف والمظروف ( عشرة أرطال وكان المعتاد ) بين الناس ( اسقاط رطل للظرف ، فإذا تراضيا على أن يندر للظرف رطلا ، فكأنه ) اى البائع ( شرط للمشترى ان لا يحسب عليه رطلا ) لان

ص: 287

ولو تراضيا على اندار نصف رطل ، فقد اشترط على المشترى جعل ثمن تسعة أرطال ونصف ثمنا للتسعة .

فلا معنى للاعتراض على من قال : باعتبار التراضي في اندار ما علم زيادته أو نقيصته ، بان التراضي لا يدفع غررا ، ولا يصحح عقدا .

وكيف كان فالظاهر هو الوجه الأول ، فيكون دخول هذه المسألة في فروع مسئلة تعيين العوضين من حيث تجويز بيع المظروف بدون

_________________________

البائع اعطى المشترى تسعة أرطال من الدهن ، واخذ منه ثمن ثمانية أرطال .

( ولو تراضيا على اندار نصف رطل ، فقد اشترط ) البائع ( على المشترى جعل ثمن تسعة أرطال ونصف ثمنا للتسعة ) لان المشترى اخذ تسعة أرطال فقط ، واعطى ثمن تسعة أرطال ونصف .

( فلا معنى للاعتراض على من قال : باعتبار التراضي في اندار ما علم زيادته أو نقيصته ، بان التراضي لا يدفع غررا ، ولا يصحح عقدا ) إذ لا غرر على هذا في البين ، ولا وجه لعدم صحة العقد .

( وكيف كان ) سواء قال المشهور ، أو لم يقل ( فالظاهر ) عندنا ( هو الوجه الأول ) وهو ان الاندار لأجل التسعير ، لا لأجل تصحيح العقد ( فيكون دخول هذه المسألة ) اى مسئلة الاندار ( في فروع مسئلة تعيين العوضين ) حيث يلزم ان يكون المعوض معلوم المقدار ليعطى المشترى من الثمن بمقدار ذلك المعوض ، فإذا كان المثمن تسعة أرطال اعطى تسعة دراهم لا أكثر ولا أقل ، فيما إذا كان كل رطل بدرهم ( من حيث تجويز بيع المظروف بدون

ص: 288

ظرفه المجهول ، كما عنون المسألة بذلك في اللمعة ، بل نسبه في الحدائق إليهم ، لا من حيث اندار مقدار معين للظرف المجهول وقت العقد والتواطى على ايقاع العقد على الباقي بعد الاندار .

وذكر المحقق الأردبيلي ره في تفسير عنوان المسألة ان المراد :

انه يجوز بيع الموزون بان يوزن مع ظرفه ثم يسقط من المجموع مقدار الظرف تخمينا ، بحيث يحتمل كونه مقدار الظرف ، لا أزيد ولا انقص ، بل وان تفاوت لا يكون

_________________________

ظرفه المجهول ) قدر ذلك المظروف ، فكأنه استثناء عن لزوم تعيين المعوض ( كما عنون المسألة بذلك ) كون المعوض مجهولا ( في اللمعة بل نسبه في الحدائق إليهم ، لا من حيث اندار مقدار معين للظرف المجهول وقت العقد ) « وقت » ظرف « للمجهول » ( والتواطى ) عطف على « اندار » ( على ايقاع العقد على الباقي بعد الاندار ) وقوله : لا من حيث ، عبارة أخرى عن : الوجه الثاني الّذي نفاه المصنف سابقا ، وهو ان يكون الاندار لأجل صحة العقد ، لا لأجل التسعير بعد الصحة .

( وذكر المحقق الأردبيلي ره في تفسير عنوان المسألة ) اى مسئلة الاندار ( ان المراد : انه يجوز بيع الموزون بان يوزن مع ظرفه ثم يسقط من المجموع ) اى مجموع الظرف والمظروف - كعشرة أرطال مثلا - ( مقدار الظرف تخمينا ) كرطل - مثلا - ( بحيث يحتمل كونه ) اى المقدار الساقط ( مقدار الظرف ) « مقدار » خبر « كون » ( لا أزيد ولا انقص ، بل وان تفاوت ) المقدار الواقعي عن المقدار الساقط ( لا يكون ) التفاوت

ص: 289

الا بشيء يسير متساهل به عادة ، ثم دفع ثمن الباقي مع الظرف إلى البائع ، انتهى .

فظاهره الوجه الأول الّذي ذكرنا .

حيث جوز البيع بمجرد وزن المظروف مع الظرف ، وجعل الاندار لأجل تعيين الباقي الّذي يجب عليه دفع ثمنه .

وفي الحدائق - في مقام الرد على من الحق النقصية بالزيادة في اعتبار عدم العلم بها - قال : ان

_________________________

( الا بشيء يسير متساهل به عادة ، ثم ) بعد الاندار ( دفع ثمن الباقي مع الظرف إلى البائع ، انتهى ) كلام المقدس الأردبيلي .

( فظاهره الوجه الأول الّذي ذكرنا ) وارتضيناه نحن وهو كون الاندار لأجل التسعير ، لا الوجه الثاني الّذي هو كون الاندار لأجل صحة العقد .

( حيث جوز ) المقدس ( البيع بمجرد وزن المظروف مع الظرف ، وجعل الاندار لأجل تعيين الباقي ) ولأجل التسعير ، فالاندار ليس لتصحيح البيع ، وانما لأجل التسعير بعد صحة البيع ( الّذي يجب عليه دفع ثمنه )

إذ لو لم يعلم المشترى مقدار المظروف لم يتمكن ان يدفع العوض الكامل بدون زيادة ولا نقيصة .

( وفي الحدائق - ) أيضا ما يظهر منه ان الاندار لأجل التسعير - كما ارتضيناه - لا لأجل صحة العقد ، فإنه ( في مقام الرد على من الحق النقيصة بالزيادة ، في اعتبار عدم العلم بها - ) اى كما لا يعتبر العلم

ص: 290

قال : ان الاندار حق للمشترى ، لأنه قد اشترى مثلا مائة منّ من السمن في هذه الظروف فالواجب قيمة المائة المذكورة ، وله اسقاط ما يقابل المظروف من هذا الوزن ، انتهى .

وهذا الكلام وان كان مؤيدا لما استقربناه في تحرير المسألة ، الا ان جعل الاندار حقا للمشترى ، والتمثيل بما ذكره لا يخلو عن نظر ، فان المشترى لم يشتر مائة منّ من السمن في هذه الظروف لان التعبير بهذا

_________________________

بالزيادة كذلك لا يعتبر العلم بالنقيصة ( قال : ان الاندار حق للمشترى لأنه قد اشترى مثلا مائة منّ من السمن في هذه الظروف ) - كالقرب المجهولة المقدار مثلا - ( فالواجب ) عليه ، اعطاء ( قيمة المائة المذكورة ، وله ) اى للمشترى ( اسقاط ما يقابل المظروف من هذا الوزن ) فالاندار لأجل حق المشترى حتى لا يعطى أزيد من قيمة المتاع للبائع ( انتهى ) كلام الحدائق .

( وهذا الكلام وان كان مؤيدا لما استقر بناه في تحرير المسألة ) من أن الاندار لأجل التسعير بعد صحة العقد ، لا لأجل صحة العقد ، لأنه أثبت الحق للمشترى ، والحق للمشترى لا يكون الا بعد صحة العقد ، فالاندار يكون بعد صحة العقد ، لا لأجل صحة العقد ( الا ان جعل الاندار حقا للمشترى ) في كلام الحدائق ( والتمثيل بما ذكره ) « لأنه قد اشترى مثلا . . . الخ » ( لا يخلو عن نظر ) .

( ف ) وجه النظر ( ان المشترى لم يشتر مائة منّ من السمن في هذه الظروف ) - كما قاله الحدائق - ( لان التعبير بهذا ) اى ان المشترى

ص: 291

- مع العلم بعدم كون ما في هذه الظروف مائة من - لغو ، بل المبيع في الحقيقة ما في هذه الظروف التي هي مع المظروف مائة منّ .

فان باعه بثمن معين فلا حاجة إلى الاندار ، ولا حق للمشترى وان اشتراه على وجه التسعير بقوله : كل منّ بكذا .

فالاندار انما يحتاج إليه لتعيين ما يستحقه البائع على المشترى من

_________________________

اشترى مائة منّ ( - مع العلم ) من المشترى ( بعدم كون ما في هذه الظروف مائة من - لغو ) اى كيف يشترى ما يعلم أنه ليس بذلك القدر ، كان يشترى ثلاثة تفاحات بعنوان كونها أربعة .

فكلام صاحب الحدائق تام لكن تمثيله غير صحيح ( بل المبيع في الحقيقة ) في مثال الحدائق ( ما في هذه الظروف ) من الدهن ( التي هي ) اى الظروف ( مع المظروف مائة منّ ) لان ما في الظروف مائة منّ .

( فان باعه ) اى باع البائع ما في الظروف فقط - الّذي هو أقل من مائة منّ - ( بثمن معين ) كمائة دينار ( فلا حاجة إلى الاندار ) .

إذ الاندار ان كان لأجل تصحيح البيع ، فالبيع مفروض الصحة في كلام الحدائق .

وان كان لأجل التسعير ، فالمفروض ان المشترى لم يشتر كل منّ بكذا ، بل اشترى المجموع بمائة درهم مثلا ( ولا حق للمشترى ) في الاندار ( وان اشتراه على وجه التسعير بقوله : كل منّ بكذا ) لا انه اشترى الجملة بكذا .

( فالاندار انما يحتاج إليه لتعيين ما يستحقه البائع على المشترى من

ص: 292

الثمن .

فكيف يكون الواجب قيمة المائة ، كما ذكره المحدث .

وقد علم مما ذكرنا ان الاندار - الّذي هو عبارة عن تخمين الظرف الخارج عن المبيع بوزن - انما هو لتعيين حق البائع ، وليس حقا للمشترى .

واما الاخبار فمنها : موثقة حنان قال سمعت معمّر الزيات ، قال :

قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : انا نشترى الزيت في زقاقه فيحسب لنا النقصان ، لمكان

_________________________

الثمن ) « من » بيان « ما يستحقه » .

( فكيف ) يقول الحدائق : ( يكون الواجب ) على المشترى اعطاء ( قيمة المائة ، كما ذكره المحدث ) البحراني ، فبين مطلب الحدائق ومثاله تهافت .

( وقد علم مما ذكرنا ان الاندار - الّذي هو عبارة عن تخمين الظرف الخارج ) - صفة الظرف - ( عن المبيع ) « عن » متعلق ب « الخارج » ( بوزن - ) متعلق ب « تخمين » ( انما هو ) اى الاندار ( لتعيين حق البائع ) حتى يعلم كم يطلب من المشترى من الثمن ( وليس ) الاندار ( حقا للمشترى ) كما ذكره الحدائق .

( واما الاخبار ) الدالة على الاندار بالإضافة إلى الاجماع المتقدم ( فمنها : موثقة حنان قال سمعت معمر الزيات ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : انا نشترى الزيت في زقاقه فيحسب ) البائع ( لنا النقصان ، لمكان

ص: 293

الزقاق ، فقال له : ان كان يزيد وينقص ، فلا بأس ، وان كان يزيد ولا ينقص فلا تقربه .

قيل : وظاهره عدم اعتبار التراضي .

أقول : المفروض في السؤال هو التراضي ، لان الحاسب هو البائع أو وكيله ، وهما مختاران والمحسوب له هو المشترى .

والتحقيق

_________________________

الزقاق ) فهل ذلك جائزا ، أم لا ؟ ( فقال له ) عليه السلام ( ان كان يزيد ) تارة ( وينقص ) أخرى ، فالزقاقة التي اسقط لها رطل مثلا تارة تكون رطلا ونصفا وأخرى نصف رطل - مثلا - ( فلا بأس ) بهذا الاندار ( وان كان يزيد ولا ينقص ) بان كان المندر يزيد على الواقع ، فمثلا ينقص رطلا والحال انه رطل ونصف مثلا ( فلا تقربه ) اى لا تقرب هذا الابتياع .

( قيل : وظاهره ) اى ظاهر هذا الحديث ( عدم اعتبار التراضي ) اى يجوز الاندار وان لم يرض المشترى بذلك ، لان الامام لم يقيد ذلك بالتراضي .

( أقول ) ليس الامر كذلك بل ( المفروض في السؤال هو التراضي لان الحاسب هو البائع ، أو وكيله ) .

ومن المعلوم ان الحاسب راض ، لان الحساب وتقدير الكمية بيده فان شاء زاد وان شاء نقص ( وهما مختاران ) في قدر الحساب ( والمحسوب له ) اى لنفعه ( هو المشترى ) والمنتفع دائما راض .

( والتحقيق ) انه لا اطلاق في كلام الامام حول اعتبار التراضي

ص: 294

ان مورد السؤال صحة الاندار مع ابقاء الزقاق للمشترى بلا ثمن أو بثمن مغاير للمظروف ، أو مع ردها إلى البائع من دون وزن لها فان السؤال عن صحة جميع ذلك بعد الفراغ عن تراضى المتبايعين عليه ، فلا اطلاق فيه يعم صورة عدم التراضي .

ويؤيده النهى

_________________________

عدمه ، إذ جهة الكلام امر آخر .

وقد تحقق في الأصول ان الكلام لو كان منصبا إلى ناحية خاصة ، لم يكن له اطلاق من ناحية أخرى .

مثلا : لو قال سبحانه : فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ، لم يكن له اطلاق من حيث جواز اكل محرمات الذبيحة واكل موضع عضّ الكلب .

ف ( ان مورد السؤال صحة الاندار مع ابقاء الزقاق للمشترى بلا ثمن ) بان يقدر الثمن والزق مائة حقة بمائة دينار ، ثم يطرح للزقاق عشرا فيأخذ البائع تسعين دينارا في مقابل الدهن ويبقى الزقاق للمشترى ( أو بثمن مغاير للمظروف ) كان يكون عشر حقق الزقاق بدينار واحد ( أو مع ردها ) اى الزقاق ( إلى البائع من دون وزن لها ) بان لا توزن الزقاق ، وانما يقدر لها عشر حقق - بالاندار - ( فان السؤال عن صحة جميع ذلك بعد الفراغ عن تراضى المتبايعين عليه ) اى على اىّ من الثلاثة « ابقاء الزقاق للمشترى بلا ثمن ، أو مع الثمن ، أو ردها » ( فلا اطلاق فيه ) اى في كلام الإمام عليه السلام ( يعمّ صورة عدم التراضي ) .

( ويؤيده ) اى يؤيد كون الكلام في صورة رضاية الطرفين ( النهى )

ص: 295

عن ارتكابه مع العلم بالزيادة ، فان النهى عنه ليس ارتكابه بغير تراض فافهم .

فحينئذ لا يعارضها ما دل على صحة ذلك مع التراضي ، مثل رواية علي بن أبى حمزة ، قال : سمعت معمر الزيات يسأل أبا عبد الله عليه السلام ، قال : جعلت فداك ، نطرح ظروف السمن والزيت كل ظرف كذا وكذا رطلا ، فربما زاد وربما نقص ، قال : إذا كان ذلك

_________________________

الّذي نهاه الإمام عليه السلام بقوله : وان كان يزيد ولا ينقص فلا تقربه ، ( عن ارتكابه ) اى ارتكاب الاندار ( مع العلم بالزيادة ) بان يعلم أنه ليس ناقصا عن المقدار المندر قطعا ، وانما يحتمل ان يكون أزيد ، كما لو اندر عشر واحتمل ان يكون أحد عشر - مثلا - ( فان النهى عنه ليس ارتكابه ) اى ارتكاب المنهى ( بغير تراض ) إذ هما راضيان ، وانما ينهى الامام عن ذلك نهيا شرعيا ، كما لو نهى عن القمار ، فان ظاهر النهى انهما راضيان ، وانما هنا نهى شرعي في البين ( فافهم ) إذ النهى أعم عن التراضي وعدم التراضي ، كما نهى عن الربا ، مع أن معطى الربا دائما لا يرضى ، وانما تلجئه الضرورة إلى ذلك .

( فحينئذ ) اى حين قلنا : ان الرواية السابقة لا اطلاق لها من حيث التراضي وعدمه ( لا يعارضها ما دل على صحة ذلك ) اى الاندار ( مع التراضي ، مثل رواية علي بن أبى حمزة ، قال : سمعت معمّر الزيات يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام ، قال : جعلت فداك ، نطرح ظروف السمن والزيت كل ظرف كذا وكذا رطلا ، فربما زاد وربما نقص ، قال : إذا كان ذلك )

ص: 296

عن تراض منكم ، فلا بأس ، فان الشرط فيه مسوق لبيان كفاية التراضي في ذلك ، وعدم المانع منه شرعا ، فيشبه التراضي ، العلة التامة غير المتوقفة على شيء .

ونحوه اشتراط التراضي في خبر علي بن جعفر ، المحكى عن قرب الإسناد ، عن أخيه موسى عليه السلام ، عن الرجل يشترى المتاع وزنا في الناسية والجوالق ،

_________________________

الطرح ( عن تراض منكم ، فلا بأس ) .

اما وجه توهم المعارضة بين تلك الرواية وهذه الرواية ، ان تلك الرواية كان منطوقها الصحة ، سواء رضى ، أم لا ، وهذه الرواية مفهومها عدم الصحة إذ لا رضى ( فان الشرط فيه ) وهو قوله عليه السلام : إذا كان ذلك عن تراض منكم ، ( مسوق لبيان كفاية التراضي في ذلك ) الاندار ( وعدم المانع منه شرعا ، فيشبه ) هذا ( التراضي ، العلة التامة غير المتوقفة على شيء ) آخر فإذا لم يكن رضى ، فلا علة للصحة .

ولا يخفى ان قوله : فان الشرط ، علة للمنفى ، وهو المعارضة لا النفي اى « لا معارضة » .

( ونحوه ) اى نحو الخبر السابق ( اشتراط التراضي في خبر علي بن جعفر ، المحكى عن قرب الإسناد ، عن أخيه موسى عليه السلام ، عن الرجل يشترى المتاع وزنا في الناسية والجوالق ) الناسية - بالنون والياء - : الخابية ، يوضع فيها الحب ليحفظ في مدة طويلة .

وسمى ناسية : بعلاقة الضد ، لأنه بمعنى المنسية ، إذ ينسى

ص: 297

فنقول : ادفع الناسية رطلا أو أكثر من ذلك يحل ذلك البيع ؟

قال إذا لم يعلم وزن الناسية والجوالق ، فلا بأس ، إذا تراضيا .

ثم إن قوله عليه السلام : ان كان يزيد وينقص ، في الرواية الأولى يحتمل ان يراد به الزيادة والنقيصة في هذا المقدار المندر في شخص المعاملة ، بمعنى زيادة مجموع ما اندر لمجموع الزقاق ، أو نقصانه عنه ، أو بمعنى انه يزيد في بعض الزقاق ، وينقص في بعض آخر وان يراد

_________________________

ما فيه لطول المدة التي يلهى في تلك المدة عن الحب الّذي فيها .

وقرء الباسنة - بالباء والنون - وهو نوع من الجوالق .

والجوالق عبارة عن الخرجين معرب جوال ( فنقول : ادفع الناسية رطلا أو أكثر من ذلك يحل ذلك البيع ) « يحل » استفهام اى هل يحل هكذا بيع .

( قال إذا لم يعلم وزن الناسية والجوالق ، فلا بأس ، إذا تراضيا ) فإنه لا يعارض الحديث السابق الّذي ادعى الاطلاق فيه .

( ثم إن قوله عليه السلام : ان كان يزيد وينقص ، في الرواية الأولى ) وهي موثقة حسان ( يحتمل ان يراد به الزيادة والنقيصة في هذا المقدار المندر في شخص ) هذه ( المعاملة ، بمعنى زيادة مجموع ما اندر لمجموع الزقاق ) بان اندر عشرة أرطال لعشرة أزقة ، وقد كان ما اندره أزيد من الزقاق ، لان الزقاق أحد عشر ( أو نقصانه ) مجموع ما اندر ( عنه ) اى عن مجموع الزقاق ( أو بمعنى انه يزيد في بعض الزقاق ، وينقص في بعض آخر ) كما لو اندر لكل زق رطلا ، وكان زق رطلا ونصفا ، وزق نصف رطل ( وان يراد

ص: 298

به الزيادة والنقيصة في نوع المقدار المندر في نوع هذه المعاملة ، بحيث قد يتفق في بعض المعاملات الزيادة ، وفي بعض أخرى النقيصة .

وهذا هو الّذي فهمه في النهاية حيث اعتبر ان يكون ما يندر للظروف مما يزيد تارة وينقص أخرى ، ونحوه في الوسيلة .

ويشهد للاحتمال الاوّل رجوع ضمير يزيد وينقص إلى مجموع النقصان المحسوب لمكان الزقاق .

_________________________

به الزيادة والنقيصة في نوع المقدار المندر في نوع هذه المعاملة ) لا شخص المقدار المندر في شخص هذه المعاملة ( بحيث قد يتفق في بعض المعاملات الزيادة ، وفي بعض أخرى النقيصة ) .

مثلا : بيع مائة رطل في عشرة أزقة ، واندار عشرة أرطال للزقاق ، قد يتفق زيادة الزقاق على عشرة أرطال وقد يتفق نقصها عن عشرة أرطال .

( وهذا ) المعنى ، وهو النوع ، ( هو الّذي فهمه في النهاية حيث اعتبر ان يكون ما يندر للظروف مما يزيد تارة وينقص أخرى ، ونحوه في الوسيلة ) لابن حمزة .

( ويشهد للاحتمال الأول ) اى زيادة مجموع ما اندر لمجموع الزقاق ونقصانه عنه ( رجوع ضمير يزيد وينقص إلى مجموع النقصان المحسوب لمكان الزقاق ) مع كون مورد الزيادة عين مورد النقصان شخصا لا نوعا .

فان السائل قال : فيحسب لنا النقصان لمكان الزقاق ، فقال الامام \" ع \" ان كان يزيد وينقص فلا بأس فقد ارجع الضمير في « يزيد وينقص » إلى « النقصان » .

ص: 299

وللثاني عطف النقيصة على الزيادة بالواو الظاهر في اجتماع نفس المتعاطفين ، لا احتمالهما .

وللثالث ما ورد في بعض الروايات : من أنه ربما يشترى الطعام من أهل السفينة ، ثم يكيله فيزيد ، قال عليه السلام : وربما نقص ، قلت : وربما نقص ،

_________________________

ومن المعلوم : ان النقصان للمجموع ، لا لبعض الزقاق .

( و ) يشهد ( للثاني ) اى يزيد في بعض الزقاق وينقص في بعض آخر ( عطف النقيصة ) في كلام الإمام عليه السلام ( على الزيادة بالواو الظاهر في اجتماع نفس المتعاطفين ) اى الزيادة والنقصان ، اى انهما مجتمعان في محل واحد .

ومن المعلوم : ان الاجتماع لا يكون الا بان يكون بعض الزقاق زائدا على القدر المندر ، وبعض الزقاق ناقصا عن المقدار المندر .

مثلا : اندر لكل زق رطلا فكان زق رطلا ونصفا ، وزق آخر نصف رطل ( لا احتمالهما ) إذ ظاهر الواو الجمع ، لا احتمال هذا أو ذاك .

فإذا قال : جاء زيد وعمرو ، كان الظاهر مجيئهما معا ، لا مجىء زيد أو عمرو .

( و ) يشهد ( للثالث ) اى يزيد تارة في نوع المعاملة وينقص تارة في نوع المعاملة .

مثلا : إذا طرح عشرة أرطال لعشرة أزقة ، فقد يزيد الأرطال في معاملة ، وقد ينقص الأرطال في معاملة أخرى ( ما ورد في بعض الروايات من أنه ربما يشترى الطعام من أهل السفينة ، ثم يكيله فيزيد ، قال عليه السلام : وربما نقص ، قلت : وربما نقص ،

ص: 300

قال عليه السلام : فإذا نقص ردوا عليكم ، قلت لا ، قال عليه السلام : لا بأس .

فيكون معنى الرواية انه إذا كان الّذي يحسب لكم زائدا مرة وناقصا أخرى ، فلا بأس بما يحسب وان بلغ ما بلغ ، وان زاد دائما .

فلا يجوز الا بهبة ، أو ابراء من الثمن ،

_________________________

قال عليه السلام : فإذا نقص ردوا عليكم ) اى هل ان أهل السفينة يردون النقص عليكم ( قلت لا ، قال عليه السلام : ) إذا ( لا بأس ) .

فان ظاهر هذه الرواية الزيادة في معاملة ، والنقيصة في معاملة أخرى ، لا في معاملة واحدة .

وحيث إن مساق الروايات واحد لزم حمل سائر الروايات - ومنها الرواية الأولى - على هذا المعنى أيضا .

( فيكون معنى الرواية ) الأولى التي نحن بصدد تفسيرها ( انه إذا كان الّذي يحسب ) البائع ( لكم ) من القدر المندر ( زائدا مرة ) في معاملة ( وناقصا ) مرة ( أخرى ، فلا بأس بما يحسب ) البائع من اندار عشرة أرطال مثلا ، في مائة رطل من الدهن ( وان بلغ ) الزائد والناقص ( ما بلغ ، وان زاد دائما ) بان اندر عشرة أرطال والحال ان قدر الزقاق خمسة أرطال مثلا .

( فلا يجوز ) الاندار ( الا بهبة ) من المشترى ( أو ابراء من الثمن ) بان يبرأ المشترى البائع من الثمن الّذي اخذه زائدا على حقه .

والهبة غير الابراء لان لكل واحد منهما ، آثارا خاصة ، فالهبة يمكن الرجوع فيها في غير صورة لزوم الهبة ، والابراء لا يمكن الرجوع فيه ، إلى غيرها من الاحكام التي تختلف بسببها الهبة من الابراء .

ص: 301

أو مع التراضي بناء على عدم توقف الشق الاوّل عليه .

ووقوع المحاسبة من السمسار

_________________________

وهنا الهبة تكون فيما إذا كانت العين موجودة .

والابراء إذا كانت العين تالفة ( أو مع التراضي ) من الجانبين ( بناء على عدم توقف الشق الأوّل عليه ) اى على التراضي « بناء » قيد « للتراضى » اى ان الجواز مع التراضي متوقف على امرين :

الأمر الأول : عدم توقف الشق الأول عليه ، فان في الرواية شقين الأول : يزيد وينقص ، والثاني يزيد فقط .

ومقتضى المقابلة بينهما في كلام الإمام عليه السلام بالجواز في الأول ، وعدم الجواز في الثاني : ان الأول صحيح بدون التراضي ، وانما يحتاج الثاني إلى التراضي .

وعلى هذا : فعدم جواز الاندار ، - فيما زاد دائما - انما هو فيما إذا لم يكن تراض ، اما إذا كان تراض ، فيجوز الاندار ، وان زاد دائما - هذا في صورة الزيادة دائما - .

اما صورة « يزيد وينقص » كما هو الشق الأول ، فلا يحتاج إلى التراضي خلافا لصاحب الجواهر ، كما تقدم عنه ، حيث إنه يرى لزوم التراضي ، في الشق الأول .

( و ) الامر الثاني ( وقوع المحاسبة من السمسار ) حتى يكون الاندار بدون رضاية الطرفين ، ثم يجيء التراضي بعد ذلك ، فإذا كان الاندار أزيد دائما لم يجز ، الا إذا رضى الطرفان ، فان المحاسبة من السمسار غالبا

ص: 302

بمقتضى العادة من غير اطلاع صاحب الزيت .

وكيف كان فالذي يقوى في النظر ، هو المشهور بين المتأخرين من جواز اندار ما يحتمل الزيادة والنقيصة ، لأصالة عدم زيادة المبيع عليه وعدم استحقاق البائع أزيد مما يعطيه المشترى من الثمن .

لكن العمل بالأصل ، لا يوجب ذهاب حق أحدهما عند انكشاف الحال .

_________________________

( بمقتضى العادة ) في المبايعات ( من غير اطلاع صاحب الزيت ) فإذا زاد دائما ، لم يجز ، الا إذا تراضيا بعد ذلك .

( وكيف كان ) الاحتمالات الثلاثة المتطرقة في قوله عليه السلام « يزيد وينقص » ( فالذي يقوى في النظر ، هو المشهور بين المتأخرين من جواز اندار ما يحتمل الزيادة والنقيصة ، لأصالة عدم زيادة المبيع عليه ) اى على « ما يحتمل » فإذا اندرنا للظرف عشرة أرطال ، كان الأصل : عدم زيادة الدهن على العشرة ( وعدم استحقاق البائع أزيد مما يعطيه المشترى من الثمن ) هذا عطف بيان لقوله « لأصالة » .

( لكن ) لا يخفى ان ( العمل بالأصل ، لا يوجب ذهاب حق أحدهما ) البائع أو المشترى ( عند انكشاف الحال ) بان كان الظرف أزيد من عشرة أرطال ، أو انقص .

فان في صورة زيادة الظرف يأخذ المشترى بعض الثمن .

وفي صورة زيادة الدهن يأخذ البائع ثمن دهنه الزائد .

فان الأصل أصيل ، حيث لا دليل .

ص: 303

واما مع العلم بالزيادة أو النقيصة ، فان كانت هناك عادة تقتضيه كان العقد واقعا عليها مع علم المتبايعين بها .

ولعله مراد من لم يقيد بالعلم .

ومع الجهل بها أو عدمها ، فلا يجوز الا مع التراضي ، لسقوط

_________________________

كما أن أصل الطهارة لا يوجب سقوط حكم النجاسة إذا انكشف الحال بان الشيء نجس ، هذا كله مع الجهل بالزيادة والنقيصة .

( واما مع العلم بالزيادة أو النقيصة ، فان كانت هناك عادة تقتضيه ) اى تقتضى هذا المقدار من الاندار ، كما لو اعتادوا اندار عشرة امنان لمائة منّ من الدهن ( كان العقد واقعا عليها ) اى على تلك العادة ( مع علم المتبايعين بها ) اى بتلك العادة ، فإنه يقع العقد على هذا الدهن الموجود ، سواء كان أزيد من تسعين منا أو أقل منه .

والمفروض ان كليهما عالم بالامر فلا وجه للبطلان .

( ولعله ) اى لعل صورة العلم بالزيادة أو النقيصة فيما إذا كانت هناك عادة متبعة ( مراد من لم يقيد ) العادة ( بالعلم ) .

يعنى ان من قال : ان كانت هناك عادة ، فلا بأس بالزيادة أو النقيصة ، أراد صورة ما إذا علما بتلك العادة ، لأنه لو لم يعلما بتلك العادة لا يصح ، الا مع التراضي - كما سيجيء - .

( ومع الجهل بها ) اى بالعادة ، بان جهلا ان هناك عادة ، وان كانت عادة واقعا ( أو عدمها ) اى عدم العادة أصلا ( فلا يجوز ) التعامل ( الا مع التراضي ، لسقوط ) « اللام » متعلق ب « التراضي » اى يرضيان بان

ص: 304

حق من له الحق سواء تواطيا على ذلك في متن العقد بان قال : بعتك ما في هذه الظروف كل رطل بدرهم ، على أن يسقط لكل ظرف كذا ، فهو هبة له ، أو تراضيا عليه بعده باسقاط من الذمة ، أو هبة للعين .

هذا كله

_________________________

يسقط ( حق من له الحق ) .

سقوط حق البائع ، فيما إذا كان الدهن أكثر ، وحق المشترى إذا كان الدهن أقل ( سواء تواطيا على ذلك ) اى على سقوط حق من له الحق ( في متن العقد بان قال : بعتك ما في هذه الظروف كل رطل بدرهم ، على أن يسقط لكل ظرف كذا ) عشر رطل - مثلا - فهو بمنزلة قولك : على أن تزيدني على كل عشرة رطلا ( فهو هبة له ، أو تراضيا عليه ) اى على سقوط حق من له الحق ( بعده ) اى بعد العقد ( باسقاط من الذمة ) فيما إذا كان الدهن أقل ، فان المشترى الّذي اعطى ثمن تسعين رطلا والحال انه قبض خمسة وثمانين رطلا - مثلا - ، يطلب من البائع ثمن خمسة أرطال ، فيسقطه عن ذمة البائع ( أو هبة للعين ) فيما إذا كان الدهن أكثر ، فان البائع اعطى خمسة وتسعين رطلا ، واخذ ثمن تسعين فقط ، فإنه يهب للمشترى الخمسة الاخر ، هذا .

ويحتمل ان يراد بالعبارة انه لو كان الدهن الزائد أو الثمن الزائد موجودا ، وهبة صاحبه للطرف الآخر ، ولو كانا متلفين أبرأ صاحبه ذمة الآخر عن الشيء المتلف .

( هذا كله ) ثلاثة احكام لثلاثة صور :

ص: 305

مع قطع النظر عن النصوص .

واما مع ملاحظتها فالمعول عليه رواية حنان المتقدمة الظاهرة في اعتبار الاعتياد من حيث ظهورها في كون حساب المقدار الخاص متعارفا .

واعتبار عدم العلم بزيادة المحسوب عن الظروف بما لا يتسامح به

_________________________

( 1 ) عدم العلم بالزيادة أو النقيصة .

( 2 ) العلم بالزيادة أو النقيصة ووجود العادة وعلم المتبايعين بالعادة .

( 3 ) الصورة الثانية ولكن مع عدم العادة أو الجهل بالعادة ، وقد عرفت احكام كل صورة ( مع قطع النظر عن النصوص ) إذ ما ذكرنا من احكام الصور الثلاثة ، انما هي بمقتضى الأصول الأولية ، والأدلة العامة .

( واما مع ملاحظتها ) وان في المقام نصوصا خاصة ( فالمعول عليه رواية حنان المتقدمة الظاهرة في ) صحة الاندار ، ب ( اعتبار الاعتياد ) بان تكون هناك عادة عند الناس في الاندار المذكور لدى بيع المظروف في ظرفه ( من حيث ظهورها ) اى ظهور الرواية ( في كون حساب المقدار الخاص ) للظرف ( متعارفا ) .

وانما عول على هذه الرواية فقط ، للمناقشة في سند سائر الروايات .

( واعتبار عدم العلم بزيادة المحسوب ) كالعشرة التي يسقطها لأجل الظرف - في المثال السابق - ( عن الظروف ) بان لا يعلم أن الظروف خمسة مثلا ( بما لا يتسامح به ) كخمسة .

اما إذا علم أن المحسوب أكثر من الظرف بقدر عشر رطل مثلا ،

ص: 306

في بيع كل مظروف بحسب حاله .

وكان الشيخ ره في النهاية فهم ذلك من الرواية فعبر بمضمونها ، كما هو دابه في ذلك الكتاب .

وحيث إن ظاهر الرواية جواز الاندار واقعا ، بمعنى عدم وقوعه

_________________________

فذلك غير مهم ، لأنه يتسامح بمثله عرفا ( في بيع كل مظروف بحسب حاله )

فان التسامح العرفي يختلف في الأشياء المختلفة .

مثلا في الدهن يتسامح بمثل : مثقال .

اما في الذهب ، فلا يتسامح حتى بقيراط ، وهكذا .

ثم لا يخفى : ان ما ذكره المصنف في مفاد الرواية مخالف لما ذكره من مقتضى القاعدة بوجهين .

الأول : ان مفاد الرواية اعتبار الاعتياد والجهل بالزيادة والنقيصة ومقتضى القاعدة كفاية أحدهما في صحة الاندار .

الثاني : عدم الجواز مع العلم بالزيادة مع وجود العادة المعلومة بل لا بدّ من رضى جديد ، غير الرضا المعاملي ، بكونه له ، واما بحسب القاعدة فيجوز كما تقدم .

( وكان الشيخ ره في النهاية فهم ذلك من الرواية ) اى الّذي ذكرناه في معنى رواية حنان ( فعبر بمضمونها ) اى مضمون الرواية ( كما هو ) اى التعبير بمضمون الروايات ( دابه في ذلك الكتاب ) اى النهاية .

( وحيث إن ظاهر الرواية ) رواية حنان ( جواز الاندار ) جوازا ( واقعا بمعنى عدم وقوعه

ص: 307

مراعى بانكشاف الزيادة والنقيصة علمنا بها كذلك .

فيكون مرجع النهى عن ارتكاب ما علم بزيادته ، نظير ما ورد من النهى عن الشراء بالموازين الزائدة عما يتسامح به .

فان ذلك يحتاج إلى هبة جديدة

_________________________

مراعى بانكشاف الزيادة والنقيصة ) حتى إذا انكشف خلاف القدر المندر يكون الاندار باطلا ( علمنا بها ) اى بالرواية ( كذلك ) اى بنحو ان الاندار يكفى واقعا ، سواء انكشف الخلاف ، أم لا .

( فيكون مرجع النهى عن ارتكاب ) الاندار في ( ما علم بزيادته ) كما لو علمنا أن الظرف خمسة ، فاندرنا له عشرة - مثلا - انما هو ( نظير ما ورد من النهى عن الشراء بالموازين الزائدة عما يتسامح به ) « عما » متعلق « بالزائدة » و « به » متعلق ب « يتسامح » .

والمراد بالموازين الزائدة التي يكون الحجر فيها أزيد من حق المشترى .

مثلا : حق المشترى « حقة » لكن الميزان يعطيه حقة ونصفا .

وقوله « نظير » خبر « يكون المرجع » اى كما أنه لو كان الميزان زائدا فاعطى البائع أزيد من حق المشترى ، احتاج الامر إلى هبة جديدة من البائع بالنسبة إلى المقدار الزائد ، كذلك إذا علمنا بان الظرف خمسة فاندر البائع له عشرة ، بان اعطى المشترى أزيد من حقة ، احتاج إلى هبة جديدة بالنسبة إلى الزائد .

( فان ذلك ) الزائد ( يحتاج إلى هبة جديدة ) للمقدار الزائد عن

ص: 308

ولا يكفى اقباضها من حيث كونها حقا للمشترى هذا كله .

مع تعارف اندار ذلك المقدار ، وعدم العلم بالزيادة .

واما مع عدم القيدين فمع الشك في الزيادة والنقيصة وعدم العادة يجوز الاندار ، لكن مراعى بعدم انكشاف أحد الامرين .

ومعها يجوز

_________________________

حق المشترى ( ولا يكفى اقباضها ) اى اقباض الزيادة ( من حيث كونها ) اى الزيادة ( حقا للمشترى ) « من » متعلق « باقباضها » .

وانما لا يكفى ، لأنه أزيد من حق المشتري ، فلم يكن مالا للمشترى بالمعاملة السابقة ، وعليه يحتاج إلى هبة جديدة ليصير ماله بالهبة ( هذا كله ) تمام الكلام .

( مع تعارف اندار ذلك المقدار ) كاندار عشرة للظرف ، والحال انه خمسة واقعا ( وعدم العلم بالزيادة ) اى بزيادة القدر المندر عن القدر الواقعي للظرف .

( واما مع عدم القيدين ) التعارف وعدم العلم ، بان كان تعارف وعلم ، أو كان عدم علم وعدم تعارف ، فليس مدلولا للرواية .

ولذا يجب ان نتبع القاعدة في صورة عدم القيدين ( فمع الشك في الزيادة والنقيصة وعدم العادة ) بان لم تكن عادة باندار عشرة وشككنا هل ان العشرة أزيد من القدر الواقعي للظرف ، أم لا ؟ ( يجوز الاندار ، لكن مراعى بعدم انكشاف أحد الامرين ) الزيادة أو النقيصة .

( ومعها ) اى مع وجود العادة والعلم بالزيادة والنقيصة ( يجوز )

ص: 309

بناء على انصراف العقد إليها ، لكن فيه تأمل ، لو لم يبلغ حدا يكون كالشرط في ضمن العقد ، لان هذا ليس من افراد المطلق حتى ينصرف - بكون العادة صارفة - له

_________________________

الاندار كذلك ، كما لو كانت عادة باندار عشرة لكن علمنا أن الوزن الواقعي للظرف خمسة أو خمسة عشر مثلا ( بناء على انصراف العقد إليها ) اى إلى العادة ، فان من يعقد على مائة من من السمن ، ينصرف عقده إلى المتعارف الّذي هو ما في الظرف ، سواء كان أزيد من التسعين أو أقل ، ولذا يصح ، العقد إذ العقود تتبع القصود ( لكن فيه ) اى في الجواز ( تأمل ) .

إذ كيف يبيع المالك خمسة وثمانين باسم تسعين .

أو كيف يأخذ المشترى خمسة وتسعين بعنوان تسعين ( لو لم يبلغ ) وجود العادة ( حدا يكون كالشرط في ضمن العقد ) فكان البائع اشترط ان كلما كان انقص من الدهن ، كان ذاهبا من كيس المشترى ، والمشترى اشترط ان كلما كان أزيد على التسعين كان له مجانا - مثلا - .

وانما تأملنا في الامر ( لان هذا ) الفرد الزائد أو الناقص ( ليس من افراد المطلق ) الّذي هو تسعون منا مثلا ( حتى ينصرف ) المطلق ( - ب ) سبب ( كون العادة صارفة - له ) اى لهذا الفرد « وله » متعلق ب « ينصرف » .

فان الانصراف انما يكون إلى بعض الافراد ، لا إلى ما ليس بفرد .

مثلا : لو كانت العادة اطلاق لفظ السيد على عالم كبير ، فإذا اطلق لفظ السيد كان منصرفا إليه ، لا انه ينصرف إلى انسان غير سيد ، لان غير

ص: 310

ثم الظاهر أن الحكم المذكور غير مختص بظروف السمن والزيت ، بل يعم كل ظرف ، كما هو ظاهر معقد الاجماع المتقدم عن فخر الدين ره وعبارة النهاية والوسيلة ، والفاضلين والشهيدين ، والمحقق الثاني .

ويؤيده الرواية المتقدمة عن قرب الإسناد ، لكن لا يبعد ان يراد بالظروف خصوص الوعاء المتعارف بيع الشيء فيه وعدم تفريغه منه ، كقوارير الجلاب والعطريات ، لا مطلق الظرف اللغوي اعني الوعاء .

_________________________

السيد ليس فردا أصلا ، فكيف يمكن ان يشمله لفظ السيد .

( ثم الظاهر ) من كلام الفقهاء والفهم العرفي للروايات ( ان الحكم المذكور ) في باب الاندار ( غير مختص بظروف السمن والزيت ، بل يعم كل ظرف ، كما هو ظاهر معقد الاجماع المتقدم عن فخر الدين ره ، وعبارة النهاية ، والوسيلة ، والفاضلين ) المحقق والعلامة ( والشهيدين ، والمحقق الثاني ) صاحب جامع المقاصد .

( ويؤيده الرواية المتقدمة عن قرب الإسناد ) لأنه ذكر الناسية والجوالق ( لكن لا يبعد ان ) التعميم بالنسبة إلى الظروف ليس تعميما يشمل كل ظرف ، بل ( يراد بالظروف خصوص الوعاء المتعارف بيع الشيء فيه وعدم تفريعه ) اى الشيء ( منه ) اى من ذلك الظرف ( كقوارير الجلاب والعطريات ، لا مطلق الظرف اللغوي اعني الوعاء ) لكل ما كان ، حتى أوعية اللبن والخاثر ، وما أشبه .

وانما نقول بهذا القدر من التعميم فقط ، لان المشابه العرفي لظرف السمن والزيت هو مثل هذا الظرف المتعارف بيع الشيء فيه ، لا مطلق

ص: 311

ويحتمل العموم ، وهو ضعيف .

نعم يقوى تعدية الحكم إلى كل مصاحب للمبيع يتعارف بيعه معه ، كالشمع في الحلىّ المصوغة من الذهب والفضة ، وكذا للمظروف الّذي يقصد ظرفه بالشراء إذا كان وجوده فيه تبعا له ، كقليل من الدبس في الزقاق

واما تعدية الحكم إلى كل ما ضمّ إلى المبيع مما لا يراد بيعه معه ، فمما لا ينبغي احتماله .

_________________________

الظرف .

( ويحتمل العموم ) لكل ظرف بشهادة رواية الناسية والجوالق ( وهو ضعيف ) إذ لا تصلح رواية قرب الإسناد للاستناد لضعفها - كما تقدم - .

( نعم يقوى تعدية الحكم ) اى حكم الاندار ( إلى كل مصاحب للمبيع يتعارف بيعه ) اى بيع ذلك المصاحب ( معه ) اى مع المبيع ، وذلك لفهم العرف عدم خصوصية لظرف السمن والدهن ( كالشمع ) الداخل ( في الحلىّ المصوغة من الذهب والفضة ) كما إذا باع الذهب واندر مثقالا - مثلا - للشمع الموجود فيه ( وكذا ) يقوى تعدى حكم الاندار ( للمظروف الّذي يقصد ظرفه بالشراء إذا كان وجوده ) اى المظروف ( فيه ) اى في الظرف ( تبعا له ) اى للظرف ( كقليل من الدبس في الزقاق ) فإنه يجوز ان يبيع الزقاق وزنا ، ثم يندر لقليل الدبس الّذي فيه .

( واما تعدية الحكم إلى كل ما ضمّ إلى المبيع مما لا يراد بيعه معه ) كآنية اللبن ، وما أشبه ( فمما لا ينبغي احتماله ) ، إذ ليس وجه لتعدى الحكم من الأدلة الخاصة إلى هذا ، مع أن العرف لا يعرف المشابهة بينهما فاللازم الرجوع في ذلك إلى القواعد العامة والله العالم .

ص: 312

مسئلة يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون معه ،

وان لم يعلم الا بوزن المجموع على المشهور

بل لم يوجد قائل بخلافه من الخاصة ، الا ما ارسله في الروضة ، ونسب في التذكرة إلى بعض العامة ، استنادا إلى أن وزن ما يباع وزنا غير معلوم ، والظرف لا يباع وزنا ، بل لو كان موزونا لم ينفع مع جهالة وزن كل واحد .

_________________________

( مسألة ) تناسب المسألة السابقة ( يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون معه ، وان لم يعلم ) اى كل من البائع والمشترى ( الا بوزن المجموع ، على المشهور ) كما لو باع زقا من الدهن وزنهما رطلان ، لكن لا يعلم هل وزن الدهن رطل أو رطل ونصف ؟ - مثلا - ( بل لم يوجد قائل بخلافه ) اى خلاف الجواز ( من الخاصة ، الا ما ارسله ) الشهيد الثاني ( في الروضة ، ونسب في التذكرة إلى بعض العامة ، استنادا ) في المنع ( إلى أن وزن ما يباع وزنا غير معلوم ) « غير معلوم » خبر « ان وزن » و « وزنا » تمييز « لما يباع » ( والظرف لا يباع وزنا ) فما يجب ان يوزن لم يوزن ، وما لا يلزم وزنه وزن ( بل لو كان ) الظرف ( موزونا ) في نفسه كما لو فرض انه صنع ظرفا من الخبز ، وملأه دهنا - كما يعتاد مثل ذلك في ازمنتنا هذه - ( لم ينفع ) وزن المجموع في صحة البيع ( مع جهالة وزن كل واحد ) من الظرف والمظروف .

إذ الظاهر من أدلة وزن ما يوزن ، ان يوزن كل جنس على حده ، فلو وزن الحنطة والعسل رطلا مثلا ، لم ينفع في جواز البيع .

ص: 313

واختلاف قيمتهما .

فالغرر الحاصل في البيع الجزاف حاصل هنا .

والّذي يقتضيه النظر ، اما فيما نحن فيه مما جوز شرعا بيعه منفردا عن الظرف مع جهالة وزنه فالقطع بالجواز منضما ، إذ لم يحصل من الانضمام مانع ولا ارتفع شرط .

واما في غيره

_________________________

( واختلاف قيمتهما ) عطف على « جهالة » وهذا سبب آخر ، فان اختلاف القيمة أيضا يوجب العلم بقدر كل واحد منهما ، والا لزم الغرر .

( فالغرر الحاصل في البيع الجزاف ) الّذي منع عنه الشارع ، لأنه غرر ( حاصل هنا ) في بيع الظرف والمظروف معا .

( والّذي يقتضيه النظر ، اما فيما نحن فيه ) من بيع الظرف والمظروف ( مما يجوز شرعا بيعه منفردا عن الظرف مع جهالة وزنه ) اى وزن المظروف كما تقدم في مسألة الاندار - ( فالقطع بالجواز ) لبيعه ( منضما ) إلى الظرف ( إذ لم يحصل من الانضمام ) إلى الظرف ( مانع ) من جواز البيع ( ولا ارتفع شرط ) .

وعدم الجواز منفردا أولى من عدم الجواز منضما ، فإذا جاز منفردا جاز منضما بطريق أولى .

والحاصل : نقول بالجواز هنا لمناط مسئلة الاندار .

( واما ) جواز البيع منضما ( في غيره ) اى غير ما نحن فيه - وما نحن فيه هو بيع الظرف والمظروف - .

ص: 314

من أحد المنضمين اللّذين لا يكفى في بيعه منفردا معرفة وزن المجموع ، فالقطع بالمنع مع لزوم الغرر الشخصي .

كما لو باع سبيكة من ذهب مردّد بين مائة مثقال والف ، مع وصلة من رصاص قد بلغ وزنهما الفي مثقال .

فان الاقدام على هذا البيع اقدام على ما فيه خطر يستحق لأجله اللوم من العقلاء .

واما مع انتفاء الغرر الشخصي وانحصار المانع

_________________________

والمراد بيع شيئين موزونين منضما أحدهما إلى الآخر بحيث لا يعلم وزن كل واحد منفردا ( من أحد المنضمين اللّذين لا يكفى في بيعه منفردا معرفة وزن المجموع ) كما لو كان الدهن مخلوطا مع الخبز حيث لا يكفى في بيع كل واحد من الدهن والخبز الا معرفة كميته بذاته ، فلا يكفى معرفة وزنهما معا ( فالقطع بالمنع مع لزوم الغرر الشخصي ) لا الغرر النوعي بمعنى ان يكون الغرر في شخص هذه المعاملة .

( كما لو باع سبيكة من ذهب مردّد بين مائة مثقال والف ، مع وصلة من رصاص قد بلغ وزنهما الفي مثقال ) اى كان وزن مجموع الذهب والرصاص الفين مع جهالة ان الذهب مائة والرصاص الف وتسعمائة ، أو ان كلا منهما الف ، فإنه غرر بلا اشكال .

( فان الاقدام على هذا البيع اقدام على ما فيه خطر يستحق لأجله اللوم ) والمذمة ( من العقلاء ) ومثله باطل لأنه مشمول لقوله : نهى النبي عن الغرر .

( واما مع انتفاء الغرر الشخصي وانحصار المانع ) في بيع مجموع

ص: 315

في النص الدال على لزوم الاعتبار بالكيل والوزن ، والاجماع المنعقد على بطلان البيع إذا كان المبيع مجهول المقدار في المكيل والموزون فالقطع بالجواز .

لان النص والاجماع انما دلّ على لزوم اعتبار المبيع ، لا كلّ جزء منه .

ولو كان أحد الموزونين يجوز بيعه منفردا ، مع معرفة وزن المجموع دون الآخر كما لو فرضنا جواز بيع الفضة المحشى بالشمع ، وعدم جواز بيع الشمع كذلك ، فان فرضنا الشمع تابعا لا يضر جهالته ،

_________________________

الظرف والمظروف ( في النص الدال على لزوم الاعتبار بالكيل والوزن ، و ) في ( الاجماع المنعقد على بطلان البيع إذا كان المبيع مجهول المقدار ) والبطلان ( في المكيل والموزون ، فالقطع بالجواز ) لبيع الظرف والمظروف ، إذ لا نص ولا اجماع هنا يدلان على المنع .

( لان النص والاجماع انما دل ) اى كل واحد منهما - من قبيل وانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه - ( على لزوم اعتبار المبيع ) بمجموعه كيلا أو وزنا ( لا ) اعتبار ( كل جزء منه ) ولذا جرت السيرة على خلط بعض الموزونات كالسدر والخطمي ، والأزهار الصدرية ، والدبس والشيرج ، وغيرها ثم كيل المجموع أو وزن مع أنه لا اطلاع بمقدار كل واحد على حدة .

( ولو كان أحد الموزونين يجوز بيعه منفردا ، مع معرفة وزن المجموع دون الآخر ) هذا عطف على قوله « من أحد المنضمين الذين لا يكفى في بيعه منفردا » ( كما لو فرضنا جواز بيع الفضة المحشى بالشمع ، وعدم جواز بيع الشمع كذلك ) اى بدون الوزن ( فان فرضنا الشمع تابعا لا يضر جهالته )

ص: 316

والا فلا .

ثم إن بيع المظروف مع الظرف يتصور على صور .

إحداها : ان يبيعه مع ظرفه بعشرة مثلا ، فيقسط الثمن على قيمتي كل من المظروف والظرف لو احتيج إلى التقسيط .

فإذا قيل قيمة الظرف درهم ، وقيمة المظروف تسعة ، كان للظرف عشر الثمن ،

_________________________

لما تقدم في بعض المباحث من أن جهالة التابع غير ضارة ، كجهالة أساس البناء ، وقطن الجبة ، وما أشبه .

إذ أدلة الوزن ظاهرها وزن الشيء الّذي يباع مستقلا ، لا تابعا ( والا ) يكن تابعا ( فلا ) يجوز بيعه ، لان جهالته مضرة .

( ثم إن بيع المظروف مع الظرف يتصور على صور ) .

( إحداها : ان يبيعه مع ظرفه بعشرة مثلا ، فيقسط الثمن على قيمتي كل من المظروف والظرف لو احتيج إلى التقسيط ) .

كما لو تبين ان الظرف ملك لانسان آخر فاحتيج إلى توزيع الثمن بعد ان أجاز البيع صاحب الظرف .

( فإذا قيل قيمة الظرف درهم ، وقيمة المظروف تسعة ، كان للظرف عشر الثمن ) .

وعليه : فإذا باعهما بخمسة كان للظرف نصف درهم ، وللمظروف أربعة ونصف ، وهكذا .

لان النسبة هي العشر حسب الفرض .

ص: 317

الثانية ان يبيعه مع ظرفه بكذا على أن كل رطل من المظروف بكذا فيحتاج إلى اندار مقدار للظرف ، ويكون قيمة الظرف ما بقي بعد ذلك .

وهذا في معنى بيع كل منهما منفردا ، الثالثة : ان يبيعه مع الظرف كل رطل بكذا ، على أن يكون التسعير للظرف والمظروف .

_________________________

الصورة ( الثانية ان يبيعه ) اى المظروف ( مع ظرفه بكذا ) درهما ( على أن كل رطل من المظروف بكذا ) درهما ( فيحتاج إلى اندار مقدار للظرف ، ويكون قيمة الظرف ما بقي بعد ذلك ) كما تقدم في مسئلة الاندار .

( وهذا في معنى بيع كل منهما منفردا ) لأنه باع المظروف بكذا واندر للظرف كذا مقدارا وباعه بكذا .

الصورة ( الثالثة : ان يبيعه مع الظرف كل رطل بكذا ) درهما ( على أن يكون التسعير للظرف والمظروف ) .

وإذا أردنا توضيح الفرق نقول : نفرض ان الدهن ثمانية أرطال وان الظرف رطلان ، وان القيمة المشترى بها عشرة دراهم .

ففي الصورة الأولى وهي النسبة ، لو فرضنا ان القيمة الواقعية للدهن نصف درهم ، والقيمة الواقعية للظرف درهم يكون للدهن « 3 / 2 » درهم وللظرف « 3 / 1 3 » درهم .

وفي الصورة الثانية وهي الاندار يكون تسعة دراهم للدهن ، ودرهم واحد للظرف .

وفي الصورة الثالثة وهي اشتراء الظرف والمظروف معا يكون ثمانية دراهم للدهن ، ودرهمان للظرف .

ص: 318

وطريقة التقسيط لو احتيج إليه كما في المسالك ان يوزن الظرف منفرد أو ينسب إلى الجملة ويؤخذ له من الثمن بتلك النسبة .

وتبعه على هذا غير واحد .

ومقتضاه : انه لو كان الظرف رطلين والمجموع عشرة اخذ له خمس الثمن .

والوجه في ذلك ملاحظة الظرف والمظروف شيئا واحدا ، حتى أنه

_________________________

( وطريقة التقسيط ) للدهن والظرف ( لو احتيج إليه ) اى إلى التقسيط في الصورة الثالثة ( كما ) ذكر التقسيط ( في المسالك ) بان ظهر الظرف مثلا ملكا للغير ، فأريد اعطائه ثمنه ، بعد ان أجاز المعاملة الفضولية مثلا ( ان يوزن الظرف منفردا ) كرطلين في المثال السابق ( وينسب إلى الجملة ) وهي عشرة أرطال في المثال السابق ( ويؤخذ له ) اى للظرف ( من الثمن ) وهي عشرة دراهم ( بتلك النسبة ) اى نسبة الرطلين إلى عشرة أرطال .

( وتبعه ) اى الشهيد ( على هذا ) النوع من التقسيط ( غير واحد ) من الفقهاء .

( ومقتضاه : انه لو كان الظرف رطلين والمجموع ) من الظرف والمظروف ( عشرة ) أرطال ( اخذ له خمس الثمن ) كدرهمين في المثال ، لان الاثنين خمس العشرة .

( والوجه في ذلك ) اى في التوجيه الّذي ذكره المسالك لأجل التقسيط ( ملاحظة الظرف والمظروف شيئا واحدا ، حتى أنه

ص: 319

يجوز ان يفرض تمام الظرف كسرا مشاعا من المجموع ليساوى ثمنه من المظروف .

فالمبيع كل رطل من هذا المجموع ، لا من المركب من الظرف والمظروف ، لأنه إذا باع كل رطل من الظرف والمظروف بدرهم مثلا ، وزع الدرهم على الرطل والمظروف بحسب قيمة مثلهما .

فإذا كان قيمة خمس الرطل المذكور الّذي هو

_________________________

يجوز ان يفرض تمام الظرف كسرا مشاعا ) .

فالظرف خمس المبيع - في المثال - .

والمظروف أربعة أخماس المبيع ( من المجموع ) من الظرف والمظروف ( ليساوى ثمنه ) اى ثمن الظرف ( من ) ثمن ( المظروف ) .

فكما ان رطلين من الدهن بدرهمين ، كذلك رطلان من الظرف بدرهمين ، لفرض ان الظرف والمظروف شيء واحد .

( فالمبيع كل رطل من هذا المجموع ) ثمانية وحدات من الدهن ، ووحدتان من الظرف اى ان كل رطل بدرهم ، سواء كان رطل دهن أو رطل ظرف ( لا ) ان المبيع هو كل رطل ( من المركب من الظرف والمظروف ) بحيث يكون كل رطل عشرة اجزاء ، جزءان من المظروف وثمانية اجزاء من الظرف ( لأنه إذا باع كل رطل من الظرف والمظروف بدرهم مثلا ، وزع الدرهم على الرطل والمظروف بحسب قيمة مثلهما ) اى مثل الرطل ومثل المظروف .

( فإذا كان قيمة خمس الرطل المذكور ) ظرفا ومظروفا ( الّذي هو )

ص: 320

وزن الظرف الموجود فيه مساويا لقيمة أربعة الأخماس التي هي مقدار المظروف الموجود ، فكيف يقسط الثمن عليه أخماسا ؟

_________________________

ذلك الخمس ( وزن الظرف الموجود فيه ) المظروف ( مساويا لقيمة أربعة الأخماس التي هي مقدار الموجود ) في خمس الرطل ( فكيف يقسط الثمن عليه ) اى على كل من الظرف والمظروف ( أخماسا ) بل اللازم توزيع الثمن انصافا ، نصف لخمس الرطل وهو الظرف ونصف لأربعة أخماس الرطل وهو المظروف .

ولتوضيح المسألة : نقول انك إذا خلطت حقتين من الدهن قيمة كل حقة عشرة دراهم بثمان حقق من الدبس ، قيمة كل حقة درهمان ونصف ، أصبح قيمة كل حقة من المخلوط أربعة دراهم .

ثم انك قد تبيع حقة بأربعة دراهم من المجموع وهنا يتساوى الدبس والدهن في القيمة حتى إذا فرضنا ان الدهن تبخر كان للمشترى ان يأخذ منك خمس أربعة دراهم لان خمس الحقة بطل وفنى .

وقد تبيع حقة بأربعة دراهم من المركب ، وهنا يكون قيمة الدهن وهو الخمس مساويا لقيمة الدبس ، وهو : أربعة أخماس ، حتى إذا تبخّر الدهن ، كان للمشترى ان يأخذ منك درهمين نصف أربعة دراهم - الثمن - لأنه يتساوى قيمة الخمس من الدهن مع قيمة الأربعة الأخماس من الدبس .

ص: 321

[ تنبيهات البيع ]

مسئلة المعروف بين الأصحاب تبعا لظاهر تعبير الشيخ بلفظ ينبغي استحباب التفقه في مسائل الحلال والحرام

المتعلقة بالتجارات ليعرف صحيح العقد من فاسده ، ويسلم من الربا ، وعن إيضاح النافع انه قد يجب ، وهو ظاهر عبارة الحدائق أيضا ، وكلام المفيد في المقنعة أيضا لا يأبى الوجوب ، لأنه بعد ذكر قوله تعالى : لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ وقوله تعالى : أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا

_________________________

( مسألة : المعروف بين الأصحاب تبعا لظاهر تعبير الشيخ بلفظ ينبغي ، استحباب التفقه في مسائل الحلال والحرام المتعلقة بالتجارات ليعرف صحيح العقد من فاسده ) .

مثلا : اعطاء العوضين في المجلس في بيع الصرف موجب لصحة العقد ، وعدم الاعطاء في المجلس يوجب بطلان العقد ( ويسلم من الربا ) الّذي قد يقع فيه الجاهل ، وهو يظن أنه حلال وانصاف .

مثلا إذا بدل حقة من الحنطة الجيدة قيمتها عشرة بحقتين رديئتين قيمة كل حقة خمسة ، فإنه يظن صحة المعاملة للتعادل بين الواحد والاثنين في القيمة والحال انه ربا ( وعن إيضاح النافع انه قد يجب ) التفقه ( وهو ) اى الوجوب ( ظاهر عبارة الحدائق أيضا ، وكلام المفيد في المقنعة أيضا لا يأبى الوجوب ، لأنه ) اى المفيد ره ( بعد ذكر قوله تعالى : لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) مِنْكُمْ ( وقوله تعالى : أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ ، وَ : مِمَّا أَخْرَجْنا

ص: 322

لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ، وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ، قال : فندب إلى الانفاق من طيب الاكتساب ، ونهى عن طلب الخبيث للمعيشة والانفاق ، فمن لم يعرف فرق ما بين الحلال من المكتسب والحرام ، لم يكن مجتنبا للخبيث من الاعمال ، ولا كان على ثقة في تفقه من طيب الاكتساب .

وقال تعالى أيضا : ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا ، وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ

_________________________

لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ) اى من طيب الكسب كثمن التجارة لا بدل القمار ومن طيب النباتات كالحنطة لا كالحنظل ( وَلا تَيَمَّمُوا ) اى لا تقصدوا ( الْخَبِيثَ مِنْهُ ) اى من الكسب ، ومما أخرجنا من الأرض ( تُنْفِقُونَ ، قال : فندب إلى الانفاق من طيب الاكتساب ، ونهى عن طلب الخبيث للمعيشة ) اى المعيشة بالخبيث ( والانفاق ) .

كأنه ره فهم من قوله : وَلا تَيَمَّمُوا جملة .

ومن قوله : مِنْهُ تُنْفِقُونَ ، جملة أخرى ، ولذا ذكر المعيشة والانفاق .

ولكن ظاهر الآية الانفاق فقط ( فمن لم يعرف فرق ما بين الحلال من المكتسب والحرام ، لم يكن مجتنبا للخبيث من الاعمال ) كالبيوع المحرمة لفقدها لشروط العوضين أو شروط المتعاقدين ( ولا كان على ثقة في تفقه من طيب الاكتساب ) فإنه لا يوثق بمن لا يعرف ، كما لا يوثق بدواء من لا يعرف الطب .

( وقال تعالى أيضا : ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا ) كلاهما اكتساب ، فكلاهما حلال ( و ) الحال انه يوجد فرق بينهما ، فقد ( أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ

ص: 323

وَحَرَّمَ الرِّبا .

فينبغي ان يعرف البيع المخالف للربا ، ليعلم بذلك ما أحل اللّه ، وحرم من المتاجر والاكتساب ، وجاءت الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام : انه كان يقول : من اتّجر بغير علم ، فقد ارتطم في الربا ، ثم ارتطم ثم قال : قال الصادق عليه السلام : من أراد التجارة ، فليتفقه في دينه ، ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليه ، ومن لم يتفقه في دينه ، ثم اتّجر تورط في الشبهات ، انتهى . أقول : ظاهر كلامه ره الوجوب ، الا ان تعبيره بلفظ « ينبغي » ربما يدعى ظهوره في الاستحباب .

_________________________

وَحَرَّمَ الرِّبا ) لأنه يوجد فساد الأموال ، وغير ذلك من علة التحريم .

( فينبغي ان يعرف ) المتعرض للتجارة ( البيع المخالف للربا ، ليعلم بذلك ) العرفان ( ما أحل اللّه ، وحرم من المتاجر والاكتساب ) قال : ( وجاءت الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام : انه كان يقول : من اتّجر بغير علم ، فقد ارتطم في الربا ، ثم ارتطم ) يقال : ارتطم الحمار في الوحل ، إذا دخل فيه فلم يقدر ان يخرج ( ثم قال : قال الصادق عليه السلام : من أراد التجارة ، فليتفقه في دينه ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليه ، ومن لم يتفقه في دينه ، ثم اتّجر تورط في الشبهات ) اى المعاملة المشتبهة التي لا يعلم حلّها من حرامها ( انتهى ) كلام المفيد في المقنعة .

( أقول : ظاهر كلامه ره ) حيث قال « ونهى » ( الوجوب ، الا ان تعبيره بلفظ « ينبغي » ربما يدعى ظهوره في الاستحباب ) لان ظاهر ينبغي في كلامنا ذلك ، وان كان قد يستعمل : لا ينبغي ، حتى في المستحيل ، مثل

ص: 324

الا ان الانصاف ان ظهوره ليس بحيث يعارض ظهور ما في كلامه في الوجوب من باب المقدمة ، فان معرفة الحلال والحرام واجبة على كل أحد بالنظر إلى ما يبتلى به من الأمور .

وليس معرفة جميعها مما يتعلق بالانسان وجوبها فورا دفعة ، بل

_________________________

« وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً » .

( الا ان الانصاف ان ظهوره ) اى ظهور : ينبغي ، في الاستحباب ( ليس بحيث يعارض ظهور ما في كلامه في الوجوب من باب المقدمة ) لترك المحرمات .

إذ ظاهر كلامه انه بدون التفقه يقع الانسان في الحرام ، ومن المعلوم ان مقدمة ترك الحرام واجب عقلي ( فان معرفة الحلال والحرام واجبة على كل أحد ) وانما يجب ( بالنظر ) اى بملاحظة ( إلى ما يبتلى به ) الضمير عائد إلى « ما » ( من الأمور ) بيان « ما » .

( و ) ان قلت : كل عمل يعمله الانسان ولا يعلم أنه حرام لم يكن معاقبا عليه ، لاجرائه أصل البراءة عن التكليف في هذا الامر .

قلت : بل كل فعل أراد الانسان ان يعمله واحتمل ان يكون حراما ، أو احتمل انه شيء آخر يريد ان يفعلهما حرام ، فإذا لم يتعلم وكان واقعا حراما كان معاقبا عقلا وشرعا .

إذ ( ليس معرفة جميعها ) اى جميع الأحكام ( مما يتعلق بالانسان وجوبها فورا دفعة ) بان يجب ان يترك جميع الاعمال ويشتغل بتعلم الاحكام ليل نهار حتى يستوعبها ( بل ) الواجب التعلم

ص: 325

عند الالتفات إلى احتمال الحرمة في فعل يريد ان يفعله ، أو عند إرادة الاقدام على افعال يعلم بوجود الحرام بينها ، فإنه معاقب على ما يفعله من الحرام لو ترك التعلم ، وان لم يلتفت عند فعله إلى احتمال تحريمه .

فان التفاته السابق وعلمه بعدم خلوّ ما يريد مزاولتها من الافعال من الحرام ، كاف في حسن العقاب ، والا لم يعاقب أكثر الجهال على أكثر المحرمات ، لأنهم يفعلونها

_________________________

( عند الالتفات إلى احتمال الحرمة في فعل يريد ان يفعله ، أو عند إرادة الاقدام على افعال يعلم بوجود الحرام بينها ) .

كما لو أراد معاملة مضاربية ، احتمل انها محرمة .

أو أراد ان يبيع ويشترى في عدة معاملات علم بان واحدها حرام .

اما الوجوب في الأول ، فلانه مقتضى التدين بالدين بالإضافة إلى العلم الاجمالي الكبير .

واما الوجوب في الثاني فلانه مقتضى العلم الاجمالي الصغير بالإضافة إلى أنه مقتضى التدين بالدين ( فإنه معاقب على ما يفعله من الحرام لو ترك التعلم ، وان لم يلتفت عند فعله إلى احتمال تحريمه ) إذ :

لا يشترط عند العقلاء العلم الآن حال الفعل .

( فان التفاته السابق وعلمه ) السابق ( بعدم خلوّ ما يريد مزاولتها من الافعال ) بيان « ما » ( من الحرام ) متعلق ب « خلو » ( كاف في حسن العقاب ، والا ) فلو لم يكن ذلك العلم كافيا في حسن العقاب ( لم يعاقب أكثر الجهال على أكثر المحرمات ، لأنهم يفعلونها ) اى المحرمات

ص: 326

وهم غير ملتفتين إلى احتمال حرمتها عند الارتكاب .

ولذا اجمعنا على أن الكفار يعاقبون على الفروع .

وقد ورد ذم الغافل المقصر في معصيته في غير واحد من الاخبار .

ثم لو قلنا بعدم العقاب على فعل المحرم الواقعي الّذي يفعله من

_________________________

( وهم غير ملتفتين إلى احتمال حرمتها عند الارتكاب ) .

وانما استحسن عقابهم علمهم السابق .

وحيث إن الشارع لم يحدث طريقة جديدة تخالف طريقة العقلاء فاللازم ان نقول : بأنه أيضا كسائر العقلاء في الثواب والعقاب .

( ولذا ) الّذي ذكرنا ان العلم السابق كاف في باب العقاب وان كان حال العمل غافلا ( اجمعنا ) نحن الشيعة ( على أن الكفار يعاقبون على الفروع ) مع وضوح انهم حال العمل غالبا غافلون وانما استحسن عقابهم علمهم السابق بأنهم مكلفون بتكاليف الدين الّذي رفضوه عنادا .

( وقد ورد ذم الغافل المقصر في معصيته ) « في » متعلق ب « المقصر » ( في غير واحد من الاخبار ) فإنه ورد انه يقال للانسان يوم القيامة : هلا عملت ؟ فيقول : يا ربّ لم أكن اعلم ، فيقال له : هلا تعلمت ؟

وورد أيضا انه غسل مجدور فمات ، فقال عليه السلام : قتلوه قتلهم الله هلّا يمّموه ، إلى غيرها .

وقد عقد السيد الشبّر لهذا بابا مستقلا في كتابه مصابيح الأنوار فراجع .

( ثم لو قلنا بعدم العقاب على فعل المحرم الواقعي الّذي يفعله ) الجاهل ( من

ص: 327

غير شعور ، كما هو ظاهر جماعة تبعا للأردبيلي ره من عدم العقاب على الحرام المجهول حرمته عن تقصير ، لقبح خطاب الغافل ، فيقبح عقابه .

لكن وجوب تحصيل العلم وإزالة الجهل واجب على هذا القول ، كما اعترفوا به .

والحاصل : ان التزام عدم عقاب الجاهل المقصر لا على فعل الحرام ولا على ترك التعلم ، الا إذا كان حين الفعل ملتفتا إلى احتمال تحريمه ،

_________________________

غير شعور ، كما هو ظاهر جماعة تبعا ل ) المقدس ( الأردبيلي « ره » من عدم العقاب على الحرام المجهول حرمته عن تقصير ) « عن » متعلق بالمجهول .

مستدلا ( ل ) عدم العقاب ، ب ( قبح خطاب الغافل ، فيقبح عقابه ) .

اما قبح الخطاب فلفرض انه غافل ، والغافل ليس اهلا لان يخاطب .

واما قبح عقابه فلان العقاب تابع للخطاب ، فإذا قبح الخطاب قبح العقاب .

( لكن وجوب تحصيل العلم ) بالاحكام ( وإزالة الجهل واجب على هذا القول ) اى قول الأردبيلي ( كما اعترفوا ) المقدس واتباعه ( به ) اى بوجوب تحصيل العلم .

فالجاهل له عقاب قطعا ، اما على ترك التعلم ، كما يقوله المقدس ، واما على ترك الاحكام ، كما يقوله المشهور .

( والحاصل : ان التزام عدم عقاب الجاهل المقصر لا على فعل الحرام ) « على » متعلق ب « عقاب » - كما يقوله المشهور - ( ولا على ترك التعلم ) كما يقوله المقدس واتباعه ( الا إذا كان حين الفعل ملتفتا إلى احتمال تحريمه ،

ص: 328

لا يوجد له وجه بعد ثبوت أدلة التحريم ، ووجوب طلب العلم على كلّ مسلم ، وعدم تقبيح عقاب من التفت إلى وجود الحرام في افراد البيع التي يزاولها تدريجا على ارتكاب الحرام في هذا الأثناء ، وان لم يلتفت حين إرادة ذلك الحرام .

ثم إن المقام

_________________________

لا يوجد له وجه ) صحيح ، وان أمكن ان يوجه بان التعلم واجب مقدمى فلا عقاب على تركه ، والحرام ان عوقب به يكون عقابا بلا خطاب ، وذلك ليس بجائز عقلا ، فلا عقاب على ذات الحرام ، ولا على مقدمته ( بعد ثبوت أدلة التحريم ) الدالة على أن المعاملة الكذائية محرمة - كالربا - مثلا ( ووجوب طلب العلم على كل مسلم ) .

فامّا ان نقول : الطلب واجب وعلى تركه العقاب ، كما قاله المقدس .

واما ان نقول فعل الحرام حرام لوجود الأدلة الشاملة للعالم والجاهل ، كما قال المشهور ( و ) بعد ( عدم تقبيح ) العقلاء ( عقاب من التفت إلى وجود الحرام في افراد البيع التي يزاولها تدريجا ) فان التاجر يعلم أن بعض معاملاته التي يعاملها في تمام السنة مخالف لقوانين الشريعة ( على ارتكاب الحرام في هذا الأثناء ) « على » متعلق ب « تقبيح » اى ان العقل لا يقبح العقاب ، ومقتضى الشرع - كما عرفت - العقاب ، فكيف يمكن ان نقول بعدم العقاب ؟ ( وان لم يلتفت ) إلى كون المعاملة حراما ( حين إرادة ذلك الحرام ) « ان » وصلية ب « وعدم تقبيح » .

( ثم إن المقام ) وهو مقام اجراء المعاملة التي لا يعلم تصحيح

ص: 329

يزيد على غيره بان الأصل في المعاملات الفساد .

فالمكلف إذا أراد التجارة وبنى على التصرف فيما يحصل في يده من أموال الناس على وجه العوضية يحرم عليه ظاهرا الاقدام على كل تصرف منها بمقتضى اصالة عدم انتقاله إليه الا مع العلم بامضاء الشارع لتلك المعاملة .

ويمكن ان يكون في قوله عليه السلام : التاجر فاجر ، والفاجر في النار الا من اخذ الحق واعطى الحق ، إشارة إلى

_________________________

الشارع لها ( يزيد على غيره ) من سائر المحرمات التي يرتكبها الجاهل ( بان الأصل في المعاملات الفساد ) لأنه قبل المعاملة لم يكن المثمن للمشترى ولا الثمن للبائع ، فلو شك في ان المعاملة هل أوجبت الانتقال أم لا ؟ فالأصل عدم الانتقال .

( فالمكلف إذا أراد التجارة وبنى على التصرف فيما يحصل في يده من أموال الناس ) ثمنا كانت ، أو مثمنا ، أو نحوهما ( على وجه العوضية ) كعوض المبيع ، أو عوض الإجارة ، أو ما أشبه ( يحرم عليه ظاهرا الاقدام على كل تصرف منها ) اما واقعا ، فان كانت المعاملة مطابقة للشريعة حلت والا حرمت ( بمقتضى أصالة عدم انتقاله ) اى المال ( إليه ) اى إلى المكلف الّذي يريد التصرف و « بمقتضى » متعلق ب « يحرم » ( الا مع العلم بامضاء الشارع لتلك المعاملة ) .

( ويمكن ان يكون في قوله عليه السلام : التاجر فاجر ، والفاجر في النار الا من اخذ الحق واعطى الحق ) والمراد بالاخذ والعطاء كل نقل وانتقال وان لم يكن اخذ وعطاء خارجي ، كما هو ظاهر ( إشارة إلى

ص: 330

هذا المعنى بناء على أن الخارج من العموم ليس الا من علم باعطاء الحق واخذ الحق .

فوجوب معرفة المعاملة الصحيحة في هذا المقام شرعي ، لنهى الشارع عن التصرف في مال ، لم يعلم انتقاله إليه ، بناء على اصالة عدم انتقاله إليه .

وفي غير هذا المقام .

_________________________

هذا المعنى ) الّذي ذكرناه من اصالة الفساد ( بناء على أن الخارج ) اى « الا من . . . » ( من العموم ) « التاجر فاجر » ( ليس الا من علم باعطاء الحق واخذ الحق ) لا ان يكون الخارج آخذ الحق ومعطيه واقعا سواء علم بأنه حق ، أم لا .

لكن الانصاف : ان تقييد المستثنى بالعلم خلاف ظاهر هذا الدليل كما هو خلاف سائر أدلة الاحكام .

( فوجوب معرفة المعاملة الصحيحة في هذا المقام ) اى مقام إرادة التصرف في مال ، كان سابقا للغير ، في باب المعاملات ( شرعي ) لا ان الوجوب مقدمى - حتى لا يكون في تركه العقاب - ( لنهى الشارع عن التصرف في مال ، لم يعلم انتقاله إليه ) إذ الشك في صحة المعاملة معناه عدم العلم بانتقال المال إلى المتعاملين من الآخر ( بناء على اصالة عدم انتقاله ) اى المال ( إليه ) اى إلى الثالث ، وقوله « بناء » متعلق ب « نهى الشارع » .

( وفي غير هذا المقام ) كما لو أراد التصرف في مال نفسه الّذي نقله

ص: 331

عقلي مقدمى لئلا يقع في الحرام .

وكيف كان ، فالحكم باستحباب التفقه للتاجر ، محل نظر ، بل الأولى وجوبه عليه عقلا وشرعا ، وان كان وجوب معرفة باقي المحرمات من باب العقل فقط .

ويمكن توجيه كلامهم بإرادة التفقه الكامل ليطلع على مسائل الربا الدقيقة ، والمعاملات الفاسدة كذلك

_________________________

إلى الغير بناقل لا يعلم أنه هل هو ناقل صحيح ، أم لا ؟ ( عقلي مقدمى لئلا يقع في الحرام ) إذ بعد اجراء المعاملة المشكوكة الصحة يعلم الثالث ان التصرف في مال نفسه ، أو مال طرفه حرام .

( وكيف كان ، فالحكم ) الّذي تقدم عن جميع الفقهاء ( باستحباب التفقه للتاجر ، محل نظر ، بل الأولى وجوبه عليه عقلا وشرعا ، وان كان وجوب معرفة باقي المحرمات من باب العقل فقط ) .

بل ربما يقال : ان وجوب معرفة باقي المحرمات أيضا عقلي وشرعي إذ تكرر في الشريعة الامر بالتفقه ونحوه ، والظاهر منه الوجوب .

اللهم الا ان يقال : ان ظاهر أوامر التفقه : الارشاد ، لبداهة انه لو فعل المحرم جهلا تقصيرا لم يكن هناك عقابان .

( ويمكن توجيه كلامهم ) اى المشهور القائلين باستحباب التفقه في مسائل التجارة ( بإرادة التفقه الكامل ليطلع على مسائل الربا الدقيقة والمعاملات الفاسدة كذلك ) الدقيقة .

فان من المسائل ما هي واضحة ، تعرف بأدنى معرفة .

ص: 332

ويطلع على موارد الشبهة ، والمعاملات غير الواضحة الصحة ، فيجتنب عنها في العمل ، فان القدر الواجب هو معرفة المسائل العامة البلوى لا الفروع الفقهية المذكورة في المعاملات .

_________________________

ومن المسائل ما هي دقيقة ، لا تعرف الا بالتفقه والبحث والتنقيب ( ويطلع على موارد الشبهة ) وانها هل هي من الحرام ، أم لا ؟

مثلا : هل ان الربا في الورق حلال ، باعتبار انه معدود ، أو حرام باعتبار انه مقابل الذهب ، أو نحوه مما هو مكيل أو موزون ، أو باعتبار ان علة حرمة الربا وهي فساد الأموال - كما في الحديث - موجودة هنا أيضا ( و ) يطلع على ( المعاملات غير الواضحة الصحة ) لاحتمال دخولها في معاملة صحيحة قطعا ، أو فاسدة كالمعاطات وبيع الفضولي - مثلا - ( فيجتنب عنها في العمل ، فان ) معرفة هذه الأمور مستحبة .

إذ ( القدر الواجب هو معرفة المسائل العامة البلوى ، لا الفروغ الفقهية المذكورة في المعاملات ) .

إذ الظاهر من الأدلة ان الانسان مكلف بان يتعلم حسب المتعارف وبالمقدار المتعارف للسيرة ، فان الرسول صلّى اللّه عليه وآله ، والأئمة وأصحابهم الأخيار لم يكونوا ينهكون الناس في تعليم المسائل ليل نهار وكل المسائل الجليلة والدقيقة ، ولذا يحتمل ان يكون : رفع ما لا يعلمون ناظرا إلى هذا ، وانه من اخذ في التعلم حسب المتعارف ثم جهل أشياء كما هو أكثر الناس منذ زمان الرسول صلى الله عليه وآله إلى هذا اليوم - لم يكن مكلفا بتلك الأشياء أو معاقبا عليها .

ص: 333

ويشهد للغاية الأولى قوله عليه السلام - في مقام تعليل وجوب التفقه - : ان الربا اخفى من دبيب النملة على الصفا .

وللغاية الثانية قول الصادق عليه السلام في الرواية المتقدمة : من لم يتفقه ثم اتجر تورط في الشبهات .

لكن ظاهر صدره الوجوب ، فلاحظ .

وقد حكى توجيه كلامهم بما ذكرنا عن غير واحد ، ولا يخلو عن وجه ،

_________________________

( ويشهد للغاية الأولى ) وهي قولنا « ليطلع على مسائل الربا الدقيقة » ( قوله عليه السلام - في مقام تعليل وجوب التفقه - : ان الربا اخفى من دبيب النملة على الصفا ) وهي الصخرة الملساء .

( وللغاية الثانية ) وهي قولنا « ويطلع على موارد الشبهة » ( قول الصادق عليه السلام في الرواية المتقدمة : من لم يتفقه ثم اتجر تورط في الشبهات ) .

فالتفقه ، لأجل معرفة المسائل الدقيقة ، وعدم التورط في الشبهات

ومن الواضح : ان ذلك ليس بواجب ، إذ الواجب هو المقدار المتعارف من المسائل التي يعتاد المتدين تعلمها .

( لكن ظاهر صدره ) اى صدر الحديث ( الوجوب ، فلاحظ ) لأنه عليه السلام قال : « فليتفقه » وظاهر الامر الوجوب .

( وقد حكى توجيه كلامهم ) اى كلام المشهور القائلين باستحباب التفقه ( بما ذكرنا ) اى تعلم المسائل الدقيقة ( عن غير واحد ، ) من الفقهاء ( ولا يخلو ) هذا التوجيه ( عن وجه ،

ص: 334

في مقام التوجيه .

ثم إن التفقه في مسائل التجارة لما كان مطلوبا للتخلص عن المعاملات الفاسدة التي أهمها الربا ، الجامعة بين اكل المال بالباطل وارتكاب الموبقة الكذائية لم يعتبر فيه كونه عن اجتهاد ، بل يكفى فيه التقليد الصحيح .

فلا

_________________________

في مقام التوجيه ) وان كان فيه نظر واقعا - عند المصنف - .

إذ يجب تعلم كل المسائل المبتلى بها ، سواء كانت هذه المسألة مبتلى بها أم لا .

( ثم إن التفقه في مسائل التجارة لما كان مطلوبا ) للشارع على وجه الوجوب ، أو الاستحباب ( للتخلص عن المعاملات الفاسدة التي أهمها الربا ، الجامعة ) صفة الربا - وبيان علة لكونها أهم مما عداها - ( بين اكل المال بالباطل ) لان الزائد مال المعطى ، فاكل الآخذ له اكل للمال بالباطل ( وارتكاب الموبقة الكذائية ) التي هي أعظم من الزنا ، فالعمل بنفسه حرام ، والمال الّذي يأخذه اكله حرام آخر ، بخلاف نحو بيع المجهول مثلا ، فان المعاملة ليست محرمة ، وانما ترتيب الأثر على المعاملة محرم ، ف ( لم يعتبر فيه ) اى في التفقه ( كونه عن اجتهاد ، بل يكفى فيه التقليد الصحيح ) .

( فلا ) يمكن ان يقال : ان ظاهر أدلة التفقه كونه عن اجتهاد ، وذلك مما يوجب فناء العمر ، فلا يتمكن الانسان من التجارة ، فكيف يمكن

ص: 335

تعارض بين أدلة التفقه هنا وأدلة تحصيل المعاش .

نعم : ربما أورد في هذا المقام - وان كان خارجا عنه - التعارض بين أدلة طلب مطلق العلم الشامل لمعرفة مسائل العبادات ، وأنواع المعاملات المتوقف على الاجتهاد ، وبين أدلة طلب الاكتساب والاشتغال في تحصيل المال ،

_________________________

الجمع بين التفقه وبين التجارة .

وإذا لم يمكن يلزم اما عدم التفقه واما عدم التجارة ، وذلك خلاف ظاهر الأدلة الدالة على وجوب تفقه التجار .

إذ لا ( تعارض بين أدلة التفقه هنا ) في باب الربا والتجارة - بخلاف أدلة التفقه في سائر الأماكن التي ظاهرها الاجتهاد ، لا الأعم من الاجتهاد والتقليد - ( و ) بين ( أدلة تحصيل المعاش ) .

لكن الظاهر من أدلة التفقه في كل مكان - الا إذا كانت هناك قرينة خاصة - الأعم من الاجتهاد والتقليد ، لان كليهما تفهم لاحكام الله تعالى عن طريقه المتعارف .

( نعم : ربما أورد في هذا المقام ) بالمناسبة ( - وان كان خارجا عنه - ) اى خارجا عن ما نحن فيه : « المقام » ( التعارض بين أدلة طلب مطلق العلم الشامل لمعرفة مسائل العبادات ، وأنواع المعاملات ) الشاملة للنكاح وتوابعه ، والحدود والشهادات وغيرها ، فان المعاملة قد تطلق في قبال العبادة ويراد بها سائر أبواب الفقه ( المتوقف ) ذلك الطلب ( على الاجتهاد ، وبين أدلة طلب الاكتساب والاشتغال في تحصيل المال ،

ص: 336

لأجل الانفاق على من ينبغي ان ينفق عليه ، وترك القاء كلّه على الناس الموجب لاستحقاق اللعن ، فان الاخبار من الطرفين كثيرة يكفى في طلب الاكتساب ما ورد : من أنه أوحى اللّه تعالى إلى داود على نبينا وآله وعليه السلام : يا داود انك نعم العبد لولا انك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئا ، فبكى عليه السلام أربعين صباحا ، ثم الآن اللّه تعالى له الحديد ، وكان يعمل كل يوم درعا ويبيعه بألف درهم ، فعمل ثلاثمائة وستين درعا ، فباعها واستغنى عن بيت المال ، الحديث .

_________________________

لأجل الانفاق على من ينبغي ان ينفق عليه ) من واجبي النفقة ، والا فاستحباب الانفاق لا يعارض وجوب التعلم ( وترك القاء كلّه على الناس ) عطف على « طلب الاكتساب » فقد قال صلّى اللّه عليه وآله : ملعون من القى كلّه على الناس ( الموجب ) القاء الكل ( لاستحقاق اللعن ، فان الاخبار من الطرفين ) أدلة طلب العلم ، وأدلة طلب الاكتساب ( كثيرة ) جدا ، و ( يكفى في ) باب ( طلب الاكتساب ما ورد : من أنه أوحى اللّه تعالى إلى داود على نبينا وآله وعليه السلام : يا داود انك نعم العبد لولا انك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئا ، فبكى عليه السلام أربعين صباحا ، ثم الآن اللّه تعالى له الحديد ، وكان يعمل كل يوم درعا ويبيعه بألف درهم ، فعمل ثلاثمائة وستين درعا ، فباعها واستغنى عن بيت المال ، الحديث ) .

لكن الظاهر أن هذا الحديث لا يمكن الاستدلال به ، لان الأنبياء وسائر الذين هم أسوة للناس ، يلزم عليهم الافراط في طرف الزهد عن

ص: 337

وما ارسله في الفقيه عن الصادق عليه السلام : ليس منا من ترك دنياه لآخرته ، أو آخرته لدنياه ، وان العبادة سبعون جزءا أفضلها طلب الحلال .

_________________________

الدنيا حتى يعتدل الناس فان الناس اعتادوا ان ينظروا إلى كبارهم فكلما عمل الكبير يتبعونه في قدر اوطئ فيما إذا كان العمل شاقا ، خلافا للنفس ، فإذا اكل الكبير اكلا معتادا اكل الناس كثيرا ، وإذا زهد ، اكل الناس معتادا ، وهكذا ، وهذا هو سر تجنب الأنبياء عن الدنيا مع أن الدنيا الطيبة خلقت لعباد الله الصالحين الذين من أفضلهم الأنبياء والأئمة عليهم السلام وفي كلام لأمير المؤمنين عليه السلام المذكور في نهج البلاغة « حيث قال له ذلك الانسان الّذي ترك عائلته وتزهد :

أريد الاقتداء بك » دلالة على ما ذكرنا .

وإلى هذا أيضا يشير السعدي في ابياته الفارسية

اگر ز باغ رعيت ملك خورد سيبى * بر آورند غلامان أو درخت از بيخ

به نيم بيضه كه سلطان جفا روا دارد * زنند لشگريانش هزار مرغ به سيخ

وعلى هذا فكون داود عليه السلام كذلك لا يدل على كون سائر الناس كذلك .

( وما ارسله في الفقيه عن الصادق عليه السلام : ليس منا من ترك دنياه لآخرته ، أو آخرته لدنياه ) .

وفيه أيضا نظر ، إذ طلب العلم والاستعاشة من بيت المال ليس تركا للدنيا لأجل الآخرة ، بل هو تحصيل الدنيا والآخرة ( وان العبادة سبعون جزءا أفضلها طلب الحلال ) .

ص: 338

واما الاخبار في طلب العلم وفضله فهي أكثر من أن يذكر ، وأوضح من أن يحتاج إلى الذكر .

وذكر في الحدائق ان الجمع بينهما بأحد وجهين ، أحدهما - وهو الأظهر بين علمائنا - تخصيص اخبار وجوب طلب الرزق باخبار وجوب طلب العلم ، ويقال : بوجوب ذلك على غير طالب العلم المستقل تحصيله واستفادته وتعليمه وافادته .

_________________________

وفيه أيضا نظر ، إذ طلب الحلال بالعلم من أفضل اقسام طلب الحلال .

الا ترى : ان المعلم والطالب والمؤلف والخطيب يعدون في نظر الناس من الذين يطلبون الحلال ولا يعدون كلا على الناس ، إذ اعملوا بوظائفهم العلمية والارشادية .

( واما الاخبار في طلب العلم وفضله فهي أكثر من أن يذكر ، وأوضح من أن يحتاج إلى الذكر ) والتوضيح .

( وذكر في الحدائق ان الجمع بينهما بأحد وجهين ، أحدهما : - وهو الأظهر بين علمائنا - تخصيص اخبار وجوب طلب الرزق باخبار وجوب طلب العلم ) فطالب العلم لا يجب عليه تحصيل الرزق ( ويقال ) على هذا ( بوجوب ذلك ) اى طلب الرزق ( على غير طالب العلم المستقل ) مقابل طالب العلم في الجملة لتعلم مسائله العملية ( تحصيله واستفادته وتعليمه وافادته ) بان نصب نفسه للتعلم والتعليم والإفادة والاستفادة كطلاب العلوم الدينية والمدرسين لهذه العلوم .

ص: 339

قال : وبهذا الوجه صرح الشهيد الثاني قدس سره ، في رسالته المسماة بمنية المريد ، في آداب المفيد والمستفيد ، حيث قال - في جملة شرائط العلم - ، وان يتوكل على اللّه ، ويفوض امره إليه ، ولا يعتمد على الأسباب ، فيتوكل عليها ، فيكون وبالا عليه ، ولا على أحد من خلق اللّه تعالى ، بل يلقى مقاليد امره إلى اللّه تعالى ظهر له من نفحات قدسه ، ولحظات انسه

_________________________

( قال ) الحدائق ( وبهذا الوجه ) عن الجمع ( صرح الشهيد الثاني قدس سره ، في رسالته المسماة بمنية المريد ، في آداب المفيد والمستفيد ) وقد وفق اللّه تعالى شارح هذا الكتاب تلخيص كتاب المنية تسهيلا على الطالب ، وطبعه ضمن مجموعة كتاب « المقدمات » .

ومن اللازم على طلاب العلوم الدينية دراسة هذا الكتاب « الأصل » والاستفادة منه وتطبيقه في حياتهم العملية ( حيث قال - في جملة شرائط العلم - ، وان يتوكل ) الطالب ( على اللّه ، ويفوض امره إليه ، ولا يعتمد على الأسباب ، فيتوكل عليها ، فيكون ) توكله على الأسباب ( وبالا عليه ، ولا ) يتوكل ( على أحد من خلق اللّه تعالى ، بل يلقى مقاليد امره ) جمع مقلاد بمعنى المفتاح ( إلى اللّه تعالى ، يظهر له ) اى للطالب ( من نفحات قدسه ) القدس « النزاهة » و « النفحة » الرائحة الطيبة ، فكأنه سبحانه ينفح في ذلك الانسان روحا طيبا نزيها عن الاعوجاج والانحراف والمشاكل والمصاعب ( ولحظات انسه ) فيكون للانسان حالات لحظة فلحظة - إذ لا تدوم مثل هذه الحالات طويلا - يأنس فيها باللّه

ص: 340

ما به يحصل مطلوبه ويصلح به مراده ، وقد ورد في الحديث عن النبي : ان اللّه تعالى قد تكفل لطالب العلم برزقه عما ضمنه لغيره ، بمعنى ان غيره محتاج إلى السعي على الرزق حتى يحصل له وطالب العلم لا يكلف بذلك ، بل بالطلب وكفاه مئونة الرزق ان أحسن النية واخلص القربة .

وعندي في ذلك من الوقائع ما لو جمعته ما لا يعلمه الا الله من حسن صنع الله تعالى وجمل ما اشتغلت بالعلم ، وهو مبادئ عشر

_________________________

تعالى وينقطع عن الخلق ولهذه الحالات لذة لا توصف ( ما به يحصل مطلوبه ويصلح به مراده ، وقد ورد في الحديث عن النبي : ان اللّه تعالى تكفل لطالب العلم برزقه عما ضمنه لغيره ) .

الظاهر أن « ما » في « عما » نافية ، اى عن الشيء الّذي لم يضمنه لغيره ، وحذف الموصول استثقالا للجمع بين « ما » الموصولة و « ما » الزائدة ( بمعنى ان غيره محتاج إلى السعي على الرزق حتى يحصل له ) غالبا ( وطالب العلم لا يكلف بذلك ) الطلب ( بل ) كلف ( بالطلب ) للعلم ( وكفاه مئونة الرزق ان أحسن النية ) بان تكون نيته لله تعالى ( واخلص القربة ) اى شرع في العلم بعزم خالص لله تعالى ، دون طلب الجاه أو المال أو ما أشبه .

( وعندي ) اى الشهيد الثاني صاحب المنية ( في ذلك ) الّذي ذكرت من أن الله يرسل رزق أهل العلم ( من الوقائع ما لو جمعته ) بلغ ( ما لا يعلمه الا الله من حسن صنع الله تعالى ) بي ( وجمل ) مئونتي مدة ( ما اشتغلت بالعلم ، وهو مبادئ عشر

ص: 341

الثلاثين وتسعمائة إلى يومنا هذا ، وهو منتصف شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة وبالجملة ليس الخبر كالعيان .

_________________________

الثلاثين وتسعمائة ) اى أوائل هذا العلم ( إلى يومنا هذا ) الّذي أؤلف فيه المنية ( وهو منتصف شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة ، وبالجملة ليس الخبر كالعيان ) .

إذ السامع يحتمل الصدق والكذب ، اما المرائي فلا يحتمل الكذب أصلا .

أقول : لا يخفى انه قد خلط الامر على بعض الطلاب الذين لم يدركوا حقيقة الروايات ، وحقيقة كلام علمائنا الأخيار كالكلام المتقدم ، فلم يميزوا بين التحصيل المأمور بتركه ، والتحصيل المأمور بفعله ، وهذا هو سبب ما يعانيه غالب طلاب العلوم الدينية من الفقر والمسكنة .

وكيف يمكن ان يقال : ان اللّه ضمن لأهل العلم ارزاقهم وغير أهل العلم هم المكلفون بتحصيل الرزق ، ثم إن من ضمنه اللّه أسوأ حالا من غيره ؟

أليس هذا لأجل عدم فهم المقصود من الضمان ؟ ان الأدلة الدالة على أن اللّه سبحانه ضمن لأهل العلم ارزاقهم ، مثل الأدلة الدالة على أن اللّه ضمن الارزاق لمن عداهم ، كقوله سبحانه : إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ وقوله سبحانه : نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ، وقوله سبحانه : وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ، وقوله تعالى : وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها ، أو نحو ذلك كقوله سبحانه : وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى

ص: 342

. . . . . . . . . .

_________________________

اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ، إلى غيرها .

ومن المعلوم : انه لا يصح لأجل ذلك الجلوس وانتظار ان يأتي الرزق من السماء ، بل معنى ذلك ان ينظر الانسان إلى القوى الخارجة من ارادته ، كما ينظر إلى القوى الداخلة تحت امره ، فلا يزعم كالماديين انه يعمل كل شيء وانه لا خالق للكون ، فان أمور الكون ومنها الرزق لها جهتان .

جهة مربوطة باللّه تعالى هي تهيئة الأسباب والوسائل والقوى .

وجهة مربوطة بالانسان هي العمل والكد والتحصيل والاكتساب .

فالماديون يزعمون أن الامر مربوط بهم تماما من دون مدخلية من عداهم .

والواقع ان الامر مربوط بالجهتين .

اما اختصاص أهل العلم بان اللّه ضمن ارزاقهم مع أن الكل كذلك كما يستفاد من الآيات المتقدمة وغيرها ، فهي إشارة إلى امر طبيعي أيضا - ومن المعلوم ان هذا الامر الطبيعي أيضا من صنع اللّه تعالى كما أن الزراعة من صنع الله تعالى في قوله : أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ؟ - وهو ان اللّه سبحانه جعل العلم بحيث يميل إليه الناس ويوفرون لأهل العلم الرزق ، ويعطونهم المنح وهذه حقيقة لا شك فيها كما هو المشاهد منذ زمان الرسول صلّى اللّه عليه وآله إلى هذا اليوم وليس معنى ذلك ان يترك أهل العلم تحصيل الرزق والاكتساب ليعيشوا عيشة ذليلة متواضعة ، فان الرسول صلّى اللّه عليه وآله والأئمة الطاهرين عليهم السلام أفضل أسوة ، وقد كانوا يكدون ويكدحون

ص: 343

. . . . . . . . . .

_________________________

يتاجرون ويشترون البساتين ويعملون فيها لأجل معايشهم ، فهل ترى انهم لم يدركوا معنى حديث ان اللّه ضمن لأهل العلم ارزاقهم ، ونحن أدركناه ؟

وهذه المقدمة الطويلة انما ذكرناها ، وان كانت خارجة عن وضع الشرح .

أولا لبيان الخطاء في فهم بعض الطلاب الّذي يسبب هذا الخطاء انحراف معيشتهم عن المتعارف ، ويسبب لهم كل ذلة ومشكلة .

ففي الحديث الفقر سواد الوجه في الدارين .

وفي حديث آخر : نعم العون على الدين الغنى ، وهذا هو سبب عدم رغبة الناس في الانخراط بهذا لمسلك مع اذعانهم بان أهل العلم المتدينين أقرب إلى ثواب الله ورحمته .

وثانيا : - لتحريض أهل العلم لعلاج هذه المشكلة التي كلما بقيت يكون امر أهل العلم على نفس المنوال السابق من انحطاط المعيشة والإهانة الاجتماعية وفي المثل : الكرامة الاقتصادية توجب الكرامة الاجتماعية ، وما أحسنه من مثل ، والعلاج بسيط بسيط جد المن أراد العلاج .

وهو أولا : بتخصيص قسم من الوقت للاكتساب ولو الاكتسابات السهلة كالخياطة ونحوها .

وثانيا : بتكوين الأوقاف التي تدربا لارباح .

وثالثا : بايجاد لجان جمع الحقوق والتبرعات تحت نظام دقيق ومراقبة كافية .

ص: 344

وروى شيخنا المقدم محمد بن يعقوب الكليني قدس سره ، باسناده إلى الحسين بن علوان ، قال : كنا في مجلس ، نطلب فيه العلم وقد نفدت نفقتي في بعض الاسفار ، فقال لي بعض أصحابي من تؤمل لما قد نزل بك ؟ فقلت : فلانا ، فقال : إذا واللّه لا تسعف بحاجتك ، ولا تبلغ املك ولا تنجح طلبتك .

_________________________

ورابعا : بجعل بعض المال في التجارات بعنوان المضاربة ونحوها .

وخامسا : بإلقاء بعض الكل على أموال الدولة إلى غيرها ، وهذا كله سهل بالنسبة إلى المفكرين العاملين الحازمين ، والكلام في المقام طويل جدا ، نكتفي بهذا القدر الماعا إلى فهم الاخبار والمشكلة وحلها واللّه الموفق .

( وروى شيخنا المقدم محمد بن يعقوب الكليني قدس سره ، باسناده إلى الحسين بن علوان ، قال : كنا في مجلس ، نطلب فيه العلم وقد نفدت نفقتي في بعض الاسفار ، فقال لي بعض أصحابي من تؤمل لما قد نزل بك ؟ فقلت : فلانا ، فقال : إذا واللّه ) حيث تؤمل فلانا ( لا تسعف ) بصيغة المجهول ( بحاجتك ) اى لا تقضى حاجتك ( ولا تبلغ املك ، ولا تنجح طلبتك ) .

أقول قبل تمام الحديث ان كان مراد ذلك المؤمل الامل بذلك الانسان دون اللّه تعالى ، فكلام صاحبه صحيح ، وان كان المراد الامل الّذي امر اللّه به من تطلب الأشياء عن أسبابها ، فكلام صاحبه غير صحيح .

والحديث الّذي استدل به الصاحب غير دال على ذلك ، بل الاستدلال بهذا الحديث أشبه ما يكون بمن قعد عن الزراعة ، لقوله

ص: 345

قلت : وما علمك رحمك الله ؟ قال إن أبا عبد الله عليه السلام حدثني انه قرء في بعض كتبه ان الله تبارك وتعالى يقول : وعزتي وجلالي ومجدي وارتفاع مكاني على عرشي لاقطعن امل كل مؤمل غيرى باليأس ، ولأكسونه ثوب المذلة عند الناس ،

_________________________

سبحانه : أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ، ومن قعد عن الاكتساب لقوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ، ومن قعد عن الذهاب إلى الطبيب لقوله تعالى : وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ .

( قلت : وما علمك رحمك الله ؟ قال إن أبا عبد الله عليه السلام حدثني انه قرء في بعض كتبه ان الله تبارك وتعالى يقول : وعزتي وجلالي ومجدي ) اى عظمتي وسؤددى ( وارتفاع مكاني ) المعنوي ( على عرشي ) اى سلطنتى ، أو المراد العرش الجسماني الّذي هو محل تشريفى كما أن الكعبة محل تشريف اللّه في الأرض ( لاقطعن امل كل مؤمل غيرى باليأس ، ولأكسونه ثوب المذلة عند الناس ) .

لا يقال : كيف هذا ، ونرى ان الملحدين لا تقطع آمالهم ، الا بقدر ما تقطع آمال المؤمنين ، بل أقل ، ولا ذلة لهم ، بل كثيرا ما ذلة المؤمنين أكثر .

لأنه يقال : اما المراد الأمل مطلقا والعزة مطلقا اى في الدنيا والآخرة ، فان امل الملحد الوصول إلى حاجته المسعدة له ، وهنا يقطع لان الحاجة لا تسعده في الآخرة ، فهو يسعد يوما ويشقى الف يوم والمؤمن يشقى يوما ويسعد الف يوم .

ص: 346

ولأنحينه من قربى ، ولأبعدنه من وصلى ، أيأمل غيرى في الشدائد ؟ والشدائد بيدي ويرجو غيرى ، ويقرع باب غيرى وبيدي مفاتيح الأبواب ، وهي مغلقة ، وبابى مفتوح لمن دعاني ، فمن ذا الّذي أمّلني لنوائبه فقطعته

_________________________

فيصح ان يقال : قطع امل الكافر ، ولم يقطع امل المؤمن - بالحمل الشائع - وهكذا بالنسبة إلى المذلة في الدنيا وفي الآخرة .

واما المراد من هذا ، الاقتضاء لا العلية .

ومن المعلوم ان المؤمنين إذا عملوا بمقتضيات الاسلام ، يكونون أعلى من الكفار ، فيقطع امل الكفار ويؤتى امل المسلمين ، فان أغلب الأدلة من باب المقتضيات ، لا العلة التامة ، نحو قوله : الشفاء في تربته واستجابة الدعاء تحت قبته .

وذلك كما نقول : الدواء الفلاني ينفع المرض الفلاني ، فإنه من باب المقتضى ، لا العلة التامة ( ولأنحينه من قربى ) اى قرب الشرف ، لان الله سبحانه : لامكان له ( ولأبعدنه من وصلى ) فلا أصله بالخير والسعادة ( أيأمل غيرى في الشدائد ) استفهام انكار ( و ) الحال ان ( الشدائد ) حلها ( بيدي ويرجو غيرى ، ويقرع باب غيرى ) اى يفكر في ان يذهب إلى الناس لحل مشكلته ، وكشف كربته ، ودفع شدته ( وبيدي مفاتيح الأبواب ، وهي مغلقة ، وبابى مفتوح لمن دعاني ) كناية عن أن الله سبحانه يسمع الدعاء كل وقت ، ويجيب كل وقت ، لا كالملوك الذين لهم وقت خاص في فتح أبوابهم ، والاستماع إلى الشكاوى ، وحلهم لمشاكل الناس ، واعطائهم حاجاتهم ( فمن ذا الّذي أمّلني لنوائبه فقطعته

ص: 347

دونها ومن ذا الّذي رجاني لعظيمة فقطعت رجائه منى ، جعلت آمال عبادي عندي محفوظة فلم يرضوا بحفظى ،

_________________________

دونها ) .

ولا يخفى ان المراد الامل من طرقه ، لا مجرد الامل بدون قرع الطرق ، فان الدنيا دار الأسباب .

وعلى هذا فالمراد : الامل الّذي هو في مورده ، فالامل بان يرد اللّه يد المقطوع اليد امل في غير مورده .

ان قلت : إذا فما هو الفرق بين الآمل الّذي يطرق الأبواب في الامل ، وبين غير الآمل ، كالملحد الّذي يطرق الأبواب في مورد الامل .

قلت الفرق ان المؤمل اعتقد ما هو الواقع ، إذ الأمور بيد اللّه تعالى والأسباب أسباب مجردة ، بخلاف غير المؤمل ، فإنه أخطأ الواقع .

الا ترى : انه لو كان هناك شخصان اعتقد أحدهما بان هذا القصر الّذي سوف يبنى ، يبنيه انسان قادر عالم ، والآخر اعتقد ان هذا القصر يبنيه حيوان أعجم ، مثلا فرس مربوط هناك ، كان الأول مصيب والآخر مخطأ .

ولا فرق بينهما في النتيجة وهي ان القصر سوف يبنى بالإضافة إلى التأثير الواقعي للآمل ، حيث يلطف اللّه سبحانه بالذي أمّله أكثر من غيره ، وان كان تعالى « يعطى من لم يسأله ومن لم يعرفه تحننا منه ورحمة » ( ومن ذا الّذي رجاني لعظيمة ) اى مهمة عظيمة ( فقطعت رجائه منى ، جعلت آمال عبادي عندي محفوظة ) اى حفظا لأؤدّيها إليهم ( فلم يرضوا بحفظى ) بل وجهوها إلى غيرى ، كالانسان الّذي لا يرضى بحفظ

ص: 348

وملأت سماواتى ممن لا يمل من تسبيحى ، وأمرتهم ان لا يغلقوا الأبواب بيني وبين عبادي فلم يثقوا بقولي ، ألم يعلم من طرقته نائبة من نوائبى انه لا يملك كشفها أحد غيرى ، الا من بعد اذني ، فما لي أراه لاهيا عنى أعطيته بجودى ما لم يسألني ، ثم انتزعته منه فلم يسألني ردّه وسئل غيرى ، أفتراني ابدأ بالعطايا قبل المسألة ؟ ثم اسئل فلا أجيب سائلى ، أبخيل

_________________________

امين ، فيأخذ ماله منه ليؤديه إلى انسان غير امين ( وملأت سماواتى ممن لا يملّ من تسبيحى ) اى الملائكة ( وأمرتهم ان لا يغلقوا الأبواب بيني ، وبين عبادي ) كناية عن وصول الحاجات إليه تعالى بالطرق العادية ، مع الغض عن انه تعالى عالم بكل شيء بدون الوصول من طريق السماء ( فلم يثقوا بقولي ) وظنوا ان أبواب الدعاء مغلقة ( ألم يعلم من طرقته نائبة من نوائبى ) النوائب تنسب إلى اللّه تعالى .

اما التكوينية كالزلازل والفيضانات والأمراض ، فواضح ، واما الجور ، والظلم ونحوهما فلان الله تعالى يترك الجائر ليفعل ذلك ، كما يقال :

افسد الأب الابن إذا تركه ليعمل ما يشاء ، وتركه سبحانه للظالمين انما هو للامتحان والاختبار ( انه لا يملك كشفها أحد غيرى ، الا من بعد اذني فما لي ) بعد هذا ( أراه لاهيا ) غافلا ( عنى أعطيته بجودى ) لا باستحقاقه ( ما لم يسألني ) من الحياة ، وسائر النعم ( ثم انتزعته منه فلم يسألني ردّه ) اى رد ذلك الجود الّذي انتزعته ( وسئل غيرى ) ان يرد النعمة عليه ( أفتراني ابدأ بالعطايا قبل المسألة ) اى قبل السؤال ( ثم اسئل ) بصيغة المجهول ( فلا أجيب سائلى ، أبخيل

ص: 349

انا ؟ فيبخلنى عندي ، أو ليس الجود والكرم لي ؟ أو ليس العفو والرحمة بيدي ؟ أو ليس انا محل الآمال ؟ فمن يقطعها دونى ؟ أفلا يستحى المؤملون ان يؤملوا غيرى ؟ فلو ان أهل سماواتى وأهل ارضى أمّلوا جميعا ثم أعطيت كل واحد منهم مثل ما أمّل الجميع ، ما انتقص من ملكي ، مثل عضو ذرة ، وكيف ينقص ملك انا قيمه ؟

_________________________

انا ) استفهام انكار ( فيبخلنى ) اى ينسبنى إلى البخل بما ( عندي ، ا وليس الجود والكرم لي ؟ ا وليس العفو والرحمة بيدي ؟ ا وليس انا محل الآمال ) كان الانسان المؤمل محلّ لنزول الامل فيه من باب تشبيه المعقول بالمحسوس ( فمن يقطعها ) اى يقضيها ، أو يردها ( دونى ؟ ) فإنه سبحانه مسبب الأسباب ، ومعطى الخيرات ( أفلا يستحى المؤملون ان يؤملوا غيرى ؟ فلو ان أهل سماواتى وأهل ارضى أمّلوا جميعا ) كل واحد آمالا ( ثم أعطيت كل واحد منهم مثل ما أمّل الجميع ، ما انتقص من ملكي ، مثل عضو ذرة ) اى نملة ( وكيف ينقص ملك انا قيمة ) القائم بأمره .

فان من الواضح : انه سبحانه يخلق الأشياء بكلمة « كن » بل بالإرادة المجردة ، ولو خلق ملائين الملائين من مثل الكون لم ينقص منه شيء ، لان ذاته وقدرته غير متناهية .

وقد قال علماء الفلك ان الشمس أكبر من الأرض بمقدار مليون وثلاثمائة الف مرة .

وقالوا إن بعض الكواكب العادية أكبر من الشمس ستين مليون مرة .

ص: 350

فيا بؤسا للقانطين من رحمتي ، ويا بؤسا لمن عصاني ولم يراقبنى ، انتهى الحديث الشريف ، وانتهى كلام شيخنا الشهيد ره .

قال في الحدائق : ويدل على ذلك بأصرح دلالة ما رواه في الكافي ، باسناده إلى أبى إسحاق السبيعي ، عمن حدثه ، قال سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول : أيها الناس ان كمال الدين طلب العلم والعمل به ، الا وان طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال ، ان المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه لكم ، وسيفي لكم ، والعلم مخزون عند أهله وقد أمرتم بطلبه من أهله ، فاطلبوه .

_________________________

( فيا بؤسا للقانطين من رحمتي ، ويا بؤسا لمن عصاني ولم يراقبنى ، انتهى الحديث الشريف ) وقد عرفت عدم دلالته على عدم العمل والاكتساب ( وانتهى كلام شيخنا الشهيد ره ) .

( قال في الحدائق : ويدل على ذلك بأصرح دلالة ) اى ان اخبار طلب العلم مخصص لاخبار طلب المال والاكتساب ( ما رواه في الكافي ، باسناده إلى أبى إسحاق السبيعي ، عمن حدثه ، قال سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول : أيها الناس ان كمال الدين طلب العلم والعمل به ) الظاهر أن المراد بالدين الاعتقاد ، ولذا فالعلم والعمل من مكملاته ( الا وان طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال ) .

وذلك ل ( ان المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه لكم ، وسيفي لكم ) من وفى يفي ، والسين للاستقبال ( والعلم مخزون عند أهله وقد أمرتم ) بصيغة المجهول ( بطلبه من أهله ، فاطلبوه ) إلى آخر

ص: 351

الخبر .

قال ويؤكد ما رواه في الكافي بسنده عن أبي جعفر عليه السلام ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : يقول اللّه عز وجل : وعزتي وجلالي وكبريائى ونوري وعظمتي وعلوّى وارتفاع مكاني ، لا يؤثر عبد هواي على هواه الا استحفظته ملائكتي ، وكفلت السماوات والأرضين رزقه ، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر .

_________________________

( الخبر ) .

فان معنى : الاوجبية ان العلم مقدم على المال .

ولعل المراد بالحديث : ان المال له طرق مسلوكة يطلبه غالب الناس من طرقه ، فينالون المقدار المعلوم في علم اللّه المسمى بالمقسوم .

اما العلم فالغالب ليسوا في فكر تحصيله ولذا هو اثقل مئونة ، فيحتاج إلى طلب أكثر ، والا فلا شبهة في ان كل واحد من العلم والمال مقسوم ، وان كل واحد منهما يحتاج إلى الطلب .

( قال ) الحدائق ( ويؤكد ) اى تخصيص اخبار طلب العلم لاخبار طلب الرزق ( ما رواه في الكافي بسنده عن أبي جعفر عليه السلام ، قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : يقول الله عز وجل : وعزتي وجلالي وكبريائى ونوري وعظمتي وعلوّى وارتفاع مكاني ) المكانة المعنوية اى السيادة والسيطرة ( لا يؤثر ) ولا يقدم ( عبد هواي ) أو امرى ( على هواه الا استحفظته ملائكتي ) اى طلبت منهم ان يحفظوه ( وكفلت السماوات والأرضين رزقه ، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر ) فكان مادة التجار قليلة ،

ص: 352

فتأتيه الدنيا وهي راغمة ، انتهى كلامه .

وأنت خبير بان ما ذكره الحدائق من كلام الشهيد ره وما ذكره من الحديث القدسي لا ارتباط له بما ذكره ، من رفع التنافي بين أدلة الطرفين .

لان ما ذكر من التوكل على اللّه ، وعدم ربط القلب لغيره لا ينافي الاشتغال بالاكتساب .

ولذا كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، وعلى أخيه ، وزوجته ، وولديه ،

_________________________

مادة تجارته من جانبي ، وهي لا تنضب ابدا ( فتأتيه الدنيا وهي راغمة ) اى شاءت أم أبت ( انتهى كلامه ) اى كلام الحدائق .

( وأنت خبير بان ما ذكره الحدائق من كلام الشهيد ره وما ذكره من الحديث القدسي ) المنسوب إلى اللّه تعالى ( لا ارتباط له بما ذكره ) الحدائق ( من رفع التنافي بين أدلة الطرفين ) أدلة طلب العلم ، وأدلة طلب المال .

( لان ما ذكر من التوكل على اللّه ، وعدم ربط القلب لغيره لا ينافي الاشتغال بالاكتساب ) بل الاكتساب نوع من التوكل وربط القلب بالله لان المتوكل الحقيقي هو الّذي يعتمد على كلام من توكل عليه ، ويعمل حسب امره وارشاده .

( ولذا كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، وعلى أخيه ) الرسول صلّى اللّه عليه وآله ( وزوجته ) الصديقة الطاهرة عليها السلام ( وولديه ) الحسن

ص: 353

وذريته جامعا بين أعلى مراتب التوكل واشدّ مشاق الاكتساب ، وهو الاستقاء لحائط اليهودي .

وليس الشهيد أيضا في مقام ان طلب العلم أفضل من التكسب وان كان أفضل ، بل في مقام ان طالب العلم إذا اشتغل بتحصيل العلم ، فليكن منقطعا عن الأسباب الظاهرة الموجودة غالبا لطلاب العلوم من الوظائف المستمرة من السلاطين والحاصلة من الموقوفات للمدارس ، وأهل العلم ، والموجودة الحاصلة غالبا للعلماء والمشتغلين من معاشرة السلطان واتباعه

_________________________

والحسين عليهما السلام ( وذريته ) الطاهرة الأئمة عليهم السلام ( جامعا بين أعلى مراتب التوكل وأشد مشاق الاكتساب ، وهو الاستقاء لحائط اليهودي ) اى بستانه ، كما رواه في البحار وغيره ، بل وكذلك اشتغل الرسول صلّى اللّه عليه وآله وجملة من الأنبياء ، كما لا يخفى .

( وليس الشهيد أيضا ) خلافا لظاهر نسبة الحدائق إليه ( في مقام ان طلب العلم أفضل من التكسب وان كان أفضل ) حتى يستشهد الحدائق بكلامه دلالة على ما ذكره من الجمع بين اخبار طلب العلم وطلب المال ( بل في مقام ان طالب العلم إذا اشتغل بتحصيل العلم ، فليكن منقطعا عن الأسباب الظاهرة الموجودة غالبا لطلاب العلوم ) الدينية ( من الوظائف المستمرة من السلاطين ) الجائرين ، وغيرهم ( و ) الوظائف ( الحاصلة من الموقوفات للمدارس ، وأهل العلم ، والموجودة الحاصلة غالبا للعلماء والمشتغلين من معاشرة السلطان واتباعه ) « من »

ص: 354

والمراودة مع التجار والأغنياء والعلماء الذين لا ينتفع منهم ، الا بما في أيديهم من وجوه الزكوات ورد المظالم والأخماس وشبه ذلك ، كما كان متعارفا في ذلك الزمان بل في كل زمان ، فربما جعل الاشتغال بالعلم بنفسه سببا للمعيشة من الجهات التي ذكرناها .

وبالجملة : فلا شهادة فيما ذكر من كلام الشهيد ، من أوله إلى آخره ، وما أضاف إليه من الروايات في الجمع المذكور اعني تخصيص أدلة

_________________________

متعلق « بالأسباب الظاهرة » اى لا يعاشر السلطان واتباعه لأجل تحصيل المعيشة ( والمراودة مع التجار والأغنياء والعلماء الذين لا ينتفع منهم ، الا بما في أيديهم ) اى العلماء الذين لا ينتفع بعلمهم وتقواهم ، وانما ينتفع بما في أيديهم ( من وجوه الزكوات ورد المظالم والأخماس وشبه ذلك ) .

والحاصل : يريد الشهيد ان لا يتملق طالب العلم للذين في أيديهم الدنيا ، ليستدرجوه إلى الآثام وترك التقوى ( كما كان متعارفا في ذلك الزمان ) اى زمان الشهيد ( بل في كل زمان ، فربما جعل ) طالب العلم ( الاشتغال بالعلم بنفسه ) اى جعل نفس الاشتغال ( سببا للمعيشة من الجهات التي ذكرناها ) « من » متعلق « بالمعيشة » .

( وبالجملة : فلا شهادة فيما ذكر ) الحدائق ( من كلام الشهيد ، من أوله إلى آخره ، وما أضاف إليه من الروايات في الجمع المذكور ) في كلام الحدائق بين أدلة طلب العلم وبين أدلة الاكتساب ، والجمع ( اعني تخصيص أدلة

ص: 355

طلب الحلال بغير طالب العلم .

ثم إنه لا اشكال في ان كل من طلب العلم وطلب الرزق ينقسم إلى الأحكام الأربعة أو الخمسة .

ولا ريب ان المستحب من أحدهما لا يزاحم الواجب ، ولا الواجب الكفائي الواجب العيني .

_________________________

طلب الحلال بغير طالب العلم ) كما عرفت عدم ظهور هذا الجمع .

( ثم ) ان الوجه الثاني من وجوه الجمع بين أدلة طلب العلم وأدلة طلب المال بالاكتساب هو ما ذكره الحدائق أيضا وقد نقله المصنف بأدنى تفاوت .

ف ( انه لا اشكال في ان كل من طلب العلم وطلب الرزق ينقسم إلى الأحكام الأربعة ) باستثناء المباح ( أو الخمسة ) الواجب والمستحب والمباح والمكروه والحرام .

والواجب منهما قد يكون عينيا وقد يكون كفائيا ، فالجمع بين دليلي طلب العلم وطلب المال انما هو في صورة التعارض ، وذلك انما يكون بتقديم أحد الدليلين على الآخر ، إذا كان أحدهما أقوى ، والا فالتخيير لان الباب من التزاحم لا التعارض .

( ولا ريب ان المستحب من أحدهما ) طلب العلم أو المال ( لا يزاحم الواجب ) من دليل الآخر ( ولا ) يزاحم ( الواجب الكفائي ) منهما ( الواجب العيني ) .

فإذا كان طلب المال واجبا عينيا لأجل قوته وقوت عياله ، وطلب

ص: 356

ولا اشكال أيضا في ان الأهم من الواجبين المعينين مقدم على غيره .

وكذا الحكم في الواجبين الكفائيين ، مع ظن قيام الغير به .

وقد يكون كسب الكاسب مقدمة لاشتغال غيره بالعلم فيجب أو يستحب ، مقدمة .

بقي الكلام في المستحب من الامرين

_________________________

العلم واجبا كفائيا لوجود من يقوم به ، قدّم المكلف طلب المال .

( ولا اشكال أيضا في ان الأهم من الواجبين المعينين مقدم على غيره ) فإذا كان كل من طلب العلم وطلب المال واجبا عينيا ، ولكن المال أهم من جهة انه لو لم يحصله مات جوعا ، قدّم طلب المال على طلب العلم .

( وكذا الحكم ) كالواجب العينيين ( في الواجبين الكفائيين ) بان كلّا من طلب المال وطلب العلم واجب ، كفائيا ( مع ظن قيام الغير به ) فإنه يقدم الا هم منهما ، كما لو ظن قيام بعض طلبة العلوم الدينية بالعلم أو ظن قيام أخيه بالانفاق على أبيه وأمه .

( وقد يكون كسب الكاسب مقدمة لاشتغال غيره بالعلم ) مثل كسب الأب للانفاق على ولده الّذي هو يطلب العلم ( فيجب ) الكسب إذا كان طلب ولده للعلم واجبا ( أو يستحب ) إذا كان طلب ولده للعلم مستحبا لوجود أهل العلم بقدر الكفاية ( مقدمة ) فان مقدمة الواجب واجبة ، ومقدمة المستحب مستحبة .

( بقي الكلام في المستحب من الامرين ) طلب المال وطلب العلم

ص: 357

عند فرض عدم امكان الجمع بينهما .

ولا ريب في تفاوت الحكم بالترجيح باختلاف الفوائد المرتبة على الامرين .

فرب من لا يحصل له باشتغاله بالعلم ، الّا شيء قليل لا يترتب عليه كثير فائدة ، ويترتب على اشتغاله بالتجارة فوائد كثيرة .

منها : تكفل أحوال المشتغلين من ماله ، أو مال اقرانه من التجار المخالطين معه

_________________________

( عند فرض عدم امكان الجمع بينهما ) وكذلك فيما كان كل منهما واجبا عينيا ، بدون ان يكون أحدهما اهمّ .

( ولا ريب في تفاوت الحكم بالترجيح ) اى ترجيح العلم على المال أو العكس ( باختلاف الفوائد المرتبة على الامرين ) على تحصيل العلم وعلى تحصيل المال .

فإذا كانت الفوائد المرتبة على المال أهم ، كان تحصيل المال آكد .

وإذا كانت الفوائد المرتبة على العلم اهمّ كان تحصيل العلم آكد .

( فرب من ) - اى انسان - ( لا يحصل له باشتغاله بالعلم الّا شيء قليل ) من العلم ( لا يترتب عليه كثير فائدة ) ككونه هاديا لعشرة مثلا ( و ) الحال انه ( يترتب على اشتغاله بالتجارة فوائد كثيرة ) كإقامة عمود الاسلام مثلا .

( منها ) اى من تلك الفوائد - من باب المثال - ( تكفل أحوال المشتغلين من ماله ، أو مال اقرانه من التجار المخالطين معه ) فان

ص: 358

على وجه الصلة ، أو الصدقة الواجبة والمستحبة ، فيحصل بذلك ثواب الصدقة ، وثواب الإعانة الواجبة أو المستحبة على تحصيل العلم .

ورب من يحصل بالاشتغال مرتبة عالية من العلم يحيى بها فنون علم الدين ، فلا يحصل له من كسبه الا قليل من الرزق .

فإنه لا اشكال في ان اشتغاله بالعلم والاكل من وجوه الصدقات

_________________________

التاجر يسمع كلام مخالطه التاجر أكثر مما يسمع كلام أهل العلم - غالبا - ( على وجه الصلة ) « على » متعلق ب « تكفل » اى القربة المطلقة ( أو الصدقة الواجبة ) كالزكاة ( والمستحبة ) كزكاة التجارة ، وحق الجذاذ وما أشبه ( فيحصل ) هذا الّذي ترك العلم لطلب الكسب ( بذلك ) اى بتحصيله للمال الّذي هو مقدمة الصدقة والإعانة ( ثواب الصدقة ) لأنه تصدق بماله صدقة واجبة أو مستحبة ( وثواب الإعانة ) على تحصيل العلم ( الواجبة ) تلك الإعانة ، لوجوب إعانة أهل العلم فيه كان تحصيل العلم واجبا ( أو المستحبة ) فيما كانت الإعانة مستحبة ( على تحصيل العلم ) « على » متعلق ب « الإعانة »

( ورب ) ما يكون الامر بالعكس فيكون تحصيل العلم أهم من تحصيل المال وذلك في ( من يحصل بالاشتغال ) بطلب العلم ( مرتبة عالية من العلم يحيى بها ) اى بسبب تلك المرتبة العالية ( فنون علم الدين ، فلا يحصل له من كسبه الا قليل من الرزق ) مما لا يوجب توسعة على نفسه أو على غيره .

( فإنه لا اشكال في ان اشتغاله بالعلم والاكل من وجوه الصدقات )

ص: 359

أرجح .

وما ذكر من حديث داود على نبينا وآله وعليه السلام فإنما هو لعدم مزاحمة اشتغاله بالكسب بشيء من وظائف النبوة ، والرئاسة العلمية .

وبالجملة فطلب كل من العلم والرزق إذا لوحظ المستحب منهما من حيث النفع العائد إلى نفس الطالب كان طلب العلم أرجح .

_________________________

الواجبة أو المستحبة ( أرجح ) .

( و ) ان قلت : لا اشكال في ان اشتغال داود عليه السلام بالعلم كان أفضل من اكتسابه لما يترتب على علم وعمل داود من الفوائد الجمة بالتدريس والتوجيه والبناء لأسس الدين فلما ذا امر بالكسب وترك الأكل من بيت المال .

قلت : ( ما ذكر من حديث داود على نبينا وآله وعليه السلام فإنما هو لعدم مزاحمة اشتغاله بالكسب بشيء من وظائف النبوة والرئاسة العلمية ) ولذا رجح الكسب في حقه من الاكل من بيت المال .

وقد تقدم منّا ما يكون وجها لذلك فراجع .

( وبالجملة فطلب كل من العلم والرزق إذا لوحظ المستحب منهما ) لا الواجب ( من حيث النفع العائد إلى نفس الطالب ) كما لو دار بين ان يعرف مسائل أكثر ، أو يوسع على نفسه برزق أكثر ( كان طلب العلم أرجح ) لما فيه من الثواب العظيم ، والاجر الجسيم ، وخير الدنيا والآخرة

ص: 360

وإذا لوحظ من جهة النفع الواصل إلى الغير كان اللازم ملاحظة مقدار النفع الواصل .

فثبت من ذلك كله ان تزاحم هذين المستحبين ، كتزاحم سائر المستحبات المتنافية كالاشتغال بالاكتساب أو طلب العلم غير الواجبين مع المسير إلى الحج المستحب ، أو إلى مشاهد الأئمة عليهم السلام أو مع السعي في قضاء

_________________________

( وإذا لوحظ ) المستحب منهما ( من جهة النفع الواصل إلى الغير كان اللازم ملاحظة مقدار النفع الواصل )

فربما كان تحصيل المال سببا لاضعاف النفع الواصل بسبب العلم مثلا : إذا حصل العلم كان انسانا مفيدا هاديا وإذا حصل المال انفقه لادخال عشرات الناس في طلب العلم الذين يكونون هداة دعاة إلى الحق .

( فثبت من ذلك كله ان تزاحم هذين المستحبين ، كتزاحم سائر المستحبات المتنافية ) .

فان باب المستحبات باب التزاحم لا باب التعارض ، لوجود الملاك في كل واحد منهما ، وان لم يتمكن المكلف من الجمع بينهما ، كوجود الملاك في انقاذ كل من الغريقين ، وان لم يتمكن المكلف من انقاذ كليهما ( كالاشتغال بالاكتساب ) المستحب ( أو طلب العلم ) المستحب اعني ( غير الواجبين ) فيما إذا تزاحم أحدهما ( مع المسير إلى الحج المستحب ، أو إلى مشاهد الأئمة عليهم السلام أو مع السعي في قضاء

ص: 361

حوائج الاخوان الّذي لا يجامع طلب العلم ، أو المال الحلال ، إلى غير ذلك مما لا يحصى .

_________________________

حوائج الاخوان ) السعي ( الّذي لا يجامع طلب العلم ، أو ) لا يجامع طلب ( المال الحلال ، إلى غير ذلك مما لا يحصى ) من الأمثلة كالتزاحم بين قراءة القرآن وقراءة الدعاء ، أو بين قراءة القرآن والقيام بصلاة نافلة ، أو بين الذهاب إلى المشهد أو الذهاب إلى صلة رحم مستحبة وهكذا .

ص: 362

مسئلة لا خلاف في مرجوحية تلقى الركبان بالشروط الآتية ،

واختلفوا في حرمته وكراهته ، فعن التقى والقاضي والحلى والعلامة في المنتهى :

الحرمة ، وهو المحكى عن ظاهر الدروس ، وحواشي المحقق الثاني ، وعن الشيخ ، وابن زهرة لا يجوز ، وأوّل في المختلف عبارة الشيخ بالكراهة ، وهي - اى الكراهة - مذهب الأكثر ، بل عن إيضاح النافع ان الشيخ ادعى الاجماع على عدم التحريم ، وعن نهاية الاحكام تلقى الركبان مكروه عند أكثر علمائنا ، وليس حراما اجماعا .

_________________________

( مسألة ) تلقى الركبان عبارة عن أن يذهب الانسان خارج المدينة مثلا - ليتلقى الذين جاءوا من الخارج لبيع بضائعهم أو اشتراء بضائع فيشترى منهم بقيمة ارخص ، أو يبيع لهم ( لا خلاف في مرجوحية تلقى الركبان بالشروط الآتية ) متعلق بالمرجوحية ( واختلفوا في حرمته وكراهته ، فعن التقى والقاضي والحلى والعلامة في المنتهى : الحرمة وهو ) اى القول بالحرمة ( المحكى عن ظاهر الدروس ، وحواشي المحقق الثاني ، وعن الشيخ ، وابن زهرة ) التعبير بلفظ ؛ ( لا يجوز ، واوّل في المختلف عبارة الشيخ ) - وهي لفظة : لا يجوز - ( بالكراهة ، وهي اى الكراهة - مذهب الأكثر ، بل عن إيضاح النافع ان الشيخ ادعى الاجماع على عدم التحريم ، وعن نهاية الاحكام تلقى الركبان مكروه عند أكثر علمائنا ، وليس حراما اجماعا ) .

ص: 363

ومستند التحريم ظواهر الاخبار ، منها : ما عن منهال القصاب ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : لا تلقّ فان رسول الله نهى عن التلقي ، قلت : وما حدّ التلقي ، قال : ما دون غدوة أو روحة .

قلت وكم الغدوة والروحة ، قال : أربعة فراسخ .

قال ابن أبي عمير وما فوق ، فذلك فليس بتلقّ .

_________________________

أقول : لا تنافى بين قوله « أكثر » وقوله « اجماعا » إذ : الكراهة أيضا غير ثابتة عند البعض ، لأنه لم يتكلم عن هذه المسألة أصلا فالتحريم منفى قطعا ، اما الكراهة فقد ذكرها الأكثر .

( ومستند التحريم ظواهر الاخبار ، منها : ما عن منهال القصاب ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : لا تلقّ ) فعل نهى من « تلقى يتلقى » وأصله « تتلق » حذف احدى تاءيه مثل « تنزل » فوزنه « لا تتصرف » من باب « التفعّل » ( فان رسول الله نهى عن التلقي ، قلت : وما حدّ التلقي ) اى المسافة التي ان ذهب الانسان إلى تلك المسافة يسمى تلقيا ( قال : ما دون غدوة أو روحة ) اى بمقدار المشي صباحا ، والمشي عصرا ، فإنه إذا كان أكثر من ذلك لا يسمى تلقيا ، لأنه سفر لاكتساب المعيشة ، فهذا المقدار وما دونه يسمى تلقيا .

( قلت وكم الغدوة والروحة ، قال : أربعة فراسخ ) لان المسافر يسافر في نهار يوم ثمانية فراسخ ، فللصباح أربعة ، وللعصر أربعة .

( قال ابن أبي عمير وما فوق ، فذلك فليس بتلق ) لما عرفت من أنه سفر ، والسفر للتجارة مستحب .

ص: 364

وفي خبر عروة لا يتلقى أحدكم تجارة خارجا من المصر ولا يبيع حاضر لباد ، والمسلمون يرزق الله بعضهم من بعض .

وفي رواية أخرى لا تلق ولا تشتر ما يتلقى ، ولا تأكل منه .

وظاهر النهى عن الاكل : كونه لفساد المعاملة ، فيكون اكلا بالباطل ، ولم يقل به الا الإسكافي .

_________________________

( وفي خبر عروة لا يتلقى أحدكم تجارة خارجا من المصر ، ولا يبيع حاضر لباد ) بان يذهب ليبيع لأهل البدو ، الذين يقصدون البلد للاشتراء منه .

وعليه : فالمراد بالتلقى هنا الذهاب للاشتراء منهم فقط ( والمسلمون يرزق الله بعضهم من بعض ) فإذا جاء أهل البدو إلى السوق اربحوا المسلمين جميعا ، اما إذا خرج بعض للبيع لهم والاشتراء منهم اختصت الفوائد بالخارج فقط ، ويحرم السائرون من الانتفاع باهل البادية .

( وفي رواية أخرى لا تلق ولا تشتر ما يتلقى ) اى ما اشترى بالتلقى ( ولا تأكل منه ) مما يتلقى .

( وظاهر النهى عن الاكل : كونه لفساد المعاملة ، فيكون اكلا بالباطل ) لا ان المال يكون حراما كحرمة الخمر والخنزير ( ولم يقل به ) اى بكونه اكلا للمال بالباطل ( الا الإسكافي ) .

اما غيره فيقولون بالحرمة التكليفية ، كالبيع وقت النداء لا الفساد وضعا .

ص: 365

وعن ظاهر المنتهى : الاتفاق على خلافه ، فتكون الرواية مع ضعفها مخالفة لعمل الأصحاب ، فتقصر عن إفادة الحرمة والفساد .

نعم : لا بأس بحملها على الكراهة لو وجد القول بكراهة الاكل مما يشترى من المتلقى ولا بأس به حسما لمادّة التلقي .

ومما ذكرنا : يعلم أن النهى في سائر الأخبار أيضا محمول على الكراهة ، لموافقته للأصل ، مع ضعف الخبر ومخالفته للمشهور .

ثم إن حد التلقي أربعة فراسخ ، كما في كلام

_________________________

( وعن ظاهر المنتهى : الاتفاق على خلافه ) اى خلاف الإسكافي ( فتكون الرواية ) الناهية عن اكل ما يتلقى ( مع ضعفها ) سندا ( مخالفة لعمل الأصحاب ، فتقصر عن إفادة الحرمة ) للتلقى ( والفساد ) للمعاملة

( نعم : لا بأس بحملها ) اى الرواية بالنسبة إلى الاكل ( على الكراهة لو وجد القول بكراهة الاكل مما يشترى من المتلقى ) - المتلقى بصيغة اسم الفاعل - ( ولا بأس به ) اى بالقول بالكراهة ( حسما لمادّة التلقي )

فان المتلقى إذا علم بان الناس لا يأكلون ما تلقاه يكون ذلك رادعا له عن التلقي ، فالشارع بهذه الملاحظة كرّه اكل ما يأخذ المتلقى .

( ومما ذكرنا : يعلم أن النهى في سائر الأخبار أيضا محمول على الكراهة ، لموافقته ) اى عدم التحريم ( للأصل ، مع ضعف الخبر ) اى جنس الخبر الدال على النهى ( ومخالفته للمشهور ) فان المشهور الكراهة وعدم التحريم ، كما تقدم .

( ثم إن حد التلقي ) المكروه أو المحرّم ( أربعة فراسخ ، كما في كلام

ص: 366

بعض ، والظاهر أن مرادهم خروج الحد عن المحدود ، لأن الظاهر زوال المرجوحية ، إذا كان أربعة فراسخ ، وقد تبعوا بذلك مرسلة الفقيه وروى أن حدّ التلقي روحة ، فإذا بلغ إلى أربعة فراسخ فهو جلب .

فان الجمع بين صدرها وذيلها لا يكون إلا بإرادة خروج الحدّ عن المحدود .

كما أن ما في الرواية السابقة ، ان حده ما دون غدوة ، أو روحة محمول على دخول الحد في المحدود .

_________________________

بعض ، والظاهر أن مرادهم خروج الحد ) اى رأس أربعة فراسخ الموجب للقصر والافطار ( عن المحدود ) الّذي هو : أربعة فراسخ ،

وانما نقول بخروج الحد ( لأن الظاهر زوال المرجوحية ، إذا كان ) التلقي رأس ( أربعة فراسخ ، وقد تبعوا بذلك ) الذين قالوا بان رأس أربعة فراسخ خارج عن الكراهة ( مرسلة الفقيه ) حيث قال ( وروى أن حدّ التلقي روحة ، فإذا بلغ إلى أربعة فراسخ فهو جلب ) اى جلب للطعام والجلب مستحب ، كما لا يخفى .

( فان الجمع بين صدرها ) حدّ التلقي روحة وهو الظاهر في الأربعة ( وذيلها ) فإذا بلغ أربعة ( لا يكون إلا بإرادة خروج الحد عن المحدود )

فرأس الأربعة ليس محكوما بحكم نفس الأربعة .

( كما أن ما في الرواية السابقة ) حيث قال ( ان حده ما دون غدوة ، أو روحة محمول على دخول الحد ) - اى ما دون - ( في المحدود ) اى في الكراهة ، لان المستثنى من الكراهة ، رأس الأربعة لا ما دون الأربعة

ص: 367

لكن قال في المنتهى : حدّ علمائنا التلقي بأربعة فراسخ ، فكرهوا التلقي إلى ذلك الحد فان زاد على ذلك كان تجارة وجلبا ، وهو ظاهر لان بمضيه ورجوعه يكون مسافرا ، ويجب عليه القصر ، ويكون سفرا حقيقيا ، إلى أن قال : ولا نعرف بين علمائنا خلافا فيه ، انتهى .

والتعليل بحصول السفر الحقيقي يدل على مسامحة في التعبير .

_________________________

( لكن قال في المنتهى : حدّ علمائنا التلقي بأربعة فراسخ ، فكرهوا التلقي إلى ذلك الحد ) اى إلى الأربعة ( فان زاد على ذلك كان تجارة وجلبا ) وليس ذلك بمكروه ، بل مستحب ( وهو ظاهر ) اى كون الزائد تجارة وليس تلقّيا ( لان بمضيه ورجوعه يكون مسافرا ، ويجب عليه القصر ، ويكون سفرا حقيقيا ، إلى أن قال ) المنتهى ( ولا نعرف بين علمائنا خلافا فيه ، انتهى ) .

والاشكال على المنتهى : ان ظاهره ان رأس الأربعة داخل في المحدود ، فيكره التلقي إلى رأس أربعة فراسخ ، بان كان الرأس داخلا وهذا خلاف ما ذكرناه سابقا من أن رأس الأربعة ليس بمكروه ، لأنه سفر

وانما نستظهر هذا من المنتهى ، لأنه بعد ذلك قال : فان زاد على ذلك .

( والتعليل ) في كلام المنتهى ( بحصول السفر الحقيقي ) حيث قال لان بمضيّه الخ ( يدل على مسامحة في التعبير ) اى في قوله : فان زاد ، إذ : التعليل يدل على أنه : سواء كان رأس الأربعة ، أو زائدا ، لم يكن تلقّيا

ص: 368

ولعل الوجه في التحديد بالأربعة ان الوصول على الأربعة بلا زيادة ونقيصة نادر ، فلا يصلح ان يكون ضابطا لرفع الكراهة .

إذ : لا يقال إنه وصل إلى الأربعة ، الا إذا تجاوز عنها ولو يسيرا فالظاهر أنه لا اشكال في أصل الحكم ، وان وقع اختلاف في التعبير في النصوص والفتاوى .

ثم إنه لا اشكال في اعتبار القصد ، إذ بدونه لا يصدق عنوان التلقي

_________________________

( ولعل الوجه في التحديد بالأربعة ) في كلام العلامة حيث قال :

التلقي بأربعة ، ( ان الوصول على الأربعة بلا زيادة ونقيصة نادر ) جدّا ( فلا يصلح ) الأربعة ( ان يكون ضابطا لرفع الكراهة ) بان نقول : ان الكراهة إلى ما دون الأربعة ، فإذا وصل إلى الأربعة ارتفعت الكراهة

( إذ : لا يقال ) عرفا ( انه وصل إلى الأربعة ، الا إذا تجاوز عنها ) اى عن الأربعة ( ولو ) تجاوزا ( يسيرا ) .

وكيف كان ( فالظاهر أنه لا اشكال في أصل الحكم ) وهو ان رأس الأربعة ليس مكروها ( وان وقع اختلاف في التعبير ) حيث يظهر من بعض التعابير : ان رأس الأربعة داخل في الكراهة .

ومن بعض التعابير ان رأس الأربعة ليس داخلا في الكراهة ( في النصوص والفتاوى ) .

( ثم إنه لا اشكال في اعتبار القصد ) بان يقصد الانسان انه يخرج إلى خارج البلد ، ليتلقى البد والقادمين ( إذ بدونه ) اى بدون القصد ( لا يصدق عنوان التلقي ،

ص: 369

فلو تلقى الركب في طريقه ذاهبا أو جائيا لم يكره المعاملة معهم .

وكذا في اعتبار قصد المعاملة من المتلقى ، فلا يكره لغرض آخر .

ولو اتفقت المعاملة ، قيل ظاهر التعليل في رواية عروة المتقدمة اعتبار جهل الركب بسعر البلد .

وفيه : انه مبنى على عدم اختصاص القيد بالحكم الأخير .

_________________________

فلو تلقى الركب في طريقه ) في حال كون المتلقى ( ذاهبا ) إلى خارج البلد ( أو جائيا ) من الخارج إلى البلد ( لم يكره المعاملة معهم ) اى مع الركب .

( وكذا ) لا اشكال ( في اعتبار قصد المعاملة من المتلقى ) حين خروجه ، فإنه يكره إذا قصد الخروج وقصد التعامل ( فلا يكره لغرض آخر ) بان يقصد التلقي للتعرف على أحوال أقاربه مثلا .

( ولو اتفقت المعاملة ) بعد ذلك ، بان رأى عندهم جنسا حسنا فاشتراه - مثلا - .

ثم إنه ( قيل ظاهر التعليل في رواية عروة المتقدمة ) اى قوله « المسلمون يرزق الله بعضهم من بعض » ( اعتبار جهل الركب بسعر البلد ) إذ لو كانوا جاهلين يبيعون متاعهم بأرخص ، فأهل البلد ينتفعون بهذا التفاوت ، فإذا اشترى منهم المتلقى لا يرزق أهل البلد .

( وفيه : انه ) اى هذا الاستظهار ( مبنى على عدم اختصاص القيد ) اى قوله عليه السلام « المسلمون يرزق الله الخ » ( بالحكم الأخير ) اى لا يبيع حاضر لباد ، لا ان القيد مربوط بالحكمين اى « لا يتلقى » و « لا يبيع »

ص: 370

فيحتمل أن تكون العلة في كراهة التلقي مسامحة الركب في الميزان بما لا يتسامح به المتلقى أو مظنة حبس المتلقين ما اشتروه ، أو ادخاره عن أعين الناس وبيعه تدريجا ، بخلاف ما إذا اتى الركب ، وطرحوا أمتعتهم في الخانات والأسواق ، فان له اثرا بيّنا في امتلاء أعين الناس خصوصا الفقراء وقت الغلاء إذا اتى بالطعام .

_________________________

والسر : انه لو كان القيد مربوطا بحكمين ، كان المعنى « لا يتلقى » لان المسلمين يرزق الله بعضهم من بعض .

وظاهر الخبر حينئذ اعتبار جهل الركب ، لان علمهم بسعر البلد لا يلائم التعليل ب : يرزق الله - كما لا يخفى - .

( فيحتمل ان ) يكون القيد مختصا بالحكم الأخير فقط ، ف ( تكون العلة في كراهة التلقي مسامحة الركب في الميزان ) فيعطون أزيد من القدر المعين ، مثلا يعطى الركب عوض الحقة حقة ونصفا ( بما لا يتسامح به ) اى بمثل ذلك التسامح ( المتلقى ) فان هذا التسامح سبب النهى ، سواء علم الركب بسعر البدو ، أم لا ( أو مظنة حبس المتلقين ما اشتروه أو ) لأجل ( ادخاره ) اى ادخار المتلقين المتاع ( عن أعين الناس وبيعه تدريجا ) مما لا يسبب الرفاه ( بخلاف ما إذا اتى الركب ، وطرحوا أمتعتهم في الخانات والأسواق ، فان له ) اى لمجيئهم وطرح أمتعتهم في الخانات ( اثرا بيّنا في امتلاء أعين الناس خصوصا الفقراء ) في ( وقت الغلاء إذا اتى بالطعام ) فان له اثرا في ايجاد الرفاه والطمأنينة ، فالعلم بالسعر لا يرفع الكراهة لأن علة الكراهة ليست الجهل ، بل إرادة الشارع ان

ص: 371

وكيف كان فاشتراط الكراهة بجهلهم بسعر البلد محل مناقشة .

ثم إنه لا فرق بين اخذ المتلقى بصيغة البيع ، أو الصلح ، أو غيرهما .

نعم لا بأس باستيهابهم ولو باهداء شيء إليهم .

ولو تلقاهم لمعاملات اخر ، غير شراء متاعهم فظاهر الروايات عدم المرجوحية .

_________________________

الركب بأنفسهم يأتون ويبيعون الطعام .

( وكيف كان ) سواء كانت علة كراهة تلقى الركبان مسامحة الركب ، أو مظنة حبس المتلقين ( فاشتراط الكراهة ) للتلقى ( بجهلهم ) اى الركب ( بسعر البلد ) كما قاله بعض ( محل مناقشة ) واشكال .

( ثم إنه لا فرق بين اخذ المتلقى ) المتاع من الركب ( بصيغة البيع أو الصلح ، أو غيرهما ) من أنواع المبادلة .

وذلك لما يستفاد من التعليل ، فان رزق بعض المسلمين عن بعض انما يكون إذا جاء الركب إلى البلد - كما عرفت - .

( نعم لا بأس باستيهابهم ) اى طلب الهبة من الركب ( ولو باهداء شيء إليهم ) لكن ذلك فيما إذا اتفق .

اما إذا اتخذناه ديدنا لأجل التخلص من تبعة تلقى الركبان ، فالظاهر أنه لا يكفى ، إذ : العلة المتقدمة في الرواية عامة .

( ولو تلقاهم لمعاملات آخر ، غير شراء متاعهم ) كالتعامل معهم بالنسبة إلى أراضيهم الزراعية ، مزارعة ، أو مساقاة ، أو اعطاء الدين لهم أو اخذه منهم أو ما أشبه ذلك ( فظاهر الروايات عدم المرجوحية ) .

ص: 372

نعم لو جعلنا المناط ما يقرب من قوله عليه السلام : المسلمون يرزق الله بعضهم من بعض ، قوى سراية الحكم إلى بيع شيء منهم وايجارهم المساكن والخانات .

كما أنه إذا جعلنا المناط في الكراهة كراهة غبن الجاهل كما يدل عليه النبوي العامي : لا تلقوا الجلّب .

_________________________

لان العلة لا تشمل أمثال هذه المعاملات ، كما إذا تلقاهم لأجل التزويج منهم ، أو إليهم ، أو لأجل حل مشاكلهم ، أو ما أشبه ذلك .

الا إذا كانت هذه الأمور أبواب رزق الناس حتى أن المتلقى يحول دون ارتزاق الناس منهم .

( نعم لو جعلنا المناط ) في مرجوحية التلقي ( ما يقرب من قوله عليه السلام : المسلمون يرزق الله بعضهم من بعض ، قوى سراية الحكم ) بمرجوحية التلقي ( إلى بيع شيء منهم ) بان يكون المتلقى بائعا لهم ( وايجارهم المساكن والخانات ) واصلاح شؤون دوابهم لان كل ذلك مانع عن ارتزاق أهل البلد بهم .

نعم : لا اشكال في عدم كراهة التلقي إذا كان أهل القرية كلهم يتلقون الركب فيما إذا كانت القرية صغيرة ، كما في بعض القرى .

( كما أنه إذا جعلنا المناط في الكراهة كراهة غبس الجاهل ) .

فالشارع انما كرّه التلقي ، لأنهم جهال فيغبنهم المتلقون ( كما يدل عليه ) اى على هذا المناط ( النبوي العامي ) الوارد من طريق العامة ( لا تلقوا الجلّب ) جمع جالب ، مثل طلّب جمع طالب ، وهو من يجلب

ص: 373

فمن تلقاه واشترى منه فإذا اتى السوق فهو بالخيار ، قوى سراية الحكم إلى كل معاملة توجب غبنهم كالبيع والشراء منهم متلقيا ، وشبه ذلك .

لكن الأظهر ، هو الأول .

وكيف كان فإذا فرض جهلهم بالسعر فثبت لهم الغبن الفاحش كان لهم الخيار .

وقد يحكى عن الحلى ثبوت الخيار وان لم يكن غبن ولعله لاطلاق النبوي المتقدم

_________________________

الطعام إلى المدينة ( فمن تلقاه واشترى منه فإذا اتى ) الجلب ( السوق ) ورأى أن المشترى غبنه ( فهو بالخيار قوى سراية الحكم ) بكراهة التلقي ( إلى كل معاملة توجب غبنهم كالبيع والشراء منهم ) سواء كان المعامل معهم ( متلقيا وشبه ذلك ) بان لم يكن متلقيا .

كما لو ذهب إلى الصيد فرأى الركب ، فاشترى منهم .

( لكن الأظهر ، هو الأول ) إذ النبوي العامي لا يمكن ان يكون مستندا لمثل هذا الحكم .

( وكيف كان ) الامر ، سواء كان بعض المذكورات داخلا في التلقي أم لا ( فإذا فرض جهلهم بالسعر فثبت ) بسبب الجهل ( لهم الغبن الفاحش )

اما الغبن الجزئي ، فقد قرر في موضعه انه لا يوجب الخيار ( كان لهم الخيار ) لاطلاق أدلة الغبن .

( وقد يحكى عن الحلى ) في السرائر ( ثبوت الخيار ) لهم في ابطال البيع ( وان لم يكن غبن ، ولعله لاطلاق النبوي المتقدم ) .

ص: 374

المحمول على صورة تبين الغبن بدخول السوق والاطلاق على القيمة .

واختلفوا في كون هذا الخيار على الفور أو التراخي ، على قولين سيجيء ذكر الأقوى منهما في مسئلة خيار الغبن إن شاء الله .

_________________________

لكنه لا يمكن الاعتماد عليه سندا ، لأنه عامي ، والحكم بالخيار خلاف الأصل ، لوجوب الوفاء بكل عقد الا ما خرج بالدليل ، لقوله تعالى :

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، بالإضافة إلى ضعف الدلالة .

إذ كيف الاستدلال بالخبر ( المحمول ) بقرينة الفهم العرفي ( على صورة تبين الغبن بدخول السوق ) « بدخول » متعلق ب « تبين » ( والاطلاع على القيمة ) عطف على « بدخول » .

( واختلفوا في كون هذا الخيار ) في مورد ثبوته ( على الفور ) العرفي لا بالدقة العقلي كما لا يخفى ( أو التراخي ، على قولين ، سيجيء ذكر الأقوى منهما ) وانه الفور العرفي ( في مسئلة خيار الغبن إن شاء الله ) .

ثم إن ظاهر النص والفتوى : ان الركب إذ لا يريدون دخول البلد لا بأس بتلقيهم ، كما إذا كانوا جالبين شيئا لا يشتريه الا جماعة خاصة ، وكلهم خرجوا ، كما إذا جلبوا الذهب الّذي لا يشتريه الا الصاغة وقد خرجوا كلهم لم يكن بذلك بأس ، ولا يشترط في الكراهة البلد ، بل الجلب إلى أصحاب الخباء أيضا كذلك اى يكره تلقيهم ، للمناط .

وهناك فروع كثيرة اضربنا عنها ، لأنها خارجة عن الشرح .

ص: 375

مسئلة يحرم النجش على المشهور ،

كما في الحدائق بل عن المنتهى وجامع المقاصد : انه محرم اجماعا ، لرواية ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول اللّه : الواشمة والموتشمة ، والناجش والمنجوش ملعونون على لسان محمد .

وفي النبوي المحكى عن معاني الأخبار : لا تناجشوا ولا تدابروا قال :

ومعناه ان يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد

_________________________

( مسألة ) تقدمت هذه المسألة في المكاسب المحرمة وكان تكرارها غفلة ( يحرم النجش على المشهور ، كما في الحدائق ) نسبته إلى الشهرة ( بل عن المنتهى وجامع المقاصد : انه محرم اجماعا ، لرواية ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله : الواشمة والموتشمة ) الوشم غرز الابر في مكان من الجسم ثم صب شيء من اللون في المكان المغروز لأجل الزينة : ويقال له بالفارسية « خال » ( والناجش والمنجوش ملعونون على لسان محمد ) .

وظاهر اللعن التلازم مع الحرمة ، وان لم يكن ملازما عقليا ولا ملازما في كثير من الروايات التي وردت بلفظ اللعن ، نحو لعن الله من اكل زاده وحده ، ومن ركب الفلاة وحده ، ومن نام في سطح بدون محجر .

( وفي النبوي المحكى عن معاني الأخبار : لا تناجشوا ولا تدابروا ، قال : ) الصدوق ( ومعناه ان يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد

ص: 376

شرائها ليسمع غيره ، فيزيد بزيادته ، والناجش خائن ، والتدابر الهجران انتهى كلام الصدوق .

والظاهر : ان المراد بزيادة الناجش مواطاة البائع المنجوش له .

_________________________

شرائها ) وانما يزيد ( ليسمع غيره ، فيزيد ) ذلك الغير ( بزيادته ) اى بسبب زيادة هذا .

قال الصدوق : ( والناجش خائن ) لأنه قسم من الخيانة عرفا ( والتدابر ) المنهى عنه في الحديث ( الهجران ، انتهى كلام الصدوق ) .

ولا يبعد ان يكون ذلك فيما إذا لم يكن الناجش قاصدا الاحسان ، بان كان مال يتيم ، أو ما أشبه ، وإذا لم يزد هو لا يصل إلى قيمته المعتادة .

( والظاهر : ان المراد بزيادة الناجش مواطاة البائع المنجوش له ) صفة البائع ، اى يواطى الناجش البائع في الامر .

لكن لا يخفى ما في هذا الاستظهار ، بل الاطلاق محكم ، فإذا كان لم يواط لكن الناجش كان عدوا لمن يريد اشترائه فزاد لأجل تضرير المشترى كان داخلا في النجش .

وانما استظهر المصنف ره هذا لما هو معلوم من حالة الدلالين في سوق الهرج ، من أنهم يزيدون لأجل ايصال القيمة إلى القيمة العادلة بدون تواطؤ .

لكن قد عرفت وجه خروج هذه الصورة عن الاطلاق ، فلا وجه لاخراجها بسبب آخر ليس الحديث ظاهرا فيه .

ص: 377

. . . . . . . . . .

_________________________

ثم إنه لو زاد بقصد الاشتراء ثم بدا له ، لم يكن ناجشا .

والظاهر عدم الفرق - بعد استفادة المناط - بين ان يكون بيعا أو شراء أو مساقاة ، أو مزارعة ، أو جعالة ، أو رهنا ، أو غيرها .

كما أن الظاهر من المناط المستفاد عرفا : ان النكاح أيضا كذلك .

فإذا قال أب البنت : انى أزوجها ممن يزيد في المهر - مثلا - كان من يزيد بدون إرادة الزواج ناجشا .

ص: 378

مسئلة : إذا دفع انسان إلى غيره مالا ، ليصرفه في قبيل يكون المدفوع إليه منهم

ولم يحصل للمدفوع إليه ولاية على ذلك المال من دون الدافع ، كمال الامام أو ردّ المظالم المدفوع إلى الحاكم فله صور .

إحداها : ان يظهر قرينة على عدم جواز رضاه بالاخذ منه ،

_________________________

( مسألة : إذا دفع انسان إلى غيره مالا ، ليصرفه في قبيل ) اى جماعة ( يكون المدفوع إليه ) المال ( منهم ) اى من أولئك القبيل .

كما إذا دفع زيد إلى فقير مالا ليصرفه في الفقراء ( ولم يحصل للمدفوع إليه ولاية على ذلك المال من دون ) الولاية التي أعطاها ( الدافع ) إليه

كما لو كان المال لزيد ، وأراد اعطائه صدقة ، إذ الآخذ لا ولاية له على أموال الناس .

اما إذا كان للمدفوع إليه ولاية على ذلك المال ( كمال الامام أو ردّ المظالم المدفوع إلى الحاكم ) الشرعي .

إذ الحاكم له ولاية على هذين المالين من دون الولاية التي اكتسبها من الدافع ، فهو مسألة أخرى .

والحاصل : ان المدفوع إليه قد تكون له الولاية ، وقد لا تكون له الولاية ، والكلام الآن فيما إذا لم تكن للمدفوع إليه الولاية ( فله صور )

( إحداها : ان يظهر ) الدافع ( قرينة على عدم جواز رضاه بالاخذ منه ) اى باخذ المدفوع إليه من المال .

ص: 379

كما إذا عين له منه مقدارا قبل الدفع أو بعده .

ولا اشكال في عدم الجواز ، لحرمة التصرف في مال الناس على غير الوجه المأذون فيه .

الثانية : ان تظهر قرينة حالية أو مقالية على جواز اخذه منه مقدارا مساويا لما يدفع إلى غيره ، أو انقص أو أزيد

_________________________

اما صريحا كان يقول : اعط كل هذه المائة للفقراء ولا تأخذ منه شيئا

واما ظهورا ( كما إذا عين له ) اى للمدفوع إليه ( منه ) اى من ذلك المال ( مقدارا قبل الدفع أو بعده ) كما إذا قال له : أعطيك مائة ، عشرة لك ، والبقية للفقراء .

أو أعطاه أو لا المائة ، ثم قال ذلك ، فان تخصيصه قدرا من المال للآخذ ظاهر في ان الدافع لا يريد ان يأخذ أزيد من ذلك القدر .

( ولا اشكال ) في هذه الصورة ( في عدم الجواز ، لحرمة التصرف في مال الناس على غير الوجه المأذون فيه ) الا إذا علمنا بان الامر على نحو الخطاء في التطبيق .

كما أنه يريد ان يكون لكل فقير في غاية الفقر عشرون ، ولكل فقير عادى عشرة ، وشخّص ان المدفوع إليه فقير عادى ولذا جعل له عشرة فإنه يحتمل ان يجوز له ان يأخذ العشرة الأخرى ، حينئذ .

( الثانية ) من الصور ( ان تظهر قرينة حالية أو مقالية على جواز اخذه منه ) اى اخذ المدفوع إليه من المال ( مقدارا مساويا لما يدفع إلى غيره ، أو انقص أو أزيد ) كارادته اعطاء عشرة لكل فقير ، وعشرة أو خمسة

ص: 380

ولا اشكال في الجواز حينئذ الا انه قد يشكل الامر فيما لو اختلف مقدار المدفوع إلى الأصناف المختلفة كان عين للمجتهدين مقدارا ، وللمشتغلين مقدارا ، واعتقده الدافع ، بعنوان يخالف معتقد المدفوع إليه

والتحقيق هنا مراعاة معتقد المدفوع إليه ان كان عنوان الصنف على وجه الموضوعية .

كان يقول : ادفع إلى كل مشتغل كذا ، وإلى كل مجتهد كذا ، وخذ أنت ما يخصك

_________________________

عشر لنفس المدفوع إليه .

( ولا اشكال في الجواز حينئذ ) لان المالك سلطه على ماله ( الا انه قد يشكل الامر فيما لو اختلف مقدار المدفوع إلى الأصناف المختلفة كان عين ) الدافع ( للمجتهدين مقدارا ) كان قال اعط كل مجتهد عشرة ( وللمشتغلين مقدارا ) كخمسة مثلا ( واعتقده الدافع ، بعنوان يخالف معتقد المدفوع إليه ) كان اعتقد الدافع ان المدفوع إليه مشتغل ، واعتقد المدفوع إليه ان نفسه مجتهد ، فهل يجوز له ان يأخذ عشرة أم لا .

( والتحقيق هنا مراعاة معتقد المدفوع إليه ان كان عنوان الصنف ) الّذي عنونه المعطى ( على وجه الموضوعية ) بان يكون الموضوع للمقدار هو العنوان وحده من غير مدخلية لاعتقاد الدافع .

( كان يقول ) الدافع ( ادفع إلى كل مشتغل كذا ) خمسة ( وإلى كل مجتهد كذا ) عشرة ( وخذ أنت ما يخصك ) وقد كان معتقدا انه مشتغل والحال ان المدفوع إليه يعلم نفسه مجتهدا من غير فرق بين ان يكون

ص: 381

وان كان على وجه الداعي ، بان كان عنوان الصنف داعيا إلى تعيين ذلك المقدار ، كان المتّبع اعتقاد الدافع ، لان الداعي انما يتفرع على الاعتقاد ، لا الواقع .

الثالثة : ان لا يقوم قرينة على أحد الامرين

_________________________

اعتقاد المدفوع إليه انقص أو أزيد .

( وان كان ) عنوان الصنف ( على وجه الداعي ، بان كان عنوان الصنف داعيا إلى تعيين ذلك المقدار ، كان المتبع اعتقاد الدافع ) فلا يجوز للآخذان يعمل حسب اعتقاد نفسه ( لان الداعي انما يتفرع على الاعتقاد ، لا الواقع ) .

فان الانسان إذا اعتقد شيئا حدث فيه الداعي على عمل خاص سواء كان اعتقاده مطابقا للواقع ، أم لا .

مثلا : إذا اعتقد بان ضيوفه يبقون إلى وقت الغذاء ، حدث فيه الداعي إلى اشتراء الطعام لهم ، سواء بقي الضيوف في الواقع أم ذهبوا قبل وقت الغذاء .

وعليه فإذا اشترى الطعام لم يكن له ان يرده على صاحب الطعام إذا علم بأنهم لا يبقون .

اما إذا كان الاشتراء متفرعا على واقع بقائهم ، كان كلا اشتراء .

نعم في صورة الداعي إذا شرط ، أو بنى البيع على بقاء الضيوف ، كان له فسخ المعاملة حين تبين عدم بقائهم .

( الثالثة ) من الصور ( ان لا تقوم قرينة على أحد الامرين ) اخذ

ص: 382

ويطلق المتكلم وقد اختلف فيه كلماتهم ، بل كلمات واحد منهم .

فالمحكى عن وكالة المبسوط وزكاة السرائر ، ومكاسب النافع ، وكشف الرموز والمختلف ، والتذكرة ، وجامع المقاصد : تحريم الاخذ مطلقا .

وعن النهاية ، ومكاسب السرائر ، والشرائع ، والتحرير ، والارشاد والمسالك ، والكفاية : انه يجوز له الاخذ منه ان اطلق ، من دون زيادة على غيره .

ونسبه في الدروس إلى الأكثر ، وفي الحدائق إلى المشهور وفي

_________________________

المدفوع إليه من المال ، أو عدم اخذه من المال ( ويطلق المتكلم ) الدافع ، الكلام بحيث يمكن ان يحمل الاطلاق على كلا الامرين ( وقد اختلف فيه كلماتهم بل كلمات ) فقيه ( واحد منهم ) فافتى مرة بفتيا ، ومرة أخرى بفتيا مخالفة للأولى .

( فالمحكى عن وكالة المبسوط وزكاة السرائر ، ومكاسب النافع ، وكشف الرموز والمختلف ، والتذكرة ، وجامع المقاصد : تحريم الاخذ ) اى اخذ الدافع من هذا المال المدفوع إليه ( مطلقا ) في مقابل التفصيل الآتي .

( وعن النهاية ، ومكاسب السرائر ، والشرائع ، والتحرير ، والارشاد والمسالك ، والكفاية : انه يجوز له الاخذ منه ) اى من المال ( ان اطلق ) الدافع الكلام اخذا بقدر من سواه ( من دون زيادة على غيره ) فإذا اعطى كل واحد دينارا لم يجز له اخذ دينارين لنفسه .

( ونسبه في الدروس إلى الأكثر و ) نسبه ( في الحدائق إلى المشهور وفي

ص: 383

المسالك هكذا شرط كل من سوّغ له الاخذ .

وعن نهاية الاحكام ، والتنقيح ، والمهذب البارع ، والمقنعة الاقتصار على نقل القولين .

وعن المهذب البارع : حكاية التفصيل بالجواز ان كان الصيغة بلفظ - ضعه فيهم - أو ما أدّى معناه والمنع ان كانت بلفظ - ادفعه -

وعن التنقيح عن بعض الفضلاء : انه ان قال : هو للفقراء جاز ، وان

_________________________

المسالك ) قال ( هكذا ) اى الاخذ بقدر غيره ( شرط كل من سوّغ له الاخذ ) قالوا لأنه يتعارض ظهور « اعطه للعالم » مثلا في المغايرة بين المعطى والمعطى له مع الظهور العرفي ، في ان العالم تمام الموضوع ، لكن الثاني مقدم على الأول ، ولذا يجوز ان يأخذ المدفوع إليه من المال .

( وعن نهاية الاحكام ، والتنقيح ، والمهذب البارع ، والمقنعة الاقتصار على نقل القولين ) القول بجواز الاخذ ، والقول بعدم جواز الاخذ

( وعن المهذب البارع : حكاية التفصيل بالجواز ) اى جواز اخذ المدفوع إليه من المال ( ان كان الصيغة ) التي قالها الدافع ( بلفظ ضعه فيهم - أو ما أدّى معناه ) اى مثل هذا المال لهم ، أو عائد إليهم ( والمنع ان كانت ) الصيغة ( بلفظ - ادفعه - ) إليهم لأنه لا ظهور للصيغة الأولى في المغايرة بين الدافع والمدفوع ، بخلاف الصيغة الثانية .

( وعن التنقيح عن بعض الفضلاء : انه ان قال ) المعطى ( هو للفقراء جاز ) ان يأخذ هو منه ( وان

ص: 384

قال : اعطه للفقراء ، فان علم فقره لم يجز ، إذ لو اراده ، لخصّه ، وان لم يعلم جاز .

احتج القائل بالتحريم مضافا إلى ظهور اللفظ في مغايرة المأمور بالدفع للمدفوع إليهم المؤيّد بما قالوه في من وكلته امرأة ان يزوجها من شخص ، فزوجها من نفسه .

أو وكله في شراء شيء فأعطاه من عنده ، مصححة

_________________________

قال : اعطه للفقراء ، فان علم ) الدافع ( فقره ) اى فقر المدفوع إليه ( لم يجز ) اخذه منه ( إذ لو اراده ) الدافع بان أراد ان يأخذ المدفوع إليه من المال ( لخصّه ) اى ذكره لفظيا ، بان قال : اعطه للفقراء وخذ أنت حصة منه ، حيث إنك فقير ( وان لم يعلم ) الدافع فقر المدفوع إليه ( جاز ) ان يأخذ المدفوع إليه بعض المال .

( احتج القائل بالتحريم ) اى تحريم اخذ المدفوع منه من المال ( مضافا إلى ظهور اللفظ ) اى لفظ - ادفعه - ( في مغايرة المأمور بالدفع للمدفوع إليهم ) .

فان الظاهر لدى العرف : ان المأمور واسطة محضة ، لا انه واسطة وآخذ - معا - ( المؤيّد ) هذا الظهور ، و « المؤيد » بصيغة اسم المفعول ( بما قالوه في من وكلته امرأة ان يزوجها من شخص فزوجها من نفسه ) حيث يبطل الزواج ، لان ظاهر التوكيل ان تزوّج من رجل غير الوكيل .

( أو وكله في شراء شيء فأعطاه ) الوكيل ( من عنده ) ب ( مصححة

ص: 385

ابن الحجاج المستندة في التحرير ، إلى مولانا الصادق عليه السلام ، وان أضمرت في غيره قال سألته عن رجل أعطاه رجل مالا ليصرفه في محاويج ، أو في مساكين ، وهو يحتاج ، أيأخذ منه لنفسه ؟ ولا يعلمه هو .

قال عليه السلام لا يأخذ شيئا ، حتى يأذن له صاحبه .

واحتج المجوزون بان العنوان المدفوع إليه شامل له .

والفرض الدفع إلى هذا العنوان من غير ملاحظة لخصوصية الغير ،

_________________________

ابن الحجاج ) متعلق ب « احتج » ( المستندة في ) كتاب ( التحرير ، إلى مولانا الصادق عليه السلام ، وان أضمرت في غيره ) اى دونوها في سائر الكتب مضمرة بدون اسناد إلى الإمام عليه السلام ( قال سألته عن رجل أعطاه رجل مالا ليصرفه في محاويج ، أو في مساكين وهو ) اى الآخذ ( يحتاج ، أيأخذ منه لنفسه ؟ ولا يعلمه هو ) بان يأخذ الآخذ بعض المال ولا يعلم صاحب المال بأنه اخذ بعض ماله .

( قال عليه السلام لا يأخذ شيئا ، حتى يأذن له صاحبه ) .

وظاهره النهى التحريمى ، المستتبع للوضع أيضا ، فان النهى في الماليات ظاهره الوضع ، وانه لو اخذ كان ضامنا .

( واحتج المجوزون ) لاخذ المدفوع إليه ( بان العنوان المدفوع إليه ) اى الّذي جعله الدافع معيارا للدفع إليه ، كالمسكين والفقير مثلا - ( شامل له ) اى للمدفوع إليه بنفسه ، لان الفرض انه مسكين مثلا

( والفرض الدفع إلى هذا العنوان من غير ملاحظة لخصوصية الغير ) فإنه لا خصوصية في انطباق لفظ المسكين ان يكون الآخذ غير

ص: 386

واللفظ وان سلّم عدم شموله له لغة الا ان المنساق عرفا صرفه إلى كل من اتصف بهذا العنوان .

فالعنوان موضوع لجواز الدفع ، يحمل عليه الجواز .

نعم : لو كان المدفوع إليهم اشخاصا خاصة ، وكان الداعي على الدفع اتصافهم بذلك الوصف لم يشمل المأمور .

والرواية معارضة بروايات اخر ، مثل ما عن الكافي في

_________________________

المدفوع إليه ( واللفظ ) وهو قول المعطى : اعطه للمساكين ( وان سلم عدم شموله له ) اى للمدفوع إليه ( لغة ) لأن الظاهر المغايرة بين المعطى وهو الآخذ والمعطى له ( الا ان المنساق عرفا ) بقرينة فهم العرف عدم خصوصية لمسكين خاص ( صرفه إلى كل من اتصف بهذا العنوان ) كعنوان المسكين في المثال .

( فالعنوان موضوع لجواز الدفع ) ف ( يحمل عليه ) اى على هذا العنوان ( الجواز ) اى جواز الدفع .

والحاصل : ان القرينة العرفية قائمة على عدم خصوصية مسكين دون مسكين ، وحيث إن الآخذ مسكين أيضا ، جاز له ان يأخذ من المال

( نعم : لو كان المدفوع إليهم اشخاصا خاصة ) بان كان الموضوع هو الشخص ، لا العنوان ( وكان الداعي على الدفع ) إليهم ( اتصافهم بذلك الوصف ) كوصف المسكنة في المثال ( لم يشمل ) العنوان ( المأمور ) الّذي اعطى له المال ليوزعه .

( والرواية ) الناهية ( معارضة بروايات اخر ، مثل ما عن الكافي في

ص: 387

الصحيح عن سعد بن يسار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يعطى الزكاة يقسّمه في أصحابه ، أيأخذ منه شيئا ؟ قال عليه السلام : نعم

وعن الحسين بن عثمان في الصحيح أو الحسن بابن هاشم في رجل اعطى مالا يفرقه ممن يحل له ، أيأخذ شيئا لنفسه ؟ وان لم يسم له ، قال : يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطى غيره .

_________________________

الصحيح عن سعد بن يسار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يعطى الزكاة يقسمه في أصحابه ، أيأخذ منه شيئا ؟ ) والاتيان بضمير المذكر لعوده إلى المال المفهوم من لفظ « الزكاة » ( قال عليه السلام نعم ) يأخذ منه .

( وعن الحسين بن عثمان في الصحيح أو الحسن ) وكونه حسنا لا صحيحا ( ب ) سبب وجود ( ابن هاشم ) في السند .

لكنا حققنا في الرجال انه من طراز الصحيح ، كما ذكره الفقيه الهمداني ره أيضا في مصباح الفقيه ( في رجل اعطى مالا ) لرجل حتى ( يفرقه ممن يحل له ) ذلك المال كان أعطاه زكاة ليفرقها في الفقراء ، أو أعطاه سهم سادة ليفرقه في السادة مثلا ( أيأخذ ) المدفوع إليه ( شيئا لنفسه ؟ وان لم يسم له ) اى لم يسم الآخذ نفسه للدافع بان لم يقل له انى آخذ بعضه لنفسي ، أو المراد لم يسمّ الدافع ، اسم المدفوع إليه ( قال :

يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطى غيره ) .

والظاهر من لفظ المثل ، المثلية في الكمية ، فإذا اعطى غيره دينارا اخذ لنفسه دينارا أيضا ، لا المثلية في الاخذ ، فليس المعنى

ص: 388

وصحيحة ابن الحجاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يعطى الرجل الدراهم يقسمها ويضعها في مواضعها ، وهو ممن يحل له الصدقة ، قال عليه السلام : لا بأس ان يأخذ لنفسه كما يعطى غيره ، ولا يجوز له ان يأخذ إذا امره ان يضعها في مواضع مسماة ، الا باذنه .

والّذي ينبغي ان يقال :

_________________________

يأخذ لنفسه كما يعطى لغيره حتى يكون المأخوذ من حيث الكمية مهملا في الرواية .

( وصحيحة ابن الحجاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يعطى الرجل الدراهم ) ل ( يقسمها ويضعها في مواضعها وهو ) اى الآخذ للدراهم ( ممن يحل له الصدقة ) فهل يجوز له ان يأخذ من تلك الدراهم ؟ ( قال عليه السلام ) نعم ( لا بأس ان يأخذ لنفسه كما يعطى غيره ، ولا يجوز له ان يأخذ ) لنفسه ( إذا امره ان يضعها ) الدراهم ( في مواضع مسماة ، الا ) آخذا ( باذنه ) فإنه لا يجوز التعدي عن نصّ المعطى .

( والّذي ينبغي ان يقال ) انه ان كان هناك ظهور في أحد الامرين اى الاخذ وعدم الاخذ ، فالمتبع هو الظهور فيما لم يكن هناك علم بعدم إرادة المعطى الظاهر .

وان لم يكن هناك ظهور فاللازم ان لا يأخذ الدافع لنفسه شيئا لأصالة حرمة التصرف في مال الغير .

فهناك ثلاثة أمور ، العلم وهو متبع مطلقا ، ثم الظهور العرفي ، وهو

ص: 389

اما من حيث دلالة اللفظ الدال على الاذن في الدفع والصرف فان المتبع الظهور العرفي ، وان كان ظاهرا بحسب الوضع اللغوي في غيره .

كما أن الظهور الخارجي الّذي يستفاد من القرائن الخارجية مقدم على الظهور العرفي الثابت للفظ المجرد عن تلك القرائن .

_________________________

أيضا متبع مطلقا ، ثم اصالة حرمة التصرف في مال الغير هذا في مقام الثبوت .

اما مقام الاثبات فالظاهر : ان الغالب وجود القرائن الدالة على إرادة العنوان المنطبق على الاخذ أيضا .

( اما من حيث دلالة اللفظ الدال على الاذن في الدافع ) إلى العنوان المأخوذ موضوعا كعنوان المسكين مثلا ( والصرف ) للمال فيهم ( فان المتبع الظهور العرفي وان كان ) اللفظ ( ظاهرا بحسب الوضع اللغوي في غيره ) فقول المعطى ادفع المال إلى المساكين ظاهره اللغوي كون الدافع غير المدفوع إليه

اما ظهوره العرفي انه يخص المسكين ، سواء كان الآخذ أو غيره .

( كما أن الظهور الخارجي ) المستفاد بمعونة الخارج ، لا المستفاد من نفس الكلام الملقى إلى العرف ( الّذي يستفاد من القرائن الخارجية ) كاستفادة ان المراد بالمسكين ، في المثال ، مسكين الشيعة ، لا مطلق المساكين ، والقرينة كون المعطى شيعيا لا يلائم ذوق السنة مثلا ( مقدم على الظهور العرفي الثابت للفظ المجرد عن تلك القرائن ) .

وسرّ تقديم بعض هذه الصور على بعض ، هو العرف المحكم في

ص: 390

ثم إن التعبد في حكم هذه المسألة لا يخلو عن بعد .

فالأولى حمل الاخبار المجوزة على ما إذا كان غرض المتكلم صرف المدفوع في العنوان المرسوم له ، من غير تعلق الغرض بخصوص فرد دون آخر .

وحمل الصحيحة المانعة السابقة .

_________________________

باب الظهورات ، بدليل : ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ ، ودليل :

انا معاشر الأنبياء أمرنا ان نكلم الناس على قدر عقولهم .

( ثم إن التعبد في حكم هذه المسألة ) بان يترك قاعدة : الناس مسلطون على أموالهم ، فلا يكون لتعيين المعطى اثر أصلا .

فمثلا : المعطى يريد اعطاء ماله للمساكين ، ولا يريد اعطاء شيء منه للآخذ ، لكن الشارع يتعبد بجواز اخذ المعطى له المال ، أو بالعكس ( لا يخلو عن بعد ) إذ التعبد خلاف المستفاد من ظاهر الروايات الواردة في المسألة التي ظاهرها ان الإمام عليه السلام يريد بيان اتباع الظهور العرفي الكاشف عن قصد المعطى .

( فالأولى ) تعينيا ( حمل الاخبار المجوزة ) لاخذ المعطى له شيئا من المال ( على ما إذا كان غرض المتكلم ) المعطى ( صرف المدفوع في العنوان المرسوم له ) اى العنوان الّذي رسمه ، وبيّنه للمعطى له كعنوان المسكين ، مثلا ( من غير تعلق الغرض ) اى غرض المعطى ( بخصوص فرد دون ) فرد ( آخر ) اما إذا تعلّق غرضه بما عدا المعطى له ، فلا يجوز له الاخذ منه .

( وحمل الصحيحة المانعة السابقة ) عن اخذ المعطى له من المال شيئا

ص: 391

على ما إذا لم يعلم الآمر بفقر المأمور ، فامرها بالدفع إلى مساكين على وجه يكون المسكنة داعيا إلى الدفع ، لا موضوعا .

ولما لم يعلم المسكنة في المأمور لم يحصل داع على الرضا بوصول شيء من المال إليه .

ثم على تقدير المعارضة ، فالواجب الرجوع إلى ظاهر اللفظ لأن الشك بعد

_________________________

( على ما إذا لم يعلم الآمر ) اى المعطى ( بفقر المأمور ، فامرها بالدفع إلى مساكين على وجه يكون المسكنة داعيا إلى الدفع ، لا موضوعا ) إذ لو كان موضوعا جاز اخذ المعطى له أيضا ، لتحقق الموضوع الّذي تعلق به امر الدافع .

( ولما لم يعلم ) المعطى ( المسكنة في المأمور ) المدفوع إليه ( لم يحصل داع على الرضا بوصول شيء من المال إليه ) .

والحاصل : ان يكون تعيينه على وجه التقييد لا على وجه الخطاء في التطبيق ، هذا هو الجمع الّذي اختاره المصنف .

وجمع بعض آخر الروايتين بحمل الناهية على الكراهة ، إذ كون الروايات على القاعدة خلاف ما ذكروه من اصالة التأسيس في الروايات ، فإنه على ما ذكره المصنف تكون الروايات تأكيدا لا تشريعا .

( ثم على تقدير المعارضة ) بين الروايات ( فالواجب الرجوع إلى ظاهر اللفظ ) الّذي قاله الدافع ، لان الروايات تتساقط بعد المعارضة كما هي القاعدة في الحجتين المتعارضتين على ما ذكروا ( لأن الشك بعد

ص: 392

تكافؤ الاخبار في الصارف الشرعي عن الظهور العرفي .

ولو لم يكن للفظ ظهور فالواجب بعد التكافؤ الرجوع إلى المنع .

إذ لا يجوز التصرف في مال الغير الا باذن من المالك أو الشارع .

_________________________

تكافؤ الاخبار في الصارف الشرعي عن الظهور العرفي ) فان ظاهر كلام المتكلم يتّبع ما لم يكن هناك صارف شرعي يوجب حمل كلامه على خلاف ظاهره .

فإذا كان هناك صارف شرعي ، فالمتبع هو ظهور كلامه لأصالة حجية الظهور .

( و ) اما ( لو لم يكن للفظ ظهور ) عرفى ( فالواجب بعد التكافؤ ) بين الروايات ( الرجوع إلى المنع ) فلا يأخذ آخذ المال منه لنفسه شيئا .

( إذ لا يجوز التصرف في مال الغير الا باذن من المالك أو الشارع ) والمفروض فقد كليهما فالمتبع أوّلا ، الرواية ، ثم الظهور العرفي ، ثم المنع .

ص: 393

مسئلة : احتكار الطعام

وهو - كما في الصحاح وعن المصباح - جمع الطعام ، وحبسه يتربص به الغلاء لا خلاف في مرجوحيته .

وقد اختلف في حرمته فعن المبسوط ، والمقنعة ، والحلبي في كتاب المكاسب والشرائع ، والمختلف : الكراهة .

وعن كتب الصدوق والاستبصار ، والسرائر ، والقاضي ، والتذكرة والتحرير ، والايضاح والدروس وجامع المقاصد ، والروضة : التحريم

وعن التنقيح ، والميسية تقويته ، وهو الأقوى بشرط عدم باذل الكفاية

_________________________

( مسألة : احتكار الطعام وهو - كما في الصحاح وعن المصباح - جمع الطعام ) ولو جمعا قليلا ( وحبسه ) عن البيع ونحوه ( يتربص به الغلاء ) بفتح الغين ( لا خلاف في مرجوحيته ) « لا خلاف » خبر « احتكار »

( وقد اختلف في حرمته ) وكراهته ( فعن المبسوط ، والمقنعة ، والحلبي في كتاب المكاسب والشرائع ، والمختلف : الكراهة ) مطلقا .

( وعن كتب الصدوق والاستبصار ، والسرائر ، والقاضي ، والتذكرة والتحرير ، والايضاح ، والدروس وجامع المقاصد ، والروضة :

التحريم ) مطلقا .

( وعن التنقيح ، والميسية تقويته ) اى قالا : الأقوى التحريم ( وهو الأقوى ) لكن لا مطلقا بل ( بشرط عدم باذل الكفاية ) فإن كان هناك تاجر يبذل الطعام بقدر كفاية الناس لم يحرم على هذا التاجر الاحتكار

ص: 394

لصحيحة سالم الحناط ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : ما عملك ؟ قلت حنّاط وربما قدمت على نفاق وربما قدمت على كساد فحبست ، قال عليه السلام : فما يقول من قبلك فيه ، قلت : يقولون يحتكر ، قال يبيعه أحد غيرك ، قلت : ما أبيع انا من الف جزء جزءا قال عليه السلام لا بأس ،

_________________________

والا حرم عليه .

وانما نقول : بالتحريم في هذه الصورة ( لصحيحة سالم الحنّاط ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : ما عملك ؟ قلت حنّاط ) أبيع الحنطة ( وربما قدمت على نفاق ) يقال نفق السوق إذا راج ( وربما قدمت على كساد فحبست ) اى حبست الطعام عن البيع .

والظاهر أن المراد بالنفاق والكساد وجود الطعام كثيرا وعدم وجوده كثيرا ، لا ان المراد رواج السوق وكساده .

وانما استظهرنا ذلك ، بقرينة « فحبست »

ويمكن ان يراد كساد السوق عن الاشتراء فاحبس الطعام حتى يروج ، لكن هذا الاحتمال بعيد ( قال عليه السلام : فما يقول من قبلك ) من في بلدك من فقهاء العامة ( فيه ) اى في هذا الحبس ( قلت : يقولون يحتكر ) .

ويمكن ان يكون المراد ب « من قبلك » الناس ، اى فما يسميه الناس ( قال ) ع ، هل ( يبيعه أحد غيرك ، قلت ) نعم ، فانى ( ما أبيع انا من الف جزء جزءا ) فهناك تجار كثيرون يبيعون الطعام نسبتي إليهم ، أقل من نسبة الواحد إلى الألف ( قال عليه السلام : لا بأس ) إذا بهذا الحبس ،

ص: 395

انما كان ذلك رجل من قريش ، يقال له حكيم بن حذام وكان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كلّه ، فمرّ عليه النبي صلى الله عليه وآله ، فقال له يا حكيم بن حذام إياك ان تحتكر .

فان الظاهر منه ان علة عدم البأس وجود الباذل ، فلو لاه حرم .

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : انه سئل عن الحكرة ، فقال : انما الحكرة ان يشترى طعاما ، وليس في المصر طعام غيره فتحتكره ، فإن كان في المصر طعام غيره

_________________________

لأنه ليس احتكارا ، و ( انما كان ذلك ) الاحتكار المنهى عنه المشهور عن النبي صلى الله عليه وآله : غير مثل هذا الّذي أنت فيه ، إذ كان ( رجل من قريش ، يقال له حكيم بن حذام ، وكان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كلّه ، فمرّ عليه النبي صلى اللّه عليه وآله ، فقال له يا حكيم بن حذام إياك ان تحتكر ) ولست أنت أيها السائل مثل حكيم .

( فان الظاهر منه ) اى من جواب الإمام عليه السلام بإجازة حبسه الطعام ( ان علة عدم البأس وجود الباذل ) للطعام ، فلا يبقى الناس بلا طعام ( فلو لاه ) اى الباذل ( حرم ) الحبس ، وهذا هو سبب ما فصلناه في المسألة .

( وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : انه سئل ) - بصيغة المجهول - ( عن الحكرة ) بالضم ، اى الاحتكار ( فقال : انما الحكرة ان يشترى طعاما ، وليس في المصر طعام غيره ) اى غير هذا الطعام ( فتحتكره ، فإن كان في المصر طعام غيره ) اى غبر الطعام الّذي

ص: 396

فلا بأس ان يلتمس بسلعتك الفضل .

وزاد في الصحيحة المحكية عن الكافي ، والتهذيب قال : وسألته عن الزيت قال : ان كان عند غيرك ، فلا بأس بامساكه .

وعن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة في كتابه إلى مالك الأشتر ، فامنع من الاحتكار فان رسول الله صلى الله عليه وآله منع منه وليكن البيع بيعا سمحا في موازين عدل لا يجحف بالفريقين ، البائع والمبتاع .

_________________________

عندك ( فلا بأس ان يلتمس ) وتطلب ( بسلعتك الفضل ) والزيادة .

( وزاد في الصحيحة المحكية عن الكافي والتهذيب ) هذه الجملة ( قال : وسألته عن الزيت ) هل يجوز احتكاره ، أم لا ؟ ( قال : ان كان عند غيرك ، فلا بأس بامساكه ) .

والمراد عند غيرك ممن يبيع ، والا فمجرد العندية لا يوجب عدم البأس ، وذلك لوضوح ان الحكمة عدم خلو السوق .

( وعن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة في كتابه إلى مالك الأشتر ) حين ولاه مصر ( فامنع من الاحتكار فان رسول الله صلى الله عليه وآله منع منه ) وظاهر المنع النهى التحريمى ( وليكن البيع بيعا سمحا ) مقابل التصعب في المعاملة .

وهذا امر ارشادي بدليل القرائن الخارجية ( في موازين عدل ) لا موازين ناقصة ( لا يجحف ) ولا يضر الميزان ( بالفريقين البائع والمبتاع ) اى المشترى فإن كان الميزان غير مستقيم ، فاما ان يزيد فيجحف بالبائع ،

ص: 397

فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه ، فنكّل به وعاقب غير اسراف .

وصحيحة الحلبي ، قال سألته عليه السلام عمن يحتكر الطعام ، ويتربص به هل يصلح ذلك ؟ قال : ان كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس به ، وان كان الطعام قليلا لا يسع الناس فإنه يكره ان يحتكر ، وترك الناس ليس لهم طعام .

فان الكراهة في كلامهم عليهم السلام ، وان كان يستعمل في المكروه والحرام ، الا ان في

_________________________

أو ينقص فيجحف بالمشترى ( فمن قارف ) وارتكب ( حكرة بعد نهيك إياه ) لان نهيه موجب لوصول الحكم وقبل الوصول لا عقاب فإنه : رفع ما لا يعلمون ( فنكل به ) التنكيل العقاب المخزى ( وعاقب في غير اسراف ) في العقاب مما يرتكبه السلطان لأجل التشفي واطفاء الغيظ .

( وصحيحة الحلبي ، قال سألته عليه السلام عمن يحتكر الطعام ويتربص به ) اى ينتظر به الزيادة ( هل يصلح ذلك ؟ ) ويجوز أم لا ؟ ( قال :

ان كان الطعام كثيرا يسع الناس ) حتى إذا احتكر هذا تمكن الناس من شراء الطعام من غيره ( فلا بأس به ، وان كان الطعام قليلا لا يسع الناس ) فان احتكر ، وقع الناس في ضيق ( فإنه يكره ان يحتكر ، وترك الناس ليس لهم طعام ) والكراهة يراد بها التحريم في هذا المقام بالقرينة الخارجية .

( فان الكراهة في كلامهم عليهم السلام ، وان كان يستعمل في المكروه والحرام ) وعليه يكون اللفظ مجملا فيرجع فيه إلى أصالة الجواز ( الا ان في

ص: 398

تقييدها بصورة عدم باذل غيره ، - مع ما دل على كراهة الاحتكار مطلقا - قرينة على إرادة التحريم .

وحمله على تأكد الكراهة أيضا مخالف لظاهر يكره كما لا يخفى .

وان شئت قلت : ان المراد بالبأس في الشرطية الأولى التحريم ،

_________________________

تقييدها ) اى الكراهة ( بصورة عدم باذل غيره ) حيث إن الظاهر من هذا الحديث انه « ان كان باذل فلا يكره » و « ان لم يكن باذل فيكره » .

وحيث نعلم من الخارج كراهة الاحتكار ولو كان هناك باذل فاللازم ان نحمل الكراهة على الحرمة ، حتى يستقيم الشقين ، ويكون المعنى ان كان باذل لا يحرم ، وان لم يكن باذل يحرم ( - مع ما دل على كراهة الاحتكار مطلقا - ) سواء كان باذل ، أم لا ( قرينة على إرادة التحريم ) من الكراهة .

( و ) ان قلت : يمكن ان يكون التقسيم باعتبار شدة الكراهة في صورة عدم البذل وأصل الكراهة في صورة البذل .

قلت : ( حمله ) اى « يكره » في الرواية ( على تأكد الكراهة أيضا مخالف لظاهر يكره ) اى ظاهر أصل الكراهة ، لا تأكيدها .

وحيث لا تخص الكراهة بصورة واحدة ، فاللازم حمل « يكره » على معنى الحرمة ( كما لا يخفى ) بأدنى تأمل .

( وان شئت قلت ) في بيان وجه حملنا للفظ « يكره » في الرواية على التحريم ( ان المراد بالبأس في الشرطية الأولى ) في قوله عليه السلام « فلا بأس به » ( التحريم ) اى لا تحريم فيه

ص: 399

لان الكراهة ثابتة في هذه الصورة أيضا فالشرطية الثانية كالمفهوم لها .

ويؤيّد التحريم ما عن المجالس ، بسنده عن أبي مريم الأنصاري ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

أيما رجل اشترى طعاما فحبسه أربعين صباحا ، يريد به الغلاء للمسلمين ثم باعه وتصدق بثمنه ، لم يكن كفارة لما صنع وفي السند بعض بنى فضال

والظاهر أن الرواية مأخوذة من كتبهم التي قال العسكري عليه السلام

_________________________

( لان الكراهة ثابتة في هذه الصورة ) الأولى ( أيضا ) فلا يمكن ان يراد بالبأس الكراهة ( فالشرطية الثانية كالمفهوم لها ) اى للشرطية الأولى ومفهوم انه لا حرمة ، يقتضي أن تكون فيه الحرمة .

( ويؤيّد التحريم ) للاحتكار ، لا الكراهة ( ما عن المجالس ، بسنده عن أبي مريم الأنصاري ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أيما رجل اشترى طعاما فحبسه أربعين صباحا يريد به الغلاء للمسلمين ) إذ الاحتباس انما يكون لرجاء الغلاء ( ثم باعه وتصدق بثمنه ، لم يكن كفارة لما صنع ) .

وانما كان مؤيدا أولا : لضعف السند .

وثانيا : لان الكفارة لا تدل على التحريم ، إذ كثيرا ما ثبتت الكفارة لما ليس بمكروه ، فكيف بالحرام كما في باب الحج وغيره ، نعم له ظهور عرفى ( وفي السند بعض بنى فضال ) الذين كانوا منحرفين .

( والظاهر ) من أن لهم كتبا ( ان الرواية ) المذكورة ( مأخوذة من كتبهم التي قال العسكري عليه السلام

ص: 400

عند سؤاله عنها : خذوا بما رووا ، وذروا ما رأوا ، ففيه دليل على اعتبار ما في كتبهم ، فيستغنى بذلك عن ملاحظة من قبلهم في السند .

وقد ذكرنا ان هذا الحديث أولى بالدلالة على عدم وجوب الفحص عما قبل هؤلاء من الاجماع الّذي ادعاه الكشي ، على تصحيح ما يصح عن جماعة .

_________________________

عند سؤاله عنها : خذوا بما رووا وذروا ما رأوا ) فان فساد رأيهم وعقيدتهم لا يوجب سقوطهم عن الوثاقة ، لكن لا يخفى ما في هذا الظهور الّذي ادعاه المصنف ( ففيه ) اى في كلام العسكري عليه السلام ( دليل على اعتبار ما في كتبهم ، فيستغنى بذلك ) اى بالاعتبار المستفاد من كلام الإمام عليه السلام ( عن ملاحظة من قبلهم في السند ) .

لكن ربما يقال : ان المراد بالرواية ترك عقيدتهم ، فاخذ رواياتهم لا يراد به كل رواياتهم بل رواياتهم بالموازين الشرعية .

والحاصل : انه موجبة جزئية ، فلا يدل على حجية كل رواياتهم .

( وقد ذكرنا ) في بعض المناسبات ( ان هذا الحديث ) عن العسكري عليه السلام ( أولى بالدلالة على عدم وجوب الفحص عما قبل هؤلاء ) اى قبل بنى فضّال : اى الوسائط بينهم وبين الأئمة عليهم السلام ( من الاجماع ) متعلق ب « أولى » ( الّذي ادعاه الكشي ، على تصحيح ما يصح عن جماعة ) هم ثمانية عشر ، حيث أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم ، فلا ينظر في الراوي الّذي بينهم وبين الامام .

وانما كان أولى لان الاجماع غير معلوم كبرى وصغرى ، بخلاف

ص: 401

ويؤيّده أيضا ما عن الشيخ الجليل الشيخ ورام من أنه ارسل عن النبي صلى الله عليه وآله عن جبرئيل عليه السلام ، قال : اطلعت على النار ، فرأيت في جهنم واديا ، فقلت يا مالك لمن هذا ؟ قال : لثلاثة المحتكر ، والمدمنين للخمر ، والقوادين .

ومما يؤيّد التحريم ما دل على وجوب البيع عليه ، فان الزامه بذلك ظاهر في كون الحبس محرما إذ الالزام على ترك المكروه خلاف الظاهر وخلاف قاعدة : سلطنة الناس على أموالهم .

_________________________

الحديث الوارد عن العسكري فإنه حجة ، لكنك قد عرفت ضعف دلالته

( ويؤيده ) اى تحريم الاحتكار ( أيضا ما عن الشيخ الجليل ) جد سيد بن طاوس ره ( الشيخ ورام ) صاحب المجموعة المعروفة .

ولا يخفى ان نقله عن الحسن البصري ونحوه غير ضارّ ، فان الحكمة ضالة المؤمن يأخذها اين وجدها ( من أنه ارسل عن النبي صلى الله عليه وآله عن جبرئيل عليه السلام ، قال : اطلعت على النار ، فرأيت في جهنم واديا ، فقلت يا مالك لمن هذا ؟ ) الوادي ( قال : لثلاثة : المحتكر والمدمنين للخمر ، والقوادين ) فان عد المحتكر في عداد الخمار والقواد وتوعيده بالنار دليل التحريم .

لكن لما كانت الرواية مرسلة كانت مؤيدة ، ولم تكن دليلا كما لا يخفى

( ومما يؤيّد التحريم ما دل على وجوب البيع عليه ، فان الزامه بذلك ) اى بالبيع ( ظاهر في كون الحبس محرما ) لا مكروها ( إذ الالزام على ترك المكروه خلاف الظاهر وخلاف قاعدة : سلطنة الناس على أموالهم ) إذ ظاهر

ص: 402

ثم إن كشف الابهام عن أطراف المسألة يتم ببيان أمور .

الأول : في مورد الاحتكار ،

فان ظاهر التفسير المتقدم عن أهل اللغة ، وبعض الأخبار المتقدمة اختصاصه بالطعام .

_________________________

السلطنة : انه لا يجبر على البيع ، والا لم تكن سلطنة الا إذا كان هناك معارض للسلطنة ، وليس المعارض امرا لا اقتضائيا ، كالمكروه ، بل امرا اقتضائيا كالحرام .

وانما كان هذا مؤيّدا ، لا دليلا ، إذ لا تلازم عقلا ولا شرعا بين وجوب البيع ، وبين حرمة الحبس .

اما عقلا : فلانه قد تحقق في موضعه انه ليس ضد كل شيء محكوما بضد حكم ذلك الشيء ، فإذا كان شرب الخمر حراما ، لم يكن ترك الشرب واجبا ، وإلا لزم ان يكون الشارب آتيا بحرام ، وتاركا لواجب ، والحال انه ليس كذلك .

واما شرعا : فلان تخصيص قاعدة السلطنة لمصلحة ، لا يلزم منه حرمة الحبس ، كما أن المجنون يباع ماله لصلاح حاله وليس بقاء المال عنده حراما

( ثم إن كشف الابهام عن أطراف المسألة ) اى مسألة الاحتكار ( يتم ببيان أمور )

الامر ( الأول : في مورد الاحتكار ) وان اى شيء يقع متعلقا للاحتكار المحرم أو المكروه ( فان ظاهر التفسير المتقدم عن أهل اللغة ، وبعض الأخبار المتقدمة اختصاصه بالطعام ) كقوله « عمن يحتكر الطعام » وغيره .

ص: 403

وفي رواية غياث بن إبراهيم ليس الحكرة الا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب وعن الفقيه زيادة الزيت .

وقد تقدم في بعض الأخبار المتقدمة دخول الزيت أيضا .

وفي المحكى عن قرب الإسناد برواية أبى البختري ، عن علي عليه السلام قال : ليس الحكرة الا في الحنطة والشعير والتمر والزيت والسمن .

وعن الخصال في رواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الحكرة في ستة أقسام : الحنطة والشعير والتمر والزيت والزبيب والسمن .

_________________________

( وفي رواية غياث بن إبراهيم ليس الحكرة الا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب و ) روى ( عن الفقيه زيادة الزيت ) على الأربعة المذكورة .

( وقد تقدم في بعض الأخبار المتقدمة دخول الزيت أيضا ) ففي الزيت روايتان .

( وفي المحكى عن قرب الإسناد برواية أبى البختري ، عن علي عليه السلام قال : ليس الحكرة الا في الحنطة والشعير والتمر والزيت والسمن )

ولعل السمن أعم من الزيت لان الزيت للزيتون فقط ، والسمن كل دهن ، سواء كان من الحيوان ، أو من الشجر .

( وعن الخصال في رواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الحكرة في ستة أقسام : الحنطة والشعير والتمر والزيت والزبيب والسمن ) .

ص: 404

ثم إن ثبوته في الغلات الأربع بزيادة السمن لا خلاف فيه ظاهرا ، وعن كشف الرموز ، وظاهر السرائر دعوى الاتفاق عليه ، وعن مجمع الفائدة نفى الخلاف فيه .

واما الزيت فقد تقدم في غير واحد من الاخبار ولذا اختاره الصدوق والعلامة في التحرير حيث ذكر : ان به رواية حسنة ، والشهيدين ، والمحقق الثاني وعن إيضاح النافع ان عليه الفتوى .

واما الملح فقد ألحقه بها في المبسوط ، والوسيلة ، والتذكرة ، ونهاية

_________________________

ولا منافاة بين مفهوم الرواية الحاصرة في اربع أو خمس ، وبين غيرها لتقيد المفهوم بمنطوق ما ذكر فيها الزائد .

( ثم إن ثبوته في الغلات الأربع بزيادة السمن لا خلاف فيه ظاهرا ، وعن كشف الرموز ، وظاهر السرائر دعوى الاتفاق عليه ، وعن مجمع الفائدة نفى الخلاف فيه ) .

( واما الزيت ) والمراد به خصوص ما يؤخذ من الزيتون لا دهن النبات مطلقا ( فقد تقدم في غير واحد من الاخبار ) ذكره ( ولذا اختاره ) اى اختار انه يتعلق به الحكرة ( الصدوق والعلامة في التحرير حيث ذكر ) العلامة ( ان به رواية حسنة ، والشهيدين والمحقق الثاني ) الكركي ( وعن إيضاح النافع ان عليه الفتوى ) فاللازم القول به ، للنص والاجماع المدعى وكفى بهما دليلا في المسألة

( واما الملح فقد ألحقه بها ) اى بالأجناس السابقة في تعلق الاحتكار به ( في المبسوط ، والوسيلة ، والتذكرة ، ونهاية

ص: 405

الاحكام ، والدروس ، والمسالك ولعله لفحوى التعليل الوارد في بعض الأخبار من حاجة الناس .

الثاني : [ ما هو حد الاحتكار ]

روى السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام : ان الحكرة في الخصب أربعون يوما ، وفي الغلاء والشدة ثلاثة أيام ، فما زاد على الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون ، وما زاد في العسرة على ثلاثة أيام فملعون .

ويؤيدها ظاهر رواية المجالس المتقدمة .

_________________________

الاحكام ، والدروس ، والمسالك ولعله ) اى قولهم بالالحاق ( لفحوى التعليل الوارد في بعض الأخبار من حاجة الناس ) والملح مما يحتاج إليه الناس .

ولكن فيه ، لو قلنا بهذا الفحوى لزم الحاق كل شيء ولا خصوصية للملح كما لا يخفى .

الامر ( الثاني : روى السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام : ان الحكرة في الخصب أربعون يوما ، وفي الغلاء والشدة ثلاثة أيام ، فما زاد على الأربعين يوما في الخصب ) والسعة ( فصاحبه ) اى المحتكر ( ملعون ، وما زاد في العسرة على ثلاثة أيام فملعون ) بمعنى انه يحق له الاحتكار إلى أربعين أو إلى ثلاثة اما الزائد عليهما فلا يجوز .

( ويؤيدها ) اى يؤيد رواية السكوني ( ظاهر رواية المجالس المتقدمة ) حيث قال صلى الله عليه وآله : فحبسه أربعين صاحا ، الظاهر منه انه في حال الرخص والسعة .

ص: 406

وحكى عن الشيخ ، ومحكى القاضي ، والوسيلة العمل بها .

وعن الدروس : ان الأظهر تحريمه مع حاجة الناس ومظنتها لزيادة على ثلاثة أيام في الغلاء ، وأربعين في الرخص ، للرواية انتهى

واما تحديده بحاجة الناس ، فهو حسن ، كما عن المقنعة وغيرها ويظهر من الأخبار المتقدمة .

واما ما ذكره من حمل رواية السكوني

_________________________

( وحكى عن الشيخ ، ومحكى القاضي ، والوسيلة العمل بها ) اى برواية السكوني .

( وعن الدروس : ان الأظهر تحريمه ) اى الاحتكار ( مع حاجة الناس ومظنتها ) اى العلم بالحاجة أو الظن بالحاجة ( الزيادة على ثلاثة أيام في الغلاء ، وأربعين في الرخص ، للرواية ) « الزيادة » متعلق ب « تحريمه » اى تحريمه زيادة .

ويمكن تفسير العبارة بغير هذا المعنى ، وعلى اى حال فهي غير مستقيمة ( انتهى ) كلام الدروس .

( واما تحديده ) اى تحديد الاحتكار المحرّم ( بحاجة الناس ، فهو حسن ، كما عن المقنعة وغيرها ) سواء كان أقل من ثلاثة ، أو أكثر من الأربعين .

( ويظهر ) هذا التحديد ( من الأخبار المتقدمة ) كصحيحة الحلبي وغيرها .

( واما ما ذكره من حمل رواية السكوني ) المحددة بالثلاثة وبالأربعين

ص: 407

عن بيان مظنة الحاجة فهو جيّد ، ومنه يظهر عدم دلالتها على التحديد بالعددين تعبدا .

الثالث : [ عدم حصر الاحتكار في شراء الطعام بل مطلق جمعه وحصره ]

مقتضى ظاهر صحيحة الحلبي المتقدمة - في بادي النظر - حصر الاحتكار في شراء الطعام .

لكن الأقوى التعميم بقرينة تفريع قوله : فإن كان في المصر طعام .

_________________________

( عن بيان مظنة الحاجة ) اى ان المظنون ان الناس يحتاجون إلى الطعام خلال ثلاثة أيام في الشدة ، وخلال أربعين يوما في الرخص ولذا ذكرهما الإمام عليه السلام ، لا ان لهذين العددين خصوصية فالامر دائر مدار الحاجة لا مدار الأيّام ( فهو جيد ، ومنه ) اى من هذا الحمل ( يظهر عدم دلالتها ) اى رواية السكوني ( على التحديد بالعددين ) ثلاثة ، وأربعين ( تعبدا ) بل هو طريق إلى الحاجة .

الامر ( الثالث : مقتضى ظاهر صحيحة الحلبي المتقدمة ) حيث قال إن يشترى طعاما ( - في بادي النظر - ) بدون التأمّل في القرائن الخارجية ، والمناسبات المغروسة في أذهان العرف ( حصر الاحتكار في شراء الطعام ) لوجود لفظ « يشترى » .

( لكن الأقوى التعميم ) شراء كان أو غير شراء ( بقرينة تفريع قوله :

فإن كان في المصر طعام ) مما يدل على أن المعيار عدم العسر على الناس بسبب حفظه للطعام .

ومن المعلوم : ان وجود العسر وعدم العسر غير مرتبطين بشراء المحتكر الطعام أو زرعه له ارادته إياه - مثلا - .

ص: 408

ويؤيد ذلك ما تقدم من تفسير الاحتكار في كلام أهل اللغة بمطلق جمع الطعام وحبسه ، سواء كان بالاشتراء أو بالزرع والحصاد والاحراز الا ان يراد جمعه في ملكه .

ويؤيّد التعميم تعليل الحكم في بعض الأخبار ، بان يترك الناس ليس لهم طعام .

وعليه فلا فرق بين ان يكون ذلك

_________________________

( ويؤيد ذلك ) اى التعميم وعدم اختصاص الاحتكار بالشراء فقط ( ما تقدم من تفسير الاحتكار في كلام أهل اللغة بمطلق جمع الطعام وحبسه ) لا بخصوص الاشتراء ( سواء كان ) الجمع والحبس ( بالاشتراء أو بالزرع والحصاد ، والاحراز ) اى الحفظ ( الا ان يراد جمعه في ملكه ) اى كلام أهل اللغة في تفسير الاحتكار « بأنه جمع الطعام » عام شامل لكل قسم مما ذكرنا ، الا ان يراد بالجمع في كلامهم « جمعه » اى جمع الطعام ما في ملك الحابس ، بالاشتراء ، فإنه حينئذ لا يشمل جميع اقسام الجمع .

لكن هذه الإرادة خلاف ظاهر لفظ « الجمع » الشامل لكل اقسام الجمع .

( ويؤيد التعميم ) اى عموم الاحتكار لكل اقسام الجمع ، إرثا كان أو زرعا ، أو اشتراء ، أو غيرها ( تعليل الحكم ) بالنهى ( في بعض الأخبار ، بان يترك الناس ليس لهم طعام ) إذ في تلك الاقسام يكون الناس ليس لهم طعام .

( وعليه ) - بناء على التعميم - ( فلا فرق بين ان يكون ذلك )

ص: 409

من زرعه ، أو من ميراث ، أو يكون موهوبا له ، أو كان قد اشتراه لحاجة فانقضت الحاجة وبقي الطعام لا يحتاج إليه المالك ، فحبسه متربصا للغلاء

الرابع : اقسام حبس الطعام

كثيرة لان الشخص ، اما ان يكون قد حصل الطعام لحبسه ، أو لغرض آخر ، أو حصل له من دون تحصيل له

والحبس اما ان يراد منه نفس تقليل الطعام اضرارا بالناس في أنفسهم أو يريد به الغلاء وهو

_________________________

الاحتكار والحبس ( من زرعه ، أو من ميراث ، أو يكون ) الطعام ( موهوبا له ) اى للمحتكر ( أو كان قد اشتراه لحاجة ) شخصية ( فانقضت الحاجة وبقي الطعام لا يحتاج إليه المالك ، فحبسه متربصا ) ومنتظرا ( للغلاء ) .

لكن الظاهر أن يكون الطعام كثيرا ، لا ما إذا كان مثل حقة أو منّ أو ما أشبه ، فإنه لا يسمى في العرف احتكارا .

الامر ( الرابع : اقسام حبس الطعام كثيرة ) كلها أو جلها داخلة في الاحتكار ( لان الشخص ، اما ان يكون قد حصل الطعام لحبسه ، أو لغرض آخر ) ثم حبسه ، كما إذا حصله للضيافة ثم زاد عن الضيافة ، أو لم يضف وبقي الطعام فحبسه ( أو حصل له من دون تحصيل له ) كما إذا انتقل إليه بالإرث .

( والحبس اما ان يراد منه ) اى يريد المحتكر من حبسه الطعام ( نفس تقليل الطعام اضرارا بالناس في أنفسهم ) بان لا يكون لهم طعام فيمرضوا ويهزلوا جوعا .

( أو يريد به الغلاء ) للطعام حتى يبيعه بأكثر ( وهو ) احتكار يوجب

ص: 410

اضرارهم من حيث المال .

أو يريد به عدم الخسارة من رأس ماله وان حصل ذلك لغلاء عارضى لا يتضرر به أهل البلد ، كما يتفق وورود عسكر وزوار في البلاد ، وتوقفهم يومين أو ثلاثة فيحدث للطعام عزة لا تضر بأكثر أهل البلد .

وقد يريد بالحبس ، لغرض آخر المستلزم للغلاء غرضا آخرا .

_________________________

( اضرارهم من حيث المال ) وان لم يكن اضرارا بدنيا لهم .

( أو يريد به ) اى بالاحتكار ( عدم الخسارة من رأس ماله ) كما لو اشترى الطعام غاليا فإذا باع الآن تضرر ، وان احتكر حتى عز الطعام ليشترى منه برأس المال ، فلا يتضرر هو ، ولا يخسر من رأس ماله ( وان حصل ذلك ) الغلاء - يترقبه المحتكر - و « ان » وصلية ( لغلاء عارضى لا يتضرر به أهل البلد ، كما يتفق ورود عسكر وزوار في البلاد ، وتوقفهم يومين أو ثلاثة ) مثلا ( فيحدث للطعام عزة لا تضر ) تلك العزة ( بأكثر أهل البلد ) فإنه احتكار أيضا لصدقه عرفا فيتبعه الحكم الشرعي بالتحريم أو الكراهة .

( وقد يريد بالحبس ، لغرض آخر ) وهو ما تقدم من قولنا : أو لغرض آخر ، ( المستلزم ) ذلك الحبس ( للغلاء ) فان الحبس يستلزم الغلاء ايّاما كان الغرض ( غرضا آخرا ) اى غير غرض الاضرار .

فالتقسيم المستفاد من كلام المصنف هكذا :

« 1 » تحصيل الطعام .

« 2 » حصوله بدون تحصيل .

ص: 411

هذا كله مع حصول الغلاء بحبسه .

وقد يحبس انتظار الأيّام الغلاء من دون حصول الغلاء ، بحبسه ، بل لقلة الطعام آخر السنة ، أو لورود عسكر أو زوار ينفد الطعام ثم حبسه

_________________________

والتحصيل ( 1 ) قد يكون للحبس ( 2 ) وقد يكون لغرض آخر غير الحبس والتحصيل للحبس أولا : قد يكون لغرض الاضرار ، وثانيا : قد يكون للحفاظ على رأس المال وعدم الخسارة .

والتحصيل لغرض آخر غير الحبس ، قد يقصد به الاضرار ، وقد لا يقصد به الاضرار .

فالاقسام على هذا خمسة .

( 1 ) الحصول « 2 » « 3 » .

والتحصيل بقسميه « 4 » « 5 » .

والتحصيل لغرض آخر بقسميه .

والأوجه ان يقال : في الرابع والخامس ، ان التحصيل لا للحبس قد يوجب ضررا ، وقد لا يوجب ضررا ، فتأمل .

( هذا كله مع حصول الغلاء بحبسه ) بان حصل الغلاء فعلا .

( وقد يحبس انتظار الأيّام الغلاء من دون حصول الغلاء ، ب ) سبب ( حبسه ، بل لقلة الطعام آخر السنة ، أو لورود عسكر أو زوار ينفد الطعام ) .

والحاصل ان الحبس قد يكون سببا للغلاء الآن ، وقد يكون شيء آخر سببا للغلاء ( ثم حبسه

ص: 412

لانتظار أيام الغلاء ، قد يكون للبيع بأزيد من قيمة الحال .

وقد يكون لحب إعانة المضطرين ، ولو بالبيع عليهم والارفاق بهم

ثم حاجة الناس قد يكون لاكلهم ، وقد يكون للبذر ، أو علف الدواب ، أو الاسترباح بالثمن ، وعليك في استخراج احكام هذه الاقسام وتمييز المباح والمكروه والمستحب من الحرام .

_________________________

لانتظار أيام الغلاء ، قد يكون للبيع بأزيد من قيمة الحال ) فالحبس لأجل الاستفادة .

( وقد يكون لحب إعانة المضطرين ، ولو بالبيع عليهم والارفاق بهم ) فإنه يعلم أن سائر التجار لا يبيعون للمضطرين دينا ، ولا يرفقون بهم ، فهو يحتكر لأجل عمل انساني نبيل ، لا لأجل الاستفادة والاضرار .

( ثم حاجة الناس قد يكون لأكلهم ، وقد يكون للبذر ) الّذي يحتاجون إليه للزرع من اجل العام الآتي ( أو علف الدواب ، أو الاسترباح بالثمن ) فان الكسبة يشترون الطعام من التجار ، لأجل الاسترباح ، فإذا لم يعطهم التجار الطعام ، وقف استرباحهم واحتاجوا بل ربما افتقروا ( وعليك في استخراج احكام هذه الاقسام وتمييز المباح والمكروه والمستحب من الحرام ) .

إذ بعض الاقسام مستحب ، كالحفظ لأجل الارفاق بالفقراء .

وبعضها : مكروه كالحفظ لأجل عدم الخسارة فيما لا يكون اضرارا بالناس .

وبعضها : حرام كالحفظ لأجل الاضرار بالناس والله العالم .

ص: 413

الخامس : الظاهر عدم الخلاف - كما قيل - في اجبار المحتكر على البيع

حتى على القول بالكراهة بل عن المهذب البارع : الاجماع عليه وعن التنقيح كما في الحدائق ، عدم الخلاف فيه وهو الدليل المخرج عن قاعدة عدم الاجبار لغير الواجب .

ولذا ذكرنا ان ظاهر أدلة الاجبار : تدل على التحريم ، لان الزام غير اللازم خلاف القاعدة

_________________________

الامر ( الخامس : الظاهر ) من الفقهاء والأدلة العامة التي هي مستند الفقهاء ( عدم الخلاف - كما قيل - ) اى قيل بعدم الخلاف ونحن أيضا استظهرنا عدم الخلاف ( في اجبار المحتكر على البيع حتى على القول بالكراهة ) اى كراهة الاحتكار ( بل عن المهذب البارع : الاجماع عليه وعن التنقيح كما في الحدائق ) إذ الحدائق نقل عن التنقيح ( عدم الخلاف فيه ) اى في اجبار المحتكر ( وهو ) اى الاجماع ( الدليل المخرج عن قاعدة عدم الاجبار لغير الواجب ) فان الجبر انما هو على الواجب ، فإذا لم يكن الاحتكار حراما ، باي دليل نقول بوجوب البيع عليه وانه يجبر على البيع ؟ انما الدليل هو الاجماع .

( ولذا ) الّذي يكون تلازم بين الاجبار وبين وجوب البيع - اى حرمة الاحتكار - ( ذكرنا ان ظاهر أدلة الاجبار : تدل على التحريم ) إذ لو لم يكن الاحتكار حراما ، لم يكن تركه واجبا ، وإذا لم يكن تركه واجبا لم يكن وجه لاجبار المحتكر على البيع ( لان الزام غير اللازم خلاف القاعدة ) المستفادة من الأدلة الشرعية ، وان لم يكن خلاف العقل .

ص: 414

نعم لا يسعر عليه اجماعا ، كما عن السرائر وزاد وجود الأخبار المتواترة .

وعن المبسوط عدم الخلاف فيه .

ولكن عن المقنعة انه يسعر عليه بما يراه الحاكم .

وعن جماعة منهم العلامة وولده والشهيد انه يسعّر عليه ان أجحف بالثمن ، لنفى الضرر .

_________________________

وانما نقول إنه ليس خلاف العقل ، لإمكان ان لا يكون شيء لازما على زيد ، ولكن يكون اجباره لازما على الحاكم .

نعم لا يعقل ان يكون شيء واحد لازما على انسان وغير لازم على نفس ذلك الانسان .

( نعم لا يسعر عليه ) اى لا يجبره الحاكم بالسعر الخاص ( اجماعا كما عن السرائر ، وزاد ) السرائر ( وجود الأخبار المتواترة ) على عدم جواز التسعير عليه .

( وعن المبسوط عدم الخلاف فيه ) اى في انه لا يسعّر عليه .

( ولكن عن المقنعة ) للمفيد ره ( انه يسعّر عليه بما يراه الحاكم ) صلاحا من التسعير .

( وعن جماعة منهم العلامة وولده والشهيد انه يسعّر عليه ان أجحف بالثمن ) كما لو أراد الشيء الّذي قيمته دينار ، بعشرة دنانير مثلا ( لنفى الضرر ) فلا يحق ان يضرّ المشترين ، فإذا أراد ضررهم جعل الحاكم له سعرا خاصا حتى يأخذ امام اضراره .

ص: 415

وعن الميسي ، والشهيد الثاني : انه يؤمر بالنزول من دون تسعير جمعا بين النهى عن التسعير والجبر بنفي الاضرار .

خاتمة : ومن أهم آداب التجارة ، الإجمال في الطلب ، والاقتصاد فيه .

_________________________

( وعن الميسي ، والشهيد الثاني : انه يؤمر بالنزول ) عن القيمة الزائدة التي يريدها ( من دون تسعير ) .

وانما قالوا بذلك ، ( جمعا بين النهى عن التسعير ) في الروايات فلا يسعّر عليه - ( و ) بين ( الجبر بنفي الاضرار ) اى يجبر ان لا يضر بالمشترين .

فالجبر له بنفي اضرار الناس ، يقتضي ان يؤمر بالنزول عن سعره الغالي .

( خاتمة : ومن أهم آداب التجارة ) فان للتجارة آدابا كثيرة ذكرت في الوسائل والمستدرك ، وبعض منها في الشرائع ، والجواهر ، وشرح اللمعة ، وغيرها ( الاجمال في الطلب ) بان يطلب الرزق بالتجارة طلبا جميلا لا ينافي العفة والمروءة ، ويناسب جمال الرجل في الدنيا والآخرة ( والاقتصاد فيه ) اى القصد والتوسط ، فلا يعمل عمل الحريص الّذي لا يبالي بالحلال والحرام ، ولا يترك الكسب والتجارة لظن محاذير وإرادة القناعة كما هو شأن المفرطين والمفرّطين .

وليس المراد بالاقتصاد عدم الاهتمام بالتجارة والبقاء متوسط المال والعمل ، بل اللازم الاهتمام حتى يكون ارقى التجار وأعظمهم

ص: 416

ففي مرسلة ابن فضال ، عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيع ، ودون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئن إليها ، وليكن انزال نفسك من ذلك منزلة المنصف المتعفف ، وترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف ، وتكسب ما لا بدّ للمؤمن منه ان

_________________________

مالا ان تمكن .

ففي الحديث : نعم العون على الدين الغنى .

وفي أحاديث كثيرة امر الإمام عليه السلام : من ترك الكسب لأنه استغنى ، بالرجوع إلى الكسب ، والا لذهب بعض عقله فراجع كتاب التجارة من الوسائل والمستدرك .

( ففي مرسلة ابن فضال ، عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيع ) الّذي يضيع الكسب ، أو الأهل ، أو الرزق ، وانما يكتسب اكتسابا منقطعا بدون اهتمام ( ودون طلب الحريص ) الّذي لا يبالي ، احلالا اكتسب أم حراما ؟ ويستغرق في الكسب فلا يهتم بأمور دنياه ولا بأمور آخرته ( الراضي بدنياه ، المطمئن إليها ) صفتان للحريص ، فان الراضي بالدنيا لا يهتم بأمور الآخرة ( وليكن انزال نفسك من ذلك ) الكسب ( منزلة المنصف ) الّذي يتوسط في الأمور ( المتعفف ) الّذي يعف عن الحرام وعن مساقط المروءة ( وترفع نفسك عن منزلة الواهن ) فلا ترى في كسبك واهنا متكاسلا ( الضعيف ) في العمل والاكتساب ( وتكسب ما لا بد للمؤمن منه ) لأجل إدارة أموره وشؤونه ( ان

ص: 417

الذين أعطوا المال ثم لم يشكروا ، لا مال لهم .

وفي صحيحة الثمالي ، عن أبي جعفر ( ع ) قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله - في حجة الوداع - الا ان روح الأمين نفث في روعى انه لن يموت نفس حتى يستكمل رزقها ، فاتقوا الله واجملوا في الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء شيء من الرزق ان تطلبوه بشيء من معصية الله فان الله تبارك وتعالى قسّم الارزاق في خلقه حلالا ولم يقسمها حراما فمن

_________________________

الذين أعطوا المال ثم لم يشكروا ) شكرا بالقلب واللسان والعمل .

والشكر العملي هو الكسب بحق ، ووضع المال في موضعه ( لا مال لهم ) فإنهم لا يستفيدون فائدة المال ، لا دنيا ولا آخرة .

( وفي صحيحة الثمالي ، عن أبي جعفر ( ع ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله - في حجة الوداع - الا ان روح الأمين ) جبرئيل عليه السلام ( نفث في روعى ) والقى في ذهني وحيا ( انه لن يموت نفس حتى يستكمل رزقها ) فكل انسان يأتيه رزقه ( فاتقوا الله واجملوا في الطلب ) فلا تمدوا أيديكم إلى الحرام ، ولا تعملوا عملا ينافي جمالكم الديني والدنيوي ( ولا يحملنكم استبطاء شيء من الرزق ) وانه ابطئ ولم يأتكم عاجلا ( ان تطلبوه بشيء من معصية الله )

مثلا : يرى أنه لا يحصل الرزق بالحلال ، فيكتسب بالخمر والخنزير ( فان الله تبارك وتعالى قسّم الارزاق في خلقه حلالا ) فجعل بقدر الناس الرزق الحلال ( ولم يقسمها حراما ) بان يكون الرزق الحلال لعشرة مثلا ، والحال ان نفوس البشر عشرون - مثلا - ( فمن

ص: 418

اتقى الله وصبر ، اتاه الله برزقه من حلّه ، ومن هتك حجاب الستر وعجّل فاخذه من غير حلّه ، قصّر به من رزق الحلال ، وحوسب عليه يوم القيامة .

وعن أبي عبد الله عليه السلام : انه كان أمير المؤمنين عليه السلام كثيرا ما يقول : اعلموا علما يقينا ان الله عز وجل لم يجعل للعبد وان اشتد جهده ، وعظمت حيلته وكثرت مكايدته ، ان يسبق ما سمى له في الذكر الحكيم

_________________________

اتقى الله وصبر ، اتاه الله برزقه من حله ) إذا اتى بالموازين ، واكتسب واجتهد ( ومن هتك حجاب الستر ) فاخذ في الاكتساب المحرّم ( وعجّل ) لتحصيل الرزق ( فاخذه من غير حلّه ، قصّر به ) اى بسبب ذلك الحرام ( من رزق الحلال ) فان مالك اما ان تصرفه في الاكتساب المحلل ، واما ان تصرفه في الاكتساب المحرّم .

ومن المعلوم : ان صرفه في الاكتساب المحرّم يوجب عدم تمكنك من صرفه في الحلال ( وحوسب عليه يوم القيامة ) حساب مرتكبى الحرام .

( عن أبي عبد الله عليه السلام : انه كان أمير المؤمنين عليه السلام كثيرا ما يقول : اعلموا علما يقينا ان الله عز وجل لم يجعل للعبد وان اشتد جهده ، وعظمت حيلته ) اى معرفة علاجه للأمور ( وكثرت مكايدته ) أساليب عمله ( ان يسبق ) ويتقدم ( ما سمى له في الذكر الحكيم ) بان يحتوى على أكثر مما سمى .

مثلا : ان الله سبحانه جعل الأسباب الممكنة للوصول إلى المال

ص: 419

ولم يحل بين العبد في ضعفه وقلة حيلته ان يبلغ ما سمى له في الذكر الحكيم ، أيها الناس انه لن يزداد امرئ نقير الحذفة ولم ينقص امرئ نقير الحمقة .

فالعالم بهذا العامل به

_________________________

أسبابا خاصا إذا استعمل الانسان حصل على مليون دينار فان الانسان مهما عمل لا يمكن ان يحصل أكثر من المليون ، لان الله سبحانه لم يجعل للانسان في ذكره المحكم في اللوح المحفوظ أكثر من ذلك ( ولم يحل بين العبد في ضعفه وقلة حيلته ان يبلغ ما سمى له في الذكر الحكيم ) فان الانسان بالأسباب المجعولة من قبله سبحانه ، يصل إلى غاية الممكن ، إذا عمل واكتسب .

والحاصل : ان الأسباب التكوينية ، والاعمال التي تصدر من الانسان كلاهما دخيلان في البلوغ إلى حدّ معين ، فلا يتمكن الانسان من تجاوز ذلك الحدّ ، كما لا يمنع الانسان شيء عن الوصول إلى الأسباب الكونية والاعمال الممكنة ، فكل قادر بقدرته وبمقتضى ظروفه وطاقاته ( أيها الناس انه لن يزداد امرئ نقير الحذفة ) ان الأسباب والاعمال لا يمكن تجاوزهما ( ولم ينقص امرئ نقير الحمقة ) لان كلا بقدر الأسباب المهيئة له والاعمال الصادرة منه يؤتى إليه رزقه والنقير هي النقرة الصغيرة في ظهر نواة التمر .

( فالعالم بهذا ) الّذي ذكرت من أن بقدر الأسباب الكونية والاعمال الصادرة من الانسان يكون الرزق ( العامل به ) فيأخذ بالأسباب

ص: 420

أعظم الناس راحة في منفعته ، والعالم بهذا التارك له أعظم الناس شغلا في مضرته .

ورب منعم عليه مستدرج بالاحسان إليه .

ورب مغرور في الناس مصنوع له فابق أيها الساعي من سعيك ،

و

_________________________

( أعظم الناس راحة في منفعته ) انه انتفع براحة قلب ( والعالم بهذا التارك له ) بان طلب ما لا أسباب كونية مقدرة له ( أعظم الناس شغلا ) واشتغالا ( في مضرته ) في اضرار نفسه ، لأنه يكون دائما مكسور القلب مضطرب النفس .

( و ) لا يغرنكم ان ترون بعض الناس منعّمين ، فتتحسّرون مكانتهم ف ( رب منعم عليه ) - بصيغة المفعول - ( مستدرج بالاحسان إليه ) اى ان الله يستدرجه ويطلبه إلى النار درجة درجة ، انه ان كان فقيرا لم يرتكب زنا ولا خمرا ولا فتنة اما وقد استغنى فإنه يصرفه في الحرام فيقترب من الهلاك الأبدي درجة درجة ، كما قال سبحانه : سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * .

( ورب مغرور في الناس ) يرونه الناس مغرورا ، لأنه يتوكل ولا يطلب الحرام ( مصنوع له ) قد صنع الله له أسباب الرزق والسيادة ، فلا تقولوا فلان مغرور لا يحتال ولا يدخل مداخل الحرام لاكتساب الرزق - كما أن الناس اعتادوا ان يقولوا ذلك - ( فابق أيها الساعي من سعيك ) لا تسع كل السعي بحيث تترك أمور دينك ودنياك ، لأجل الرزق والاكتساب بل توسط وإذ كل شيء حقه (

ص: 421

اقصر من عجلتك ، وانتبه من سنة غفلتك ، وتفكر فيما جاء عن الله عز وجل على لسان نبيه ( ص )

وفي رواية عبد الله بن سليمان ، قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ان الله عز وجل وسع في ارزاق الحمقى ليعتبر العقلاء وتعلموا ان الدنيا ليس ينال ما فيها بعمل ولا حيلة .

وفي مرفوعة سهل بن زياد ، أنه قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : كم من متعب نفسه مقتر عليه رزقه وكم من مقتصد

_________________________

اقصر من عجلتك ، وانتبه من سنة غفلتك ) السنة بالكسر والتخفيف اوّل النوم ، كما قال تعالى : لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ( وتفكر فيما جاء عن الله عز وجل على لسان نبيه ص ) من أن الرزق مقسوم ، كما قال سبحانه : نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ، وغيرها من الآيات والروايات .

( وفي رواية عبد الله بن سليمان ، قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : ان الله عز وجل وسع في ارزاق الحمقى ليعتبر العقلاء )

لا يخفى ان الامر على نحو الموجبة الجزئية لا ان مراد الإمام عليه السلام ان كل أحمق كذلك ، كما هو واضح ( وتعلموا ان الدنيا ليس ينال ما فيها بعمل ولا حيلة ) فان ما في الدنيا أشياء كثيرة ولا ينال الانسان ما يشتهى منها بعمل أو علاج بل ينال الّذي جعل الله له أسبابا كونية خاصة ، إذا عمل الانسان حسب مقتضى تلك الأسباب .

( وفي مرفوعة سهل بن زياد ، أنه قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : كم من متعب نفسه مقتر عليه رزقه ) اى رزقه قليل ( وكم من مقتصد

ص: 422

في الطلب قد ساعدته المقادير .

وفي رواية علي بن عبد العزيز ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام ما فعل عمر بن مسلم ، قلت : جعلت فداك : اقبل على العبادة ، وترك التجارة ، فقال : ويحه أما علم أن تارك الطلب لا تستجاب له دعوته ، ان قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله لما نزل قوله تعالى : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ اغلقوا الأبواب

و

_________________________

في الطلب قد ساعدته المقادير ) لأنه عمل حسب الأسباب الكونية بخلاف الأول لعدم توفر الأسباب له ، أو عدم سلوكه حسب الأسباب .

( وفي رواية علي بن عبد العزيز ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام ما فعل عمر بن مسلم ، قلت : جعلت فداك : اقبل على العبادة وترك التجارة ، فقال : ويحه ) كلمة ردع وزجر ( أما علم أن تارك الطلب لا تستجاب له دعوته ) .

اما المراد كل دعاء له ، لان الله يستجيب الدعاء لمن عمل بأوامره ومن جملة أوامره طلب الرزق والاكتساب فقد قال سبحانه : إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ .

واما المراد دعائه في اعطائه سبحانه الرزق له كما ورد في الحديث بمضمون ان الله لا يستجيب دعاء طلب الرزق ممن لا يكتسب ( ان قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله لما نزل قوله تعالى : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) إلى اخر الآية ( اغلقوا الأبواب

ص: 423

اقبلوا على العبادة ، وقالوا قد كفينا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله فأرسل إليهم ، فقال لهم : ما دعاكم إلى ما صنعتم ؟ فقالوا يا رسول الله ( ص ) تكفل الله تعالى لنا بارزاقنا ، فأقبلنا على العبادة ، فقال صلى الله عليه وآله : انه من فعل ذلك لم يستجب له ، عليكم بالطلب .

وقد تقدم رواية انه ليس منا من ترك آخرته لدنياه ، ولا من ترك دنياه لآخرته .

وتقدم أيضا حديث داود على نبينا وآله وعليه السلام وعلى جميع أنبيائه الصلاة

_________________________

اقبلوا على العبادة ، وقالوا قد كفينا ) زعما بان التقوى توجب درّ الرزق على الانسان ، وزعموا ان معنى التقوى العبادة فقط ( فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله ، فأرسل إليهم ، فقال لهم : ما دعاكم إلى ما صنعتم ؟

فقالوا يا رسول الله ( ص ) تكفّل الله تعالى لنا بأرزاقنا ، فأقبلنا على العبادة ) وتركنا الاكتساب ( فقال صلى الله عليه وآله : انه من فعل ذلك لم يستجب له ) لأنه ترك شرط الاستجابة - كما ذكرنا - ( عليكم بالطلب ) والروايات بهذا المضمون كثيرة .

( وقد تقدم رواية انه ليس منا من ترك آخرته لدنياه ، ولا من ترك دنياه لآخرته ) .

وفي الآية الكريمة : وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنا عَذابَ النَّارِ ، أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا ( وتقدم أيضا حديث داود على نبينا وآله وعليه السلام وعلى جميع أنبيائه الصلاة

ص: 424

والسلام ، بعد الحمد لله الملك العلام على ما أنعم علينا بالنعم الجسام التي من أعظمها الاشتغال بمطالعة وكتابة كلمات أوليائه الكرام التي هي مصابيح الظلام ، للخاص والعام .

_________________________

والسلام ، بعد الحمد لله الملك العلام على ما أنعم علينا بالنعم الجسام ) جمع جسيم ، بمعنى : عظيم ( التي من أعظمها ) اى من أعظم النعم ( الاشتغال بمطالعة وكتابة كلمات أوليائه الكرام التي هي مصابيح ) جمع مصباح اى أنوار الله في ( الظلام للخاص والعام ) .

سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد ، وآله الطيبين الطاهرين

إلى هنا تمّ شرح كتاب البيع من كتاب المكاسب للشيخ الفذ آية الله الشيخ مرتضى الأنصاري قدس سره .

وسيتلوه كتاب الخيارات إن شاء الله تعالى .

ص: 425

قريبا جدّا بعونه تعالى سيصدر القسم الأول من كتاب ( الخيارات ) وهو الجزء الحادي عشر من كتابنا ( ايصال الطالب إلى المكاسب )

ص: 426

محتويات الكتاب

الموضوع الصفحة

مقدمة المؤلف 2

في تعيين المناط في المكيل والموزون والمعدود 3

في جواز الاعتماد باخبار البائع بمقدار المبيع 61

في انه هل يحتاج البيع إلى المشاهدة أم لا 72

في اقسام البيع 77

في التفريع على عدم جواز بيع الفرد المردد 95

في ما لو باع صاعا من صبرة 107

في الاستغناء بالمشاهدة في الزمان السابق عن الوصف 146

في لزوم الاختبار فيما تختلف به القيمة 189

في جواز ابتياع ما يفسده الاختبار من دون اختبار 212

في جواز بيع المسك في فأره 238

في عدم جواز بيع المجهول مع الضميمة 243

في الاندار ونقل الأقوال فيه 277

ص: 427

الموضوع الصفحة في جواز بيع المظروف مع الظرف الموزون معه 313

في استحباب التفقه في مسائل التجارات 322

في الأخبار الدالة على الحث في طلب العلم 339

في مرجوحية تلقى الركبان 363

في حرمة النجش 376

في ما إذا دفع الانسان ما لا ليصرف في قبيل 379

في الاحتكار 394

محتويات الكتاب 427

ص: 428

المجلد 11

هویة الکتاب

سرشناسه : حسيني شيرازي، محمد، 1380 - 1305، شارح

عنوان و نام پديدآور : ايصال الطالب الي المكاسب: شرح واف بغرض الكتاب، تيعرض لحل مشكلاته و ابداآ مقاصد في ايجاز و توضيح/ محمد الحسيني الشيرازي

مشخصات نشر : تهران : موسسه كتابسراي اعلمي ، 1385.

مشخصات ظاهري : ج 16

شابك : 964-94017-6-8(دوره): ؛ 964-7860-59-5(ج. 1): ؛ 964-7860-58-7(ج. 2): ؛ 964-7860-57-9(ج. 3): ؛ 964-7860-56-0(ج. 4): ؛ 964-7860-54-4(ج. 6): ؛ 964-7860-53-6(ج. 7): ؛ 964-7860-55-2(ج. 8): ؛ 964-7860-52-8(ج. 9): ؛ 964-7860-51-X(ج. 10): ؛ 964-7860-50-1(ج. 11): ؛ 964-7860-49-8(ج. 12): ؛ 964-7860-45-X(ج. 13): ؛ 964-7860-47-1(ج. 15):

يادداشت : عربي

يادداشت : فهرست نويسي براساس اطلاعات فيپا

يادداشت : كتاب حاضر شرحي بر "المكاسب مرتضي بن محمد امين انصاري" است

عنوان ديگر : المكاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1281 - 1214ق. المكاسب -- نقد و تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

شناسه افزوده : انصاري، مرتضي بن محمدامين ، 1281 - 1214ق. المكاسب. شرح

رده بندي كنگره : BP190/1/الف8م702133 1385

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : م 85-16816

ص: 1

اشارة

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين و صلى اللّه على محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه على اعدائهم اجمعين من الآن الى يوم الدين.

و بعد: فهذا هو القسم الاول من كتاب الخيارات و الجزء الحادى عشر من اجزاء كتابنا (ايصال الطالب الى المكاسب) للشيخ الفذّ آية اللّه الانصارى قدس سره.

و يشرع فى المعنى اللغوى للخيار.

كتبته تسهيلا للطالب الكريم عسى ان انتفع به فى يوم لا ينفع فيه مٰالٌ وَ لٰا بَنُونَ إِلّٰا مَنْ أَتَى اللّٰهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.

كربلاء المقدسة محمد بن المهدى الحسينى الشيرازى

ص: 2

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين و لعنة الله على اعدائهم اجمعين.

القول فى الخيار، و اقسامه، و احكامه،

مقدمتان.

الأولى: الخيار لغة: اسم مصدر من الاختيار

غلب فى كلمات جماعة من المتأخرين فى ملك فسخ العقد.

______________________________

(الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين و لعنة الله على اعدائهم اجمعين).

(القول فى الخيار، و اقسامه، و احكامه، مقدمتان).

المقدمة (الاولى: الخيار لغة) اى فى معناه اللغوى مقابل الاصطلاح الفقهى الدارج فى باب المعاملات، فانه اخص من المعنى اللغوى (اسم مصدر من الاختيار) فالاختيار مصدر، معناه الفعل المنسوب الى الفاعل و اسم المصدر هو الهيئة الحاصلة من المصدر، فليس فيه الانتساب الى الفاعل، مثل الاغتسال و الغسل، و التوضى و الوضوء (غلب) استعمال الخيار (فى كلمات جماعة من المتأخرين فى ملك فسخ العقد).

فاذا قيل: فلان له الخيار- مثلا- يراد به انه يملك ملكا شرعيا فسخ ما عقد.

و قوله «غلب» اشارة الى ان معنى الخيار اصطلاحا ليس نقلا من معناه اللغوى الى المباين بل نقل الى بعض افراده.

ص: 3

على ما فسره به فى موضع من الايضاح فيدخل ملك الفسخ فى العقود الجائزة و فى عقد الفضولى، و ملك الوارث ردّ العقد على ما زاد على الثلث، و ملك العمة و الخالة لفسخ العقد على بنت الأخ و الاخت و ملك الامة المزوجة من عبد فسخ العقد اذا اعتقت و ملك كل من الزوجين للفسخ بالعيوب.

______________________________

و انما قلنا «غلب» (على ما فسره) اى الخيار (به) اى بملك فسخ العقد (فى موضع من) كتاب (الايضاح) الّذي هو لولد العلامة فخر المحققين.

و جماعة من المتأخرين أخذوا هذا التفسير منه و اذا كان معنى الخيار اصطلاحا «ملك فسخ العقد» الّذي هو اخص من «ملك الاختيار فى العقد، و فى غير العقد» فان هذا هو معناه لغة (فيدخل) فيه (ملك) الانسان (الفسخ فى العقود الجائزة) كالهبة غير اللازمة (و فى عقد الفضولى) حيث ان المالك له الفسخ (و ملك الوارث ردّ العقد) الّذي عقده مورثه (على ما زاد على الثلث) فى عقد الوصية فان الوصية عقد يعقده المورث، فاذا زاد على الثلث كان للوارث ان يرده فى الزائد على الثلث اذ ليس للميت ان يوصى باكثر من الثلث، الا مع اجازة الوارث (و ملك العمة و الخالة لفسخ العقد على بنت الأخ و الاخت).

فاذا كانت العمة مثلا زوجة لزيد، فتزوج زيد بنت اختها او بنت اخيها كان للزوجة ان تفسخ هذا العقد (و ملك الامة المزوجة من عبد فسخ العقد) اى عقد النكاح (اذا اعتقت) و ملك الزوج فى المتعة فسخ النكاح (و ملك كل من الزوجين للفسخ) اى فسخ عقد النكاح (بالعيوب).

ص: 4

و لعل التعبير بالملك للتنبيه على ان الخيار من الحقوق، لا من الاحكام فيخرج ما كان من قبيل الاجازة و الرد لعقد الفضولى، و التسلط على فسخ العقود الجائزة،

______________________________

فاذا كان الرجل معيوبا بعيوب مذكورة فى كتاب النكاح، كان للزوجة الفسخ.

و اذ كانت المرأة معيوبة بعيوب كذلك كالرتق، كان للرجل الفسخ.

و قوله (فيدخل) اشكال على من فسر الخيار فى باب المعاملات «بملك فسخ العقد» لانه يدخل فى هذا التعريف الامور المذكورة، مع انها ليست مرتبطة بباب المعاملات، فيكون تعريف الخيار بذلك من التعريف بالاعم، و ذلك لا يجوز لانه يلزم ان يكون التعريف جامعا مانعا

و قوله: (و لعل التعبير بالملك) جواب عن الاشكال المذكور، فان لفظ «الملك» فى تفسير الخيار (للتنبيه على ان الخيار من الحقوق) الّذي يملكه الانسان بجعل الله له ذلك (لا من الاحكام) الّذي ليس للانسان.

مثلا: إباحة شرب الماء للانسان حكم من الله، فليس للانسان ان يقول: انى اسقطت هذا الحكم، لانه لا يملكه.

اما حق القسم للزوجة فانه ملك لها، و لذا كان لها ان تسقطها.

و قد ذكرنا تفصيل الفرق بين الحق و الحكم فى موضع آخر من هذا الكتاب (فيخرج ما كان من قبيل الاجازة و الرد لعقد الفضولى، و) كذا (التسلط على فسخ العقود الجائزة) فلا تدخل هذه الامور فى التعريف

ص: 5

فان ذلك من الاحكام الشرعية، لا من الحقوق.

و لذا لا تورث و لا تسقط بالاسقاط.

و

______________________________

السابق للخيار (فان ذلك) اى «ما كان من قبيل الاجازة و الرد» و «التسلط» (من الاحكام الشرعية، لا من الحقوق) و كلما لم يكن من الحقوق لم يكن «ملكا».

(و لذا لا تورث و لا تسقط بالاسقاط) مع ان الحق يورث، لانه مشمول لقوله «ما تركه الميت فلو فلوارثه».

و كذلك الحق يسقط بالاسقاط، فللمرأة ان تسقط حقها فى القسم.

و ليس كذلك الاحكام الشرعية، مثلا: لكل انسان ان يسلم على اخيه المسلم، و هذا ليس بشي ء يرثه الانسان عن مورثه، كما انه ليس قابلا للاسقاط بان يقول المسلّم او المسلّم عليه اسقط هذا الحق.

و كذلك «الاجازة و الرد فى العقد الفضولى» ليس للمالك ان يقول اسقطت هذا الحق حتى يصبح و لا حقّ له فى الاجازة و الرد، كما انه اذا مات لا يرثه وارثه و انما وارثه له الاجازة و الرد، لانه صار مالكا، و قد وقع العقد الفضولى على ماله، فله- استقلالا لا إرثا- ان يجيز او يرد.

و كذا بالنسبة الى «التسلط على فسخ العقود الجائزة» فانه ليس للواهب ان يقول: اسقطت حقى فى الفسخ، فانه لا يسقط حقه بذلك، كما انه اذا مات كان لوارثه هذا الحق استقلالا لا لانه كان لمورثه فورثه.

(و) حيث قد عرفت ورود الاشكال على تعريف الخيار «بانه ملك فسخ

ص: 6

قد يعرف بانه ملك اقرار العقد و ازالته.

و يمكن الخدشة فيه، بانه ان اريد من «اقرار العقد» ابقائه على حاله بترك الفسخ فذكره مستدرك لان القدرة على الفسخ عين القدرة على تركه، اذ القدرة لا تتعلق باحد الطرفين.

و ان اريد منه الزام العقد، و جعله غير قابل لان يفسخ.

______________________________

العقد» فاعلم انه (قد يعرف) الخيار (بانه ملك اقرار العقد و ازالته).

و هذا التعريف ادخل فيه لفظة «اقرار العقد» حيث لم يكن فى التعريف السابق.

(و يمكن الخدشة فيه، ب) ان هذه الزيادة غير تامة، ف (انه ان اريد من «اقرار العقد» ابقائه على حاله) و الابقاء هو (بترك الفسخ) مع ان له الفسخ (فذكره مستدرك) اى غير محتاج إليه (لان القدرة على الفسخ عين القدرة على تركه).

فاذا قال «يملك الفسخ» كان معناه، و «يملك الابقاء».

فالتعريف السابق كان شاملا لذلك (اذا القدرة لا تتعلق باحد الطرفين) و الا كان جبرا.

الا ترى ان «الانسان لا بد و ان يكون فى الحيّز».

و لا يصح ان يقال: انه «يقدر ان يكون فيه».

اما اذا كان «يمكنه البقاء و الذهاب» قيل انه يقدر على البقاء.

(و ان اريد منه) اى من «اقرار العقد» (الزام العقد و جعله غير قابل لان يفسخ) اى «الخيار ملك الزام العقد و ازالته».

ص: 7

ففيه ان مرجعه الى اسقاط حق الخيار فلا يؤخذ فى تعريف نفس الخيار

مع ان ظاهر الالزام فى مقابل الفسخ جعله لازما مطلقا فينتقض بالخيار المشترك فان لكل منهما الزامه من طرفه لا مطلقا.

______________________________

(ففيه ان مرجعه) اى مرجع «الزام العقد» (الى اسقاط حق الخيار).

اذ الالزام معناه ذلك (فلا يؤخذ) اى (اسقاط حق الخيار) (فى تعريف نفس الخيار) لانه تعريف الشي ء بالنفس، و ذلك يستلزم الدور الباطل.

و لا فرق فى ذلك بين ان يؤخذ نفس الشي ء فى تعريف نفسه، كان تقول: الانسان شي ء له الانسانية، او ان يؤخذ ما لا يفهم الا بنفس الشي ء اى ما يكون مرجعه ذلك الشي ء المعرّف- كما فى محل الكلام، فالزام العقد عبارة اخرى عن «اسقاط حق الخيار».

(مع) انه يلزم اشكال ثان على تعريف الخيار بانه «ملك اقرار العقد و ازالته» و هو (ان ظاهر الالزام) الواقع فى تعريف الخيار (فى مقابل الفسخ) لانه قال «الزام العقد و ازالته» حسب ما قلنا من ان الاقرار، مرجعه الالزام (جعله لازما مطلقا).

و على هذا المعنى «للالزام» (فينتقض) تعريف الخيار «بإلزام العقد و ازالته» (بالخيار المشترك) بين البائع و المشترى (فان لكل منهما الزامه من طرفه) فقط (لا مطلقا) حيث يصبح العقد لازما، فهذا الفرد من الخيار خارج عن التعريف المذكور، مع انه داخل فى اقسام الخيار.

و الحاصل: ان هذا التعريف معناه «ان البائع- مثلا- له ان يلزم

ص: 8

ثم ان ما ذكرناه من معنى الخيار هو المتبادر منه عرفا عند الاطلاق فى كلمات المتأخرين، و الا فاطلاقه فى الاخبار، و كلمات الاصحاب على سلطنة الاجازة و الرد لعقد الفضولى، و سلطنة الرجوع فى الهبة و غيرهما من افراد السلطنة شايع.

______________________________

و ان يفسخ» مع ان فى الخيار المشترك ليس للبائع ان يلزم العقد الزاما مطلقا بل له ان يلزمه الزاما من جانبه فقط.

(ثم ان ما ذكرناه من معنى الخيار) بالتعريفين المذكورين (هو المتبادر منه عرفا عند الاطلاق) اى عند اطلاق لفظ الخيار (فى كلمات المتأخرين).

و من هذا التبادر تولد التعريفان المذكوران (و الا) فليس لفظ الخيار خاصا بهذين المعنيين (فاطلاقه فى الاخبار، و كلمات الاصحاب) غير المتأخرين (على سلطنة الاجازة و الرد لعقد الفضولى، و سلطنة الرجوع فى الهبة) الجائزة (و غيرهما من افراد السلطنة) مثل سلطنة العمة و الخالة فى فسخ نكاح بنت الاخ، و بنت الاخت و سائر انواع السلطنة (شايع).

و هذا الشائع هو المعنى اللغوى للخيار و المتبادر منه عند العرف العام.

و قد تحقق بهذه المقدمة الاولى تعريف الخيار الاصطلاحى فى باب المعاملات.

ص: 9

الثانية: ذكر غير واحد- تبعا للعلامة فى كتبه- ان الاصل فى البيع اللزوم.
اشارة

قال فى التذكرة: الاصل فى البيع اللزوم لان الشارع وضعه مفيدا لنقل الملك، و الاصل الاستصحاب.

و الغرض تمكن كل من المتعاقدين من التصرف فيما صار إليه، و انما يتم باللزوم ليأمن من نقض صاحبه عليه

______________________________

المقدمة (الثانية) فى بيان ان الاصل فى البيع: هل اللزوم، او الجواز؟

فقد (ذكر غير واحد) من الفقهاء (- تبعا للعلامة فى كتبه- ان الاصل فى البيع اللزوم).

(قال فى التذكرة: الاصل فى البيع اللزوم).

و ذلك (لان الشارع وضعه) اى البيع (مفيد النقل الملك) من البائع الى المشترى فى المثمن، و بالعكس فى الثمن (و الاصل الاستصحاب) اى بقاء النقل المذكور اذا شك فى انه هل رجع الملكين الى البائعين بالفسخ، أم لا.

(و) هناك وجه آخر لاصالة اللزوم، و هو ان (الغرض) من البيع (تمكن كل من المتعاقدين من التصرف فيما صار إليه، و انما يتم) هذا الغرض (باللزوم) اى بان يكون البيع لازما.

و انما يتم الغرض باللزوم (ليأمن من نقض صاحبه عليه).

اذ ادلة اللزوم تمكن لكل طرف نقض البيع.

ص: 10

انتهى.

[معاني الأصل]
اشارة

اقول: المستفاد من كلمات جماعة: ان الاصل هنا قابل لارادة معان

الأول: الراجح،

احتمله فى جامع المقاصد مستندا فى تصحيحه الى الغلبة.

و فيه انه ان اراد غلبة الافراد، فغالبها ينعقد جائزا، لاجل خيار المجلس، او الحيوان، او الشرط.

______________________________

و الغرض دليل لمّى على كون البيع وضع لازما (انتهى) كلام العلامة

(اقول: المستفاد من كلمات جماعة: ان الاصل هنا قابل لارادة معان) بعضها صحيح و بعضها غير صحيح.

المعنى (الاول: الراجح) فقولهم الاصل: اللزوم، اى الراجح اللزوم (احتمله) اى هذا المعنى للاصل (فى جامع المقاصد) و هو تأليف المحقق الثانى فى حال كون المحقق (مستندا فى تصحيحه الى الغلبة) اى استدل لكون الراجح اللزوم بان الغالب فى البيع اللزوم.

(و فيه) ان لا نسلّم صحة الاصل بهذا المعنى، ل (انه ان اراد غلبة الافراد) اى غالب افراد البيع لازم (ف) فيه ان (غالبها ينعقد جائزا) لا لازما (لاجل خيار المجلس، او الحيوان، او الشرط).

فان خيار المجلس فى كل بيع الا نادرا.

و خيار الحيوان فى كل بيع حيوان الا نادرا.

و خيار الشرط فى كل بيع شرط فيه، و هو كثير جدا.

فكيف يدعى ان غالب افراد البيع لازم.

ص: 11

و ان اراد غلبة الازمان.

فهى لا تنفع فى الافراد المشكوكة.

مع انه لا يناسب ما فى القواعد من قوله: و انما يخرج من الاصل لامرين ثبوت خيار، او ظهور عيب.

______________________________

(و ان اراد) بالغلبة (غلبة الازمان) فانه بعد انقضاء المجلس، و ثلاثة ايام فى الحيوان، و مدة الشرط فى خيار الشرط، يكون البيع لازما فزمان اللزوم اكثر من زمان الخيار.

(فهى) اى اصالة اللزوم (لا تنفع فى الافراد المشكوكة) من البيع، فى انها هل هى لازمة، او ليست بلازمة فعليه فلا فائدة للاصل المذكور.

فانهم انما ذكروه للاستناد إليه فى الافراد المشكوكة.

نعم ينفع الاصل بهذا المعنى «غلبة الازمان» فى الزمان المشكوك فيه، هل انه لازم فيه البيع، أم لا.

(مع انه) اى ما ذكره جامع المقاصد من كون المراد بالاصل الراجح (لا يناسب ما فى القواعد من قوله: و انما يخرج من الاصل لامرين ثبوت خيار، او ظهور عيب).

و انما لا يناسب، لان ظاهر كلامه استثناء فردين من افراد البيع، و هما البيع الخيارى و البيع اذا كان فيه عيب فيعرف من المستثنى ان المستثنى منه الافراد لا الا زمان، لانه اذا اراد استثناء الزمان لقال: انما يخرج من الاصل زمانان، زمان الخيار و زمان العيب، و لم يقل «لامرين».

ص: 12

الثانى: القاعدة المستفادة من العمومات التى يجب الرجوع إليها عند الشك فى بعض الافراد، او بعض الاحوال.

و هذا حسن، لكن لا يناسب ما ذكره فى التذكرة فى توجيه الاصل.

الثالث: الاستصحاب،

و مرجعه الى اصالة عدم ارتفاع اثر العقد بمجرد فسخ

______________________________

المعنى (الثانى) من المعانى المحتملة للاصل ان يراد بقولهم «الاصل اللزوم» (القاعدة المستفادة من العمومات) مثل: احل الله البيع، و: الا ان تكون تجارة عن تراض (التى يجب الرجوع إليها عند الشك فى بعض الافراد، او بعض الاحوال).

فاذا شككنا هل ان هذا البيع لازم او جائز، رجعنا الى تلك العمومات لنستفيد منها ان هذا لازم.

و كذا اذا شككنا فى ان هذا البيع اللازم فى الجملة هل هو فى هذا الحال أيضا لازم او جائز، رجعنا الى العمومات لنستفيد منها ان البيع فى هذا الحال أيضا لازم، حيث ان مقتضى تلك العمومات اللزوم.

(و هذا) المعنى للاصل (حسن) لانه تام (لكن لا يناسب ما ذكره فى التذكرة فى توجيه الاصل).

و ذلك لان صاحب التذكرة فسر الاصل «بالاستصحاب» و «بالغرض» و هما غير ما فسره هذا «بالقاعدة». و لا يخفى: ان عدم تفسير التذكرة للاصل «بالقاعدة» لا يضر، اذ القاعدة فى نفسها صحيحة.

المعنى (الثالث) من معانى الاصل (الاستصحاب، و مرجعه الى اصالة عدم ارتفاع اثر العقد بمجرد فسخ

ص: 13

احدهما، و هذا حسن.

الرابع: المعنى اللغوى

بمعنى ان وضع البيع و بنائه عرفا و شرعا على اللزوم، و صيرورة المالك الاول كالاجنبى.

و انما جعل الخيار فيه حقا خارجيا لاحدهما، او لهما يسقط بالاسقاط و بغيره و ليس البيع كالهبة التى حكم الشارع فيها بجواز رجوع الواهب بمعنى كونه حكما شرعيا له اصلا و بالذات، بحيث لا يقبل الاسقاط.

______________________________

احدهما).

لكن هذا لا يثبت اصل اللزوم، و انما يثبت بقاء اللزوم، اذا شك فيه بعد ان علم لزوم العقد سابقا (و هذا حسن) أيضا، و ان كان هذا اصلا عمليا بينما كان المعنى الثانى اصلا اجتهاديا.

المعنى (الرابع المعنى اللغوى) فان اللغوى اذا قال: الاصل فى الشي ء كذا، اراد ان وضعه على كذا (بمعنى ان وضع البيع و بنائه عرفا و شرعا على اللزوم، و صيرورة المالك الاول) للمثمن و للثمن (كالاجنبى).

و انما جاء بالكاف لافادة انه ليس اجنبيا بحتا بل صار اجنبيا.

(و انما جعل الخيار فيه) اى فى البيع (حقا خارجيا) خارج عن حقيقة البيع (لاحدهما، او لهما، يسقط) حق الخيار (بالاسقاط) اذا اسقطاه (و بغيره) كانقضاء المجلس فى خيار المجلس، و انقضاء الثلاثة فى خيار الحيوان (و ليس البيع كالهبة التى حكم الشارع فيها بجواز رجوع الواهب بمعنى كونه حكما شرعيا له اصلا و بالذات، بحيث لا يقبل الاسقاط).

ص: 14

و من هنا ظهران ثبوت خيار المجلس فى اوّل ازمنة انعقاد البيع لا ينافى كونه فى حدّ ذاته مبنيا على اللزوم، لان الخيار حق خارجى قابل للانفكاك.

نعم لو كان فى اوّل انعقاده محكوما شرعا بجواز الرجوع، بحيث يكون حكما فيه لاحقا مجعولا قابلا للسقوط، كان منافيا لبنائه على اللزوم.

______________________________

و من هذا عرف كيف الخيار فى البيع حق، و فى الهبة حكم.

و انه كيف فى الهبة داخل فى حقيقتها، و فى البيع خارج عن حقيقته.

(و من هنا) حيث تبين ان الخيار ليس داخلا فى حقيقة البيع (ظهر ان ثبوت خيار المجلس فى اوّل ازمنة انعقاد البيع لا ينافى كونه) اى البيع (فى حدّ ذاته مبنيا على اللزوم).

و انما ظهر (لان الخيار) فى البيع (حق خارجى قابل للانفكاك) فهو عرضى لا ذاتى، بخلاف الهبة فان خيارها داخل فى ذاتها، و لذا لا يكون قابلا للانفكاك.

(نعم لو كان) البيع (فى اوّل انعقاده محكوما شرعا بجواز الرجوع، بحيث يكون) جواز الرجوع (حكما فيه) اى فى البيع (لاحقا) بذاته (مجعولا) شرعا (قابلا للسقوط) بانقضاء المجلس (كان) جواز الرجوع (منافيا لبنائه على اللزوم).

لان البناء على اللزوم لا يجتمع مع حكم الشارع بجواز الرجوع.

و الحاصل: ان جواز الرجوع خارج عن حقيقة البيع، لاحق له بقاسر

ص: 15

فالاصل هنا كما قيل نظير قولهم: ان الاصل فى الجسم الاستدارة فانه لا ينافى كون اكثر الاجسام على غير الاستدارة لاجل القاسر الخارجى

و مما ذكرنا ظهر وجه النظر فى كلام صاحب الوافية حيث انكر هذا الاصل لاجل خيار المجلس الا ان يريد ان الاصل بعد ثبوت خيار المجلس

______________________________

بخلاف الهبة فان جواز الرجوع فيها داخل فى حقيقة الهبة، و لذا كان الاصل فى البيع اللزوم و الاصل فى الهبة الجواز.

(فالاصل) اى اصل اللزوم (هنا) فى البيع (كما قيل) فى تنظيره (نظير قولهم: ان الاصل فى الجسم الاستدارة).

و وجه هذا الاصل لان احد الاطراف المحيطة بالجسم ليس اولى بامتداد الجسم فيه من الاطراف الاخر، فاذا تساوت الجوانب كان امتداد الجسم فى كل الجوانب على حد سواء، و مثل هذا الجسم لا يكون الا مستديرا (فانه) اى هذا الاصل (لا ينافى كون اكثر الاجسام على غير الاستدارة لاجل القاسر الخارجى) مثل ضغط الهواء، او جاذبية الارض او تمديد اشعة الشمس لما يقبل الصعود، او غير ذلك.

(و مما ذكرنا) من ان المراد بالاصل البيع بنفسه لا بملاحظة القاسر الخارجى (ظهر وجه النظر في كلام صاحب الوافية) للسيد الصدر (حيث انكر هذا الاصل) اصالة لزوم البيع (لاجل خيار المجلس) فانه ظهران خيار المجلس من باب القاسر الخارجى، لا انه داخل فى حقيقة البيع (الا ان يريد) الوافية (ان الاصل) اى الاستصحاب (بعد ثبوت خيار المجلس

ص: 16

بقاء عدم اللزوم، و سيأتى ما فيه.

بقى الكلام فى معنى قول العلامة فى القواعد و التذكرة انه لا يخرج من هذا الاصل الا بامرين ثبوت خيار، او ظهور عيب، فان ظاهره ان ظهور العيب سبب لتزلزل البيع فى مقابل الخيار، مع انه من اسباب الخيار، و توجيهه بعطف الخاص على العام- كما فى جامع المقاصد- غير ظاهر

______________________________

بقاء عدم اللزوم) فكلامه يكون خارجا عن مبحثنا (و سيأتى ما فيه) اى فى الاستصحاب الّذي ادعاه.

(بقى الكلام فى معنى قول العلامة فى القواعد و التذكرة انه لا يخرج من هذا الاصل) اى اصالة اللزوم (الا بامرين ثبوت خيار، او ظهور عيب) فان لفظة «خيار» و ان كانت نكرة مفردة، الا ان اطلاقه يشمل اىّ خيار كان، فلا يقال انه ليس عموم حتى يشمل كل الخيارات (فان ظاهره) بمقتضى العطف (ان ظهور العيب سبب لتزلزل البيع فى مقابل الخيار مع انه) اى ظهور العيب- لا العيب نفسه- كما يأتى تحقيقه فى خيار العيب (من اسباب الخيار).

(و) ان قلت: لا بأس بذلك لانه من عطف الخاص على العام و هو كثير فى كلماتهم.

قلت: (توجيهه بعطف الخاص على العام- كما فى جامع المقاصد- غير ظاهر) لانه لو، قال «اسباب الخيار و ظهور العيب» لكان من عطف الخاص على العام، فان ظهور العيب سبب من اسباب الخيار.

ص: 17

اذ لم يعطف العيب على اسباب الخيار، بل عطف على نفسه، و هو مباين له، لا اعم.

نعم قد يساعد عليه ما فى التذكرة.

______________________________

(اذ لم يعطف العيب على اسباب الخيار، بل عطف على نفسه) اى نفس الخيار (و هو) اى ظهور العيب (مباين له) اى للخيار (لا اعم) منه فلم يكن من عطف الخاص على العام.

فان الخيار اسم مصدر من الاختيار، كما تقدم و ظهور العيب سبب هذا الخيار، لا انه من اقسامه.

فالعطف من قبيل ان يقول «الاحتراق و النار» حيث ان النار سبب الاحتراق، لا انه من افراده.

(نعم قد يساعد عليه) اى على ما ذكره جامع المقاصد «من انه عطف الخاص على العام».

و لا يخفى: ان فى عبارة المصنف احتمالات اظهرها ما نذكره (ما فى التذكرة) فان التذكرة حيث لم يرد عطف الخاص على العام، اضاف قيد «من غير نقص الخ» فصار هكذا «المخرج عن اصل اللزوم خيار من غير نقص و خيار من نقص».

و لكن لا بد من تقدير شي ء اذا اردنا ان يكون عطف الخاص على العام مثل لفظ «السبب» فى المعطوف عليه، فتكون عبارة القواعد هكذا «لا يخرج من هذا الاصل الا بامرين، ثبوت سبب خيار، او ظهور عيب».

و الحاصل: ان المصنف لم يجب عن الاشكال الّذي اورده على جامع

ص: 18

من قوله: و انما يخرج عن الاصل بامرين.

احدهما ثبوت الخيار لهما، او لاحدهما من غير نقص فى احد العوضين بل للتروى خاصة.

و الثانى ظهور عيب فى احد العوضين، انتهى.

و حاصل التوجيه على هذا

______________________________

المقاصد، و انما ايّد صحة نظر جامع المقاصد بكلام التذكرة، حيث ان فى كلام التذكرة لا عطف للخاص على العام قطعا، و لمكان زيادة قيد «من غير نقص» فبهذه القرينة يمكن تصحيح كلام المحقق الثانى ان عبارة القواعد من عطف الخاص على العام، و لو كان ذلك العطف بمعونة تقدير شي ء «السبب» كما عرفت.

و كيف كان فيوجه كلام المحقق بما فى التذكرة (من قوله: و انما يخرج عن الاصل) اصالة اللزوم (بامرين).

(احدهما ثبوت الخيار لهما، او لاحدهما من غير نقص فى احد العوضين) يكون جعل الخيار شرعا كخيار المجلس، او بجعلهما كخيار الشرط (بل للتروى) فى المعاملة (خاصة) حتى اذا بدا له رأى فى ابطال المعاملة تمكن من ابطالها.

(و الثانى ظهور عيب فى احد العوضين) فالخيار لاجل النقص (انتهى) كلام التذكرة.

(و حاصل التوجيه) لكلام جامع المقاصد فى قوله انه من عطف الخاص على العام (على هذا) الّذي ذكرناه من ان قول التذكرة يساعد توجيه

ص: 19

ان الخروج عن اللزوم لا يكون الا بتزلزل العقد لاجل الخيار.

و المراد بالخيار فى المعطوف عليه ما كان ثابتا باصل الشرع، او بجعل المتعاقدين، لا لاقتضاء نقص فى احد العوضين.

و بظهور العيب ما كان الخيار لنقص احد العوضين.

______________________________

جامع المقاصد لكلام القواعد (ان الخروج عن) اصالة (اللزوم) فى العقد (لا يكون الا بتزلزل العقد) تزلزلا (لاجل الخيار).

(و المراد) اى مراد القواعد (بالخيار فى المعطوف عليه) و هو قوله:

ثبوت خيار، او ظهور عيب (ما كان ثابتا باصل الشرع) كخيار المجلس و الحيوان (او بجعل المتعاقدين) كخيار الشرط (لا) ان الخيار (لاقتضاء نقص فى احد العوضين).

و قد عرفت انه لا بد من تقدير محذوف أيضا حتى يستقيم عطف «ظهور» على «خيار».

(و) المراد (بظهور العيب) فى المعطوف (ما كان الخيار لنقص احد العوضين).

فحيث جاء فى التذكرة بعبارة توجب تقابل الخيار للعيب، كان و لا بدّ و ان تكون عبارة القواعد بحيث يكون «العيب» من افراد «الخيار» لانه لم يأت فى عبارة القواعد تقيد «من غير نقص» فى المعطوف عليه، هذا حاصل ما يقال فى توجيه كلام جامع المقاصد.

ص: 20

لكنه مع عدم تمامه تكلف فى عبارة القواعد مع انه فى التذكرة ذكر فى الامر الاول الّذي هو الخيار فصولا سبعة، بعدد اسباب الخيار و جعل السابع منها خيار العيب، و تكلم فيه كثيرا.

و مقتضى التوجيه ان يتكلم فى الامر الاول فيما عدا خيار العيب.

______________________________

(لكنه مع عدم تمامه) لانك عرفت لزوم تقدير شي ء فى المعطوف عليه و الا لم يستقم عطف الخاص على العام (تكلف فى عبارة القواعد).

اذ توجيه كلام القواعد بما ذكرناه يوجب تقدير بعض الاشياء فيها مثل «ثبوت خيار من غير نقص».

و هنا اشكال ثالث فى التوجيه المذكور، و هو انه اذا اراد التذكرة جعل العيب مقابلا للخيار كما ذكر فى التوجيه فلما ذا جمع كل الخيارات التى منها العيب فى الامر الاول؟

و الى هذا الاشكال اشار بقوله: (مع انه فى التذكرة ذكر فى الامر الاول الّذي هو الخيار فصولا سبعة، بعدد اسباب الخيار) كالمجلس و الحيوان و الشرط و غيرها (و جعل السابع منها خيار العيب، و تكلم فيه كثيرا).

(و) الحال ان (مقتضى التوجيه) الّذي ذكر بان العيب فى قبال الخيار (ان يتكلم فى الامر الاول فيما عدا خيار العيب).

فتحصل ان فى التوجيه ثلاث اشكالات.

الاول: ان كلتا عبارة التذكرة و القواعد بحاجة الى تقدير لفظ «السبب».

ص: 21

و يمكن توجيه ذلك بان العيب، سبب مستقل لتزلزل العقد فى مقابل الخيار فان نفس ثبوت الارش بمقتضى العيب- و ان لم يثبت خيار الفسخ-

______________________________

الثانى: ان عبارة القواعد بحاجة الى تقدير «من غير نقص فى احد العوضين».

الثالث: ان مقتضى التوجيه عدم ذكر «العيب» فى عبارة التذكرة فى الامر الاول، مع ان العلامة ذكر «العيب» فى عبارة التذكرة فى الامر الاول، هذا تمام الكلام فى توجيه كلام جامع المقاصد لكلام القواعد مع رد التوجيه المذكور.

(و يمكن توجيه ذلك) اى توجيه ظاهر العطف فى كلام القواعد.

و حاصل التوجيه (بان) القواعد انما عطف «العيب» على «الخيار» للفرق بينهما، فان الخيار يزلزل كل العقد؛ فان شاء اخذ كله، و ان شاء ترك كله و العيب يزلزل كل العقد و يزلزل جزئه فان شاء اخذ بكل المعيب فى قبال كل الثمن، و ان شاء ترك كل المعيب اى فسخ، و ان شاء اخذ بجزء الثمن اى الارش.

و هذا الاختيار الثلاثى انما هو فيما اذا لم يسقط حق فسخه، و اما اذا سقط حق فسخه بقى له خيار ثان و هو ان يأخذ جزء الثمن اى الارش او يترك كله.

ف (العيب، سبب مستقل لتزلزل العقد فى مقابل الخيار) اذ يتزلزل العقد و ان لم يكن خيار، كما بيناه فى قولنا: و اما اذا سقط حق فسخه الخ (فان نفس ثبوت الارش بمقتضى العيب- و ان لم يثبت خيار الفسخ-

ص: 22

موجب لاسترداد جزء من الثمن.

فالعقد بالنسبة الى جزء من الثمن متزلزل قابل لا بقائه فى ملك البائع، و اخراجه عنه، و يكفى فى تزلزل العقد ملك اخراج جزء مما ملكه البائع بالعقد عن ملكه.

و ان شئت قلت: ان مرجع ذلك الى ملك فسخ العقد الواقع على مجموع العوضين من حيث المجموع.

و نقض مقتضاه

______________________________

موجب لاسترداد جزء من الثمن) اى الارش:

(فالعقد بالنسبة الى جزء من الثمن متزلزل قابل لابقائه فى ملك البائع) بان يعرض عنه المشترى (و) قابل ل (اخراجه عنه) بان يأخذ المشترى الارش (و يكفى فى تزلزل العقد ملك) المشترى- اى قدرته- ل (اخراج جزء مما ملكه البائع بالعقد عن ملكه) «عن» متعلق ب «اخراج».

و انما قال «فالعقد» لبيان ان كلا «الخيار» «و العيب» داخلان فى عنوان قول القواعد «لا يخرج من هذا الاصل». اى اصل اللزوم.

و الحاصل ان تزلزل كل العقد فى «الخيار» و تزلزل جزئه فى «العيب» كليهما خارج عن اصل اللزوم.

(و ان شئت قلت: ان مرجع ذلك) اى خيار العيب فى صورة لم يملك المشترى الفسخ (الى ملك فسخ العقد الواقع على مجموع العوضين من حيث المجموع) لا ملك فسخ كل العقد.

(و) ذلك لان للمشترى (نقض مقتضاه) اى مقتضى المجموع من حيث

ص: 23

من تملك كل من مجموع العوضين فى مقابل الآخر، لكنه مبنى على كون الارش جزءا حقيقيا من الثمن، كما عن بعض العامة، ليتحقق انفساخ العقد بالنسبة إليه عند استرداده.

و قد صرح العلامة فى كتبه بانه لا يعتبر فى الارش كونه جزءا من الثمن بل له ابداله لان الارش غرامة

______________________________

المجموع.

و فسّر المقتضى بقوله: (من تملك كل من مجموع العوضين فى مقابل الآخر) فالعقد اقتضى ان كل الثمن صار مقابل كل المثمن، و خيار العيب فيما لم يكن خيار الفسخ- يعطى المشترى الحق فى ان يرفع المجموع من حيث المجموع باسترداد بعض الثمن ليكون كل المثمن فى قبال بعض الثمن (لكنه) اى هذا التوجيه (مبنى على كون الارش جزءا حقيقيا من الثمن) حتى يكون خيار العيب اختيار الفسخ فى بعض المعاملة و ان لم يكن له خيار فسخ الكل (كما عن بعض العامة) حيث قالوا ان الارش جزء من الثمن (ليتحقق انفساخ العقد بالنسبة إليه) اى بالنسبة الى هذا الجزء المردود- المسمى بالارش- (عند استرداده) اى استرداد هذا الجزء عند اخذ المشترى بخيار العيب.

(و) لكن هذا المبنى «كون الارش جزءا» غير تام.

و ذلك لانه (قد صرح العلامة فى كتبه بانه لا يعتبر فى الارش) الّذي يأخذه المشترى (كونه جزءا من الثمن) بعينه (بل له) اى للبائع (ابداله) فيعطى البائع مقدار النقص من غير الثمن (لان الارش غرامة) لا انه

ص: 24

و حينئذ فثبوت الارش لا يوجب تزلزلا فى العقد.

ثم ان الاصل بالمعنى الرابع انما ينفع مع الشك فى ثبوت خيار فى خصوص البيع، لان الخيار حق خارجى يحتاج ثبوته الى الدليل.

______________________________

بعض الثمن.

(و حينئذ) اى حين كان الارش غرامة (فثبوت الارش لا يوجب تزلزلا فى العقد).

اقول: لكن الظاهر عرفا المنزل عليه اطلاقات الشارع ان الارش جزء فان الصحيح كان يسوى مائة و المعيب تسعين، و حيث ان المشترى اعطى مائة كان له ان يسترد عشرة، اما ان للبائع ابداله فلانه لا يهم العرف المقرر للعقود عين المال، و لذا لا يعدون من الخيانة تبديل الامانة النقدية الى غيرها، كما هو الشائع عند الصرافين و نحوهم، و انما الخيانة ان لا يرد كل الامانة او بعضها، و كذا فى سائر موارد تبديل النقد كما اذا اعطاه مائة ليوصلها خمسا فانه ان اعطى مائة فقد عمل بما امر، و ان لم تكن ما اعطاها عين المائة التى اخذها، و الشارع انما امضى ما هو المتعارف عند العرف.

(ثم ان الاصل بالمعنى الرابع) المتقدم (انما ينفع) فى خصوص البيع لا فى سائر العقود.

ف (مع الشك فى ثبوت خيار فى خصوص البيع) يرجع الى اصالة اللزوم (لان الخيار) المجعول فى البيع (حق خارجى) ليس داخلا فى ماهية البيع (يحتاج ثبوته الى الدليل).

ص: 25

اما لو شك فى عقد آخر من حيث اللزوم و الجواز، فلا يقتضي ذلك الاصل لزومه، لان مرجع الشك حينئذ الى الشك فى الحكم الشرعى.

و اما الاصل بالمعنى الاول، فقد عرفت عدم تماميته.

و اما بمعنى الاستصحاب، فيجرى فى البيع و غيره اذا شك فى لزومه و جوازه

[أدلة أصالة اللزوم]

و اما بمعنى القاعدة فيجرى فى البيع و غيره.

______________________________

فاذا شك فى وجود الخيار تمسك بالاصل لاثبات عدمه.

(اما لو شك فى عقد آخر) كالاجارة مثلا شكا (من حيث اللزوم و الجواز فلا يقتضي ذلك الاصل) بالمعنى الرابع (لزومه).

و انما لا يقتضي الاصل لزومه (لان مرجع الشك حينئذ) اى حين لا اصل لزوم فى تلك المعاملة (الى الشك فى الحكم الشرعى) و انه هل جعل الشارع هذه المعاملة لازمة، أم لا؟

نعم يمكن ان يقال: ان كل معاملة كان بناء العرف على لزومها، يمكن اجراء اصل اللزوم فيها بضميمة ان الشارع أمضاه حيث سكت عنها و لم يردعها كما هو مقتضى قوله تعالى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و غيره.

(و اما الاصل بالمعنى الاول) اى الراجح (فقد عرفت عدم تماميته) فلا كلام فى انه يشمل كل العقود او خصوص عقد البيع.

(و اما) الاصل (بمعنى الاستصحاب، فيجرى فى البيع و غيره اذا شك فى لزومه و جوازه) فاذا كانت المعاملة لازمة، ثم شك فى انقلابها جائزة، كان مقتضى الاستصحاب بقائها على اللزوم.

(و اما بمعنى القاعدة فيجرى فى البيع و غيره).

ص: 26

لان اكثر العمومات الدالة على هذا المطلب يعم غير البيع.

و قد اشرنا فى مسألة المعاطات إليها و نذكرها هنا تسهيلا على الطالب.

فمنها: قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، دل على وجوب الوفاء بكل عقد و المراد بالعقد مطلق العهد، كما فسر به فى صحيحة ابن سنان المروية فى تفسير على بن ابراهيم.

______________________________

و ذلك (لان اكثر العمومات الدالة على هذا المطلب) اى اللزوم (يعم غير البيع) كما يعم نفس البيع أيضا.

(و قد اشرنا فى مسألة المعاطات إليها) اى الى تلك العمومات (و نذكرها) اى تلك العمومات (هنا تسهيلا على الطالب) مع اضافة فوائد.

(فمنها) اى من تلك العمومات الدالة على اللزوم الشاملة لكل المعاملات (قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فانه (دل على وجوب الوفاء بكل عقد) لان «العقود» جمع محلى باللام، و قد ثبت انه يفيد العموم

(و المراد بالعقد مطلق العهد) سواء كان بين الخالق و المخلوق و لذا قال سبحانه: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بٰايَعْتُمْ، و قال: مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اللّٰهِ، او كان بين المخلوق و المخلوق مثل المعاملات، و هذا العموم يقتضي لزوم كل عهد الا ما خرج، مثل العقود الجائزة و الاحكام المستحبة (كما فسر) العقد (به) اى بالعهد (فى صحيحة ابن سنان المروية فى تفسير على بن ابراهيم).

لكن لا يخفى ان العهد فى معناه العرفى اعم من وجه من العقد، فاذا عاهد الله ان يفعل كذا لا يسمى عقدا، و اذا عقد قلبه على محبة فلان

ص: 27

او ما يسمى عقدا لغة و عرفا.

و المراد بوجوب الوفاء العمل بما اقتضاه العقد فى نفسه بحسب الدلالة اللفظية نظير الوفاء بالنذر.

فاذا دل العقد مثلا على تمليك العاقد ماله من غيره وجب العمل بما

______________________________

لا يسمى عهدا، و اذا تعاقدا على عدم اعتداء احدهما على الآخر سمى عقدا و عهدا.

و لعل المصنف انما فسره بالعهد لاخراج مثل عقد القلب (او ما يسمى عقدا لغة و عرفا) و هذا اصح من الاول.

و لا يستشكل بانه يستلزم الدور لانه اخذ نفس الشي ء فى تعريف نفسه لانه يرد بان العقد لغة و عرفا معناه واضح، فتفسر الآية الكريمة حيث لا يعلم ان المراد بالعقد فى الآية معنى شرعى غير معناه لغة و عرفا، او المراد به معناه لغة و عرفا هذا كله بالنسبة الى الموضوع اى «العقود».

(و) اما بالنسبة الى الحكم، اى «اوفوا» ف (المراد بوجوب الوفاء العمل بما اقتضاه العقد فى نفسه) من دون نظر الى قرائن خارجية تصرف اللفظ عن ظاهره (بحسب الدلالة اللفظية) «الجار» متعلق ب «اقتضاه» «فاوفوا بالعقد» (نظير الوفاء بالنذر).

فكما ان معنى «الوفاء» بالنذر العمل بمقتضى النذر كذلك فى المقام.

(فاذا دل العقد مثلا) فى عقد البيع (على تمليك العاقد ماله من غيره) «من» للبيان، فلا يقال: ان «التمليك الى الغير» لا «من الغير» (وجب العمل بما

ص: 28

يقتضيه التمليك من ترتيب آثار ملكية ذلك الغير له.

فاخذه من يده بغير رضاه و التصرف فيه كذلك نقض لمقتضى ذلك العقد فهو حرام.

فاذا حرم بإطلاق الآية جميع ما يكون نقضا لمضمون العقد و منها التصرفات الواقعة بعد فسخ المتصرف من دون رضاء صاحبه كان هذا لازما مساويا للزوم العقد، و عدم انفساخه

______________________________

يقتضيه التمليك من ترتيب آثار ملكية ذلك الغير له) اى مالكية الغير للمال.

(ف) مثلا: ان (اخذه) اى المال (من يده بغير رضاه و التصرف فيه كذلك) بغير رضاه (نقض لمقتضى ذلك العقد).

نعم اذا كان برضاه و لم يكن مما حرمه الشارع لم يكن نقضا.

و قيد «و لم يكن مما حرمه الشارع» لاجل انه اذا كان برضاه، لكن كان مما حرمه الشارع لم يجز، فانه و ان لم يكن خلاف مقتضى العقد الا انه حرام خارجا، كما اذا رضى بوطي امته و الحال ان المولى المشترى وطئها، و لم تنقض عدتها، الى غير ذلك من الامثلة.

و كيف كان (ف) الاخذ و التصرف بغير رضاه (هو حرام، فاذا حرم ب) سبب (اطلاق الآية) حيث اطلقت التحريم ل (جميع ما يكون نقضا لمضمون العقد و منها) اى من تلك الافراد المندرجة تحت «الجميع» (التصرفات الواقعة بعد فسخ المتصرف من دون رضاء صاحبه) اى الطرف الثانى للعقد (كان هذا) التحريم (لازما مساويا للزوم العقد، و) ل (عدم انفساخه

ص: 29

بمجرد فسخ احدهما فيستدل بالحكم التكليفى على الحكم الوضعى اعنى فساد الفسخ من احدهما بغير رضا الآخر.

و هو معنى اللزوم، بل قد حقق فى الاصول ان لا معنى للحكم الوضعى الا ما انتزع من الحكم التكليفى.

و مما ذكرنا

______________________________

بمجرد فسخ احدهما) «فاوفوا» و هو حكم تكليفى مساو «لفساد الفسخ» و هو حكم وضعى (فيستدل بالحكم التكليفى) اوفوا (على الحكم الوضعى اعنى فساد الفسخ من احدهما) البائع او المشترى (بغير رضا الآخر).

(و) هذا اى فساد الفسخ (هو معنى اللزوم) اذ لا نقصد باللزوم الا ان العقد لا يفسخ (بل قد حقق فى الاصول) كما ذكره المصنف فى الرسائل (ان لا معنى للحكم الوضعى الا ما انتزع من الحكم التكليفى).

فاذا جاز الوطي و وجبت النفقة مثلا كان نكاحا دائما.

و اذا جاز بدون وجوب النفقة كان متعة.

و اذا جاز التصرف فى انسان بمختلف انواع التصرف كان رقا.

و اذا حرمت الصلاة فيه و حرم استعماله فى الاكل و الشرب كان نجاسة الى غير ذلك.

و هذا المعنى- و هو ان لا يكون حكمان وضعى و تكليفى، بل الاول منتزع من الثانى- هو الّذي يقتضيه الاعتبار، و ان كان المصنف ره بنفسه لم يلتزم بذلك، كما يظهر من بعض ما ذكره فى الفقه.

(و مما ذكرنا) من معنى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و انه مستلزم للحكم الوضعى

ص: 30

ظهر ضعف ما قيل من ان معنى وجوب الوفاء بالعقد: العمل بما يقتضيه من لزوم و جواز فلا يتم الاستدلال به على اللزوم.

توضيح الضعف ان اللزوم و الجواز من الاحكام الشرعية للعقد، و ليسا من مقتضيات العقد فى نفسه مع قطع النظر عن حكم الشارع.

______________________________

بلزوم العقد (ظهر ضعف ما قيل) و القائل المختلف، و الميرزا القمى فى اجوبة مسائله (من) انه لا دلالة فى الآية على اللزوم، ل (ان معنى وجوب الوفاء بالعقد: العمل بما يقتضيه) العقد (من لزوم و جواز) لان العقد لازم كالبيع و جائز كالهبة.

فاذا قال «اوف به» كان معناه التزم بما اقتضاه العقد، فلا دلالة ل «اوفوا» على ان العقد لازم (فلا يتم الاستدلال به) اى بأوفوا (على اللزوم) بل اللازم معرفة ان العقد لازم او جائز من الخارج.

(توضيح الضعف ان) العقد معناه التبادل و ان المثمن دخل فى حوزة المشترى، و ان الثمن دخل فى حوزة البائع- فى البيع مثلا- و الآية تقول: اوف بهذا المعنى.

و (اللزوم و الجواز من الاحكام الشرعية للعقد، و ليسا من مقتضيات العقد فى نفسه مع قطع النظر عن حكم الشارع).

اذ بعد انتقال كل طرف من المثمن و الثمن قد يكون جائز الفسخ، و قد لا يكون جائز الفسخ.

و اذا كان معنى العقد «التبادل» فقط و قال «اوفوا» التزم به كان ذلك مساويا للزوم العقد.

ص: 31

نعم هذا المعنى اعنى وجوب الوفاء بما يقتضيه العقد فى نفسه يصير بدلالة الآية حكما شرعيا للعقد مساويا للزوم.

و اضعف من ذلك ما نشأ من عدم التفطن لوجه دلالة الآية على اللزوم مع الاعتراف باصل الدلالة

______________________________

(نعم هذا المعنى اعنى وجوب الوفاء بما يقتضيه العقد فى نفسه) «فى نفسه» فى مقابل «ما يلحقه» من جواز و لزوم بحكم الشارع (يصير بدلالة الآية)- اوفوا- (حكما شرعيا للعقد مساويا للزوم) كما تقدم بيانه.

فالعلامة يقول ان معنى الآية «العقد كيف كان- من جواز و لزوم- اوف به» فلا دلالة فى الآية على اللزوم.

و المصنف يرده بان معنى الآية «العقد اوف به» و ليس فى الآية «كيف كان».

اذ «الجواز و اللزوم» لاحقان بالعقد لا انهما داخلان فى حقيقته.

و حيث انهما لاحقان «فاوف» يدل على ان «اللزوم» لاحق بالعقد

(و اضعف من ذلك) ما قد يقال: من ان المستفاد من الآية «اللزوم» لكن بتقريب ان «اوفوا» معناه حكم وضعى و حكم تكليفى، و حكمه الوضعى هو اللزوم.

فان (ما) ذكر (نشأ من عدم التفطن لوجه دلالة الآية على اللزوم).

وجه الدلالة ما ذكرناه من دلالة الآية على الحكم التكليفى، و يتبعه الحكم الوضعى (مع الاعتراف) اى مع اعتراف هذا القائل غير المتفطن (باصل الدلالة) للآية على اللزوم.

ص: 32

لمتابعة المشهور.

و هو ان المفهوم من الآية عرفا حكمان، تكليفى و وضعى.

و قد عرفت ان ليس المستفاد منها الا حكم واحد تكليفى يستلزم حكما وضعيا.

و من ذلك يظهر لك الوجه فى دلالة قوله تعالى «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» على اللزوم فان حلية البيع التى لا يراد منها إلا حلية جميع التصرفات المترتب عليه

______________________________

و انما اعترف (لمتابعة المشهور) القائلين بدلالة الآية على اللزوم.

(و هو) اى ما ذكره اشتباها (ان المفهوم من الآية عرفا حكمان، تكليفى و وضعى).

(و) وجه ضعف هذا الكلام ما (قد عرفت) من (ان ليس المستفاد منها) اى من الآية (الا حكم واحد تكليفى يستلزم حكما وضعيا).

اللهم الا ان يكون القائل اراد بدلالة الآية نتيجة الدلالة لا دلالتها على الحكمين فى عرض واحد.

(و من ذلك) اى من وجه الاستدلال بآية «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» على لزوم العقد مطلقا (يظهر لك الوجه فى دلالة قوله تعالى «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» على اللزوم).

فان حلية البيع معناها حلية جميع التصرفات حتى بعد فسخ احدهما و ذلك مستلزم لكونه لازما (فان حلية البيع التى لا يراد منها الا حلية جميع التصرفات المترتب عليه) اى على البيع، كالتصرف فيه باللبس و السكنى و

ص: 33

- التى منها ما يقع بعد فسخ احد المتبايعين بغير رضاء الآخر- مستلزمه لعدم تأثير ذلك الفسخ، و كونه لغوا غير مؤثر.

و منه يظهر وجه الاستدلال على اللزوم بإطلاق حلية اكل المال بالتجارة عن تراض.

______________________________

الهبة و الاجارة و الاكل و غيرها فى طول الزمان (- التى منها ما يقع بعد فسخ احد المتبايعين بغير رضا الآخر-).

لان للحلية عمومين، عموم بالنسبة الى انحاء التصرف، و عموم بالنسبة الى الازمنة التالية لعقد البيع.

و قوله (مستلزمة) خبر ل «فان حلية البيع» (لعدم تأثير ذلك الفسخ) الواقع من احدهما (و كونه) اى الفسخ (لغوا غير مؤثر).

و قوله «التى لا يراد منها» هو فى قبال احتمال ان يراد ان «عقد البيع حلال» مقابل ان «عقد الربا حرام» فلا دلالة فيه على حلية التصرف بانحاء التصرف، و فى كل زمان بعد العقد لكن هذا الاحتمال خلاف الظاهر.

(و منه) اى من الاستدلال بآية حلية البيع (يظهر وجه الاستدلال على اللزوم بإطلاق حلية اكل المال بالتجارة عن تراض) قال: لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ.

اقول: بل يمكن الاستدلال بالمستثنى منه أيضا، فان اكل المال بعد الفسخ من احدهما بدون رضى الآخر، اكل للمال بالباطل.

و ذلك يستلزم لزوم العقد بالتقريب المتقدم و سيأتى بيانه.

ص: 34

فانه يدل على: ان التجارة سبب لحلية التصرف بقول مطلق، حتى بعد فسخ احدهما من دون رضاء الآخر.

فدلالة الآيات الثلاث على اصالة اللزوم على نهج واحد.

لكن يمكن ان يقال:

______________________________

(فانه يدل على: ان التجارة سبب لحلية التصرف بقول مطلق، حتى بعد فسخ احدهما من دون رضاء الآخر) فاذا حلّ التصرف بقول مطلق كان معناه عدم تأثير الفسخ و ذلك مستلزم للزوم التجارة- على التقريب المتقدم-.

(فدلالة الآيات الثلاث) أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ، و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (على اصالة اللزوم على نهج واحد) كما عرفت.

(لكن يمكن ان يقال) باختلاف الدلالة بين الآية الاولى، و بين الآيتين الاخيرتين، فان «الوفاء» فى الآية الاولى معناه الابقاء و عدم النقض، فالآية بنفسها تدل على بقاء العقد فى كل الازمان المتأخرة عن العقد، و ذلك بخلاف الآيتين الاخيرتين.

فانه بعد الفسخ يشك فى حلية التصرف، و اذا شك فى حليته لم يمكن التمسك ب «احل الله» لفرض انه شك فى الحلية، فهو من قبيل الشك فى «ان زيدا عالم، أم لا» فانه مع هذا الشك لا يمكن التمسك ب «اكرم العلماء» فى وجوب اكرامه.

و عليه «فآية الحلّ» لا اطلاق فيها، بحيث يشمل ما بعد الفسخ- اذا شك فى ان الفسخ مؤثر أم لا- بل نحتاج لا تمام دلالة الآية الى الاستصحاب

ص: 35

انه اذا كان المفروض الشك فى تأثير الفسخ فى رفع الآثار الثابتة بإطلاق الآيتين الاخيرتين، لم يمكن التمسك فى رفعه الا بالاستصحاب و لا ينفع الاطلاق.

و منها قوله تعالى: وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ، دل على حرمة الاكل بكل وجه يسمى باطلا عرفا.

______________________________

فنقول ان الآية دالة على حلية التصرفات قبل الفسخ، و اذا وقع الفسخ نشك فى انه بقى الحل، أم لا، فنستصحب بقاء الحلّ.

ف (انه اذا كان المفروض الشك فى تأثير الفسخ فى رفع الآثار الثابتة) تلك الآثار (ب) سبب (اطلاق الآيتين الاخيرتين) أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ، و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (لم يمكن التمسك فى رفعه) اى فى رفع الشك (الا بالاستصحاب) لبقاء الآثار (و لا ينفع الاطلاق) لان الاطلاق مشكوك فيه، فتأمل.

(و منها: قوله تعالى: وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ) فانه (دل على حرمة الاكل بكل وجه يسمى باطلا عرفا).

فان الالفاظ العرفية تحمل كلام الشارع على معانيها العرفية، الا اذا كان للشارع زيادة او نقيصة، فاذا قال الشارع «البيع» كان لا بد و ان يريد به معناه العرفى، بمقتضى «مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ رَسُولٍ إِلّٰا بِلِسٰانِ قَوْمِهِ» و بمقتضى (نحن معاشر الأنبياء امرنا ان نكلم الناس على قدر عقولهم) و لاصالة عدم النقل.

نعم اذا رأينا ان الشارع قال: ان الربا ليس ببيع، او قال ان

ص: 36

و موارد ترخيص الشارع ليس من الباطل، فان اكل المارّة من ثمرة الاشجار التى تمرّ بها باطل، لو لا اذن الشارع الكاشف عن عدم بطلانه.

و كذلك الاخذ بالشفعة و الخيار، فان رخصة الشارع فى الاخذ بهما يكشف عن ثبوت حق لذوى الخيار و الشفعة

______________________________

«العقد الفلانى بيع» و الحال ان العرف يراه غير بيع، لا بد و ان نطيع ما اصلحه الشارع من زيادة او نقيصة.

(و) لذا كان (موارد ترخيص الشارع ليس من الباطل) و ان رآه العرف باطلا (فان اكل المارّة من ثمرة الاشجار التى تمرّ بها) مما يسمى بحق المارّة (باطل) عرفا (لو لا اذن الشارع الكاشف عن عدم بطلانه) فان مولى الموالى قد اذن فيه.

(و كذلك الاخذ بالشفعة و الخيار) الخيار الّذي لا يراه العرف مثل خيار المجلس و خيار الحيوان.

و اما الخيار الّذي يراه العرف كالشرط و العيب فقد تطابق العرف و الشرع على انه ليس بباطل (فان رخصة الشارع فى الاخذ بهما يكشف عن ثبوت حق لذوى الخيار و الشفعة) قرره الشارع فهو ليس بباطل و ان رآه العرف باطلا.

هذا كله فى ما هو باطل عرفا ليس بباطل شرعا، و عكسه كذلك اى ما ليس بباطل عرفا لكنه باطل شرعا مثل بيع الخمر و الخنزير و لعب القمار و الربا فان الشارع حكم ببطلان هذه العقود و بهذا الحكم الحق بالباطل ما لا يراه العرف باطلا.

ص: 37

و ما نحن فيه من هذا القبيل، فان اخذ مال الغير و تملكه من دون اذن صاحبه باطل عرفا.

نعم لو دل الشارع على جوازه كما فى العقود الجائزة بالذات او بالعارض، كشف ذلك عن حق للفاسخ متعلق بالعين.

______________________________

و فى كلا الموضعين «ما ابطله الشارع و ما حكم بانه ليس باطلا» يلزم اتباع الشارع و ترك المعنى العرفى.

اما فيما سواهما فالمتبع التحديد العرفى لانه المخاطب.

(و ما نحن فيه) و هو فسخ احد المتعاقدين من دون رضى الآخر (من هذا القبيل) اى مما يراه العرف باطلا و لم يحكم الشارع بصحته (فان اخذ مال الغير و تملكه من دون اذن صاحبه) و من دون رضاه (باطل عرفا) و لو كان ذلك المال قبل العقد للفاسخ، لان العقد قطع هذه العلقة قطعا غير قابل للفسخ من طرف واحد.

(نعم لو دل الشارع على جوازه) اى جواز اخذ مال الغير (كما فى العقود الجائزة بالذات) كالهبة و ان رآها العرف عقدا لازما (او بالعارض) كما فى البيع بالنسبة الى خيارى المجلس و الحيوان و ان رآها العرف عقدا لازما (كشف ذلك) اى كشف دلالة الشارع على جوازه (عن حق للفاسخ متعلق بالعين) يقتضي ذلك الحق امكان استرداده ضمن الشروط المقررة شرعا، مثل ما اذا لم يتصرف الموهوب له فى الهبة و مثل ما اذا كان التصرف فى الثلاثة فى خيار الحيوان.

ص: 38

و مما ذكرنا يظهر وجه الاستدلال بقوله صلى الله عليه و آله و سلم:

لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه.

و منها قوله عليه السلام: الناس مسلطون على اموالهم

______________________________

(و مما ذكرنا) فى دلالة آية «لا تأكلوا» على اللزوم (يظهر وجه الاستدلال) للزوم العقد (بقوله صلى الله عليه و آله و سلم: لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه) فانه بعد الفسخ من جانب واحد لا طيب لنفس الجانب الآخر- الّذي هو صاحب المال- فلا يحل ماله للفاسخ و الشارع لم يبين انه حلال فى المقام- باب العقود- فلا بد من اتباع العرف فى القول بعدم الحلية، فيدل هذا الحديث أيضا على اصالة اللزوم.

ثم ان لفظ «مسلم» فى الحديث من جهة ان المسلم هو الآخذ بكلام الرسول صلى الله عليه و آله و سلم المتبع لتعاليمه، و الا فلا يحل مال اى انسان- غير مهدور المال- الا بطيب نفسه، كما دلت عليه الادلة الثلاثة، فهو مثل اصل حمل فعل المسلم على الصحيح، مع ان الاصل حمل فعل كل احد على الصحيح الا ما خرج بالدليل.

(و منها قوله عليه السلام: الناس مسلطون على اموالهم) و كلمة «انفسهم» بعد «اموالهم» فى بعض الكتب الفقهية- فى بيان القاعدة- من باب الاصطياد، لا انه مذكور فى النص.

فقد استفيد من قوله تعالى «النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» وجود الولاية للانسان على نفسه.

ص: 39

فان مقتضى السلطنة التى امضاها الشارع ان لا يجوز اخذه من يده و تملكه عليه من دون رضاه.

و لذا استدل المحقق فى الشرائع على عدم جواز رجوع المقرض فيما اقرضه بان فائدة الملك التسلط، و نحوه العلامة فى بعض كتبه.

و الحاصل ان جواز العقد الراجع الى تسلط الفاسخ على تملك ما انتقل عنه و صار مالا لغيره، و اخذه منه بغير رضاه

______________________________

و كذلك من ادلة اخر، مثل قوله صلى الله عليه و آله و سلم «الست اولى بكم من انفسكم» و مثل: اصالة حلّ كل تصرف الا ما خرج بالدليل، الى غير ذلك.

و كيف كان (فان مقتضى السلطنة التى امضاها الشارع ان لا يجوز اخذه) اى اخذ ماله (من يده، و تملكه) رغما (عليه من دون رضاه) و ان كان المال قبل جريان العقد للفاسخ.

(و لذا) الّذي ذكرنا من دلالة هذا الحديث على اصالة اللزوم (استدل المحقق فى الشرائع على عدم جواز رجوع المقرض فيما اقرضه بان) المال بعد ان اقرض صار ملكا للمقترض، و (فائدة الملك التسلط) المانع عن استرجاعه (و نحوه) استدل (العلامة فى بعض كتبه) و كان اخذه من المحقق.

(و الحاصل ان جواز العقد) و عدم لزومه (الراجع) صفة «جواز» فان مرجع جواز العقد (الى تسلط الفاسخ على تملك ما انتقل عنه و صار مالا لغيره) لسبب العقد السابق على الفسخ (و اخذه منه بغير رضاه) عطف

ص: 40

مناف لهذا العموم.

و منها قوله صلى الله عليه و آله و سلم: المؤمنون عند شروطهم.

و قد استدل به على اللزوم غير واحد، منهم المحقق الاردبيلى قدّس سرّه بناء اعلى ان الشرط مطلق الالزام و الالتزام و لو ابتداءً من غير ربط بعقد آخر، فان العقد على هذا شرط فيجب الوقوف عنده، و يحرم

______________________________

على «تملك» (مناف لهذا العموم) اى عموم الناس مسلطون على اموالهم فان المال بعد الانتقال صار ملكا للمنتقل إليه، فلا حق للمنتقل عليه فى ارجاع المال الى نفسه، و هذا هو معنى اللزوم.

(و منها قوله صلى الله عليه و آله و سلم: المؤمنون عند شروطهم) كأنّ الشرط مكان، و المؤمن ساكن هناك.

و حيث ان الشرط امر معنوى، فاللازم ان يراد ب «عند» الوفاء بالشرط، و انه امر ايجابى تكليفا و وضعا.

(و قد استدل به على اللزوم) اى لزوم العقد (غير واحد، منهم المحقق الاردبيلى قدّس سرّه).

لكن للاستدلال بهذا الحديث للزوم العقد (بناء على ان الشرط مطلق الالزام) من جانب المشترط (و الالتزام) من جانب المشروط عليه (و لو ابتداءً).

فكل عقد شرط (من غير ربط) فى تحقق مسمّى «الشرط» (بعقد آخر) بان يكون الشرط عبارة عن الالزام، و الالتزام فى ضمن عقد و نحوه (فان العقد على هذا) البناء (شرط فيجب الوقوف عنده، و يحرم

ص: 41

التعدى عنه.

فيدل على اللزوم بالتقريب المتقدم فى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لكن لا يبعد منع صدق الشرط فى الالتزامات الابتدائية، بل المتبادر عرفا هو الالزام التابع كما يشهد به موارد استعمال هذا اللفظ، حتى فى مثل قوله عليه السلام فى دعاء التوبة: و لك يا ربّ شرطى ان لا اعود فى مكروهك و عهدى ان اهجر جميع معاصيك.

______________________________

التعدى عنه) حسب قوله صلى الله عليه و آله و سلم «عند شروطهم».

(فيدل) هذا الحديث (على اللزوم) لكل عقد (بالتقريب المتقدم فى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

فان العاقد اذا فسخ بدون رضى الطرف الآخر، فقد تخلف عن كونه «عند شرطه» هذا.

و (لكن لا يبعد منع صدق الشرط فى الالتزامات الابتدائية) التى لا تكون ضمن عقد و نحوه (بل المتبادر عرفا هو الالزام التابع).

فاذا قال: بينى و بين زيد شرط، فهم منه وجود شرط فى ضمن عقد حتى اذا فسره بانه «عقد» قال له العرف انه ليس بشرط (كما يشهد به) اى بالتبادر (موارد استعمال هذا اللفظ) اى لفظ الشرط (حتى فى مثل قوله) اى السجاد (عليه السلام فى دعاء التوبة: و لك يا ربّ شرطى ان لا اعود فى مكروهك، و عهدى ان اهجر جميع معاصيك) فانه لا يراد به الشرط الابتدائى- كما ربما يزعم- بل معناه ان الله يغفر له بهذا الشرط، و الغفران معاملة بين طرفين تطهير من الله يعقبه تطهّر من

ص: 42

و قوله عليه السلام فى اوّل دعاء الندبة: بعد ان شرطت عليهم الزهد فى درجات هذه الدنيا كما لا يخفى على من تأمّلها.

مع ان كلام بعض اهل اللغة على ما ادعيناه من الاختصاص.

ففى القاموس، الشرط: الزام الشي ء و التزامه فى البيع و نحوه.

العبد.

(و قوله عليه السلام فى اوّل دعاء الندبة: بعد ان شرطت عليهم الزهد فى درجات هذه الدنيا) فانه شرط فى ضمن قبولهم و تقريبهم، فهم عليهم السلام طلبوا قبول الله لهم، و الله قبل بهذا الشرط (كما لا يخفى على من تأمّلها) اى تأمّل موارد استعمال هذا اللفظ.

لكن ربما يقال: ان كون الشرط فى ضمن عقد و نحوه لازم الوفاء يدل بالفحوى على ان العقد بنفسه لازم الوفاء، هذا.

مع ان بعض المحشّين اشكل على الشيخ بانه قبل فى مبحثى المعاطات و الشروط ان الشرط مطلق الالتزام، فبين كلاميه ره تدافع.

و كيف كان فما ذكره هنا اظهر.

و ما ابعد ما بينه و ما بين كلام المحقق اليزدى فى حاشيته، حيث قال ان هذه الرواية من اقوى الادلة على اللزوم.

(مع ان كلام بعض اهل اللغة) موافق (على ما ادعيناه من الاختصاص) اى اختصاص لفظ الشرط بما اذا كان فى ضمن عقد و نحوه فلا يشمل الالتزام بالبدوى.

(ففى القاموس الشرط) هو (الزام الشي ء و التزامه فى البيع و نحوه).

ص: 43

و منها: الاخبار المستفيضة فى ان البيعين بالخيار ما لم يفترقا، و انه اذا افترقا وجب البيع، و انه لا خيار لهما بعد الرضا.

فهذه جملة من العمومات الدالة على لزوم البيع عموما، او خصوصا.

______________________________

و على هذا فلا دلالة لقوله صلى الله عليه و آله و سلم: المؤمنون عند شروطهم، على اصالة اللزوم و ان استند إليه بعض.

(و منها) اى من الادلة على اصالة اللزوم فى البيع (الاخبار المستفيضة) الواردة (فى ان البيعين بالخيار ما لم يفترقا، و انه اذا افترقا وجب البيع) وجب اى لزم، و منه الوجوب التكليفى، بل و عنه «فاذا وجبت جنوبها» اى لزمت بالسقوط على الارض قبال حال الحياة، فان الحيوان ما دام حيا يتحرك و يمشى، فاذا مات سقط.

و ذلك فان الاستقراء و المناط دلا على ان اللفظ المشترك بين معان لا يكون الا اذا كانت بين تلك المعانى جهة مشتركة، او كانت كلها داخلة تحت كلّى واحد (و انه لا خيار لهما بعد الرضا).

فان صريح هذه الروايات انه بعد الافتراق لا خيار.

و المراد بالرضا هو الافتراق بقرينة الفقرة السابقة، لا الرضا بالمعاملة حتى يقال: انه يتنافى مع خيار المجلس.

(فهذه) الادلة التى ذكرناها من الآيات و الروايات (جملة من العمومات الدالة على لزوم البيع عموما) بحيث يشمل غير البيع، مثل:

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (او خصوصا) فلا يشمل الا البيع، مثل احل الله البيع.

ص: 44

و قد عرفت ان ذلك مقتضى الاستصحاب أيضا.

و ربما يقال: ان مقتضى الاستصحاب عدم انقطاع علاقة المالك عن العين.

فان الظاهر من كلماتهم عدم انقطاع علاقة المالك عن العين التى له فيها الرجوع.

و هذا الاستصحاب حاكم على

______________________________

(و قد عرفت ان ذلك) اللزوم (مقتضى الاستصحاب أيضا).

فانه اذا شككنا هل ان بالفسخ رجع كل مال الى صاحبه، كان اصل بقاء الملك فى حوزة مالكه محكما و هذا هو اصل بقاء الاثر.

(و ربما يقال: ان مقتضى الاستصحاب عدم انقطاع علاقة المالك) الاول قبل البيع (عن العين) و عدم انقطاع العلاقة لا ينافى الملك مثل ما اذا وهب، فان الموهوب صار ملكا للموهوب له و مع ذلك لم تنقطع علاقة الملك عن الواهب و لذا يتمكن من استرجاعه.

(فان الظاهر من كلماتهم عدم انقطاع علاقة المالك عن العين التى له فيها) اى فى تلك العين (الرجوع).

و انما قيد بقوله «التى» لانه اذا لم يكن له فيها الرجوع فالعلاقة منقطعة بلا اشكال.

و عليه فاحتمال عدم الانقطاع كاف فى جريان الاستصحاب.

(و هذا الاستصحاب) اى استصحاب عدم انقطاع العلاقة (حاكم على

ص: 45

الاستصحاب المتقدم المقتضى للزوم.

و ردّ بانه ان اريد بقاء علاقة الملك، او علاقة يتفرع على الملك،

______________________________

الاستصحاب المتقدم المقتضى للزوم).

فان الشك فى زوال الاثر بالفسخ- الّذي هو مجرى استصحاب عدم الزوال- متفرع عن الشك فى بقاء العلاقة، فاذا استصحب بقاء العلاقة لم يكن مجال للشك فى عدم زوال الاثر كما هو الشأن فى كل استصحابين احدهما سببى و الآخر مسبّبى.

(و ردّ ب) ان استصحاب العلاقة غير تام اطلاقا لعدم تمامية اركان الاستصحاب فيه.

فان الاستصحاب يحتاج الى يقين سابق، و شك لاحق، فاذا اريد جريان استصحاب العلاقة، كان لا بد «من يقين سابق بوجود العلاقة» و «شك لاحق فى بقاء العلاقة».

فنقول ان اريد من العلاقة السابقة «علاقة الملك» فقد زالت قطعا، فلا شك لاحق.

و ان اريد من العلاقة السابقة «علاقة اعادة العين» «فلا يقين سابق» للقطع بعدم وجودها قبل البيع، لان اعادة العين الى الملك لا تجتمع مع الملك الموجود قبل البيع، و ذلك لتوقف «الاعادة» على «الخروج عن الملك» و قبل البيع لا خروج، فلا علقة للاعادة.

و الحاصل (انه ان اريد بقاء علاقة الملك، او علاقة يتفرع على الملك) اذا ملك الانسان شيئا تفرعت منه علاقات، مثل علاقة المعار له حيث يحق

ص: 46

فلا ريب فى زوالها بزوال الملك.

و ان اريد بها سلطنة اعادة العين فى ملكه، فهذه علاقة يستحيل اجتماعها مع الملك و انما تحدث بعد زوال الملك لدلالة دليل.

فاذا فقد الدليل، فالاصل عدمها.

و ان اريد بها العلاقة التى كانت فى مجلس البيع، فانها تستصحب

______________________________

له التصرف فى العارية، فان علاقة التصرف فى العارية ليست علاقة ملك و انما هى علاقة متفرعة عن الملك (فلا ريب فى زوالها بزوال الملك) لانه لا ملك فلا علاقة ملك، و لا علاقة متفرعة على الملك.

(و ان اريد بها) اى بالعلاقة المستصحبة (سلطنة) المالك السابق (اعادة العين فى ملكه، فهذه) لا حالة سابقة لها لان هذه (علاقة يستحيل اجتماعها مع الملك).

اذ المملوك ليس خارجا عن الملك، حتى يعاد الى الملك (و انما تحدث) هذه العلاقة على فرض حصولها (بعد زوال الملك).

و انما تحدث هذه العلاقة (لدلالة دليل) اى اذا كان هناك دليل مثل ما دلّ على الخيار فانه يزول ملك ذى الخيار، لكن تحدث علاقة امكان اعادته الى الملك.

(فاذا فقد الدليل) على حدوث هذه العلاقة (فالاصل عدمها).

(و) ان قلت: الدليل موجود و هو ما دل على خيار المجلس.

قلت: (ان اريد بها العلاقة التى كانت فى مجلس البيع فانها تستصحب

ص: 47

عند الشك، فيصير الاصل فى البيع بقاء الخيار كما يقال: الاصل فى الهبة بقاء جوازها بعد التصرف فى مقابل من جعلها لازمة بالتصرف.

ففيه مع عدم جريانه فيما لا خيار فيه فى المجلس، بل مطلقا بناء اعلى ان الواجب هنا الرجوع فى زمان الشك الى عموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، لا الاستصحاب

______________________________

عند الشك، فيصير الاصل فى البيع بقاء الخيار).

و هذا الاصل مقدم على اصالة اللزوم- اى استصحابه- لما عرفت من ان بين الاصلين السببية و المسببية، فيكون اصل بقاء الخيار فى البيع (كما يقال: الاصل فى الهبة بقاء جوازها بعد التصرف) فللواهب استرجاعها و ان تصرف الموهوب له فيها (فى مقابل من جعلها) اى الهبة (لازمة بالتصرف).

لكن لا يخفى ان التمسك بالاصل فى الهبة اذا لم يكن دليل اجتهادى يدل على اللزوم بالتصرف- كما هو المشهور-.

(ففيه) جواب «و ان اريد بها».

أولا (مع عدم جريانه) اى عدم جريان استصحاب الخيار (فيما لا خيار فيه فى المجلس) كما اذا اوقعا البيع بشرط عدم خيار المجلس فانه لا خيار حينئذ حتى يستصحب.

و ثانيا: (بل) عدم جريان استصحاب الخيار (مطلقا) و ان كان خيار المجلس موجودا (بناء على) ان خيار المجلس لا يستصحب، ل (ان الواجب هنا الرجوع فى زمان الشك الى عموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، لا الاستصحاب)

ص: 48

انه لا يجدى بعد تواتر الاخبار بانقطاع الخيار مع الافتراق.

فيبقى ذلك الاستصحاب سليما عن الحاكم، فتأمل.

[ظاهر المختلف أن الأصل عدم اللزوم و المناقشة فيه]

ثم انه يظهر من المختلف فى مسألة: ان المسابقة لازمة

______________________________

فانه لا مجال للاصل العملى مع وجود الدليل الاجتهادى مثل عموم «اوفوا» فى المقام.

و ثالثا: (انه) لا مجال للاستصحاب مع قطع النظر عن الاشكالين السابقين.

اذ (لا يجدى) تمامية اركان الاستصحاب (بعد تواتر الاخبار بانقطاع الخيار مع الافتراق) حيث قال عليه السلام: فاذا افترقا وجب البيع.

(ف) ان سقط استصحاب الخيار (يبقى ذلك الاستصحاب) اى استصحاب بقاء الأثر- بعد الفسخ- (سليما عن الحاكم) عليه (فتأمل).

اذ لو فرض وجود الدليل الاجتهادى من عموم او نصّ كما ذكر فى الجوابين الثانى و الثالث لم يبق مجال لاستصحاب اللزوم او استصحاب الخيار.

و عليه فالجوابان الثانى و الثالث لا موقع لهما، كما ان الجواب الاول أيضا لا موقع له.

اذ مورد الكلام تعيين الاصل العملى المقتضى للجواز فى البيع لو خلى و نفسه، مع قطع النظر عن الطوارئ التى منها ايقاع البيع بشرط عدم الخيار.

(ثم انه يظهر من) العلامة فى (المختلف فى مسألة: ان المسابقة لازمة

ص: 49

او جائزة، ان الاصل عدم اللزوم، و لم يرده من تأخر عنه، الا بعموم قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

و لم يكن وجه صحيح لتقرير هذا الاصل.

نعم هو حسن فى خصوص المسابقة و شبهه مما لا يتضمن تمليكا او تسليطا ليكون الاصل بقاء ذلك الأثر و

______________________________

او جائزة، ان الاصل عدم اللزوم).

و هذا مناف لما ذكرناه من اصالة لزوم العقود، و الحال ان المسابقة عقد (و لم يرده من تأخر عنه، الا بعموم قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

مع انك عرفت ان سائر الاطلاقات بل الاستصحاب أيضا تدل على اللزوم، فاللازم رده بها أيضا، لا بخصوص «اوفوا».

(و) لذا ف (لم يكن وجه صحيح لتقرير هذا الاصل) الّذي ذكره و ان كان له وجه غير تام هو اصالة الجواز فى كل العقود، بتقريب ان اللزوم صفة اضافية، فاذا لم نعلم بها كان الاصل عدمها، كما اذا علمنا اصل جواز شي ء و لم نعلم وجوبه، فان الاصل يقتضي عدم الوجوب.

لكن هذا الاصل غير صحيح فى العقود، لما عرفت من اصالة اللزوم فى كل عقد.

(نعم هو) اى اصل الجواز (حسن فى خصوص المسابقة و شبهه) كالمزارعة، و الجعالة على زرع ارض مباحة، او تحصيل ضالة و ما اشبه (مما لا يتضمن تمليكا او تسليطا) فانه اذا لم يكن تمليك كما فى البيع و لا تسليط كما فى الاجارة فلا أثر فى الخارج (ليكون الاصل بقاء ذلك الأثر و

ص: 50

عدم زواله بدون رضاء الطرفين.

[إذا شك في عقد أنه من مصاديق العقد اللازم أو الجائز]

ثم ان ما ذكرنا من العمومات المثبتة لاصالة اللزوم، انما هو فى الشك فى حكم الشارع باللزوم.

و يجرى أيضا فى ما اذا شك فى عقد خارجى انه من مصاديق العقد اللازم او الجائز

______________________________

عدم زواله بدون رضاء الطرفين).

و حيث لا أثر، فالاصل عدم اللزوم.

نعم بعد مجي ء: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و شبهه يرتفع الاصل، فلا يريد المصنف ان يقول: انه الآن لا لزوم للعقود، لكن يريد بيان الاصل مع قطع النظر عن الدليل.

و مع ذلك يرد عليه ان كل عقد لا بدّ و ان يؤثر اثرا و ان لم يكن تسليطا و لا تمليكا، و اذا كان هناك اثر، فالاصل بقاء الاثر، و عدم ارتفاعه بفسخ احدهما بدون رضاء الآخر.

و عليه فلا فرق فى جميع العقود بان الاصل فيها اللزوم.

(ثم ان ما ذكرنا من العمومات المثبتة لاصالة اللزوم، انما هو فى الشك فى حكم الشارع باللزوم).

كما اذا لم نعلم هل ان البيع لازم أم لا- مثلا-.

(و يجرى) اصل اللزوم (أيضا فى ما اذا شك فى عقد خارجى انه من مصاديق العقد اللازم او الجائز).

كما اذا شك فى انه هل وهب المال لزيد حتى يكون له ارجاعه او انه

ص: 51

بناء على ان المرجع فى الفرد المردّد بين عنوانى العام و المخصص الى العموم.

و اما بناء على خلاف ذلك، فالواجب الرجوع عند الشك فى اللزوم الى الاصل، بمعنى استصحاب الأثر، و عدم زواله بمجرد فسخ احد المتعاقدين

______________________________

باعه منه، اوشك فى انه هل زيد الموهوب له رحمه حتى لا يكون له ارجاع المال، او انه ليس برحمه حتى يكون له ارجاعه منه، فان الاصل فى كل هذه المقامات اللزوم (بناء على ان المرجع فى المردّد بين عنوانى العام و المخصص الى العموم) اى بناء على جواز التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية.

فان: «كل عقد الاصل فيه اللزوم» عام، و «الهبة الى غير ذى الرحم الاصل فيه الجواز» مخصص لذلك العام، فاذا كانت شبهة فى فرد هل انه من العام او من المخصص يتمسك فيه بالعام، لانه علم دخوله فى العام و شك فى خروجه- بالتخصيص- من العام.

(و اما بناء على خلاف ذلك) كما هو المحقق، و انه لا يتمسك بالعام فى الشبهة المصداقية (فالواجب الرجوع عند الشك فى اللزوم الى الاصل بمعنى استصحاب الأثر، و عدم زواله بمجرد فسخ احد المتعاقدين).

لان الاثر ثبت و لا نعلم زواله، فالاصل بقائه.

و هذا غير اصالة اللزوم المستفادة من الكتاب و السنة- كما تقدم-.

نعم هو الاستصحاب الّذي ذكرناه سابقا بقولنا فى المتن «و قد عرفت ان ذلك مقتضى الاستصحاب أيضا»

ص: 52

الا ان يكون هنا اصل موضوعى يثبت العقد الجائز.

كما اذا شك فى ان الواقع هبة او صدقة، فان الاصل عدم قصد القربة، فيحكم بالهبة الجائزة.

______________________________

(الا ان يكون هنا اصل موضوعى يثبت العقد الجائز) او اللازم.

فانه لا تصل النوبة حينئذ الى الاصل الحكمى الّذي هو استصحاب الأثر، و ان كان الاصل الحكمى مطابقا للاصل الموضوعى فى افادة اللزوم

(كما اذا شك فى ان الواقع هبة او صدقة، فان الاصل عدم قصد القربة، فيحكم بالهبة الجائزة).

فان الهبة له رجوع فيها- اذا لم تكن من اقسام الهبة اللازمة، كالهبة بذى الرحم- و الصدقة لا رجوع فيها فانه ما كان لله لا رجعة فيه.

لكن كون الفارق بين الامرين قصد القربة، مشكل، بل الظاهر ان الفارق، العنوان المقصود عند العطاء.

فاذا قصد الهبة كانت هبة، و ان قصد القربة.

و لذا قالوا ان الهبة اذا كانت بقصد القربة لم يكن له رجوع فيها.

و كيف كان فمثال آخر لوجود الاصل الموضوعى انه لو شك فى ان من اعطاه الهبة هل هو رحمه أم لا.

فان اصالة عدم كونه رحما- كما قرّر فى مسألة اصالة عدم القرشية فى المرأة المشكوك حيضها- حاكم على استصحاب الاثر.

ص: 53

لكن الاستصحاب المذكور انما ينفع فى اثبات صفة اللزوم.

و اما تعيين العقد اللازم حتى يترتب عليه سائر آثار العقد اللازم كما اذا اريد تعيين البيع عند الشك فيه، و فى الهبة فلا.

بل يرجع فى اثر كل عقد الى ما يقتضيه الاصل بالنسبة إليه.

فاذا شك فى اشتغال الذمة بالعوض، حكم بالبراءة التى هى من آثار

______________________________

(لكن) لا يخفى ان (الاستصحاب المذكور) اى استصحاب الأثر (انما ينفع فى اثبات صفة اللزوم) فيجعل العقد لازما.

(و اما تعيين العقد اللازم) بان يقول: الاستصحاب انه صدقة لا هبة فى المثال المتقدم- (حتى يترتب عليه سائر آثار العقد اللازم كما اذا اريد) التخلص من نذر كان نذره «بان يتصدق» فيعين بالاستصحاب ان ما اعطاه صدقة فبرئت ذمته مثلا.

و كما اذا شك فى ان المعاملة التى حدثت بينه و بين زيد، هل انها كانت بيعا او هبة فاستصحب الاثر، و اريد بهذا الاستصحاب (تعيين البيع عند الشك فيه، و فى الهبة فلا) يمكن ذلك لان الاصل لا يثبت كما قرر فى الاصول (بل يرجع فى اثر كل عقد) من العقود المشكوكة شكافى ان ما عقده هل هو هذا او ذاك (الى ما يقتضيه الاصل بالنسبة إليه) اى بالنسبة الى ذلك العقد.

(ف) مثال الشك بين البيع و الهبة اذا شك فى اللزوم اجرى اصالة اللزوم الّذي هو من آثار البيع، و (اذا شك فى اشتغال الذمة بالعوض) من جهة احتمال كونه بيعا (حكم بالبراءة التى هى من آثار

ص: 54

الهبة.

و اذا شك فى الضمان مع فساد العقد حكم بالضمان لعموم: على اليد ان كان هو المستند فى الضمان بالعقود الفاسدة.

______________________________

الهبة).

و لا منافات اذ قد حقق فى الاصول انه يمكن التفكيك فى آثار الاصول فاذا شك فى ان الماء الّذي توضأ به، هل كان طاهرا او نجسا- و لم يكن اصل موضوعى يعين احدهما- فيده طاهرة، لاصالة الطهارة، و هو محدث لاصالة الحدث، فانه لا تنافى فى مقام الظاهر بين الاصلين، و ان كانت منافات بينهما فى الواقع، و انه ان كان الماء نجسا فيده نجسة و هو محدث، و ان كان الماء طاهرا فيده طاهرة، و هو متوضئا.

(و اذا شك فى الضمان) فى ما اذا دار العقد بين الهبة و بين البيع (مع فساد العقد) حيث تجرى قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» (حكم بالضمان لعموم: على اليد) ما اخذت، فان عمومه شامل للمقام.

لانه اذا كانت المعاملة صحيحة كانت تقتضى الضمان، لعموم على اليد، فكذلك اذا كانت المعاملة فاسدة (ان كان هو) اى عموم: على اليد (المستند فى الضمان بالعقود الفاسدة).

لان مع هذا العموم لا يبقى مجال لاصل البراءة، اذ لا مجال للاصل العملى مع وجود الدليل الاجتهادى.

ص: 55

و ان كان المستند دخوله فى ضمان العين او قلنا بان خروج الهبة من ذلك العموم مانع عن الرجوع إليه فيما احتمل كونه مصداقا لها، كان الاصل البراءة أيضا.

______________________________

(و ان كان المستند) فى الضمان بالعقود الفاسدة (دخوله) اى الانسان الّذي عامل دخل (فى ضمان العين).

و قد تقدم فى باب «ما يضمن بصحيحه» ان الانسان لو دخل فى الضمان كان ضامنا، فالاصل البراءة «جواب و ان كان المستند».

و انما كان مجرى البراءة على هذا التقدير لانه لا يعلم انه دخل فى المعاملة بالضمان اذا المعاملة لو كانت هبة فاخذها لم يدخل فيها بالضمان (او) كان المستند هو «ما ذكرناه أولا: اى عموم على اليد» لكن (قلنا بان خروج الهبة من ذلك العموم) اى عموم: على اليد (مانع عن الرجوع إليه) اى الى عموم: على اليد (فيما احتمل كونه مصداقا لها) اى للهبة.

اذ بعد خروج الهبة عن عموم: على اليد، اذا شك فى فرد انه هبة خارجة عن العموم او معاملة داخلة فى العموم لا يمكن التمسك بالعموم لاجل اثبات الضمان لانه من التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية (كان الاصل البراءة أيضا).

كما كان الاصل البراءة فى الصورة السابقة، حيث قلنا «حكم بالبراءة»

و الحاصل: انه اذا كان العقد فاسدا، و تردد فى انه هل كان بيعا او هبة.

ص: 56

..........

______________________________

فان كان مستند الضمان فى العقود الفاسدة على اليد، ففيه احتمالان.

الاول: الضمان لعموم: على اليد.

الثانى: البراءة، لانه لا يمكن التمسك بالعموم حيث ان الهبة خارجة عن عموم: على اليد.

فاذا تمسكنا بالعموم مع احتمال ان العقد هبة، كان من التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية.

و ذلك لا يجوز فليس المرجع حينئذ العموم، بل البراءة اذ لما فقد الدليل الاجتهادى كان المرجع: الاصل العملى.

و ان كان مستند الضمان فى العقود الفاسدة ان الشخص دخل فى العقد بانيا على ضمان العين، فالمرجع البراءة، للاصل بعد ان لم يكن دليل على انه ضامن بهذا البناء، اذ البناء لا يجعل الانسان ضامنا، اذا لم يكن دليل شرعى على الضمان.

ص: 57

القول فى اقسام الخيار

اشارة

و هى كثيرة، الا ان اكثرها متفرقة و المجتمع فيها فى كل كتاب سبعة، و قد انهاها بعضهم الى ازيد من ذلك حتى ان المذكور فى اللمعة مجتمعا أربعة عشر، مع عدم ذكره لبعضها.

و نحن نقتفى اثر المقتصر على السبعة كالمحقق و العلامة قدس سرهما، لان ما عداها لا يستحق عنوانا مستقلا، اذ ليس له احكام مغاير لسائر انواع الخيار فنقول و بالله التوفيق

______________________________

(القول فى اقسام الخيار، و هى كثيرة الا ان اكثرها متفرقة) فى كتب الفقهاء حيث ذكرت بمناسبة المسائل المتفرقة فى مختلف ابواب المعاملات (و المجتمع فيها) اى فى باب الخيارات (فى كل كتاب) فقهى (سبعة و قد انهاها بعضهم الى ازيد من ذلك حتى ان المذكور فى اللمعة) و شرحه (مجتمعا) فى باب الخيارات (أربعة عشر، مع عدم ذكره لبعضها) أيضا فهى فى نفس الامر اكثر من أربعة عشر.

(و نحن نقتفى اثر المقتصر على السبعة، كالمحقق) فى غير الشرائع اذ فيه اقتصر على خمسة (و العلامة قدس سرهما).

و انما نتبع هؤلاء (لان ما عداها) اى ما عدا السبعة (لا يستحق عنوانا مستقلا) فنذكرها فى ضمن هذه السبعة (اذ ليس له احكام مغاير لسائر انواع الخيار) فهى تبع للمذكور منها فى الاحكام، و ان كان لها اسامى اخر (فنقول و بالله التوفيق) و هو المستعان.

ص: 58

الأول: فى خيار المجلس
اشارة

فالمراد بالمجلس، مطلق مكان المتبايعين حين البيع.

و انما عبّر بفرده الغالب.

و اضافة الخيار إليه لاختصاصه، و ارتفاعه بانقضائه الّذي هو الافتراق

______________________________

(الاول: فى خيار المجلس، فالمراد بالمجلس، مطلق مكان المتبايعين حين البيع) و ان لم يكن مجلس اصطلاحا، كما اذا عاملا و هما يمشيان.

و الظاهر انه يشمل و لو كان احدهما بعيدا عن الآخر، كما اذا عاملا بواسطة التلفون او اللاسلكى.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 11، ص: 59

و ذلك لاطلاق الادلة، و الانصراف الى المتعارف فى زمن الروايات غير مهم بعد ان كان انصرافا بدويا، و مثله لا يمنع الاطلاق، و لو فرض منع الاطلاق، فلا اشكال فى وجود المناط.

(و) كيف كان ف (انما عبّر) بالمجلس، مع انه يشمل كل مكان و ان لم يكن مجلسا من باب التعبير (بفرده الغالب).

(و) لا يخفى ان (اضافة الخيار إليه) حيث قيل «خيار المجلس» من جهة انه يكفى فى الاضافة، او فى مناسبة كما قيل «كوكب الخرقاء» (لاختصاصه) اى الخيار بكون المتعاقدين فى المجلس (و ارتفاعه) اى الخيار (بانقضائه) اى ذهاب المجلس الّذي وقع فيه العقد.

فالانقضاء (الّذي هو) عبارة عن (الافتراق) هو ان يبتعد احدهما عن

ص: 59

و لا خلاف بين الامامية فى ثبوت هذا الخيار، و النصوص به مستفيضة.

و الموثق الحاكى لقول على عليه السلام: اذا صفق الرجل على البيع فقد وجب، مطروح، او مأوّل.

و لا فرق بين اقسام البيع و انواع المبيع.

نعم سيجي ء استثناء اشخاص المبيع كالمنعتق على المشترى.

______________________________

الآخر (و لا خلاف بين الامامية فى ثبوت هذا الخيار) فى الجملة (و النصوص به مستفيضة) فوق الآحاد، و دون التواتر.

(و) اما (الموثق الحاكى لقول على عليه السلام: اذا صفق الرجل على البيع فقد وجب) مما ظاهره انه لا خيار، فهو (مطروح) لانه لا يقاوم المستفيضة (او مأوّل) اى ثبت البيع، مقابل انه «بالقول و نحوه قبل الصفق» لا بيع، لا ان المراد به وجوب البيع و عدم الخيار.

(و لا فرق) فى ثبوت هذا الخيار (بين اقسام البيع) من النقد، و النسيئة، و السلف (و انواع المبيع) من بيع الحيوان و غيره الى غير ذلك من الاقسام.

(نعم سيجي ء استثناء بعض اشخاص المبيع) فانه لا خيار فيها (كالمنعتق على المشترى) فاذا اشترى الانسان اباه مثلا انعتق فورا فليس له خيار المجلس، و كذلك المنعتق على البائع اذا جعل الأب- مثلا- ثمنا.

و قد اشرنا فى اوّل المبحث الى هذا الاستثناء، بقولنا «فى الجملة».

ص: 60

و تنقيح مباحث هذا الخيار و مسقطاته يحصل برسم مسائل.
[مسائل في خيار المجلس]
مسألة: لا اشكال فى ثبوته للمتبايعين، اذا كانا اصيلين،

و لا فى ثبوته للوكيلين فى الجملة و هل يثبت لهما مطلقا خلاف.

قال فى التذكرة: لو اشترى الوكيل، او باع، او تعاقدا لوكيلان تعلق الخيار بهما و بالموكلين، مع حضورهما فى المجلس.

و الا فبالوكيلين، فلو مات الوكيل فى المجلس و الموكل غائب انتقل الخيار إليه.

______________________________

(و تنقيح مباحث هذا الخيار و مسقطاته يحصل برسم مسائل) و الله الموفق.

(مسألة: لا اشكال فى ثبوته) اى خيار المجلس (للمتبايعين، اذا كانا اصيلين) كما اذا كانا مالكين (و لا فى ثبوته للوكيلين) و الوليين (فى الجملة) كما سيأتى وجه كونه فى الجملة (و هل يثبت لهما مطلقا) فيه (خلاف).

(قال) العلامة (فى التذكرة: لو اشترى الوكيل، او باع، او تعاقد الوكيلان) بان كان كلا طرفى العقد وكيلا (تعلق الخيار بهما) لانهما «البيعان» فيشملهما قوله عليه السلام «البيعان بالخيار» (و بالموكلين مع حضورهما فى المجلس) لانهما المالكان، و قد جعل الخيار لمصلحتهما.

(و الا) يكون الموكلان حاضرين فى المجلس (ف) الخيار يتعلق (بالوكيلين) فقط (فلو) كان الموكل غائبا حال البيع، و (مات الوكيل فى المجلس و الموكل غائب) بعد (انتقل الخيار إليه) اى الى الموكل الغائب

ص: 61

لان ملكه اقوى من ملك الوارث.

و للشافعية قولان، احدهما انه يتعلق بالموكل و الآخر انه يتعلق بالوكيل، انتهى.

اقول: و الاولى ان يقال:

______________________________

اما اذا حضر الموكل بعد البيع و قبل موت الوكيل، فكون الخيار للموكل اظهر (لان ملكه) اى الموكل الغائب (اقوى من ملك الوارث).

و قد ثبت انه اذا مات البائع المورث انتقل الخيار الى وارثه- كما سيأتى الكلام فيه- و ذلك يدل بالفحوى الى انتقاله الى المالك اذا مات الوكيل.

(و للشافعية قولان) فى مسألة بيع الوكيل و الموكل غائب (احدهما انه) اى الخيار (يتعلق بالموكل) لانه المالك (و الآخر انه يتعلق بالوكيل) لانه البائع (انتهى) كلام التذكرة.

(اقول: و الاولى) و الاقرب الى الواقع.

و المراد القرب لا ان الطرف الآخر أيضا قريب من الواقع (ان يقال) بالتفصيل بين الوكيل فى مجرد اجراء العقد فلا خيار له و بين الوكيل المفوض فله الخيار.

اما خيار الوكيل المفوض، فلانه بيع، فيشمله الدليل.

و اما عدم خيار الوكيل فى اجزاء العقد فلامور أربعة.

الاول: ان ذيل الخيار منصرف عن مثل هذا الوكيل.

الثانى: ان ظاهر قوله «بالخيار» انه سلطنة ارجاع ما خرج عن

ص: 62

ان الوكيل ان كان وكيلا فى مجرد اجراء العقد، فالظاهر عدم ثبوت الخيار لهما وفاقا لجماعة منهم المحقق و الشهيد الثانيان لان المتبادر من النص غيرهما و ان عممناه لبعض افراد الوكيل و لم نقل بما قيل تبعا لجامع المقاصد بانصرافه بحكم الغلبة الى خصوص العاقد المالك

______________________________

ملكه الى ملكه، و الوكيل لم يخرج شي ء عن ملكه.

الثالث: ان سياق خيار الحيوان و خيار المجلس واحد فقد ذكرا معا فى بعض الروايات.

و حيث ان خيار الحيوان ليس للوكيل فيه اجراء الصيغة، كذلك ليس له خيار المجلس بدليل وحدة السياق.

الرابع: ما سيأتى من «الحكمة» ف (ان الوكيل ان كان وكيلا فى مجرد اجراء العقد، فالظاهر عدم ثبوت الخيار لهما) اى للوكيلين او للوكيل، لما ذكر و للاصيل، لانه ليس بحاضر فى مجلس العقد، فلا يشمله الدليل (وفاقا لجماعة منهم المحقق و الشهيد الثانيان).

و ذلك لوجوه ثلاثة.

الاول: (لان المتبادر من النص غيرهما) فالاصل عدم الخيار لهما (و ان عممناه) اى النص (لبعض افراد الوكيل) كالوكيل المستقل- كما سيأتى- «و ان» وصلية (و لم نقل بما قيل تبعا لجامع المقاصد بانصرافه) اى النص (بحكم الغلبة) حيث ان الغالب مباشرة المالكين للعقد فذلك سبب لانصراف النص (الى خصوص العاقد المالك) حتى ان النص لا يشمل الوكيل المستقل أيضا.

ص: 63

مضافا الى ان مفاد ادلة الخيار اثبات حق و سلطنة لكل من المتعاقدين على ما انتقل الى الآخر، بعد الفراغ عن تسلّطه على ما انتقل إليه.

فلا يثبت بها هذا التسلط لو لم يكن مفروغا عنه فى الخارج.

الا ترى انه لو شك المشترى فى كون المبيع ممن ينعتق عليه لقرابة او يجب صرفه لنفقة، او

______________________________

و قوله «و لم نقل» عطف على «و ان عممناه».

الثانى: (مضافا الى ان مفاد ادلة الخيار اثبات حق و سلطنة لكل من المتعاقدين) فله سلطة (على ما انتقل الى الآخر) بحيث يتمكن من استرداده (بعد الفراغ عن تسلّطه على ما انتقل إليه) فان البائع مسلط على ردّ العين الى ملكه بعد وضوح انه مسلّط على الثمن الّذي هو الآن فى ملكه.

(فلا يثبت بها) اى بادلة الخيار (هذا التسلط) على الاسترداد (لو لم يكن) التسلط على ما انتقل إليه (مفروغا عنه فى الخارج).

و الحاصل ان تسلط الشخص على الاسترداد فرع تسلطه على ردّ ما فى يده، او الوكيل فى مجرد اجراء العقد لا سلطة له على ردّ ما انتقل الى موكله، فلا سلطة له على استرداد ما خرج عن ملك موكله.

(الا ترى) مثال لبيان انه اذا لم يكن للوكيل البائع سلطة على ردّ ما فى يده لم يكن له استرداد ما خرج منه (انه لو شك المشترى فى كون المبيع ممن ينعتق عليه لقرابة) لتردد العبد بين كونه أبا للمشترى، و بين كونه اجنبيا عنه (او) شك فى انه هل (يجب صرفه) اى ما اشتراه (لنفقة او) هل

ص: 64

اعتاقه لنذر، فلا يمكن الحكم بعدم وجوبه لادلة الخيار بزعم اثباتها للخيار المستلزم لجواز ردّه على البائع و عدم وجوب عتقه.

هذا مضافا الى ملاحظة بعض اخبار هذا الخيار المقرون فيه بينه و بين خيار الحيوان الّذي لا يرضى الفقيه بالتزام ثبوته للوكيل فى اجراء الصيغة

______________________________

يجب (اعتاقه لنذر) و نحو النذر (فلا يمكن الحكم بعدم وجوبه) اى بعدم وجوب العتق و الصرف مستندا فى الحكم بعدم الوجوب (لادلة الخيار) فيقول انه ليس بواجب (بزعم اثباتها) اى الادلة (للخيار المستلزم لجواز ردّه على البائع، و عدم وجوب عتقه).

فكما ان الخيار فى المثال لا يكون دليلا على عدم وجوب العتق كذلك دليل الخيار لا يكون مستندا لجواز ردّ الوكيل.

و وجه الجامع بين ما نحن فيه و المثال ان فى كليهما يشك فى انه هل له رده أم ليس له رده.

و كما ان دليل الخيار لا يقول فى المثال ردّ العبد، كذلك دليل الخيار لا يقول فى ما نحن فيه ايها الوكيل ردّ ما انتقل الى موكلك، و اذا لم يقدرا على الردّ لم يقدرا على استرداد ما فى يد الطرف الآخر.

(هذا) تمام الكلام فى الوجه الثانى.

الثالث: (مضافا الى ملاحظة بعض اخبار هذا الخيار) اى خيار المجلس (المقرون فيه) اى فى ذلك الخبر (بينه) اى بين خيار المجلس (و بين خيار الحيوان الّذي لا يرضى الفقيه بالتزام ثبوته) اى ثبوت خيار الحيوان (للوكيل فى اجراء الصيغة) فان خيار الحيوان جعل لحكمة

ص: 65

فان المقام و ان لم يكن من تعارض المطلق و المقيد، الا ان سياق الجميع يشهد باتحاد المراد من لفظ المتبايعين مع ان ملاحظة حكمة الخيار تبعد ثبوته للوكيل المذكور

______________________________

انه اذا لم يرده المشترى تمكن من رده، و اى علاقة لهذا بالوكيل فى اجراء العقد.

(ف) ان قلت: جمع الخيارين فى صحيحة ابن مسلم حيث قال عليه السلام «المتبايعان بالخيار، ثلاثة ايام فى الحيوان، و فيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا» لا يدل على وحدة حكمهما، لانه لو سلم ان الصحيحة- بقرينة السياق- دلت على ان خيار المجلس للموكل فقط، لكن مطلقات خيار المجلس الشاملة للوكيل أيضا على حالها، و تلك المطلقات لا تقيد بهذه الصحيحة.

قلت: (ان المقام و ان لم يكن من تعارض المطلق و المقيد) الّذي يحمل فيه المطلق على المقيد (الا ان سياق الجميع) الصحيحة المقيدة- حسب التقارن بين الخيارين- و سائر اخبار خيار المجلس المطلقة الشاملة للوكيل أيضا (يشهد باتحاد المراد من لفظ المتبايعين) سواء كان هذا اللفظ فى الصحيحة او فى سائر الاخبار.

و حيث ان المراد بهذا اللفظ فى الصحيحة خصوص المالك، لا بد و ان يراد به فى سائر الروايات خصوص المالك أيضا.

الرابع: (مع ان ملاحظة حكمة الخيار) و هى تلافى ندم المالك (تبعد ثبوته) اى ثبوت الخيار (للوكيل المذكور) لانه لا علاقة له بالمعاملة

ص: 66

مضافا الى ادلة سائر الخيارات فان القول بثبوتها الموقع الصيغة لا ينبغى من الفقيه.

و الظاهر عدم دخوله فى اطلاق العبارة المتقدمة عن التذكرة، فان الظاهر من قوله: اشترى الوكيل، او باع، تصرف الوكيل بالبيع و الشراء لا مجرد ايقاع

______________________________

حتى يندم و هذه قرينة عقلية لعدم اطلاق ادلة الخيار للوكيل فى العقد (مضافا الى) امكان ان يقول: ان (ادلة سائر الخيارات) كالغبن و العيب و ما اشبه، لا تعم الوكيل فى اجراء العقد (فان القول بثبوتها) اى ثبوت تلك الخيارات (لموقع الصيغة) اى الوكيل فى الايقاع فقط (لا ينبغى من الفقيه).

اذ اى علاقة بين من جاء به المالك ليقول «بعت» او «اشتريت» و بين كون المبيع معيبا او مغبونا فيه، فكذلك دليل خيار المجلس لوحدة الملاك فى الجميع.

اقول: لا يخفى ان اكثر استدلالات المصنف قابلة للمناقشة، الا ان بناء الشرح على توضيح مقاصد الكتاب يمنع عن ذكرها، فعلى الطالب الرجوع الى الحواشى العلمية.

(و الظاهر عدم دخوله) اى دخول الوكيل فى مجرد الصيغة (فى اطلاق العبارة المتقدمة عن التذكرة) التى ذكر فيها ان الوكيل له حق الاخذ بالخيار (فان الظاهر من قوله: اشترى الوكيل، او باع) او ما اشبه هذه العبارة (تصرف الوكيل بالبيع و الشراء) تصرفا مستقلا (لا مجرد ايقاع

ص: 67

الصيغة.

و من جميع ذلك يظهر ضعف القول بثبوته للوكيلين المذكورين كما هو ظاهر الحدائق.

و اضعف منه تعميم الحكم لصورة منع الموكل من الفسخ بزعم ان الخيار حق ثبت للعاقد بمجرد اجرائه للعقد، فلا يبطل بمنع الموكل.

______________________________

الصيغة).

فالعلامة لا يقول بان وكيل اجراء الصيغة له خيار المجلس و ان عرف ذلك من اطلاق عبارته.

(و من جميع ذلك) الّذي ذكرناه من الوجوه الاربعة (يظهر ضعف القول بثبوته) اى ثبوت خيار المجلس (للوكيلين المذكورين) الذين هما وكيلان فى اجراء العقد فقط (كما هو) الثبوت (ظاهر الحدائق).

(و اضعف منه تعميم الحكم) و ان الخيار ثابت للوكيل (لصورة منع الموكل من الفسخ).

اما وجه التعميم فهو ما ذكره بقوله (بزعم ان الخيار حق ثابت للعاقد بمجرد اجرائه للعقد، فلا يبطل) ما جعله الشارع له (بمنع الموكل).

و اما وجه الضعف: فلانه وضع هذا الحق لمصلحة المالك، فكونه لغيره فى حال انه خلاف مصلحة المالك، خارجا عن حكمة جعل هذا الخيار.

و لا يخفى ما فى هذا الكلام من المناقشة، اذ على تقدير وجود الاطلاق لا يقاومه مثل هذا الوجه الاستحسانى.

ص: 68

و على المختار فهل يثبت للموكلين، فيه اشكال من ان الظاهر من:

البيّعين فى النصّ المتعاقد ان فلا يعم الموكلين.

و ذكروا انه لو حلف على عدم البيع، لم يحنث ببيع وكيله، و من ان الوكيلين فيما نحن فيه كالآلة للمالكين.

و نسبة الفعل إليهما شائعة.

______________________________

(و على المختار) من عدم خيار الوكيل فى مجرد العقد (فهل يثبت) الخيار (للموكلين) أم لا؟ (فيه اشكال) و احتمالان.

اما وجه العدم (من ان الظاهر من: البيعين فى النصّ) حيث قال عليه السلام: البيعان بالخيار (المتعاقدان، فلا يعم الموكلين) فلا خيار لهما.

(و) يؤيد ذلك ما (ذكروا انه لو حلف على عدم البيع، لم يحنث ببيع وكيله) فانه يدل على ان البيع حقيقة فى اجراء الصيغة، لكن فيه لزوم التفصيل، و ان الحلف قد يكون متعلقا باجراء الصيغة، و قد يكون متعلقا بالاخراج عن الملك، و قد يكون متعلقا بالاعم، و اذا كان المتعلق مهملا من القصد لا بد من ملاحظة انه الى اى شي ء ينصرف عزما كما حققناه فى بعض كتب الفقه.

(و) اما وجه ثبوت الخيار للموكلين (من ان الوكيلين فيما نحن فيه) فيما اذا كانا وكيلين فى مجرد اجراء الصيغة (كالآلة للمالكين) فالبيعان هما فى الحقيقة المالكان.

(و) لذا نرى ان (نسبة الفعل) اى البيع (إليهما شائعة) عرفا.

ص: 69

و لذا لا يتبادر من قوله: باع فلان ملكه الكذائى كونه مباشرا للصيغة.

و عدم الحنث بمجرد التوكيل فى اجراء الصيغة ممنوع، فالاقوى ثبوته لهما و لكن مع حضورهما فى مجلس العقد، و المراد به مجلسهما المضاف عرفا الى العقد فلو جلس هذا فى مكان و ذاك فى مكان آخر، فاطلعا على عقد الوكيلين، فمجرد ذلك

______________________________

(و لذا) من ان المراد بالبائع من اخرج ملكه عن سلطته، سواء بنفسه او بوكيله (لا يتبادر من قوله: باع فلان ملكه الكذائى) و لا يتبادر (كونه مباشرا للصيغة) و لو كان المفهوم من «باع» المباشرة لزم التبادر.

(و) اما قولهم بعدم الحنث- كما تقدم- ففيه ان (عدم الحنث بمجرد التوكيل فى اجراء الصيغة) اذا نفذ الوكيل البيع (ممنوع) الا اذا قصد فى حلفه انه لا يبيعه مباشرة.

و على هذا (فالاقوى ثبوته) اى خيار المجلس (لهما) اى للمالكين فى الجملة فى مقابل النفى الكلى (لكن مع حضورهما فى مجلس العقد) و ذلك لانهما اذا لم يحضرا فى مجلس العقد لم يتحقق موضوع خيار المجلس (و المراد به) اى بمجلس العقد (مجلسهما المضاف عرفا الى العقد).

فان العرف المخاطب بهذا الكلام هو الميزان فى تعيين المصداق (فلو جلس هذا) مالك المثمن (فى مكان و ذاك) اى مالك الثمن (فى مكان آخر) كما لو جلس كل فى داره (فاطلعا على عقد الوكيلين) الصادر منهما فى السوق مثلا (فمجرد ذلك) و كونهما فى مكان آخر فى حالة العقد

ص: 70

لا يوجب الخيار لهما، الا اذا صدق كون مكانيهما مجلسا لذلك العقد بحيث يكون الوكيلان كلسانى الموكلين و العبرة بافتراق الموكلين عن هذا المجلس لا بالوكيلين هذا كله ان كان وكيلا فى مجرد ايقاع العقد.

و ان كان وكيلا فى التصرف المالى كاكثر الوكلاء

______________________________

(لا يوجب الخيار لهما).

اذ لا يصدق عرفا خيار المجلس و لا «حتى يفترقا» لان الافتراق، لا يصدق الا بعد الاجتماع (الا اذا صدق كون مكانيهما مجلسا لذلك العقد، بحيث يكون الوكيلان كلسانى الموكلين).

ثم الظاهر انه لا يشترط ان يكون حضورهما هناك لاجل العقد، اذ الادلة مطلقة و الحكمة تؤيد الاطلاق، فالقول بلزوم ذلك لانه المتيقن من الادلة غير ظاهر الوجه (و العبرة) بعد اجتماع الاربعة فى مجلس العقد (بافتراق الموكلين عن هذا المجلس) لانهما البيعان حقيقة (لا بالوكيلين) لانهما آلة و لسان، و الادلة منصرفة عن مثلهما، كما عرفت وجهه سابقا و ان كان الاقرب- بناء على رأى الحدائق- كفاية بقاء الموكلين او الوكيلين او اصيل و وكيل (هذا كله ان كان) الوكيل (وكيلا فى مجرد ايقاع العقد) و اجراء الصيغة.

(و ان كان وكيلا فى التصرف المالى كاكثر الوكلاء) مثل الصناع فى محلات التجار و ممثليهم فى بلاد اخر و وكلاء الدولة المشروعة و المجتهدين و وكلائهم الذين هم وكلاء عن الفقراء و عن الامام الى غير ذلك

ص: 71

فان كان مستقلا فى التصرف فى مال الموكل بحيث يشمل فسخ المعاوضة بعد تحققها نظير العامل فى القراض و اولياء القاصرين.

فالظاهر ثبوت الخيار له لعموم النص.

و دعوى تبادر المالكين، ممنوعة، خصوصا اذا استندت الى الغلبة،

______________________________

(ف) هو على قسمين.

لانه اما مستقل فى التصرف كانه المالك.

و اما ليس بمستقل فهو اقوى من الوكيل فى اجراء العقد و اضعف من الوكيل المفوض فى اجراء المعاملة، ف (ان كان مستقلا فى التصرف فى مال الموكل) يشمل كل شئون المعاملة (بحيث يشمل فسخ المعاوضة بعد تحققها نظير العامل فى القراض) اى المضاربة و هى المعاملة التى يكون رأس المال فيها من احدهما، و العمل من الآخر، و الربح بينهما بالنسبة (و اولياء القاصرين) كالطفل و المجنون و المغمى عليه و من اشبههم، حيث ان عليهم ان يعملوا حسب المصلحة.

(فالظاهر ثبوت الخيار له لعموم النص) الشامل له، كما يؤيد ذلك ثبوت الخيار له قطعا اذا ظهر عيب او غبن.

فان القول بعدم الخيار له فيهما، كالقول بثبوته للحاكم، لا له مما لا يمكن القول به، و اذا ثبت خيار الغبن و العيب ثبت غيره لوحدة الملاك

(و دعوى تبادر المالكين) من «البيّعان» فى النص (ممنوعة) اذ لا تبادر قطعا (خصوصا اذا استندت) دعوى التبادر (الى الغلبة) بان يقال فى وجه التبادر حيث ان الغالب معاملة الملاك لا وكلائهم فالنص

ص: 72

فان معاملة الوكلاء و الأولياء لا تحصى.

و هل يثبت للموكلين أيضا مع حضورهما كما تقدم عن التذكرة اشكال من تبادر المتعاقدين من النص، و قد تقدم عدم حنث الحالف على ترك البيع ببيع وكيله.

و من ان المستفاد من ادلة سائر الخيارات و خيار الحيوان المقرون بهذا الخيار فى بعض النصوص كون

______________________________

منصرف الى الملاك.

و وجه المنع ما ذكره بقوله: (فان معاملة الوكلاء و الأولياء لا تحصى) فلا غلبة فى معاملات الملاك بحيث تكون سببا لانصراف (البيعان) الى الملاك.

(و هل يثبت) خيار المجلس (للموكلين أيضا) بالإضافة الى ثبوته للوكيلين المستقلين (مع حضورهما) فى مجلس العقد (كما تقدم عن التذكرة) ثبوت الخيار للموكلين (اشكال) و احتمالان.

وجه عدم الثبوت (من تبادر المتعاقدين من النص) و الموكلان ليسا بمتعاقدين (و قد تقدم عدم حنث الحالف على ترك البيع) فانه ان حلف المالك ان لا يبيع متاعه، لم يكن حنث لحلفه (ببيع وكيله).

و قد عرفت الاشكال منافى مسألة الحلف.

(و) وجه ثبوت الخيار للموكلين (من ان المستفاد من ادلة سائر الخيارات و) من دليل (خيار الحيوان المقرون بهذا الخيار) اى خيار المجلس (فى بعض النصوص) كصحيحة ابن مسلم التى تقدم نقلها (كون

ص: 73

الخيار حقا لصاحب المال شرعا ارفاقا له، و ان ثبوته للوكيل لكونه نائبا عنه يستلزم ثبوته للمنوب عنه، الا ان يدعى مدخلية المباشرة للعقد، فلا يثبت لغير المباشر.

و لكن الوجه الاخير لا يخلو عن قوة

______________________________

الخيار حقا لصاحب المال شرعا ارفاقا له) حتى اذا ندم من المعاملة كان له فسخها (و ان ثبوته للوكيل) ليس بذى حكمة ذاتية، بل (لكونه نائبا عنه) و قائما مقام المالك (يستلزم ثبوته للمنوب عنه) و عليه فالموكل له الخيار.

و كذا ان فرض ان المولى عليه كالمجنون و المغمى عليه و الطفل كانوا فى المجلس و بعد اجراء العقد بلغ الطفل و عقل المجنون و افاق المغمى عليه (الا ان يدعى مدخلية المباشرة للعقد) فى حق الخيار (فلا يثبت لغير المباشر) و ان كان مالكا هذا.

(و لكن الوجه الاخير) الّذي ذكرناه بقولنا «و من ان المستفاد الخ» (لا يخلو عن قوة).

اما اذا مات الوكيل المستقل، فهل ينتقل خياره الى وارثه، لقاعدة ما تركه الميت لوارثه، او الى الموكل- اذا قلنا انه لا خيار له فى عرض الوكيل- لان الموكل صاحب النفع الحقيقى من الخيار، او يسقط رأسا فلا خيار، لا يبعد الثانى لانصراف دليل «ما تركه الميت» عن وارث الوكيل و السقوط لا وجه له بعد وجود الحكمة، و كونه مثل خيار الغبن و العيب و يستبعد جدا الالتزام بسقوطهما بالموت.

ص: 74

و حينئذ فقد يتحقق فى عقد واحد الخيار لاشخاص كثيرة من طرف واحد، او من الطرفين فكل من سبق من اهل الطرف الواحد الى اعماله نفذ و سقط خيار الباقين بلزوم العقد او بانفساخه

______________________________

و لكن لا يخفى ان اللازم حضور وارث الوكيل و الموكل فى مجلس العقد، و الا فالقاعدة عدم الانتقال اطلاقا.

(و حينئذ) اى حين قلنا بان الموكل له الخيار أيضا بالإضافة الى الوكيل المستقل (فقد يتحقق فى عقد واحد الخيار لاشخاص كثيرة من طرف واحد) كما اذا وكل زيد عمروا وكالة مطلقة مستقلة، و عمرو وكل بكرا كذلك و هكذا الى عدة وكلاء (او من الطرفين) كما اذا كان كل من مالك المثمن و مالك الثمن له عدة وكلاء طوليين و كان كلهم حاضرين فى مجلس العقد (فكل من سبق من اهل الطرف الواحد الى اعماله) اى اعمال الخيار (نفذ) لانه له الاعمال (و سقط خيار الباقين) فى طرفه، لانه لم يكن الاخيار واحد نفّذه هذا (بلزوم العقد) من جانبه و يبقى للجانب الآخر حق الفسخ (او بانفساخه) فينفسخ العقد و لا يبقى خيار للجانب الآخر ثم انه قد تبين مما ذكرنا امور ثلاثة.

الاول: انه لو فسخ احد الطرفين، انفسخت المعاملة كلية.

الثانى: انه لو اجاز احد من طرف واحد لم يكن لرفقائه من ذلك الطرف لا الاجازة و لا الفسخ، اذ ليس لطرف واحد الا اجازة واحدة فاذا اجاز احدهم فقد نفذ حق هذا الطرف بكامله.

الثالث: انه لو اجاز احد فى طرف، كان للطرف الآخر ان يجيز،

ص: 75

و ليس المقام من تقدم الفاسخ على المجيز، فان تلك المسألة فيما اذا ثبت للجانبين.

و هذا فرض من جانب واحد.

______________________________

فيستقر العقد او يفسخ، فيبطل العقد.

و على ما ذكرناه فاذا كان شخصان فى طرف واحد اجاز احدهما أولا، ثم فسخ الآخر، لم يؤثر فسخ الثانى.

(و) ذلك لانه (ليس المقام من تقديم الفاسخ على المجيز، فان تلك المسألة) اى مسألة تقديم الفسخ على الاجازة (فيما اذا ثبت) اى كان الحق (للجانبين) اى احد الطرفين فسخ، و الطرف الآخر اجاز، فان الفسخ حينئذ مقدم على الاجازة.

(و هذا) الّذي نحن فيه اى شخصان من طرف واحد اجاز احدهما و فسخ الآخر (فرض من جانب واحد)

و من المعلوم: ان الجانب الواحد ليس له الا حق واحد- فسخا او اجازة- فاذا اخذ احدهم به لم يكن للآخر شي ء، اذ ينتهى الحق بأخذ احدهم له.

نعم اذا تقارن الاثنان «فسخا و اجازة» من جانب واحد، بان قالا معا (لكن قال احدهما فسخت و قال الآخر اجزت) قدم الفسخ، لانه اقوى فى الاقتضاء من الاجازة.

و يحتمل سقوطهما و بقاء العقد بحاله غير مستقر.

ص: 76

ثم على المختار من ثبوته للموكلين.

فهل العبرة فيه بتفرقهما عن مجلسهما حال العقد، او عن مجلس العقد او بتفرق المتعاقدين، او بتفرق الكل، فيكفى بقاء اصيل مع وكيل آخر فى مجلس العقد، وجوه.

______________________________

(ثم على المختار من ثبوته) اى الخيار (للموكلين) فى ما كان الوكيلان مستقلين.

(فهل العبرة فيه) اى فى انقضاء الخيار بالتفرق (بتفرقهما عن مجلسهما حال العقد) فيما اذا كان الاصيلان فى مجلس، و الوكيلان فى مجلس «و قلنا بكفاية كونهما معا فى مجلس و ان لم يكن مجلس العقد» (او عن مجلس العقد) اذا قلنا بان ثبوت الخيار للموكلين مشروط بكونهما فى مجلس العقد (او) ان العبرة (بتفرق المتعاقدين) اى الوكيلين.

فاذا كان الاربعة فى مجلس واحد فما دام الوكيلان فى المجلس يصح الاخذ بالخيار للاصيلين، فاذا تفرق الوكيلان سقط خيارهما كما سقط خيار الاصيلين (او) ان العبرة (بتفرق الكل، فيكفى) فى بقاء الخيار (بقاء اصيل مع وكيل آخر) اى وكيل الطرف الآخر.

فاذا كان الاصيلان محمدا و عليا، و الوكيلان حسنا و حسينا، كفى بقاء محمد و الحسين، او على و الحسن.

و من الواضح انه لا يكفى بقاء اصيل و وكيل نفسه (فى مجلس العقد وجوه) و احتمالات.

ص: 77

أقواها الاخير و ان لم يكن مستقلا فى التصرف فى مال الموكل قبل العقد و بعده بل كان وكيلا فى التصرف على وجه المعاوضة.

كما اذا قال له: اشتر لي عبدا و الظاهر حينئذ عدم الخيار للوكيل لا لانصراف الاطلاق- الى غير ذلك.

______________________________

(أقواها الاخير) لانه لا فرق بين الاصيل و الوكيل.

اذ الثانى كالاول فأيّهما كان حصل طرف العقد و لم يحصل التفرق الّذي هو ميزان سقوط الخيار (و ان) كان الوكيل المستقل فى الجملة (لم يكن مستقلا) تمام الاستقلال (فى التصرف فى مال الموكل) تصرفا (قبل العقد و بعده).

و قد تقدم تقسيم الاستقلال الى قسمين (بل كان وكيلا فى التصرف على وجه المعاوضة) فقط.

(كما اذا قال له: اشتر لي عبد او) نحو ذلك.

مثل ان قال: بع لى هذه الدار، فهل لمثل هذا الوكيل الخيار، أم لا (الظاهر حينئذ عدم الخيار، ل) مثل هذا (الوكيل) بل الخيار للمالك اذا كان حاضرا فى مجلس العقد، و الا لم يكن خيار اصلا، لفقد شرطه (- لا لانصراف الاطلاق) فى قوله عليه السلام: البيعان بالخيار (- الى غير ذلك) اى الى غير هذا القسم من الوكيل المستقل فى الجملة.

و انما قال «لا» ثم ذكر العلة فى خروج هذا الفرد عن الدليل، لانه اراد بيان ان الدليل لا يشمل هذا القسم اصلا، لا انه يشمله بدوا ثم يخرج منه بسبب الانصراف.

ص: 78

بل لما ذكرنا فى القسم الاول من ان اطلاق ادلة الخيار مسوق لافادة سلطنة كل من العاقدين على ما نقله عنه بعد الفراغ عن تمكنه من ردّ ما انتقل إليه.

فلا تنهض لاثبات هذا التمكن عند الشك فيه.

و لا لتخصيص ما دل على سلطنة الموكل على ما انتقل إليه المستلزمة لعدم

______________________________

مثلا اذا قلنا «عالم» شمل لغة «عالم الغناء» لكنه يخرج من اطلاق «العالم» بالانصراف، لكن «عالم» لا يشمل الحيوان اصلا (بل) عدم الخيار لهذا القسم من الوكيل المستقل (لما ذكرنا فى القسم الاول) و هو الوكيل فى اجراء لفظ العقد فقط (من ان اطلاق ادلة الخيار مسوق لافادة سلطنة كل من العاقدين على ما نقله عنه) اى عن نفسه بان له السلطنة على ردّه الى نفسه (بعد الفراغ عن تمكنه من ردّ ما انتقل إليه) الى صاحبه الاول.

(فلا تنهض) ادلة الخيار (لا ثبات هذا التمكن) اى تمكن الاسترداد «لما نقله عن نفسه» (عند الشك فيه) اى فى الردّ «لما نقل إليه».

و المقام من هذا القبيل، اذ الوكيل شاك فى انه هل يقدر على ردّ ما دخل فى ملك موكله؟ فاذا حصل له هذا الشك لم يقدر على استرداد ما خرج عن ملك موكله.

(و لا) تنهض ادلة الخيار أيضا (لتخصيص ما دلّ على سلطنة الموكل على ما انتقل إليه) اى الى الموكل (المستلزمة) سلطنة الموكل (لعدم

ص: 79

جواز تصرف الوكيل فيه بردّه الى مالكه الاصلى و فى ثبوته للموكلين ما تقدم، و الاقوى اعتبار الافتراق عن مجلس العقد كما عرفت فى سابقه.

ثم هل للموكل- بناء اعلى ثبوت الخيار له- تفويض الامر الى الوكيل بحيث

______________________________

جواز تصرف الوكيل فيه) اى فيما انتقل الى الموكل (بردّه الى مالكه الاصلى) «بردّه» متعلق ب «السلطنة».

و الحاصل انه لو كان دليل الخيار يذل على تمكن الوكيل من ردّ ما فى يد الموكل، او يدل على انه لا سلطة للموكل فى ما انتقل الى الموكل كان الدليل دالا على ان للوكيل الخيار.

اما و دليل الخيار لا يدل على احد الامرين، فلا يدل على اثبات الخيار للموكل.

ثم (و فى ثبوته) اى الخيار فى الوكيل المستقل فى الجملة (للموكلين) بعد ان عرفت عدم ثبوت الخيار للوكيل (ما تقدم) فى الوكيل التامّ الاستقلال.

ثم (و الاقوى) انه لو قلنا: بثبوت الخيار للوكيل المستقل فى الجملة او قلنا: بثبوته للموكل (اعتبار الافتراق عن مجلس العقد كما عرفت فى سابقه) اى فى الوكيل التام الاستقلال.

فجميع فروع تلك المسألة بادلتها جارية فى المقام، لوحدة الملاك فى المسألتين و الله العالم.

(ثم هل للموكل- بناء على ثبوت الخيار له-) كما فى الوكيل فى اجراء الصيغة (تفويض الامر الى الوكيل، بحيث

ص: 80

يصير ذا حق خيارى الاقوى العدم: لان المتيقن من الدليل

______________________________

يصير ذا حق خيارى) احتمالان.

من انه حق للموكل فينقل حقه الى انسان آخر.

و من ان هذا تشريع و ليس بيد الانسان التشريع، و ان كان بيده التصرف فى حقه مثلا، لا يحق لانسان له ولدان ان يقول ابن عمى يرث بقدر احد ابنى، لان الارث ليس بيد الانسان و ان كان له المال.

نعم يحق له ان يقول اعطوا لابن عمّى ثلث مالى كله مما نتيجته ان يأخذ ابن العم بمقدار احد الولدين، اذ المال يقسم حينئذ اثلاثا، ثلث لابن العم، و ثلث لكل ولد.

و هذا هو ما ذكروه فى الشرط المحلل للحرام، و المحرم للحلال.

فاذا شرط ان يجب الصوم على المشترى فى يوم الخميس مثلا، او ان يحرم عليه شرب الماء، بطل الشرط.

اما ان شرط ان يصوم و ان لا يشرب الماء صح الشرط، و هذه مسألة سيّالة تأتى فى كثير من الموارد كما لو نذر ان يجب عليه الاطعام فانه باطل.

اما ان نذر ان يطعم فهو صحيح.

و الحاصل ان للانسان ان يطبق المصداق على الكلى المقرر شرعا اما تشريع الحكم فليس بيد الانسان.

و لذا قال المصنف: (الاقوى العدم، لان المتيقن من الدليل)

ص: 81

ثبوت الخيار للعاقد فى صورة القول به عند العقد، لا لحوقه له بعده.

نعم يمكن توكيله فى الفسخ او فى مطلق التصرف فسخا او التزاما.

و مما ذكرنا اتضح عدم ثبوت الخيار للفضوليين و ان جعلنا

______________________________

المثبت للخيار (ثبوت الخيار للعاقد) الّذي هو الوكيل- فى مثالنا- (فى صورة القول به) اى بان للعاقد الخيار (عند العقد) متعلق ب «ثبوت» (لا لحوقه) اى الخيار (له) اى للعاقد (بعده) اى بعد العقد بحيث يكون ذا حق خيارى.

(نعم يكون توكيله) اى توكيل المالك الّذي له الخيار للوكيل فى مجرد اجراء الصيغة، و نحوه (فى الفسخ او فى مطلق التصرف فسخا او التزاما) بل له ذلك بالنسبة الى الاجنبى أيضا، و لا يشترط ان يكون الوكيل فى المجلس مثلا وكيلان بحضور الموكلين اجريا الصيغة، ثم ذهبا الوكيلان و كان الموكلان فى المجلس فوكله الموكل بان يفسخ، فانه يقع الفسخ و ان فسخه خارج المجلس، لان من له الخيار لم يفترق و الاعتبار به، بل لا يبعد صحة العكس أيضا، بان وكله ليفسخ عن قبله، و خرج الموكل لحاجة، فانه بتوكيله عن نفسه قام مجلس الوكيل مقام مجلس الموكل، فلم يحصل الافتراق بعد.

(و مما ذكرنا) فى وجه عدم الخيار للوكيل مجرى الصيغة، و للوكيل شبه المستقل (اتضح عدم ثبوت الخيار للفضوليين) ان جعلنا الاجازة ناقلة.

اذ لا نقل قبل الاجازة، فلا خيار فى الاسترداد، بل (و ان جعلنا

ص: 82

الاجازة كاشفة، لا لعدم صدق المتبايعين، لان البيع النقل و لا نقل هنا- كما قيل- لاندفاعه بان البيع النقل العرفى، و هو موجود هنا.

نعم ربما كان ظاهر الاخبار حصول الملك شرعا بالبيع.

و هذا المعنى منتف فى الفضولى قبل الاجازة.

______________________________

الاجازة كاشفة) عن النقل حال العقد، و عدم ثبوت الخيار (لا لعدم صدق المتبايعين) على الفضوليين.

وجه عدم الصدق (لان البيع النقل و لا نقل هنا- كما قيل-) فى وجه عدم ثبوت الخيار للفضوليين (لاندفاعه) اى عدم الصدق (بان البيع النقل العرفى، و هو موجود هنا) و الشارع ليس له اصطلاح خاص، بل اذا صدق البيع عرفا صدق شرعا فيشمله قوله عليه السلام: البيعان بالخيار

(نعم ربما كان ظاهر الاخبار) المثبتة للخيار (حصول الملك شرعا بالبيع) اذ لو لا الملك لم يكن نقل حتى يترتب عليه الخيار.

و انما قال «شرعا» لانه لو لا امضاء الشارع للامر العرفى، لم يترتب على البيع الاحكام الشرعية.

(و هذا المعنى) اى حصول الملك شرعا (منتف فى الفضولى قبل الاجازة) لان الشارع لا يقول بحصول الملك، فان مقتضى: تسلط الناس على اموالهم، و عدم حلية التجارة الا عن تراض- الى غيرهما- انه لا يملك مال المالك بدون رضاه و اجازته.

و حاصل قوله «نعم» ان الفضولى و ان كان بيعا، او ان «البيع» وحده لا ينفع فى ثبوت الخيار، بل البيّع الّذي اثّر بيعه الملك شرعا و هنا

ص: 83

و يندفع أيضا بان مقتضى ذلك عدم الخيار فى الصرف و السلم قبل القبض.

مع ان هذا المعنى لا يصح

______________________________

لم يؤثر بيعه الملك شرعا «فنعم» لا يصحح قول «كما قيل».

(و يندفع أيضا) هذا جواب آخر عن «كما قيل» فان «قيل» يرد عليه اشكالان.

الاول «انه بيع».

و الثانى انه لو توقف الخيار على «النقل» كما يقول «قيل» لزم ان لا يكون خيار فى الصرف و السلم قبل القبض لانه قبل القبض لا نقل على رأى الشيخ فان الشيخ يرى توقف الملك فى الصرف و السلم على القبض، مع انه لا شك فى وجود الخيار قبل القبض.

و منه يعلم انه لا يتوقف الخيار على حصول النقل بل يتوقف على حصول البيع و قد حصل البيع فى الفضولى.

و حاصل الدفع الثانى (ب) هذا البيان الّذي ذكرناه (ان مقتضى ذلك) الّذي قاله «قيل» من توقف الخيار على النقل (عدم الخيار فى الصرف و السلم قبل القبض).

و الصرف هو بيع النقود، و السلم هو اعطاء الثمن فعلا و تأخير قبض المثمن، ضد النسيئة.

(مع ان هذا المعنى) اى عدم الخيار فى الصرف و السلم (لا يصح) فان الخيار موجود قطعا، و ان لم يكن قبض بعد.

ص: 84

على مذهب الشيخ القائل بتوقف الملك على انقضاء الخيار فالوجه فى عدم ثبوته للفضوليين فحوى ما تقدم من عدم ثبوته للوكيلين الغير المستقلين

نعم فى ثبوته للمالكين بعد الاجازة مع حضورهما فى مجلس العقد وجه و

______________________________

و قوله (على مذهب الشيخ القائل بتوقف الملك على انقضاء الخيار) متعلق ب «عدم الخيار» و لو كانت العبارة بتقديم و تأخير كان اوضح بان يقول: مقتضى ذلك عدم الخيار فى الصرف و السلم على مذهب الشيخ مع ان هذا المعنى لا يصح.

ثم انه اذا بطل الوجهان فى عدم ثبوت الخيار للفضوليين (فالوجه فى عدم ثبوته للفضوليين فحوى ما تقدم من عدم ثبوته للوكيلين الغير المستقلين) من ان الاسترداد فرع الرد، و الفضولى لا سلطة له فى الرد فلا سلطة له فى الاسترداد- بالبيان المتقدم-.

(نعم فى ثبوته) اى الخيار (للمالكين بعد الاجازة) اى بعد ان اجازا عقد الفضوليين (مع حضورهما فى مجلس العقد) ليتحقق خيار المجلس (وجه) قوى لصدق ادلة خيار المجلس على البيع بعد الاجازة.

و وجه عدم الخيار «كما يفهم من قوله وجه» ان عند البيع لا خيار، كما عرفت، و بعد الاجازة لم يتحقق بيع و انما تحقق النقل فقط، و الخيار تابع للبيع لا للنقل.

(و) هل اللازم ان يكون المالكان فى محل بيع الفضولى حتى يكون لهما الخيار، اذا اجازا العقد، أم العبرة بمجلس الاجازة، احتمالان.

ص: 85

اعتبار مجلس الاجازة على القول بالنقل له وجه خصوصا على القول بان الاجازة عقد مستأنف على ما تقدم توضيحه فى مسألة عقد الفضولى.

و يكفى حينئذ الانشاء اصالة فى احدهما، و الاجازة من الآخر اذا جمعهما مجلس عرفا.

______________________________

لكن (اعتبار مجلس الاجازة على القول بالنقل) و ان الاجازة ناقلة لا كاشفة (له وجه) لان البيع وقع الآن حين الاجازة لا وقت عقد الفضوليين فاذا حصل البيع الآن كان اعتبار الخيار عند مجلس الاجازة الّذي هو مجلس البيع حقيقة (خصوصا على القول بان الاجازة عقد مستأنف) لا ان العقد ما تقدم من عمل الفضوليين (على ما تقدم توضيحه) اى توضيح ان الاجازة عقد مستأنف (فى مسألة عقد الفضولى) فراجع.

(و يكفى حينئذ) اى حين كانت الاجازة قائمة مقام البيع (الانشاء اصالة من احدهما، و الاجازة من الآخر اذا جمعهما مجلس عرفا).

مثلا زيد و عمرو المالكان و بكر فضولى، فباع زيد لبكر بثمن لعمرو، و كان عمرو حاضرا فى المجلس فاجاز عمرو، فانه اذا اجاز كان لكل من زيد و عمرو خيار المجلس.

و قوله «جمعهما» ضميره يرجع الى «الاصيل و المجيز».

و يحتمل ان يريد المصنف ب «جمعهما مجلس» كفاية ان يكون «الاصيل و المجيز فى مجلس حال الاجازة».

مثلا لو باع الاصيل و الفضولى البارحة، ثم اجتمع الاصيل و المجيز اليوم فى مجلس و قال المجيز للاصيل اجزت بيع البارحة، فان هذا

ص: 86

نعم يحتمل فى اصل المسألة ان تكون الاجازة فى المجيز التزاما بالعقد، فلا خيار بعدها خصوصا اذا كانت بلفظ: التزمت فتأمل.

و لا فرق فى الفضوليين بين الغاصب و غيره.

فلو تبايع غاصبان، ثم تفاسخا لم يزل العقد عن قابلية لحوق الاجازة

______________________________

المجلس يعتبر مجلس البيع، و يكون لهما الخيار فى هذا المجلس.

(نعم يحتمل فى اصل المسألة) اى مسألة بيع الفضولى ان لا يكون خيار اصلا، لاحتمال (ان تكون الاجازة من المجيز التزاما بالعقد، فلا خيار بعدها) اى بعد الاجازة، لا انه لا بيع الآن، و لا خيار قبل الاجازة لما سبق من عدم تسلط الفضولى على ما انتقل فلا تسلط له على الاسترداد (خصوصا اذا كانت) الاجازة (بلفظ: التزمت) حيث انها ليست بيعا، و انما هو التزام بيع سابق (فتأمل).

اذ لا وجه لعدم الخيار بعد الاجازة، فانها كالبيع، و لو كانت بلفظ: التزمت

(و لا فرق فى الفضوليين بين الغاصب و غيره) لوحدة ما تقدم من الادلة فى كلا قسمى الفضولى.

(فلو تبايع غاصبان، ثم تفاسخا لم يزل العقد عن قابلية لحوق الاجازة)

ص: 87

بخلاف ما لو ردّ الموجب منهما قبل قبول الآخر لاختلال صورة المعاقدة و الله العالم.

______________________________

اذ لا حق لهما فى التفاسخ فاذا اجاز المالكان انتقل الملك (بخلاف ما لو ردّ الموجب منهما قبل قبول) الفضولى (الآخر) فله حق الرد.

و لا يمكن ان يلحق بيعهما على تقدير قبول الفضول الثانى البيع بعد ردّ الفضول الاول لا يجاب نفسه الاجازة من الملك (لاختلال صورة المعاقدة) بالردّ قبل قبول الآخر (و الله) سبحانه (العالم) بحقائق الاحكام.

ص: 88

مسئلة [هل يثبت الخيار إذا كان العاقد واحدا؟]

لو كان العاقد واحدا لنفسه، او غيره عن نفسه، او غيره ولاية او وكالة على وجه يثبت له الخيار مع التعدد بان كان وليا او وكيلا مستقلا فى التصرف.

______________________________

(مسألة: لو كان العاقد واحدا) فله صور ثلاث.

لانه اما ان يكون احد من الثمن او المثمن له، أولا، بان كان كلاهما للغير فقد يبيع محمد داره لولده الصغير، و قد يشترى دار ولده لنفسه و قد يبيع دار ولده لولده الآخر مثلا.

فقوله (لنفسه، او غيره عن نفسه، او غيره) ليس اقساما أربعة.

اذ لا يعقل شرائه لنفسه عن نفسه.

فقوله «عن نفسه او غيره» متعلق بالقسمين الاولين فى الجملة.

و الحاصل انى شريت الدار «لنفسى» او «ولدى» كما قال لنفسه او غيره، و كان البائع للغير «نفسى او ولدى».

و ان شئت قلت: ان «عن نفسه او غيره» متعلق ب «غيره» فقط.

و قوله: (ولاية او وكالة) متعلق ب «غيره» فى المقامين، و كان العقد (على وجه يثبت له) اى للعاقد (الخيار مع التعدد) اى تعدد العاقد (بان كان) العاقد (وليا او وكيلا مستقلا فى التصرف).

اذ لو لم يثبت الخيار للعاقد كما لو كان وكيلا عن الجانبين فى مجرد اجراء اللفظ، لم يكن له خيار كما تقدم فى المسألة السابقة.

ص: 89

فالمحكى عن ظاهر الخلاف و القاضى و المحقق و العلامة و الشهيدين و المحقق الثانى و المحقق الميسى و الصيمرى و غيرهم ثبوت هذا الخيار له عن الاثنين لانه بائع و مشترى فله ما لكل منهما كسائر احكامها الثابتة لهما من حيث كونهما متبايعين.

و احتمال كون الخيار لكل منهما بشرط انفراده بانشائه فلا يثبت مع قيام العنوانين

______________________________

(فالمحكى عن ظاهر الخلاف و القاضى و المحقق و العلامة و الشهيدين و المحقق الثانى) صاحب جامع المقاصد (و المحقق الميسى و الصيمرى و غيرهم ثبوت هذا الخيار له) اى للعاقد (عن الاثنين) سواء كان احدهما نفسه، او كان كلاهما غيره.

و انما يكون له الخيار عن الاثنين (لانه بائع و مشترى فله ما لكل منهما) من الخيار (كسائر احكامها) اى احكام المعاملة (الثابتة لهما) اى للبائع و المشترى (من حيث كونهما متبايعين) مثل انه اذا كان صرفا او سلما، لزم القبض فى المجلس.

و قوله «من حيث» لاخراج ما هو واضح من ان احكام المتبايعين لا من هذا الحيث لا ترتبط بالمقام، فهو قيد توضيحى.

(و) ان قلت: ظاهر ادلة الخيار ان يكون حينما يكون البائع غير المشترى؛ لا فيما اذا اتحدا.

قلت: (احتمال كون الخيار لكل منهما بشرط انفراده بانشائه) اى اذا كان منفردا فى إنشاء البيع (فلا يثبت) الخيار (مع قيام العنوانين)

ص: 90

لشخص واحد، مندفع، باستقرار سائر احكام المتبايعين.

و جعل الغاية التفرق المستلزم للتعدد مبنى على الغالب خلافا للمحكى فى التحرير، من القول بالعدم، و استقر به فخر الدين و مال إليه المحقق الاردبيلى، و الفاضل الخراسانى و المحدث البحرانى و استظهره

______________________________

البائع و المشترى (لشخص واحد) كما فى ما نحن فيه (مندفع) هذا الاحتمال (باستقرار سائر احكام المتبايعين) فى المقام.

فكيف توجد سائر الاحكام و لا يوجد الخيار، و التفكيك و ان لم يكن مستحيلا، الا انه خلاف ظاهر الادلة، حيث انها مطلقة تشمل تعدد العاقد و وحدته.

(و) ان قلت: يمكن وجود سائر الاحكام، لكن وجود الخيار خلاف الظاهر، اذ قد جعل فى نص الخيار الغاية «بالتفرق» حيث قال عليه السلام «حتى يفترقا» و الانسان الواحد لا يمكن افتراقه، فحيث لا غاية، فلا مغىّ الّذي هو الخيار.

قلت: (جعل الغاية التفرق المستلزم للتعدد) لا يضرّ، لانه (مبنى على الغالب) من تعدد العاقد، و الغلبة لا توجب تقييد المطلق (خلافا للمحكى فى التحرير، من القول بالعدم) و انه لا خيار مجلس للعاقد الواحد (و استقر به) اى قال: انه الاقرب (فخر الدين) ولد العلامة (و مال إليه المحقق الاردبيلى، و الفاضل الخراسانى) صاحب الذخيرة و الكفاية (و المحدث البحرانى) صاحب الحدائق (و استظهره) اى قال:

انه الا ظهر.

ص: 91

بعض الافاضل ممن عاصرناهم، و لا يخلو عن قوة بالنظر الى ظاهر النص لان الموضوع فيه و الغاية فيه الافتراق المستلزم للتعدد، و لولاها لامكن استظهار كون التعدد فى الموضوع لبيان حكم كل من البائع و المشترى كسائر احكامهما، اذ لا يفرق العرف بين قوله: المتبايعان كذا، و قوله لكل من البائع و المشترى، الا ان التقييد بقوله: حتى يفترقا، ظاهر فى اختصاص الحكم

______________________________

(بعض الافاضل ممن عاصرناهم) الشيخ التسترى صاحب المقابيس (و لا يخلو عن قوة بالنظر الى ظاهر النص) الّذي ذكر «حتى يفترقا».

و ان كان الاقوى ثبوت الخيار بالنظر الى المناط الموجب لحمل النص على الغالب (لان الموضوع فيه) اى فى النص (صورة التعدد) اى تعدد العاقد حيث قال: البيعان (و الغاية فيه) اى فى النص (الافتراق المستلزم للتعدد) اذ لو لا التعدد لم يمكن الافتراق (و لولاها) اى لو لا الغاية «حتى يفترقا» (لامكن استظهار كون التعدد فى الموضوع)- البيعان- كما فى النص (لبيان حكم كل من البائع و المشترى كسائر احكامهما) و انه لا خصوص للتعدد او الوحدة.

و انما امكن الاستظهار المذكور (اذ لا يفرق العرف بين قوله:

المتبايعان كذا، و) بين (قوله لكل من البائع و المشترى) كذا حكم.

و حيث ان العبارة الثانية تشمل المتعدد و المتحد، كذلك تشملها العبارة الاولى (الا) مربوط بقوله «و لولاها» (ان التقييد) لقوله «البيعان بالخيار» (بقوله: حتى يفترقا، ظاهر فى اختصاص الحكم) اى

ص: 92

بصورة امكان فرض الغاية، و لا يمكن فرض التفرق فى غير المتعدد.

و منه يظهر سقوط القول بان كلمة حتى تدخل على الممكن و المستحيل الا ان يدعى ان التفرق غاية مختصة بصورة التعدد، لا مخصصة للحكم بها و بالجملة فحكم المشهور بالنظر الى ظاهر اللفظ مشكل.

______________________________

حكم «بالخيار» فى صدر الرواية (بصورة امكان فرض الغاية) اى التفرق (و) الحال انه (لا يمكن فرض التفرق فى غير المتعدد) و اذا سقط القيد سقط المقيد الّذي هو الحكم بالخيار.

(و) ان قلت: من الممكن القول بالخيار بدون غاية له، اذ كلمة «حتى» تدخل على الممكن مثل «سَلٰامٌ هِيَ حَتّٰى مَطْلَعِ الْفَجْرِ» و على المستحيل، مثل «لٰا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّٰى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيٰاطِ»

قلت: (منه) اى مما ذكرنا من انه حيث لا قيد فلا مقيد (يظهر سقوط القول بان كلمة حتى تدخل على الممكن و المستحيل).

وجه الظهور ان دخول حتى على المستحيل لا ينكر، و انما الكلام انه اذا كانت الغاية مفقودة فلا مغيا (الا ان يدعى) فى وجه وجود الخيار و ان لم تكن غاية التفرق (ان التفرق غاية مختصة بصورة التعدد) فى المتعاقدين (لا مخصصة للحكم بها) اى لحكم الخيار بهذه الصورة.

(و بالجملة فحكم المشهور) بالخيار فى صورة وحدة المشترى و البائع (بالنظر الى ظاهر اللفظ) الّذي فيه «حتى» (مشكل) لما عرفت من احتمال كون «حتى تخصيصا».

ص: 93

نعم لا يبعد بعد تنقيح المناط.

لكن الاشكال فيه و الاولى التوقف، تبعا للتحرير، و جامع المقاصد.

ثم لو قلنا بالخيار فالظاهر بقائه الى ان يسقط باحد المسقطات غير التفرق.

______________________________

(نعم لا يبعد) الحكم المذكور (بعد تنقيح المناط) و انه لا فرق بين الوحدة و التعدد فى ان الحكمة تدارك الندم، و هو كما يكون فى الاثنين يكون فى الواحد.

(لكن الاشكال فيه) اى فى المناط (و الاولى) عند المصنف (التوقف تبعا للتحرير، و جامع المقاصد) و ان كان الاظهر القول بالخيار- عندنا-

(ثم لو قلنا بالخيار فالظاهر بقائه الى) مدة عرفية، لان الدليل لا يدل على ازيد من ذلك، كما اذا حبس شخصان فى مكان فعقدا، او كان اثنان متصلان خلقة فعقدا.

اما قوله بالبقاء الى (ان يسقط باحد المسقطات) كالتصرف (غير التفرق) ففيه نظر.

اذ الدليل منزل على المتعارف الّذي لا يدوم نحو سنة او شهر، و الله سبحانه العالم.

ص: 94

مسئلة قد يستثنى بعض اشخاص المبيع عن عموم ثبوت هذا الخيار.

منها: من ينعتق على احد المتبايعين.

و المشهور، كما قيل عدم الخيار مطلقا.

بل عن ظاهر المسالك انه محل وفاق، و احتمل فى الدروس ثبوت الخيار للبائع.

______________________________

(مسألة: قد يستثنى بعض اشخاص المبيع عن عموم ثبوت هذا الخيار) فليس فيها خيار المجلس.

(منها: من ينعتق على احد المتبايعين) كالاب مثلا، فاذا انتقل الى الولد سواء كان ثمنا او مثمنا لم يكن له فيه الخيار.

(و) ذلك على (المشهور، كما قيل) لا لدليل خاص، بل (عدم الخيار) لاجل محذور فى الخيار (مطلقا) لا للبائع و لا للمشترى فليس له الاخذ بالخيار، لا بان يرده و لا بأن يأخذ بدله.

(بل عن ظاهر المسالك انه محل وفاق) بين العلماء (و احتمل فى الدروس ثبوت الخيار للبائع) الّذي نقل العبد الى المشترى «فيما كان المشترى ابنا للعبد مثلا» و هذا الكلام فى قبال قوله «مطلقا».

و عليه فالاقوال و الاحتمالات فى المسألة ثلاثة، عدم الخيار مطلقا و الخيار مطلقا و ينتقل الى البدل، و الخيار للبائع لا للمشترى فيما اذا باع مولى العبد للمشترى الّذي كان العبد أبا للمشترى مثلا.

ص: 95

و الكلام فيه مبنى على قول المشهور، من عدم توقف الملك على انقضاء الخيار.

و الا فلا اشكال فى ثبوت الخيار و الظاهر انه لا اشكال فى عدم ثبوت الخيار بالنسبة الى نفس العين.

______________________________

(و) لا يخفى انهم اختلفوا فى ان الملك يحصل للمتبايعين بمجرد العقد، كما هو المشهور او ان الملك يحصل لهما بعد انقضاء الخيار، فبين العقد و بين انقضاء الخيار لا ملك لاحدهما على ما انتقل إليه.

اذا عرفت ذلك نقول (الكلام فيه) اى فى انه لا خيار مطلقا، او ان البائع له خيار (مبنى على قول المشهور، من عدم توقف الملك على انقضاء الخيار) فانهم بعد هذا المبنى اختلفوا فى عدم الخيار مطلقا، او وجود الخيار للبائع.

(و الا) نقول بمقالة المشهور، بل قلنا: بان الملك بعد انقضاء الخيار (فلا اشكال فى ثبوت الخيار) حتى للمشترى المنتقل إليه ابوه بالبيع.

اذ بعد العقد لم يملك المشترى اباه و اذا لم يملكه لم ينعتق عليه، فله ان يأخذ بالخيار و يرد البيع فى المجلس.

ثم اللازم ان يتكلم فى ثبوت الخيار و عدمه فى مقامين.

الاول: بالنسبة الى الخيار فى العين (و الظاهر انه لا اشكال فى عدم ثبوت الخيار بالنسبة الى نفس العين) فلا خيار للبائع فى الاسترداد و لا خيار للمشترى فى الرد اذا كان المبيع أبا للمشترى مثلا.

ص: 96

لان مقتضى الادلة الانعتاق بمجرد الملك.

و الفسخ بالخيار من حينه لا من اصله و لا دليل على زواله بالفسخ مع قيام الدليل على عدم زوال الحرية بعد تحققها، الا على احتمال ضعّفه فى التحرير، فيما لو ظهر من ينعتق عليه معيبا، مبنى على تزلزل العتق.

______________________________

(لان مقتضى الادلة الانعتاق بمجرد الملك) فكيف يسترد او يرد ما خرج عن الملك.

(و) ان قلت: الفسخ يقع من حين البيع فيتقدم الفسخ على الملك «الملك المتقدم على الانعتاق».

قلت: (الفسخ بالخيار من حينه) اى حين الفسخ (لا من اصله) اى اصل البيع، فانه اذا كان من اصله كان الفسخ قبل الانعتاق (و لا دليل على زواله) اى الانعتاق (بالفسخ) ليرجع الحرّ عبدا (مع قيام الدليل على عدم زوال الحرية بعد تحققها) و الدليل هو الاستصحاب، بل و ما دلّ على ان الحرّ لا يكون عبدا فانه شامل لمن كان حرا من الاصل او صار حرا بالعارض (الا) استثناء من قوله: مع قيام الدليل (على احتمال ضعّفه) العلامة (فى التحرير، فيما لو ظهر من ينعتق عليه معيبا).

و ذلك الاحتمال (مبنى على تزلزل العتق) فانه قال بعضهم: اذا ظهر العبد معيبا كان للمشترى الّذي انعتق العبد عليه ان يرد العبد، لانه و ان تحرّر العبد بمجرد شرائه، الا ان تحرره كان متزلزلا بعدم العيب فاذا ظهر فيه عيب زال الانعتاق، و رجع عبدا، فكان للمشترى ان برده

ص: 97

و اما الخيار بالنسبة الى اخذ القيمة.

فقد يقال: مقتضى الجمع بين ادلة الخيار، و دليل عدم عود الحرّ الى الرقية فيفرض المعتق كالتالف، فلمن انتقل إليه ان يدفع القيمة، و يسترد الثمن.

______________________________

لكن العلامة ضعف هذا الاحتمال.

و كيف كان فاذا قلنا: بهذا الاحتمال، كان جاريا فى ما نحن فيه أيضا، اى فى خيار المجلس بان يقال: ان العبد بمجرد الاشتراء ينعتق لكنه عتق متزلزل، فاذا اخذ المشترى بخيار المجلس بطل الانعتاق، و رجع عبدا.

هذا كله بالنسبة الى ابطال الخيار للبيع بحيث يرجع العبد رقا.

(و اما الخيار بالنسبة الى اخذ القيمة) فاذا ابطل المشترى العقد و لم يمكنه ارجاع العبد، لانه قد تحرر، فله ان يسترجع ما اعطاه للبائع و يرد على البائع قيمة العبد.

(فقد يقال) انه (مقتضى الجمع بين ادلة الخيار) الدالة على بقاء الخيار ما دام فى المجلس (و) بين (دليل عدم عود الحرّ الى الرقية) فلا يمكن ردّه لكن يمكن رد قيمته (فيفرض المعتق)- بالفتح- اى العبد (كالتالف) فى انه لا يرد عينه، لكن يرد قيمته (فلمن انتقل) العبد (إليه) كالمشترى (ان يدفع) الى البائع (القيمة، و يسترد الثمن).

مثلا: اشتراه بالف ثم ندم، فانه يسترد الفه و يقومه الآن فقد تكون قيمته الآن خمسمائة- للتنزل الطارئ سوقا- فيعطى الى البائع

ص: 98

و ما فى التذكرة: من انه وطن نفسه على الغبن المالى، و المقصود من الخيار ان ينظر، و يتروى لدفع الغبن عن نفسه ممنوع.

لان التوطين على شرائه عالما بانعتاقه عليه ليس توطينا على الغبن من حيث المعاملة، و كذا لمن انتقل عنه ان يدفع الثمن و يأخذ القيمة.

و ما فى التذكرة من تغليب

______________________________

خمسمائة (و ما فى التذكرة: من انه وطن نفسه على الغبن المالى) حيث انه اشتراه و هو يعلم بانه ينعتق عليه، فيعلم بانه لو كان مغبونا لم يكن له تدارك غبنه بالفسخ، فلا حق له فى الفسخ، ليسترد الثمن (و) يرد القيمة.

اذ (المقصود من الخيار ان ينظر، و يتروى لدفع الغبن عن نفسه).

فاذا اقدم على الغبن لا مجال للخيار (ممنوع).

(لان التوطين على شرائه عالما بانعتاقه عليه) قهرا (ليس توطينا على الغبن من حيث المعاملة) و ان كان توطينا على الانعتاق.

فعدم الخيار بتعليل انه اقدم على الغبن غير صحيح.

مضافا الى انه ربما لا يعلم بان العبد ينعتق عليه، فلا توطين اصلا.

هذا كله فى فسخ المشترى ليسترد الثمن و يرد القيمة (و كذا لمن انتقل عنه) العبد كالبائع (ان) يفسخ بخيار المجلس، ف (يدفع الثمن و يأخذ القيمة) فيما لو كانت القيمة اكثر من الثمن، لارتفاع قيمة العبد سوقيا مثلا-.

(و) لا يخفى ان (ما فى التذكرة من) المنع عن الفسخ، ل (تغليب

ص: 99

جانب العتق انما يجدى مانعا عن دفع العين.

لكن الانصاف انه لا وجه للخيار لمن انتقل إليه لان شرائه اتلاف له فى الحقيقة، و اخراج له عن المالية.

و سيجي ء سقوط الخيار بالاتلاف، بل بادنى تصرف.

فعدم ثبوته به اولى.

______________________________

جانب العتق) غير وارد.

لانه (انما يجدى) هذا الاشكال (مانعا عن دفع العين) و لا نقول به بل نقول بدفع القيمة و دفع القيمة لا يصطدم بالعتق.

(لكن الانصاف) عند المصنف (انه لا وجه للخيار لمن انتقل إليه) العبد كالمشترى (لان شرائه اتلاف له فى الحقيقة، و اخراج له عن المالية).

و لا فرق بين الاتلاف حقيقة و بين الاتلاف شرعا.

(و سيجي ء سقوط الخيار بالاتلاف، بل بادنى تصرف) فى ما انتقل إليه.

(فعدم ثبوته) اى الخيار (به) اى بالاتلاف (اولى) من عدم ثبوت الخيار بالتصرف.

لكن الظاهر ان القول بالخيار و ردّ القيمة اصح، اذ الانعتاق ليس اتلافا و تصرفا، فالدليل الدال على ان الاتلاف و التصرف يسقطان الخيار لا يشمله.

ص: 100

و منه يظهر عدم ثبوت الخيار لمن انتقل عنه، لان بيعه ممن ينعتق عليه اقدام على اتلافه و اخراجه عن المالية.

و الحاصل انا اذا قلنا: ان الملك فيمن ينعتق عليه تقديرى لا حقيقى فالمعاملة عليه من المتبايعين مواطاة على اخراجه عن المالية، و سلكه فى سلك ما لا يتمول.

لكنه حسن من علمهما.

______________________________

(و منه) اى مما ذكرنا فى عدم خيار المشترى (يظهر عدم ثبوت الخيار لمن انتقل عنه) العبد كالبائع (لان بيعه ممن ينعتق عليه اقدام على اتلافه و اخراجه عن المالية) فهو اقدم على اسقاط خيار نفسه بعلمه ان ما يبيعه يتلف و ينعدم.

و قد ظهر بالاشكال فى ما ذكره المشترى الاشكال فيما ذكره هنا فى البائع.

(و الحاصل) فى بيان عدم خيار البائعين فى المقام (انا اذا قلنا:

ان الملك فيمن ينعتق عليه) كالمشترى مثلا (تقديرى لا حقيقى) فلا اثر للبيع الا الاعتاق، و لا اثر له فى ملك المشترى له (فالمعاملة عليه) اى على من ينعتق (من المتبايعين مواطاة) و تبان (على اخراجه عن المالية و سلكه) اى ادخاله (فى سلك ما لا يتمول) و مثله لا خيار فيه، لا لهذا و لا لذاك.

اما اذا قلنا ان الملك حقيقى، فاللازم القول بوجود الخيار فيه.

(لكنه) اى عدم الخيار (حسن من علمهما) بذلك ليتحقق المواطاة

ص: 101

فتأمل.

و قد يقال: ان ثبوت الخيار لمن انتقل عنه مبنى على ان الخيار و الانعتاق هل يحصلان بمجرد البيع، او بعد ثبوت الملك آنا مّا، او الاول بالاول، و الثانى بالثانى او العكس.

فعلى الاولين و الاخير يقوى القول بالعدم، لا نصية اخبار العتق.

______________________________

و الا فان جهلا فلا مواطاة، و لا يكون وجه بعدم الخيار، كما انه اذا جهل احدهما لا وجه لعدم خياره (فتأمل).

لعله اشارة الى بعض ما ذكرناه من الاشكال.

و كيف كان فالاظهر الخيار حتى مع علمهما.

(و قد يقال) و القائل صاحب المقابيس (ان ثبوت الخيار لمن انتقل عنه) العبد كالبائع (مبنى على ان الخيار و الانعتاق هل يحصلان بمجرد البيع، او) انهما يحصلان (بعد ثبوت الملك آنا مّا، او) يحصل (الاول) الخيار (بالاول) بمجرد البيع (و الثانى) الانعتاق (بالثانى) بعد ثبوت الملك آنا مّا (او) يحصل (العكس) فالخيار يحصل بعد ثبوت الملك آنا مّا و الانعتاق يحصل بمجرد البيع.

(فعلى) ثلاث احتمالات (الاولين و الاخير يقوى القول بالعدم) اى بعدم الخيار مطلقا لا فى العين و لا فى القيمة (لأنصية اخبار العتق) من اخبار الخيار، فتقدم اخبار العتق على اخبار الخيار- و هذا وجه عدم الخيار فى العين- و وجه الأنصية لقوة ادلة انعتاق العمودين (الآباء و الابناء) ان الحرية سريعة التأثير، كما قرر فى كتاب العتق.

ص: 102

و كون القيمة بدل العين، فيمتنع استحقاقها من دون المبدل و لسبق تعلقه على الاخير.

و يحتمل قريبا الثبوت جمعا بين الحقين و دفعا للمنافات من البين و عملا بالنصين، و بالاجماع

______________________________

(و) اما وجه عدم الخيار فى القيمة فلما ذكره بقوله: و (كون القيمة بدل العين، فيمتنع استحقاقها) اى القيمة (من دون المبدل) الّذي هو العين.

و ذلك لوضوح ان البدل قائم مقام المبدل، فاذا لم يكن مبدل، لم يقم شي ء مقامه.

ثم ذكر وجها آخر لعدم القيمة بقوله: (و لسبق تعلقه) اى تعلق الانعتاق بالعين على تعلق حق الخيار بها، بناء (على) الوجه (الاخير) من حصول العتق بالعقد، و الخيار بالملك، فانه بمجرد العقد عتق، فلم يرد عليه الخيار، حتى يكون له بدل هو القيمة.

(و يحتمل قريبا الثبوت) للخيار بالنسبة الى القيمة دون العين (جمعا بين الحقين) حق الخيار و حق الانعتاق (و دفعا للمنافات من البين).

اذ لا منافاة من ان لا يكون له خيار فى العين، و يكون له خيار فى القيمة (و عملا بالنصين) دليل الخيار و دليل الانعتاق بمجرد الشراء.

ثم عطف على قوله «جمعا» قوله: (و بالاجماع) فهو دليل آخر للخيار فى القيمة.

ص: 103

على عدم امكان زوال يد البائع عن العوضين.

و تنزيلا للفسخ منزلة الارش مع ظهور عيب فى احدهما.

و للعتق بمنزلة تلف العين.

______________________________

و حاصله انه قام الاجماع (على عدم امكان زوال يد البائع عن العوضين) العبد و قيمته «اى المعوض و العوض».

و حينئذ فاذا فسخ البائع فاما ان يرجع إليه «العبد» و ذلك غير ممكن لانه انعتق.

و اما ان يرجع إليه «قيمته» و هذا لا محذور فيه، فاللازم القول به

(و) هناك دليل ثالث لاخذ القيمة، و هو انه اذا ظهر عيب فى احد العوضين، و لم يمكن الرد، لتصرف مثلا، اخذ الفاسخ الارش و القيمة هنا «فى بيع العبد» نازلة منزلة الارش.

فاذا لم يمكن استرداد البائع الفاسخ لنفس العبد، كان له اخذ القيمة (تنزيلا ل) اثر (الفسخ) فى المقام، و اثر الفسخ هو اخذ القيمة (منزلة الارش مع ظهور عيب فى احدهما) اى فى المبيع او الثمن.

(و) هناك دليل رابع لاخذ القيمة، و هو انه اذا تلف الشي ء الّذي فيه العيب، كان للفاسخ ان يطلب الطرف بالتدارك للعيب فانه و ان لم يمكنه ارجاع المعيب التالف لكنه يمكنه طلب التدارك، و فى المقام كذلك تنزيلا (للعتق بمنزلة تلف العين).

اقول و يمكن توجيه قوله «تنزيلا» الخ بمعنى غير ما ذكرناه لكن ما ذكرناه اظهر.

ص: 104

و لانهم حكموا بجواز الفسخ و الرجوع الى القيمة فيما اذا باع بشرط العتق، فظهر كونه ممن ينعتق على المشترى، او تعيب بما يوجب ذلك.

و الظاهر عدم الفرق بينه و بين المقام.

______________________________

(و) هناك دليل خامس لاخذ القيمة هو وجود مثل مسألة الانعتاق فى كلامهم، و لم يحكموا بعدم الخيار، بل قالوا بالخيار و الرجوع الى القيمة (لانهم حكموا بجواز الفسخ و الرجوع الى القيمة فيما اذا باع) البائع العبد (بشرط العتق، فظهر كونه ممن ينعتق على المشترى) فانه حيث لم يف المشترى بالشرط لحصول الانعتاق قبل ان ينعتق كان للبائع فسخ العقد، فاذا فسخ اخذ القيمة حيث لا يتمكن من ردّ نفس العين

و هناك مثال آخر لحكمهم بالقيمة، و هو ما ذكره بقوله: (او تعيب بما يوجب ذلك) اى الانعتاق، فان الانسان اذا اشترى عبدا فتعيب العبد ببعض العيوب انعتق تلقائيا، فاذا انعتق صار من تخلف الشرط «شرط عتق العبد» الّذي شرطه البائع على المشترى، فللبائع ان يفسخ بتخلف الشرط، فاذا فسخ اخذ القيمة.

(و الظاهر عدم الفرق بينه) اى بين حكمهم فى الموردين بالقيمة (و بين المقام) الّذي هو انعتاق العبد على المشترى لوحدة المناط فيهما.

فكما يرجع البائع فى الموردين الى القيمة، كذلك يرجع البائع الى القيمة فى المقام.

ص: 105

و على الثالث يتجه الثانى لما مر و لسبق تعلق حق الخيار و عروض العتق.

ثم قال: و حيث كان المختار فى الخيار انه بمجرد العقد، و فى العتق انه بعد الملك و دل ظاهر الاخبار، و كلام الاصحاب على

______________________________

(و على الثالث) و هو كون الخيار بالبيع و الانعتاق بعد ثبوت الملك

و هذا عطف على قوله «فعلى الاولين و الاخير» (يتجه الثانى) اى القول بالخيار حيث قال «و يحتمل قريبا الثبوت» (لما مر) فى قوله «جمعا بين الحقين الخ» فاذا فسخ اخذ القيمة (و لسبق تعلق حق الخيار، و عروض العتق) و السابق احق.

و لا يخفى ان قوله «و لسبق» تتميم لقوله «لما مر» لا انهما دليلان.

بيان ذلك ان تقدم حق الخيار يقتضي ان يكون له الخيار، لكن حيث دليل العتق موجود، لا يمكن رد العين فاللازم القول «بالقيمة» جمعا بين الحقين.

فقوله «لما مر» وجه القيمة.

و قوله «لسبق» وجه اصل الخيار، و قد كان من الاحسن ان يقول «لسبق تعلق ... الخ بضميمة ما مرّ من الجمع بين الحقين .. الخ».

(ثم قال) صاحب المقابيس (و حيث كان المختار فى الخيار انه بمجرد العقد، و فى العتق انه بعد الملك) لان العقد علة الخيار، و العتق انما يقع فى الملك (و دل ظاهر الاخبار، و كلام الاصحاب على

ص: 106

ان احكام العقود و الايقاعات تتبعها بمجرد حصولها اذا لم يمنع عنها مانع- من غير فرق بين الخيار و غيره- بل قد صرّحوا بان الخيار يثبت بعد العقد، و انه علة، و المعلول لا يتخلف عن علته كما ان الانعتاق لا يتخلف من الملك.

فالاقرب هو الاخير، كما هو ظاهر المختلف و التحرير و مال إليه الشهيد ان لم يثبت الاجماع على خلافه.

و يؤيده اطلاق الاكثر.

______________________________

ان احكام العقود) اى الاحكام المترتبة على العقود (و الايقاعات تتبعها) اى تتبع تلك الاحكام العقود و الايقاعات (بمجرد حصولها) اى حصول العقود و الايقاعات (اذا لم يمنع عنها) اى عن تلك الاحكام (مانع- من غير فرق) فى تلك الاحكام (بين الخيار و غيره-) من سائر الاحكام (بل قد صرّحوا بان الخيار يثبت بعد العقد) بلا فصل (و انه) اى العقد (علة، و المعلول) الّذي هو الخيار (لا يتخلف عن علته) لاستحالة تخلف المعلول عن العلة (كما ان الانعتاق) المعلول للملك (لا يتخلف من الملك) و لو بلحظة.

(فالاقرب هو الاخير) جواب «و حيث كان المختار».

و مراده «بالاخير» القول بالخيار و استرداد القيمة (كما هو) الخيار (ظاهر المختلف و التحرير و مال إليه الشهيد) الاول (ان لم يثبت الاجماع على خلافه) اى على خلاف الخيار.

(و يؤيده) اى يؤيد الخيار (اطلاق الاكثر) فانهم اطلقوا ان خيار

ص: 107

و دعوى ابن زهرة الاجماع على ثبوت خيار المجلس فى جميع ضروب المبيع من غير استثناء، انتهى كلامه رفع مقامه.

اقول ان قلنا: انه يعتبر فى فسخ العقد بالخيار او بالتقايل خروج الملك عن ملك من انتقل عنه نظرا الى ان خروج احد العوضين عن ملك احدهما يستلزم دخول

______________________________

المجلس فى كل عقد، فيشمل «البيع ممن ينعتق عليه».

(و دعوى ابن زهرة الاجماع على ثبوت خيار المجلس فى جميع ضروب المبيع) الشامل لما نحن فيه (من غير استثناء).

فان ابن زهرة لم يستثن بيع العبد ممن ينعتق عليه (انتهى كلامه رفع مقامه).

و قد اشكل المصنف على المقابيس أولا بقوله: (اقول) ان المقابيس قال «اذا قلنا بان الخيار بالعقد و الانعتاق عقيب الملك فللبائع الخيار»

و اشكل عليه المصنف بانه غير مستقيم و ذلك لان خيار البائع معناه استرداد ما اعطى و دفع الثمن.

و حيث ان العبد صار حرا لا يمكن للبائع استرداد ما اعطى و لذا فلا خيار له، فانه (ان قلنا: انه يعتبر فى فسخ العقد بالخيار او بالتقايل) بان يتراضيا به لفسخ، بدون ان يكون هناك خيار (خروج الملك عن ملك من انتقل عنه).

فالثمن يخرج من كيس البائع، و المثمن يخرج من كيس المشترى (نظرا الى ان خروج احد العوضين عن ملك احدهما يستلزم دخول)

ص: 108

الآخر فيه و لو تقديرا، لم يكن وجه للخيار فيما نحن فيه و لو قلنا بكون الخيار بمجرد العقد و الانعتاق عقيب الملك آنا ما اذ برفع العقد لا يقبل المنعتق عليه، لان يخرج من ملك المشترى الى ملك البائع و لو تقديرا اذ ملكية المشترى لمن ينعتق عليه ليس على وجه يترتب عليه سوى الانعتاق.

و لا يجوز تقديره بعد الفسخ قبل الانعتاق خارجا عن ملك المشترى

______________________________

العوض (الآخر فيه) اى فى ملك احدهما، لان المعاوضة معناها هذا الاستلزام (و لو) كان الدخول و الخروج (تقديرا) بان لم تكن العين موجودة، و انما قام بدلها «كالقيمة» مقام العين بعد ملك انا ما تقديرا (لم يكن وجه للخيار فيما نحن فيه).

قوله «لم يكن» جواب «ان» و «ما نحن فيه» هو بيع العبد ممن ينعتق عليه (و لو قلنا) «لو» وصلية (بكون الخيار بمجرد العقد و الانعتاق عقيب الملك آنا مّا) كما تقدم عن صاحب المقابيس (اذ برفع العقد) اى اسقاطه بالخيار (لا يقبل المنعتق عليه) اى العبد الّذي صار حرا (لان يخرج من ملك المشترى الى ملك البائع و لو تقديرا) و اذ لم يقبل، فلا خيار.

و انما «لا يقبل» (اذ ملكية المشترى لمن ينعتق عليه ليس على وجه يترتب عليه) شي ء اصلا (سوى الانعتاق) فليس هناك ملك تقديرى للبائع على العبد المنعتق حتى يبدّل بالقيمة.

(و لا يجوز تقديره) اى العبد- المنعتق- (بعد الفسخ) من البائع (قبل الانعتاق خارجا عن ملك المشترى

ص: 109

الى ملك البائع ثم انعتاقه مضمونا على المشترى كما لو فرض بيع المشترى للمبيع فى زمن الخيار ثم فسخ البائع.

و الحاصل: ان الفاسخ يتلقى الملك من المفسوخ عليه.

و هذا غير حاصل فى ما نحن فيه و ان قلنا ان الفسخ لا يقتضي ازيد

______________________________

الى ملك البائع ثم انعتاقه مضمونا على المشترى) حتى يبدّل بالقيمة (كما لو فرض بيع المشترى للمبيع فى زمن الخيار ثم فسخ البائع).

قوله «كما» مثال لما يمكن ان يفرض فيه الملك التقديرى، و هو ان المشترى اذا باع السلعة التى اشتراها شراء خياريا، ثم فسخ البائع المعاملة فانه يصح الخيار، اذ يفرض ان السلعة المبيعة دخلت فى ملك المشترى آنا ما، ثم تلفت مضمونة على المشترى، فيجب عليه اعطاء قيمتها للبائع حتى يسترد منه ثمنها.

و مثل هذا الملك التقديرى غير موجود فى انعتاق العبد اذ العبد لا يمكن تقدير رجوعه الى ملك المشترى آنا مّا، اذا الحر لا يعقل ان يكون عبدا.

(و الحاصل: ان الفاسخ) البائع للعبد- فى ما نحن فيه- (يتلقى الملك) كالعبد فى المثال (من المفسوخ عليه) المشترى و لو لم يكن هذا فلا خيار.

(و هذا) التلقى (غير حاصل فى ما نحن فيه) اذا العبد المنعتق لا يمكن تصور رجوعه الى ملك المشترى آنا مّا (و ان قلنا) عطف على «ان قلنا انه يعتبر» (ان الفسخ لا يقتضي ازيد

ص: 110

من ردّ العين ان كان موجودا، و بدله ان كان تالفا، او كالتالف و لا يعتبر فى صورة التلف امكان تقدير تلقى الفاسخ الملك من المفسوخ عليه و تملكه منه بل يكفى ان يكون العين المضمونة قبل الفسخ بثمنها مضمونة بعد الفسخ بقيمتها مع التلف، كما يشهد به الحكم بجواز الفسخ، و الرجوع الى القيمة فيما تقدم فى مسألة البيع بشرط العتق.

ثم ظهور المبيع منعتقا على المشترى

______________________________

من ردّ العين) استرداد البائع من المشترى (ان كان موجودا، و) ردّ (بدله ان كان تالفا او كالتالف).

مثل ما اذا باعه المشترى، او انعتق عليه، او القى فى البحر، او غصبه غاصب، فان كل هذه الامور تجعل العين كالتالف (و) قلنا:

(لا يعتبر فى صورة التلف) و كالتلف (امكان تقدير تلقى الفاسخ الملك من المفسوخ عليه) المشترى (و تملكه منه) عطف توضيح على قوله «تقدير»

كما ان قوله «و لا يعتبر» عطف توضيح على قوله «لا يقتضي» (بل يكفى ان يكون العين المضمونة قبل الفسخ بثمنها مضمونة بعد الفسخ بقيمتها مع التلف) فانه ان لم يفسخ البائع اخذ الثمن، و ان فسخ اخذ القيمة و المشترى ضامن لاحد الامرين على سبيل البدل (كما يشهد به) اى بما ذكرناه من قولنا «ان قلنا ان الفسخ .. الخ» و عدم الاحتياج الى الملك التقديرى (الحكم بجواز الفسخ، و الرجوع الى القيمة فيما تقدم فى مسألة البيع بشرط العتق).

(ثم ظهور المبيع منعتقا على المشترى) مع ان العبد المنعتق لا يرجع

ص: 111

و حكمهم برجوع الفاسخ الى القيمة لو وجد العين منتقلة بعقد لازم مع عدم امكان تقدير عود الملك قبل الانتقال الّذي هو بمنزلة التلف الى الفاسخ كان الاوفق بعمومات الخيار القول به هنا، و الرجوع الى القيمة الا مع اقدام المتبايعين على المعاملة مع العلم بكونه ممن ينعتق عليه.

فالاقوى العدم لانهما قد تواطئا على اخراجه عن المالية الّذي هو

______________________________

آنا مّا «تقديرا» الى ملك المشترى، بل (و حكمهم برجوع الفاسخ) البائع (الى القيمة لو وجد العين منتقلة بعقد لازم، مع) وضوح (عدم) ملك آنا مّا، لعدم (امكان تقدير عود الملك قبل الانتقال) من المشترى الى المشترى الثانى (الّذي هو بمنزلة التلف).

قوله «الّذي» صفة «انتقال» (الى الفاسخ) البائع، و «الى» متعلق ب «عود» (كان الاوفق بعمومات الخيار) الشاملة لكل بيع، حتى بيع العبد ممن ينعتق عليه، و «كان» جواب «و ان قلنا ان الفسخ .. الخ» (القول به هنا) فى بيع العبد ممن ينعتق عليه (و الرجوع) اى رجوع البائع الفاسخ (الى القيمة) حيث يتعذر العين لتحرر العبد (الا مع اقدام المتبايعين على المعاملة) اقداما (مع العلم) اى علمهما (بكونه) اى كون العبد (ممن ينعتق عليه) اى على المشترى- مثلا-.

(فالاقوى) فى صورة علمهما بانعتاقه (العدم) اى عدم الخيار.

و وجه عدم الخيار مع علمهما (لانهما قد تواطئا) تواطئا واقعيا (على اخراجه) اى العبد (عن المالية) لانه باع و هو يعلم انه يخرج عن المالية و المشترى اشترى و هو يعلم انه يخرج عن المالية (الّذي هو) اى البيع

ص: 112

بمنزلة اتلافه.

و بالجملة: فان الخيار حق فى العين، و انما يتعلق بالبدل بعد تعذره لا ابتداء.

فاذا كان نقل العين ابطالا لماليته و تفويتا لمحل الخيار كان كتفويت نفس الخيار باشتراط سقوطه فلم يحدث حق فى العين حتى

______________________________

(بمنزلة اتلافه).

لكنك عرفت سابقا ان التواطؤ على الاتلاف لا يستلزم سقوط الخيار بعد الاطلاقات.

(و بالجملة: فان الخيار حق فى العين، و انما يتعلق) هذا الحق (بالبدل) للعين كالقيمة (بعد تعذره) اى تعذر العين.

و لا يخفى ان «العين» مؤنث سماعا، و انما استعملها الشيخ مذكرا بتأويل لفظ «الشي ء» (لا ابتداء) اذا فاللازم ان يتعلق حق الخيار بالعين، و اذا لم يمكن تعلقه بالعين لم يكن وجه لتعلقه ببدل العين

(فاذا كان نقل العين) كبيع العبد ممن ينعتق عليه (ابطالا لماليته و تفويتا لمحل الخيار).

و المراد بمحل الخيار «العين» فانه اذا باع العبد بمن ينعتق عليه كان ابطالا لمالية العبد، لانه ينعتق فورا (كان كتفويت نفس الخيار باشتراط سقوطه) فانه اذا باع بشرط عدم الخيار لم يكن خيار كذلك اذا باع بما يعلم انه يخرج عن المالية فورا.

و عليه (فلم يحدث حق فى العين) اى العبد (حتى) اذا تعذرت

ص: 113

يتعلق ببدله.

و قد صرح بعضهم بارتفاع خيار البائع باتلاف المبيع و نقله الى من ينعتق عليه كالاتلاف له من حيث المالية.

فدفع الخيار به اولى و اهون من رفعه، فتأمل.

و منها: العبد

______________________________

العين (يتعلق) ذلك الحق (ببدله) اى ببدل العين.

(و قد صرح بعضهم بارتفاع خيار البائع باتلاف المبيع) اى ما لو اتلف نفس البائع المبيع لانه فوّت محل الخيار (و نقله الى من ينعتق عليه كالاتلاف له) «نقله» مبتدأ و «كالاتلاف» خبره (من حيث المالية) «من» بيان «كالاتلاف».

فان الاتلاف اذهاب العين و «النقل الى من ينعتق عليه» اذهاب القيمة.

(فدفع الخيار به) اى بالبيع ممن ينعتق عليه بان يقال: انه لا خيار اصلا (اولى و اهون من رفعه) بان يقال: حدث الخيار، لكنه ارتفع بسبب الانعتاق.

و انما كان اولى لانه لا فائدة فى جعل خيار لا اثر له اصلا، لفرض انه لا يمكن ان يؤخذ بمثل هذا الخيار (فتأمل).

اذ كون الدفع اهون من الرفع ليس الا امرا اعتباريا، فلا يمكن ان يكون مستندا لحكم شرعى.

(و منها) اى من موارد الاستثناء عن حكم خيار المجلس (العبد

ص: 114

المسلم المشترى من الكافر بناء على عدم تملك الكافر للمسلم اختيار فانه قد يقال: بعدم ثبوت الخيار لاحدهما.

اما بالنسبة الى العين، فلفرض عدم جواز تملك الكافر للمسلم، و تمليكه اياه.

و اما بالنسبة الى القيمة فلما تقدم من ان الفسخ يتوقف على رجوع العين الى مالكه الاصلى، و لو تقدير التكون

______________________________

المسلم المشترى من الكافر) فانه لا خيار، لا للكافر و لا للمسلم فى رده بخيار المجلس (بناء على عدم تملك الكافر للمسلم اختيارا).

نعم يملكه اضطرارا، كما اذا كان لكافر عبد كافر، فاسلم العبد فانه يملكه قبل ان يباع عليه، بلا اشكال.

ففى رواية حمّاد عن الصادق عليه السلام ان امير المؤمنين عليه السلام اتى بعبد ذمّى قد اسلم، قال اذهبوا فبيعوه من المسلمين، و ادفعوا ثمنه لصاحبه، و لا تقروه عنده (فانه قد يقال: بعدم ثبوت الخيار لاحدهما) لا البائع الكافر، و لا المسلم المشترى.

(اما بالنسبة الى) عدم الخيار فى (العين، فلفرض عدم جواز تملك الكافر للمسلم، و) لا (تمليكه اياه) فلا يحق للكافر ان يتملك مسلما، و لا يحق لمسلم ان يملّك كافرا عبدا مسلما.

(و اما بالنسبة الى القيمة) بان يقال: ان له الخيار فاذا فسخ اخذ القيمة- حيث يتعذر اخذ العين- (فلما تقدم من ان الفسخ يتوقف على رجوع العين الى مالكه الاصلى، و لو) رجوعا (تقديرا) آنا مّا (لتكون)

ص: 115

مضمونة له بقيمته على من انتقل إليه، و رجوع المسلم الى الكافر غير جائز

و هذا هو المحكى عن حواشى الشهيد ره حيث قال: انه يباع و لا يثبت له خيار المجلس، و لا الشرط.

و يمكن ان يريد بذلك عدم ثبوت الخيار للكافر فقط، و ان ثبت للمشترى فيوافق كلام فخر الدين فى الايضاح، من ان البيع بالنسبة الى الكافر استنقاذ و بالنسبة الى المشترى كالبيع

______________________________

العين بعد رجوعها و تلفها فى يد المالك الاصلى «او كالتلف» (مضمونة له) اى لنفع ذى الخيار (بقيمته على من انتقل إليه) العين (و) الحال ان (رجوع) العبد (المسلم الى الكافر غير جائز) فلا ملك تقديرى له آنا مّا، فلا خيار، فلا قيمة.

(و هذا) اى عدم الخيار (هو المحكى عن حواشى الشهيد) الاول (ره حيث قال: انه) اى العبد المسلم الّذي فى يد الكافر (يباع) رغما عليه (و لا يثبت له) اى لهذا العبد (خيار المجلس، و لا الشرط) سواء من جانب الكافر البائع، او المسلم المشترى.

(و) لكن (يمكن ان يريد) الشهيد ره (بذلك) اى بقوله «و لا يثبت» (عدم ثبوت الخيار للكافر فقط، و ان ثبت) الخيار (للمشترى) المسلم.

و عليه (فيوافق) كلام الشهيد (كلام فخر الدين فى الايضاح، من ان البيع بالنسبة الى الكافر استنقاذ) فليس بالنسبة الى الكافر بيع اصلا، و انما هو صورة البيع، و المقصود منها انقاذ العبد المسلم من يده (و بالنسبة الى المشترى كالبيع) فى الاحكام.

ص: 116

بناء منه على عدم تملك السيد الكافر له لان الملك سبيل و انما له حق استيفاء ثمنه منه.

لكن الانصاف انه على هذا التقدير لا دليل على ثبوت الخيار للمشترى أيضا، لان الظاهر من قوله: البيعان بالخيار، اختصاص الخيار بصورة تحقق البيع من الطرفين، مع انه لا معنى لتحقق العقد البيعى من

______________________________

و انما لم يكن «بيع» حقيقة بالنسبة الى المشترى لانه ليس لنا بيع من جانب واحد.

و هذا الكلام من الفخر (بناء منه على عدم تملك السيد الكافر له) اى للعبد المسلم فاذا لم يملكه لا معنى لكونه بيعا، بل انقاذ (لان الملك سبيل) و قد قال سبحانه: لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (و انما له) اى للكافر (حق استيفاء ثمنه) اى ثمن العبد (منه) اى من المشترى- صورة-.

(لكن الانصاف انه على هذا التقدير) اى تقدير كونه انقاذا من الكافر (لا دليل على ثبوت الخيار للمشترى أيضا) كما انه ليس للبائع (لان الظاهر من قوله: البيعان بالخيار، اختصاص الخيار بصورة تحقق البيع من الطرفين) و قد ذكر انه لا بيع من طرف الكافر.

و اذا لم يكن بيع من طرف فلا خيار حتى من طرف الشخص الآخر- الّذي هو المشترى-.

هذا أولا (مع انه) يرد عليه اشكال آخر، و هو: انه (لا معنى لتحقق العقد البيعى من

ص: 117

طرف واحد فان شروط البيع ان كانت موجودة تحقق من الطرفين و الا لم يتحقق اصلا، كما اعترف به بعضهم فى مسألة بيع الكافر الحربى من ينعتق عليه.

______________________________

طرف واحد) و عليه فلا بيع اصلا، و اذ لم يكن بيع لم يكن وجه لخيار المسلم الّذي هو فى صورة المشترى.

و انما لا يتحقق البيع من طرف واحد لما ذكره بقوله: (فان شروط البيع ان كانت موجودة) فى بيع العبد المسلم عن يد الكافر (تحقق) البيع (من الطرفين) الكافر و المسلم (و الا لم يتحقق اصلا، كما اعترف به بعضهم فى مسألة بيع الكافر الحربى من ينعتق عليه).

و ليس معنى ذلك استحالة ان يحكم الشارع باحكام البيع على طرف دون طرف، حتى يقال: بانه ليس من الاحكام العقلية الموجبة لعدم امكان تصرف الشارع فيها، بل معناه ان ظواهر الادلة خلافه، هذا.

و اما ما ذكره من بيع الحربى من ينعتق عليه، فهو مسألة اخرى، و هى انه لو قهر الكافر الحربى اباه- مثلا- فتسلط عليه، ثم باعه من مسلم ففيه ثلاثة اقوال.

الاول: انه بيع من الطرفين، اما من طرف الكافر البائع فلقاعدة اقرارهم على دينهم، و اما من طرف المسلم المشترى فلصحة اشترائه هذا العبد.

الثانى: انه ليس بيعا من احدهما، اذ الكافر لا يملك اباه فان احكام الله شاملة للكافر و المسلم، و لذا كان الكفار مكلفين بالفروع كتكليفهم

ص: 118

و الاقوى فى المسألة وفاقا لظاهر الاكثر، و صريح كثير، ثبوت الخيار فى المقام و ان تردد فى القواعد بين استرداد العين او القيمة.

______________________________

بالاصول، و يكون العقاب على تركهم لكلا الامرين، و اذ لم يكن ملك فلا بيع من طرف الكافر، فلا اشتراء من طرف المسلم، اذ لا تتحقق معاملة من طرف واحد، بل يكون اعطاء المشترى الثمن للكافر من جهة الانقاذ فقط.

الثالث: انه بيع من طرف واحد و هو المشترى، اذ لا محذور فيه، و انما لم يكن بيعا من طرف الكافر لوجود المحذور.

و هذا القول هو الّذي رده بعض «نقله المصنف» من انه غير صحيح لانه ان وجدت شروط البيع تحقق من الطرفين، و الا لم يتحقق من اى منهما

و لا يخفى ان الاقرب فى هذه المسألة انه بيع من الطرفين لإقرار الكفار على اعمالهم، اذ كانوا اهل كتاب.

(و) كيف كان، ف (الاقوى فى المسألة) مسألة اشتراء العبد المسلم من الكفار (وفاقا لظاهر الاكثر، و صريح كثير: ثبوت الخيار فى المقام) لكل من الكافر البائع، و المسلم المشترى (و ان تردد فى القواعد) فى ما اذا اخذ احدهما بالخيار (بين استرداد العين او القيمة).

العين، لانه غير ضارّ استردادها لما يأتى من قوله «لان تقدير المسلم .. الخ».

و القيمة، لانه يفهم من كلام الشارع انه لا يريد سلطة الكافر على المسلم، فاذا تعذرت العين فالقيمة.

ص: 119

و ما ذكرنا من ان الرجوع بالقيمة مبنى على امكان تقدير الملك فى ملك المالك الاصلى، لو اغمضنا عن منعه كما تقدم فى المسألة السابقة غير قادح هنا، لان تقدير المسلم فى ملك الكافر بمقدار يثبت عليه بدله ليس سبيلا للكافر على المسلم.

و لذا جوزنا له شراء من ينعتق عليه.

______________________________

(و) ان قلت: انه لا يمكن استرداد القيمة، لانه لا يكون الا بعد ان يفرض دخول العين فى ملك الكافر و تلفها او كالتلف و تبدلها بالقيمة، كما ذكرتم سابقا، و الحال ان العبد المسلم لا يكون ملكا للكافر.

قلت: (ما ذكرنا من ان الرجوع بالقيمة مبنى على امكان تقدير الملك فى ملك المالك الاصلى).

أولا: نمنعه اذ لا دليل على ذلك، اذا الخيار حكم شرعى و للشارع ان يجعله و ان لم يمكن ارجاع الملك حقيقة و لا تقديرا، و فائدة الخيار حينئذ الرجوع الى القيمة (لو اغمضنا عن منعه كما تقدم فى المسألة السابقة)

و ثانيا نقول: انه (غير قادح هنا) فى بيع الكافر للعبد المسلم و ان كان قادحا فى اشتراء المسلم اباه مثلا.

و الفارق بين المقامين ما ذكره بقوله: (لان تقدير المسلم فى ملك الكافر بمقدار يثبت عليه) اى على المسلم (بدله) للكافر ثم يبدل الى القيمة (ليس سبيلا للكافر على المسلم) المحذور شرعا، حيث قال تعالى:

لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا.

(و لذا جوزنا له) اى للكافر (شراء من ينعتق عليه) من عبد مسلم، لانه

ص: 120

و قد مرّ بعض الكلام فى ذلك فى شروط المتعاقدين.

و منها: شراء العبد نفسه بناء على جوازه.

فان الظاهر عدم الخيار فيه و لو بالنسبة الى القيمة لعدم شمول ادلة الخيار له.

و اختاره فى التذكرة، و فيها أيضا: انه لو اشترى جمدا فى شدة الحرّ

______________________________

انقاذ للمشترى بدون ان يكون للكافر سبيل عليه يوجب مخالفة الآية

(و قد مرّ بعض الكلام فى ذلك فى شروط المتعاقدين) فراجع.

و هذا بخلاف ملكية المسلم لاحد العمودين نقلا، فانه بعد ان تحرّر العبد لا يرجع الى الملكية و لو آنا مّا.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 11، ص: 121

(و منها) اى من الموارد المستثناة من خيار المجلس (شراء العبد نفسه بناء على جوازه) لشمول اطلاق الادلة له، بخلاف احتمال عدم الجواز، لانه و ما فى يده لمولاه، فكيف يجوز ان يشترى مال المولى «و هو نفسه» بمال آخر للمولى «و هو ما فى يده».

(فان الظاهر عدم الخيار فيه و لو بالنسبة الى القيمة) فلا يحق للمولى و لا للعبد الّذي اشترى نفسه الخيار للمجلس (لعدم شمول ادلة الخيار له).

و ذلك لما ذكرناه فى المستثنى الاول، من ان الحرّ لا يمكن ان يدخل فى الملك و لو آنا مّا، و لو لاجل ان يبدل بالقيمة.

(و اختاره) اى عدم الخيار فى هذا المورد (فى التذكرة، و) قال العلامة (فيها) اى فى التذكرة (أيضا: انه لو اشترى جمدا فى شدة الحرّ

ص: 121

ففى الخيار اشكال، و لعله من جهة احتمال اعتبار قابلية العين للبقاء بعد العقد ليتعلق بها الخيار.

فلا يندفع الاشكال بما فى جامع المقاصد من ان الخيار لا يسقط بالتلف لانه لا يسقط به اذا ثبت قبله، فتأمل.

______________________________

ففى الخيار) للمجلس لايهما (اشكال، و لعله من جهة احتمال اعتبار قابلية العين) التى يكون فيها الخيار (للبقاء بعد العقد ليتعلق بها الخيار) و شدة الحر تذيب الثلج بحيث لا تبقى تمام العين.

(فلا يندفع الاشكال) اى اشكال العلامة فى وجود خيار المجلس فى بيع الجمد (بما فى جامع المقاصد من ان الخيار لا يسقط بالتلف).

و انما لا يندفع الاشكال، لان كلام العلامة فى ان المنصرف من ادلة خيار المجلس ما كان قابلا للبقاء، فلا خيار اصلا.

و هذا ما بينه المصنف فى وجه عدم اندفاع الاشكال بقوله (لانه) اى الخيار (لا يسقط به) اى بالتلف (اذا ثبت) الخيار (قبله) اى قبل التلف لكن كلام العلامة انه ليس المقام مورد الخيار اصلا (فتأمل) من انه لا وجه لكلام العلامة، اذ اطلاقات ادلة خيار المجلس تشمل مثل بيع الجمد فاللازم القول بالخيار و الرجوع الى البدل بعد ان تلف الجمد.

ثم انهم ذكروا موارد اخر قالوا بعدم دخول خيار المجلس فيها، كالبيع على محتكر الغلة، و العبد المشترى من الزكاة، و ما لو كان الثمن ممن ينعتق على البائع و البيع على المفلس الى غير ذلك.

ص: 122

مسئلة لا يثبت خيار المجلس فى شي ء من العقود، سوى البيع عند علمائنا،

كما فى التذكرة.

و عن تعليق الارشاد و غيرهما.

و عن الغنية الاجماع عليه.

و صرح الشيخ فى غير موضع من المبسوط بذلك أيضا، بل عن الخلاف الاجماع على عدم دخوله فى الوكالة و العارية و القراض و الحوالة و الوديعة.

______________________________

(مسألة: لا يثبت خيار المجلس فى شي ء من العقود، سوى البيع عند علمائنا كما فى التذكرة).

و ذلك لعدم الدليل عليه و الاصل العدم، اذ الاصل فى العقود اللزوم لما سبق فى بيان الاصل فى اوّل باب الخيارات.

(و) حكى الاجماع بدون لفظ: عند علمائنا (عن تعليق الارشاد و غيرهما) من بعض الكتب الاخر.

(و عن الغنية الاجماع عليه) صريحا.

(و صرح الشيخ فى غير موضع من المبسوط بذلك أيضا) و انه لا خيار للمجلس فى سائر العقود (بل عن الخلاف الاجماع على عدم دخوله فى الوكالة و العارية و القراض) اى المضاربة (و الحوالة و الوديعة) هذا.

ص: 123

الا انه فى المبسوط بعد ذكر جملة من العقود التى يدخلها الخيار و التى لا يدخلها قال: و اما الوكالة و الوديعة، و العارية، و القراض، و الجعالة، فلا يمنع من دخول الخيارين فيها مانع، انتهى.

و مراده خيار المجلس و الشرط.

و حكى نحوه عن القاضى، و لم يعلم معنى الخيار فى هذه العقود بل جزم فى التذكرة بانه لا معنى للخيار فيها لان الخيار فيها ابدا.

و احتمل فى الدروس ان يراد بذلك عدم جواز التصرف

______________________________

(الا انه) اى الشيخ (فى المبسوط بعد ذكر جملة من العقود التى يدخلها الخيار، و التى لا يدخلها) ذكر ما ينافى ما تقدم.

فانه (قال: و اما الوكالة و الوديعة، و العارية، و القراض، و الجعالة، فلا يمنع من دخول الخيارين فيها مانع، انتهى) كلامه ره.

(و مراده) بالخيارين (خيار المجلس و الشرط) كما يظهر من سابق كلامه.

(و حكى نحوه عن القاضى) و انه يدخل فى العقود المذكورة الخياران (و لم يعلم معنى الخيار) للمجلس (فى هذه العقود) التى ذكراها (بل جزم فى التذكرة، بانه لا معنى للخيار فيها) اى فى هذه العقود (لان الخيار فيها ابدا) فانها عقود جائزة، و العقد الجائز يمكن فسخه فى اى وقت شاء، لا ان الخيار فيه ما دام المجلس فقط.

(و احتمل) الشهيد ره (فى الدروس ان يراد بذلك) اى بوجود الخيار فى هذه العقود ما دام المجلس (عدم جواز التصرف) فى الجنس

ص: 124

قبل انقضاء الخيار و لعل مراده التصرف المرخص فيه شرعا للقابل فى هذه العقود لا الموجب، اذ لا معنى لتوقف جواز تصرف المالك فى هذه العقود على انقضاء الخيار لان اثر هذه العقود تمكن غير المالك من التصرف.

فهو الّذي يمكن توقفه على انقضاء الخيار

______________________________

(قبل انقضاء الخيار) لا ان يراد بالخيار جواز الفسخ، حتى يرد عليه ما تقدم عن التذكرة.

و ذلك لان فى مدة الخيار الانسان ممنوع عن التصرف فى المتاع لاحتمال اخذ ذى الخيار بخياره.

و حيث ان الدروس اطلق كلامه مع وضوح ان الموجب للعقد يحق له ان يتصرف فى المتاع لان العقد غير لازم.

قال المصنف: (و لعل مراده) اى الدروس المنع عن (التصرف المرخص فيه شرعا للقابل) اى قابل العقد (فى هذه العقود) فانه ممنوع ما دام خيار المجلس (لا) تصرف (الموجب) للعقد.

و انما قلنا «لا الموجب» (اذ لا معنى لتوقف جواز تصرف المالك فى هذه العقود على انقضاء الخيار) «على» متعلق ب «التوقف».

و انما كان «لا معنى» (لان اثر هذه العقود تمكن غير المالك من التصرف) غير المالك «هو القابل».

(ف) تمكن غير المالك من التصرف (هو الّذي يمكن توقفه على انقضاء الخيار) بان يقال للقابل لا تتصرف فى العارية- مثلا- الا بعد

ص: 125

الّذي جعل الشيخ قدّس سرّه اثر البيع متوقفا عليه.

لكن الانصاف ان تتبع كلام الشيخ فى المبسوط فى هذا المقام يشهد بعدم ارادته هذا المعنى، فانه صرح فى مواضع قبل هذا الكلام و بعده: باختصاص خيار المجلس بالبيع.

و الّذي يخطر بالبال ان مراده دخول الخيارين فى هذه العقود

______________________________

انقضاء خيار المجلس (الّذي جعل الشيخ قدّس سرّه اثر البيع متوقفا عليه) «الّذي» صفة «انقضاء الخيار».

فان اثر البيع من التصرف فى الجنسين للبائعين على رأى الشيخ متوقف على انقضاء الخيار و يريد الشيخ هنا «فى هذه العقود» أيضا بيان توقف تصرف القابل على انقضاء خيار المجلس.

اقول و اى مانع من الجمع بين خيارين الخيار لاجل المجلس، و الخيار لان العقد جائز، كما يجتمع خيار الشرط و الغبن و العيب و المجلس و غيرها.

(لكن الانصاف ان تتبع كلام الشيخ فى المبسوط فى هذا المقام) مقام خيار المجلس فى العقود الجائزة (يشهد بعدم ارادته هذا المعنى) الّذي ذكره الدروس (فانه صرح فى مواضع قبل هذا الكلام و بعده: باختصاص خيار المجلس بالبيع) فلا يمكن عادة ان يغير اجتهاده فى وسط الكلام فيقول بجريان خيار المجلس فى العقود المذكورة

(و الّذي يخطر بالبال ان مراده دخول الخيارين) المجلس و الشرط (فى هذه العقود

ص: 126

اذا وقعت فى ضمن عقد البيع فتنفسخ بفسخه فى المجلس.

و هذا المعنى و ان كان بعيدا فى نفسه، الا ان ملاحظة كلام الشيخ فى المقام يقربه الى الذهن، و قد ذكر نظير ذلك فى جريان الخيارين فى الرهن و الضمان.

______________________________

اذا وقعت فى ضمن عقد البيع) كما اذا باعه كتابا بدرهم، و اشترط فى ضمن البيع اعادة قلم له، فانه اذا فسخ البيع فى المجلس انفسخت الاعادة أيضا، و كذا غير العارية من سائر العقود (فتنفسخ) تلك العقود (بفسخه) اى فسخ البيع (فى المجلس) او بفسخه حسب اشتراط خيار الفسخ و لو بعد المجلس.

(و هذا المعنى) بان يراد من «دخول الخيارين فى العقود الجائزة» «دخولهما فى البيع الّذي فى ضمنه عقود جائزة» (و ان كان بعيدا فى نفسه، الا ان ملاحظة كلام الشيخ فى المقام) حيث ذكر مكررا عدم دخول خيار المجلس فى العقود الجائزة (يقربه الى الذهن، و) يؤيد ارادته ره هذا المعنى انه (قد ذكر) الشيخ (نظير ذلك) اى دخول عقد فى عقد (فى جريان الخيارين) الشرط و المجلس (فى الرهن و الضمان) فاراد بدخول الخيارين فى الرهن و الضمان ما اذا كان الرهن و الضمان فى ضمن البيع.

و هناك احتمال آخر فى كلام الشيخ و هو ارادته دخول خيار الشرط و المجلس فى العقود الجائزة، و يكون للعاقد خياران، خيار لان العقد جائز، و خيار لانه فى المجلس- مثلا-.

ص: 127

و صرح فى السرائر بدخول الخيارين فى هذه العقود، لانها جائزة، فيجوز الفسخ فى كل وقت، و هو محتمل كلام الشيخ، فتأمل.

و كيف كان فلا اشكال فى اصل هذه المسألة.

______________________________

(و) هذا غير بعيد، فقد (صرح) ابن ادريس (فى السرائر بدخول الخيارين) الشرط و المجلس (فى هذه العقود، لانها) بنفسها (جائزة فيجوز الفسخ فى كل وقت) فى المجلس و غيره (و هو محتمل كلام الشيخ فتأمل).

فانه لو كان مراد الشيخ ما ذكره السرائر كان جاريا فى جميع العقود الجائزة، لا خصوص العقود التى ذكرها الشيخ- كما تقدم-.

(و كيف كان) مراد الشيخ (فلا اشكال فى اصل هذه المسألة) من اختصاص خيار المجلس بالبيع فقط.

اذ لا دليل على جريانه فى سائر العقود و لو كانت لازمة.

ص: 128

مسئلة مبدأ هذا الخيار من حين العقد

لان ظاهر النص كون البيع علة تامة، و مقتضاه كظاهر الفتاوى شمول الحكم للصرف و السلم قبل القبض، و لا اشكال فيه لو قلنا: بوجوب التقابض فى المجلس فى الصرف و السلم وجوبا تكليفيا.

اما للزوم الربا كما صرح به فى صرف التذكرة.

______________________________

(مسألة: مبدأ هذا الخيار) خيار المجلس (من حين العقد) فاذا تم العقد حان وقت الخيار سواء قدم الايجاب على القبول او بالعكس، و سواء كان بالعقد اللفظى او بالمعاطات (لان ظاهر النص كون البيع علة تامة) و المعلول يكون بعد العلة مباشرة (و مقتضاه) اى النص (كظاهر الفتاوى شمول الحكم) بوجود خيار المجلس (للصرف) و هو بيع النقود (و السلم) و هو البيع الّذي يقدم فيه الثمن و يؤخر فيه المثمن- عكس النسيئة-.

و هذان البيعان يشترط فيهما التقابض فى المجلس و الا بطلا، و (قبل القبض) فيهما يكون الخيار (و لا اشكال فيه) اى فى الخيار قبل القبض (لو قلنا: بوجوب التقابض فى المجلس فى الصرف و السلم وجوبا تكليفيا) بانه تكليف شرعى فى قبال الوجوب الشرطى- كما سيأتى- و انما كان التقابض واجبا شرعيا.

(اما للزوم الربا كما صرح به فى صرف التذكرة) فانه اذا باع مثقالا من

ص: 129

و اما لوجوب الوفاء بالعقد و ان لم يكن بنفسه مملكا لان ثمرة الخيار حينئذ جواز الفسخ فلا يجب التقابض اما لو قلنا: بعدم وجوب التقابض و جواز تركه الى التفرق المبطل للعقد، ففى اثر الخيار خفاء لان المفروض بقاء

______________________________

الذهب الايرانى بمثقال من الذهب العراقى، ثم لم يأخذ احدهما و اخذ الآخر، فالذى اخذ صار عنده زيادة حكمية، اذ قيمة المثقال نقدا «دينار مثلا» اما قيمة الدينار المتأخر دفعه دينار الا درهم.

لكنك خبير بان هذه العلة غير مطردة لانها لا تأتى فى السلم و لا فى ما اذا كان تأخير اعطاء احدهما قليلا بحيث لا يقابل بشي ء من النقيصة فى المالية، و لا فيما اذا كان ذهب بفضة فى الصرف.

(و اما لوجوب الوفاء بالعقد) فمن الوفاء بالعقد وجوب ان يقبض كل منهما للآخر فى الصرف، و وجوب اعطاء الثمن فى السلم (و ان لم يكن) العقد (بنفسه مملكا) و انما يحصل الملك بالتقابض.

و انما قلنا: لا اشكال فى الخيار (لان ثمرة الخيار حينئذ) اى حين وجب التقابض (جواز الفسخ) بالخيار (فلا يجب التقابض).

و (اما لو قلنا: بعدم وجوب التقابض) وجوبا شرعيا، بل وجوبه شرطى بمعنى انه ان حصل التقابض صح البيع، و ان لم يحصل التقابض لم يحصل البيع (و جواز تركه الى التفرق) عن مجلس العقد (المبطل) ذلك التفرق (للعقد، ففى اثر الخيار) اى خيار المجلس فى الصرف و السلم (خفاء) اذ اثر الخيار هو امكان الفسخ، و الحال انه قبل التقابض يمكن الفسخ و ان لم يكن خيار (لان المفروض) فى الصرف و السلم (بقاء

ص: 130

سلطنة كل من المتعاقدين على ملكه، و عدم حق لاحدهما فى مال الآخر

و يمكن ان يكون أثر الخيار خروج العقد بفسخ ذى الخيار عن قابلية لحوق القبض الملك.

فلو فرض اشتراط سقوط الخيار فى العقد لم يخرج العقد بفسخ المشروط عليه عن قابلية التأثير.

______________________________

سلطنة كل من المتعاقدين على ملكه، و عدم حق لاحدهما فى مال الآخر) ما لم يحصل التقابض.

نعم اذا حصل التقابض كان للخيار اثر.

لكن قد عرفت فى اوّل المسألة ان خيار المجلس بعد العقد مباشرة، لا انه بعد التقابض.

(و) لكن (يمكن ان يكون أثر الخيار) قبل التقابض (خروج العقد بفسخ ذى الخيار عن قابلية لحوق القبض الملك) اى القبض الموجب للملك.

فاذا كان خيار و ابطل فلا محل للقبض.

و اما اذا لم يكن خيار كان اثر العقد باقيا الى حين التفرق فيمكن ان يلحق به القبض.

(فلو فرض اشتراط سقوط الخيار) خيار المجلس (فى العقد) عقد الصرف و السلم (لم يخرج العقد بفسخ المشروط عليه عن قابلية التأثير).

فاذا قال: فسخت، لم يزل اثر العقد، بل كان له القبض و الاقباض و بذلك يكون عقدا لازما.

ص: 131

قال فى التذكرة لو تقابضا فى عقد الصرف ثم اجازا فى المجلس لزم العقد، و ان اجازا قبل التقابض، فكذلك و عليهما التقابض، فان تفرقا قبله انفسخ العقد.

ثم ان تفرقا عن تراض لم يحكم بعصيانهما.

فان انفرد احدهما بالمفارقة عصى، انتهى.

و فى الدروس يثبت- يعنى خيار المجلس- فى الصرف تقابضا أو لا

______________________________

(قال فى التذكرة) مؤيدا ما ذكرناه من الثمرة للخيار قبل التقابض (لو تقابضا فى عقد الصرف ثم اجازا) العقد اى اسقطا خيارهما (فى المجلس لزم العقد) لان شرط الملك فى الصرف و هو التقابض قد حصل و الخيار اسقط حسب اسقاطهما له (و ان اجازا) العقد (قبل التقابض، فكذلك) لزم العقد (و عليهما التقابض) لوجوب تنفيذ العقد اللازم.

اذ اللازم التقابض فى المجلس- حسب الفرض- (فان تفرقا قبله) اى قبل التقابض (انفسخ العقد) لعدم حصول شرط صحة بيع الصرف.

(ثم ان تفرقا عن تراض) بينهما (لم يحكم بعصيانهما) لانه من قبيل الاقالة بتراض.

(فان انفرد احدهما بالمفارقة) بدون رضى الاخر (عصى) لانه هدم العقد اللازم تنفيذه بدون رضاية الآخر (انتهى) كلام العلامة.

(و) قال (فى الدروس) مؤيد اما ذكرناه (يثبت- يعنى خيار المجلس- فى الصرف تقابضا، أو لا) يعنى ان الخيار ثابت و لو قبل التقابض

ص: 132

فان التزما به قبل القبض وجب التقابض.

فلو هرب احدهما عصى و انفسخ العقد.

و لو هرب قبل الالتزام فلا معصية.

و يحتمل قويا عدم العصيان مطلقا، لان للقبض مدخلا فى اللزوم فله تركه، انتهى.

و صرح الشيخ أيضا فى المبسوط بثبوت التخاير فى الصرف قبل التقابض.

______________________________

(فان التزما به) اى بالعقد بان اسقطا خيارهما (قبل القبض وجب التقابض) بمقتضى لزوم العقد.

(فلو هرب) عن المجلس (احدهما) قبل التقابض بدون رضى الآخر (عصى و انفسخ العقد).

(و) اما (لو هرب قبل الالتزام) بالعقد بان هرب و لم يكن تقابض و لا التزام (فلا معصية) اذ لم يلزم العقد قبل التقابض، فهو بهربه ابطل عقدا جائزا.

(و يحتمل قويا عدم العصيان مطلقا) حتى فيما الزما العقد قبل التقابض (لان) الالزام قبل القبض لا يفيد، فان (للقبض مدخلا فى اللزوم فله تركه) اى ترك القبض، فلا لزوم فله ان يبطل العقد بتفرقه عن صاحبه (انتهى) كلام الشهيد.

(و صرح الشيخ أيضا فى المبسوط بثبوت التخاير فى الصرف قبل التقابض) فكلامه مثل كلام الشهيد و العلامة فى ان للخيار فائدة قبل

ص: 133

و مما ذكرنا يظهر الوجه فى كون مبدأ الخيار للمالكين الحاضرين فى مجلس عقد الفضوليين- على القول بثبوت الخيار لهما- من زمان اجازتهما على القول بالنقل، و كذا على الكشف مع احتمال كونه من زمان العقد.

______________________________

التقابض أيضا.

(و مما ذكرنا) من ان الخيار من اوّل العقد، لا بعد التقابض (يظهر الوجه فى كون مبدأ الخيار للمالكين الحاضرين فى مجلس عقد الفضوليين على القول بثبوت الخيار لهما-) اى للمالكين (من زمان اجازتهما) «من زمان» خبر «كون».

و انما ظهر ذلك لان نسبة العقد الى المالكين، حتى يكون عقدهما يبتدأ بعد الاجازة.

و اما قبل الاجازة فليس عقدهما، و اذ لم يكن عقدهما فلا خيار لهما.

و الحاصل: ان اوّل عقدهما حال اجازتهما، لا بعد ان تقابضا (على القول بالنقل) و ان الاجازة حالها حال العقد فى انها توجب نقل الملك بالاجازة (و كذا على الكشف) عن سبق النقل فى حال عقد الفضولى.

و ذلك لان الخيار لا يكون الا بعد ان يكون الخيار ذا اثر و الاثر لا يحصل الا بعد الاجازة، و ان كشفت الاجازة عن حصول الملك عند عقد الفضولى (مع احتمال كونه) اى الخيار- على الكشف- (من زمان العقد) لان الاجازة ان كشفت عن حصول الملك من زمان العقد فلا بد و ان يكون الخيار من ذلك الزمان أيضا لما ذكرناه سابقا من ان الخيار تابع للعقد و معلول له

ص: 134

القول فى مسقطات الخيار
اشارة

و هى أربعة على ما ذكرها فى التذكرة اشتراط سقوطه فى ضمن العقد.

و اسقاطه بعد العقد.

و التفرق.

و التصرف، فيقع الكلام فى مسائل.

______________________________

(القول فى مسقطات الخيار، و هى أربعة، على ما ذكرها) العلامة (فى التذكرة).

الاول: (اشتراط سقوطه فى ضمن العقد) و ينبغى ان يلحق به ما لو كان البيع بالمعاطات، و فى ضمن الاعطاء و الاخذ اشترطا ذلك.

(و) الثانى: (اسقاطه بعد العقد).

(و) الثالث: (التفرق) عن مجلس العقد، و المراد منه معناه الاصطلاحى اى الابتعاد، لا اللغوى- اى الفراق- عن النسبة بينهما فى حال العقد، فان ذلك يشمل ما اذا تقاربا بعد العقد مع انه لا يوجب اسقاط الخيار قطعا.

(و) الرابع: (التصرف) فى احد المبيعين.

و على هذا (فيقع الكلام) فى المسقطات المذكورة (فى مسائل).

ص: 135

مسئلة لا خلاف ظاهرا فى سقوط هذا الخيار باشتراط سقوطه فى ضمن العقد

و عن الغنية الاجماع عليه، و يدل عليه قبل ذلك عموم المستفيض المؤمنون او المسلمون عند شروطهم.

و قد يتخيل معارضته بعموم ادلة الخيار و يرجح على تلك الادلة بالمرجحات.

______________________________

(مسألة: لا خلاف ظاهرا فى سقوط هذا الخيار) خيار المجلس (باشتراط سقوطه فى ضمن العقد، و عن الغنية الاجماع عليه، و يدل عليه قبل ذلك) اى قبل الاجماع، فان الاجماع انعقد بعد النص فالنص قبل الاجماع (عموم) الخبر (المستفيض) نقله (المؤمنون) عند شروطهم (او) كما فى بعض النسخ (المسلمون عند شروطهم).

فان ذلك يدل على سقوط الخيار، لانه شرط، و كل شرط لازم الوفاء بمقتضى هذا الحديث.

(و قد يتخيل) و المتخيل صاحب الجواهر- كما قيل- (معارضته) اى حديث «المؤمنون عند شروطهم» (بعموم ادلة الخيار).

فدليل الخيار يقول- انه بعد الشرط- يوجد الخيار، و دليل:

المؤمنون، يقول: لا يوجد الخيار (و يرجح) المؤمنون (على تلك الادلة بالمرجحات) مثل عمل المشهور و الاجماع و نحوهما.

ص: 136

و هو ضعيف، لان الترجيح من حيث الدلالة و السند مفقود.

و موافقة عمل الاصحاب لا يصير مرجحا بعد العلم بانحصار مستندهم فى عموم ادلة الشروط كما يظهر من كتبهم.

______________________________

(و هو) تخيّل (ضعيف).

اذ لو قلنا: بالمعارضة لم يكن وجه لتقديم «المؤمنون» على ادلة الخيار (لان الترجيح من حيث الدلالة و السند مفقود) فكلاهما فى رتبة واحدة.

(و) ان قلت: يرجح الحديث على الادلة بموافقة عمل الاصحاب.

قلت: (موافقة عمل الاصحاب لا يصير مرجحا) للحديث (بعد العلم بانحصار مستندهم) لسقوط الخيار (فى عموم ادلة الشروط كما يظهر من كتبهم).

فان عمل الاصحاب انما يكون مرجحا اذا كان هناك احتمال انهم استندوا لشي ء لم يصل إلينا.

اما اذا استندوا الى شي ء وصل إلينا و قد رأينا انه لا يكون مستندا فلا وجه لكونه مرجحا لا ناقد عرفنا خطأهم فى ذلك، فلا يمكن الاستناد.

و ذلك كما فى الشاهد، فان قوله حجة اذا لم يعلم مستنده.

اما اذا علم انه استند الى شي ء خطأ فيسقط حجية كلامه.

مثلا: اذا قال الشاهدان هذا الثوب نجس، ثم علله بان فيه عرق الجنب عن الحرام، و قد علمنا ان عرق الجنب ليس بنجس، فانه يسقط كلام الشاهد، و نحكم بطهارة الثوب.

ص: 137

و نحوه فى الضعف التمسك بعموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، بناء على صيرورة شرط عدم الخيار كالجزء من العقد الّذي يجب الوفاء به، اذ فيه ان ادلة الخيار اخص فيخصص به العموم، بل الوجه مع انحصار المستند فى عموم دليل الشروط عدم نهوض ادلة الخيار للمعارضة لانها مسوقة لبيان ثبوت الخيار باصل

______________________________

(و نحوه فى الضعف التمسك) لتقديم «المؤمنون» على ادلة الخيار (بعموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فى لزوم العقد بعد اسقاط الخيار (بناء على صيرورة شرط عدم الخيار كالجزء من العقد الّذي يجب الوفاء به) فكانه قال: العقد الّذي ذكر فيه اسقاط الخيار يجب الوفاء به (اذ فيه) ان الجزئية لا معنى لها بعد وجود دليلين، دليل الوفاء بالعقد، و دليل شرط عدم الخيار.

ف (ان ادلة الخيار اخص) من دليل وجوب الوفاء بالعقد (فيخصص به) اى بدليل الخيار (العموم) اى عموم الوفاء بالعقد، و اذا بطل هذان الوجهان توجه تقديم «المؤمنون» على: ادلة الخيار (بل الوجه) فى التقديم (مع انحصار المستند فى عموم دليل الشروط) اى اذا قلنا: ان مستند سقوط الخيار «دليل الشرط فقط» اما اذا قلنا: بان هناك دليل آخر كالاجماع و نحوه.

فوجه سقوط الخيار اوضح ل (عدم نهوض ادلة الخيار للمعارضة) اى معارضة دليل «المؤمنون» و ذلك لحكومة دليل «المؤمنون» على دليل الخيار (لانها) اى ادلة الخيار (مسوقة لبيان ثبوت الخيار باصل

ص: 138

الشرع فلا ينافى سقوطه بالمسقط الخارجى و هو الشرط لوجوب العمل به شرعا، بل التأمّل فى دليل الشرط يقضى بان المقصود منه رفع اليد عن الاحكام الاصلية الثابتة للمشروطات قبل وقوعها فى حيّز الاشتراط فلا تعارضه ادلة تلك الاحكام.

فحاله حال ادلة وجوب الوفاء بالنذر، و

______________________________

الشرع) اى انه حكم أوّليّ، ينفذ لو خلي و طبعه (فلا ينافى سقوطه بالمسقط الخارجى) بحكم ثانوى (و) المسقط (هو الشرط لوجوب العمل به شرعا).

فان حال الشرط حال النذر، حيث انه وارد على الاحكام الاولية.

هذا اذا قلنا ان بين دليل الخيار و دليل الشرط تعارض (بل التأمّل فى دليل الشرط يقضى) عدم التعارض اصلا.

و ذلك (ب) سبب (ان المقصود منه) من دليل الشرط (رفع اليد عن الاحكام الاصلية) اللااقتضائية- لوضوح ان الشرط لا يقدر ان يرفع الاحكام الاقتضائية كوجوب الصلاة و حرمة شرب الخمر- (الثابتة) تلك الاحكام (للمشروطات قبل وقوعها) اى وقوع تلك المشروطات (فى حيّز الاشتراط) فالبيع- الّذي شرط فيه عدم الخيار- مشروط له حكم الخيار

فقبل وقوعه فى حين شرط سقوط الخيار، له هذا الحكم.

اما اذا وقع فى حيّز الشرط فيسقط منه هذا الحكم (فلا تعارضه) اى لا تعارض دليل الشرط (ادلة تلك الاحكام) الاولية.

(فحاله) اى حال دليل الشرط (حال ادلة وجوب الوفاء بالنذر، و

ص: 139

العهد فى عدم مزاحمتها بادلة احكام الافعال المنذورة لو لا النذر.

و يشهد لما ذكرنا من حكومة ادلة الشرط و عدم معارضتها للاحكام الاصلية حتى يحتاج الى المرجح استشهاد الامام فى كثير من الاخبار بهذا العموم على مخالفة كثير من الاحكام الاصلية.

منها: صحيحة مالك بن عطية، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كان له اب مملوك و كانت تحت ابيه جارية مكاتبة

______________________________

العهد فى عدم مزاحمتها) اى عدم مزاحمة ادلة وجوب الوفاء (بادلة احكام الافعال المنذورة) الثابتة تلك الاحكام (لو لا النذر).

مثلا: الصوم فى رجب «فعل» له حكم «هو الاستحباب» فاذا نذره صار «الصوم» واجبا.

فدليل ان الصوم مستحب لا يزاحم دليل النذر المقتضى لوجوبه.

(و يشهد لما ذكرنا من حكومة ادلة الشرط) على ادلة الخيار (و عدم معارضتها) اى ادلة الشرط (للاحكام الاصلية) مثل دليل الخيار الّذي هو حكم اصلى (حتى يحتاج) دليل الخيار (الى المرجح استشهاد الامام) عليه السلام (فى كثير من الاخبار بهذا العموم) اى عموم: المؤمنون عند شروطهم (على مخالفة كثير من الاحكام الاصلية) فان الاستشهاد يدل على الحكومة.

(منها: صحيحة مالك بن عطية، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كان له اب مملوك و كانت تحت ابيه جارية) مملوكة (مكاتبة) و المكاتبة هى التى تعاملت مع مولاها ان ادت إليه كذا مالا فهى حرة، ثم

ص: 140

قد ادّت بعض ما عليها، فقال لها ابن العبد هل لك ان اعينك فى مكاتبتك؟ حتى تؤدى ما عليك بشرط ان لا يكون لك الخيار بعد ذلك على ابى، اذا انت ملكت نفسك قالت نعم، فاعطاها فى مكاتبتها على ان لا يكون لها الخيار بعد ذلك قال عليه السلام: لا يكون لها الخيار، المسلمون عند شروطهم.

و الرواية محمولة- بقرينة الاجماع

______________________________

ان كان كل جزء منها يتحرر بإزاء اعطاء جزء من المال سميت مطلقة، و ان كانت حريتها تتوقف على اداء كل المال سميت مشروطة، و (قد ادّت) هذه المكاتبة (بعض ما عليها، فقال لها ابن العبد) اى ابن زوجها (هل لك ان اعينك فى مكاتبتك؟ حتى تؤدى ما عليك) بان اعطيك بعض مال الكتابة (بشرط ان لا يكون لك الخيار) فى فسخ نكاح العبد (بعد ذلك) التحرر (على ابى، اذا انت ملكت نفسك) اذ ان الامة تحت العبد اذا صارت حرة فلها ان تختار البقاء زوجة للعبد و لها ان تفسخ النكاح (قالت نعم) فالمال فى قبال البقاء (فاعطاها فى مكاتبتها على ان لا يكون لها الخيار بعد ذلك) التحرر (قال عليه السلام: لا يكون لها الخيار)

ثم علله عليه السلام بقوله: (المسلمون عند شروطهم).

و الظاهر ان هذه معاملة، و هى اعطاء المال فى قبال سقوط الحق، و مثلها نافذة و يصدق عليها الشرط فليس شرطا ابتدائيا و لا شرطا فى عقد.

(و) عليه فلا حاجة الى قول المصنف (الرواية محمولة- بقرينة الاجماع

ص: 141

على عدم لزوم الشروط الابتدائية- على صورة وقوع الاشتراط فى ضمن عقد لازم او المصالحة على اسقاط الخيار المتحقق سببه بالمكاتبة بذلك المال.

و كيف كان فالاستدلال فيها بقاعدة الشروط على نفى الخيار الثابت بالعمومات دليل على حكومتها عليها، لا معارضتها المحوجة

______________________________

على عدم لزوم الشروط الابتدائية-) كما تقدم الكلام فى ذلك، بل الشرط لا يصدق لغة و عرفا الّا على ما اذا كان فى قباله شي ء، سواء كان ضمن عقد، او كان فى قبال شي ء (على صورة وقوع الاشتراط فى ضمن عقد لازم) اذ لو كان فى ضمن عقد جائز لم يلزم الشرط، اذ ما ليس بلازم لا يمكن ان يكون ملزما لغيره (او المصالحة على اسقاط الخيار المتحقق سببه) اى سبب الخيار (بالمكاتبة) فان المكاتبة توجب- بعد اعطائها مال المكاتبة- خيار الزوجة التى هى امة (بذلك المال) الجار متعلق باسقاط، لان الاسقاط فى قبال المال.

(و كيف كان) الامر، فهذه المعاملة معاملة مستقلة، او صلح، او غيرهما (فالاستدلال فيها بقاعدة الشروط على نفى الخيار) «على» متعلق ب «الاستدلال» (الثابت بالعمومات) فان الخيار للامة ثابت بالأدلّة العامة الدالة على الخيار.

فقوله (دليل) خبر «الاستدلال» (على حكومتها) اى حكومة قاعدة الشروط (عليها) اى على تلك العمومات (لا معارضتها) اى ليست القاعدة معارضة لادلة الخيار (المحوجة) تلك المعارضة اذا اردنا تقديم

ص: 142

الى التماس المرجح.

نعم: قد يستشكل التمسك بدليل الشروط فى المقام من وجوه.

الاول: ان الشرط يجب الوفاء به اذا كان العقد المشروط فيه لازما لان الشرط فى ضمن العقد الجائز لا يزيد حكمه على اصل العقد، بل هو كالوعد، فلزوم الشرط يتوقف على لزوم العقد-

فلو ثبت لزوم العقد بلزوم الشرط لزم الدور.

______________________________

القاعدة (الى التماس المرجح) كما تقدم القول به عن بعض الفقهاء.

(نعم: قد يستشكل التمسك بدليل الشروط) على سقوط خيار المجلس (فى المقام) فى مقام ما اذا اشترط فى ضمن العقد عدم خيار المجلس (من وجوه) ثلاثة.

(الاول: ان الشرط يجب الوفاء به اذا كان العقد المشروط فيه) هذا الشرط (لازما) مثل الاجارة (لان الشرط فى ضمن العقد الجائز لا يزيد حكمه) اى حكم الشرط فى الجواز و اللزوم (على اصل العقد) الّذي هو جائز (بل هو) الشرط حينئذ (كالوعد) لا يلزم الوفاء به.

اذا (فلزوم الشرط يتوقف على لزوم العقد).

و حيث ان عقد البيع جائز و ليس بلازم لمكان خيار المجلس لم يكن للشرط لزوم.

(ف) ان قلت: العقد لازم بعد شرط اسقاط الخيار.

قلت: (لو ثبت لزوم العقد بلزوم الشرط) حسب ما ذكرتم (لزم الدور) و حيث ان الدور محال، فلا لزوم للعقد.

ص: 143

الثانى: ان هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد على ما هو ظاهر قوله البيعان بالخيار فاشتراط عدم كونهما بالخيار اشتراط لعدم بعض مقتضيات العقد.

الثالث: ما استدل به بعض الشافعية على عدم جواز اشتراط السقوط من ان اسقاط الخيار فى ضمن العقد اسقاط لما لم يجب، لان الخيار لا يحدث الا بعد البيع، فاسقاطه فيه

______________________________

و حيث لا لزوم للعقد لا لزوم للشرط، فاستدلالكم للزوم عقد البيع بسبب شرط اسقاط الخيار غير صحيح.

(الثانى) من وجوه الاشكال (ان هذا الشرط) شرط عدم الخيار (مخالف لمقتضى العقد) فان مقتضى عقد البيع الخيار (على ما هو ظاهر قوله: البيعان بالخيار) فان معناه ان البيع يقتضي الخيار (فاشتراط عدم كونهما) اى عدم كون البيعان (بالخيار) يكون من (اشتراط لعدم بعض مقتضيات العقد) و مثل هذا الشرط باطل، لما حقق فى محله من ان الشرط المخالف لمقتضى العقد باطل.

(الثالث: ما استدل به بعض الشافعية على عدم جواز) اى عدم نفوذ (اشتراط السقوط) لخيار المجلس (من ان اسقاط الخيار فى ضمن العقد اسقاط لما لم يجب) اى اسقاط لما ليس للمسقط، و الانسان لا يقدر ان يتصرف فيما ليس له (لان الخيار لا يحدث الا بعد البيع) فان البيع علة الخيار (فاسقاطه) اى الخيار (فيه) اى فى اثناء البيع، سواء كان فى اوّله او وسطه او آخره، كان يقول: على شرط عدم خيار المجلس

ص: 144

كاسقاطه قبله.

هذا و لكن شي ء من هذه الوجوه لا يصلح للاستشكال.

اما الاول: فلان الخارج من عموم الشرط الشروط الابتدائية، لانها

______________________________

بعتك، او يقول: بعتك على شرط عدم الخيار هذا الكتاب بدينار او يقول: بعتك الكتاب بدينار على شرط عدم الخيار (كاسقاطه قبله) غير مؤثر فى السقوط.

(هذا و لكن شي ء من هذه الوجوه) الثلاثة (لا يصلح للاستشكال).

(اما) الاشكال (الاول: فلان) حاصل الاشكال ان البيع ليس بعقد لازم، و حاصل الجواب انه عقد لازم ذاتا، و ان لم يكن لازما فعلا و اللزوم الذاتى كاف، فان الشرط فى ضمن العقد لازم الوفاء مطلقا لقوله المؤمنون عند شروطهم و لم يخرج من هذا الاطلاق الا ثلاثة امور.

الاول: الشرط الابتدائى.

الثانى: الشرط فى ضمن العقد الجائز ذاتا كبعض اقسام الهبة- و هى الهبة غير اللازمة-.

الثالث: الشرط فى ضمن عقد جائز بسبب الخيار، بحيث لا يكون الشرط مسقطا للخيار، كما اذا باعه بشرط ان يخيط ثوبه فانه ما دام العقد جائزا بسبب الخيار يكون الشرط غير لازم أيضا.

و حيث ان الشرط فيما نحن فيه «شرط اسقاط الخيار» ليس باحدها فهو داخل فى: المؤمنون عند شروطهم و يجب الوفاء به، فان (الخارج من عموم الشرط) فى الرواية، أوّلا: (الشروط الابتدائية، لانها

ص: 145

كالوعد.

و الواقعة فى ضمن العقود الجائزة بالذات او بالخيار، مع بقائها على الجواز لان الحكم بلزوم الشرط مع فرض جواز العقد المشروط به مما لا يجتمعان، لان الشرط تابع، و كالتقييد للعقد المشروط به.

______________________________

كالوعد) بل قد سبق ان تسمية ذلك شرطا على نحو من المجاز و التوسع

(و) ثانيا: الشروط (الواقعة فى ضمن العقود الجائزة) جوازا (بالذات) كالشرط فى ضمن الهبة الجائزة.

و ثالثا: ما ذكره بقوله (او) الشروط الواقعة فى ضمن العقود الجائزة جوازا (بالخيار، مع بقائها) اى بقاء تلك العقود (على الجواز) بان لم يسقط الخيار و الا فان سقط الخيار كان العقد لازما و الشرط واجب الوفاء به

و انما كان الشرط فى ضمن العقد الجائز غير لازم الوفاء به (لان الحكم بلزوم الشرط مع فرض جواز العقد) العقد اللازم ذاتا جوازا (المشروط به) اى انما صار جائز المكان شروط فى ذلك العقد، مثل خيار الشرط و «به» بمعنى «فى» (مما لا يجتمعان).

اذ كيف يكون العقد جائزا و لازما فى آن واحد.

فاذا جاز العقد جاز الشرط (لان الشرط تابع، و) هو (كالتقييد للعقد المشروط به) اى بهذا الشرط، و اذا كان المقيد جائزا تبعه القيد فى كونه جائزا.

هذا كله فى الاقسام الثلاثة للشرط الجائز.

ص: 146

اما اذا كان نفس مؤدى الشرط لزوم ذلك العقد المشروط به كما فى ما نحن فيه، لا التزاما آخر مغايرا لالتزام اصل العقد، فلزومه الثابت بمقتضى عموم وجوب الوفاء بالشرط عين لزوم العقد فلا يلزم تفكيك بين التابع و المتبوع فى اللزوم و الجواز

______________________________

(اما اذا كان نفس مؤدى الشرط) و مفاده (لزوم ذلك العقد المشروط به) اى بهذا الشرط (كما فى ما نحن فيه) اذ الشرط سقوط خيار المجلس و معناه لزوم العقد و (لا) يكون الشرط (التزاما آخر مغايرا لالتزام اصل العقد).

مثلا: لم يكن الشرط فى بيع الكتاب اعارة البائع قلمه للمشترى، حيث ان الاعارة التزام آخر (فلزومه) اى لزوم الشرط المسقط للخيار (الثابت بمقتضى عموم وجوب الوفاء بالشرط عين لزوم العقد).

فهنا لزوم ذاتى هو لزوم العقد، و لزوم ثانوى هو عدم الخيار فيه.

و الاول: جاء من «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ».

و الثانى: جاء من «المؤمنون عند شروطهم» (فلا يلزم) من وجوب الوفاء بالشرط فى المقام (تفكيك بين التابع) و هو الشرط (و المتبوع) الّذي هو العقد (فى اللزوم و الجواز).

كما اذا كان الشرط لازما، و العقد جائزا، حيث انه كان يلزم التفكيك

و لذا قلنا: بانه اذا كان العقد جائزا كان الواجب القول بجواز الشرط أيضا.

ص: 147

و اما الثانى: فلان الخيار حق للمتعاقدين اقتضاه العقد لو خلى و نفسه فلا ينافى سقوطه بالشرط.

و بعبارة اخرى المقتضى للخيار العقد بشرط لا، لا طبيعة العقد من حيث هى، حتى لا توجد بدونه.

و قوله: البيعان بالخيار، و ان كان له ظهور فى العلية التامة الا

______________________________

(و اما) الجواب عن الاشكال (الثانى) و هو ان شرط اسقاط الخيار مخالف لمقتضى العقد (ف) ان هذا الشرط مخالف لاطلاق العقد، لا انه مخالف لمقتضى العقد (لان الخيار حق للمتعاقدين اقتضاه العقد لو خلى و نفسه) اى لم يشترط اسقاطه (فلا ينافى سقوطه بالشرط) لانه لا يلزم خلاف حقيقة العقد.

(و بعبارة اخرى) نقول فى الجواب (المقتضى للخيار العقد بشرط لا) اى بشرط ان لا يكون فى العقد اشتراط سقوط الخيار (لا طبيعة العقد من حيث هى) هى، فانها طبيعة مهملة، ان اطلقت اقتضت الخيار، اما ان قيدت بعدم الخيار فليس فيها الخيار (حتى لا توجد) الطبيعة (بدونه) اى بدون الخيار.

و قوله «حتى» متعلق ب «لا طبيعة».

(و) ان قلت: ظاهر «البيعان بالخيار» ان الخيار من مقتضى طبيعة العقد و ان العقد علة تامة للخيار.

قلت: (قوله) صلى الله عليه و آله و سلم: (البيعان بالخيار، و ان كان له ظهور فى العلية التامة) اى ان الخيار من طبيعة العقد (الا

ص: 148

ان المتبادر من اطلاقه صورة الخلوّ عن شرط السقوط مع ان مقتضى الجمع بينه و بين دليل الشرط كون العقد مقتضيا، لاتمام العلة ليكون التخلف ممتنعا شرعا.

نعم يبقى الكلام فى دفع توهم انه لو بنى على الجمع بهذا الوجه بين دليل الشرط و عمومات الكتاب و السنة، لم يبق شرط مخالف للكتاب و السنة، بل و لا لمقتضى العقد.

______________________________

ان المتبادر) عرفا (من اطلاقه) اى اطلاق «بالخيار» (صورة الخلوّ عن شرط السقوط) للخيار، هذا أولا (مع) انه لو سلمنا ان ظاهر «بالخيار» (ان) الخيار من مقتضى العقد، لكن (مقتضى الجمع بينه) اى بين:

البيعان بالخيار (و بين دليل الشرط) اى: المؤمنون عند شروطهم رفع اليد عن ظهور «بالخيار» فى العلية بل (كون العقد مقتضيا لاتمام العلة ليكون التخلف) اى تخلف الخيار عن العقد بسبب شرط اسقاط الخيار (ممتنعا شرعا).

و الحاصل ان «البيعان بالخيار» لا ظهور فيه فى العلية، و لو سلم الظهور فاللازم رفع اليد منه بدليل «المؤمنون عند شروطهم».

(نعم يبقى الكلام) و الاشكال (فى دفع توهم انه لو بنى على الجمع بهذا الوجه) بتقديم دليل: المؤمنون عند شروطهم، على العمومات (بين دليل الشرط و عمومات الكتاب و السنة، لم يبق شرط مخالف للكتاب و السنة) مع ان هناك- نصا و اجماعا- شروطا مخالفة لهما بحيث لا تنفذ تلك الشروط (بل و لا) تبقى شروط مخالفة (لمقتضى العقد) مع

ص: 149

و محل ذلك و ان كان فى باب الشروط، الا ان مجمل القول فى دفع ذلك فيما نحن فيه انا حيث علمنا بالنص و الاجماع، ان الخيار حق مالى قابل للاسقاط و الارث، لم يكن سقوطه منافيا للمشروع فلم يكن اشتراطه اشتراط المنافى

______________________________

انه لا اشكال فى وجود مثل هذا الشرط، فانه لو شرط ان يشرب الخمر او يتزوج بالمرأة فى العدة، او ان لا ينتقل المثمن الى ملك المشترى فى البيع، كان الشرط باطلا، و اللازم العمل بعموم الكتاب و السنة و بمقتضى العقد.

(و محل ذلك) الاشكال و جوابه (و ان كان فى باب الشروط) حيث نذكر خيار الشرط (الا ان مجمل القول فى دفع ذلك) الاشكال (فيما نحن فيه) حتى لا يقال: ان شرط اسقاط خيار المجلس مخالف لمقتضى العقد، ان بعض الاحكام الشرعية اقتضائية كحرمة شرب الخمر، و بعضها لا اقتضائية كحلية شرب الماء فى هذا اليوم، و بعض الامور المرتبطة بالعقد داخلة فى حقيقة العقد، كالنقل و الانتقال، و بعضها ليست داخلة فى حقيقته كالخيار و الشرط لا يمكن من تغيير الاولين و انما يتمكن من تغيير الاخيرين.

ف (انا حيث علمنا بالنص و الاجماع، ان الخيار حق مالى قابل للاسقاط، و) قابل ل (الارث) فاذا مات ذو الخيار ورث وارث الميت خيار الميت، كما يرث امواله (لم يكن سقوطه) اى الخيار (منافيا للمشروع).

و عليه (فلم يكن اشتراطه) اى اشتراط سقوطه (اشتراط المنافى)

ص: 150

كما لو اشترطا فى هذا العقد سقوط الخيار فى عقد آخر.

و اما عن الثالث: بما عرفت من: ان المتبادر من النص المثبت للخيار صورة الخلوّ عن الاشتراط و اقدام المتبايعين على عدم الخيار، ففائدة الشرط ابطال المقتضى، لا اثبات المانع.

______________________________

لمقتضى العقد فحال اشتراط سقوط الخيار فى هذا العقد يكون (كما لو اشترطا فى هذا العقد سقوط الخيار فى عقد آخر) فانه يسقط الخيار فى العقد الثانى، لانه مقتضى اطلاق: المؤمنون عند شروطهم.

اما احتمال ان يكون قوله «كما» مثالا لاشتراط المنافى فهو بعيد.

(و اما) الجواب (عن) الاشكال (الثالث) بان شرط اسقاط الخيار فى ضمن العقد هو اسقاط ما لم يجب ف (بما عرفت) قبل اسطر (من: ان المتبادر من النص صورة الخلوّ عن الاشتراط)

فدليل الخيار يقول «ان لم يكن شرط كان الخيار موجودا» فيدل هذا الدليل على انه لا خيار اذا كان اشتراط (و) ذلك فيما اذا كان (اقدام) من (المتبايعين على عدم الخيار، ففائدة الشرط) فى ضمن البيع بعدم الخيار (ابطال المقتضى) ففى العقد مقتضى للخيار إن خلى و شانه بدون شرط اسقاط الخيار (لا اثبات المانع) و ان الشرط يسقط الخيار الموجود ليستشكل بانه كيف يسقط الشرط الخيار الّذي ليس بموجود، فالشرط يمنع من وجود الخيار لا ان الشرط يسقط الخيار الموجود.

ص: 151

و يمكن ان يستأنس لدفع الاشكال من هذا الوجه الثالث، و من سابقه بصحيحة مالك بن عطية المتقدمة.

ثم ان هذا الشرط يتصور على وجوه.

احدها: ان يشترط عدم الخيار، و هذا هو مراد المشهور من اشتراط السقوط، فيقول: بعت بشرط ان لا بثبت خيار المجلس كما مثل به فى الخلاف و المبسوط و الغنية و التذكرة، لان المراد بالسقوط هنا

______________________________

(و يمكن ان يستأنس لدفع الاشكال من هذا الوجه الثالث، و من سابقه) الوجه الثانى (بصحيحة مالك بن عطية المتقدمة).

و ذلك لانه لو كان فى مثل شرط سقوط الخيار اشكال، لم يكن وجه للصحيحة.

اما الاشكال الاول: فهو اشكال عقلى «بالدور» لا يمكن رفعه بالنقل لانه لو فرض تعارض العقل و النقل كان اللازم تأويل النقل، اذ لا يمكن طرح الدليل العقلى.

(ثم ان هذا الشرط) شرط عدم الخيار فى ضمن العقد (يتصور على وجوه).

(احدها: ان يشترط عدم الخيار) اصلا (و هذا هو مراد المشهور من اشتراط السقوط) للخيار (فيقول) مثلا (بعت بشرط ان لا يثبت خيار المجلس) لك، اولى، او لكلينا (كما مثل به) بهذا النحو من الاسقاط (فى الخلاف و المبسوط و الغنية و التذكرة) و «عدم الثبوت» و ان كان «غير السقوط» الا انهما فى المقام شي ء واحد (لان المراد بالسقوط هنا

ص: 152

عدم الثبوت، لا الارتفاع.

الثانى: ان يشترط عدم الفسخ، فيقول: بعت، بشرط ان لا افسخ فى المجلس فيرجع الى التزام ترك حقه، فلو خالف الشرط و فسخ فيحتمل قويّا عدم نفوذ الفسخ، لان وجوب الوفاء بالشرط مستلزم لوجوب اجباره عليه، و عدم سلطنته على تركه.

كما لو باع منذور التصدق به على ما ذهب إليه غير واحد

______________________________

عدم الثبوت) من الاصل (لا الارتفاع) بعد وجوده.

نعم اذا شرط سقوط خيار المجلس بعد ساعة من البيع كان سقوطا حقيقة، لانه يكون بعد الثبوت.

(الثانى: ان يشترط عدم الفسخ، فيقول: بعت، بشرط ان لا افسخ فى المجلس) او بشرط ان لا تفسخ انت او بشرط ان لا يفسخ احد منّا (فيرجع) هذا الشرط (الى التزام ترك حقه) لا انه لا خيار له، بل لا ينفذ خياره (فلو خالف الشرط و فسخ، ف) فيه احتمالان.

اذ (يحتمل قويّا عدم نفوذ الفسخ) اصلا (لان وجوب الوفاء بالشرط) بدليل: المؤمنون عند شروطهم (مستلزم لوجوب اجباره عليه) اى على الوفاء (و) لازم الاجبار (عدم سلطنته على تركه) اى على ترك الشرط.

و معنى هذا الاحتمال ان «التكليف بعدم الفسخ» يتبع «الوضع» و ان فسخه باطل، فالعقد بحاله.

(كما لو باع منذور التصدق به على ما ذهب إليه غير واحد) حيث قالوا ببطلان البيع، فان وجوب الوفاء بالنذر يتبع بطلان البيع من باب ان

ص: 153

فمخالفة الشرط و هو الفسخ غير نافذة فى حقه.

و يحتمل النفوذ لعموم دليل الخيار، و الالتزام بترك الفسخ لا يوجب فساد الفسخ على ما قاله بعضهم من ان بيع منذور التصدق حنث موجب للكفارة، لا فاسد.

و حينئذ فلا فائدة فى هذا غير الاثم على مخالفته اذ ما يترتب على مخالفة الشرط فى غير هذا المقام من تسلط المشروط له على الفسخ، لو خولف الشرط، غير مرتب هنا.

______________________________

الحكم التكليفى يستتبع الحكم الوضعى.

و عليه (فمخالفة الشرط و هو الفسخ غير نافذة فى حقه) و يكون البيع ثابتا لازما.

(و يحتمل النفوذ) اى نفوذ الفسخ و ذلك (لعموم دليل الخيار) من قوله عليه السلام «البيعان بالخيار» (و الالتزام) حسب الشرط (بترك الفسخ) و ان كان واجبا تكليفا، الا انه (لا يوجب فساد الفسخ).

اذ لا وجه لفساد الفسخ بعد ان كان اختياره بيده وضعا (على ما قاله بعضهم من ان بيع منذور التصدق حنث) للنذر، و (موجب للكفارة لا فاسد) (و حينئذ) اى حين اذ كان حنثا (فلا فائدة فى هذا) النذر (غير الاثم على مخالفته) اى مخالفة النذر (اذ ما يترتب على مخالفة الشرط فى غير هذا المقام من تسلط المشروط له على الفسخ، لو خولف الشرط غير مرتب هنا).

ص: 154

و الاحتمال الاول اوفق بعموم وجوب الوفاء بالشرط الدال على وجوب ترتب آثار الشرط، و هو عدم الفسخ فى جميع الاحوال حتى بعد الفسخ فيستلزم ذلك كون الفسخ الواقع لغوا، كما تقدم نظيره فى الاستدلال بعموم وجوب الوفاء بالعقد على كون فسخ احدهما منفردا لغوا لا يرفع وجوب الوفاء.

الثالث: ان يشترط اسقاط الخيار

______________________________

(و الاحتمال الاول اوفق بعموم وجوب الوفاء بالشرط الدال على وجوب ترتب آثار الشرط) شرط عدم الفسخ (و هو) اى ترتيب الآثار يكون ب (عدم الفسخ فى جميع الاحوال حتى بعد الفسخ) اللفظى، فانه و ان فسخ لفظا لكن اثر عدم الفسخ موجود (فيستلزم ذلك) اى ما ذكرناه من وجوب ترتب آثار الشرط (كون الفسخ الواقع لغوا) فوجوده كعدمه، و يكون البيع باقيا على حاله (كما تقدم نظيره فى الاستدلال بعموم وجوب الوفاء بالعقد) فى الآية المباركة (على كون فسخ احدهما منفردا لغوا).

اذ معنى وجوب الوفاء الوضع، لا مجرد التكليف.

ففسخ احدهما (لا يرفع وجوب الوفاء).

و الحاصل استفادة الوضع من التكليف.

(الثالث) من الوجوه (ان يشترط اسقاط الخيار) بان يشترط كل واحد منهما على الآخر ان يسقط خياره بعد البيع، و كذا اذا شرط احدهما على الآخر، فانه يلزمه فقط دون من لم يشترط عليه، و حينئذ يكون لاحدهما الخيار.

ص: 155

و مقتضى ظاهره وجوب الاسقاط بعد العقد فلو اخل به و فسخ العقد ففى تأثير الفسخ الوجهان المتقدمان.

و الاقوى عدم التأثير و هل للمشروط له الفسخ بمجرد عدم اسقاط المشترط الخيار بعد العقد و ان لم يفسخ وجهان.

______________________________

(و مقتضى ظاهره) اى ظاهر الشرط (وجوب الاسقاط بعد العقد) لان الشرط يسبب التكليف لقوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم، فليس من تأثير الشرط انه اذا لم يفعله المشروط عليه كان للشارط ان يفسخ فقط، بل له ذلك بالإضافة الى وجوب الوفاء بالشرط على المشروط عليه (فلو اخل) المشروط عليه (به) اى بالشرط (و فسخ العقد، ففى تأثير الفسخ الوجهان المتقدمان).

من ان له خيار الفسخ ففسخه صحيح و ان كان آثما فى عدم التزامه بشرطه.

و من ان الشرط يقتضي الوضع، فلا تأثير لفسخه، بالإضافة الى انه فعل حراما.

(و الاقوى) عند المصنف (عدم التأثير) لقاعدة: ان الشرط يقتضي الوضع (و هل للمشروط له الفسخ بمجرد عدم اسقاط المشترط الخيار) «الخيار» مفعول «اسقاط» (بعد العقد) متعلق بالاسقاط (و ان لم يفسخ)- فانه اذا خالف و فسخ لم يبق للشارط موضع لتنفيذ شرطه- أم ليس للمشروط الفسخ بمجرد ذلك (وجهان).

و لا يخفى انه اما ان يفرض للشارط خياران، خيار المجلس و خيار

ص: 156

من عدم حصول الشرط.

و من ان المقصود منه ابقاء العقد، فلا يحصل التخلف الا اذا فسخ.

و الاولى بناء على القول بعدم تأثير الفسخ هو عدم الخيار لعدم تخلف الشرط.

و على القول بتأثيره ثبوت الخيار

______________________________

الاشتراط.

و اما ان يفرض خيار الاشتراط فقط، لانه شرط عليه عدم خيار المجلس، او انه سقط خيار مجلسه بسبب من الاسباب.

و كيف كان فلا يستشكل بانه لا مورد لقوله «و هل» حيث ان للشارط خيار المجلس.

(من عدم حصول الشرط) فله خيار تخلف الشرط.

(و من ان المقصود منه) اى من شرط اسقاط الخيار (ابقاء العقد، فلا يحصل التخلف) من هذا الشرط بعد بقاء العقد (الا اذا فسخ) و لم يحصل الفسخ فرضا.

(و الاولى) التفصيل بين المبانى، ف (بناء على القول بعدم تأثير الفسخ) كما اختاره المصنف بقوله «و الاقوى عدم التأثير» (هو عدم الخيار لعدم تخلف الشرط) لما عرفت من ان المقصود من «شرط ان لا يفسخ» ابقاء العقد، و قد بقى العقد غير متزلزل.

(و على القول بتأثيره) اى انه يتمكن من الفسخ، و انما يكون فاعلا للحرام اذا فسخ (ثبوت الخيار) للشارط بمجرد عدم اسقاط المشروط عليه

ص: 157

لانه قد يكون الغرض من الشرط عدم تزلزل العقد، و يكون بقاء المشترط على سلطنة الفسخ مخالفا لمصلحة المشروط له.

و قد يموت ذو الخيار و ينتقل الى وارثه.

بقى الكلام فى ان المشهور ان تأثير الشرط انما هو مع ذكره فى متن العقد، فلو ذكراه قبله لم يفد، لعدم الدليل على وجوب الوفاء به.

و صدق الشرط على غير المذكور فى العقد غير ثابت،

______________________________

الخيار.

و انما كان للشارط (لانه قد يكون الغرض من الشرط عدم تزلزل العقد، و) هذه الفائدة لم تحصل للشارط، اذ (يكون بقاء المشترط على سلطنة الفسخ مخالفا لمصلحة المشروط له) فله ان يفسخ حتى لا يكون فى حال تزلزل من جهة عدم حصول مصلحته.

(و قد يموت ذو الخيار) المشترط عليه الفسخ (و ينتقل) الخيار (الى وارثه) و الشارط لا يريد ابتلائه بالوارث، الى غير ذلك.

(بقى الكلام فى ان المشهور ان تأثير الشرط انما هو مع ذكره فى متن العقد) و لو على نحو تقديم الظرف، مثل ان يقول: على شرط كذا بعتك هذا الكتاب بدينار (فلو ذكراه قبله) بان لم يكن الشرط جزء من العقد (لم يفد) فى الالزام و الالتزام (لعدم الدليل على وجوب الوفاء به) فالاصل عدم وجوب الوفاء به.

(و) ان قلت: يصدق الشرط عليه.

قلت: (صدق الشرط على غير المذكور فى العقد غير ثابت) و ان قال

ص: 158

لان المتبادر عرفا هو الالزام و الالتزام المرتبط بمطلب آخر.

و قد تقدم عن القاموس: انه الالزام و التزام فى البيع و نحوه.

و عن الشيخ و القاضى تأثير الشرط المتقدم.

قال فى محكى الخلاف: لو شرطا قبل العقد ان لا يثبت بينهما خيار بعد العقد، صح الشرط و لزم العقد بنفس الايجاب و القبول.

ثم نقل الخلاف عن بعض اصحاب الشافعى.

______________________________

به بعض بل هذا هو الاقرب عندنا اذا اجريا العقد بناء عليه، و لا نسلم التبادر الّذي ذكره المصنف بقوله: (لان المتبادر عرفا هو الالزام و الالتزام المرتبط بمطلب آخر) و الشرط السابق ليس بمرتبط- على راى المصنف- فهو شرط ابتدائى و مثله لا يوجب شيئا.

(و قد تقدم عن القاموس: انه الالزام و التزام فى البيع و نحوه) من العقود و الايقاعات اللازمة.

(و) لكن (عن الشيخ و القاضى تأثير الشرط المتقدم) فى وجوب الوفاء به.

(قال فى محكى الخلاف: لو شرطا قبل العقد ان لا يثبت بينهما خيار) المجلس (بعد العقد، صح الشرط و لزم العقد بنفس الايجاب و القبول) بدون حاجة الى تكرار الشرط مع الايجاب و القبول.

(ثم نقل) الشيخ (الخلاف) فى المسألة (عن بعض اصحاب الشافعى) و انه قال: بان الشرط يلزم ان يكون فى ضمن العقد حتى يؤثر، اما اذا كان قبله فلا تأثير له.

ص: 159

ثم قال: دليلنا انه لا مانع من هذا الشرط.

و الاصل جوازه.

و عموم الاخبار فى جواز الشرط يشمل هذا الموضع انتهى.

و نحوه المحكى عن جواهر القاضى

و قال فى المختلف على ما حكى عنه بعد ذلك: و عندى فى ذلك نظر فان الشرط انما يعتبر حكمه لو وقع فى متن العقد.

نعم لو شرطا قبل العقد، و تبايعا على ذلك الشرط، صحّ ما شرطاه انتهى.

______________________________

(ثم قال) الشيخ (دليلنا انه لا مانع من) تأثير (هذا الشرط) المقدم على العقد.

(و الاصل) اى مقتضى القاعدة (جوازه) اى نفوذه.

(و) ذلك لان (عموم الاخبار فى جواز الشرط يشمل هذا الموضع) الّذي يكون الشرط فيه مقدما على العقد (انتهى) كلام الشيخ.

(و نحوه المحكى عن جواهر القاضى).

(و قال فى المختلف على ما حكى عنه بعد ذلك) الكلام المحكى عن الشيخ (و عندى فى ذلك) اى فى تأثير الشرط المتقدم (نظر).

(ف) وجه النظر (ان الشرط انما يعتبر حكمه) و يكون واجب الوفاء (لو وقع فى متن العقد) لا ما اذا كان الشرط خارجا قبلا او بعدا.

(نعم لو شرطا قبل العقد، و تبايعا على ذلك الشرط، صحّ ما شرطاه) لانه شرط فى ضمن العقد أيضا (انتهى) كلام العلامة.

ص: 160

اقول: التبايع على ذلك الشرط ان كان بالاشارة إليه فى العقد بان يقول- مثلا-: بعت على ما ذكر، فهو من المذكور فى متن العقد.

و ان كان بالقصد إليه و البناء عليه عند الانشاء فهذا هو ظاهر كلام الشيخ.

نعم يحتمل ان يريد الصورة الاولى و اراد بقوله:

______________________________

(اقول) يرد على قول العلامة «نعم» احد اشكالين على سبيل منع الخلو.

لانه ان اشير الى الشرط فى متن العقد فهو من الشرط فى متن العقد و ليس استثناء، فلا وجه لاستثناء العلامة له.

و ان لم يشر الى الشرط فى متن العقد، فكلام العلامة هو كلام الشيخ فلا وجه لقول العلامة: و عندى فى ذلك نظر.

فان (التبايع) و التبانى (على ذلك الشرط ان كان بالاشارة إليه فى العقد، بان) يشترطا أولا ثم (يقول- مثلا-: بعت على ما ذكر) من الشرط (فهو من) الشرط (المذكور فى متن العقد) و لا يكون استثناء كما استثناه العلامة بقوله «نعم لو شرطا».

(و ان كان) التبايع على ذلك الشرط (بالقصد إليه و البناء عليه عند الانشاء) للعقد بدون الاشارة (فهذا هو ظاهر كلام الشيخ) و لا وجه لاشكال العلامة عليه، لان الشيخ و العلامة كليهما يقولان كلاما واحدا.

(نعم يحتمل ان يريد) الشيخ بكلامه فى كفاية التبانى على الشرط (الصورة الاولى) اى ما كان الشرط فى متن العقد (و اراد بقوله) بجواز

ص: 161

قبل العقد، قبل تمامه، و هذا هو المناسب للاستدلال له بعدم المانع من هذا الاشتراط.

و يؤيده أيضا، بل بعينه ان بعض اصحاب الشافعى انما يخالف فى صحة هذا الاشتراط فى متن العقد.

و

______________________________

الشرط (قبل العقد، قبل تمامه) اى يشترط فى اثناء العقد قبل ان يتم العقد لا انه اراد اجراء صيغة العقد (و هذا) اى ارادته كون الشرط فى اثناء العقد (هو المناسب للاستدلال له بعدم المانع من هذا الاشتراط)

و ذلك لانه ان كان قبل اجراء العقد كان هناك مانع عن لزوم هذا الاشتراط و المانع انه ليس فى ضمن بيع او نحوه و قد تقدم ان الشرط انما يلزم اذا كان فى ضمن بيع او نحوه- كما عن القاموس-.

(و يؤيده) اى يؤيد ان الشيخ اراد من «قبل العقد» قبل تمام العقد (أيضا، بل يعينه ان بعض اصحاب الشافعى انما يخالف فى صحة هذا الاشتراط فى متن العقد).

و قد عرفت ان الشيخ ذكر كلامه مقابل كلام الشافعى، فاذا كان الشافعى يخالف فى الاشتراط فى متن العقد، فالشيخ يقول: ان الاشتراط فى متن العقد كاف «فليس كلام الشيخ فى الشرط قبل اجراء صيغة العقد».

(و) يدل على ان بعض الشافعية خلافهم فى الشرط فى متن العقد و انهم يرون ان مثل هذا الشرط ليس بملزم، و انما يلزم ان يكون الشرط

ص: 162

قد صرح فى التذكرة، بذكر خلاف بعض الشافعية فى اشتراط عدم الخيار فى متن العقد.

و استدل عنهم بان الخيار بعد تمام العقد فلا يصح اسقاطه قبل تمامه.

و الحاصل: ان ملاحظة عنوان المسألة فى الخلاف و التذكرة، و استدلال الشيخ على الجواز، و بعض الشافعية على المنع، يكاد يوجب القطع بعدم إرادة الشيخ صورة ترك الشرط فى متن العقد.

______________________________

بعد العقد، ما (قد صرح) العلامة (فى التذكرة، بذكر خلاف بعض الشافعية فى اشتراط) هم (عدم الخيار فى متن العقد) قالوا فاذا كان فى متن العقد لم يكن مؤثرا.

(و استدلال) العلامة (عنهم بان الخيار) يحدث (بعد تمام العقد) لان العقد سبب الخيار (فلا يصح اسقاطه قبل تمامه) اى قبل تمام العقد فانه اسقاط لما لم يوجد، و ذلك محال.

(و الحاصل) ان الشيخ لا يريد بيان ان الشرط قبل العقد كاف، بل يريد بيان ان الشرط فى اثناء العقد كاف.

ف (ان ملاحظة عنوان المسألة فى الخلاف و التذكرة، و) ملاحظة (استدلال الشيخ على الجواز) بانه لا مانع من هذا الشرط (و بعض الشافعية على المنع) بانه اسقاط ما لم يحدث (يكاد يوجب القطع بعدم إرادة الشيخ) صحة الشرط المتقدم على اجراء العقد، و ان (صورة ترك الشرط فى متن العقد) و جعله قبل اجراء العقد كاف فى لزومه.

ص: 163

و كيف كان فالاقوى ان الشرط غير المذكور فى متن العقد غير مؤثر لانه لا يلزم بنفس اشتراطه السابق لان المتحقق فى السابق اما وعد بالتزام او التزام تبرعى لا يجب الوفاء به و العقد اللاحق و ان وقع مبنيا عليه لا يلزمه لانه الزام مستقل لا يرتبط بالتزام العقد

______________________________

(و كيف كان) كلام الشيخ (ف) الظاهر عندنا ان الشرط المذكور قبل العقد المبنى عليه العقد، لازم الوفاء، و يشمله كل ادلة الشرط بل هو كذلك عند العقلاء، و قد أمضاه الشارع، فاللازم القول به.

و ان كان (الاقوى) عند المصنف (ان الشرط غير المذكور فى متن العقد غير مؤثر) فى وجوب الوفاء به.

و ذلك (لانه لا يلزم بنفس اشتراطه السابق) قبل العقد (لان المتحقق فى السابق اما وعد بالتزام) كانه قال لطرفه: انى اعدك بان التزم ان لا افسخ العقد (او التزام تبرعى) كانه قال: انى التزمت ان لا افسخ.

و من المعلوم ان كلا الامرين (لا يجب الوفاء به) اذا الشرط الزام او التزام فى ضمن بيع او نحوه كما عرفت (و العقد اللاحق) عطف على «لا يلزم» اى ان وجوب الوفاء بهذا الشرط ان كان من جهة نفسه من غير ملاحظة العقد فقد عرفت انه غير ملزم.

و ان كان من جهة «العقد اللاحق» ففيه ان العقد (و ان وقع مبنيا عليه) لكنه (لا يلزمه) اى ان العقد لا يلزم هذا الشرط (لانه) اى الشرط السابق (الزام مستقل لا يرتبط بالتزام العقد) فى نفسه، فهو التزام و

ص: 164

الا بجعل المتكلم، و الا فهو بنفسه ليس من متعلقات الكلام العقدى مثل العوضين و قيودهما حتى يقدر شرطا منويا، فيكون كالمحذوف النحوى بعد نصب القرينة، فان من باع داره- فى حال بنائه فى الواقع على عدم الخيار له- لم يحصل له فى ضمن بيعه إنشاء التزام بعدم الخيار، و لم يقيد انشائه بشي ء بخلاف قوله: بعتك على ان لا خيار لى الّذي مؤداه

______________________________

العقد التزام آخر، و لا يرتبط احدهما بالآخر (الا بجعل المتكلم) احدهما مرتبطا بالآخر (و الا فهو) اى الشرط (بنفسه ليس من متعلقات الكلام العقدى مثل العوضين) فانهما من متعلقات «بعت» و «اشتريت» (و قيودهما) عطف على العوضين، مثل قيد ان يكون مع المبيع الشي ء الفلانى كالمروحة المنصوبة فى الدار مثلا (حتى يقدر شرطا منويا) فى العقد (فيكون) حاله (كالمحذوف النحوى بعد نصب القرينة) كما اذا قال «دنف» فى جواب «كيف زيد» حيث ان «زيد» محذوف، ف «دنف» خبر له (فان من باع داره- فى حال بنائه فى الواقع) و فى نفسه (على عدم الخيار له- لم يحصل له فى ضمن بيعه إنشاء التزام بعدم الخيار) اى إنشاء نفسى (و لم يقيد انشائه بشي ء) لفظى، فمن اين يجب الالتزام بهذا الشرط المقدم فى الكلام؟

اقول فيه: انه اذا بنيا البيع عليه، كان ذلك إنشاء نفسيا، فلا يتم قوله «لم يحصل».

و هذا (بخلاف قوله: بعتك على ان لا خيار لى الّذي مؤداه) و معناه

ص: 165

بعتك ملتزما على نفسى و بانيا على ان لا خيار لى فان انشائه للبيع قد اعتبر مقيدا بانشائه التزام عدم الخيار فحاصل الشرط الزام فى التزام مع اعتبار تقييد الثانى بالاول.

و تمام الكلام فى باب الشروط ان شاء الله تعالى.

فرع: ذكر العلامة فى التذكرة موردا لعدم جواز اشتراط نفى خيار المجلس و غيره

______________________________

(بعتك ملتزما على نفسى و بانيا على ان لا خيار لى) فيكون التزاما فى التزام (فان انشائه للبيع قد اعتبر مقيدا بانشائه التزام عدم الخيار).

و عليه (ف) يكون (حاصل الشرط) فى المثال المزبور (الزام فى التزام، مع اعتبار تقييد الثانى) الشرط (بالاول) اى العقد.

و انما قال «مع» لبيان ان العقد ليس ظرفا فقط للشرط بل العقد مقيد به.

(و تمام الكلام فى باب الشروط ان شاء الله تعالى) و الله سبحانه المستعان.

(فرع: ذكر العلامة فى التذكرة موردا لعدم جواز اشتراط نفى خيار المجلس و غيره) اى و نفى غير خيار المجلس، اى لا يصح ان ينفى كل خيار.

اما اذا نفى بعض الخيارات كما اذا كان له خيار العيب، و الغبن و المجلس فقال بشرط عدم خيار المجلس لم يضر.

اذ هذا الشرط لا ينفى النذر.

ص: 166

فى متن العقد، و هو ما اذا نذر المولى ان يعتق عبده اذا باعه بان قال: لله على ان اعتقك اذا بعتك.

قال: لو باعه بشرط نفى الخيار لم يصح البيع لصحة النذر فيجب الوفاء به، و لا يتم برفع الخيار.

و

______________________________

اما اذا قال بشرط ان لا خيار لى اطلاقا، فانه يضر بالنذر (فى متن العقد، و هو) اى هذا المورد (ما اذا نذر المولى ان يعتق عبده اذا باعه بان قال: لله على ان اعتقك اذا بعتك) او قال: لله على ان اعتق عبدى فلانا اذا بعته، و مثله اليمين.

و كذا اذا شرط العتق فى ضمن معاملة سابقة، كما اذا اشترى العبد بشرط انه اذا باعه اعتقه.

و لا يخفى ان العبد و العتق من باب المثال، و الا فاذا نذر ان يذبح حيوانه فى سبيل الله اذا باعه كان كذلك، فليس له ان يسقط خياراته فى ضمن البيع، و ان كان له ان يسقط بعض خياراته.

(قال: لو باعه بشرط نفى الخيار لم يصح البيع).

و ذلك (لصحة النذر فيجب الوفاء به، و لا يتم) اى لا يمكن الوفاء بالنذر (برفع الخيار) اى كيف يعتق مال الغير و لا عتق الا فى ملك.

(و) لكن يمكن ان يقال: بصحة البيع و بطلان شرط سقوط الخيار اذ الشرط مصادم للنذر.

اما البيع فلا مصادمة له مع النذر.

ص: 167

على قول بعض علمائنا من صحة البيع مع بطلان الشرط يلغو الشرط و يصح البيع و يعتق، انتهى.

اقول هذا مبنى على ان النذر المعلق بالعين يوجب عدم تسلط الناذر على التصرفات المنافية له.

و قد مرّ ان الاقوى فى الشرط أيضا كونه كذلك.

______________________________

و إليه اشار بقوله: و (على قول بعض علمائنا من صحة البيع مع بطلان الشرط) اى شرط عدم الخيار (يلغو الشرط، و يصح البيع و يعتق)- بصيغة المعلوم- اى بعد البيع يعتق البائع عبده (انتهى) كلام العلامة ره.

اقول: و يمكن فى بعض الصور صحة البيع و الشرط- فيما اذا لم يكن تصادم- كما اذا باعه من مورثه الّذي يموت بعد قليل فيرثه، او ممن يشتريه منه، او نحو ذلك، و فرض كلام العلامة فى صورة المصادمة.

(اقول هذا) الكلام من العلامة (مبنى على ان النذر المعلق بالعين يوجب عدم تسلط الناذر على التصرفات المنافية له) اى للنذر فاذا نذران يتصدق بشاته لم يجز له بيعها و هبتها هبة لازمة، و نحو ذلك فالنذر يوجب الحجر فى الملك، و فى غير الملك فاذا نذران يجعل ما حجره مسجدا «و المحجور غير مملوك» لم يجز له ترك تحجيره حتى يرجع مباحا اصليا مثلا، الى غير ذلك من الامثلة.

(و قد مرّ ان الاقوى فى الشرط أيضا) كالنذر (كونه كذلك) اى انه اذا شرط لم يكن له ان يتصرف تصرفا ينافى الشرط، فاذا اشترى

ص: 168

..........

______________________________

العبد بشرط ان يعتقه لم يكن له ان يبيعه، اذ البيع يصطدم مع الشرط.

و كذلك اذا شرط فى النكاح ان لا يتزوج عليها، لم يكن له النكاح عليها، الى غير ذلك من الامثلة.

ص: 169

مسئلة: و من المسقطات اسقاط هذا الخيار بعد العقد

بل هذا هو المسقط الحقيقى.

و لا خلاف ظاهرا فى سقوطه بالاسقاط.

و يدل عليه بعد الاجماع فحوى ما سيجي ء من النص الدال على سقوط الخيار بالتصرف، معللا بانه رضاء بالبيع.

______________________________

(مسألة: و من المسقطات) لخيار المجلس (اسقاط هذا الخيار بعد العقد) سواء اسقطه احدهما او كلاهما (بل هذا هو المسقط الحقيقى) بينما بعض المسقطات السابقة سقوط، لا اسقاط (و لا خلاف ظاهرا فى سقوطه بالاسقاط).

(و يدل عليه بعد الاجماع) المراد بالاجماع ما ذكره: من لا خلاف، فلا يقال: ان بين كلاميه تنافى.

أولا: ما دلّ على ان الخيار حق و من المعلوم ان الحق كالملك يسقط بالاعراض، اما ان الخيار حق فلشهادة العرف بذلك، و اما سقوط الملك بالاعراض فلان العرف يرى ذلك، و الشارع امضى الامرين لانه لم يحدث تغييرا.

و ثانيا: (فحوى ما سيجي ء من النص الدال على سقوط الخيار بالتصرف، معللا بانه رضاء بالبيع).

فان هذه العلة تدل على انه كلما حصل الرضا بالبيع، بمعنى عدم الأخذ بالخيار و اسقاطه سقط، فاذا كان التصرف الّذي هو اقل من

ص: 170

مضافا الى القاعدة المسلمة من ان لكل ذى حق اسقاط حقه.

و لعله لفحوى: تسلط الناس على اموالهم، فهم اولى بالتسلط على حقوقهم المتعلقة بالاموال، و لا معنى لتسلطهم على مثل هذه الحقوق غير القابلة للنقل، إلا نفوذ تصرفهم فيها بما يشمل الاسقاط.

و يمكن الاستدلال له بدليل الشرط

______________________________

الاسقاط- لانه يدل على الاسقاط- موجبا لسقوط الخيار، كان الاسقاط اولى بكونه مسقطا له (مضافا الى القاعدة المسلمة من ان لكل ذى حق اسقاط حقه) و ذلك لان معنى الحق هو هذا فانه و ان كان قد يستعمل الحق بمعنى الحكم الّذي ليس لذى الحق اسقاطه، الا ان ذلك بحاجة الى قرينة خارجية.

(و لعله) اى لعل الدليل على ان لكل ذى حق اسقاط حقه (لفحوى تسلط الناس على اموالهم) كما فى النص (فهم اولى بالتسلط على حقوقهم المتعلقة بالاموال).

وجه الاولوية ان الحق اقل من المال، لانه مرتبة ضعيفة من الملك (و لا معنى لتسلطهم على مثل هذه الحقوق غير القابلة للنقل).

و انما لم يكن قابلا لنقل، لانه لا دليل على ذلك، فاللازم الاقتصار على موضع الدليل، و هو ان لهم الاخذ بالحق (إلا نفوذ تصرفهم فيها بما يشمل الاسقاط) كما انه يشمل عدم الاسقاط.

(و يمكن الاستدلال له) اى لسقوط خيار المجلس بالاسقاط (بدليل الشرط) فانه لو اسقط خياره فقد التزم بالسقوط، فيشمله دليل المؤمنون

ص: 171

لو فرض شموله للالتزام الابتدائى.

ثم ان الظاهر سقوط الخيار بكل لفظ يدل عليه باحدى الدلالات العرفية، للفحوى المتقدمة.

و فحوى ما دل على كفاية بعض الافعال فى اجازة عقد الفضولى.

و صدق الاسقاط النافذ بمقتضى ما تقدم من التسلط على اسقاط الحقوق.

______________________________

عند شروطهم، و قد سبق ان الشرط يقتضي الوضع (لو فرض شموله) اى الشرط (للالتزام الابتدائى).

(ثم ان الظاهر) من اطلاقات ادلة سقوط الخيار بالاسقاط (سقوط الخيار بكل لفظ يدل عليه) اى على الاسقاط (باحدى الدلالات العرفية) كالدلالة الصريحة و الاشارة و الكناية و العمل كما انه اذا اعتيد ان من يسقط خياره يضع المتاع فى موضع خاص.

و انما قلنا الظاهر ذلك (للفحوى المتقدمة) اى ما ذكرنا من فحوى سقوط الخيار بالتصرف.

(و فحوى ما دل على كفاية بعض الافعال فى اجازة عقد الفضولى) مثل: ما دلّ على ان سكوت المولى اجازة لنكاح العبد، و ان سكوت البكر دليل على رضاها.

(و) يدل أيضا على كفاية كل دلالة فى الاسقاط (صدق الاسقاط) عرفا (النافذ) صفة الاسقاط (بمقتضى ما تقدم من التسلط على اسقاط الحقوق) فاذا كان شي ء يدلّ على اسقاط الحق و المسقط يوجب السقوط

ص: 172

و على هذا فلو قال احدهما: اسقطت الخيار من الطرفين، فرضى الآخر سقط خيار الراضى أيضا، لكون رضاه باسقاط الآخر خياره اسقاطا أيضا.

مسألة: لو قال احدهما لصاحبه: اختر فان اختيار المأمور الفسخ فلا اشكال فى انفساخ العقد.

و ان اختار الامضاء، ف

______________________________

لزم السقوط بكل ما دلّ على ذلك.

(و على هذا) الّذي قلنا ان كل دال على الاسقاط يوجب السقوط (فلو قال احدهما: اسقطت الخيار من الطرفين، فرضى الآخر) بمقالة صاحبه (سقط خيار الراضى أيضا) كما سقط خيار المتكلم (لكون رضاه باسقاط الآخر خياره اسقاطا) له (أيضا) «اسقاطا» خبر «كون».

و مثله ما لو قال له: اسقط خيارك، فقال نعم، فقال اسقطت خيارك الى غير ذلك مما يدل على الرضى بسقوط الخيار إنشاء.

(مسألة: لو قال احدهما لصاحبه: اختر) او ما فى معناه (فان اختار المأمور الفسخ فلا اشكال فى انفساخ العقد) لان له الفسخ سواء امره بذلك أم لا، نعم قد يكون قول الآمر «اختر» يعنى عن نفسك، و قد يقصد عن نفسه و قد يقصد الاطلاق، فان قصد اختر عن نفسك، لم يكن قول المأمور «فسخت» اذا قصد به الفسخ عن الامر فسخا، اذ انه لم يكن وكيلا له فى الفسخ و لم يفسخ عن نفسه.

(و ان اختار الامضاء، ف) لا شك انه يسقط خيار المضى حينئذ،

ص: 173

فى سقوط خيار الآمر أيضا مطلقا كما عن ظاهر الاكثر بل عن الخلاف الاجماع عليه، او بشرط ارادته تمليك الخيار لصاحبه و الا فهو باق مطلقا كما هو ظاهر التذكرة او مع قيد إرادة الاستكشاف دون التفويض و يكون حكم التفويض كالتمليك اقوال

______________________________

لفرض انه اسقط خياره، بسبب اختياره امضاء العقد، و (فى سقوط خيار الآمر أيضا مطلقا) مقابل التفصيل الآتى (كما عن ظاهر الاكثر بل عن الخلاف الاجماع عليه).

و ذلك لانه فوض الخيار الى صاحبه و صاحبه اسقط الخيار (او) التفصيل بسقوط خيار الآمر (بشرط ارادته تمليك الخيار لصاحبه).

و الخيار يملّك، لانه حق قابل للتمليك كما انه قابل للاسقاط، بل لا يبعد قبوله للمعارضة (و الا) يرد تمليك الخيار لصاحبه (فهو باق مطلقا) مقابل التفصيل الآتى (كما هو ظاهر التذكرة) فانه اذا لم يرد تمليك الخيار لصاحبه فلا وجه لسقوط خياره بمجرد قوله لصاحبه «اختر» فان كلمة «اختر» ليست من مسقطات الخيار (او مع قيد) «الا هو باق» ب (إرادة الاستكشاف دون التفويض).

و حاصله: اخراج صورة اخرى من «الا هو باق» و هى صورة التفويض (و) عليه (يكون حكم التفويض كالتمليك) فى انه يوجب سقوط الخيار (اقوال) ثلاثة الاول: ان «اختر» يوجب سقوط خيار الآمر مطلقا.

الثانى: انه يوجب سقوطه ان اراد التمليك، و ان لم يرد التمليك فلا سقوط.

الثالث: انه يوجب سقوطه ان اراد التمليك، او التفويض و ان

ص: 174

و لو سكت فخيار الساكت باق اجماعا، و وجهه واضح.

و اما خيار الآمر ففى بقائه مطلقا، او بشرط عدم إرادة تمليك الخيار كما هو ظاهر التذكرة، او سقوط خياره مطلقا، كما عن الشيخ، اقوال.

و الاولى ان يقال: ان كلمة: اختر

______________________________

لا يوجب سقوطه فلا فرق لان «التمليك» معناه ان الخيار انتقل الى المأمور فله خياران فاذا اسقط المأمور خيار نفسه، كان له خيار الآمر.

و اما «التفويض» فمعناه ان «الخيار للآمر» حتى ان الآمر ان اراد سحب تفويضه الى نفسه رجع الخيار إليه، و انما للمأمور ان يجرى خيار الآمر وكالة عنه (و لو سكت) المأمور بعد قول الآمر «اختر» بان لم يفسخ و لم يمض (فخيار الساكت) اى المأمور (باق اجماعا، و وجهه واضح) لانه لم يستعمل خياره، نفيا و لا ايجابا.

(و اما خيار الآمر ففى بقائه مطلقا، او) يفصل فيبقى (بشرط عدم إرادة تمليك) الآمر (الخيار) للمأمور (كما هو ظاهر التذكرة، او سقوط خياره) بمجرد الامر (مطلقا) اى سواء اراد التمليك، أم لا (كما عن الشيخ، اقوال) ثلاثة.

ثم ان تمليك الآمر خياره للمأمور انما يكون مملّكا اذا قبل المأمور و إلا فإن لم يقبل المأمور لم يملك المأمور الخيار لاصالة عدم التملك بدون القبول و الله العالم.

(و الاولى ان يقال: ان كلمة: اختر) و ما يراد فها فى سائر اللغات، او ما يشابهها فى اللغة العربية مثل «تخير» و «انت مختار»

ص: 175

بحسب وضعه لطلب اختيار المخاطب احد طرفى العقد من الفسخ و الامضاء و ليس فيه دلالة على ما ذكروه من تمليك الخيار، او تفويض الامر او استكشاف الحال.

نعم الظاهر عرفا من حال الآمر ان داعيه استكشاف حال المخاطب، و كانه فى العرف السابق كان ظاهرا فى تمليك المخاطب امر الشي ء، كما يظهر من باب الطلاق

______________________________

الى غيرها (بحسب وضعه) لغة انما هو (لطلب اختيار المخاطب احد طرفى العقد من الفسخ و الامضاء) فانه دلالته المطابقية (و ليس فيه دلالة) باحدى الدلالات الثلاث (على ما ذكروه من تمليك الخيار) بنقل المتكلم خياره الى المخاطب.

و الظاهر ان له الحق فى النقل، اذ الخيار ملكه، فكما له اسقاطه كذلك له نقله الى انسان آخر.

و منه يعلم ان قول ذى الخيار، لشخص ثالث «اختر» حاله حال ما اذا قال لطرفه، لوحدة المناط فى كلا المقامين (او تفويض الامر) كان يكون المخاطب وكيلا عن الآمر (او استكشاف الحال) بانه هل يرغب المأمور فى الفسخ او الامضاء بدون ان يكون الامر توكيلا او تمليكا.

(نعم الظاهر عرفا) اى ان العرف يستظهر (من حال الآمر ان داعيه) فى هذا الامر (استكشاف حال المخاطب) بدون تمليك و لا توكيل (و كانه فى العرف السابق كان) لفظ «اختر» (ظاهرا فى تمليك المخاطب امر الشي ء) الّذي كان مالكه الآمر (كما يظهر من باب الطلاق).

ص: 176

فان تم دلالته حينئذ على اسقاط الامر خياره بذلك، و الا فلا مزيل لخياره.

و عليه يحمل- على تقدير الصحة- ما ورد فى ذيل بعض اخبار خيار المجلس: انهما بالخيار ما لم يفترقا، او يقول احدهما لصاحبه: اختر.

______________________________

لكن لا يخفى ان دعوى ذلك بعيدة، و الاصل عدم النقل، بل «اختر» ظاهر فى ان الآمر راض بما يفعله المخاطب من الفسخ و الامضاء ليس الا.

فان كانت هناك قرينة خارجية او كلامية تدل على التمليك او التفويض او الاستكشاف فيها، و الا اخذ بمقتضى ظهور اللفظ.

(فان تم دلالته) اى دلالة «اختر» (حينئذ) اى حين كان ظهوره السابق فى التمليك (على اسقاط الآمر خياره بذلك) بلفظ «اختر» فهو (و الا) يتمّ دلالته (فلا مزيل لخياره) اى لخيار الآمر، بل الاصل بقاء خيار الآمر.

(و عليه) اى على ما ذكرنا من ظهور «اختر» فى السابق فى تمليك المخاطب الخيار (يحمل- على تقدير الصحة-) اى صحة كونه فى السابق ظاهرا فى التمليك (ما ورد فى ذيل بعض اخبار خيار المجلس: انهما بالخيار ما لم يفترقا، او يقول احدهما لصاحبه: اختر) فانه ظاهر فى سقوط خيار الآمر اذا قال هذه اللفظة.

ثم انه لو شك فى انه هل قصد بقوله «اختر» اسقاط خياره، أم لا؟

فالاصل العدم، كما انه لو شك فى انه هل فوض بذلك خياره، أم لا؟

ص: 177

ثم انه لا اشكال فى ان اسقاط احدهما خياره لا يوجب سقوط خيار الآخر.

و منه يظهر انه لو اجاز احدهما و فسخ الآخر، انفسخ العقد، لانه مقتضى ثبوت الخيار، فكان العقد- بعد اجازة احدهما- جائزا من طرف الفاسخ دون المجيز كما لو جعل الخيار من اوّل الامر لاحدهما و هذا ليس تعارضا بين الاجازة و الفسخ، و ترجيحا له عليها.

______________________________

فالاصل عدم التفويض.

(ثم انه لا اشكال فى ان اسقاط احدهما خياره لا يوجب سقوط خيار الآخر) لوضوح ان هناك خيارين، فلكل واحد منهما خيار.

(و منه يظهر) حيث ان للآخر الاجازة او الفسخ (انه لو اجاز احدهما و فسخ الآخر، انفسخ العقد) سواء تقارن الاجازة و الفسخ، او قدم احدهما على الآخر (لانه) اى الانفساخ بالفسخ (مقتضى ثبوت الخيار) و الا، فان لم يكن لاحدهما الفسخ لم يكن له خيار، و المفروض ان له الخيار (فكان العقد- بعد اجازة احدهما- جائزا من طرف الفاسخ) اى ان له الاجازة و الفسخ (دون المجيز) لان الاجازة اوجبت سقوط خياره، فيكون حاله حال من لم يجز بعد (كما لو جعل الخيار من اوّل الامر لاحدهما) فان المجيز قد اسقط خياره باجازته (و هذا) اى انه اذا فسخ احدهما انفسخ و ان اجازة الآخر (ليس تعارضا بين الاجازة و الفسخ، و ترجيحا له) اى للفسخ (عليها) اى على الاجازة.

و ذلك لاختلاف المتعلق، فان متعلق كل منهما التزام بنفسه فسواء

ص: 178

نعم لو اقتضت الاجازة لزوم العقد من الطرفين، كما لو فرض ثبوت الخيار من طرف احد المتعاقدين، او من طرفهما لمتعدد كالاصيل و الوكيل فاجاز احدهما و فسخ الآخر دفعة واحدة او تصرف ذو الخيار فى العوضين دفعة واحدة كما لو باع عبدا بجارية ثم اعتقهما جميعا حيث ان اعتاق العبد فسخ، و اعتاق الجارية

______________________________

تقدم الفسخ او تأخر، او تقارن، اخذ به، و ذلك بخلاف صورة التعارض حيث انه يقدم المقدم منهما على المؤخر.

و فى صورة التعارض يتساقطان، او نحو ذلك.

(نعم لو اقتضت الاجازة لزوم العقد من الطرفين، كما لو فرض ثبوت الخيار من طرف احد المتعاقدين) كما فى خيار الحيوان و الغبن و العيب من طرف واحد او اسقط احدهما خيار مجلسه بالشرط و نحوه الى غير ذلك، لكن كان هذا الخيار من طرف واحد، لشخصين، كالاصيل و الوكيل (او) كان الخيار (من طرفهما) معا (لمتعدد كالاصيل و الوكيل) بان عقد الوكيلان بمحضر الاصيلين (فاجاز احدهما و فسخ الآخر دفعة واحدة) لا تدريجا، لانه لو فعلا ذلك تدريجا قدم المتقدم من الاجازة او الفسخ، اذ قد اخذ هذا الطرف حقه، سواء اجاز او فسخ و لا يبقى مجال لان يأخذ ثانيا، فانه كان له حق واحد و قد اخذه.

(او تصرف ذو الخيار فى العوضين دفعة واحدة كما لو باع عبدا بجارية، ثم اعتقهما جميعا) او وهبهما جميعا، فان هذا العمل منه فسخ و اجازة فى آن واحد (حيث ان اعتاق العبد فسخ، و اعتاق الجارية

ص: 179

اجازة.

او اختلف الورثة فى الفسخ و الاجازة تحقق التعارض.

و ظاهر العلامة فى جميع هذه الصور تقديم الفسخ، و لم يظهر له وجه تام و سيجي ء الاشارة الى ذلك فى موضعه.

______________________________

اجازة) و المفروض انه ليس له الا احدهما فقط.

(او) كان خيار واحد للبائع مثلا، فمات و ورثه اثنان، و (اختلف الورثة فى الفسخ و الاجازة) فاجاز احدهما و فسخ الآخر (تحقق التعارض).

لكن لا يخفى الفرق بين المثال الاخير، و بين ما تقدمه، لإمكان تبعض الصفقة فى المثال الاخير اذا رضى بذلك الطرف الآخر.

مثلا: لو باع كتابين لزيد، فمات و ورثه والداه، فاجاز احدهما و فسخ الآخر، فانه يمكن البيع فى احد الكتابين دون الكتاب الآخر.

(و) كيف كان ف (ظاهر العلامة فى جميع هذه الصور) المذكورة بعد قوله «نعم» (تقديم الفسخ، و لم يظهر له وجه تام) اذ ما دام هناك حق واحد له طرفان، فلما ذا يقدم هذا الطرف على ذاك الطرف، فهو من قبيل ما لو رفع الاخرس الغطاء عن رأس زوجتين اختين عقد تاله فضولة، فانه يبقى بعد ذلك العقد على اجماله بعد عدم امكان كليهما و عدم وجود وجه لكونه فسخا لكلا العقدين (و سيجي ء الاشارة الى ذلك فى موضعه) ان شاء الله.

و مقتضى القاعدة ان الامر يبقى كسابقه بدون اجازة و لا فسخ.

ص: 180

مسئلة من جملة مسقطات الخيار افتراق المتبايعين
اشارة

و لا اشكال فى سقوط الخيار به، و لا فى عدم اعتبار ظهوره فى رضاهما بالبيع، و ان كان ظاهر بعض الاخبار ذلك مثل قوله: فاذا افترقا فلا خيار لهما بعد الرضا.

و معنى حدوث افتراقهما المسقط مع كونهما متفرقين حين العقد

______________________________

(مسألة: من جملة مسقطات الخيار افتراق المتبايعين) احدهما عن الآخر (و لا اشكال فى سقوط الخيار به) نصّا و اجماعا (و لا) اشكال أيضا (فى عدم اعتبار ظهوره) اى لا يلزم ان يكون الافتراق ظاهرا (فى رضاهما بالبيع).

فالافتراق يوجب سقوط الخيار، و ان علمنا انهما افترقا غير راضيين بالبيع (و ان كان ظاهر بعض الاخبار ذلك) ان الافتراق انما يكون مسقطا لانه دليل الرضا (مثل قوله) عليه السلام (فاذا افترقا فلا خيار لهما بعد الرضا).

و انما لا يكون هذا الظهور حجة، لاحتمال كونه حكمة بالإضافة الى المناقشة فى اصل الظهور، لاحتمال تعلق «بعد» بالبيع الواقع اى انهما بعد ان رضيا باصل البيع، فافتراقهما يوجب اللزوم.

(و معنى حدوث افتراقهما المسقط) للخيار (مع كونهما متفرقين حين العقد) لان الغالب انهما لا يعقد ان متلاصقين احدهما بالآخر

ص: 181

افتراقهما بالنسبة الى الهيئة الاجتماعية الحاصلة لهما حين العقد فاذا حصل الافتراق الاضافى و لو بمسماه ارتفع الخيار، فلا يعتبر الخطوة

و لذا حكى عن جماعة: التعبير بأدنى الانتقال.

و الظاهر ان ذكره فى بعض العبارات لبيان اقل الافراد خصوصا مثل قول الشيخ فى الخلاف اقل ما ينقطع به خيار المجلس خطوة مبنى على الغالب فى الخارج، او فى التمثيل لاقل الافتراق.

______________________________

(افتراقهما بالنسبة الى الهيئة الاجتماعية الحاصلة لهما حين العقد) و لو كانت الهيئة الاجتماعية بسبب اللاسلكى او التلفون او كان احدهما يوصل صوته الى الآخر بسبب المكبرة و نحوها (فاذا حصل الافتراق الاضافى) اى بالإضافة الى الاحتمال حال العقد (و لو بمسماه) بان كان الافتراق قليلا (ارتفع الخيار) و لو شك فى الافتراق كان الاصل العدم (فلا يعتبر) فى حصول الافتراق مقدار (الخطوة) بل يكفى الاقل من ذلك (و لذا حكى عن جماعة) من الفقهاء (التعبير) عن الافتراق (بأدنى الانتقال) الشامل لما اذا كان اقل من خطوة.

(و الظاهر) من القرائن (ان ذكره) اى ذكر الافتراق بخطوة (فى بعض العبارات لبيان اقل الافراد) «لبيان» اى فى مقام بيان، و خبر «ان» قوله «مبنى» (خصوصا مثل قول الشيخ فى الخلاف اقل ما ينقطع به خيار المجلس خطوة) و الخصوصية من جهة استبعاد ان يقول الشيخ ذلك لوضوح انه لا خصوصية لهذا المقدار لانه (مبنى على الغالب فى الخارج) حيث يخطوان بعد العقد (او) الغالب (فى التمثيل) فان الخطوة هو المثال الغالب على الالسنة (لاقل الافتراق) بين انسانين اجتماعا فى محل واحد

ص: 182

فلو تبايعا فى سفينتين متلاصقتين كفى مجرد افتراقهما.

و يظهر من بعض اعتبار الخطوة اغترارا بتمثيل كثير من الاصحاب.

و عن صريح آخر التأمل و كفاية الخطوة لانصراف الاطلاق الى ازيد منها فيستصحب الخيار.

و يؤيده قوله فى بعض

______________________________

(ف) انه لا شك فى انه (لو تبايعا فى سفينتين متلاصقتين كفى مجرد افتراقهما) و ان لم يخطو البائعان خطوة واحدة.

و الحاصل ان الخطوة مثال من ناحيتين ناحية اصلها فى قبال افتراق السفينتين، و ناحية مقدارها فى قبال الاقل من الخطوة.

(و) مع هذا كله فانه (يظهر من بعض اعتبار الخطوة) حقيقة (اغترارا) منه (بتمثيل كثير من الاصحاب) بالخطوة فظن انها المعيار فى الافتراق.

(و عن صريح آخر التأمل و كفاية الخطوة) لاحتمال الاحتياج الى ازيد منها فى صدق الافتراق.

و ذلك (لانصراف الاطلاق) اى اطلاق الافتراق- بنظره- (الى ازيد منها) اى من الخطوة.

(ف) اذا شك فى كفاية الخطوة (يستصحب الخيار) كما ظنه هذا البعض.

(و يؤيده) اى يؤيد عدم كفاية الخطوة (قوله) عليه السلام (فى بعض

ص: 183

الروايات فلما استوجبتها قمت فمشيت خطا ليجب البيع حين افترقنا.

و فيه منع الانصراف.

و دلالة الرواية.

ثم اعلم ان الافتراق- على ما عرفت من معناه- يحصل بحركة احدهما و بقاء الآخر فى مكانه، فلا يعتبر الحركة من الطرفين فى صدق افتراقهما فالحركة من احدهما لا يسمى افتراقا حتى يحصل عدم المصاحبة من الآخر،

______________________________

الروايات) الآتية (فلما استوجبتها) اى المعاملة و (قمت فمشيت خطا ليجب البيع حين افترقنا) بدعوى ظهور الرواية فى عدم كفاية الخطوة.

(و فيه منع الانصراف) أولا، لانه لا نسلم الانصراف العرفى.

(و) منع (دلالة الرواية) ثانيا، لان عمله عليه السلام من باب المصداق، حسب ما يراه العرف.

(ثم اعلم ان الافتراق- على ما عرفت من معناه- يحصل بحركة احدهما و بقاء الآخر فى مكانه، فلا يعتبر الحركة من الطرفين فى صدق افتراقهما).

و نسبة الافتراق إليها لغلبة اختيار غير المتحرك البقاء فى مكانه حتى يبتعد منه المتحرك، و ان كان احيانا بقائه قسرا لشلل او سجن او ما اشبه.

و على كل (فالحركة من احدهما لا يسمى افتراقا حتى يحصل عدم المصاحبة من الآخر) فلو تصاحبا، و مشيا الف فرسخ، او كانا فى سفينة

ص: 184

فذات الافتراق من المتحرك و اتصافها بكونها افتراقا من الساكن.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 11، ص: 185

و لو تحرك كل منهما كان حركة كل منهما افتراقا بملاحظة عدم مصاحبة الآخر.

و كيف كان فلا يعتبر فى الافتراق المسقط حركة كل منهما الى غير جانب الآخر، كما يدل عليه الروايات الحاكية لشراء الامام عليه السلام ارضا و انه عليه السلام قال: فلما

______________________________

و مشت كذلك لم يحصل الافتراق.

و الظاهر ان السكر و الاغماء و النوم بل الموت أيضا لا يوجب صدق الافتراق (فذات الافتراق) اى الحركة المحققة له (من المتحرك) منها (و اتصافها) اى ذات الافتراق (بكونها افتراقا) يكون (من الساكن) اى انه لا يحصل الا بان يكون هناك طرف آخر ساكن- فيما اذا لم يتحرك الطرف الآخر الى اتجاه مخالف لاتجاه الطرف الاول المتحرك-.

(و لو تحرك كل منهما كان حركة كل منهما افتراقا بملاحظة عدم مصاحبة الآخر) لا بملاحظة حركة الآخر، لما عرفت من انه لا يلزم حركة الآخر فى صدق الافتراق.

و الحاصل: ان الافتراق قائم بطرفين، اما بحركتهما فى اتجاه مخالف للآخر، و اما بحركة احدهما و سكون الآخر.

(و كيف كان فلا يعتبر فى الافتراق المسقط) للخيار (حركة كل منهما الى غير جانب الآخر، كما يدل عليه) اى على «لا يعتبر» (الروايات الحاكية لشراء الامام عليه السلام ارضا، و انه عليه السلام قال: فلما

ص: 185

استوجبتها قمت فمشيت خطا ليجب البيع حين افترقنا، فاثبت افتراق الطرفين بمشيه عليه السلام فقط.

______________________________

استوجبتها) فان البائع يوجب، و المشترى يستوجب، و هو انفعال بصيغة الاستفعال، من قبيل الكسر و الانكسار (قمت فمشيت خطا ليجب البيع) اى يلزم (حين افترقنا، ف) انه عليه السلام (اثبت افتراق الطرفين بمشيه عليه السلام فقط) و تبقى مسئلة انه اذا كان الثانى مضطرا الى عدم الحركة مع المتحرك، فهل يوجب عمل المتحرك افتراقا، أم لا؟ و سيأتى الكلام فيه فى المسألة التالية.

ص: 186

مسئلة المعروف انه لا اعتبار بالافتراق عن اكراه اذا منع من التخاير أيضا،

سواء بلغ حد سلب الاختيار أم لا، لاصالة بقاء الخيار بعد تبادر الاختيار من الفعل المسند الى الفاعل المختار مضافا الى حديث: رفع ما استكرهوا عليه.

______________________________

(مسألة المعروف) بين الاصحاب (انه لا اعتبار بالافتراق عن اكراه) لاحدهما او لكليهما، كما اذا حبس احدهما بالقوة و حرك الثانى بالقوة (اذا منع من التخاير) و الاختيار (أيضا) اذ: لو لم يمنع من الاختيار لم يكن اكراها على عدم الخيار، لامكان الفسخ لاحدهما قبل الافتراق

و منه يعلم انه لو كان الوقت بحيث لا يسمح بالاختيار كما لو جذبه دفعة واحدة، كان فى حكم المنع من الاختيار (سواء بلغ حد سلب الاختيار) بان كان الجاء، كما اذا سدّ فمه و جذبه (أم لا) كما اذا قال له: ان تكلمت ضربت عنقك.

و انما كان المعروف بقاء الخيار (لاصالة بقاء الخيار بعد) الشك فيه و ذلك، ل (تبادر الاختيار من الفعل المسند الى الفاعل المختار).

فقوله عليه السلام: ما لم يفترقا: ظاهر فى اختيارهما فى الافتراق (مضافا الى حديث: رفع ما استكرهوا عليه) فان سقوط الخيار تابع للافتراق، فاذا حصل بالاكراه لم يترتب عليه اثره الّذي هو سقوط الخيار.

ص: 187

و قد تقدم فى مسألة اشتراط الاختيار فى المتبايعين ما يظهر منه عموم: الرفع، للحكم الوضعى المحمول على المكلف فلا يختص برفع التكليف هذا.

و لكن يمكن منع التبادر، فان المتبادر هو الاختيارى فى مقابل الاضطرارى الّذي لا يعدّ فعلا حقيقيا قائما بنفس الفاعل، بل يكون صورة فعل قائمة بجسم المضطر،

______________________________

(و) ان قلت: هل حديث الرفع يشمل الحكم الوضعى.

قلت: (قد تقدم فى مسألة اشتراط الاختيار فى المتبايعين ما يظهر منه عموم) دليل (الرفع للحكم الوضعى المحمول على المكلف) و ان لم يكن فعلا له كالجزئية لواجب و نحوها، فانه ربما يفصل بين الحكم الوضعى الّذي هو فعل للمكلف مثل جزئية السورة فانها فعل للمكلف، فيقال:

انها ساقطة فى حالة الاكراه، و بين الحكم الوضعى الّذي ليس فعلا للمكلف مثل سقوط الخيار الّذي ليس فعلا للمكلف فيقال: انه غير ساقط فى حالة الاكراه

و المصنف يريد بيان اطلاق الرفع لجميع الاحكام الوضعية المحمولة على المكلف، سواء كانت فعلا له، أم لا (فلا يختص) دليل الرفع (برفع التكليف) فقط (هذا) تمام الكلام فى توجيه فتوى المشهور.

(و لكن يمكن منع التبادر) اى تبادر الاختيار فى قبال الاكراه (فان المتبادر هو الاختيارى فى مقابل الاضطرارى) كما اذا سدّ فمه و جذبه (الّذي لا يعدّ فعلا حقيقيا قائما بنفس الفاعل، بل يكون صورة فعل قائمة بجسم المضطر).

ص: 188

لا فى مقابل المكره الفاعل بالاختيار لدفع الضرر المتوعد على تركه فان التبادر ممنوع، فاذا دخل الاختيارى المكره عليه دخل الاضطرارى لعدم القول بالفصل، مع ان المعروف بين الاصحاب ان الافتراق- و لو اضطرارا- مسقط للخيار، اذا كان الشخص متمكنا من الفسخ و الامضاء

______________________________

فاذا قيل: فعل فلان، لم يتبادر منه هذا العمل الالجائى، بل يصح السلب، فيقال: انه لم يفعله، و اذا سمى انه فعله فهو بالمجاز

و لذا اذا اسقط شخص انسانا من السطح لا يصح ان نقول انه اسقط نفسه، و اذا اخذ جابر يد زيد و ضرب بها عمروا، لا يصح ان يقال:

ضرب زيد عمروا (لا) الاختيارى (فى مقابل المكره الفاعل بالاختيار).

و انما فعل (لدفع الضرر المتوعد على تركه) فانه اذا قال شخص لزيد: اضرب عمروا، و الا قتلتك فضربه صح ان يقال: ان زيد اضرب عمروا (فان التبادر) للاختيارى فى قبال الاكراهى (ممنوع) بل «فعل» يشمل كليهما (فاذا دخل) فى عموم «افترقا» فى الحديث (الاختيارى المكره عليه) بان اوجب الافتراق الاكراهى سقوط الخيار (دخل الاضطرارى) أيضا، و اوجب الافتراق الاضطرارى سقوط الخيار (لعدم القول بالفصل) بين الاكراهى و الاضطرارى (مع) ان هناك وجها آخر يدل على ان الافتراق الاكراهى لا يوجب سقوط الخيار.

ف (ان المعروف بين الاصحاب ان الافتراق- و لو اضطرارا- مسقط للخيار، اذا كان الشخص متمكنا من الفسخ و الامضاء) بان لم يؤخذ فمه حتى لا يتمكن ان يتكلم، او لم يكن الافتراق فى حال نوم، او سكر او

ص: 189

مستدلين عليه بحصول التفرق المسقط للخيار.

قال فى المبسوط فى تعليل الحكم المذكور لانه اذا كان متمكنا من الامضاء و الفسخ، فلم يفعل حتى وقع التفرق كان ذلك دليلا على الرضا و الامضاء، انتهى.

و فى جامع المقاصد تعليل الحكم المذكور بقوله لتحقق الافتراق مع التمكن من الاختيار، انتهى.

و منه

______________________________

ما اشبه مما يمنع عن التكلم (مستدلين عليه) اى على انه مسقط للخيار (بحصول التفرق المسقط للخيار) فاذا كان التفرق الاضطرارى مسقطا كان التفرق الاكراهى مسقطا أيضا.

(قال) الشيخ (فى المبسوط) فى وجه سقوط الخيار بالتفرق الاضطرارى (فى تعليل الحكم المذكور) فى سقوط الخيار (لانه اذا كان متمكنا من الامضاء و الفسخ، فلم يفعل) احدهما (حتى وقع التفرق) و لو كان تفرقا عن اضطرار (كان ذلك دليلا على الرضا) بالعقد (و الامضاء) له (انتهى).

(و فى جامع المقاصد تعليل الحكم المذكور) السقوط بالتفرق الاضطرارى (بقوله لتحقق الافتراق مع التمكن من الاختيار، انتهى).

و لا يخفى ان كلامه اقرب من كلام الشيخ اذ: ربما لا يدل عدم الاختيار على الرضا، للغفلة، او الجهل، او ما اشبه، الا ان يريد الرضا النوعى.

(و منه) اى من انه اذا لم يمنع عن الكلام فليس بمضطر، بل مختار

ص: 190

يظهر انه لا وجه للاستدلال بحديث: رفع الحكم عن المكره، للاعتراف بدخول المكره و المضطر اذا تمكنا من التخاير.

و الحاصل ان فتوى الاصحاب: هى ان التفرق عن اكراه عليه و على ترك التخاير غير مسقط للخيار.

و انه لو حصل احدهما

______________________________

لم يأخذ بالفسخ (يظهر انه لا وجه للاستدلال) على بقاء الخيار لو اكره على الافتراق (بحديث: رفع الحكم عن المكره).

و انما لا يصح الاستدلال (للاعتراف) فى كلام الشيخ، و المحقق الثانى (بدخول المكره و المضطر اذا تمكنا من التخاير) فى عموم «الافتراق» و لا مخرج لهما عن عموم «حتى يفترقا» فان حديث الرفع لا يشمل المقام اذ هو فيما كان افتراق اكراهى او اضطرارى، و لم يتمكنا من التخاير هذا ما فهمته عن عبارة المصنف ره.

(و الحاصل) فى بيان ان الاكراه على الافتراق وحدة بدون سلب الاختيار عن التخاير لا ينفع فى سقوط الخيار (ان فتوى الاصحاب: هى ان التفرق) انما لا يسقط الخيار بشرطين.

الاول: اذا كان (عن اكراه عليه) اى على التفرق.

(و) الثانى: اذا كان عن اكراه (على ترك التخاير) مثل ما اذا كمّم فاه، و جذبه، فانه حينئذ (غير مسقط للخيار) لانه اكراه تام فيشمله حديث: الرفع.

(و) اما (انه لو حصل احدهما) اى التفرق، او ترك التخاير

ص: 191

باختياره سقط خياره.

و هذا لا يصح الاستدلال عليه باختصاص الادلة بالتفرق الاختيارى و لا بان مقتضى: حديث الرفع، جعل التفرق للمكره عليه كلا تفرق، لان المفروض ان التفرق الاضطرارى أيضا سقط مع وقوعه فى حال التمكن من التخاير.

______________________________

(باختياره) و ان كان فى ثانيهما مكرها (سقط خياره) لانه لم يكره فى ترك الخيار.

(و هذا) الّذي ذكرناه انه فتوى الاصحاب- من اشتراطهم شرطين- (لا يصح الاستدلال عليه باختصاص الادلة) اى ادلة سقوط الخيار (بالتفرق الاختيارى و) كذا (لا) يصح الاستدلال عليه (بان مقتضى حديث الرفع جعل التفرق للمكره عليه كلا تفرق).

و انما لا يصح الاستدلال عليه بهذين الأمرين (لان المفروض ان التفرق الاضطرارى أيضا مسقط) للخيار (مع وقوعه) اى وقوع التفرق (فى حال التمكن من التخاير).

و الحاصل: انا نحتاج الى دليل يقول: ان التفرق الاكراهى، و ان التفرق الاضطرارى كليهما، لا يوجبان سقوط الخيار، واحد الدليلين السابقين اى اختصاص الادلة بالتفرق الاختيارى، و حديث الرفع، لا يتكفل بكلا الامرين معا التفرق الاكراهى، و التفرق الاضطرارى.

اذ: الدليل الاول يقول: التفرق الاختيارى يسقط، و هو فى مقابل الاكراهى فقط- على ما قاله الاصحاب: بان الاكراهى لا يسقط-

ص: 192

فالاولى الاستدلال عليه- مضافا الى الشهرة المحققة الجابرة للاجماع المحكى، و الى ان المتبادر من التفرق ما كان عن رضا بالعقد سواء وقع اختيارا او اضطرارا- بقوله عليه السلام فى صحيحة الفضيل:

______________________________

و الدليل الثانى يقول: التفرق الاكراهى لا يسقط، لانه مقتضى:

حديث الرفع عن المكره،.

و على كلا الدليلين فلا تعرض لحكم المضطر، فتحقق انه ليس هناك دليل على ان المكره و المضطر فى التفرق لا يسقط خيارهما.

و بعبارة اخرى: الدليلان «باختصاص .. و لا بان ..» لا يمكن الاستناد إليهما فى عدم سقوط خيار المكره، لان المضطر الممنوع عن التخاير ساقط خياره أيضا، مع ان الدليلين لا يشملانه.

فاللازم التماس دليل يشمل كلا المكره و المضطر، هذا ما يستفاد من عبارة المصنف.

و لا يخفى ورود الاشكال عليه من جهات لم نذكرها، لانها خارجة عن مقصد الشرح.

(فالاولى الاستدلال عليه) اى على ان التفرق عن اكراه لا يوجب سقوط الخيار (- مضافا الى الشهرة المحققة الجابرة للاجماع المحكىّ و) الاجماع دليل (الى ان المتبادر من التفرق) الّذي جعله النص موجبا لسقوط الخيار (ما كان عن رضا بالعقد، سواء وقع) التفرق (اختيارا او اضطرارا) فانه يمكن ان يقع التفرق اضطرارا و لكن مع الرضا بالعقد

فالاولى ان يستدل عليه (بقوله عليه السلام فى صحيحة الفضيل:

ص: 193

فاذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما دل على ان الشرط فى السقوط الافتراق و الرضا منهما.

و لا ريب ان الرضا المعتبر ليس الا المتصل بالتفرق بحيث يكون التفرق عنه، اذ لا يعتبر الرضا فى زمان آخر اجماعا.

او يقال ان قوله بعد الرضا، اشارة الى اناطة السقوط بالرضا بالعقد المستكشف عنه عن افتراقهما، فيكون الافتراق مسقطا لكونه كاشفا نوعا عن

______________________________

فاذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما).

وجه الاستدلال ان الحديث (دل على ان الشرط فى السقوط) للخيار امران معا (الافتراق و الرضا منهما) معا.

(و) الرضا المأخوذ فى النص يراد به الرضا قبل التفرق.

اذ (لا ريب ان الرضا المعتبر ليس الا المتصل بالتفرق) قبل التفرق (بحيث يكون التفرق عنه) فلا يشمل ما اذا رضى بعد التفرق (اذ لا يعتبر الرضا فى زمان آخر اجماعا) بل و هو ظاهر صحيحة الفضيل.

و على هذا فالمسقط للخيار امران معا، هما التفرق و الرضا.

(او يقال) عطف على «دل». ان التفرق الكاشف عن الرضا مسقط للخيار، فالمسقط امر واحد لا امران معا.

ف (ان قوله) عليه السلام (بعد الرضا، اشارة الى اناطة السقوط) للخيار (بالرضا بالعقد المستكشف عنه) اى عن ذلك الرضا (عن افتراقهما) فافتراقهما الكاشف عن الرضا سبب سقوط الخيار (فيكون الافتراق مسقطا لكونه كاشفا نوعا عن

ص: 194

رضاهما بالعقد و اعراضهما عن الفسخ.

و على كل تقدير فيدل على ان المتفرقين و لو اضطرارا، اذا كانا متمكنين من الفسخ و لم يفسخا كشف ذلك نوعا عن رضاهما بالعقد، فسقط خيارهما.

فهذا هو الّذي استفاده الشيخ قدس سره كما صرح به فى عبارة المبسوط المتقدمة.

______________________________

رضاهما بالعقد).

و قوله: نوعا، لانه لا يشترط العلم بالرضا فى كل مورد مورد.

(و) ذلك لان التفرق يكشف عن (اعراضهما عن الفسخ) اذ لو لم يرضيا بالعقد، و لم يعرضا من الفسخ، لفسخا.

(و على كل تقدير) اى تقدير «دل» و تقدير «او يقال» (فيدل) الصحيح (على ان المتفرقين)- بصيغة التثنية- (و لو) كان تفرقهما (اضطرارا، اذا كانا متمكنين من الفسخ) بخلاف ما لو كمّم افواههما (و لم يفسخا) العقد قبل التفرق (كشف ذلك) كشفا (نوعا عن رضاهما بالعقد)

(ف) حيث رضيا (سقط خيارهما) لحصول التفرق و الرضا.

(فهذا هو الّذي استفاده الشيخ قدس سره كما صرح به فى عبارة المبسوط المتقدمة) هذا كله بالنسبة الى الانسان الّذي افترق عن اكراه او اضطرار، و منع من التخاير اما الانسان الثانى الباقى فى المجلس هل له خيار أم لا؟ فالكلام فيه فى المسألة التالية.

ص: 195

مسئلة لو اكره احدهما على التفرق و منع عن التخاير و بقى الآخر فى المجلس،

فان منع من المصاحبة و التخاير، لم يسقط خيار احدهما، لانهما مكرهان على الافتراق و ترك التخاير، فدخل فى المسألة السابقة

و ان لم يمنع من المصاحبة ففيه اقوال.

و توضيح ذلك ان افتراقهما المستند الى اختيارهما- كما عرفت- يحصل بحركة احدهما اختيارا و عدم مصاحبة الآخر كذلك،

______________________________

(مسألة: لو اكره احدهما على التفرق و منع عن التخاير) او اختيار الامضاء، اما اذا اختار الفسخ فلا يبقى للكلام فى هذه المسألة كما هو واضح (و بقى الآخر فى المجلس، فان منع من المصاحبة) او لم يقدر على المصاحبة لشلل و نحوه (و التخاير، لم يسقط خيار احدهما، لانهما) كليهما (مكرهان على الافتراق و ترك التخاير، فدخل فى المسألة السابقة) لان الادلة التى اقيمت فى المسألة السابقة على عدم سقوط خيار المفترق تشمل المقام أيضا.

(و ان لم يمنع) الباقى (من المصاحبة ففيه اقوال) أربعة- كما سيأتى-.

(و توضيح ذلك) يحتاج الى بيان موضوع المسألة أولا فنقول: (ان افتراقهما المستند الى اختيارهما- كما عرفت) فى المسألة السابقة- (يحصل بحركة احدهما اختيار او عدم مصاحبة الآخر) للمتحرك (كذلك)

ص: 196

و ان الاكراه على التفرق لا يسقط حكمه ما لم ينضم معه الاكراه على ترك التخاير.

فحينئذ نقول: تحقق الاكراه المسقط فى احدهما دون الآخر يحصل تارة باكراه احدهما على التفرق و ترك التخاير، و بقاء الآخر فى المجلس مختارا فى المصاحبة، او التخاير.

و اخرى بالعكس بابقاء احدهما فى المجلس كرها مع المنع عن التخاير، و ذهاب الآخر اختيارا.

______________________________

اى اختيارا (و ان الاكراه على التفرق لا يسقط حكمه) اى حكم التفرق و هو سقوط الخيار، فالاكراه لا يبقى الخيار (ما لم ينضم معه) اى مع الاكراه على التفرق (الاكراه على ترك التخاير) فاذا حصل الاكراهان بقى الخيار

و اذا تحقق موضوع الكلام.

(فحينئذ نقول: تحقق الاكراه المسقط) لحكم الافتراق، اى الموجب لبقاء الخيار (فى احدهما دون الآخر) بان يسقط خيار الآخر.

و الحاصل سقوط خيار المكره، و بقاء خيار المختار (يحصل تارة باكراه احدهما على التفرق و ترك التخاير، و بقاء الآخر فى المجلس مختارا فى المصاحبة، او) مختارا فى (التخاير) اذ، اللازم الاضطرار فى كلا الامرين، لاجل بقاء الخيار.

(و) يحصل تارة (اخرى بالعكس بابقاء احدهما فى المجلس كرها مع المنع) اى منع الباقى (عن التخاير) كما اذا ابقاه بالقوة و كمّم فمه (و ذهاب الآخر اختيارا).

ص: 197

و محل الكلام هو الاول.

و سيتضح به حكم الثانى.

و الاقوال فيه أربعة، سقوط خيارهما كما عن ظاهر المحقق و العلامة و ولده السعيد و السيد العميد و شيخنا الشهيد قدس اللّه اسرارهم.

و ثبوته لهما كما عن ظاهر المبسوط، و المحقق و الشهيد

______________________________

و حيث ان لبقاء خيار احدهما شرطين التفرق كرها، و المنع عن التخاير.

فصور المسألة سبعة عشر، لان البائع له اربع صور.

فانه اما مكره فى الامرين، او فى احدهما، او مختار فيهما، و تضرب هذه الاربعة فى الصور الاربع للمشترى، ثلاث صور منها فيها الخيار اما للبائع او للمشترى او لهما.

و البقية لا خيار فيها لاحدهما.

(و محل الكلام) الآن (هو الاول) الّذي ذكره بقوله تارة .. الخ.

(و سيتضح به حكم الثانى) لوحدة المناط فيهما.

(و الاقوال فيه أربعة).

الاول: (سقوط خيارهما كما عن ظاهر المحقق و العلامة و ولده السعيد) فخر المحققين (و السيد العميد و شيخنا الشهيد) الاول (قدس الله اسرارهم) التقديس التنزيه، و روح الانسان سره، لانه مخفى، اى نزهت ارواحهم عن العذاب و الالم، و هو دعاء بلفظ الماضى

(و) الثانى: (ثبوته لهما كما عن ظاهر المبسوط، و المحقق و الشهيد

ص: 198

الثانيين، و محتمل الارشاد.

و سقوطه فى حق المختار خاصة.

و فصل فى التحرير بين بقاء المختار فى المجلس فالثبوت لهما، و بين مفارقته فالسقوط عنهما.

و مبنى الاقوال على ان افتراقهما المجعول غاية لخيارهما هل يتوقف على حصوله عن اختيارهما؟ او يكفى فيه حصوله عن اختيار احدهما.

و على الاول هل يكون اختيار كل منهما مسقطا لخياره؟ او يتوقف

______________________________

الثانيين، و محتمل الارشاد) للعلامة.

(و) الثالث: ثبوته فى حق المكره، و (سقوطه فى حق المختار خاصة).

(و) الرابع: ما ذكره العلامة، فانه (فصل فى التحرير بين بقاء المختار فى المجلس فالثبوت لهما، و بين مفارقته فالسقوط عنهما).

(و) لا يخفى ان (مبنى الاقوال) الاربعة، مبنى: مصدر، اى بنائها (على ان افتراقهما المجعول غاية لخيارهما) فى قوله عليه السلام البيّعان بالخيار ما لم يفترقا، المتبادر منه الاختيارى فى مقابل الاكراهى، و حديث الرفع و صحيحة الفضيل (هل يتوقف على حصوله عن اختيارهما؟) فاذا لم يكن عن اختيارهما لم يكن غاية لخيارهما (او يكفى فيه) اى فى افتراقهما (حصوله عن اختيار احدهما) فيسقط خيارهما بذلك.

(و على الاول) و هو ان يكون حصوله عن اختيارهما ف (هل يكون اختيار كل منهما مسقطا لخياره؟) فقط، دون خيار غير المختار (او يتوقف

ص: 199

سقوط خيار كل واحد على مجموع اختيارهما.

فعلى الاول: يسقط خيار المختار خاصة، كما عن الخلاف، و جواهر القاضى.

و على الثانى: يثبت الخياران، كما عن ظاهر المبسوط و المحقق و الشهيد الثانيين.

و على الثانى: فهل يعتبر فى المسقط لخيارهما كونه فعلا وجوديا و حركة صادرة باختيار احدهما؟ او يكفى كونه تركا اختياريا، كالبقاء فى مجلس العقد مختارا.

______________________________

سقوط خيار كل واحد على مجموع اختيارهما) فاذا لم يكونا مختارين معا لم يسقط خيار اىّ منهما.

(فعلى الاول) و هو ما يتوقف حصوله عن اختيارهما (يسقط خيار المختار خاصة) دون المكره (كما عن الخلاف، و جواهر القاضى).

(و على الثانى) و هو ما يتوقف سقوط خيار كل واحد على مجموع اختيارهما (يثبت الخياران، كما عن ظاهر المبسوط و المحقق و الشهيد الثانيين).

(و على الثانى) و هو ما يكفى فيه حصوله عن اختيار احدهما (فهل يعتبر فى المسقط لخيارهما كونه) اى الافتراق (فعلا وجوديا و حركة صادرة باختيار احدهما؟) و ذلك لان الافتراق فعل (او يكفى كونه تركا اختياريا، كالبقاء فى مجلس العقد مختارا) لانه اذا بقى فى مجلس العقد صدق عرفا انه تفرق عن اختياره، اذ لو لم يرد التفرق صاحبه حينما خرج.

ص: 200

فعلى الاول: يتوجه التفصيل المصرح به فى التحرير بين بقاء الآخر فى مجلس العقد و ذهابه.

و على الثانى: يسقط الخياران، كما عن ظاهر المحقق و العلامة و ولده السعيد، و السيد العميد، و شيخنا الشهيد.

______________________________

(فعلى الاول) و هو الّذي يعتبر فى المسقط كونه فعلا وجوديا ف (يتوجه التفصيل المصرح به فى التحرير بين بقاء الآخر فى مجلس العقد) فيثبت الخيار لهما (و ذهابه) فيسقط الخيار عنهما.

(و على الثانى) و هو ما يكفى كونه تركا اختياريا ف (يسقط الخياران كما عن ظاهر المحقق و العلامة و ولده السعيد، و السيد العميد، و شيخنا الشهيد) قدس الله اسرارهم.

قال السيد الطباطبائى ره العمدة توجيه كل واحد من هذه المبانى و المصنف ره قد اهمل ذلك.

فالاولى ان يقال: اذا بنينا على ان افتراق المسقط هو ما كان عن الاختيار فى مقابل الاكراه فلا بد ان يتأمل فى ان المستفاد من الخبر ان تفرق كل واحد مسقط لخياره بان يكون من باب مقابلة الجمع بالجمع حتى يكون تفرق المختار مسقطا لخياره دون المكره.

او ان مجموع التفرقين غاية لكل من الخيارين حتى يكون اللازم بعد التخصيص بالاختيارى عدم سقوط واحد منهما.

او ان حصول الافتراق و لو من واحد منهما غاية لكل من الخيارين حتى يكون اللازم سقوط الخيارين لفرض حصول الافتراق الاختيارى اذا

ص: 201

و اعلم ان ظاهر الايضاح ان قول التحرير ليس قولا مغايرا للثبوت لهما، و ان محلّ الخلاف ما اذا لم يفارق الآخر المجلس اختيارا، و الا سقط خيارهما اتفاقا.

حيث قال فى شرح قول والده لو حمل احدهما و منع عن التخاير لم يسقط خياره على اشكال.

______________________________

كان احدهما مختارا و هذا مطلقا ان قلنا ان الساكن أيضا مفترق او فى خصوص ما اذا فارق الآخر المجلس اختيارا اذا لم نقل هذا.

و قد عرفت ان الاظهر هو الاول، و ان الثانى خلاف الظاهر، و اما الثالث فهو فى غاية البعد، الى آخر كلامه.

(و اعلم) انا ذكرنا سابقا ان العلامة فى التحرير يفصل فى المسألة الا (ان ظاهر الايضاح) لفخر المحققين (ان قول التحرير ليس قولا مغايرا للثبوت) اى ثبوت الخيار (لهما) اى للبائع و المشترى (و ان محلّ الخلاف) بين الفقهاء (ما اذا لم يفارق الآخر المجلس اختيارا) و لم يفصل العلامة فى التحرير فى هذا المقام ليكون كلامه مخالفا لكلامهم و تفصيلا فى المسألة، بل اختار التحرير ثبوت الخيار لهما (و الا) بان فارق الآخر المجلس اختيارا (سقط خيارهما اتفاقا) بين الاصحاب.

(حيث قال) الايضاح (فى شرح قول والده) العلامة، و سيأتى مقول قول الايضاح و ان هذا مبنى (لو حمل احدهما) و اخرج عن المجلس (و منع عن التخاير) بالاكراه او الالجاء (لم يسقط خياره على اشكال) فى عدم سقوط خياره.

ص: 202

و اما الثابت فان منع من المصاحبة و التخاير، لم يسقط خياره و الا فالاقرب سقوطه.

فيسقط خيار الاول، انتهى.

قال ان هذا مبنى على بقاء الاكوان و عدمه.

______________________________

اما وجه عدم السقوط فلرفع الاكراه.

و اما وجه الاشكال فلاحتمال ان التفرق كيف كان يسقط الخيار، لانه حكم وضعى.

(و اما) الشخص الآخر (الثابت) فى المجلس الّذي لم يخرج (فان منع من المصاحبة) بان منعه من الخروج مع صاحبه من المجلس (و) منع من (التخاير) بان لم يتركه، كى يختار ما يشاء (لم يسقط خياره) للاصل (و الا) بان لم يمنع من المصاحبة بل لم يصحب هو باختياره أو لم يمنع من التخاير (فالاقرب سقوطه) اى الخيار لانه كان قادرا على الاخذ بالخيار، و لم يأخذ به.

(ف) اذا سقط خيار الباقى (يسقط خيار الاول) الّذي حمل الى خارج المجلس، و ذلك لحصول التفرق باختيار احدهما.

و كلما حصل التفرق باختيار احدهما سقط خيارهما (انتهى) كلام العلامة.

(قال) ولده: (ان هذا) اى قوله فالاقرب سقوطه (مبنى على بقاء الاكوان) الاربعة.

و هى الاجتماع، و الافتراق، و الحركة، و السكون (و عدمه) فاذا كان

ص: 203

و افتقار الباقى الى المؤثر و عدمه، و ان الافتراق ثبوتى او عدمى، فعلى عدم البقاء او افتقار الباقى الى المؤثر يسقط، لانه فعل المفارقة.

و على القول ببقائها و استغناء الباقى عن المؤثر و ثبوتية الافتراق

______________________________

الانسان فى كون من هذه الاكوان الاربعة، فهل الكون يبقى، أولا؟ بل الجلوس لساعة- مثلا- الف جلوس، و ان كل آن جلوس.

(و) اذا قلنا بانه جلوس واحد- ببقاء الاكوان- فهل يقال ب (افتقار الباقى) اى الآن الثانى، و الثالث و هكذا (الى المؤثر و عدمه) بل المؤثر الاول يؤثر فى الجلوس الى ان يقوم- مثلا- (و) هل (ان الافتراق ثبوتى) لانه نوع من الكون و كل كون فهو ثبوتى (او عدمى) لان الافتراق مقابل الاجتماع.

و حيث ان الاجتماع ثبوتى لا بد و ان يكون الافتراق عدميا، لان الافتراق عدم الاجتماع.

(فعلى عدم البقاء) اى عدم بقاء الاكوان (او) بقائها لكن (افتقار الباقى الى المؤثر يسقط) خيار الباقى فى مجلسه (لانه) اى الباقى (فعل المفارقة) لان الكون الثانى فعله على القول بعدم بقاء الاكوان، و لانه هو المؤثر فى بقاء الكون فى الآن الثانى على القول ببقاء الاكوان، لكن الباقى يحتاج الى المؤثر.

(و على القول ببقائها) اى الاكوان (و استغناء الباقى عن المؤثر و ثبوتية الافتراق) فالكون للباقى هو الكون الاول، و لم يحصل منه امر

ص: 204

لم يسقط خياره، لانه لم يفعل شيئا.

و ان قلنا: بعدمية الافتراق و العدم ليس بمعلل، فكذلك.

و ان قلنا: انه يعلل، سقط أيضا.

و الاقرب عندى السقوط لانه مختار فى المفارقة، انتهى.

و هذا الكلام و ان نوقش فيه بمنع بناء الاحكام على هذه التدقيقات

______________________________

ثبوتى لان الافتراق ليس ثبوتيا (لم يسقط خياره) اى خيار الباقى (لانه لم يفعل شيئا) لا تجديد كون، و لا تأثير فى الكون الباقى و لا اتى بامر ثبوتى.

(و ان قلنا: بعدمية الافتراق) لانه عدم الاجتماع (و) واضح ان (العدم ليس بمعلل) اى لا يحتاج الى العلة و قولهم- مثلا- انى لم اسافر، لانه لم يكن لى مال، بيان علة الوجود، لا انه علة حقيقية (فكذلك) اى لم يسقط خياره، لانه لم يفعل شيئا.

(و ان قلنا: انه) اى العدم (يعلل) لان الاعدام الخاصة لها حظ من الوجود (سقط) الخيار من الثانى (أيضا) كما فى السابق، حيث قلنا: يسقط لانه فعل المفارقة.

(و الاقرب عندى السقوط) لخيار الثانى (لانه مختار فى المفارقة) فيشمله دليل «حتى يفترقا» (انتهى) كلام الايضاح.

(و هذا الكلام و ان نوقش فيه بمنع بناء الاحكام) الشرعية (على هذه التدقيقات) الفلسفية، اذ الشرع كما دل عليه النص و الاجماع انما يتكلم على طبق المفاهيم العرفية، قال تعالى: إِلّٰا بِلِسٰانِ قَوْمِهِ، و قال

ص: 205

..........

______________________________

صلى الله عليه و آله انا معاشر الأنبياء امرنا ان نكلم الناس على قدر عقولهم.

و من المعلوم ان لسان القوم و قدر عقول العامة: الظواهر العرفية هذا بالإضافة الى مثل قوله تعالى: وَ لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ*، و مثل قوله تعالى: أَ فَلٰا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ* و قوله تعالى: أَعْجَمِيٌّ وَ عَرَبِيٌّ، الى غير ذلك.

اما الدقائق و اللطائف الموجودة فى كلماته سبحانه، و كلامهم فهى من البواطن، و التأويل غير مرتبط بمقام الاحكام، كما ان قولهم عليهم السلام: ان امرهم صعب مستصعب لا يحتمله الا ملك الخ، أو لا يحتمله ملك مقرب الخ، بدون لفظ الا، و كذلك ما ورد فيه «حديثنا» عوض «امرنا» اذ المراد بهما واحد يراد به شأنهم عليهم السلام فهم عليهم السلام ارفع مستوى من كل المخلوقات، و لذا لا يحتمل شأنهم اى مخلوق، فان الاصغر لا يحتوى على الاكبر، كما لا يفهم الانسان المحدود الخالق غير المحدود، لاستحالة ذلك.

و اما قوله صلى الله عليه و آله: ما عرف الله الا انا و انت، فالمراد المعرفة الممكنة، و حتى فاطمة عليها السلام و الائمة الاحد عشر (ع) لم يكونوا بمستوى النبي و الوصى (ع) و لذا لا يعرفون الله تعالى، كما هما يعرفانه سبحانه، هذا على نسخة «لا يحتمله ملك مقرب» بدون «الا» و اما على نسخة «الا» فالمراد ان المقدار الممكن تحمله من شأنهم عليهم السلام- الّذي هو فى طوق المخلوق- خاص بالملك و النبي و المؤمن، الثلاثة الواقعة بعد «الا» الاستثنائية.

ص: 206

الا انه على كل حال صريح فى ان الباقى لو ذهب اختيارا فلا خلاف فى سقوط خياره.

و ظاهره كظاهر عبارة القواعد ان سقوط خياره لا ينفك عن سقوط خيار الآخر.

______________________________

و كيف كان فهذا مبحث طويل خارج عن غرض الشرح المحنا إليه لما فيه من مزيد الفائدة و الله سبحانه العالم.

ان قلت: اذا لم يكن بناء الاحكام على التدقيقات، فلما ذا نرى المصنف و سائر المحققين يدققون.

قلت: تدقيقهم فى نطاق فهم العرف و هل ان العرف يفهم هذا او ذاك، لا خارج نطاق العرف.

مثلا: هل العرف يفهم من «ما لم يفترقا» مطلقا، ان «ما لم يفترقا» عن اختيار، حتى لا يشمل الافتراق الاكراهى (الا انه على كل حال) لاحتمال انه ليس من جهة التدقيق فى الحكم، بل فى وجه المناسبة بين استفادة العرف، و بين الامر العقلى فى الاكوان و غيرها.

و كان المصنف قال «على كل حال» لمناقشته فى اشكال بعض على فخر المحققين (صريح فى ان الباقى لو ذهب اختيارا) اى الانسان الّذي بقى فى المجلس بعد اكراه الانسان الاول على الخروج من المجلس (فلا خلاف فى سقوط خياره) اى خيار الباقى.

(و ظاهره) اى التحرير (كظاهر عبارة القواعد ان سقوط خياره) اى خيار الباقى (لا ينفك عن سقوط خيار الآخر) الّذي ذهب عن المجلس اكراها.

ص: 207

فينتفى القول المحكى عن الخلاف و الجواهر.

لكن العبارة المحكية عن الخلاف، ظاهرة فى هذا القول.

قال لو اكرها، او احدهما على التفرق بالابدان على وجه يتمكنان من الفسخ و التخاير، فلم يفعلا، بطل خيارهما او خيار من تمكن من ذلك

______________________________

وجه عدم الانفكاك ما عرفت سابقا من ان مفارقة احدهما اختيارا يوجب سقوط خيارهما، و المفروض ان الثانى فارق اختيارا، و اذا سقط خيارهما (فينتفى القول المحكى عن الخلاف و الجواهر) من ان افتراقهما المجعول غاية لخيارهما، يتوقف على حصوله عن اختيارهما.

و انما ينفى هذا القول لان العلامة ذهب الى ان الافتراق المجعول غاية للخيار يتحقق اذا حصل باختيار احدهما فقط.

(لكن العبارة المحكية عن الخلاف ظاهرة فى هذا القول) اى غير قول العلامة ره.

فان العلامة يرى التلازم بين سقوط الخيارين و الشيخ يرى عدم التلازم.

(قال) فى الخلاف: (لو اكرها، او) اكره (احدهما على التفرق بالابدان على وجه يتمكنان من الفسخ و التخاير) فلم يكن اكراه على ترك التخاير (فلم يفعلا) الفسخ (بطل خيارهما) فلا حق لهما فى الفسخ، و ان كان اكراه فى الافتراق (او خيار من تمكن من ذلك) اى من الفسخ، فلم يفسخ بان كان احدهما مكرها على ترك المجلس و على ترك التخاير، و كان الثانى مكرها على ترك المجلس و لكن لم يكره على ترك التخاير.

ص: 208

و نحوه المحكى عن القاضى فانه لو لا جواز التفكيك بين الخيارين لاقتصر على قوله، بطل خيارهما، فتأمل.

بل حكى هذا القول عن ظاهر التذكرة او صريحها و فيه تأمل.

و كيف كان فالاظهر فى بادى النظر

______________________________

(و نحوه) اى نحو كلام الخلاف الكلام (المحكى عن القاضى).

وجه قوله «لكن» ما ذكره بقوله: (فانه لو لا جواز التفكيك بين الخيارين) خيار من اكره على الامرين ترك المجلس و ترك التخاير، فلا يسقط خياره، و خيار من اكره على امر واحد و هو ترك المجلس فيسقط خياره لانه لم يكن مكرها على ترك التخاير (لاقتصر) اى كل من الخلاف و القاضى (على قوله، بطل خيارهما) و لم يزد قوله او خيار من تمكن، و اذا لم يزد هذا كان كلامهما مطابقا لقول العلامة (فتأمل).

لعله لما سيأتى من احتمال كون مراد الشيخ و القاضى ان الساقط خيار من تمكن من التخاير، مع قطع النظر عن التلازم، اما بملاحظة التلازم فالساقط خيار كليهما.

(بل حكى هذا القول) قول الخلاف و القاضى، و الحاكى هو صاحب مفتاح الكرامة (عن ظاهر التذكرة او صريحها، و) لكن (فيه تأمل) فان قول التذكرة ليس ذلك، كما يظهر لمن راجعه.

(و كيف كان) فى اختيار كل من القاضى و الخلاف و التذكرة لما نسب إليه من القول (فالاظهر فى بادى النظر) فيما اكره احدهما على التفرق، و ترك التخاير و بقاء الآخر فى المجلس مختارا فى المصاحبة

ص: 209

ثبوت الخيارين للاصل، و ما تقدم من تبادر تفرقهما عن رضا منهما، فان التفرق و ان لم يعتبر كونه اختياريا من الطرفين، و لا من احدهما الا ان المتبادر رضاهما بالبيع حين التفرق، فرضا احدهما فى المقام و هو الماكث لا دليل على كفايته فى سقوط خيارهما، و لا فى سقوط خيار خصوص الراضى.

اذ الغاية غاية للخيارين.

______________________________

او التخاير (ثبوت الخيارين) لمن ذهب عن المجلس و لمن بقى فيه (للاصل) فان الاصل بقاء خيارهما (و) ل (ما تقدم من تبادر تفرقهما عن رضا منهما) فان قوله «حتى يفترقا» ظاهر فى كون تفرقهما عن رضا- بحكم التبادر- (فان التفرق و ان لم يعتبر كونه اختياريا من الطرفين، و لا من احدهما) و ذلك، لحصول التفرق لغة و لو كان باكراه (الا ان المتبادر رضاهما بالبيع حين التفرق) فالتفرق حصل، لكن التفرق عن رضا لم يحصل، و الحال ان المتبادر التفرق عن رضا (فرضا احدهما فى المقام) مقام ما اذا اكره احدهما على التفرق (و هو الماكث) لفرض انه كان قادرا على التخاير، و على المصاحبة (لا دليل على كفايته فى سقوط خيارهما و لا فى سقوط خيار خصوص الراضى) الّذي هو الماكث.

(اذ الغاية) فى قوله عليه السلام «حتى يفترقا» (غاية للخيارين) فان معنى الحديث «ان كلا البيعين بالخيار» و لا يسقط خيار اىّ منهما «حتى يفترقا» فاذا لم يحصل تفرقهما عن اختيار، لم يسقط خيار اىّ منهما.

ص: 210

فان تحققت سقطا، و الا ثبتا.

و يدل عليه ما تقدم من صحيحة الفضيل المصرحة باناطة سقوط الخيار بالرضا منهما المنفى بانتفاء رضا احدهما.

و لكن يمكن التفصي عن الاصل بصدق تفرقهما، و تبادر تقيده بكونه عن رضا كليهما ممنوع، بل المتيقن اعتبار رضا احدهما.

______________________________

(فان تحققت) الغاية (سقطا، و الا) تتحقق- كما فى ما نحن فيه اذ المفارق للمجلس افترق عن اكراه- (ثبتا) فلكل من المكره و الثابت فى المجلس خياره.

(و يدل عليه) اى على ما ذكرناه من لزوم كون التفرق عن رضا منهما (ما تقدم من صحيحة الفضيل المصرحة باناطة سقوط الخيار بالرضا منهما) حيث قال عليه السلام: فاذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما (المنفى) سقوط الخيار (بانتفاء رضا احدهما) و هو من اكره على الخروج هذا كله وجه عدم سقوط خيارهما.

(و لكن يمكن التفصي) و التخلص (عن الاصل) اصالة بقاء الخيار (بصدق تفرقهما) لغة و ان لم يكن المفارق للمجلس مختارا (و) ما تقدم من (تبادر تقيده) اى التفرق (بكونه عن رضا كليهما ممنوع) لانه لا اشكال فى سقوط خيارهما اذا تفرق احدهما عن مجلس البيع، مع ان التفرق لم يكن عن رضا منهما، و فى المقام كذلك (بل المتيقن اعتبار رضا احدهما) فاذا حصل سقط الخياران.

ص: 211

و ظاهر الصحيحة، و ان كان اعتبار ذلك الا انه معارض بإطلاق ما يستفاد من الرواية السابقة الحاكية لفعل الامام عليه السلام، و انه قال: فمشيت خطا ليجب البيع حين افترقنا جعل مجرد مشيه سببا لصدق الافتراق المجعول غاية للخيار، و جعل وجوب البيع علة غائية له من دون اعتبار رضا الآخر، او شعوره بمشى الامام عليه السلام.

______________________________

(و ظاهر الصحيحة، و ان كان اعتبار ذلك) اى رضاهما (الا انه معارض بإطلاق ما يستفاد من الرواية السابقة الحاكية لفعل الامام عليه السلام، و) ذلك (انه) عليه السلام (قال: فمشيت خطا ليجب البيع حين افترقنا).

وجه المعارضة: ان ظاهر الرواية كفاية رضا الامام فى ايجاب البيع من دون اعتبار رضا الطرف الآخر، فقد (جعل) عليه السلام (مجرد مشيه سببا لصدق الافتراق) اذ قال «حين افترقنا» (المجعول) ذلك الافتراق (غاية للخيار) لان قوله عليه السلام «ليجب» غاية للخيار (و جعل) الامام عليه السلام (وجوب البيع علة غائية) اى ان الغاية من المشى هو وجوب البيع (له) اى للمشى (من دون اعتبار رضا الآخر، او شعوره بمشى الامام عليه السلام).

اذ لا دليل على ان طرف الامام عليه السلام شعر بمشى الامام، و اذا تعارضت الصحيحة و هذه الرواية، سقطت الصحيحة، لان ظهور الرواية اقوى، و تكون النتيجة عدم اعتبار رضا الطرفين بالتفرق، بل يكفى رضا احدهما.

ص: 212

و دعوى انصرافه الى صورة شعور الآخر و تركه المصاحبة اختيارا ممنوعة.

و ظاهر الصحيحة و ان كان اخص، الا ان ظهور الرواية فى عدم مدخلية شي ء آخر زائدا على مفارقة احدهما صاحبه مؤيد بالتزام مقتضاه فى غير واحد من المقامات

______________________________

(و) ان قلت: الظاهر ان طرف الامام عليه السلام شعر بمشى الامام، و حيث لم يفسخ كان رضا منه، فلا تدل الرواية على خلاف الصحيحة.

قلت: (دعوى انصرافه) اى ما تضمنته الرواية (الى صورة شعور) الطرف (الآخر) بمشى الامام عليه السلام (و تركه المصاحبة اختيارا) فيكون رضا منه أيضا (ممنوعة) اذ من اين فهمنا ان الطرف الآخر شعر بقيام الامام و مشيه.

(و) ان قلت: نسلم ظهور الرواية فى كفاية رضا طرف واحد، الا ان الصحيحة اخص من الرواية فان رضا احدهما عام يشمل رضا الآخر و عدمه.

قلت: (ظاهر الصحيحة و ان كان اخص، الا ان ظهور الرواية فى عدم مدخلية شي ء آخر زائدا على مفارقة احدهما صاحبه مؤيد بالتزام مقتضاه) و هو عدم مدخلية شي ء آخر (فى غير واحد من المقامات) ف «مؤيد» خبر «ان ظهور».

و الحاصل: ان التأييد يوجب تقدم الرواية على الصحيحة و ان كانت

ص: 213

مثل ما اذا مات احدهما و فارق الآخر اختيارا.

فان الظاهر منهم عدم الخلاف فى سقوط الخيارين و قد قطع به فى جامع المقاصد مستدلا بانه قد تحقق الافتراق، فسقط الخياران، مع ان المنسوب إليه ثبوت الخيار لهما فى ما نحن فيه، و كذا لو فارق احدهما فى حال نوم الآخر، او غفلته عن مفارقة صاحبه مع تأيد ذلك

______________________________

الصحيحة- لو لا التأييد- مقدمة على الرواية (مثل ما اذا مات احدهما) فى المجلس (و فارق الآخر) المجلس، بعد موت صاحبه (اختيارا) فانه لم يحصل الا رضا احدهما فقط.

(فان الظاهر منهم عدم الخلاف فى سقوط الخيارين) فليس لوارث الميت خيار.

اقول: يشكل ذلك، اذا كان الوارث فى المجلس، فانه حينئذ كالاصيل و الوكيل- كما تقدم الكلام فيه- (و قد قطع به فى جامع المقاصد) «به» اى بسقوط الخيارين (مستدلا بانه قد تحقق الافتراق، فسقط الخياران) و كلامه هذا مناقض (مع) كلامه هنا.

ف (ان المنسوب إليه) اى الى جامع المقاصد (ثبوت الخيار لهما) اى للذى فارق المجلس مكرها، و بقى الآخر فى المجلس مختارا (فى ما نحن فيه) مع وضوح ان «الموت» مثل «الاكراه» فى عدم رضا كل منهما بالبيع (و كذا لو فارق احدهما فى حال نوم الآخر، او) حال (غفلته عن مفارقة صاحبه) بان لم يعلم الغافل ان صاحبه فارق المجلس (مع تأيد ذلك) اى سقوط الخيارين بتفرق احدهما اختيارا

ص: 214

بنقل الاجماع عن السيد عميد الدين.

و ظاهر المبنى المتقدم عن الايضاح أيضا عدم الخلاف فى عدم اعتبار الرضا من الطرفين و انما الخلاف فى ان البقاء اختيارا مفارقة اختيارية أم لا، بل ظاهر القواعد أيضا ان سقوط خيار المكره متفرع على سقوط خيار الماكث من غير اشارة الى وجود خلاف فى هذا التفريع.

و هو الّذي ينبغى، لان الغاية ان حصلت سقط الخياران، و الا بقيا،

______________________________

(بنقل الاجماع عن السيد عميد الدين) و ان كان فى الاجماع نظر لان المحكى عن الغنية الاجماع بثبوت الخيار لهما فى هذه الصورة.

(و) يؤيده أيضا ان (ظاهر المبنى المتقدم عن الايضاح أيضا عدم الخلاف فى عدم اعتبار الرضا من الطرفين) بل يكفى رضا احدهما (و انما الخلاف فى ان البقاء اختيارا) من الماكث (مفارقة اختيارية) لتجدد الاكوان الى آخر كلامه ره (أم لا) تكون مفارقة اختيارية (بل) يؤيده (ظاهر القواعد أيضا) حيث انه ذهب الى (ان سقوط خيار المكره) المفارق للمجلس (متفرع على سقوط خيار الماكث) فى المجلس- اختيارا فلم يعتبر رضاهما، بل اعتبر رضا احدهما (من غير اشارة) من القواعد (الى وجود خلاف فى هذا التفريع) اى فرع ما لو اكره احدهما على المفارقة، و رضا الماكث، حيث يسقط خيارهما- على ما ذكره القواعد-

(و) ما ذكره القواعد (هو الّذي ينبغى) حسب القواعد (لان الغاية) اى الافتراق (ان حصلت سقط الخياران، و الا) تحصل الغاية (بقيا) فاذا حصل الافتراق برضا احدهما سقط الخياران و لم يحتج الى رضا

ص: 215

فتأمل.

و عبارة الخلاف المتقدمة و ان كانت ظاهرة فى التفكيك بين المتبايعين فى الخيار الا انها ليست بتلك الظهور لاحتمال إرادة سقوط خيار المتمكن من التخاير من حيث تمكنه، مع قطع النظر عن حال الآخر فلا ينافى سقوط خيار الآخر لاجل التلازم بين الخيارين من حيث اتحادهما فى الغاية

______________________________

الآخر (فتأمل) يمكن ان يكون اشارة الى ما سيأتى من قوله: و لعل نظر الشيخ و القاضى.

(و عبارة الخلاف المتقدمة) حيث قال: او خيار من تمكن من ذلك (و ان كانت ظاهرة فى التفكيك بين المتبايعين فى الخيار) اذ ظاهر قوله: خيار من تمكن ان خيار غير المتمكن لا يسقط (الا انها) اى العبارة المذكورة (ليست بتلك الظهور) القوى، حيث تنافى كلامنا من التلازم بين الخيارين سقوطا و ثبوتا (لاحتمال) عبارة الخلاف (إرادة سقوط خيار المتمكن من التخاير من حيث تمكنه) من الاخذ بالخيار فاذا لم يأخذ به سقط خياره، لانه فارق المجلس، فصدق فيه «حتى يفترقا» (مع قطع النظر عن حال الآخر) الّذي بقى فى المجلس (فلا ينافى) كلام الخلاف (سقوط خيار الآخر) أيضا (لاجل التلازم بين الخيارين) سقوطا و ثبوتا (من حيث اتحادهما فى الغاية) حيث قال عليه السلام «حتى يفترقا» الظاهر فى ان حصول الافتراق يوجب سقوط كلا الخيارين.

و الحاصل ان كلام الشيخ فى صدد سقوط خيار المتمكن، فلا دلالة فيه على خيار الآخر، لا ثبوتا و لا سقوطا، فيمكن ان يكون نظره سقوط خيار

ص: 216

مع ان شمول عبارته لبعض الصور التى لا يختص بطلان الخيار فيها بالمتمكن، مما لا بد منه، كما لا يخفى على المتأمل.

و حملها على ما ذكرنا من إرادة المتمكن، لا بشرط إرادة خصوصه فقط

______________________________

الآخر أيضا لاجل التلازم بين الخيارين فلا يمكن ان يقال ان الشيخ يرى ثبوت خيار الآخر.

و يؤيد ان الشيخ ليس بصدد خيار الآخر، ان كلامه يشمل ما يسقط فيه خيار الآخر أيضا.

و الى هذا شار بقوله: (مع ان شمول عبارته لبعض الصور التى لا يختص بطلان الخيار فيها) فى تلك الصورة (بالمتمكن) بل يسقط خيارهما (مما لا بد منه) خبر «شمول» (كما لا يخفى على المتأمل) فانه اذا كان احدهما متمكنا من جهة عدم الاكراه، و كان الآخر غير متمكن من جهة الاكراه، و لكن كان غير المتمكن متصرفا فى المبيع، اذ التصرف مسقط للخيار فسقوط خيار احدهما للاكراه، و الآخر للتصرف.

و عليه فاذا كانت عبارة الخلاف تشمل ما اذا سقط خيار الآخر لاجل التصرف مثلا، لا بد و ان نقول: ان عبارته فى صدد بيان سقوط خيار المكره، و ليس فى صدد ذكر خيار غير المكره ثبوتا او سقوطا، فلا مانع من ان يريد سقوط خيار المكره أيضا.

(و حملها) اى عبارة الخلاف (على ما ذكرنا) و بيّن «ما» بقوله:

(من إرادة) الخلاف سقوط خيار (المتمكن، لا بشرط إرادة خصوصه فقط) اى ان الخلاف لم يقصد ان خصوص خيار المتمكن ساقط، بل يشمل

ص: 217

اولى من تخصيصها ببعض الصور.

و لعل نظر الشيخ و القاضى الى ان الافتراق المستند الى اختيارهما جعل غاية لسقوط خيار كل منهما.

فالمستند الى اختيار احدهما مسقط لخياره خاصة و هو

______________________________

كلامه سقوط خيار المكره أيضا (اولى من تخصيصها) اى عبارة الخلاف (ببعض الصور) اى صورة عدم تصرف الآخر الّذي هو المكره.

و قوله «و حملها» تتمة قوله «مع» اى ان كلام الخلاف القائل بانه يسقط خيار المتمكن له صورتان.

صورة تصرف المكره، و صورة عدم تصرف المكره، فاذا كان مراد الخلاف سقوط خيار المختار فقط، لزم اخراج صورة تصرف المكره من عبارته و اخراج هذه الصورة من عبارته ليس باولى، من ادخال هذه الصورة فى عبارته.

و القول بان الشيخ ساكت عن خيار المكره سقوطا و ثبوتا فلا يكون الشيخ مخالفا لسقوط خيار المكره.

(و لعل نظر الشيخ و القاضى) اذا قلنا بانهما يريان سقوط خيار المختار فقط، دون خيار المكره (الى ان الافتراق المستند الى اختيارهما جعل) فى النص (غاية لسقوط خيار كل منهما) فافتراق كل مسقط لخياره

(فالمستند الى اختيار احدهما) فيما اذا كان الآخر مكرها (مسقط لخياره خاصة) لان معنى «حتى يفترقا» ان كل مفترق يسقط خياره لا خيار كليهما (و هو) اى نظر الشيخ و القاضى من كون النص من باب

ص: 218

استنباط حسن لكن لا يساعد عليه ظاهر النص.

ثم انه يظهر مما ذكرنا حكم عكس المسألة، و هى ما اذا اكره احدهما على البقاء ممنوعا من التخاير و فارق الآخر اختيارا.

فان مقتضى ما تقدم من الايضاح من مبنى الخلاف عدم الخلاف فى سقوط الخيارين هنا.

و مقتضى ما ذكرنا من مبنى الاقوال جريان الخلاف هنا أيضا.

______________________________

مقابلة الجمع بالجمع (استنباط حسن) فى نفسه (لكن لا يساعد عليه ظاهر النص) اذ قد عرفت ان ظاهره ان افتراقهما مسقط لخيارهما معا لا ان كل خيار يسقط بافتراق احدهما.

(ثم انه يظهر مما ذكرنا) فى حكم اصل المسألة (حكم عكس المسألة و هى ما اذا اكره احدهما على البقاء ممنوعا من التخاير و فارق الآخر) المجلس (اختيارا) و انما ظهر الحكم لوحدة الملاك فى المسألتين اذ المعيار كره احدهما على التفرق، مع منعه عن التخاير، و هو موجود فى كلتا المسألتين.

(فان مقتضى ما تقدم من الايضاح من مبنى الخلاف) حيث قال ان هذا مبنى على بقاء الاكوان و عدمه الى آخر عبارته (عدم الخلاف فى سقوط الخيارين هنا) لكل من الباقى و المفارق.

(و مقتضى ما ذكرنا من مبنى الاقوال) حيث قلنا: و مبنى الاقوال على ان افتراقهما، الى آخره (جريان الخلاف هنا أيضا) لوحدة الملاك فى المسألتين، فكما يكون هناك خلاف، يكون هنا خلاف أيضا.

ص: 219

و كيف كان فالحكم بسقوط الخيار عنهما هنا اقوى، كما لا يخفى.

______________________________

(و كيف كان) الامر (فالحكم بسقوط الخيار عنهما هنا اقوى، كما لا يخفى) للفرق بين المسألتين لعدم الخلاف فى صدق الافتراق الاختيارى على حركة المتحرك- اختيارا- بخلاف سكون الساكن.

ففى صدق الافتراق عليه عرفا خفاء و ان صدق عليه الافتراق بالدقة العقلية.

ص: 220

مسئلة لو زال الاكراه فالمحكى عن الشيخ و جماعة امتداد الخيار بامتداد مجلس الزوال.

و لعله لان الافتراق الحاصل بينهما فى حال الاكراه كالمعدوم، فكانهما بعد مجتمعان فى مجلس العقد فالخيار باق.

و فيه ان الهيئة الاجتماعية الحاصلة حين العقد قد ارتفعت حسّا.

______________________________

(مسألة: لو زال الاكراه) بعد ان حمل الى خارج المجلس مكرها (فالمحكى عن الشيخ و جماعة امتداد الخيار بامتداد مجلس الزوال) فما دام فى مجلس الزوال له الخيار، فاذا فارق عن ذلك المجلس زال خياره

(و لعله) وجه (ل) فتوى الشيخ (ان الافتراق الحاصل بينهما فى حال الاكراه كالمعدوم) لرفع الاكراه حكما، و ان كان موجودا حقيقة- و لذا قال كالمعدوم- (فكانهما بعد مجتمعان فى مجلس العقد فالخيار باق).

اما سقوطه بعد افتراقه عن مجلس الزوال فهو بلا اشكال، اذ لا وجه لبقاء الخيار بعد عدم كونه فى مجلس العقد، و عدم كونه فى مجلس بمنزلة مجلس العقد.

(و فيه ان الهيئة الاجتماعية الحاصلة حين العقد قد ارتفعت حسّا) فانها من الامور الخارجية غير التابعة للامور النفسية، فهى مرتفعة

ص: 221

غاية الامر عدم ارتفاع حكمها و هو الخيار بسبب الاكراه.

و لم يجعل مجلس زوال الاكراه بمنزلة مجلس العقد.

و الحاصل ان الباقى بحكم الشرع هو الخيار، لا مجلس العقد، فالنص ساكت عن غاية هذا الخيار، فلا بد اما من القول بالفور كما عن التذكرة، و لعله

______________________________

بالافتراق سواء كان عن إرادة او عن اكراه.

(غاية الامر عدم ارتفاع حكمها) اى الحكم الّذي هو سقوط الخيار فحيث انه اكره، كان خياره باقيا.

فقوله: (و هو الخيار) اى ان عدم الارتفاع هو الخيار (بسبب الاكراه) الرافع لحكم الافتراق.

(و) لا دليل على ان مجلس زوال الاكراه فى حكم مجلس العقد.

اذ (لم يجعل مجلس زوال الاكراه بمنزلة مجلس العقد) لا نصّا و لا اجماعا، فمن اين جاء ان حكم مجلس زوال الاكراه حكم مجلس العقد؟

(و الحاصل) فى الاشكال على فتوى الشيخ (ان الباقى بحكم الشرع هو الخيار، لا) ان الباقى (مجلس العقد).

اذا (فالنص ساكت عن غاية هذا الخيار) بعد زوال الاكراه.

و عليه (فلا بد اما من القول بالفور) و انه اذا زال الاكراه فله الاخذ بالخيار فورا، و انه اذا لم يأخذ بالخيار فورا سقط خياره، و ان كان مجلس زوال الاكراه باقيا (كما عن التذكرة، و لعله) اى و لعل وجه الفور

ص: 222

لانه المقدار الثابت يقينا لاستدراك حق المتبايعين.

و اما من القول بالتراخى الى ان تحصل المسقطات لاستصحاب الخيار و الوجهان جاريان فى كل خيار لم يظهر حاله من الادلة.

______________________________

(لانه المقدار الثابت يقينا لاستدراك حق المتبايعين) فى الفسخ و الامضاء.

(و اما من القول بالتراخى) و امتداد الخيار، حتى الى ما بعد مجلس زوال الاكراه (الى ان تحصل المسقطات) كالتصرف و نحوه (لاستصحاب الخيار).

(و الوجهان) اى الفور، و التراخى الى ان تحصل المسقطات (جاريان فى كل خيار لم يظهر حاله من الادلة) و انه ممتد او غير ممتد و ان كان الاظهر الثانى، لانه مقتضى الاستصحاب.

ص: 223

مسئلة و من مسقطات هذا الخيار التصرف

على وجه يأتى فى خيارى الحيوان و الشرط، ذكره الشيخ فى المبسوط فى خيار المجلس و فى الصرف، و العلامة فى التذكرة و نسب الى جميع من تأخر عنه بل ربما يدعى اطباقهم عليه، و حكى عن الخلاف و الجواهر و الكافى و السرائر، و لعله لدلالة التعليل فى بعض اخبار خيار الحيوان، و هو الوجه أيضا فى اتفاقهم على سقوط خيار الشرط، و الا

______________________________

(مسألة: و من مسقطات هذا الخيار) اى خيار المجلس (التصرف على وجه يأتى فى خيارى الحيوان و الشرط) فانه ليس كل تصرف مسقط بل التصرف على وجه خاص (ذكره الشيخ فى المبسوط فى خيار المجلس) (و فى) بيع (الصرف) و هو بيع الاثمان اى بيع الذهب بالفضة و نحوه (و العلامة فى التذكرة و نسب) القول بذلك أيضا (الى جميع من تأخر عنه) اى عن العلامة (بل ربما يدعى اطباقهم عليه، و) كذلك (حكى عن الخلاف و الجواهر) للقاضى (و الكافى و السرائر، و لعله) اى لعل وجه كون التصرف مسقطا لخيار المجلس، مع عدم ورود نصّ عليه بالخصوص (لدلالة التعليل فى بعض اخبار خيار الحيوان) فان العلة تشمل خيار المجلس أيضا (و هو) اى عموم التعليل (الوجه أيضا فى اتفاقهم على سقوط خيار الشرط) فاذا باع شيئا بشرط ان له الرجوع فى البيع الى شهر- مثلا- ثم تصرف فى الثمن سقط خياره على ما ذكروا (و الا) اى لو لا

ص: 224

فلم يرد فيه نص بالخصوص، بل سقوط خيار المشترى بتصرفه مستفاد من نفس تلك الرواية المعللة، حيث قال: فان احدث المشترى فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة ايام، فذلك رضا منه، فلا شرط، فان المنفى يشمل شرط المجلس و الحيوان فتأمل.

______________________________

عموم التعليل (ف) لا دليل آخر على سقوط خيار الشرط بالتصرف، لانه (لم يرد فيه نص بالخصوص، بل سقوط خيار المشترى) للحيوان (بتصرفه) فى الحيوان (مستفاد من نفس تلك الرواية المعللة) فليس هناك دليل على سقوط خيار الحيوان بالتصرف الا من العلة.

و نسبة العلة الى خيار الحيوان و سائر الخيارات واحدة.

فكما يسقط خيار الحيوان بالتصرف، كذلك تسقط سائر الخيارات (حيث قال) عليه السلام (فان احدث المشترى فيما اشترى) اى فى الحيوان الّذي اشتراه (حدثا قبل الثلاثة ايام) اى قبل انقضاء الثلاثة اذ: خيار الحيوان ثلاثة ايام فقط (فذلك رضا منه) اى ان التصرف دليل الرضا، او انه رضا فعلى، و ان لم يكن راضيا باسقاط خياره (فلا شرط) اى لا خيار له بعد الرضا (فان المنفى) فى قوله عليه السلام: لا شرط- اى لا خيار- (يشمل شرط المجلس و الحيوان) و غيرهما (فتأمل).

اذ كيف يمكن ان ندعى عموم «لا شرط» للمجلس، مع ان كونه فى باب الحيوان قرينة صارفة الى خصوص الحيوان.

اللهم الا ان يقال: ان العرف يفهم ذلك، و هذا ليس ببعيد، و لذا فهم المشهور الخيار، و مع هذا الفهم لا يبقى مجال للقول بان

ص: 225

و تفصيل التصرف المسقط سيجي ء ان شاء الله.

______________________________

«حتى يفترقا» نص فى امتداد الخيار الى حين الافتراق فلا يمكن رفع اليد عنه بسبب هذا الاشعار المستفاد من التعليل.

(و تفصيل التصرف المسقط سيجي ء ان شاء الله) و ان اىّ تصرف مسقط و اى تصرف غير مسقط.

ص: 226

الثانى خيار الحيوان
اشارة

لا خلاف بين الامامية فى ثبوت الخيار فى الحيوان للمشترى.

و ظاهر النص و الفتوى العموم لكل ذى حياة، فيشمل مثل الجراد و الزنبور و السمك و العلق و دود القز.

و لا يبعد اختصاصه بالحيوان المقصود حياته فى الجملة.

فمثل السمك المخرج من الماء و الجراد المحرز فى الاناء و شبه ذلك خارج

______________________________

(الثانى) من الخيارات (خيار الحيوان) و (لا خلاف بين الامامية فى ثبوت الخيار فى الحيوان للمشترى) الى ثلاثة ايام.

(و ظاهر) اطلاق (النص و الفتوى العموم لكل ذى حياة) حيوانية لا مثل النبات (فيشمل) الخيار (مثل الجراد و الزنبور و السمك و العلق و دود القز) بل لا يبعد- على هذا- شموله لمثل الاحياء الجديدة كالمكروب.

(و) لكن (لا يبعد اختصاصه بالحيوان المقصود حياته فى الجملة) مثل البقر الّذي يشترى لاجل اللبن مثلا، و انه ثم يراد بعد ذلك ذبحه للاستفادة بلحمه و جلده.

(فمثل السمك المخرج من الماء) لاجل إماتته، لا لاجل احرازه و اقتنائه (و الجراد المحرز فى الاناء) لاجل إماتته لا لاجل اقتنائه حيّا (و شبه ذلك خارج) عن كونه ذا خيار

ص: 227

لانه لا يباع من حيث انه حيوان، بل من حيث انه لحم.

و يشكل فيما صار كذلك لعارض كالصيد المشرف على الموت باصابة السهم او بجرح الكلب المعلم.

و على كل حال فلا يعدّ زهاق روحه تلفا من البائع قبل القبض، او فى زمان الخيار.

______________________________

(لانه لا يباع من حيث انه حيوان، بل من حيث انه لحم) فهو كبيع اللحم حيث انه لا خيار فيه لان الادلة جارية فى بيع الحيوان.

(و يشكل) اختصاص خيار الحيوان (فيما صار كذلك) اى صار مثل السمك الخارج من الماء (لعارض كالصيد المشرف على الموت باصابة السهم او بجرح الكلب المعلم) فهل فيه خيار الحيوان لانه حي او ليس فيه؟ لانه لا يشترى الا لاجل اللحم، احتمالان.

و لعل وجه الفرق بينه و بين السمك، حيث جزم بانه لا خيار للحيوان فى السمك، و اشكل هنا فى الصيد ان السمك الخارج من الماء محكوم بالموت قطعا، فلا يشترى الا لحمه، اما الصيد فلا يقطع بموته و لذا فيمكن ان يشترى لاجل انه حيوان، لا انه لحم، فتأمل.

(و على كل حال) فى الصيد (فلا يعدّ) فى مثل السمك (زهاق روحه تلفا من البائع قبل القبض، او فى زمان الخيار) حتى تنطبق عليه قاعدة التلف قبل القبض من مال مالكه، و قاعدة: التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له.

ص: 228

و فى منتهى خياره مع عدم بقائه الى الثلاثة وجوه.

ثم انه هل يختص هذا الخيار بالمبيع المعين، كما هو المنساق فى النظر من الاطلاقات مع الاستدلال به فى بعض معاقد الاجماع- كما فى

______________________________

(و) اذا اشترى ما لا يبقى الى ثلاثة ايام بان مات بعد يومين مثلا ف (فى منتهى خياره) اى خيار المشترى فى مثل هذا الحيوان (مع عدم بقائه الى الثلاثة) الايام (وجوه) و احتمالات.

الاول: انه ثلاثة ايام لان متعلق الخيار هو العقد و هو باق و ان مات الحيوان.

الثانى: انه الى حين الموت قبل الثلاثة لان متعلق الخيار العين فاذا مات الحيوان انتفى الخيار لانتفاء موضوعه.

الثالث: انه الى حين ان يأتى مسقط آخر و لو بعد الثلاثة، لان الخيار متعلق بالعقد و هو باق الى ما بعد الثلاثة و اما ذكر الثلاثة فى الاخبار فهو منزل على الغالب من عدم موت الحيوان فى الثلاثة.

لكن لا يخفى ضعف هذا الوجه، و بعده الوجه الثانى، و اقواها الوجه الاول.

(ثم انه هل يختص هذا الخيار بالمبيع المعين) كما اذا باع هذا البقر الخاص مثلا (كما هو المنساق فى النظر من الاطلاقات) فاذا قال: من اشترى حيوانا كان له خيار ثلاثة ايام، انساق منه فى اذهان العرف الى الحيوان الخاص، لا الكلى (مع الاستدلال به) اى بكون الخيار فى المعين (فى بعض معاقد الاجماع- كما فى

ص: 229

التذكرة- بالحكمة غير الجارية فى الكلى الثابت فى الذمة، او يعم الكلى كما هو المترائى من النص و الفتوى لم اجد مصرحا باحد الامرين.

نعم يظهر من بعض المعاصرين: الاول، و لعله الاقوى.

و كيف كان

فالكلام فى من له هذا الخيار، و فى مدته [من حيث المبدإ و المنتهى، و مسقطاته يتم برسم مسائل]
اشارة

______________________________

التذكرة- بالحكمة غير الجارية فى الكلى الثابت فى الذمة).

فان الحكمة فى جعل الخيار ان يكون للمشترى الحق فيما اذا لم يرغب فى شخص هذا الحيوان ان يرده، و هذه الحكمة ليست جارية فى اشتراء الكلى، حيث انه اذا لم يرغب فى فرد بدّله بفرد آخر (او يعم) هذا الخيار (الكلى) لعدم معلومية ان الحكمة ذلك الّذي ذكر، فان من الحكمة انه اذا زهد المشترى فى اصل البيع، كان له رده، و هو يشمل الكلى كما يشمل الشخصى (كما هو المترائى من النص و الفتوى) لاطلاقهما الشامل للكلى كما يشمل الشخصى.

ثم انه لا منافات بين قوله «المنساق» و بين قوله «المترائى» لان المنساق بالدقة و المترائى بالنظر السطحى (لم اجد مصرحا باحد الامرين)

(نعم يظهر من بعض المعاصرين: الاول، و لعله الاقوى) و ان كان الثانى اقرب الى الاعتبار، لما عرفت من اطلاق الحكمة.

و كذلك يوجد مثله فى خيار المجلس و غيره، فانه يشمل بيع الكلى أيضا.

(و كيف كان فالكلام) الآن (فى من له هذا الخيار، و فى مدته

ص: 230

من حيث المبدأ و المنتهى، و مسقطاته يتم برسم مسائل.

______________________________

من حيث المبدأ و المنتهى، و) فى (مسقطاته) و هو: (يتم برسم مسائل) نذكرها ان شاء الله تعالى.

ص: 231

مسئلة المشهور اختصاص هذا الخيار بالمشترى

حكى عن الشيخين، و الصدوقين، و الاسكافى و ابن حمزة و الشاميين الخمسة، و الحلبيين الستة و معظم المتأخرين، و عن الغنية و ظاهر الدروس الاجماع عليه لعموم قوله عليه السلام: اذا افترقا وجب البيع خرج المشترى و بقى البائع، بل

______________________________

(مسألة المشهور اختصاص هذا الخيار بالمشترى) فاذا باع حيوانا لزيد كان الخيار لزيد فقط، لا للبائع (حكى عن الشيخين) المفيد و الطوسى (و الصدوقين) الوالد و الولد (و الاسكافى و ابن حمزة و الشاميين الخمسة) و هم: الحلبى و القاضى و الشهيدين و الكركى (و الحلبيين) بالباء نسبة الى بلدة حلب فى سوريا و هم (الستة) المعروفون.

و ربما قيل: انه بالياء اى الحلبيين نسبة الى بلدة الحلة فى العراق و هم: ابن ادريس و المحقق و العلامة و ولده و ابن سعيد و السيورى (و معظم المتأخرين، و عن الغنية و ظاهر الدروس الاجماع عليه).

و انما لم يكن للبائع الخيار (لعموم قوله عليه السلام: اذا افترقا وجب البيع) دل على وجوب البيع مطلقا بعد المجلس (خرج المشترى) بدليل: خيار الحيوان (و بقى البائع) لعدم الدليل على خروجه (بل

ص: 232

لعموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، بالنسبة الى ما ليس فيه خيار المجلس بالاصل او بالاشتراط، و يثبت الباقى بعدم القول بالفصل.

و يدل عليه أيضا ظاهر غير واحد من الاخبار.

منها: صحيحة الفضيل بن يسار عن ابى عبد الله عليه السلام، قال قلت له: ما الشرط فى الحيوان؟ قال: ثلاثة ايام

______________________________

لعموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فانه ظاهر فى عدم الخيار بعد العقد.

ان قلت: لا اشكال فى وجود خيار المجلس للبائع، فاذا انقضى المجلس بقى الخيار له فى بيع الحيوان بالاستصحاب.

قلت: لا شك فى انه لا خيار للبائع (بالنسبة الى ما ليس فيه خيار المجلس بالاصل) كما تقدم فى بعض البيوع انه لا خيار مجلس فيه، مثل بيع الأب من ولده (او بالاشتراط) بان اشترطا انه لا يكون للبائع خيار المجلس، فاذا لم يكن للبائع خيار المجلس، فلا يستصحب الخيار له بعد المجلس (و يثبت) عدم خيار الحيوان للبائع، فى (الباقى) و هو ما كان للبائع خيار المجلس (بعدم القول بالفصل) لانا لا نقول بانه يكون للبائع خيار الحيوان فى مكان دون مكان، فاذا لم يكن له خيار الحيوان فى مورد فليس له خيار الحيوان فى كل الموارد.

(و يدل عليه) اى على عدم الخيار للبائع مطلقا (أيضا ظاهر غير واحد من الاخبار).

(منها: صحيحة الفضيل بن يسار عن ابى عبد الله عليه السلام قال:

قلت له: ما الشرط) اى ما هو الخيار (فى الحيوان؟ قال: ثلاثة ايام

ص: 233

للمشترى قلت: و ما الشرط فى غير الحيوان؟ قال البيعان بالخيار ما لم يفترقا فاذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما.

و ظهوره فى اختصاص الخيار بالمشترى.

و اطلاق نفى الخيار لهما فى بيع غير الحيوان بعد الافتراق يشمل ما اذا كان الثمن حيوانا.

______________________________

للمشترى).

و انما سمى الخيار شرطا، لانه شرط من الله سبحانه على البائع ان يكون للمشترى خيار الحيوان الى ثلاثة ايام (قلت: و ما الشرط فى غير الحيوان؟ قال) عليه السلام: (البيعان بالخيار ما لم يفترقا فاذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما).

و قد تقدم معنى قوله عليه السلام «بعد الرضا»

(و ظهوره) اى هذا الخبر (فى اختصاص الخيار بالمشترى) لقوله عليه السلام: ثلاثة ايام للمشترى و لا يقال انه مفهوم اللقب، فلا حجية فيه اذ هو فى مقام التحديد، و مفهوم التحديد حجة.

(و) ظهوره أيضا فى (اطلاق نفى الخيار لهما) اى لا للبائع و لا للمشترى (فى بيع غير الحيوان بعد الافتراق) مما يظهر منه انه اذا باع دارا مثلا ببعير، بان كان المثمن غير حيوان، لكن كان الثمن حيوانا (يشمل ما اذا كان الثمن حيوانا) ففى هذه الرواية موضعان يظهر من كل منهما ان الحيوان اذا كان ثمنا لم يكن لآخذه و هو البائع الخيار فيه.

ص: 234

و يتلوها فى الظهور رواية على بن اسباط عن ابى الحسن الرضا عليه السلام، قال الخيار فى الحيوان ثلاثة ايام للمشترى فان ذكر القيد مع اطلاق الحكم- قبيح، الا لنكتة جلية و نحوها: صحيحة الحلبى فى الفقيه، عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: فى الحيوان كله شرط

______________________________

(و يتلوها فى الظهور رواية على بن اسباط عن ابى الحسن الرضا عليه السلام، قال) عليه السلام: (الخيار فى الحيوان ثلاثة ايام للمشترى).

و حيث انه مورد توهم ان يقال: انه من باب مفهوم اللقب، اجاب بقوله: (فان ذكر القيد) حيث قال «للمشترى» (- مع اطلاق الحكم-) اى اذا كان الحكم بالخيار، يشمل كلا من البائع و المشترى، فيما اذا باع حيوانا، او كان الثمن حيوانا (قبيح، الا لنكتة جلية) و حيث لا نكتة جلية فى المقام، لا بد و ان تكون النكتة اختصاص الخيار بالمشترى.

اما آية «فى حجوركم» فالنكتة فيها التنفير عن زواج بنت الزوجة، فان الانسان كيف يرغب ان يتزوج من ربيت فى حجره، ثم انه انما قال «يتلوه» لقوة دلالة الرواية الاولى، حيث ان كلام الامام عليه السلام كان فى جواب السؤال، فهو من مفهوم التحديد، كما عرفت بخلاف الرواية الثانية، فهى اشبه شي ء بمفهوم اللقب، و هو ليس بحجة، نعم فيه اشعار او ظهور حسب ما ذكرناه، بقولنا: فان ذكر القيد ... الخ (و نحوها: صحيحة الحلبى فى الفقيه، عن ابى عبد الله عليه السلام، قال فى الحيوان كله) اى كل اقسامه (شرط

ص: 235

ثلاثة ايام للمشترى.

و صحيحة ابن رئاب، عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: الشرط فى الحيوانات ثلاثة ايام للمشترى.

و اظهر من الكل صحيحة ابن رئاب المحكية عن قرب الاسناد، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن رجل اشترى جارية لمن الخيار؟

للمشترى او للبائع اولهما كليهما، قال: الخيار لمن اشترى نظرة ثلاثة ايام، فاذا مضت ثلاثة ايام فقد وجب الشراء و عن سيدنا المرتضى قدس سره

______________________________

ثلاثة ايام للمشترى) فانها مثل رواية ابن اسباط فى وجه الدلالة.

(و صحيحة ابن رئاب، عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: الشرط فى الحيوانات ثلاثة ايام للمشترى).

و انما ادعى ان هذه الروايات ظاهرة- و لم يقل بكون بعضها نصا- اذ من المحتمل ان يكون وجه كون الخيار للمشترى ان الكلام فى اشتراء الحيوان لا فى ما اذا كان الحيوان ثمنا فلا دلالة فى هذه الاخبار فى نفى الخيار اذا كان الحيوان ثمنا.

(و اظهر من الكل صحيحة ابن رئاب المحكية عن قرب الاسناد، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن رجل اشترى جارية لمن الخيار؟

للمشترى او للبائع او لهما كليهما، قال: الخيار لمن اشترى نظرة) اى انتظار (ثلاثة ايام، فاذا مضت ثلاثة ايام فقد وجب الشراء).

و وجه كونها اظهر من السابقة، قوة ظهور نفى الخيار عن غير المشترى بعد سؤال السائل هل ان لغيره الخيار أم لا؟ و وجه انها غير صريحة ما تقدم (و) مع ذلك كله، ف (عن سيدنا المرتضى قدس سره،

ص: 236

و ابن طاوس ثبوته للبائع أيضا، و حكى عن الانتصار دعوى الاجماع عليه لاصالة جواز العقد من الطرفين بعد ثبوت خيار المجلس.

و لصحيحة محمد بن مسلم المتبايعان بالخيار ثلاثة ايام فى الحيوان و فيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا.

و

______________________________

و ابن طاوس ثبوته) اى الخيار (للبائع أيضا و حكى عن الانتصار دعوى الاجماع عليه).

و ذلك (لاصالة جواز العقد من الطرفين بعد ثبوت خيار المجلس) فانه بعد الافتراق عن المجلس اذا كان الافتراق قبل ثلاثة ايام، يشك فى انه هل لزم البيع أم لا؟ فالاستصحاب يقتضي عدم اللزوم.

(و لصحيحة محمد بن مسلم المتبايعان بالخيار ثلاثة ايام فى الحيوان، و فيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا).

و اشكل على الدليل الاول بان الخيار الكائن قبل الافتراق زال قطعا لانه خيار المجلس و الخيار المراد اثباته لم يعلم به، لان خيار الحيوان لا يعلم ثبوته للبائع، فلا تتم اركان الاستصحاب.

و فيه انه من قبيل الصورة الاولى من القسم الثالث من اقسام الاستصحاب الكلى، فان المراد استصحاب الكلى، لا خصوص خيار المجلس، او خيار الحيوان.

(و) اشكل على الدليل الثانى بالتعارض مع الروايات السابقة مما يوجب ترجيح الروايات السابقة على هذه الصحيحة، بسبب الشهرة و

ص: 237

بها تخصص عمومات اللزوم مطلقا، او بعد الافتراق و هى ارجح بحسب السند من صحيحة ابن رئاب المحكية عن قرب الاسناد.

و قد صرحوا بترجيح رواية مثل محمد بن مسلم و زرارة، و اضرابهما على غيرهم من الثقات.

مضافا الى ورودها فى الكتب الاربعة المرجحة على مثل قرب الاسناد

______________________________

بالإضافة الى منافاتها مع عمومات اللزوم.

و فيه ان (بها) اى بصحيحة ابن مسلم (تخصص عمومات اللزوم مطلقا) اى ما كان دالا على لزوم العقد مطلقا، مثل: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، لان هذه الصحيحة اخص من العمومات المذكورة (او) ما كان دالا على لزوم العقد (بعد الافتراق) مثل: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، فاذا افترقا وجب البيع (و هى) اى صحيحة ابن مسلم (ارجح بحسب السند من صحيحة ابن رئاب المحكية عن قرب الاسناد).

(و) وجه الرجحان هو ما (قد صرحوا بترجيح رواية مثل محمد بن مسلم و زرارة، و اضرابهما) من الفقهاء (على غيرهم من الثقات) لوضوح ان الفقيه اعرف بجوانب الكلام و مزاياه، و خصوصياته من غيره، فنقله اضبط و فهمه لكلام الامام عليه السلام اتقن، هذا.

(مضافا الى ورودها) اى صحيحة ابن مسلم (فى الكتب الاربعة المرجحة) بصيغة اسم المفعول، فان علمائنا رجحوا هذه الكتب (على مثل قرب الاسناد) الّذي فيه صحيحة ابن رئاب إذ المحمدون الثلاثة فى الكتب الاربعة بنوا على مزيد من الدقة و الاتقان.

ص: 238

من الكتب التى لم يلتفت إليها اكثر اصحابنا مع بعد غفلتهم عنها، او عن مراجعتها.

و اما الصحاح الاخر المكافئة سندا لصحيحة ابن مسلم فالانصاف ان دلالتها بالمفهوم لا تبلغ فى الظهور مرتبة منطوق الصحيحة فيمكن حملها على بيان الفرد الشديد الحاجة، لان الغالب فى المعاملة- خصوصا معاملة الحيوان- كون إرادة الفسخ فى طرف المشترى،

______________________________

بالإضافة الى انهم من الفقهاء البارعين الذين لا يشق لهم غبار، بخلاف مثل قرب الاسناد (من الكتب التى لم يلتفت إليها اكثر اصحابنا مع بعد غفلتهم عنها، او) غفلتهم (عن مراجعتها) عند التأليف، اذ الاصحاب كانوا يفحصون، و بعد ذلك يفتون فى كتبهم هذا.

بالإضافة الى ان صحيحة ابن مسلم صريحة، بخلاف صحيحة ابن رئاب فانها ظاهرة، و النص يقدم على الظاهر.

(و اما الصحاح الاخر المكافئة سند الصحيحة ابن مسلم) لنقل الفقهاء كالحلبى لها و لوجودها فى الكتب الاربعة (فالانصاف ان دلالتها بالمفهوم لا تبلغ فى الظهور مرتبة منطوق الصحيحة) لابن مسلم، فانها صريحة لو لم نعمل بها لزم طرحها، بخلاف تلك الصحاح.

لا يقال: فما ذا يعمل بتلك الصحاح.

لانه يقال: (فيمكن حملها على بيان الفرد الشديد الحاجة) المتعارف (لان الغالب فى المعاملة- خصوصا معاملة الحيوان- كون إرادة الفسخ فى طرف المشترى).

ص: 239

لاطلاعه على خفايا الحيوان.

و لا ريب ان الاظهرية فى الدلالة متقدمة- فى باب الترجيح- على الاكثرية.

و اما ما ذكر فى تأويل صحيحة ابن مسلم، من ان خيار الحيوان للمشترى على البائع، فكان بين المجموع، ففى غاية السقوط

______________________________

و انما كان الغالب ذلك (لاطلاعه) اى المشترى (على خفايا الحيوان) مما يوجب نفرته عنه فيفسخ البيع تخلصا منه و ذلك بخلاف البائع الّذي نقد الثمن و يندر ندمه.

(و) ان قلت: صحيحة ابن مسلم واحدة، و الروايات الاخر كثيرة.

قلت: (لا ريب ان الاظهرية فى الدلالة متقدمة- فى باب الترجيح على الاكثرية) بعد تساويهما فى الحجية، لان الاظهر يوجب التصرف فى الظاهر، و لذا يقدمون رواية الحاكم على المحكوم و لو كانت رواية الحاكم واحدة و روايات المحكوم كثيرة.

(و) ان قلت: من الممكن تأويل صحيحة ابن مسلم بما لا ينافى تلك الروايات.

قلت: (اما ما ذكر فى تأويل صحيحة ابن مسلم، من ان خيار الحيوان للمشترى) فقط (على البائع، فكان) الخيار (بين المجموع).

فقوله عليه السلام: المتبايعان بالخيار ثلاثة ايام، يراد به خيار المشترى على البائع، لا خيار كل واحد منهما على الآخر (ففى غاية السقوط).

ص: 240

و اما الشهرة المحققة، فلا تصير حجة على السيّد، بل مطلقا، بعد العلم بمستند المشهور، و عدم احتمال وجود مرجح لم يذكروه.

و اجماع الغنية لو سلم رجوعه الى اختصاص الخيار بالمشترى لا مجرد ثبوته له

______________________________

اذ العبارة نص فى ان الخيار لكل واحد، و يؤيده ذيل الصحيحة حيث ان خيار المجلس لكل منهما على الآخر.

(و اما الشهرة المحققة) فى جانب الروايات المثبتة للخيار للمشترى فقط (فلا تصير حجة على السيّد) اذ كلام السيد قبل تحقق الشهرة، فاذا كنا فى زمان السيّد- فرضا- لم نتمكن ان نقول للسيد: ان الشهرة على خلاف مستندك، فمستندك ساقط (بل) الشهرة فى امثال المقام ليست حجة (مطلقا، بعد العلم بمستند المشهور، و عدم احتمال وجود مرجح لم يذكروه) اذ لما عرف ان المشهور استندوا الى ما لا يصح الاستناد إليه لم يمكن ترجيح مستندهم بمجرد استناد المشهور.

اذ الترجيح بالمشهور ليس امرا تعبديا، بل لاجل احتمال وجود مرجح لهم.

فاذا عرفنا انه لا مرجح لهم، لم يصح الاستناد الى مستندهم فى قبال مستند اقوى.

(و) ان قلت: ادعى صاحب الغنية: الاجماع على كلام المشهور.

قلت: (اجماع الغنية لو سلم رجوعه الى اختصاص الخيار بالمشترى لا مجرد ثبوته) اى الخيار (له) اى للمشترى، فانه من المحتمل ان الغنية

ص: 241

معارض باجماع الانتصار الصريح فى ثبوته للبائع.

و لعله لذا قوى فى المسالك قول السيد، مع قطع النظر عن الشهرة بل الاتفاق على خلافه، و تبعه على ذلك فى المفاتيح، و توقف فى غاية المراد و حواشى القواعد، و تبعه فى المقتصر هذا.

و لكن الانصاف ان أخبار المشهور من حيث المجموع لا يقصر ظهورها عن الصحيحة مع اشتهارها

______________________________

يقول: الخيار للمشترى بالاجماع لا انه يقول: الخيار خاص بالمشترى بالاجماع (معارض باجماع الانتصار الصريح فى ثبوته للبائع) بالإضافة الى المشترى، و على هذا فلا شهرة تفيد، و لا اجماع يستند إليه، على طبق كلام المشهور.

(و لعله لذا) الّذي ذكرنا من اقوائية مستند السيد المرتضى (قوى فى المسالك قول السيد، مع قطع النظر عن الشهرة، بل الاتفاق على خلافه) أى على خلاف السيد، اى انه قال: الاقوى ان الخيار للبائع أيضا اذا لم تكن شهرة او اتفاق على خلاف السيد (و تبعه على ذلك فى المفاتيح، و توقف) فى انه هل الخيار للبائع أم لا؟ (فى غاية المراد، و حواشى القواعد، و تبعه) فى التوقف (فى المقتصر) و مجموع ذلك يجعل الفقيه متمكنا من الفتوى بإطلاق كون الخيار لكل من البائع و المشترى (هذا)

(و لكن الانصاف ان اخبار المشهور من حيث المجموع لا يقصر ظهورها عن الصحيحة) لابن مسلم فان تعاضد بعضها ببعض يجعل لها ظهورا مساويا لظهور صحيحة ابن مسلم (مع) اضافة (اشتهارها) اى أخبار

ص: 242

بين الرواة حتى محمد بن المسلم الراوى للصحيحة، مع ان المرجع بعد التكافؤ عموم أدلة لزوم العقد بالافتراق و المتيقن خروج المشترى، فلا ريب فى ضعف هذا القول.

نعم هنا قول ثالث، لعلّه أقوى منه و هو ثبوت الخيار لمن انتقل إليه الحيوان ثمنا أو مثمنا نسب الى جماعة من المتأخرين، منهم الشهيد

______________________________

المشهور (بين الرواة) فان مختلف الرواة رووها، و الشهرة الروائية توجب قوة المضمون (حتى) ان (محمد بن المسلم الراوى للصحيحة) روى رواية تدل على كلام المشهور (مع) انه اذا فرضنا حصول التكافؤ بين الصحيحة و بين روايات المشهور، و لم نقل بتقدم روايات المشهور لقوتها بالاشتهار فاللازم الأخذ بقول المشهور، ل (ان المرجع بعد التكافؤ عموم أدلة لزوم العقد بالافتراق) مثل: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و نحوه (و المتيقن خروج المشترى) عن لزوم العقد، فيبقى البائع داخلا فى عموم أدلة اللزوم، و يكون الحاصل انه لا خيار له (فلا ريب) عند المصنف (فى ضعف هذا القول) الّذي يقول ان الخيار للبائع أيضا.

(نعم هنا قول ثالث، لعلّه أقوى منه) اى من القول الثانى (و هو ثبوت الخيار لمن انتقل إليه الحيوان ثمنا أو مثمنا) و اذا كان كلا طرفى المعاملة حيوانا كما لو اشترى دجاجة بعشر حمامات مثلا، ان كان تبادلا، بدون أن يكون أحدهما ثمنا و الآخر مثمنا- لامكان ذلك و صحته لشمول: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، له- يكون الخيار لكلا الطرفين.

ف (نسب) هذا القول (الى جماعة من المتأخرين، منهم الشهيد)

ص: 243

فى المسالك لعموم صحيحة محمد بن مسلم: البيعان بالخيار ما لم يفترقا و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام.

و لا ينافيه تقييد صاحب الحيوان بالمشترى فى موثقة ابن فضال لاحتمال ورود التقييد مورد الغالب، لان الغالب كون صاحب الحيوان مشتريا.

______________________________

الثانى ره (فى المسالك).

و ذلك (لعموم صحيحة محمد بن مسلم: البيعان بالخيار ما لم يفترقا و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام) فان صاحب الحيوان يشمل البائع و المشترى، فكل من كان صاحب الحيوان يكون له الخيار الى ثلاثة ايام حسب هذه الصحيحة.

(و) ان قلت: فى موثقة ابن فضال تقييد صاحب الحيوان بالمشترى مما يدل على ان المراد بصاحب الحيوان فى صحيحة ابن مسلم المشترى أيضا، لوحدة السياق فى الروايتين.

قلت: (لا ينافيه تقييد صاحب الحيوان بالمشترى فى موثقة ابن فضال) فقد روى على بن فضال، قال: سمعت أبا الحسن على بن موسى الرضا عليه السلام يقول: صاحب الحيوان المشترى بالخيار ثلاثة أيام.

و انما لا ينافى (لاحتمال ورود التقييد) بالمشترى (مورد الغالب، لان الغالب كون صاحب الحيوان مشتريا) و بذلك يسقط القيد عن الدلالة فلا يكون مقيدا لاطلاق صحيحة ابن مسلم.

ص: 244

و لا ينافى هذه الدعوى التمسك بإطلاق صحيحة محمد بن مسلم لان الغلبة قد تكون بحيث توجب تنزيل التقييد عليها، و لا توجب تنزيل الاطلاق

______________________________

(و) ان قلت: اذا كان من الممكن حمل القيد فى خبر ابن فضال على الغالب، كان لقائل أن يقول من الممكن حمل صاحب الحيوان فى صحيحة ابن مسلم على الغالب، من كون المشترى هو صاحب الحيوان فلا يكون اطلاق فى الصحيحة.

قلت: (لا ينافى هذه الدعوى) اى دعوى حمل القيد على الغالب فى موثقة ابن فضال (التمسك بإطلاق صحيحة محمد بن مسلم) بأن يقال:

كما ان القيد فى خبر ابن فضال منزل منزلة الغالب، كذلك يحمل صاحب الحيوان فى صحيحة ابن مسلم على الغالب من كون صاحب الحيوان المشترى، فلا دلالة فى الصحيحة على الخيار للبائع اذا كان الثمن حيوانا (لان الغلبة قد تكون بحيث توجب تنزيل التقييد عليها) لأنس الذهن بالغالب مما يوجب ذكر القيد و ان لم يقصد به خصوص المقيد، بل الحكم أعم من المقيد (و لا توجب تنزيل الاطلاق) بحمل المطلق على المقيد، اذ ليس القيد بحيث يوجب انصراف اللفظ المطلق الى المقيد.

و الحاصل انّا تابعون للظهور، فربما يقول المولى، المقيد، لكن الكلام ظاهر فى المطلق، و انما ذكر القيد لنكتة مثل «رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ» و ربما يقول المولى المطلق لكن ليس الكلام ظاهرا فى المقيد، فان القيد و ان كان غالبا، لكنه ليس بحيث يوجب انصراف المطلق الى

ص: 245

و لا ينافيها أيضا ما دل على اختصاص الخيار بالمشترى لورودها مورد الغالب من كون الثمن غير حيوان، و لا صحيحة محمد بن مسلم المثبتة للخيار للمتبايعين لامكان تقييدها- و ان بعد- بما اذا كان العوضان

______________________________

المقيد، فليس كلما حمل المقيد على الغالب و نتيجته الاطلاق، يحمل المطلق على الغالب حتى تكون نتيجته التقييد (و لا ينافيها أيضا) اى لا ينافى الدعوى المذكورة من حمل القيد فى موثقة ابن فضال على الغالب (ما دل على اختصاص الخيار بالمشترى) من الروايات المتقدمة، حيث ذكر لفظ المشترى، فانّا نحمل القيد فى الموثقة على الغالب، و نقول بإطلاق الموثقة، و لا نحمل اطلاقها على القيد الّذي ورد فى بعض الروايات من لفظ المشترى.

و انما لا ينافى (لورودها)- الضمير عائد الى «ما» باعتبار المعنى اى الرواية التى قيدت الخيار بالمشترى- (مورد الغالب من كون الثمن غير حيوان) اما اذا كان الثمن حيوانا فللبائع الخيار أيضا (و لا صحيحة محمد بن مسلم المثبتة للخيار للمتبايعين) «و لا» عطف على «ما دل» اى لا ينافى الدعوى المذكورة صحيحة محمد بن مسلم.

وجه المنافات ان الدعوى تقول: المشترى، فى رواية ابن فضال منزل منزلة الغالب، و ان كل من انتقل إليه الحيوان يكون له الخيار، و صحيحة ابن مسلم تقول: ان الخيار لكل من البائع و المشترى.

و وجه عدم المنافات (لامكان تقييدها) اى صحيحة ابن مسلم (- و ان بعد-) هذا التقييد (بما اذا كان العوضان

ص: 246

حيوانين.

لكن الاشكال فى اطلاق الصحيحة الاولى فى جهة قوة انصرافه الى المشترى فلا مخصص يعتد به لعمومات اللزوم مطلقا، او بعد المجلس

______________________________

حيوانين).

فكل من الموثقة و الصحيحة تقول: ان من انتقل إليه الحيوان- بائعا كان او مشتريا- له الخيار.

فتحصل ان مستند الشهيد و هو الصحيحة او رد عليها الاشكال بما ذكره المصنف بقوله «و لا ينافيه».

ثم اورد على «لا ينافيه» ثلاث اشكالات.

و هى «لا ينافى هذه الدعوى» و «و لا ينافيها» و «و لا صحيحة محمد» هذا كله وجه كلام الشهيد من التمسك بإطلاق صحيحة ابن مسلم لفتواه.

(لكن الاشكال فى اطلاق الصحيحة الاولى) اى صحيحة ابن مسلم (من جهة قوة انصرافه) اى الاطلاق (الى المشترى) فلا خيار للبائع و ان كان الثمن حيوانا (فلا مخصص يعتد به لعمومات اللزوم مطلقا) حتى يقال بمقالة الشهيد بان للبائع الخيار اذا كان الثمن حيوانا (او بعد المجلس) عطف على «مطلقا» فان ادلة لزوم البيع قسمان.

الاول: ما يدل على اللزوم مطلقا مثل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ».

الثانى: ما يدل على اللزوم بعد المجلس مثل «فاذا افترقا وجب

ص: 247

فلا محيص عن المشهور.

______________________________

البيع» (فلا محيص) اذا بعد بطلان القول الثانى القائل بان الخيار فى بيع الحيوان لكل من البائع و المشترى.

و القول الثالث القائل بان كل من انتقل إليه الحيوان له الخيار (عن المشهور) و هو ان الخيار للمشترى فقط.

ص: 248

مسئلة لا فرق بين الامة و غيرها فى مدة الخيار

و فى الغنية كما عن الحلبى ان مدة خيار الامة مدة استبرائها بل عن الاول دعوى الاجماع.

______________________________

(مسألة: لا فرق بين الامة و غيرها فى مدة الخيار) التى هى ثلاثة ايام، و الامة حيوان ناطق، فليس ادراجها فى حكم الحيوان باعتبار المعنى العرفى للحيوان، بل باعتبار المعنى اللغوى و المنطقى قال تعالى: وَ إِنَّ الدّٰارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوٰانُ، و فى حديث عن الامام امير المؤمنين عليه السلام ما مضمونه ان فى الانسان الروح النباتية، و الروح الحيوانية، و الروح الانسانية و فى الطب جعلوا المخ و القلب و الكبد منطلقا لهذه الارواح الثلاثة، كل واحد لروح.

اما مسألة بيع الرقيق و الاحكام الخاصة لهم فقد ذكرنا وجهه فى كتاب تسهيل الاحكام و كتاب الفقه فى باب الجهاد.

ثم انه انما كان مدة خيار الامة ثلاثة ايام (و) لكن (فى الغنية كما) نقل (عن الحلبى) أيضا (ان مدة خيار الامة) ليست ثلاثة ايام، بل (مدة استبرائها) حيضة فان كانت فى سن من تحيض و لا تحيض فخمسة و اربعون يوما، و اذا ملكها حائضا كانت بقية ايام حيضها مدة استبرائها و لا استبراء اذا كانت يائسة، او صغيرة، او غير مدخول بها، او كانت الى مرأة، او لطفل، او لمن لم يدخل بها، او نحو ذلك مما قرر فى كتاب النكاح (بل عن الاول) و هو ابن زهرة فى الغنية (دعوى الاجماع) على

ص: 249

و ربما ينسب هذا الى المقنعة، و النهاية، و المراسم من جهة حكمهم بضمان البائع لها مدة الاستبراء، و لم اقف لهم على دليل.

______________________________

ما ذكره.

و لا يخفى انه اذا لم يكن لها استبراء- كما ذكرناه- فالمدة فيها ثلاثة ايام أيضا، و لم يعلم انهم ما ذا يقولون اذا كانت مدة استبرائها اقلّ من ثلاثة ايام كما اذا اشتراها و بعد ساعة انقطع حيضها، فهل يقولون بانتهاء مدة الخيار بانتهاء مدة الحيض؟ او يقولون بابعد الاجلين؟ اى الثلاثة فى مفروض المسألة.

(و ربما ينسب هذا) القول فى مدة خيار الامة (الى المقنعة، و النهاية، و المراسم من جهة حكمهم بضمان البائع لها مدة الاستبراء) لقاعدة: التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له، فاذا كان البائع ضامنا دل ذلك على ان الخيار يكون للمشترى فى هذه المدة (و لم اقف لهم على دليل) و الله سبحانه العالم.

ص: 250

مسئلة مبدأ هذا الخيار من حين العقد،

فلو لم يتفرقا ثلاثة ايام انقضى خيار الحيوان، و بقى خيار المجلس، لظاهر قوله عليه السلام: ان الشرط فى الحيوان ثلاثة ايام، و فى غيره حتى يتفرقا خلافا للمحكى عن ابن زهرة، فجعله من حين التفرق، و كذا الشيخ و الحلى فى خيار الشرط المتحد

______________________________

(مسألة: مبدأ هذا الخيار) اى خيار الحيوان (من حين العقد، فلو لم يتفرقا ثلاثة ايام) و بقيا فى المجلس (انقضى خيار الحيوان، و بقى خيار المجلس).

و انما قلنا بالامرين اى ان مبدأ الخيار من حين العقد، و انه يبقى بعد ذلك خيار المجلس (لظاهر قوله عليه السلام: ان الشرط فى الحيوان ثلاثة ايام، و فى غيره حتى يتفرقا) فان المنصرف من ثلاثة ايام، انها تبتدأ من حين العقد، كما ان ظاهر حتى يتفرقا امتداده الى زمان التفرق و لو طال الى بعد ثلاثة ايام، كما انه يفهم من هذا الحديث ان ابتداء خيار المجلس من حين العقد أيضا.

و اطلاق الحديث يدل على وجود كل من خيار المجلس و خيار الحيوان مع الآخر و بدونه (خلافا للمحكى عن ابن زهرة، فجعله) اى خيار الحيوان (من حين التفرق، و كذا) خلافا ل (الشيخ و الحلى) ابن ادريس (فى خيار الشرط) فجعلاه من حين التفرق (المتحد) صفة خيار

ص: 251

مع هذا الخيار فى هذا الحكم من جهة الدليل الّذي ذكراه، قال فى المبسوط: الاولى ان يقال: انه يعنى خيار الشرط يثبت من حين التفرق لان الخيار يدخل اذا ثبت العقد، و العقد لم يثبت قبل التفرق، انتهى، و نحوه المحكى عن السرائر.

و هذه الدعوى لم نعرفها.

نعم ربما يستدل عليه باصالة عدم ارتفاعه

______________________________

الشرط (مع هذا الخيار) اى مع خيار الحيوان (فى هذا الحكم) اى حكم ابتدائه.

وجه الاتحاد (من جهة الدليل الّذي ذكراه) فان دليلهما يشمل خيار الحيوان، و ان ذكراه فى خيار الشرط (قال فى المبسوط: الاولى ان يقال: انه يعنى خيار الشرط يثبت من حين التفرق) فاذا باعه دارا على ان يكون للبائع خيار الفسخ لمدة اسبوع، كان ابتداء الاسبوع من حين انتهاء خيار المجلس بتفرق احدهما عن الآخر.

و ذلك (لان الخيار يدخل) فى العقد (اذا ثبت) و تحقّق (العقد و العقد لم يثبت قبل التفرق) لانه تزلزل بخيار المجلس (انتهى) كلام الشيخ (و نحوه المحكى عن السرائر).

(و هذه الدعوى) اى دعوى ان تحقق الخيار بعد تحقق العقد (لم نعرفها) اى لم نعرف دليلا لها.

(نعم ربما يستدل عليه) اى على بقاء الخيار الى ازيد من الثلاثة- الملازم لعدم ابتدائه من حين العقد- (باصالة عدم ارتفاعه) اى عدم

ص: 252

بانقضاء ثلاثة من حين العقد.

بل اصالة عدم حدوثه قبل انقضاء المجلس.

و بلزوم اجتماع السببين على مسبب واحد.

و ما دل على ان تلف الحيوان فى الثلاثة من البائع مع ان التلف فى الخيار المشترك من المشترى.

______________________________

ارتفاع الخيار (بانقضاء ثلاثة من حين العقد) الى ان يعلم بانقضائه و هو حين انقضاء الثلاثة بعد التفرق.

(بل) يمكن الاستدلال له أولا: ب (اصالة عدم حدوثه) اى عدم حدوث الخيار (قبل انقضاء المجلس).

(و) ثانيا: (بلزوم اجتماع السببين) خيار المجلس و خيار الحيوان (على مسبب واحد) و هو الزمان الواحد.

و من المعلوم ان جمع علتين على معلول واحد كل واحدة منهما علة تامة غير معقول، كما حقق فى الفلسفة.

و حيث ان خيار المجلس قطعى فلا بد من القول بان خيار الحيوان يبتدأ بعد انتهاء خيار المجلس.

(و) ثالثا ب (ما دل على ان تلف الحيوان فى الثلاثة من البائع) بضميمة قاعدة ان «التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له» مما يظهر منه ان خيار الحيوان يكون فى زمان لا خيار للبائع فيه (مع ان التلف فى) زمان (الخيار المشترك من المشترى) لانه ملكه، و لا دليل على ان التلف يكون من البائع.

ص: 253

و يردّ الاصل ظاهر الدليل.

مع انه بالتقرير الثانى مثبت.

و ادلة التلف من البائع محمول على الغالب من كونه بعد المجلس.

و يردّ التداخل بان الخيارين ان اختلفا من حيث الماهية فلا بأس

______________________________

(و) لكن كل هذه الادلة لا تفى بمدعى الشيخ و ابن ادريس، اذ (يرد) على (الاصل) اى الاستصحاب (ظاهر الدليل) المتقدم اى قوله عليه السلام «ان الشرط فى الحيوان .. الخ».

(مع انه) اى الاصل (بالتقرير الثانى) اى اصالة عدم حدوثه قبل انقضاء المجلس (مثبت) لان لازم عدم حدوثه، بقائه الى ثلاثة ايام بعد التفرق.

اللهم الا ان يقال: انه من اللوازم الشرعية او ان الواسطة خفية.

(و ادلة التلف من البائع) كما ذكر فى الدليل الثالث بقوله «و ما دل على ان التلف .. الخ» (محمول على الغالب من كونه بعد المجلس) فالغالب ان المجلس ينقضى فى لحظات او دقائق، ثم يكون للمشترى خيار الحيوان فقط بدون خيار المجلس.

فاذا تلف الحيوان بعد المجلس يكون من البائع، لان التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له، و لا نسلم انه اذا تلف فى زمن خيار المجلس يكون من البائع، و ان كان للمشترى خيار الحيوان أيضا.

(و يرد التداخل) و هو الدليل الثانى الّذي ذكره بقوله «و بلزوم اجتماع .. الخ» (بان الخيارين ان اختلفا من حيث الماهية، فلا بأس

ص: 254

بالتعدد و ان اتحدا، فكذلك.

اما لان الاسباب معرفات.

و اما لانها علل و مؤثرات يتوقف استقلال كل واحد منها فى التأثير على عدم مقارنة الآخر او سبقه فهى علل تامة

______________________________

بالتعدد) اذ لكل سبب مسبب، و ليس من اجتماع السببين على مسبب واحد فللمشترى خياران احدهما بسبب المجلس و الآخر بسبب الحيوان لا انهما يؤثر ان خيارا واحدا (و ان اتحدا) الخياران بحسب الماهية (فكذلك) لا بأس بتعددهما.

(اما لان الاسباب) الشرعية (معرفات) فهما اسمان لشي ء واحد مثلا و مشيران إليه، كما اذا نصبت على رأس الفرسخ علامتان، فانهما ليسنا بسببين، و انما علامتان لشي ء واحد.

(و اما لانها) اى الاسباب الشرعية (علل و مؤثرات) فاذا اجتمعتا لا تؤثر كل واحدة منفردة، بل حالها حال سهمين اطلقا على قلب انسان فانهما معا يقتلانه، و ان كان كل واحد منهما يقتله لو اطلق وحده الى قلبه، فانه (يتوقف استقلال كل واحد منها) اى من هذه الاسباب (فى التأثير) بانفراده (على عدم مقارنة الآخر او سبقه).

اذ لو قارنه كان جزئى أثر لكل نصف الأثر، اذ لا تعقل الصور الاخرى استقلال هذا، او ذاك، و عدم تأثيرهما اصلا، و تأثير احدهما اقل من النصف، و الآخر النصف او اقل من النصف، او اكثر من النصف و لو سبقه كان الاثر للسابق، لا لللاحق (فهى) اى المؤثرات (علل تامة)

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 11، ص: 256

ص: 255

إلا من هذه الجهة، و هو المراد مما فى التذكرة فى الجواب عن ان الخيارين مثلان، فلا يجتمعان، من ان الخيار واحد، و الجهة متعددة.

ثم ان المراد بزمان العقد هل زمان مجرد الصيغة كعقد الفضولى على القول بكون الاجازة ناقلة او زمان الملك عبّر بذلك للغلبة.

______________________________

فى نفسها (الا من هذه الجهة) اى جهة التقارن و السبق، فاللاحق ليس علة اصلا، و المقارن ليس علة تامة، و انما جزء علة (و هو) اى انهما علتان كل واحدة جزء السبب- حين تقارنهما- (المراد مما فى التذكرة فى الجواب عن) اشكال (ان الخيارين مثلان، فلا يجتمعان).

فانه ره اجاب عنه بما حاصله: (من ان الخيار واحد، و الجهة متعددة) اى ان الخيارين كلاهما يؤثران فى امر واحد، فلكل من المجلس و الحيوان جزء الأثر، لا كل الأثر.

(ثم ان المراد بزمان العقد) فى عنوان المسألة حيث قلنا: مبدأ هذا الخيار من حين العقد (هل) هو (زمان مجرد الصيغة) و ان لم يكن ملك (كعقد الفضولى) فانه لا ملك (على القول بكون الاجازة ناقلة).

اذ حين الاجازة يكون الحيوان للمشترى.

نعم على القول بان الاجازة كاشفة يكون الملك من حين العقد (او) المراد بزمان العقد (زمان الملك، عبّر) عن زمان الملك (بذلك) اى بزمان العقد (للغلبة) فان الغالب اى حين العقد يحصل الملك، و عليه فاذا

ص: 256

الظاهر هو الثانى كما استظهره بعض المعاصرين قال فعلى هذا لو اسلم حيوانا فى طعام و قلنا بثبوت الخيار لصاحب الحيوان و ان كان بائعا كان مبدئه بعد القبض.

و تمثيله بما ذكر

______________________________

لم يحصل الملك- حين العقد- لم يكن خيار الحيوان من حين العقد بل من حين الملك.

(الظاهر) من انصراف النص (هو الثانى) اى زمان الملك (كما استظهره بعض المعاصرين).

ثم (قال) ذلك المعاصر (فعلى هذا) الّذي ذكرناه من انه من حين الملك (لو اسلم حيوانا فى طعام) اى باع بيع السلم، بان باع البائع حنطة يسلمها بعد شهر فى قبال اعطائه المشترى شاة الآن (و قلنا بثبوت الخيار لصاحب الحيوان) اى الّذي انتقل إليه الحيوان (و ان كان بائعا) حيث ان المفروض فى المقام ان البائع انتقل إليه الحيوان فى مقابل ان يعطى للمشترى حنطة بعد شهر فيكون من بيع السلف و هو تقديم الثمن و تأخير المثمن (كان مبدئه) اى مبدأ خيار الحيوان للبائع (بعد القبض) اى بعد ان قبض الشاة فاذا حصل العقد صباحا، و اخذ البائع الشاة ظهرا، كان مبدأ الخيار الظهر، اذ قد تقرر فى بيع السلم ان الملك لا يحصل الا بعد اخذ البائع الثمن.

(و) لا يخفى ان (تمثيله) اى تمثيل هذا المعاصر (بما ذكر) اى بما

ص: 257

مبنى على اختصاص الخيار بالحيوان المعين.

و قد تقدم التردد فى ذلك.

ثم ان ما ذكروه فى خيار المجلس من جريانه فى الصرف و لو قبل القبض يدل على انه لا يعتبر فى الخيار الملك

______________________________

اذا كان الثمن حيوانا و المثمن الطعام، و لم يمثّل بما اذا كان الثمن طعاما و المثمن حيوانا (مبنى على اختصاص الخيار بالحيوان المعين) فلا خيار فى الحيوان الكلى.

و لو مثل بما اذا كان المثمن حيوانا، كان من بيع الكلى، لان المثمن فى السلم كلّى.

و حيث فرض هذا المعاصر كون الثمن حيوانا و الثمن ينتقل الى البائع احتاج الى قوله: و قلنا بثبوت الخيار لصاحب الحيوان.

(و) الشيخ يشكل على هذا المعاصر بقوله: (قد تقدم التردد فى ذلك) اى فى لزوم ان يكون الحيوان الكلى لا خيار فيه، فقد احتملنا وجود خيار الحيوان حتى فى الحيوان الكلى.

و عليه يمكن مثال السلم بما اذا باع حيوانا كليا سلما فى قبال اخذ البائع الطعام.

(ثم ان ما ذكروه فى خيار المجلس من جريانه فى الصرف) اى فى بيع النقد بالنقد (و لو قبل القبض يدل على انه لا يعتبر فى الخيار الملك) اذ الملك فى بيع الصرف يتوقف على القبض، فحيث لا قبض لا يكون ملك.

و مع ذلك ذكروا ان خيار المجلس من، حين العقد، و كلامهم هذا

ص: 258

لكن لا بدّ له من أثر.

و قد تقدم الاشكال فى ثبوته فى الصرف قبل القبض، لو لم نقل بوجوب التقابض.

______________________________

يدل على ان خيار الحيوان أيضا من حين العقد، و ان لم يحصل ملك (لكن لا بدّ له) اى للخيار قبل الملك (من أثر) اذ لو لا الأثر لا معنى لوجود الخيار.

(و قد تقدم الاشكال فى ثبوته) اى الأثر (فى الصرف قبل القبض) اذ لا ملك حتى يكون أثر (لو لم نقل ب) ان اثره (وجوب التقابض).

لكن قد تقدم رد المصنف الاشكال بان للخيار اثرا، و لو لم نقل بوجوب التقابض، و ذلك لان أثر الخيار خروج العقد بالفسخ عن قابلية لحوق القبض، فراجع.

ص: 259

مسئلة لا اشكال فى دخول الليلتين المتوسطتين فى الثلاثة ايام،

لا لدخول الليل فى مفهوم اليوم، بل للاستمرار المستفاد من الخارج.

و لا فى دخول الليالى الثلاث عند التلفيق مع الانكسار.

و لو عقد فى الليل فالظاهر بقاء الخيار الى آخر اليوم الثالث.

______________________________

(مسألة: لا اشكال فى دخول الليلتين المتوسطتين فى الثلاثة ايام) فى باب خيار الحيوان (لا لدخول الليل فى مفهوم اليوم).

و ذلك لان المنصرف من اليوم النهار فقط، الا اذا كان هناك قرينة تدل على دخول الليل، كما اذا قال: كنت أربعة ايام فى البلد الفلانى (بل للاستمرار) فى الخيار (المستفاد) هذا الاستمرار (من الخارج) اى من خارج اللفظ، لان النص و الفتوى يقولان: ان الخيار من حين العقد الى ثلاثة ايام، و ذلك لا يتحقق الا بدخول الليلتين المتوسطتين.

(و) منه يعرف انه (لا) اشكال (فى دخول الليالى الثلاث عند التلفيق مع الانكسار).

كما اذا عقد فى ظهر الثلاثاء فانه يمتد الى ظهر الجمعة، ليتحقق ثلاث نهارات، و بذلك يدخل ثلاث ليالى هى ليلة الاربعاء و الخميس و الجمعة.

(و لو عقد فى الليل) اوله او وسطه او آخره (فالظاهر بقاء الخيار الى آخر اليوم الثالث) حتى يتحقق ثلاث نهارات.

ص: 260

و يحتمل النقص عن اليوم الثالث بمقدار ما بقى من ليلة العقد.

لكن فيه انه يصدق الاقل من ثلاثة ايام.

و الاطلاق على المقدار المساوى للنهار و لو من الليل، خلاف الظاهر.

قيل و المراد بالايام الثلاثة ما كانت مع الليالى

______________________________

(و يحتمل النقص عن اليوم الثالث بمقدار ما بقى من ليلة العقد).

فاذا كان وقت العقد فى الليل بمقدار ساعة من آخر الليل، كان الخيار الى ان يبقى من نهار الثالث الى الغروب بمقدار ساعة- مثلا-.

و وجه هذا الاحتمال إرادة مقدار اليوم من الساعات، فاذا بقى من الليل ساعة نقص مقدارها من نهار الثالث.

(لكن فيه انه يصدق) اى حين نقصنا ساعة من نهار الثالث (الاقل من ثلاثة ايّام) و قد عرفت لزوم ثلاثة ايام كاملة.

(و) ان قلت: ان المراد بثلاثة ايام، مقدار ثلاثة نهارات، و لو كان بعضها من الليل.

قلت: (الاطلاق) اى اطلاق اليوم (على المقدار المساوى للنهار) فى عدد الساعات (و لو من الليل، خلاف الظاهر) عرفا.

اذ العرف يرى ان اليوم يراد به النهار فقط.

(قيل) اللازم ثلاث ليال أيضا، فالخيار فى ثلاث نهارات و ثلاث ليال، مطلقا، سواء عقد فى النهار او الليل، فاللازم مضى ست و ثلاثين ساعة (و) ذلك لان (المراد بالايام الثلاثة ما كانت مع الليالى

ص: 261

الثلاث لدخول الليلتين اصالة، فتدخل الثالثة، و الا لاختلف مفردات الجمع فى استعمال واحد، انتهى فان اراد الليلة السابقة على الايام، فهو حسن الا انه لا يعلل بما ذكر.

و ان اراد الليلة الاخيرة فلا يلزم من خروجها اختلاف مفردات الجمع فى استعمال واحد اذ لا نقول باستعمال اليومين الاولين فى

______________________________

الثلاث لدخول الليلتين) المتوسطتين (اصالة) كما تقدم وجهه (فتدخل) الليلة (الثالثة) بقرينة لزوم التساوى فى المفردات (و الا لاختلف مفردات الجمع فى استعمال واحد) و ذلك خلاف الظاهر، فانه اذا استعمل الجمع فالظاهر ان مفرداته متساوية المعنى، فاذا قال «عيون» كان الظاهر ان المراد به ثلاث اعين من جنس واحد، لا من اجناس مختلفة، مثل عين باصرة، و عين جارية، و عين جاسوسة (انتهى) كلام «قيل»

اقول (فان اراد) دخول (الليلة السابقة على الايام، فهو حسن) لما تقدم من ان وجه دخول الليلة السابقة اعتبار الاستمرار من حين العقد الى مضى ثلاثة ايام (الا انه لا يعلل بما ذكر) من عدم اختلاف مفردات الجمع، لان العلة التى ذكرناها مقدمة على ما ذكره.

(و ان اراد الليلة الاخيرة) بعد انتهاء الايام الثلاثة (ف) فيما ذكره من العلة نظر.

اذ (لا يلزم من خروجها) اى خروج الليلة الاخيرة (اختلاف مفردات الجمع فى استعمال واحد) بل مفردات الجمع تكون بمعنى واحد (اذ لا نقول باستعمال اليومين الاولين) اللذين هما فى ضمن الجمع (فى

ص: 262

اليوم و الليلة و استعمال اليوم الثالث فى خصوص النهار.

بل نقول ان اليوم مستعمل فى خصوص النهار او مقداره من نهارين لا فى مجموع النهار و الليل، او مقدارهما و لا فى باقى النهار و لو ملفقا من الليل.

و المراد من الثلاثة ايام هى بلياليها اى ليالى مجموعها لا كل واحد منها

______________________________

اليوم و الليلة و استعمال اليوم الثالث فى خصوص النهار) حتى يلزم الاختلاف.

(بل نقول ان اليوم مستعمل فى خصوص النهار) اذا كان العقد من اوّل النهار، او مع تقدم شي ء من الليل (او) مستعمل فى (مقداره) اى مقدار النهار (من نهارين) اذا كان العقد فى اثناء النهار، لان احدهما يلفق بالآخر (لا) ان اليوم استعمل (فى مجموع النهار و الليل) فيما عقد اوّل الليل او اوّل النهار (او مقدارهما) فيما عقد فى جزء من الليل، او جزء من النهار (و لا فى باقى النهار و لو ملفقا من الليل).

و الحاصل: ان اليوم نهار كامل تاما كان او ملفقا، لا ليل و نهار كاملان، و لا ليل و نهار ملفقان، و لا بعض ليل و بعض نهار ملفقا.

(و) ان قلت: فكيف ادخلتم الليلتين المتوسطتين.

قلت: لان (المراد) بسبب القرينة الخارجية (من الثلاثة ايام هى بلياليها اى ليالى مجموعها).

لما عرفت من استمرار الخيار، و لازمه دخول الليلتين المتوسطتين (لا) ليلة (كل واحد منها) حتى يراد باليوم، اليوم و ليلته

ص: 263

فالليالى لم ترد من نفس اللفظ، و انما اريدت من جهة الاجماع و ظهور اللفظ الحاكمين فى المقام باستمرار الخيار، فكانه قال الخيار يستمر الى ان يمضى ست و ثلاثون ساعة من النهار.

______________________________

(فالليالى لم ترد من نفس اللفظ) حتى تختلف المفردات (و انما اريدت من جهة الاجماع) القائل بدخول الليلتين المتوسطتين (و ظهور اللفظ) فى الاستمرار الملازم لدخول الليلتين المتوسطتين (الحاكمين) صفة، للاجماع و ظهور اللفظ (فى المقام) اى مقام الخيار لانه فى بعض المقامات لا ظهور للفظ، كما اذا قال: صم ثلاثة ايام (باستمرار الخيار، فكانه) لما قال: ثلاثة ايام (قال الخيار يستمر الى ان يمضى ست و ثلاثون ساعة من النهار).

ثم انه لا فرق فى الليلتين المتوسطتين، ان يكون ظلاما او ضياء، كما فى القطب، حين كان كله ليلا، كما انه لا فرق فى ثلاث نهارات بين الامرين، كما فى القطب حين كان كله نهارا، اما تعيين الليل و النهار فى الملفق فبان بحد حسب افق مكة، او اقرب المواضع المعتدلة الى القطب، او يكون حسب الجعل كما ذكرنا المسألة فى كتاب الصلاة من الفقه و الله العالم.

ص: 264

مسئلة يسقط هذا الخيار بامور.
احدها: اشتراط سقوطه فى العقد

و لو شرط سقوط بعضه فقد صرح بعض بالصحة و لا بأس به.

و الثانى: اسقاطه بعد العقد،

و قد تقدم الامران.

و الثالث: التصرف

و لا خلاف فى اسقاطه فى الجملة لهذا الخيار.

و يدل عليه قبل الاجماع النصوص.

______________________________

(مسألة: يسقط هذا الخيار) اى خيار الحيوان (بامور).

(احدها: اشتراط سقوطه فى العقد) و ذلك لان «المؤمنون عند شروطهم» و الخيار حق و ليس بحكم، و لذا فهو قابل للاسقاط (و لو شرط سقوط بعضه) اى بعض الخيار (فقد صرح بعض بالصحة) اى صحة العقد (و لا بأس به).

(و الثانى: اسقاطه بعد العقد) فانه حق قابل للاسقاط كسائر الحقوق مثل حق القسم فى الزوجة، و حق النفقة فيها الى غير ذلك (و قد تقدم الامران) فلا حاجة الى الاطالة فى الاعادة.

(و الثالث: التصرف) من صاحب الخيار، و هو المشترى فى المقام (و لا خلاف فى اسقاطه) اى التصرف (فى الجملة لهذا الخيار).

(و يدل عليه قبل الاجماع النصوص) فان النص كان ثم انعقد

ص: 265

ففى صحيحة ابن رئاب فان احدث المشترى فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة ايام فذلك رضا منه، و لا شرط له قيل له و ما الحدث؟ قال: ان لامس، او قبّل، او نظر منها الى ما كان محرما عليه قبل الشراء.

و صحيحة الصفار كتبت الى ابى محمد عليه السلام فى الرجل اشترى دابة من رجل، فاحدث فيها حدثا من اخذ الحافر، او نعلّها، او ركب ظهرها فراسخ أ له ان يردها فى الثلاثة الايام التى له فيها الخيار بعد

______________________________

بعده الاجماع على طبقه.

(ففى صحيحة ابن رئاب) قال عليه السلام: الشرط فى الحيوانات ثلاثة ايام للمشترى (فان احدث المشترى فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة ايام) اى قبل انتهاء الثلاثة، فانه اذا انتهى الثلاثة فلا خيار حتى يبطله الحدث (فذلك) الحدث (رضا منه، و لا شرط له) الاخيار، و قد تقدم وجه تسمية الخيار شرطا (قيل له) عليه السلام: (و ما الحدث؟) المسقط للخيار؟ (قال) عليه السلام: (ان لامس) مشترى المرأة، الجارية (او قبّل، او نظر منها الى ما كان محرما عليه قبل الشراء) و هذه امثلة لاحداث الحدث كما لا يخفى، و سيأتى من المصنف تفصيل الكلام فى ذلك

(و) فى (صحيحة الصفار كتبت الى ابى محمد) العسكرى (عليه السلام فى الرجل اشترى دابة من رجل، فاحدث فيها حدثا من اخذ الحافر) فان الحافر كظفر الانسان يقص كما يقص الاظفر (او نعلّها) «نعّل» من باب التفعيل اى جعل لها نعلا (او ركب ظهرها فراسخ أ له ان يردها فى الثلاثة الايام التى له فيها الخيار بعد

ص: 266

الحدث الّذي يحدث فيها؟ او الركوب الّذي يركبها فراسخ فوقّع عليه السلام اذا احدث فيها حدثا فقد وجب الشراء ان شاء الله تعالى.

و فى ذيل الصحيحة المتقدمة عن قرب الاسناد قلت له: أ رأيت ان قبلها المشترى، او لامس؟ فقال اذا قبل او لامس او نظر منها الى ما يحرم على غيره، فقد انقضى الشرط و لزم البيع.

______________________________

الحدث الّذي يحدث فيها؟) من اخذ الحافر او التنعيل (او الركوب الّذي يركبها فراسخ) فانه ليس بحدث فى الدابة و لذا ذكره فى مقابل الحدث (فوقّع عليه السلام) اى اجاب، و الاصل فيه جعل جوابه او امضائه او خاتمه واقعا على الكتاب (اذا احدث فيها حدثا فقد وجب الشراء) و المراد بالحدث هنا الاعم من الركوب، و الا كان جوابه عليه السلام ناقصا (ان شاء الله تعالى) اصله كلمة الشرط، ثم استعمل فى مطلق التبرك.

(و فى ذيل الصحيحة المتقدمة عن قرب الاسناد) فى مسألة اختصاص هذا الخيار بالمشترى (قلت له: أ رأيت ان قبلها المشترى، او لامس؟) فهل له خيار؟ او يسقط ذلك خياره (فقال) عليه السلام (اذا قبل او لامس او نظر منها الى ما يحرم على غيره، فقد انقضى الشرط و لزم البيع).

و الظاهر ان تمكين الرجل لها بان تقبله او تلامسه او تنظر منه الى ما لا يحل يعنى للزوجة و الامة، أيضا فى حكم ذلك، لانه المستفاد من النص عرفا خصوصا بعد قوله عليه السلام: نظر منها الى ما يحرم

ص: 267

و استدل عليه فى التذكرة بعد الاجماع بان التصرف دليل الرضا و فى موضع آخر منها: انه دليل الرضا بلزوم العقد.

و فى موضع آخر منها- كما فى الغنية- ان التصرف اجازة.

اقول: المراد بالحدث ان كان مطلق التصرف الّذي لا يجوز لغير المالك الا برضاه، كما يشير إليه قوله او نظر الى ما كان يحرم عليه قبل الشراء.

______________________________

على غيره.

(و استدل عليه) اى على اسقاط التصرف لخيار الحيوان (فى التذكرة بعد) ادعائه (الاجماع) على الحكم (بان التصرف دليل الرضا) و الرضا مسقط للخيار، لانه اسقاط نفسى و له مظهر، كما ان العقد رضا نفسى و له مظهر.

و لا فرق فى المظهر بين ان يكون قولا او عملا، الا اذا دل دليل خاص على لزوم كون المظهر لفظا، كما فى باب النكاح و الطلاق.

(و فى موضع آخر منها) اى من التذكرة (انه) اى التصرف (دليل الرضا بلزوم العقد).

(و فى موضع آخر منها) أيضا (- كما فى الغنية-) أيضا (ان التصرف اجازة) للزوم، و الاجازة مسقطة.

(اقول: المراد بالحدث) المسقط للخيار (ان كان مطلق التصرف الّذي لا يجوز لغير المالك الا برضاه، كما يشير إليه قوله) عليه السلام (او نظر الى ما كان يحرم عليه قبل الشراء) فانه مثال بلا اشكال، و هو اقلّ

ص: 268

فلازمه كون مطلق استخدام المملوك بل مطلق التصرف فيه مسقطا، كما صرح به فى التذكرة فى بيان التصرف المسقط للردّ بالعيب من انه لو استخدمه بشي ء خفيف مثل: اسقنى، او: ناولنى الثوب، او: اغلق الباب، سقط الرد.

ثم استضعف قول بعض الشافعية بعدم السقوط، معللا بان مثل هذه الامور قد يؤمر به غير المملوك بان المسقط مطلق التصرف.

______________________________

انواع التصرف، بل لا يعد عرفا تصرفا، و قد جعله الشارع من انواع التصرفات (فلازمه كون مطلق استخدام المملوك بل مطلق التصرف فيه) و ان لم يكن استخداما مثل النظر و اللمس و تحمير وجهها و قصّ شعرها بل مثل ثقب اذنها، و توشيم خدّها (مسقطا) للخيار (كما صرح به) اى بان مطلق التصرف مسقط (فى التذكرة فى بيان التصرف المسقط للردّ) اذا كان للمشترى حق الردّ (ب) سبب (العيب من انه لو استخدمه بشي ء خفيف) من انواع الخدمة (مثل: اسقنى) الماء (او: ناولنى الثوب، او اغلق الباب، سقط الرد) لانه تصرف فى الخادم و التصرف مسقط.

(ثم استضعف) العلامة (قول بعض الشافعية) القائل (بعدم السقوط معللا) ذلك البعض (بان مثل هذه الامور) الجزئية (قد يؤمر به غير المملوك) فليس امر المملوك تصرفا، كما انه امر غير المملوك ليس تصرفا (بان المسقط مطلق التصرف) هذا ردّ العلامة.

و حاصله: انه ليس ما ذكره الشافعى دليلا، اذ: كل تصرف مسقط و هذا تصرف، و امر الانسان بذلك غير مملوكه لا يوجب اشكالا فى القياس

ص: 269

و قال أيضا لو كان له على الدابة سرج او ركاب فتركهما عليه بطل الردّ لانه استعمال و انتفاع، انتهى.

و قال فى موضع من التذكرة عندنا ان الاستخدام بل كلّ تصرف يصدر من المشترى قبل علمه بالعيب او بعده يمنع الرد، انتهى.

و هو فى غاية الاشكال

______________________________

الّذي ذكرناه.

(و قال) العلامة (أيضا لو كان له) اى للمشترى (على الدابة سرج او ركاب) ما يوضع فيه الرّجل (فتركهما عليه) اى على الحيوان، بعد ان اشترى المشترى الدابة (بطل الردّ) و سقط خياره (لانه) اى ترك سرجه و ركابه عليه (استعمال و انتفاع) بالدابة و كل استعمال يوجب اسقاط الخيار (انتهى) كلام العلامة.

(و قال) أيضا (فى موضع من التذكرة عندنا ان الاستخدام بل كل تصرف) و ان لم يكن استخداما- فان الاستخدام اخص من التصرف- (يصدر من المشترى قبل علمه بالعيب او بعده يمنع الرد) فيسقط خيار العيب (انتهى) كلامه ره.

(و هو) اى كون مطلق التصرف مسقطا (فى غاية الاشكال) من جهة عدم انصراف التصرف المسقط الى مثل هذه التصرفات.

و من جهة ان لازم ذلك بطلان حكمة الخيار، اذ الخيار جعل تداركا لندم المشترى اذا ظهر له ما يزهده فى الحيوان، و الظهور لا يكون بعد التصرف فى الجملة.

ص: 270

لعدم تبادر ما يعم ذلك من لفظ الحدث، و عدم دلالة ذلك على الرضا بلزوم العقد.

مع ان من المعلوم عدم انفكاك المملوك المشترى عن ذلك فى اثناء الثلاثة.

فيلزم جعل الخيار فيه كاللغو.

______________________________

و الى هذين الاشكالين و بعض المبعّدات الاخر اشار المصنف بقوله: (لعدم تبادر ما يعم ذلك) الّذي ذكره العلامة (من لفظ الحدث) فاذا قيل: الحدث، لا يشمل امثال النظر، و اغلق الباب و اسقنى (و عدم دلالة ذلك) الّذي ذكره العلامة (على الرضا بلزوم العقد) فانه اذا كان ذلك حدثا ابطل الخيار لانه تصرف، و اذا كان ذلك علامة الرضا ابطل الخيار، لانه لا خيار بعد الرضا، اما و ليس احدهما موجودا فلما ذا يسقط الخيار.

(مع ان) فى المقام وجها آخر لاجل عدم ابطال الخيار بهذه الامور التى ذكرها العلامة و هو ان (من المعلوم عدم انفكاك المملوك المشترى)- بصيغة اسم المفعول- (عن ذلك) اى عن امثال هذه التصرفات (فى اثناء الثلاثة) الايام، لغلبة تصرف المشترى فى المملوك بهذه الانحاء.

(ف) اذا كانت هذه الامور توجب سقوط الخيار (يلزم جعل الخيار فيه) اى فى المملوك- و كذا فى كل حيوان- (كاللغو) لانه جعل لا يفيد الا نادرا، و الشارع الحكيم لا يجعل حكما لغوا، و لا حكما شبيها

ص: 271

مع انهم ذكروا ان الحكمة فى هذا الخيار الاطلاع على امور خفية فى الحيوان توجب زهادة المشترى و كيف يطلع الانسان على ذلك بدون النظر الى الجارية، و لمسها، و امرها بغلق الباب، و السقى، و شبه ذلك و ان كان المراد مطلق التصرف بشرط دلالته على الرضا بلزوم العقد كما يرشد إليه وقوعه فى معرض التعليل فى صحيحة

______________________________

باللغو.

(مع) ان فى المقام وجها رائعا يبعد اسقاط امثال هذه التصرفات للخيار.

ف (انهم ذكروا ان الحكمة فى هذا الخيار) اى خيار الحيوان (الاطلاع على امور خفية فى الحيوان توجب زهادة المشترى) و نفرته عن الحيوان، فالشارع جعل له ان يفسخ ان زهد فيه (و كيف يطلع الانسان على ذلك) الامر الخفى فى الحيوان، الّذي يكون الاطلاع عليه موجبا للاجازة او الفسخ (بدون النظر الى الجارية، و لمسها، و امرها بغلق الباب، و السقى، و شبه ذلك) مثل تحمير وجهها، و توشيم خدها، و غير ذلك من الامثلة، و كذلك بالنسبة الى ركوب الدابة المشتراة للركوب، و حلب الشاة المشتراة لاجل اللبن الى غيرها (و ان كان المراد) من التصرف المسقط- الّذي مثله العلامة بالتصرفات المذكورة- (مطلق التصرف) لكن لا مطلقا، و لكن (بشرط دلالته على الرضا بلزوم العقد) دلالة عرفية (كما يرشد إليه) اى الى ان التصرف بشرط الرضا مسقط للخيار (وقوعه) اى وقوع التصرف المسقط (فى معرض التعليل فى صحيحة

ص: 272

ابن رئاب.

و يظهر من استدلال العلامة و غيره على المسألة بأن التصرف دليل الرضا بلزوم العقد فهو لا يناسب اطلاقهم الحكم باسقاط التصرفات التى ذكروها.

و دعوى ان جميعها مما يدل- لو خلى و طبعه- على الالتزام بالعقد فيكون اجازة فعلية

______________________________

ابن رئاب) قال عليه السلام: فذلك رضا منه، و لا شرط له.

(و يظهر) ذلك- اى ان التصرف الدال على الرضا مسقط- (من استدلال العلامة و غيره) من الفقهاء (على المسألة) اى مسألة اسقاط التصرف للخيار (بأنّ التصرف دليل الرضا بلزوم العقد) «بان» متعلق ب «الاستدلال» (فهو) اى هذا المراد (لا يناسب اطلاقهم الحكم باسقاط التصرفات التى ذكروها).

حيث انهم قالوا ان هذه التصرفات اى النظر، و اللمس .. الخ، تسقط و لم يقيدوا الاسقاط باشتراط ان يدل التصرف على الرضا.

(و) ان قلت: انما اطلقوا و لم يقيدوا، لان هذه التصرفات بطبيعتها تدل على الرضا- من باب ان اطلاق المطلق ينصرف الى الفرد الغالب-

قلت: (دعوى ان جميعها) اى جميع هذه التصرفات (مما يدل- لو خلى) التصرف (و طبعه-)- بدون ان يقيم التصرف قرينة على عدم رضاه بالبيع- (على الالتزام بالعقد، فيكون) التصرف (اجازة فعلية) كما ان لفظ: اجزت، اجازة قولية، و كلاهما يكشفان عن الرضا، و يوجبان

ص: 273

كما ترى.

ثم ان قوله عليه السلام فى الصحيحة: فذلك رضا منه، يراد منه الرضا بالعقد فى مقابلة كراهة ضده اعنى الفسخ، و الا فالرضا باصل الملك مستمر من زمان العقد الى حين الفسخ.

و يشهد لهذا المعنى رواية عبد الله بن الحسن بن زيد بن على بن الحسين عن أبيه، عن جعفر عن أبيه عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فى رجل اشترى عبدا

______________________________

سقوط الخيار (كما ترى) اذ لا نسلم ان اى تصرف يدل على الرضا.

(ثم) لا بد من بيان شي ء و هو (ان قوله عليه السلام فى الصحيحة) لابن رئاب (فذلك رضا منه، يراد منه الرضا بالعقد) اى اسقاط الخيار (فى مقابلة كراهة ضده) اى ضد العقد (اعنى الفسخ).

فربما يقول الانسان: ارضى بالعقد، و ربما يقول: اكره ضد العقد، و هذان لفظان مقابلان، لكن معناهما واحد (و الا) يكن هذا المعنى الّذي ذكرناه للرضا بالعقد (ف) ليس هناك معنى ثان صالح للرواية.

اذ: (الرضا باصل الملك مستمر من زمان العقد الى حين الفسخ) و هو لا يحتاج الى تصرف فى المبيع، ليكشف عن الرضا.

(و يشهد لهذا المعنى) و ان الرضا يراد به فى قبال الفسخ، لا الرضا باصل الملك (رواية عبد الله بن الحسن بن زيد بن على بن الحسين) عليه السلام (عن أبيه، عن جعفر) عليه السلام (عن أبيه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم فى رجل اشترى عبدا

ص: 274

بشرط الى ثلاثة ايام، فمات العبد فى الشرط قال يستحلف باللّه تعالى ما رضيه، ثم هو برئ من الضمان.

فان المراد بالرضا الالتزام بالعقد.

______________________________

بشرط) «بشرط» بالتنوين (الى ثلاثة ايام، فمات العبد فى) زمان (الشرط) اثناء الثلاثة (قال) صلى الله عليه و آله و سلم (يستحلف) المشترى (باللّه تعالى ما رضيه، ثم هو) اى المشترى (برئ من الضمان) و يكون التلف من البائع، و يأخذ المشترى ثمنه منه.

(فان المراد بالرضا الالتزام بالعقد) لا الرضا باصل الملك، فانه اذا كان غير ملتزم بالعقد اى لم يسقط الخيار، كان للمشترى الخيار.

و من المعلوم ان التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له.

ثم الظاهر من الرواية ان البائع ادعى ان المشترى اسقط خياره و المشترى انكر ذلك، و قاعدة الدعوى «ان البينة على المدعى و اليمين على من انكر».

و حيث ان البائع لم تكن له بينة على دعواه، كان اللازم ان يحلف المشترى.

و لذا قال صلى الله عليه و آله و سلم «يستحلف» اى يطلب من المشترى ان يحلف- و قد كانت الدعوى من البائع انه اسقط خياره- اما على سبيل القطع، و اما على سبيل التهمة، و فى كلتا الحالتين على المنكر الحلف.

ص: 275

و الاستحلاف فى الرواية محمولة على سماع دعوى التهمة، او على صورة حصول القطع للبائع بذلك.

اذا عرفت هذا فقوله عليه السلام: فذلك رضا منه و لا شرط له يحتمل وجوها.

احدها ان يكون الجملة جوابا للشرط فيكون حكما شرعيا بان التصرف التزام بالعقد، و ان لم يكن التزاما عرفا.

______________________________

(و) لذا كان (الاستحلاف فى الرواية محمولة على سماع دعوى التهمة) اى سماع الحاكم اتهام البائع ظنّا بالمشترى على انه اسقط خياره (او على صورة حصول القطع للبائع بذلك) اى بانه اسقط خياره

و ذلك لانه اذا قلنا ان الظن لا يسمع من المدعى و كان البائع يظن انه اسقط خياره لم يكن وجه لاستحلاف المشترى.

(اذا عرفت هذا) الّذي ذكرناه من الاشكال فى كفاية التصرف القليل فى اسقاط الخيار اذا لم يكشف عن الرضا (فقوله عليه السلام:

فذلك رضا منه و لا شرط له، يحتمل وجوها) أربعة.

(احدها ان يكون الجملة) «فذلك رضا» (جوابا للشرط) فى قوله عليه السلام «فان احدث ...» (فيكون حكما شرعيا بان التصرف التزام بالعقد) بان الشارع جعل هذا جعلا (و ان لم يكن التزاما عرفا) فهو توسعة فى الرضا فقد ادخل فيه الشارع فردا جديدا هو التصرف من قبيل: الطواف بالبيت صلاة.

ص: 276

الثانى ان يكون توطئة للجواب، و هو قوله و لا شرط له، لكنه توطئة لحكمة الحكم و تمهيد لها لا علة حقيقية، فيكون اشارة الى ان الحكمة فى سقوط الخيار بالتصرف دلالته غالبا على الرضا.

نظير كون الرضا حكمة فى سقوط خيار المجلس بالتفرق فى قوله:

فاذا افترقا فلا خيار

______________________________

(الثانى ان يكون) جملة «فذلك رضا» (توطئة) و مقدمة (للجواب) و التوطئة بيان لعلة الحكم (و هو) اى الجواب (قوله) عليه السلام (و لا شرط له، لكنه) انما جاء بقوله «فذلك رضا» (توطئة لحكمة الحكم) بسقوط الخيار (و تمهيد لها) اى للحكمة (لا) ان «فذلك رضا» (علة حقيقية) حتى يدور الحكم بسقوط الخيار مدار الرضا، فان العلة هى التى يدور الحكم مدارها، بخلاف الحكمة فانها سبب الحكم، و ان لم تكن فى كل الافراد مثلا: النجاسة علة التطهير، اما: المشقة فهى حكمة عدم وجوب السواك اذ ربما لا تكون مشقة، و مع ذلك لا يجب السواك، قال صلى الله عليه و آله و سلم «لو لا ان اشق على امتى لامرتهم بالسواك» (فيكون) قوله عليه السلام «فذلك رضا» (اشارة الى ان الحكمة فى سقوط الخيار بالتصرف) «ب» متعلق ب «السقوط» (دلالته) اى دلالة التصرف (غالبا على الرضا) بسقوط الخيار.

(نظير كون الرضا حكمة فى سقوط خيار المجلس بالتفرق) فانه اذا تفرقا عن المجلس سقط الخيار سواء رضيا، أم لا، و مع ذلك فقد ذكر الامام ان حكمة السقوط هو الرضا غالبا (فى قوله) عليه السلام (فاذا افترقا فلا خيار

ص: 277

بعد الرضا منهما، فانه لا يعتبر فى الافتراق دلالة على الرضا.

و على هذين المعنيين فكل تصرف مسقط، و ان علم عدم دلالته على الرضا.

الثالث: ان تكون الجملة اخبارا عن الواقع نظرا الى الغالب، و ملاحظة نوع التصرف لو خلى و طبعه و يكون علة للجواب، فيكون نفى الخيار معللا بكون التصرف- غالبا- دالا على الرضا بلزوم العقد

______________________________

بعد الرضا منهما، فانّه) حكمة بلا اشكال، اذ (لا يعتبر فى الافتراق دلالة على الرضا) اذا حصل الافتراق بالاختيار، لا اكراها، كما تقدم الكلام فى ذلك.

(و على هذين المعنيين) الاول و الثانى (فكل تصرف مسقط) لخيار الحيوان (و ان علم عدم دلالته على الرضا) او علم عدم رضا المشترى لان التصرف له موضوعية، و قد حصل.

(الثالث) ان التصرف الّذي له دلالة نوعية على الرضا مسقط لا كل تصرف، ب (ان تكون الجملة) اى «فانه رضا» (اخبارا عن الواقع) الخارجى، و انما اخبر الشارع بان التصرف رضا نوعا (نظرا الى الغالب و) ذلك ب (ملاحظة نوع التصرف لو خلى و طبعه) و لم تكن هناك قرينة على عدم الرضا (و يكون) قوله عليه السلام «فذلك رضا» (علة للجواب) و هو قوله عليه السلام «و لا شرط له» (فيكون نفى الخيار معللا بكون التصرف غالبا- دالا على الرضا بلزوم العقد) «معللا» خبر «يكون» و «بلزوم» متعلق ب «الرضا» فالشارع قال «لا خيار» لان التصرف يدل على الرضا

ص: 278

و بعد ملاحظة وجوب تقييد اطلاق الحكم بمؤدى علته كما فى قوله: لا تأكل الرمان لانه حامض، دل على اختصاص الحكم بالتصرف الّذي يكون كذلك اى دالا بالنوع غالبا على التزام العقد.

و ان لم يدل فى شخص المقام فيكون المسقط من التصرف ما كان له ظهور نوعى فى الرضا.

______________________________

(و بعد ملاحظة وجوب تقييد اطلاق الحكم بمؤدى علته) فان العلة تعمم و تخصص، اذ يتبين منها ان العلة مدار الحكم وجودا و عدما، لا الموضوع الّذي انصب عليه الحكم (كما فى قوله: لا تأكل الرمان لانه حامض).

حيث ان الحامض يعمم تارة لان المنهى عنه اكل كل حامض و ان كان غير رمان.

و يخصص اخرى لان المنهى عنه اكل الرمان الحامض لا كل رمان و ان كان حلوا.

ف (دل) متعلق بقوله «و بعد» و فاعل «دل» «لا شرط له» فى الرواية، اى دل قوله عليه السلام لا شرط له (على اختصاص الحكم) اى حكم «لا شرط له» (بالتصرف الّذي يكون كذلك).

و فسر «كذلك» بقوله: (اى دالا بالنوع غالبا على التزام) المتصرف (العقد) بأن يكون هذا النوع من التصرف، فى اغلب الاوقات دالا على الرضا.

(و ان لم يدل فى شخص المقام) على رضا المتصرف (فيكون المسقط من التصرف ما كان له ظهور نوعى فى الرضا) و

ص: 279

نظير ظهور الالفاظ فى معانيها مقيدا بعدم قرينة توجب صرفه عن الدلالة.

كما اذا دل الحال او المقال على وقوع التصرف للاختيار، او اشتباها بعين اخرى مملوكة له.

و يدخل فيه كلما

______________________________

ان لم يكن له ظهور شخصى.

(نظير ظهور الالفاظ فى معانيها) فان لها ظهورا نوعيا (مقيدا) ذلك التصرف الظاهر (بعدم قرينة توجب صرفه) اى صرف التصرف (عن الدلالة) على الرضا، و القرينة هى:

(كما اذا دل الحال) اى حال هذا الانسان الّذي لا يسقط خياره الا بعد الاختبار (او) دلّ (المقال) بان قال بنفسه: ان تصرفى للاختبار (على وقوع التصرف للاختبار).

فان الدلالة النوعية حينئذ ساقطة، كما انه اذا قامت قرينة فى باب الالفاظ، ان المتكلم لم يرد ظاهرها، لم يكن اللفظ دالا (او) وقوع التصرف (اشتباها بعين اخرى مملوكة له) كما اذا علمنا انه اراد من ياقوت عبده القديم لا عبده الجديد، و انما اشتبه فامر الجديد اشتباها بالقديم بعمل، فان مثل هذا التصرف لا دلالة فيه على الرضا، فليس بمسقط للخيار.

(و) حيث عرفت ان العلة فى الرواية «تعمم» فالمعيار الدلالة على الرضا، و ان لم يكن تصرفا، ف (يدخل فيه) اى فى الحديث السابق (كلما

ص: 280

يدل نوعا على الرضا و ان لم يعد تصرفا عرفا كالتعريض للبيع، و الاذن للبائع فى التصرف فيه.

الرابع: ان يكون اخبارا عن الواقع، و يكون العلة هى نفس الرضا الفعلى الشخصى و يكون اطلاق الحكم مقيّدا بتلك العلة فيكون موضوع الحكم فى الحقيقة هو نفس الرضا الفعلى، فلو لم يثبت الرضا الفعلى لم يسقط الخيار.

ثم ان الاحتمالين الاولين و

______________________________

يدل نوعا على الرضا و ان لم يعد تصرفا عرفا)

و ذلك (كالتعريض للبيع، و الاذن للبائع) او غيره (فى التصرف فيه) او كالتعريض للاجارة و نحو ذلك مما يعد عرفا دلالته على الرضا.

(الرابع) من الوجوه المحتملة فى الحديث المتقدم (ان يكون) قوله عليه السلام «فذلك رضا منه» (اخبارا عن الواقع، و يكون العلة) لسقوط الخيار (هى نفس الرضا الفعلى الشخصى) فرضا المشترى فعلا مسقط للخيار (و يكون اطلاق الحكم) بقوله عليه السلام «لا شرط له» (مقيدا بتلك العلة) لما تقدم من ان العلة تعمم و تخصص (فيكون موضوع الحكم) بسقوط الشرط (فى الحقيقة) و الواقع (هو نفس الرضا الفعلى) فكان الامام عليه السلام قال «اذا رضى سقط خياره» (فلو لم يثبت الرضا الفعلى لم يسقط الخيار).

و لا فرق بين ثبوت الرضا بالمقال او بالحال.

(ثم ان الاحتمالين الاولين) الحاصلين فى ان كل تصرف مسقط (و

ص: 281

ان كانا موافقين لاطلاق سائر الاخبار و اطلاقات كلماتهم، مثل ما تقدم من التذكرة من ان مطلق التصرف لمصلحة نفسه مسقط.

و كذا غيره، كالمحقق و الشهيد الثانيين، بل لاطلاق بعض معاقد الاجماع الا انهما بعيدان عن ظاهر الخبر مع مخالفتهما لاكثر كلماتهم فان الظاهر منها عدم السقوط بالتصرف للاختبار و الحفظ بل ظاهرها اعتبار

______________________________

ان كانا موافقين لاطلاق سائر الاخبار) فان اطلاق الاخبار بان التصرف مسقط يشمل ما كان برضا او بدون رضا (و اطلاقات بعض كلماتهم، مثل ما تقدم من التذكرة من ان مطلق التصرف لمصلحة نفسه مسقط).

و قوله «لمصلحة نفسه» اى نفس التصرف اى ان التصرف بما هو تصرف مسقط، لا بما هو كاشف عن الرضا.

فالصلاح فى اسقاط التصرف للخيار، انما هو فى نفس التصرف.

و يحتمل ان يراد «بمصلحة نفسه» مقابل التصرف للاختبار و الحفظ

(و كذا) اى كالعلامة (غيره، كالمحقق و الشهيد الثانيين) فان اطلاقهما يدل على اسقاط التصرف بما هو تصرف (بل لاطلاق بعض معاقد الاجماع) عطف على «لاطلاق سائر الاخبار» (الا انهما) اى الاحتمالين الاولين (بعيدان عن ظاهر الخبر) اى صحيحة ابن رئاب المعللة بقوله «فذلك رضا منه» (مع مخالفتهما لاكثر كلماتهم، فان الظاهر منها) اى من كلماتهم (عدم السقوط بالتصرف للاختبار و الحفظ) لا ان يتصرف للاستفادة (بل ظاهرها) اى ظاهر كلماتهم (اعتبار) التصرف، بحيث يكون له

ص: 282

الدلالة فى الجملة على الرضا كما سيجي ء.

و يؤيده حكم بعضهم بكفاية الدال على الرضا و ان لم يعد تصرفا، كتقبيل الجارية للمشترى على ما صرح به فى التحرير و الدروس فعلم ان العبرة بالرضا، و انما اعتبر التصرف للدلالة و ورود النص أيضا بان العرض على البيع اجازة، مع انه ليس حدثا عرفا.

______________________________

(الدلالة فى الجملة) اى و لو دلالة جزئية (على الرضا كما سيجي ء) فى تقوية المعنى الثالث.

(و يؤيده) اى يؤيد ان كلماتهم ظاهرة فى اعتبار الدلالة على الرضا (حكم بعضهم بكفاية الدال على الرضا) فى اسقاط الخيار (و ان لم يعد تصرفا، كتقبيل الجارية للمشترى) فانه ليس تصرفا من المشترى، و مع ذلك قال هذا البعض بانه مسقط.

و ذلك لان سماح المشترى لها بتقبيله دال على رضاه بالبيع (على ما صرح به فى التحرير و الدروس، فعلم) من هذا المثال (ان العبرة) فى اسقاط الخيار (بالرضا) لا بالتصرف بما هو تصرف محض (و انما اعتبر) فى النص و الفتوى (التصرف للدلالة) على الرضا (و ورود النص أيضا) هذا عطف على «حكم بعضهم» (بان العرض على البيع اجازة، مع انه) اى العرض (ليس حدثا عرفا) فانه حيث دل على الرضا كان مسقطا، و ان لم يكن تصرفا.

و ذلك يؤيد ان المعيار فى المسقط «الرضا» و انما اخذ التصرف من باب انه دال على الرضا نظرا الى ما رواه السكونى عن ابى عبد الله

ص: 283

و مما يؤيد عدم إرادة الاصحاب كون التصرف مسقطا الا من جهة دلالته على الرضا حكمهم بأن كل تصرف يكون اجازة من المشترى فى المبيع يكون فسخا من البائع فلو كان التصرف مسقطا تعبديا عندهم، من جهة النص لم يكن وجه للتعدى عن كونه اجازة الى كونه فسخا.

______________________________

عليه السلام ان امير المؤمنين عليه السلام قضى فى رجل اشترى ثوبا بشرط الى نصف، فعرض له ربح فاراد بيعه، قال عليه السلام ليشهد انه رضيه فاستوجبه ثم ليبعه ان شاء، فان اقامه فى السوق فلم يبع فقد وجب عليه، فان الامام عليه السلام حكم بوجوب البيع بمجرد اقامته فى السوق.

(و مما يؤيد) أيضا (عدم إرادة الاصحاب كون التصرف مسقطا الا من جهة دلالته على الرضا)- لا من حيث انه تصرف بما هو هو- (حكمهم) فاعل «يؤيد» (بان كل تصرف يكون اجازة من المشترى فى المبيع يكون فسخا) اذا صدر ذلك التصرف (من البائع).

و وجه التأييد ما ذكره بقوله: (فلو كان التصرف) من المشترى (مسقطا تعبديا، عندهم من جهة) انه ورد (النص) عليه بدون ان يكون وجه اسقاطه للخيار من جهة دلالته على الرضا (لم يكن وجه للتعدى عن كونه) اى عن كون التصرف (اجازة الى كونه) من البائع (فسخا) لانه لم يرد نص بان تصرف البائع فسخ.

اما اذا قلنا بانه من طرف المشترى اجازة- من جهة دلالته على الرضا- كان وجه كونه فسخا من طرف البائع واضحا، لانه دليل الرضا، و

ص: 284

و قد صرح فى التذكرة بان الفسخ كالاجازة يكون بالقول و بالفعل و ذكر التصرف مثالا للفسخ و الاجازة الفعليين.

فاندفع ما يقال فى تقريب كون التصرف مسقطا لا للدلالة على الرضا بان الاصحاب يعدّونه فى مقابل الاجازة.

و اما المعنى الرابع فهو و ان كان اظهر الاحتمالات من حيث اللفظ

______________________________

رضا البائع برد المثمن الّذي كشف عنه بالتصرف، فسخ للمعاملة.

(و قد صرح فى التذكرة بان الفسخ كالاجازة يكون بالقول و بالفعل و ذكر) التذكرة بعد ذلك (التصرف مثالا للفسخ و الاجازة الفعليين) مما يدل على ان الاجازة و الفسخ فى سياق واحد.

و حيث علم ان الفسخ لا يكون الا برضا- و الفعل دال على الرضا- كان لا بد و ان تكون الاجازة بفعل دال على الرضا.

(فاندفع) بما ذكرنا من ان الفعل فى الفسخ و الاجازة على نحو واحد (ما يقال فى تقريب كون التصرف مسقطا) بنفسه (لا) انه مسقط (للدلالة على الرضا بان) يتعلق ب «ما يقال» (الاصحاب يعدونه) اى التصرف (فى مقابل الاجازة) فحاصل «ما يقال» هو: ان التصرف لا يحتاج الى الرضا، لان الاصحاب يجعلونه فى قبال الاجازة التى تحتاج الى الرضا.

و وجه اندفاعه هو: ان ظاهر الاصحاب ان كلا من التصرف و الاجازة انما يكون اسقاطا للخيار، لدلالتهما على الرضا.

(و اما المعنى الرابع) و هو اعتبار الرضا الفعلى الشخصى (فهو و ان كان اظهر الاحتمالات من حيث اللفظ) لظهور صحيحة ابن رئاب

ص: 285

بل جزم به فى الدروس.

و يؤيده ما تقدم من رواية عبد الله بن الحسن ابن زيد الحاكية للنبوى الدال- كما فى الدروس أيضا- على الاعتبار بنفس الرضا.

و ظاهر بعض كلماتهم الآتية ان المستفاد من تتبع الفتاوى الاجماع على عدم اناطة الحكم بالرضا الفعلى بلزوم العقد.

مع ان اظهريته بالنسبة الى المعنى الثالث غير واضحة، فتعين إرادة المعنى الثالث.

______________________________

على ان الرضا الشخصى مناط سقوط الخيار (بل جزم به فى الدروس) فقال: بان الاسقاط لا يكون الا بالرضا الفعلى.

(و يؤيده ما تقدم من رواية عبد الله بن الحسن ابن زيد الحاكية للنبوى الدال- كما فى الدروس) و ذكر الدروس (أيضا-) انها دالة (على الاعتبار بنفس الرضا) الفعلى الشخصى.

(و) لكن لا يمكن الذهاب الى هذا المعنى الثالث، لان (ظاهر بعض كلماتهم الآتية) ان المعنى الثالث خلاف الاجماع.

ف (ان المستفاد من تتبع الفتاوى الاجماع على عدم اناطة الحكم بالرضا الفعلى بلزوم العقد) «بلزوم» متعلق ب «الرضا» فلا حاجة الى الرضا الشخصى، فى اسقاط الخيار هذا.

(مع ان اظهريته) اى المعنى الرابع (بالنسبة الى المعنى الثالث غير واضحة) بل المعنيان فى رتبة واحدة، و للمعنى الثالث بعض المرجحات (فتعين إرادة) الحديث (المعنى الثالث) من المعانى

ص: 286

و محصله دلالة التصرف لو خلى و طبعه على الالتزام و ان لم يفد فى خصوص المقام فيكون التصرف اجازة فعلية فى مقابل الاجازة القولية

و هذا هو الّذي ينبغى ان يعتمد عليه.

قال فى المقنعة ان هلاك الحيوان فى الثلاثة من البائع الا ان يحدث فيه المبتاع حدثا يدل على الرضا بالابتياع، انتهى.

______________________________

الاربعة المحتملة.

(و محصله دلالة التصرف لو خلى) التصرف (و طبعه) و لم تكن قرينة على خلاف دلالته (على الالتزام) بالعقد (و ان لم يفد فى خصوص المقام) فهو- كما تقدم- دلالة الظاهر على المعنى، و ان لم يحصل علم بإرادة المتكلم له (فيكون التصرف اجازة فعلية) عملية (فى مقابل الاجازة القولية) فهما شقان كلاهما يفيد اسقاط الخيار.

(و هذا) المعنى الثالث (هو الّذي ينبغى ان يعتمد عليه) فى الفتوى.

ثم ان المصنف ذكر جملة من كلمات الفقهاء للاستدلال بها على ان مرادهم المعنى الثالث.

(قال) المفيد (فى المقنعة ان هلاك الحيوان فى الثلاثة من البائع) لان تلف المبيع فى زمن الخيار ممن لا خيار له (الا ان يحدث فيه) اى فى الحيوان (المبتاع) المشترى (حدثا يدل) ذلك الحدث بنوعه (على الرضا بالابتياع، انتهى) كلامه.

ص: 287

و مثل للتصرف فى مقام آخر بان ينظر الى الامة، الى ما يحرم لغير المالك.

و قال فى المبسوط- فى احكام العيوب- اذا كان المبيع بهيمة و اصاب بها عيبا فله ردها.

و اذا كان فى طريق الرد جاز له ركوبها و سقيها و علفها و حلبها و اخذ لبنها و ان نتجت كان له نتاجها.

ثم قال: و لا يسقط الرد لانه انما يسقط بالرضا بالعيب، او بترك الرد

______________________________

(و مثل) المقنعة (للتصرف فى مقام آخر بان ينظر) المشترى (الى الامة، الى ما يحرم لغير المالك) فان مثاله دليل على عدم ارادته الرضا الفعلى الشخصى.

و انما النظر يدل على انه راض بالبيع رضا نوعيا، و الا لم ينظر الى ما يحرم على غير المالك.

(و قال:) الشيخ (فى المبسوط- فى احكام العيوب- اذا كان المبيع بهيمة و اصاب بها عيبا فله ردها) و لو بعد الثلاثة بسبب العيب.

(و اذا كان فى طريق الرد جاز له ركوبها و سقيها و علفها و حلبها و اخذ لبنها) اى ينتفع باللبن (و ان نتجت كان له نتاجها) لان البهيمة قبل فسخ العقد ملك للمشترى فله منافعها.

(ثم قال) المبسوط: (و لا يسقط الرد) بهذه الأمور المذكورة (لانه انما يسقط بالرضا بالعيب، او بترك الرد

ص: 288

بعد العلم بالعيب، او بان يحدث فيه عيب عنده و ليس هنا شي ء من ذلك، انتهى.

و فى الغنية: لو هلك المبيع فى مدة الخيار، فهو من مال بايعه الا ان يكون المبتاع قد احدث فيه حدثا يدل على الرضا، انتهى.

و قال الحلبى فى الكافى- فى خيار الحيوان-: فان هلك فى مدة الخيار فهو من مال البائع الا ان يحدث فيه حدثا يدل على الرضا انتهى.

______________________________

بعد العلم بالعيب، او بان يحدث فيه) اى فى المبيع (عيب عنده) فيمنع هذا العيب الجديد من الرد بالعيب القديم (و ليس هنا شي ء من ذلك) الثلاثة، فان كون التصرف فى طريق الرد مانع عن دلالة التصرف دلالة نوعية على الرضا، فيدل كلام المبسوط على انه ان صدر منه التصرف فى غير طريق الرد كان تصرفه مسقطا للخيار.

و لا وجه لاسقاطه الخيار الا لانه دليل نوعى على الرضا (انتهى) كلام المبسوط.

(و) قال ابن زهرة (فى الغنية: لو هلك المبيع فى مدة الخيار فهو من مال بايعه) لان التلف ممن لا خيار له (الا ان يكون المبتاع قد احدث فيه حدثا يدل على الرضا) فان ظاهر كلامه الدلالة النوعية، و ان لم يعلم الانسان بانه كان له رضا فعليّا (انتهى).

(و قال الحلبى فى الكافى- فى خيار الحيوان-: فان هلك فى مدة الخيار فهو من مال البائع، الا ان يحدث) المشترى (فيه حدثا يدل على الرضا، انتهى) فانه أيضا يدل على الرضا النوعى لا الشخصى.

ص: 289

و فى السرائر- بعد حكمه بالخيار فى الحيوان الى ثلاثة ايام- قال: هذا اذا لم يحدث فى هذه المدة حدثا يدل على الرضا، و يتصرف فيه تصرفا ينقص قيمته، او يكون لمثل ذلك التصرف اجرة بان يركب الدابة، او يستعمل الحمار، او يقبل الجارية، او يلامسها، او يدبرها تدبيرا ليس له الرجوع فيه كالمنذور، انتهى.

______________________________

(و) قال ابن ادريس (فى السرائر- بعد حكمه بالخيار فى الحيوان الى ثلاثة ايام- قال: هذا) الخيار له فى الثلاثة (اذا لم يحدث فى هذه المدة) و هى الثلاثة الايام (حدثا يدل على الرضا)- اى بنوعه- (و) اذا لم (يتصرف فيه تصرفا ينقض قيمته، او) تصرفا (يكون لمثل ذلك التصرف اجرة).

و مثال ماله اجرة (بان يركب الدابة، او يستعمل الحمار) فى وضع حمل عليه مثلا (او يقبل الجارية، او يلامسها، او يدبرها تدبيرا) بان يقول لها: انت حرّ دبر وفاتى.

و لا يخفى ان جملة «يقبل .. الخ» عطف على «يحدث و يتصرف» و ليس عطفا على «يركب» اذ ليس لتقبيل و ما بعده اجرة، ف (ليس له) اى للمشترى (الرجوع فيه) بان يفسخ العقد.

و قوله «ليس» جواب شرط مقدر، اى ان فعل هذه الامور فليس له ان يرجع فى المبيع، بان يفسخه و يأخذ ثمنه (كالمنذور) اى كما انه اذا نذر ماله الفسخ فيه، بطل خياره لاقتضاء النذر ابقاء العين فلا يقدر على الفسخ (انتهى).

ص: 290

و قال فى موضع آخر اذا لم يتصرف فيه تصرفا يؤذن بالرضا فى العادة و اما العلامة ره فقد عرفت انه استدل على اصل الحكم بان التصرف دليل الرضا باللزوم.

و قال فى موضع آخر: لو ركب الدابة ليردها سواء قصرت المسافة او طالت، لم يكن ذلك رضا بها.

ثم قال و لو سقاها الماء او ركبها ليسقيها ثم يردها لم يكن ذلك رضا منه بامساكه و لو حلبها فى طريقه فالاقرب انه تصرف يؤذن

______________________________

و كيف كان فقول السرائر «حدثا يدل على الرضا» يدل على ما اختاره المصنف من المعنى الثالث.

(و قال) ابن ادريس (فى موضع آخر) من كتابه (اذا لم يتصرف) المشترى (فيه تصرفا يؤذن بالرضا فى العادة).

(و اما العلامة ره فقد عرفت) فيما تقدم (انه استدل على اصل الحكم) باسقاط التصرف للخيار (بان التصرف دليل الرضا باللزوم) فلم يعتبر الرضا الفعلى الشخصى، كما هو المعنى الرابع.

(و قال) العلامة (فى موضع آخر: لو ركب الدابة ليردها سواء قصرت المسافة او طالت، لم يكن ذلك رضا بها) لوضوح ان فعله بعد ان عرفنا قصده لا يكون دليل الرضا.

(ثم قال) العلامة: (و لو سقاها الماء او ركبها ليسقيها ثم يردها لم يكن ذلك رضا منه بامساكه) اى امساك المشترى، للدابة (و لو حلبها فى طريقه) الى سقى الماء او الرد الى داره (فالاقرب انه تصرف يؤذن

ص: 291

بالرضا.

و فى التحرير- فى مسألة سقوط ردّ المعيب بالتصرف- قال و كذا لو استعمل المبيع، او تصرف فيه بما يدل على الرضا.

و قال فى الدروس: استثنى بعضهم من التصرف ركوب الدابة و الطحن عليها و حلبها، اذ بها يعرف حالها ليختبر، و ليس ببعيد

______________________________

بالرضا) فان ظاهر «يؤذن بالرضا» انه يكتفى بالاذن النوعى و ان لم يعلم الرضا الشخصى.

(و فى التحرير- فى مسألة سقوط ردّ المعيب بالتصرف- قال) العلامة (و كذا) يوجب سقوط الخيار (لو استعمل المبيع، او تصرف فيه بما يدل على الرضا) فجعل الدلالة النوعية موجبة لسقوط الخيار.

(و قال) الشهيد «ره» (فى الدروس: استثنى بعضهم من التصرف) الموجب لسقوط الخيار (ركوب الدابة و الطحن عليها) بان تربط بالطاحونة للطحن بسبب الدابة (و حلبها).

و انما استثنى ذلك البعض (اذ بها) اى بهذه الامور (يعرف حالها) اى حال الدابة، فيفعل المشترى ذلك (ليختبر) حال الدابة (و ليس) كلام المستثنى (ببعيد) اذ مع احتمال الاختبار فى فعله لا يدل فعله على الرضا، فلا يكون اسقاطا للخيار.

و مما ذكرنا يظهر دلالة كلام الدروس على مقصد المصنف، من ان التصرف المشعر بالرضا نوعا يوجب سقوط الخيار.

ص: 292

و قال المحقق الكركى: لو تصرف ذو الخيار غير عالم كأن ظنها جاريته المختصة، فتبينت ذات الخيار، او ذهل عن كونها المشتراة ففى الحكم تردد، ينشأ من اطلاق الخبر بسقوط الخيار بالتصرف.

و من انه غير قاصد الى لزوم البيع، اذ لو علم لم يفعل.

و التصرف انما عدّ مسقطا لدلالته على الرضا باللزوم.

و قال فى موضع آخر، و لا يعد ركوب الدابة للاستخبار او لدفع جموحها، او للخوف من ظالم، او ليردها

______________________________

(و قال المحقق الكركى: لو تصرف ذو الخيار غير عالم) بان له فى هذا المبيع الخيار (كأن ظنها جاريته المختصة) التى ليس له فيها الخيار (فتبينت) اى ظهرت (ذات الخيار، او) تصرف و قد (ذهل عن كونها المشتراة) التى له فيها الخيار (ففى الحكم) بسقوط الخيار، او بقائه (تردد، ينشأ من اطلاق الخبر بسقوط الخيار بالتصرف) فيشمل ما اذا جهل او ذهل، كما يشمل ما اذا علم.

(و من انه غير قاصد الى لزوم البيع، اذ لو علم) بان له فيه الخيار (لم يفعل) اى لم يتصرف.

(و التصرف انما عدّ مسقطا لدلالته) اى التصرف (على الرضا باللزوم) و لا دلالة فى المقام، و ظاهر هذه العبارة انه يكفى بالرضا النوعى.

(و قال فى موضع آخر، و لا يعد ركوب الدابة للاستخبار او لدفع جموحها) جمحت الدابة اذا عصت و صعبت، فاذا ركبها الانسان و أدّبها ذلت (او للخوف من ظالم) يأخذ كل دابة فارغة غصبا- مثلا- (او ليردها)

ص: 293

تصرفا.

ثم قال: و هل يعد حملها للاستخبار تصرفا ليس ببعيد ان لا يعد

و كذا لو اراد ردها و حلبها لاخذ اللبن على اشكال ينشأ من انه ملكه فله استخلاصه

______________________________

على صاحبها (تصرفا) مسقطا للخيار، لان هذه الامور لا تدل على الرضا.

(ثم قال: و هل يعد حملها للاستخبار) و هل انها تقدر على الحمل الثقيل، أم لا؟ (تصرفا) مسقطا (ليس ببعيد ان لا يعد) اذ لا يدل التصرف على الرضا.

و لعل الفرق بين ركوبها للاستخبار حيث افتى جزما بانه ليس تصرفا و بين حملها حيث يظهر منه نوع تردد للعرف، فان العرف يرى ان ذلك ليس بتصرف، بل المتعارف ان الانسان اذا اشترى الدابة ركبها مقدارا، بخلاف الحمل عليها فانه ليس بتلك المثابة.

(و كذا لو اراد ردها و حلبها لاخذ اللبن) فانه غير بعيد ان لا يعد ذلك تصرفا (على اشكال) فى عدم كون الحلب تصرفا (ينشأ) هذا الاشكال من تعارض جهتين.

من انه تصرف عرفا فاللازم ان يكون مسقطا.

و (من انه) قبل الفسخ (ملكه) لان الحليب ملك صاحب الدابة، و ان كان فى زمن الخيار (فله استخلاصه) و اخذه، فلا يكون حلبه مسقطا لخياره.

ص: 294

انتهى.

و حكى عنه فى موضع آخر انه قال: و المراد بالتصرف المسقط ما كان المقصود منه التملك لا الاختبار و لا حفظ المبيع كركوب الدابة للسقى انتهى.

و مراده من التملك البقاء عليه و الالتزام به.

و يحتمل ان يراد به الاستعمال للانتفاع بالملك لا للاختبار او الحفظ

______________________________

اقول: لا يخفى ان المحقق الثانى لم يذكر الا احد طرفى الاشكال و او كل الطرف الآخر الى وضوحه (انتهى).

(و حكى عنه فى موضع آخر انه قال: و المراد بالتصرف المسقط) للخيار (ما كان المقصود منه التملك) و اسقاط الخيار (لا الاختبار) فانه لا يسقط الخيار (و لا حفظ المبيع كركوب الدابة للسقى) هذا مثال للحفظ لانها اذا لم تشرب الماء تلفت و ركوبها فى الطريق لاجل ايصالها الى الماء (انتهى)

(و مراده من التملك البقاء عليه و الالتزام به) لان الملك حصل قبل ذلك فلا يراد بالتملك احداث الملك، بل الالتزام به باسقاط الخيار.

(و يحتمل ان يراد به) اى بالتملك (الاستعمال للانتفاع بالملك لا للاختبار او الحفظ) فان التملك قد يستعمل بمعنى احداث الملك، و قد يستعمل بمعنى الالتزام به، و قد يستعمل بمعنى استعمال الملك استعمالا لا للاختبار و الحفظ.

و وجه استدلال المصنف بهذه العبارة، لمراده من المعنى الثالث ان قول المحقق «ما كان المقصود منه التملك» يراد به ما كان ظاهرا فى ذلك ظهورا نوعيا، لا انه يريد المحقق بذلك القصد الشخصى

ص: 295

هذا ما حضرنى من كلماتهم فى هذا المقام الظاهرة فى المعنى الثالث

و حاصله التصرف على وجه يدل عرفا- لو خلى و طبعه- على الالتزام بالعقد، ليكون اسقاطا فعليا للخيار فيخرج منه ما دلت القرينة على وقوعه لا عن الالتزام.

لكن يبقى الاشكال المتقدم سابقا من ان اكثر امثلة التصرف المذكورة فى النصوص و الفتاوى ليست كذلك بل هى واقعة غالبا مع الغفلة، او التردد او العزم على الفسخ مطلقا

______________________________

(هذا ما حضرنى من كلماتهم فى هذا المقام) اى مقام كون التصرف مسقطا (الظاهرة) تلك الكلمات (فى المعنى الثالث).

اقول: ظهور جملة منها فى ما ذكره المصنف محل نظر، كما لا يخفى.

(و حاصله) ان المسقط هو (التصرف على وجه يدل عرفا- لو خلى و طبعه- على الالتزام بالعقد، ليكون) التصرف (اسقاطا فعليا للخيار) فى قبال الاسقاط القولى- (فيخرج منه) اى من التصرف المسقط (ما دلت القرينة على وقوعه لا عن الالتزام) بالاسقاط.

(لكن) اذا كان المراد من التصرف المسقط ما ذكرناه من الدال نوعا على الالتزام (يبقى الاشكال المتقدم سابقا من ان اكثر امثلة التصرف المذكورة فى النصوص) كالنظر الى الجارية (و الفتاوى) كقوله للجارية: اغلقى الباب (ليست كذلك) دالة عرفا على الالتزام بالعقد (بل هى) اى التصرفات المذكورة (واقعة غالبا مع الغفلة او التردد او العزم على الفسخ مطلقا) اى انه يريد الفسخ

ص: 296

او اذا اطلع على ما يوجب زهده فيه.

فهى غير دالة فى نفسها عرفا على الرضا.

و منه يظهر وجه النظر فى دفع الاستبعاد الّذي ذكرناه سابقا من عدم انفكاك اشتراء الحيوان من التصرف فيه فى الثلاثة فيكون مورد الخيار فى غاية الندرة بان الغالب فى هذه التصرفات وقوعها مع عدم الرضا باللزوم، فلا يسقط بها الخيار

______________________________

على كل حال (او) يريد الفسخ (اذا اطلع على ما يوجب زهده فيه) اى نفرته عن المبيع.

(فهى) اى التصرفات المذكورة (غير دالة فى نفسها عرفا على الرضا) فكما لا دلالة لها شخصيا فلا دلالة لها نوعيا.

(و منه) اى من عدم دلالة اكثر الامثلة المذكورة فى النص و الفتوى دلالة عرفية على الرضا بالعقد- لوقوعها غالبا بلا التزام بالعقد (يظهر وجه النظر فى دفع الاستبعاد الّذي ذكرناه سابقا).

فانا ذكرنا سابقا أوّلا استبعادا يحصل (من عدم انفكاك اشتراء الحيوان من التصرف فيه، فى الثلاثة) الايام (فيكون مورد الخيار) اذا كان امثال النظر الى الجارية، و ركوب الدابة، مسقطا للخيار (فى غاية الندرة) و كونه فى غاية الندرة خلاف الادلة و الفتاوى الظاهرة فى كثرة مورد الخيار.

و ذكرنا ثانيا دفعا لهذا الاستبعاد (بان الغالب فى) امثال (هذه التصرفات وقوعها مع عدم الرضا باللزوم، فلا يسقط بها) اى بامثال هذه التصرفات (الخيار).

ص: 297

اذ فيه يوجب استهجان تعليل السقوط بمطلق الحدث بأنه رضا لان لهذا المصحح لهذا التعليل- مع العلم بعدم كون بعض افراده رضا هو ظهوره فيه عرفا من اجل الغلبة.

فاذا فرض ان الغالب فى مثل هذه التصرفات وقوعها لا عن التزام للعقد، بل مع العزم على الفسخ، او التردد فيه او الغفلة كان

______________________________

و نقول الآن ثالثا فى وجه النظر على الدفع المذكور و بالاشكال فى الدفع، يقوى الاستبعاد.

(اذ فيه) اى فى الدفع المذكور (ان هذا) الدفع (يوجب استهجان تعليل السقوط) للخيار (بمطلق الحدث).

اى ان الشارع فى صحيحة ابن رئاب علل اسقاط التصرف للخيار (بأنه رضا) فانه اذا كان الدفع صحيحا لزم استهجان العلة فى صحيحة ابن رئاب.

وجه الاستهجان ما ذكره بقوله: (لان المصحح لهذا التعليل) اى انه رضا (- مع العلم بعدم كون بعض افراده رضا- هو) اى المصحح هو (ظهوره) اى التصرف (فيه) اى فى الرضا (عرفا).

و انما كان الظهور (من اجل الغلبة) اى غلبة كون التصرف رضا، و حيث كان الغالب ذلك كان التصرف ظاهرا فى الرضا.

(فاذا فرض) هذا الفرض ذكر «الدفع» للاستبعاد (ان الغالب فى مثل هذه التصرفات وقوعها لا عن التزام للعقد، بل مع العزم على الفسخ، او التردد فيه) اى فى الفسخ (او الغفلة) عن ان له الفسخ (كان

ص: 298

تعليل الحكم على المطلق بهذه العلة غير الموجودة الا فى قليل من افراده مستهجنا.

و اما الاستشهاد لذلك بما سيجي ء من ان تصرف البائع فى ثمن بيع الخيار غير مسقط لخياره اتفاقا

______________________________

تعليل الحكم) بان التصرف مسقط (على المطلق) اى مطلق التصرف (بهذه العلة) علة ان التصرف رضا (غير الموجودة) تلك العلة (الا فى قليل من افراده) اى افراد التصرف (مستهجنا).

فتحققت ثلاثة امور «استبعاد» و «دفع» و «نظر فى الدفع».

و الحاصل: ان المصنف يقول «التصرف الدال عرفا على الرضا النوعى مسقط للخيار» و الاشكال عليه انه «اكثر الامثلة فى النص و الفتوى، لا دلالة فيها على الرضا» فكيف قال الشارع «التصرف مسقط لانه رضا بالعقد».

(و) لكن ربما يؤيد «الدفع» بان تصرف المشترى فى الحيوان، حاله حال تصرف البائع ذى الخيار فى الثمن.

فكما ان تصرف البائع ليس عن رضا- و لذا لا يسقط خياره- كذلك تصرف المشترى فى الحيوان ليس عن رضا- و لذا لا يسقط خياره-.

و على هذا يتم «الدفع» الّذي كان يقول «الغالب فى التصرفات وقوعها مع عدم الرضا باللزوم .. الخ» و الى هذا- و هو: ربما يؤيد الدفع- اشار المصنف بقوله: و (اما الاستشهاد لذلك بما سيجي ء من ان تصرف البائع فى ثمن بيع الخيار غير مسقط لخياره اتفاقا) كما اذا كان

ص: 299

و ليس ذلك الا من جهة صدوره لا عن التزام بالعقد بل مع العزم على الفسخ برد مثل الثمن.

ففيه ما سيجي ء.

و مما ذكرنا من استهجان التعليل على تقدير كون غالب التصرفات واقعة لا عن التزام يظهر فساد الجمع

______________________________

البائع مغبونا، او كان فى الثمن عيب، او كان للبائع خيار الشرط، الى غير ذلك.

(و ليس ذلك) اى عدم سقوط خيار البائع بتصرفه فى الثمن (الا من جهة صدوره) اى صدور التصرف (لا عن التزام) للبائع (بالعقد بل مع العزم على الفسخ برد مثل الثمن) اذا كان تصرفه متلفا، او بردّ نفس الثمن اذا لم يكن تصرفه متلفا، كما اذا كان الثمن ثوبا و لبسه، او نحو ذلك.

(ففيه ما سيجي ء) من ان ذلك من جهة تواطئ المتعاقدين على ثبوت الخيار مع التصرف.

و ذلك لان بناء البيع على الانتفاع بالثمن، فكانهما اشترطا بقاء الخيار حتى بعد التصرف، و ليس المقام كذلك، فلا تواطئ فى بيع الحيوان ان الخيار باق، و ان تصرف المشترى فى الحيوان.

اذا: فالاستهجان الّذي ذكرناه باق.

(و مما ذكرنا من استهجان التعليل) «بانه رضى» (على تقدير كون غالب التصرفات واقعة، لا عن التزام)، بالعقد (يظهر فساد الجمع) بين

ص: 300

بهذا الوجه يعنى حمل الاخبار المتقدمة على صورة دلالة التصرفات المذكورة على الرضا بلزوم العقد جمعا بينها، و بين ما دل من الاخبار على عدم سقوطه بمجرد التصرف.

مثل رواية عبد الله بن الحسن المتقدمة التى لم يستفصل فى

______________________________

ما دل على سقوط الخيار بمطلق التصرف مثل الاخبار المتقدم نقلها، و بين ما دل على خلافه مثل خبر عبد الله، و الخبر المصحح، بحمل الاولى على صورة دلالة التصرف على الرضا باللزوم، و حمل الثانية على صورة عدم دلالة التصرف على الرضا باللزوم.

فان الجمع (بهذا الوجه) غير تام.

و انما ظهر فساد الجمع لاستلزامه استهجان التعليل المذكور فى الاخبار، و الجمع الّذي يستلزم الاستهجان غير صحيح.

و الى ما ذكرناه اشار بقوله: (يعنى حمل الاخبار المتقدمة) كصحيحة ابن رئاب، و غيرها (على صورة دلالة التصرفات المذكورة على الرضا بلزوم العقد).

و انما نحمل هذا الحمل (جمعا بينها) اى بين هذه الاخبار (و بين ما دل من الاخبار على عدم سقوطه) اى الخيار (بمجرد التصرف) المحمول على ما اذا لم يكن التصرف رضا بالعقد.

(مثل رواية عبد الله بن الحسن المتقدمة) فى العبد الّذي مات، و كان للمشترى خيار الشرط، حيث قال صلى الله عليه و آله يستحلف بالله تعالى ما رضيه ثم هو برئ من الضمان (التى لم يستفصل فى

ص: 301

جوابها بين تصرف المشترى فى العبد المتوفى فى زمان الخيار، و عدمه.

و انما انيط سقوط الخيار فيها بالرضا الفعلى.

و مثل الخبر المصحح فى رجل اشترى شاة، فامسكها ثلاثة ايام ثم ردّ قال ان كان تلك الثلاثة ايام شرب لبنها، يردّ معها ثلاثة امداد و ان لم يكن لها لبن فليس عليه شي ء.

و نحوه الآخر.

______________________________

جوابها) اى جواب الرواية (بين تصرف المشترى فى العبد المتوفى فى زمان الخيار، و عدمه) اى عدم تصرف المشترى، مع انه لو كان تصرف المشترى مسقطا، لزم الاستفصال المذكور.

(و انما انيط سقوط الخيار فيها) اى فى الرواية (بالرضا الفعلى) للمشترى، فان ظاهر «ما رضيه» فى الرواية الرضا الفعلى، كما هو واضح

(و مثل الخبر المصحح) الّذي قال بعض بصحته- و ان لم يتحقق ذلك عند المصنف- (فى رجل اشترى شاة، فامسكها ثلاثة ايام، ثم ردّ) فما تكليفه؟ (قال) عليه السلام (ان كان تلك الثلاثة ايام شرب) المشترى (لبنها، يردّ معها) اى مع الشاة (ثلاثة امداد) قيمة اللّبن (و ان لم يكن لها لبن فليس عليه شي ء) فان الامام عليه السلام حكم بجواز الردّ، مع انه تصرف فى الشاة بالحلب و شرب اللبن.

و ذلك لانه لم يرض بالشاة فيدل على ان المعيار فى سقوط الخيار الرضا، لا التصرف.

(و نحوه) اى نحو هذا المصحح، خبره (الآخر).

ص: 302

و ما فيهما من رد ثلاثة امداد لعله محمول على الاستحباب مع ان ترك العمل به لا يوجب ردّ الرواية فتأمل.

و قد افتى بذلك فى المبسوط فيما لو باع شاة غير مصراة و حلبها اياما، ثم وجد المشترى فيها عيبا.

______________________________

(و) ان قلت: كيف حكم الامام بردّ ثلاثة امداد، مع ان اللبن للمشترى، حيث انه قبل الفسخ يملك كل شئ منه، و الفسخ من حينه لا من اصله.

قلت: (ما فيهما) اى فى الخبرين (من ردّ ثلاثة امداد لعله محمول على الاستحباب مع) انه ان كان على سبيل الوجوب لا يضر بدلالة الخبرين لما نحن بصدده.

ف (ان ترك العمل به) اى بهذا الجزء من الخبر (لا يوجب رد الرواية) لما علم فى موضعه من امكان التقطيع فى الخبر الواحد، كان قطع صدر جزء من الخبر تقية، او شبه ذلك (فتأمل).

لعله اشارة الى ان قوله «يردّ» هو موضع استدلالنا بالخبر فاذا سقط، لم يبق موضع للدلالة.

لكن فيه ان فقرة واحدة من الخبر اذا اشتملت على حكمين لم يعمل باحدهما، لم يستلزم ذلك عدم العمل بالآخر.

(و قد افتى بذلك) اى بانه يردّ ثلاثة امداد- فليست هذه الفقرة غير معمول بها- (فى المبسوط فيما لو باع شاة غير مصراة) اى لم يكن حليب فى ثديها (و حلبها اياما، ثم وجد المشترى فيها عيبا) فانه يردّها و

ص: 303

ثم قال: و قيل ليس له ردّها، لانه تصرف بالحلب.

و بالجملة: فالجمع بين النص و الفتوى الظاهرين فى كون التصرف مسقطا لدلالته على الرضا بلزوم العقد، و بين ما تقدم من التصرفات المذكورة فى كثير من الفتاوى خصوصا ما ذكره غير واحد من الجزم بسقوط الخيار بالركوب فى طريق الردّ او التردد فيه و فى التصرف للاستخبار مع العلم بعدم اقترانهما بالرضا بلزوم العقد

______________________________

يرد ثمن الحليب.

(ثم قال) المبسوط: (و قيل ليس له ردها، لانه) اى المشترى (تصرف) فى الشاة (بالحلب) و التصرف يسقط الخيار.

(و بالجملة فالجمع بين النص و الفتوى الظاهرين فى كون التصرف مسقطا لدلالته) اى دلالة التصرف (على الرضا بلزوم العقد) ف «لدلالته» وجه ل «الاسقاط» (و بين ما تقدم من التصرفات المذكورة فى كثير من الفتاوى) و فى النص من امثال: اغلق الباب، و: ناولنى الثوب، و النظر الى الامة و لمسها (خصوصا ما ذكره غير واحد من الجزم بسقوط الخيار بالركوب) للدابة (فى طريق الردّ) الّذي يكون التصرف بدون دلالة على الرضا النوعى اصلا (او التردّد فيه) اى فى الردّ، عطف على «فى طريق» (و فى التصرف للاستخبار مع العلم بعدم اقترانهما) اى الركوب مع عزمه على الردّ او التردّد فيه و التصرف للاستخبار (بالرضا بلزوم العقد) لوضوح ان المشترى ليس براض، اذا اراد ردّه او تردّد

ص: 304

فى غاية الاشكال و اللّه العالم بحقيقة الحال.

______________________________

فيه، و اذا اراد استخباره فهو (فى غاية الاشكال) و ان كان الاظهر الاحتياج الى الرضا الشخصى الّذي نفاه المصنف (و الله العالم بحقيقة الحال) و هو الموفق المستعان لفهم الاحكام.

ص: 305

الثالث خيار الشرط،
اشارة

اعنى الثابت بسبب اشتراطه فى العقد، و لا خلاف فى صحة هذا الشرط، و لا فى انه لا يتقدر بحدّ عندنا.

و نقل الاجماع عليه مستفيض.

و الاصل فيه، قبل ذلك الاخبار العامة المسوغة لاشتراط كل شرط الا ما استثنى

______________________________

(الثالث) من الخيارات (خيار الشرط، اعنى الثابت بسبب اشتراطه فى العقد) فإضافة الخيار الى الشرط من باب اضافة المعلول الى علته، لان الشرط علة الخيار (و لا خلاف فى صحة هذا الشرط) للنص و الاجماع على ذلك (و لا فى انه لا يتقدّر بحدّ) كيوم و عشرة ايام (عندنا)

نعم ينبغى استثناء ما اذا كان تحديده خارجا عن اطلاق النص و الفتوى، كما اذا باعه شيئا و جعل خياره مائة سنة مثلا.

(و نقل الاجماع عليه) اى على هذا الخيار (مستفيض) استفاضة فوق الآحاد، و دون التواتر.

(و الاصل) اى الدليل (فيه) اى فى هذا الخيار (- قبل ذلك-) الاجماع (الاخبار العامة المسوغة) اى المجوزة (لاشتراط كل شرط الا ما استثنى) من مخالفة الكتاب و السنة، و كذا المخالفة لمقتضى اصل العقد، كان ينكح بشرط ان تكون بينهما محرمية، او يبيع بشرط ان لا يكون للمشترى التصرف فيه.

ص: 306

و الاخبار الخاصة الواردة فى بعض افراد المسألة فمن الاولى الخبر المستفيض الّذي لا يبعد دعوى تواتره ان: المسلمين عند شروطهم.

و يزيد فى صحيحة ابن سنان: الّا كل شرط خالف كتاب اللّه فلا يجوز

و فى موثقة اسحاق بن عمار الّا شرطا حرم حلالا او حلل حراما.

______________________________

(و) كذلك يكون الاصل فى الخيار (الاخبار الخاصة الواردة فى بعض افراد المسألة) مما يعلم منها المناط فيتعدى منها الى سائر افراد الشرط لوحدة الملاك فى الكل (فمن الاولى) اى الاخبار العامة الشاملة لكل شرط (الخبر المستفيض الّذي لا يبعد دعوى تواتره) و هو (ان: المسلمين عند شروطهم).

و معنى «عند» انهم ملزومون بالوفاء بالشروط الزاما تكليفا وضعيا

(و يزيد فى صحيحة ابن سنان: الّا كل شرط خالف كتاب اللّه فلا يجوز) اى فلا ينفذ ذلك الشرط.

كما اذا شرط، ان يشرب الخمر او يترك الصلاة، او لا يرث ولده، او ما اشبه ذلك.

(و فى موثقة اسحاق بن عمار الّا شرطا حرم حلالا) بان يكون الشرط مشرعا، كما لو شرط ان يكون شرب الماء حراما، اما اذا شرط ان لا يشرب الماء صح الشرط، فانه لم يحرم حلالا.

و قد يقال ان المراد بتحريم الحلال تحريم الواجب فى قبال تحليل الحرام (او حلل حراما) على ما عرفت.

ص: 307

نعم فى صحيحة اخرى لابن سنان من اشترط شرطا مخالفا لكتاب اللّه فلا يجوز على الّذي اشترط عليه، و المسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب اللّه.

لكن المراد منه بقرينة المقابلة عدم المخالفة للاجماع على عدم اعتبار موافقة الشرط لظاهر الكتاب.

و تمام الكلام فى معنى هذه الاخبار و توضيح المراد من الاستثناء الوارد

______________________________

(نعم فى صحيحة اخرى لابن سنان من اشترط شرطا مخالفا لكتاب اللّه فلا يجوز) اى لا ينفذ (على الّذي اشترط عليه، و المسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب الله).

و قوله «نعم» اشارة الى ان فى هذا الحديث اشترط «موافقة كتاب الله» بينما فى غيره اشترط «عدم مخالفة كتاب الله».

و من المعلوم ان الشرط يمكن اعتباره «غير مخالف» اما اعتباره «موافقا» فهو مشكل، لان كثيرا من الاحكام ليست فى ظاهر القرآن.

(لكن المراد منه) اى من الموافقة (بقرينة المقابلة) لقوله عليه السلام «مخالفا لكتاب الله» (عدم المخالفة) لان الفقرة الثانية تفسير للفقرة الاولى.

و ذلك (للاجماع على عدم اعتبار موافقة الشرط لظاهر الكتاب) و الّا فكثير من الشروط لم تذكر فى الكتاب شيئا يطابقه الشرط.

(و تمام الكلام فى معنى هذه الاخبار) اى الشرط المخالف و الموافق (و توضيح المراد من الاستثناء الوارد

ص: 308

فيها يأتى فى باب الشرط فى ضمن العقد ان شاء الله.

و المقصود هنا بيان احكام الخيار المشترط فى العقد و هى تظهر برسم مسائل
اشارة

______________________________

فيها) من تحليل الحرام و تحريم الحلال (يأتى فى باب الشرط فى ضمن العقد ان شاء الله) هذا تمام الكلام فى الاخبار العامة.

و اما الاخبار الخاصة فهى: صحيحة ابن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السلام فى حديث قال: و ان كان بينهما شرط- اياما معدودة- فهلك فى يد المشترى قبل ان يمضى الشرط، فهو من مال البائع.

اقول: لان التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له، و رواية السكونى المتقدمة ان امير المؤمنين عليه السلام: قضى فى رجل اشترى ثوبا بالشرط الى نصف النهار، الى غيرهما، و سيأتى بعض الاخبار الخاصة الاخر.

(و المقصود هنا بيان احكام الخيار المشترط فى العقد) فى قبال موضوع الخيار الّذي قلنا انه سيأتى (و هى تظهر برسم مسائل)

ص: 309

مسئلة: لا فرق بين كون زمان الخيار متصلا بالعقد او منفصلا عنه لعموم ادلة الشرط.

قال فى التذكرة لو شرط خيار الغد صح عندنا خلافا للشافعى، و استدل له فى موضع آخر بلزوم صيرورة العقد جائزا بعد اللزوم.

و ردّ بعدم المانع من ذلك.

مع انه- كما فى التذكرة

______________________________

(مسألة: لا فرق بين كون زمان الخيار متصلا بالعقد او منفصلا عنه) بكل اقسامه من الاول او الوسط او الاخير او اثنان منها، او ثلاثة او اكثر كان يفرض ان المدة فى الاجارة- و نمثل بها لوضوح الاقسام فيها- سنة، فيشترط الخيار فى اليوم الاول، او فى اليوم الوسط، او فى اليوم الاخير، او فى الاول و الوسط، او فى الاول و الاخير، او فى الاول و الوسط، او فى الوسط و الاخير او فى الاول و الوسط و الاخير، الى غير ذلك (لعموم ادلة الشرط) الشاملة لكل هذه الاقسام.

(قال فى التذكرة لو شرط خيار الغد صح عندنا خلافا للشافعى، و استدل) العلامة (له) اى للشافعى (فى موضع آخر) من التذكرة (ب) انه لو صح الخيار المنفصل استوجب ذلك (لزوم صيرورة العقد جائزا بعد اللزوم) و ذلك خلاف ادلة الوفاء بالعقد.

(و ردّ بعدم المانع من ذلك) لانه ليس خلاف ادلة الوفاء.

(مع انه) اى عدم جواز انفصال الخيار عن العقد (- كما فى التذكرة

ص: 310

- منتقض بخيار التأخير و خيار الرؤية.

نعم يشترط تعيين المدة.

فلو تراضيا على مدة مجهولة كقدوم الحاج بطل بلا خلاف، بل حكى الاجماع عليه صريحا لصيرورة المعاملة بذلك غررية

______________________________

- منتقض بخيار التأخير و خيار الرؤية) فانهما منفصلان عن العقد مما يوجب ان يكون العقد اللازم جائزا.

(نعم يشترط تعيين المدة) المقرر تأخير الخيار إليه، و كذلك المدة التى يشرع منها الخيار.

(فلو تراضيا على مدة مجهولة) أوّلا (كقدوم الحاج) او آخرا، مثل ان يبدأ الخيار من اوّل محرم الى آخر يوم يأتى فيه الحجاج، او كلا، مثل مدة بناء هذه الدار، و المفروض انه غير معلوم أولا و لا آخرا (بطل) الشرط (بلا خلاف، بل حكى الاجماع عليه صريحا لصيرورة المعاملة بذلك) الجهل فى المدة (غررية) و المراد بالغرر الجهالة التى توجب الضرر و الاشتباه، فان مع جهالة المدة يشتبه اوّل الخيار او آخره او مدته و ذلك يوجب الضرر احيانا و الاختلاف احيانا اخرى و فى الحديث نهى النبي صلى الله عليه و آله عن الغرر- كما فى مستدرك الوسائل-

لكن الظاهر انه ليس بغرر مطلقا فلو جعل الخيار الى اوّل الشهر لم يضر، و ان لم يعلم ان اوّل الشهر اى يوم، لاحتمال نقص الشهر السابق و تمامه، و كذا اذا جعله الى آخر الشهر، او جعل الخيار شهر شوال مثلا و لا يعلم اوله و لا آخره، لاحتمال نقص شهر رمضان و

ص: 311

و لا عبرة بمسامحة العرف فى بعض المقامات و اقدام العقلاء عليه احيانا فان المستفاد من تتبع احكام المعاملات عدم رضا الشارع بذلك

اذ كثيرا ما يتفق التشاح فى مثل الساعة و الساعتين من زمان الخيار فضلا من اليوم و اليومين.

______________________________

نقص شهر شوال، بل اذا كان قدوم الحاج شيئا موقتا فى الخارج ليس تقدمه و تأخره بقدر يوجب الغرر عرفا لم يكن فى جعله- مدة الخيار- اشكالا.

(و) ما ذكره المصنف من انه (لا عبرة بمسامحة العرف فى بعض المقامات و اقدام العقلاء عليه احيانا) محل نظر.

اذ: الغرر موضوع عرفى، كسائر الموضوعات، و احداث الشارع فيه تغييرا غير معلوم، و العرف كما هو مرجع الموضوع مفهوما فكذلك هو مرجع التطبيق، و قد شرحنا ذلك فى بعض مباحث الفقه.

و كيف كان (ف) انما لا عبرة بمسامحة العرف، ل (ان المستفاد من تتبع احكام المعاملات عدم رضا الشارع بذلك) اى بالمسامحة العرفية.

اقول: لم اجد مقاما ذكر الشارع بعدم رضاه بمثل هذا التسامح.

و انما لا يرضى الشارع.

(اذ كثيرا ما يتفق التشاح فى مثل الساعة و الساعتين فى زمان الخيار فضلا من اليوم و اليومين).

مثلا: فى ظهر يوم الجمعة ارتفعت قيمة المتاع، فاراد البائع الفسخ و لم يرد المشترى، فانهما يختلفان فى انه هل له خيار، أم لا؟

ص: 312

و بالجملة، فالغرر لا ينتفى بمسامحة الناس فى غير زمان الحاجة الى المداقة، و الا لم يكن بيع الجزاف، و ما تعذر تسليمه، و الثمن المحتمل للتفاوت القليل، و غير ذلك من الجهالات غررا لتسامح الناس فى غير مقام الحاجة الى المداقة فى اكثر الجهالات.

______________________________

اقول: لا تشاح، لانه اذا قدم الحاج كان الحق مع البائع، و الا مع المشترى، ثم كل تشاح له موازين قضائية يرجع إليها، فلا مشكلة، و مثله غير نادر فى الشرعيات.

(و بالجملة، فالغرر لا ينتفى بمسامحة الناس فى غير زمان الحاجة الى المداقة) فان العرف فى الامور المحتاجة الى المداقة لا يتسامحون مثل وزن الذهب- و فى غيرها يتسامحون، فاذا تسامحوا لم يكن ذلك موجبا لرفع الغرر (و الا) فلو تتبعنا العرف فى مسامحاتهم (لم يكن بيع الجزاف، و) بيع (ما تعذر تسليمه، و) كذا فى (الثمن المحتمل للتفاوت القليل) كما فى بعض الدراهم و الدنانير فى الزمن السابق، حيث يزيد و ينقص مقدار شعيرة، و نحوها من جهة كثرة التعامل عليها (و غير ذلك من الجهالات غررا).

و انما لم يكن غررا (لتسامح الناس فى غير مقام الحاجة الى المداقة فى اكثر الجهالات).

و فيه انا نقول: بانه ليس بغرر، الا اذا كان نص او اجماع على انه غرر موضوعا او انه محكوم بحكم الغرر.

ص: 313

و لعل هذا مراد بعض الاساطين من قوله ان دائرة الغرر فى الشرع اضيق من دائرته فى العرف و الا فالغرر لفظ لا يرجع فى معناه الا الى العرف.

نعم الجهالة التى لا يرجع الامر معها غالبا الى التشاح بحيث يكون النادر كالمعدوم، لا تعد غررا، كتفاوت المكاييل و الموازين.

______________________________

(و لعل هذا) الّذي ذكرنا من ان العرف يتسامح، بما لا يتسامح فيه الشرع- فى باب الغرر- (مراد بعض الاساطين من قوله ان دائرة الغرر فى الشرع اضيق من دائرته فى العرف) فان الشروط التى وضعها الشارع فى الغرر اكثر، فيقول «لا جهالة، لا ضرر، لا تسامح» بينما يقول العرف «لا جهالة، لا ضرر» و ينتج من زيادة شروط الشارع فى باب الغرر، ان الغرر عنده اوسع افرادا من الغرر عند العرف.

فمثلا: افراد غرر العرف عشرة، و افراد غرر الشارع خمسة عشر (و الا) يقصد بعض الاساطين ما ذكرناه فى معنى الغرر (ف) لا معنى لأضيقية الدائرة شرعا، اذ (الغرر لفظ لا يرجع فى معناه الا الى العرف) كسائر الموضوعات التى حكم الشارع عليها باحكام.

(نعم) لا نقصد بان الشارع لاحظ الدقة فى كل مورد.

ف (الجهالة التى لا يرجع الامر معها غالبا الى التشاح بحيث يكون) التشاح (النادر كالمعدوم، لا تعد) تلك الجهالة (غررا، كتفاوت المكاييل و الموازين) و الاشبار و الاذرع فى تقدير القماش و الارض و نحوهما.

ص: 314

و يشير الى ما ذكرنا: الاخبار الدالة على اعتبار كون السلم الى اجل معلوم.

و خصوص موثقة غياث لا بأس بالسلم فى كيل معلوم الى اجل معلوم لا يسلم الى دياس او الى حصاد، مع ان التأجيل الى الدياس و الحصاد و شبههما فوق حد الاحصاء بين العقلاء الجاهلين بالشرع.

______________________________

(و يشير الى ما ذكرنا) من لزوم ملاحظة الدقة فى المدة (الاخبار الدالة على اعتبار كون السلم) و هو ما كان الثمن نقدا، و المثمن بعد مدة عكس النسية- (الى اجل معلوم) و اذا كان الوقت قابلا للزيادة و النقصان لم يكن اجلا معلوما، فلا تصحّ المسامحة فى الاجل، و فيه ان المسامح فيه معلوم عرفا.

(و خصوص موثقة غياث) قال عليه السلام (لا بأس بالسلم فى كيل معلوم الى اجل معلوم لا يسلم الى دياس او الى حصاد) الحصاد حصاد الزرع و قطعه، و الدياس سحقه لاجل اخراج الحب من التبن، و نحوه (مع ان التأجيل الى الدياس و الحصاد و شبههما فوق حد الاحصاء بين العقلاء الجاهلين بالشرع) فيعلم من هذه الموثقة ان الشارع لاحظ الدقة، و لم يترك الامر الى تسامح العقلاء.

اقول: لكن فيه ان الدياس المطلق، و الحصاد المطلق مجهولان حتى عند العقلاء، اذ يختلف اوقاتهما فى منطقة واحدة كالعراق اكثر من شهر، و هذا نفاه الشارع،.

اما دياس صحارى كربلاء و شبهها من منطقة واحدة مثلا، فلا نسلم

ص: 315

و ربما يستدل على ذلك بان اشتراط المدة المجهولة مخالف للكتاب و السنة، لانه غرر.

و فيه ان كون البيع بواسطة الشرط مخالفا للكتاب و السنة غير كون نفس الشرط مخالفا للكتاب و السنة.

______________________________

ان الرواية تشمله، كما ان العقلاء يجعلونه وقتا.

(و ربما يستدل على ذلك) اى على لزوم الدقة فى المدة، و عدم المسامحة العرفية (بان اشتراط المدة المجهولة مخالف للكتاب و السنة لانه) اى اشتراط المدة المجهولة (غرر) و الغرر مخالف للكتاب و السنة.

اما الكتاب فقوله تعالى: لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ*، فانه اذا كانت المدة مجهولة، كان ذلك سببا للجهل بقدر الثمن، اذ: للأجل قسط من الثمن فمدّة تزلزل البيع و هو مدة الخيار تؤثر فى جهالة الثمن فان ثمن البيع المتزلزل يوما اكثر من ثمن البيع المتزلزل شهرا.

و اما السنة: فلما ورد من نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن بيع الغرر.

و حاصل كلام المستدل ان هذا الشرط مخالف للكتاب و السنة.

(و فيه) ان المستدل اراد بيان ان الشرط مخالف للكتاب و السنة، لكن دليله يعطى ان البيع مخالف للكتاب و السنة.

و من المعلوم (ان كون البيع بواسطة الشرط مخالفا للكتاب و السنة) كما يفيده دليل المستدل (غير كون نفس الشرط مخالفا للكتاب و السنة)

ص: 316

ففى الثانى يفسد الشرط و يتبعه البيع.

و فى الاول يفسد البيع فيلغو الشرط.

اللهم الا ان يراد ان نفس الالتزام بخيار فى مدة مجهولة غرر، و ان لم يكن بيعا، فيشمله دليل نفى الغرر، فيكون مخالفا للكتاب و السنة

______________________________

كما ادعاه المستدل، فدعواه شي ء و دليله شي ء آخر.

(ففى الثانى) و هو كون نفس الشرط مخالفا (يفسد الشرط) لانه مخالف (و يتبعه البيع) فى الفساد فيفسد البيع أيضا، لان البيع المشتمل على الشرط الفاسد فاسد.

(و فى الاول) و هو كون البيع فاسدا (يفسد البيع فيلغو الشرط) اذ الشرط لا يجب، الا اذا كان فى ضمن بيع صحيح او ما اشبه البيع من الالتزامات الصحيحة.

(اللهم الا ان يراد) اى يريد المستدل فى قوله «انه غرر» (ان نفس الالتزام بخيار فى مدة مجهولة غرر، و ان لم يكن بيعا، فيشمله) اى يشمل الخيار (دليل نفى الغرر).

فالمستدل اراد بيان ان الشرط الغررى باطل، و استدل لنفس ذلك، فدليله موافق لمدعاه، اذ لو كان نفس الخيار غرريا (فيكون مخالفا للكتاب و السنة).

اما السنة فلنهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن الغرر.

و اما الكتاب فلقوله تعالى: مٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ.

ص: 317

لكن لا يخفى سراية الغرر الى البيع فيكون الاستناد فى فساده الى فساد شرطه المخالف للكتاب كالاكل من القفا

______________________________

و (لكن لا يخفى) ان المستدل لو اراد كون نفس الشرط غرريا كان الا نسب التعليل لبطلان البيع بانه بيع غررى، لا بما ذكره من ان شرطه غررى، لان الغرر فى الشرط يوجب الغرر فى البيع (سراية الغرر) فى الشرط (الى البيع فيكون الاستناد فى فساده) اى فساد البيع (الى فساد شرطه المخالف للكتاب) و السنة (كالاكل من القفا) لان المستدل كان بامكانه ان يقول البيع غررى، ففاسد فلم يكن يحتاج الى ان يقول الشرط غررى ففاسد، و حيث انه فى ضمن البيع فالبيع فاسد.

و الحاصل ان المصنف او رد على المستدل احد اشكالين على سبيل منع الخلو، او لهما قوله «و فيه»، و ثانيهما قوله «كالاكل».

و حاصل ايراده انه ان اراد المستدل ان يقول «البيع غررى» ففيه انه لا يصح- على هذا- ان يفرع عليه كون الاشتراط مخالفا للكتاب و السنة، حيث قال المستدل فى كلامه: فاشتراطه مخالف للسنة.

و ان اراد المستدل ان يقول «الشرط غررى» ففيه انه- و ان صح التفريع المذكور- الا ان عدول المستدل عن القول «بفساد البيع» الى القول «بفساد الشرط» كالاكل من القفا.

فقول المصنف «اللهم ..» اراد به بيان الاحتمال الثانى فى عبارة المستدل، و ردّه.

ص: 318

مسئلة لا فرق فى بطلان العقد بين ذكر المدة المجهولة كقدوم الحاج، و بين عدم ذكر المدة اصلا

كأن يقول بعتك على ان يكون لى الخيار و بين ذكر المدة المطلقة كان يقول: بعتك على ان يكون لى الخيار مدة لاستواء الكل فى الغرر.

خلافا للمحكى عن المقنعة و الانتصار و الخلاف و الجواهر و الغنية و الحلبى فجعلوا مدة الخيار فى الصورة الثانية ثلاثة ايام.

و يحتمل حمل الثالثة عليها

______________________________

(مسألة: لا فرق فى بطلان العقد) اذا كانت المدة مجهولة (بين ذكر المدة المجهولة كقدوم الحاج، و بين عدم ذكر المدة) للخيار (اصلا كان يقول بعتك على ان يكون لى الخيار) بدون ان يعين زمان الخيار، او اوله، او آخره (و بين ذكر المدة المطلقة) بان يقول «مدة» و يطلقها (كان يقول: بعتك على ان يكون لى الخيار مدة).

و انما قلنا لا فرق (لاستواء الكل) اى كل الصور الثلاثة (فى الغرر) فيكون باطلا.

(خلافا للمحكى عن المقنعة و الانتصار و الخلاف و الجواهر) للقاضى (و الغنية و الحلبى فجعلوا مدة الخيار فى الصورة الثانية) و هى ان يقول: بعتك على ان يكون لى الخيار (ثلاثة ايام).

(و يحتمل حمل) الصورة (الثالثة عليها) فاذا قالها كانت مدة الخيار

ص: 319

و عن الانتصار و الغنية و الجواهر الاجماع عليه.

و فى محكى الخلاف وجود اخبار الفرقة به.

و لا شك ان هذه الحكاية بمنزلة ارسال اخبار فيكفى فى انجبارها الاجماعات المنقولة.

و لذا مال إليه فى محكى الدروس.

لكن العلامة فى التذكرة لم يحك هذا القول الا عن الشيخ قدس سره و اوله بإرادة خيار الحيوان.

______________________________

ثلاثة ايام.

(و عن الانتصار و الغنية و الجواهر الاجماع عليه) اى على انه اذا اطلق، حمل على ثلاثة ايام.

(و فى محكى الخلاف وجود اخبار الفرقة به) اى بكون المطلق يحمل على ثلاثة ايام.

(و لا شك ان هذه الحكاية) من الشيخ (بمنزلة ارسال اخبار) فيدل ان هناك اخبارا مرسلة (فيكفى فى انجبارها) سندا (الاجماعات المنقولة) التى نقلناها عن الثلاثة.

(و لذا مال إليه فى محكى الدروس) و قال: بانه اذا اطلق المدة حمل على ثلاثة ايام.

(لكن العلامة فى التذكرة لم يحك هذا القول) اى القول بحمل المدة المطلقة على ثلاثة ايام (الا عن الشيخ قدس سره) فقط (و اوله بإرادة خيار الحيوان) لا خيار الشرط الّذي هو محل الكلام.

ص: 320

و عن العلامة الطباطبائى فى مصابيحه الجزم به.

و قواه بعض المعاصرين منتصرا لهم بما فى مفتاح الكرامة، من انه ليس فى الادلة ما يخالفه.

اذ الغرر مندفع بتحديد الشرع، و ان لم يعلم به المتعاقدان كخيار الحيوان الّذي لا اشكال فى صحة العقد مع الجهل به، او بمدته.

و زاد فى مفتاح الكرامة التعليل بان الجهل يئول الى العلم الحاصل

______________________________

(و عن العلامة الطباطبائى) السيد بحر العلوم (فى مصابيحه الجزم به) اى بان المطلق يحمل على ثلاثة ايام.

(و قواه بعض المعاصرين) و هو صاحب الجواهر (منتصرا لهم) اى لمن قال بان المطلق يحمل على ثلاثة ايام (بما فى مفتاح الكرامة، من انه ليس فى الادلة ما يخالفه) حتى يقال: بان المطلق لا يحمل على ثلاثة ايام.

(اذ) الاشكال فيه، بانه غرر، غير وارد، فان (الغرر مندفع بتحديد الشرع) له بثلاثة ايام (و ان لم يعلم به المتعاقدان) فان علم المتعاقدين ليس بشرط بعد تحديد الشرع، فحال خيار الشرط (كخيار الحيوان) المقرر شرعا فى بيع الحيوان (الّذي لا اشكال فى صحة العقد مع الجهل به) اى باصل خيار الحيوان (او بمدته) اى الجهل بان مدته ثلاثة ايام.

(و زاد فى مفتاح الكرامة) فى وجه تصحيح كون المطلق مدته ثلاثة ايام (التعليل بان الجهل) بالمدة (يئول الى العلم الحاصل) ذلك

ص: 321

من الشرع.

و فيه ما تقدم فى مسألة تعذر التسليم من ان بيع الغرر موضوع عرفى حكم فيه الشارع بالفساد.

و التحديد بالثلاثة تعبد شرعى لم يقصده المتعاقدان.

فان ثبت بالدليل كان مخصصا لعموم نفى الغرر و كان التحديد تعبديا نظير التحديد الوارد فى بعض الوصايا المبهمة.

______________________________

العلم (من الشرع) حيث عين الشرع ثلاثة ايام.

(و فيه) اى فى الاستدلال الّذي ذكره بعض المعاصرين و زاده فى مفتاح الكرامة (ما تقدم فى مسألة تعذر التسليم من ان بيع الغرر موضوع عرفى) كسائر المواضيع العرفية المحكومة من قبل الشارع (حكم فيه الشارع بالفساد) لورود روايتين، احداهما نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن بيع الغرر، و الاخرى نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن الغرر.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 11، ص: 322

(و) ان قلت: تحديده بثلاثة ايام شرعا كاف فى رفع الغرر.

قلت: (التحديد بالثلاثة تعبد شرعى لم يقصده المتعاقدان) فلا يصح من جهة القصد، و لا يرفع غرره فى نفسه.

(فان ثبت) التحديد بالثلاثة (بالدليل) الخاص (كان) ذلك الدليل (مخصصا لعموم نفى الغرر) فيكون غررا قد اجازه الشارع (و كان التحديد) امرا (تعبديا) لا امرا قصده المتعاقدان، فيكون (نظير التحديد الوارد فى بعض الوصايا المبهمة) كما اذا اوصى ان يعطوا

ص: 322

او يكون حكما شرعيا ثبت فى موضوع خاص، و هو اهمال مدة الخيار.

و الحاصل: ان الدعوى فى تخصيص ادلة نفى الغرر لا فى تخصصها و الانصاف ان ما ذكرنا من حكاية الاخبار و نقل الاجماع

______________________________

مالا كثيرا حيث عين فى الرواية بثمانين تمسكا بقوله تعالى: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّٰهُ فِي مَوٰاطِنَ كَثِيرَةٍ (او يكون) اصل الخيار و مدته كلاهما (حكما شرعيا ثبت فى موضوع خاص، و هو) اى الموضوع الخاص (اهمال مدة الخيار) و قوله «او» عطف على «كان التحديد».

و الحاصل: اذا قال البائع «بعتك بشرط الخيار» اما شرط الخيار يتحقق بقصد البائع، و مدته تتحقق بحكم الشرع، و عليه يكون التحديد تعبدا، و اما شرط الخيار و مدته كلاهما يتحققان بحكم الشرع، اذ شرط البائع باطل حيث لم يذكر المدة، فاصل الشرط أيضا: كقدر المدة يحتاج الى حكم الشارع، و عليه يكون كل من اصل الشرط و مدته تعبدا شرعا.

(و الحاصل: ان) هذا الشرط غررى قطعا، فلا يصح كلام الجواهر و مفتاح الكرامة، حيث ارادا جعل الشرط غير غررى.

فاللازم اثبات (الدعوى فى تخصيص ادلة نفى الغرر) و ذلك باثبات ورود النص بصحة مثل هذا الغرر (لا فى تخصصها) بان يقال: انه ليس بغرر اصلا، كما اراده المفتاح و الجواهر.

(و الانصاف) انه لم يقم دليل من الاخبار على صحة مثل هذا الخيار المجهول المدة، ل (ان ما ذكرنا من حكاية الاخبار و نقل الاجماع

ص: 323

لا ينهض لتخصيص: قاعدة الغرر، لان الظاهر بقرينة عدم تعرض الشيخ لذكر شي ء من هذه الاخبار فى كتابيه الموضوعين لايداع الاخبار، انه عول فى هذه الدعوى على اجتهاده فى دلالة الاخبار الواردة فى شرط الحيوان.

و لا ريب ان الاجماعات المحكية انما تجبر قصور السند المرسل المتضح دلالته او القاصر دلالته لا المرسل المجهول العين المحتمل لعدم الدلالة

______________________________

لا ينهض لتخصيص: قاعدة الغرر).

اما عدم نهوض الاخبار التى ارسلها الشيخ، ف (لان الظاهر بقرينة عدم تعرض الشيخ لذكر شي ء من هذه الاخبار) التى ارسلها فى كتابه: الخلاف، و (فى كتابيه) التهذيب و الاستبصار (الموضوعين لايداع الاخبار، انه) «انه» متعلق ب «الظاهر» (عول فى هذه الدعوى) اى دعوى وجود الاخبار (على اجتهاده) الشخصى (فى دلالة الاخبار الواردة فى شرط الحيوان) اى خياره.

(و) بهذا اسقط حجية الاجماعات أيضا.

اذ: (لا ريب ان الاجماعات المحكية انما تجبر قصور السند المرسل المتضح دلالته) بان يكون سند المرسل ضعيفا، و لكن دلالته واضحة، فالاجماع يجبر السند (او القاصر دلالته) فالاجماع يتم الدلالة، اذ لو فهم الفقهاء من خبر معنى يكون فهمه قرينة على ان معنى هذا الخبر هو كما فهموه (لا) ان الاجماع يجبر (المرسل المجهول العين) الّذي لا نعرف عين المرسل بألفاظه (المحتمل لعدم الدلالة

ص: 324

رأسا فالتعويل حينئذ على نفس الجابر و لا حاجة الى ضمّ المنجبر، اذ نعلم اجمالا ان المجمعين اعتمدوا على دلالات اجتهادية استنبطوها من الاخبار.

و لا ريب ان المستند غالبا فى اجماعات القاضى و ابن زهرة اجماع السيد فى الانتصار.

______________________________

رأسا) كما فى المقام، حيث يحتمل ان الشيخ فهم من خيار الحيوان مسألتنا هنا.

و من المعلوم ان اخبار الحيوان لا دلالة لها على مسألتنا اصلا و اذ: سقط المرسل (فالتعويل) و الاعتماد فى مسألتنا (حينئذ) اى حين ناقشنا فى المرسل سندا و دلالة (على نفس الجابر) اى يكون مستند المسألة الاجماع فقط (و لا حاجة الى ضمّ المنجبر) اى المرسل- بعد سقوط المرسل على ما عرفت-.

و انما لا حاجة (اذ نعلم اجمالا) اى علما عاديا فى الجملة- من القرينة التى ذكرناها- (ان المجمعين) فى مسألتنا (اعتمدوا على دلالات اجتهادية استنبطوها من الاخبار) و كانهم رأوا وحدة الملاك بين خيار الحيوان و بين الخيار فى ما اذا ذكرت المدة مطلقا، فتعدّوا من اخبار الحيوان الى هذه المسألة، و لا شك فى ضعف هذا المناط.

(و لا ريب ان المستند غالبا فى اجماعات القاضى و ابن زهرة اجماع السيد فى الانتصار) فلا يمكن الاعتماد عليه، اذ هو اجماع منقول ضعيف غاية الضعف.

ص: 325

نعم قد روى فى كتب العامة ان حنان بن منقذ كان يخدع فى البيع لشجّة اصابته فى رأسه فقال له النبي صلى الله عليه و آله: اذا بعت فقل: لا خلابة، و جعل له الخيار ثلاثا.

و فى رواية و لك الخيار ثلاثا، و الخلابة: الخديعة.

و فى دلالته فضلا عن سنده ما لا يخفى.

و جبرها بالاجماعات كما ترى.

______________________________

(نعم قد روى فى كتب العامة ان حنان بن منقذ كان يخدع) على صيغة المفعول (فى البيع لشجّة اصابته فى رأسه) فضعف بذلك عقله (فقال له النبي صلى الله عليه و آله: اذا بعت) شيئا (فقل: لا خلابة و جعل) صلى الله عليه و آله (له الخيار ثلاثا).

(و فى رواية) اخرى (و لك الخيار ثلاثا، و الخلابة: الخديعة) فكانه بقوله هذا «لا خلابة» يجعل لنفسه الخيار ثلاثة ايام.

و لا يقال: ان له خيار الغش، او الغبن، او العيب فلا حاجة الى هذا الخيار الثلاثة.

لانه يقال: من الممكن ان يكون ما اشتراه صحيحا و بالقيمة العادلة لكنه لا يحتاج إليه و انما سيق الى شرائه، او بيعه، لاجل الشجة، و لعدم انضباط حواسه، و ان لم يكن بمنزلة السفيه او المجنون، حتى تبطل معاملاته.

(و فى دلالته) لانه فى مورد خاص (فضلا عن سنده) العامى (ما لا يخفى)

(و) احتمال (جبرها) اى رواية حنان (بالاجماعات) المتقدمة (كما ترى)

ص: 326

اذ التعويل عليها مع ذهاب المتأخرين الى خلافها فى الخروج عن قاعدة الغرر مشكل بل غير صحيح.

فالقول بالبطلان لا يخلو من قوة.

ثم انه ربما يقال: ببطلان الشرط دون العقد و لعله مبنى على ان فساد الشرط لا يوجب فساد العقد

______________________________

غير صحيح.

(اذ التعويل عليها) اى على الاجماعات (مع ذهاب المتأخرين الى خلافها) لانهم افتوا بأن لا خيار، اما لبطلان العقد لان الشرط الفاسد مفسد، او لبطلان الشرط اذا لم نقل بافساد الشرط الفاسد للعقد (فى الخروج عن قاعدة الغرر) «فى» متعلق ب «التعويل» (مشكل) لان القاعدة قوية و المخرج ضعيف (بل غير صحيح) اطلاقا.

(فالقول بالبطلان) للشرط فقط او للعقد فيبطل الشرط (لا يخلو من قوة).

و ان كان ربما يقال: ان مراسيل الشيخ حجة.

اما من جهة الدلالة فلانه افتى ثم قال به روايات فمضمون فتواه روايات و احتمال انه استنبط ذلك من روايات خيار الحيوان خلاف الظاهر و لا تلازم بين وجود الروايات و بين ذكرها فى التهذيب و الاستبصار.

و اما من جهة السند فللانجبار و القول بالخيار لا يخلو من وجه.

(ثم انه ربما يقال: ببطلان الشرط دون العقد و لعله مبنى على ان فساد الشرط لا يوجب فساد العقد) لعدم دليل على التلازم بين

ص: 327

و فيه ان هذا على القول به فى ما اذا لم يوجب الشرط فسادا فى اصل البيع كما فى ما نحن فيه حيث ان جهالة الشرط يوجب كون البيع غرريا و الا فالمتجه فساد البيع و لو لم نقل بسراية الفساد من الشرط الى المشروط، و سيجي ء تمام الكلام فى مسئلة الشروط.

______________________________

الفسادين بل العقد مشمول لدليل: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و غيره من ادلة لزوم العقود و صحتها (و فيه ان هذا) اى فساد الشرط دون العقد (على القول به) انما هو (فى ما اذا لم يوجب) فساد (الشرط فسادا فى اصل البيع كما فى ما نحن فيه).

فان فساد الشرط يسرى الى البيع (حيث ان جهالة الشرط يوجب كون البيع غرريا) و اذا صار البيع غرريا بطل، سواء كان سبب الغرر الشرط او غيره (و الا) نقل بهذا القول، و هو ان فساد الشرط لا يوجب فساد المشروط (فالمتجه فساد البيع) اذا فسد شرطه (و لو لم نقل بسراية الفساد من الشرط الى المشروط).

لكن لا يبعد عدم البطلان فى المقام على القول بعدم السراية (و سيجي ء تمام الكلام فى مسئلة الشروط) ان شاء الله تعالى.

ص: 328

مسئلة مبدأ هذا الخيار من حين العقد،

لانه المتبادر من الاطلاق.

و لو كان زمان الخيار منفصلا كان مبدئه اوّل جزء من ذلك الزمان.

فلو شرط خيار الغد، كان مبدئه من طلوع فجر الغد

______________________________

(مسألة: مبدأ هذا الخيار) اى خيار الشرط (من حين العقد) فبانقضاء الايجاب، و القبول يبدأ زمان خيار الشرط (لانه) اى كونه من حين العقد (المتبادر من الاطلاق) اى اطلاق قول البائع و المشترى، باشتراط الخيار اسبوعا مثلا.

و لا يخفى ان اطلاق قولهما انما يؤخذ به اذا لم يقصد الا ما يستفاد من اللفظ، و الّا فالمتبع قصدهما.

(و لو كان) اى جعلا (زمان الخيار منفصلا) عن العقد (كان مبدئه اوّل جزء من ذلك الزمان) حسب الانصراف العرفى.

(فلو شرط خيار الغد، كان مبدئه من طلوع فجر الغد) لان طلوع الفجر اوّل الغد.

اما اذا كان اللفظ مجملا، فاللازم الرجوع الى قصدهما، كما اذا جعلا الخيار من اوّل نهار الغد، اذ: النهار مجمل، بين طلوع الفجر و طلوع الشمس.

و لو لم يقصدا الّا ظاهر اللفظ و فرض اجمال اللفظ، فمن المحتمل ان يكون زمان الخيار اقل الامرين، فيكون فى المثال من طلوع الشمس

ص: 329

فيجوز جعل مبدئه من انقضاء خيار الحيوان بناء على ان مبدئه من حين العقد.

و لو جعل مبدئه من حين التفرق، بطل لادائه الى جهالة مدة الخيار.

و عن الشيخ و الحلى: ان مبدئه من حين التفرق.

و قد تقدم عن الشيخ وجهه مع عدم تماميته.

______________________________

(فيجوز جعل مبدئه) اى مبدأ خيار الشرط، و الفاء تفريع على انه يجوز جعل مبدأ خيار الشرط منفصلا (من انقضاء خيار الحيوان).

لكن هذا (بناء على ان مبدئه) اى مبدأ خيار الحيوان (من حين العقد) فمن حين العقد الى ثلاثة ايام خيار الحيوان، و بعده خيار الشرط.

(و لو جعل مبدئه) اى مبدأ خيار الحيوان (من حين التفرق بطل) خيار الشرط (لادائه الى جهالة مدة الخيار) اذا كان حين التفرق مجهولا، جهالة توجب الغرر.

و وجه البطلان: انه لا يعلم من اين يبدأ خيار الحيوان، فلا يعلم ابتداء خيار الشرط.

(و عن الشيخ و الحلى: ان مبدئه) اى مبدأ خيار الشرط (من حين التفرق) لئلا يجتمع خيار الشرط مع خيار المجلس.

(و قد تقدم عن الشيخ وجهه مع عدم تماميته) فيمكن الجمع بينهما و المجلس، فينقضى بانقضاء المجلس.

ص: 330

نعم يمكن ان يقال هنا: ان المتبادر من جعل الخيار جعله فى زمان لو لا الخيار لزم العقد، كما اشار إليه فى السرائر.

لكن لو تم هذا لاقتضى كونه فى الحيوان من حين انقضاء الثلاثة.

مع ان هذا انما يتم مع العلم بثبوت خيار المجلس.

و الا فمع الجهل به لا يقصد

______________________________

اما خيار الشرط فانقضاؤه حسب ما قررا.

(نعم يمكن ان يقال هنا) اى فى باب خيار الشرط ان خيار الشرط بعد خيار المجلس، لا لاجل ما ذكره الشيخ، بل ل (ان المتبادر من جعل) المتعاقدين (الخيار جعله فى زمان لو لا الخيار لزم العقد، كما اشار إليه فى السرائر).

و ذلك لان علة جعلهما الخيار امكان الفسخ فلا حكمة لهما فى جعله فى حال خيار المجلس.

و عليه يكون خيار الشرط بعد انقضاء خيار المجلس.

(لكن لو تم هذا) الوجه (لاقتضى كونه) اى كون خيار الشرط (فى) بيع (الحيوان من حين انقضاء الثلاثة) لان العلة المذكورة موجودة فى خيار الحيوان أيضا حيث انهما لم يذكراه فى خيار الحيوان.

(مع ان هذا) و هو كون خيار الشرط بعد خيار المجلس (انما يتم مع العلم) من المتعاقدين (بثبوت خيار المجلس) لان علة ما ذكر، انما هى فى مورد العلم.

(و الا فمع الجهل به) اى اذا جهلا ان لهما خيار المجلس (لا يقصد)

ص: 331

الا الجعل من حين العقد بل الحكم بثبوته من حين التفرق حكم على المتعاقدين بخلاف قصدهما.

______________________________

المتعاقدان (الا الجعل) لخيار الشرط (من حين العقد) و قصدهما فى الجعل هو المتبع (بل الحكم بثبوته) اى ثبوت خيار الشرط (من حين التفرق) مطلقا سواء علما بخيار المجلس، أم لم يعلما به (حكم على المتعاقدين بخلاف قصدهما) مع العلم: ان العقود تتبع القصود.

فتحصل انه ان علما بخيار المجلس، و قصد وضع خيار الشرط فى زمان لا خيار لهما شرعا، كان مبدأ خيار الشرط من حين انقضاء المجلس و الا كان مبدئه من حين العقد.

ص: 332

مسئلة يصحّ جعل الخيار لأجنبي

قال فى التذكرة: لو باع العبد و شرط الخيار للعبد، صح البيع و الشرط عندنا معا و حكى عنه الاجماع فى الاجنبى، قال: لان العبد بمنزلة الاجنبى.

و لو جعل الخيار لمتعدد كان كل منهم ذا خيار.

فان

______________________________

(مسألة: يصحّ جعل الخيار) اى خيار الشرط (لاجنبى) عن العقد

(قال فى التذكرة: لو باع العبد و شرط الخيار للعبد، صح البيع) لاطلاق: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ، (و) صح (الشرط) لاطلاق المؤمنون عند شروطهم (عندنا معا، و حكى عنه) اى عن العلامة (الاجماع فى) صحة جعل الخيار ل (الاجنبى).

ثم (قال): انما نقول بصحة جعل الخيار للعبد الّذي باعه (لان العبد بمنزلة الاجنبى) الحرّ، لانه فرد من افراد الاجنبى، فكلما ثبت فى مطلق الاجنبى، يثبت فى العبد.

(و لو جعل الخيار) اى خيار الشرط (لمتعدد كان كل منهم ذا خيار) لان اطلاق دليل: المؤمنون عند شروطهم، يشمل كل أولئك المتعدد.

(فان) اتفق المتعدد فى الفسخ او الاجازة، فلا اشكال فى الاخذ برأيهم.

ص: 333

اختلفوا فى الفسخ و الاجازة قدم الفاسخ، لان مرجع الاجازة الى اسقاط خيار المجيز خاصة بخلاف ما لو وكل جماعة فى الخيار، فان النافذ هو تصرف السابق لفوات محل الوكالة بعد ذلك.

و عن الوسيلة: انه اذا كان الخيار لهما و اجتمعا على فسخ او امضاء نفذ

و ان لم يجتمعا

______________________________

و ان (اختلفوا فى الفسخ و الاجازة) ففسخ احدهم و اجاز الآخر (قدم الفاسخ، لان مرجع الاجازة الى اسقاط خيار المجيز خاصة).

كما انه اذا جعل خيار الشرط للمتعاقدين فاجاز احدهما، و فسخ الآخر، قدم الفاسخ على المجيز لنفس العلة المذكورة.

(بخلاف ما لو وكل) من له الخيار (جماعة فى الخيار، فان النافذ) من الفسخ و الاجازة (هو تصرف السابق) منهما (لفوات محل الوكالة بعد ذلك) اذ خيار واحد لكل منهم على سبيل البدل.

فاذا نفذه احدهم فسخا، او اجازة، لم يبق محلّ للشخص الآخر بل سقط الخيار بفعل الشخصى الاول، اما من جهة بطلان العقد، اذا كان الاول فاسخا، و اما من جهة لزوم العقد اذا كان الاول مجيزا.

(و عن الوسيلة: انه اذا كان الخيار لهما) اى جعلا لنفسهما خيارا واحدا فقط، لا ان يكون لكل واحد منهما خيار، فلا يكون لهما خياران (و اجتمعا على فسخ او امضاء نفذ) لان فسخهما معا اخذ بالخيار، و اجازتهما معا اخذ بالخيار أيضا.

(و ان لم يجتمعا) كلاهما على الفسخ او الامضاء، بل فسخ احدهما

ص: 334

بطل.

و ان كان لغيرهما، و رضى، نفذ البيع و ان لم يرض كان المبتاع بالخيار بين الفسخ و الامضاء، انتهى.

و فى الدروس يجوز اشتراطه لا جنبى منفردا و لا اعتراض عليه و معهما او مع احدهما

______________________________

و اجاز الآخر، او فسخ احدهما او اجاز، و سكت الآخر (بطل) ما فعله كلاهما، او احدهما، اى لم يقع فسخ و لا اجازة، لان العمل كان لكليهما معا، فلا يقع العمل من احدهما.

(و ان كان) خيار الشرط (لغيرهما) اى الاجنبى عن المعاملة (و رضى) بالبيع (نفذ البيع) لان معنى: رضاه، اسقاط الخيار.

(و ان لم يرض) بالبيع، لكنه لم يفسخ (كان المبتاع) للحيوان- اى المشترى- (بالخيار بين الفسخ و الامضاء، انتهى) لان خيار الشرط متعلق بالاجنبى اما خيار الحيوان فهو متعلق بالمشترى.

و هذا غاية ما يقال فى هذه العبارة، و هى غير مستقيمة كما لا يخفى.

(و) قال (فى الدروس يجوز اشتراطه لاجنبى) عن البائعين (منفردا) اى ان يكون خيار الشرط للاجنبى فقط (و لا اعتراض عليه) فى الفسخ او الاجازة، لان الخيار له، فله ان يفعل ما يشاء.

(و) يجوز جعل الخيار للاجنبى (معهما) فالخيار لثلاثة (او مع احدهما) الاجنبى واحد المتبايعين.

ص: 335

و لو خولف امكن اعتبار فعله، و الا لم يكن لذكره فائدة، انتهى.

اقول: و لو لم يمض فسخ الاجنبى مع اجازته و المفروض عدم مضى اجازته مع فسخه لم يكن لذكر الاجنبى فائدة.

______________________________

(و) حينئذ بان كان الخيار لهما معه، او لاحدهما معه ف (لو خولف) الاجنبى بان اراد الاجنبى الفسخ و اراد احدهما الاجازة او العكس (امكن اعتبار فعله) اى فعل الاجنبى، فيلغو فعل احد المتبايعين فسخا او اجازة (و الا) يعتبر فعل الاجنبى (لم يكن لذكره) و جعل الخيار له (فائدة)

مع وضوح ان جعل الخيار للاجنبى لا بد له من اثر (انتهى) كلام الدروس.

(اقول) يريد الدروس بقوله: (و) لو خولف ... الخ انه (لو لم يمض فسخ الاجنبى مع اجازته) اى اجازة المالك (و المفروض عدم مضى اجازته) اى اجازة الاجنبى (مع فسخه) اى مع فسخ المالك، لان المالك اذا فسخ انفسخ العقد سواء اجاز الاجنبى، أم لا.

اذ: الفسخ مقدم على الاجازة، فيما اذا كان لكل منهما خيار مستقل حسب الشرط (لم يكن لذكر) الشرط ل (الاجنبى فائدة) فلا فسخه، و لا اجازته تنفعان.

و حيث ان للشرط للاجنبى فائدة قطعا، و لم تكن الفائدة فى اجازة الاجنبى مع فسخ المالك لا بد و ان تكون الفائدة فى فسخ الاجنبى مع اجازة المالك.

ص: 336

ثم انه ذكر غير واحد ان الاجنبى يراعى المصلحة للجاعل.

و لعله لتبادره من الاطلاق.

و الا فمقتضى التحكيم نفوذ حكمه على الجاعل من دون ملاحظة مصلحة.

______________________________

(ثم انه ذكر غير واحد ان الاجنبى يراعى المصلحة للجاعل) اى لمن جعل الخيار له.

فان كانت مصلحة الجاعل الفسخ، فسخ الاجنبى العقد.

و ان كانت مصلحة الجاعل الاجازة اجاز.

و معنى مراعات المصلحة انه لو عمل الاجنبى على خلاف مصلحة الجاعل لم ينفذ عمله.

مثلا: كانت مصلحة الجاعل الاجازة ففسخ، فانه لا ينفذ فسخه لانه ليس مفوضا إليه الا المصلحة.

نعم اذا كانت المصلحة فى الفسخ، فلم يفسخ لم يترتب عليه الفسخ كما هو واضح.

(و) كيف كان فلزوم مراعاته للمصلحة (لعله لتبادره) اى تبادر العمل بالصلاح (من الاطلاق) اى من اطلاق جعل الشرط له فى قبال ان يقول له: لك الخيار مطلقا «مصلحة كان الاخذ بالخيار أم لا».

(و الا) يكن التبادر عرفا (فمقتضى التحكيم) اى جعل الشرط للاجنبى فانه يقتضي جعل الحكم بالفسخ و الامضاء فى يده (نفوذ حكمه) اى حكم الاجنبى (على الجاعل من دون ملاحظة مصلحة) الجاعل.

ص: 337

فتعليل وجوب مراعات الاصلح بكونه امينا لا يخلو عن نظر.

ثم انه ربما يتخيل ان اشتراط الخيار للاجنبى مخالف للمشروع نظرا الى ان الثابت فى الشرع صحة الفسخ بالتفاسخ او بدخول الخيار بالاصل كخيارى المجلس و الشرط او بالعارض كخيار الفسخ برد الثمن

______________________________

و منه يعلم ان وجه مراعاته للمصلحة «لتبادر» (فتعليل وجوب مراعات) الاجنبى (الاصلح بكونه امينا) «بكونه» متعلق «بالاصلح» (لا يخلو عن نظر).

اذ اى ربط بين كونه امينا و بين عدم نفوذ عمله اذا لم يفعل الاصلح

(ثم انه ربما يتخيل ان اشتراط الخيار للاجنبى مخالف للمشروع) فلا يصح هذا الجعل، لان الشرط اذا كان مخالفا للشرع، كان باطلا، كما تقدم (نظرا الى ان الثابت فى الشرع صحة الفسخ بالتفاسخ) اى بالتقايل بان يرضى كل واحد من المتعاقدين باسترداد ما اعطى و اعطاء ما أخذ (او بدخول الخيار بالاصل كخيارى المجلس و الشرط) فان خيار المجلس داخل فى العقد شرعا، و خيار الشرط داخل فى العقد جعلا منهما.

و على كلا التقديرين فالخيار داخل «بالاصل» فقوله: بالاصل، متعلق «بالفسخ» و عطف على «بالتفاسخ» (او بالعارض) اى ان الخيار ليس داخلا فى العقد ابتداء، بل يكون له الخيار اذا عمل عملا (كخيار الفسخ بردّ الثمن) كان يشترط انه اذا ردّ الثمن كان له خيار الفسخ، و

ص: 338

لنفس المتعاقدين.

و هو ضعيف، لمنع اعتبار كون الفسخ من احد المتعاقدين شرعا و لا عقلا بل المعتبر فيه تعلق حق الفاسخ بالعقد، او بالعين و ان كان اجنبيا.

فحينئذ، يجوز للمتبايعين اشتراط حق للاجنبى فى العقد.

______________________________

هذا ما يسمى ببيع الشرط (لنفس المتعاقدين) «لنفس» متعلق ب «صحة» اى ان الشارع جعل الفسخ لنفس المتعاقدين، فلا خيار للاجنبى لا اصلا و لا شرطا.

(و هو) اى التحميل (ضعيف، لمنع اعتبار كون الفسخ) لا بد و ان يكون (من احد المتعاقدين) اذ لا دليل على ذلك، لا (شرعا و لا عقلا).

اذ لا دليل من الشرع او العقل على ذلك بل اطلاق ادلة الشرط يدل على امكان جعل الشرط للاجنبى، كما ان العقل لا يرى مانعا عن ذلك، و العقلاء يفعلونه فى عقودهم (بل المعتبر فيه) اى فى الفسخ (تعلق حق الفاسخ بالعقد) بان يملك ابطاله و ان لم يكن له حق فى العين و ان انفسخ العقد (او بالعين) بان كان له حق فى العين، بحيث اذا بطل العقد كان له العين (و ان كان اجنبيا) كما لو جعل خيار الشرط للمالك.

(فحينئذ) اى حين كان من الممكن له حق فى الفسخ، و ان لم يكن له حق فى العين (يجوز للمتبايعين اشتراط حق) الفسخ و الامضاء (للاجنبى فى العقد) و ان لم يكن له حق فى العين.

ص: 339

و سيجي ء نظيره فى إرث الزوجة للخيار مع عدم ارثها من العين.

______________________________

(و سيجي ء نظيره) اى ما كان له حق فى العقد، دون ان يكون له حق فى العين (فى إرث الزوجة للخيار مع عدم ارثها من العين).

فاذا باع الزوج ارضا بخيار فمات و كانت له زوجة ورثت الزوجة الخيار مع انها لو فسخت المعاملة لم ترث الارض، لان الزوجة لا ترث من الارض و سيأتى تفصيل الكلام فيه.

و كذا لو باع الأب الحبوة بخيار، فان الاولاد لهم الحق فى الفسخ مع ان الوارث لها الولد الاكبر الى غيرهما من الامثلة.

ص: 340

مسئلة يجوز لهما اشتراط الاستيمار

بان يستأمر المشروط عليه الاجنبى فى امر العقد، فيأتمر بامره، او بان يأتمره اذا امره ابتداء.

و على الاول فان فسخ المشروط عليه من دون استيمار لم ينفذ.

______________________________

(مسألة: يجوز لهما) اى البائع و المشترى (اشتراط الاستيمار) سواء جعل الشرط لهما او لاحدهما (بان يستأمر المشروط عليه الاجنبى) فشرط البائع على المشترى ان يستأمر فلانا الاجنبى (فى امر العقد) فلاحق للمشترى ان يفسخ بدون طلب امر المشترى، بل اللازم على المشترى ان يطلب من الاجنبى هل يفسخ، أم لا؟

(فيأتمر) المشترى (بامره) اى بامر الاجنبى فيما قال له من الفسخ او الامضاء (او) عطف على «بان يستأمر» (بان يأتمره) اى ان المشترى يقبل امر الاجنبى (اذا امره) اى امر الاجنبى المشترى (ابتداء) بدون ان يطلب المشترى امر الاجنبى.

مثال الاول: يقول زيد البائع لمحمد المشترى لك الخيار على شرط ان تستشير عليا، فاذا قال لك: افسخ، فلك الفسخ.

و مثال الثانى: ان يقول زيد لمحمد لك الخيار، على شرط ان يقول لك عليّ «ابتداء بدون ان تستشيره» افسخ.

(و على الاول) اشتراط الاستيمار (فان فسخ المشروط عليه) الاستيمار (من دون استيمار) اى دون استشارة من الاجنبى (لم ينفذ) لفرض انه

ص: 341

و لو استأمره فان امره بالاجازة لم يكن له الفسخ قطعا، اذ الغرض من الشرط ليس مجرد الاستيمار، بل الالتزام بامره مع انه لو كان الغرض مجرد ذلك لم يوجب ذلك أيضا ملك الفسخ.

و ان امره بالفسخ لم يجب عليه الفسخ بل غاية الامر ملك الفسخ حينئذ

اذ لا معنى لوجوب الفسخ عليه.

امّا مع عدم رضاء الآخر بالفسخ، فواضح اذ المفروض ان الثالث لا سلطنة له على الفسخ

______________________________

كان له الخيار بعد الاستيمار (و لو استأمره) بان طلب استشارة الاجنبى (فان امره بالاجازة لم يكن له الفسخ قطعا، اذ) العرف يرى من هذا الشرط ان (الغرض من الشرط ليس مجرد الاستيمار) و مجرد الاستشارة (بل الالتزام بامره) اى بامر الاجنبى (مع انه لو كان الغرض مجرد ذلك) الاستيمار و الاستشارة (لم يوجب ذلك) الاستيمار بدون ترتيب الأثر على امره و لم يوجب ذلك الاستيمار «و امره بالاجازة» (أيضا ملك الفسخ) اذ لم يكن اثر لامره- حسب الفرض- فباى وجه يفسخ بعد الاستيمار؟

(و ان امره بالفسخ لم يجب عليه الفسخ) عطف على «فان امره بالاجازة» (بل غاية الامر) عند امره بالفسخ (ملك الفسخ حينئذ) فان شاء فسخ، و ان شاء لم يفسخ، و لا يجب عليه الفسخ.

(اذ لا معنى لوجوب الفسخ عليه) سواء رضى الآخر بالفسخ أم لا؟

(اما مع عدم رضاء الآخر بالفسخ فواضح) انه لا يجب عليه الفسخ (اذ المفروض ان الثالث) الاجنبى (لا سلطنة له على الفسخ) لانه لم يجعل

ص: 342

و المتعاقدان لا يريد انه.

و اما مع طلب الآخر للفسخ، فلان وجوب الفسخ حينئذ على المستأمر بالكسر- راجع الى حق لصاحبه عليه.

فان اقتضى اشتراط الاستيمار ذلك الحق على صاحبه عرفا فمعناه سلطنة صاحبه على الفسخ، فيرجع اشتراط الاستيمار الى

______________________________

له سلطة الفسخ، لا شرعا و لا بجعل المتعاقدين (و المتعاقدان) اللذان لهما الفسخ (لا يريد انه) و لا دليل على انه يلزم على احدهما الفسخ، لزوما شرعيا او لزوما جعليا.

(و اما مع طلب الآخر) طرف البيع (للفسخ، ف) شرط البائع على المشترى- مثلا- استيمار الاجنبى لا يجعل للبائع حق الفسخ لنفس البائع، لان المفروض ان الفسخ حق للمشترى فقط، لا انه حق لهما، و انما يجعل حقا للمشترى «فى ان يفسخ أو لا يفسخ» و المفروض ان المشترى لا يفسخ (لان وجوب الفسخ حينئذ) اى حين امره الاجنبى بالفسخ (على المستأمر- بالكسر-) كالمشترى فى مثالنا (راجع الى حق لصاحبه) كالبائع فى مثالنا (عليه) اى على المشترى- فى مثالنا-.

(فان اقتضى اشتراط الاستيمار) من البائع (ذلك الحق) فى وجوب الفسخ (على صاحبه) المشترى (عرفا) بان قال العرف: انه اذا اشترط البائع على المشترى الاستيمار، كان معناه ان للبائع ان بفسخ اذا امر الاجنبى و المشترى بالفسخ (فمعناه سلطنة صاحبه) اى البائع- فى مثالنا- (على الفسخ، فيرجع اشتراط) البائع على المشترى (الاستيمار الى

ص: 343

شرط لكل منهما على صاحبه.

و الحاصل: ان اشتراط الاستيمار من واحد منهما على صاحبه انما يقتضي ملكه للفسخ، اذا اذن له الثالث المستأمر.

و اشتراطه لكل منهما على صاحبه يقتضي ملك كل واحد منهما للفسخ عند الاذن.

و مما ذكرنا يتضح حكم الشق الثانى و هو الايتمار بامره الابتدائى

فانه ان كان شرطا لاحدهما ملك

______________________________

شرط لكل منهما على صاحبه) ان يكون له الفسخ اذا امر الاجنبى بالفسخ

و هذا خلاف الفرض لان المفروض ان للبائع على المشترى ان يفسخ «فالفسخ بيد المشترى وحده» لا ان كلا منهما له حق الفسخ.

(و الحاصل: ان اشتراط الاستيمار من واحد منهما على صاحبه انما يقتضي ملكه) اى ملك الصاحب (للفسخ، اذا اذن له) اى للصاحب (الثالث) الاجنبى (المستأمر)- بالفتح-.

(و اشتراطه) اى اشتراط الاستيمار (لكل منهما على صاحبه يقتضي ملك كل واحد منهما للفسخ عند الاذن) من الاجنبى.

(و مما ذكرنا) قبل «و الحاصل» و الّذي لخصناه فى «و الحاصل» (يتضح حكم الشق الثانى و هو الايتمار) لاحد المتعاقدين (بامره) اى بامر الاجنبى (الابتدائى) بدون استيماره، اذ قلنا فى اوّل المسألة «بان يستأمر أو بأن يأتمره ..».

(فانه ان كان شرطا لاحدهما) البائع او المشترى (ملك) ذلك

ص: 344

الفسخ لو امره به.

و ان كان لكل منهما ملكا كذلك.

ثم من اعتبار مراعات المستأمر للمصلحة و عدمه، وجهان، اوجههما العدم ان لم يستفد الاعتبار من اطلاق العقد بقرينة حالية او مقالية.

______________________________

«الاحد» (الفسخ لو امره) الاجنبى (به) اى بالفسخ.

(و ان كان) شرطا (لكل منهما) على صاحبه (ملكا) كلاهما (كذلك) اى الفسخ لو امره الاجنبى بالفسخ.

(ثم من اعتبار مراعات المستأمر)- بالفسخ- اى الاجنبى (للمصلحة) فى امره بالفسخ او بعدم الفسخ (و عدمه) اى عدم اعتبار المراعات (وجهان، اوجههما العدم) لاطلاق شرط الاستيمار (ان لم يستفد) بصيغة المجهول (الاعتبار) اى اعتبار مراعات المصلحة فى امر المشترى (من اطلاق العقد) بان كان الاطلاق منصرفا الى مراعات المصلحة فى امر الاجنبى (بقرينة حالية او مقالية).

اما اذا كان اطلاق العقد منصرفا، فاللازم ان يكون امر الاجنبى بالفسخ او الامضاء ناشيا عن المصلحة، و الله سبحانه العالم.

ص: 345

مسئلة من افراد خيار الشرط ما يضاف البيع إليه،
اشارة

و يقال له: بيع الخيار و هو جائز عندنا- كما فى التذكرة-، و عن غيرها الاجماع عليه، و هو ان يبيع شيئا و يشترط الخيار لنفسه مدة بان يردّ الثمن فيها و يرتجع المبيع.

و الاصل فيه بعد العمومات المتقدمة فى الشرط النصوص المستفيضة.

منها: موثقة اسحاق بن عمّار، قال: سمعت من يسأل أبا عبد الله عليه السلام يقول و سأله رجل و انا عنده، فقال رجل مسلم احتاج الى بيع

______________________________

(مسألة: من افراد خيار الشرط ما يضاف البيع إليه، و يقال له:

بيع الخيار) و الاضافة لاجل ان فى البيع يجعل الخيار (و هو جائز عندنا- كما فى التذكرة-، و عن غيرها الاجماع عليه، و هو) عبارة عن (ان يبيع شيئا و يشترط الخيار لنفسه مدة) محدودة، كسنة مثلا (بان يردّ الثمن فيها) اى فى تلك المدة (و يرتجع) اى يأخذ (المبيع).

(و الاصل) اى الدليل (فيه) اى فى جواز هذا القسم من الشرط (بعد العمومات المتقدمة فى الشرط) بصورة مطلقة شاملة لهذا الشرط أيضا (النصوص المستفيضة).

(منها: موثقة اسحاق بن عمار، قال: سمعت من يسأل أبا عبد الله عليه السلام يقول و سأله رجل و انا عنده، فقال) ذلك الرجل (رجل مسلم احتاج الى بيع

ص: 346

داره، فمشى الى اخيه، فقال له ابيعك دارى هذه و تكون لك احب الى من ان تكون لغيرك على ان تشترط لى انى اذا جئتك بثمنها الى سنة تردها على، قال لا بأس بهذا ان جاء بثمنها ردها عليه قلت أ رأيت لو كان للدار غلة، لمن تكون الغلة؟ فقال للمشترى، الا ترى انها لو احترقت كانت من ماله.

و رواية معاوية بن ميسرة، قال سمعت أبا الجارود، و يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل باع دارا له من رجل، و كان بينه و بين الّذي اشترى منه الدار خلطة فشرط

______________________________

داره، فمشى الى اخيه) المسلم (فقال له ابيعك دارى هذه و تكون) الدار (لك احب الى من ان تكون لغيرك) لكن البيع (على ان تشترط لى انى اذا جئتك بثمنها الى سنة تردها على) هل يصح هذا البيع و هذا الشرط؟ (قال) عليه السلام (لا بأس بهذا) البيع (ان جاء بثمنها) الى المدة المذكورة و (ردها عليه قلت أ رأيت)- اى اخبرنى- (لو كان للدار غلة) و ربح (لمن تكون الغلة؟ فقال) عليه السلام: (للمشترى، الا ترى انها لو احترقت كانت من ماله) فمن عليه الغرم فله الغنم.

و السر واضح، فان الدار صارت ملكا للمشترى، و انما للبائع الحق فى استرجاعها اذا رد الثمن.

(و رواية معاوية بن ميسرة، قال سمعت أبا الجارود، و يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل باع دارا له من رجل، و كان بينه) اى بين البائع (و بين الّذي اشترى منه الدار خلطة) و صداقة (فشرط)

ص: 347

انك ان اتيتنى بمالى ما بين ثلاث سنين فالدار دارك فاتاه بماله، قال له: شرطه، قال له ابو الجارود فان هذا الرجل قد اصاب فى هذا المال فى ثلاث سنين قال هو ماله، و قال عليه السلام أ رأيت لو ان الدار احترقت من مال من كانت تكون الدار؟ دار المشترى.

و عن سعيد بن يسار فى الصحيح، قال: قلت: لابى عبد الله عليه السلام انا نخالط اناسا من اهل السواد او غيرهم، فنبيعهم و نربح عليهم

______________________________

البائع لنفع المشترى (انك ان اتيتنى بمالى ما بين) مدة (ثلاث سنين) اى فى هذه المدة (فالدار دارك) ترجع أليك (فاتاه) اى اتى المشترى (بماله) الى البائع «الثمن» (قال) عليه السلام (له) اى للمشترى (شرطه) فعلى البائع ان يأخذ الثمن و يرد الدار (قال له ابو الجارود فان هذا الرجل) البائع (قد اصاب فى هذا المال فى ثلاث سنين) و انتفع به فى تجارة و غيرها (قال) عليه السلام مكررا (هو ماله) اى ان الدار ترجع الى البائع (و قال عليه السلام أ رأيت لو ان الدار احترقت) فى هذه المدة (من مال من كانت تكون الدار؟) ثم اجاب عليه السلام بقوله: (دار المشترى) و كان هذا التأكيد بان الدار للمشترى حتى لا يظن انها عارية فى يد المشترى، او ما اشبه العارية.

(و عن سعيد بن يسار فى الصحيح، قال: قلت: لابى عبد الله عليه السلام انا نخالط اناسا من اهل السواد) السواد العراق سميت بذلك لان اراضيها كانت خضراء بالزرع و الخضرة الشديدة تميل الى السواد- كما لا يخفى- (او غيرهم، فنبيعهم و نربح عليهم

ص: 348

فى العشرة اثنى عشر و ثلاثة عشر و نؤخر ذلك فيما بيننا و بينهم السنة و نحوها، و يكتب لنا رجل منهم على داره او ارضه بذلك المال الّذي فيه الفضل الّذي اخذ منا شراء بانه باع و قبض الثمن منه، فنعده ان جاء هو بالمال الى وقت بيننا، و بينهم ان نرد عليه الشراء فان جاء الوقت و لم يأتنا بالدراهم فهو لنا، فما ترى فى هذا الشراء؟ قال ارى انه لك.

______________________________

فى العشرة اثنى عشر و ثلاثة عشر) فرأس المال عشرة، و الربح اثنان، او ثلاثة (و نؤخر ذلك) اى اعطائهم الثمن لنا (فيما بيننا و بينهم السنة و نحوها) فيكون البيع دينا (و يكتب لنا رجل منهم على داره او ارضه) اى انه يبيع داره او ارضه لنا بمبلغ الثمن، بشرط انه ان جاء بالمال كان له استرداد ارضه و داره اى بيع الشرط.

فالدار و الارض تكون (ب) مقابل (ذلك المال) الّذي نطلبه منه، و (الّذي فيه الفضل) لانا اخذنا منه اثنين او ثلاثة ربحا للمال (الّذي اخذ منا) المتاع (شراء) فى مقابل ذلك المال (بانه) متعلق ب «يكتب» اى يكتب بانه (باع) داره و ارضه (و قبض الثمن منه) اى من المشترى لانه لما كان عنده «الاثنا عشر و الثلاثة عشر» فكانه قبض الثمن (فنعده ان جاء هو بالمال) الّذي اعطى فى مقابله داره او ارضه (الى وقت) محدد كسنة مثلا (بيننا، و بينهم ان نرد عليه) الدار و الارض التى وقع عليها (الشراء) بان اشتريناها منه (فان جاء الوقت) كرأس السنة مثلا (و لم يأتنا بالدراهم فهو) اى المبيع «الدار و الارض» (لنا، فما ترى فى هذا الشراء؟ قال) عليه السلام (ارى انه) الدار و الارض «المبيع» (لك

ص: 349

ان لم يفعله، و ان جاء بالمال الموقت فرد عليه.

و عن ابى الجارود عن ابى جعفر عليه السلام، قال: ان بعت رجلا على شرط، فان اتاك بمالك، و الا فالبيع لك.

اذا عرفت هذا

فتوضيح المسألة يتحقق بالكلام في أمور
الأول: ان اعتبار رد الثمن فى هذا الخيار يتصور على وجوه.

احدها: ان يؤخذ قيدا للخيار على وجه التعليق او

______________________________

ان لم يفعله) بان لم يأت بالثمن فى الوقت المحدّد (و ان جاء بالمال الموقت) إليّ فى المدة الموقتة (فرد) ارضه و داره (عليه) لان له خيار الفسخ.

(و عن ابى الجارود عن ابى جعفر عليه السلام، قال: ان بعت رجلا على شرط) ان له فسخ البيع و ردّ المال، صحّ البيع و الشرط (فان اتاك بمالك) اى المبيع فهو، و يكون البيع مفسوخا (و الا) يأت بالمبيع ليسترد ثمنه (فالبيع لك) لازم.

(اذا عرفت هذا فتوضيح المسألة يتحقق بالكلام فى امور).

الامر (الاول ان اعتبار ردّ الثمن فى هذا الخيار) بيع الخيار (يتصور على وجوه) خمسة.

و اضاف إليها السيد الطباطبائى فى حاشيته ثلاثة اخرى فصارت الوجوه ثمانية.

(احدها: ان يؤخذ) رد الثمن (قيدا للخيار على وجه التعليق او

ص: 350

التوقيت، فلا خيار قبله، و يكون مدة الخيار منفصلة دائما عن العقد، و لو بقليل و لا خيار قبل الردّ.

و المراد برد الثمن فعل ماله دخل فى القبض من طرفه و ان ابى المشترى.

الثانى: ان يؤخذ قيدا للفسخ، بمعنى ان له الخيار فى كل جزء من المدة المضروبة

______________________________

التوقيت، فلا خيار قبله).

فالاول: كان يقول «الخيار متوقف على رد الثمن».

و الثانى: كان يقول «الخيار فى زمان ردّ الثمن».

و الفرق ان فى الاول لم يسم الزمان فالخيار معلق على المظروف، و فى الثانى الخيار معلق على الظرف «فان الزمان ظرف ورد الثمن مظروف» (و يكون) اوّل (مدة الخيار منفصلة دائما عن العقد، و لو بقليل) لان «الرد» واقع بعد العقد و الخيار معلق عليه، او معلق على زمانه (و لا خيار قبل الردّ) لان الخيار يأتى بعد الرد.

(و المراد برد الثمن) الموجب للخيار (فعل ماله دخل فى القبض من طرفه) اى طرف آخذ الثمن و هو البائع (و ان ابى المشترى) عن اخذه، فليس المراد قبض المشترى، لانه ربما لا يقبض و القصد من الخيار تمكن البائع من استرجاع داره.

(الثانى: ان يؤخذ) ردّ الثمن (قيدا للفسخ، بمعنى ان له الخيار) من حين العقد (فى كل جزء من المدة المضروبة) مثلا اذا جعل مدة

ص: 351

و التسلط على الفسخ على وجه مقارنته لرد الثمن، او تأخره عنه.

الثالث: ان يكون رد الثمن فسخا فعليا بان يراد منه تمليك الثمن ليتملك منه المبيع.

و عليه حمل فى الرياض ظاهر الاخبار الدالة على عود المبيع بمجرد ردّ الثمن.

الرابع: ان يؤخذ رد الثمن قيدا لانفساخ العقد، فمرجع ثبوت الخيار له الى كونه مسلطا على سبب الانفساخ لا على مباشرة الفسخ

______________________________

الخيار سنة كان له الخيار فى كل السنة (و) لكن (التسلط على الفسخ) مشروط بالردّ (على وجه مقارنته لرد الثمن، او تأخره عنه) اى تأخره عن ردّ الثمن.

ففى هذا الوجه «الفسخ متوقف على رد الثمن».

و فى الوجه السابق «الخيار متوقف».

(الثالث: ان يكون رد الثمن فسخا فعليا بان يراد منه) اى من رد الثمن (تمليك الثمن ليتملك منه المبيع) بينما فى الوجه السابق «التسلط على الفسخ متوقف».

(و عليه) اى على هذا الوجه الثالث (حمل فى الرياض ظاهر الاخبار الدالة على عود المبيع بمجرد ردّ الثمن) فالرد فسخ.

(الرابع: ان يؤخذ رد الثمن قيدا لانفساخ العقد) فاذا ردّ الثمن انفسخ العقد تلقائيا بلا فسخ قولى و لا فسخ فعلى (فمرجع ثبوت الخيار له) اى للبائع (الى كونه مسلطا على سبب الانفساخ لا على مباشرة الفسخ)

ص: 352

و هذا هو الظاهر من رواية معاوية بن ميسرة.

و يحتمل الثالث كما هو ظاهر روايتى سعيد بن يسار و موثقة اسحاق بن عمّار و عنوان المسألة بهذا الوجه هو الظاهر من الغنية، حيث لم يذكر هذا القسم من البيع فى الخيار اصلا، و انما ذكره فى امثلة الشروط الجائزة فى متن العقد

______________________________

و حيث ان الانفساخ انفعال، و الانفعال لا يعقل بدون الفعل، فاللازم ان يقال: ان الشارع هو الفاسخ.

(و هذا هو الظاهر من رواية معاوية بن ميسرة) لقوله «فالدار دارك» فان ظاهره الانفساخ.

(و يحتمل الثالث) لقوله «ان اتيتنى بمالى ... فالدار دارك» فيكون الاتيان فسخا فعليا (كما هو) اى المعنى الرابع «الانفساخ» (ظاهر روايتى سعيد بن يسار و موثقة اسحاق بن عمار).

لقوله عليه السلام فى الاول «ان جاء بالمال الموقت فرد عليه» اذ ظاهره ان «الرد» لاجل الانفساخ بمجرد ان جاء بالمال.

و فى الثانى «ان جاء بثمنها ردها عليه» و تقريب الاستدلال ما ذكر (و عنوان المسألة) اى مسألة بيع الشرط (بهذا الوجه) الرابع (هو الظاهر من الغنية، حيث لم يذكر هذا القسم من البيع) اى بيع الشرط (فى) باب (الخيار اصلا، و انما ذكره فى امثلة الشروط الجائزة فى متن العقد).

و هذا يدل على ان الغنية لا يرى انه خيار و فسخ، بل انفساخ

ص: 353

قال: ان يبيع و يشترط على المشترى ان ردّ الثمن فى وقت كذا كان المبيع له انتهى.

الخامس: ان يكون رد الثمن شرطا لوجوب الاقالة على المشترى بان يلتزم المشترى على نفسه ان يقيله اذا جاء بالثمن، و استقاله و هو ظاهر الوسيلة حيث قال: اذا باع شيئا على ان يقيله فى وقت كذا بمثل الثمن الّذي باعه منه لزمته الاقالة، اذا جاءه بمثل الثمن فى المدة، انتهى فان ابى اجبره الحاكم، او اقال عنه، و الا

______________________________

اذا رد الثمن، اذ لو كان يرى انه خيار و فسخ، لذكره فى باب الخيار (قال) ابن زهرة (ان يبيع و يشترط على المشترى ان ردّ الثمن فى وقت كذا كان المبيع له) و معنى كان المبيع له الانفساخ (انتهى) كلام الغنية

(الخامس: ان يكون رد الثمن شرطا لوجوب الاقالة على المشترى بان) يشترط البائع على المشترى ان (يلتزم المشترى على نفسه ان يقيله اذا جاء بالثمن، و استقاله) اى طلب منه الاقالة و فسخ المعاملة (و هو ظاهر الوسيلة حيث قال: اذا باع شيئا على ان يقيله فى وقت كذا) فى زمان محدود (بمثل الثمن الّذي باعه منه لزمته) اى لزمت المشترى (الاقالة) و فسخ البيع (اذا جاءه) البائع (بمثل الثمن فى) نفس (المدة) المحدودة (انتهى).

و على هذا (فان ابى) المشترى من الاقالة (اجبره الحاكم) لانه حق للبائع، فللحاكم جبر الممتنع (او اقال) الحاكم (عنه) اى عن المشترى ان لم يكن اجباره (و الا) يتمكن البائع من اثبات مطلبه عند الحاكم او نحو

ص: 354

استقل بالفسخ و هو محتمل روايتى سعيد بن يسار و اسحاق بن عمار على ان يكون رد المبيع الى البائع فيهما كناية عن ملزومه و هى الاقالة، لا ان يكون وجوب الردّ كفاية عن تملك البائع للمبيع، بمجرد فسخه بعد ردّ الثمن على ما فهمه الاصحاب، و مرجعه الى احد الاولين.

و الاظهر فى كثير من العبارات مثل الشرائع و القواعد و التذكرة هو الثانى.

لكن الظاهر صحة الاشتراط بكل من الوجوه الخمسة

______________________________

ذلك (استقل) البائع (بالفسخ) لانه حقه، فله استنقاذه (و هو) اى هذا المعنى الخامس (محتمل روايتى سعيد بن يسار و اسحاق بن عمار).

و انما تحتمله الروايتان بناء (على ان يكون رد المبيع الى البائع فيهما كفاية عن ملزومه) فقد ذكرنا اللازم «الرد» و اردنا الملزوم (و هى الاقالة، لا) عطف على «ان يكون ردّ المبيع» (ان يكون وجوب الردّ كفاية عن تملك البائع للمبيع، بمجرد فسخه) اى فسخ البائع (بعد ردّ الثمن) الى المشترى (على ما فهمه الاصحاب) حيث فهموا ان لا حاجة الى الاقالة (و مرجعه) اى مرجع ما فهمه الاصحاب (الى احد) المعنيين (الاولين) من المعانى الخمسة.

(و الاظهر) مما يستفاد (فى كثير من العبارات مثل الشرائع و القواعد و التذكرة) و غيرها (هو) المعنى (الثانى) فان عباراتهم ظاهرة فى اعتبار ردّ الثمن قيدا للفسخ.

(لكن الظاهر صحة الاشتراط بكل من الوجوه الخمسة) لان ادلة

ص: 355

عدا الرابع، فان فيه اشكالا من جهة ان انفساخ البيع بنفسه بدون إنشاء فعلى او قولى يشبه انعقاده بنفسه فى مخالفة المشروع من توقف المسببات على اسبابها الشرعية و سيجي ء فى باب الشروط ما يتضح به صحة ذلك و سقمه.

______________________________

الشرط شاملة لها (عدا) الوجه (الرابع، فان فيه) اى فى شمول الادلة له (اشكالا من جهة ان انفساخ البيع بنفسه بدون إنشاء فعلى او قولى يشبه انعقاده) اى انعقاد البيع (بنفسه).

فاذا قال: اذا اعطيتك دينارا كان البيع منعقدا، او كتابك لى «بدون ان يكون اعطاء الدينار معاطاة» بل انعقاد البيع بنفسه اثر اعطاء الدينار، فان (فى) ذلك (مخالفة المشروع من توقف المسببات على اسبابها الشرعية).

فكما فى الامور التكوينية لا يكون المسبب الا بسببه الخاص «فلا يكون احتراق الا بسبب النار» كذلك فى الامور التشريعية لا يكون مسبب الا بسببه المجعول شرعا.

مثلا: جعل الشارع سبب حلية المرأة النكاح، فلا يصح ان يقال:

ان المجي ء الى الدار سبب حلية المرأة، و كذلك جعل سبب الملك البيع فلا يصح ان يجعل الطرفان سبب الملك ولادة زوجة احدهما.

و ادلة الشرط انما تسبب صحة شرط ما جعله الشارع و لا تكون ادلة الشرط مشرّعة (و سيجي ء فى باب الشروط ما يتضح به صحة ذلك و سقمه) و هل يمكن ان يكون الشرط مشرعا؟ بان يجعل ما ليس بسبب سببا.

ص: 356

الامر الثانى: الثمن المشروط رده، اما ان يكون فى الذمة، و اما ان يكون معيّنا.

و على كل تقدير اما ان يكون قد قبضه، و اما لم يقبضه فان لم يقبضه، فله الخيار و ان لم يتحقق رد الثمن لانه شرط على تقدير قبضه و ان لم يفسخ حتى انقضت المدة لزم البيع.

______________________________

(الامر الثانى) من الامور المتعلقة ببيع الشرط (الثمن المشروط رده، اما ان يكون فى الذمة) اى ذمة المشترى بان باعه بيعا فى مقابل ثمن فى ذمته، لا انه كان البيع فى قبال الثمن الخارجى (و اما ان يكون معيّنا) فى الخارج.

(و على كل تقدير) ذمة او عينا (اما ان يكون قد قبضه) البائع (و اما لم يقبضه) فالصور أربعة.

الاولى و الثانية (فان لم يقبضه) ذمة كان او عينا (فله) اى للبائع (الخيار و ان لم يتحقق رد الثمن) و انما كان له الخيار لان الشرط و هو كون الثمن عند المشترى محقق تلقائيا.

و من المعلوم ان «الرد» انما كان طريقا لاجل حصول الثمن فى كيس المشترى، و هو حاصل الآن.

فعدم تحقق عنوان «الرد» غير ضارّ (لانه شرط على تقدير قبضه) و الحال انه لم يقبضه (و ان لم يفسخ) فى صورة عدم قبض الثمن (حتى انقضت المدة) مثلا: جعل مدة الخيار سنة، فانقضت بدون ان يقبض (لزم البيع) لانقضاء مدة الخيار.

ص: 357

و يحتمل العدم بناء على ان اشتراط الرد بمنزلة اشتراط القبض قبله.

و ان قبض الثمن المعيّن، فاما ان يشترط رد عينه او يشترط رد ما يعمّ بدله مع عدم التمكن من العين بسبب لا منه او مطلقا او و لو مع التمكن منه

______________________________

(و يحتمل العدم) اى عدم لزوم البيع (بناء على ان اشتراط الرد بمنزلة اشتراط القبض قبله) فان البيع انما يلزم اذا «لم يرد و قد قبض» فاذا لم يتحقق ذلك لم يلزم البيع.

و ذلك لان قوله «اذا لم ارد فى مدة الخيار فالبيع لازم» يوجب ان يكون موضوع «لزوم البيع» هو «لم يرد و قد قبض» فاذا انقضى الموضوع انقضى الحكم.

الثالثة (و ان قبض الثمن المعيّن) فهو على قسمين (فاما ان يشترط رد عينه او يشترط رد ما يعمّ بدله).

و لهذا القسم الثانى ثلاث صور.

الاولى: (مع عدم التمكن من العين بسبب لا منه).

الثانية: (او مطلقا) بسبب منه او لا منه.

الثالثة: (او و لو مع التمكن منه) اى من رد العين فقد يقول:

بشرط ان ارد ما يعم البدل اذا لم اتمكن من رد العين، و عدم تمكنى كان لا بسبب منى كما اذا سرقت العين، او يقول: بشرط ان اردّ ما يعم البدل اذا لم اتمكن من رد العين، و لو كان عدم التمكن بسببى كما لو

ص: 358

على اشكال فى الاخير من حيث اقتضاء الفسخ شرعا بل لغة رد العين مع الامكان.

و فى جواز اشتراط رد القيمة فى المثلى و بالعكس وجهان

______________________________

اتلفته انا او يقول: بشرط ان ارد ما يعم البدل و لو مع التمكن من رد العين (على اشكال فى الاخير) و هى الصورة الثالثة.

وجه الاشكال (من حيث اقتضاء الفسخ شرعا، بل لغة رد العين مع الامكان) اى مع امكان رد العين، اذا الفسخ معناه ان يرجع كل مال الى صاحبه الاول فكيف يشترط عدم رجوع الثمن؟ و الحال انه موجود.

(و) هناك مسألة اخرى، و هى انه اذا كان الثمن مثليا فشرط رد القيمة او الاعم من المثل او القيمة، فهل يصح أم لا؟

و كذا اذا كان الثمن قيميا، فشرط رد المثل او الاعم من المثل او القيمة، فهل يصح أم لا؟ فان (فى جواز اشتراط رد القيمة فى المثلى و بالعكس) رد المثل فى القيمى (وجهان) مثلا: يشترط رد الثمن الّذي هو دينار بكتاب يعادله، او يشترط رد الثمن الّذي هو كتاب بقلم يعادله مع ان اللازم هو رد الدينار «الثمن» دينارا، ورد الكتاب «الثمن» دينارا.

و سبب ال «وجهان» اما وجه الصحة فلانه شرط و الشرط جائز ما لم يحلل حراما او يحرم حلالا.

و اما وجه عدم الصحة فلان هذا الشرط على خلاف جعل الشارع،

ص: 359

و اما ان يطلق.

فعلى الاول لا خيار الا برد العين، فلو تلف لا من البائع، فالظاهر عدم الخيار الا ان يكون اطلاق اشتراط رد العين فى الخيار لافادة سقوطه باتلاف البائع، فيبقى الخيار فى اتلاف غيره على حاله.

و فيه نظر.

______________________________

لان الشارع قال: القيمة تعادل القيمة، و المثل يعادل المثل، و اذ كان على خلاف جعل الشارع بطل الشرط (و اما ان يطلق) عطف على «فاما ان يشترط رد عينه».

(فعلى الاول) اى يشترط رد عينه (لا خيار الا برد العين) لانه الشرط (فلو تلف) فان كان التلف من البائع فلا اشكال فى سقوط الخيار، و لو تلف (لا من البائع، فالظاهر عدم الخيار) أيضا، لانه لم يفعل شرط الخيار «و هو رد العين» على كلتا الحالتين «حالة كون التلف من البائع و حالة كونه من غير البائع» (الا ان يكون اطلاق اشتراط رد العين فى الخيار لافادة سقوطه) اى سقوط الخيار (باتلاف البائع).

فانه و ان قال «الشرط رد العين» لكن اراد ان «عدم رد العين اذا كان المتلف البائع يكون مسقطا للخيار» فاذا لم يكن البائع متلفا لم يكن عليه رد العين، بل له الخيار و ان رد البدل (فيبقى الخيار فى) صورة (اتلاف غيره) اى غير البائع (على حاله).

(و) لكن (فيه نظر) اذ: ان الشرط «هو رد العين» فاذا لم يحصل الشرط لم يكن وجه للخيار.

ص: 360

و على الثانى فله رد البدل فى موضع صحة الاشتراط.

و اما الثالث فمقتضى ظاهر الشرط فيه رد العين.

و يظهر من اطلاق محكى الدروس و حاشية الشرائع: ان الاطلاق لا يحمل على العين.

و يحتمل حمله على الثمن الكلى و سيأتى.

______________________________

(و على الثانى) اى يشترط رد ما يعم بدله «بصوره المتعددة المتقدمة حيث قال مع عدم التمكن من العين ... الخ» (فله رد البدل) حتى يكون له الخيار (فى موضع صحة الاشتراط) اى صحة اشتراط رد البدل و هذا اشارة الى قوله «على اشكال فى الاخير .. الخ».

(و اما الثالث) الّذي اشار إليه بقوله «و اما ان يطلق» (فمقتضى ظاهر الشرط فيه) اى فى الثالث حيث قال «ان رددت فلك الفسخ» (رد العين) لان المنصرف من «الرد» رد العين.

(و يظهر من اطلاق محكى الدروس و حاشية الشرائع: ان الاطلاق) اى اطلاق «الرد» (لا يحمل على العين) بل اذا اطلق، فرد البدل قيمة فى القيمى، و مثل فى المثلى، كان له الخيار.

و لعل وجهه ان المقصود ردّ المال و ذلك يوجب عدم خصوصية ردّ العين.

(و يحتمل حمله) اى حمل كلام الدروس و الحاشية (على الثمن الكلى)

اذ لو كان الثمن كليا ثم جعله عينا خارجيا لم تكن خصوصية للعين بل المراد الاعم من البدل (و سيأتى) الكلام فيه.

ص: 361

و ان كان الثمن كليا فان كان فى ذمة البائع، كما هو مضمون رواية سعيد بن يسار المتقدمة، فرده باداء ما فى الذمة، سواء قلنا انه عين الثمن، او بدله، من حيث ان ما فى ذمة البائع سقط عنه بصيرورته ملكا له فكانه تلف، فالمراد برده المشترط ردّ بدله و ان لم يكن الثمن فى ذمة البائع و قبضه فان شرط رد ذلك الفرد المقبوض او ردّ مثله باحد الوجوه المتقدمة

______________________________

(و ان كان الثمن كليا) فى قبال ما اذا كان الثمن عينا خارجية (فان كان فى ذمة البائع، كما هو مضمون رواية سعيد بن يسار المتقدمة) كان يبيع زيد لعمرو حنطة بالف، ثم يبيع عمرو لزيد داره بالف، حتى اذا اعطاه عمرو الألف استرجع داره (فرده) اى ردّ الثمن (باداء ما فى الذمة) فان ادى البائع لداره ما فى ذمته «كالالف فى المثال» كان ردا لثمن الحنطة (سواء قلنا انه) اى ما فى ذمة البائع (عين الثمن، او بدله) و انما كان بدله (من حيث ان ما فى ذمة البائع) لداره (سقط عنه) اى عن البائع (بصيرورته ملكا له) فان البائع «المديون ثمن الحنطة» لما باع داره سقط ثمن الحنطة عن ذمته، اذ صار الثمن ملكا له فى قبال داره (فكانه تلف) اذ ليس الآن شي ء فى ذمته (فالمراد برده) اى رد ثمن الحنطة (المشترط) فى ضمن بيع الدار الى بائع الحنطة (رد بدله) اى رد بدل ثمن الحنطة «مقدار الألف» (و ان لم يكن الثمن فى ذمة البائع) عطف على «فان كان فى ذمة البائع» و ذلك كما اذا باع محمد لعلى داره فى قبال الف دينار كلى (و قبضه) خارجا (فان شرط ردّ ذلك الفرد المقبوض، او ردّ مثله باحد الوجوه المتقدمة) فى قوله «او يشترط رد ما

ص: 362

فالحكم على مقتضى الشرط، و ان اطلق فالمتبادر بحكم الغلبة فى هذا القسم من البيع المشتهر ببيع الخيار هو رد ما يعم البدل، اما مطلقا او مع فقد العين.

و يدل عليه صريحا بعض الاخبار المتقدمة، الا ان المتيقن منها

______________________________

يعم بدله مع عدم التمكن من العين .. الخ» (فالحكم على مقتضى الشرط).

مثلا: اذا شرط رد عينه لم ينفع فى ان يكون الخيار له رد غير عينه (و ان اطلق) بان قال «بان ترده» و لم يقل «عينا» و لا قال «عينا او بدلا» (فالمتبادر بحكم الغلبة) لدى العرف (فى هذا القسم من البيع المشتهر ببيع الخيار) و بيع الشرط (هو رد ما يعم البدل) اذ المقصود رد النقود، و لا خصوصية لعين النقد الّذي كان ثمنا (اما مطلقا) فى قبال (او مع فقد العين).

و وجه «مطلقا» ما عرفت من انه لا خصوصية فى نظر العرف بالنسبة الى «العين» و ذلك مثل امانة «النقد» و اعطاء نقد الوقف، و اعطاء نقد ايجاد دار الايتام، الى غيرها.

حيث ان المنصرف اعطاء ذلك المقدار سواء كان عينا او بدل العين و ان كانت عين النقد موجودة.

(و يدل عليه) اى على كفاية رد البدل (صريحا بعض الاخبار المتقدمة) اى رواية ابن ميسرة و ما قبلها (الا ان المتيقن منها) اى من هذه الروايات

ص: 363

صورة فقد العين.

الأمر الثالث: [لا يكفي مجرد الفسخ في الرد]

قيل ظاهر الاصحاب- بناء على ما تقدم: من ان رد الثمن فى هذا البيع عندهم مقدمة لفسخ البائع- انه لا يكفى مجرد الرد فى الفسخ، و صرّح به فى الدروس و غيره، و لعل منشأ الظهور ان هذا القسم فرد من خيار الشرط مع اعتبار شي ء زائد فيه و هو رد الثمن.

______________________________

(صورة فقد العين) و الا فان كانت العين موجودة يلزم رد نفس العين فتأمل.

(الامر الثالث) من الامور المربوطة بخيار الشرط (قيل ظاهر الاصحاب- بناء على ما تقدم: من ان رد الثمن فى هذا البيع) بيع الشرط (عندهم مقدمة لفسخ البائع-) لا ان نفس الرد فسخ فعلى (انه) متعلق ب «ظاهر الاصحاب» (لا يكفى مجرد الرد فى الفسخ، و) قد (صرّح به فى الدروس و غيره، و لعل منشأ الظهور) فى كلماتهم مع ان بعضهم فقط صرح بذلك (ان هذا القسم) من بيع الشرط (فرد من خيار الشرط) اذ كل شرط فى البيع يوجب الخيار اذا تخلف الشرط (مع اعتبار شي ء زائد فيه) اى فى هذا القسم (و هو رد الثمن).

اذ للبائعين ان يجعلا لانفسهما الخيار مدة محددة، كان يقول:

بعتك على ان يكون لى الخيار مدة شهر، و فى المقام نفس الخيار موجود مع زيادة قوله «ان رددت الثمن كان لك الخيار».

و كما ان فى سائر خيار الشرط «غير المقيد بقيد» اذا اراد الفسخ احتاج الى الفسخ، كذلك هنا اذا رد الثمن احتاج الى الفسخ، فلا

ص: 364

و علّلوا ذلك أيضا بان الرد من حيث هو لا يدل على الفسخ اصلا.

و هو حسن مع عدم الدلالة.

اما لو فرض الدلالة عرفا اما بان يفهم منه كونه تمليكا للثمن من المشترى ليتملك منه المبيع على وجه المعاطات.

و اما بان يدل الرد بنفسه على الرضا بكون المبيع ملكا له و الثمن ملكا للمشترى، فلا وجه لعدم الكفاية

______________________________

فسخ بدون انشائه «و ان ردّ الثمن».

(و علّلوا ذلك) اى الاحتياج الى الفسخ بعد رد الثمن (أيضا) بالإضافة الى ما ذكرناه من تعليله بقولنا «و لعل ..» (بان الرد من حيث هو) ردّ (لا يدل على الفسخ اصلا) اذ الرد شي ء، و الفسخ شي ء آخر.

(و هو) اى هذا التحليل (حسن مع عدم الدلالة) عرفا.

(اما لو فرض الدلالة عرفا اما بان يفهم منه) اى من الرد (كونه تمليكا للثمن من المشترى) للبائع (ليتملك منه المبيع على وجه المعاطات).

و المعاطات ليست بحاجة الى ازيد من الاخذ و الاعطاء، و هذه ليست معاملة مستقلة، بل هى تشبيه بالمعاطات «فهى فسخ معاطاتى» و لذا قال «على وجه المعاطات» و لم يقل «معاطاة».

(و اما بان يدل الرد بنفسه على الرضا بكون المبيع ملكا له) للبائع (و الثمن ملكا للمشترى) فلا حاجة الى الفسخ بعد الرد، بل الرد يعقبه الفسخ تلقائيا.

و على هذا (فلا وجه لعدم الكفاية) «حيث عللوا ذلك بان الرد

ص: 365

مع اعترافهم بتحقق الفسخ فيما هو اخفى من ذلك دلالة.

و ما قيل من ان الرد يدل على إرادة الفسخ، و الإرادة غير المراد.

ففيه ان المدعى دلالته على إرادة كون المبيع ملكا له و الثمن ملكا للمشترى.

و لا يعتبر فى الفسخ الفعلى ازيد من هذا، مع ان ظاهر الاخبار كفاية الرد فى وجوب رد المبيع، بل قد عرفت فى رواية معاوية بن ميسرة حصول تملك المبيع برد الثمن، ف

______________________________

لا يدل على الفسخ» كما تقدم (مع اعترافهم بتحقق الفسخ فيما هو اخفى من ذلك) الرد (دلالة) فالرد الّذي هو اظهر دلالة اولى بدلالته على الفسخ بدون حاجة الى فسخ آخر.

(و ما قيل) فى تقريب عدم دلالة على الفسخ (من ان الرد يدل على إرادة الفسخ، و الإرادة غير المراد) فانك اذا اردت ان تصلّى لم تكن ارادتك صلاة.

(ففيه ان المدعى) لنا (دلالته) اى الرد (على إرادة كون المبيع ملكا له) اى للبائع بمعنى تكوين التملك بالارادة (و الثمن ملكا للمشترى)

(و) من المعلوم: انه (لا يعتبر فى الفسخ الفعلى ازيد من هذا) الّذي ذكرناه.

هذا (مع ان ظاهر الاخبار) المتقدمة (كفاية الرد فى وجوب رد المبيع) بلا انتظار فسخ بعد الرد (بل قد عرفت فى رواية معاوية بن ميسرة حصول تملك المبيع برد الثمن، ف) هى و ان كانت محتملة لكون الرد

ص: 366

يحمل على تحقق الفسخ الفعلى به.

الأمر الرابع: يسقط هذا الخيار باسقاطه بعد العقد

على الوجه الثانى من الوجهين الاولين.

بل و على الوجه الاول بناء على ان تحقق السبب و هو العقد كاف فى صحة اسقاط الحق.

______________________________

دالا على الرضا المتعقب للرد، لكن الخبر «على ظاهره» (يحمل على تحقق الفسخ الفعلى به) اى بالرد، بدون ان يقال: ان الرضا يعقبه الرضا، و الرضا يوجب الفسخ.

فقول المصنف «بل ..» يريد تقوية ما تقدم من قوله «بان يفهم منه ..»

فى قبال الاحتمال الآخر الّذي ذكره بقوله «و اما بان يدل ..».

(الامر الرابع) من الامور المربوطة بخيار الشرط (يسقط هذا الخيار باسقاطه بعد العقد) فيكون البيع لازما (على الوجه الثانى من الوجهين الاولين) من الوجوه الخمسة التى ذكرناها فى الامر الاول.

اذ يتحقق الخيار بعد العقد فله اسقاطه.

(بل و على الوجه الاول) من الوجوه الخمسة فانه قبل رد الثمن و ان لم يكن خيار- حسب القرار فى الشرط- الا ان له اسقاطه (بناء على ان تحقق السبب و هو العقد) اذ العقد صار سببا لهذا الخيار، و ان كان زمان الخيار متأخرا عن العقد (كاف فى صحة اسقاط الحق) لانه صار للحق شأنية.

ص: 367

لكن مقتضى ما صرح به فى التذكرة من انه لا يجوز اسقاط خيار الشرط او الحيوان بعد العقد بناء على حدوثهما من زمان التفرق عدم الجواز أيضا الا ان يفرق هنا بان المشروط له مالك للخيار قبل الرد، و لو من حيث تملكه للرد الموجب له، فله اسقاطه بخلاف ما فى التذكرة.

و يسقط أيضا بانقضاء المدة، و عدم رد الثمن او بدله مع الشرط او مطلقا

______________________________

(لكن مقتضى ما صرح به فى التذكرة من انه لا يجوز اسقاط خيار الشرط او الحيوان بعد العقد).

قال: انه لا يجوز (بناء على حدوثهما من زمان التفرق).

اذ قبل التفرق يكون خيار المجلس، و لا يجتمع خياران فى زمان واحد- على ما تقدم الكلام فى ذلك- (عدم الجواز أيضا) «خبر:

مقتضى» (الا ان يفرق هنا) فى بيع الشرط (بان المشروط له مالك للخيار قبل الرد، و لو) كان ملكه للخيار (من حيث تملكه) اى انه مالك (للرد الموجب له) اى للخيار، فان مالك السبب مالك للمسبب (فله اسقاطه) اى اسقاط الخيار (بخلاف ما فى التذكرة) فان فى ذلك المقام لا خيار قبل التفرق اصلا.

و عليه فلا يكون كلام التذكرة فى خيار الشرط و الحيوان منافيا لكلامنا هنا.

(و يسقط) خيار الشرط (أيضا بانقضاء المدة، و عدم رد الثمن او بدله مع الشرط) «مع» متعلق ب «بدله» اى انما يرد البدل اذا اشترط رد البدل (او) يرد البدل (مطلقا) و لو بدون الشرط اذا كان

ص: 368

على التفصيل المتقدم.

و لو تبين المردود من غير الجنس، فلا ردّ و لو ظهر معيبا كفى فى الرد، و له الاستبدال.

و يسقط أيضا بالتصرف فى الثمن المعين مع اشتراط رد العين، او حمل الاطلاق عليه.

______________________________

انصراف الى الرد اصلا، او بدلا (على التفصيل المتقدم) فى الامر الثانى

(و لو تبين) بعد الرد ان (المردود من غير الجنس) كما لو كان الشرط رد الذهب، و بعد الردّ تبين انه مذهّب و ليس ذهبا (فلا ردّ) اذ الرد الخيالى لا يصحح الشرط، فأخذه بالخيار كان باطلا (و لو ظهر معيبا) فان كان الشرط رده صحيحا بطل الرد لانه لا يكون ردا، و ان كان الشرط الرد فى الجملة (كفى فى الرد، و) لكن (له) اى للمشترى (الاستبدال) و كذا اذا ردّ من جنس ادون.

(و يسقط) الخيار (أيضا بالتصرف فى الثمن المعين مع اشتراط رد العين) اذا كان التصرف مانعا عن رد العين، لانه لا يقدر حينئذ على الوفاء بالشرط فليس له الاخذ بالخيار، اما اذا لم يكن التصرف مانعا من رد العين، كما اذا باعه بيع خيار ثم استرجعه او باعه مطلقا ثم رجع إليه إرثا او نحوه فله الاخذ بخيار الشرط، لانه قادر على الوفاء بالشرط (او حمل الاطلاق) اطلاق «الرد» (عليه) اى على ردّ العين عطف على «مع اشتراط ..».

ص: 369

و كذا الفرد المدفوع من الثمن الكلى اذا حمل الاطلاق على اعتبار رد العين المدفوع كل ذلك لاطلاق ما دلّ على ان تصرف ذى الخيار فيما انتقل إليه رضا بالعقد، و لا خيار و قد عمل الاصحاب بذلك فى غير مورد النص، كخيارى المجلس و الشرط.

و المحكى عن المحقق الاردبيلى و صاحب الكفاية ان الظاهر عدم سقوط هذا

______________________________

(و كذا) يسقط الخيار بالتصرف فى الثمن اذا كان (الفرد المدفوع من الثمن الكلى) مشروطا رده بعينه.

كما اذا قال: اشتريت بالف بشرط انى اذا رددت نفس الفرد الّذي اعطيتنى استرجعت المثمن.

و كذا اذا اطلق «الرد» فى الكلى لكن (اذا حمل الاطلاق) اطلاق «الرد» (على اعتبار رد العين المدفوع) و ان كان ذلك المدفوع فردا من الكلى الّذي كان قد وقعت عليه المعاملة (كل ذلك) الّذي ذكرناه انه مع التصرف مانع عن الاخذ بالخيار «فى الفروع المذكورة» (لاطلاق ما دلّ على ان تصرف ذى الخيار فيما انتقل إليه رضا بالعقد، و لا خيار) له

و لكن هذا اذا لم يكن تعاهد على عدم كون التصرف مسقطا للخيار و الا اخذ بمقتضى ذلك التعاهد (و قد عمل الاصحاب بذلك) بان التصرف مسقط للخيار (فى غير مورد النص) الّذي يقول بان التصرف رضا (كخيارى المجلس و الشرط) فان فيهما و رد ان التصرف رضا.

(و) لكن (المحكى عن المحقق الاردبيلى و صاحب الكفاية) السبزوارى (ان الظاهر) من الادلة (عدم سقوط هذا

ص: 370

الخيار بالتصرف فى الثمن، لان المدار فى هذا الخيار عليه لانه شرّع لانتفاع البائع بالثمن.

فلو سقط الخيار سقط الفائدة و للموثق المتقدم المفروض فى مورده تصرف البائع فى الثمن، و بيع الدار لاجل ذلك.

و المحكى عن العلامة الطباطبائى فى مصابيحه الرد على ذلك- بعد الطعن عليه بمخالفته لما عليه الاصحاب- بما محصله ان التصرف المسقط ما وقع فى زمان الخيار، و لا

______________________________

الخيار) اى الخيار فى بيع الشرط (بالتصرف فى الثمن).

و انما لا يسقط (لان المدار فى هذا الخيار) اى الخيار فى بيع الشرط (عليه) اى على التصرف (لانه شرع) و قنّن (لانتفاع البائع بالثمن) فالبائع غالبا انما يبيع داره لاجل احتياجه الى المال.

(فلو سقط الخيار) بالتصرف فى الثمن (سقط الفائدة) و كانت المعاملة غير عقلائية (و للموثق) لاسحاق بن عمار (المتقدم) فى اوّل المسألة (المفروض فى مورده تصرف البائع فى الثمن) حيث قال فيه «احتاج الى بيع داره» (و بيع الدار لاجل ذلك) الاحتياج.

(و المحكى عن العلامة الطباطبائى فى مصابيحه الرد على ذلك) الّذي ذكره الاردبيلى و السبزوارى (- بعد الطعن عليه بمخالفته لما عليه الاصحاب- بما محصله) انه لا ينافى التصرف فى الجملة مع سقوط الخيار بالتصرف، فمن الممكن التصرف مع عدم سقوط الخيار، ل (ان التصرف المسقط) للخيار (ما وقع فى زمان الخيار) لا ما وقع قبل الخيار (و لا

ص: 371

خيار الا بعد الرد.

و لا ينافى شي ء مما ذكر لزومه بالتصرف بعد الرد، لان ذلك منه بعده، لا قبله، و ان كان قادرا على ايجاد سببه فيه.

اذ المدار على الفعل لا على القوة، على انه

______________________________

خيار الا بعد الرد) فتصرف البائع- قبل الخيار- لا يسقط الخيار.

(و لا ينافى شي ء مما ذكر) اى ذكره الاردبيلى و السبزوارى- من انه لو كان التصرف مسقطا لزم عدم فائدة فى هذا البيع- (لزومه) اى البيع (بالتصرف) فى الثمن (بعد الرد) لان الخيار يكون بعد الرد (لان ذلك) التصرف المسقط (منه) اى من البائع (بعده) اى بعد الرد (لا قبله) اى لا قبل الرد.

اما التصرف قبل الرد فلا يكون مسقطا، لانه لم يقع فى زمن الخيار (و ان كان) المتصرف «البائع» (قادرا على ايجاد سببه) اى سبب سقوط الخيار (فيه) اى فى وقت التصرف بان يرد الثمن ثم يتصرف فى الثمن و بذلك يكون قد اسقط خياره.

لكن من الواضح ان امكان اسقاط البائع خياره غير الاسقاط فعلا.

(اذ المدار) فى الاسقاط (على الفعل) اى فعلية التصرف فى زمان الخيار (لا على القوة) اى قوة ان يرد ثم يتصرف حتى يكون تصرفه مسقطا لخياره (على انه) ليس البائع- دائما- قادرا على ايجاد سبب سقوط الخيار، اذ انما يقدر على ايجاد السبب اذا كان الخيار من بعد البيع مثلا- حيث انه يقدر ان يرد الثمن «ليتحقق زمان الخيار» فيتصرف

ص: 372

لا يتم فيما اشترط فيه الرد فى وقت منفصل عن العقد، كيوم بعد سنة- مثلا- انتهى محصل كلامه.

و ناقش بعض من تأخر عنه فيما ذكره من كون حدوث الخيار بعد الرد لا قبله، بان ذلك يقتضي جهالة مبدأ الخيار.

و بان الظاهر من اطلاق العرف.

و تضعيف كثير من الاصحاب قول الشيخ بتوقف الملك على انقضاء الخيار

______________________________

فى الثمن، ليكون تصرفه مسقطا لخياره.

ف (لا يتم) امكان الاسقاط (فيما اشترط فيه الرد فى وقت منفصل عن العقد، كيوم بعد سنة- مثلا-) فان البائع لا يقدر على اسقاط الخيار فى غير ذلك اليوم (انتهى محصل كلامه) فى المصابيح.

(و ناقش بعض من تأخر عنه) و هو صاحب الجواهر (فيما ذكره من كون حدوث الخيار بعد الرد لا قبله، ب) انه غير تام، بل الخيار يحدث قبل الرد ل (ان) الامر لو كان (ذلك) كما ذكره السيد، لكان (يقتضي جهالة مبدأ الخيار) اذ لا يعلم فى اى وقت يرد البائع الثمن، و جهالة المبدأ توجب الغرر.

(و) يدل على ان الخيار قبل الرد لا بعده دليل آخر، و هو ما ذكره بقوله: (بان الظاهر من اطلاق العرف) «له خيار الشرط» ان زمان الخيار يحدث من وقت العقد.

(و) يؤيده (تضعيف كثير من الاصحاب قول الشيخ) القائل (بتوقف الملك على انقضاء الخيار) فان كثيرا من الاصحاب ضعّف هذا القول

ص: 373

ببعض الاخبار المتقدمة فى هذه المسألة الدالة على ان غلة المبيع للمشترى هو كون مجموع المدة زمان الخيار انتهى.

اقول فى اصل الاستظهار المتقدم و الرد المذكور عن المصابيح، و المناقشة على الرد نظر.

اما الاول: فلانه لا مخصص لدليل سقوط الخيار بالتصرف المنسحب فى غير

______________________________

(ب) سبب (بعض الاخبار المتقدمة فى هذه المسألة) مسألة بيع الشرط (الدالة على ان غلة المبيع للمشترى).

فانه لو كان ملك المشترى للمبيع يتوقف على انقضاء الخيار- كما يقوله الشيخ- لم يكن وجه لكون الغلة للمشترى، لانه فى زمن الخيار يكون المثمن للبائع، و الثمن للمشترى.

و قوله (هو كون مجموع المدة زمان الخيار انتهى) خبر لقوله «بان الظاهر» انتهى كلام الجواهر.

(اقول فى اصل الاستظهار المتقدم) من الاردبيلى و السبزوارى حيث قالا «ان الظاهر عدم سقوط هذا الخيار بالتصرف» (و الرد المذكور عن المصابيح) حيث قال «ان التصرف المسقط» (و المناقشة على الرد) حيث ناقش الجواهر كلام المصابيح بقوله «بان ذلك ..»

(نظر).

(اما الاول) اى وجه النظر فى كلام الاردبيلى و السبزوارى (فلانه لا مخصص لدليل سقوط الخيار بالتصرف المنسحب) هذا الدليل (فى غير

ص: 374

مورد النص عليه باتفاق الاصحاب.

و اما بناء هذا العقد على التصرف، فهو من جهة ان الغالب المتعارف: البيع بالثمن الكلى، و ظاهر الحال فيه كفاية رد مثل الثمن.

و لذا قوينا حمل الاطلاق فى هذه الصورة

______________________________

مورد النص عليه باتفاق الاصحاب) فانهم اتفقوا على «ان سقوط الخيار بالتصرف» قاعدة كلية جارية فى كل خيار، و ان كان مورد النص خيار الحيوان- مثلا- لما سبق من ان المفهوم من النص المسقط للخيار أن العلة للسقوط التصرف، فهى قاعدة كلية، لا انه فى خيار الحيوان فقط.

و على هذا فقول الاردبيلى و الكفاية «ان الظاهر عدم سقوط خيار الشرط بالتصرف» غير تام.

(و اما) استدلالهما لسقوط خيار الشرط بالتصرف بقولهما المتقدم «لانه شرع لانتفاع البائع بالثمن» فيكون (بناء هذا العقد على التصرف، فهو) استدلال غير صحيح (من جهة ان الغالب المتعارف:

البيع بالثمن، الكلى، و ظاهر الحال فيه) اى فى الثمن الكلى (كفاية رد مثل الثمن).

اذا فقاعدة ان التصرف يسقط الخيار تامة، فى ما اذا كان الثمن شخصيا، و عدم سقوط خيار الشرط بالتصرف تام، فى ما اذا كان الثمن كليا، و كان ظاهر الحال كفاية رد مثل الثمن.

(و لذا) الّذي ذكرنا من ان «ظاهر الحال فيه كفاية رد مثل الثمن» (قوينا حمل الاطلاق) اى اطلاق رد الثمن (فى هذه الصورة) صورة كون

ص: 375

على ما يعم البدل.

و حينئذ فلا يكون التصرف فى عين الفرد المدفوع دليلا على الرضا بلزوم العقد.

اذ لا منافات بين فسخ العقد، و صحة هذا التصرف و استمراره و هو مورد الموثق المتقدم، او منصرف اطلاقه،

______________________________

الثمن كليا (على ما يعم البدل) فانه و ان اطلق البائع قوله «لى الخيار ان رددت الثمن» الا ان مراده رد عين الثمن او بدله، بشهادة ظاهر الحال، حيث ان مقصود المتبايعين رد قدر الثمن من دون خصوصية لعين الثمن.

(و حينئذ) اى حين كان ظاهر الحال رد مثل الثمن- فى ما اذا كان الثمن كليا- (فلا يكون التصرف فى عين الفرد المدفوع) ثمنا- من باب تطبيق كلى الثمن على هذا الفرد- (دليلا على الرضا بلزوم العقد) حتى يكون التصرف موجبا لسقوط الخيار.

(اذ لا منافات بين فسخ العقد، و) بين (صحة هذا التصرف) من البائع فى الثمن (و استمراره) اى استمرار التصرف.

و الحاصل: ان التصرف المسقط ما كان دليلا للرضا، و التصرف فى المقام ليس دليلا على الرضا (و هو) اى كون الثمن كليا و ان مقصود المتبايعين رد الاعم من مثله (مورد الموثق المتقدم) لابن عمار (او منصرف اطلاقه) لان الغالب كون الثمن كليا و كون مقصود المتبايعين رد ما يعم بدله أيضا.

ص: 376

او من جهة تواطئ المتعاقدين على ثبوت الخيار مع التصرف أيضا.

او للعلم بعدم الالتزام بالعقد بمجرد التصرف فى الثمن، و قد مر ان السقوط بالتصرف ليس تعبدا شرعيا مطلقا حتى المقرون منه بعدم الرضا بلزوم العقد.

______________________________

و عليه فاستدلال الاردبيلى و السبزوارى بالموثق لكلامهما غير تام.

اقول: لكن اطلاق الموثق- بدون وجه لدعوى انصرافه- يمنع كلام المصنف (او من جهة تواطئ المتعاقدين على ثبوت الخيار مع التصرف أيضا) عطف على قوله «فهو من جهة» فالتصرف فى الثمن لا يسقط الخيار من جهة ان المتعاقدين بيّنا على ان الخيار باق، و لو تصرف البائع فى الثمن فقاعدة: ان التصرف مسقط، لا تشمل المقام، و ان كانت هى صحيحة فى الجملة.

(او) عطف على «فهو من جهة» (للعلم) اى انا نعلم (بعدم الالتزام) اى عدم التزام البائع المتصرف فى الثمن (بالعقد بمجرد التصرف فى الثمن، و) اذا كان التصرف بدون الالتزام لم تشمله قاعدة «ان التصرف مسقط».

لما (قد مر) من (ان السقوط بالتصرف ليس تعبدا شرعيا مطلقا حتى المقرون منه) اى من التصرف (بعدم الرضا بلزوم العقد) بل انما يكون التصرف مسقطا اذا كان مقرونا بالرضا بلزوم العقد، فحيث لا رضا لا يكون التصرف مسقطا.

ص: 377

و اما الثانى فلان المستفاد من النص و الفتوى- كما عرفت- كون التصرف مسقطا فعليا، كالقولى يسقط الخيار فى كل مقام يصح اسقاطه بالقول.

و الظاهر عدم الاشكال فى جواز اسقاط الخيار قولا قبل الرد، هذا مع

______________________________

(و اما الثانى) اى النظر فى كلام صاحب المصابيح الّذي رد به كلام الاردبيلى و السبزوارى فانهما قالا «ان خيار الشرط لا يسقط بالتصرف» و المصابيح ردهما «بان خيار الشرط يسقط بالتصرف، و انما قبل الرد لا خيار حتى يسقط بالتصرف».

ففيه ان الخيار موجود قبل الرد، بدليل انه يصح اسقاطه بالقول، فاذا كان الخيار موجودا قبل الردّ كان التصرف مسقطا له.

و الى هذا اشار المصنف بقوله: (فلان المستفاد من النص و الفتوى كما عرفت-) فيما تقدم (كون التصرف مسقطا فعليا، كالقولى).

فكما انه اذا قال «اسقطت خيارى» يسقط كذلك اذا تصرف فى الثمن، ف (يسقط) الفعل (الخيار فى كل مقام يصح اسقاطه بالقول) لانهما كاشفان عن الرضا الّذي هو مسقط للخيار، اذا اظهر بمظهر.

(و الظاهر عدم الاشكال فى جواز اسقاط الخيار قولا قبل الرد).

و ترتيب القياس هكذا «الخيار يسقط بالقول قبل الرد و كلما سقط الخيار بالقول سقط بالفعل» فالخيار يسقط بالتصرف قبل الرد، فقول السيد «لا خيار قبل الردّ حتى يسقط بالتصرف» فى غير محله (هذا مع) انه يرد اشكال ثان على السيد، و هو ان قوله «قبل الرد لا خيار» غير تام

ص: 378

ان حدوث الخيار بعد الرد مبنى على الوجه الاول المتقدم من الوجوه الخمسة فى مدخلية الردّ فى الخيار، و لا دليل على تعيّنه فى بيع الخيار المتعارف بين الناس،.

بل الظاهر من عبارة غير واحد، هو الثانى او نقول ان المتبع مدلول

______________________________

لانا ذكرنا سابقا ان من وجوه خيار الشرط ان يكون الخيار من حين العقد.

ف (ان حدوث الخيار بعد الرد) فقط (مبنى على الوجه الاول المتقدم) فى الامر الاول (من الوجوه الخمسة فى مدخلية الردّ فى) وجود (الخيار) «فى» متعلق «بالوجه الاول» (و لا دليل على تعيّنه) اى الوجه الاول (فى بيع الخيار المتعارف بين الناس) فليس كل بيع خيارى يجريه الناس يكون فيه الخيار مقيدا بالرد.

(بل الظاهر من عبارة غير واحد، هو) الوجه (الثانى) بان يكون الخيار من اوّل العقد- كما تقدم فى الوجه الثانى من الوجوه الخمسة- فتحصل اشكالان على السيد.

الاول: انه و ان كان الخيار بعد الرد لكن يمكن اسقاطه قبل الرد.

الثانى: انه لا نسلم كون الخيار بعد الرد مطلقا بل الغالب كون الخيار مجعولا من قبل الرد (او نقول) فى تقرير الاشكال الثانى ان السيد قال «الخيار بعد الرد مطلقا» و الحال انه قد يكون قبل الرد و قد يكون بعد الرد

ف (ان المتبع) فى كون الخيار قبل الرد، او بعد الرد (مدلول

ص: 379

الجملة الشرطية الواقعة فى متن العقد.

فقد يؤخذ الرد فيها قيدا للخيار.

و قد يؤخذ قيدا للفسخ.

نعم لو جعل الخيار و الرد فى جزء معين من المدة، كيوم بعد السنة كان التصرف قبله تصرفا مع لزوم العقد، و جاء فيه الاشكال فى صحة الاسقاط هنا، و لو قولا.

______________________________

الجملة الشرطية الواقعة فى متن العقد) فى كلام المتعاقدين.

(فقد يؤخذ الرد فيها) فى الجملة الشرطية (قيدا للخيار) فلا خيار قبل الرد.

(و قد يؤخذ) الرد (قيدا للفسخ) فالخيار موجود قبل الرد لكن الفسخ يتوقف على الرد.

(نعم) يصح قول بحر العلوم من انه لا خيار قبل الرد فيما (لو جعل الخيار و الرد) كلاهما (فى جزء معين من المدة) التى قررت بعد العقد (كيوم بعد السنة) من العقد.

كما اذا باعه اوّل يوم من رمضان و قال له: لى الخيار فى اوّل يوم من رمضان السنة الآتية (كان التصرف قبله) اى قبل ذلك اليوم (تصرفا) فى الثمن (مع لزوم العقد) اذ العقد لازم قبل اوّل يوم من شهر رمضان (و جاء فيه) اى فى قبل ذلك اليوم (الاشكال فى صحة الاسقاط) للخيار (هنا، و لو) كان اسقاطا (قولا).

فاذا لم يصح الاسقاط القولى، لم يصح الاسقاط الفعلى اى التصرف

ص: 380

من عدم تحقق الخيار.

و من تحقق سببه.

و اما المناقشة فى تحديد مبدأ الخيار بالرد بلزوم جهالة مدة الخيار.

ففيه انها لا تقدح مع تحديد زمان التسلط على الردّ و الفسخ بعده إنشاء.

______________________________

أيضا.

وجه الاشكال تعارض جهتين.

(من عدم تحقق الخيار) لفرض ان الخيار لا يكون الا فى اوّل يوم من رمضان فلا يحق له اسقاطه، لانه اسقاط ما لم يثبت.

(و من تحقق سببه) الّذي هو العقد فيحق له اسقاطه.

(و اما المناقشة) التى ذكرها الجواهر بقوله «ان ذلك يقتضي جهالة مبدأ الخيار» حيث توهم انه (فى تحديد مبدأ الخيار بالرد) اشكال (بلزوم جهالة مدة الخيار) لان اوّل الخيار محدّد بالرد، فاذا جهل وقت الرد جهل مدة الخيار.

(ففيه انها) اى الجهالة (لا تقدح مع تحديد زمان التسلط على الردّ و الفسخ) اى ان يفسخ (بعده) اى بعد الردّ (إنشاء) اى ينشئ الفسخ بعد الرد.

و ذلك لما نبه عليه المحقق الخراسانى، من انه لا وجه لقدح جهالة مدة الخيار الا الغرر، و لا غرر اصلا فيما اذا كان منشأ الخيار فى المدة

ص: 381

نعم ذكر فى التذكرة انه لا يجوز اشتراط الخيار من حين التفرق، اذا جعلنا مبدئه عند الاطلاق من حين العقد.

لكن الفرق يظهر بالتأمل و اما الاستشهاد عليه بحكم العرف.

______________________________

المعينة بيده بحيث يمكن انشائه بعد الرد فى اى جزء شاء من تلك المدة

(نعم ذكر فى التذكرة) ما ظاهره: قدح جهالة مدة الخيار.

فقد قال ب (انه لا يجوز اشتراط الخيار من حين التفرق، اذا جعلنا مبدئه) اى مبدأ الخيار (عند الاطلاق) اى اذا اطلق الخيار و لم يعين مبدئه (من حين العقد) و ليس منع التذكرة ذلك الا لانه غرر و عليه فلا يصح قولنا «لا تقدح».

(لكن الفرق) بين ما ذكرناه و بين ما ذكره التذكرة (يظهر بالتأمل).

فلا يكون كلام التذكرة ردا لقولنا «لا يقدح».

قال العلامة الطباطبائى فى وجه الفرق ان امر التفرق المحدث للخيار «كما ذكره التذكرة» ليس بيده، فجهالة حدوث زمان الخيار فيه قادحة دون ما ذكرناه، لان امر الردّ بيده، فامر الخيار أيضا بيده، و هذا لا يوجب الجهالة و الغرر.

اقول لا يخفى ما فى الفرق من الاشكال (و اما الاستشهاد) اى استشهاد الجواهر (عليه) اى على ان مجموع المدة هو زمن الخيار (بحكم العرف) بمعنى ان العرف يفهم من العبارة المتعارفة بين الناس فى مقام إنشاء شرط الفسخ برد الثمن- تحقق الخيار فى مجموع المدة حيث تقدم عن الجواهر قوله «بان الظاهر من اطلاق العرف هو كون

ص: 382

ففيه ان زمان الخيار- عرفا- لا يراد به، الا ما كان الخيار متحققا فيه شرعا، او بجعل المتعاقدين و المفروض ان الخيار هنا جعلى.

فالشك فى تحقق الخيار قبل الرد بجعل المتعاقدين.

______________________________

مجموع المدة زمان الخيار» فليس مبدأ الخيار من حين الرد- كما ذكره المصابيح-.

و الحاصل: ان المصابيح قال «مبدأ الخيار من حين الرد» و رده الجواهر «بان العرف يرى ان الخيار فى مجموع المدة».

(ففيه) انا لا نسلم ان العرف يرى ان زمن الخيار مجموع المدة، بل العرف يرى ان المرجع فى مدة الخيار هو جعل المتعاقدين، فاللازم الرجوع إليهما فى حالة الشك، ل (ان زمان الخيار- عرفا-) اى ما يطلق عليه فى العرف انه زمان الخيار (لا يراد به، الا ما كان الخيار متحققا فيه) اى فى ذلك الزمان تحققا (شرعا) بجعل الشارع- كخيار الحيوان- (او) تحققا (بجعل المتعاقدين) فاذا كان الشارع قرر الخيار لزم مراجعة الشارع فى مدة الخيار، و اذا كان المتعاقدان جعلا الخيار فاللازم مراجعتهما لمعرفة المدة التى جعلاها (و المفروض ان الخيار هنا) فى خيار الشرط فى البيع (جعلى) بجعل المتعاقدين لا بجعل الشارع.

(فالشك) منا (فى) انه هل (تحقق الخيار قبل الرد) أم لا؟ انما هو شك (بجعل المتعاقدين) و انهما كيف جعلا الخيار؟ فهما المرجع لا كما ذكره الجواهر «من ان الظاهر من اطلاق العرف هو كون مجموع المدة

ص: 383

و اما ما ذكره بعض الاصحاب فى رد الشيخ من بعض اخبار المسألة فلعلّهم فهموا من مذهبه توقف الملك على انقضاء زمان الخيار مطلقا، حتى المنفصل كما لا يبعد عن اطلاق كلامه، و اطلاق ما استدل

______________________________

زمن الخيار».

(و اما ما ذكره بعض الاصحاب فى رد الشيخ من بعض اخبار المسألة) حيث ان الجواهر استشهد بذلك فى رد المصابيح حيث قال الجواهر «و تضعيف كثير من الاصحاب ... الخ» فان الجواهر استدل بذكر بعض الاصحاب: ان الخيار فى مجموع المدة لرد المصابيح القائل بان الخيار فى بعض المدة (فلعلّهم فهموا من مذهبه) اى من مذهب الشيخ (توقف الملك على انقضاء زمان الخيار مطلقا، حتى) الخيار (المنفصل) فردوه بانه لا يشترط فى الملك انقضاء الخيار المنفصل بدليل اثبات الرواية له ملك الغلة، مع ان الخيار لم ينقض فى الخيار المنفصل، فليس كلام بعض الاصحاب فى ردّ الشيخ دليلا على كون مجموع المدة زمان الخيار ليأخذ هذا الكلام صاحب الجواهر، و يرد به على السيد القائل:

بان مبدأ الخيار من حين الرد فليس تمام المدة زمان الخيار فتحصل قول الشيخ، و رد بعض الاصحاب له، و فهم الجواهر لردّ بعض الاصحاب تفسيرا، و بهذا الفهم رد على السيد، و تفسير المصنف لرد بعض الاصحاب على ضوء فهم جديد لقول الشيخ و بهذا التفسير ردّ فهم الجواهر، و بذلك صحح المصنف كلام السيد (كما لا يبعد) الاطلاق حتى للمنفصل (عن اطلاق كلامه) اى كلام الشيخ (و) عن (اطلاق ما استدل

ص: 384

له به من الاخبار.

الأمر الخامس: لو تلف المبيع كان من المشترى،

سواء كان قبل الرد او بعده و نمائه أيضا له مطلقا.

و الظاهر عدم سقوط خيار البائع، فيسترد المثل او القيمة برد الثمن، او بدله.

و يحتمل عدم الخيار بناء على ان مورد هذا الخيار هو الزام ان له رد الثمن

______________________________

له) اى لكلامه (به) اى بذلك الاطلاق و الضمير عائد الى «ما» (من الاخبار) «من» بيان «ما».

(الامر الخامس) من الامور المربوطة بخيار الشرط (لو تلف المبيع) فى ايام الخيار (كان) التلف (من المشترى) لقاعدة ان التلف فى زمن الخيار لمن لا خيار له، فان المشترى لا خيار له و انما الخيار للبائع (سواء كان) التلف (قبل الرد او بعده) لما تقدم من وجود الخيار من حين العقد (و نمائه) اى نماء المبيع (أيضا له) اى للمشترى لقاعدة «ان من له الغنم فعليه الغرم» (مطلقا) سواء كان النماء قبل الرد او بعده.

(و الظاهر) فيما اذا تلف المبيع (عدم سقوط خيار البائع، ف) اذا فسخ (يسترد) البائع (المثل) اذا كان المبيع مثليا (او القيمة) اذا كان قيميّا (ب) مقابل (رد الثمن) عينا (او بدله) اذا صح رد بدله.

(و يحتمل عدم الخيار) للبائع اذا تلف المبيع عنده (بناء على ان مورد هذا الخيار) اى بيع الخيار (هو الزام ان له) اى للبائع (رد الثمن

ص: 385

و ارتجاع البيع.

و ظاهره اعتبار بقاء المبيع فى ذلك، فلا خيار مع تلفه.

ثم انه لا تنافى بين شرطية البقاء، و عدم جواز تفويت الشرط، فلا يجوز للمشترى اتلاف المبيع كما سيجي ء فى احكام الخيار.

______________________________

و ارتجاع البيع) بعينه.

(و ظاهره) اى ظاهر هذا الشرط (اعتبار بقاء المبيع فى ذلك) اى فى الالزام (فلا خيار) للبائع (مع تلفه) لانه قد فقد الموضوع، و بدون الموضوع لا حكم.

(ثم انه) ربما يستشكل انه كيف يمكن الجمع بين «ان الشرط فى الخيار بقاء المبيع» و بين «انه لا يجوز تفويت مورد الشرط اى لا يجوز تلف المبيع».

وجه المنافات «ان المعلق على شي ء لا يقتضي وجود المعلق عليه» مثلا: اذا علق الحج على الاستطاعة، او علق الصوم على الحضر، او علق الصلاة على طهارة المرأة من الحيض، لم يقتض ايجاد او ابقاء الاستطاعة و لا ايجاد او ابقاء الحضر، و لا ايجاد او ابقاء الطهارة.

فكيف تقولون- فى مقامنا- ان الخيار معلق على بقاء المبيع، مع قولكم بوجوب ابقاء المبيع.

و الجواب: انه (لا تنافى بين شرطية البقاء) فى صحة الخيار (و) بين (عدم جواز تفويت الشرط).

و عليه (فلا يجوز للمشترى اتلاف المبيع كما سيجي ء فى احكام الخيار).

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 11، ص: 387

ص: 386

لان غرض البائع من الخيار استرداد عين ماله، و لا يتم الا بالتزام ابقائه للبائع.

و لو تلف الثمن فان كان بعد الرد و قبل الفسخ، فمقتضى ما سيجي ء من ان التلف فى زمان الخيار ممن لا خيار له كونه من المشترى و ان كان

______________________________

و انما قلنا: انه لا تنافى (لان غرض البائع من الخيار استرداد عين ماله) غالبا (و لا يتم) هذا الفرض الّذي هو شرط ضمنى فى بيع الخيار (الا بالتزام) المشترى (ابقائه) اى ابقاء نفس المبيع (للبائع).

و انما قلنا «غالبا» لانه قد يكون غرض البائع الحصول على الاعم منه و من مثله.

كما اذا باع بيعا خياريا كتابا و كان قصده الدرس فى ذلك الكتاب فلا يهمه ان استرجع عين كتابه او بدله.

و فى المقام حيث لا شرط ضمنى بارجاع الكتاب بعينه، يحق للمشترى اتلافه و ارجاع بدله عند الفسخ.

و منه يعلم انه يمكن جعل الشرط ارجاع القيمى بالمثل «مثلا عرفا» كما اذا باعه شاة و كان مقصوده لحمها، فلا يهم ان يرجع عينها او بدلها

(و لو تلف الثمن) و لم يتلف المثمن (فان كان) التلف (بعد الرد و قبل الفسخ)- فيما اذا لم يكن نفس الرد فسخا- (فمقتضى ما سيجي ء من ان التلف فى زمان الخيار ممن لا خيار له كونه) اى التلف (من المشترى) لان المشترى لا خيار له فى بيع الشرط و انما الخيار للبائع فقط (و ان كان) الثمن

ص: 387

ملكا للبائع، الا ان يمنع شمول تلك القاعدة للثمن، و يدعى اختصاصها بالمبيع، كما ذكره بعض المعاصرين و استظهره من رواية معاوية بن ميسرة المتقدمة و لم اعرف وجه الاستظهار اذ ليس فيها الا ان نماء الثمن للبائع، و تلف المبيع من المشترى، و هما اجماعيان

______________________________

(ملكا للبائع) اذ القاعدة عامة و لا يلاحظ فيها ان التالف ملك من كان (الا ان يمنع شمول تلك القاعدة) قاعدة: التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له (للثمن) فيكون تلف الثمن من كيس البائع (و يدعى اختصاصها) اى تلك القاعدة (بالمبيع) فقط (كما ذكره بعض المعاصرين) و هو صاحب الجواهر (و استظهره) اى استظهر ادعائه بان القاعدة خاصة بالمبيع و لا تشمل الثمن (من رواية معاوية بن ميسرة المتقدمة و) لكنى (لم اعرف وجه الاستظهار).

اقول: الرواية هى قال سمعت أبا الجارود، و يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل باع دارا له من رجل، و كان بينه و بين الرجل الّذي اشترى منه الدار خلطة، فشرط انك ان أتيتنى بمالى ما بين ثلاث سنين فالدار دارك، فاتاه بما له قال له شرطه، قال له ابو الجارود فان هذا الرجل قد اصاب فى هذا المال فى ثلاث سنين قال عليه السلام هو ماله، و قال عليه السلام أ رأيت لو ان الدار احترقت من مال من كانت يكون الدار دار المشترى (اذ ليس فيها) اى فى الرواية (الا ان نماء الثمن للبائع، و تلف المبيع من المشترى، و هما اجماعيان).

و على طبق القاعدة «فنماء الثمن للبائع» تدل عليه «قاعدة ان

ص: 388

حتى فى مورد كون التلف ممن لا خيار له فلا حاجة لهما الى تلك الرواية

و لا تكون الرواية مخالفة للقاعدة، و انما المخالف لها هى قاعدة ان الخراج بالضمان اذا انضمت الى الاجماع على كون النماء للمالك.

نعم الاشكال فى عموم تلك القاعدة

______________________________

النماء تابع للملك» فان الثمن حيث كان للبائع كان نمائه للبائع.

«و تلف المبيع من المشترى» تدل عليه «قاعدة التلف من المالك» حيث ان المبيع للمشترى (حتى فى مورد كون التلف ممن لا خيار له) و اذ كان الحكمان المذكوران على طبق الاجماع و القاعدة (فلا حاجة لهما) اى للحكمين المذكورين (الى تلك الرواية) رواية معاوية بن ميسرة

(و) قد عرفت انه (لا تكون الرواية مخالفة للقاعدة) بل القاعدة على طبق الرواية (و انما المخالف لها) اى للرواية (هى قاعدة ان الخراج بالضمان اذا انضمت) القاعدة (الى الاجماع على كون النماء للمالك).

اذ «نماء الثمن للبائع لان الثمن ملكه» و «تلف الثمن على المشترى لان التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له» و حيث ان المشترى لا خيار له فالتلف يكون عليه.

و هذان الحكمان «نماء الثمن للبائع و تلفه على المشترى» يتنافيان مع قاعدة «الخراج بالضمان» لان هذه القاعدة تقول «كل من ربح النماء يخسر اذا تلف» و الحكمان يقولان «يربح انسان و يخسر انسان آخر».

(نعم الاشكال فى عموم تلك القاعدة) قاعدة «التلف فى زمن الخيار

ص: 389

للثمن كعمومها لجميع افراد الخيار.

لكن الظاهر من اطلاق غير واحد عموم القاعدة للثمن، و اختصاصها بالخيارات الثلاثة اعنى خيار المجلس و الشرط و الحيوان.

و سيجي ء الكلام فى احكام الخيار.

و ان كان التلف قبل الرد فمن البائع بناء على عدم ثبوت الخيار قبل الرد

______________________________

ممن لا خيار له» (للثمن) اذ المتيقن من القاعدة «المثمن» (ك) ما ان الاشكال أيضا موجود فى (عمومها) اى عموم قاعدة «التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له» (لجميع افراد الخيار) فهل ان التلف «فى كل خيار» ممن لا خيار له، أم ان القاعدة خاصة ببعض الخيارات.

(لكن الظاهر من اطلاق غير واحد) من الفقهاء (عموم القاعدة) قاعدة «التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له» (للثمن) فتلف الثمن كتلف المثمن ممن لا خيار له (و اختصاصها) اى القاعدة (بالخيارات الثلاثة) فقط (اعنى خيار المجلس و الشرط و الحيوان) دون سائر الخيارات.

(و سيجي ء) تفصيل (الكلام) فى ذلك (فى احكام الخيار) ان شاء الله تعالى.

ثم لا يخفى: ان بعض المعلقين ذكر وجه استظهار الجواهر، لكن حيث ان بيانه خارج عن مقصد الشرح، فالراغب يرجع الى محله.

(و ان كان التلف) للثمن (قبل الرد) للمثمن- و هذا عطف على قوله: فان كان بعد الرد و قبل الفسخ- (ف) يكون التلف (من البائع) و ذلك (بناء على عدم ثبوت الخيار) للبائع (قبل الرد) فلا تجرى قاعدة:

ص: 390

و فيه: مع ما عرفت من منع المبنى منع البناء فان دليل ضمان من لا خيار له مال صاحبه و هو تزلزل البيع، سواء كان بخيار متصل او بمنفصل كما يقتضيه اخبار تلك المسألة كما سيجي ء.

______________________________

التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له حتى يكون التلف من المشترى.

(و فيه: مع ما عرفت من منع المبنى) اذ قد تقدم فى ردّ العلامة الطباطبائى عدم كلية عدم الخيار قبل الرد، بل قد يكون خيار قبل الرد و قد لا يكون، فلا يصح اطلاق القول «بان التلف قبل الرد من البائع» (منع البناء) فانا اذا سلمنا صحة المبنى لكن نقول «ان البناء على هذا المبنى غير صحيح».

و بعبارة اخرى لا نسلم الصغرى، و ان سلمنا الكبرى، فانا نمنع كون التلف من غير ذى الخيار يتوقف على ثبوت الخيار الفعلى، بل اذا كان الخيار شأنيا يكون التلف من غير ذى الخيار الشأنى أيضا.

و استدل المصنف لهذا المنع بقوله: (فان دليل ضمان من لا خيار له) اى قاعدة «التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له» (مال صاحبه) مفعول «ضمان» (و هو تزلزل البيع) خبر «فان» (سواء كان) التزلزل (بخيار متصل) بان كان الخيار فعليا (او ب) خيار (منفصل) بان كان الخيار شأنيا (كما يقتضيه) اى يقتضي هذا الاطلاق الشامل للخيارين المتصل و المنفصل (اخبار تلك المسألة) اى مسألة: ان التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له (كما سيجي ء) ان شاء الله تعالى.

ص: 391

ثم ان قلنا بان تلف الثمن من المشترى انفسخ البيع.

و ان قلنا بانه من البائع فالظاهر بقاء الخيار فيرد البدل، و يرتجع المبيع.

______________________________

(ثم ان قلنا بان تلف الثمن من المشترى) لان التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له (انفسخ البيع) لان الثمن رجع الى المشترى، فبطلت المعاملة و رجع المثمن الى البائع.

(و ان قلنا بانه من البائع) لان القاعدة المتقدمة لا تشمل الثمن كما تقدم (فالظاهر بقاء الخيار) للبائع لما تقدم من ان المراد ب «الرد» المشروط رد العين او القيمة (ف) اذا تعذرت العين (يرد) البائع (البدل) للقيمة (و يرتجع المبيع) بعد فسخه للعقد.

ص: 392

الأمر السادس لا اشكال فى القدرة على الفسخ برد الثمن على نفس المشترى،

او برده على وكيله المطلق، او الحاكم، او العدول، مع التصريح بذلك فى العقد و ان كان المشروط هو رده الى المشترى مع عدم التصريح ببدله فامتنع رده إليه عقلا لغيبة و نحوها او شرعا لجنون و نحوه

ففى حصول الشرط بردّه الى الحاكم كما اختاره المحقق القمى فى بعض

______________________________

(الامر السادس) من الامور المرتبطة ببيع الشرط (لا اشكال فى القدرة) للبائع (على الفسخ برد الثمن على نفس المشترى) اذا بقى على شرائط التكليف (او برده على وكيله المطلق) الوكيل فى كل شي ء لا الوكيل فى امر خاص غير اخذ الثمن و الا فلا اشكال فى صحة الرد على وكيله فى اخذ الثمن كما انه لا يكفى ردّه على وكيله فى ما اذا شرط رده على نفسه فقط (او الحاكم) فى ما اذا تعذر الرد على وكيله (او العدول) المؤمنين اذا تعذر الحاكم و وكيل الحاكم (مع التصريح بذلك) بان يرده على وكيله و نحوه (فى العقد) لانه مع التصريح قد و فى بالشرط، فله استرجاع المبيع (و ان كان المشروط) فى العقد (هو رده الى المشترى مع عدم التصريح ببدله) اى بدل المشترى (فامتنع رده إليه عقلا، لغيبة و نحوها) كما اذا كان مسجونا لا يمكن الوصول إليه (او شرعا لجنون و نحوه) كالاغماء.

(ففى حصول الشرط بردّه الى الحاكم) الشرعى و وكيله (كما اختاره المحقق القمى فى بعض

ص: 393

اجوبة مسائله و عدمه كما اختاره سيد مشايخنا فى مناهله قولان.

و ربما يظهر من صاحب الحدائق الاتفاق على عدم لزوم رد الثمن الى المشترى مع غيبته حيث انه بعد نقل قول المشهور بعدم اعتبار حضور الخصم فى فسخ ذى الخيار، و انه لا اعتبار بالاشهاد خلافا لبعض علمائنا.

قال: ان ظاهر الرواية اعتبار حضور المشترى ليفسخ البائع بعد دفع الثمن إليه.

______________________________

اجوبة مسائله) لانه ولى الممتنع و القاصر و نحوهما، فالحاكم- فى هذا الحال- كالمشترى- (و عدمه) فلا يصح رده الى الحاكم فى فسخ المعاملة (كما اختاره سيد مشايخنا فى مناهله) لان الشرط متعذر، و اذا تعذر الشرط تعذر الفسخ (قولان).

(و) لكن (ربما يظهر من صاحب الحدائق الاتفاق) من العلماء (على عدم لزوم رد الثمن الى المشترى مع غيبته) بل يكفى ردّه الى الحاكم فى صحة الفسخ فيكون قول المناهل خلاف الاجماع (حيث انه) اى الحدائق (بعد نقل قول المشهور بعدم اعتبار حضور الخصم) اى طرف ذى الخيار (فى فسخ ذى الخيار) فى مطلق الخيارات، بل لذى الخياران يفسخ فى غيبة الخصم (و انه لا اعتبار بالاشهاد) اى اخذ الشاهد عند الفسخ (خلافا لبعض علمائنا) حيث اعتبروا الاشهاد عند الفسخ.

(قال: ان ظاهر الرواية) المراد بالرواية الجنس لا رواية خاصة (اعتبار حضور المشترى ليفسخ البائع) و يكون الفسخ (بعد دفع الثمن إليه) اى الى

ص: 394

فما ذكروه من جواز الفسخ مع عدم حضور المشترى، و جعل الثمن امانة الى ان يجي ء المشترى و ان كان ظاهرهم الاتفاق عليه الا انه بعيد عن مساق الاخبار المذكورة، انتهى.

اقول: لم اجد فيما رأيت من تعرض لحكم رد الثمن مع غيبة المشترى فى هذا الخيار و لم يظهر منهم جواز الفسخ بجعل الثمن امانة عند البائع حتى يحضر المشترى.

و ذكرهم لعدم اعتبار حضور الخصم فى فسخ ذى الخيار

______________________________

المشترى.

(فما ذكروه) الفقهاء (من جواز الفسخ) اى جواز فسخ البائع فى بيع الشرط (مع عدم حضور المشترى، و) اذا فسخ (جعل الثمن امانة الى ان يجي ء المشترى) ليرده عليه (و ان كان ظاهرهم الاتفاق عليه) اى على جواز الفسخ، و جعل الثمن امانة (الا انه بعيد عن مساق الاخبار المذكورة) اى ما قال بانه ظاهر الرواية (انتهى) كلام الحدائق.

(اقول: لم اجد فيما رأيت من تعرض لحكم رد الثمن مع غيبة المشترى فى) مسألة (هذا الخيار) خيار الشرط، فكيف نسب الحدائق إليهم انهم ذكروه (و لم يظهر منهم جواز الفسخ بجعل الثمن امانة عند البائع حتى يحضر المشترى) اذا فسخ فى حال غياب المشترى.

فقول الحدائق «و جعل الثمن امانة ..» من اين ذكره.

(و) ان اعتمد الحدائق فى النسبة إليهم الى (ذكرهم لعدم اعتبار حضور الخصم فى فسخ ذى الخيار) ففيه انه لا يصلح مستندا له لانه

ص: 395

انما هو لبيان حال الفسخ من حيث هو فى مقابل العامة، و بعض الخاصة حيث اشترطوا فى الفسخ بالخيار حضور الخصم.

و لا تنافى بينه و بين اعتبار حضوره لتحقق شرط آخر للفسخ، و هو ردّ الثمن الى المشترى، مع ان ما ذكره من اخبار المسألة لا يدل على اعتبار حضور الخصم فى الفسخ و ان كان موردها صورة حضوره لاجل تحقق الرد.

______________________________

(انما هو لبيان حال الفسخ من حيث هو) فسخ.

و من المعلوم انه لا يشترط فى الفسخ حضور الخصم (فى مقابل العامة و بعض الخاصة حيث اشترطوا فى الفسخ بالخيار حضور الخصم).

(و) من المعلوم انه (لا تنافى بينه) اى بين كلامهم فى رد العامة، و بعض الخاصة (و بين اعتبار حضوره) اى الخصم (لتحقق شرط آخر للفسخ، و) الشرط الآخر (هو ردّ الثمن الى المشترى) لان ردّ الثمن الى المشترى شرط فى الفسخ حسب قرار المتعاقدين (مع ان ما ذكره) اى الحدائق (من اخبار المسألة) التى ادعى ظهورها فى حضور المشترى عند فسخ البائع (لا يدل على اعتبار حضور الخصم فى الفسخ) لانها لم تشترط ذلك (و ان كان موردها صورة حضوره) اى حضور الخصم (لاجل تحقق الرد).

فان عملية الرد لا تكون الا بحضور من يأخذ، الا ان المورد «غير الاشتراط» فلا يمكن ان يجعل المورد شرطا.

ثم بين المصنف وجه ان كون «المورد حضور المشترى» لا يلازم

ص: 396

الا ان الفسخ قد يتأخر عن الرد بزمان بناء على مغايرة الفسخ للرد، و عدم الاكتفاء به عنه.

نعم لو قلنا بحصول الفسخ بالرد اختص موردها بحضور الخصم.

لكن الاصحاب لم ينكروا اعتبار الحضور فى هذا الخيار، خصوصا لو فرض قولهم بحصول الفسخ بمجرد ردّ الثمن، فافهم.

و كيف كان فالاقوى فيما لم يصرح باشتراط الردّ الى خصوص المشترى

______________________________

حضوره «فى الفسخ» بقوله (الا ان الفسخ قد يتأخر عن الرد بزمان) فيرد البائع الثمن اليوم و يفسخ البيع غدا (بناء على مغايرة الفسخ للرد) بان لا يكون نفس الرد فسخا (و) بناء على (عدم الاكتفاء به) بالرد (عنه) اى عن الفسخ.

(نعم لو قلنا بحصول الفسخ بالرد اختص موردها) اى مورد تلك الاخبار (بحضور الخصم) هذا كله رد على صاحب الحدائق.

(لكن) يمكن تصحيح كلامه الاخير القائل باعتبار حضور المشترى فى الفسخ بان (الاصحاب لم ينكروا اعتبار الحضور) اى حضور المشترى (فى هذا الخيار) اى خيار الشرط (خصوصا لو فرض قولهم بحصول الفسخ بمجرد ردّ الثمن) و ان الفسخ و الرد شي ء واحد (فافهم) فان ذكر الاصحاب لا يفيد الاشتراط، و لعلهم ذكروا ذلك فى مورد كان الرد فسخا فلا اطلاق لكلامهم.

(و كيف كان) كلام الاصحاب (فالاقوى فيما لم يصرح) فى العقد (باشتراط الردّ الى خصوص المشترى) بنفسه

ص: 397

هو قيام الولى مقامه، لان الظاهر من الرد الى المشترى حصوله عنده، و تملكه له، حتى لا يبقى الثمن فى ذمة البائع بعد الفسخ.

و لذا لو دفع الى وارث المشترى كفى، و كذا لو رد وارث البائع مع ان المصرح به فى العقد رد البائع و ليس ذلك لاجل إرثه للخيار

______________________________

(هو قيام الولى) وكيلا كان او حاكما او وليا- كما اذا جن- او من اشبههم (مقامه) اى مقام المشترى فى كفايته فى الفسخ (لان الظاهر من) شرطهما حال العقد (الرد الى المشترى) هو (حصوله) اى الثمن (عنده) اى عند المشترى (و تملكه له) بدخول الثمن فى ملك المشترى (حتى لا يبقى الثمن فى ذمة البائع بعد الفسخ) و هذا يحصل اذا سلّم الثمن الى ولى المشترى.

(و لذا) الّذي ذكرنا من ان المعيار حصول الثمن للمشترى «و ذلك يحصل بتسليمه الى ولى المشترى» (لو دفع) البائع بعد الفسخ الثمن (الى وارث المشترى) فيما لو مات المشترى (كفى).

و انما نقول بانه «كفى» لان العرف يرى انه وفاء بالشرط «مما يكشف عن ان الشرط عرفا لم يكن اكثر من ذلك» (و كذا لو رد وارث البائع) بان مات البائع و ردّ وارثه الثمن الى المشترى (مع ان المصرح به فى العقد رد البائع) الثمن (و ليس ذلك) كفاية ردّ وارث البائع الى المشترى (لاجل إرثه) اى إرث الوارث (للخيار) حتى يقال: ان وارث البائع حيث ورث الخيار كان له ان يرد الثمن، فلا يدل ردّ وارث البائع على كفاية «الدفع الى وارث المشترى».

ص: 398

لان ذلك متفرع على عدم مدخلية خصوص البائع فى الردّ، و كذا الكلام فى وليه.

و دعوى ان الحاكم انما يتصرف فى مال الغائب على وجه الحفظ و المصلحة، و الثمن قبل ردّه باق على ملك البائع

______________________________

و انما قلنا «ليس ذلك» (لان ذلك) اى إرث البائع للخيار (متفرع على عدم مدخلية خصوص البائع فى الرد) اذ لو كان للبائع خصوصية لم يكن يورث خياره، كما اذا صرح بان للبائع فقط «دون وارثه» الخيار و اذ لم يكن «ردّ وارث البائع» الا لاجل عدم الخصوصية فى البائع كان اخذ ولى المشترى كافيا لوحدة المناط فى وارث البائع و ولى المشترى، و المناط هو الدفع من قبل البائع و الاخذ من طرف المشترى، سواء كان الراد و الآخذ نفس البائع و المشترى او انسانا آخر مربوطا بهما من وارث و ولى (و كذا الكلام فى وليه) اى ولى البائع.

(و) ان قلت: لا حق للحاكم ان يأخذ الثمن من البائع لان اخذه من البائع خلاف مصلحة المشترى اذ معنى اخذ الحاكم ان البائع يحق له الفسخ، و الفسخ ضرر على المشترى، فان الدار المنتقلة الى المشترى مثلا- اعلى من ثمنها الّذي دفعه المشترى الى البائع، و قبض الحاكم للثمن يوجب تضرر المشترى بذهاب الدار عن يده.

قلت: (دعوى ان الحاكم انما يتصرف فى مال الغائب على وجه الحفظ و المصلحة) فانه ليس للحاكم الا العمل بما هو صلاح الغائب (و الثمن قبل ردّه) الى الحاكم الولى للمشترى (باق على ملك البائع) و فى قباله

ص: 399

و قبضه عنه الموجب لسلطنة البائع على الفسخ قد لا يكون مصلحة للغائب او شبهه، فلا يكون وليا فى القبض فلا يحصل ملك المشترى المدفوع بعد الفسخ، مدفوعة ب

______________________________

المثمن باق على ملك المشترى (و قبضه) اى قبض الحاكم الثمن (عنه) اى عن قبل المشترى (الموجب) ذلك القبض (لسلطنة البائع على الفسخ قد لا يكون مصلحة للغائب) الّذي هو المشترى (او شبهه) اى شبه الغائب

كما اذا جن المشترى فكان الحاكم وليا له، و اذ لم يكن اخذ الحاكم الثمن لمصلحة المشترى (فلا يكون) الحاكم (وليا فى القبض) لانه ولى فى العمل لمصلحة المولّى عليه، لا انه ولى مطلقا و اذ لم يكن الحاكم وليا (فلا يحصل ملك المشترى المدفوع) اى للثمن الّذي قبضه الحاكم (بعد الفسخ) «بعد» متعلق ب «ملك» لان ملك المشترى يحصل للثمن بعد فسخ البائع، و فى المقام حيث لم يقبض المشترى الثمن- و الحاكم القابض ليس وليا له حسب الفرض- لا ينفع فسخ البائع فى ملكية المشترى للثمن اذ الفسخ انما يكون مملّكا للمشترى اذا كان المشترى قد قبض الثمن (مدفوعة) خبر «دعوى» (ب) انه لا يشترط فى ولاية الحاكم على المشترى «مصلحة المشترى» هنا، بل كما ان البائع كان يرد على نفس المشترى و ان لم يكن الرد مصلحة للمشترى، كذلك يرد البائع على من يقبض عن المشترى و ان لم يكن الرد مصلحة للمشترى.

فحال الحاكم حال المشترى فى انه مجبور فى اخذ الثمن سواء كان الأخذ مصلحة للمشترى، أم لا، فان الشارع فى المقام راعى مصلحة البائع

ص: 400

ان هذا ليس تصرفا اختياريا من قبل الولى حتى يناط بالمصلحة، بل البائع حيث وجد من هو منصوب شرعا لحفظ مال الغائب صح له الفسخ، اذ لا يعتبر فيه قبول المشترى، او وليه للثمن، حتى يقال ان ولايته فى القبول متوقفة على المصلحة، بل المعتبر تمكين المشترى او وليه منه اذا حصل الفسخ.

و مما ذكرنا يظهر جواز الفسخ برد الثمن الى عدول المؤمنين ليحفظوها

______________________________

حيث ان بيده الخيار.

ف (ان هذا) الأخذ من الحاكم للثمن (ليس تصرفا اختياريا من قبل الولى) الّذي هو الحاكم (حتى يناط) هذا التصرف (بالمصلحة) للمشترى (بل البائع حيث وجد من هو منصوب شرعا لحفظ مال الغائب) الغائب الّذي هو المشترى (صح له) اى للبائع (الفسخ) و تسليم الثمن الى ولى المشترى (اذ لا يعتبر فيه) اى فى الفسخ (قبول المشترى، او وليه للثمن) بل المقدم للفسخ إرادة البائع، فان بيده الاختيار (حتى يقال ان ولايته) اى الحاكم (فى القبول) للثمن (متوقفة على المصلحة) مصلحة المشترى (بل المعتبر) فى الفسخ (تمكين المشترى او وليه منه) اى من الثمن (اذا حصل الفسخ) و فى المقام يمكن اعطاء الثمن لولى المشترى الّذي هو الحاكم.

(و مما ذكرنا) من جواز الفسخ اذا تمكن من اعطاء الثمن الى الحاكم (يظهر جواز الفسخ برد الثمن الى عدول المؤمنين) اذا لم يكن الحاكم الشرعى و لا وكيله (ليحفظوها) اى يحفظوا القيمة

ص: 401

حسبة عن الغائب، و شبهه.

و لو اشترى الأب للطفل بخيار البائع، فهل يصح له الفسخ؟ مع رد الثمن الى الولى الآخر، اعنى الجدّ مطلقا، او مع عدم التمكن من الرد الى الأب، او لا، وجوه.

______________________________

(حسبة) اى احتسابا و قربة الى الله (عن الغائب، و شبهه) كالمجنون بل يمكن ان يقال ان له الفسخ و وضعه امانة عند نفسه، اذا لم يجد عدول المؤمنين اذ لا خصوصية لعدول المؤمنين فان البائع كاحدهم و دليل: لا ضرر، يمنع من القول بعدم الفسخ حتى تنتهى المدة و يلزم البيع

(و لو اشترى الأب للطفل بخيار البائع، فهل يصح له) اى للبائع (الفسخ؟ مع رد الثمن الى الولى الآخر، اعنى الجدّ مطلقا) سواء تمكن من الردّ على الأب، أم لا (او) يصح الرد الى الجد (مع عدم التمكن من الرد الى الأب، أو لا) فلا بد من الارجاع الى الأب مطلقا فلو لم يتمكن من الارجاع الى الأب لم يصح له الفسخ (وجوه).

اما رد الثمن الى الولى الآخر مطلقا فلانهما وليان فيكونان بمنزلة واحدة فحالهما حال وكيلى انسان.

و اما عدم الرد الا الى الأب مع الامكان، فلانه مقتضى ظاهر الاشتراط عند العقد، فاذا لم يمكن الأب قام الولى و هو الجد مقامه.

و اما عدم الرد الى الجد مطلقا فللجمود على ظاهر الشرط عند العقد.

و الاقوى هو الاول و ان كان الاحوط الثانى، اما الثالث فهو بعيد

ص: 402

و يجرى مثلها فيما لو اشترى الحاكم للصغير فردّ البائع الى حاكم آخر، و ليس فى قبول الحاكم الآخر مزاحمة للاول حتى لا يجوز قبوله للثمن، و لا يجرى ولايته بالنسبة الى هذه المعاملة بناء على عدم جواز مزاحمة حاكم لحاكم آخر فى مثل هذه الامور

______________________________

جدا.

(و يجرى مثلها) اى مثل الوجوه الثلاثة (فيما لو اشترى الحاكم للصغير) و المجنون و نحوهما (فردّ البائع الى حاكم آخر، و) الظاهر جوازه لان الحكام كلهم وكلاء امام واحد، لكن فيما (ليس فى قبول الحاكم الآخر مزاحمة ل) الحاكم (الاول حتى لا يجوز قبوله) اى قبول الحاكم الآخر (للثمن) عن قبل المشترى (و) حتى (لا يجرى ولايته) اى ولاية الحاكم الثانى (بالنسبة الى هذه المعاملة) التى اجريت مع حاكم آخر (بناء على عدم جواز مزاحمة حاكم لحاكم آخر فى مثل هذه الامور) التى تسبّب الشجار و النزاع فى مقابل الامور التى لا تسبب ذلك، كما اذا كانت دارا مردّدة بين الملك و الوقف.

فحكم احدهما انها وقف و التولية لزيد، و حكم الآخر بانها ملك لزيد حيث لا موقع للشجار، اذ لا نزاع بين اثنين.

و وجه عدم جواز المزاحمة فيما اورث الشجار ان الحاكم وضع لاجل رفع النزاع و الشجار فلا يمكن ان يشرع حكم يوجب مزيدا من النزاع.

و اما من قال بعدم البأس فى المزاحمة مطلقا، قال بانهما وكيلان و لا يحق لهما الشجار، فلدى الاختلاف يكون المرجع من يفصل امثال

ص: 403

لما عرفت من ان أخذ الثمن من البائع ليس تصرفا اختياريا، بل البائع اذا وجد من يجوز ان يتملك الثمن عن المشترى عند فسخه جاز له الفسخ.

و ليس فى مجرد تملك الحاكم الثانى الثمن عن المشترى مزاحمة للحاكم الاول.

غاية الامر وجوب دفعه إليه مع احتمال عدم الوجوب، لان هذا

______________________________

هذه القضايا، و تفصيل الكلام فى ذلك فى كتاب القضاء.

فقوله: (لما عرفت) تعليل لجواز الفسخ باعطاء الثمن للحاكم (من ان أخذ الثمن من البائع ليس تصرفا اختياريا) حتى تلاحظ المصلحة (بل البائع اذا وجد من يجوز ان يتملك الثمن عن المشترى) اى يقبل الثمن ليكون ملكا للمشترى (عند فسخه) اى فسخ البائع للبيع، و «عند» متعلق ب «يتملك» (جاز له) اى للبائع (الفسخ).

(و) حيث يشكل الامر فى المقام بان اخذ الحاكم الثانى يوجب المزاحمة الممنوعة، قال (ليس فى مجرد تملك الحاكم الثانى الثمن عن المشترى مزاحمة للحاكم الاول) حتى لا يصح تسليم الثمن الى الحاكم الثانى.

(غاية الامر) اذا قلنا بعدم جواز المزاحمة (وجوب دفعه) اى الثمن (إليه) اى الى الحاكم الاول، فالفسخ جائز على كل حال (مع احتمال عدم الوجوب) اى عدم وجوب الدفع الى الحاكم الاول و ان كانت مزاحمة (لان هذا) الثمن الّذي يأخذه الحاكم الثانى بعد فسخ البائع بيع الشرط

ص: 404

ملك جديد للصغير لم يتصرف فيه الحاكم الاول، فلا مزاحمة.

لكن الاظهر انها مزاحمة عرفا.

الأمر السابع: اذا اطلق اشتراط الفسخ برد الثمن لم يكن له ذلك الا برد الجميع،

فلو رد بعضه لم يكن له الفسخ و ليس للمشترى التصرف فى المدفوع إليه، لبقائه على ملك البائع.

و الظاهر انه ضامن له لو تلف اذا دفعه إليه على وجه الثمنية، الا

______________________________

(ملك جديد للصغير لم يتصرف فيه الحاكم الاول) حتى يكون اعطاء الثمن الى الحاكم مزاحمة (فلا مزاحمة) بين الحاكمين.

(لكن الاظهر انها) اى تسليم الثمن الى الحاكم الثانى و تأنيث الضمير باعتبار «مزاحمة» (مزاحمة عرفا).

فاذا قلنا بعدم جواز المزاحمة لم يجز التسليم الى الحاكم الثانى.

(الامر السابع) من الامور المرتبطة بخيار الشرط (اذا اطلق اشتراط الفسخ برد الثمن لم يكن له ذلك) الفسخ (الا برد الجميع) اى جميع الثمن و ذلك لانه شرط الفسخ (فلو رد) البائع (بعضه) اى بعض الثمن (لم يكن له الفسخ) الا اذا اكمله بالبعض الآخر (و) اذا دفع البائع بعض الثمن (ليس للمشترى التصرف فى المدفوع إليه لبقائه على ملك البائع) و رضى البائع ان يتصرف فيه لا ينفع بعد ان كان رضا معامليا لا رضا مطلقا

(و الظاهر) من القواعد (انه) اى المشترى (ضامن له) اى للمقدار المدفوع إليه من الثمن (لو تلف) لقاعدة: على اليد (اذا دفعه إليه على وجه الثمنية) لانه ليس بثمن، و لا امانة، و لا وجه آخر لعدم الضمان (الا

ص: 405

ان يصرح بكونها امانة عنده الى ان يجتمع قدر الثمن فيفسخ البائع.

و لو شرط البائع الفسخ فى كل جزء برد ما يخصّه من الثمن جاز الفسخ فى ما قابل المدفوع، و للمشترى خيار التبعيض اذا لم يفسخ البائع بقية المبيع و خرجت المدة،

______________________________

ان يصرح) البائع المعطى (بكونها) اى العين المدفوعة بعنوان بعض الثمن (امانة عنده) اى عند المشترى، فقال هى امانة عندك (الى ان يجتمع قدر الثمن) كاملا (فيفسخ البائع) فانه اذا تلف عند المشترى حينئذ بدون تعدّ و تفريط لم يكن ضامنا، اذ الامين ليس بضامن، و لو تلف و اختلفا فى انه بتعد، أم لا، فليس عليه الا اليمين، كما هى القاعدة الكلية

(و لو شرط البائع) عند العقد (الفسخ فى كل جزء) جزء من اجزاء المبيع (ب) مقابل (ردّ) البائع (ما يخصّه) اى يخصّ ذلك الجزء (من الثمن) كما اذا باعه دارين بالفين، و شرط ان كل الف اذا دفع، كان له فسخ احدى الدارين (جاز الفسخ فى ما قابل المدفوع) حسب الشرط.

و الظاهر ان الفسخ بقدر ما بيد البائع، فاذا دفع الفا فى مقابل الدار الغربية، كان الراجع إليه الدار الغربية، و ان لم يرض المشترى بل اراد ارجاع الدار الشرقية (و للمشترى خيار التبعيض اذا لم يفسخ البائع بقية المبيع)، بان لم يعط بقية الثمن (و خرجت المدة) المضروبة اجلا للخيار، و ذلك لوضوح ان الشرط كان اعطاء جميع الثمن فى مقابل رد جميع المبيع، فاذا لم يعط جميع الثمن لم يكن له الفسخ، فاذا فسخ البعض و ظن المشترى انه مقدمة فسخ الكل كان ذلك مراعى بفسخ الكل

ص: 406

و هل له ذلك قبل خروجها؟ الوجه ذلك و يجوز اشتراط الفسخ فى الكل برد جزء معين من الثمن فى المدة، بل بجزء غير معين فيبقى

______________________________

فاذا لم يفسخ الكل، كان للمشترى الامتناع عن رد المبيع، و استرجاع ما رد منه اذا كان رد البعض (و هل له) اى للمشترى (ذلك) اى خيار التبعيض (قبل خروجها؟) اى قبل خروج المدة بان كانت المدة سنة مثلا و اعطى البائع فى نصف سنة نصف المبلغ، و استرجع دارا من الدارين مثلا- فللمشترى ان يأخذ بخيار التبعيض بان يسترد الدار و يرجع نصف الثمن و يحتفظ بالدارين معا الى ان يعطى البائع كل الثمن قبل السنة (الوجه ذلك) اى للمشترى حق ذلك لحصول سبب خيار التبعيض فعلا.

لكن فيه انه اذا كان الشرط اعطاء كل جزء عند اعطاء البائع كل جزء من الثمن لم يكن لخيار المشترى وجه، بعد ان رضى بالتبعيض حال العقد (و يجوز اشتراط الفسخ فى الكل) اى كل المبيع (برد جزء معين من الثمن فى المدة).

كما اذا قال البائع: افسخ العقد اذا اعطيت نصف الثمن (بل بجزء غير معين).

كما اذا قال البائع: افسخ العقد اذا اعطيت بعض الثمن و لم يعين مقدار ذلك البعض.

و انما يجوز ذلك لقاعدة: المؤمنون عند شروطهم.

و كيف كان (ف) اذا فسخ البائع بعد اعطاء جزء معين او جزء غير معين (يبقى

ص: 407

الباقى فى ذمة البائع بعد الفسخ.

الأمر الثامن كما يجوز للبائع اشتراط الفسخ برد الثمن، كذا يجوز للمشترى اشتراط الفسخ برد المثمن.

و لا اشكال فى انصراف الاطلاق الى العين.

و لا فى جواز التصريح برد بدله مع تلفه.

______________________________

الباقى فى ذمة البائع بعد الفسخ) فاذا دفع فهو، و الا كان للمشترى اخذه منه يجبر الحاكم، فاذا لم يمكنه ذلك، كان له الفسخ و استرجاع المثمن من البائع، و رد ما اعطاه من الثمن.

(الامر الثامن) من الامور المربوطة بخيار الشرط (كما يجوز للبائع اشتراط الفسخ برد الثمن، كذا يجوز للمشترى اشتراط الفسخ برد المثمن) فيقول المشترى للبائع اذا رددت الدار عليك فى مدة سنة كان لى فسخ العقد و استرجاع ثمنها.

و انما يجوز ذلك لاطلاق قاعدة: المؤمنون عند شروطهم.

(و لا اشكال فى انصراف الاطلاق) اى اطلاق المشترى قوله «ان رددت المثمن» (الى العين) فاللازم عليه ردّ عين المثمن اى نفس الدار- مثلا- لا ان يرد بدله مثلا اذا كان مثليا كما اذا كان المثمن حنطة، و قيمة اذا كان قيميا كما اذا كان المثمن الدار.

(و) كذلك (لا) اشكال (فى جواز التصريح برد بدله) اى بدل المثمن (مع تلفه) بان يقول المشترى «اردّ عين الدار، او الحنطة لدى وجودهما، و اراد بدلهما قيمة او مثلا لدى تلفهما.

ص: 408

لان مرجعه الى اشتراط الخيار برد المبيع، مع وجوده، و بدله مع تلفه، و عدم بقاء مال البائع عند المشترى بعد الفسخ، و فى جواز اشتراط رد بدله و لو مع التمكن من العين اشكال من انه خلاف مقتضى الفسخ لان مقتضاه رجوع كل من العوضين الى صاحبه فاشتراط البدل اشتراط للفسخ على وجه غير مشروع.

______________________________

و انما قلنا «و لا فى جواز ..» (لان مرجعه) اى مرجع هذا الشرط (الى اشتراط الخيار برد) عين (المبيع، مع وجوده، و) برد (بدله) مثلا او قيمة (مع تلفه، و) مع (عدم بقاء مال البائع عند المشترى بعد الفسخ).

قوله «و عدم» عطف توضيحى لقوله «مع تلفه» و قول المصنف «لان مرجعه» اى انه لا فرق بين ان يقول المشترى «اذا رددت المثمن استرجع العين و اذا كان المثمن تالفا رددت بدله» و بين ان يقول «اذا رددت المثمن- عينا لدى وجوده» و بدلا «لدى تلفه»- كان لى استرجاع الثمن (و فى جواز اشتراط رد بدله و لو مع التمكن من العين اشكال) من اطلاق: المؤمنون عند شروطهم، فيصح (من انه خلاف مقتضى الفسخ) فان الشارع قرر الفسخ المعتبر عند العقلاء فاذا شرط على خلاف المقرر عند العقلاء، كان من قبيل شرط خلاف مقتضى العقد (لان مقتضاه) اى مقتضى الفسخ (رجوع كل من العوضين الى صاحبه).

و عليه: (فاشتراط البدل اشتراط للفسخ على وجه غير مشروع) فلا

ص: 409

بل ليس فسخا فى الحقيقة.

نعم لو اشترط ردّ التالف بالمثل فى القيمى، و بالقيمة فى المثلى، امكن الجواز لانه بمنزلة اشتراط ايفاء ما فى الذمة بغير جنسه، لا اشتراط ضمان التالف المثلى بالقيمة، و القيمى بالمثل، و لا اشتراط رجوع غير ما

______________________________

يشمله دليل الشرط (بل) مثل هذا الفسخ الموجب لرجوع البدل «مع وجود العين» (ليس فسخا فى الحقيقة) لا انه فسخ غير مشروع.

لكن ربما يقال: ان هذا الاشكال غير صحيح لان الفسخ يوجب رجوع العين اذا لم يكن هناك مانع شرعى، او مانع عقلى، و إلا رجع الى البدل، و الشرط بمنزلة المانع الشرعى لان الشرع فى باب الشرط امضى الشروط العقلائية و هذا شرط عقلائى.

فكما انه اذا تلف العين يرجع الى البدل، كذلك اذا شرط عدم اعطائه العين.

(نعم لو اشترط ردّ التالف بالمثل فى القيمى) كرد الشاة بشاة شبيهة بها، بينما الشاة قيمية (و بالقيمة فى المثلى) كردّ الحنطة قيمة لا حنطة (امكن الجواز) و ان كان هذا أيضا خلاف مقتضى الفسخ.

و انما نقول بامكان الجواز (لانه بمنزلة اشتراط ايفاء ما فى الذمة بغير جنسه) لانه اذا كان المبيع تالفا تعلقت قيمته او مثله بالذمة فيشترط ان يوفى ما فى الذمة بشي ء آخر (لا) انه (اشتراط ضمان التالف المثلى بالقيمة، و) التالف (القيمى بالمثل) حتى يقال: انه خلاف مقتضى الفسخ و يكون فيه المحذور السابق (و لا) انه عبارة عن (اشتراط رجوع غير ما

ص: 410

اقتضاه العقد الى البائع، فتأمل، و يجوز اشتراط الفسخ لكل منهما برد ما انتقل إليه، او بدله و اللّه العالم.

______________________________

اقتضاه العقد الى البائع) حتى يقال: انه خلاف مقتضى العقد، و الشرط المخالف لمقتضى العقد باطل (فتأمل).

لعل وجهه ما ذكرناه من صحة اشتراط رد البدل و لو مع التمكن من العين (و يجوز اشتراط الفسخ لكل منهما) اى البائع و المشترى (بردّ ما انتقل إليه، او بدله و الله العالم).

ص: 411

قريبا جدا بعونه تعالى سيصدر القسم الثانى من الخيارات و الجزء الثانى عشر من الكتاب (ايصال الطالب الى المكاسب) عن قريب ان شاء الله تعالى.

و يبحث فى عدم اختصاص خيار الشرط بالبيع.

(الناشر)

ص: 412

محتويات الكتاب

الموضوع الصفحة

مقدمة الكتاب 2

تعريف الخيار و موارده 3

فى ان الاصل فى البيع اللزوم او الجواز 10

القول فى اقسام الخيار 58

1- خيار المجلس 59

فى ثبوت خيار المجلس للمالكين 61

فى انه هل يثبت خيار المجلس للعاقد الواحد أم لا 89

فى استثناء بعض اشخاص المبيع عن خيار المجلس 95

فى عدم ثبوت خيار المجلس فى العقود سوى البيع 123

فى مبدأ خيار المجلس 129

القول فى مسقطات الخيار 135

فى سقوط خيار المجلس باشتراط سقوطه فى ضمن العقد 136

من مسقطات خيار المجلس اسقاطه بعد العقد 170

من مسقطات خيار المجلس افتراق المتبايعين 181

فى عدم الاعتبار بالافتراق عن اكراه 187

فى ما لو اكره احد المتبايعين على التفرق 196

ص: 413

الموضوع الصفحة

فى ما اذا زال الاكراه 221

من مسقطات خيار المجلس التصرف 224

2- خيار الحيوان 227

فى اختصاص خيار الحيوان بالمشترى 232

فى انه لا فرق فى مدة الخيار بين الامة و غيرها 249

فى مبدأ خيار الحيوان 251

فى دخول الليلتين فى الايام الثلاثة 260

فى مسقطات خيار الحيوان 265

3- خيار الشرط 306

فى عدم الفرق بين اتصال زمان الخيار و انفصاله 310

فى عدم الفرق بين ذكر المدة و عدمه فى بطلان العقد 319

فى مبدأ خيار الشرط 329

فى صحة جعل خيار الشرط للاجنبى 333

فى جواز اشتراط الاستيمار 341

فى اضافة البيع الى الخيار 346

فى ان الثمن اما ان يكون فى الذمة او معينا 357

فى ان ردّ الثمن مقدمة للفسخ 364

فى اسقاط خيار الشرط باسقاطه بعد العقد 367

ص: 414

الموضوع الصفحة

فى ما لو تلف المبيع كان تلفه من المشترى 385

فى تسلط البائع على الفسخ 393

فيما اذا اطلق اشتراط الفسخ برد الثّمن 405

فى تسلط البائع و المشترى على الفسخ 408

محتويات الكتاب 414

ص: 415

المجلد 12

هویة الکتاب

سرشناسه : حسيني شيرازي، محمد، 1380 - 1305، شارح

عنوان و نام پديدآور : ايصال الطالب الي المكاسب: شرح واف بغرض الكتاب، تيعرض لحل مشكلاته و ابداآ مقاصد في ايجاز و توضيح/ محمد الحسيني الشيرازي

مشخصات نشر : تهران : موسسه كتابسراي اعلمي ، 1385.

مشخصات ظاهري : ج 16

شابك : 964-94017-6-8(دوره): ؛ 964-7860-59-5(ج. 1): ؛ 964-7860-58-7(ج. 2): ؛ 964-7860-57-9(ج. 3): ؛ 964-7860-56-0(ج. 4): ؛ 964-7860-54-4(ج. 6): ؛ 964-7860-53-6(ج. 7): ؛ 964-7860-55-2(ج. 8): ؛ 964-7860-52-8(ج. 9): ؛ 964-7860-51-X(ج. 10): ؛ 964-7860-50-1(ج. 11): ؛ 964-7860-49-8(ج. 12): ؛ 964-7860-45-X(ج. 13): ؛ 964-7860-47-1(ج. 15):

يادداشت : عربي

يادداشت : فهرست نويسي براساس اطلاعات فيپا

يادداشت : كتاب حاضر شرحي بر "المكاسب مرتضي بن محمد امين انصاري" است

عنوان ديگر : المكاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1281 - 1214ق. المكاسب -- نقد و تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

شناسه افزوده : انصاري، مرتضي بن محمدامين ، 1281 - 1214ق. المكاسب. شرح

رده بندي كنگره : BP190/1/الف8م702133 1385

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : م 85-16816

ص: 1

اشارة

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين و صلى اللّه على محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه على اعدائهم اجمعين من الآن الى يوم الدين.

و بعد: فهذا هو القسم الثانى من كتاب الخيارات و الجزء الثانى عشر من اجزاء كتابنا (ايصال الطالب الى المكاسب) للشيخ الفذّ آية اللّه الانصارى قدس سره.

و يشرع فى مسئلة عدم اختصاص خيار الشرط بالبيع.

كتبته تسهيلا للطالب الكريم عسى ان انتفع به فى يوم لا ينفع فيه مال و لا بنون الّا من اتى اللّه بقلب سليم.

كربلاء المقدسة محمد بن المهدى الحسينى الشيرازى

ص: 2

[تتمة القول في الخيار]

[تتمة أقسام الخيار]

[تتمة الثالث في خيار الشرط]
مسئلة لا اشكال و لا خلاف فى عدم اختصاص خيار الشرط بالبيع،

و جريانه فى كل معاوضة لازمة، كالاجارة و الصلح و المزارعة و المساقات، بل قال فى التذكرة الاقرب عندى دخول خيار الشرط فى كل عقد معاوضة خلافا للجمهور.

و مراده: ما يكون لازما لانه صرح بعدم دخوله فى الوكالة و الجعالة و القراض و العارية و الوديعة لان الخيار لكل منهما دائما

______________________________

(مسألة: لا اشكال و لا خلاف فى عدم اختصاص خيار الشرط بالبيع و جريانه فى كل معاوضة لازمة) و ذلك لاطلاق «المؤمنون عند شروطهم» (كالاجارة و الصلح و المزارعة و المساقات) و الهبة المعوضة، و غيرها (بل) ظاهر العلامة الاجماع عليه فانه (قال فى التذكرة الاقرب عندى دخول خيار الشرط فى كل عقد معاوضة خلافا للجمهور) من العامة، فان ذكر مخالفة الجمهور دليل على وجود الاجماع عندنا.

ثم لا يخفى انه سيأتى من المصنف عدّ الصلح من موارد الاشكال، فهو مناف لعدّه هنا فيما لا اشكال فيه.

(و مراده) من كل عقد معاوضة (ما يكون لازما) فلا يشمل كلامه العقود الجائزة (لانه صرح بعدم دخوله) اى عدم دخول الشرط (فى الوكالة و الجعالة و القراض) اى المضاربة (و العارية و الوديعة) من العقود الجائزة (لان الخيار لكل منهما) اى من المتعاقدين (دائما).

ص: 3

فلا معنى لدخول خيار الشرط فيه.

و الاصل فى ما ذكر عموم: المؤمنون عند شروطهم، بل الظاهر المصرح به فى كلمات جماعة دخوله فى غير المعاوضات من العقود اللازمة و لو من طرف واحد، بل اطلاقها يشمل العقود الجائزة، الا ان يدعى من الخارج

______________________________

فقوله «لكل منهما» خبر «لان الخيار» و «دائما» حال عن «الخيار» (ف) ان كان الخيار فى العقود الجائزة ف (لا معنى لدخول خيار الشرط فيه) اى فى العقد الجائز.

(و الاصل فى ما ذكر) من دخول الخيار فى كل عقد لازم (عموم:

المؤمنون عند شروطهم) فانه يشمل كل عقد (بل الظاهر المصرح به فى كلمات جماعة دخوله) اى دخول خيار الشرط (فى غير المعاوضات من العقود اللازمة) كالهبة، فانها عقد لازم- اذا كانت لذى رحم مثلا- مع انها ليست معاوضة (و لو من طرف واحد) كما فى الهبة بذى الرحم فانها من طرف الواهب لازمة، دون الطرف الموهوب له، فللموهوب له ردها.

و الحاصل: انه يدخل الشرط، فى غير المعاوضات حتى ما كان جائزا من الطرفين.

و لذا قال: (بل اطلاقها) اى اطلاق ادلة الشرط مثل «المؤمنون عند شروطهم» (يشمل العقود الجائزة) و لا مانع من ان يكون الجواز لجهتين، كما فى خيار الحيوان فى المجلس، فان هناك جوازين، جواز المجلس، و جواز الحيوان (الا ان يدعى من) الدليل (الخارج) عن اطلاق «المؤمنون ..»

ص: 4

عدم معنى للخيار فى العقد الجائز، و لو من الطرف الواحد.

فعن الشرائع و الارشاد و الدروس و تعليق الارشاد و مجمع البرهان و الكفاية دخول خيار الشرط فى كل عقد سوى النكاح و الوقف و الابراء، و الطلاق و العتق، و ظاهرها ما عدا الجائز.

و لذا ذكر نحو هذه العبارة فى التحرير بعد ما منع الخيار فى العقود الجائزة.

______________________________

(عدم معنى للخيار فى العقد الجائز، و لو) كان الجواز (من الطرف الواحد) فلا خيار لذلك الطرف، و ان كان الخيار ثابتا من الطرف اللازم و كيف كان:

(فعن الشرائع و الارشاد و الدروس و تعليق الارشاد و مجمع البرهان و الكفاية دخول خيار الشرط فى كل عقد سوى النكاح و الوقف و الابراء و الطلاق و العتق).

و المراد بالعقد: المعنى اللغوى الشامل لما ليس له طرفان، مثل قولهم عقد القلب، و الا كان استثناء الطلاق منقطعا (و ظاهرها) اى ظاهر العبارات المذكورة (ما عدا الجائز) فقولهم «كل عقد» يراد به «كل عقد لازم».

(و لذا ذكر نحو هذه العبارة) المتقدمة عن الكتب المذكورة (فى التحرير بعد ما منع الخيار فى العقود الجائزة).

لكن لا يخفى ان حمل كلام فقيه على كلام فقيه آخر يحتاج الى القطع المفقود فى المقام.

ص: 5

و كيف كان، فالظاهر عدم الخلاف بينهم فى ان مقتضى عموم ادلة الشرط الصحة فى الكل و انما الاخراج لمانع.

و لذا قال فى الدروس- بعد حكاية المنع من دخول خيار الشرط فى الصرف عن الشيخ قدس سره- انه لم يعلم وجهه مع عموم صحيحة ابن سنان: المؤمنون عند شروطهم.

فالمهم هنا بيان ما خرج عن هذا العموم.

فنقول: اما الايقاعات فالظاهر عدم الخلاف فى عدم دخول الخيار

______________________________

(و كيف كان، فالظاهر عدم الخلاف بينهم فى ان مقتضى عموم ادلة الشرط الصحة فى الكل) اى كل عقد (و انما الاخراج) عن العموم (لمانع) من نصّ او اجماع.

(و لذا قال فى الدروس- بعد حكاية المنع من دخول خيار الشرط فى) بيع (الصرف عن الشيخ قدس سره-) «عن» متعلق «بالمنع».

قال (انه لم يعلم وجهه مع عموم صحيحة ابن سنان: المؤمنون عند شروطهم).

فالظاهر منه انه جعل الاصل دخول الخيار فى كل عقد، و انما يحتاج عدم دخوله فى مكان الى بيان المانع.

(فالمهم هنا بيان ما خرج عن هذا العموم) بعد كون الاصل دخول كل عقد.

(فنقول: اما الايقاعات فالظاهر عدم الخلاف فى عدم دخول الخيار

ص: 6

فيها كما يرشد إليه استدلال الحلّى فى السرائر على عدم دخوله فى الطلاق بخروجه عن العقود.

قيل لان المفهوم من الشرط ما كان بين اثنين كما ينبه عليه جملة من الاخبار و الايقاع انما يقوم بواحد.

و فيه ان المستفاد من الاخبار كون الشرط قائما بشخصين المشروط له و المشروط عليه.

______________________________

فيها).

و لا يخفى ان الاستدلالات الآتية غير معتد بها، و ان كانت اشعارات و مؤيدات، و عدم الخلاف غير محقق، فالدخول- الا ما خرج بنص او اجماع- اقرب (كما يرشد إليه) اى الى عدم الخلاف (استدلال الحلّى فى السرائر على عدم دخوله) اى عدم دخول الخيار (فى الطلاق بخروجه) اى الطلاق (عن العقود) و الاستدلال يعطينا بان عدم الخيار فى غير العقد مسلّم.

(قيل) فى وجه عدم دخول الخيار فى الايقاع (لان المفهوم من الشرط ما كان بين اثنين كما ينبه عليه جملة من الاخبار) فانها ذكرت الشرط فى ما كان بين اثنين (و الايقاع انما يقوم بواحد).

(و فيه ان المستفاد من الاخبار كون الشرط قائما بشخصين المشروط له و المشروط عليه) اذ لا معنى للشرط بدون طرفين.

لكن فيه ان هذه الاستفادة غير تامة، بل اللازم ان يكون هناك الزام او شبه الزام، و ان لم يكن هناك طرف آخر، كالذى يجعل على

ص: 7

لا كونه متوقفا على الايجاب و القبول.

الا ترى انهم جوزوا ان يشترط فى اعتاق العبد خدمة مدة، تمسكا بعموم: المؤمنون عند شروطهم.

غاية الامر توقف لزومه كاشتراط مال على العبد على قبول العبد على

______________________________

نفسه عملا بشرط كذا، و ان لم يكن هناك طرف ثان، و لذا يصدق عرفا ان الّذي لا يعتقد بالله جعل على نفسه الامساك بشرط ان لا يضر بصحته فان هناك ليس طرف ثان من انسان او آله، و مع ذلك يصدق الشرط (لا كونه متوقفا على الايجاب و القبول).

(الا ترى انهم جوزوا ان يشترط فى اعتاق العبد خدمة مدة، تمسكا بعموم: المؤمنون عند شروطهم).

و يدل عليه- بالإضافة الى ذلك- صحيحة ابى العباس عن ابى عبد الله عليه السلام، قال سألته عن رجل قال غلامى حرّ، و عليه عمالة كذا و كذا، قال عليه السلام هو حرّ و عليه العمالة.

و صحيحة يعقوب ابن شعيب سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اعتق جارية و شرط عليها ان تخدمه عشر سنين، فابقت ثم مات الرجل، فوجدها ورثته، الهم ان يستخدموها؟ قال عليه السلام: لا، فان ظاهر هذه الرواية ان الشرط حيث كان خدمة نفس المولى و قد مات، فلا شرط عليها.

(غاية الامر توقف لزومه) اى لزوم الشرط على العبد (كاشتراط مال على العبد على قبول العبد على

ص: 8

قول بعض.

لكن هذا غير اشتراط وقوع الشرط بين الايجاب و القبول.

فالاولى الاستدلال عليه مضافا الى امكان منع صدق الشرط، و انصرافه خصوصا على ما تقدم عن القاموس بعدم مشروعية الفسخ فى الايقاعات، حتى تقبل، لاشتراط التسلط على الفسخ فيها.

______________________________

قول بعض) فى قبال انه ليس بشرط قبول العقد لانه ملك للمولى، فقد اخرج بعض ملكه و ابقى الباقى، سواء قبل العبد، أم لا و يؤيده ظاهر الصحيحة الاولى.

(لكن هذا) كون الشرط قائما بين اثنين (غير اشتراط وقوع الشرط بين الايجاب و القبول) اذ يشترط المولى على- مثلا- و لا حاجة الى قبول العبد.

(فالاولى الاستدلال عليه) اى على عدم دخول الشرط فى الايقاعات (مضافا الى امكان منع صدق الشرط، و) ذلك ل (انصرافه) اى الشرط (خصوصا على ما تقدم عن القاموس) بان الشرط الزام او التزام فى ضمن بيع و نحوه.

لكن فيه عدم تسليم الانصراف و عدم دلالة كلام القاموس على ذلك (بعدم مشروعية الفسخ فى الايقاعات) لان الايقاع تكوين، و الشي ء اذا وقع لا يقبل ان يكون كالعدم (حتى تقبل) الايقاعات (لاشتراط التسلط على الفسخ فيها).

و فيه: ان «عدم مشروعية الفسخ فى الايقاعات» خال عن البرهان.

ص: 9

و الرجوع فى العدة ليس فسخا للطلاق، بل هو حكم شرعى فى بعض اقسامه لا يقبل الثبوت فى غير مورده، بل و لا السقوط فى مورده.

و مرجع هذا الى ان مشروعية الفسخ لا بد لها من دليل و قد وجد فى

______________________________

و ما ذكر وجها له «لان الايقاع ... الخ» اشبه شي ء بالاستحسان.

(و) ان قلت: اذا لم يمكن الفسخ فى العدة، فكيف امكن الرجوع فى العدة، فان الرجوع فسخ للطلاق.

قلت: (الرجوع فى العدة ليس فسخا للطلاق، بل هو حكم شرعى فى بعض اقسامه) فليس امرا طبيعيا عقليا قرره الشارع حتى يكون كسائر الحقوق.

و يدل على انه حكم شرعى انه (لا يقبل الثبوت فى غير مورده) كالطلاق البائن (بل و لا السقوط فى مورده) فلا يصح ان يطلّق بشرط ان لا يرجع فى العدة، و لو كان من قبيل الفسخ لكان بيد المطلق و المطلقة.

(و مرجع هذا) الّذي ذكرنا من ان الرجوع فى العدة حكم شرعى فلا يضر مع قاعدة الايقاعات: لا تقبل الفسخ (الى ان مشروعية الفسخ) مطلقا حتى فى العقود (لا بد لها من دليل).

و وجه «ان مرجع هذا الى ان ..» ان المستفاد من هذه العلة «علة الرجوع فى العدة» انه كلما حكم الشارع بالفسخ صح و كلما لم يحكم به لم يصح فان هذه العلة تسقط اصالة دخول الشرط فى كل مكان و تجعل الاصل عدم الدخول الا ما حكم الشارع (و قد وجد) الدليل (فى

ص: 10

العقود من جهة مشروعية الاقالة و ثبوت خيار المجلس و الحيوان و غير هما فى بعضها، بخلاف الايقاعات، فانه لم يعهد من الشارع تجويز نقض اثرها بعد وقوعها حتى يصح اشتراط ذلك فيها.

و بالجملة فالشرط لا يجعل غير السبب الشرعى سببا، فاذا لم يعلم كون الفسخ سببا لارتفاع الايقاع او علم عدمه بناء على ان اللزوم فى الايقاعات

______________________________

العقود من جهة مشروعية الاقالة) برضا الطرفين (و ثبوت خيار المجلس و الحيوان و غير هما) كالغبن و العيب (فى بعضها) اى فى بعض العقود

و من ذلك يستكشف ان الشارع اجاز الشرط فى كل عقد من باب وحدة المناط (بخلاف الايقاعات، فانه لم يعهد من الشارع تجويز نقض اثرها بعد وقوعها حتى يصح اشتراط ذلك) النقض و الابطال (فيها) اى فى الايقاعات.

و فيه ان الاصل دخول الشرط فى الجميع الا ما خرج لان الشرط امر عقلائى أمضاه الشارع فالخارج يحتاج الى دليل.

(و بالجملة فالشرط لا يجعل غير السبب الشرعى سببا).

فكما لا يصح ان يشترط فى ضمن عقد ان تكون بنت المشترى زوجة للبائع بدون العقد، او ان يكون المشترى من ورثة البائع بعد موته فيما لم يكن وارثا شرعا او شبه ذلك، فكذلك لا يصح ان يجعل بالشرط الايقاع غير القابل للانفساخ منفسخا (فاذا لم يعلم كون الفسخ سببا لارتفاع الايقاع او علم عدمه) اى عدم كون الفسخ سببا كما علمنا ذلك فى الطلاق (بناء على ان اللزوم فى الايقاعات

ص: 11

حكم شرعى، كالجواز فى العقود الجائزة، فلا يصير سببا باشتراط التسلط عليه فى متن الايقاع.

هذا كله مضافا الى الاجماع عن المبسوط و نفى الخلاف عن السرائر على عدم دخوله فى العتق و الطلاق

______________________________

حكم شرعى، كالجواز فى العقود الجائزة) لا انه حق عرفى أمضاه الشارع لانه اذا كان حقا كان المرجع فيه الى العرف.

فقوله «بناء» علة لقوله «او علمه» (فلا يصير) الفسخ (سببا ب) سبب (اشتراط التسلط عليه) اى على الفسخ (فى متن الايقاع).

و قوله «فلا» جواب «فاذا لم يعلم» و كان الافضل ان يقول «لا» بدون «الفاء».

اقول يرد على المصنف انه قد تقدم ان العقد و الايقاع امران عرفيان أمضاهما الشارع، و كذلك الشرط.

فكلما زاد الشارع او نقص يؤخذ به، و كلما لم يزد و لم ينقص من شرط او جزء او نحوهما فالمتبع اطلاق الادلة.

و عليه فما ليس بسبب مجردا عن اشتراطه يكون سببا اذا اشترط الا فيما علم من الشارع انه غير قابل للتغيير.

(هذا كله) وجوه استدلالية لعدم دخول الشرط فى الايقاع (مضافا الى الاجماع عن المبسوط و نفى الخلاف عن السرائر على عدم دخوله) اى الشرط (فى العتق و الطلاق).

و لعل مراده كل اقسام الطلاق كالمبارات و الخلع، لكن لا يبعد

ص: 12

و اجماع المسالك على عدم دخوله فى العتق و الابراء.

و مما ذكرنا فى الايقاع يمكن ان يمنع دخول الخيار فيما تضمن الايقاع و لو كان عقدا، كالصلح المفيد فائدة الابراء، كما فى التحرير و جامع المقاصد، و فى غاية المرام ان الصلح ان وقع معاوضة دخله خيار الشرط، و ان وقع عما فى الذمة مع جهالته او على اسقاط الدعوى قبل ثبوتها

______________________________

دخوله فيها، فان السيد الطباطبائى قال: لا مانع من جريانه فى الخلع و المبارات (و اجماع المسالك على عدم دخوله فى العتق و الابراء) لا يخفى انه ان تم الاجماع، فبها، و الا لم يكن فى مجرد دعواه- كما فى الابراء اذ لم يحقق فيه اجماع محقق- وجه للقول بعدم دخول الشرط فيه.

(و مما ذكرنا) وجها لعدم دخول الشرط (فى الايقاع يمكن ان يمنع دخول الخيار فيما تضمن الايقاع و لو كان عقدا).

وجه الامكان ان مثل هذا العقد فى الحقيقة ايقاع، فالدليل على عدم دخوله فى الايقاع يدل على عدم دخوله فى مثل هذا العقد لانه فى الحقيقة ايقاع (كالصلح المفيد فائدة الابراء) كما اذا قال «صالحتك على ان تسحب دعواك عنى و انت برئ عن طلبى منك» (كما فى التحرير و جامع المقاصد، و) قال (فى غاية المرام ان الصلح ان وقع معاوضة) كما اذا قال صالحتك عن هذا الكتاب مقابل هذا القلم (دخله خيار الشرط) لاطلاق ادلة الشرط، فانه فى الحقيقة بيع بصورة الصلح (و ان وقع عما فى الذمة مع جهالته) قيّد ب «مع جهالته» حتى لا يكون بيعا، اذ يشترط فى البيع عدم الجهالة (او على اسقاط الدعوى قبل ثبوتها) لان الدعوى

ص: 13

لم يدخله، لان مشروعيته لقطع المنازعة فقط.

و اشتراط الخيار لعود الخصومة ينافى مشروعيته.

و كل شرط ينافى مشروعية العقد غير لازم، انتهى.

و الكبرى المذكورة فى كلامه راجعة الى ما ذكرنا فى وجه المنع عن الايقاعات.

______________________________

اذا ثبتت قوبلت بالمال فيكون الصلح على اسقاطها كالبيع الّذي يدخله الخيار (لم يدخله) الخيار (لان مشروعيته) اى الصلح انما هى (لقطع المنازعة فقط).

(و اشتراط الخيار) الّذي يوجب الاخذ به (لعود الخصومة ينافى مشروعيته).

(و) من الواضح ان (كل شرط ينافى مشروعية العقد غير لازم، انتهى) لانه من قبيل الشرط المنافى لمقتضى العقد، كان يشترط فى عقد النكاح ان لا يكون بينهما علقة الزوجية لكن لا يخفى ان شرط الخيار لا ينافى مشروعية الصلح المذكور، بل هو من قبيل ان يقال ان مشروعية البيع لاجل التمليك، و اشتراط الخيار مناف للتمليك و كما ان هذا الاستدلال فى البيع باطل كذلك فى الصلح.

(و) كيف كان ف (الكبرى المذكورة فى كلامه) اى قوله «و كل شرط .. الخ».

و صورة القياس هكذا «الخيار ينافى المشروعية و كل خيار ينافى المشروعية، فهو باطل» (راجعة الى ما ذكرنا فى وجه المنع عن) دخول الشرط فى (الايقاعات) حيث قلنا ان الشرط ينافى تشريع الايقاع.

ص: 14

و لا اقل من الشك فى ذلك الراجع الى الشك فى سببية الفسخ لرفع الايقاع.

و اما العقود، فمنها: ما لا يدخله اتفاقا.

و منها: ما اختلف فيه.

و منها: ما يدخله اتفاقا.

فالاول النكاح، فانه لا يدخله اتفاقا، كما عن الخلاف، و المبسوط، و السرائر، و جامع المقاصد، و المسالك الاجماع عليه،

______________________________

(و) لا يخفى انه اذا لم نقطع بما ذكرناه من الدليل على عدم دخول الفسخ فى الايقاعات، ف (لا اقل من الشك فى ذلك الراجع الى الشك فى سببية الفسخ لرفع الايقاع) فالاصل عدمه.

و عليه فاذا جعل الشرط و فسخ لم يؤثر فسخه فى رفع الايقاع.

و فيه ان الشك مرجعه الى: عموم المؤمنون عند شروطهم، حسب ما ذكرناه سابقا هذا كله فى الايقاعات.

(و اما العقود، فمنها: ما لا يدخله اتفاقا).

(و منها: ما اختلف فيه) هل يدخله: أم لا.

(و منها: ما يدخله اتفاقا).

فالعقود بالنسبة الى دخول الفسخ على ثلاثة اقسام.

(فالاول) الّذي لا يدخله اتفاقا (النكاح) بقسميه الدائم و المنقطع (فانه لا يدخله اتفاقا، كما عن الخلاف، و المبسوط، و السرائر، و جامع المقاصد، و المسالك الاجماع عليه) و هذا هو سبب عدم دخوله فيه فان

ص: 15

و لعله لتوقف ارتفاعه شرعا على الطلاق، و عدم مشروعية التقايل فيه.

و من الثانى الوقف فان المشهور عدم دخوله فيه و عن المسالك انه موضع وفاق.

و يظهر من محكى السرائر، و الدروس وجود الخلاف فيه.

و ربما علل باشتراط القربة فيه.

______________________________

الاجماع على ذلك قطعى (و لعله) اى لعل الاجماع نشأ (ل) اجل (توقف ارتفاعه) اى النكاح (شرعا على الطلاق) و انقضاء المدة فى المنقطع طبعا او هبة (و عدم مشروعية التقايل فيه) و الفسخ بالعيوب بدليل شرعى، فلا يستشكل بانه كيف لا يمكن فيه الفسخ؟ مع انه ورد الفسخ فيه بالعيوب.

نعم ذكروا فى كتاب النكاح دخول خيار الاشتراط فيه كما اذا شرط كون الزوج او الزوجة حرا او حرة، فبان خلاف ذلك، او شرط البكارة فبانت ثيبا.

(و من الثانى) الّذي اختلف فيه هل انه يدخله الفسخ أم لا؟ (الوقف) باقسامه من الذرّى، و الخيرى و غير هما (فان المشهور عدم دخوله) اى الفسخ (فيه) اى فى الوقف (و عن المسالك انه موضع وفاق).

(و) لكن (يظهر من محكى السرائر، و الدروس وجود الخلاف فيه) و ان هناك قولا بدخول الفسخ فيه و عليه فيصح الشرط فيه.

(و ربما علل) قول المشهور بامرين.

الاول: (باشتراط القربة فيه) و كلما يشترط فيه القربة لا يدخله الفسخ

ص: 16

و انه فك ملك بغير عوض.

و الكبرى فى الصغريين ممنوعة.

و يمكن الاستدلال له بالموثقة المذكورة فى مسألة شرط الواقف كونه احق بالوقف عند الحاجة، و هى قوله عليه السلام: من اوقف ارضا، ثم قال ان احتجت إليها فانا احق بها، ثم مات الرجل، فانها ترجع فى

______________________________

لما ورد من ان ما كان لله فلا رجعة فيه و الفسخ رجوع.

(و) الثانى: (انه فك ملك بغير عوض) و اذا خرج شي ء عن الملك لا يدخل ثانيا تحت الملك.

(و الكبرى) و هى «لما ورد ..» و «اذا خرج ..» (فى) كلتا (الصغريين) «باشتراط القربة ..» و «بانه فك ..» (ممنوعة).

اذ: لا دليل على انه اذا شرط فى «ما كان لله» ان يرجع، لم ينفذ شرطه.

اما قوله عليه السلام «ما كان لله ..» فالمنصرف عنه «ما كان بدون شرط» كما انه لا دليل على انه «اذا خرج شي ء عن الملك ..» فان الانسان اذا اعرض عن شي ء و القاه فى الشارع خرج عن ملكه مع انه يتمكن من ارجاعه الى نفسه.

(و يمكن الاستدلال له) اى للمشهور (بالموثقة المذكورة فى مسألة شرط الواقف) عند الوقف (كونه احق بالوقف عند الحاجة) إليه (و هى قوله عليه السلام: من اوقف ارضا، ثم قال ان احتجت إليها فانا احق بها، ثم مات الرجل، فانها) اى الارض (ترجع فى

ص: 17

الميراث، و قريب منها غيرها.

و فى دلالتها على المدعى تامل.

و يظهر من المحكى عن المشايخ الثلاثة فى تلك المسألة تجويز اشتراط الخيار فى الوقف، و لعله المخالف الّذي اشير إليه فى محكى السرائر

______________________________

الميراث، و) كذلك (قريب منها) فى المضمون (غيرها).

و وجه دلالتها على بطلان الشرط ان الامام عليه السلام بين ان هذا الشرط يبطل الوقف لانه عليه السلام قال: ان الوقف يرجع ميراثا و لا وجه لرجوعه ميراثا الا بطلان الوقف، اذ لو صح هذا الوقف كان قد بقى وقفا بعد ان لم يحتج الواقف، و اذا بقى فى زمان حياة الواقف وقفا استمر الى ما بعد مماته، فلا يرجع ميراثا.

(و) لكن (فى دلالتها) اى دلالة هذه الرواية (على المدعى) الّذي ذهب إليه المشهور (تأمل).

اذ من المحتمل ان يكون مراد الواقف «انا احق بها» احق بالتصرف فيها بان يكون من اقسام الوقف على النفس، و الوقف على النفس باطل فلا ربط للرواية بما نحن فيه «اعنى بطلانه لاجل جعل الشرط فيه».

(و يظهر من المحكى عن المشايخ الثلاثة) اصحاب الكتب الاربعة الكلينى و الشيخ و الصدوق (فى تلك المسألة) اى مسألة شرط الواقف كونه احق بالوقف (تجويز اشتراط الخيار فى الوقف، و لعله) اى كل واحد من المشايخ الثلاثة مثل قوله تعالى «وَ الْمَلٰائِكَةُ بَعْدَ ذٰلِكَ ظَهِيرٌ» هو (المخالف الّذي اشير إليه فى محكى السرائر

ص: 18

و الدروس.

و اما حكم الصدقة فالظاهر انه حكم الوقف، قال فى التذكرة فى باب الوقف انه يشترط فى الوقف الالزام، فلا يقع لو شرط الخيار فيه لنفسه، و يكون الوقف باطلا كالعتق و الصدقة انتهى.

______________________________

و الدروس).

و الظاهر دخوله فى الوقف للرواية السابقة، و لخبر اسماعيل ابن الفضيل، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتصدق ببعض ماله فى حياته فى كل وجه من وجوه الخير، و قال ان احتجت الى شي ء من المال فانا احق به، ترى ذلك له و قد جعله لله يكون له فى حياته فاذا هلك الرجل يرجع ميراثا الى اهله.

و كان هذا الخبر هو الّذي اشار إليه المصنف يقوله و قريب منها غيرها و ظاهر هما ان الرجل افتقر فى حياته و لذا صار الوقف ملكا للوارث، و يؤيده «المؤمنون» و قوله صلى الله عليه و آله و سلم «الوقوف على حسب ما وقفها اهلها» و «ما كان لله فلا رجعة فيه» يقيد بالدليلين، لانه مطلق و هما مقيدان، و كيف كان فتفصيل الكلام فى كتاب الوقف.

(و اما حكم الصدقة فالظاهر انه حكم الوقف) لوحدة المناط فيهما.

و لذا (قال فى التذكرة فى باب الوقف انه يشترط فى الوقف الالزام) للوقف اى جعله لازما (فلا يقع لو شرط الخيار فيه لنفسه، و يكون الوقف باطلا كالعتق و الصدقة) و هو صريح فى بطلان الصدقة بإدخال الخيار فيها (انتهى) كلام التذكرة.

ص: 19

لكن قال فى باب خيار الشرط: اما الهبة المقبوضة فان كانت لاجنبى غير معوض عنها، و لا قصد بها القربة، و لا تصرف المتهب يجوز للواهب الرجوع فيها، و ان اختل احد القيود لزمت.

و هل يدخلها خيار الشرط، الاقرب ذلك، انتهى.

و ظاهره دخول الخيار فى الهبة اللازمة حتى الصدقة.

و كيف كان، فالاقوى عدم دخوله فيها، لعموم ما دل على انه لا يرجع فيما كان لله

______________________________

(لكن قال) العلامة (فى باب خيار الشرط: اما الهبة المقبوضة فان كانت لاجنبى غير معوض عنها، و لا قصد بها القربة، و لا تصرف المتهب يجوز للواهب الرجوع فيها).

اما الهبة غير المقبوضة فلا انعقاد لها لان القبض شرط الهبة- كما قرر فى محله- (و ان اختل احد القيود) بان كانت الهبة لذى رحم، او زوج، او كانت معوضة، او قصد بها القربة، او تصرف المتهب- اى الموهوب له- فيها (لزمت) كما قرر فى باب الهبة.

(و هل يدخلها خيار الشرط) حتى تكون جائزة فى مورد اللزوم اذا لم يكن خيار (الاقرب ذلك) اى الدخول (انتهى).

(و ظاهره دخول الخيار فى الهبة اللازمة حتى الصدقة) لان الهبة التى كانت بقصد القربة تكون من اقسام الصدقة.

(و كيف كان، فالاقوى عدم دخوله) اى الشرط (فيها) اى فى الصدقة (لعموم ما دل على انه لا يرجع فيما كان لله) كقوله عليه السلام: انما

ص: 20

بناء على ان المستفاد منه كون اللزوم حكما شرعيا لماهية الصدقة، نظير الجواز للعقود الجائزة.

و لو شك فى ذلك كفى فى عدم سببية الفسخ التى

______________________________

الصدقة لله عز و جل، فما جعل لله عز و جل فلا رجعة له فيه.

و عن الصادق عليه السلام، قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: انما مثل الّذي يرجع فى صدقته كالذى يرجع فى قيئه، الى غيرهما من الروايات.

و انما قلنا «الاقوى ..» (بناء على ان المستفاد منه) اى من عموم ما دل على انه: لا يرجع فيما كان لله (كون اللزوم حكما شرعيا لماهية الصدقة نظير الجواز للعقود الجائزة) فاذا كان اللزوم حكما شرعيا لم يضر بالشرط فكما انه لا يصح ان يعقد عقدا جائز او يشترط فيه اللزوم- فان الشرط باطل- اذا الجواز حكم شرعى، كذلك لا يصح الشرط فى العقد اللازم الّذي حكم الشارع بانه لازم- من باب الحكم لا من باب الحق- لكن فيه ان قوله «بناء ...» غير تام، اذ من اين هذا البناء، بل حالها حال سائر العقود اللازمة و «ما كان لله» مطلق قابل للتقييد «بما اذا لم يشترط» اذ المنصرف منه «ما كان لله على كل حال» فاذا شرط «لم يكن لله على كل حال».

(و لو شك فى ذلك) و ان اللزوم فى الصدقة هل هو حكم شرعى؟ أم حق (كفى) الشك (فى عدم سببية الفسخ) لرجوع تلك السببية (التى

ص: 21

يتوقف صحة اشتراط الخيار عليها.

و توهم امكان اثبات السببية بنفس دليل الشرط واضح الاندفاع.

و منه الصلح فان الظاهر المصرح به فى كلام جماعة كالعلامة فى التذكرة، دخول الخيار فيه مطلقا، بل عن المهذب البارع فى باب الصلح: الاجماع على دخوله فيه بقول مطلق.

______________________________

يتوقف صحة اشتراط الخيار عليها) اذ لو علم بالسببية صح الخيار، و ان لم يعلم بالسببية لم يصح الخيار.

(و) ان قلت: نثبت السببية من دليل: المؤمنون عند شروطهم.

قلت: (توهم امكان اثبات السببية بنفس دليل الشرط واضح الاندفاع) لان «الشرط» انما يصح عند تحقق موضوعه، اى «امكان السببية» فلا تثبت السببية بالشرط، فهو من قبيل اثبات الموضوع بسبب الحكم.

لكن فيه ان المقام من موارد التمسك بعموم الشرط، و سيأتى منه ره انه لو شك فى كون الشرط مخالفا، فالاصل عدم المخالفة.

(و منه) اى من اقسام ما اختلف فيه، و انه هل يدخل فيه الخيار أم لا؟

(الصلح فان الظاهر) عند المصنف (المصرح به فى كلام جماعة كالعلامة فى التذكرة، دخول الخيار فيه مطلقا) «مطلقا» مقابل التفصيل الآتى بين اقسام الصلح (بل عن المهذب البارع فى باب الصلح: الاجماع على دخوله فيه بقول مطلق) و هذا القول هو المتعين لاطلاق الادلة و عدم محذور فيه.

ص: 22

و ظاهر المبسوط كالمحكى عن الخلاف عدم دخوله فيه مطلقا.

و قد تقدم التفصيل عن التحرير، و جامع المقاصد، و غاية المرام، و لا يخلو عن قرب، لما تقدم من الشك فى سببية الفسخ لرفع الابراء، او ما يفيد فائدته.

و منه الضمان فان المحكى عن ضمان التذكرة و القواعد: عدم دخول خيار الشرط فيه، و هو

______________________________

(و) لكن (ظاهر المبسوط كالمحكى عن الخلاف عدم دخوله فيه مطلقا) و لعله لما تقدم من ان الصلح شرع لحسم الخلاف.

فجعل الخيار فيه مخالف لهذه الحكمة فكان الشرط مخالف لمقتضى العقد.

و فيه ان الشرط مخالف لاطلاقه لا انه مخالف لمقتضاه.

(و قد تقدم التفصيل) بين اقسام الصلح (عن التحرير، و جامع المقاصد و غاية المرام، و لا يخلو عن قرب).

و حاصله ان كل شي ء لا يدخله الخيار يكون الصلح المفيد فائدته أيضا لا يدخله الخيار (لما تقدم من الشك فى سببية الفسخ لرفع الابراء او ما يفيد فائدته) اى الصلح المفيد فائدة الابراء، و قد عرفت الجواب عنه، كما ان مقتضى هذا التفصيل عدم دخوله فى مثل الصلح على العتق و على الوقف و نحوهما.

(و منه) اى مما اختلف فيه و انه هل يدخل فيه الخيار، أم لا؟ (الضمان فان المحكى عن ضمان التذكرة و القواعد: عدم دخول خيار الشرط فيه، و هو

ص: 23

ظاهر المبسوط.

و الاقوى دخوله فيه لو قلنا بالتقايل فيه.

و منه الرهن، فان المصرح به فى غاية المرام عدم ثبوت الخيار للراهن لان الرهن وثيقة للدين، و الخيار ينافى الاستيثاق.

و لعله لذا استشكل فى التحرير، و هو ظاهر المبسوط، و مرجعه

______________________________

ظاهر المبسوط) و كانه لاجل ان الضمان شرع لمصلحة المضمون له، فاذا دخله الخيار كان مخالفا لمقتضى العقد.

و فيه ان ذلك خلاف اطلاق الضمان لا انه مخالف مقتضى ذاته.

(و) لذا كان (الاقوى دخوله فيه) اى فى الضمان (لو قلنا بالتقايل فيه) بان قلنا: بصحة ان يبطلاه فانه اذا صح ان يبطلاه صح جعل الخيار فيه، لعدم الفرق بين الامرين، و الظاهر صحة التقايل فيه.

(و منه) اى مما اختلف فيه و انه هل يدخل فيه الخيار، أم لا؟ (الرهن فان المصرح به فى غاية المرام عدم ثبوت الخيار للراهن).

اما المرتهن فيصح جعل الخيار له، لانه مقتضى اطلاق «المؤمنون عند شروطهم» بلا محذور فيه.

و اما عدم دخول الخيار للراهن ف (لان الرهن وثيقة للدين، و الخيار ينافى الاستيثاق).

اذ فسخ الرهن معناه ان يبقى الدين بلا وثيقة.

(و لعله لذا استشكل فى التحرير) فى دخول الخيار فى الرهن (و هو) اى الاشكال (ظاهر المبسوط، و مرجعه) اى مرجع ما تقدم فى

ص: 24

الى ان مقتضى طبيعة الرهن شرعا بل عرفا كونها وثيقة، و الخيار مناف لذلك.

و فيه ان غاية الامر كون وضعه على اللزوم، فلا ينافى جواز جعل الخيار بتراضى الطرفين.

و منه الصرف، فان صريح المبسوط و الغنية و السرائر عدم دخول خيار الشرط فيه، مدّعين على ذلك الاجماع.

و لعله لما ذكره فى التذكرة للشافعى المانع عن دخوله فى الصرف و

______________________________

الاستدلال لعدم الدخول من قولنا «لان الرهن» (الى ان مقتضى طبيعة الرهن شرعا بل عرفا) أيضا (كونها وثيقة) الدين (و الخيار مناف لذلك) فهو خلاف مقتضى العقد، و الشرط المخالف لمقتضى العقد باطل

(و فيه) ان الشرط مناف لاطلاق العقد، لا انه مناف لمقتضاه، ف (ان غاية الامر كون وضعه) اى وضع الرهن (على اللزوم) لو خلى و طبعه (فلا ينافى جواز جعل الخيار بتراضى الطرفين) كالخيار فى البيع الّذي وضعه الاوّلى على اللزوم و مع ذلك يدخله الخيار.

(و منه) اى مما اختلف فيه و انه هل يدخل فيه الخيار، أم لا؟ بيع (الصرف) و هو بيع الاثمان كالذهب و الفضة (فان صريح المبسوط و الغنية و السرائر عدم دخول خيار الشرط فيه، مدّعين على ذلك الاجماع) فاذا جعل لاحدهما الخيار بطل بيع الصرف.

(و لعله لما ذكره فى التذكرة) دليلا (للشافعى المانع عن دخوله) اى دخول الخيار (فى الصرف و

ص: 25

السلم من ان المقصود من اعتبار التقابض فيهما ان يفترقا و لا يبقى بينهما علقة، و لو اثبتنا الخيار بقيت العلقة.

و الملازمة ممنوعة كما فى التذكرة.

و لذا جزم فيها بدخوله فى الصرف، و ان استشكله أولا كما فى القواعد و من الثالث اقسام البيع ما عدا الصرف، و مطلق الاجارة

______________________________

السلم) فالسلم ان يعطى الثمن ليأخذ المثمن بعد مدة عكس النسيئة (من ان المقصود من اعتبار التقابض فيهما).

لان الشرط فى الصرف اعطاء الثمن و المثمن فى مجلس العقد.

و الشرط فى السلم الاعطاء و قبض الثمن فى المجلس (ان يفترقا و لا يبقى بينهما علقة) بالنسبة الى المثمن و الثمن فى الصرف، و بالنسبة الى الثمن فى السلم (و لو اثبتنا الخيار) فيهما (بقيت العلقة) لاحتمال البطلان فى البيع.

(و الملازمة) بين عدم بقاء العلقة، و بين عدم دخول الخيار (ممنوعة) فالخيار يدخل و ان لم تبق علقة (كما) ذكره (فى التذكرة) اذ العلقة من غير جهة الخيار تنقطع.

(و لذا جزم فيها) اى فى التذكرة (بدخوله) اى الخيار (فى الصرف، و ان استشكله) العلامة (أولا) فى التذكرة (كما فى القواعد) من الاستشكال.

(و من الثالث) و هو ما يدخله الخيار قطعا (اقسام البيع ما عدا الصرف) مثل النسيئة و النقد و بيع الحيوان و بيع الثمار، الى غير ذلك (و) كذا يدخل الخيار فى (مطلق الاجارة) اجارة الانسان و الحيوان و

ص: 26

و المزارعة، و المساقات، و غير ما ذكر من موارد الخلاف فان الظاهر عدم الخلاف فيها.

و اعلم انه ذكر فى التذكرة تبعا للمبسوط دخول خيار الشرط فى القسمة، و ان لم يكن فيها رد.

و لا يتصور الا بان يشترط الخيار

______________________________

العقار و غيرها (و المزارعة، و المساقات، و غير ما ذكر من موارد الخلاف فان) الخيار يدخل فى جميعها بل (الظاهر عدم الخلاف فيها).

و ذلك لاطلاق: المؤمنون عند شروطهم، بدون ان يكون هناك دليل مخصص له.

(و اعلم انه ذكر فى التذكرة تبعا للمبسوط دخول خيار الشرط فى القسمة، و ان لم يكن فيها رد) فان القسمة على نوعين.

الاول: ما ليس فيها رد، كما اذا كان منّ من الحنطة مشتركا بين اثنين فاقتسماها بان اخذ كل واحد منهما نصفها، و عند الاقتسام شرط الخيار بان يخلطاهما ثم يبقى على الشركة او يقسما هما بعد الخلط.

الثانى: ما فيها رد كما اذا كان جزءا شرح اللمعة مشتركا بين اثنين، و كان احد الجزءين يسوى دينارا و الآخر دينارا و نصفا، فاخذ احدهما ما قيمته دينار، و اخذ من الآخر ربع دينار «و هذا يسمى بالرد» ثم عند الاقتسام شرطا الخيار بان يكونا مشتركين فى الجزءين و يأخذ مالك الربع ربعه الّذي اعطاه لصاحبه.

(و) لا يخفى انه (لا يتصور) الشرط فى القسمة (الا بان يشترط الخيار

ص: 27

فى التراضي القولى بالسهام.

و اما التراضي الفعلى فلا يتصور دخول خيار الشرط فيه، بناء على وجوب ذكر الشرط فى متن العقد.

و منه يظهر عدم جريان هذا الخيار فى المعاطات، و ان قلنا بلزومها من اوّل الامر، او بعد التلف.

و السر في ذلك ان الشرط القولى لا يمكن ارتباطه بالانشاء الفعلى

______________________________

فى التراضي القولى بالسهام) بان يقولا نقتسم بشرط الخيار.

(و اما التراضي الفعلى) بان قسّما بدون لفظ (فلا يتصور دخول خيار الشرط فيه، بناء على وجوب ذكر الشرط فى متن العقد) اما بناء على صحة ذكر الشرط قبلا و بناء العقد عليه، فيمكن ان يذكر الشرط ثم يقتسمان عمليا بناء على ذلك الشرط المذكور، كما انه يمكن البناء على الشرط المتعارف و ان لم يذكراه لا قبلا و لا حين العقد، كما اذا كان المتعارف فى مكان الاقتسام العملى بخيار و يكون حال ذلك حال شرط الصحة فى اشتراء البيض و نحوه، فانه شرط و ان لم يكن لفظ حين العقد و مما ذكرنا ظهر الاشكال فى قول المصنف.

(و منه يظهر عدم جريان هذا الخيار فى المعاطات، و ان قلنا بلزومها من اوّل الامر، او بعد التلف) لاحد العوضين.

(و السر فى ذلك) اى فى عدم دخول الخيار فى المعاطات (ان الشرط القولى لا يمكن ارتباطه بالانشاء الفعلى).

و فيه انه لما ذا لا يمكن ارتباطه مع انه عرفى، فيشمله دليل العقد و

ص: 28

و ذكر فيهما أيضا دخول الخيار فى الصداق، و لعله لمشروعية الفسخ فيه فى بعض المقامات، كما اذا زوجها الولى بدون مهر المثل و فيه نظر و ذكر فى المبسوط أيضا دخول هذا الخيار فى السبق و الرماية للعموم.

اقول: و الا ظهر- بحسب القواعد- اناطة دخول خيار الشرط بصحة

______________________________

الشرط (و ذكر فيهما أيضا) اى المبسوط و التذكرة (دخول الخيار فى الصداق) المهر لاطلاق ادلة الشرط (و لعله لمشروعية الفسخ فيه فى بعض المقامات، كما اذا زوجها الولى بدون مهر المثل) فالنكاح صحيح لكن لها فسخ المهر، و أخذ مهر المثل و قد تقدم و يأتى: انه كلما صح الفسخ صح الشرط (و فيه نظر) لاحتمال ان لا يصح فى المهر الفسخ، فلا يصح فيه الشرط، و انما كان للمرأة ردّ المهر، لانه وقع فضولة، فانه ليس للولى ولاية العقد باقل من مهر المثل، فاذا ردت كان لها مهر المثل حسب القاعدة.

و كيف كان فقد عرفت ان الاصل نفوذ الشرط و ان لم يصح الفسخ، لعدم دليل على التلازم بين الامرين- و ان اصرّ المصنف على وجود التلازم-.

(و ذكر فى المبسوط أيضا دخول هذا الخيار) اى خيار الشرط (فى السبق و الرماية).

و ذلك (للعموم) اى عموم: المؤمنون عند شروطهم.

(اقول: و الا ظهر- بحسب القواعد-) كما يبين المصنف القاعدة بعد قليل (اناطة دخول خيار الشرط) فى عقد (بصحة

ص: 29

التقايل فى العقد، فمتى شرع التقايل مع التراضي بعد العقد جاز تراضيهما حين العقد على سلطنة احدهما او كليهما على الفسخ، فان اقدامه على ذلك- حين العقد- كاف فى ذلك، بعد ما وجب عليه شرعا القيام و الوفاء بما شرطه على نفسه فيكون امر الشارع اياه بعد العقد بالرضا بما يفعله صاحبه من الفسخ و الالتزام و عدم الاعتراض عليه قائما مقام رضاه الفعلى بفعل صاحبه

______________________________

التقايل فى) ذلك (العقد، فمتى شرع التقايل مع التراضي) رضى المتعاقدان (بعد العقد) «بعد» متعلق ب «التقايل» (جاز تراضيهما حين العقد على سلطنة احدهما او كليهما) «على» متعلق ب «تراضى» (على الفسخ) بان يجعلا فى العقد شرطا يقتضي ذلك الشرط تسلط المشروط له على الفسخ (فان اقدامه) اى احد هما او كلاهما (على ذلك) اى على الرضا بالفسخ بعد العقد اقداما (- حين العقد-) لان الشرط يجعل فى ضمن العقد (كاف فى ذلك) الفسخ، كاف (بعد ما وجب عليه شرعا القيام و الوفاء بما شرطه على نفسه).

و عليه (فيكون امر الشارع اياه بعد العقد بالرضا) متعلق ب «امر» اى امره بان يرضى (بما يفعله صاحبه من الفسخ و الالتزام) اى سواء فسخ او التزام.

و قوله: (و عدم الاعتراض عليه) عطف على قوله: بالرضا (قائما مقام رضاه الفعلى) بعد العقد (بفعل صاحبه).

فكما انه اذا رضى فعلا بالفسخ بالتقايل ليوجب الفسخ، كذلك اذا

ص: 30

و ان لم يرض فعلا.

و اما اذا لم يصح التقايل فيه لم يصح اشتراط الخيار فيه لانه اذا لم يثبت تأثير الفسخ بعد العقد عن تراض منهما، فالالتزام حين العقد لسلطنة احد هما عليه لا يحدث له اثرا، لما عرفت من ان الالتزام حين العقد لا يفيد الا فائدة الرضا الفعلى بعد العقد بفسخ صاحبه و لا يجعل الفسخ مؤثرا شرعيا، و الله العالم.

______________________________

شرط قبلا فامر الشارع بصحة الشرط الموجب لاجازته فسخ ذى الخيار (و ان لم يرض) صاحبه (فعلا) اذ بعد قبوله الشرط حال العقد خرج الاختيار عن يده، و صح فسخ العقد رغما عليه.

(و اما اذا لم يصح التقايل فيه) اى فى العقد (لم يصح اشتراط الخيار فيه).

وجه التلازم (لانه اذا لم يثبت تأثير الفسخ بعد العقد) و ان كان الفسخ (عن تراض منهما، فالالتزام حين العقد) بالشرط (لسلطنة احدهما) او كليهما (عليه) اى على الفسخ (لا يحدث له) اى للالتزام (اثرا) يوجب صحة الشرط (لما عرفت من ان الالتزام حين العقد لا يفيد الا فائدة الرضا الفعلى بعد العقد بفسخ صاحبه) «بفسخ» متعلق ب «الرضا» (و لا يجعل) الالتزام حال العقد (الفسخ مؤثرا شرعيا) فان الشرط لا يجعل ما ليس بسبب سببا (و الله العالم) و قد تقدم انه لا دليل على هذا التلازم كما لا حاجة إليه، بل المرجع فى مورد الشك اطلاق دليل: المؤمنون عند شروطهم و مما ذكرنا يظهر دخوله فى القرض و غيره من المعاملات.

ص: 31

الرابع خيار الغبن،
[الغبن لغة و اصطلاحا]

و اصله الخديعة، قال فى الصحاح هو بالتسكين فى البيع و الغبن بالتحريك فى الرأى، و هو فى اصطلاح الفقهاء تمليك ما له بما يزيد على قيمته مع جهل الآخر و تسمية المملك غابنا

______________________________

(الرابع) من اقسام الخيار (خيار الغبن) على وزن فلس (و اصله الخديعة) و هى اخفاء شي ء و اظهار غيره (قال فى الصحاح هو بالتسكين) للباء (فى البيع) و كذا غير البيع كالاجارة و غيرها (و الغبن) على وزن «فرس» (بالتحريك) للباء يستعمل (فى الرأى) بان ينخدع فى الرأى فيرى ما ليس بواقع.

قال فى النصاب: غبن در زرها زيان است و غبن در رأيها (و هو) اى «الغبن» (فى اصطلاح الفقهاء) «فى باب البيع» (تمليك ما له بما يزيد على قيمته مع جهل الآخر) فاذا لم يجهل الآخر لا يسمى غبنا.

لكن قد يسمى ذلك أيضا غبنا باعتبار انه أخذ منه المال اكثر من القدر اللازم، و ان كان عالما و لذا من يشترى الشي ء بقيمة أغلى- اضطرارا- يقال انه غبن، و ان علم بذلك.

و لذا تسمى يوم القيامة بيوم التغابن.

نعم اذا علم لا يكون له الخيار، لانه اقدم بنفسه على ضرر نفسه (و تسمية المملك) بالاكثر (غابنا) و «تسمية» عطف على «تمليك»

ص: 32

و الآخر مغبونا مع انه قد لا يكون خدع اصلا كما لو كانا جاهلين لاجل غلبة صدور هذه المعاوضة على وجه الخدع.

و المراد بما يزيد او ينقص العوض، مع ملاحظة ما انضم إليه من الشرط، فلو باع ما يساوى مائة دينار باقل منه مع اشتراط الخيار للبائع فلا غبن لان المبيع ببيع الخيار ينقص ثمنه عن

______________________________

(و الآخر مغبونا) فان غبن متعدّ، و لذا يأخذ المفعول (مع انه قد لا يكون خدع اصلا) لان الخدع ظاهر فى العمد (كما لو كانا جاهلين) فان الغابن لم يخدع، و انما يسمى غابنا فى صورة الجهل مع انه لا خدع (لاجل غلبة صدور هذه المعاوضة) الغبنية غالبا (على وجه الخدع) فاطلق «الغبن» على غير صورة «الخدع» أيضا من جهة الحاق الشي ء بالاعم الاغلب للتشابه صورة.

و منه يعلم ان تسمية بعض اللغويين مطلق «الغبن» بالنقص انما هو من باب التغليب، اذ ليس مع كل نقص خديعة و قد عرفت ان المعيار الخديعة على ما ذكره المصنف.

(و المراد بما يزيد) على قيمته (او ينقص) عن قيمته.

و فى الاول يكون المغبون البائع.

و فى الثانى المشترى (العوض) لان فيه الزيادة و النقص لكن لا العوض وحده بل (مع ملاحظة ما انضم إليه من الشرط) فان للشرط قسطا من الثمن او المثمن (فلو باع ما يساوى مائة دينار باقل منه مع اشتراط الخيار للبائع، فلا غبن) للبائع (لان المبيع ببيع الخيار ينقص ثمنه عن

ص: 33

المبيع بالبيع اللازم، و هكذا غيره من الشروط.

و الظاهر ان كون الزيادة مما لا يتسامح به شرط خارج عن مفهومه، بخلاف الجهل بقيمته.

ثم ان ثبوت الخيار به مع الشرط المذكور هو المعروف بين الاصحاب و نسبه فى التذكرة الى علمائنا، و عن نهج الحق نسبته الى الامامية و عن الغنية و المختلف: الاجماع عليه صريحا.

______________________________

المبيع بالبيع اللازم).

و كذا اذا كان مع الثمن شرط، كان باعه ما يسوى مائة بتسعين بشرط ان يخيط المشترى للبائع ثوبا ثمن خياطته عشرة مثلا (و هكذا غيره من الشروط) سواء فى طرف المثمن او الثمن.

(و) هل يشترط فى صدق الغبن كون الزيادة كثيرة كعشرة فى مائة؟ أم يصدق الغبن و ان كانت الزيادة قليلة كفلس فى دينار، ف (الظاهر ان كون الزيادة مما لا يتسامح به شرط خارج عن مفهومه) اى عن مفهوم الغبن، فكل زيادة و لو قليلة غبن، لكن الزيادة المتسامح بها عرفا لا توجب الخيار بدليل خارجى (بخلاف الجهل بقيمته) فان الجهل شرط فى صدق الغبن، فاذا اشتراه عالما بالقيمة لم يصدق الغبن

(ثم ان ثبوت الخيار به) اى بالغبن (مع الشرط المذكور) اى الجهل بالقيمة (هو المعروف بين الاصحاب، و نسبه فى التذكرة الى علمائنا و عن نهج الحق نسبته الى الامامية) و كلاهما مشعر بالاجماع (و عن الغنية و المختلف: الاجماع عليه صريحا) فلا مخالف فى المسألة.

ص: 34

نعم المحكى عن المحقق قدس سره فى درسه انكاره، و لا يعد ذلك خلافا فى المسألة كسكوت جماعة عن التعرض له.

نعم حكى عن الاسكافى منعه، و هو شاذ.

[أدلة هذا الخيار]
[آية تجارة عن تراض]

و استدل فى التذكرة على هذا الخيار بقوله تعالى: إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ

______________________________

(نعم المحكى عن المحقق قدس سره فى درسه انكاره) و انه لا خيار للمغبون.

و لعله لاجل ادلة الوفاء بالعقد، و امكان تدارك الغبن بارجاع الغابن مقدار ما غبن الى المغبون، جمعا بين الدليلين، و انه مقتضى العرف و الشارع أمضاه لانه لم يذكر خلافه (و لا يعد ذلك خلافا فى المسألة) لان المحقق قال بخيار الغبن فى كتبه، و لعله قال ذلك فى درسه مناقشة لا اعتمادا (ك) ما انّ (سكوت جماعة عن التعرض له) اى لخيار الغبن لا يعد خلافا فى المسألة، اذ السكوت اعم من الانكار.

(نعم حكى عن الاسكافى منعه) اى منع خيار الغبن، فلا خيار للمغبون، و لعله يرى وجوب تدارك الغبن (و هو شاذ) لانفراده فى هذه الفتوى.

(و استدل فى التذكرة على هذا الخيار بقوله تعالى: إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ) فالتجارة اللازمة هى ما كانت عن رضى، فاذا لم يكن رضى فلا لزوم، و انما نرفع، اللزوم، لا اصل التجارة، فلا نقول ببطلان البيع، لان الشارع انما قرر ما يراه العرف.

ص: 35

قال: و معلوم ان المغبون لو عرف الحال لم يرض و توجيهه ان رضا المغبون بكون ما يأخذه عوضا عما يدفعه مبنى على عنوان مفقود، و هو عدم نقصه عنه فى المالية، فكانه

______________________________

و لذا قالوا: ان المعاملات امضائيات، الا فيما زاد او نقص الشارع فيها، و العرف يرى الصحة مع الخيار او الصحة مع اخذ التفاوت، فاذا سقط اخذ التفاوت بقيت الصحة مع الخيار، و انما سقط اخذ التفاوت لما سيجي ء.

و اما عدم الرضا فى هذا البيع فلما ذكره بقوله: (قال: و معلوم ان المغبون لو عرف الحال لم يرض) و لما كان ظاهر الاستدلال انه لا رضا بالمعاملة الاعلى تقدير المساوات بين الثمن و المثمن يكون مقتضاه بطلان المعاملة رأسا، لا ان فيه الخيار.

قال المصنف: (و توجيهه) ان رضا المغبون بشراء ما يسوى درهما بدرهمين، ينحل الى رضاءين، رضا بشراء العين الخارجية و رضا بصفة انه يسوى بدرهمين.

و الرضا الاول معتبر فى الصحة.

و الرضا الثانى معتبر فى اللزوم.

و حيث ان الرضا الاول موجود فالبيع صحيح.

و حيث ان الرضا الثانى غير موجود، فلا لزوم، ف (ان رضا المغبون بكون ما يأخذه عوضا عما يدفعه مبنى) خبر «رضا» (على عنوان مفقود، و هو عدم نقصه) اى نقص ما يأخذه (عنه) اى عن ما يدفعه (فى المالية فكانه)

ص: 36

قال: اشتريت هذا الّذي يساوى درهما بدرهم، فاذا تبين انه لا يساوى درهما تبيّن انه لم يكن راضيا به عوضا.

لكن لما كان المقصود صفة من صفات المبيع لم يكن تبين فقده كاشفا عن بطلان البيع، بان كان كسائر الصفات المقصودة التى لا يوجب تبين فقدها الا الخيار، فرارا عن استلزام لزوم المعاملة الزامه بما لم يلتزم و لم يرض به.

______________________________

اى المغبون (قال: اشتريت هذا الّذي يساوى درهما بدرهم) واحد، فكانه قال: انى راض باصل الاشتراء، و راض بان يكون البيع لازما، اذا كان تساويين ما آخذه، و بين ما ادفعه (فاذا تبين انه لا يساوى درهما) بل اقل من درهم (تبيّن انه لم يكن راضيا به عوضا) فقد انهدم الرضا الّذي هو مقوم للزوم.

(لكن لما كان المقصود صفة من صفات المبيع) اى المساوات بين الثمن و المثمن (لم يكن تبين فقده كاشفا عن بطلان البيع، بان كان) حال هذه الصفة (كسائر الصفات المقصودة التى لا يوجب تبين فقدها الا الخيار) كما اذا اشترى على وصف الصحة، فتبين انه معيب.

و انما يوجب الخيار (فرارا عن استلزام لزوم المعاملة الزامه) اى المغبون (بما لم يلتزم و لم يرض به) اى لم يرض بان يكون لازما، لا انه لم يرض باصلها،.

و على هذا البيان.

ص: 37

فالآية انما تدل على عدم لزوم العقد فاذا حصل التراضي بالعوض غير المساوى كان كالرضا السابق لفحوى حكم الفضولى و المكره.

و يضعف

______________________________

(فالآية انما تدل على عدم لزوم العقد) لا على عدم صحته (فاذا حصل التراضي بالعوض غير المساوى) بان اجاز البيع و اسقط خياره (كان) هذا الرضا الطارئ (كالرضا السابق).

اى كما لو كان علم من الاول انه لا يسوى بدرهم، و مع ذلك اشتراه فكما انه بالرضا السابق يلزم البيع كذلك بالرضا الطارئ يلزم البيع و انما كان حال الرضا الطارئ حال الرضا السابق (لفحوى حكم الفضولى و المكره) فان الفضولى و المكره غير راضيين حال العقد، لكن رضا هما اللاحق كاف فى لزوم العقد، فما نحن فيه اولى بكفاية الرضا الطارئ، اذ لا اكراه و لا فضولة حال العقد.

(و يضعف) هذا التوجيه بامرين.

الاول: ان التساوى بين المبيع و الثمن ليس عنوانا حتى يوجب فقده الخيار، مثل فقد سائر الاوصاف، بل التساوى من قبيل الداعى و فقد الداعى لا يوجب الخيار.

الثانى انا نسلّم انه من قبيل العنوان لكن فقد العنوان لا يوجب الخيار، اذا لم يؤخذ فى العقد قيدا، و المفروض ان هذا العنوان لم يؤخذ فى العقد.

اقول يرد على الاول: انه عنوان لا داع.

ص: 38

بمنع كون الوصف المذكور عنوانا بل ليس الا من قبيل الداعى الّذي لا يوجب تخلفه شيئا، بل قد لا يكون داعيا أيضا، كما اذا كان المقصود ذات المبيع من دون ملاحظة مقدار ماليته، فقد يقدم على اخذ الشي ء و ان كان ثمنه اضعاف قيمته و التفت الى احتمال ذلك مع ان اخذه

______________________________

و على الثانى: انه يكفى فى الخيار بناء العقد عليه، و ان لم يذكر فى متن العقد.

فحال هذا العنوان حال وصف الصحة.

و قد اشار المصنف الى اشكاله الاول بقوله: (بمنع كون الوصف المذكور) التساوى بين المثمن و الثمن (عنوانا بل ليس الا من قبيل الداعى الّذي لا يوجب تخلفه شيئا).

فان الانسان اذا جاءه الضيف و ذهب ليشترى لهم الطعام، داعيه الى الاشتراء اطعام الضيف، فاذا رجع و رأى ان الضيف قد ارتحل لم يكن تخلف داعيه موجبا لان يكون له خيار فى ارجاع الطعام (بل قد لا يكون داعيا أيضا، كما اذا كان المقصود ذات المبيع من دون ملاحظة مقدار ماليته) اذ لا يهمه ذلك (فقد يقدم على اخذ الشي ء و ان كان ثمنه اضعاف قيمته و التفت الى احتمال ذلك) اى ان ثمنه اضعاف قيمته اما اذا علم ذلك فليس له الخيار لانه اقدم، و المقدم العالم لا يسمى مغبونا حتى يكون له الخيار.

و اشار الى اشكاله الثانى بقوله: (مع ان اخذه) اى الوصف المذكور

ص: 39

على وجه التقييد لا يوجب خيارا، اذا لم يذكر فى متن العقد.

[آية لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل]

و لو ابدل قدّس سرّه هذه الآية بقوله تعالى: وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ، كان اولى، بناء على ان اكل المال على وجه الخدع ببيع ما يسوى درهما بعشرة مع عدم تسلط المخدوع بعد تبين خدعه على ردّ المعاملة، و عدم نفوذ رده اكل المال بالباطل.

______________________________

(على وجه التقييد لا يوجب خيارا، اذا لم يذكر فى متن العقد) لما تقدم من ان القيد اذا لم يذكر فى متن العقد لم يشمله: المؤمنون عند شروطهم فلا يجب الوفاء به.

(و) حيث قد عرفت الاشكال فى استدلال العلامة على خيار الغبن بقوله تعالى «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» نقول (لو ابدل) العلامة (قدّس سرّه هذه الآية) إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً .. (بقوله تعالى: وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ، كان اولى) اذ لا يرد عليه الاشكال المتقدم.

وجه الاستدلال بالآية ما ذكره بقوله: (بناء على ان اكل المال على وجه الخدع) و ان لم يقصد الخادع الخدعة، بل كان جاهلا أيضا (ببيع) متعلق ب «اكل» (ما يسوى درهما بعشرة مع عدم تسلط المخدوع بعد تبين خدعه).

و انما قال: بعد تبين خدعه، لما سيأتى من ان للمخدوع خيار الغبن اذا علم بالخداع و بالغبن (على ردّ المعاملة) متعلق ب «عدم التسلط» (و عدم نفوذ رده) عطف على «عدم تسلط» (اكل المال بالباطل) عرفا، و الشارع قرر ذلك كما قرر سائر المواضيع فى باب المعاملة.

ص: 40

اما مع رضاه بعد التبين بذلك فلا يعد اكلا بالباطل.

و مقتضى الآية و ان كان حرمة الاكل حتى قبل تبين الخدع الا انه خرج بالاجماع و بقى ما بعد اطلاع المغبون و رده للمعاملة.

لكن يعارض الآية ظاهر قوله تعالى: إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ،

______________________________

(اما مع رضاه بعد التبين بذلك) الخدع (فلا يعد اكلا بالباطل) فلا خيار له اذا رضى.

و قوله «اما» اشارة الى ردّ توهم، و هو انه اكل للمال بالباطل و ان رضى.

(و) ان قلت: اكل الخادع قبل تبين الخدع أيضا اكل للمال بالباطل عرفا، فلما ذا لا تقولون به.

قلت: (مقتضى الآية و ان كان حرمة الاكل حتى قبل تبين الخدع، الا انه خرج بالاجماع) فقد قام الاجماع على ان المال يكون للغابن، و انما فعل حراما (و بقى ما بعد اطلاع المغبون و رده للمعاملة) فانه اذا لم يرد الغابن كان اكلا للمال بالباطل.

اما قوله صلى الله عليه و آله و سلم: ثمن المسترسل سحت، فظاهره و ان كان حرمة الثمن، الا انه محمول على شدة المبالغة.

اقول: لا يخفى ان ظاهر الآية غير قابلة للتخصيص بعد ان كان الاكل قبل التبين أيضا اكلا للمال بالباطل.

اللهم الا ان يمنع ذلك فتأمل.

(لكن يعارض الآية ظاهر قوله تعالى: إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ)

ص: 41

بناء على ما ذكرنا من عدم خروج ذلك عن موضوع التراضي.

فمع التكافؤ يرجع الى اصالة اللزوم.

الا ان يقال ان التراضي مع الجهل بالحال يخرج عن كون اكل الغابن لمال المغبون الجاهل اكلا بالباطل.

______________________________

وجه المعارضة ان «لا تأكلوا» يقول: انه اكل للمال بالباطل، و ان «الا ان تكون» يقول: لا بأس بأكله، لانه عن رضا (بناء على ما ذكرنا من عدم خروج ذلك عن موضوع التراضي) و عليه فلا يمكن الاستدلال ب «لا تأكلوا».

(فمع التكافؤ) التساوى فى دلالة الآيتين على البطلان و الصحة (يرجع الى اصالة اللزوم).

اذ قد تقدم ان الاصل فى المعاملة: الصحة و اللزوم.

(الا ان يقال) بتقديم «عن تراض» على «لا تأكلوا».

ف (ان التراضي مع الجهل بالحال) اى جهل المشترى بانه مغبون (يخرج عن كون اكل الغابن لمال المغبون الجاهل) بالغبن (اكلا بالباطل).

وجه ذلك: ان المعتبر عند العقلاء الفعليات، لا التقديريات، فان من يشترى الدار بمائة راض بذلك، و ان كان لو علم انه بعد يوم تكون قيمة الدار خمسين لم يكن راضيا بها الآن و كذلك فى مسألة تخلف الداعى و نحوه.

ص: 42

و يمكن ان يقال: ان آية التراضي تشمل غير صورة الخدع، كما اذا اقدم المغبون على شراء العين محتملا لكونه باضعاف قيمته فيدل على نفى الخيار فى هذه الصورة، من دون معارضة فيثبت عدم الخيار فى الباقى بعدم القول بالفصل فتعارض مع آية النهى المختصة بصورة الخدع الشاملة غيرها بعدم القول بالفصل فيرجع

______________________________

(و يمكن ان يقال) فى وجه تقديم آية التراضي على آية اكل المال بالباطل (ان آية التراضي تشمل) صورة احتمال المشترى بالخداع فلا خيار، فتشمل صورة عدم علم المشترى لعدم القول بالفصل، فلا خيار أيضا فتشمل الآية (غير صورة الخدع، كما اذا اقدم المغبون على شراء العين محتملا لكونه باضعاف قيمته) فانه اذا اقدم محتملا للغبن فقد رضى فتشمله آية: إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (فيدل على نفى الخيار فى هذه الصورة، من دون معارضة) لآية اكل المال بالباطل (فيثبت عدم الخيار فى الباقى) اى صورة جهل المشترى بالخدع، و عدم احتماله للخدع (بعدم القول بالفصل).

و عليه (ف) هذه الآية (تعارض مع آية النهى) و هى: لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ* (المختصة بصورة الخدع) لان صورة الخداع اكل للمال بالباطل (الشاملة) هذه الآية (غيرها) اى غير صورة الخداع و هى ما اذا اقدم محتملا كونه باضعاف قيمته (بعدم القول بالفصل).

اذ كل من يقول: بان صورة الخداع اكل للمال بالباطل، يقول:

بان هذه الصورة اكل للباطل، و اذا تعارضت الآيتان فى الدلالة (فيرجع

ص: 43

بعد تعارضهما- بضميمة عدم القول بالفصل، و تكافؤهما- الى اصالة اللزوم.

[ما في التذكرة و المناقشة فيه]

و استدل أيضا فى التذكرة بان النّبي صلى الله عليه و آله و سلم اثبت الخيار فى تلقى الركبان، و انما اثبته للغبن

______________________________

بعد تعارضهما) تعارضا (- بضميمة عدم القول بالفصل) فى كل آية كما عرفت- (و تكافؤهما-) عطف على «تعارضهما» (الى اصالة اللزوم) لان الاصل فى كل عقد شك فى جوازه و لزومه، هو اللزوم، كما سبق تقريره.

اقول: يمكن ان يستدل لخيار الغبن أيضا بما قاله بعض المحشّين من ادلة خيار العيب، و الرؤية، و الشركة، و تبعض الصفقة بدعوى ان ثبوت الخيار فى هذه الموارد انما هو للنقص.

و اوّل من اشار الى ذلك العلامة حيث قال فى محكى المختلف خيار العيب للغبن.

(و استدل أيضا) لخيار الغبن (فى التذكرة بان النبي صلى الله عليه و آله و سلم اثبت الخيار فى تلقى الركبان، و انما اثبته للغبن) فقد روى عنه صلى الله عليه و آله و سلم انه قال: لا تلقوا الركبان، فان تلقى احدكم فاشترى فصاحب السلعة بالخيار اذا دخل السوق.

فان الظاهر عرفا انه لا وجه للخيار اذا دخل السوق، الا من جهة ظهور الغبن.

و اما السند فقد حكوا انه موجود فى كتاب الخلاف و النهاية و الغنية

ص: 44

و يمكن ان يمنع صحة حكاية اثبات الخيار لعدم وجودها فى الكتب المعروفة بين الامامية، ليقبل ضعفه الانجبار بالعمل.

[الأقوى الاستدلال بقوله ص لا ضرر و لا ضرار]

و اقوى ما استدل به على ذلك فى التذكرة و غيرها قوله صلى الله عليه و آله و سلم: لا ضرر و لا ضرار فى الاسلام.

و كان وجه الاستدلال ان لزوم مثل هذا البيع و عدم تسلط المغبون على فسخه ضرر عليه، و اضرار به فيكون منفيا.

فحاصل الرواية ان الشارع لم يحكم بحكم

______________________________

و قد عمل به الشيخ فى الخلاف و المبسوط، و السيد فى الغنية، و العلامة فى التذكرة، و ابن ادريس و غيرهم، و كفى بمثل ذلك دليلا خصوصا بعد ان كان ابن ادريس لا يعمل باخبار الآحاد (و) منه يظهر الاشكال فى قوله: (يمكن ان يمنع صحة حكاية اثبات الخيار) بمثل هذا الخبر (لعدم وجودها فى الكتب المعروفة بين الامامية، ليقبل ضعفه الانجبار بالعمل)

(و) كيف كان، ف (اقوى ما استدل به على ذلك) اى على خيار الغبن (فى التذكرة و غيرها قوله صلى الله عليه و آله و سلم: لا ضرر و لا ضرار فى الاسلام) و هو حديث متواتر سندا معمول به اجماعا فى مختلف ابواب الفقه (و كان وجه الاستدلال) به (ان لزوم مثل هذا البيع) الغبنى (و عدم تسلط المغبون على فسخه) بعدم الخيار له (ضرر عليه، و) اذا الزمه الشارع كان (اضرار) ا (به) اى بالمغبون (فيكون) اللزوم (منفيا) بمقتضى هذه الرواية.

(فحاصل) وجه الاستدلال بهذه (الرواية ان الشارع لم يحكم بحكم

ص: 45

يكون فيه الضرر، و لم يسوغ اضرار المسلمين بعضهم بعضا، و لم يمض لهم من التصرفات ما فيه ضرر على الممضى عليه.

و منه يظهر صحة التمسك لتزلزل كل عقد يكون لزومه ضررا على الممضى عليه، سواء كان من جهة الغبن، أم لا، و سواء كان فى البيع، أم فى غيره كالصلح غير المبنى على المسامحة

______________________________

يكون فيه الضرر).

و من المعلوم: ان اصل صحة البيع بدون الزامه به لا يكون ضررا فليس اصل الصحة مرتفعا، و انما الالزام و اللزوم ضرر، فهو المرتفع (و لم يسوغ اضرار المسلمين بعضهم بعضا) هذا تفسير «لا ضرار» فانه مصدر باب المفاعلة.

فالحديث يقول: لا يضر انسان انسانا، و لا يضر هذا ذاك، و ذاك هذا (و لم يمض) الشارع (لهم من التصرفات) العقدية و الايقاعية (ما فيه ضرر على الممضى عليه) و اللزوم تصرف من المتعاقدين لانهما تصرفا هذا التصرف اللزومى فلم يمضه الشارع اذا كان ضرريا.

(و منه) اى من الاستدلال بدليل: لا ضرر على خيار الغبن (يظهر صحة التمسك لتزلزل كل عقد) و دخول الخيار فيه (يكون لزومه ضررا على الممضى عليه، سواء كان) الضرر (من جهة الغبن، أم لا) كما اذا كان الضرر من جهة العيب او غيره (و سواء كان فى البيع، أم فى غيره، كالصلح غير المبنى على المسامحة).

اذ لو كان الصلح مبنيا على المسامحة كانا هما اقدما على الضرر و الضرر

ص: 46

و الاجارة و غيرها من المعاوضات.

هذا و لكن يمكن الخدشة فى ذلك بان انتفاء اللزوم و ثبوت التزلزل فى العقد لا يستلزم ثبوت الخيار للمغبون بين الرد و الامضاء بكل الثمن اذ يحتمل ان يتخير بين امضاء العقد بكل الثمن، و رده فى المقدار الزائد.

غاية الامر ثبوت الخيار للغابن.

______________________________

المنفى هو ما لم يقدم عليه المتعاقدان (و الاجارة و غيرها من المعاوضات) بل الايقاعات أيضا اذا لم يكن دليل خاص على عدم دخول الفسخ فيها.

(هذا و لكن يمكن الخدشة فى ذلك) اى فى دليل «لا ضرر» لاثبات الخيار (بان) لا ضرر يقول بالخيار وحده بل يقول بانه يصح بكل وجه يرفع الضرر، سواء كان بالفسخ او برد بعض الثمن او المثمن مما يرفع الضرر و الخسارة.

فان (انتفاء اللزوم و ثبوت التزلزل فى العقد لا يستلزم ثبوت الخيار للمغبون بين الرد) كلا (و الامضاء بكل الثمن، اذ) الدليل اعم من المدعى، ف (يحتمل ان يتخير) المغبون (بين امضاء العقد بكل الثمن و رده) اى رد العقد (فى المقدار الزائد).

مثلا: اذا اشترى كتابا يسوى بعشرة باحد عشر كان له استرجاع درهم.

(غاية الامر) اذا استرجع الدرهم (ثبوت الخيار) فى فسخ المعاملة (للغابن).

ص: 47

لتبعض المال عليه فيكون حال المغبون حال المريض اذا اشترى بازيد من ثمن المثل.

و حاله بعد العلم بالقيمة حال الوارث اذا مات ذلك المريض المشترى فى ان له استرداد الزيادة من دون ردّ جزء من العوض، كما عليه الاكثر فى معاوضات المريض المشتملة على المحابات، و ان اعترض عليهم العلامة بما حاصله: ان استرداد بعض احد العوضين من دون رد

______________________________

و انما يثبت له الخيار (لتبعض المال عليه) و هذا هو المسمى بخيار تبعض الصفقة.

لكن يمكن ان يقال: لا حق للغابن اذ انه كان مجحفا و قد رفع اجحافه فلا وجه لخياره بعد ان كان البيع لازما (فيكون حال المغبون) فى استرجاعه قدر ما غبن فيه (حال المريض اذا اشترى بازيد من ثمن المثل) فان البيع يكون بذلك متزلزلا بالنسبة الى مقدار الزيادة.

(و حاله) اى المغبون (بعد العلم بالقيمة) بان علم انه قد غبن (حال الوارث اذا مات ذلك المريض المشترى فى ان له) اى لذلك الوارث (استرداد الزيادة) التى اخذها البائع من المريض (من دون ردّ جزء من العوض، كما عليه) اى على هذا الحكم فى المريض (الاكثر) من الفقهاء (فى معاوضات المريض المشتملة على المحابات) سواء كان المريض بائعا او مشتريا، او فى سائر المعاملات كالاجارة و نحوها (و ان اعترض عليهم العلامة بما حاصله: ان استرداد بعض احد العوضين) كما اذا استرد المشترى بعض الثمن لان البائع اخذ اكثر من الثمن منه (من دون رد

ص: 48

بعض الآخر ينافى مقتضى المعاوضة.

و يحتمل أيضا ان يكون نفى اللزوم بتسلط المغبون على الزام الغابن باحد الامرين من الفسخ فى الكل، و من تدارك ما فات على المغبون برد

______________________________

بعض) العوض (الآخر) فان البائع لا يسترد بعض المبيع فى المثال (ينافى مقتضى المعاوضة) اذ كانت المعاوضة بين مجموع المثمن قبال مجموع الثمن، فكيف يسترد بعض الثمن و لا يسترد بعض المثمن.

لكن الظاهر: ان هذا الاشكال غير وارد، اذ العرف يرى ان الغابن أخذ ما ليس له بحق، و ان حق المعاوضة التساوى، فاذا استرد المغبون قدر غبنه استرد ما لم يكن فى قبال العوض الآخر، و هذا هو الظاهر من تقرير الشارع ان ثمن المسترسل سحت، بل كون المعاملات امضائيات يقتضي امضاء الشارع لما يراه العرف.

اما عدم تملك الغابن لمقدار الزيادة فهو خلاف العرف لكنه ملك متزلزل، فلا يقال ان لازم الكلام السابق عدم تملك الغابن، فتأمّل.

(و يحتمل أيضا) عطف على «اذ يحتمل».

و الفرق بينهما ان الاول تخيير المغبون بين الرد بمقدار الغبن و بين الامضاء و هذا تخيير المغبون بين الامضاء و بين الفسخ، ان لم يرد الغابن التفاوت، و الا فلا حق له فى الفسخ، ب (ان يكون نفى اللزوم) العقد المستفاد من دليل لا ضرر (بتسلط المغبون على الزام الغابن باحد الامرين من الفسخ فى الكل) فيرجع كل مال الى صاحبه (و من تدارك ما فات على المغبون برد

ص: 49

القدر الزائد، او بدله.

و مرجعه الى ان للمغبون الفسخ اذا لم يبذل الغابن التفاوت، فالمبذول غرامة لما فات على المغبون على تقدير امضاء البيع، لا هبة مستقلة، كما فى الايضاح و جامع المقاصد حيث انتصرا للمشهور القائلين بعدم سقوط الخيار ببذل الغابن للتفاوت بان الهبة المستقلة لا تخرج

______________________________

القدر الزائد) اذا كان موجودا (او بدله) اذا كانت العين تالفة، او فى حكم التلف.

(و مرجعه) اى مرجع هذا الاحتمال (الى ان للمغبون الفسخ اذا لم يبذل الغابن التفاوت) لا ان له الفسخ مطلقا، كما ان المشهور يقولون بذلك.

و عليه (فالمبذول) للمغبون (غرامة) لا جزء من الثمن او المثمن حتى يستشكل بانه كيف يكون جزءا؟ و الحال ان البيع كان لكل الثمن فى مقابل كل المثمن.

و معنى الغرامة ان الشارع يقول للغابن: ادفع شيئا من المال (لما فات على المغبون) بسببك (على تقدير امضاء البيع) «على» متعلق ب «المبذول» لان البذل انما هو فى حال امضاء البيع (لا هبة مستقلة) لا ربط لها بالمعاملة السابقة (كما فى الايضاح و جامع المقاصد) حيث قالا انه هبة مستقلة (حيث انتصرا للمشهور القائلين بعدم سقوط الخيار ببذل الغابن للتفاوت) «للتفاوت» متعلق ب «بذل» (بان) متعلق ب «انتصرا» (الهبة المستقلة لا تخرج

ص: 50

المعاملة عن الغبن الموجب للخيار و سيجي ء ذلك.

______________________________

المعاملة عن الغبن الموجب للخيار).

وجه الاستدلال: انه لو لم يكن له خيار كان و لا بدّ من بذل الغابن و البذل هبة و حيث لا يكون هبة- لان الهبة المستقلة لا تخرج المعاملة عن الغبن اذ اى ربط بين الغبن و بين هبة مستقلة- فلا بد ان يكون للمغبون الخيار.

ثم انه مما يؤيد تخيير المغبون بين الرد و أخذ التفاوت ما رواه دعائم الاسلام عن ابى عبد الله عليه السلام انه قال: اذا باع رجل من رجل سلعة، ثم ادعى انه غلط فى ثمنها، الى ان قال: ثم قيل للمشترى ان شئت خذها بمبلغ القيمة، و ان شئت فدع، فان ظاهره التخيير بين الفسخ و بين الاخذ بما يساوى القيمة و استرجاع الزائد- كذا قيل فى تفسير الرواية- لكن لا يخفى اذ فيها احتمالان آخران.

الاول: ان المراد بمبلغ القيمة تمامها فتكون الرواية تأييدا للمشهور القائلين بالتخيير بين الاخذ بتمام القيمة و بين الفسخ.

الثانى: ان ما يأخذه المغبون من بعض القيمة بعض الثمن لا انه غرامة و هذا- هو الّذي تقدم منا- انه مقتضى ما يراه العرف فى باب الغبن، بل عليه بنوا العقلاء معاملاتهم، و لا دليل غير الشهرة على ان الشارع غيّر طريقة العقلاء (و سيجي ء ذلك) عند قوله- بعد اسطر- «ثم ان المبذول ليس هبة».

ص: 51

و ما ذكرنا نظير ما اختاره العلامة فى التذكرة و احتمله فى القواعد من انه اذا ظهر كذب البائع مرابحة فى اخباره برأس المال فبذل المقدار الزائد مع ربحه فلا خيار للمشترى.

فان مرجع هذا الى تخيير البائع بين ردّ التفاوت، و بين الالتزام بفسخ المشترى.

و حاصل الاحتمالين: عدم الخيار للمغبون مع بذل الغابن للتفاوت

______________________________

(و ما ذكرنا) من كفاية الغرامة عن الفسخ، هو (نظير ما اختاره العلامة فى التذكرة و احتمله فى القواعد من انه اذا ظهر كذب البائع مرابحة فى اخباره برأس المال) كما لو قال: ان رأس المال مائة، و اربح عليه خمسة و عشرين فظهر انه اشتراه بخمسين، و خمسة عشرة (فبذل) البائع (المقدار الزائد) كالخمسين فى المثال (مع ربحه) العشرة (فلا خيار للمشترى) فى الفسخ.

(فان مرجع هذا) الكلام من العلامة (الى تخيير البائع) الكاذب (بين رد التفاوت، و بين الالتزام بفسخ المشترى).

معنى «الالتزام» انه اذا فسخ المشترى استجاب البائع لفسخه، و ليس له الممانعة.

(و حاصل الاحتمالين) الذين هما فى قبال المشهور (عدم الخيار للمغبون) فى الفسخ (مع بذل الغابن للتفاوت) بين القيمة المأخوذة و بين واقع القيمة.

ص: 52

فالمتيقن من ثبوت الخيار له صورة امتناع الغابن من البذل.

و لعل هذا هو الوجه فى استشكال العلامة فى التذكرة فى ثبوت الخيار مع البذل، بل قول بعض بعدمه كما يظهر من الرياض.

ثم ان المبذول ليس هبة مستقلة حتى يقال انها لا يخرج المعاملة المشتملة على الغبن عن

______________________________

اذا (فالمتيقن من ثبوت الخيار) و حق الفسخ (له) للمغبون (صورة امتناع الغابن من البذل) فليس له حق الفسخ فى صورة بذل الغابن للتفاوت.

(و لعل هذا) الّذي ذكرناه من حاصل الاحتمالين (هو الوجه فى استشكال العلامة فى التذكرة فى ثبوت الخيار مع البذل) اذ لا دليل على الخيار حينئذ، فقد عرفت ان عمدة دليل الخيار «لا ضرر» و هو يتدارك بالبذل (بل قول بعض بعدمه) اى انه لا خيار (كما يظهر من الرياض).

لكن قد تقدم ان هناك بعض الادلة الاخر، مثل: خيار تلقى الركبان اذا دخلوا السوق، و غيره مما يؤيد خياره فى الفسخ مطلقا اى و ان بذل التفاوت.

(ثم) يبقى اشكال انه اذا كان المبذول هبة مستقلة فان ذلك لا يوجب رفع الغبن، بل حال ذلك حال ما اذا وهب انسان آخر بمقدار الغبن اذا لم يفسخ المغبون، ف (ان المبذول ليس هبة مستقلة حتى يقال انها) اى الهبة المستقلة (لا يخرج المعاملة المشتملة على الغبن عن

ص: 53

كونها مشتملة عليه، و لا جزء من احد العوضين حتى يكون استرداده مع العوض الآخر جمعا بين جزء المعوض و تمام العوض منافيا لمقتضى المعاوضة، بل هو غرامة لما اتلفه الغابن عليه من الزيادة بالمعاملة الغبنية، فلا يعتبر كونه من عين الثمن نظير الارش فى المعيب.

______________________________

كونها مشتملة عليه) اى على الغبن.

و انما قلنا «ليس» لان المبذول انما هو فى قبال الخسارة، لا انه معاملة مستقلة (و لا) ان المبذول (جزء من احد العوضين) الّذي ورد نقص فيهما بالغبن (حتى يكون استرداده) اى استرداد هذا الجزء (مع العوض الآخر) الكائن عند المسترد (جمعا بين جزء المعوض و تمام العوض) و يكون ذلك الجمع (منافيا لمقتضى المعاوضة) اى مقتضاه ان يذهب كل احدهما و يرجع مكانه كل الآخر (بل هو)- المبذول- (غرامة) و خسارة للغابن (لما اتلفه الغابن عليه) اى على المغبون (من الزيادة) «من» بيان «ما» اتلافا (ب) سبب (المعاملة الغبنية).

و انما سمى اتلافا لانه ذهب من يد المغبون و ان كانت عينه باقية عند الغابن.

و حيث كان المبذول غرامة لا جزء (فلا يعتبر كونه من عين الثمن).

نعم لو كان المبذول جزء اعتبر كونه من عين الثمن اذا كان الثمن موجودا، و من مثله او قيمته اذا كان الثمن تالفا.

فحال هذا المبذول (نظير الارش فى المعيب) حيث انه غرامة، فلا يشترط ان يكون من عين الثمن.

ص: 54

و من هنا ظهر الخدشة: فيما فى الايضاح، و جامع المقاصد، من الاستدلال على عدم السقوط مع البذل بعد الاستصحاب، بان بذل التفاوت لا يخرج المعاملة عن كونها غبنية لانها هبة مستقلة، حتى انه لو دفعه على وجه الاستحقاق لم يحل اخذه، اذ لا ريب فى ان من قبل هبة الغابن لا يسقط خياره، انتهى

______________________________

(و من هنا) الّذي ذكرنا ان المبذول غرامة (ظهر الخدشة: فيما فى الايضاح، و جامع المقاصد من الاستدلال على عدم السقوط) للخيار (مع البذل) للتفاوت (بعد الاستصحاب) اى استصحاب الخيار (بان بذل التفاوت لا يخرج المعاملة عن كونها غبنية) و اذا بقيت على كونها غبنية كان للمغبون الخيار.

و انما البذل لا يخرجها عن كونها غبنية (لانها) اى البذل- و تأنيث الضمير باعتبار- هبة- (هبة مستقلة) و المعاملة المستقلة لا ترفع الغبن معامليا، و ان رفعت الغبن معنويا، بل هى من قبيل ان يضيف الغابن المغبون و يطعمه بمقدار التفاوت (حتى انه) اى الغابن (لو دفعه) اى البذل (على وجه الاستحقاق) و الارتباط بالمعاملة الغبنية (لم يحل) للمغبون (اخذه) اذ لا استحقاق للمغبون بعد ان كانت المعاوضة بين تمام الثمن فى قبال تمام المثمن فلا يكون البذل الا هبة و هى لا تنفع (اذ لا ريب فى ان من قبل هبة الغابن لا يسقط خياره) فأي علاقة بين الهبة و بين المعاملة الغبنية، و العلاقة المعنوية لا تكفى فى اسقاط الخيار و كذلك فى سائر الخيارات كخيار العيب و خيار الرؤية و غيرهما (انتهى) كلام الايضاح و جامع

ص: 55

بمعناه، وجه الخدشة ما تقدم من احتمال كون المبذول غرامة لما اتلفه الغابن على المغبون قد دل عليه نفى الضرر.

و اما الاستصحاب ففيه ان الشك فى اندفاع الخيار بالبذل لا فى ارتفاعه به، اذ من المحتمل ثبوت الخيار على الممتنع دون الباذل.

______________________________

المقاصد (بمعناه).

اقول (وجه الخدشة) فى كلامهما (ما تقدم من احتمال كون المبذول غرامة لما اتلفه الغابن على المغبون) بان اخذه منه بالمعاملة بدون ان يدفع عوضه إليه.

و انما نقول بهذه الغرامة لما (قد دل عليه نفى الضرر) فان لا ضرر يقول بوجوب رفع الضرر عن المغبون، و يكون الرفع بالتدارك، فلا يقال ان دليل «لا ضرر» ينفى و لا يثبت،- كما قرر فى الاصول-.

(و اما الاستصحاب) الّذي استدلا به على بقاء الخيار (ففيه) ان اركانه غير تامة، لانه يحتاج الى يقين سابق بوجود الخيار، و لا يقين سابق فيما يبذل التفاوت، و انما اليقين فيما لا يبذل.

ف (ان الشك فى اندفاع الخيار بالبذل) و انه لا يتحقق الخيار من اوّل العقد (لا) انه يقين بوجود الخيار و انما نشك فى انه هل ارتفع الخيار بسبب البذل، أم لا، فليس الشك (فى ارتفاعه) اى الخيار (به) اى بالبذل و انما كان الشك فى وجود اصل الخيار (اذ من المحتمل ثبوت الخيار على) الغابن (الممتنع) عن البذل، و اذا جاء الاحتمال لم يكن يقين بوجود الخيار (دون الباذل).

ص: 56

ثم ان الظاهر ان تدارك ضرر المغبون باحد الاحتمالين المذكورين اولى من اثبات الخيار له، لان الزام الغابن بالفسخ ضرر لتعلق غرض الناس بما ينتقل إليهم من اعواض اموالهم خصوصا النقود و نقض الغرض ضرر و ان لم يبلغ حد المعارضة لضرر المغبون، الا انه يصلح مرجحا لاحد الاحتمالين المذكورين على ما اشتهر من تخييره بين الردّ و الامضاء

______________________________

و فى بعض النسخ مكان «المحتمل» لفظ «المتيقن» و كلاهما يؤديان معنى واحدا.

(ثم) اذا كان رفع ضرر المغبون يمكن بسبب الخيار و يمكن بسبب الغرامة فالثانى اولى، ف (ان الظاهر ان تدارك ضرر المغبون باحد الاحتمالين) السابقين (المذكورين) عند قولنا «يحتمل» و «يحتمل» (اولى من اثبات الخيار له) اى للمغبون.

وجه الاولوية (لان الزام الغابن بالفسخ) و ذهاب ما انتقل إليه عن يده (ضرر) على الغابن (لتعلق غرض الناس بما ينتقل إليهم من اعواض اموالهم) و الا لم يقدموا على التعامل و التبادل (خصوصا) اذا كان الغابن البائع، و استلم (النقود) اذ النقود يتأتى منها اعمال كثيرة بخلاف البضائع (و نقض الغرض ضرر) بمعنى الضرر الاعم (و ان لم يبلغ) ضرر الغابن فى فسخ المعاملة (حد المعارضة لضرر المغبون) حتى يتساقطان و يكون المرجع دليل آخر (الا انه) ضرر الغابن بسبب الفسخ (يصلح مرجحا لاحد الاحتمالين المذكورين) فى قولنا «يحتمل» و «يحتمل» (على ما اشتهر من تخييره) اى المغبون (بين الردّ و الامضاء) «على» متعلق

ص: 57

بكل الثمن، الا ان يعارض ذلك بان غرض المغبون قد يتعلق بتملك عين ذات قيمة، لكون المقصود اقتنائها للتجمل، و قد يستنكف عن اقتناء ذات القيمة اليسيرة للتجمّل، فتأمل.

______________________________

ب «مرجحا» اى ان احد الاحتمالين يرجح على قول المشهور الذين قالوا بان المغبون يكون له الفسخ او امضاء المعاملة (بكل الثمن) متعلق ب «الامضاء» (الا ان يعارض ذلك) اى ضرر الغابن (ب) ضرر آخر للمغبون، ففى جانب الغابن ضرر غرضى و فى جانب المغبون ضرر غرضى و ضرر مالى و الغرضيان يتساقطان، فيبقى الضرر المالى للمغبون بلا مزاحم.

ف (ان غرض المغبون قد يتعلق بتملك عين ذات قيمة) «ذات» صفة «عين».

مثلا: تعلق فرض المغبون المشترى للدار بعين هذه الدار التى لها قيمة كذا (لكون المقصود) من العين يفوته اذا ردّها، مثلا كان مقصوده دارا قريبة من حرم الحسين عليه السلام، او كان المقصود من اشتراء هذه الآنية العتيقة (اقتنائها للتجمل، و قد يستنكف عن اقتناء ذات القيمة اليسيرة للتجمّل) الى غير ذلك من الاغراض.

فالفسخ اذا خلاف غرض الغابن، و خلاف غرض المغبون (فتأمل) اشكال على قوله «لان الزام الغابن بالفسخ ضرر».

و وجه الاشكال ان تخلف الغرض ليس من الضرر، لا لغة و لا عرفا و ان كان ربما يطلق عليه الضرر مجازا.

ص: 58

و قد يستدل على الخيار باخبار واردة فى حكم الغبن،

فعن الكافى بسنده الى اسحاق ابن عمار، عن ابى عبد الله عليه السلام قال: غبن المسترسل سحت.

و عن الميسر عن ابى عبد الله عليه السلام قال: غبن المؤمن حرام.

و فى رواية اخرى لا تغبن المسترسل، فان غبنه لا يحل.

و

______________________________

(و قد يستدل على الخيار) خيار الغبن (ب) ما ذكره الشيخ على فى خياراته من (اخبار واردة فى حكم الغبن، فعن الكافى بسنده الى اسحاق ابن عمار، عن ابى عبد الله عليه السلام قال: غبن المسترسل سحت) بضميمة انه اذا اراد المغبون ارجاع ثمنه كان له ذلك، و الا كان اكله للغابن سحتا لقيام الاجماع على انه ليس بحرام، اذا لم يرد ارجاع ماله.

و ان شئت قلت: ان اطلاق «سحت» يقتضي انه سحت على كل حال لكن الاجماع قيده بصورة إرادة المغبون ارجاع ماله.

(و عن الميسر عن ابى عبد الله عليه السلام قال: غبن المؤمن حرام) (و فى رواية اخرى) قال عليه السلام (لا تغبن المسترسل، فان غبنه لا يحل).

و وجه الاستدلال بهما كالاستدلال بالرواية الاولى.

(و) الكلام فى هذه الرواية أولا فى معنى الاسترسال، و ثانيا فى الاستدلال بها على المطلب.

ص: 59

عن مجمع البحرين ان الاسترسال الاستيناس، و الطمأنينة الى الانسان و الثقة به فيما يحدثه، و اصله السكون و الثبات.

و منه الحديث ايّما مسلم استرسل الى مسلم فغبنه، فهو كذا، و منه غبن المسترسل سحت، انتهى.

و يظهر منه ان ما ذكره أو لا حديث رابع.

و الانصاف عدم دلالتها على المدعى، فان ما عدا الرواية الاولى ظاهرة فى حرمة الخيانة فى المشاورة.

______________________________

فنقول حكى (عن مجمع البحرين) انه قال (ان الاسترسال الاستيناس و الطمأنينة الى الانسان، و الثقة به فيما يحدثه) كان المسترسل يذهب مع المحدث، و هو من «رسل» و منه على «رسلك» اى لا تقف، بل سر و اجر (و اصله السكون و الثبات) مراده ثبات النفس، لا ان الاسترسال معناه ذلك، اذ قد عرفت ان معناه السير و الجرى.

(و منه الحديث ايّما مسلم استرسل الى مسلم فغبنه، فهو كذا، و منه غبن المسترسل سحت، انتهى) كلام مجمع البحرين.

(و يظهر منه ان ما ذكره أو لا حديث رابع) لانه ينقل نص الاحاديث هذا تمام الكلام فى لفظة «الاسترسال».

(و) اما دلالة الحديث على الخيار، ف (الانصاف عدم دلالتها) اى الروايات المذكورة (على المدعى).

وجه عدم الدلالة (فان ما عدا الرواية الاولى ظاهرة فى حرمة الخيانة فى المشاورة) كانه قال: اذا استرسل الى رأيك فخدعته فى

ص: 60

فيحتمل كون الغبن بفتح الباء.

و اما الرواية الاولى فهى و ان كانت ظاهرة فيما يتعلق بالاموال.

لكن يحتمل حينئذ ان يراد كون الغابن بمنزلة آكل السحت فى استحقاق العقاب على اصل العمل، و الخديعة فى اخذ المال.

______________________________

الرأى فقد فعلت حراما.

و عليه (فيحتمل كون الغبن بفتح الباء) اى ان قوله عليه السلام «غبن المؤمن» من «الغبن» فى الرأى لا «الغبن» بالسكون بمعنى الخدعة فى المعاملة، كما انه يحتمل انه بالسكون فالمراد المجاز حيث شبه الخدعة فى المشورة بالخدعة بالمال.

و انما قلنا بانه ظاهر فى المشورة، لقوله عليه السلام «حرام» اذ الحرمة ظاهرة فى الفعل لا المال، لكن لا يبعد انصراف معنى المال من الروايتين، بل لعله اظهر، فالدلالة فى الروايات كلها على نسق واحد.

(و اما الرواية الاولى فهى و ان كانت ظاهرة فيما يتعلق بالاموال) لقوله عليه السلام «سحت» و السحت يكون فى المال.

(لكن) حيث ان الاجماع قام على صحة المعاملة و الصحة تلازم حلية المال، بل يؤيده «خيار تلقى الركبان» و غيره حيث لا يقال ببطلان البيع (يحتمل حينئذ) اى حين ظهورها فى المال (ان يراد كون الغابن بمنزلة آكل السحت) الّذي هو اشدّ انواع الحرام (فى استحقاق العقاب على اصل العمل، و) المراد بالعمل المستحق عليه العقاب (الخديعة فى اخذ المال) فلا دلالة للرواية على خيار الغبن.

ص: 61

و يحتمل ان يراد كون المقدار الّذي يأخذه زائدا على ما يستحقه بمنزلة السحت فى الحرمة و الضمان.

و يحتمل إرادة كون مجموع العوض المشتمل على الزيادة بمنزلة السحت فى تحريم الاكل فى صورة خاصة و هى اطلاع المغبون، و رده للمعاملة المغبون فيها.

و لا ريب ان الحمل على احد الاولين اولى و لا اقل من المساوات للثالث

______________________________

(و يحتمل ان يراد) بالرواية ان (كون المقدار الّذي يأخذه زائدا على ما يستحقه) من القيمة السوقية (بمنزلة السحت فى الحرمة و الضمان)

لكن المشهور لا يقولون بحرمة القدر الزائد و لا الضمان اذا لم يسترجعه المغبون.

(و يحتمل إرادة) الرواية (كون مجموع العوض) ثمنا كان او مثمنا (المشتمل على الزيادة بمنزلة السحت فى تحريم الاكل) لكن حرمة الاكل (فى صورة خاصة و هى اطلاع المغبون) اذ بدون الاطلاع لا خيار، كما سيأتى الكلام فيه ان شاء الله تعالى (و رده للمعاملة المغبون فيها).

و انما كان سحتا، لانه اكل لمال الناس بالباطل، فان العقد ينفسخ بعد الرد- كما هو واضح-.

(و لا ريب ان الحمل) اى حمل الرواية (على احد) الاحتمالين (الاولين) من الاحتمالات الثلاثة (اولى) لانه لا وجه للثالث الّذي يقول بان مجموع العوض سحت (و لا اقل من المساوات) اى مساوات الاحتمالين الاولين (للثالث).

ص: 62

فلا دلالة،

فالعمدة فى المسألة الاجماع

المحكى المعتضد بالشهرة المحققة.

و حديث نفى الضرر، بالنسبة الى خصوص الممتنع عن بذل التفاوت

ثم ان تنقيح هذا المطلب يتم برسم مسائل.
اشارة

______________________________

و عليه فلا ظهور فى الرواية فى شي ء (فلا دلالة) لها على الخيار كما يراه المشهور.

اذا (فالعمدة فى المسألة) اى مسألة خيار الغبن بنظر المصنف (الاجماع المحكى المعتضد بالشهرة المحققة) مما يجعل الاجماع صالحا للاستناد.

(و حديث نفى الضرر) عطف على «الاجماع»- كما تقدم تقريره- (بالنسبة الى خصوص) الغابن (الممتنع عن بذل التفاوت).

لكن لا بدّ من جعل الخيار حينئذ بعد عدم امكان استنقاذ الحق من الغابن بسبب الحاكم أولا، بسبب الاقتصاص، و الله سبحانه العالم.

(ثم ان تنقيح هذا المطلب) اى مطلب خيار الغبن (يتم برسم مسائل) فنقول.

ص: 63

مسئلة يشترط فى هذا الخيار امران.
الأول عدم علم المغبون بالقيمة،

فلو علم بالقيمة فلا خيار، بل لا غبن كما عرفت بلا خلاف و لا اشكال، لانه اقدم على الضرر.

ثم ان الظاهر عدم الفرق بين كونه غافلا من القيمة بالمرّة او ملتفتا إليها، و لا بين كونه مسبوقا بالعلم و عدمه،

______________________________

(مسألة: يشترط فى هذا الخيار امران).

(الاول عدم علم المغبون بالقيمة) اطلاقا او لم يعلم ان المقدار الزائد كثير، كما اذا ظن ان قيمة السوق عشرة فاشتراه باحد عشر، بينما كانت قيمة السوق خمسة- مثلا- (فلو علم بالقيمة) و انها اقل من الثمن الّذي يأخذه البائع- مثلا- (فلا خيار، بل لا غبن) اصلا (كما عرفت) فى اوّل المبحث، و اطلاق الغبن عليه مجاز للمشابهة (بلا خلاف و لا اشكال) فى هذا الشرط.

و انما لا خيار (لانه اقدم) بنفسه (على الضرر) و العاقل غير السفيه اذا اقدم على ضرر نفسه ضررا غير محرم شرعا لم يكن له شي ء.

(ثم ان الظاهر عدم الفرق) فى وجود خيار الغبن (بين كونه) اى المغبون (غافلا من القيمة بالمرّة او ملتفتا إليها) لكنه يجهل كونها كذا و ان ما يأخذه الغابن اكثر من القيمة السوقية (و لا بين كونه مسبوقا بالعلم و عدمه) اذ لا تأثير للعلم السابق اذا جهل حالا فى عدم تسمية الامر غبنا

ص: 64

و لا بين الجهل المركب، و البسيط، مع الظن بعدم الزيادة و النقيصة او الظن بهما، او الشك.

و يشكل فى الاخيرين اذا اقدم على المعاملة بانيا على المسامحة على تقدير الزيادة و النقيصة فهو كالعالم، بل الشاك فى الشي ء اذا اقدم عليه بانيا على تحمله فهو فى حكم العالم من حيث استحقاق المدح عليه،

______________________________

(و لا بين الجهل المركب) بان لا يعلم القيمة و يقطع بانه يعلم (و البسيط مع الظن بعدم الزيادة و النقيصة) فيظن بان ما اعطاه من الثمن هو القدر المساوى للقيمة السوقية بلا زيادة او نقيصة (او الظن بهما) بان ما اعطاه ازيد من القيمة او اقل (او الشك) بان ما اعطاه ثمنا هل هو ازيد او انقص او متساوى.

(و يشكل) ثبوت خيار الغبن (فى الاخيرين) اى فى صورة الظن و الشك يشكل (اذا اقدم على المعاملة بانيا على المسامحة) و الاغماض عن الغبن (على تقدير الزيادة) فى الثمن (و النقيصة) فى المثمن بان باع داره بالف محتملا بان الألف انقص من قيمة الدار، لكنه تسامح (فهو) فالظان و الشاك مع المسامحة (كالعالم) فى انه يصدق انه غير مغبون (بل) لا اشكال فى الشاك، اذ (الشاك فى الشي ء اذا اقدم عليه بانيا على تحمله فهو فى حكم العالم) فاذا شك فى ان هذا الاناء هل هو سمّ أم لا؟ فتنا و له و كان سمّا اجرى العرف عليه حكم العالم، و نحوه بفعله، فالشاك كالعالم (من حيث استحقاق المدح عليه) اى على اتيانه

ص: 65

او الذم.

و من حيث عدم معذوريته لو كان ذلك الشي ء مما يعذر الغافل فيه.

و الحاصل ان الشاك الملتفت الى الضرر مقدم عليه.

و من ان مقتضى عموم نفى الضرر، و اطلاق الاجماع المحكى ثبوته بمجرد تحقق الضرر، خرج المقدم عليه

______________________________

بالفعل المشكوك حسنه كما اذا شك فى ان صديقه هل يأتى من السفر هذا اليوم، فاستقبله و جاء الصديق كان مستحقا للمدح (او الذم) كما فى مثال السمّ.

(و من حيث عدم معذوريته لو كان ذلك الشي ء) المشكوك (مما يعذر الغافل فيه) فان الشاك فى انه سمّ لا يعذر فى شربه، بينما يعذر الغافل كما هو واضح.

و منه يعلم ان الشاك فى الضرر مقدم على ضرر نفسه، بخلاف ما اذا كان غافلا.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 12، ص: 66

(و الحاصل ان الشاك الملتفت الى) احتمال (الضرر مقدم عليه) اى على الضرر فلا خيار له اذا كان مغبونا، هذا كله وجه عدم الخيار للثالث المقدم.

(و) اما وجه الخيار فهو ما ذكره بقوله: (من ان مقتضى عموم نفى الضرر، و اطلاق الاجماع المحكى) على ان المغبون له خيار الغبن (ثبوته) اى الخيار (بمجرد تحقق الضرر) عالما كان المقدم، او جاهلا جهل شك، او ظن، او وهم (خرج) من العموم و الاطلاق (المقدم عليه)

ص: 66

عن علم، بل مطلق الشاك ليس مقدما على الضرر، بل قد يقدم برجاء عدمه.

و مساواته للعالم فى الآثار ممنوعة حتى فى استحقاق المدح و الذم لو كان المشكوك مما يترتب عليه ذلك عند الاقدام عليه.

______________________________

اى على الضرر (عن علم) بالضرر و بقى الباقى (بل) نقول: ان الاستدلال بعدم الخيار للشاك لانه اقدم، غير صحيح.

اذ (مطلق الشاك ليس مقدما على الضرر، بل قد يقدم برجاء عدمه) فلا يكون مقدما حتى يكون قد اسقط خياره بنفسه.

(و) القول ب (مساواته) اى الشاك فى الضرر (للعالم فى الآثار) و هى الذم و العقاب و نحوهما (ممنوعة) اذ ليس العالم كالجاهل فى منطق الشرع او العقل.

و لذا ورد: ليس من يعلم كمن لا يعلم، و قال تعالى: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لٰا يَعْلَمُونَ، الى غير ذلك.

و يرى العقلاء ان من ضرب ابن المولى عالما بانه ابن المولى اشدّ عقوبة ممن ضربه جاهلا به.

و لذا نرى العقلاء يقدمون على ركوب البحر مع احتمالهم الغرق كما لا يقدمون على الركوب مع علمهم بالغرق، الى غير ذلك من الامثلة.

فليس العالم كالشاك (حتى فى استحقاق المدح و الذم، لو كان المشكوك مما يترتب عليه ذلك) المدح و الذم «لدى العلم به» (عند الاقدام عليه) «عند» متعلق ب «يترتب».

ص: 67

و لذا قد يحصل للشاك بعد اطلاعه على الغبن حالة اخرى لو حصلت له قبل العقد، لم يقدم عليه.

نعم لو صرح فى العقد بالالتزام به و لو على تقدير ظهور الغبن كان ذلك راجعا الى اسقاط الغبن.

و مما ذكرنا يظهر ثبوت الخيار للجاهل و ان كان قادرا على السؤال كما صرح به فى التحرير و التذكرة.

______________________________

(و لذا) الّذي ذكرناه بان الشك ليس كالعلم (قد يحصل للشاك) فى الغبن (بعد اطلاعه على الغبن حالة) نفسية انفعالية (اخرى لو حصلت) تلك الحالة (له قبل العقد لم يقدم عليه) فان هذا دليل على ان الشك ليس كالعلم.

(نعم) احيانا يكون الشك «الاعمّ من الظن و الوهم» موجبا لسقوط الخيار، و ذلك فيما (لو صرح فى العقد بالالتزام به) اى بالعقد (و لو على تقدير ظهور الغبن) «لو» وصلية (كان ذلك) الالتزام (راجعا الى اسقاط) خيار (الغبن) و «كان» جواب «لو صرح».

(و مما ذكرنا) من ان الاطلاق و العموم يدلان على عموم خيار الغبن (يظهر ثبوت الخيار للجاهل) بالقيمة (و ان كان قادرا على السؤال) اذ قدرته لا ترفع غبنه، كما لا توجب ان يكون مقدما على الضرر حتى يسقط الاقدام خياره (كما صرح به) اى بثبوت الخيار (فى التحرير و التذكرة) هذا.

ص: 68

و لو اقدم عالما على غبن يتسامح به، فبان ازيد بما لا يتسامح بالمجموع منه و من المعلوم، فلا يبعد الخيار و لو اقدم على ما لا يتسامح، فبان ازيد بما يتسامح به منفردا، او بما لا يتسامح، ففى الخيار وجه.

______________________________

(و لو اقدم) المغبون (عالما على غبن يتسامح به) كواحد فى مائة مثلا- (فبان) الغبن (ازيد بما لا يتسامح بالمجموع منه) اى من الزائد (و من المعلوم) كما اذا كان اثنين فى المائة، و الاثنان لا يتسامح به، و ان كان الواحد الزائد على الواحد الّذي يتسامح به، و اقدم عليه هو أيضا يتسامح به لو كان منفردا (فلا يبعد الخيار) لصدق الغبن الموجب لشمول ادلة الخيار له.

و اما وجه احتمال عدم الخيار، فهو ان القدر المعلوم لا يوجب الخيار و الزائد عليه مما يتسامح به، فلا يوجب الخيار، و الجمع بين الامرين الذين لا يوجبان الخيار لا يسبب الخيار، فانه كالجمع بين الاصفار مما لا يوجب تكون العدد.

لكن فيه انه قد يكون للجمع حالة غير حالة الافراد، يقول الشيخ البهائى ره «كما ان الجوهر الفرد عند مثبتيه ليس بجسم و ان تألفت منه الاجسام» (و لو اقدم على ما لا يتسامح) كعشرة فى المائة (فبان ازيد بما يتسامح به منفردا) مثل واحد فكانت الزيادة احدى عشرة (او بما لا يتسامح) مثل خمسة، فكانت الزيادة خمس عشرة (ففى الخيار وجه).

وجهه فى «بما يتسامح» ما تقدم فى «بما لا يتسامح بالمجموع».

و وجهه فى «بما لا يتسامح» انه لا يتسامح به فيكون من الغبن.

ص: 69

ثم ان المعتبر القيمة حال العقد.

فلو زادت بعده، و لو قبل اطلاع المغبون على النقصان حين العقد لم ينفع، لان الزيادة انما حصلت فى ملكه، و المعاملة وقعت على الغبن و يحتمل عدم الخيار حينئذ لان التدارك حصل قبل الرد، فلا يثبت الردّ المشروع لتدارك

______________________________

و اما وجه عدم الخيار فى زيادة لا يتسامح بها فهو انه حيث اقدم على الضرر الكثير لم يكن فرق بين الضرر القليل و الكثير، فلا يشمله دليل الخيار، لكنه كما لا يخفى وجه عليل.

(ثم ان المعتبر) فى زيادة القيمة التى توجب الغبن (القيمة حال العقد) فاذا كانت القيمة حالة العقد زائدة كان له الخيار- مطلقا-.

(فلو زادت) القيمة السوقية (بعده) اى بعد العقد (و لو قبل اطلاع المغبون على النقصان) اى نقصان ما أخذه بالنسبة الى مقابله الّذي دفعه (حين العقد) متعلق بالنقصان (لم ينفع) ذلك فى رفع الغبن.

و انما لم ينفع (لان الزيادة انما حصلت فى ملكه) اى فى ملك المغبون (و المعاملة وقعت على الغبن) فله الخيار، و هو مثل عكسه بما اذا كان حال العقد قيمة عادلة، ثم ارتفعت السلعة حيث لا يوجب ذلك الخيار لصاحب المثمن، اذ لم يكن غبن حال العقد.

(و يحتمل) احتمالا ضعيفا (عدم الخيار حينئذ) اى حين زادت القيمة بعد العقد (لان التدارك) التلقائى (حصل قبل الرد) للعقد (فلا يثبت الردّ المشروع) اى الردّ الّذي شرعه الشارع (ل) اجل (تدارك

ص: 70

الضرر، كما لو برئ المعيوب قبل الاطلاع على عيبه، بل فى التذكرة انه مهما زال العيب قبل العلم، او بعده قبل الرد سقط حق الرد.

و اشكل منه ما لو توقف الملك على القبض، فارتفع الغبن قبله، لان الملك قد انتقل إليه حينئذ من دون نقص فى قيمته.

نعم لو قلنا بوجوب التقابض بمجرد العقد كما صرح به العلامة فى الصرف

______________________________

الضرر) فانه لا ضرر حينئذ حتى يتدارك (كما لو برئ المعيوب قبل الاطلاع على عيبه) حيث لا خيار للعيب (بل فى التذكرة) ذكر ما هو اكثر مما ذكرناه

قال: (انه مهما زال العيب قبل العلم) بالعيب (او بعده قبل الرد سقط حق الرد) لان الرد شرع لاجل العيب فاذا زال العيب فلا وجه للرد.

(و اشكل منه) اى من الفرض السابق الّذي قلنا انه اذا زادت القيمة قبل الرد سقط الخيار، و كونه اشكل بمعنى ثبوت الخيار اشكل (ما لو توقف الملك على القبض) كما فى الصرف و السلم (فارتفع الغبن قبله) اى قبل القبض.

و انما كان ثبوت الخيار فى هذه الصورة اشكل (لان الملك قد انتقل إليه) اى الى المغبون (حينئذ) اى حين القبض (من دون نقص فى قيمته) فلما ذا يكون له الخيار.

(نعم لو قلنا بوجوب التقابض بمجرد العقد) فى الصرف و السلم، مما يتوقف العقد فيه على القبض (كما صرح به) اى بوجوب التقابض بمجرد العقد (العلامة فى) بيع (الصرف) و هو بيع الاثمان

ص: 71

يثبت الخيار لثبوت الضرر بوجوب اقباض الزائد فى مقابلة الناقص.

لكن ظاهر المشهور عدم وجوب التقابض.

و لو ثبت الزيادة، او النقيصة بعد العقد، فانه لا عبرة بهما اجماعا، كما فى التذكرة.

ثم انه لا عبرة بعلم الوكيل فى مجرد العقد،

______________________________

(يثبت الخيار) و ان ارتفع النقص حال القبض.

و انما يثبت الخيار على قول العلامة (لثبوت الضرر بوجوب اقباض) المغبون (الزائد فى مقابلة الناقص) فله الخيار.

لكن يمكن ان يقال: الوجوب وحده لا يوجب الضرر، بعد ان كان وقت التسليم لا غبن.

(لكن ظاهر المشهور عدم وجوب التقابض) هذا تمام الكلام فيما اذا كان الغبن وقت العقد ثم ارتفع الغبن.

(و) اما عكسه بما (لو ثبت الزيادة، او النقيصة بعد العقد) بان كان النقد يساوى السلعة حال العقد ثم ارتفعت قيمة السلعة او انخفضت (فانه لا عبرة بهما) اى بالزيادة و النقيصة الحادثتين (اجماعا، كما فى التذكرة) دعوى الاجماع على ذلك.

ثم انه لو اختلفا فى حصول الزيادة و النقيصة حال العقد او بعده فيما كان تفاوت فى الحكم، فالاصل مع مدعى عدم التغيير.

(ثم انه لا عبرة بعلم الوكيل فى مجرد العقد) فيما اذا كان وكيلا فى اجراء الصيغة فقط، و ذلك لانه لا شأن لهذا الوكيل فى اى امر سوى اجراء

ص: 72

بل العبرة بعلم الموكل و جهله.

نعم لو كان وكيلا فى المعاملة و المساومة، فمع علمه و فرض صحة المعاملة حينئذ لا خيار للموكل.

و مع جهله يثبت الخيار للموكل

______________________________

العقد، فحاله حال الآلة (بل العبرة بعلم الموكل و جهله) فان كان عالما بالضرر حال العقد و لم يسحب الوكالة- مع قدرته على السحب- لم يكن له خيار، لانه اقدم على الضرر، بخلاف ما اذا كان جاهلا او لم يقدر على سحب الوكالة.

(نعم لو كان وكيلا) مطلقا (فى المعاملة و المساومة) السوم هو البيع و الشراء، و منه سوم الحيوان اى رعيه فى المرعى فى قبال المعلوفة التى تعطى العلف و يسمّى الحيوان سائما لانه يذهب و يجي ء مطلقا فى اكل ما يشاء (فمع علمه) اى الوكيل بالغبن (و فرض صحة المعاملة حينئذ) اى كون الوكيل له ان يعامل معاملة غبنية، كما اذا كان ذلك من مصلحة الموكل، و قد وكله فى ان يفعل ما هو بمصلحته و يكون الصلاح- مثلا- بان يقصد من اعطاء زيادة القيمة جلب البائع الى طرف الموكل فى جلبه الى جانب الموكل فائدة (لا خيار للموكل) لاصالة عدم الخيار، و لا للوكيل لانه كان عالما بالغبن.

(و مع جهله) اى جهل الوكيل المفوض بالقيمة (يثبت الخيار للموكل) لاطلاق ادلة الخيار الشاملة لصورتى ان يعامل الانسان بنفسه او بوكيله.

ص: 73

الا ان يكون عالما بالقيمة و بان وكيله يعقد على ازيد منها، و يقرره له، و اذا ثبت الخيار فى عقد الوكيل، فهو للموكل خاصة، الا ان يكون وكيلا مطلقا بحيث يشمل مثل الفسخ، فانه كالولى حينئذ.

و قد مرّ ذلك مشروحا فى خيار المجلس.

______________________________

اما الوكيل فلا خيار له الا اذا كان وكيلا فى كل شي ء حتى الخيار كما سيأتى (الا ان يكون) الموكل (عالما بالقيمة) السوقية (و) عالما (بان وكيله يعقد على ازيد منها) اى من القيمة، و لم يقدر على سحب الوكيل.

اذ لو كان عاجزا عن سحب وكالته- حين علم بالقيمة، و علم بان وكيله يعقد على ازيد منها- لم يكن وجه لعدم خياره (و يقرره له) عطف على «عالما» اى قرر الموكل للوكيل- بعد ان كان للموكل العلم- و لم يسحبه.

فقوله «يقرره» بيان لما ذكرناه بقولنا «و لم يقدر» (و اذا ثبت الخيار فى عقد الوكيل) بما تقدم فى قولنا «الا ان يكون عالما بالقيمة» (فهو للموكل خاصة) لانه صاحب المال الوارد عليه الغبن فالخيار له (الا ان يكون وكيلا مطلقا بحيث يشمل) اطلاق وكالته (مثل الفسخ فانه) اى الوكيل (كالولى) للصغير و المجنون، و الحاكم الّذي هو ولى الغائب و نحو الغائب (حينئذ) اى حين كان وكيلا مطلقا.

(و قد مرّ ذلك) الخيار للوكيل و الولى (مشروحا فى خيار المجلس) فراجع هناك.

و على كل حال فليس للوكيل خيار الغبن لنفسه، و انما الخيار لموكله

ص: 74

ثم ان الجهل انما يثبت باعتراف الغابن و بالبينة ان تحققت، و بقول مدعيه مع اليمين لاصالة عدم العلم الحاكمة على اصالة اللزوم

______________________________

و للوكيل اخذه، هذا كله بالنسبة الى ثبوت اصل الخيار.

و اما بالنسبة الى مقام الاثبات فقد اشار إليه بقوله: (ثم ان الجهل انما يثبت باعتراف الغابن) انه غبن، و ان المغبون كان جاهلا و الجهل و ان كان من الامور القلبية الا انه يعرف بالآثار، كسائر الامور القلبية (و بالبينة ان تحققت) لامكان ان يعلم الشاهد ان فلانا جاهل بالقيمة، كما يعلم انه جاهل بالفقه و بالحساب و ما اشبه ذلك (و بقول مدعيه) اى المغبون الّذي يدعى انه جاهل (مع اليمين).

و انما يحتاج الى اليمين، لان الغابن مدّع لعلم المغبون فلا خيار، و المغبون منكر فيشمله قاعدة «البينة على المدعى و اليمين على من انكر».

و انما قال (لاصالة عدم العلم) لبيان انه منكر، اذا المنكر هو من وافق قوله الاصل.

مثلا: اذا ادعى رجل زوجية امرأة، و انكرت المرأة كان اليمين على المرأة لانها منكرة حيث يوافق قولها الاصل.

فاصالة عدم العلم هى (الحاكمة على اصالة اللزوم) للمعاملة، اذ الشك فى ان المعاملة لازمة، أم لا، ناش من الشك فى ان المغبون هل هو عالم، أم لا؟

و مع جريان الاصل فى الشك السببى لا يجرى الاصل فى الشك

ص: 75

مع انه قد يتعسر اقامة البينة على الجهل.

و لا يمكن للغابن الحلف على علمه، لجهله بالحال، فتأمّل، هذا كله اذا لم يكن المغبون من اهل الخبرة، بحيث لا يخفى عليه القيمة الا لعارض، من غفلة، او غيرها، و الا فلا يقبل قوله كما فى الجامع و المسالك.

______________________________

المسببى كما قرر فى محلّه.

ان قلت: فاذا كان المغبون منكرا فكيف قال المصنف بان جهله يثبت بالبينة مع ان البينة على المدعى لا على المنكر.

قلت: اطلاق ادلة البينة يقتضي قبوله حتى من المنكر، اذا لم يكن للمدعى بينة (مع) انه لو قلنا: ان المغبون مدع للجهل، و الغابن منكر نقول: بثبوت دعوى المدعى المغبون باليمين، ل (انه قد يتعسّر اقامة البينة على الجهل) فلا يقدر على اثبات حقه.

(و لا يمكن للغابن) المنكر لجهل المغبون (الحلف على علمه) اى علم المغبون فلا يمكنه الحلف (لجهله) الى الغابن (بالحال) اى بحال المغبون، هل هو عالم او جاهل؟ فاللازم رد اليمين على المغبون (فتأمّل) فانه لو كان المغبون مدعيا لم تقبل يمينه، و لو كان منكرا لم تقبل بينته، اذ كيف يمكن قبول كل من البينة و اليمين من انسان واحد (هذا كله) فى قبول قول المغبون بيمينه (اذا لم يكن المغبون من اهل الخبرة، بحيث لا يخفى عليه القيمة الا لعارض، من غفلة، او غيرها) كالسهو و النسيان (و الا) فلو كان من اهل الخبرة (فلا يقبل قوله) بانه كان جاهلا (كما فى الجامع و المسالك) حيث ذكرا عدم قبول قوله.

ص: 76

و قد يشكل بان هذا انما يوجب عدم قبول قوله من حيث تقديم الظاهر على الاصل.

فغاية الامر ان يصير مدعيا من جهة مخالفة قوله للظاهر لكن المدعى لما تعسّر اقامة البينة عليه و لا يعرف الا من قبله يقبل قوله مع اليمين، فليكن هذا من هذا القبيل، الا ان يقال ان مقتضى تقديم الظاهر جعل مدعيه مقبول القول بيمينه لا جعل مخالفه مدعيا يجرى عليه جميع احكام المدعى حتى فى قبول قوله اذا تعسّر عليه اقامة البينة.

______________________________

(و قد يشكل) عدم قبول قول المغبون اذا كان من اهل الخبرة (بان هذا انما يوجب عدم قبول قوله من حيث تقديم الظاهر) ظهور حال اهل الخبرة فى انه عالم (على الاصل) اى اصالة عدم علمه بالقيمة.

(فغاية الامر) فى هذا التقديم (ان يصير) المغبون (مدعيا من جهة مخالفة قوله للظاهر لكن) هذا لا يسبب عدم قبول قوله.

فان (المدعى لما تعسّر اقامة البينة عليه) لان الجهل امر قلبى لا تعلمه البينة غالبا (و لا يعرف) جهله (الا من قبله) فيكون حال الجهل حال «النية» ف (يقبل قوله مع اليمين، فليكن هذا) المغبون (من هذا القبيل) لا كما ذكره الجامع و المسالك من انه لا يقبل قوله مطلقا (الا ان يقال ان مقتضى تقديم الظاهر) على الاصل (جعل مدعيه) مدعى الظاهر و هو الغابن (مقبول القول بيمينه لا جعل مخالفه) و هو المغبون (مدعيا يجرى عليه جميع احكام المدعى حتى) يقبل قوله بيمينه، فيكون كالمنكر (فى قبول قوله اذا تعسّر عليه اقامة البينة) اذ كونه مدعيا يحتاج الى دليل مفقود.

ص: 77

الا ترى انهم لم يحكموا بقبول قول مدعى فساد العقد اذا تعسر عليه اقامة البينة على سبب الفساد.

هذا مع ان عموم تلك القاعدة ثم اندراج المسألة فيها محلّ تأمل.

و لو اختلفا فى القيمة وقت العقد، او فى القيمة بعده

______________________________

(الا ترى) انه يشهد لما ذكرناه- من عدم كون المدعى كالمنكر فى قبول قوله بيمينه- (انهم لم يحكموا بقبول قول مدعى فساد العقد اذا تعسّر عليه اقامة البينة على سبب الفساد) فلم يجعلوه كالمنكر فى قبول قوله باليمين، مع انه تعسرت عليه اقامة البينة.

(هذا مع ان عموم تلك القاعدة) و هى: كلما كان اقامة البينة متعسرة كفى قول المدعى بيمينه (ثم اندراج المسألة فيها) بان تكون اقامة البينة على جهل المغبون متعسرة (محل تأمل).

اما القاعدة: فلانه لا دليل عليها.

و اما وجه التأمل فى اندراج المسألة فى القاعدة المذكورة فلان اقامة البينة على الجهل ليست متعسّرة، بل كثيرا ما يمكن اقامة البينة عليه.

(و لو اختلفا فى القيمة وقت العقد) فقال احدهما: غبنت، و قال الآخر: لم تغبن، و كان الاختلاف فى الغبن من جهة الاختلاف فى القيمة وقت العقد (او فى القيمة بعده) اى بعد العقد، مع اتفاقهما على كون القيمة وقت العقد متحدة مع القيمة بعد العقد مما يوجب رجوع اختلافهما هذا الى حصول الغبن فى حال العقد.

ص: 78

مع تعذر الاستعلام فالقول قول منكر سبب الغبن، لاصالة عدم التغيّر و اصالة اللزوم.

و منه يظهر حكم ما لو اتفقا على التغير

______________________________

و يحتمل ان قوله: او فى القيمة بعده، اشارة الى ما سبق من المصنف من انه لو كان غبنا حال العقد لكنه رفع بعد العقد سقط خيار الغبن (مع تعذر الاستعلام) اى استعلام القيمة حال العقد، او استعلام القيمة بعد العقد (فالقول قول منكر سبب الغبن، لاصالة عدم التغيّر) فى القيمة

مثلا: اتفقا على ان قيمة السلعة كانت عشرة قبل العقد، و قد اشتراها بعشرة، لكن البائع يدعى ان القيمة وقت العقد كانت قد ارتفعت الى خمس عشرة فيقول انا مغبون، و المشترى يقول لم ترتفع القيمة بل كانت وقت العقد عشرة فالاصل عدم الارتفاع، فلا غبن.

لكن يرد على هذا الدليل ان الاصل قد يكون على خلاف ذلك فليس التمسك بالاصل كليا.

مثلا: كانا متفقين على ان القيمة قبل العقد كانت عشرة و قد اشتراها بخمسة فالمشترى يدعى تغيير القيمة فلا غبن، و البائع يدعى عدم تغيير القيمة فهو مغبون، فاصالة عدم تغيير القيمة تجعل الاصل مع البائع (و اصالة اللزوم) لان الاصل فى العقود: اللزوم مطلقا، كما سبق تحقيق ذلك فى اوّل البيع.

(و منه) اى مما ذكرنا من التمسك باصل اللزوم- اما اصل عدم التغيير فقد عرفت عدم كليته- (يظهر حكم ما لو اتفقا على التغير) فى

ص: 79

و اختلفا فى تاريخ العقد.

و لو علم تاريخ التغير فالاصل و ان اقتضى تأخر العقد الواقع على الزائد عن القيمة، الا انه لا يثبت به وقوع العقد على الزائد، حتى يثبت العقد.

______________________________

القيمة (و اختلفا فى تاريخ العقد) هل كان قبل التغير، او بعد التغير فانه اذا اتفقا على وقوع العقد و اتفقا على التغير، فالصور أربعة.

فانهما اما معلوما التاريخ، او مجهولا التاريخ، او تاريخ العقد معلوم و تاريخ التغير مجهول، او تاريخ العقد مجهول و تاريخ التغير معلوم.

نعم واضح ان الصورة الاولى و هى صورة العلم بالتاريخين خارجة عن محل الكلام.

(و لو علم تاريخ التغير) و جهل تاريخ العقد (فالاصل و ان اقتضى تأخر العقد الواقع على الزائد عن القيمة) لاصالة تأخر الحادث (الا انه لا يثبت به) اى بهذا الاصل (وقوع العقد على الزائد، حتى يثبت العقد) كذلك، و يكون موجبا لخيار الغبن.

و حيث كرّر بحث التاريخين فى مواضع متعددة من الاصول و الفقه لم يكن داع الى تكراره هنا.

ثم انه من المسائل السابقة تعرف مسألة اختلافهما فى مكان الاشتراء الناشئ منه اختلافهما فى الغبن، كما ان قيمة البضاعة فى النجف كانت مائة و فى كربلاء كانت تسعين، كما تعرف مسألة اختلافهما فى حالة

ص: 80

الأمر الثانى: كون التفاوت فاحشا،

فالواحد بل الاثنان فى العشرين لا يوجب الغبن.

و حدّه عندنا، كما فى التذكرة ما لا يتغابن الناس بمثله.

______________________________

السلعة عند البيع هل اشترى الشاة مثلا فى حالة سمنها او حالة هزالها؟

و كذلك لو اختلفا فى ان الأب الخبير بالقيمة كان البائع- مثلا- او الابن الجاهل بالقيمة، فلا حاجة الى تفصيل الكلام فى هذه المسائل

(الامر الثانى) من شرطى خيار الغبن (كون التفاوت فاحشا) عرفا (فالواحد بل الاثنان فى العشرين) فلسا مثلا (لا يوجب الغبن).

(و حدّه) اذا لم ينضم الواحد و الاثنان الى وحدات اخرى (عندنا، كما فى التذكرة) فى (ما لا يتغابن الناس بمثله) اى لا يعدونه غبنا

و لذا كان الواحد فى الليرات الذهبية غبنا و ان كانت فى الخمسين بل العشرين.

و كذا اذا باعه الف شي ء كل شي ء بواحد و عشرين فلسا بينما قيمة كل واحد عشرون فلسا فانه غبن، لخسارته دينارا فى المجموع، و الى هذا اشار بقوله «و حدّه».

و لا فرق فى ذلك بين ان يكون بيوع او بيع واحد.

مثلا: كان يشترى منه كل يوم ثلاث مرات خبزا بواحد و عشرين فلسا فانه بعد السنة يكون الفرق ما يقارب الدينار و هو غبن عقلائى.

ص: 81

و حكى فيها عن مالك ان التفاوت بالثلث لا يوجب الخيار، و ان كان باكثر من الثلث اوجبه، و رده بانه تخمين لم يشهد له اصل فى الشرع، انتهى.

و الظاهر انه لا اشكال فى كون التفاوت بالثلث، بل الربع فاحشا.

______________________________

(و حكى) العلامة (فيها) اى فى التذكرة (عن مالك) امام المالكية (ان التفاوت بالثلث لا يوجب الخيار، و ان كان باكثر من الثلث اوجبه و) قد (ردّه) العلامة (بانه تخمين) اى قول اعتباطى (لم يشهد له اصل فى الشرع، انتهى) بل و لا فى العرف.

و لعل نظر مالك الى ما كانت قيمته ثلاثة افلس مثلا، فاشتراها بأربعة، فانه فى بعض المقامات يتسامح العرف بمثله.

نعم لا اشكال فى عدم التسامح حتى بالواحد فى الألف اذا كانت الوحدات بالملايين.

(و الظاهر انه لا اشكال فى كون التفاوت بالثلث، بل الربع فاحشا) يوجب الخيار.

كما ان الظاهر انه لا اشكال فى الخمس بل و العشر الا فى الأشياء المحقرة.

الا ترى انه لو باع بضاعته التى تسوى بالف، بالف و مائة او بتسعمائة رآه العرف غبنا.

نعم لو باع ما قيمته عشرة افلس باحد عشر فلسا، لم يكن غبنا عرفا.

ص: 82

نعم الاشكال فى الخمس و لا يبعد دعوى عدم مسامحة الناس فيه، كما سيجي ء التصريح من المحقق القمى فى تصويره لغبن كلا المتبايعين.

ثم الظاهر ان المرجع عند الشك فى ذلك هو اصالة ثبوت الخيار لانه ضرر لم يعلم تسامح الناس فيه.

و يحتمل الرجوع الى اصالة اللزوم لان الخارج هو الضرر الّذي يتفاحش فيه لا مطلق الضرر.

______________________________

فقول المصنف (نعم الاشكال فى الخمس و لا يبعد دعوى عدم مسامحة الناس فيه) لا بدّ و ان يراد به الاشياء الحقيرة و الا ففى الاشياء الخطيرة المقطوع به عدم المسامحة (كما سيجي ء) الكلام فى الخمس و (التصريح من المحقق القمى) صاحب القوانين (فى تصويره لغبن كلا المتبايعين) و اللازم تحويل موضوع الغبن الى العرف، فانه لا شك فى ان الزمان و المكان و القدر و غيرها لها مدخلية فى الصدق تارة و عدم الصدق تارة اخرى.

(ثم الظاهران المرجع عند الشك فى ذلك) هل انه غبن عرفا، أم لا؟

(هو اصالة ثبوت الخيار، لانه ضرر) بلا اشكال، و (لم يعلم تسامح الناس فيه) فهو غبن فان ما ليس بغبن هو ضرر علم تسامح الناس فيه.

(و يحتمل الرجوع) فى مورد الشك (الى اصالة اللزوم) فان الاصل فى البيع اللزوم، الا ما علم خروجه، و لم يعلم خروج المورد (لان الخارج) من اصالة اللزوم (هو الضرر الّذي يتفاحش فيه لا مطلق الضرر) و مع الشك لم يعلم انه مما يتفاحش فيه.

ص: 83

بقى هنا شي ء و هو ان ظاهر الاصحاب و غيرهم ان المناط فى الضرر الموجب للخيار: كون المعاملة ضررية، مع قطع النظر عن ملاحظة حال اشخاص المتبايعين.

و لذا حدّوه بما لا يتغابن به الناس، او بالزائد على الثلث كما عرفت عن بعض العامة.

و ظاهر حديث نفى الضرر المستدل عليه فى ابواب الفقه

______________________________

لكن الظاهر هو الخيار، اذ مقتضى القاعدة: ان البيع الضررى فيه الخيار، الا ما خرج، و الا لزم تحميل الشارع الضرر على الانسان و هو خلاف اطلاق ادلة «لا ضرر».

(بقى هنا شي ء، و هو ان ظاهر الاصحاب و غيرهم) من العامة الى (ان المناط فى الضرر الموجب للخيار: كون المعاملة ضررية) بنفسها، حتى يقال عرفا: انها معاملة ضررية (مع قطع النظر عن ملاحظة حال اشخاص المتبايعين) و انهما من الاغنياء او الفقراء يتضرران بهذه المعاملة- عرفا- او لا يتضرران، مثلا: اذا تضرر الغنى دينارا، لا يقال انه تضرر بخلاف ما اذا تضرر الفقير.

(و لذا حدّوه) اى الضرر (بما لا يتغابن به الناس) اى لا يتحمّلون الغبن فيه (او) حدّدوه (بالزائد على الثلث كما عرفت) هذا التحديد (عن بعض العامة) فان التحديد بالثلث مطلقا يشمل كل انسان من غير ملاحظة حالته المادّية.

(و) لكن (ظاهر حديث نفى الضرر المستدل عليه فى ابواب الفقه

ص: 84

ملاحظة الضرر بالنسبة الى شخص الواقعة.

و لذا استدلوا به على عدم وجوب شراء ماء الوضوء بمبلغ كثير، اذا اضرّ بالمكلف و وجوب شرائه بذلك المبلغ على من لا يضر به ذلك، مع ان اصل شراء الماء باضعاف قيمته معاملة ضررية فى حق الكل.

و الحاصل: ان العبرة اذا كان بالضرر المالى لم يجب شراء ماء الوضوء باضعاف

______________________________

ملاحظة الضرر بالنسبة الى شخص الواقعة) الخاصّة مع لحاظ الزمان و المكان، و شخص المتبايعين، و سائر الامور المكتنفة بالمعاملة التى بها يختلف صدق الضرر- عرفا-.

(و لذا) الّذي كان المعتبر ملاحظة الضرر بالنسبة الى شخص الواقعة (استدلوا به) اى بدليل: لا ضرر (على عدم وجوب شراء ماء الوضوء بمبلغ كثير، اذا اضرّ بالمكلف) بملاحظة شخص هذا المكلف (و) قالوا ب (وجوب شرائه بذلك المبلغ) بعينه (على من لا يضر به ذلك).

فمثلا: الغنىّ يشترى الماء بدينار، و الفقير يتيمم و لا يشترى الماء بدينار، لان الدينار يضر بالفقير و لا يضر بالغنى (مع ان اصل شراء الماء باضعاف قيمته معاملة ضررية) فى نفسها، من دون ملاحظة ان المشترى فقير او غنى (فى حق الكل) فيظهر منهم ان الاعتبار فى الضرر خصوص الواقعة، لا كون المعاملة ضررية.

(و الحاصل: ان العبرة) المستفادة من دليل: لا ضرر (اذا كان بالضرر المالى) فى نفس المعاملة (لم يجب شراء ماء الوضوء باضعاف

ص: 85

قيمته، و ان كانت بالضرر الحالى تعين التفصيل فى خيار الغبن بين ما يضر بحال المغبون و غيره.

و الاظهر اعتبار الضرر المالى لانه ضرر فى نفسه من غير مدخلية لحال الشخص.

و تحمله فى بعض المقامات انما خرج بالنص.

______________________________

قيمته) و ان كان المشترى غنيا، اذ الضرر المالى موجود فى الغنى، كما هو موجود فى الفقير (و ان كانت) العبرة (بالضرر الحالى) و ملاحظة حالة كل انسان انسان، لزم ان يقال: كلما كان ضرر حالى، لا يجب فى ماء الوضوء و فى خيار الغبن و كلما لم يكن ضرر حالى وجب شراء ماء الوضوء و خيار الغبن، فاذا كان الاعتبار بالضرر الحالى (تعين التفصيل فى خيار الغبن بين ما يضر بحال المغبون و غيره) فاذا اضر كان له الخيار، و اذا لم يضر- كما فى الغنى- لم يكن له خيار.

(و الاظهر اعتبار الضرر المالى) اى ما هو ضرر فى نفسه (لانه ضرر فى نفسه) فيرفعه دليل: لا ضرر (من غير مدخلية لحال الشخص).

(و) ان قلت: فكيف يجب شراء الماء للوضوء باضعاف قيمته.

قلت: وجوب (تحمله) اى الضرر المالى (فى بعض المقامات) كماء الوضوء (انما خرج بالنص) الدال عليه، و دليل: لا ضرر قابل للتخصيص كما فى باب الخمس و الزكات و الكفارات و الجهاد و غيرها، فليكن باب الوضوء منه.

ص: 86

و لذا اجاب فى المعتبر عن الشافعى المنكر لوجوب الوضوء فى الفرض المذكور: بان الضرر لا يعتبر مع معارضة النص.

و يمكن أيضا ان يلتزم الضرر المالى فى مقام التكليف لا لتخصيص عموم نفى الضرر بالنص، بل لعدم كونه ضررا بملاحظة ما بإزائه من الأجر، كما يشير إليه قوله عليه السلام- بعد شرائه عليه السلام ماء وضوئه باضعاف قيمته- ان ما يشترى به مال كثير.

______________________________

(و لذا) الّذي يكون باب الوضوء خارجا بالنص (اجاب فى المعتبر عن الشافعى المنكر لوجوب الوضوء فى الفرض المذكور) اى فرض تضرر المشترى- مالا- (بان الضرر لا يعتبر) رافعا للحكم (مع معارضة النص) الدال على وجوب الحكم و ان كان ضررا هذا بيان ان حكم الوضوء مع الضرر من باب تخصيص: لا ضرر.

(و يمكن) ان يقال: (أيضا) ان حكم الوضوء من باب التخصص، و انه ليس بضرر اصلا، و ان كان الثمن اضعاف القيمة السوقية، و ذلك ب (ان يلتزم الضرر المالى فى مقام التكليف) بالوضوء (لا لتخصيص عموم:

نفى الضرر بالنص) كما ذكرنا أولا (بل لعدم كونه) اى بذل المال الكثير (ضررا).

و انما لم يكن ضررا (بملاحظة ما بإزائه) اى بمقابل اعطاء المال الكثير (من الأجر، كما يشير إليه) اى الى انه ليس بضرر (قوله عليه السلام- بعد شرائه عليه السلام ماء وضوئه باضعاف قيمته-) قال عليه السلام (ان ما يشترى به مال كثير) فانه اشارة الى الاجر الّذي حصله من جراء هذا

ص: 87

نعم لو كان الضرر مجحفا بالمكلف انتفى، بادلة نفى الحرج لا دليل نفى الضرر، فنفى الضرر المالى فى التكاليف لا يكون الا اذا كان تحمله حرجا.

اشكال ذكر فى الروضة و المسالك تبعا لجامع المقاصد فى اقسام

______________________________

الضرر المالى القليل.

ان قلت: اذا كان الضرر هنا غير رافع للتكليف يلزم على الغنى ان يشترى الماء و لو باموال كثيرة مثل الف دينار.

قلت: لا يجب ذلك لا لادلة: لا ضرر، بل لما اشار إليه بقوله: (نعم لو كان الضرر مجحفا بالمكلف انتفى) الوجوب (ب) سبب (ادلة نفى الحرج) فان من الحرج النفسى اعطاء هذا المبلغ، و ادلة الحرج كما انها ترفع ما كان حرجا على الجسم ترفع ما كان حرجا على النفس (لا) ب (دليل نفى الضرر).

و على هذا (فنفى الضرر المالى فى التكاليف) كما اذا استلزم الوضوء و الغسل و الحج و غيرها ما لا كثيرا اكثر من القيمة السوقية (لا يكون الا اذا كان تحمله حرجا).

اقول: انه اذا عدّ عرفا ان بذل مثل ذلك المال ضرر، كفى فى رفع التكليف، لان الضرر موضوع عرفى، فاذا تحقق كفى فى رفع التكليف و مسألة الاجر بمعزل عن صدق الضرر عرفا.

(اشكال) و هو انه (ذكر فى الروضة و المسالك تبعا لجامع المقاصد فى اقسام

ص: 88

الغبن ان المغبون اما ان يكون هو البائع او المشترى، او هما، انتهى فيقع الاشكال فى تصور غبن كل من المتبايعين معا.

و المحكى عن بعض الفضلاء فى تعليقه على الروضة ما حاصله:

استحالة ذلك، حيث قال قد عرفت: ان الغبن فى طرف البائع انما هو اذا باع باقل من القيمة السوقية و فى طرف المشترى اذا اشترى بازيد منها و لا يتفاوت الحال بكون الثمن و المثمن من الاثمان او العروض، او مختلفين.

و حينئذ فلا يعقل كونهما معا مغبونين، و الا

______________________________

الغبن ان المغبون اما ان يكون هو البائع او المشترى، اوهما، انتهى) كلامهم (فيقع الاشكال فى تصور غبن كل من المتبايعين معا).

(و المحكى عن بعض الفضلاء) و هو الشيخ احمد التونى (فى تعليقه على الروضة ما حاصله: استحالة ذلك) اى غبن كليهما (حيث قال) فى وجه الاستحالة (قد عرفت: ان الغبن فى طرف البائع انما هو اذا باع باقل من القيمة السوقية) كما اذا باع دارا قيمتها الف بتسعمائة (و فى طرف المشترى اذا اشترى بازيد منها) كما اذا اشترى الدار المذكورة بالف و مائة (و لا يتفاوت الحال) فى ان ميزان الغبن ما ذكرناه (بكون الثمن و المثمن من الاثمان) و النقود (او العروض) و السلع (او مختلفين) احدهما سلعة و الآخر نقد.

(و حينئذ) اى حين كان الغبن فى احدهما بالزيادة و فى الآخر بالنقيصة (فلا يعقل كونهما معا مغبونين، و الا) بان كانا معا مغبونين

ص: 89

لزم كون الثمن اقل من القيمة السوقية، و اكثر و هو محال، فتأمل انتهى و قد تعرض غير واحد ممن قارب عصرنا لتصوير ذلك فى بعض الفروض منها: ما ذكره المحقق القمى صاحب القوانين فى جواب من سأله عن هذه العبارة من الروضة قال: انها تفرض فيما اذا باع متاعه بأربعة توامين من الفلوس، ان يعطيه عنها ثمانية دنانير معتقدا انها يسوى بأربعة توامين، ثم تبين ان المتاع يسوى خمسة توامين.

______________________________

(لزم) التناقض ب (كون الثمن اقل من القيمة السوقية، و اكثر) فى حال واحد (و هو محال، فتأمل).

و لعله احتمل امكان ذلك ببعض الاجوبة الآتية، و لذا امر بالتأمل (انتهى) كلام التونى.

(و قد تعرض غير واحد ممن قارب عصرنا لتصوير ذلك فى بعض الفروض) (منها: ما ذكره المحقق القمى صاحب القوانين فى جواب من سأله عن هذه العبارة من الروضة) ذكر الجواب فى كتابه جامع الشتات فى مسألة غبن كليهما فى معاملة واحدة بما اذا كانت المعاملة مشتملة على شرط، فهى بملاحظة نفسها غبن احدهما، و بملاحظة الشرط غبن الآخر.

ف (قال: انها تفرض فيما اذا باع متاعه بأربعة توامين من الفلوس) اى من النقد على شرط (ان يعطيه) المشترى (عنها) اى بدل أربعة توامين (ثمانية دنانير) فى حال كون البائع (معتقدا انها) ثمانية دنانير (يسوى بأربعة توامين، ثم تبين) انه اشتبه فى الامرين.

الاول: (ان المتاع يسوى خمسة توامين) فصار البائع مغبونا، لانه

ص: 90

و ان الدنانير يسوى خمسة توامين، إلا خمسا، فصار البائع مغبونا من كون الثمن اقل من القيمة السوقية بخمس تومان و المشترى مغبونا من جهة زيادة الدنانير على أربعة توامين فالبائع مغبون فى اصل البيع و المشترى مغبون فى ما التزمه من اعطاء الدنانير عن الثمن، و ان لم يكن مغبونا فى اصل البيع، انتهى.

______________________________

باع بأربعة اقل من القيمة السوقية.

(و) الثانى: (ان الدنانير يسوى خمسة توامين، إلا خمسا) اى خمس تومان، فصار المشترى مغبونا، لانه عوض ان يدفع ما يعادل اقل من ثمانية دنانير التزم ان يدفع ثمانية دنانير (فصار البائع مغبونا من) جهة (كون الثمن) أربعة توامين (اقل من القيمة السوقية بخمس تومان) اذ القيمة: خمس و قد باعه بأربع، و اربع اقل من الخمس بالخمس (و) صار (المشترى مغبونا من جهة) انه كان من المقرر ان يعطى أربعة توامين او ما يعادل أربعة توامين بينما ثمانية دنانير اكثر من أربعة توامين و قد سبّب غبن المشترى الشرط لما عرفت من (زيادة الدنانير) الثمانية (على أربعة توامين).

و على هذا (فالبائع مغبون فى اصل البيع، و المشترى مغبون فى) الشرط، اى (ما التزمه من اعطاء الدنانير) الثمانية بدلا (عن الثمن) الّذي هو أربعة توامين (و ان لم يكن) المشترى (مغبونا فى اصل البيع انتهى).

مثال آخر: كتاب يسوى دينارا اشتراه بدينار و درهم، و شرط ان

ص: 91

اقول: الظاهر ان مثل هذا البيع المشروط بهذا الشرط يلاحظ فيه حاصل ما يصل الى البائع، بسبب مجموع العقد و الشرط، كما لو باع شيئا يسوى خمسة دراهم بدرهمين، على ان يخيط له ثوبا مع فرض كون اجرة الخياطة ثلاثة دراهم.

و من هنا

______________________________

يعطيه عوض الدينار و الدرهم، تسعمائة و خمسين فلسا، بزعم انه يساوى الدينار و الدرهم فالمشترى مغبون لزيادة القيمة بدرهم- و البائع مغبون لانه يأخذ عوض الدينار و الدرهم- تسعمائة و خمسين فلسا.

(اقول: الظاهر) ان تصوير المحقق غير تام، لان البيع و الشرط ان كانا شيئا واحدا لوحظ المجموع معا، فلا يمكن الا ان يكون احدهما مغبونا، و ان كانا شيئين لم يكن غبن المتبايعين فى معاملة واحدة بل فى معاملتين.

ف (ان مثل هذا البيع المشروط بهذا الشرط يلاحظ فيه) اى فى البيع (حاصل ما يصل الى البائع، بسبب مجموع العقد و الشرط) و هل انه ازيد من متاعه، او اقل، او مساو؟ (كما لو باع شيئا يسوى خمسة دراهم بدرهمين، على) شرط (ان يخيط) المشترى (له) اى للبائع (ثوبا مع فرض كون اجرة الخياطة ثلاثة دراهم).

فان العرف يرى ان القيمة مساوية للسلعة، لان مجموع الثمن و الشرط خمسة و السلعة تسوى خمسة.

(و من هنا) ملاحظة مجموع الشرط و الثمن، او مجموع الشرط، و

ص: 92

يقال: ان للشروط قسطا من العوض.

و ان ابيت إلا عن ان الشرط معاملة مستقلة، و لا مدخل له فى زيادة الثمن و خرج ذلك عن فرض غبن كل من المتبايعين فى معاملة واحدة.

لكن الحق ما ذكرنا من وحدة المعاملة، و كون الغبن من طرف واحد و منها: ما ذكره بعض المعاصرين من فرض المسألة فيما اذا باع شيئين فى عقد واحد بثمنين، فغبن البائع فى احدهما و المشترى فى الآخر.

______________________________

المثمن (يقال: ان للشروط قسطا من العوض) ثمنا كان العوض او مثمنا.

(و ان ابيت إلا عن ان الشرط معاملة مستقلة، و لا مدخل له) اى للشرط (فى زيادة الثمن) فلا يجمع الشرط مع الثمن (و خرج ذلك) المثال الّذي مثله المحقق القمى (عن فرض غبن كل من المتبايعين فى معاملة واحدة).

و على كلا التقديرين، فلا غبنان فى معاملة، اما لتعدد الغبن و تعدد المعاملة و اما لوحدة الغبن و وحدة المعاملة.

(لكن الحق ما ذكرنا) من قولنا «يلاحظ فيه حاصل ...» (من وحدة المعاملة، و كون الغبن من طرف واحد) فقط.

(و منها) اى من الفروض التى ذكروها لمثال غبن كليهما (ما ذكره بعض المعاصرين من فرض المسألة فيما اذا باع شيئين فى عقد واحد بثمنين، فغبن البائع فى احدهما و المشترى فى الآخر).

كما اذا كان كتاب الرسائل بدينار، و المكاسب بدينار فباعهما فى

ص: 93

و هذا الجواب قريب من سابقه فى الضعف لانه ان جاز التفكيك بينهما عند فرض ثبوت الغبن لاحدهما خاصة حتى يجوز له الفسخ فى العين

______________________________

بيع واحد بدينارين، ثلاثة ارباع الدينار للرسائل، و دينار و ربع للمكاسب، فان البائع مغبون فى الرسائل و المشترى مغبون فى المكاسب (و هذا الجواب قريب من سابقه فى الضعف).

و تقريب وجه الضعف: ان الانسان قد يجمع بيعين فى بيع واحد، بان يكون هناك بيعان فى صيغة واحدة، حتى اذا كان فى احدهما عيب او غبن او ما اشبه لم يكن له خيار الا فى ذلك الشي ء فقط، فيكون حاله حال ما اذا جمع نكاحين او طلاقين فى لفظ، كما اذا قال: انكحتك موكلتى فاطمة و زينب، ثم بعد ذلك تبين ان فاطمة اخته من الرضاعة، فانه يبطل نكاح فاطمة دون زينب.

و كذا اذا قال لهما: انتما طالقان، ثم تبين ان فاطمة كانت فى طهر المواقعة، حيث يبطل طلاقها دون طلاق زينب.

و قد يكون البيع واحدا و ان كانت السلعة متعددة حتى ان الغبن يوجب فسخ الجميع، او اجازة الجميع، و كذا العيب و نحوهما.

اذا عرفت ما ذكرنا فنقول: ان هذا الجواب ضعيف (لانه ان جاز التفكيك بينهما) اى بين بيع الشيئين (عند فرض ثبوت الغبن لاحدهما خاصة) بان كان هناك بيعان و ان كان اللفظ واحدا و الفرق بين كونه بيعا واحدا او بيعين انما يكون بالقصد (حتى يجوز له الفسخ فى العين

ص: 94

المغبون فيها خاصة فهما معاملتان مستقلتان كان الغبن فى كل واحدة منها لاحدهما خاصة فلا وجه لجعل هذا قسما ثالثا لقسمى غبن البائع خاصة، و المشترى خاصة.

و ان لم يجز التفكيك بينهما لم يكن غبن اصلا مع تساوى الزيادة فى احدهما للنقيصة فى الآخر.

______________________________

المغبون فيها خاصة) دون ما سواها لانه لا علاقة بين هذه العين و تلك العين فلا يسرى الغبن فى احدهما الى الغبن فى الاخرى (فهما معاملتان مستقلتان) لا علاقة لإحداهما بالاخرى و ان جمعتا فى لفظ واحد.

ف (كان) جواب «ان» (الغبن فى كل واحدة منها) اى من المعاملتين (لاحدهما) اى لاحد المتبايعين (خاصة) فهناك معاملتان فى إحداهما الغبن للبائع، و فى الاخرى الغبن للمشترى (فلا وجه لجعل) الشهيد و المحقق الثانى (هذا) الّذي يجمع فيه المعاملتان فى صيغة واحدة (قسما ثالثا لقسمى غبن البائع خاصة، و المشترى خاصة) بل هذا القسم منحل الى القسمين الاولين و حاله كما اذا كانت صيغتان لبيعين كان فى إحداهما غبن البائع و فى الاخرى غبن المشترى.

(و ان لم يجز التفكيك بينهما) بان كان بيع واحد على سلع متعددة (لم يكن غبن اصلا مع تساوى الزيادة فى احدهما، للنقيصة فى الآخر) كما تقدم فى مثال كتابى الرسائل و المكاسب.

ص: 95

و مع عدم المساوات، فالغبن من طرف واحد.

و منها: ان يراد بالغبن فى المقسم معناه الاعم الشامل لصورة خروج العين المشاهدة سابقا على خلاف ما شاهده، او خروج ما اخبر البائع بوزنه على خلاف خبره.

و قد اطلق الغبن على هذا المعنى الاعم

______________________________

(و مع عدم المساوات، فالغبن من طرف واحد).

فان زاد المثمن فالغبن للبائع، و ان زاد الثمن فالغبن للمشترى (و منها) اى من تصويرات غبن كليهما فى معاملة واحدة (ان يراد بالغبن فى المقسم معناه الاعم) اذ: للغبن اطلاقان.

الاول: زيادة الثمن او المثمن.

الثانى: ما يراد به ظهور الثمن او المثمن على خلاف الرؤية السابقة او خلاف الوصف السابق.

و قد يطلق الغبن على الاعم من المعنيين و على هذا فيمكن «غبن كليهما» بان يراد بالغبن فى قول الشهيد و المحقق الثانيين انه قد يكون الغبن للبائع، و قد يكون للمشترى، و قد يكون لكليهما «معناه الاعم» (الشامل لصورة خروج العين المشاهدة سابقا على خلاف ما شاهده) ف «سابقا» متعلق بالمشاهدة و «على» متعلق ب «خروج» (او خروج ما اخبر البائع بوزنه) او وصفه (على خلاف خبره) حسنا او قبحا.

ففى الاول يكون البائع مغبونا، و فى الثانى يكون المشترى مغبونا (و قد اطلق الغبن على هذا المعنى الاعم) من كلا الامرين

ص: 96

العلامة فى القواعد، و الشهيد فى اللمعة.

و على هذا المعنى الاعم تحقق الغبن فى كل منهما و هذا حسن.

لكن ظاهر عبارة الشهيد و المحقق الثانيين إرادة ما عنون به هذا الخيار، و هو الغبن بالمعنى الاخص على ما فسروه به.

و منها: ما ذكره بعض، من انه يحصل بفرض المتبايعين وقت العقد فى مكانين، كما اذا حصر العسكر

______________________________

(العلامة فى القواعد، و الشهيد فى اللمعة) كما انه غبن لغة و عرفا.

(و على هذا المعنى الاعمّ تحقق الغبن فى كل منهما).

مثلا: لم ير البائع قطيعه و قد سمن عن حالته السابقة، حتى انه لو رآه لم يبعه، ثم باعه بالوصف، بان وصفه المشترى له باكثر من قيمته السوقية، فالبائع مغبون من جهة تحسن وصف القطيع، و المشترى مغبون من جهة اكثرية الثمن عن القيمة السوقية (و هذا) وجه (حسن) فى توجيه: غبن كليهما.

(لكن ظاهر عبارة الشهيد و المحقق الثانيين إرادة) غبن كليهما تحت عنوان (ما عنون به هذا الخيار) اى خيار الغبن (و هو) اى ما عنون (الغبن بالمعنى الاخص) و هو زيادة القيمة او نقصان القيمة (على ما فسروه) اى فسروا الغبن (به) و على هذا التفسير فلا يمكن غبن كليهما.

(و منها) اى من تصويرات غبن كليهما فى معاملة واحدة (ما ذكره بعض، من انه يحصل بفرض المتبايعين وقت العقد فى مكانين) كل مكان يختلف فيه قيمة السلعة عن المكان الآخر (كما اذا حصر العسكر

ص: 97

البلد و فرض قيمة الطعام خارج البلد ضعف قيمته فى البلد فاشترى بعض اهل البلد من وراء سور البلد طعاما من العسكر بثمن متوسط بين القيمتين فالمشترى مغبون لزيادة الثمن على قيمة الطعام فى مكانه و البائع مغبون لنقصانه عن القيمة فى مكانه.

و يمكن رده بان المبيع بعد العقد باق على قيمته حين العقد و لا غبن فيه للمشترى ما دام فى محل العقد و انما نزلت قيمته بقبض المشترى و نقله اياه الى مكان الرخص.

______________________________

البلد و فرض قيمة الطعام خارج البلد ضعف قيمته فى البلد فاشترى بعض اهل البلد من وراء سور البلد طعاما من العسكر بثمن متوسط بين القيمتين).

مثلا: كانت القيمة خارج البلد دينارا، و داخل البلد نصف دينار، فاشتراه ذلك البعض بثلاثة ارباع الدينار (فالمشترى مغبون لزيادة الثمن على قيمة الطعام فى مكانه) داخل البلد اذا كان المشترى داخل البلد (و البائع مغبون لنقصانه عن القيمة فى مكانه) و هو خارج البلد، اذا كان البائع خارج البلد.

(و يمكن ردّه بان المبيع بعد العقد باق على قيمته حين العقد) و قيمته حين العقد كانت قيمة سوقية (و لا غبن فيه للمشترى ما دام فى محل العقد) الّذي هو خارج البلد حسب الفرض (و انما نزلت قيمته بقبض المشترى) اياه (و نقله اياه الى مكان الرخص) داخل البلد.

فهو كما اذا اشترى متاعا فى بلد قيمة المتاع فيه غالية، ثم نقلها

ص: 98

و بالجملة: الطعام عند العقد لا يكون الا فى محل واحد له قيمة واحدة.

و منها: ما ذكره فى مفتاح الكرامة من فرضه فيما اذا ادعى كل من المتبايعين الغبن، كما اذا بيع ثوب بفرس، بظن المساوات، ثم ادعى كل منهما نقص ما فى يده عما فى يد الآخر، و لم يوجد المقوّم ليرجع إليه فتحالفا فيثبت الغبن لكل منهما فيما وصل إليه

______________________________

الى مكان قيمة المتاع فيه رخيصة، فان ذلك لا يوجب كونه مغبونا حتى يكون له الخيار.

(و بالجملة: الطعام عند العقد لا يكون الا فى محل واحد له قيمة واحدة) و تلك القيمة معتدلة لا غبن فيها.

و تضرر المشترى انما يكون بفعله، حيث نقل الطعام لا انه تضرر من جهة زيادة القيمة فى مكان البيع.

(و منها) اى من تصويرات غبن كليهما فى معاملة واحدة (ما ذكره فى مفتاح الكرامة من فرضه) المسألة (فيما اذا ادعى كل من المتبايعين الغبن، كما اذا بيع ثوب بفرس، بظن المساوات، ثم ادعى كل منهما نقص ما فى يده عما فى يد الآخر) بان قال صاحب الفرس: انه اقل قيمة من الثوب، و قال صاحب الثوب: انه اقل قيمة من الفرس (و لم يوجد المقوّم ليرجع إليه) او كل مقوم صدق احدهما (فتحالفا) كل على دعواه (فيثبت الغبن لكل منهما فيما وصل إليه) و حينئذ يكون لكل منهما خيار

ص: 99

و قال: و يتصور غبنهما فى احد العوضين كما لو تبايعا شيئا بمائة درهم ثم ادعى البائع كونه يسوى بمائتين، و المشترى كونه لا يسوى الا بخمسين و لا مقوّم يرجع إليه فيتحالفان و يثبت الفسخ لكل منهما، انتهى.

و فيه ان الظاهر ان لازم التحالف عدم الغبن فى المعاملة اصلا مع ان الكلام فى الغبن الواقعى دون الظاهرى.

و الاولى من هذه الوجوه هو الوجه الثالث

______________________________

الغبن (و قال: و يتصور غبنهما) معا (فى احد العوضين) بخلاف المثال السابق الّذي كان الغبن المزعوم فى كلا العوضين (كما لو تبايعا شيئا بمائة درهم، ثم ادعى البائع كونه يسوى بمائتين) فالبائع مغبون (و) ادعى (المشترى كونه لا يسوى الا بخمسين) فالمشترى مغبون (و لا مقوّم يرجع إليه) او اختلف المقوّمون (فيتحالفان) لان كلا منهما مدع و حكم ذلك التحالف (و يثبت الفسخ لكل منهما، انتهى).

(و فيه) أولا: (ان الظاهر ان لازم التحالف عدم الغبن فى المعاملة اصلا) لان الحلفين يسقطان، و تبقى اصالة اللزوم، فلا يصحح ذلك غبن كل منهما، كما نحن بصدده.

و ثانيا: (مع ان الكلام فى الغبن الواقعى) و هو لا يكون فى كليهما (دون) الغبن (الظاهرى) و ما فرضه مفتاح الكرامة غبن ظاهرى.

(و) كيف كان، ف (الاولى من هذه الوجوه هو الوجه الثالث)

ص: 100

و اللّه العالم.

______________________________

فى نفسه و ان كان خلاف ظاهر عبارة الشهيد و المحقق الثانيين.

فالمراد الاولوية فى نفس تصوير الغبن (و الله) سبحانه (العالم).

و حيث ان «صورة غبن كليهما» ليست فى كلام المعصوم، فلا يهم ان كانت صحيحة أو لا.

ص: 101

مسئلة ظهور الغبن شرط شرعى لحدوث الخيار، او كاشف عقلى عن ثبوته حين العقد،

وجهان، منشأهما اختلاف كلمات العلماء فى فتاويهم و معاقد اجماعهم و استدلالاتهم.

فظاهر عبارة المبسوط و الغنية و الشرائع و غيرها هو: الاول، و فى الغنية الاجماع على ان ظهور الغبن سبب للخيار.

و ظاهر كلمات آخرين: الثانى، و فى التذكرة

______________________________

(مسألة: ظهور الغبن) بان يفهم المغبون انه غبن، هل هو (شرط شرعى لحدوث الخيار)؟ فعليه لا خيار قبل ظهور الغبن (او كاشف عقلى عن ثبوته) اى الخيار (حين العقد) فالعقد اذا كان غبنيّا يوجب الخيار سواء فهم المغبون، أم لا؟ و انما يكون فهمه كاشفا عن ان يكون له الخيار عند العقد (وجهان منشأهما اختلاف كلمات العلماء فى فتاويهم و معاقد اجماعهم) معقد الاجماع اذا كان للاجماع لفظ مثل ان يقال «اذا ظهر الغبن كان الخيار اجماعا» و قد لا يكون للاجماع معقد، بان قال: كل فقيه كلاما استفيد من مجموعه ان فى المسألة اجماعا (و استدلالاتهم).

(فظاهر عبارة المبسوط و الغنية و الشرائع و غيرها هو: الاول) بل (و فى الغنية) دعوى (الاجماع على ان ظهور الغبن سبب للخيار).

(و ظاهر كلمات) فقهاء (آخرين: الثانى) و هو ان الخيار من حين العقد، و الظهور كاشف عقلى (و) هو ظاهر ما (فى التذكرة) حيث قال:

ص: 102

ان الغبن سبب لثبوت الخيار عند علمائنا، و قولهم: لا يسقط هذا الخيار بالتصرف فان المراد التصرف قبل العلم بالغبن و عدم سقوطه ظاهر فى ثبوته.

و مما يؤيد الاول انهم اختلفوا فى صحة التصرفات الناقلة فى زمان

______________________________

(ان الغبن سبب لثبوت الخيار عند علمائنا، و) كذا يظهر هذا القول من (قولهم: لا يسقط هذا الخيار بالتصرف).

وجه الظهور ما ذكره بقوله: (فان المراد التصرف قبل العلم بالغبن) اذ: التصرف بعد العلم يسقط هذا الخيار، فالمراد التصرف قبل العلم (و عدم سقوطه) اى الخيار (ظاهر فى ثبوته) فتبين ان الخيار ثابت قبل العلم.

(و مما يؤيد الاول) اى ان الظهور شرط شرعى لثبوت الخيار، و ان قبل الظهور لا خيار، انهم لم يحكموا ببطلان تصرفات الغابن حين جهل المغبون، مع انهم اختلفوا فى صحة التصرفات الناقلة من غير ذى الخيار فى زمن الخيار، فلو كان قبل ظهور الغبن للمغبون خيار، لكان اللازم ان يختلفوا فى صحة تصرفات الغابن، لا ان يتفقوا، اى لم يحكموا بصحة تصرفات الغابن.

و بعبارة اخرى: تصرف غير ذى الخيار- فى زمن الخيار- مختلف فى صحته، و تصرف الغابن حال جهل المغبون متفق على صحته.

فيظهر ان حال جهل المغبون ليس بزمان الخيار.

ف (انهم) قد (اختلفوا فى صحة التصرفات الناقلة فى زمان

ص: 103

الخيار و لم يحكموا ببطلان التصرفات الواقعة من الغابن حين جهل المغبون، بل صرح بعضهم بنفوذها و انتقال المغبون- بعد ظهور غبنه الى البدل.

و يؤيده أيضا الاستدلال فى التذكرة، و الغنية على هذا الخيار

______________________________

الخيار) اى التصرفات التى تصدر ممن لا خيار له هل هى صحيحة، أم لا؟

(و) الحال انهم (لم يحكموا ببطلان التصرفات الواقعة من الغابن حين جهل المغبون) بانه غبن (بل صرح بعضهم بنفوذها) اى تصرفات الغابن (و) حكموا ب (انتقال المغبون- بعد ظهور غبنه- الى البدل) اى بدل ما تصرف فيه الغابن.

فاذا فرضنا ان زيدا باع عمروا دارا باقل من قيمتها، فكان البائع مغبونا،- و كان البيع يوم الجمعة صباحا- ثم المشترى باع الدار عصر الجمعة، و علم البائع بالغبن يوم السبت، كان البيع صحيحا، و كان البائع المغبون ان يرجع الى المشترى الغابن ببدل الدار اى قيمتها السوقية، اذا فسخ المغبون البيع.

فتحصّل انه لو كان للمغبون الخيار من حين البيع، لزم ان يختلفوا فى صحة معاملة الغابن.

فعدم اختلافهم دليل على انه ليس خيار المغبون من حين البيع بل خياره من حين ظهور الغبن.

(و يؤيده أيضا) اى يؤيد ان الخيار من حين الظهور، لا من حين البيع (الاستدلال فى التذكرة و الغنية على هذا الخيار) اى خيار الغبن

ص: 104

بقوله صلى الله عليه و آله و سلم- فى حديث تلقى الركبان- انهم بالخيار، اذا دخلوا السوق فان ظاهره حدوث الخيار بعد الدخول الموجب لظهور الغبن هذا.

و لكن لا يخفى امكان ارجاع الكلمات الى احد الوجهين بتوجيه ما كان منها ظاهرا فى المعنى الآخر.

و توضيح ذلك انه ان اريد بالخيار السلطنة الفعلية التى يقتدر بها على

______________________________

(بقوله صلى الله عليه و آله و سلم- فى حديث تلقى الركبان- انهم) اى الركبان الذين اشترى منهم المتاع (بالخيار، اذا دخلوا السوق).

وجه الاستدلال ما ذكره بقوله: (فان ظاهره حدوث الخيار بعد الدخول) فى السوق ذلك الدخول (الموجب لظهور الغبن) لانهم اذا دخلوا السوق، و عرفوا القيمة السوقية علموا بانهم قد غبنوا، فيفيد الحديث انهم قبل ذلك- حال البيع- لا خيار لهم (هذا) تمام الكلام فى وجه القولين.

(و لكن لا يخفى امكان ارجاع الكلمات) التى ذكرها العلماء (الى احد الوجهين) لانها قابلة لكلا الامرين.

و ذلك (بتوجيه ما كان منها ظاهرا فى المعنى الآخر) الى المعنى الّذي يراد توجيهه إليه.

(و توضيح ذلك) اى توضيح ارجاع كلماتهم الى احد الوجهين، و قد اراد المصنف بهذا التوجيه الجمع بين كلماتهم (انه ان اريد بالخيار) اى خيار الغبن: (السلطنة الفعلية التى يقتدر بها) المغبون (على

ص: 105

الفسخ و الامضاء قولا، او فعلا، فلا يحدث الا بعد ظهور الغبن.

و ان اريد ثبوت حق للمغبون لو علم به لقام بمقتضاه فهو ثابت قبل العلم، و انما يتوقف على العلم اعمال هذا الحق.

فيكون حال الجاهل بموضوع الغبن كالجاهل بحكمه، او بحكم خيارى المجلس او الحيوان او غيرهما.

ثم ان الآثار المجعولة للخيار

______________________________

الفسخ و الامضاء قولا) كان يقول: فسخت او امضيت (او فعلا) بان يرسل المتاع الى الغابن فسخا او يتصرف فيه امضاء (فلا يحدث) هذه السلطنة الفعلية (الا بعد ظهور الغبن) اذ قبله لا يعلم حتى يمضى او يفسخ.

(و ان اريد) بالخيار (ثبوت حق للمغبون لو علم به لقام بمقتضاه) من فسخ او امضاء (فهو ثابت قبل العلم) لان الغبن سبب هذا الخيار، و الغبن موجود من حين العقد (و انما يتوقف على العلم اعمال هذا الحق) لا اصل هذا الحق.

(فيكون حال الجاهل بموضوع الغبن) و ان له خيار الغبن (كالجاهل بحكمه) كما اذا علم انه مغبون، لكن لا يعلم ان له خيار الغبن (او) الجاهل (بحكم خيارى المجلس او الحيوان او غيرهما) فى انه مع الجهل بان له الخيار لا يكون عنده القدرة الفعلية على الأخذ بالخيار.

هذا بالنسبة الى اصل الخيار، و قد تبين انه موجود من حين العقد.

(ثم ان الآثار المجعولة للخيار) على قسمين.

ص: 106

بين ما يترتب على تلك السلطنة الفعلية، كالسقوط بالتصرف، فانه لا يكون الا بعد ظهور الغبن، فلا يسقط قبله، كما سيجي ء.

و منه: التلف فان الظاهر انه قبل ظهور الغبن من المغبون اتفاقا لو قلنا بعموم قاعدة كون التلف فى زمان الخيار ممن لا خيار له، لمثل خيار الغبن، كما جزم به بعض و تردد فيه آخر.

______________________________

فهى (بين ما يترتب على تلك السلطنة الفعلية، كالسقوط بالتصرف، فانه) اى السقوط بالتصرف (لا يكون الا بعد ظهور الغبن، فلا يسقط) خيار الغبن بالتصرف (قبله) اى قبل ظهور الغبن، فاذا لم يعلم المغبون بانه مغبون و تصرف فى ما انتقل إليه، لم يسقط خياره (كما سيجي ء) الكلام فى ذلك.

(و منه) اى من الآثار المترتبة على السلطنة الفعلية (التلف) فيختلف فى كونه من الغابن، او المغبون و كونه قبل ظهور الغبن او بعده (فان الظاهر انه قبل ظهور الغبن من المغبون اتفاقا) لانه ليس له خيار الآن قبل ظهور الغبن، فتلفه يكون منه بخلاف ما اذا ظهر الغبن فان التلف يكون من الغابن لقاعدة ان التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له (لو قلنا بعموم قاعدة كون التلف فى زمان الخيار ممن لا خيار له، لمثل خيار الغبن) «لمثل» متعلق ب «عموم» (كما جزم به) اى بالعموم (بعض) الفقهاء.

اما لو لم نقل بالعموم، فالتلف من كيس المغبون، سواء قبل ظهور الخيار او بعده (و تردد فيه) اى فى العموم بعض (آخر) من الفقهاء.

ص: 107

و بين ما يترتب على ذلك الحق الواقعى كاسقاطه بعد العقد قبل ظهوره.

و بين ما يتردد بين الامرين، كالتصرفات الناقلة، فان تعليلهم المنع عنها بكونها مفوتة لحق ذى الخيار من العين ظاهر فى ترتب المنع على وجود نفس الحق، و ان لم يعلم به.

و حكم بعض من منع من التصرف فى زمان الخيار، بمضى التصرفات الواقعة من الغابن قبل علم المغبون يظهر منه

______________________________

(و بين ما يترتب على ذلك الحق) اى حق الخيار (الواقعى) عطف على قوله «بين ما يترتب» (كاسقاطه) اى الخيار (بعد العقد قبل ظهوره) فانه اذا باع او اشترى، و قال: اسقطت كل خيار لى، سقط خيار الغبن و ان لم يعلم انه مغبون.

(و بين ما يتردد بين الامرين) فلا يعلم هل ان هذا الاثر للغبن مترتب على الحق الواقعى؟ او على ظهور هذا الحق (كالتصرفات الناقلة) كما اذا باع المغبون ما انتقل إليه (فان تعليلهم المنع عنها) اى عن التصرفات الناقلة فى حال الخيار (بكونها مفوتة لحق ذى الخيار من العين) اى حقه فى العين (ظاهر فى ترتب المنع على وجود نفس الحق و ان) لم يظهر، و (لم يعلم) المغبون (به) اى بان له الحق.

(و حكم بعض من منع من التصرف) اى تصرف غير ذى الخيار (فى زمان الخيار، بمضى) الجار متعلق ب «حكم» اى حكمه بان (التصرفات الواقعة من الغابن قبل علم المغبون) ماضية و نافذة (يظهر منه) اى من

ص: 108

ان المنع لاجل التسلط الفعلى، و المتبع دليل كل واحد من تلك الآثار فقد يظهر منه ترتب الاثر على نفس الحق الواقعى، و لو كان مجهولا لصاحبه.

و قد يظهر منه ترتبه على السلطنة الفعلية.

و تظهر ثمرة الوجهين أيضا فيما لو فسخ المغبون الجاهل اقتراحا، او بظن وجود سبب معدوم

______________________________

هذا الحكم (ان المنع) عن التصرف الناقل، انما هو (لاجل التسلط الفعلى) للمغبون على الفسخ (و) اذا كانت آثار الغبن على ثلاثة اقسام بالنسبة الى ما ذكره الفقهاء، اثر مترتب على السلطنة الفعلية بعد ظهور الغبن، و اثر مترتب على نفس الحق من حين العقد، و اثر يتردد هل انه مترتب على السلطنة، او على نفس الحق ف (المتبع) فى ان الاثر كيف هو (دليل كل واحد من تلك الآثار) المترتبة على الغبن.

(فقد يظهر منه) اى من الدليل (ترتب الأثر على نفس الحق الواقعى) الثابت من حين العقد (و لو كان) الغبن (مجهولا لصاحبه) اى المغبون.

(و قد يظهر منه) اى من الدليل (ترتبه) اى ترتب الاثر (على السلطنة الفعلية) التى هى بعد ظهور الأثر.

(و تظهر ثمرة الوجهين) فى ان الخيار يكون قبل ظهور الغبن، او بعد ظهوره (أيضا) كما ظهرت فى التصرف، و نحوه (فيما لو فسخ المغبون الجاهل) بانه مغبون (اقتراحا) لا لعلمه بانه مغبون، بل لانه لم يرد البضاعة فردها (او) فسخ (بظن وجود سبب) كالعيب (معدوم) ذلك

ص: 109

فى الواقع فصادف الغبن.

ثم ان ما ذكرناه فى الغبن من الوجهين جار فى العيب.

و قد يستظهر من عبارة القواعد فى باب التدليس: الوجه الاول قال و كذا «يعنى لا رد» لو تعيّبت الامة المدلسة عنده قبل علمه بالتدليس، انتهى، فانه ذكر فى جامع المقاصد انه لا فرق بين تعيبها قبل العلم و بعده،

______________________________

السبب (فى الواقع) اذ لم يكن عيب (فصادف) الفسخ (الغبن) فانه ان كان خيار الغبن من حين العقد، صح الفسخ مطلقا، و ان كان من حين علم المغبون، و ظهور الغبن لم يصح الفسخ.

(ثم ان ما ذكرناه فى الغبن من الوجهين) هل ان الخيار من حين العقد، او من حين ظهور الغبن؟ (جار فى) خيار (العيب) أيضا، هل هو من حين العقد، او من حين ظهور العيب؟

(و قد يستظهر من عبارة القواعد فى باب التدليس: الوجه الاول) و ان الخيار من حين ظهور العيب لا من حين العقد (قال و كذا «يعنى لا رد» لو تعيّبت الامة المدلسة) كالتى دلست فى جمالها او بكارتها او نحو ذلك (عنده) اى عند المشترى، فانه لو لم تتعيّب كان للمشترى الردّ بخيار التدليس، اما لو تعيّبت عند المشترى فليس له الرد بخيار التدليس (قبل علمه بالتدليس، انتهى) كلام العلامة.

وجه الاستدلال بكلامه للوجه الاول ما ذكره بقوله: (فانه ذكر فى جامع المقاصد انه لا فرق بين تعيبها قبل العلم و بعده) فانه اذا تعيّبت

ص: 110

لان العيب مضمون على المشترى.

ثم قال الا ان يقال ان العيب بعد العلم غير مضمون على المشترى، لثبوت الخيار.

و ظاهره عدم ثبوت الخيار قبل العلم بالعيب لكون العيب فى زمان الخيار مضمونا على من لا خيار له.

لكن الاستظهار المذكور مبنى على شمول

______________________________

لا يحق للمشترى ارجاعها، سواء كان العيب قبل علم المشترى بالتدليس، أم بعد علمه بالتدليس (لان العيب مضمون على المشترى) فكيف يمكنه ردّ ما هو ضامن له.

(ثم قال: الا ان يقال) فى الفرق بين التعيب قبل العلم او بعده، ف (ان العيب) الّذي يحصل عند المشترى (بعد العلم) اى بعد علم المشترى بالتدليس (غير مضمون على المشترى، لثبوت الخيار) اى خيار التدليس بعد علم المشترى بالتدليس.

فيكون تعيب الجارية من البائع لقاعدة ان التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له.

(و ظاهره) اى ظاهر كلام جامع المقاصد من قوله «الا ان يقال» (عدم ثبوت الخيار قبل العلم بالعيب) اذ لو كان قبل العلم خيار التدليس موجودا، لكان العيب أيضا من البائع (لكون العيب فى زمان الخيار مضمونا على من لا خيار له).

(لكن الاستظهار المذكور) اى قولنا «و ظاهره» (مبنى على شمول

ص: 111

قاعدة التلف ممن لا خيار له لخيار العيب.

و سيجي ء عدم العموم ان شاء الله.

و اما خيار الرؤية فسيأتى ان ظاهر التذكرة حدوثه بالرؤية، فلا يجوز اسقاطه قبلها

______________________________

قاعدة التلف ممن لا خيار له لخيار العيب).

اذ على هذه القاعدة يكون العيب بعد العلم من كيس البائع.

(و) لكن (سيجي ء عدم العموم ان شاء الله) اى عدم عموم القاعدة لخيار العيب، فلا يصح الاستظهار المذكور، فلا يتم قول جامع المقاصد «الا ان يقال» و لا وجه لكلام العلامة «قبل علمه».

و الحاصل: ان الفرق بين «قبل العلم و بعده يتوقف على عموم قاعدة التلف فى زمن الخيار ...» و حيث انه لا عموم فلا فرق.

(و اما خيار الرؤية فسيأتى ان ظاهر التذكرة حدوثه بالرؤية، فلا يجوز اسقاطه) اى اسقاط الخيار (قبلها) اى قبل الرؤية، لانه من اسقاط ما لم يجب.

اقول: لكن الظاهر ان خيار الغبن و العيب و غيرهما يثبت بالعقد لا بالعلم، و انما العلم كاشف فقط.

ص: 112

مسئلة: يسقط هذا الخيار بامور.
احدها: اسقاطه بعد العقد،

و هو قد يكون بعد العلم بالغبن فلا اشكال فى صحة اسقاطه بلا عوض مع العلم بمرتبة الغبن و لا مع الجهل بها اذا اسقط الغبن المسبب عن اى مرتبة كان، فاحشا كان او افحش.

و لو اسقطه بزعم كون التفاوت عشرة، فظهر مائة ففى السقوط وجهان من عدم طيب نفسه بسقوط هذا المقدار من الحق، كما لو اسقط حق عرض

______________________________

(مسألة: يسقط هذا الخيار) اى خيار الغبن (بامور).

(احدها: اسقاطه بعد العقد) بان يقول المغبون: اسقطت خيارى مثلا- (و هو) اى الاسقاط (قد يكون بعد العلم بالغبن) و حينئذ (فلا اشكال فى صحة اسقاطه بلا عوض) فى قبال ان يسقط الخيار بمقابل عوض يأخذه من الغابن (مع العلم بمرتبة الغبن) كان يعلم ان قدر الغبن العشر مثلا (و لا مع الجهل بها) اى بمرتبة الغبن، هل انه العشر او الخمس مثلا؟ (اذا اسقط) فى صورة الجهل (الغبن المسبب عن اى مرتبة كان) لان الخيار حقه فله اسقاطه، و لا يشترط فى الاسقاط العلم بالقدر (فاحشا كان او افحش) لانه اسقطه بكل مراتبه.

(و لو اسقطه بزعم كون التفاوت عشرة، فظهر مائة ففى السقوط وجهان) وجه عدم السقوط (من عدم طيب نفسه بسقوط هذا المقدار) الكبير (من الحق) فحاله (كما لو اسقط حق عرض

ص: 113

بزعم انه شتم لا يبلغ القذف فتبين كونه قذفا.

و من ان الخيار امر واحد مسبب عن مطلق التفاوت الّذي لا يتسامح به، و لا تعدد فيه فيسقط بمجرد الاسقاط.

و القذف و ما دونه من الشتم حقان مختلفان.

و اما الاسقاط بعوض بمعنى المصالحة عنه

______________________________

بزعم انه شتم لا يبلغ القذف) بالزنا و نحوه (فتبين كونه قذفا) فان له المطالبة بالحق، لان ما اسقطه لم يكن، و ما كان لم يسقطه و هنا كذلك فعشرة الساقطة لم تكن و المائة الكائنة لم يسقطها.

(و) وجه السقوط (من ان الخيار امر واحد مسبب عن مطلق التفاوت الّذي لا يتسامح به) فسواء كان التفاوت كثيرا او قليلا فليس للمغبون الا حق خيار واحد (و لا تعدد فيه) اى فى الخيار (فيسقط بمجرد الاسقاط) سواء علم بقدره أم لا.

(و) اما المثال بالقذف ففيه انه فرق بين حق القذف و حق الخيار فان (القذف و ما دونه من الشتم) كاللّعن و نحوه (حقان مختلفان) و لذا لهما اثران مختلفان، فليس معنى اسقاط احدهما اسقاط الآخر، بخلاف الخيار فهو حق واحد- كما عرفت-.

و الاظهر عدم السقوط لانه لم يسقطه و انما اسقط ما لم يكن، فحاله حال ما اذا اسقط غبنه فى الكتاب، فتبين انه مغبون فى القلم.

(و اما الاسقاط) لخيار الغبن (بعوض) كما اذا اسقط خياره بعوض ان يعطيه الغابن عشرة دنانير- مثلا- (بمعنى المصالحة عنه) اى عن

ص: 114

به فلا اشكال فيه مع العلم بمرتبة الغبن، او التصريح بعموم المراتب، و لو اطلق و كان للاطلاق منصرف، كما لو صالح عن الغبن المحقق فى المتاع المشترى بعشرين بدرهم، فان المتعارف من الغبن المحتمل فى مثل هذه المعاملة هو كون التفاوت أربعة او خمسة فى العشرين فيصالح عن هذا المحتمل بدرهم.

فلو ظهر كون التفاوت ثمانية عشر، و ان المبيع يسوى درهمين، ف

______________________________

الخيار (به) اى بالعوض، بل لا يبعد بيعه بذلك او هبته، هبة معوضة او ما اشبه ذلك (فلا اشكال فيه) لان الصلح جائز بين المسلمين (مع العلم بمرتبة الغبن) كما لو علم انه عشرة (او التصريح) فى عقد الصلح (بعموم المراتب) و ان الغبن لهما كان صالحه بعشرة (و لو اطلق) الغبن (و كان للاطلاق منصرف) عند الصلح حتى وقع الصلح على ذلك القدر المنصرف (كما لو صالح عن الغبن المحقق) ذلك الغبن (فى المتاع المشترى بعشرين) اى صالح (بدرهم) واحد (فان المتعارف من الغبن المحتمل فى مثل هذه المعاملة) التى هى بثمن عشرين (هو كون التفاوت) الى (أربعة او خمسة فى العشرين، فيصالح) المغبون (عن) مثل (هذا المحتمل بدرهم) مثلا حتى يكون المبيع عليه بثلاثة و عشرين، او أربعة و عشرين مثلا.

(فلو ظهر كون التفاوت) كثيرا، و انه غبنه بقدر (ثمانية عشر) مثلا (و ان المبيع يسوى درهمين) فقط (ف) الظاهر بطلان الصلح، لان ما قصد لم يكن و ما كان لم يصالح عليه، و يبقى الخيار على حاله الا ان يكون

ص: 115

فى بطلان الصلح لانه لم يقع على الحق الموجود، او صحته مع لزومه لما ذكرنا من ان الخيار حق واحد له سبب واحد و هو التفاوت الّذي له افراد متعددة فاذا اسقطه سقط، او صحته متزلزلا، لان الخيار الّذي صالح عنه باعتقاد ان عوضه المتعارف درهم تبين كونه مما يبذل فى مقابله ازيد من الدرهم ضرورة انه كلما كان التفاوت المحتمل ازيد يبذل فى مقابله

______________________________

على وجه الداعى لا التقييد بل الخطاء فى التطبيق فان الظاهر فيه الخيار.

لكن المصنف قال: (فى بطلان الصلح لانه لم يقع على الحق الموجود) فان حق المغبون ثمانية عشرة لا أربعة او خمسة (او صحته مع لزومه لما ذكرنا من ان الخيار حق واحد له سبب واحد و) السبب الواحد (هو التفاوت) بين القيمة السوقية، و القيمة المجعولة (الّذي له افراد متعددة).

فان التفاوت قد يكون واحدا، و قد يكون عشرة و قد يكون ثمانية عشر و هكذا (فاذا اسقطه) اى الخيار (سقط) فلا وجه لعدم سقوطه، اذ نفس صاحب الحق اسقطه (او صحته) اى الصلح (متزلزلا) فللمغبون الخيار فى ابطال الصلح، او اجازته (لان الخيار الّذي صالحه عنه باعتقاد ان عوضه المتعارف درهم) لان الصلح يقع بين عوضين، عوض الدرهم، و عوض قدر الغبن (تبين كونه مما يبذل فى مقابله ازيد من الدرهم).

فالمغبون فى اصل المعاملة مغبون فى اصل الصلح أيضا (ضرورة انه كلما كان التفاوت المحتمل ازيد يبذل فى مقابله.

ص: 116

ازيد مما يبذل فى مقابله لو كان اقل، فيحصل الغبن فى المصالحة اذ: لا فرق فى الغبن بين كونه للجهل بمقدار ماليته مع العلم بعينه، و بين كونه لاجل الجهل بعينه، وجوه، و هذا هو الاقوى، فتأمل.

______________________________

ازيد مما يبذل فى مقابله لو كان) التفاوت (اقل) كما انه كذلك فى كل صلح.

مثلا: كانت الدعوى على مائة دينار، فاراد المتهم اسقاط الدعوى بالصلح فانه يصالح عن المائة المحتملة بخمسين مثلا.

اما اذا كانت الدعوى على الف، فان الصلح يكون على خمسمائة.

و عليه: (فيحصل الغبن فى المصالحة) و كما يدخل الغبن فى المصالحة اذا تبين ان العين الخارجية غير العين المصالح عليها، كما اذا صالحه بدرهم عن الحديد فظهر نحاسا، فيما لو كانت المصالحة على الفلز، لا خصوص الحديد، و الا بطلت المصالحة، كذلك اذا تبين التفاوت فى المالية المصالح عليها (اذ لا فرق فى الغبن بين كونه للجهل بمقدار ماليته مع العلم بعينه) بان علم انه دراهم، لكن جهل كونه عشرة او اكثر- مثلا- (و بين كونه لاجل الجهل بعينه) و انه حديد او نحاس مثلا- (وجوه، و هذا) الوجه الاخير (هو الاقوى) عند المصنف.

و قوله «وجوه» مبتدأ لقوله- قبل اسطر- «ففى بطلان الصلح» (فتأمل).

لعله اشارة الى ما ذكرناه من الفرق بين التقييد فالبطلان، و بين الخطأ فى التطبيق فالصحة مع الخيار.

ثم انه ان صح الصلح مع الخيار فابطل الصلح عاد خيار الغبن فى

ص: 117

و اما اسقاط هذا الخيار بعد العقد قبل ظهور الغبن، فالظاهر أيضا جوازه.

و لا يقدح عدم تحقق شرطه بناء على كون ظهور الغبن شرطا لحدوث الخيار اذ يكفى فى ذلك تحقق السبب المقتضى للخيار، و هو الغبن الواقعى، و ان لم يعلم به.

و هذا كاف فى جواز اسقاط المسبّب قبل حصول شرطه كإبراء

______________________________

اصل المعاملة، لان سقوطه كان متوقفا على الصلح، فاذا سقط الصلح عاد الخيار.

(و اما اسقاط هذا الخيار) اى خيار الغبن (بعد العقد قبل ظهور الغبن) عطف على قوله- فى اوّل المسألة- «قد يكون بعد العلم بالغبن» (فالظاهر أيضا جوازه) و انه يسقط الخيار بذلك.

(و لا يقدح عدم تحقق شرطه) الّذي هو الظهور (بناء على كون ظهور الغبن شرطا لحدوث الخيار) مقابل ان يكون اصل الغبن موجبا للخيار سواء ظهر او لم يظهر.

و انما قال «فالظاهر أيضا جوازه» (اذ يكفى فى ذلك) الاسقاط (تحقق السبب) الاصلى (المقتضى للخيار) عند العقد (و هو الغبن الواقعى، و ان لم يعلم) المغبون (به) اى بالغبن.

(و هذا) القدر و هو وجود السبب الاصلى للغبن من حين العقد (كاف فى جواز) اى نفوذ (اسقاط) المغبون (المسبّب) اى الخيار (قبل حصول شرطه) اى شرط الخيار الّذي هو ظهور الغبن، و ذلك (كإبراء

ص: 118

المالك الودعى المفرط عن الضمان، و كبراءة البائع من العيوب الراجعة الى اسقاط الحق المسبب عن وجودها قبل العلم بها.

و لا يقدح فى المقام أيضا كونه اسقاطا لما لم يتحقق.

______________________________

المالك) للوديعة (الودعى) الّذي اودع عنده المال (المفرط) فى الوديعة (عن الضمان).

مثلا: يريد زيد ايداع كتابه عند عمرو، و عمرو لا يقبل، لانه يخاف ان يفرط فيه فيضمن له، فيقول زيد- عند ايداعه الكتاب- اسقطت ضمانك فانه يسقط ضمانه و ان لم يجد الآن سبب الضمان و هو الافراط فى الكتاب و انما يسقط، لان السبب الاصلى للضمان و هو الايداع حاصل الآن و ان لم يحصل شرطه الآن الّذي هو الافراط فى حفظ الكتاب (و كبراءة البائع من العيوب) فاذا باع داره قال للمشترى: انى بري ء من عيوبها حتى لا يكون لك خيار العيب اذا ظهرت معيبة.

فان هذه البراءة (الراجعة الى اسقاط الحق) اى حق الخيار (المسبب) ذلك الحق (عن وجودها) اى وجود العيوب، تفيد اسقاط الخيار على فرض وجود العيوب مع ان حال العقد لا حق للمشترى (قبل العلم بها) اى بالعيوب.

و سيأتى ان شرط خيار العيب العلم بالعيب- على قول جماعة من الفقهاء-.

(و لا يقدح فى المقام) اسقاط خيار الغبن بعد العقد قبل ظهور الغبن (أيضا كونه اسقاطا لما لم يتحقق).

ص: 119

اذ لا مانع منه الا التعليق و عدم الجزم الممنوع عنه فى العقود فضلا عن الايقاعات.

و هو غير قادح هنا، فان

______________________________

و لا يخفى انه فى اسقاط الخيار بعد العقد قبل ظهور الغبن اشكالان الاول: كونه اسقاطا لما لم يجب و قد اشار إليه المصنف بقوله «و لا يقدح عدم تحقق شرطه ..» و اجاب عنه بانه ليس اسقاطا لما لم يجب بل لما وجب و يكفى لثبوته حصول سببه الاولى.

الثانى: استلزام الاسقاط التعليق على تحقق الخيار، و التعليق لا يصح فى العقود و الايقاعات، و الابراء من الخيار ايقاع، فكما لا يصح ان يقول: ان جاء زيد فزوجتى طالق، و لا يقع الطلاق بذلك، كذلك لا يصح ان يقول: ان كان غبن فالغابن بري ء.

و انما لا يقدح (اذ لا مانع منه) اى من الاسقاط للخيار (الا التعليق و عدم الجزم) ف «عدم الجزم» عطف على «التعليق» (الممنوع عنه فى العقود فضلا عن الايقاعات) فان الايقاع تكوين و ايجاد، و الايجاد لا يعقل تأخره عن الوجود، و التعليق يستلزم ايجاد الشي ء الآن و وجوده بعد حصول المعلق عليه.

(و) لكن هذا التعليق (هو غير قادح هنا) فى مسألة اسقاط الخيار قبل ظهور الغبن (فان) التعليق قسمان.

الاول: التعليق على ما يتوقف تحقق مفهوم الانشاء عليه، كان يقول:

ان كانت هند زوجتى فهى طالق، فان مفهوم الطلاق يتوقف على كونها

ص: 120

الممنوع منه هو التعليق على ما لا يتوقف تحقق مفهوم الانشاء عليه.

و اما ما نحن فيه و شبهه، مثل طلاق مشكوك الزوجية، و اعتاق مشكوك الرقية منجزا او الابراء عما احتمل الاشتغال به، فقد تقدم فى شرائط الصيغة انه لا مانع منه لان مفهوم العقد معلق عليها فى الواقع

______________________________

زوجة له، سواء قال: ان كانت هند زوجتى، أم لم يقل.

و مثل هذا التعليق لا بأس به لانه ليس بتعليق واقعا، بل هو راجع الى الصفة فمعناه: زوجتى هند طالق.

الثانى: التعليق على ما لا يتوقف تحقق مفهوم الانشاء عليه مثل: ان جاء زيد فزوجتى طالق، و هذا هو المبطل للعقد و الايقاع، لانه ينافى الانشاء.

اذا عرفت ذلك قلنا: ان (الممنوع منه) اى من التعليق (هو التعليق على ما لا يتوقف تحقق مفهوم الانشاء عليه) كما ذكرناه فى القسم الثانى.

(و اما ما نحن فيه) اى اسقاط خيار الغبن لو كان غبن (و شبهه) من القسم الاول (مثل طلاق مشكوك الزوجية، و اعتاق مشكوك الرقية) طلاقا و اعتاقا (منجزا) لانه لو لا التنجيز لم يكن إنشاء كما عرفت وجهه قبل اسطر (او الابراء) منجزا (عما احتمل الاشتغال به) كما اذا احتمل ان زيدا مديون له، فيقول: أبرأتك (فقد تقدم فى شرائط الصيغة انه لا مانع منه)

و انما لا مانع منه (لان مفهوم العقد) و الايقاع (معلق عليها) اى على الزوجية و الرقية و اشتغال الذمة (فى الواقع) اذ لا طلاق إلّا على الزوجة

ص: 121

من دون تعليق المتكلم.

و منه البراءة عن العيوب المحتملة فى المبيع و ضمان درك المبيع عند ظهوره مستحقا للغير.

نعم قد يشكل الامر من حيث العوض المصالح به فانه لا بدّ من وقوع

______________________________

و لا عتق الا على العبد و لا ابراء الاعلى الدين (من دون تعليق المتكلم) فاذا اظهر التعليق لم يكن أتى الا بالوصف المحقق للموضوع.

(و منه) اى من هذا الباب الّذي هو معلق فى الواقع (البراءة عن العيوب المحتملة فى المبيع) اذ البراءة لا تكون عن عيب فى المبيع (و ضمان درك المبيع عند ظهوره مستحقا للغير) كان يقول: اشتريت منك على شرط ان تكون ضامنا اذا ظهر المبيع للغير، فانه لا يضرّ، لانه شرط واقعى.

(نعم قد يشكل الامر) اى امر المصالحة فيما لا يعلم هل هناك غبن أم لا؟ كما اذا قال: اشتريت منك هذا الكتاب بدينار، و صالحت عن الغبن المحتمل بان تعطينى درهم، فان هذا الصلح مشكل، اذ لعله لا غبن فلا مقابل للدرهم الّذي صالح به عن الغبن المحتمل، و الصلح لا بد له من طرفين.

فيشكل الامر (من حيث العوض المصالح به) اى الّذي يأخذه الانسان المحتمل غبنه عن الانسان المحتمل كونه غابنا بعنوان الصلح عن الغبن قبل ان يعلم هل هناك غبن أم لا- (فانه لا بدّ) فى الصلح (من وقوع

ص: 122

شي ء بإزائه و هو غير معلوم.

فالاولى ضمّ شي ء الى المصالح عنه المجهول التحقق، او ضمّ سائر الخيارات إليه، بان يقول: صالحتك عن كل خيار لى بكذا.

و لو تبين عدم الغبن لم يقسط العوض عليه لان المعدوم انما دخل

______________________________

شي ء بإزائه) اى بإزاء المصالح به، كالدرهم فى المثال (و هو) اى كون شي ء بإزائه (غير معلوم) لانه لا يعلم هل هناك غبن أم لا؟

(فالاولى) اى اولوية تعيينه (ضمّ شي ء الى المصالح عنه المجهول التحقق).

مثلا: يقول بعتك الكتاب بدينار، و صالحت عن الغبن المحتمل بضميمة قلم بدرهم فيعطى البائع الكتاب و درهم و يأخذ الدينار و القلم (او ضمّ سائر الخيارات إليه) اى الى خيار الغبن فى صيغة الصلح (بان يقول) المشترى: اشتريت منك الكتاب بدينار و (صالحتك عن كل خيار لى) من المجلس و الحيوان و الغبن- ان كان غبن- (بكذا) درهم مثلا، فانه لا يهم بعد ذلك وجود الغبن و عدمه، اذ وقع فى قبال الدرهم شي ء مقطوع به و هو الخيار فى الجملة.

(و) حينئذ (لو تبين عدم الغبن لم يقسط العوض) اى الدرهم (عليه) اى على الغبن و غيره، حتى يقال: ان الدرهم الصلحى كان فى قبال ثلاث خيارات، فاذا لم يكن للمشترى احدها اى الغبن لم يستحق المشترى إلا ثلثي الدرهم.

و انما لم يقسط (لان المعدوم) و هو خيار الغبن (انما دخل) فى

ص: 123

على تقدير وجوده لا منجزا باعتقاد الوجود.

الثانى من المسقطات اشتراط سقوط الخيار فى متن العقد

و الاشكال فيه من الجهات المذكورة هنا او المتقدمة فى اسقاط الخيارات المتقدمة قد علم التفصي عنها.

نعم هنا وجه آخر للمنع يختص بهذا الخيار، و خيار الرؤية و هو لزوم الغرر من اشتراط اسقاطه

______________________________

الصلح (على تقدير وجوده) بان كان هناك غبن يسبب الخيار (لا) انه دخل (منجزا باعتقاد الوجود) له، حتى اذا فقد كان له قسط من عوض الصلح الّذي هو الدرهم.

(الثانى من المسقطات) لخيار الغبن (اشتراط سقوط الخيار فى متن العقد) فانه يوجب سقوطه بمقتضى: المؤمنون عند شروطهم (و الاشكال فيه) اى فى اشتراط السقوط فى متن العقد (من الجهات المذكورة هنا) اى فى مسألة خيار الغبن (او المتقدمة) اى الاشكالات المتقدمة (فى اسقاط الخيارات المتقدمة) التى تقدمت على خيار الغبن (قد علم التفصي) و التخلص (عنها) فلا اشكال فى شرط سقوط خيار الغبن فى متن العقد.

(نعم هنا وجه آخر للمنع) اى منع شرط سقوط الخيار (يختص) هذا الاشكال (بهذا الخيار، و خيار الرؤية) بل و خيار تلقى الركبان، و خيار العيب، و غيرها (و هو لزوم الغرر من اشتراط اسقاطه) لان اشتراط سقوط الخيار يوجب الجهل بمقدار مالية المبيع.

مثلا: لو باعه بمائة، فالمشترى لا يعلم هل يسوى مائة او عشرة و هذا اشد

ص: 124

قال فى الدروس فى هذا المقام ما لفظه: و لو شرطا رفعه او رفع خيار الرؤية، فالظاهر بطلان العقد للغرر، انتهى.

ثم احتمل الفرق بين الخيارين بان الغرر فى الغبن سهل الازالة

______________________________

انواع الغرر، و كذا فى خيار العيب لانه قد يكون لا يسوى عشرة لانه معيب بينما اشتراه بمائة لظنه صحته اما اذا كان خيار فهو ضرر متدارك فليس غررا.

(قال فى الدروس فى هذا المقام) مقام اشتراط اسقاط خيار الغبن (ما لفظه: و لو شرطا رفعه) اى رفع خيار الغبن (او رفع خيار الرؤية فالظاهر بطلان العقد) لان بطلان الشرط يوجب بطلان العقد (للغرر) الناشئ من هذا الشرط (انتهى) كلام الدروس.

(ثم احتمل) الشهيد ره (الفرق بين الخيارين) خيار الرؤية، فلا يصح اشتراط سقوط الخيار فيه، و خيار الغبن فيصح اشتراط سقوط الخيار فيه (بان الغرر فى الغبن سهل الازالة) فيصح اشتراط اسقاط الخيار فيه، فان المغبون حصل على بغيته و انما غبن فى القيمة، و هذا قليل الاهمية، بخلاف خيار الرؤية فلا يصح اشتراط اسقاط خياره، لان المغبون لم يحصل على بغيته، و لذا كان اسقاط الخيار موجبا لتضرره ضررا بالغا، و سيأتى من المصنف وجه آخر للفرق بين اسقاط الغبن و اسقاط الرؤية حيث قال: لكن الاقوى ... فى تصحيح الاول، و قال و اما خيار الرؤية، فى عدم صحة الثانى.

ص: 125

و جزم الصيمرى فى غاية المرام ببطلان العقد و الشرط.

و تردد فيه المحقق الثانى، الا انه استظهر الصحة.

و لعل توجيه كلام الشهيد هو ان الغرر باعتبار الجهل بمقدار مالية المبيع، كالجهل بصفاته لان وجه كون الجهل بالصفات غررا هو رجوعه الى الجهل بمقدار ماليته.

و لذا

______________________________

(و جزم الصيمرى فى غاية المرام ببطلان العقد و الشرط) اذا شرط سقوط خيار الغبن، فان شرط بطلانه يسرى الى بطلان العقد.

(و تردد فيه) اى فى بطلان العقد (المحقق الثانى) أوّلا (الا انه استظهر الصحة) اخيرا.

(و لعل توجيه كلام الشهيد) القائل ببطلان العقد (هو ان الغرر باعتبار الجهل بمقدار مالية المبيع) ان تدورك ببقاء خيار الغبن لم يكن جهلا ضارا، لان الخيار يتداركه، اما اذا لم يتدارك بان اشترط سقوط الخيار كان حال هذا الجهل (كالجهل بصفاته) اى بصفات المبيع، و الجهل بالصفات يوجب الغرر فالبطلان، و كذلك الجهل بالقيمة.

و انما كان حال الجهل بالقيمة حال الجهل بالصفات (لان وجه كون الجهل بالصفات غررا هو رجوعه) اى رجوع الجهل بالصفات (الى الجهل بمقدار ماليته) فاذا كان الجهل بالصفات ايجابه الغرر من جهة رجوعه الى الجهل بالمالية، كان الجهل بالمالية اولى بالغرر.

(و لذا) الّذي كان سبب الغرر الجهل بالصفات هو رجوعه الى

ص: 126

لا غرر مع الجهل بالصفات التى لا مدخل لها فى القيمة.

لكن الاقوى الصحة لان مجرد الجهل بمقدار المالية لو كان غررا لم يصح البيع مع الشك فى القيمة و يضافان ارتفاع الغرر عن هذا البيع ليس لاجل الخيار حتى يكون اسقاطه موجبا لثبوته، و الا لم يصح البيع.

اذ لا يجدى فى الاخراج عن الغرر ثبوت الخيار لانه حكم شرعى لا يرتفع به

______________________________

الجهل بالمالية (لا غرر مع الجهل بالصفات التى لا مدخل لها فى القيمة)

كما اذا باعه حنطة لم يعلم انها عراقية او ايرانية- بعد ان كان هذا الوصف لا يوجب تفاوت القيمة-.

(لكن الاقوى الصحة) للعقد الّذي اشترط فيه اسقاط خيار الغبن (لان مجرد الجهل بمقدار المالية لو كان غررا) يوجب البطلان (لم يصح البيع مع الشك فى القيمة) مع انه صحيح بلا اشكال (و أيضا) اشكال آخر على الشهيد، و هو انه قال: ان الغرر يرتفع بالخيار مع انه غير تام (فان ارتفاع الغرر عن هذا البيع) الّذي كان مغبونا فيه (ليس لاجل الخيار حتى يكون اسقاطه) اى اسقاط خيار الغبن (موجبا لثبوته) اى لثبوت الغرر (و الا) فلو توهم ارتفاع الغرر بسبب ثبوت الخيار فيه (لم يصح) هذا التوهم بل كان اللازم بطلان (البيع) حتى فى صورة وجود الخيار.

(اذ لا يجدى فى الاخراج عن الغرر ثبوت الخيار).

و انما لا يجدى (لانه) اى الخيار (حكم شرعى لا يرتفع به) اى بهذا

ص: 127

موضوع الغرر و الا لصح كل بيع غررى على وجه التزلزل و ثبوت الخيار كبيع المجهول وجوده، و المتعذر تسليمه.

و اما خيار الرؤية فاشتراط سقوطه راجع الى اسقاط اعتبار ما اشترطاه من الاوصاف فى العين غير المرئية، فكانهما تبايعا، سواء وجد فيها تلك الاوصاف، أم لا.

______________________________

الحكم الشرعى (موضوع الغرر) فان بالاحكام الشرعية لا ترتفع الموضوعات الخارجية (و الا) فلو كانت الاحكام الشرعية كالخيار ترفع الموضوعات العرفية (لصح كل بيع غررى على وجه التزلزل) بان يشترط فيه الخيار مع وضوح انه لا يصح البيع الغررى و ان كان فيه خيار.

و لا يخفى ان قول المصنف: و الا لم يصح البيع غير مستقيم، بل كان الاحسن اسقاط هذه الجملة، فشرحنا لهذه الجملة بما ذكرناه تكلف اضطررنا إليه (و ثبوت الخيار كبيع) الشي ء (المجهول وجوده) فانه غرر و لا يصححه جعل الخيار فيه (و) بيع الشي ء (المتعذر تسليمه) فانه غرر و لا يصححه جعل الخيار فيه.

(و اما خيار الرؤية ف) لا يصح اشتراط اسقاطه، لان (اشتراط سقوطه راجع الى اسقاط اعتبار ما اشترطاه من الاوصاف) التى اشترطوها (فى العين غير المرئية) اذ فى العين الحاضرة المشاهدة ترفع الغرر، اما فى العين الغائبة فالاوصاف ترفع الغرر (فكانهما) اى المتبايعين اذا اسقطا خيار الرؤية (تبايعا، سواء وجد فيها) اى فى العين الموصوفة (تلك الاوصاف) التى ذكراها حال البيع (أم لا) لانه اذا لم تكن تلك الاوصاف لا

ص: 128

فصحة البيع موقوفة على اشتراط تلك الاوصاف و اسقاط الخيار فى معنى الغائها الموجب للبطلان، مع احتمال الصحة هناك أيضا، لان مرجع اسقاط خيار الرؤية الى التزام عدم تأثير تخلف تلك الشروط، لا الى عدم التزام ما اشترطاه من الاوصاف.

و لا تنافى بين ان يقدم على اشتراء العين بانيا على وجود تلك

______________________________

خيار له، لتدارك النقص.

(ف) الوصف و اسقاط الخيار مناقض، اذ (صحة البيع موقوفة على اشتراط تلك الاوصاف) التى ذكروها حال البيع (و اسقاط الخيار فى معنى الغائها) اى الغاء تلك الاوصاف (الموجب) الغائها (للبطلان) اى بطلان البيع، اذ يكون حينئذ من بيع المجهول هذا (مع احتمال الصحة هناك) و هو اشتراط الغاء خيار الرؤية (أيضا) كما صح الغاء خيار الغبن (لان مرجع اسقاط خيار الرؤية الى التزام عدم تأثير تخلف تلك الشروط) اى شرط الاوصاف المأخوذة عند العقد على العين الغائبة (لا الى عدم التزام ما اشترطاه من الاوصاف) فانه لا تنافى بين الالتزام، و بين عدم الضمان فى صورة تخلف الالتزام.

وجه عدم التنافى ان الالتزام نوع من تطمين الطرف الّذي يعتمد بالتزام الملتزم و لا يلازم ذلك انه لو تخلف كان ضامنا.

(و لا تنافى بين ان يقدم على اشتراء العين بانيا على وجود تلك

ص: 129

الاوصاف، و بين الالتزام بعدم الفسخ لو تخلفت، فتأمل، و سيجي ء تمام الكلام فى خيار الرؤية.

و كيف كان فلا ارى اشكالا فى اشتراط سقوط خيار الغبن من حيث لزوم الغرر اذ لو لم يشرع الخيار فى الغبن اصلا لم يلزم منه غرر.

الثالث: تصرف المغبون باحد التصرفات المسقطة للخيارات المتقدمة

بعد علمه بالغبن.

______________________________

الاوصاف) التى وصفت عند المعاملة (و بين الالتزام بعدم الفسخ لو تخلفت) الاوصاف، فلم تكن العين كما وصفت (فتأمل).

كانه اشارة الى وجود التنافى، كما سيأتى تفصيل الكلام فيه فى بحث خيار الرؤية ان شاء الله تعالى (و سيجي ء تمام الكلام فى خيار الرؤية).

(و كيف كان) الامر فى خيار الرؤية (ف) الكلام هنا فى خيار الغبن و هل يصح اشتراط اسقاطه حال العقد، أم لا؟

و (لا ارى اشكالا فى اشتراط سقوط خيار الغبن من حيث لزوم الغرر) فاشتراطه لا يوجب الغرر (اذ لو لم يشرع الخيار فى الغبن اصلا لم يلزم منه غرر) فكذلك اذا شرع و لكنه اسقط بالشرط و الله سبحانه العالم.

(الثالث) من مسقطات خيار الغبن (تصرف المغبون باحد التصرفات المسقطة للخيارات المتقدمة) صفة التصرفات.

اذ قد تقدم فى تلك الخيارات ان بعض التصرفات مسقطة، و بعضها غير مسقطة اذا تصرف (بعد علمه بالغبن) فان مثل هذا التصرف مسقط للخيار.

ص: 130

و يدل عليه ما دل على سقوط خيارى المجلس و الشرط به، مع عدم ورود نص فيهما و اختصاص النص بخيار الحيوان و هو اطلاق بعض معاقد الاجماع، بان تصرف ذى الخيار فيما انتقل إليه اجازة و فيما انتقل عنه فسخ.

و عموم العلة المستفادة من النص فى خيار الحيوان المستدل بها فى

______________________________

(و يدل عليه) اى على كون مثل هذا التصرف مسقطا (ما دل على سقوط خيارى المجلس و الشرط به) اى بذلك التصرف (مع عدم ورود نص فيهما).

اذ لا نص على ان خيارى المجلس و الشرط يسقطان بالتصرف (و اختصاص النص بخيار الحيوان) و انه يسقط بالتصرف (و) الدليل الدال على اسقاط التصرف بخيار الغبن- اذا حدث بعد علمه بالغبن- (هو اطلاق بعض معاقد الاجماع، بان تصرف ذى الخيار فيما انتقل إليه اجازة) توجب سقوط الخيار (و فيما انتقل عنه فسخ) للمعاملة، فلو انتقل الحيوان الى زيد فى قبال دينار، ففى مدة خيار الحيوان- ان تصرف زيد فى الحيوان- كان تصرفه اجازة، و ان تصرف فى الدينار كان فسخا (و عموم) هذا دليل ثان لسقوط الخيار بالتصرف فى الشي ء المغبون فيه، و هو معطوف على اطلاق (العلة المستفادة من النص فى خيار الحيوان) العلة التى تقول بان التصرف يوجب اسقاط الخيار، لانه رضى فان قوله عليه السلام «لانه رضى» شامل للتصرف فى المغبون فيه (المستدل بها فى

ص: 131

كلمات العلماء على السقوط و هى الرضا بلزوم العقد.

مع ان الدليل هنا اما نفى الضرر، و اما الاجماع.

و الاول منتف، فانه كما لا يجرى مع

______________________________

كلمات العلماء على السقوط) للخيار (و هى الرضا بلزوم العقد) المنكشف ذلك الرضا من التصرف فى ماله فيه الخيار.

و هذان «الاجماع، و لانه رضى» هما الدليلان على ان التصرف فى المغبون فيه يسقط الخيار، هذا.

(مع ان الدليل) على اصل خيار الغبن (هنا) دليل لا يشمل ما بعد التصرف.

و عليه فهنا سببان لعدم خيار الغبن بعد التصرف.

الاول: هو ان دليل خيار الغبن لا يشمل ما بعد التصرف.

الثانى: هو انه على تقدير شمول دليل خيار الغبن لما بعد التصرف هناك دليلان يدلان على سقوط الخيار بالتصرف، و هما: الاجماع على السقوط و شمول العلة المسقطة، لانه رضا لما بعد التصرف.

و حيث ذكر المصنف السبب الثانى أولا حيث قال «و يدل عليه ..»

ذكر هنا السبب الثانى بقوله: ان الدليل على اصل خيار الغبن (اما نفى الضرر) لان تحمل الغبن بدون الخيار ضرر على المغبون (و اما الاجماع) على خيار الغبن.

(و الاول) اى نفى الضرر (منتف) بعد التصرف و علمه بالغبن.

وجه انتفائه ما ذكره بقوله: (فانه كما لا يجرى) دليل نفى الضرر (مع

ص: 132

الاقدام عليه، فكذلك لا يجرى مع الرضا به بعده.

و اما الاجماع فهو غير ثابت مع الرضا، الا ان يقال: ان الشك فى الرفع لا الدفع فيستصحب، فتأمل.

او ندّعى ان ظاهر قولهم فيما نحن فيه ان هذا الخيار لا يسقط بالتصرف

______________________________

الاقدام عليه) فلا يكون له خيار الغبن اذا اقدم على البيع، و هو عالم بانه ضررى (فكذلك لا يجرى) دليل نفى الضرر (مع الرضا به) اى بالبيع (بعده) اى بعد البيع، فالمسقط للخيار الرضا، سواء كان رضا قبل العقد او كان رضا بعد العقد.

(و اما) الثانى: و هو (الاجماع) على خيار الغبن (فهو غير ثابت مع الرضا) بالمعاملة بعد علمه بالغبن (الا ان يقال) فى دفع قولنا «مع ان الدليل هنا ...» (ان) الخيار ثبت بالغبن، و لا يعلم ارتفاعه بالتصرف لان (الشك فى الرفع) و هل انه رفع الخيار بالتصرف أم لا؟ (لا الدفع) اى ليس الشك فى انه هل ثبت الخيار أم لا؟ «حتى يقال: بان الاصل عدم الخيار» بل الشك فى انه هل ارتفع الخيار أم لا؟ (فيستصحب) ثبوت الخيار بعد التصرف (فتأمل) اذ لا يبقى شك مع عدم شمول دليل الخيار «نفى الضرر و الاجماع» لما بعد التصرف الكائن بعد علمه بالغبن فلا مجال لاستصحاب الخيار.

(او ندّعى) عطف على «الا ان يقال» و قصده بذلك اسقاط قوله «و يدل عليه» و اذا فلا دليل على سقوط خيار الغبن بالتصرف (ان ظاهر قولهم فيما نحن فيه) اى خيار الغبن (ان هذا الخيار لا يسقط بالتصرف)

ص: 133

شموله للتصرف بعد العلم بالغبن و اختصاص هذا الخيار من بين الخيارات بذلك.

لكن الانصاف عدم شمول التصرف فى كلماتهم لما بعد العلم بالغبن.

و غرضهم من تخصيص الحكم بهذا الخيار ان التصرف مسقط لكل

______________________________

عدم اجماعهم على ان خيار الغبن يسقط بالتصرف.

فما تقدم من «الاجماع على ان تصرف ذى الخيار فيما انتقل إليه اجازة» لا يشمل خيار الغبن، ف (شموله) اى شمول قولهم المذكور (للتصرف) من المغبون (بعد العلم بالغبن) فلا سقوط لخياره بالتصرف بعد العلم (و اختصاص هذا الخيار) اى خيار الغبن (من بين الخيارات بذلك) اى بعدم السقوط بالتصرف.

اما سائر الخيارات فان التصرف مسقط لها.

و قوله «و اختصاص» عطف بيان لقوله «شموله» كما ان «شموله» خبر لقوله «ان ظاهر ...».

(لكن الانصاف) ان قولنا «او ندّعى» غير تام، ل (عدم شمول التصرف فى كلماتهم) التى قالوا ان «التصرف فى خيار الغبن ليس بمسقط» (لما بعد العلم بالغبن) بل مرادهم ان التصرف قبل العلم بالغبن لا يسقط الخيار.

(و غرضهم من تخصيص الحكم) اى الحكم بعدم السقوط بالتصرف (بهذا الخيار) اى بخيار الغبن، حيث قالوا «ان خيار الغبن ليس كسائر الخيارات» (ان التصرف) من ذى الخيار (مسقط لكل

ص: 134

خيار و لو وقع قبل العلم بالخيار كما فى العيب و التدليس سوى هذا الخيار.

و يؤيد ذلك ما اشتهر بينهم من ان التصرف قبل العلم بالعيب، و التدليس ملزم، لدلالته على الرضا بالبيع فيسقط الرد.

و انما يثبت الارش فى خصوص العيب لعدم دلالة التصرف على الرضا بالعيب و كيف كان فاختصاص التصرف غير المسقط

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 12، ص: 135

______________________________

خيار و لو وقع) التصرف (قبل العلم بالخيار، كما فى العيب و التدليس) فانه اذا تصرف ذو الخيار و لو قبل ان يعلم بالعيب و التدليس سقط خياره و له حق الارش خاصة (سوى هذا الخيار) اى خيار الغبن، فان التصرف قبل العلم بالغبن لا يسقط خياره.

(و يؤيد ذلك) اى يؤيد ان خيار الغبن لا يسقط بالتصرف- اذا كان التصرف قبل العلم بالغبن- انهم خصوا اسقاط التصرف للخيار بخيارى التدليس و العيب، فلو كان خيار الغبن مثلهما لم يكن وجه للتخصيص فالمؤيد لذلك هو (ما اشتهر بينهم من ان التصرف قبل العلم بالعيب، و) ب (التدليس ملزم) للعقد فلا خيار بعد التصرف (لدلالته) اى التصرف (على الرضا بالبيع ف) اذا رضى بالبيع (يسقط الرد) اذ لا خيار

(و انما يثبت الارش فى خصوص العيب) لا فى التدليس، لانه لا ارش فيه، اذ لا نقصان (لعدم دلالة التصرف على الرضا بالعيب) و انما يدل على الرضا بالعقد فقط، و لا تلازم بين الرضاءين.

(و كيف كان) وجه التأييد المذكور فانه يحتمل عدم التأييد- اذا ثبات الشي ء لا ينفى ما عداه- (فاختصاص التصرف غير المسقط) لخيار الغبن

ص: 135

فى كلامهم بما قبل العلم لا يكاد يخفى على المتتبع فى كلماتهم.

نعم لم اجد لهم تصريحا بذلك عدا ما حكى عن صاحب المسالك و تبعه جماعة.

لكن الاستشكال من جهة ترك التصريح مع وجود الدليل مما لا ينبغى

______________________________

(فى كلامهم بما) كان التصرف (قبل العلم) بالغبن و اما التصرف بعد العلم فهو مسقط لخيار الغبن (لا يكاد يخفى على المتتبع فى كلماتهم) فان هذا يستفاد من انصراف كلامهم.

(نعم لم اجد لهم تصريحا بذلك) و ان التصرف غير المسقط هو ما كان قبل علم المغبون (عدا ما حكى عن صاحب المسالك) و هو الشهيد الثانى (و تبعه جماعة) آخرون.

(لكن الاستشكال) فى سقوط الخيار عند التصرف بعد العلم بالغبن (من جهة ترك التصريح) من قدماء الفقهاء (مع وجود الدليل) على سقوط الخيار.

و الدليل هو ما ذكرناه من الاجماع على السقوط اذا كان بعد العلم و العلة فى قوله عليه السلام «لانه رضى» (مما لا ينبغى).

ان قلت: كيف قال المصنف: انهم لم يصرحوا او قال: انه اجماع على الحكم.

قلت: الاجماع مستفاد من انصراف كلامهم، و ان لم يكن تصريح فى كلمات القدماء.

اذا لا ينبغى الاشكال فى سقوط خيار الغبن اذا تصرف المغبون بعد

ص: 136

بل ربما يستشكل فى حكمهم بعدم السقوط بالتصرف قبل العلم، مع حكمهم بسقوط خيار التدليس و العيب بالتصرف قبل العلم.

و الاعتذار بالنص انما يتم فى العيب دون التدليس، فانه مشترك مع خيار

______________________________

علمه بالغبن.

(بل ربما يستشكل فى حكمهم بعدم السقوط) اى عدم سقوط خيار الغبن (بالتصرف) فى المغبون فيه (قبل العلم) اى قبل علمه بالغبن (مع) انه لا بدّ من القول بالسقوط قبل العلم أيضا بدليل (حكمهم بسقوط خيار التدليس و العيب بالتصرف قبل العلم) اى قبل علمه بالتدليس و العيب.

فاذا كان التصرف قبل العلم مسقطا لكان مسقطا فى خيار الغبن أيضا، و ان لم يكن مسقطا لم يكن مسقطا حتى فى العيب و التدليس.

(و) ان قلت: انه ورد الدليل بان التصرف فى المعيب قبل العلم يسقط الخيار، و لم يرد مثل هذا الدليل فى خيار التدليس.

قلت: (الاعتذار) للفرق (بالنص) غير تام، لانه (انما يتم فى العيب) اذ ورد النص فى سقوط الخيار بالتصرف فى المعيب، اذا كان التصرف قبل العلم (دون التدليس) فالتدليس مثل الغبن لا نص فيهما.

فاللازم اما القول بسقوط الخيار فيهما بالتصرف قبل العلم، و اما القول بعدم سقوط الخيار فيهما فلما ذا قالوا بسقوط خيار التدليس مع قولهم بعدم سقوط خيار الغبن؟ (فانه) اى التدليس (مشترك مع خيار

ص: 137

الغبن فى عدم النص.

و مقتضى القاعدة فى حكم التصرف قبل العلم فيهما واحد.

و التحقيق ان يقال: ان مقتضى القاعدة عدم السقوط لبقاء الضرر و عدم دلالة التصرف مع الجهل على الرضا بلزوم العقد، و تحمل الضرر

نعم قد ورد النص فى العيب على السقوط و ادعى عليه الاجماع مع ان ضرر السقوط فيه متدارك

______________________________

الغبن فى عدم النص) الدال على انه هل يسقط خيار هما بالتصرف قبل العلم او لا يسقط؟.

(و) الحال ان (مقتضى القاعدة فى حكم التصرف قبل العلم فيهما) اى فى الغبن و التدليس (واحد).

و مقتضى القاعدة هو ما ذكره بقوله: (و التحقيق ان يقال: ان مقتضى القاعدة عدم السقوط) للخيار فى التدليس و الغبن اذا تصرف قبل العلم بالتدليس و الغبن (لبقاء الضرر) الّذي كان سببا للحكم بالخيار فيهما (و عدم دلالة التصرف مع الجهل) من المتصرف بالغبن و التدليس (على الرضا بلزوم العقد) حتى يقال: ان الرضا اسقط الخيار (و) على (تحمل الضرر) حتى يقال: انه اقدم بنفسه على ضرر نفسه، فلا خيار له بعد الاقدام.

(نعم قد ورد النص فى العيب على السقوط) اى سقوط خيار العيب بالتصرف قبل العلم بالعيب (و ادعى عليه الاجماع) فاللازم القول بالسقوط (مع ان ضرر السقوط) للخيار (فيه) اى فى خيار العيب (متدارك

ص: 138

بالارش، و ان كان نفس امساك العين قد تكون ضررا، فان تم دليل فى التدليس أيضا قلنا به، و الا وجب الرجوع الى دليل خياره.

ثم ان الحكم بسقوط الخيار بالتصرف بعد العلم بالغبن، مبنى على ما تقدم فى الخيارات السابقة من تسليم كون التصرف دليلا على الرضا بلزوم العقد

______________________________

بالارش) فلا يقاس خيار العيب بخيارى التدليس و الغبن اللذين لا تدارك فيهما بعد سقوط الخيار (و ان كان نفس امساك العين) المعيبة (قد تكون ضررا) على المتصرف و ان اخذ الارش، الا ان النص و الاجماع يحكمان بان التصرف موجب بسقوط الرد، فلا بد من القول به (فان تم دليل) ان التصرف قبل العلم موجب لاسقاط الخيار (فى التدليس أيضا) كما تم فى العيب (قلنا به) و ان خيار التدليس يسقط بالتصرف، اذا كان التصرف قبل العلم، اما التصرف بعد العلم فاسقاطه للخيار واضح (و الا) يتم دليل فى التدليس (وجب الرجوع الى دليل خياره) اى خيار التدليس.

و الدليل يدل على اطلاق الخيار الشامل لما بعد التصرف- فيما كان التصرف قبل العلم-.

(ثم ان الحكم بسقوط الخيار ب) سبب (التصرف بعد العلم) اى علم المغبون (بالغبن، مبنى على ما تقدم فى الخيارات السابقة من تسليم كون التصرف دليلا على الرضا بلزوم العقد) فيكون الرضا اللاحق كما اذا كان راضيا بالغبن قبل العقد و اقدم عليه، حيث ان ذلك يوجب عدم

ص: 139

و الا كان اللازم فى غير ما دل فعلا على الالتزام بالعقد من افراد التصرف الرجوع الى اصالة بقاء الخيار.

الرابع من المسقطات: تصرف المشترى المغبون قبل العلم بالغبن تصرفا مخرجا عن الملك على وجه اللزوم، كالبيع و العتق
اشارة

فان المصرح به فى كلام المحقق و من تأخر عنه هو سقوط خياره حينئذ.

و قيل انه المشهور، و هو كذلك بين المتأخرين.

نعم ذكر الشيخ فى خيار المشترى مرابحة

______________________________

الخيار له لانه اقدم على ضرر نفسه (و الا) يكن التصرف دليلا على الرضا بقول مطلق (كان اللازم فى غير ما دل فعلا) اى بالفعل (على الالتزام بالعقد من افراد التصرف) «من» بيان «ما» (الرجوع الى اصالة بقاء الخيار) لاستصحاب بقائه بعد الشك فى زواله بالتصرف.

(الرابع من المسقطات) لخيار الغبن (تصرف المشترى المغبون قبل العلم بالغبن تصرفا مخرجا عن الملك) اخراجا (على وجه اللزوم) لا على وجه الجواز (كالبيع و العتق) لا كالهبة الجائزة (فان المصرح به فى كلام المحقق و من تأخر عنه هو سقوط خياره حينئذ) اى حين التصرف المخرج.

(و قيل انه) اى سقوط خياره بالتصرف المخرج هو (المشهور، و هو كذلك) مشهور (بين المتأخرين) اما بين المتقدمين اى ما قبل المحقق فلا (نعم) من المتقدمين (ذكر الشيخ) هذه المسألة (فى خيار المشترى) اذا اشترى (مرابحة) بان قال له البائع: ان رأس المال

ص: 140

عند كذب البائع انه لو هلك السلعة او تصرف فيها سقط الرد.

و الظاهر اتحاد هذا الخيار مع خيار الغبن، كما يظهر من جامع المقاصد فى شرح قول الماتن، و لا يبطل الخيار بتلف العين، فراجع.

و استدل على هذا الحكم فى التذكرة بعدم امكان استدراكه مع

______________________________

كذا، و آخذ كذا عليه ربحا (عند كذب البائع) بان ظهر للمشترى ان البائع كذب فى اخباره برأس المال.

مثلا قال له: انه اشتراه بمائة، فظهر انه اشتراه بثمانين.

قال الشيخ: (انه لو هلك السلعة او تصرف فيها) المشترى (سقط الرد).

(و) هذا الكلام بضميمة ان (الظاهر اتحاد هذا الخيار مع خيار الغبن) لان كليهما خيار من جهة غبن البائع للمشترى، اما غبنا فعليا كما فى خيار الغبن و اما غبنا من حيث ان المشترى دخل باعتبار قيمة اختارها، لا باعتبار قيمة اخبر بها كذبا يفهمنا ان الشيخ يرى كون التصرف مسقطا و لا يخفى ان اتحاد هذين الخيارين (كما) ذكرنا وجهه (يظهر) أيضا (من جامع المقاصد فى شرح قول الماتن) الّذي هو العلامة (و لا يبطل الخيار بتلف العين، فراجع).

و قد ذكر كلامهما العلامة الشهيد ره فى تعليقة على المتن.

(و) كيف كان، فقد (استدل على هذا الحكم) سقوط خيار الغبن بتصرف المشترى قبل علمه بالغبن، تصرفا مخرجا عن الملك (فى التذكرة بعدم امكان استدراكه) اى الاخذ بالخيار (مع

ص: 141

الخروج عن الملك، و هو بظاهره مشكل، لان الخيار غير مشروط عندهم بامكان رد العين.

و يمكن ان يوجه بان حديث: نفى الضرر لم يدل على الخيار، بل المتيقن منه جواز ردّ العين المغبون فيها، فاذا امتنع ردها فلا دليل على جواز فسخ العقد.

و

______________________________

الخروج عن الملك).

اذ مقتضى الفسخ رد كل شي ء الى صاحبه و كيف يمكن ذلك مع تلف العين او خروجها عن ملك المشترى خروجا لازما؟ (و هو) اى استدلال العلامة (بظاهره مشكل، لان الخيار غير مشروط عندهم بامكان رد العين) بل له الاخذ بالخيار، فان لم يتمكن من رد العين رد بدلها من المثل او القيمة.

(و يمكن ان يوجه) كلام العلامة (بان حديث: نفى الضرر) الّذي كان مستندا لخيار الغبن (لم يدل على الخيار، بل المتيقن منه جواز ردّ العين المغبون فيها) فان الرد كان ممنوعا- بدليل لزوم البيع- فلا ضرر يرفع هذا المنع (فاذا امتنع ردها) لتلف العين، او انتقالها انتقالا لازما (فلا دليل على جواز فسخ العقد) بل الاصل فيه اللزوم، بدليل: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

(و) ان قلت: فاذا لم يقدر المغبون من الفسخ تضرر، و لا ضرر فى الاسلام.

ص: 142

تضرر المغبون من جهة زيادة الثمن معارض بتضرر الغابن بقبول البدل فان دفع الضرر من الطرفين انما يكون بتسلط المغبون على رد العين، فيكون حاله من حيث ان له القبول و الرد حال العالم بالغبن قبل المعاملة فى ان له ان يشترى و ان يترك و ليس هكذا بعد خروج العين عن ملكه مع ان اخراج المغبون العين عن ملكه التزام بالضرر، و لو جهلا منه به

______________________________

قلت: (تضرر المغبون من جهة زيادة الثمن) لا ينفع، لانه (معارض بتضرر الغابن بقبول البدل) اذ الغابن لا يريد بدل ماله فيسقط الضرران احدهما بالآخر، فلا يبقى دليل على فسخ المغبون (فان دفع الضرر من الطرفين) بان لا يتضرر المغبون بزيادة القيمة، و لا يتضرر الغابن برد بدل ماله (انما يكون بتسلط المغبون على ردّ العين) فاذا لم تكن العين لم يكن المغبون مسلطا على الرد (فيكون حاله) اى حال المغبون- اذا كانت العين موجودة- (من حيث ان له القبول و الرد حال العالم بالغبن قبل المعاملة فى ان له ان يشترى و ان يترك) الاشتراء، فاذا اشترى جاهلا بالغبن كان له الرد و القبول مع وجود العين (و ليس هكذا) اى ليس له الرد و القبول (بعد خروج العين عن ملكه) اذ: الرد يستلزم تضرر الغابن لاجل انه لا يريد بدل متاعه و انما يريد عينه.

اقول لا وجه لادعاء تضرر الغابن فى المثلى و انما يمكن ادعائه فى القيمى (مع ان اخراج المغبون العين عن ملكه التزام) منه (بالضرر) و اقدام عليه، و مع الاقدام على الضرر لا خيار (و لو جهلا منه به) اى بالضرر

ص: 143

هذا، و لكن اعترض عليهم شيخنا الشهيد قدس روحه السعيد فى اللمعة بما توضيحه ان الضرر الموجب للخيار قبل التصرف ثابت مع التصرف و التصرف مع الجهل بالضرر ليس اقداما عليه، لما عرفت من ان الخارج عن عموم نفى الضرر ليس إلا صورة الاقدام عليه عالما به فيجب تدارك الضرر باسترداد ما دفعه من الثمن الزائد برد نفس العين مع بقائها على ملكه، و بدلها مع عدمه.

______________________________

(هذا، و لكن اعترض عليهم شيخنا الشهيد قدّس روحه السعيد) و «قدس» اى نزّه عن العذاب و الالم فى الآخرة دعاء، و «السعيد» لانه لم يكن شقيا فى الدنيا (فى اللمعة بما توضيحه) ملخصا ان الضرر ثابت حتى مع التصرف جهلا، و لا ضرر يقول بجواز رده حتى بعد التلف و لا ضرر على الغابن برد المثل و القيمة، ف (ان الضرر الموجب للخيار قبل التصرف) اى قبل تصرف المغبون (ثابت مع التصرف) فان التصرف ليس مزيلا للضرر (و التصرف مع الجهل بالضرر ليس اقداما عليه) اى ليس اقداما على الضرر، حتى يكون الاقدام اسقاطا للخيار (لما عرفت من ان الخارج عن عموم نفى الضرر ليس إلا صورة الاقدام عليه) اى على الضرر (عالما به) و الا لا يسمى اقداما حتى يكون مسقطا لخياره، و حيث لم يقدم المغبون على ضرر نفسه (فيجب تدارك الضرر باسترداد) المغبون (ما دفعه من الثمن الزائد) اى كل الثمن اصله و زيادته، فانه يسترد الثمن (ب) مقابل (رد) ه (نفس العين مع بقائها على ملكه، و) برد (بدلها مع عدمه) سواء كان عدمه لتلفها، او كان لاجل نقله العين الى الغير نقلا

ص: 144

و فوات خصوصية العين على الغابن ليس ضررا، لان العين المبيعة ان كانت مثلية، فلا ضرر بتبدلها بمثلها.

و ان كانت قيمية فتعريضها للبيع يدل على إرادة قيمتها، فلا ضرر اصلا فضلا عن ان يعارض ضرر زيادة الثمن على القيمة خصوصا مع الافراط فى الزيادة.

______________________________

لازما.

و لا يخفى ان كلام الشهيد فيما اذا كان المغبون المشترى، و لذا قال: ما دفعه من الثمن و إلا فنفس الكلام يأتى فيما كان المغبون هو البائع.

(و) ان قلت: ان رد البدل يوجب ضرر الغابن حيث لم ترد عليه عينه.

قلت: (فوات خصوصية العين على الغابن ليس ضررا).

و ذلك (لان العين المبيعة) التى باعها المغبون (ان كانت مثلية فلا ضرر) للغابن (بتبدلها بمثلها) لان المثلين متساويان فى الخصوصيات (و ان كانت قيمية فتعريضها) اى تعريض البائع الغابن (للبيع يدل على إرادة) اى إرادة البائع الغابن (قيمتها) فاذا اعطاه المشترى المغبون القيمة (فلا ضرر اصلا) على الغابن (فضلا عن ان يعارض) ضرر الغابن، ل (ضرر زيادة الثمن على القيمة) الّذي هو ضرر المغبون (خصوصا مع الافراط) اى افراط الغابن (فى الزيادة) فانه لو فرض ضرر الغابن بالتبديل يكون ضرر المغبون- فى حالة الافراط- اكثر من ضرر

ص: 145

و الانصاف ان هذا حسن جدا.

لكن قال فى الروضة ان لم يكن الحكم اجماعا.

اقول: و الظاهر عدمه لانك عرفت عدم عنوان المسألة فى كلام من تقدم على المحقق فيما تتبعت.

ثم ان مقتضى دليل المشهور عدم الفرق فى المغبون المتصرف بين البائع و المشترى.

______________________________

الغابن فيقدم: لا ضرر المغبون، على: لا ضرر الغابن.

(و) المصنف يقول (الانصاف ان هذا) الكلام من الشهيد الاول (حسن جدا).

(لكن قال) الشهيد الثانى (فى الروضة) شرح اللمعة فى رد الشهيد الاول (ان لم يكن الحكم) بسقوط خيار المغبون- بسبب تصرفه- (اجماعا) اما اذا كان اجماع على سقوط خيار المغبون بسبب تصرفه فلا موقع لكلام الشهيد الاول.

(اقول: و الظاهر عدمه) اى عدم الاجماع (لانك عرفت عدم عنوان المسألة فى كلام من تقدم على المحقق فيما تتبعت) الّا الشيخ.

و من المعلوم ان عدم فتوى القدماء بذلك يوجب عدم تحقق الاجماع (ثم ان مقتضى دليل المشهور) الذين قالوا بان تصرف المغبون قبل علمه بالغبن يسقط خياره، و قد تقدم ان دليل المشهور ما ذكره العلامة: بعدم امكان استدراكه مع الخروج عن الملك (عدم الفرق فى المغبون المتصرف) فى السلعة (بين البائع و المشترى) فايهما تصرف

ص: 146

قال فى التحرير- بعد ان صرح بثبوت الخيار للمغبون بائعا كان او مشتريا- و لا يسقط الخيار بالتصرف مع امكان الرد.

و مقتضى اطلاقه عدم الفرق بين الناقل اللازم، و بين فك الملك، كالعتق و الوقف، و بين المانع عن الردّ مع البقاء على الملك كالاستيلاد بل و يعم التلف و عن جماعة تخصيص العبارة بالمشترى فان اراد و اقصر الحكم

______________________________

لم يحق له الأخذ بالخيار.

(قال فى التحرير- بعد ان صرح بثبوت الخيار للمغبون بائعا كان او مشتريا-) قال: (و لا يسقط الخيار بالتصرف مع امكان الرد) فان المفهوم امران.

الاول: انه ان تصرف المغبون تصرفا يوجب عدم امكان رده لم يكن له الخيار.

الثانى: انه ان تصرف تصرفا يمكنه الرد مع ذلك لم يسقط خياره.

(و مقتضى اطلاقه) اى اطلاق مفهوم قوله «مع امكان الرد» (عدم الفرق بين الناقل اللازم، و بين فك الملك، كالعتق و الوقف، و بين) التصرف (المانع عن الرد مع البقاء على الملك كالاستيلاد).

فان المولى اذا استولد الامة لم يمكنه نقلها ما دام ولدها موجودا لانها فى سبيل التحرر (بل و يعم) التصرف الموجب لبطلان الخيار (التلف) لانه لا يتمكن من رده مع التلف (و عن جماعة تخصيص العبارة) اى عبارة: ان المغبون لا يمكنه الفسخ اذا تصرف (بالمشترى ف) نقول:

(ان اراد و اقصر الحكم

ص: 147

عليه فلا يعرف له وجه، الا ان يبنى على مخالفته لعموم دليل: الخيار اعنى نفى الضرر فيقتصر على مورد الاجماع.

ثم ان الظاهر: التقييد بصورة امتناع الرد.

و ظاهر التعليل بعدم امكان

______________________________

عليه) اى على المشترى، و ليس تصرف البائع مسقطا لخياره- اذا كان البائع مغبونا- (فلا يعرف له وجه).

لان الدليل الّذي يدل على الحكم فى المشترى يدل على الحكم فى البائع (الا ان يبنى) قصر الحكم على المشترى (على مخالفته) اى مخالفة هذا الحكم- و هو سقوط الخيار بالتصرف قبل العلم بالغبن- (لعموم دليل: الخيار).

اذ دليل الخيار يقول: ان الخيار ثابت للبائع و المشترى- اذا تصرف قبل العلم- و قد خرج عن هذا العموم تصرف المشترى، و ذلك للاجماع على ان تصرفه مسقط لخياره، اما حيث لا اجماع فى البائع، لم يكن وجه للقول بسقوط خياره بالتصرف، و دليل الخيار (اعنى) به (نفى الضرر) الشامل لخيار البائع و خيار المشترى (فيقتصر) فى الخروج عنه (على مورد الاجماع) و هو مورد المشترى، و عليه فالبائع لا يسقط خياره ان تصرف قبل العلم تصرفا مخرجا لشمول: لا ضرر له، و لا اجماع فيه.

(ثم ان الظاهر: التقييد) تقييد سقوط الخيار (بصورة) تصرف المغبون تصرفا يسبب (امتناع الرد) فلا يتمكن من رد البضاعة اورد الثمن (و ظاهر التعليل) فى كلام العلامة المتقدم (بعدم امكان

ص: 148

الاستدراك ما صرح به جماعة من ان الناقل الجائز لا يمنع الرد بالخيار اذا فسخه فضلا عن مثل التدبير و الوصية من التصرفات غير الموجبة للخروج عن الملك فعلا و هو حسن، لعموم: نفى الضرر.

و مجرد الخروج عن الملك لا يسقط تدارك ضرر الغبن.

و

______________________________

الاستدراك) للذى انتقل عن المغبون او تلف عنده (ما صرح به جماعة) هذا خبر «ثم ان» (من ان الناقل الجائز لا يمنع الرد بالخيار اذا فسخه) اى فسخ المغبون النقل الجائز بحيث رجع إليه المال، فان له حق الاخذ بخيار الغبن فيرد عين المال الى الغابن (فضلا عن مثل التدبير) و هو ان يقول المولى لعبده: انت حرّ دبر وفاتى، فانه اذا مات المولى صار العبد حرّا (و الوصية من التصرفات غير الموجبة للخروج عن الملك فعلا) فان الانسان اذا اوصى بما له لم يخرج ما له عن ملكه، بل له ان يرجع فى وصيته (و هو) اى كون امثال هذه التصرفات، لا توجب سقوط خيار الغبن (حسن، لعموم: نفى الضرر) فانه يوجب خيار المغبون حتى فيما اذا تصرف فى البضاعة امثال هذه التصرفات.

(و) ان قلت: قد خرج الشي ء عن ملك المغبون فكيف يأخذ بالخيار قلت: (مجرد الخروج عن الملك) بامثال هذه الامور الناقلة نقلا جائزا (لا يسقط) الخيار الّذي هو (تدارك ضرر الغبن) الوارد على المغبون.

(و) اما فى التصرفات اللازمة التى ذكرنا انها تمنع الاخذ بالخيار، ف

ص: 149

لو اتفق زوال المانع، كموت ولد أمّ الولد، و فسخ العقد اللازم لعيب او غبن ففى جواز الردّ وجهان، من انه متمكن حينئذ.

و من استقرار البيع.

و ربما يبنيان على ان الزائل العائد كالذى لم يزل او كالذى لم يعد

______________________________

(لو اتفق زوال المانع، كموت ولد أمّ الولد) فان الاستيلاد يوجب المنع عن الردّ و الاخذ بالخيار.

اما اذا مات الولد رجعت الامة ملكا طلقا للمولى (و فسخ العقد اللازم لعيب او غبن) مثلا: لو باع المغبون البضاعة التى غبن فيها فظهر فى الثمن عيب بحيث يحق للمغبون فسخ العقد، او غبن المغبون فى هذه المعاملة الثانية بحيث يحق له فسخ هذا العقد الثانى (ففى جواز الردّ) اى ردّ المغبون ما وقع عليه العقد اللازم (وجهان).

وجه الجواز (من انه متمكن حينئذ) من الردّ فاللازم ان يكون له حق الردّ.

(و من استقرار البيع) الاول، اذ حينما نقل المغبون البضاعة سقط رده، فاذا عادت إليه لم يكن له الرد بعد سقوط الرد.

(و ربما يبنيان) الوجهان (على ان الزائل العائد) اى الملك الّذي زال ثم عاد (كالذى لم يزل) فله الرد (او كالذى لم يعد) فليس له الرد

وجه الاول: تمكنه الآن من الرد، و اى فرق بين ان يزول و يعود او ان لا يزول.

و وجه الثانى: استصحاب عدم صحة رده بعد انه لم يصح رده بسبب

ص: 150

و كذا الوجهان فيما لو عاد إليه بناقل جديد و عدم الخيار هنا اولى، لان العود هنا بسبب جديد.

و فى الفسخ برفع السبب السابق و فى لحوق الاجارة بالبيع، قولان من امتناع الرد، و هو مختار الصيمرى، و ابى العباس.

______________________________

نقله المال عن ملكه.

(و كذا) يأتى (الوجهان) اى جواز الرد و سقوط الخيار (فيما لو عاد) ما نقله المغبون (إليه) عودا (بناقل جديد).

كما اذا باع الجنس المغبون فيه، ثم اشتراه ثانيا، فهل انه لم يبعه حتى يكون له الخيار، او لا خيار له بعد ان باعه و خرج عن ملكه (و عدم الخيار هنا اولى، لان العود هنا بسبب جديد) فكانه شي ء آخر، لا انه نفس المتاع المغبون فيه.

(و) ليس العود بسبب جديد حاله حال الفسخ للمعاملة الثانية، حيث ان فى صورة الفسخ للمعاملة الثانية يحق له الرد.

اذ (فى الفسخ) يكون العود (برفع السبب السابق) فكانه لم يخرج عن ملكه.

و حيث انه لم يخرج عن ملكه كان له الخيار و حق الرد (و فى لحوق الاجارة) فيما اذا آجر المغبون المتاع (بالبيع) فهل ان الاجارة تمنع الرد، أو لا؟ (قولان).

وجه المنع (من امتناع الرد) فى حال كونه تحت اجارة الغير (و هو مختار الصيمرى، و ابى العباس).

ص: 151

و من ان مورد الاستثناء هو التصرف المخرج عن الملك و هو المحكى عن ظاهر الاكثر.

و لو لم يعلم بالغبن الا بعد انقضاء الاجارة توجه الرد.

و كذا لو لم يعلم به حتى انفسخ البيع.

و فى لحوق الامتزاج مطلقا، او فى الجملة

______________________________

و فيه: لعل الاجارة كانت لساعة و نحوها، فلا تمنع الرد، اما احتمال ان نفس الاجارة و لو لساعة تمنع الرد فلا وجه له.

(و من ان مورد الاستثناء هو التصرف المخرج عن الملك) فان المغبون له حق الفسخ، و استثنى من هذا ما لو كان الشي ء و قد خرج عن ملكه، و الاجارة لا تخرج عن الملك (و هو المحكى عن ظاهر الاكثر) و هذا هو الاقرب.

(و لو لم يعلم بالغبن الا بعد انقضاء الاجارة توجه) القول الّذي يقول: ان له (الرد) اذ لا محذور فى الردّ اصلا، فانه لا دليل على ان الاجارة بنفسها مانعة عن الردّ.

(و كذا) له الرد لو باع المتاع و (لو لم يعلم به) اى بالغبن (حتى انفسخ البيع) لان الانفساخ يجعل البيع كان لم يكن، فلا مانع من ردّ الشي ء الى الغابن.

(و) لو اشترى اللبن- مثلا- بالغبن فمزجه بلبن نفسه، ثم ظهر له انه مغبون فيه، ف (فى لحوق الامتزاج مطلقا) سواء كان بمال المغبون او بمال غيره (او فى الجملة) اى فيما لم يكن بمال الغابن نفسه كما لو

ص: 152

بالخروج عن الملك، وجوه.

أقواها اللحوق، لحصول الشركة فيمتنع رد العين الّذي هو مورد الاستثناء.

و كذا لو تغيرت العين بالنقيصة.

______________________________

مزج حليب الغابن بحليب اشتراه منه (بالخروج عن الملك) فى ان ذلك يسقط خيار رده (وجوه) ثلاثة.

(أقواها اللحوق) مطلقا (لحصول الشركة) فى البيع (فيمتنع رد العين الّذي هو مورد الاستثناء) اى ان صورة امكان رد العين هى مورد الاستثناء عن قاعدة لزوم البيع، فان البيع لازم و ليس للمغبون الخيار الا اذا تمكن من رد العين.

و وجه عدم اللحوق: اطلاق دليل: لا ضرر، الموجب للخيار، و لم يخرج منه إلا صورة النقل عن الملك، و الشركة ليست نقلا عن الملك.

و وجه التفصيل انه ان مزجه بمال الغابن لم تحصل الشركة، فلا مانع من الرد، و ان مزجه بمال نفسه او مال انسان ثالث حصلت الشركة فلا يقدر على الرد.

و هذا الوجه اقرب الوجوه لو لم نقل بان له حق الردّ مطلقا مع تحمله ضرر الغابن ان احدث له ضررا.

(و كذا لو تغيرت العين بالنقيصة) كما لو هزلت الشاة، او ذاب الثلج ففيه وجوه ثلاثة.

1- اطلاق: لا ضرر المقتضى للخيار.

ص: 153

و لو تغيرت بالزيادة العينية، او الحكمية، او من الجهتين فالاقوى الرد فى الوسطى بناء على حصول الشركة فى غيرها المانعة عن ردّ العين فتأمل، هذا كله فى تصرف المغبون.

______________________________

2- و ان الخيار آت مع رد العين و هذا لا يتمكن من ردّها فلا خيار

3- و التفصيل بين ما لو كان النقص قليلا بحيث لا يعتنى به العرف فله الرد، و الا لم يكن له الرد.

و التفصيل هو الاقرب.

(و لو تغيرت بالزيادة العينية) كما لو سمنت الشاة (او الحكمية) كما لو ارتفعت قيمتها عنده (او من الجهتين) العينية و الحكمية (فالاقوى الردّ فى الوسطى) اى الزيادة الحكمية فقط، لان العين قائمة فلا مانع من الردّ.

نعم الظاهر ان للمغبون الحق فيها باعتبار ان الزيادة السوقية حصلت فى ملك المغبون فهى له.

اما فى الزيادة العينية و فى الزيادة العينية و الحكمية فلا خيار للمغبون فى ردّها (بناء على حصول الشركة فى غيرها) اى فى غير الزيادة الحكمية فقط، اذ الزيادة العينية توجب الشركة، لان الزائد ملك المغبون (المانعة) تلك الشركة (عن رد العين) كما تقدم وجهه (فتأمل)

لعل وجهه: ان الزيادة الحكمية أيضا توجب الشركة، فلو كانت الشركة مانعة سقط خياره فى الزيادة الحكمية أيضا (هذا كله فى تصرف المغبون) فى العين المغبون فيها.

ص: 154

و اما تصرف الغابن فالظاهر انه لا وجه لسقوط خيار المغبون به.

و حينئذ فان فسخ و وجد العين خارجة عن ملكه لزوما بالعتق او الوقف او البيع اللازم، ففى تسلطه على ابطال ذلك من حينه او من اصلها كالمرتهن و الشفيع، او رجوعه الى البدل،

______________________________

(و اما تصرف الغابن) فى المال المنتقل إليه (فالظاهر انه لا وجه لسقوط خيار المغبون به) اى بتصرف الغابن و احتمال سقوط خياره، لان الخيار عبارة عن استرداد ماله مقابل اعطاء ما عنده، و المغبون لا يتمكن من استرداد ماله اذا تصرف الغابن، ففيه انه اذا لم يتمكن من الاسترداد استردّ بدله.

(و حينئذ) اى حين كان تصرف الغابن لا يضر بخيار المغبون (فان فسخ و وجد العين خارجة عن ملكه) اى عن ملك الغابن خروجا (لزوما بالعتق او الوقف او البيع اللازم) او الهبة اللازمة او غيرها (ففى تسلطه) اى المغبون (على ابطال ذلك) العمل الّذي عمله الغابن فى المال (من حينه) اى حين الابطال، و هو وقت الأخذ بالخيار (او من اصلها) اى اصل تلك التصرفات، حتى كأنّ تصرف الغابن كلا تصرف (كالمرتهن) فانه اذا تصرف فى العين و بعد فك الرهن وجد الراهن العين فى حيازة غيره ابطل تصرف المرتهن من اصله (و الشفيع) فانه اذا باع احد الشريكين نصف داره- مثلا- لانسان، و ذلك المشترى باعها من انسان آخر، فالشريك اذا اخذ بالشفعة ابطل تصرف المشترى من حين تصرفه لا من حين اخذ الشفيع بالشفعة (او رجوعه الى البدل) فلا يحق

ص: 155

وجوه من وقوع العقد فى متعلق حق الغير فان حق المغبون باصل المعاملة الغبنية.

و انّما يظهر له بظهور السبب فله الخيار فى استرداد العين اذا ظهر السبب و حيث وقع العقد فى ملك الغابن فلا وجه لبطلانه من رأس.

و من ان وقوع العقد فى متعلق حق الغير يوجب تزلزله من رأس،

______________________________

للمغبون ابطال عمل الغابن، لا من حين الفسخ، و لا من اصله، بل اذا فسخ اخذ بدله من الغابن (وجوه) ثلاثة.

وجه ابطاله من حينه ما ذكره بقوله: (من وقوع العقد فى متعلق حق الغير) فالغابن عقد على مال المغبون (فان حق المغبون ثابت باصل المعاملة الغبنية) فان الغبن المقارن للعقد سبب الخيار.

(و انما يظهر) الحق (له) اى للمغبون (بظهور السبب) اى الغبن و اذا كان له الحق من حين العقد (فله) اى للمغبون (الخيار فى استرداد العين اذا ظهر) له (السبب) الّذي هو الغبن هذا وجه حق المغبون فى استرداد العين.

اما وجه ان الاسترداد من حين الفسخ لا من اصله، فهو ما ذكره بقوله (و حيث وقع العقد فى ملك الغابن فلا وجه لبطلانه) اى بطلان عمل الغابن (من رأس) اى من اوّل ما عقد.

و اما وجه الاسترداد من اصل عقد الغابن و عمله فقد اشار إليه بقوله (و من ان وقوع العقد فى متعلق حق الغير يوجب تزلزله من راس) و من اوّل العقد، فالغابن حيث اوقع العقد فى متعلق حق المغبون تزلزل

ص: 156

كما فى بيع الرهن.

و مقتضى فسخ البيع الاول تلقى الملك من الغابن الّذي وقع البيع معه، لا من المشترى الثانى.

و من انه لا وجه للتزلزل.

اما لان التصرف فى زمان خيار غير المتصرف صحيح لازم، كما سيجي ء فى احكام الخيار

______________________________

عقده من اوّل ما عقد (كما فى بيع الرهن) فان من عنده الرهن اذا باعه كان البيع متزلزلا، لانه وقع فى حق الراهن.

(و مقتضى فسخ البيع الاول) اى المغبون (تلقى الملك) اى استرجاعه (من الغابن) نفسه (الّذي وقع البيع) الغبنى (معه، لا من المشترى الثانى) الّذي باع الغابن له.

و على هذا فاذا فسخ المغبون كانت القاعدة بطلان المعاملة الثانية من اصلها، لا من حين فسخ المغبون.

ثم اشار المصنف الى وجه الاحتمال الثالث، و هو: رجوع المغبون الى البدل بقوله: (و من انه لا وجه للتزلزل) اى تزلزل عقد الغابن، فعقد الغابن صحيح لازم، و اذا فسخ المغبون و لم يقدر على العين رجع الى بدله، كما اذا فسخ و قد اتلف الغابن العين.

(اما لان التصرف) اى تصرف الغابن (فى زمان خيار غير المتصرف) و هو المغبون (صحيح لازم) لاطلاق ادلة لزوم البيع و نحوه، فلا وجه لتزلزل عقد الغابن (كما سيجي ء فى احكام الخيار) و اذا كان تصرف الغابن

ص: 157

فيسترد الفاسخ البدل.

و اما لعدم تحقق الخيار قبل ظهور الغبن فعلا على وجه يمنع من تصرف من عليه الخيار، كما هو ظاهر الجماعة هنا، و فى خيار العيب قبل ظهوره فان غير واحد ممن منع من تصرف غير ذى الخيار بدون اذنه او استشكل فيه، حكم بلزوم العقود الواقعة قبل ظهور الغبن و العيب.

و هذا هو الاقوى، و سيأتى تتمة لذلك فى احكام الخيار.

______________________________

صحيحا (فيسترد الفاسخ البدل) اذا لم يجد العين.

(و اما لعدم تحقق الخيار قبل ظهور الغبن) ظهورا (فعلا على وجه يمنع من تصرف من عليه الخيار) اى الغابن (كما هو) اى عدم تحقق الخيار قبل ظهوره (ظاهر الجماعة هنا) فى باب خيار الغبن (و فى خيار العيب) أيضا (قبل ظهوره) اى قبل ظهور العيب (فان غير واحد ممن منع من تصرف غير ذى الخيار بدون اذنه) اى بدون اذن ذى الخيار (او استشكل فيه) اى فى تصرف غير ذى الخيار، فى خيار الشرط و نحوه (حكم بلزوم العقود الواقعة قبل ظهور الغبن و العيب).

و عليه: فلا خيار فى المقام قبل ظهور الغبن، فلا يضرّ تصرف البائع للغابن، و لا يكون تصرفه متزلزلا.

(و هذا) اى الوجه الثالث، و هو الرجوع الى البدل اذا فسخ المغبون (هو الاقوى، و سيأتى تتمة لذلك فى احكام الخيار) ان شاء الله تعالى.

ص: 158

و كذا الحكم لو حصل مانع من رده كالاستيلاد.

و يحتمل هنا تقديم حق الخيار لسبق سببه على الاستيلاد.

ثم ان مقتضى ما ذكرنا جريان الحكم فى خروج المبيع عن ملك الغابن بالعقد الجائز، لان معنى جوازه تسلط احد المتعاقدين على فسخه.

______________________________

(و كذا) اى مثل حكم ما لو نقله الغابن نقلا لازما- من انه لو فسخ المغبون رجع الى بدل العين- (الحكم لو حصل) عند الغابن (مانع من رده) اى ردّ الشي ء المغبون فيه (كالاستيلاد) للامة فيها اذا اشترى امة و غبن المشترى البائع فى قيمتها.

(و يحتمل هنا) اى فى الاستيلاد (تقديم حق الخيار لسبق سببه على الاستيلاد).

فاذا فسخ البائع العقد رجعت الامة الى البائع و ان استولدها الغابن، لان حق الفسخ عند العقد و هو مقدم على حق الامة بالاستيلاد الّذي حصل لها بعد العقد، و اللّه العالم.

(ثم ان مقتضى ما ذكرنا) من رجوع المغبون الى البدل اذا فسخ، فوجد الغابن قد نقل المال عن ملكه (جريان الحكم) المذكور، و هو الرجوع الى البدل (فى خروج المبيع عن ملك الغابن بالعقد الجائز) كما اذا وهبه الغابن هبة جائزة، و لا حق للمغبون فى استرداد عين المال (لان معنى جوازه) اى جواز عقد الغابن (تسلط احد المتعاقدين) الغابن، و الموهوب له- مثلا- (على فسخه).

ص: 159

اما تسلط الاجنبى و هو المغبون فلا دليل عليه بعد فرض وقوع العقد صحيحا.

و فى المسالك: لو كان الناقل مما يمكن ابطاله كالبيع بخيار، الزم بالفسخ.

فان امتنع فسخه الحاكم، و ان تعذر فسخه المغبون.

و يمكن النظر فيه بان فسخ المغبون اما بدخول العين فى ملكه.

______________________________

(اما تسلط الاجنبى و هو المغبون) فانه اجنبى عن هبة الغابن (فلا دليل عليه بعد فرض وقوع العقد صحيحا) لما تقدم فى ان الغابن مالك فيصح له اجراء العقد بيعا او هبة او غيرهما على الشي ء الّذي غبن فيه.

(و) لكن (فى المسالك) ذكر ما ينافى ما حكمنا به.

قال: (لو كان الناقل) اى العقد الّذي نقل به الغابن المال عن نفسه (مما يمكن ابطاله كالبيع بخيار) ففسخ المغبون لم يرجع المغبون الى بدله بل (الزم) المغبون الغابن (بالفسخ) فيسترجع المغبون نفس ماله.

(فان امتنع) الغابن من الفسخ (فسخه الحاكم) لانه ولى الممتنع (و ان تعذر) الحاكم، و امكن للمغبون الفسخ (فسخه المغبون) لانه حقه فله الوصول إليه بالصورة الممكنة، انتهى.

(و يمكن النظر فيه) اى فى ما ذكره المسالك (بان فسخ المغبون) للمعاملة الغبنية (اما بدخول العين فى ملكه) بان يكون حاصل الفسخ ان العين تنتقل الى المغبون رأسا.

ص: 160

و اما بدخول بدلها.

فعلى الاول لا حاجة الى الفسخ حتى يتكلم فى الفاسخ.

و على الثانى فلا وجه للعدول عما استحقه بالفسخ الى غيره.

اللهم الا ان يقال: انه لا منافات لان البدل المستحق بالفسخ انما هو

______________________________

(و اما بدخول بدلها) حيث ان العين انتقلت من الغابن، فلا بدّ من دخول بدل العين فى ملك المغبون اذا فسخ المغبون المعاملة الغبنية.

(فعلى الاول)- بدخول العين فى ملكه- (لا حاجة الى الفسخ) اى فسخ المعاملة الثانية (حتى يتكلم فى الفاسخ) انه الغابن، و الا فالحاكم، و الا فالمغبون.

اذ: العين- تلقائيا- تنتقل الى المغبون بمجرد فسخ المغبون للمعاملة الاولى.

(و على الثانى)- بدخول بدلها- (ف) اذا فسخ المغبون اخذ بدل العين، و (لا وجه للعدول عما استحقه) المغبون اى البدل (بالفسخ الى غيره) و هو العين، حتى يتكلم فى ان للمغبون العين و انه لا بدّ من فسخ المعاملة الثانية.

(اللهم الا ان يقال) وجه للعدول، ف (انه لا منافات) بين استحقاق المغبون البدل- عند فسخه- و بين لزوم فسخ المعاملة الثانية ليأخذ المغبون عين ماله (لان البدل المستحق بالفسخ انما هو) استحقاقه

ص: 161

للحيلولة.

فاذا امكن رد العين وجب على الغابن تحصيلها.

لكن ذلك انما يتم مع كون العين باقية على ملك المغبون.

و اما مع عدمه، و تملك المغبون للبدل، فلا دليل على وجوب تحصيل العين.

ثم على القول بعدم وجوب الفسخ فى

______________________________

(للحيلولة) اى حيلولة الغابن بمعاملته بين المغبون و بين عين ماله.

(فاذا امكن رد العين) الى المغبون بفسخ الغابن (وجب على الغابن تحصيلها) فان فسخ فهو، و الا اجبره الحاكم، او فسخه نفس المغبون.

(لكن) يرد على «اللهم» ان (ذلك) اى استحقاق المغبون رد عينه (انما يتم مع كون العين باقية على ملك المغبون) فيأخذ المغبون بدلها مع الحيلولة، و عينه مع عدم الحيلولة.

(و اما مع عدمه) اى عدم بقاء العين على ملك المغبون (و) ذلك ل (تملك المغبون للبدل، فلا دليل على وجوب تحصيل العين) و لا يكلف الغابن بارجاع العين الى المغبون، فهو كما اذا القى الغاصب ملك المغبون فى البحر ثم اعطى المغبون بدله، فانه لا دليل على وجوب اخراج الغاصب الملك من البحر، لان ذمة الغاصب قد فرغت باعطاء البدل.

(ثم على القول بعدم وجوب الفسخ) على الغابن (فى) ما اذا اخرج

ص: 162

الجائز، لو اتفق عود الملك إليه لفسخ، فان كان ذلك قبل فسخ المغبون فالظاهر وجوب رد العين.

و ان كان بعده فالظاهر عدم وجوب ردّه، لعدم الدليل بعد تملك البدل.

و لو كان العود بعقد جديد فالاقوى عدم وجوب الرد مطلقا لانه ملك جديد تلقاه

______________________________

العين عن ملكه بالعقد (الجائز، لو اتفق عود الملك إليه) اى الى الغابن (لفسخ) منه، او ارجاع من الموهوب له- مثلا- (فان كان ذلك) العود (قبل فسخ المغبون، فالظاهر وجوب رد العين) اذا فسخ المغبون لان الفسخ معناه ارجاع كل بضاعة الى صاحبها الاول مع الامكان، و ذلك ممكن فى المقام بلا محذور.

(و ان كان) عود الملك الى الغابن (بعده) اى بعد فسخ المغبون (فالظاهر عدم وجوب ردّه) الى المغبون (لعدم الدليل) على وجوب رد العين الى المغبون (بعد تملك) المغبون (البدل) فانه مثل: ان يخرج الملك من البحر، بعد ان اعطى الملقى بدله الى المالك، فان اعادة اشتغال الذمة بعد فراغها- بسبب اعطاء البدل- خلاف الاصل (و لو كان العود) اى عود بضاعة المغبون الى الغابن بعد ان نقلها الغابن نقلا جائزا (بعقد جديد) كما لو اشتراه الغابن من الموهوب له (فالاقوى عدم وجوب الرد) الى المغبون (مطلقا) سواء كان فسخ المغبون قبل العود، او بعد العود (لانه ملك جديد) للغابن (تلقاه)

ص: 163

من مالكه، و الفاسخ انما يملك بسبب ملكه السابق بعد ارتفاع السبب الناقل.

و لو تصرف الغابن تصرفا مغيرا للعين، فاما ان يكون بالنقيصة او بالزيادة، او بالامتزاج.

فان كان بالنقيصة، فاما ان يكون نقصا يوجب الأرش.

و اما ان يكون مما لا يوجبه، فان اوجب الارش، اخذه مع الارش كما هو

______________________________

الغابن (من مالكه) كالموهوب له فى المثال (و) المغبون (الفاسخ انما يملك) العين (بسبب ملكه السابق بعد) ان فسخ المعاملة، و بعد (ارتفاع السبب الناقل) و الحال ان الملك السابق ليس على حاله، بل ملك الغابن للعين انما هو ملك جديد.

(و لو تصرف الغابن) فى العين (تصرفا مغيرا للعين) المغبون فيها (فاما ان يكون بالنقيصة) كان شرب ماء الثلج، فنقص الثلج (او بالزيادة) كما اذا اعطى الشاة العلف فسمنت (او بالامتزاج) كما اذا مزج الدهن بدهن نفسه.

(فان كان) التصرف (بالنقيصة، فاما ان يكون نقصا يوجب الأرش) كمثال الثلج.

(و اما ان يكون مما لا يوجبه) كما اذا اذهب لون الخشب، و لم يكن ذلك يوجب نقص قيمة الخشب (فان اوجب) النقص (الارش اخذه) المغبون عينا (مع الأرش) بعد ان فسخ المعاملة (كما هو) اى الاخذ مع الأرش

ص: 164

مقتضى الفسخ لان الفائت مضمون بجزء من العوض، فاذا ردّ تمام العوض وجب رد مجموع المعوض فيتدارك الفائت منه ببدله.

و مثل ذلك ما لو تلف بعض العين.

و ان كان مما لا يوجب شيئا

______________________________

(مقتضى الفسخ).

و انما كان مقتضى الفسخ الاخذ مع الارش (لان الفائت) اى القدر الناقص كبعض الثلج المذاب (مضمون بجزء من العوض) فان كل جزء من اجزاء الثلج فى قبال جزء من اجزاء النقد الّذي دفعه المشترى الى البائع، فاخذ منه الثلج (فاذا ردّ) المغبون (تمام العوض) الى الغابن (وجب) على الغابن (رد مجموع المعوض) كالثلج فى المثال و حيث لا يتمكن من رد مجموع الثلج (فيتدارك الفائت منه) اى من المعوض (ببدله) فيعطى قدرا من المال مع الثلج، و ذلك القدر من المال بقدر الثلج الّذي اذيب.

(و مثل ذلك) اى مثل ما لو نقص بعض البضاعة (ما لو تلف بعض العين) كما اذا كان مكان الثلج الكتاب، فتلف بعض اوراقه بدون ان يكون من جهة التغيير، فالفارق بين التصرف بالنقيصة و بين التلف هو العرف حيث يسمى بعض النقص تلفا و لا يسمى بعضه الآخر تلفا.

مثلا: اذا تكسرت رجل الشاة يسمى العرف ذلك تلفا، اما اذا هزلت الشاة لا يسميه تلفا بل نقصا.

(و ان كان) تصرف الغابن بالنقيصة (مما لا يوجب شيئا) اى الأرش،

ص: 165

ردّه بلا شي ء.

و منه ما لو وجد العين مستأجرة، فان على الفاسخ الصبر الى ان ينقضى مدة الاجارة، و لا يجب على الغابن بذل عوض المنفعة المستوفاة بالنسبة الى بقية المدة بعد الفسخ لان المنفعة من الزوائد المنفصلة

______________________________

كما اذا كان الثلج اذيب بقدر قليل بحيث لا يرى العرف نقصا فى قيمته بسبب هذا القدر من النقص (ردّه) الغابن (بلا شي ء) معه، اذ: المفروض ان النقص لم يوجب الأرش.

(و منه) اى من النقص الّذي لا يوجب الارش (ما لو وجد) المغبون (العين مستأجرة).

مثلا: لو باع دارا بالف و غبن فيها لان قيمتها الف و مائة فلما اراد استرجاعها وجد الدار و قد آجرها الغابن (فان على) البائع للدار (الفاسخ) بسبب الغبن (الصبر الى ان ينقضى مدة الاجارة) فان هذه النقيصة فى الدار بالاجارة لا ارش لها (و لا يجب على الغابن) المشترى (بذل عوض المنفعة المستوفاة) اى المنفعة التى استوفاها، و اخذها الغابن (بالنسبة الى بقية المدة بعد الفسخ) اى المدة الباقية من حين الفسخ الى آخر زمان الاجارة.

مثلا: لو آجرها بمائة لسنة، و فسخ البائع على رأس ستة اشهر، فانه لا يجب على الغابن المشترى ان يرد خمسين الى البائع المغبون (لان المنفعة من الزوائد) على اصل العين، فلم يتلف بعض العين ليكون لتلفه ارش (المنفصلة) عن الدار

ص: 166

المتخللة بين العقد و الفسخ، فهى ملك للمفسوخ عليه، فالمنفعة الدائمة تابعة للملك المطلق، فاذا تحقق فى زمان، ملك منفعة العين يأسرها و يحتمل انفساخ الاجارة فى بقية المدة لان ملك منفعة الملك المتزلزل متزلزل، و هو الّذي جزم به المحقق القمى

______________________________

(المتخللة) هذه المنفعة (بين العقد و الفسخ) و المنافع المتخللة ملك لمالك الدار فعلا (فهى ملك للمفسوخ عليه) اى الغابن (فالمنفعة الدائمة تابعة للملك المطلق) لا منفعة خصوص مدة كون الدار باقية فى ملك الغابن (فاذا تحقق) الملك المطلق (فى زمان) ما (ملك) مالك العين (منفعة العين بأسرها) الى الابد.

بمعنى: ان له ان يتصرف فى المنفعة الى الابد، و ذلك مثل ما اذا اشترى انسان دارا فان له كل منفعة الدار الى آخر زمان قيام الدار كمائة سنة مثلا فله ان يؤجرها مائة سنة فاذا وهب الدار بعد ذلك او اورث الدار، او صالح عنها، او باعها مع علم المشترى و المصالح لم يكن لهم الا الدار المسلوبة المنفعة.

(و) لكن (يحتمل انفساخ الاجارة فى بقية المدة) من حين فسخ المغبون، لان ملك الغابن للدار لما كان متزلزلا كانت المنفعة بعد الفسخ للغابن أيضا متزلزلا بخلاف المنفعة قبل الفسخ، فانها للغابن بلا اشكال (لان ملك) اى مالكية (منفعة الملك المتزلزل متزلزل) اذ لا يمكن ان يكون الاصل متزلزلا، و يكون الفرع مستقرا (و) هذا- و هو انفساخ الاجارة بعد فسخ المعاملة- (هو الّذي جزم به المحقق القمى) صاحب

ص: 167

فيما اذا فسخ البائع بخياره المشروط له فى البيع.

و فيه نظر، لمنع تزلزل ملك المنفعة.

نعم ذكر العلامة فى القواعد فيما اذا وقع التفاسخ لاجل اختلاف المتبايعين انه اذا وجد البائع العين مستأجرة، كانت الاجرة للمشترى المؤجر و وجب عليه للبائع اجرة المثل للمدة الباقية بعد الفسخ،

______________________________

القوانين (فيما اذا فسخ البائع بخياره المشروط له فى البيع).

كما اذا باع داره بشرط ان له الخيار، ثم ان المشترى آجر الدار فاذا فسخ البائع انفسخت اجارة المشترى.

(و فيه) اى فى التلازم بين تزلزل الملك، و بين تزلزل المنفعة (نظر لمنع تزلزل ملك) اى مالكية الغابن (المنفعة) لما عرفت من ان الغابن مالك ملكا مطلقا للمنفعة.

(نعم ذكر العلامة) قولا ثالثا غير ان الاجرة للغابن، و غير ان الاجارة تنفسخ من حين فسخ المعاملة، و الاحتمال الثالث هو ان تكون الاجرة للغابن و يجب على الغابن ان يعطى اجرة المثل بقية المدة للمغبون.

ف (فى القواعد فيما اذا وقع التفاسخ لاجل اختلاف المتبايعين) قال: (انه اذا وجد البائع العين مستأجرة، كانت الاجرة للمشترى المؤجر) لانه قد اجر ملكه فله نفعه (و) لكن (وجب عليه) اى على المشترى المؤجر ان يعطى (للبائع اجرة المثل) سواء كانت ازيد من اجرة المسمى او اقل، او مساوية (للمدة الباقية) من الاجارة (بعد الفسخ) و كانه

ص: 168

و قرره على ذلك شراح الكتاب، و سيجي ء ما يمكن ان يكون فارقا بين المقامين.

و ان كان التغيير بالزيادة فان كانت حكمية محضة كقصارة الثوب، و تعليم الصنعة، فالظاهر ثبوت الشركة فيه بنسبة تلك الزيادة بان تقوم العين معها، و لا معها و يؤخذ النسبة.

______________________________

لاجل ان المنفعة بعد الفسخ للبائع فاللازم اعطائه اجرة المثل- بعد ان كانت داره مسلوبة المنفعة لاجارة سابقة على الفسخ- (و قرره على ذلك شراح الكتاب) اى شراح القواعد (و سيجي ء ما يمكن ان يكون فارقا بين المقامين) اى مسألة الفسخ لاجل الغبن، و مسألة الفسخ لاجل التفاسخ هذا كله فيما اذا كان التغيير بالنقيصة.

(و ان كان التغيير بالزيادة) بان زاد المتاع عند الغابن، ثم فسخ المغبون المعاملة (ف) هى اما زيادة حكمية، او عينيه، او كلتاهما معا.

ف (ان كانت) الزيادة (حكمية محضة، كقصارة الثوب) اى تنظيفه، فان القصار هو من يغسل الثياب (و تعليم الصنعة) للعبد و للحيوان (فالظاهر ثبوت الشركة فيه بنسبة تلك الزيادة).

و ذلك لان الزيادة حصلت فى ملك المغبون، فهى له، و بذلك يكون شريكا للغابن.

و معنى النسبة هو (بان تقوم العين معها) اى مع الزيادة تارة (و لا معها) تارة اخرى (و يؤخذ النسبة) مثلا: يؤخذان الكلب غير المعلم بسعر دينار، و الكلب المعلم سعره دينار و نصف، فيكون للمغبون

ص: 169

و لو لم يكن للزيادة مدخل فى زيادة القيمة، فالظاهر عدم شي ء لمحدثها لانه انما عمل فيما له و عمله لنفسه غير مضمون على غيره و لو لم يحصل منه فى الخارج ما يقابل المال، و لو فى ضمن العين.

و لو كانت الزيادة عينا محضا كالغرس ففى تسلط المغبون على القلع بلا

______________________________

الّذي تعلم الكلب عنده نصف دينار.

(و لو لم يكن للزيادة) التى حدثت عند المغبون (مدخل فى زيادة القيمة) كما اذا صبغ الباب بما لم يزد قيمته (فالظاهر عدم شي ء لمحدثها) اى للمغبون المحدث لهذه الزيادة (لانه) اى المغبون (انما عمل) الزيادة (فيما له) لانه احدثها وقت كون العين للمغبون (و عمله لنفسه غير مضمون على غيره) لاصالة عدم الضمان (و لو لم يحصل منه) اى من عمل الزيادة (فى الخارج)- مقابل ماله الاعتبار- (ما يقابل المال، و لو) المال الّذي (فى ضمن العين).

اذ: قد تحدث الزيادة زيادة مستقلة كما اذا جعل للباب غلقا.

و قد تحدث الزيادة زيادة فى ضمن العين كما اذا قصر الثوب فصارت قيمته اكثر، و قد لا تحدث الزيادة شيئا اصلا- كما فيما نحن فيه- هذا كله فى الزيادة الحكمية.

(و لو كانت الزيادة عينا محضا كالغرس) كما اذا اشترى المغبون ارضا فغرس فيها، ثم تبين انه مغبون فى الارض فردها (ففى) حالة الغرس بعد ارجاعه الارض احتمالات.

الاول: (تسلط المغبون على القلع) لاشجاره (بلا

ص: 170

ارش كما اختاره فى المختلف فى الشفعة، او عدم تسلطه عليه مطلقا، كما عليه المشهور فيما اذا رجع بائع الارض المغروسة بعد تفليس المشترى او تسلطه عليه مع الارش كما اختاره فى المسالك هنا و قيل به فى الشفعة و

______________________________

ارش) يأخذه عن مالك الارض لاجل نقص قيمة اشجاره، و لا ارش يعطيه لصاحب الارض لاجل الحفر التى احدثها القلع فى ارض الغابن (كما اختاره فى المختلف فى الشفعة) فيما اذا غرس المشترى اشجارا ثم جاء الشفيع و استرد الارض من المشترى فالمشترى يقلع اشجاره بلا ارش له و لا ارش عليه.

الثانى: (او عدم تسلطه) اى المغبون (عليه) اى على القلع (مطلقا) لا مع الارش و لا بلا ارش (كما عليه المشهور فيما اذا رجع بائع الارض المغروسة بعد تفليس المشترى) فان البائع اذا باع ارضا للمشترى و غرس المشترى فى الارض ثم ان المشترى فلّس فانه يحق للبائع ان يأخذ ارضه حيث ان المشترى لم يدفع له الثمن- فاذا اخذ البائع ارضه لم يكن للمشترى قلع شجره لا بارش و لا بلا ارش.

و لا يخفى ان مسألة المغبون من قبيل مسألة المفلس لوحدة المناط فيهما.

الثالث: (او تسلطه) اى المغبون (عليه) اى على القلع (مع الارش) اى يعطى المغبون ارش الحفر لصاحب الارض (كما اختاره) اى القلع مع الارش (فى المسالك هنا) فى مسألة المغبون (و قيل به فى الشفعة) كما تقدم توضيحه فى قوله: كما اختاره فى المختلف فى الشفعة (و

ص: 171

العارية وجوه من ان صفة كونه منصوبا- المستلزمة لزيادة قيمته- انما هى عبارة عن كونه فى مكان صار ملكا للغير، فلا حق للغرس كما اذا باع ارضا مشغولة بماله، و كان ماله فى تلك الارض ازيد قيمة.

مضافا الى ما فى المختلف فى مسألة الشفعة، من ان الفائت لما حدث فى محل معرض للزوال لم يجب تداركه

______________________________

العارية) اذا اعطى ارضا عارية، ثم ان المستعير إن زرع الارض و بعد ذلك استرجع المعير ارضه، ففى الزرع الكلام المتقدم (وجوه) ثلاثة.

وجه تسلط المغبون على القلع بلا ارش ما ذكره: (من ان صفة كونه) اى الزرع (منصوبا- المستلزمة) تلك الصفة (لزيادة قيمته- انما هى عبارة عن كونه) اى الزرع (فى مكان صار ملكا للغير) اى الغابن (فلا حق للغرس) فى البقاء، هناك حتى يكون لصاحب الغرس الارش، بل للمغبون زرعه يقلعه بدون ارش (كما اذا باع) الانسان (ارضا مشغولة بما له، و كان ماله فى تلك الارض ازيد قيمة) فان البائع يأخذ ماله من تلك الارض، لوجوب اخلاء المبيع و تسليمه الى المشترى، و ليس له ارش لنقص قيمة ماله يأخذه من تلك الارض.

(مضافا الى ما فى المختلف) من الاستدلال على عدم الارش بما ذكره (فى مسألة الشفعة، من ان الفائت) من قيمة الزرع الّذي فات بسبب القلع (لما حدث) ذلك الفائت (فى محل معرض للزوال) لانه غرس زرعه فى مكان متزلزل (لم يجب) على الغابن (تداركه) اذ المغبون هو الّذي وجّه الضرر الى نفسه.

ص: 172

و من ان الغرس المنصوب الّذي هو مال للمشترى، مال مغاير للمقلوع عرفا، و ليس كالمتاع الموضوع فى بيت بحيث يكون تفاوت قيمته باعتبار المكان.

______________________________

لا يقال: انه لم يكن يعلم ان هذا الغرس معرض للزوال، فلم يقدم على الضرر.

لانه يقال: عدم العلم لا مدخلية له، فهو كما اذا غرس زرعه فى ارض الغير و هو يجهل ان الارض للغير بل يزعم انها له، فان جهله و زعمه لا يفيد فى ان يكون الارش على صاحب الارض.

(و) وجه عدم تسلط المشترى المغبون على القلع مطلقا ان «ما يقلع غير الثابت» «فما يقلع ليس للمشترى المغبون» «و الثابت حاله حال ما اذا باع ارضا فيه غرس فانه تابع للارض» (من ان الغرس المنصوب الّذي هو مال للمشترى، مال مغاير للمقلوع عرفا) فان شجرة البرتقال مثلا مغايرة للعيدان الحاصلة عند قلع الشجرة (و ليس) الزرع (كالمتاع الموضوع فى بيت) اذ المتاع موضوعا و غير موضوع شي ء واحد عرفا- و ان تفاوتت قيمتهما- (بحيث يكون تفاوت قيمته باعتبار المكان) و اذا تحقق كون المقلوع غير المنصوب، فلا حق للمغبون فى المقلوع- لانه ليس بماله-.

اما حقه فى المنصوب فيسقط عند ارجاع الارض الى الغابن، لان الزرع حينئذ حاله حال الزرع فى الارض ثم بيع الارض حيث ان الزرع يتبع الارض.

ص: 173

مضافا الى مفهوم قوله صلى الله عليه و آله و سلم ليس لعرق ظالم حق، فيكون كما لو باع الارض المغروسة.

و من ان الغرس انما وقع فى ملك متزلزل، و لا دليل على استحقاق الغرس على الارض البقاء.

و قياس الارض المغروسة

______________________________

(مضافا الى مفهوم قوله صلى الله عليه و آله و سلم ليس لعرق ظالم حق) فان معناه ان العرق له حق، او ليس له حق.

اما الزرع فهو تابع للارض فالزرع ليس فيه حتى المغبون (فيكون) الزرع (كما لو باع الارض المغروسة) حيث ينتقل الزرع الى المشترى و هنا ينتقل الزرع من المغبون الى الغابن- و لا يخفى ما فى هذا الوجه من التكلف الواضح-.

(و) وجه تسلطه عليه مع الارش (من ان الغرس انما وقع فى ملك متزلزل) و ان لم يعلم المغبون- حين الغرس- ان الملك متزلزل (و لا دليل على استحقاق الغرس على الارض البقاء) فعليه ان يزيل غرسه.

(و) ان قلت: لما ذا لا يكون حال الارض المبيعة حال الارض المستأجرة فى عدم تسلط صاحب الارض على قلع الزرع بعد الفسخ؟

فانه اذا استأجر ارضا فزرع فيها المستأجر، ثم بطلت الاجارة لاجل فسخ الموجر او المستأجر، يكون للمستأجر صاحب الزرع ابقاء زرعه فى الارض بدون اعطاء صاحب الارض اجرة الارض.

قلت: (قياس الارض المغروسة) فى مسئلتنا- و هى ما لو فسخ البيع

ص: 174

على الارض المستأجرة حيث لا يفسخ اجارتها، و لا تغرم لها اجرة المثل فاسد، للفرق بتملك المنفعة فى تمام المدّة قبل استحقاق الفاسخ هناك بخلاف ما نحن فيه فان المستحق هو الغرس المنصوب من دون استحقاق مكان

______________________________

للغبن- (على الارض المستأجرة حيث لا يفسخ اجارتها) لعيب فى الارض او فى مال الاجرة، او ما اشبه العيب من اسباب الخيار (و لا تغرم) صاحب الزرع المستأجر (لها) اى للارض (اجرة المثل) فقياس ما نحن فيه بالارض المستأجرة (فاسد) اذ فى الارض المستأجرة منفعة الارض للمستأجر قبل ان يأتى الفسخ، فاذا فسخ كان حق الزرع سابقا على حق الفسخ و لذا لم يكن لصاحب الارض اجبار المستأجر بقلع زرعه، كما ليس لصاحب الارض اخذ اجرة الارض لبقاء زرع المستأجر فيها.

اما فى الارض المبيعة فان المشترى زرع فى ملك متزلزل، و اذا كان اصل الملك متزلزلا كان نفعه أيضا متزلزلا، فاذا فسخ البيع رجع نفع الارض الى مالك الارض، فيتمكن مالك الارض ان يجبر مالك الزرع على قلع زرعه و يأخذ منه ارش طمّ الحفر (للفرق بتملك) المستأجر (المنفعة فى تمام المدّة) اى مدّة الاجارة و يكون تملك المستأجر (قبل استحقاق الفاسخ هناك) اى فى باب الاجارة، فالحق السابق يقدم على الحق اللاحق (بخلاف ما نحن فيه) من مسألة زرع المغبون فى ارض الغابن (فان) المغبون لا يستحق نفع الارض الا تبعا، فاذا ذهبت الارض ذهب نفعها أيضا، اذ الشي ء (المستحق) الّذي يستحقه المغبون (هو الغرس المنصوب) فقط (من دون استحقاق مكان) الزرع

ص: 175

فى الارض، فالتحقيق: ان كلا من المالكين يملك ماله لا بشرط حق له على الآخر، و لا عليه له فلكل منهما تخليص ماله عن مال صاحبه فان اراد مالك الغرس قلعه فعليه ارش طمّ الحفر.

و ان اراد مالك الارض تخليصها، فعليه ارش الغرس اعنى تفاوت ما بين كونه منصوبا دائما، و كونه مقلوعا.

و

______________________________

(فى الارض).

اقول: هذا ما فهمته من العبارة و فيه ما لا يخفى من الاشكال و لعل فى نسخة كتابى سقط.

و كيف كان (فالتحقيق: ان كلا من المالكين) مالك الارض و مالك الزرع فى مسألة بيع الغبن (يملك ماله) فيملك هذا ارضه و يملك هذا زرعه (لا بشرط حق له على الآخر، و لا عليه له) اى للآخر، فلا حق لمالك الارض على مالك الزرع، و لا حق على مالك الارض لمالك الزرع.

و اذا كان منهما يملك ماله (فلكل منهما تخليص ماله عن مال صاحبه).

و حينئذ (فان اراد مالك الغرس) تخليص ماله، و (قلعه، فعليه ارش طمّ الحفر) لانه اضرار بالغير يلزم تداركه.

(و ان اراد مالك الارض تخليصها) من الزرع (ف) له ذلك، لكن (عليه ارش الغرس اعنى تفاوت ما بين كونه) اى الزرع (منصوبا دائما، و) بين (كونه مقلوعا).

(و) ان قلت: ان كان لمالك الزرع بقائه منصوبا دائما فكيف يقلعه

ص: 176

كونه مالا للمالك على صفة النصب دائما ليس اعترافا بعدم تسلطه على قلعه لان المال هو الغرس المنصوب، و مرجع دوامه الى دوام ثبوت هذا المال الخاص له فليس هذا من باب استحقاق الغرس للمكان فافهم

______________________________

مالك الارض.

قلت: (كونه) اى الزرع (مالا للمالك) اى لمالك الزرع (على صفة النصب) نصبا (دائما ليس اعترافا) منّا (بعدم تسلطه) اى تسلط مالك الارض (على قلعه).

و انما لم يكن اعترافا، لان هناك ثلاثة امور.

الاول: ان يكون مال الغابن زرعا موقتا يقلع بعد ذلك الوقت.

الثانى: ان يكون ماله زرعا دائما باقيا فى هذا المكان الخاص.

الثالث: ان يكون ماله زرعا دائما فى اى مكان كان.

و الفرق بين الثانى و الثالث واضح فيما اذا كان الزرع يمكن بقائه بدون مكان، فالزرع للغابن دون كونه فى هذا المكان الخاص.

و كذا فيما اذا امكن قلعه و زرعه فى مكان آخر، كان الزرع الدائم للغابن، دون كونه فى ارض المغبون (لان المال) للغابن (هو الغرس المنصوب) لا انه فى ارض المغبون (و مرجع دوامه) اى كون الزرع منصوبا دائما (الى دوام ثبوت هذا المال الخاص له) اى للغابن (فليس هذا) الدوام (من باب استحقاق الغرس للمكان) فهو من قبيل الامر الثالث لا الامر الثانى (فافهم).

لعله اشارة الى انه لا شي ء على مالك الارض من ارش نقص قيمة الزرع

ص: 177

و يبقى الفرق بين ما نحن فيه و بين مسألة التفليس حيث ذهب الاكثر الى ان ليس للبائع الفاسخ قلع الغرس و لو مع الارش.

و يمكن الفرق بكون حدوث ملك الغرس فى ملك متزلزل فيما نحن فيه، فحق المغبون انما تعلق بالارض قبل الغرس بخلاف مسألة التفليس، لان سبب

______________________________

اذا قلع، اذ لا حق لمالك الزرع فى هذه الارض فاللازم ان يقلعه هو بنفسه، و الا قلعه الحاكم، او مالك الارض.

(و يبقى الفرق بين ما نحن فيه) حيث يحق للبائع المغبون قلع غرس الغابن مع اعطائه الارش له (و بين مسألة التفليس) فيما اذا باع ارضا لانسان بدين، فغرسها ذلك الانسان ثم تفلس، فان صاحب الارض احق بارضه، فاذا اخذها فى قبال طلبه من المشترى لا يحق له ان يقلع الغرس و ان اعطى للمشترى ارش التفاوت (حيث ذهب الاكثر الى ان ليس للبائع الفاسخ قلع الغرس) الّذي للمشترى المفلس (و لو مع) اعطاء البائع للمشترى (الارش) تفاوت قيمة الغرس قائما و مقلوعا.

(و يمكن الفرق بكون) البيع فى الغبن متزلزلا، فحق البائع المغبون فى ارضه اسبق من حق زرع الغابن، و البيع فى التفليس كان لازما فحق المشترى فى الارض اسبق من حق البائع الّذي اخذ حقه بسبب التفليس ف (حدوث ملك الغرس) للمشترى فى باب الغبن (فى ملك متزلزل) لمكان الغبن (فيما نحن فيه).

و عليه (فحق المغبون) اى البائع (انما تعلق بالارض قبل الغرس) اى الغرس الّذي هو حق للغابن (بخلاف مسألة التفليس، لان سبب

ص: 178

التزلزل هناك بعد الغرس فيشبه بيع الارض المغروسة، و ليس للمشترى قلعه و لو مع الارش بلا خلاف، بل عرفت ان العلامة فى المختلف جعل التزلزل موجبا لعدم استحقاق ارش الغرس.

ثم اذا جاز القلع فهل يجوز للمغبون مباشرة القلع، أم له مطالبة المالك بالقلع؟ و مع امتناعه يجبره الحاكم، او يقلعه وجوه، ذكروها

______________________________

التزلزل هناك) اى فى التفليس (بعد الغرس) لان البيع لازم، لكن لما تفلس المشترى صار للبائع حق ارجاع ارضه، و غرس المشترى كان قبل هذا التزلزل (فيشبه) اخذ البائع ارضه من المفلس (بيع الارض المغروسة) غرسا كان للبائع (و ليس للمشترى قلعه و لو مع) اعطاء المشترى (الارش) للبائع.

و ذلك لان حق الغرس اسبق من حق المشترى فى الارض (بلا خلاف) فى انه لا يحق للمشترى القلع (بل عرفت ان العلامة فى المختلف جعل التزلزل موجبا لعدم استحقاق ارش الغرس) فى مسألة الشفعة.

(ثم اذا جاز القلع) و لم نقل بانه لا حق للغابن فى الزرع بعد استرداد المغبون ارضه (فهل يجوز للمغبون مباشرة القلع، أم له مطالبة المالك) الغابن (بالقلع؟ و مع امتناعه) اى امتناع المالك (يجبره الحاكم، او يقلعه) المغبون (وجوه) ثلاثة.

1- ان للمغبون القلع.

2- انه له القلع اذا امتنع المالك.

3- انه له القلع اذا امتنع المالك و لم يمكن جبر الحاكم له (ذكروها

ص: 179

فيما لو دخلت اغصان شجر الجار الى داره.

و يحتمل الفرق بين المقامين، من جهة كون الدخول هناك بغير فعل المالك و لذا قيل فيه بعدم وجوب اجابة المالك الجار الى القلع، و ان جاز للجار قلعها بعد الامتناع او قبله،

______________________________

فيما لو دخلت اغصان شجر الجار الى داره) فانه لا شك فى ان لمالك الدار ازالة تلك الاغصان، لان: الناس مسلطون على اموالهم.

(و يحتمل الفرق بين المقامين) مقام الغبن و مقام دخول الاغصان (من جهة كون الدخول هناك) فى دخول الاغصان (بغير فعل المالك) نعم قد يعد من فعله كما اذ غرس الشجرة فى جنب حائط الجار مما يسبب دخول اغصانه فى دار الجار (و لذا قيل فيه) اى فى دخول الاغصان (بعد وجوب اجابة المالك الجار) «المالك» فاعل «اجابة» و «الجار» مفعولها (الى القلع) لان دخول الاغصان ليس فعل مالك الشجر فالاصل عدم وجوب شي ء عليه اذ الانسان لا يكلف بفعل غيره سواء كان غيره انسانا او طبيعة او حيوانا (و ان جاز للجار قلعها بعد الامتناع) من مالك الشجر (او قبله).

اما بعد الامتناع فلانه تصرف فى شجر الغير، فلا يجوز الا اذا امتنع عن اداء الحق الّذي هو الازالة.

و اما قبله فلان الانسان يجوز له دفع الضرر عن نفسه و لا احترام للضار، و لذا اذا وضع انسان يده على رأس انسان لا يلزم ان يقول ذلك الانسان ارفع يدك، بل له الحق ان يدفع يده و ان لم يرض

ص: 180

هذا كله حكم التخليص.

و اما لو اختار المغبون الابقاء، فمقتضى ما ذكرنا من عدم ثبوت حق لاحد المالكين على الآخر استحقاقه الاجرة على البقاء لان انتقال الارض الى المغبون بحق سابق على الغرس

______________________________

المدفوع.

هذا كله وجه انه ليس للجار قطع الاغصان الا بعد الامتناع من صاحب الشجر لانه لم يكن الادخال فعلا اختيار يا من مالك الشجر، و هذا بخلاف زرع الغابن، فانه حيث كان فعلا اختيار يا له، فانه يجوز للمغبون قلع زرعه ابتداء.

لكن يرد عليه أولا: ان هذا ليس بفارق.

و ثانيا قد يكون زرع الغابن طبيعيا- أيضا- لا اختياريا (هذا كله حكم التخليص) اى فيما لو اراد المغبون تخليص ارضه من الزرع.

(و اما لو اختار المغبون الابقاء) و لم يرد الغابن قلعه (فمقتضى ما ذكرنا من عدم ثبوت حق لاحد المالكين على الآخر) اى ليس لمالك الارض حق على مالك الزرع، و لا بالعكس (استحقاقه) «خبر» قوله «فمقتضى» اى استحقاق مالك الارض (الاجرة على البقاء) اى بقاء زرع الغابن فى ملكه (لان انتقال الارض الى) البائع (المغبون) انما هو (بحق سابق على الغرس) فان الفسخ عبارة عن ابطال الحق الطارئ اى البيع فيرجع الملك الى مالكه الاول، و كانه لم يحدث شي ء.

و حيث ان حق مالك الارض سابق على الغرس كان لمالك الارض اخذ

ص: 181

لا بسبب لاحق له، هذا كله حكم الشجر.

و اما الزرع ففى المسالك انه يتعين ابقائه بالاجرة لان له امدا ينتظر.

و لعله لامكان الجمع بين الحقين على وجه لا ضرر فيه على الطرفين بخلاف مسألة الشجر، فان فى تعيين ابقائه بالاجرة ضررا على مالك الارض، لطول مدة البقاء، فتأمّل.

______________________________

الاجرة من مالك الزرع (لا بسبب لاحق له) اى للغرس، فليس ملك مالك الارض لاحقا على الغرس حتى استحق الغرس البقاء (هذا كله حكم الشجر) الّذي غرسه المشترى الغابن فى ارض البائع المغبون.

(و اما الزرع) للغابن فى ارض المغبون (ففى المسالك انه يتعين) على المغبون (ابقائه بالاجرة) بان يأخذ الاجرة من الغابن المالك للزرع (لان له) اى للزرع (امدا ينتظر) كستة اشهر مثلا.

(و لعله) اى لعل ما ذكره المسالك من الفرق بين الشجر و بين الزرع (لامكان الجمع بين الحقين) حق مالك الارض و حق مالك الزرع، جمعا (على وجه لا ضرر فيه على الطرفين) فان قلع الزرع ضرر على مالك الزرع، و بقائه بدون اجرة، ضرر على مالك الارض (بخلاف مسألة الشجر، فان فى تعيين) الشارع و ايجاب (ابقائه بالاجرة ضررا على مالك الارض، لطول مدة البقاء) فان مالك الارض لا يريد انشغال ارضه ثلاثين سنة مثلا (فتأمل).

فانه لا فرق بينهما فى كون البقاء ضررا على مالك الارض و القلع ضررا على مالك الزرع و الشجر، و الوجوه الاعتبارية لا تصلح للفرق شرعا.

ص: 182

و لو طلب مالك الغرس القلع فهل لمالك الارض منعه لاستلزامه نقص ارضه؟- فان كلا منهما مسلط على ماله، و لا يجوز تصرفه فى مال غيره الا باذنه- أم لا، لان التسلط على المال لا يوجب منع مالك آخر عن التصرف فى ماله، وجهان أقواهما الثانى.

و لو كان التغير بالامتزاج.

فاما ان يكون بغير جنسه.

و اما ان يكون بجنسه

______________________________

(و لو طلب مالك الغرس القلع فهل لمالك الارض منعه لاستلزامه) اى استلزام القلع (نقص ارضه؟) بالحفر و نحوها (- فان كلا منهما) اى مالك الارض و مالك الزرع (مسلط على ماله، و لا يجوز تصرفه فى مال غيره الا باذنه-) فلا يحق لمالك الغرس ان يتصرف فى مال مالك الارض الا باذنه (أم لا) بل لمالك الغرس ان يقلعه و ان كان ذلك تصرفا فى الارض (لان التسلط) اى تسلط مالك الارض (على المال) اى على ارضه (لا يوجب منع مالك آخر) و هو مالك الزرع (عن التصرف فى ماله) الّذي هو الزرع (وجهان أقواهما) عند المصنف (الثانى) و ان كان محل تأمل.

(و لو كان التغير) الّذي احدثه الغابن فى ملك المغبون (بالامتزاج) كما اذا اخذ الغابن لبنه و مزجه بلبن نفسه- مثلا-.

(فاما ان يكون بغير جنسه) كاللبن بالسكر.

(و اما ان يكون بجنسه) كاللبن باللبن.

ص: 183

فان كان بغير جنسه فان كان على وجه الاستهلاك عرفا بحيث لا يحكم فى مثله بالشركة، كامتزاج ماء الورد المبيع بالزيت فهو فى حكم التالف يرجع الى قيمته.

و ان كان لا على وجه يعد تالفا كالخل الممتزج مع الانجبين ففى كونه شريكا او كونه كالمعدوم

______________________________

(فان كان) المزج (بغير جنسه) فله صورتان: الاستهلاك، و عدمه (فان كان على وجه الاستهلاك عرفا) اى ان العرف يرى انه قد هلك مال المغبون (بحيث لا يحكم فى مثله بالشركة، كامتزاج ماء الورد المبيع بالزيت) الّذي هو للمشترى الغابن (فهو فى حكم التالف) لانه تلف لماء الورد عرفا، و (يرجع الى قيمته) ان كانت قيمية، و الا فالرجوع يكون الى مثله.

(و ان كان لا على وجه يعد تالفا كالخل الممتزج مع الانجبين) اذ الممتزج منهما لا يقال له خل و لا انجبين، فلم يستهلك احدهما فى الآخر بل يعد كل واحد منهما موجودا ضمن هذا الممتزج الّذي يسمى بالسكنجبين (ففى كونه) اى المغبون و هو صاحب الخل فى المثال (شريكا) مع الغابن فى قدر العين، كما اذا كان الخل منّا و الانجبين منين كان المغبون شريكا فى الثلث او شريكا معه فى النسبة المالية، فلو كانت قيمة الخل ضعف قيمة الانجبين كان المغبون شريكا فى الثلثين او شريكا معه فى الامر المتوسط بين العين و القيمة، ففى المثال يكون شريكا فى النصف احتمالات- و ان كان الاشتراك فى القيمة اظهر- (او كونه كالمعدوم)

ص: 184

وجهان، من حصول الاشتراك قهرا لو كانا لمالكين.

و من تغير حقيقته فيكون كالتلف الرافع للخيار.

و ان كان الامتزاج بالجنس، فان كان بالمساوى يثبت الشركة.

و ان كان بالاردى فكذلك.

و فى استحقاقه لارش النقص، او تفاوت الرداءة من

______________________________

فالمرجع المثل او القيمة (وجهان، من حصول الاشتراك قهرا لو كانا لمالكين) و كذا اذا صار بعد المزج لمالكين، فان المغبون لما يفسخ يكون مالك الخل غير مالك الانجبين.

(و من تغير حقيقته) فالسكنجبين ليس خلا (فيكون كالتلف الرافع للخيار) فالمرجع: المثل او القيمة.

لكن الاول اقوى لان العرف لا يراه تالفا، فهو مثل البيض اذا صار فرخا، او اللبن اذا صار زبدا، او ما اشبه ذلك فانه هو هو بتغير.

(و ان كان الامتزاج بالجنس، فان كان بالمساوى) كالماء بالماء مع تساويهما (يثبت الشركة) لان الجنس لم يتلف، فكل جنس فى المجموع لمالكه.

(و ان كان بالاردى) بان كان جنس المغبون احسن (فكذلك) تثبت الشركة، لان الجنس لم يتلف عرفا و انما صار اردى.

(و فى استحقاقه) اى المغبون الّذي اخذ الاردى (لارش النقص) فان مائه الجيد كان يسوى عشرة و الآن بعد المزج و اخذه قدر مائه السابق يسوى مائه خمسة، فيأخذ الخمسة التالفة (او) يأخذ (تفاوت الرداءة من)

ص: 185

الجنس الممتزج، او من ثمنه، وجوه.

و لو كان بالاجود احتمل الشركة فى الثمن، بان يباع و يعطى من الثمن بنسبة قيمته.

______________________________

نفس (الجنس) فيأخذ من نفس الماء (الممتزج) بمقدار خمسة افلس (او من ثمنه) لا من مال خارج.

و لعل الفرق ان ثمن الجنس اقرب الى مال المغبون من الارش، و ان كان لم يظهر فرق حقيقى بين الامرين، لانه لا يخلو الحال اما ان يعطى من نفس الجنس بقدر التفاوت و اما ان يعطى من النقود بقدر التفاوت.

و لا فرق فى النقد ان يكون من ثمن نفس الجنس او من غيره (وجوه).

وجه نفس الجنس انه اقرب حيث ان فيه اجزاء من نفس جنس المغبون و وجه ثمنه ان نفس الجنس كالتالف، فاللازم ثمنه الّذي هو اقرب الى نفس الجنس.

و وجه الارش انه لا خصوصية لثمن الجنس و انما المعيار تدارك النقص.

(و لو كان) الامتزاج (ب) الجنس (الاجود) بان كان مال المغبون اردى من مال الغابن (احتمل الشركة فى الثمن).

مثلا: كان جنس المغبون يسوى عشرة دراهم، فللمغبون عشرة دراهم فى ثمن هذا الممتزج (بان يباع و يعطى من الثمن بنسبة قيمته) بدون ملاحظة الوزن فى الجنس الممتزج.

ص: 186

و يحتمل الشركة بنسبة القيمة، فاذا كان الاجود يساوى قيمتى الردي ء كان المجموع بينهما اثلاثا.

و ردّه الشيخ فى مسألة رجوع البائع على المفلس بعين ماله بانه يستلزم الربا.

قيل و هو حسن مع عموم الربا لكل معاوضة.

______________________________

(و يحتمل الشركة بنسبة القيمة) مثلا (فاذا كان الاجود) الّذي هو للغابن (يساوى قيمتى الردي ء) الّذي هو للمغبون (كان المجموع بينهما اثلاثا) ثلث للمغبون و ثلثان للغابن.

و ذلك لان الملحوظ عند العرف فى هذه الموارد: المالية، و لا خصوصية للعين.

(و) لكن (ردّه الشيخ) اى رد الشركة بنسبة القيمة (فى مسألة رجوع البائع على المفلس بعين ماله) فيما اذا كان المفلس مزج مال البائع الردى بماله الجيد، فان مسألتنا و مسألة الشيخ من باب واحد (بانه) اى الشركة بنسبة القيمة (يستلزم الربا) لان المغبون يعطى الجنس الردي ء اكثر مما يأخذ من الجنس الجيّد و الربا يحدث بالتفاوت فى المقدار، و ان كان الاقل رديئا و الاكثر حسنا.

(قيل و هو) كلام الشيخ (حسن مع عموم الربا لكل معاوضة) و لو كانت معاوضة قهرية كالمقام، لكن لم يعلم عموم الربا للمعاوضات القهرية خصوصا، و ان العلة فى حرمة الربا ما ورد فى الحديث عن الرضا عليه السلام انه فساد المال، و فى المقام لا يوجب ذلك فساد المال.

ص: 187

بقى الكلام فى حكم تلف العوضين مع الغبن.

و تفصيله: ان التلف اما ان يكون فيما وصل الى الغابن او فيما وصل الى المغبون، و التلف اما بآفة او باتلاف احد هما، او باتلاف الاجنبى.

و حكمها انه لو تلف ما فى يد المغبون، فان كان بآفة فمقتضى ما تقدم من التذكرة فى الاخراج عن الملك من تعليل السقوط بعدم امكان الاستدراك

______________________________

(بقى الكلام فى حكم تلف) اىّ واحد من (العوضين مع) كون (الغبن) فى البين.

(و تفصيله: ان التلف اما ان يكون فيما وصل الى الغابن) كالبقال الّذي يبيع الدهن باغلى من قيمته (او فيما وصل الى المغبون) كالدهن فى المثال (و التلف اما بآفة) كما لو هبّ ريح فانكب الدهن، او جاءت صاعقة فاحرقت الدينار الّذي كان ثمنا للدهن (او باتلاف احدهما) اما الغابن او المغبون (او باتلاف الاجنبى) اى شخص ثالث.

(و حكمها) اى حكم هذه الاقسام (انه لو تلف ما فى يد المغبون) و هو الدهن- مثلا- (فان كان) التلف (بآفة) سماوية و نحوها (فمقتضى ما تقدم من التذكرة فى الاخراج عن الملك) اى اخراج المغبون ما فى يده، من ملكه، بان باع المغبون ما غبن فيه- مثلا- حيث قال العلامة انه يسقط خياره (من تعليل) العلامة (السقوط) اى سقوط الخيار (بعدم امكان الاستدراك) لان المغبون لا يتمكن من ارجاع العين الى الغابن.

فمقتضى هذا التعليل هناك

ص: 188

سقوط الخيار.

لكنك قد عرفت الكلام فى مورد التعليل، فضلا عن غيره.

و لذا اختار غير واحد بقاء الخيار، فاذا فسخ غرم قيمته يوم التلف او يوم الفسخ.

و اخذ ما عند الغابن او بدله.

______________________________

(سقوط الخيار) هنا أيضا، لانه لا يقدر المغبون من ارجاع العين الى الغابن، بعد ان تلف العين بآفة سماوية.

(لكنك قد عرفت الكلام) اى اشكالنا على العلامة (فى مورد التعليل) و هو مورد اخراج المغبون عن ملكه، و ان ذلك لا يوجب سقوط خياره (فضلا عن غيره) اى غير مورد التعليل، و هو ما نحن فيه، و هو مورد التلف بآفة

(و لذا اختار غير واحد) من الفقهاء (بقاء الخيار) للمغبون بعد ان تلفت العين بآفة (فاذا فسخ) المغبون اخذ ثمنه من الغابن، و (غرم) المغبون (قيمته) اى قيمة العين التى تلفت، و هى القيمة فى (يوم التلف) (او) فى (يوم الفسخ).

مثلا: تلفت العين يوم الجمعة و كانت قيمتها حينذاك عشرة، و فسخ يوم السبت و كانت قيمتها خمس عشرة، و هذا فرع ان الضامن يضمن قيمة يوم التلف او غيره، كما سبق الكلام مفصلا فى قوله عليه السلام «قيمة بغل يوم خالف» فى صحيحة ابى ولّاد.

(و) اذا فسخ المغبون (اخذ ما عند الغابن) اذا كان موجودا (او بدله) اذا كان ما عند الغابن تالفا او نحوه.

ص: 189

و كذا لو كان باتلافه.

و لو كان باتلاف الاجنبى ففسخ المغبون اخذ الثمن و رجع الغابن الى المتلف، ان لم يرجع المغبون عليه.

و ان رجع عليه بالبدل ثم ظهر الغبن ففسخ رد على الغابن القيمة يوم التلف، او يوم الفسخ.

______________________________

(و كذا) الحال (لو كان) تلف ما عند المغبون (باتلافه) اى اتلاف المغبون له، لا بآفة سماوية- لان الملاك فيهما واحد-.

(و لو كان) تلف المتاع الّذي بيد المغبون (باتلاف الاجنبى) بدون ان يكون الاتلاف بامر من احد المتبايعين، و الا كان الاتلاف على الآمر و يكون بمنزلة تلف نفس الآمر (ففسخ المغبون اخذ) المغبون (الثمن) من الغابن (و رجع الغابن الى المتلف) لان المتلف عليه الضمان و لا يرجع الغابن الى المغبون.

اذ لا حق له عليه مع احتمال الرجوع إليه، لانه من باب تعاقب الايدى على المغصوب (ان لم يرجع المغبون عليه) اى الى المتلف، و الا كان الغابن يرجع الى المغبون.

و الظاهر ان له ان يرجع الى ايهما شاء، لانه من باب تعاقب الايدى (و ان رجع) المغبون (عليه) اى على المتلف (بالبدل) فيما اتلفه الاجنبى (ثم ظهر الغبن ففسخ) المغبون، العقد (رد على الغابن القيمة يوم التلف، او يوم الفسخ).

اما يوم التلف لانه فى هذا اليوم تحول الى البدل.

ص: 190

و لو كان باتلاف الغابن، فان لم يفسخ المغبون اخذ القيمة من الغابن، و ان فسخ اخذ الثمن.

و لو كان اتلافه قبل ظهور الغبن فابرئه المغبون من الغرامة، ثم ظهر الغبن، ففسخ، وجب عليه ردّ القيمة لان ما أبرأه بمنزلة المقبوض.

______________________________

و اما يوم الفسخ فلانه حيث فسخ وجب عليه ردّ العين، فان لم تكن عين لزم عليه ردّ بدلها، ثم يجب عليه رد القيمة اذا لم يكن الشي ء مثليا و الا لزم رد المثل.

(و لو كان) تلف العين المغبون فيها (باتلاف الغابن، فان لم يفسخ المغبون اخذ القيمة من الغابن) لقاعدة: اليد، و لو كان مثليا اخذ مثله- و لعل مراد المصنف من القيمة الاعم من المثل و القيمة- (و ان فسخ) المغبون ثم اتلفه الغابن (اخذ) المغبون (الثمن) الّذي قرر فى العقد من الغابن، لانه مقتضى الفسخ.

(و لو كان اتلافه) اى اتلاف الغابن (قبل ظهور الغبن فابرئه المغبون من الغرامة) بان اسقط ما فى ذمة الغابن المتلف من حقه فى قيمة ما اتلفه الغابن (ثم) بعد ذلك (ظهر الغبن، ففسخ) المغبون (وجب عليه) اى على المغبون (ردّ القيمة) اى قيمة المتاع الى الغابن بعد ان يأخذ من الغابن القيمة التى وقع عليها العقد.

و انما وجب على المغبون ذلك (لان ما أبرأه) المغبون حيث أبرأ الغابن المتلف (بمنزلة المقبوض) فكانه أخذ العين من الغابن المتلف، فاذا فسخ رد على الغابن بدل متاع الغابن، ليأخذ منه عين الثمن الّذي

ص: 191

و لو تلف ما فى يد الغابن بآفة او باتلافه، ففسخ المغبون، اخذ البدل.

و فى اعتبار القيمة يوم التلف او يوم الفسخ قولان.

ظاهر الاكثر الاول، و لكن صرح فى الدروس و المسالك و محكى حاشية الشرائع للمحقق الثانى و صاحب الحدائق و بعض آخر انه لو اشترى

______________________________

دفعه حال العقد.

هذا كله فيما اذا تلف ما فى يد المغبون.

(و) اما (لو تلف ما فى يد الغابن بآفة او باتلافه) اى اتلفه الغابن كما اذا اشترى دارا بالف منّ من الحنطة، و كان الغابن هو البائع و قد اتلف الغابن او أفّت الحنطة (ففسخ المغبون) و ارجع الدار (اخذ) المغبون (البدل).

و الظاهر انه المثل اذا كان مثليا و القيمة اذا كان قيميا.

(و فى اعتبار القيمة يوم التلف) اى تلف الحنطة (او يوم الفسخ) اذا كان هناك اختلاف بين القيمتين فى اليومين (قولان).

(ظاهر الاكثر الاول) لان يوم التلف هو يوم الانتقال الى القيمة (و لكن صرح فى الدروس و المسالك و محكى حاشية الشرائع للمحقق الثانى و صاحب الحدائق و بعض آخر) ما يظهر منه ذهابهم الى الثانى و انه يوم الفسخ، فانهم و ان لم يعنونوا هذه المسألة، الا انهم عنونوا مسألة اخرى شبيهة بهذه المسألة فى وحدة الملاك.

فانهم قالوا ب (انه لو اشترى

ص: 192

عينا بعين، فقبض إحداهما دون الاخرى، فباع المقبوض ثم تلف غير مقبوض ان البيع الاول ينفسخ بتلف متعلقه قبل القبض.

بخلاف البيع الثانى فيغرم البائع الثانى قيمة ما باعه يوم تلف غير المقبوض و هذا ظاهر بل صريح فى ان العبرة بقيمة يوم الانفساخ دون تلف العين

______________________________

عينا بعين) فكان الثمن عينا أيضا لا نقدا (فقبض إحداهما دون الاخرى)

مثلا: باع دارا بثمن هو حنطة، و اخذ المشترى الدار و لم يقبض البائع الحنطة (فباع) المشترى- فى المثال- (المقبوض) و هى الدار (ثم تلف) عند المشترى الحنطة، و هى (غير مقبوض) للبائع.

قال هؤلاء الفقهاء (ان البيع الاول) اى بيع الدار بالحنطة (ينفسخ بتلف متعلقه) اى الحنطة (قبل القبض) لان البائع لم يقبض الحنطة- حسب الفرض-.

(بخلاف البيع الثانى) اى بيع المشترى الدار، و عليه فيلزم على المشترى الّذي باع الدار ان يسلم الى البائع الاول داره.

و حيث ان الدار قد باعها المشترى الى انسان ثالث (فيغرم البائع الثانى قيمة ما باعه) اى قيمة الدار (يوم تلف) الحنطة (غير المقبوض)

اذ الدار كانت فى مقابلة الحنطة، فاذا تلفت الحنطة انتقل بدل الحنطة- و هى القيمة- الى ذمة المشترى الاول، فان يوم تلف الحنطة هو يوم الانفساخ و يوم بيع المشترى الدار هو يوم تلف العين، اذ الدار بالبيع صارت تالفة (و هذا ظاهر بل صريح فى ان العبرة بقيمة يوم الانفساخ دون تلف العين).

ص: 193

و الفرق بين المسألتين مشكل، و تمام الكلام فى باب الاقالة ان شاء اللّه.

و لو تلف باتلاف الاجنبى رجع المغبون بعد الفسخ الى الغابن لانه الّذي يرد إليه العوض، فيؤخذ منه المعوض او بدله، و لانه ملك القيمة على المتلف

______________________________

(و الفرق بين المسألتين) و هما المسألة التى هى محل الكلام التى قال المشهور: ان العبرة بيوم التلف، و المسألة التى ذكرها الشهيدان و غيرهما التى قالوا «ان العبرة بيوم الفسخ» (مشكل) لان كلتيهما من باب واحد (و تمام الكلام فى باب الاقالة ان شاء الله) تعالى هذا فيما لو تلف ما فى يد الغابن بآفة او باتلاف الغابن.

(و لو تلف) ما فى يد الغابن (باتلاف الاجنبى رجع المغبون بعد الفسخ) اى بعد فسخ المغبون (الى الغابن) لا الى المتلف (لانه) اى الغابن هو (الّذي يرد إليه العوض، فيؤخذ منه المعوض) ان كان المعوض موجودا (او بدله) ان كان مفقودا.

و قوله «لانه» دليل عقلى، فان من له الغنم فعليه الغرم (و لانه) اى الغابن (ملك القيمة) اى قيمة التالف (على المتلف) اذ لما اتلف الاجنبى الشي ء كان فى ملك الغابن، و بعد ذلك حدث الفسخ.

و حيث كان المتلف ضامنا للغابن فلا يمكن ان يكون ضامنا للمغبون حتى يرجع المغبون إليه، لان ما فى ذمة المتلف لا يملكه شخصان.

ص: 194

و يحتمل الرجوع الى المتلف، لان المال فى ضمانه، و ما لم يدفع العوض فنفس المال فى عهدته.

و لذا صرح فى الشرائع بجواز المصالحة على ذلك المتلف بما لو صالح به على قيمته لزم الربا.

______________________________

(و يحتمل الرجوع) اى رجوع المغبون (الى المتلف، لان المال فى ضمانه) فان من اتلف مال الغير فهو له ضامن (و ما لم يدفع) المتلف (العوض) عما اتلفه (فنفس المال فى عهدته) فاذا فسخ المغبون كان المال فى عهدة المتلف فأخذه منه، و حيث قد اتلف عينه اخذ المغبون بدله.

(و لذا) الّذي كان المال فى ضمان المتلف (صرح فى الشرائع بجواز المصالحة على ذلك) المال (المتلف)- بصيغة اسم المفعول- (بما لو صالح به) مع المتلف (على قيمته) بان اعطى قيمة المتلف (لزم الربا) فان فى الصلح على القيمة عملين.

الاول: تبديل العين بالقيمة.

الثانى: جعل القيمة عوضا فى الصلح، فاذا كان المتلف قد اتلف العين فصالحه المغبون بعد ان فسخ المعاملة على ان يعطيه خمسين دينارا بدلا عن قيمة العين المتلفة كان ذلك ربا، لان المغبون اعطى للمتلف مائة، القيمة الحقيقية للعين المتلفة و اخذ منه خمسين.

و هذا بخلاف ما اذا صالح المغبون مع المتلف باعطاء المال للمغبون فى قبال تلفه للعين رأسا- حيث لم يقابل النقد بالنقد-.

ص: 195

و صرح العلامة بانه لو صالحه على نفس المتلف باقل من قيمته، لم يلزم الربا.

و ان صالحه على قيمته بالاقل، لزم الربا بناء على جريانه فى الصلح و يحتمل التخيير.

اما الغابن فلانه ملك البدل.

و اما المتلف فلان المال المتلف فى عهدته قبل اداء

______________________________

(و صرح العلامة بانه لو صالحه) اى لو صالح المغبون المتلف (على نفس المتلف)- بالفتح- (باقل من قيمته، لم يلزم الربا) لانه نقد فى قبال عين.

(و ان صالحه على قيمته) اى حوّل المتلف الى القيمة و صالح المغبون المتلف على تلك القيمة (بالاقل) او بالاكثر (لزم الربا) لانه يحصل التفاضل بين النقدين و هو ربا (بناء على جريانه) اى جريان الربا (فى الصلح).

(و) هنا احتمال ثالث فى رجوع المغبون الى الغابن او المتلف اذ (يحتمل) رجوعه على (التخيير) فان شاء رجع الى الغابن و ان شاء رجع الى المتلف.

(اما) الرجوع الى (الغابن فلانه) اى الغابن (ملك البدل) اذ المغبون يعطى عوض ما تلف من ماله الى الغابن.

(و اما المتلف) اى رجوع المغبون الى المتلف- بالكسر- (فلان المال المتلف) بالفسخ (فى عهدته) اى عهدة المتلف (قبل اداء) المتلف

ص: 196

القيمة.

و ان كان باتلاف المغبون فان لم يفسخ غرم بدله.

و لو أبرأه الغابن من بدل المتلف، فظهر الغبن، ففسخ، ردّ الثمن و اخذ قيمة المتلف، لان المبرئ منه كالمقبوض.

هذا قليل من كثير ما يكون هذا المقام قابلا له من الكلام، و ينبغى احالة الزائد على ما ذكروه فى غير هذا المقام، و اللّه العالم بالاحكام و رسوله و خلفائه الكرام صلوات اللّه عليه و عليهم الى يوم القيام.

______________________________

(القيمة) فيستصحب بقائه فى عهدته فيرجع المغبون إليه.

(و ان كان) تلف ما فى يد الغابن (باتلاف المغبون) له (فان لم يفسخ) المغبون المعاملة (غرم) المغبون (بدله) اى بدل ما فى يد الغابن، لانه اتلف مال غيره.

(و لو أبرأه) اى ابرأ المغبون (الغابن من بدل المتلف) اى ما اتلفه المغبون (فظهر الغبن) بعد الابراء (ففسخ) المغبون المتلف (ردّ) المغبون (الثمن) الى الغابن (و اخذ) المغبون من الغابن (قيمة المتلف) و انما يأخذ القيمة (لان المبرئ منه) حيث برء الغابن المغبون عما اتلفه المغبون (كالمقبوض) للغابن.

(هذا قليل من كثير ما يكون هذا المقام) خيار الغبن (قابلا له من الكلام و ينبغى احالة الزائد على ما ذكروه) احالة (فى غير هذا المقام، و اللّه العالم بالاحكام، و رسوله و خلفائه الكرام صلوات الله عليه و عليهم الى يوم القيام) بل و ما بعده الى ما لا يعلم مداه الا القدير العلّام.

ص: 197

مسئلة الظاهر ثبوت خيار الغبن فى كل معاوضة مالية

بناء على الاستناد فى ثبوته فى البيع، الى نفى الضرر.

نعم لو استند الى الاجماعات المنقولة، امكن الرجوع فى غير البيع الى اصالة اللزوم.

______________________________

(مسألة: الظاهر ثبوت خيار الغبن فى كل معاوضة) لا فى الايقاعات فلو ظن ان عبده يسوى الفا، فاعتقه كفارة، ثم ظهر انه يسوى الفين، او ظن انه اذ اطلق زوجته يزوج باختها، ثم ظهر كذب ظنه، فلا خيار له فى ابطال العتق و الطلاق، و ان كان يسمى مغبونا- عرفا-.

فعليه يثبت خيار الغبن فى كل معاوضة (مالية) بخلاف ما اذا لم تكن مالية، كما اذا تعاهد شخصان ان يزور احدهما الامام امير المؤمنين عليه السلام فى النجف فى قبال ان يزور الآخر عنه الامام الحسين عليه السلام فى كربلاء، ثم تبين ان قيمة زيارة الامام امير المؤمنين عليه السلام اكثر، مع احتمال ان يجرى خيار الغبن هنا أيضا (بناء على الاستناد فى ثبوته) اى ثبوت خيار الغبن (فى البيع، الى) انه عقلائى، و قد أمضاه الشارع و الى (نفى الضرر) اذ كلا الوجهين جار فى سائر المعاملات.

(نعم لو استند الى الاجماعات المنقولة) فى البيع بان كان مستند خيار الغبن فى باب البيع الاجماع (امكن الرجوع فى غير البيع) اذ غبن فيه (الى اصالة اللزوم) لان الاصل لزوم كل عقد الا ما خرج بالدليل و حيث

ص: 198

و ممن حكى عنه التصريح بالعموم فخر الدين قدس سره فى شرح الارشاد، و صاحب التنقيح و صاحب إيضاح النافع.

و عن اجارة جامع المقاصد جريانه فيها مستندا الى انه من توابع المعاوضات.

نعم حكى عن المهذب البارع: عدم جريانه فى الصلح.

و لعله لكون الغرض الاصلى فيه قطع المنازعة، فلا يشرع فيه الفسخ و فيه ما لا يخفى.

______________________________

لا اجماع فى غير البيع فالاصل اللزوم.

(و ممن حكى عنه التصريح بالعموم) و ان خيار الغبن جار فى كل معاوضة (فخر الدين قدس سره فى شرح الارشاد، و صاحب التنقيح و صاحب إيضاح النافع).

(و) كذلك حكى (عن اجارة جامع المقاصد جريانه) اى جريان خيار الغبن (فيها) اى فى الاجارة (مستندا الى انه من توابع المعاوضات) اى ان خيار الغبن من احكام المعاوضات، و الاجارة معاوضة فيجرى فيها خيار الغبن.

(نعم حكى عن المهذب البارع: عدم جريانه فى الصلح).

(و لعله) اى لعل وجه عدم الجريان (لكون الغرض الاصلى فيه) اى فى الصلح (قطع المنازعة، فلا يشرع فيه الفسخ) لان الفسخ ارجاع الى المنازعة (و فيه ما لا يخفى).

اذ: لا منافات بين الغرض الاصلى، و بين عدم لزوم الصلح الّذي

ص: 199

و فى غاية المرام التفصيل بين الصلح الواقع على وجه المعاوضة فيجرى فيه، و بين الواقع على اسقاط دعوى قبل ثبوتها ثم ظهر حقية ما يدعيه، و كان مغبونا فيما صالح به، و الواقع على ما فى الذمم، و كان مجهولا ثم ظهر بعد عقد الصلح، و ظهر غبن احدهما على تأمل.

______________________________

غبن فيه، كما ان الغرض الاصلى من الاجارة الانتفاع بالعين، و مع ذلك يجرى فيها الفسخ المنافى لهذا الغرض.

و كذلك الغرض الاصلى فى البيع و غيره، كما هو واضح.

(و فى غاية المرام التفصيل بين الصلح الواقع على وجه المعاوضة فيجرى فيه) اى فى خيار الغبن، لانه كسائر المعاوضات التى يجرى فيها خيار الغبن، فللصلح حكم المعاوضة (و بين) الصلح (الواقع على اسقاط دعوى قبل ثبوتها ثم ظهر) بعد الصلح (حقية ما يدعيه، و كان مغبونا فيما صالح به).

مثل: ان يدعى عليه الف دينار فصالحه على مائة، ثم ظهر انه يطلبه الفا، فانه يكون مغبونا حينئذ، لانه اخذ مائة فى قبال الألف (و) الصلح (الواقع) عطف على «بين الواقع» (على ما فى الذمم، و كان) ما فى الذمة (مجهولا) كما اذا طلب زيد من محمد شيئا، و لم يعلم قدره فصالحه على مائة (ثم ظهر) قدره (بعد عقد الصلح، و ظهر غبن احدهما) و ان ما فى الذمة كان الفا، او كان خمسين، فانه لا يجرى فيها الخيار (على تأمل) اى تأمل فى عدم جريان خيار الغبن فى هذين الصلحين، لاحتمال جريانه فيهما أيضا.

ص: 200

و لعله للاقدام فى هذين على رفع اليد عما صالح عنه كائنا ما كان، فقد اقدم على الضرر.

و حكى عن بعض التفصيل بين كل عقد وقع شخصه على وجه المسامحة و كان الاقدام فيه على المعاملة مبنيا على عدم الالتفات الى النقص و الزيادة بيعا كان او صلحا او غيرهما، فانه لا يصدق فيه اسم الغبن.

و بين غيره.

و فيه- مع ان منع صدق الغبن

______________________________

(و لعله) اى لعل وجه عدم جريان الخيار فى هذين الصلحين اسقاط الدعوى، و ما فى الذمم (للاقدام فى هذين) القسمين (على رفع اليد عما صالح عنه كائنا ما كان) مقداره (فقد اقدم) المغبون (على الضرر) و المقدم على الضرر لا خيار له.

و وجه التأمل انه اقدم على الضرر القليل لا الضرر الكثير، فلم يقدم على هذا المقدار من الضرر، فيشمله دليل: لا ضرر.

(و حكى عن بعض التفصيل بين كل عقد وقع شخصه) اى هذا الفرد الخارجى من العقد (على وجه المسامحة، و) ذلك بمعنى انه (كان الاقدام فيه) اى فى ذلك العقد (على المعاملة مبنيا على عدم الالتفات) فيه (الى النقص و الزيادة بيعا كان او صلحا او غيرهما، ف) لا خيار فيه ل (انه لا يصدق فيه اسم الغبن)

(و بين غيره) ففيه الخيار، لانه يصدق فيه اسم الغبن.

(و فيه- مع ان منع صدق الغبن) فيما كان مبنيا على عدم الالتفات

ص: 201

محل نظر- ان الحكم بالخيار لم يعلق فى دليل على مفهوم لفظ الغبن، حتى يتبع مصاديقه.

فان الفتاوى مختصة بغبن البيع، و حديث نفى الضرر عامّ لم يخرج منه الا ما استثنى فى الفتاوى من صورة الاقدام على الضرر عالما به.

______________________________

(محل نظر-) اذ يصدق الغبن، لكن يقال: انه لم يعتن بالغبن (ان) دليل الخيار يشمل صورة الاقدام المسامحى.

اما بالنسبة الى البيع فدليل الخيار يقول: البيع الغبنى، و هو موجود فى صورة المسامحة، لانه يسمى بيعا غبنيا.

و اما بالنسبة الى غير البيع، فدليل الخيار فيه هو الضرر، و الضرر موجود و ان اقدم فى المعاملة مسامحة.

فان (الحكم بالخيار) فى صورة الغبن (لم يعلق فى دليل على مفهوم لفظ الغبن، حتى يتبع مصاديقه) اى مصاديق الغبن، لنرى ان اىّ مكان يصدق انه غبن و اى مكان لا يصدق انه غبن، حتى يقول هذا المفصل «مع المسامحة لا يصدق الغبن» اذ الدليل على خيار الغبن اما الفتاوى و اما دليل: لا ضرر، و كلاهما لا يدل على عدم خيار الغبن فى صورة المسامحة (فان الفتاوى مختصة بغبن البيع) فلا مورد لها فى غير البيع (و حديث نفى الضرر عامّ) يشمل البيع و غيره، المسامحى و غيره، و (لم يخرج منه الا ما استثنى فى الفتاوى من صورة الاقدام على الضرر عالما به) و صورة الجهل بالضرر لا تدخل تحت المستثنى، و منه يعلم عدم كفاية المسامحة فى اسقاط الخيار فى صورة عدم العلم بالضرر.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 12، ص: 203

ص: 202

نعم لو استدل بآية: التجارة عن تراض، او النهى عن: اكل المال بالباطل امكن اختصاصها بما اذا اقدم على المعاملة محتملا للضرر مسامحا فى دفع ذلك الاحتمال.

______________________________

(نعم لو استدل) خيار الغبن (بآية: التجارة عن تراض، او النهى عن: اكل المال بالباطل) و هما جملتان فى آية واحدة، هى قوله تعالى: لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ

وجه الاستدلال انه لا رضا مع الغبن، و انه اكل للمال بالباطل.

فلو استدل بهما (امكن) صحة دعوى المفصل «بانه اذا كان مبنى المعاملة على المسامحة لم يكن خيار» ل (اختصاصها) اى الآية بصورة الاقدام المسامحى بان الاقدام المسامحى «تجارة عن تراض» و ليس «اكلا بالباطل».

و عليه فلا خيار فى الاقدام المسامحى.

و الحاصل ان الاقدام المسامحى داخل فى «تراض» و ليس داخلا فى «الاكل بالباطل».

و لذا فلا خيار فى صورة الاقدام المسامحى فعدم الرضا المفهوم من «عن تراض» انه يوجب الخيار و «الاكل بالباطل» الموجب للخيار قد خصص (بما اذا اقدم على المعاملة محتملا للضرر) فى حالكونه (مسامحا فى دفع ذلك الاحتمال) اى لم يدفع هذا الاحتمال بترك المعاملة، بل اقدم على المعاملة.

و لا يخفى ان احسن احتمال فى استقامة عبارة المصنف اى قوله «امكن

ص: 203

و الحاصل: ان المسألة لا تخلو عن اشكال، من جهة اصالة اللزوم، و اختصاص معقد الاجماع و الشهرة بالبيع، و عدم تعرض الاكثر لدخول هذا الخيار فى غير البيع، كما تعرضوا لجريان خيار الشرط و تعرضهم لعدم جريان خيار المجلس فى غير البيع

______________________________

اختصاصها بما اذا» ان «امكن» استثناء عن «بالباطل».

فكانه قال و لو استدل للخيار بآية: اكل المال بالباطل، كانت صورة المسامحة خارجة عن الآية- لانه مع الرضا، ليس اكلا بالباطل- فلا خيار، و يكون قوله «بآية التجارة» محذوف الاستدلال بها، لفهم الاستدلال بها من الاستدلال بالنهى عن اكل المال بالباطل، فيكون من قبيل:

نحن بما عندنا و انت بما عند ك راض و الرأى مختلف

(و الحاصل: ان المسألة) اى مسألة دخول خيار الغبن فى كل معاوضة (لا تخلو عن اشكال، من جهة اصالة اللزوم) فى المعاملة، فلا خيار (و اختصاص) دليل الخيار من (معقد الاجماع و الشهرة) المحققة (بالبيع) فلا اجماع و لا شهرة محققة فى دخول خيار الغبن فى غير البيع (و عدم تعرض الاكثر لدخول هذا الخيار فى غير البيع) مع انهم فى صدد بيان ان كل خيار يدخل فى غير البيع، أم لا (كما تعرضوا لجريان خيار الشرط) فى كل معاوضة.

(و) اما ما نرى من (تعرضهم لعدم جريان خيار المجلس فى غير البيع) حيث ان المفهوم منه ان سائر الخيارات تدخل فى غير البيع

ص: 204

لكونه محل خلاف لبعض العامة فى بعض افراد ما عدا البيع، فلا يدل على عموم غيره لما عدا البيع، و من دلالة حديث: نفى الضرر، على عدم لزوم المعاملة المغبون فيها فى صورة امتناع الغابن عن بذل التفاوت

______________________________

فليس له وجه، اذ لا مفهوم لهذا الكلام.

و انما تعرضوا لعدم دخول خيار المجلس فى سائر المعاوضات (لكونه) اى خيار المجلس (محل خلاف لبعض العامة فى بعض افراد ما عدا البيع).

حيث قال بعض العامة ان خيار المجلس يدخل فى بعض المعاوضات أيضا، كما يدخل فى البيع فالفقهاء قالوا بان خيار المجلس لا يدخل فى سائر المعاوضات لرد أولئك العامة (فلا يدل) كلام هؤلاء الفقهاء (على) ان خيار المجلس فقط لا يدخل فى المعاوضات- ما عدا البيع- حتى يدل كلامهم بالمفهوم على (عموم غيره) اى غير خيار المجلس (لما عدا البيع) حتى يفيد كلامهم بالمفهوم على دخول خيار الغبن فى سائر المعاوضات.

و لا يخفى ان قوله «و تعرضهم» مبتدأ خبره «لكونه».

هذا كله وجه عدم دخول خيار الغبن فى سائر المعاوضات.

اما وجه دخول خيار الغبن فى سائر المعاوضات فقد ذكره بقوله: (و من دلالة حديث: نفى الضرر، على عدم لزوم المعاملة المغبون فيها فى صورة امتناع الغابن عن بذل التفاوت).

اما اذا بذل الغابن التفاوت، فلا دلالة لحديث: نفى الضرر،

ص: 205

بعد الحاق غيرها بظهور عدم الفصل عند الاصحاب.

و قد استدل به الاصحاب على اثبات كثير من الخيارات، فدخوله فيما عدا البيع لا يخلو عن قوة.

______________________________

اذ لا ضرر حينئذ، بل هو جمع بين اصالة اللزوم فى المعاملات، و بين حديث نفى الضرر، و اذا تم وجود خيار الغبن فى سائر المعاملات فى صورة امتناع بذل الغابن التفاوت، فنقول ان الخيار موجود فى صورة البذل أيضا، لعدم القول بالفصل.

ف (بعد الحاق غيرها) اى غير صورة امتناع البذل و هى صورة البذل بمعنى انا نلحق صورة البذل بصورة الامتناع من البذل.

و انما نلحق (بظهور عدم الفصل عند الاصحاب) بين الصورتين المطلوب، و هو دخول خيار الغبن فى كل معاملة مطلقا- اى سواء بذل الغابن التفاوت أم لم يبذل-.

(و قد استدل به) اى بحديث: نفى الضرر (الاصحاب على اثبات كثير من الخيارات).

فلا يقال: ان حديث: نفى الضرر، يدل على السلب، لا على الايجاب.

لانه يقال: الخيار سلب أيضا، اذ هو نفى لزوم المعاملة.

و على هذا (فدخوله) اى خيار الغبن (فيما عدا البيع) من سائر المعاملات (لا يخلو عن قوة).

ص: 206

نعم يبقى الاشكال فى شموله للصورة المتقدمة، و هى ما اذا علم من الخارج بناء شخص تلك المعاملة بيعا كان او غيره على عدم المغابنة و المكايسة من حيث المالية كما اذا احتاج المشترى الى قليل من شي ء مبتذل لحاجة عظيمة دينية، او دنيوية، فانه لا يلاحظ فى شرائه مساواته للثمن المدفوع بإزائه فان فى شمول الادلة.

______________________________

(نعم يبقى الاشكال فى شموله) اى خيار الغبن (للصورة المتقدمة و هى ما اذا علم من) الدليل (الخارج بناء شخص تلك المعاملة بيعا كان او غيره على) التسامح، و (عدم المغابنة و المكايسة) فلا يهم احدهما بان يكون قد غبن، او صار الطرف الآخر اكيس و افطن منه، بل كل طرف يتسامح سواء غبن أم لا، لان مهمته انهاء النزاع و نحوه، فلا يهم المغبون ان يغبن (من حيث المالية).

و ذلك (كما اذا احتاج المشترى الى قليل من شي ء مبتذل لحاجة عظيمة دينية) كما اذا اراد قطع دم جرحه لاجل تصحيح طوافه الضيق وقته، فاشترى قدر حمصة من الزاج بدرهم، بينما قدر مثقال منه يسوى بدرهم (او دنيوية) كما اذا اراد اشعال حطبه لغداء ضيوفه، فاشترى عود ثقاب بفلس، بينما ستون عودة منه بفلس (فانه لا يلاحظ فى شرائه مساواته للثمن المدفوع بإزائه) بل همته ان يقضى حاجته المضيقة، حتى اذا قيل له انه غبن فيه قال: لا يهم ذلك (فان فى شمول الادلة) اى ادلة خيار الغبن من «لا ضرر» و ان «بناء العقلاء على الخيار فى الغبن و الشارع أمضاه بدليل انه لم يردع عنه» و ان «مع ابطال

ص: 207

لمثل هذا خفاء بل منعا، الا ان يتم بعدم القول بالفصل، و اللّه العالم.

______________________________

المغبون للمعاملة و عدم قبول الغابن لذلك يكون اكلا للمال بالباطل» (لمثل هذا خفاء بل منعا، الا ان يتم) الشمول (بعدم القول بالفصل) كما لا يبعد ذلك، بل لا يبعد شمول الادلة له أيضا (و اللّه) سبحانه (العالم) بحقائق الاحكام.

ص: 208

مسئلة اختلف اصحابنا فى كون هذا الخيار على الفور او على التراخى على قولين.

و استند للقول الاول و هو المشهور ظاهرا الى كون الخيار على خلاف الاصل، فيقتصر فيه على المتيقن.

و قرره فى جامع المقاصد بان العموم فى افراد العقود يستتبع عموم الازمنة، و الّا لم ينتفع بعمومه،

______________________________

(مسألة: اختلف اصحابنا فى كون هذا الخيار) و هو خيار الغبن (على الفور او على التراخى) فاذا علم المغبون بالغبن يحق له ان لا يأخذ به الا بعد زمان، كيوم او اكثر (على قولين).

(و استند للقول الاول) و هو ان الخيار فورى (و هو المشهور ظاهرا) لتصريح بعضهم به و انصراف كلام بعض إليه (الى كون الخيار على خلاف الاصل) لان الاصل فى المعاملات: اللزوم (فيقتصر فيه) اى فى الخيار (على المتيقن) الّذي هو الفور، اذ لا نعلم بعد الفور هل هناك خيار، أم لا؟ فالمرجع اصالة اللزوم.

(و قرره) اى قرر الرجوع الى المتيقن الّذي هو الفور (فى جامع المقاصد بان العموم فى افراد العقود) اى فى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الشامل لكل عقد عقد (يستتبع عموم الازمنة) فهناك عمومان، عموم افرادى اى كل عقد عقد، و عموم ازمانى اى فى كل زمان زمان (و الا) يكن عموم ازمانى (لم ينتفع بعمومه)

ص: 209

انتهى.

و للقول الثانى الى الاستصحاب.

و ذكر فى الرياض ما حاصله ان المستند فى هذا الخيار ان كان الاجماع المنقول اتجه التمسك بالاستصحاب.

و ان كان نفى الضرر، وجب الاقتصار على الزمان الاول، اذ به يندفع الضرر.

______________________________

الافرادى، اذ لو كان الواجب الوفاء فى بعض الازمنة، فأيّة فائدة فى القول، بان كل عقد عقد يجب الوفاء به، و الحال انه لا وفاء لاىّ فرد، لكفاية الوفاء بقدر قليل (انتهى) كلام جامع المقاصد.

(و) استند (للقول الثانى) و هو تراخى الخيار (الى الاستصحاب) فانه اذا ظهر الغبن كان له الخيار، و لا نعلم هل انه يدوم الخيار فى الزمان الثانى و الثالث، أم لا؟ فمقتضى الاستصحاب دوام الخيار.

(و ذكر فى الرياض ما حاصله) ان كون الخيار فورا و متراخيا تابع لدليل الخيار، و (ان المستند فى هذا الخيار) اى خيار الغبن (ان كان الاجماع المنقول اتجه التمسك بالاستصحاب) و القول بالتراخى لان الاجماع يثبت الخيار فى الزمان الاول و حيث يشك فى الزمان الثانى كان المرجع الاستصحاب.

(و ان كان) المستند لهذا الخيار دليل (نفى الضرر وجب الاقتصار) فى الخيار (على الزمان الاول، اذ به) اى بكون الخيار فى الزمان الاول (يندفع الضرر) فانه اذا لم يأخذ بالخيار، فهو قد اضر نفسه و اقدم

ص: 210

اقول: و يمكن الخدشة فى جميع الوجوه المذكورة.

اما فى وجوب الاقتصار على المتيقن، فلانه غير متّجه مع الاستصحاب و اما ما ذكره فى جامع المقاصد من عموم الازمنة.

______________________________

على ضرر نفسه، لا ان الشارع قد اضرّ به حتى يرفع ضرره بدليل: لا ضرر (اقول: و يمكن الخدشة فى جميع الوجوه) الثلاثة (المذكورة).

(اما) الوجه لقول المشهور (فى وجوب الاقتصار على المتيقن، فلانه غير متّجه مع الاستصحاب) فان الاستصحاب يجرى الحكم الى ما بعد الزمان المتيقن، فيكون الحكم استمرار الخيار.

(و اما ما ذكره فى جامع المقاصد من عموم الازمنة) حيث قرّر المتيقن بهذا البيان.

فيرد عليه ان مع وجود العموم الا زمانى لا حاجة الى القدر المتيقن اذ ان العموم الا زمانى قسمان.

الاول: ما كان الزمان ملحوظا فيه على وجه الاستمرار حتى ان اكرام زيد- مثلا- من اليوم الى آخر الايام فرد واحد.

الثانى: ما كان الزمان ملحوظا فيه على وجه الانفراد، فاكرام زيد فى كل يوم فرد، فاذا قال: اكرم العلماء فى هذا الاسبوع- مثلا- و كان عددهم ثلاثة، كان على الاول ثلاثة افراد للعموم، و على الثانى واحد و عشرون فردا لانه يجب فى كل يوم ثلاثة اكرامات.

و اذا تحقق ان العموم الا زمانى قسمان فنقول بقول جامع المقاصد بالعموم الا زمانى، هل يراد منه القسم الاول و فيه يكون المرجع- عند

ص: 211

فان اراد به عمومها المستفاد من اطلاق الحكم بالنسبة الى زمانه الراجع بدليل الحكمة الى استمراره فى جميع الازمنة.

______________________________

الشك- الاستصحاب، لانه لما خرج هذا الفرد من العام عن العموم فى الزمان الاول فشك فى استمرار خروجه و الاستصحاب يقول باستمرار الخروج، فلا مجال للقدر المتيقن، او يراد منه القسم الثانى و فيه يكون المرجع- عند الشك- عموم العام، لان كل زمان فرد مغاير لزمان آخر فاذا خرج الفرد الاول و هو الزمان الاول و شك فى خروج الفرد الثانى و هو الزمان الثانى، كان اللازم الرجوع الى عموم العام، لان الّذي خرج منه فرد خاص.

و تسرية الحكم الى فرد آخر لا وجه له، و عليه فلا مجال أيضا للقدر المتيقن.

و على كلا الحالين لا يكون ما ذكره جامع المقاصد من العموم الا زمانى مؤيدا لكلام المشهور.

(ف) انه (ان اراد به) اى بعموم الازمنة (عمومها) اى عموم الازمنة (المستفاد) ذلك العموم (من اطلاق الحكم بالنسبة الى زمانه) اذ قد اطلق المولى و قال: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و لم يقل فى كل زمان، او فى بعض الازمنة (الراجع) هذا الاطلاق (بدليل الحكمة) لانه لو اراد بعض الازمنة كانت الحكمة تقتضى ان يبين ذلك الزمان، فحيث اطلق و لم يبين دل كلامه (الى استمراره) اى استمرار حكم الوفاء (فى جميع الازمنة).

ص: 212

فلا يخفى ان هذا العموم فى كل فرد من موضوع الحكم تابع لدخوله تحت العموم، فاذا فرض خروج فرد منه فلا يفرق فيه بين خروجه عن حكم العام دائما، او فى زمان ما، اذ ليس فى خروجه دائما زيادة تخصيص فى العام حتى يقتصر عند الشك فيه على المتيقن،

______________________________

و هذا هو القسم الّذي ذكرناه: و مرجعه الى كون الزمان ظرفا، لا مفرّدا.

(فلا يخفى ان هذا العموم) و هو العموم الزمانى (فى كل فرد من موضوع الحكم) و هو كل فرد فرد من العقود (تابع) للعموم الزمانى (لدخوله تحت العموم) اى عموم: كل عقد عقد، فاذا كان هذا العقد مشمولا لاوفوا، كان له عموم زمانى، و استمرار فى وجوب الوفاء (فاذا فرض خروج فرد منه) اى من عموم كل عقد بان قال الشارع: العقد الغبنى لا يجب الوفاء به (فلا يفرق فيه) اى فى هذا الخروج (بين خروجه) اى خروج هذا الفرد (عن حكم العام) و هو- اوفوا- (دائما) بان يستمر خيار الغبن (او فى زمان ما) بان يكون خيار الغبن فورا فقط.

و انما لا فرق (اذ ليس فى خروجه دائما زيادة تخصيص فى العام) فان الخارج فرد واحد فى كلا الحالين، لفرض كون الزمان ظرفا، و انه لا يؤثر فى تكثير الفرد الواحد للعام (حتى يقتصر عند الشك فيه) بان شك فى انه هل فى الزمان الثانى خارج، فلا يجب الوفاء لوجود الخيار او ليس بخارج لعدم الخيار (على المتيقن) كما ذكره المشهور، و ايده جامع المقاصد.

ص: 213

نظير ما اذا ورد تحريم فعل بعنوان العموم، و خرج منه فرد خاص من ذلك الفعل، لكن وقع الشك فى ان ارتفاع الحرمة عن ذلك الفرد مختص ببعض الازمنة، او عام لجميعها، فان اللازم هنا استصحاب حكم الخاص اعنى الحلّية، لا الرجوع فى ما بعد الزمان المتيقن الى عموم التحريم.

و ليس هذا من معارضة العموم للاستصحاب.

______________________________

فالمقام (نظير ما اذا ورد تحريم فعل بعنوان العموم، و خرج منه فرد خاص من ذلك الفعل) كما اذا حرّم المولى على عبيده دخول داره بان قال: لا تدخلوا بيتى، ثم استثنى منهم عبده مباركا (لكن وقع الشك فى ان ارتفاع الحرمة عن ذلك الفرد) و هو: مبارك (مختص ببعض الازمنة) كيوم الجمعة، الّذي نهى فيه المولى عن دخول الدار (او عام لجميعها) بان يجوز لمبارك دخول الدار اى وقت شاء من ايام السنة (فان اللازم هنا استصحاب حكم الخاص اعنى الحلّية) لدخول مبارك للدار بعد يوم الجمعة (لا الرجوع فى ما بعد الزمان المتيقن) و الزمان المتيقن جوازه هو يوم الجمعة (الى عموم التحريم) فلا يقال «لا تدخلوا بيتى» عام لكل عبد و لكل يوم خرج منه «مبارك، فى يوم الجمعة» فمبارك فى سائر الايام يحرم عليه دخول الدار.

(و) لا يخفى ان تعدّى الاستصحاب للحكم الخاص فى المثال (ليس هذا من معارضة العموم) اى عموم «لا تدخلوا» (للاستصحاب) بل لا مجال للعموم اصلا، حتى و ان لم يكن استصحاب فى البين.

ص: 214

و السرّ فيه ما عرفت من تبعية العموم الزمانى للعموم الافرادى.

فاذا فرض خروج بعضها فلا مقتضى للعموم الزمانى فيه حتى يقتصر فيه من حيث الزمان على المتيقن، بل الفرد الخارج واحد، دام زمان خروجه او انقطع.

نعم لو فرض افادة الكلام للعموم الزمانى على وجه يكون

______________________________

(و السرّ فيه) اى فى اعطاء الحكم للاستصحاب (ما عرفت من تبعية العموم الزمانى) و هو عموم «عدم دخول كل يوم لكل عبد» و «دخول مبارك كل يوم» (للعموم الافرادى) فكل يوم تابع لكل عبد عبد، فان حرم على العبد الدخول حرم عليه كل يوم، و ان حلّ له الدخول حلّ كل يوم.

(فاذا فرض خروج بعضها) عن حكم العام كما فرضنا خروج مبارك عن عموم «لا تدخلوا بيتى» (فلا مقتضى للعموم الزمانى فيه) و لا مقتضى لان يقال: انه يحرم على مبارك الدخول فى كل يوم (حتى يقتصر فيه) اى فى جواز دخول مبارك (من حيث الزمان) اى زمان جواز الدخول (على المتيقن) و هو يوم الجمعة (بل الفرد الخارج) و هو مبارك (واحد، دام زمان خروجه او انقطع) فليس خروج مبارك، يوم الجمعة فردا و خروجه يوم السبت فردا آخر، حتى يقال خرج يوم الجمعة و لم يعلم خروجه يوم السبت، فليس بخارج، بل داخل فى عموم «لا تدخلوا بيتى»

(نعم) هذا شق ثان لقوله: فان اراد بها.

و حاصله: ان كان الزمان مفرّدا فى قبال الشق الاول الّذي حاصله ان كان الزمان ظرفا (لو فرض افادة الكلام للعموم الزمانى على وجه يكون

ص: 215

الزمان مكثرا لافراد العام بحيث يكون الفرد فى كل زمان مغايرا له فى زمان آخر، كان اللازم بعد العلم بخروج فرد فى زمان ما الاقتصار على المتيقن، لان خروج غيره من الزمان مستلزم لخروج فرد آخر من العام غير ما علم خروجه.

كما اذا قال المولى لعبده: اكرم العلماء فى كل يوم، بحيث كان اكرام كلّ

______________________________

الزمان مكثرا لافراد العام) كما عرفت فى مثال: اكرم العلماء (بحيث يكون الفرد فى كل زمان مغايرا له) اى للفرد (فى زمان آخر).

مثلا: زيد العالم فى يوم الجمعة غيره فى يوم السبت، و لذا وجب اكرامان، فكل يوم له اكرام مستقلّ، لا ان اكرامه فى مجموع الايام اكرام واحد (كان اللازم بعد العلم) اى بعد ان علمنا (بخروج فرد فى زمان ما الاقتصار على المتيقن) و ان الخارج هو ذلك الفرد لا اكثر و ذلك (لان خروج غيره من الزمان) كما اذا علم خروج يوم الجمعة فانه لا يلحق به يوم السبت.

اذ خروجه (مستلزم لخروج فرد آخر من العام غير ما علم خروجه) فقد علم خروج يوم الجمعة و لم يعلم خروج يوم السبت، فيكون مثل اكرم العلماء الا زيدا.

فكما انه لا يتعدى من زيد الى خالد، كذلك لا يتعدى من يوم الجمعة الى السبت لانهما فرد ان حسب الفرض.

(كما اذا قال المولى لعبده: اكرم العلماء فى كل يوم، بحيث كان اكرام كلّ

ص: 216

عالم فى كل يوم واجبا مستقلا غير اكرام ذلك العالم فى اليوم الآخر.

فاذا علم بخروج زيد العالم و شك فى خروجه عن العموم يوما او ازيد وجب الرجوع فى ما بعد اليوم الاول الى عموم وجوب الاكرام، لا الى استصحاب عدم وجوبه، بل لو فرضنا عدم وجود ذلك العموم لم يجز التمسك بالاستصحاب بل يجب الرجوع الى اصل آخر كما ان فى الصورة الاولى لو فرضنا عدم حجية الاستصحاب، لم يجز الرجوع الى العموم.

______________________________

عالم فى كل يوم واجبا مستقلا غير اكرام ذلك العالم فى اليوم الآخر) بحيث كان لكل يوم اطاعة و معصية، و ثواب و عقاب.

(فاذا علم بخروج زيد العالم) عن وجوب الاكرام (و شك فى خروجه عن العموم يوما او ازيد، وجب الرجوع فى ما بعد اليوم الاول) المعلوم خروجه- كالجمعة مثلا- حيث علم بانه لا يجب اكرامه فى الجمعة (الى عموم وجوب الاكرام) فاللازم اكرامه فى يوم السبت (لا الى استصحاب عدم وجوبه) اذ هو من تعدّ الحكم من موضوع الى موضوع آخر، و يشترط فى الاستصحاب وحدة الموضوع (بل لو فرضنا عدم وجود ذلك العموم) و انما علم من الخارج ان كل يوم واجب مستقل، و علمنا بخروج اليوم الاول، و شككنا فى خروج اليوم الثانى (لم يجز التمسك بالاستصحاب) و الحكم بخروج اليوم الثانى (بل يجب الرجوع الى اصل آخر) من الاصول العمليّة ان لم يكن دليل اجتهادى غير العام فى البين (كما ان فى الصورة الاولى لو فرضنا عدم حجيّة الاستصحاب لم يجز الرجوع الى العموم).

ص: 217

فما اوضح الفرق بين الصورتين.

ثم لا يخفى: ان مناط هذا الفرق ليس كون عموم الزمان فى الصورة الاولى من الاطلاق المحمول على العموم، بدليل الحكمة و كونه فى الصورة الثانية عموما لغويا، بل المناط كون الزمان فى الاولى ظرفا للحكم، و ان فرض عمومه لغويا فيكون الحكم فيه حكما واحدا مستمر الموضوع واحد

______________________________

(فما اوضح الفرق بين الصورتين) صورة كون الزمان ظرفا حيث ان الفرد المشكوك يجرى فيه الاستصحاب، و صورة كون الزمان مفرّدا حيث ان الفرد المشكوك يجرى فيه التمسك بالعام.

(ثم لا يخفى: ان مناط هذا الفرق) بين الظرف و المفرّد (ليس كون عموم الزمان فى الصورة الاولى) اى فى الظرف مستفادا (من الاطلاق المحمول) ذلك الاطلاق (على العموم) حملا (بدليل الحكمة) فان مقدمات الحكمة و هى: كون المولى فى مقام البيان و عدم نصب القرينة، و عدم وجود قدر متيقن فى البين، توجب حمل المطلق على العموم، و ان المولى يريد الفرد المستمر (و كونه فى الصورة الثانية) فى المفرّد (عموما لغويا) و العموم اللغوى كل زمان فيه فرد (بل المناط) فى الفرق المذكور (كون الزمان فى الاولى) اى فى الصورة الاولى و هو المستمر (ظرفا للحكم، و ان فرض عمومه) اى عموم الحكم (لغويا) بان كان المستعمل من المناط: العموم، لا من الفاظ الاطلاق (فيكون الحكم فيه) اى فى ما اذا كان الزمان ظرفا (حكما واحدا مستمرا لموضوع واحد).

فاذا قال: اكرم العلماء، و قال: لا تكرم زيدا، كان عدم الاكرام حكما

ص: 218

فيكون مرجع الشك فيه الى الشك فى استمرار حكم واحد و انقطاعه فيستصحب.

و الزمان فى الثانية مكثر لافراد موضوع الحكم، فمرجع الشك فى وجود الحكم فى الآن الثانى الى ثبوت حكم الخاص لفرد من العام مغاير للفرد الاول.

و معلوم ان المرجع فيه الى اصالة العموم، فافهم و اغتنم.

______________________________

واحدا مستمرا لموضوع واحد هو زيد (فيكون مرجع الشك فيه) اذا شك فى انه هل يكرمه يوم السبت- بعد ان علم انه لا يكرم يوم الجمعة- (الى الشك فى استمرار حكم واحد و انقطاعه) هل استمر؟ او انقطع؟ (فيستصحب) عدم الاكرام لتمام اركان الاستصحاب فيه.

(و الزمان فى) الصورة (الثانية) الّذي كان الزمان فيها مفرّدا، و كان كل زمان فردا (مكثر لافراد موضوع الحكم) فزيد يوم الجمعة فرد، و يوم السبت فرد، و هكذا (فمرجع الشك فى وجود الحكم) و هو عدم الاكرام (فى الآن الثانى) كيوم السبت (الى ثبوت حكم الخاص) و هو عدم الاكرام (لفرد من العام) و هو زيد فى يوم السبت (مغاير) ذلك الفرد (للفرد الاول) الّذي هو يوم الجمعة.

(و معلوم ان المرجع فيه) اى فى هذا الشك (الى اصالة العموم) لان القدر الخارج هو فرد يوم الجمعة، اما فرد يوم السبت فقد كان داخلا فى اكرم العلماء، و لم يعلم خروجه (فافهم و اغتنم).

فالفرق بين كون الزمان مفرّدا فالمرجع العام، و بين كون الزمان ظرفا

ص: 219

و بذلك يظهر فساد دفع كلام جامع المقاصد بان آية: أَوْفُوا، و غيرها مطلقة، لا عامة فلا تنافى الاستصحاب الا ان يدعى ان العموم لا يرجع الا الى العموم الزمانى على الوجه الاول.

______________________________

فالمرجع الاستصحاب.

(و بذلك) الّذي ذكرنا من ان الفارق المفرّد و الظرف، لا العموم و الاطلاق (يظهر فساد دفع كلام جامع المقاصد).

و كلام جامع المقاصد هو «ان عموم الافراد يستتبع عموم الازمنة» فلا استصحاب، و قد دفعه صاحب الجواهر (بان آية، أَوْفُوا) بِالْعُقُودِ (و غيرها) ك: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ (مطلقة) فان «الوفاء» و «الحل» مطلق (لا عامّة) عموما لغويا (فلا تنافى الاستصحاب) اذ لا دلالة للاطلاق على كل فرد فرد، فاذا شك فى مكان كان المرجع الاستصحاب- كما قال بالاستصحاب القول الثانى- فى اوّل المسألة مقابل قول جامع المقاصد القائل بعدم الاستصحاب.

و انما قال المصنف «يظهر فساد» لما ذكرناه فى قولنا: ثم لا يخفى ان مناط هذا الفرق، حيث بينا ان المهمّ الظرف و المفرّد، لا العموم و الاطلاق (الا ان يدعى) صاحب الجواهر (ان العموم الاطلاقى) اى العموم المستفاد من الاطلاق (لا يرجع الا الى العموم الزمانى على الوجه الاول) اى ما كان الزمان فيه ظرفا لا مفرّدا، فاللازم استصحاب الحكم فى الآن الثانى، فيبطل كلام جامع المقاصد القائل بعدم الاستصحاب، و ان المرجع عموم العام.

ص: 220

فقد ظهر أيضا مما ذكرنا- من تغاير موردى الرجوع الى الاستصحاب و الرجوع الى العموم- فساد ما قيل فى الاصول من ان الاستصحاب قد يخصص العموم، و مثل له بالصورة الاولى زعما منه ان الاستصحاب قد خصص العموم.

و قد عرفت ان مقام جريان الاستصحاب لا يجوز فيه الرجوع الى العموم و لو على فرض عدم الاستصحاب.

و مقام جريان العموم لا يجوز الرجوع الى الاستصحاب و لو على فرض

______________________________

(فقد ظهر أيضا مما ذكرنا- من تغاير موردى الرجوع الى الاستصحاب) فى الزمان الظرفى (و الرجوع الى العموم-) فى الزمان المفرد (فساد ما قيل فى الاصول من ان الاستصحاب قد يخصص العموم و مثل له بالصورة الاولى) فيما كان الزمان ظرفا (زعما منه) اى من هذا القائل (ان الاستصحاب قد خصص العموم) و الحال انه لم يكن عموم لكل زمان، اذ لم يكن الزمان الا ظرفا لا مفردا.

(و قد عرفت ان مقام جريان الاستصحاب) فى الزمان الظرفى (لا يجوز فيه الرجوع الى العموم) لانه لا عموم بالنسبة الى كل زمان زمان (و لو على فرض عدم الاستصحاب) فاذا لم يكن استصحاب كان اللازم التماس دليل ثالث.

(و مقام جريان العموم) فى الزمان المفرّد (لا يجوز الرجوع الى الاستصحاب) لان الفرد الثانى غير الفرد الاول، فالاستصحاب معناه سحب الحكم من موضوع الى موضوع آخر (و لو على فرض

ص: 221

عدم العموم فليس شي ء منهما ممنوعا بالآخر فى شي ء من المقامين.

اذا عرفت هذا فما نحن فيه من قبيل الاول، لان العقد المغبون فيه اذا خرج عن عموم وجوب الوفاء فلا فرق بين عدم وجوب الوفاء به فى زمان واحد، و بين عدم وجوبه رأسا نظير العقد الجائز دائما فليس الامر دائرا بين قلة التخصيص و كثرته حتى يتمسك بالعموم فيما عدا المتيقن.

______________________________

عدم العموم) فاذا لم يكن عموم، كان اللازم التماس دليل ثالث (فليس شي ء منهما) اى من الاستصحاب و العموم (ممنوعا بالآخر فى شي ء من المقامين) و هو مقام الزمان الظرفى، و مقام الزمان المفرّد.

(اذا عرفت هذا) التفصيل بين الزمان الظرفى و الزمان المفرد (ف) اعلم ان (ما نحن فيه) و هو خيار الغبن (من قبيل الاول) و هو الزمان الظرفى، فاذا شك فى ان الخيار فور او تراخى يستصحب الخيار (لان) الزمان ظرف للخيار، فان (العقد المغبون فيه اذا خرج عن عموم وجوب الوفاء) بادلة الخيار (فلا فرق بين عدم وجوب الوفاء به فى زمان واحد) و هو الفور (و بين عدم وجوبه) و هو عدم وجوب الوفاء به (رأسا) الى الاخير، فيكون العقد الضررى الّذي فيه الغبن جائزا (نظير العقد الجائز دائما) مثل الهبة غير اللازمة (فليس الامر) فى الخيار الغبنى (دائرا بين قلة التخصيص) اذا كان الخيار فى الزمان الاول فورا (و كثرته) اذا كان الخيار دائما (حتى يتمسك بالعموم) اى عموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (فيما عدا) الغرر (المتيقن) و ما عداه الزمان الثانى و ما بعده، اذ الزمان ليس مفردا حتى يكون كل آن فردا، بل الزمان ظرف و عليه يستصحب

ص: 222

فلو فرض عدم جريان الاستصحاب فى الخيار على ما سنشير إليه لم يجز التمسك بالعموم أيضا.

نعم يتمسك فيه حينئذ باصالة اللزوم الثابتة بغير العمومات.

و اما استناد القول بالتراخى الى الاستصحاب، فهو حسن على ما

______________________________

الخيار فى الزمان الثانى.

(فلو فرض عدم جريان الاستصحاب فى الخيار على ما سنشير إليه) و انه لا يجرى الاستصحاب عند قولنا: و اما استناد.

(لم يجز التمسك بالعموم) اى عموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (أيضا) لما تقدم من ان فى الزمان الظرفى لا مجال للعام اصلا، لان الزمان الثانى ليس فردا آخر.

(نعم يتمسك فيه حينئذ) اى حين عدم جريان الاستصحاب (باصالة اللزوم الثابتة) هذه الاصالة (بغير العمومات) كالضرورة و الاجماع و نحوهما فلا يقال: ان اصالة اللزوم مستفادة من العموم فكيف يتمسك بها مع منعكم التمسك بالعموم؟

و اعلم حيث منع المصنف جريان العموم فى الآن الثانى، اراد بيان انه لا يجرى الاستصحاب أيضا لعدم احراز الموضوع، اذ موضوع الخيار ما كان فى ترك الخيار فيه ضرر و هو الآن الاول، و الآن الثانى ليس كذلك.

(و اما استناد القول بالتراخى) فى الخيار (الى الاستصحاب، فهو حسن) بناء (على ما

ص: 223

اشتهر من المسامحة فى تشخيص الموضوع فى استصحاب الحكم الشرعى الثابت بغير الادلة اللفظية المشخصة للموضوع مع كون الشك من حيث استعداد الحكم للبقاء.

و اما على التحقيق من عدم احراز الموضوع فى مثل ذلك

______________________________

اشتهر من المسامحة فى تشخيص الموضوع) فيكفى بقاء الموضوع المسامحى (فى استصحاب الحكم الشرعى الثابت) ذلك الموضوع (بغير الادلة اللفظية المشخصة للموضوع) مثل خيار الغبن الثابت بالاجماع.

اما اذا كان الموضوع مذكورا فى النص فيتحقق بذلك موضوع الاستصحاب بخلاف ما اذا لم يذكر فى النص، حيث ان الموضوع ليس له لفظ خاص حتى يستصحب فى الآن الثانى فلا يعلم بقاء الموضوع فى الآن الثانى مع ان الاستصحاب من اركانه بقاء الموضوع (مع كون الشك من حيث استعداد الحكم للبقاء) اى فى المقتضى فان الشك فى المقتضى ليس مجرى للاستصحاب على رأى المصنف.

فاذا شككنا فى بقاء المال لزيد من جهة هل ان ماله كان عشرة، او مائة؟ لم يستصحب بقاء المال- بعد ان صرفت منه عشرة- فلا يعطى لزوجته اذا كان زيد غائبا و ابقى مالا مرددا بين ان يكون كله له، او ان عشرة منه له و التسعين الآخر لشخص آخر امانة عنده- مثلا-، و قوله «مع» اشكال آخر على استصحاب الخيار.

(و اما على التحقيق) الّذي هو محقق عندنا (من عدم احراز الموضوع فى مثل ذلك) اى المكان الّذي لا لفظ للموضوع، بل استفيد من الاجماع

ص: 224

على وجه التحقيق فلا يجرى فيما نحن فيه الاستصحاب، فان المتيقن سابقا ثبوت الخيار لمن لم يتمكن من تدارك ضرره بالفسخ.

فاذا فرضنا ثبوت هذا الحكم من الشرع، فلا معنى لانسحابه فى الآن اللاحق، مع كون الشخص قد تمكن من التدارك و لم يفعل لان هذا موضوع آخر يكون اثبات الحكم له من القياس المحرم.

______________________________

و نحوه، و قد تقدم ان الغبن لم يرد فى آية او رواية (على وجه التحقيق) اى لا لفظ محقق (فلا يجرى فيما نحن فيه) و هو الزمان الثانى- بعد الفور- (الاستصحاب) اى استصحاب الخيار (فان المتيقن سابقا) فى الآن الاول (ثبوت الخيار لمن لم يتمكن من تدارك ضرره بالفسخ) لانه هو حال المغبون فى الآن الاول.

(فاذا فرضنا ثبوت هذا الحكم من الشرع) لدلالة: لا ضرر، و الاجماع عليه (فلا معنى لانسحابه) اى الخيار (فى الآن اللاحق) و هو الآن الثانى بعد الفور (مع) تبدل الموضوع، ل (كون الشخص) المغبون (قد تمكن من التدارك و لم يفعل) فانه تمكن من الفسخ فى الآن الاول، و لم يفسخ فلا موضوع فى الآن الثانى.

اذ الموضوع هو: من لم يتمكن من التدارك (لان هذا) و هو: من تمكن و لم يتدارك (موضوع آخر) غير الموضوع الكائن فى الآن الاول ف (يكون اثبات الحكم) الخيارى (له) اى لهذا الموضوع الآخر (من القياس المحرم) الّذي هو اسراء الحكم من موضوع الى موضوع آخر.

ص: 225

نعم لو احرز الموضوع من دليل لفظى على المستصحب او كان الشك فى رافع الحكم حتى لا يحتمل ان يكون الشك لاجل تغير الموضوع اتجه التمسك بالاستصحاب.

و اما ما ذكره فى الرياض.

ففيه انه ان بنى الامر على التدقيق فى موضوع الاستصحاب كما اشرنا هنا و حققناه فى الاصول، فلا يجرى الاستصحاب

______________________________

(نعم) اذا اجتمع شرطان فى الموضوع صحّ استصحابه.

الاول: و هو ما (لو احرز الموضوع من دليل لفظى على المستصحب) لا من دليل عقلى و نحوه.

الثانى ما اشار إليه المصنف بقوله: (او كان الشك فى رافع الحكم) اى الشك فى المانع، لا فى المقتضى (حتى لا يحتمل ان يكون الشك لاجل تغير الموضوع) فان الشك فى المقتضى شك من جهة تغير الموضوع (اتجه التمسك بالاستصحاب) و كلا الشرطين مفقود ان فيما نحن فيه، فلا مجال لاستصحاب الخيار فى الزمان الثانى و الله العالم.

(و اما ما ذكره فى الرياض) فى الفرق بين ان يكون المستند الاجماع فالمرجع الاستصحاب، و بين ان يكون نفى الضرر فالمرجع فورية الخيار.

(ففيه انه) ليس المناط فى الفورية و التراخى ما ذكره، بل شي ء آخر لانه (ان بنى الامر على التدقيق فى موضوع الاستصحاب) و انه لا يستصحب الا اذا كان الموضوع الدقى باقيا (كما اشرنا هنا) الى احتماله (و حققناه فى الاصول) فى كتاب الرسائل، مفصلا (فلا يجرى الاستصحاب) فى الزمان

ص: 226

و ان كان المدرك للخيار الاجماع.

و ان بنى على المسامحة فيه كما اشتهر، جرى الاستصحاب، و ان استند فى الخيار الى قاعدة: الضرر، كما اعترف به ولده قدس سره فى المناهل، مستندا الى احتمال ان يكون الضرر علة محدثة يكفى فى بقاء الحكم و ان

______________________________

الثانى لعدم احراز الموضوع بالدقة، لاحتمال ان يكون الموضوع هو الضرر الّذي لم يتمكن المتضرر من تداركه، و الآن الثانى ليس كذلك لانه تمكن من تداركه فى الآن الاول (و ان كان المدرك للخيار الاجماع) «ان» وصلية.

و ذلك لان الاجماع دليل لبّى له قدر متيقن و هو ما اذا كان ضررا لم يتمكن من تداركه.

(و ان بنى على المسامحة فيه) اى فى موضوع الاستصحاب بان يرى العرف بقاء الموضوع، و ان رأى العقل بالدقة تغير الموضوع، او احتمل تغيره (كما اشتهر) من كفاية الموضوع المسامحى فى جريان الاستصحاب (جرى الاستصحاب، و ان استند فى الخيار الى قاعدة:

الضرر) اذ العرف يرى وجود الضرر فى الآن الثانى كما يراه فى الآن الاول (كما اعترف به) اى بجريان الاستصحاب (ولده قدس سره، فى) كتاب (المناهل، مستندا) اى انه استند فى جريان الاستصحاب (الى احتمال ان يكون الضرر علة محدثة).

ف (يكفى) وجود الضرر آنا ما (فى بقاء الحكم) و حكم الخيار (و ان

ص: 227

ارتفع، الا ان يدعى انه اذا استند الحكم الى الضرر، فالموضوع للخيار هو المتضرر العاجز عن تدارك ضرره، و هو غير محقق فى الزمان اللاحق كما اشرنا.

ثم انه بنى المسألة بعض المعاصرين على ما لا محصل له.

______________________________

ارتفع) الضرر فى الآن الثانى، كما ان التغير علة محدثة فى نجاسة الكر، فيبقى نجسا و ان ارتفع التغير (الا ان يدعى) صاحب الرياض فى تصحيح كلامه بانه ان كان مستند الخيار دليل: الضرر، فاللازم القول بفورية الخيار (انه اذا استند الحكم) بخيار الغبن (الى الضرر، ف) الخيار فورى، لان (الموضوع للخيار هو المتضرر العاجز عن تدارك ضرره، و هو) محقق فى الزمان الاول، لانه لم يعلم بالضرر قبل ذلك حتى يأخذ بالخيار، و (غير محقق فى الزمان اللاحق) لانه علم بالضرر فى الزمان الاول و لم يأخذ بالخيار (كما اشرنا) الى ذلك قبل اسطر عند قولنا: و قد تمكن من التدارك و لم يفعل.

(ثم انه بنى المسألة) اى مسألة ان الخيار فورى او تراخى (بعض المعاصرين) و هو الشيخ على فى خياراته- كما استظهره المحشى الشهيدى «ره»- (على ما لا محصل له) و هو لو كان استمرارية الملك مستفادة من الآية- باعتبار ان الوفاء معناه الاستمرار- كان اللازم القول بفورية الخيار، لان الفور هو القدر الخارج، و المرجع بعد الفور اللزوم.

و لو كان استمرارية الملك مستفادة من استصحاب لزوم العقد- لان الآية لا تدل الاعلى لزوم الزمان الاول فقط- كان اللازم القول باستمرارية

ص: 228

فقال ما لفظه: ان المسألة مبتنية على ان لزوم العقد معناه ان اثر العقد مستمر الى يوم القيامة، و ان عموم: الوفاء بالعقود، عموم زمانى للقطع بان ليس المراد بالآية الوفاء بالعقود آنا ما، بل على الدوام.

و قد فهم المشهور منها ذلك باعتبار ان الوفاء بها، العمل بمقتضاها و لا ريب ان مفاده عرفا، و بحسب قصد المتعاقدين الدوام

______________________________

الخيار، اذ استصحاب بقاء الخيار مقدم على استصحاب الملك، لان استصحاب بقاء الخيار وارد على استصحاب الملك.

و انما قال المصنف: لا محصل له، لان ما ذكره من الرجوع الى العموم فى الشق الاول هو فى الحقيقة رجوع الى الاستصحاب.

(فقال ما لفظه: ان المسألة) اى مسألة كون الخيار على الفور او التراخى (مبتنية على ان لزوم العقد) هل (معناه ان اثر العقد مستمر الى يوم القيامة، و ان عموم: الوفاء بالعقود) فى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، (عموم زمانى) بالإضافة الى عموم افرادى لكل عقد عقد.

و انما كان عموما زمانيا (للقطع بان ليس المراد بالآية) و هى آية: أَوْفُوا (الوفاء بالعقود آنا ما بل) الوفاء (على الدوام) فان الوفاء آنا ما لا يسمى وفاء.

(و قد فهم المشهور منها) اى من الآية (ذلك) اى الوفاء على الدوام و انما فهم المشهور ذلك (باعتبار ان الوفاء بها) اى بالعقود، و (العمل بمقتضاها).

(و لا ريب) انه كما تدل الآية على الآية كذلك (ان مفاده) اى مفاد العقد (عرفا، و بحسب قصد المتعاقدين، الدوام) أيضا.

ص: 229

فان دل دليل على ثبوت خيار، من ضرر، او اجماع، او نص فى ثبوته فى الماضى،.

او مطلقا بناء على الاهمال لا الاطلاق فى الاخبار فيكون استثناء من ذلك العام، و يبقى العام على عمومه كاستثناء ايام الاقامة و الثلاثين و وقت

______________________________

فالشرع و العرف و قصد المتعاقدين متطابقات على عموم الوفاء فى كل زمان، خرج من هذا العموم الفور فقط و بقى الباقى تحت العموم.

و الى هذا اشار بقوله: (فان دل دليل على ثبوت خيار) كخيار الغبن (من ضرر، او اجماع، او نص فى ثبوته فى الماضى) فان هذه الادلة الثلاثة تدل على ثبوت الخيار آنا ما فى الماضى- مقابل الآن الثانى-.

(او) دل دليل على ثبوت الخيار (مطلقا) اى بدون قيد: الماضى (بناء على الاهمال) فى دليل الخيار (لا الاطلاق) فى دليله.

فقوله «مطلقا» يريد به «الاهمال» (فى الاخبار) اى الاهمال فى الاخبار، فان: لا ضرر و الاجماع لا اطلاق لهما و الغرض ان النص مهمل أيضا.

و قوله: (فيكون) ذلك الدليل جواب «فان دل دليل» (استثناء من ذلك العام) و هو عام: اوفوا الدال على العموم لكل زمان (و يبقى العام على عمومه) بالنسبة الى الزمان الثانى، فيكون حال استثناء وقت الخيار عن عموم «أَوْفُوا» (كاستثناء ايام الاقامة، و) بقاء (الثلاثين) يوما مترددا (و وقت

ص: 230

المعصية و نحوها من حكم السفر.

او ان اللزوم ليس كالعموم، و انما يثبت ملكا سابقا و يبقى حكمه مستصحبا الى المزيل، فتكون المعارضة بين استصحابين، و الثانى وارد على الاول فيقدم عليه، و الاول اقوى، لان حدوث الحادث مع زوال العلة السابقة يقضى بعدم اعتبار السابق.

______________________________

المعصية و نحوها) كالمرور بالوطن (من حكم السفر).

فكما ان بعد زمان الاستثناء من حكم القصر فى السفر يرجع الى عموم ادلة السفر و يحكم بقصر الصلاة، كذلك بعد زمان الفور فى باب الخيار يرجع الى حكم اللزوم المستفاد من العموم الزمانى الدال عليه قوله تعالى: أَوْفُوا.

(او) عطف على قوله «ان لزوم العقد معناه .. الخ» (ان اللزوم ليس كالعموم) يفيد كل زمان (و انما يثبت) اللزوم فى الآية (ملكا سابقا) اى اوّل ازمان العقد فقط (و) انما (يبقى حكمه) اى اللزوم (مستصحبا الى) ان يأتى (المزيل، ف) اذا جاء المزيل كالخيار (تكون المعارضة بين استصحابين) استصحاب اللزوم و استصحاب المزيل بعد اللزوم (فيقدم) الثانى (عليه) اى على الاول (و الاول) اى الّذي ذكرناه فى قولنا «ان لزوم العقد معناه» فان عموم اللزوم الى يوم القيامة يستفاد من اللفظ، لا من الاستصحاب، فهو (اقوى).

و انما كان اقوى (لان حدوث الحادث) اى الخيار (مع زوال العلة السابقة) اى العقد الّذي هو سبب اللزوم (يقضى بعدم اعتبار السابق)

ص: 231

اما مع بقائها فلا يلغو اعتبار السابق، انتهى.

و لا يخفى ان ما ذكره من المبنى للرجوع الى العموم و هو استمرار اللزوم مبنى لطرح العموم.

و الرجوع الى الاستصحاب.

______________________________

«يقضى» خبر «ان» فان الخيار يقضى بعدم اللزوم، اذا سقط اعتبار اللزوم.

(اما مع بقائها) اى بقاء علة اللزوم، و هى العقد- اذ العقد علة اللزوم- (فلا يلغو اعتبار السابق) الّذي هو اللزوم.

و استقامة العبارة هكذا: «لان حدوث الخيار يقضى بعدم اعتبار اللزوم، او عند زوال علة اللزوم، و هى العقد اما مع بقاء العقد فلا يلغو اعتبار اللزوم» و عليه فلا مكان للخيار فى الآن الثانى، و انما المرجع اللزوم (انتهى) كلام صاحب المناهل.

(و لا يخفى ان ما ذكره) فى الشق الاول (من المبنى للرجوع الى العموم) حيث قال: ان اثر العقد مستمر الى يوم القيامة (و هو استمرار اللزوم مبنى لطرح العموم).

اذ لو كان عموم لم يكن استمرار، بل كل زمان فرد للعام.

مثلا: لا يصح ان يقال: اكرم العلماء، يعنى يستمر العلماء، بل اللازم ان يقال: كل فرد عالم له حكم كذا.

(و) عليه فمعنى كلام الشيخ على (الرجوع الى الاستصحاب)- و كانه لذا قال المصنف فى اوّل كلامه: لا محصل له-

ص: 232

و اما ما ذكره اخير المبنى الرجوع الى الاستصحاب.

و حاصله ان اللزوم انما يثبت بالاستصحاب، فاذا ورد عليه استصحاب الخيار، قدم عليه.

ففيه ان الكل متفقون على الاستناد فى اصالة اللزوم الى عموم آية الوفاء، و ان امكن الاستناد فيه الى الاستصحاب أيضا فلا وجه للاغماض عن الآية، و ملاحظة الاستصحاب المقتضى للّزوم مع استصحاب الخيار.

______________________________

(و اما ما ذكره اخيرا) فى الشق الثانى (لمبنى الرجوع الى الاستصحاب) حيث قال: ان اللزوم ليس كالعموم.

(و حاصله ان اللزوم) الدائم (انما يثبت بالاستصحاب، فاذا ورد عليه) اى على اللزوم (استصحاب الخيار، قدم) استصحاب الخيار (عليه) اى على استصحاب اللزوم.

(ففيه) ان مستند اللزوم- سواء قلنا بالفور او بالتراخى- هو الآية باتفاق الكل، و قد اعرض عن ذلك الشيخ على و جعل مستند اللزوم الاستصحاب.

ف (ان الكل) القائلون بفورية الخيار و القائلون بتراخيه (متفقون على الاستناد فى اصالة اللزوم الى عموم آية الوفاء) و هى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فالآية هى مستند اصالة اللزوم- و لم يذكرها الشيخ على- (و ان امكن الاستناد فيه) اى فى اللزوم (الى الاستصحاب أيضا).

و عليه (فلا وجه للاغماض عن الآية) و عدم ذكرها (و ملاحظة الاستصحاب المقتضى للّزوم مع استصحاب الخيار) المقتضى لعدم اللزوم

ص: 233

ثم انه قد علم من تضاعيف ما اوردناه على كلمات الجماعة: ان الاقوى كون الخيار هنا على الفور، لانه لما لم يجز التمسك فى الزمان الثانى بالعموم لما عرفت سابقا من ان مرجع العموم الزمانى فى هذا المقام الى استمرار الحكم فى الافراد، فاذا انقطع

______________________________

هذا.

لكن ربما يصحح كلام الشيخ على بما لا يرد عليه ايراد المصنف، و انه يريد ان يقول: ان مسألة فورية الخيار و تراخيه مبنية على وجود العموم الزمانى و عدمه.

فان كان عموم زمانى فى الآية كان المرجع- بعد الآن الاول- اللزوم و ان لم يكن عموم زمانى كان المرجع استصحاب الخيار.

(ثم انه قد علم من تضاعيف ما اوردناه على كلمات الجماعة: ان الاقوى كون الخيار هنا) اى فى خيار الغبن (على الفور).

لكن الظاهر انه على التراخى، لان ادلة الخيار- باستثناء الاجماع دليل على التراخى، لوجود: بناء العقلاء، و: لا ضرر، و: خيار الرؤية، و غيرها فى الآن الثانى أيضا (لانه) لا يكون المرجع فى المقام العموم و لا استصحاب الخيار فاللازم التماس دليل آخر و هو اصالة فساد فسخ المغبون فى الآن الثانى، فانه (لما لم يجز التمسك فى الزمان الثانى) اى بعد الفور (بالعموم) اى عموم: أَوْفُوا (لما عرفت سابقا من ان مرجع العموم الزمانى فى هذا المقام) و هو مقام كون الزمان ظرفا لا مفرّدا (الى استمرار الحكم) و هو حكم اللزوم (فى الافراد، فاذا انقطع

ص: 234

الاستمرار فلا دليل على العود إليه.

كما فى جميع الاحكام المستمرة اذا طرأ عليها الانقطاع و لا باستصحاب الخيار لما عرفت من ان الموضوع غير محرز لاحتمال كون موضوع الحكم عند الشارع هو من لم يتمكن من تدارك ضرره بالفسخ، فلا يشمل الشخص المتمكن منه التارك له، بل قد يستظهر ذلك من حديث نفى الضرر

______________________________

الاستمرار) فى اللزوم، بسبب دليل الخيار (فلا دليل على العود إليه) اى الى اللزوم، فى الآن الثانى.

(كما) انه كذلك لا دليل على العود (فى جميع الاحكام المستمرة اذا طرأ عليها الانقطاع) مثل الطهارة فانها مستمرة، اما اذا طرأ عليها الانقطاع بالنجاسة لم تعد الطهارة الا بسبب جديد.

و كذلك النكاح الطارئ عليه الطلاق، و الملك الطارئ عليه العتق و غيرهما (و لا باستصحاب الخيار) و هو عطف على «لم يجز التمسك ..

بالعموم» (لما عرفت من ان الموضوع غير محرز) لانه يشترط فى الاستصحاب احراز بقاء الموضوع (لاحتمال كون موضوع الحكم عند الشارع هو من) المغبون الّذي (لم يتمكن من تدارك ضرره بالفسخ) فيشمل الخيار الآن الاول فقط (فلا يشمل الشخص) المغبون (المتمكن منه) اى من تدارك ضرره (التارك له) بان علم و لم يأخذ بالخيار فى الآن الاول (بل قد يستظهر ذلك) اى عدم الخيار لمن تمكن و لم يتدارك (من حديث نفى الضرر) اذ انه هو الّذي اقدم على ضرر نفسه بعد ان ترك الفسخ مع قدرته عليه.

ص: 235

تعين الرجوع الى اصالة فساد فسخ المغبون، و عدم ترتب الاثر عليه، و بقاء آثار العقد فيثبت اللزوم من هذه الجهة.

و هذا ليس كاستصحاب الخيار، لان الشك هنا فى الواقع فالموضوع محرز، كما فى استصحاب الطهارة بعد خروج المذى فافهم و اغتنم و الحمد لله

______________________________

و حديث: نفى الضرر، يدل على ان الشارع لا يشرع الحكم الضررى (تعين) جواب «لما» (الرجوع) فى الآن الثانى (الى اصالة فساد فسخ المغبون، و عدم ترتب الاثر عليه) اى على الفسخ، اذا فسخ فى الآن الثانى، لان الفسخ حادث و لا يعلم صحته، فالاصل عدم صحته (و) كذلك الاصل (بقاء آثار العقد) لانه اذا شك فى زوال الآثار بالفسخ كان الاصل بقائها (فيثبت اللزوم) للعقد (من هذه الجهة) و هى جهة اصالة بقاء الآثار.

(و هذا) الاصل و هو اصل عدم تأثير الفسخ (ليس كاستصحاب الخيار) حيث قلنا: ان موضوعه غير محرز (لان الشك هنا) فى صحة الفسخ و عدمه (فى الواقع) اى فى تأثير الامر الواقع (فالموضوع محرز) لانه لم يكن فسخ قبل ذلك (كما فى استصحاب الطهارة بعد خروج المذى) حيث ان الاصل ان المذى ليس برافع لآثار الطهارة، و على هذا فيثبت اللزوم فى مورد الشك فى ما لو كان الفسخ فى الآن الثانى من جهة الاصل العملى، لا من جهة العموم- على ما ذكره جامع المقاصد (فافهم و اغتنم و الحمد لله).

و يظهر ان الشيخ «ره» اتعب نفسه الشريفة فى هذا المقام حتى

ص: 236

هذا مضافا الى ما قد يقال هنا و فيما يشبهه من اجازة عقد الفضولى و نكاحه و غيرهما من ان تجويز التأخير فيها ضرر على من عليه الخيار و فيه تأمّل.

ثم ان مقتضى ما استند إليه للفورية عدا هذا المؤيد الاخر، هى الفورية العرفية، لان الاقتصار على

______________________________

امر بالفهم و الاغتنام مرتين و لكنك قد عرفت ان الاقوى عدم فورية الخيار.

(هذا مضافا الى ما قد يقال هنا) فى وجه ان الخيار فورى (و فيما يشبهه من اجازة عقد الفضولى و نكاحه) حيث ان الفسخ فورى فاذا لم يفسخ فورا كان رضا و امضاءا (و غيرهما) كرهنه، و نحوه (من ان تجويز التأخير فيها) اى فى الاجازة و الفسخ فى هذه الموارد (ضرر على من عليه الخيار) كالغابن، لانه يبقى معلقا بين ان يكون له اصل المال، او بدله، فدليل: لا ضرر، ينفى التراخى (و فيه تأمّل).

اذ فى صورة علم الغابن بالغبن، فقد اقدم هو على ضرر نفسه، و يلحق به غير صورة علمه لعدم القول بالفصل.

(ثم) لو قلنا: بان الخيار فورى، فهل هو فور عرفى او فور حقيقى؟

ل (ان مقتضى ما استند إليه للفورية) كالاجماع، و لا ضرر، و نحوهما (عدا هذا المؤيد الاخير) و هو «مضافا الى ما قد يقال» (هى الفورية العرفية)

اما المؤيد الاخير، فيدل على اوسع من الفورية العرفية، اذ لا يتضرر الغابن بكونه معلقا يوما مثلا، فتأمل.

و انما كان مقتضى الادلة الفورية العرفية (لان الاقتصار على) الفورية

ص: 237

الحقيقية حرج على ذى الخيار، فلا ينبغى تدارك الضرر به، و الزائد عليها لا دليل عليه عدا الاستصحاب المتسالم على ردّه بين اهل هذا القول.

لكن الّذي يظهر من التذكرة فى خيار العيب على القول بفوريّة ما هو اوسع من الفور العرفى، قال: خيار العيب ليس على الفور- على ما تقدم- خلافا للشافعى فانه اشترط الفورية و المبادرة بالعادة فلا يؤمر بالعدو

______________________________

(الحقيقية حرج على ذى الخيار، فلا ينبغى) من الشارع الرافع للحرج (تدارك الضرر به) اى بالفور الحقيقى، اذ المغبون بحاجة الى شي ء من الفكر و الموازنة بين محاذير الفسخ و ارباحه فاذا كلف بان يفسخ فورا، او ان يترك الفسخ وقع فى الحرج (و الزائد عليها) اى على الفورية العرفية بان يكون للمغبون توسعة اسبوع مثلا (لا دليل عليه عدا الاستصحاب) اى استصحاب الخيار (المتسالم على ردّه بين اهل هذا القول) فان القائلين بالفور متسالمون على انه لا يستصحب الخيار، و الا قالوا بالتراخى، لان التراخى هو مقتضى الخيار.

(لكن الّذي يظهر من التذكرة فى خيار العيب على القول بفورية ما هو اوسع من الفور العرفى) و كلامه آت فى خيار الغبن، لان الكل من باب واحد (قال: خيار العيب ليس على الفور- على ما تقدم-) الكلام فيه (خلافا للشافعى، فانه اشترط الفورية، و المبادرة بالعادة) اى فورية عادة يراها العرف مبادرة و فورا، لا الفورية الحقيقية (فلا يؤمر) من حصل على المعيب (بالعدو

ص: 238

و لا الركض للردّ و ان كان مشغولا بصلاة او اكل او قضاء حاجة، فله الخيار الى ان يفرغ.

و كذا لو اطلع حين دخل وقت هذه الامور فاشتغل بها فلا بأس اجماعا.

و كذا لو لبس ثوبا او اغلق بابا.

و لو اطلع على العيب ليلا فله التأخير الى ان يصبح و ان لم يكن عذر، انتهى.

و قد صرح فى الشفعة على القول بفوريتها بما يقرب

______________________________

و لا الركض للردّ) لانه خلاف ظاهر الادلة (و ان كان مشغولا بصلاة) و لو نافلة جائزة القطع (او اكل او قضاء حاجة، فله الخيار) باق (الى ان يفرغ) بل و ان كان بامكانه الفسخ فى الصلاة بان يلقى المتاع الى الغابن اشارة الى ردّه.

(و كذا لو اطلع) على الغابن (حين دخل وقت هذه الامور) اى وقت الصلاة و وقت الاكل، الى غير ذلك (فاشتغل بها) و ترك الفسخ (فلا بأس) و لا يسقط خياره بهذا التأخير (اجماعا).

(و كذا لو لبس) بعد الاطلاع على العيب قبل ان يفسخ (ثوبا او اغلق بابا) او ما اشبه ذلك (و لو اطلع على العيب ليلا فله التأخير الى ان يصبح و ان لم يكن) له (عذر) فى التأخير (انتهى) كلام العلامة، فيفهم هذا الكلام ان الامر اوسع من الفورية العرفية.

(و قد صرح) العلامة أيضا (فى الشفعة على القول بفوريتها بما يقرب

ص: 239

من ذلك و جعلها من الاعذار، و صرح فى الشفعة بانه لا تجب المبادرة على خلاف العادة، و رجع فى ذلك كله الى العرف، فكل ما لا يعدّ تقصيرا لا يبطل به الشفعة، و كل ما يعد تقصيرا و توانيا فى الطلب فانه مسقط لها، انتهى.

و المسألة لا تخلو عن اشكال لان جعل حضور وقت الصلاة او دخول الليل

______________________________

من ذلك) الكلام الّذي ذكره فى خيار العيب (و جعلها) اى الامور التى ذكرها فى خيار العيب (من الاعذار) التى لا تنافى الفورية (و صرح فى الشفعة) أيضا (بانه لا تجب المبادرة) الى الاخذ بالشفعة مبادرة (على خلاف العادة، و رجع) العلامة (فى ذلك كله) الّذي قال بانه لا يلزم مبادرة على خلاف العادة (الى العرف، فكل ما لا يعدّ) عند العرف (تقصيرا) فى الاخذ بالشفعة فورا عرفا (لا يبطل به الشفعة، و كل ما يعد تقصيرا و توانيا) فى الفورية العرفية و (فى الطلب) بالحصة المشتراة (فانه مسقط لها) اى للشفعة (انتهى) كلام العلامة فانه نص فى عدم الضرر بالفورية بما كان اوسع من الفور العرفى.

و الظاهر ان كلامه تام، لانه لا يتبادر من ادلة خيار العيب، و خيار الغبن، و الشفعة حتى الفورية العرفية فورا ضيقا- و ان قيل باصل الفورية- فان الفور أيضا ذو مراتب، ضيقة، و واسعة، و اوسع، مع الغض عن الفورية بالدقة العقلية.

(و المسألة) بهذه السعة التى ذكرها العلامة (لا تخلو) عند المصنف (عن اشكال، لان جعل) العلامة (حضور وقت الصلاة، او دخول الليل

ص: 240

عذرا فى ترك الفسخ المتحقق بمجرد قوله: فسخت، لا دليل عليه.

نعم لو توقف الفسخ على الحضور عند الخصم، او القاضى او على الاشهاد، توجه ما ذكر فى الجملة مع ان قيام الدليل عليه مشكل، الا ان يجعل الدليل على الفورية لزوم الاضرار لمن عليه الخيار

______________________________

عذرا فى ترك الفسخ المتحقق) ذلك الفسخ (بمجرد قوله: فسخت، لا دليل عليه).

لكن يمكن ان يقال: ان الادلة لا تدل على اكثر من ذلك بعد ما تقدم من ان من له الخيار يحتاج على الاكثر الى المشورة و التفكر فى ترجيح اى من الاجازة و الفسخ على الآخر.

(نعم لو توقف الفسخ على الحضور عند الخصم، او) عند (القاضى او على الاشهاد) بان يفسخ عند الشهود (توجه ما ذكر) ه العلامة (فى الجملة) اى بقدر تحصيل هذه الامور، لا من الليل الى النهار، او ما اشبه ذلك بالإطلاق الّذي اطلقه العلامة، فانه احيانا لا يتوقف الاشهاد على مجي ء النهار، او ما اشبه بل يمكن فى الليل (مع ان قيام الدليل عليه) اى على الاوسع من الفور العرفى (مشكل) حتى فى صورة الاحتياج الى حضور الخصم، او ما اشبه.

اذ الدليل انما دل على الفور، فما لا يمكن فيه الفور لا خيار (الا ان يجعل الدليل على الفورية لزوم الاضرار لمن عليه الخيار) كما ذكرناه فى المؤيد الاخير بقولنا «مضافا الى ما قد يقال» فانه ان كان دليل الفور هذا المؤيد يكون كلام العلامة «بالاوسع من الفور العرفى» فى محله.

ص: 241

فيدفع ذلك بلزوم المبادرة العرفية بحيث لا يعدّ متوانيا فيه.

فان هذا هو الّذي يضرّ بحال من عليه الخيار من جهة عدم استقرار ملكه.

و كون تصرفاته فيه فى معرض النقص.

لكنك عرفت التأمّل فى هذا الدليل.

______________________________

(ف) انه على هذا (يدفع ذلك) و هو ضرر من عليه الخيار (بلزوم المبادرة العرفية) الواسعة.

اذ من الواضح ان التأخير من الليل الى النهار، او الى ما بعد الصلاة، لا يكون مضرا بحال من عليه الخيار، فانه اذا اخذ بالخيار فورا موسعا (بحيث لا يعدّ متوانيا فيه) اى فى الاخذ بالخيار لم يكن ضارا بحال من عليه الخيار.

(فان هذا) ما كان متوانيا فوق السعة (هو الّذي يضر بحال من عليه الخيار).

و انما كان يضر (من جهة عدم استقرار ملكه) اى ملك من عليه الخيار، لانه لا يعلم هل يفسخ المغبون، أم لا؟.

(و) من جهة (كون تصرفاته) اى تصرفات من عليه الخيار (فيه فى معرض النقص) و البطلان، و هذا ضرر بلا اشكال، هذا وجه كلام العلامة فى كون الخيار اوسع من الفور العرفى.

(لكنك عرفت التأمل فى هذا الدليل) المؤيد حيث قلنا «و فيه تأمّل».

ص: 242

فالانصاف انه ان تم الاجماع الّذي تقدم عن العلامة على عدم البأس بالامور المذكورة و عدم قدح امثالها فى الفورية، فهو، و الا وجب الاقتصار على اوّل مراتب الامكان ان شاء الفسخ، و الله العالم.

ثم ان الظاهر انه لا خلاف فى معذورية الجاهل بالخيار فى ترك المبادرة لعموم: نفى الضرر اذ لا فرق بين الجاهل بالغبن و الجاهل بحكمه.

______________________________

(فالانصاف انه ان تم الاجماع الّذي تقدم عن العلامة على عدم البأس بالامور المذكورة) من قضاء الحاجة، و انتظار الصباح، و الاشتغال بالصلاة، و غيرها (و عدم قدح امثالها فى الفورية) بان كان اجماع على عدم القدح (فهو) و نقول به (و الا وجب الاقتصار) فى الاخذ بالخيار (على اوّل مراتب الامكان) و هو امكان الفسخ (ان شاء الفسخ، و الله) سبحانه (العالم) بحقائق الاحكام.

(ثم ان الظاهر انه لا خلاف فى معذورية الجاهل بالخيار) بان كان المغبون لا يعلم ان له الخيار.

و قوله: (فى ترك المبادرة) متعلق ب «معذورية» فاذا لم يبادر الى الاخذ بالخيار- لجهله- لم يسقط خياره، بل متى علم اخذ بالخيار (لعموم: نفى الضرر).

اذ لو سقط خيار الجاهل لزم توجه الضرر إليه من قبل الشارع و الحال ان «لا ضرر» ينفى ذلك، فله الخيار متى علم (اذ لا فرق بين الجاهل ب) اصل (الغبن) بان لم يعلم انه مغبون (و الجاهل بحكمه) و بان له الاخذ بالخيار.

ص: 243

و ليس ترك الفحص عن الحكم الشرعى منافيا لمعذوريته كترك الفحص عن الغبن و عدمه.

______________________________

فكما ان الجاهل باصل الغبن لا يسقط خياره كذلك الجاهل بان له الخيار.

(و) ان قلت: ان الجاهل بان له الخيار غير معذور، لان الواجب معرفة احكام المعاملة، فاذا لم يكن معذورا كان ضرر ترك الاخذ بالخيار متوجها إليه من نفسه، بجهله، لا من الشارع، فلا يشمله دليل «لا ضرر»

قلت: (ليس ترك الفحص عن الحكم الشرعى) و هو الحكم بان المغبون له الخيار (منافيا لمعذوريته) اى لكونه معذورا فى ترك الاخذ بالخيار.

و وجه عدم المنافات اطلاق ادلة: لا ضرر، الشاملة للجاهل بالحكم تصورا او تقصيرا خصوصا و ان: لا ضرر، وضع للامتنان و عدم المعذورية مع الجهل خلاف الامتنان.

فحال ترك الفحص عن ان له الخيار (ك) حال (ترك الفحص عن) الموضوع اى وجود (الغبن و عدمه).

فكما ان الجاهل بالغبن معذور، كذلك الجاهل بان له الخيار.

و لا دليل على ان اللازم على كل انسان معامل معرفة تفاصيل احكام المعاملات، بل الدليل دل على ان اللازم معرفة المقدار الّذي لا يقع معه فى الحرام.

ص: 244

و لو جهل الفورية، فظاهر بعض الوفاق على المعذورية.

و يشكل بعدم جريان نفى الضرر هنا، لتمكنه من الفسخ، و تدارك الضرر، فيرجع الى ما تقدم من اصالة بقاء آثار العقد، و عدم صحة فسخ المغبون بعد الزمان الاول.

و قد حكى عن بعض الاساطين عدم المعذورية فى خيار التأخير، و المناط واحد.

______________________________

(و لو جهل الفورية) مع علمه بانه مغبون، و بان له الخيار (فظاهر بعض الوفاق على المعذورية) و هذا هو الاقرب لتأتى الدليل فى معذورية الجاهل هنا أيضا.

(و) لكن المصنف يرى انه (يشكل) المعذورية (ب) سبب (عدم جريان نفى الضرر هنا) فى الجاهل بالفور (لتمكنه من الفسخ، و) من (تدارك الضرر، ف) اذا لم يفعل (يرجع الى ما تقدم من اصالة بقاء آثار العقد، و عدم صحة فسخ المغبون بعد الزمان الاول).

(و) اما توهم الاجماع فى ان له الحق فى الفسخ حيث قلنا: ان ظاهر بعض الوفاق على المعذورية، ففيه انه لا اجماع.

اذ: (قد حكى عن بعض الاساطين عدم المعذورية فى خيار التأخير) اذا علم بالخيار، و لم يعلم بالفورية فلم يأخذ بالخيار فورا، فانه لا يصح فسخه بعد الآن الاول، لان جهله بالفورية لا يوجب عذره (و المناط) فى خيار الغبن و خيار التأخير (واحد).

فكما لا يعذر الجاهل بفورية خيار التأخير، كذلك لا يعذر الجاهل

ص: 245

و لو ادعى الجهل بالخيار، فالاقوى القبول الا ان يكون مما لا يخفى عليه هذا الحكم الشرعى الا لعارض، ففيه نظر.

و قال فى التذكرة- فى باب الشفعة- انه لو قال: انى لم اعلم ثبوت حق الشفعة، او قال: اخّرت، لانى لم اعلم ان الشفعة على الفور فان كان قريب العهد بالاسلام او نشأ فى برية لا يعرفون الاحكام قبل قوله، و له

______________________________

بفورية خيار الغبن.

(و لو) لم يأخذ بالخيار ثم (ادعى الجهل بالخيار) و ان له الفسخ (فالاقوى القبول) لان الاصل جهالة الانسان و جهله لا يعرف الا من قبله (الا ان يكون مما لا يخفى عليه هذا الحكم الشرعى الا لعارض) لانه من اهل الخبرة و الاطلاع (ففيه) اى فى قبول قوله: انه جاهل (نظر) لتعارض اصالة الجهل مع ظهور انه غير جاهل.

لكن الاقرب تقديم الاصل اذ لا دليل على ان الظاهر يعارض الاصل بل لا يبعد انه لو ادعى النسيان قبل أيضا، لانه مما لا يعرف الا من قبله و لا طريق له الى اثباته، فعدم حجية قوله يوجب ذهاب حقه- كما قالوا فى كل مورد لا يعرف الا من قبله-.

(و قال فى التذكرة- فى باب الشفعة- انه لو قال: انى لم اعلم ثبوت حق الشفعة، او قال: اخّرت) فى الاخذ بالشفعة (لانى) مع علمى بثبوت اصل حق الشفعة (لم اعلم ان الشفعة على الفور) حتى آخذ به فورا (فان كان قريب العهد بالاسلام او نشأ فى برية) و نحوها بحيث كان ممن (لا يعرفون الاحكام، قبل قوله، و له

ص: 246

الاخذ بالشفعة.

و الا فلا، انتهى.

فان اراد بالتقييد المذكور تخصيص السماع بمن يحتمل فى حقه الجهل، فلا حاجة إليه لان اكثر العوام، و كثيرا من الخواص لا يعلمون مثل هذه الاحكام.

و ان اراد تخصيص السماع بمن يكون الظاهر فى حقه عدم العلم.

ففيه انه لا داعى الى اعتبار الظهور، مع ان الاصل العدم.

______________________________

الاخذ بالشفعة) لان دليل: لا ضرر، يشمله.

(و الا) يكن كذلك (فلا) يقبل قوله و ليس له الاخذ بالشفعة (انتهى) كلام العلامة.

(فان اراد بالتقييد المذكور) حيث قال «فان كان ...» (تخصيص السماع) لقوله (بمن يحتمل فى حقه الجهل، فلا حاجة إليه) اى الى التقييد المذكور (لان اكثر العوام، و كثيرا من الخواص لا يعلمون مثل هذه الاحكام) فلا حاجة الى مثال قرب العهد بالاسلام، و سكنى البرية.

(و ان اراد تخصيص السماع) لقوله (بمن يكون الظاهر فى حقه عدم العلم) و كان ما ذكره من باب المثال، لا الخصوصية.

(ففيه انه لا داعى الى اعتبار الظهور، مع ان الاصل العدم) اى عدم العلم.

اذ لا يتقدم الظاهر على الاصل، لوجود الدليل على حجية الاصل و عدم وجود الدليل على حجية الظاهر.

ص: 247

و الاقوى ان الناسى فى حكم الجاهل، و فى سماع دعواه النسيان نظر من انه مدع.

و من تعسر اقامة البينة عليه و انه لا يعرف الا من قبله.

و اما الشك فى ثبوت الخيار فالظاهر معذوريته.

______________________________

ثم لا يخفى ان استقامة اشكال المصنف على العلامة تكون بعدم الترديد بين الشقين، بل كان اللازم ان يقول اصالة الجهالة محكمة، و ان كان الظاهر على خلاف الاصل، اذ ليس هناك اشكالان على العلامة كل اشكال على شق، بل اشكال واحد على كلا الشقين.

(و الاقوى ان الناسى فى حكم الجاهل) كما ذكرناه قبلا، و من اقسام الناسى الغافل و نحوه (و فى سماع دعواه النسيان نظر) لوجود احتمالين (من انه مدع) فالاصل عدم نسيانه.

(و من تعسر اقامة البينة عليه و انه لا يعرف الا من قبله).

و كلما كان كذلك يسمع قوله، و إلا لزم ابطال الحقوق.

ثم انه قال «تعسر» دون «تعذر» لامكان ان تطلع البينة على حاله بان كان كثير النسيان حتى تعلم البينة بانه يصدق فى نسيانه.

فان الصفات النفسانية و ان كانت مخفية لكنها تعرف بالمظاهر، كما فى العدالة و الشجاعة و نحوهما.

(و اما الشك فى ثبوت الخيار) بان لا يعلم هل ان له الخيار، أم لا؟

اما ما ذكره سابقا من الجهل، فالمراد به الجهل المركب- (فالظاهر معذوريته) فله الاخذ بالخيار اذا علم و ارتفع شكه، لاطلاق ادلة الخيار

ص: 248

و يحتمل عدم معذوريته لتمكنه من الفسخ بعد الاطلاع على الغبن، ثم السؤال عن صحته شرعا.

فهو متمكن من الفسخ العرفى، اذ: الجهل بالصحة لا يمنع عن الانشاء، فهو مقصر بترك الفسخ لا لعذر، فافهم و الله العالم.

______________________________

مثل: لا ضرر، و المناط فى خيار الرؤية، و غيرهما.

(و يحتمل) احتمالا ضعيفا (عدم معذوريته) فاذا علم سقط خياره (لتمكنه من الفسخ) رجاء ان يكون له الفسخ (بعد الاطلاع على الغبن)

لكن فيه ان اطلاق الادلة لا يرفع بمثل هذا الاحتمال، اما ان يفسخ رجاء (ثم السؤال عن صحته) بان يسأل عن فسخه هل هو صحيح (شرعا)؟ و ليس هو شأن اهل العرف.

(ف) قول المصنف (هو) اى الشاك (متمكن من الفسخ العرفى، اذ:

الجهل بالصحة لا يمنع عن الانشاء) اى إنشاء الفسخ (فهو) اذا لم يفسخ (مقصر بترك الفسخ) تركا (لا لعذر) فيسقط خياره، لا يخفى ما فيه.

و لعله اشار الى الاشكال الّذي ذكرناه بقوله: (فافهم و اللّه العالم) بحقائق الاحكام.

ص: 249

الخامس خيار التأخير،
اشارة

قال فى التذكرة من باع شيئا و لم يسلمه الى المشترى و لا قبض الثمن، و لا شرط تأخيره و لو ساعة، لزم البيع ثلاثة ايام، فان جاء المشترى بالثمن فى هذه الثلاثة فهو احق بالعين، و ان مضت الثلاثة و لم يأت بالثمن تخيّر البائع بين فسخ العقد و الصبر و المطالبة بالثمن عند علمائنا اجمع.

و الاصل فى ذلك قبل الاجماع المحكى عن الانتصار و الخلاف، و الجواهر و غيرها المعتضد بدعوى الاتفاق

______________________________

(الخامس) من الخيارات (خيار التأخير، قال فى التذكرة من باع شيئا و لم يسلمه الى المشترى، و لا قبض الثمن، و لا شرط تأخيره و لو ساعة) سيأتى فى الشرط الثالث تفصيل الكلام حول ذلك، و الاشكال فيما ذكره المصنف هنا (لزم البيع ثلاثة ايام) فلاحق للبائع فى ان يتصرف فى ما باعه فى هذه الايام الثلاثة (فان جاء المشترى بالثمن فى هذه الثلاثة) الايام (فهو احق بالعين) اى ان المعاملة نافذة (و ان مضت الثلاثة و لم يأت بالثمن تخيّر البائع بين فسخ العقد) فاذا جاء المشترى بعد ذلك لم يكن له حق (و) بين (الصبر و المطالبة بالثمن) و اذا لم يعطه تمكن من اجباره بواسطة الحاكم (عند علمائنا اجمع) انتهى.

(و الاصل) اى الدليل (فى ذلك) الحكم الّذي ذكرناه (قبل الاجماع المحكى عن الانتصار و الخلاف و الجواهر و غيرها المعتضد بدعوى الاتفاق

ص: 250

المصرح بها فى التذكرة و الظاهرة من غيرها و بما ذكره فى التذكرة من ان الصبر ابدا مظنة الضرر المنفى بالخبر، بل الضرر هنا اشد من الضرر فى الغبن حيث ان المبيع هنا فى ضمانه، و تلفه منه، و ملك لغيره لا يجوز له التصرف فيه، الاخبار المستفيضة.

منها رواية على بن يقطين، قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن

______________________________

المصرح بها) اى بهذه الدعوى (فى التذكرة و الظاهرة) هذه الدعوى (من غيرها) اى غير التذكرة.

و اقول: قوله «بدعوى الاتفاق» مراده «الاجماع» الّذي ذكره التذكرة، و كان الانسب ان يقول «بدعوى الاجماع» لان الاتفاق عندهم اقل شأنا من الاجماع (و بما ذكره فى التذكرة) عطف على الاجماع (من ان الصبر ابدا) اذا كلف به البائع (مظنة الضرر) لانه يوجب عدم تمكن تصرف البائع فى المثمن، بينما هو غير قادر على التصرف فى الثمن (المنفى بالخبر) قال صلى الله عليه و آله «لا ضرر و لا ضرار» (بل الضرر هنا اشد من الضرر فى الغبن).

وجه الاشدية (حيث ان المبيع هنا) فى التأخير (فى ضمانه) اى ضمان البائع (و) معنى ضمانه: ان (تلفه منه) لانه تحت يده (و ملك لغيره لا يجوز له التصرف فيه) بينما المغبون له التصرف فى المبيع، و اذا تلف كان من الغابن، لان التلف فى زمن الخيار ممّن لا خيار له.

فعليه فالاصل فى ذلك (الاخبار المستفيضة) خبر قوله «و الاصل» (منها رواية على بن يقطين، قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن

ص: 251

الرجل يبيع البيع، و لا يقبضه صاحبه، و لا يقبض الثمن، قال الاجل بينهما ثلاثة ايام، فان قبض بيعه، و الا فلا بيع بينهما.

و رواية اسحاق بن عمار عن العبد الصالح قال: من اشترى بيعا فمضت ثلاثة ايام، و لم يجئ فلا بيع له.

و رواية ابن الحجاج قال: اشتريت محملا و اعطيت بعض الثمن و تركته عند صاحبه ثم احتبست اياما

______________________________

الرجل يبيع البيع) اى يبيع بيعا، و اللام عوض عن التنوين (و لا يقبضه) اى لا يقبض المبيع (صاحبه) اى المشترى (و لا يقبض) البائع (الثمن) ما حكمه؟ (قال) عليه السلام (الاجل) اى المدة، فان الاجل يقال لغاية المدة، مثل قوله تعالى «فَإِذٰا جٰاءَ أَجَلُهُمْ»* و لكل المدة، كما ان «الاجل» بسكون الجيم يستعمل فى اوّل المدة، كقوله تعالى «مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنٰا» اى كانت كتابتنا للحكم من ذلك الوقت (بينهما ثلاثة ايام، فان قبض) المشترى فى هذه المدة (بيعه) اى مبيعه، فهو (و الا فلا بيع بينهما) اى لا بيع لازم.

(و) منها (رواية اسحاق بن عمار عن العبد الصالح) موسى بن جعفر عليه السلام (قال: من اشترى بيعا) اى مبيعا، و يقال له البيع مجازا بعلاقة الحال و المحل، لان البيع يقع على المبيع، عكس: جرى النهر (فمضت ثلاثة ايام، و لم يجئ) المشترى (فلا بيع) لازم (له) اى للمشترى

(و) منها (رواية ابن الحجاج قال: اشتريت محملا، و اعطيت بعض الثمن و تركته عند صاحبه) اى البائع (ثم احتبست اياما) كناية

ص: 252

ثم جئت الى بائع المحمل لآخذه، فقال قد بعته فضحكت، ثم قلت: لا و اللّه لا ادعك، او اقاضيك، فقال أ ترضى بابى بكر بن عياش، قلت نعم، فاتيناه فقصصنا عليه قصتنا، فقال ابو بكر بقول من تحب ان اقضى بينكما أ بقول صاحبك، او غيره؟ قلت: بقول صاحبى، قال سمعته يقول: من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة ايام، و الا فلا بيع له.

و صحيحة زرارة عن ابى جعفر عليه السلام، قلت له: الرجل يشترى من الرجل المتاع، ثم يدعه عنده، فيقول: آتيك بثمنه قال ان جاء ما بينه و

______________________________

عن عدم قدرته على الذهاب الى البائع لاخذ المحل (ثم جئت الى بائع المحمل لآخذه، فقال) البائع (قد بعته فضحكت، ثم قلت: لا و الله لا ادعك) اى لا اتركك (او اقاضيك) «او» بمعنى الا ان (فقال) البائع (أ ترضى بابى بكر بن عياش) قاضيا (قلت نعم، فاتيناه فقصصنا عليه قصتنا، فقال ابو بكر بقول من) من الفقهاء (تحبّ ان اقضى بينكما أ بقول صاحبك) اى الامام الصادق عليه السلام (او غيره؟ قلت: بقول صاحبى قال سمعته يقول: من اشترى شيئا فجاء) المشترى (بالثمن ما بينه و بين ثلاثة ايام) فهو (و الا فلا بيع له) اى للبائع فسخ المعاملة، و بهذا اعطى ابن عياش الحق للبائع.

(و) منها (صحيحة زرارة عن ابى جعفر عليه السلام، قلت له:

الرجل يشترى من الرجل المتاع، ثم يدعه عنده) اى عند البائع (فيقول:

آتيك بثمنه) ما حكمه؟ (قال) عليه السلام: (ان جاء) بالثمن (ما بينه و

ص: 253

بين ثلاثة ايام و الا فلا بيع له.

و ظاهر هذه الاخبار بطلان البيع كما فهمه فى المبسوط، حيث قال روى اصحابنا انه اذا اشترى شيئا بعينه بثمن معلوم، و قال للبائع: اجيئك بالثمن، و مضى، فان جاء فى مدة الثلاثة كان البيع له، و ان لم يرتجع بطل البيع، انتهى.

و ربما يحكى هذا عن ظاهر الاسكافى المعبّر بلفظ الروايات، و توقف فيه المحقق الاردبيلى، و قواه صاحب الكفاية، و جزم به فى الحدائق طاعنا على العلامة فى المختلف، حيث انه اعترف بظهور

______________________________

بين ثلاثة ايام) فالبيع لازم (و الا فلا بيع له) اى لازما.

(و ظاهر هذه الاخبار) حيث قال «لا بيع» (بطلان البيع) بعد ثلاثة ايام (كما فهمه فى المبسوط، حيث قال: روى اصحابنا انه اذا اشترى شيئا بعينه) فى قبال ما اذا كان المبيع كليا (بثمن معلوم، و قال) المشترى (للبائع: اجيئك بالثمن، و مضى) المشترى لشأنه (فان جاء فى مدة الثلاثة) بالثمن (كان البيع له، و ان لم يرتجع) اى لم يرجع المشترى بالثمن فى هذه المدة (بطل البيع، انتهى).

(و ربما يحكى هذا) اى مثل قول المبسوط (عن ظاهر الاسكافى المعبّر بلفظ الروايات، و توقف فيه) فى انه هل يبطل البيع او يكون للبائع الخيار (المحقق الاردبيلى، و قواه) اى البطلان (صاحب الكفاية) و هو السبزوارى (و جزم به) اى بالبطلان (فى الحدائق) فى حالكونه (طاعنا على العلامة فى المختلف، حيث انه) اى العلامة (اعترف بظهور

ص: 254

الاخبار فى خلاف المشهور.

ثم اختار المشهور، مستدلا بان الاصل بقاء صحة العقد.

و حمل الاخبار على نفى اللزوم.

اقول ظهور الاخبار فى الفساد فى محله الا ان فهم العلماء و حملهم الاخبار على نفى اللزوم مما يقرب هذا المعنى.

مضافا

______________________________

الاخبار فى خلاف المشهور) فالمشهور الخيار، و خلافه البطلان.

(ثم اختار) العلامة (المشهور، مستدلا) لعدم البطلان (بان الاصل بقاء صحة العقد) فلا وجه للقول بالبطلان.

(و حمل) العلامة (الاخبار) القائلة «لا بيع» (على نفى اللزوم) فان «لا» تأتى لنفى الحقيقة، و لنفى الكمال، و لنفى الصحة، و لنفى اللزوم (اقول ظهور الاخبار)- ظهورا بدويا- (فى الفساد) اى ان المعاملة فاسدة بعد ثلاثة ايام (فى محله) لان الاصل فى «لا» نفى الحقيقة (الا ان فهم العلماء و حملهم الاخبار على نفى اللزوم مما يقرب هذا المعنى) اى ان «لا» ليس لنفى الحقيقة، بل انما هو لنفى اللزوم.

(مضافا) الى ان العرف يفهم ان هذا الحكم وضع لمصلحة البائع و مصلحته انما هى فى نفى اللزوم، لا نفى الصحة، مثل ما ذكروا فى باب «لا ضرر» من انه ينفى لزوم الوضوء و الغسل و الصوم، لا انه ينفى اصل الجواز و الصحة فيما لم يكن الضرر كثيرا، و الا كان لنفى الصحة.

ص: 255

الى ما يقال من ان قوله عليه السلام فى اكثر تلك الاخبار: لا بيع له ظاهر فى انتفاء البيع بالنسبة الى المشترى فقط و لا يكون الا نفى اللزوم من طرف البائع، الا ان فى رواية ابن يقطين: فلا بيع بينهما.

و كيف كان فلا اقل من الشك، فيرجع الى استصحاب الآثار المترتبة على البيع.

و توهم كون الصحة سابقا فى ضمن اللزوم فيرتفع بارتفاعه

______________________________

و (الى ما يقال من ان قوله عليه السلام فى اكثر تلك الاخبار: لا بيع له، ظاهر فى انتفاء البيع بالنسبة الى المشترى فقط) لقوله «له» و لم يقل «لهما» (و لا يكون) نفى البيع بالنسبة الى المشترى فقط (الا نفى اللزوم من طرف البائع) فاذا لم يعقل ان يكون البيع من جانب واحد كان معنى النفى من جانب المشترى و لا لزوم على البائع (الا ان فى رواية ابن يقطين: فلا بيع بينهما) فهذه القرينة «اى: له» خاصة بغير رواية ابن يقطين.

(و كيف كان فلا اقل من الشك) فى انه يبطل البيع بالتأخير (فيرجع الى استصحاب الآثار المترتبة على البيع) بل يمكن الرجوع الى استصحاب نفس البيع بعد بقاء موضوعه عرفا.

(و توهم) انه لا يمكن الرجوع الى آثار البيع، ل (كون الصحة سابقا) قبل ثلاثة ايام، كانت (فى ضمن اللزوم فيرتفع) الصحة (بارتفاعه) اى بعد ان ارتفع اللزوم، و عليه فالصحة التى كانت فى ضمن اللزوم قد ارتفعت قطعا، و صحة غيرها لا يعلم بوجودها حتى تستصحب.

ص: 256

مندفع، بان اللزوم ليس من قبيل الفصل للصحة.

و انما هو حكم مقارن لها فى خصوص البيع الخالى من الخيار.

ثم انه يشترط فى هذا الخيار أمور.
احدها: عدم قبض المبيع.

______________________________

فهذا التوهم (مندفع، بان) الصحة و اللزوم امران لا يتلازمان اذ من الممكن الصحة بدون اللزوم، فان (اللزوم ليس من قبيل الفصل للصحة) حتى يكون ارتفاع الصحة ملازما لارتفاع اللزوم، مثل ارتفاع الانسان بارتفاع الناطق.

(و انما هو) اى اللزوم (حكم مقارن لها) اى للصحة (فى خصوص البيع الخالى من الخيار) فلا دليل على انه كلما ارتفع اللزوم ارتفعت الصحة، و عليه فاذا شككنا فى ارتفاع الصحة بعد ان ارتفع اللزوم كان الاصل بقائه.

(ثم) الظاهر انه يجب على المشترى احضار المال و اخذ المبيع فى اثناء الثلاثة من جهة وجوب الوفاء بالعقد، الا اذا لم يقدر على ذلك، او تعسّر عليه من باب رفع العسر، و نحوه.

و لا فرق فى حصول الخيار بعد الثلاثة بين ان يكون البائع و المشترى واحدا كالولى و الوكيل، أم لا، لاطلاق الادلة، و الانصراف الى المتعدد بدوى.

و لا يخفى (انه يشترط فى هذا الخيار امور).

(احدها: عدم قبض المبيع) بان لم يقبض المشترى المبيع لا بنفسه

ص: 257

و لا خلاف فى اشتراطه ظاهرا.

و يدل عليه من الروايات المتقدمة قوله فى صحيحة على ابن يقطين المتقدمة، فان قبض بيعه، و الا فلا بيع بينهما، بناء على ان البيع هنا بمعنى المبيع.

لكن فى الرياض انكار دلالة الاخبار على هذا الشرط، و تبعه بعض المعاصرين، و لا اعلم له وجها.

______________________________

و لا بوكيله (و لا خلاف فى اشتراطه ظاهرا) كما يظهر من كلماتهم، فاذا قبض المشترى المبيع لم يكن للبائع خيار، بل اذا اخّر المشترى فى اعطاء الثمن له جبره على ذلك.

(و يدل عليه من الروايات المتقدمة قوله) عليه السلام (فى صحيحة على ابن يقطين المتقدمة، فان قبض بيعه) فهو (و الا فلا بيع بينهما).

و انما تدل هذه الرواية على هذا الشرط (بناء على ان البيع هنا بمعنى المبيع) فيكون المعنى: ان قبض المشترى مبيعه، فالبيع لازم.

و يحتمل ان يكون «قبّض» بالتشديد اى ان قبض البائع للمشترى المبيع.

و على كلا الاحتمالين- و ان كان ثانيهما ضعيفا- يدل على ان القبض كاف فى عدم الخيار.

(لكن فى الرياض انكار دلالة الاخبار على هذا الشرط، و تبعه بعض المعاصرين) كانه صاحب الجواهر (و لا اعلم له) اى للانكار (وجها) معتدا به.

ص: 258

غير سقوط هذه الفقرة عن النسخة المأخوذة منها الرواية.

و احتمال قراءة قبض بالتخفيف و بيعه بالتشديد يعنى قبض بايعه الثمن.

و لا يخفى ضعف هذا الاحتمال، لان استعمال البيع بالتشديد مفردا نادر، بل لم يوجد مع امكان اجراء اصالة عدم التشديد.

______________________________

(غير سقوط هذه الفقرة) «فان قبض بيعه» (عن النسخة المأخوذة منها الرواية) و ان صاحب الرياض لم يلتفت الى هذه الفقرة.

لكن يبعد هذا الاحتمال وجود هذه الفقرة فى نسخ الرياض و الجواهر- كما قالوا- و يحتمل انه كان فى نسخهم «فان قبض ثمنه» لقرب الكتابة بينهما، اذا كان الخط غير واضح.

(و) غير (احتمال قراءة قبض بالتخفيف و بيعه بالتشديد)- هذا احتمال ثان لاجل انكار صاحب الرياض هذا الشرط- (يعنى قبض بايعه الثمن) فانه اذا قبض البائع الثمن لم يكن له خيار الفسخ.

(و لا يخفى ضعف هذا الاحتمال، لان استعمال البيع بالتشديد مفردا نادر) فانه و ان كان يستعمل «البيّعان» تثنية، الا ان استعماله مفردا نادر، و النادر لا يؤخذ به فى الاستعمالات الا اذا علم بذلك لاصالة التكلم متعارفا- عند العقلاء-.

الا ترى ان من قرء «الدينار اسّ كل خطيئة» عوض «الدّنيا رأس كل خطيئة» خطّئ فى قراءته و ان كان ذلك فى نفسه محتملا (بل لم يوجد) حسب تتبع المصنف (مع امكان اجراء اصالة عدم التشديد) اذا دار الامر

ص: 259

نظير ما ذكره فى الروضة من اصالة عدم المدّ فى لفظ البكاء الوارد فى قواطع الصلاة.

ثم انه لو كان عدم قبض المشترى لعدو ان البائع بان بذل له الثمن فامتنع من اخذه، و اقباض المبيع، فالظاهر عدم الخيار، لان ظاهر النص و الفتوى كون هذا الخيار ارفاقا للبائع و دفعا لتضرره، فلا يجرى فيما اذا كان الامتناع من قبله.

______________________________

بين «بيعه» و «بيّعه» (نظير ما ذكره) الشهيد الثانى «ره» (فى الروضة) شرح اللمعة (من اصالة عدم المدّ فى لفظ البكاء الوارد فى قواطع الصلاة) فان «البكاء» بالمدّ هو مع الصوت، و بدون المدّ «بكا» هو بلا صوت، فاذا شككنا فى ابطال ما لا صوت له نتمسك باصالة عدم المد و نقول بلا صوت أيضا مبطل، اذا المدّ فى المقام: اى الياء الثانية المتولدة عند التشديد شي ء زائد لم يعلم وجوده، فالاصل عدمه.

(ثم انه لو كان عدم قبض المشترى لعدوان البائع بان بذل) المشترى (له) اى للبائع (الثمن، فامتنع) البائع (من اخذه، و) من (اقباض المبيع، فالظاهر عدم الخيار) للبائع (لان ظاهر النص و الفتوى) بقرينة الانصراف (كون هذا الخيار ارفاقا للبائع و دفعا لتضرره) حتى، لا يكون بيعه معلقا لا يتمكن ان يتصرف فى المثمن، لانه ملك الغير، و لا فى الثمن لان المشترى لم يعطه اياه (فلا يجرى) الخيار (فيما اذا كان الامتناع) فى الأخذ و العطاء (من قبله) اى من طرف البائع.

ص: 260

و لو قبضه المشترى على وجه يكون للبائع استرداده، كما اذا كان بدون اذنه مع عدم اقباض الثمن، ففى كونه كلا قبض مطلقا، او مع استرداده، او كونه قبضا، وجوه.

رابعها ابتناء المسألة على ما سيجي ء فى احكام القبض، من ارتفاع الضمان عن البائع بهذا القبض و عدمه.

______________________________

(و لو قبضه) اى المتاع (المشترى) قبضا غير صحيح (على وجه يكون للبائع استرداده كما اذا كان) قبض المشترى (بدون اذنه) اذ يلزم ان يكون القبض بأذن المالك الاول كما ذكروه فى باب القبض (مع عدم اقباض الثمن) اما مع اقباضه فله الاخذ و لو جبرا، كما انه ليس للبائع الفسخ (ففى كونه كلا قبض مطلقا) فللبائع خيار الفسخ اذا لم يسلم الثمن لمدة ثلاثة ايام (او مع استرداده) اى استرد البائع المتاع من المشترى، و بعد الاسترداد يكون كلا قبض، فللبائع خيار الفسخ فى هذه الصورة فقط (او كونه قبضا) فلا خيار للبائع مطلقا، لانه قد قبض خارجا، و ان لم يكن قبضه مشروعا و الادلة تقول بالخيار اذا كان المتاع باق عنده (وجوه) ثلاثة.

(رابعها ابتناء المسألة) اى مسألة انه قبض، أم لا (على ما سيجي ء فى احكام القبض، من) انه هل يكون (ارتفاع الضمان عن البائع بهذا القبض) فان البائع ما دام المتاع فى يده يكون ضامنا لدركه (و عدمه) و انه ليس بضامن.

فعلى الاول: فهو قبض للمشترى، و لا خيار للبائع.

ص: 261

و لعله الاقوى.

اذ مع ارتفاع الضمان بهذا القبض لا ضرر على البائع الا من جهة وجوب حفظ المبيع لمالكه، و تضرره بعدم وصول ثمنه إليه و كلاهما ممكن الاندفاع بأخذ المبيع مقاصة.

و اما مع عدم ارتفاع الضمان بذلك، فيجرى دليل الضرر بالتقريب

______________________________

و على الثانى: لا يكون قبضا و يكون للبائع الخيار (و لعله) اى الوجه الرابع هو (الاقوى).

(اذ مع ارتفاع الضمان بهذا القبض) عن البائع (لا ضرر على البائع) حتى يتدارك بالخيار (الا من جهة وجوب حفظ المبيع) اذا استرد البائع المبيع (لمالكه) الّذي هو المشترى (و تضرره) اى البائع (بعدم وصول ثمنه إليه) لغرض ان المشترى لم يعط الثمن للبائع (و كلاهما ممكن الاندفاع).

اما الاول: فيمكن دفع ضرر البائع من حفظه للمبيع (بأخذ المبيع مقاصة) فى قبال الثمن الّذي لم يوصله المشترى إليه، فلا ضمان له بالنسبة الى المبيع.

و اما الثانى: فلانه اذا اخذ المبيع مقاصة فقد استوفى الثمن الّذي كان مستحقا له.

(و اما مع عدم ارتفاع الضمان بذلك) بان كان قبض المشترى بدون اذن البائع كلا قبض «عطف على: اذ مع ارتفاع» (فيجرى) بالنسبة الى البائع (دليل الضرر بالتقريب

ص: 262

المتقدم و ان ادعى انصراف الاخبار الى غير هذه الصورة.

لكنه مشكل كدعوى شمولها، و لو قلنا بارتفاع الضمان.

و لو مكن المشترى من القبض فلم يقبض ف

______________________________

المتقدم) فان البائع يتضرر بلزوم حفظ المتاع مع عدم وصول الثمن إليه و عليه يكون له الخيار (و ان ادعى انصراف الاخبار) اى اخبار الخيار (الى غير هذه الصورة) و هى صورة قبض المشترى المتاع بدون اذن البائع، يعنى فلا خيار للبائع، لان القبض حاصل و هذا الادعاء:

دليل لقوله «او كونه قبضا مطلقا» (لكنه مشكل) اذ لا وجه للانصراف (كدعوى شمولها) اى اخبار الخيار (و لو قلنا بارتفاع الضمان) عن البائع بقبض المشترى بلا اذن.

فان هذه الدعوى مشكلة أيضا و هذا الادعاء: دليل لقوله «كلا قبض مطلقا».

ثم ان المصنف لم يذكر دليل قوله «او مع استرداده» لوضوح دليله اذ مع الاسترداد بطل قبض المشترى، بخلاف ما اذا لم يسترد.

و جوابه انه لا اهمية للاسترداد و عدمه بعد وضوح ان المعيار يكون فى الضمان و عدمه.

(و لو مكن) البائع (المشترى من القبض) للمتاع (فلم يقبض) المشترى (ف) هل يكون للبائع الخيار لاطلاق ادلة الخيار، أم لا؟ لان البائع لا يتضرر، اذ له ان يأخذ المبيع تقاصا كما ذكرنا قبل ذلك.

ص: 263

الاقوى أيضا ابتناء المسألة على ارتفاع الضمان و عدمه.

و ربما يستظهر من قول السائل فى بعض الروايات، ثم يدعه عنده عدم كفاية التمكين، و فيه نظر.

و الاقوى عدم الخيار لعدم الضمان.

و فى كون قبض بعض المبيع كلا قبض لظاهر

______________________________

لكن (الاقوى أيضا ابتناء المسألة على ارتفاع الضمان و عدمه).

فان قلنا: بان البائع ضامن، كان له الخيار.

و ان قلنا انه ليس بضامن بسبب تمكينه لم يكن له خيار، لما تقدم من وجه هذا البناء فى الفرع السابق.

(و ربما يستظهر من قول السائل فى بعض الروايات: ثم يدعه عنده، عدم كفاية التمكين) لانه مع تمكينه للمشترى الظاهر من: يدعه، قال الامام بالخيار، فيظهر منه ان لا اعتبار بتمكين البائع للمشترى، فى اسقاط الخيار، و ان للبائع الخيار مطلقا، مكّن او لم يمكن (و فيه نظر)

اذ هذا الاستظهار غير تام، فان قوله فى الرواية: يدعه عنده، اعم من كونه بعد التمكين و عدمه، و لا دلالة للاعم على الاخص، فقوله «يدعه عنده» مجمل.

(و الاقوى عدم الخيار) فى صورة تمكين البائع للمشترى (لعدم الضمان) اذ لو مكن البائع سقط ضمانه للمتاع، اذ الودعى لا يضمن الا بالتعدّى و التفريط.

(و فى كون قبض بعض المبيع كلا قبض) فللبائع الخيار (لظاهر

ص: 264

الاخبار، او كالقبض لدعوى انصرافها الى صورة عدم قبض شي ء منه، او تبعيض الخيار بالنسبة الى المقبوض و غيره استنادا- مع تسليم الانصراف المذكور- الى تحقق الضرر بالنسبة الى غير المقبوض، لا غيره وجوه.

الشرط الثانى: عدم قبض مجموع الثمن،

و اشتراطه مجمع عليه نصا و فتوى

______________________________

الاخبار) الدالة على ان قبض كل المبيع يوجب عدم خيار البائع (او كالقبض) فلا خيار للبائع (لدعوى انصرافها) اى اخبار الخيار (الى صورة عدم قبض شي ء منه) اى من المبيع (او تبعيض الخيار بالنسبة الى المقبوض) فلا خيار للبائع فيه (و غيره) اى غير المقبوض، فللبائع فيه الخيار (استنادا) فى هذا التفصيل (- مع تسليم الانصراف المذكور-) اى نسلم ان اخبار الخيار منصرفة الى صورة عدم قبض شي ء منه (الى تحقق الضرر) للبائع (بالنسبة الى غير المقبوض) ففيه الخيار (لا غيره) اى لا غير المقبوض.

اذ لا ضرر على البائع، لامكان تقاصه، كما تقدم، و قوله «الى تحقق» متعلق ب «استنادا» (وجوه) ثلاثة و ان كان لا يبعد الوجه الثالث، و الله سبحانه العالم.

(الشرط الثانى: عدم قبض) البائع (مجموع الثمن) فان قبض الكل لم يكن له خيار (و اشتراطه مجمع عليه نصا و فتوى).

فانه حيث كان عليه النص و الفتوى صارت المسألة اجماعية، و منه

ص: 265

و قبض البعض، كلا قبض بظاهر الاخبار المعتضد بفهم ابى بكر بن عياش فى رواية ابن الحجاج المتقدمة.

و ربما يستدل بتلك الرواية تبعا للتذكرة.

و فيه نظر.

______________________________

يعلم انه لا تكرار فى قوله «مجمع عليه ... فتوى» كما انه لا تهافت بين قوله: مجمع عليه، و بين قوله: نصا، او المراد ان عليه اتفاق النصوص و اتفاق الفتاوى (و قبض) البائع (البعض، كلا قبض) فكانه لم يقبض اى شي ء يكون له الخيار.

لكن هذا هل يشمل ما لو قبض من الألف تسعا و تسعين، فيه اشكال، لانصراف النص و الفتوى عن ذلك، فلا يبعد القول بعدم الخيار فى امثال هذه الصورة.

و انما قلنا ان قبض البعض كلا قبض (ب) سبب (ظاهر الاخبار) لان ظاهرها انه اذا لم يقبض الثمن جميعا كان له الخيار (المعتضد) هذا الظاهر (بفهم ابى بكر بن عياش، فى رواية ابن الحجاج المتقدمة) لانه اجاب بان للبائع الخيار، مع انه كان قابضا لبعض الثمن، و اسند ذلك الى الامام عليه السلام.

(و ربما يستدل بتلك الرواية) على ان قبض بعض الثمن كلا قبض (تبعا للتذكرة).

(و) لكن هذا الاستدلال (فيه نظر) اذ كلام ابن عياش ليس بحجة حتى يصح الاستناد إليه.

ص: 266

و القبض بدون الاذن كعدمه، لظهور الاخبار فى اشتراط وقوعه بالاذن فى بقاء البيع على اللزوم مع ان ضرر ضمان المبيع مع عدم وصول الثمن إليه على وجه يجوز له التصرف فيه باق.

نعم لو كان القبض بدون الاذن حقا كما اذا عرض المبيع على المشترى فلم يقبضه، فالظاهر عدم الخيار.

______________________________

(و القبض) اى قبض البائع الثمن (بدون الاذن) من المشترى (كعدمه) فى انه لا يسقط خيار البائع (لظهور الاخبار فى اشتراط وقوعه) اى وقوع القبض (بالاذن) من المشترى (فى بقاء البيع على اللزوم).

و انما كان ظاهر الاخبار ذلك، لان المنصرف من قبض الثمن هو القبض المتعارف الّذي لا يكون الا باذن المشترى (مع ان) سبب الخيار كما تقدم- هو ان البائع ضامن للمبيع مع انه لا يتمكن من التصرف فى الثمن، و هذا السبب باق بعد ان قبض البائع الثمن بدون اذن المشترى، اذ لا يحق له التصرف فى الثمن مع انه ضامن للمبيع.

فان (ضرر ضمان) البائع (المبيع مع عدم وصول الثمن إليه) اى الى البائع، وصولا (على وجه يجوز له) اى للبائع (التصرف فيه) اى فى الثمن (باق) فاللازم ان يكون الخيار باقيا لبقاء سببه.

(نعم) استثناء من قوله: القبض بلا اذن كعدمه (لو كان القبض بدون الاذن) من المشترى (حقا) و جائزا شرعا (كما اذا عرض) البائع (المبيع على المشترى فلم يقبضه، فالظاهر عدم الخيار) لانه يكون اخذه

ص: 267

لعدم دخوله فى منصرف الاخبار، و عدم تضرر البائع بالتأخير.

و ربما يقال: بكفاية القبض هنا مطلقا، مع الاعتراف باعتبار الاذن فى الشرط السابق اعنى قبض المبيع

______________________________

للثمن صحيحا، و اذا كان آخذا للثمن لم يكن له الخيار، اذ الاخبار قالت بانه: اذا لم يقبض الثمن كان له الخيار و هذا قابض للثمن (لعدم دخوله فى منصرف الاخبار).

لان الاخبار قالت «لم يقبض الثمن» و المنصرف منها «لم يقبض قبضا صحيحا» و البائع فى المقام قد قبض قبضا صحيحا، فليس داخلا فى اخبار الخيار التى تجعل الخيار لمن لم يقبض قبضا صحيحا، فلا خيار لهذا البائع الّذي قبض الثمن قبضا صحيحا (و عدم تضرر البائع بالتأخير) اى تأخير اخذ المشترى للمتاع، فانه انما كان له الخيار، لانه كان متضررا، حيث انه كان ضامنا للمبيع و غير متمكن من التصرف فى الثمن فاذا عرض المبيع فلم يأخذه المشترى و اخذ الثمن، ارتفع هذا الضرر لانه يتصرف فى الثمن، و ليس عليه ضمان المبيع.

(و ربما يقال: بكفاية القبض هنا) اى فى الثمن (مطلقا) و لو كان قبضا بغير حق او كفايته بمعنى اسقاطه للخيار (مع الاعتراف) اى اعتراف هذا القائل (باعتبار الاذن) من البائع (فى الشرط السابق اعنى قبض المبيع).

فاذا قبض المشترى المتاع بدون اذن البائع لم يسقط خيار البائع اما اذا قبض البائع الثمن بدون اذن المشترى سقط خياره.

ص: 268

نظرا الى انهم شرطوا فى عناوين المسألة فى طرف المبيع عدم اقباض المبيع اياه، و فى طرف الثمن عدم قبضه.

و فيه نظر لان هذا النحو من التعبير من مناسبات عنوان المسألة باسم البائع، فيعبّر فى طرف الثمن و المثمن بما هو فعل له، و هو القبض فى الاول، و الاقباض فى الثانى.

______________________________

و انما قيل بهذا القول (نظرا الى) ظاهر الفتاوى المفيدة لاشتراط الاذن فى قبض المتاع، و لعدم اشتراط الاذن فى قبض الثمن.

ف (انهم شرطوا فى عناوين المسألة) و هى مسألة خيار البائع (فى طرف المبيع عدم اقباض المبيع اياه) و ظاهره ان يكون قبض المشترى للمبيع باجازة البائع، فان «اقبض» ظاهر فى كون الاقباض اختياريا (و) عنونوا (فى طرف الثمن عدم قبضه) اى عدم قبض البائع، له فاذا قبض سقط خياره، و القبض يحصل و لو مع عدم رضى المشترى.

(و فيه نظر) أولا: لان المناط فى كلتا المسألتين واحد، فلا وجه لهذا الفرق.

و ثانيا: انا لا نسلم ان الفقهاء فرقوا بين المسألتين.

و اختلاف التعبير ليس دليلا على ذلك (لان هذا النحو من التعبير من مناسبات عنوان المسألة باسم البائع، ف) ان المسألة حيث كانت معنونة باسم البائع، حيث ان الخيار له (يعبّر فى طرف الثمن و المثمن بما هو فعل له، و هو القبض فى الاول) اى فى الثمن فيقال «لم يقبضه» (و الاقباض فى الثانى) اى فى المثمن فيقال «لم يقبضه» من باب الافعال

ص: 269

فتأمل.

و لو اجاز المشترى قبض الثمن- بناء على اعتبار الاذن- كانت فى حكم الاذن، و هل هى كاشفة، او مثبتة، أقواهما الثانى.

و يترتب عليه ما لو قبض قبل الثلاثة فاجاز المشترى بعدها.

______________________________

(فتأمل).

حيث ان الفقهاء يلاحظون خصوصيات التعبير فلا يمكن حمل كلامهم على ذلك، و لعلهم عبروا بذلك تبعا للسؤال فى رواية ابن يقطين، و لا حجية فى السؤال و انما فى جواب الامام عليه السلام.

(و لو) قبض البائع الثمن بدون اذن المشترى مما يوجب بقاء الخيار للبائع ثم (اجاز المشترى قبض الثمن- بناء على اعتبار الاذن-) فى الايقاعات، اذا لقبض ايقاع (كانت فى حكم الاذن) لانه من قبيل اجازة الفضولى.

و مقتضى القاعدة جريان الفضولية فى كل الامور عقدا او ايقاعا الا ما خرج بالدليل و ليس المقام مما خرج (و هل هى) اى الاجازة فى المقام (كاشفة) بان القبض كان صحيحا من اوّل وقوعه بدون اذن (او مثبتة) للاذن من الآن اى حين صدور الاجازة احتمالان (أقواهما الثانى) و انها مثبتة.

(و يترتب عليه) اى على الفرق بين الكاشفة و المثبتة (ما لو قبض) البائع الثمن بدون اجازة المشترى (قبل الثلاثة) ايام (فاجاز المشترى بعدها) اى بعد الثلاثة.

ص: 270

الشرط الثالث عدم اشتراط تأخير تسليم احد العوضين

لان المتبادر من النص غير ذلك فيقتصر فى مخالفة الاصل على منصرف النص، مع انه فى الجملة اجماعى.

______________________________

فانه بناء على كون الاجازة كاشفة لم يكن حق للبائع فى الخيار لانه حصل القبض الصحيح قبل الثلاثة.

اما بناء على كون الاجازة مثبتة، كان للبائع حق الفسخ، لانه لم يحصل القبض الصحيح قبل الثلاثة.

و حيث قال المصنف «أقواهما الثانى» كان اللازم ان يكون للبائع حق الفسخ، و الله العالم.

(الشرط الثالث) من شروط خيار التأخير (عدم اشتراط تأخير تسليم احد العوضين) فلو شرطا ذلك لم يكن للبائع الفسخ (لان المتبادر من النص) الجاعل للخيار (غير ذلك) اى صورة عدم اشتراط التأخير (فيقتصر فى مخالفة الاصل) لان الاصل هو اللزوم، و الاخيار خلاف الاصل (على منصرف النص) الّذي هو كون الخيار فيما لم يكن شرط التأخير (مع انه) اى هذا الشرط (فى الجملة اجماعى).

و انما قال فى الجملة، لانه اذا شرط تأخير ثلاثة ايام فلا خلاف فى انه لا خيار للبائع.

اما اذا شرطا تأخير ساعة ففى كونه مسقطا للخيار اشكال، و ان كان الاقرب انه يلزم ان يحسب الثلاثة من حين انقضاء الشرط.

و بهذا تبين ان اطلاق المصنف فى اوّل الخامس «و لا شرط تأخير

ص: 271

الشرط الرابع: ان يكون المبيع عينا او شبهه كصاع من صبرة،

نص عليه الشيخ فى عبارته المتقدّمة فى نقل مضمون روايات اصحابنا، و ظاهره كونه مفتى به عندهم.

و صرح به فى التحرير، و المهذب البارع، و غاية المرام، و هو ظاهر جامع المقاصد حيث قال: لا فرق فى الثمن بين كونه عينا او فى الذمة.

______________________________

ساعة» ليس على ما ينبغى.

(الشرط الرابع) من شروط خيار التأخير (ان يكون المبيع عينا او شبهه) اى شخصا او شبه الشخص (كصاع من صبرة) فانه ليس شخصا لانه داخل فى الف صاع مثلا، لكنه شبه الشخص من حيث كونه فى الخارج لا فى الذمة.

و قد (نص عليه) اى على هذا الشرط (الشيخ فى عبارته المتقدمة فى نقل مضمون روايات اصحابنا) فى كلامه فى المبسوط فى اوائل الخامس (و ظاهره كونه) اى هذا الشرط (مفتى به عندهم).

(و) كذلك (صرح به) اى بهذا الشرط (فى التحرير، و المهذب البارع، و غاية المرام، و هو ظاهر جامع المقاصد) أيضا (حيث قال:

لا فرق فى الثمن بين كونه عينا او فى الذمة) فانه- حيث خصص عدم الفرق بالثمن- يظهر منه انه يفرق فى المبيع، و ان عنده لا بد و ان يكون المثمن عينا حتى يتحقق الخيار.

ص: 272

و قال فى الغنية: و روى اصحابنا ان المشترى اذا لم يقبض المبيع و قال: اجيئك بالثمن و مضى، فعلى البائع الصبر عليه ثلاثا، ثم هو بالخيار بين فسخ البيع و مطالبته بالثمن.

هذا اذا كان المبيع مما يصح بقائه، فان لم يكن كذلك كالخضروات فعليه الصبر يوما واحدا، ثم هو بالخيار.

ثم ذكر ان تلف المبيع قبل الثلاثة من مال المشترى، و بعده من مال البائع.

______________________________

(و قال فى الغنية: و روى اصحابنا ان المشترى اذا لم يقبض المبيع و قال: اجيئك بالثمن) فلم يسلم الثمن الى البائع (و مضى) لشأنه، بعد ان اشترى (فعلى البائع الصبر عليه ثلاثا) فلا يحق له فسخ العقد فى هذه الثلاثة (ثم هو بالخيار بين فسخ البيع و مطالبته بالثمن) بانفاذ البيع حتى لا يكون له الفسخ، او ابقائه على حال الجواز، فله فى كل آن ان يفسخ او ينفذ.

و (هذا) الحكم الّذي ذكرناه (اذا كان المبيع مما يصح بقائه) كالثوب و الدار، و نحوهما (فان لم يكن كذلك كالخضروات) فى ايام الحر حيث لا وسائل لابقائها (فعليه) اى على البائع (الصبر يوما واحدا، ثم هو بالخيار) بعد اليوم الواحد.

(ثم ذكر) ابن زهرة (ان تلف المبيع قبل الثلاثة من مال المشترى) لانه ماله، فتلفه عليه (و بعده من مال البائع) و سيأتى الكلام حول ذلك فى القريب العاجل ان شاء الله تعالى.

ص: 273

ثم قال: و يدل على ذلك كله اجماع الطائفة، انتهى.

و فى معقد اجماع الانتصار، و الخلاف، و جواهر القاضى: لو باع شيئا معينا بثمن معين.

لكن فى بعض نسخ الجواهر: لو باع شيئا غير معين.

و قد اخذ عنه فى مفتاح الكرامة و غيره، و نسب الى القاضى دعوى الاجماع على غير المعين، و اظن الغلط فى تلك النسخة.

______________________________

و لا يخفى ان قوله «مما يصح بقائه» و قوله «من مال المشترى» دليلان على ان مراده ما كان المبيع شخصيا، اذ الكلى يبقى و لا يتلف، كما هو واضح.

(ثم قال: و يدل على ذلك كله اجماع الطائفة، انتهى) كلام الغنية (و فى معقد اجماع الانتصار، و الخلاف، و جواهر القاضى) دلالة على ان الخيار انما هو فى البيع الشخصى، لا الكلى.

قالوا: (لو باع شيئا معينا بثمن معين) و الشي ء لا يكون معينا الا اذا كان المثمن شخصيا.

(لكن فى بعض نسخ الجواهر: لو باع شيئا غير معين) فيكون ظاهره الشمول للكلى، كما يشمل مثل الصاع فى الصبرة.

(و قد أخذ عنه فى مفتاح الكرامة و غيره، و نسب الى القاضى دعوى الاجماع على) الخيار فى (غير المعين، و) حيث لا اجماع فى الكلى و نحوه، ف (اظن) ان (الغلط فى تلك النسخة) التى اضافت كلمة «غير» هذا بالإضافة الى ان الروايات ظاهرة فى المعين، فكيف يترك

ص: 274

و الظاهر ان المراد بالثمن المعين فى معقد اجماعهم هو المعلوم فى مقابل المجهول، لان تشخّص الثمن غير معتبر اجماعا.

و لذا وصف فى التحرير تبعا للمبسوط المبيع، بالمعين، و الثمن بالمعلوم.

______________________________

الجواهر ذلك، و يذكر غير ما ذكر فى الروايات.

(و) اما قولهم «بثمن معين» فلا بد ان يصرف عن ظاهره اذ لا يشترط فى خيار البائع ان يكون الثمن معينا، بل الخيار موجود و ان كان الثمن كليا.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 12، ص: 275

و بهذه القرينة لا بد و ان نقول: (الظاهر ان المراد بالثمن المعين فى معقد اجماعهم) اى اجماع الانتصار، و الخلاف و الجواهر (هو) الثمن (المعلوم فى مقابل المجهول).

فان الثمن اذا كان مجهولا كان البيع باطلا، و لا يبقى مجال لصحة البيع حتى يترتب عليه الخيار و ليس مرادهم «المعين» فى قبال «الكلى» (لان تشخّص الثمن) فى اثبات الخيار (غير معتبر اجماعا).

و لا يمكن ان يدعى هؤلاء العلماء الثلاثة الاجماع على خلاف اجماع الفقهاء، هذا بالإضافة الى انه لا وجه له بعد اطلاق الادلة.

(و لذا) الّذي ذكرنا ان المراد ب «المعين» فى كلامهم «المعلوم» لا المشخص (وصف فى التحرير تبعا للمبسوط المبيع، بالمعين، و الثمن بالمعلوم).

فان سياق كلامهما مع كلام السيد و القاضى انهما يقصدان شيئا

ص: 275

و من البعيد اختلاف عنوان ما نسبه فى الخلاف الى اجماع الفرقة و اخبارهم، مع ما نسبه فى المبسوط الى روايات اصحابنا مع انا نقول

______________________________

واحدا و هو «المعلوم».

(و) مضافا الى انه (من البعيد اختلاف عنوان ما نسبه فى الخلاف الى اجماع الفرقة و اخبارهم) من قوله «لو باع شيئا معينا بثمن معين» (مع ما نسبه) نفس الشيخ (فى المبسوط الى روايات اصحابنا) من قوله «اذا اشترى شيئا بعينه بثمن معلوم».

و عليه فلا بد من ان يريد الشيخ فى الخلاف «المعلوم» من لفظ «المعين».

و اما وجه البعد، فلانه لا يصح تحقق الاجماع فى مسألة واحدة على معنيين احدهما اعم من الآخر، فلا بد ان يكون المراد منهما شيئا واحدا هو «المعلوم» لان النص و الاجماع لا يشترطان التشخص فى الثمن.

و لا يخفى ان كلام المصنف فى المثمن و قد اشترط ان يكون معيّنا.

ثم ذكر- استطرادا- حال الثمن، لرفع اشتباه نشأ فى كلام السيد و الشيخ، و القاضى.

و حيث انتهى من رفع الاشتباه رجع الى حال المثمن، و لزوم كونه شخصيا او شبه شخصى بقوله: (مع انا نقول) بالإضافة الى اقوال الفقهاء التى سمعتها و التى تنص على لزوم كون المبيع عينا او شبهه حتى يكون للبائع الخيار، ان دليل هذا الخيار اما الاجماع، و اما حديث نفى الضرر، و اما الروايات، و الكل يدل على هذا الشرط.

ص: 276

ان ظاهر المعين فى معاقد الاجماعات التشخص العينى، لا مجرد المعلوم فى مقابل المجهول، و لو كان كليا خرجنا عن هذا الظاهر بالنسبة الى الثمن للاجماع على عدم اعتبار التعيين فيه مع انه فرق بين الثمن المعين، و الشي ء المعين، فان الثانى ظاهر فى الشخصى

______________________________

اما الاجماع، ف (ان ظاهر) لفظ (المعين فى معاقد الاجماعات التشخص العينى، لا مجرد المعلوم فى مقابل المجهول، و لو كان) ذلك المعلوم (كليا).

فان المعين قد يطلق و يراد «المعلوم» فيشمل «الكلى».

و قد يطلق و يراد به «الشخص» فلا يشمل الكلى (خرجنا عن هذا الظاهر) اى ظهور «المعين» فى «التشخص» (بالنسبة الى الثمن) مع انهم ذكروا أيضا لزوم ان يكون الثمن «معينا» كما تقدم فى كلماتهم، و قلنا ان مرادهم بذلك «المعلوم» (للاجماع على عدم اعتبار التعيين فيه) و بقى ظهور «المعين» فى «الشخص» سالما عن التصرف فى باب المثمن و بهذا اجاب المصنف عن اشكال انه لو كان المراد من «المعين» المعلوم، لم يكن فرق بين الثمن و المثمن.

فكما لا يشترط فى الثمن التشخص كذلك لا يشترط فى المثمن (مع انه فرق بين الثمن المعين، و الشي ء المعين) حيث قالوا: لو باع شيئا معينا بثمن معين- كما تقدم- «فالمعين» فى المقامين ليس بمعنى واحد حتى نحتاج الى الخروج عن ظاهر المعين فى الثمن بالاجماع (فان الثانى) و هو الشي ء المعين (ظاهر فى الشخصى) فان «الشي ء»

ص: 277

بخلاف الاول.

و اما معقد اجماع التذكرة المتقدم فى عنوان المسألة فهو مختص بالشخصى، لانه ذكر فى معقد الاجماع ان المشترى لو جاء بالثمن فى الثلاثة فهو احق بالعين.

و لا يخفى ان العين ظاهر فى الشخصى هذه حال معاقد الاجماعات و اما حديث نفى الضرر فهو مختص بالشخصى، لانه المضمون على البائع قبل القبض.

______________________________

بدون القرينة يستعمل فى الامور الشخصية (بخلاف الاول) فانه يطلق على كل معلوم كليا كان او شخصيا.

(و اما معقد اجماع التذكرة المتقدم فى عنوان المسألة) و هى مسألة خيار البائع (فهو) اظهر فى دلالته على اشتراط ان يكون المثمن شخصيا

فالاجماع (مختص بالشخصى، لانه ذكر فى معقد الاجماع ان المشترى لو جاء بالثمن فى الثلاثة فهو احق بالعين).

(و) وجه الاختصاص ما ذكره بقوله: فانه (لا يخفى ان العين) فى عبارته (ظاهر فى الشخصى) اذ لا يطلق الكلى على «العين» (هذه حال معاقد الاجماعات) فى ظهورها فى لزوم كون المبيع شخصيا حتى يكون للبائع الخيار، فاذا كان المبيع كليا لم يكن له خيار.

(و اما حديث نفى الضرر) الّذي هو المستند الثانى للخيار (فهو مختص بالشخصى، لانه) اى الشخصى هو (المضمون على البائع قبل القبض).

ص: 278

فيتضرر بضمانه و عدم جواز التصرف فيه.

و عدم وصول بدله إليه، بخلاف الكلى.

و اما النصوص فروايتا ابن يقطين و ابن عمار مشتملتان على لفظ البيع المراد به المبيع الّذي يطلق قبل البيع على العين المعرضة للبيع، و لا مناسبة فى اطلاقه على الكلى، كما لا يخفى.

و رواية زرارة ظاهرة أيضا فى الشخصى من جهة لفظ المتاع و قوله

______________________________

(ف) اذا بقى عند البائع (يتضرر بضمانه و عدم جواز التصرف فيه).

(و) ذلك لانه مال المشترى مع (عدم وصول بدله) و هو الثمن (إليه) فهو ممنوع عن المعوض و العوض معا (بخلاف الكلى) فانه ليس هناك شي ء فى الخارج حتى يضمنه البائع، و يمنع عن التصرف فيه.

اقول: لكن يمكن ان يقال ان ارتباط البائع بالمشترى ضرر على البائع، و هو جار فى الكلى كما هو جار فى الشخصى.

كما يمكن ان يقال ان الفتاوى ليست صريحة فى الشخصى.

(و اما النصوص) فتدل أيضا على ما اذا كان البيع شخصيا (فروايتا ابن يقطين و ابن عمار مشتملتان على لفظ البيع المراد به المبيع).

قال عليه السلام «فان قبض بيعه».

و قال عليه السلام «من اشترى بيعا» (الّذي يطلق قبل البيع على العين المعرضة للبيع، و لا مناسبة فى اطلاقه) اى البيع (على الكلى، كما لا يخفى) على من تأمّل.

(و رواية زرارة ظاهرة أيضا فى الشخصى من جهة لفظ المتاع و قوله)

ص: 279

يدعه عنده فلم يبق الا قوله عليه السلام فى رواية ابى بكر بن عياش: من اشترى شيئا، فان اطلاقه و ان شمل المعين و الكلى، الا ان الظاهر من لفظ الشي ء الموجود الخارجى، كما فى قول القائل: اشتريت شيئا، و لو فى ضمن امور متعددة، كصاع من صبرة و الكلى المبيع، ليس موجودا خارجيا اذ

______________________________

عليه السلام (يدعه عنده) قال يشترى من الرجل المتاع ثم يدعه عنده.

لكن يمكن ان يقال: لا دلالة فى كل ذلك على الشخصى لان كلا التعبيرين فى روايتى ابن يقطين و ابن عمار يعبران فى الكلى أيضا، و رواية زرارة لا تنفى ما عداها (فلم يبق الا قوله عليه السلام فى رواية ابى بكر بن عياش: من اشترى شيئا، فان اطلاقه) اى اطلاق الشي ء (و ان شمل المعين و الكلى) فان الشي ء يطلق على الشخصى و على الكلى (الا ان الظاهر من لفظ الشي ء) و لو بقرينة الانصراف (الموجود الخارجى، كما فى قول القائل: اشتريت شيئا) فان المنصرف انه اشترى عينا خارجية (و لو) كان ذلك الشي ء الخارجى (فى ضمن امور متعددة، كصاع من صبرة) لانه أيضا امر خارجى (و الكلى المبيع، ليس موجودا خارجيا).

فرواية ابن عياش لا تشمل الكلى.

و ان قلت: الكلى الطبيعى أيضا موجود فى الخارج فيطلق عليه الشي ء فانك اذا قلت «الانسان كلى» فالمبتدأ «كلى طبيعى» و الخبر «كلى منطقى» و المجموع من المبتدأ و الخبر «كلى عقلى».

قلت: كلامنا نحن فى الكلى الّذي يمكن ان يوجد فى الخارج أو لا (اذ

ص: 280

ليس المراد من الكلى هنا الكلى الطبيعى الموجود فى الخارج، لان المبيع قد يكون معدوما عند العقد، و الموجود منه قد لا يملكه البائع حتى يملكه، بل هو امر اعتبارى يعامل فى العرف و الشرع معه معاملة الاملاك، و هذه المعاملة و ان اقتضت صحة اطلاق لفظ الشي ء عليه، او على ما يعمه، الا انه

______________________________

ليس المراد من الكلى هنا) فى باب البيع (الكلى الطبيعى الموجود فى الخارج) بل المراد: الكلى مقابل الشخصى (لان المبيع) الكلى (قد يكون معدوما عند العقد، و الموجود منه) على فرض وجود بعض افراده- فالاول كما اذا لم تكن حنطة اصلا، و باع منّا منها، و الثانى كما اذا كانت حنطة فى الخارج لكن البائع لا يملكه- (قد لا يملكه البائع حتى يملكه) للمشترى لانه لا يجوز بيع ما ليس عنده (بل هو) اى الكلّى الّذي يقال: البيع الكلى، فى قبال البيع الشخصى (امر اعتبارى) يعتبره العقلاء (يعامل فى العرف و الشرع معه) اى مع هذا الكلى (معاملة الاملاك) الخارجية (و هذه المعاملة) على الكلى الّذي هو امر اعتبارى (و ان اقتضت صحة اطلاق لفظ الشي ء عليه) اى على الكلى، فان المعاملات تقع على الاشياء (او على ما يعمه) فاذا قال:

عامل على شي ء يربحك، اراد الاعم من الكلى و الشخصى (الا انه) اى ان اطلاق الشي ء على الكلى، او الاعم لا يوجب ان نقول: ان المراد بالشي ء فى الرواية هو الاعم بل المتيقن من الرواية الشخصى، و يحتاج الى دخول الكلى فى لفظ الشي ء الوارد فى الرواية، الى قرينة.

ص: 281

ليس بحيث لو اريد من اللفظ خصوص ما عداه من الموجود الخارجى الشخصى احتيج الى قرينة على التقييد.

فهو نظير المجاز المشهور.

و المطلق المنصرف الى بعض افراده انصرافا لا يحوج إرادة المطلق الى القرينة فلا يمكن دفع احتمال إرادة خصوص الموجود الخارجى باصالة عدم القرينة

______________________________

ف (ليس) صحة اطلاق لفظ الشي ء على الكلى (بحيث لو اريد من اللفظ) اى لفظ الشي ء (خصوص ما عداه) اى ما عدا الكلى (من الموجود الخارجى الشخصى، احتيج) ذلك الموجود الخارجى (الى قرينة على التقييد) ف «الشي ء» منصرف الى العين الخارجية.

(فهو نظير المجاز المشهور) الّذي شهرته توجب حمل اللفظ على المجاز، و ان كان غيره حقيقة و «الشي ء» منصرف الى العين الخارجية، و ان كان استعماله فى «الكلى» حقيقة أيضا.

(و) نظير (المطلق المنصرف الى بعض افراده انصرافا) لا يوجب ان يكون استعمال المطلق فى الاطلاق مجازا، ف (لا يحوج إرادة) المعنى (المطلق) من المطلق (الى القرينة) حيث كان سبب ظهور «الشي ء» فى خصوص العين الخارجية هو الانصراف و الاخذ بالقدر المتيقن (فلا يمكن دفع احتمال إرادة خصوص الموجود الخارجى باصالة عدم القرينة) بان يقال لفظ «الشي ء» مطلق يشمل الكلى و الشخصى، فاستعماله فى الشخصى فقط بحاجة الى القرينة.

ص: 282

فافهم.

فقد ظهر مما ذكرنا ان ليس فى ادلة المسألة من النصوص و الاجماعات المنقولة، و دليل الضرر ما يجرى فى المبيع الكلى.

و ربما ينسب التعميم الى ظاهر الاكثر لعدم تقييد هم البيع بالشخصى.

و فيه ان التأمل فى عباراتهم- مع الانصاف-

______________________________

و حيث ان الاصل عدم القرينة فلا بد و ان يكون الشي ء استعمل فى الاعم من الكلى و الشخصى، اذ جوابه ان الأخذ بالقدر المتيقن الناشئ من الانصراف يعين إرادة الشخصى من «الشي ء» (فافهم) فانه لا وجه لدعوى الانصراف و الأخذ بالقدر المتيقن ف «الشي ء» مستعمل فى المعنى المطلق الشامل للكلى و الشخصى.

(فقد ظهر مما ذكرنا ان ليس فى ادلة المسألة) و هى مسألة خيار التأخير للبائع (من النصوص و الاجماعات المنقولة، و دليل الضرر ما يجرى فى المبيع الكلى) فاذا باع الشي ء بيعا كليا ثم لم يتسلم الثمن و لم يسلم المبيع و مضى ثلاثة ايام لم يكن للبائع خيار الفسخ- هذا على رأى المصنف- و ان كان الظاهر ان له خيار الفسخ كما اشرنا الى ذلك (و ربما ينسب التعميم) و وجود خيار التأخير حتى فى الكلى (الى ظاهر الاكثر، لعدم تقييد هم البيع بالشخصى) و لو كان مرادهم الشخصى لقيّدوه، فان اطلاق كلام الفقهاء حجة، لانهم بصدد بيان كل الخصوصيات فى كتبهم.

(و فيه ان التأمل فى عباراتهم- مع الانصاف-) و الدقة فى

ص: 283

يعطى الاختصاص بالمعين، او الشك فى التعميم مع انه معارض بعدم تصريح احد بكون المسألة محل الخلاف من حيث التعميم و التخصيص، الا الشهيد فى الدروس حيث قال: ان الشيخ قدس سره قيد فى المبسوط هذا الخيار بشراء المعين، فانه ظاهر فى عدم فهم هذا التقييد من كلمات باقى الاصحاب.

______________________________

ملاحظة كلماتهم (يعطى الاختصاص) اى اختصاص كلامهم (ب) المبيع (المعين، او) لا اقل من (الشك فى) ارادتهم (التعميم) فلا يمكن نسبة التعميم إليهم (مع انه) اى عدم تقييدهم البيع بالشخصى (معارض بعدم تصريح احد بكون المسألة) اى مسألة خيار التأخير (محل الخلاف من حيث التعميم و التخصيص).

وجه المعارضة: انهم حيث لم يذكروا ان المسألة ذات قولين، و ظاهر الشيخ انهم يقولون بالتقييد، دال على تصديقهم للشيخ و الحاصل ان سكوتهم على الشيخ دليل التقييد و هذا يعارض: ان عدم تقييدهم دليل التعميم (الا الشهيد فى الدروس حيث قال: ان الشيخ قدس سره قيد فى المبسوط هذا الخيار بشراء المعين، فانه) اى كلام الشهيد (ظاهر فى عدم فهم هذا التقييد) بالمعين (من كلمات باقى الاصحاب)

فالشهيد فهم ان التقييد خاص بالشيخ، بينما غير الشهيد لم يفهم هذا، و لذا لم ينسبوه الى الشيخ، و قد عرفت ان ظاهر الشيخ ان الاصحاب يقيدون.

ص: 284

لكنك عرفت ان الشيخ قدس سره قد اخذ هذا التقييد فى مضمون روايات اصحابنا.

و كيف كان فالتأمل فى ادلة المسألة، و فتاوى الاصحاب يشرف الفقيه على القطع باختصاص الحكم بالمعين.

ثم ان هنا امورا، قيل باعتبارها فى هذا الخيار.
منها: عدم الخيار لاحدهما، او لهما.

قال فى التحرير، و لا خيار للبائع لو كان فى المبيع خيار لاحدهما.

______________________________

(لكنك عرفت ان الشيخ قدس سره قد اخذ هذا التقييد) بالمعين (فى مضمون روايات اصحابنا) فكيف ينسب الشهيد التقييد الى الشيخ فقط، بينما ظاهر الشيخ ان الاصحاب يقيدون، لا الشيخ فقط.

(و كيف كان) كلام الشيخ و الشهيد (فالتأمل فى ادلة المسألة، و فتاوى الاصحاب) يعطى التعميم، و ان ذكر المصنف انه (يشرف الفقيه على القطع باختصاص الحكم) للخيار (بالمعين) فلا يجرى الخيار فى المبيع الكلى.

(ثم ان هنا) اى فى باب خيار التأخير (امورا، قيل باعتبارها فى هذا الخيار) حتى اذا لم توجد تلك الامور فلا خيار.

(منها: عدم الخيار لاحدهما) اى البائع و المشترى (اولهما) فاذا كان لهما او لاحدهما خيار لم يكن للبائع خيار التأخير.

(قال) العلامة (فى التحرير، و لا خيار للبائع لو كان فى المبيع خيار لاحدهما) و بالطريق الاولى لو كان الخيار لهما.

ص: 285

و فى السرائر قيد الحكم فى عنوان المسألة بقوله و لم يشترطا خيارا لهما او لاحدهما، و ظاهره الاختصاص بخيار الشرط.

و يحتمل ان يكون الاقتصار عليه لعنوان المسألة فى كلامه بغير الحيوان، و هو المتاع.

و كيف كان فلا اعرف وجها معتمدا فى اشتراط هذا الشرط سواء اراد ما يعم خيار الحيوان، أم خصوص خيار الشرط و سواء اريد مطلق الخيار، و

______________________________

(و فى السرائر قيد الحكم فى عنوان المسألة بقوله) انما يكون خيار التأخير للبائع اذا اخّر المشترى التسليم و التسلم الى ثلاثة ايام (و لم يشترطا خيارا لهما او لاحدهما، و ظاهره) حيث لم يشترطا (الاختصاص بخيار الشرط) و ان خيار الشرط لا يدع مجالا لخيار التأخير.

(و يحتمل ان يكون الاقتصار عليه) اى على خيار الشرط، لا من جهة الخصوصية، بل (لعنوان المسألة فى كلامه بغير الحيوان، و) غير الحيوان (هو المتاع) و فى المتاع لا يكون خيار الحيوان، و الا فهو يرى ان كل خيار ينافى خيار التأخير.

و انما نحتمل هذا الاحتمال، لانه لا خصوصية لخيار الشرط.

(و كيف كان) سواء كان مراده العموم، او الخصوص (فلا اعرف وجها معتمدا فى اشتراط هذا الشرط) الّذي ذكرناه بقولنا: منها (سواء اراد) من اشتراط ان لا يكون خيار آخر (ما يعم خيار الحيوان، أم خصوص خيار الشرط) فلا تكون منافات بين خيار الحيوان و خيار التأخير (و سواء اريد مطلق الخيار) و ان وجود اى خيار يمنع من خيار التأخير (و) كذا

ص: 286

لو اختص بما قبل انقضاء الثلاثة، أم اريد خصوص الخيار المحقق فيما بعد الثلاثة، سواء احدث فيها، أم بعدها.

و اوجه ما يقال فى توجيه هذا القول مضافا الى دعوى انصراف النصوص

______________________________

لا اعرف وجها لهذا الشرط (لو اختص) هذا الشرط (بما قبل انقضاء الثلاثة، أم اريد خصوص الخيار المحقق فيما بعد الثلاثة) اى قالوا:

الشرط لخيار التأخير حيث لا يكون خيار، و هذا لا وجه له، سواء ارادوا بان لا يكون خيار فى الثلاثة كالحيوان او ارادوا ان لا يكون خيار بعد الثلاثة، كما اذا شرط الخيار بعد ثلاثة ايام من المبيع (سواء احدث فيها) اى فى الثلاثة، كان قال: لى الخيار من اليوم الثانى الى اسبوع (أم بعدها) كان قال: لى الخيار من اليوم الرابع الى اسبوع.

و قوله «سواء» متعلق بقوله «فيما بعد الثلاثة».

(و اوجه ما يقال فى توجيه هذا القول) اى قول من يشترط فى خيار التأخير ان لا يكون هناك خيار آخر ثلاثة امور.

الاول: انصراف ادلة خيار التأخير الى صورة عدم وجود الخيار فى البين الثانى: ان شرط الخيار معناه ان يكون تأخير المشترى بحق، و مع كون تأخير المشترى بالحق لم يكن للبائع خيار.

الثالث: ان خيار التأخير وضع لدفع ضرر البائع، فاذا كان ضرره مندفعا بخيار آخر، لم يكن وجه لجعل خيار التأخير.

و قد اشار المصنف الى الوجه الاول بقوله: (مضافا الى دعوى انصراف النصوص) اى نصوص خيار التأخير

ص: 287

الى غير هذا الفرض ان شرط الخيار فى قوة اشتراط التأخير، و تأخير المشترى بحق الخيار ينفى خيار البائع.

و توضيح ذلك ما ذكره فى التذكرة فى احكام الخيار من انه لا يجب على البائع تسليم المبيع، و لا على المشترى تسليم الثمن فى زمان الخيار

______________________________

(الى غير هذا الفرض) لان الخيار لاجل تدارك الضرر، فحيث لا ضرر لا خيار.

و اشار الى الوجه الثانى بقوله: (ان شرط الخيار) فى العقد (فى قوة اشتراط التأخير) اى تأخير المشترى اعطاء الثمن للبائع فان الخيار كما سيأتى- يوجب لصاحب الخيار الامتناع عن تسليم ما عنده (و تأخير المشترى) اعطاء الثمن (ب) سبب (حق الخيار) الّذي له (ينفى خيار البائع).

و حيث ان كلتا المقدمتين «شرط الخيار فى قوة اشتراط التأخير» «و تأخير المشترى بحق الخيار ينفى خيار البائع» تحتاج الى البرهان قال المصنف: (و توضيح ذلك ما ذكره فى التذكرة فى احكام الخيار من انه لا يجب على البائع تسليم المبيع، و لا على المشترى تسليم الثمن فى زمان الخيار).

و لعله لان «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» يقول الوفاء بالعقد اللازم لازم اما العقد الجائز فلا يلزم الوفاء به، سواء كان جائزا بذاته كالهبة الجائزة، او بسبب الخيار، او لما ذكره شيخ الطائفة من ان الملك لا يكون الا بعد الخيار ففى حالة عدم ملك الطرف لا يجب تسليم شي ء إليه.

ص: 288

و لو تبرع احدهما بالتسليم، لم يبطل خياره، و لا يجبر الآخر على تسليم ما فى يده، و له استرداد المدفوع قضية للخيار.

و قال بعض الشافعية ليس له استرداده، و له اخذ ما عند صاحبه بدون رضاه، كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع، انتهى.

و حينئذ فوجه هذا الاشتراط ان ظاهر الاخبار كون عدم مجي ء المشترى بالثمن بغير حق التأخير، و ذو الخيار له حق التأخير.

______________________________

(و لو تبرع احدهما بالتسليم، لم يبطل خياره) لاصالة بقاء الخيار (و لا يجبر الآخر على تسليم ما فى يده).

مثلا: لو سلم البائع لم يبطل خياره، و لم يجبر المشترى على تسليم الثمن، لاصالة ان للمشترى الامتناع عن التسليم ما دام الخيار موجودا (و له) اى للذى سلّم (استرداد المدفوع) فكل تلك الاحكام الثلاثة (قضية للخيار) اى لانها مقتضى الخيار.

(و قال بعض الشافعية) اذا سلّم (ليس له استرداده، و له اخذ ما عند صاحبه بدون رضاه) اى بدون رضا الصاحب.

فحال تسليم احدهما يكون (كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع) و لا وجه لكلامه (انتهى) كلام التذكرة.

(و حينئذ) اى حين تبين كلام التذكرة (فوجه هذا الاشتراط) اى اشتراط خيار التأخير بان لا يكون خيار آخر (ان ظاهر الاخبار كون عدم مجي ء المشترى بالثمن بغير حق التأخير) يوجب خيار البائع (و ذو الخيار له حق التأخير) فاذا كان للمشترى خيار حق فله ان يؤخر الثمن

ص: 289

و ظاهرها أيضا كون عدم اقباض البائع لعدم قبض الثمن لا لحق له فى عدم الاقباض.

و الحاصل: ان الخيار بمنزلة تأجيل احد العوضين.

و فيه

______________________________

و اذا حق له لم يكن للبائع خيار.

(و ظاهرها) اى ظاهر الاخبار (أيضا كون عدم اقباض البائع) تابع (لعدم قبض) البائع (الثمن) من المشترى، فاذا لم يسلم احدهما حق للآخران لا يسلم (لا لحق) مستقل (له) اى للبائع (فى عدم الاقباض).

فاذا كان للمشترى خيار حق فله ان لا يسلم الثمن و اذا لم يسلم الثمن حق للبائع ان لا يسلم المبيع.

فخيار احدهما يوجب ان يحق لكليهما عدم تسليم ما عنده.

(و الحاصل) من استدلال العلامة فى بيان اشتراط خيار التأخير بعدم خيار آخر لاحدهما (ان الخيار) الكائن لاحدهما (بمنزلة) اشتراط (تأجيل احد العوضين).

فكما انه اذا كان هناك شرط التأجيل لم يكن خيار التأخير، كذلك اذا كان هناك خيار يكون بمنزلة شرط التأجيل.

(و فيه) ان هذا الدليل مبنى على ثلاث مقدمات.

الاولى: ان الخيار يوجب حق تأجيل ذى الخيار لما عنده.

الثانية: ان اخبار خيار التأخير انما تعطى الخيار لمن لا يحق له التأخير.

ص: 290

بعد تسليم الحكم فى الخيار و تسليم انصراف الاخبار الى كون التأخير بغير حق انه ينبغى على هذا القول

______________________________

الثالثة: انه اذا حق التأخير لا يكون خيار التأخير اصلا.

اذا عرفت هذا فنقول (بعد تسليم الحكم فى الخيار) و هو المقدمة الاولى (و تسليم انصراف الاخبار) اى اخبار خيار التأخير (الى كون التأخير بغير حق) و هو المقدمة الثانية (انه) نمنع المقدمة الثالثة اذ لا تلازم بين ان لا يكون خيار التأخير اصلا، و بين حق التأخير فى الجملة اذ نقول: انه ما دام للمشترى خيار حق له التأخير، اما اذا انتهى خياره فلا يحق له التأخير.

و اذا لم يحق له التأخير و اخّر، كان للبائع الخيار، لدليل: لا ضرر و غيره هذا أولا.

و نقول ثانيا لو كان خيار التأخير يتوقف على عدم وجود خيار، يلزم امران.

الاول: ان يكون مبدأ الثلاثة فى خيار التأخير بعد انتهاء المجلس اذ ما دام المجلس كان هناك خيار، مع ان ظاهرهم ان مبدأ خيار التأخير من حين العقد.

الثانى: ان لا يكون خيار التأخير فى بيع الحيوان اذ: خيار الحيوان موجود الى ثلاثة ايام، فلا مجال لخيار التأخير، مع انهم متفقون على وجود خيار التأخير فى بيع الحيوان.

و اشار المصنف الى الاول بقوله: (ينبغى على هذا القول) و هو

ص: 291

كون مبدأ الثلاثة من حين التفرق و كون هذا الخيار مختصا بغير الحيوان مع اتفاقهم على ثبوته فيه، كما يظهر من المختلف.

و ذهب الصدوق الى كون الخيار فى الجارية بعد شهر، الا ان يراد

______________________________

قول ان لا خيار للتأخير اذا كان هناك خيار (كون مبدأ الثلاثة) فى خيار التأخير (من حين التفرق) مع ان ظاهرهم انه من حين العقد.

و اشار الى الثانى بقوله: (و كون هذا الخيار) اى خيار التأخير (مختصا بغير الحيوان) لمكان خيار الحيوان (مع اتفاقهم على ثبوته) اى ثبوت خيار التأخير (فيه) اى فى بيع الحيوان (كما يظهر) الاتفاق (من المختلف) للعلامة.

(و) ان قلت: اذا كان اتفاق على ثبوت خيار التأخير فى الحيوان فكيف انكره الصدوق فانه (ذهب الصدوق الى كون الخيار) اى خيار التأخير (فى الجارية بعد شهر) و معنى ذلك انه لا خيار فى الثلاثة الايام الاول من بيع الجارية.

قلت: ان الصدوق لم ينكر اصل خيار التأخير، و انما جعل وقته بعد شهر، فليس كلامه منافيا لكلام المختلف الّذي ادعى الاتفاق على وجود خيار التأخير فى كل حيوان، و الجارية قسم من الحيوان (الا ان يراد) هذا اشكال على قوله «و كون هذا الخيار» فاصل الكلام هو انه «لو كان الخيار مانعا عن خيار التأخير، لزم ان لا يكون للحيوان خيار التأخير» و جوابه انه لا تلازم بين الامرين: «خيار الحيوان، و عدم خيار التأخير».

ص: 292

بما فى التحرير عدم ثبوت خيار التأخير ما دام الخيار ثابتا لاحدهما، فلا ينافى ثبوته فى الحيوان بعد الثلاثة.

و قد يفصل بين ثبوت الخيار للبائع من جهة اخرى فيسقط معه هذا الخيار، لان خيار التأخير شرع لدفع ضرره و قد اندفع بغيره.

______________________________

اذ من الممكن ان يراد بخيار التأخير الموجود فى الحيوان حسب نقل العلامة الاتفاق (بما فى التحرير) من (عدم ثبوت خيار التأخير ما دام الخيار) اى خيار الحيوان (ثابتا لاحدهما، فلا ينافى) عدم خيار التأخير ما دام (ثبوته) اى ثبوت خيار التأخير (فى الحيوان بعد الثلاثة).

و بهذا تبين ان قولنا «و كون هذا الخيار» غير تام، و انه يعمّ ما ذكره ابن ادريس و العلامة من اشتراط خيار التأخير بان لا يكون هناك خيار، فاذا كان هناك خيار، لم يكن خيار التأخير.

الثالث من ادلة عدم خيار التأخير لمن له خيار ما اشار إليه بقوله:

(و قد يفصل) فانه دليل لهذا القول فى الجملة، و التفصيل هو: (بين ثبوت الخيار للبائع من جهة اخرى) غير خيار التأخير (فيسقط معه) اى مع ذلك الخيار (هذا الخيار) اى خيار التأخير، و بين ما اذا كان الخيار للمشترى فلا يسقط معه خيار التأخير، كما سيأتى هذا الشق من التفصيل بعد اسطر.

و انما يسقط خيار التأخير مع خيار البائع (لان خيار التأخير شرع لدفع ضرره) اى ضرر البائع، حيث لا يتضرر بعدم امكانه التصرف لا فى الثمن و لا فى المثمن (و قد اندفع) الضرر (بغيره) اى بغير خيار التأخير

ص: 293

و لدلالة النص و الفتوى على لزوم البيع فى الثلاثة، فيختص بغير صورة ثبوت الخيار له.

قال و دعوى ان المراد من الاخبار اللزوم من هذه الجهة

______________________________

لان المفروض ان للبائع الخيار من جهة اخرى، فله الأخذ به و فسخ المعاملة فيتصرف فى المثمن ان شاء.

(و لدلالة النص و الفتوى على) ان خيار التأخير له شقان.

الاول: اللزوم فى الثلاثة فلا خيار له.

و الثانى: الخيار بعد الثلاثة فلا يجرى هذا النص و الفتوى فيما اذا لم يكن له لزوم فى الثلاثة.

و اذا كان للبائع خيار فى الثلاثة من جهة الشرط مثلا، لم يكن الاول

و اذا لم يكن الاول لم يكن الثانى، اذا فالنص و الفتوى دلا على (لزوم البيع فى الثلاثة، فيختص) خيار التأخير (بغير صورة ثبوت الخيار) فى الثلاثة (له) اى للبائع.

(قال) المفصل اشكالا على نفسه فى دعواه بقوله «لدلالة ..» و اراد بهذا بيان ردّه ليقوى برده دليله الثانى (و دعوى ان المراد من الاخبار اللزوم من هذه الجهة) اى جهة انه لا خيار للتأخير، فلا دلالة فى الاخبار على وجود خيار، او عدمه فى الثلاثة الايام فاخبار خيار التأخير تعمّ صورة جواز البيع فى الثلاثة من غير جهة للتأخير.

و الحاصل ان المفصل قال: و الاخبار تشمل ما كان فى الثلاثة لازما و بعد الثلاثة يكون الخيار، فلا تشمل ما اذا كان خيار فى الثلاثة، اذا

ص: 294

مدفوعة، بان التأخير سبب للخيار، و لا يتقيد الحكم بالسبب و بين ما اذا كان الخيار للمشترى فلا وجه لسقوطه.

______________________________

فلا خيار للتأخير اذا كان هناك خيار آخر.

و المستشكل اجاب بان الاخبار تدل على ان خيار التأخير لا وجود له فى الثلاثة، و له وجود بعدها، و هى تشمل ما اذا كان العقد فى الثلاثة لازما، أم لا.

فهذه الدعوى (مدفوعة، بان) الظاهر من اخبار خيار التأخير انه لا جنس للخيار فى الثلاثة اصلا، لا انه لا خيار للتأخير فقط.

فان (التأخير) عن الثلاثة (سبب للخيار، و لا يتقيد الحكم) و هو الخيار (بالسبب) و هو التأخير، فانه لا يصح ان يقال: التأخير سبب الخيار المقيد بالتأخير.

و انما لا يصح، لانه يستلزم تقدم الموضوع على الحكم مرة، لانه موضوع و تأخر الموضوع عن الحكم، مرة، لان الموضوع قيد للحكم، و قيد الحكم مؤخر عن الحكم.

و على هذا فلا يصح ان نقول: الاخبار ظاهرة، فى انه لا خيار فى الثلاثة من حيث انه خيار التأخير، بل اللازم ان نقول ظاهر الاخبار انه لا خيار فى الثلاثة مطلقا، و عليه فاذا كان هناك خيار لم يكن خيار التأخير، و هذا ما قصده المفصل فى الشق الاول من تفصيله.

اما شقه الثانى فهو ما اشار إليه بقوله: (و بين ما اذا كان الخيار للمشترى) فقط، و لم يكن خيار للبائع (فلا وجه لسقوطه) اى سقوط خيار

ص: 295

مع ان اللازم منه عدم ثبوت هذا الخيار فى الحيوان.

و وجه ضعف هذا التفصيل ان ضرر الصبر بعد الثلاثة لا يندفع بالخيار فى الثلاثة.

______________________________

البائع اذا اخر المشترى تسليم الثمن الى ثلاثة ايام.

و انما لا وجه، لامرين.

الاول: اطلاقات ادلة الخيار الشاملة لما اذا كان للمشترى خيار أم لا الثانى: انه لو كان خيار البائع يسقط لاجل خيار المشترى لزم ان لا يكون للبائع خيار، فيما اذا باع الحيوان، لوجود الخيار للمشترى فى الحيوان ثلاثة ايام.

و الى هذا اشار بقوله: (مع ان اللازم منه) اى من عدم خيار البائع فيما كان للمشترى خيار (عدم ثبوت هذا الخيار) اى خيار التأخير (فى الحيوان) و الحال انه ثابت فى الحيوان لاطلاقات ادلة خيار التأخير الشاملة لما اذا كان المبيع حيوانا، و للاجماع الّذي تقدم عن العلامة فى وجود خيار التأخير فى الحيوان أيضا.

(و وجه ضعف هذا التفصيل) هذا اشكال على الشق الاول، حيث قال: فيسقط معه هذا الخيار، لان خيار التأخير شرع ..

و حاصله انكم قلتم: حكمة خيار التأخير دفع الضرر، و لا ضرر مع وجود خيار آخر، و الحال ان المقدمة الثانية غير تامة.

ف (ان ضرر الصبر بعد الثلاثة) اذا كان الخيار للبائع فى الثلاثة كما اذا اشترط خيار ثلاثة ايام لنفسه (لا يندفع بالخيار فى الثلاثة).

ص: 296

و اما ما ذكره من عدم تقييد الحكم بالسبب، فلا يمنع من كون نفى الخيار فى الثلاثة من جهة التضرر بالتأخير و لذا لا ينافى هذا الخيار خيار المجلس.

و منها: تعدد المتعاقدين

لان النص مختص بصورة التعدد.

______________________________

فدليل المفصل اخص من مدعاه، فان مدعاه «ان مع خيار خارجى لا خيار للتأخير» و دليله: لا ضرر، مع انه يكون احيانا ضرر مع وجود الخيار الخارجى.

(و اما ما ذكره) المفصل (من عدم تقييد الحكم بالسبب) الّذي هو كالموضوع (ف) فيه انه (لا يمنع من كون نفى الخيار فى الثلاثة من جهة التضرر بالتأخير).

اذ تقيد الحكم بالسبب لا يقتضي انحصار السبب فى التأخير فلا ينافى وجود سبب آخر أيضا للخيار قبل هذا السبب (و لذا لا ينافى هذا الخيار خيار المجلس) هذا تمام الكلام فى الامر الّذي ذكر اشتراطه فى خيار التأخير.

الامر الثانى: هو: ما اشار إليه بقوله: (و منها) اشتراط (تعدد المتعاقدين) بان يكون البائع غير المشترى، فاذا كال انسان واحد كيلا عن المالكين، و باع من هذا لهذا، و لم يقبض المتاع و لا الثمن عنهما و مضى ثلاثة ايام لم يكن له ان يفسخ المعاملة بالخيار، و ذلك لامرين الاول (لان النص مختص بصورة التعدد) فلا يجرى فى غير المتعدد

ص: 297

و لان هذا الخيار ثبت بعد خيار المجلس، و خيار المجلس باق مع اتحاد العاقد الا مع اسقاطه.

و فيه ان المناط عدم الاقباض و القبض، و لا اشكال فى تصوره من المالكين مع اتحاد العاقد من قبلهما.

و اما خيار المجلس فقد عرفت انه غير ثابت للوكيل فى مجرد العقد.

______________________________

(و) الثانى (لان هذا الخيار ثبت بعد خيار المجلس) لما تقدم فى الشرط الاول من انه ما دام للبائع خيار لم يكن له خيار التأخير (و خيار المجلس باق مع اتحاد العاقد) اذ لا يحصل افتراق حتى تنتهى مدة خيار المجلس (الا مع اسقاطه) اى اسقاط خيار المجلس، فاذا اسقط خيار المجلس ثبت خيار التأخير، لانه لا خيار حينئذ.

(و فيه) اما الاول، فيرد عليه (ان المناط) فى خيار التأخير (عدم الاقباض و القبض، و لا اشكال فى تصوره) اى تصور عدم الاقباض و القبض (من المالكين مع اتحاد العاقد من قبلهما).

و اذا حصل المناط فى العاقد الواحد كان اللازم القول بوجود خيار التأخير فى العاقد الواحد أيضا.

(و اما) الدليل الثانى، و هو ان وجود (خيار المجلس) مانع عن خيار التأخير (ف) يرد عليه انك (قد عرفت) فى باب خيار المجلس (انه غير ثابت للوكيل فى مجرد العقد) اى فى اجراء الصيغة فقط.

و عليه ففى بعض الاماكن لا خيار للمجلس، فكيف يمكن ان يستدل على عدم خيار التأخير مطلقا بما هو اخص منه، اى بوجود خيار المجلس

ص: 298

و على تقديره فيمكن اسقاطه، او اشتراط عدمه.

نعم لو كان العاقد وليا بيده العوضان لم يتحقق الشرطان الاولان اعنى عدم الاقباض و القبض.

و ليس ذلك من جهة اشتراط التعدد.

و منها: ان لا يكون المبيع حيوانا، او خصوص الجارية،

فان المحكى عن الصدوق فى المقنع: انه اذا اشترى جارية، فقال:

______________________________

الّذي ليس كليا.

(و على تقديره) اى تقدير وجود خيار المجلس كما اذا كان وكيلا مفوضا (فيمكن اسقاطه) اى اسقاط خيار المجلس بعد العقد (او اشتراط عدمه) حين العقد، فلا يكون خيار مجلس حيث يمتنع خيار التأخير معه.

(نعم لو كان العاقد وليا بيده العوضان لم يتحقق الشرطان الاولان) اى شرطا خيار التأخير (اعنى عدم الاقباض و) عدم (القبض) و انما لم يتحققا، لان كون المالين تحت سيطرة الولى كاف فى حصول القبض و الاقباض.

(و) لكن (ليس ذلك) اى ليس عدم خيار التأخير فى الولى لهما (من جهة اشتراط التعدد) بل هو من جهة عدم شرط خيار التأخير، و الشرط هو عدم القبض و الاقباض.

(و منها) اى مما قيل باعتبارها فى خيار التأخير (ان لا يكون المبيع حيوانا، او) ان لا يكون (خصوص الجارية) اما سائر الحيوانات، فخيارها ثلاثة (فان المحكى عن الصدوق فى المقنع: انه اذا اشترى جارية فقال

ص: 299

اجيئك بالثمن، فان جاء بالثمن فيما بينه و بين شهر، و الا فلا بيع له.

و ظاهر المختلف: نسبة الخلاف الى الصدوق، فى مطلق الحيوان و المستند فيه رواية ابن يقطين عن رجل اشترى جارية، فقال:

اجيئك بالثمن، فقال ان جاء بالثمن فيما بينه و بين شهر، و الا فلا بيع له و لا دلالة فيها على صورة عدم اقباض الجارية.

و لا قرينة على حملها عليها، فيحتمل الحمل على

______________________________

اجيئك بالثمن، فان جاء بالثمن فيما بينه و بين شهر) فهو (و الا فلا بيع له) اى له الخيار- على ما تقدم من معنى لا بيع له-.

(و ظاهر المختلف: نسبة الخلاف الى الصدوق، فى مطلق الحيوان) انسانا كان او بهيمة.

(و) كيف كان، ف (المستند فيه رواية ابن يقطين عن رجل اشترى جارية، فقال: اجيئك بالثمن) فما حكمه ان لم يأت بالثمن (فقال) عليه السلام (ان جاء بالثمن فيما بينه و بين شهر) فهو (و الا فلا بيع له).

و لعل العلامة فهم من الصدوق انه ذكر الجارية من باب المثال، و لذا نسب إليه القول فى مطلق الحيوان.

(و) هذه الرواية لا تدل على مطلوب الصدوق، اذ (لا دلالة فيها على صورة عدم اقباض الجارية) و قد سبق ان من شرط خيار التأخير عدم اقباض البائع المتاع.

(و لا قرينة) فى الداخل او الخارج (على حملها) اى رواية ابن يقطين (عليها) اى على صورة عدم اقباض الجارية (فيحتمل الحمل على

ص: 300

اشتراط المجي ء بالثمن الى شهر فى متن العقد، فيثبت الخيار عند تخلف الشرط.

و يحتمل الحمل على استحباب صبر البائع و عدم فسخه الى شهر و كيف كان فالرواية مخالفة لعمل المعظم، فلا بد من حملها على بعض الوجوه.

ثم ان مبدأ الثلاثة من حين التفرق، او من حين العقد، وجهان.

من ظهور قوله فان جاء

______________________________

اشتراط المجي ء بالثمن الى شهر فى متن العقد، فيثبت الخيار عند تخلف الشرط).

و سبب هذا الحمل انه يدور امر الرواية بين الطرح، لانها مخالفة للقاعدة، او هذا الحمل، فهذا الحمل اولى.

(و يحتمل الحمل على استحباب صبر البائع و عدم فسخه الى شهر) حيث ان الرواية لا حجية فيها لاثبات حكم مخالف للاصل، اما الاستحباب فلا بأس، و ذلك للتسامح فى ادلة السنن.

(و كيف كان فالرواية مخالفة لعمل المعظم، فلا بد من حملها على بعض الوجوه) فبعد كونها شاذة- كما عن الدروس- و ضعيفة السند- كما عن المختلف-، معرض عنها.

(ثم ان مبدأ الثلاثة) فى خيار التأخير حيث انه بعد الثلاثة له الخيار (من حين التفرق، او من حين العقد، وجهان).

وجه انه من حين التفرق (من ظهور قوله) عليه السلام (فان جاء

ص: 301

بالثمن بينه و بين ثلاثة ايام فى كون مدة الغيبة ثلاثة.

و من كون ذلك كناية عن عدم التقابض ثلاثة ايام، كما هو ظاهر قوله عليه السلام فى رواية ابن يقطين: الاجل بينهما ثلاثة ايام، فان قبض بيعه، و الا فلا بيع بينهما، و هذا هو الاقوى.

______________________________

بالثمن بينه و بين ثلاثة ايام فى كون مدة الغيبة ثلاثة) فما داما فى المجلس لا يحسب ذلك من الثلاثة، هذا بالإضافة الى انه ما دام خيار المجلس، يكون للمشترى الحقّ فى عدم اعطاء الثمن- على ما تقدم-.

(و) وجه انه من حين العقد (من كون ذلك) اى بينه و بين ثلاثة ايام (كناية عن عدم التقابض ثلاثة ايام، كما هو ظاهر قوله عليه السلام فى رواية ابن يقطين: الاجل بينهما ثلاثة ايام، فان قبض) المشترى المبيع، كان (بيعه) تاما (و الا فلا بيع بينهما) اى لا بيع لازم- كما سبق- (و هذا هو الاقوى) لانه المنصرف من اطلاق النص و الفتوى.

ثم لا يبعد ان المراد بالثلاثة- كالمراد بالعشرة فى باب الاقامة- يراد ثلاث نهارات مع ليلتين متوسطتين.

ص: 302

مسئلة يسقط هذا الخيار بامور،
احدها: اسقاطه بعد الثلاثة بلا اشكال و لا خلاف،

و فى سقوطه بالاسقاط فى الثلاثة وجهان، من ان السبب فيه الضرر الحاصل بالتأخير، فلا يتحقق الا بعد الثلاثة.

و لذا صرح فى التذكرة بعدم جواز اسقاط خيار الشرط قبل التفرق اذا قلنا بكون مبدئه بعده، مع انه اولى بالجواز.

______________________________

(مسألة: يسقط هذا الخيار) اى خيار التأخير (بامور).

(احدها: اسقاطه بعد الثلاثة بلا اشكال و لا خلاف) و ذلك لان الخيار حق لذى الخيار، و ليس بحكم، و الحق قابل للاسقاط عرفا، و الشارع لم يحدث طريقة جديدة، و الا لبيّنها، فاللازم ان يكون قد امضى طريقة العرف، كما فى سائر موارد المعاملات (و فى سقوطه بالاسقاط فى الثلاثة وجهان).

وجه عدم السقوط (من ان السبب فيه الضرر الحاصل بالتأخير، فلا يتحقق) السبب (الا بعد الثلاثة) و حيث لا سبب لا مسبب، فلا خيار حتى يسقط (و لذا) الّذي لا يسقط الخيار قبل حصوله (صرح فى التذكرة بعدم جواز) اى عدم نفوذ (اسقاط خيار الشرط قبل التفرق، اذا قلنا بكون مبدئه) اى مبدأ خيار الشرط (بعده) اى بعد التفرق، و وجه كون مبدئه بعد التفرق انه ما دام المجلس، فخيار المجلس موجود، و مع خيار المجلس لا وجود لخيار الشرط، لانه لا فائدة منه (مع انه) اى خيار الشرط (اولى بالجواز) من خيار التأخير اى بجواز الاسقاط، لانه خيار مجعول من نفس المتعاقدين و ما جعلاه اقرب الى امكان اسقاط ما جعله الشارع و هو خيار التأخير و أيضا ان الشرط- و هو علة الخيار قد تحقق عند العقد، فاللازم امكان اسقاطه، بخلاف التأخير الّذي هو علة

ص: 303

و من ان العقد سبب الخيار فيكفى وجوده فى اسقاطه، مضافا الى فحوى جواز اشتراط سقوطه فى ضمن العقد.

الثانى: اشتراط سقوطه فى متن العقد،

حكى عن الدروس و جامع المقاصد و تعليق الارشاد، و لعله لعموم ادلة الشروط.

و يشكل على عدم جواز اسقاطه فى الثلاثة بناء على ان السبب فى هذا الخيار

______________________________

الخيار فانه لا يتحقق الا بعد الثلاثة.

(و) وجه عدم سقوطه بالاسقاط (من ان العقد سبب الخيار فيكفى وجوده) اى وجود العقد (فى اسقاطه) فانه لو لا العقد لم يكن خيار، فهو السبب الاولى (مضافا الى فحوى جواز اشتراط سقوطه فى ضمن العقد) فانه لا اشكال عندهم بجواز شرط اسقاط كل الخيارات فى ضمن العقد و هذا الخيار منها

فاذا صح اسقاطه ضمن العقد، صح اسقاطه بعد العقد بطريق اولى و الاولوية لانه اذا لم يتحقق بعد العقد و صح اسقاطه، صح اسقاطه بعد تحقق العقد قطعا.

(الثانى) من مسقطات خيار التأخير (اشتراط سقوطه فى متن العقد حكى) هذا المسقط (عن الدروس و جامع المقاصد و تعليق الارشاد، و لعله) اى لعل وجه السقوط بهذا المسقط (لعموم ادلة الشروط) فان «المؤمنون عند شروطهم» يشمل المقام، كما يشمل غيره.

(و يشكل) هذا المسقط بناء (على عدم جواز اسقاطه فى الثلاثة) التى ذكرناها فى المسقط الاول (بناء) فى وجه عدم اسقاطه فى الثلاثة (على ان السبب فى هذا الخيار

ص: 304

هو الضرر الحادث بالتأخير، دون العقد، فان الشرط انما يسقط به ما يقبل الاسقاط بدون الشرط، و لا يوجب شرعية سقوط ما لا يشرع اسقاطه بدون شرط، فان كان اجماع على السقوط بالشرط كما حكاه بعض قلنا به بل بصحة الاسقاط بعد العقد لفحواه، و الا فللنظر فيه مجال.

الثالث: بذل المشترى للثمن بعد [الثلاثة]

______________________________

هو الضرر الحادث بالتأخير، دون) ان يكون السبب هو (العقد).

وجه الاشكال (فان الشرط انما يسقط به ما يقبل الاسقاط بدون الشرط) لصحة اسقاطه، لانه حق ثابت الآن، و ان لم يكن شرط لاسقاطه و لذا لا يصح ان يقول غير المتزوج انى اسقطت حقّى على زوجتى (و لا يوجب) الشرط (شرعية سقوط ما لا يشرع اسقاطه بدون شرط) فان هذا الاسقاط اذا لم يكن مشروعا لم ينفع شرط اسقاطه فى ضمن العقد فى سقوطه، لانه ليس بحق (فان كان اجماع على السقوط) لخيار التأخير (بالشرط) فى ضمن العقد (كما حكاه) اى الاجماع (بعض، قلنا به) اى بهذا المسقط (بل) قلنا (بصحة الاسقاط بعد العقد) أيضا (لفحواه) فانه اذا صح الاسقاط ضمن العقد، صح بعده بطريق اولى، كما تقدم وجه الفحوى (و الا) يكن اجماع (فللنظر فيه) اى فى هذا المسقط (مجال) لكن الاقوى السقوط، لان العقد هو السبب، و هو طريقة العقلاء فى المعاملات، و الشارع لم يحدث طريقا جديدا، و بذلك دلّ على انه امضاها.

(الثالث) من مسقطات خيار التأخير (بذل المشترى للثمن بعد

ص: 305

الثلاثة، فان المصرح به فى التذكرة سقوط الخيار حينئذ.

و قيل بعدم السقوط بذلك استصحابا، و هو حسن لو استند فى الخيار الى الاخبار.

و اما اذا استند فيه الى الضرر، فلا شك فى عدم الضرر حال بذل الثمن، فلا ضرر ليتدارك بالخيار.

و لو فرض تضرره سابقا بالتأخير، فالخيار لا يوجب تدارك ذلك، و

______________________________

الثلاثة) قبل فسخ البائع (فان المصرح به فى التذكرة سقوط الخيار حينئذ) اى حين البذل.

(و قيل بعدم السقوط بذلك) البذل (استصحابا) للخيار (و هو) اى عدم السقوط (حسن) لا للاستصحاب، بل (لو استند فى الخيار الى الاخبار) فان اطلاقها شامل لصورتى البذل و عدمه.

(و اما اذا استند فيه) اى فى الخيار (الى) دليل (الضرر ف) الاجمال للقول ببقاء الخيار، اذ (لا شك فى عدم الضرر حال بذل الثمن، فلا ضرر) الآن (ليتدارك) هذا الضرر (بالخيار).

اللهم الا اذا كان هناك ضرر بعد الثلاثة بسبب ارتفاع القيمة بعد الثلاثة، فانه ضرر توجه الى المالك لسبب التأخير، و لا يتدارك ببذل الثمن، فتأمل.

(و لو فرض تضرره) اى البائع (سابقا) فى الثلاثة (بالتأخير فالخيار) الآن بعد البذل (لا يوجب تدارك ذلك) الضرر حتى يقال: ان الخيار لتدارك الضرر (و

ص: 306

انما يتدارك به الضرر المستقبل.

و دعوى ان حدوث الضرر قبل البذل يكفى فى بقاء الخيار، مدفوعة بان الاحكام المترتبة على نفى الضرر تابعة للضرر الفعلى، لا مجرد حدوث الضرر فى زمان.

و

______________________________

انما يتدارك به) اى بالخيار (الضرر المستقبل) و المفروض انه لا تأخير فى البذل عن المستقبل، حتى يوجب ضررا فيوجب خيارا.

(و دعوى ان حدوث الضرر قبل البذل) و لو آنا مّا (يكفى فى بقاء الخيار) مثل الطهارة، و النجاسة، و الملكية، و الزوجية، و الحرية، و الرقية، و غيرها مما يكون حدوثه و لو آنا مّا سببا لبقائه، الا اذا جاء ما ينقض ذلك.

فهذه الدعوى (مدفوعة بان الاحكام المترتبة على نفى الضرر تابعة للضرر الفعلى، لا مجرد حدوث الضرر فى زمان).

فان علية الضرر لتلك الاحكام التى منها الخيار فى المقام تقتضى دوران تلك الاحكام مدار الضرر الفعلى وجود او عدما، لا ان الضرر آنا مّا يكفى فى ترتب الاحكام الى الابد.

اما الامثلة التى ذكروها، فان الدليل الخارجى عقلا او نقلا، دل على ان المدار الحدوث آنا مّا.

(و) حيث ان المصنف ذكر أولا انه لو كان مبنى خيار التأخير على الاخبار، بقى الخيار و لو مع البذل بعد الثلاثة، بقوله «و هو حسن ..

ص: 307

لا يبعد دعوى انصراف الاخبار الى صورة التضرر فعلا بلزوم العقد، بان يقال بان عدم حضور المشترى علة لانتفاء اللزوم يدور معها وجود او عدما و كيف كان فمختار التذكرة لا يخلو عن قوة.

الرابع: اخذ الثمن من المشترى بناء على عدم سقوطه بالبذل

و الا لم يحتج

______________________________

الخ» اراد ردّ هذا الحسن، و انه لا يكون خيار و ان كان المستند الاخبار.

اذ (لا يبعد دعوى انصراف الاخبار الى صورة التضرر فعلا بلزوم العقد) فمفاد الاخبار أيضا مفاد: لا ضرر، و كما ان البذل بعد الثلاثة يرفع الخيار المستند الى: لا ضرر، كذلك يرفع المستند الى الاخبار (بان يقال) ان ظاهر الاخبار يفيد (بان عدم حضور المشترى علة لانتفاء اللزوم) اى لزوم البيع، فللبائع الخيار ف (يدور) عدم اللزوم (معها) اى مع هذه العلة (وجودا و عدما) فاذا حضر المشترى صار اللزوم، و ان كان بعد الثلاثة.

(و كيف كان) الامر (فمختار التذكرة) بان بذل المشترى يوجب سقوط الخيار بعد الثلاثة (لا يخلو) عند المصنف (عن قوة) و ان كان الاظهر بقاء الخيار.

(الرابع) من مسقطات خيار التأخير (اخذ) البائع (الثمن من المشترى) فان الأخذ يسقط الخيار (بناء على عدم سقوطه) اى عدم سقوط الخيار (بالبذل) من المشترى، اى اذا قلنا ان المسقط الثالث البذل ليس مسقطا، يكون الاخذ مسقطا (و الا) بان كان البذل مسقطا (لم يحتج) الاسقاط

ص: 308

الى الاخذ به، و السقوط به، لانه التزام فعلى بالبيع و رضا بلزومه.

و هل يشترط افادة العلم بكونه لاجل الالتزام، او يكفى الظن فلو احتمل كون الاخذ بعنوان العارية، او غيرها لم ينفع، أم لا يعتبر الظن أيضا، وجوه، من عدم تحقق موضوع الالتزام الا بالعلم.

______________________________

(الى الاخذ) اى اخذ البائع (به) اى بالثمن لان المسقط حصل قبل الاخذ.

(و) كيف كان، ف (السقوط) للخيار (به) اى بالاخذ، انما هو (لانه) اى الاخذ (التزام فعلى بالبيع و رضا بلزومه) و بعد الرضا لا خيار.

(و هل يشترط) فى سقوط الخيار بأخذ البائع للثمن (افادة) الاخذ (العلم بكونه) اى بكون الأخذ (لاجل الالتزام) اى التزام البائع بالبيع (او يكفى) فى اسقاط الخيار (الظن) بان اخذه لاجل الالتزام (فلو احتمل) احتمالا ضد العلم او احتمالا لا يورث الشك ضد الظن (كون الاخذ) اى اخذ البائع الثمن انما كان (بعنوان العارية، او غيرها) كالوديعة (لم ينفع) الاخذ فى اسقاط الخيار (أم لا يعتبر الظن أيضا) كما لا يعتبر العلم (وجوه) ثلاثة.

وجه اعتبار العلم (من عدم تحقق موضوع الالتزام) و هو الرضا (الا بالعلم) فانا لا نعلم بان البائع التزم حتى يسقط خياره الا اذا علمنا انه اخذ الثمن بعنوان كونه ثمنا.

ص: 309

و من كون الفعل مع افادة الظن أمارة عرفية على الالتزام كالقول.

و مما تقدم من سقوط خيار الحيوان او الشرط، بما كان رضاء نوعيا بالعقد، و هذا من اوضح افراده.

و قد بيّنا عدم اعتبار الظن الشخصى فى دلالة التصرف على الرضا.

و خير الوجوه اوسطها، لكن الاقوى الاخير.

و هل يسقط الخيار بمطالبة الثمن المصرح به فى التذكرة و غيرها العدم للاصل و عدم الدليل

______________________________

(و) وجه اعتبار الظن (من كون الفعل) اى الأخذ (مع افادة الظن) بانه اخذه بعنوان الثمن (أمارة عرفية على الالتزام) فيكون الفعل المورث للظن (كالقول) المورث له فى ان كليهما حجة عقلائية.

(و) وجه عدم اعتبار الظن أيضا (مما تقدم من سقوط خيار الحيوان او الشرط، بما كان رضاء نوعيا بالعقد، و هذا) اى أخذ الثمن (من اوضح افراده) اى افراد ما يوجب الرضا النوعى.

(و قد بيّنا) هناك (عدم اعتبار الظن الشخصى فى دلالة التصرف على الرضا) فيكفى الظن النوعى، و الاخذ يوجب الظن النوعى.

(و خير الوجوه اوسطها) و هو الظن الشخصى، لانه اقرب الى الاحتياط (لكن الاقوى الاخير) فيكفى الظن النوعى.

(و هل يسقط الخيار) اى خيار البائع (بمطالبة) البائع (الثمن المصرح به فى التذكرة و غيرها العدم) و انه لا يسقط الخيار بذلك (للاصل) فان الاستصحاب يقتضي بقاء الخيار (و عدم الدليل) على

ص: 310

و يحتمل السقوط لدلالته على الرضاء بالبيع.

و فيه ان سبب الخيار هو التضرر فى المستقبل لما عرفت من ان الخيار لا يتدارك به ما مضى من ضرر الصبر.

و مطالبة الثمن لا يدل على التزام الضرر المستقبل، حتى يكون التزاما بالبيع، بل مطالبة الثمن انما هو استدفاع للضرر المستقبل كالفسخ، لا الالتزام بذلك الضرر ليسقط الخيار.

______________________________

السقوط، بل اطلاق ادلة الخيار يدل على بقاء الخيار.

(و يحتمل السقوط) للخيار، بسبب مطالبة البائع (لدلالته) اى الطلب للثمن (على الرضاء بالبيع) و قد تقدم ان الرضا يوجب سقوط الخيار.

(و فيه) ردّ لقوله «و يحتمل السقوط» (ان سبب الخيار هو التضرر فى المستقبل) و الطلب لا يرفع تضرر المستقبل، و ما دامت علة الخيار و هى التضرر المستقبلى موجودة، فالخيار باق (لما عرفت من ان الخيار لا يتدارك به ما مضى من ضرر الصبر) «من» بيان «ما»، و «لما» علة قوله «ان سبب ..».

(و مطالبة الثمن لا يدل على التزام الضرر المستقبل، حتى يكون) الطلب للثمن (التزاما بالبيع) و اسقاطا للخيار (بل مطالبة الثمن انما هو استدفاع) اى طلب دفع (للضرر المستقبل) فالمطالبة (كالفسخ) فى انه دفع ضرر المستقبل (لا) ان المطالبة تكون (الالتزام بذلك الضرر) المستقبلى (ليسقط الخيار) بسبب المطالبة.

ص: 311

و ليس الضرر هنا من قبيل الضرر فى بيع الغبن، و نحوه ممّا كان الضرر حاصلا بنفس العقد حتى يكون الرضا به بعد العقد و العلم بالضرر التزاما بالضرر الّذي هو سبب الخيار.

و بالجملة، فالمسقط لهذا الخيار ليس الا دفع الضرر المستقبل ببذل الثمن، او التزامه باسقاطه، او اشتراط سقوطه.

______________________________

(و) ان قلت: فلما ذا يكون الرضا بالعقد فى الغبن، اسقاطا للخيار قلت: هناك فرق بين الغبن و بين المقام، اذ: الضرر فى الغبن ماض، و الضرر فى المقام مستقبل، ف (ليس الضرر هنا) اى فى خيار التأخير (من قبيل الضرر فى بيع الغبن، و نحوه) كالمعيب (ممّا كان الضرر حاصلا بنفس العقد حتى يكون الرضا به) اى بالعقد (بعد العقد) «بعد» متعلق ب «الرضا» (و العلم بالضرر) اى الرضا مع العلم بالضرر و قوله: (التزاما بالضرر الّذي هو سبب الخيار) خبر «يكون».

(و بالجملة فالمسقط لهذا الخيار) اى خيار التأخير (ليس الا دفع الضرر المستقبل) دفعا (ببذل الثمن) فان البذل يوجب ان لا يكون ضرر و حيث ارتفع الضرر سقط الخيار (او التزامه) اى التزام البائع (باسقاطه) بان يسقط البائع خياره (او اشتراط سقوطه) بان يشترط فى ضمن البيع ان لا يكون للبائع خيار، اما مجرد طلب البائع الثمن فلا دليل على انه مسقط للخيار.

(و) لا ينتقض بان الخيارات السابقة كالغبن تسقط بمجرد الرضا فلما ذا لا يسقط هنا بمجرد الرضا.

ص: 312

ما تقدم من سقوط الخيارات المتقدمة بما يدل على الرضا فانما هو حيث يكون العقد سببا للخيار، و لو من جهة التضرر بلزومه، و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل مع ان سقوط تلك الخيارات بمجرد مطالبة الثمن أيضا محل نظر، لعدم كونه تصرفا و اللّه العالم.

______________________________

اذ: (ما تقدم من سقوط الخيارات المتقدمة بما يدل على الرضا فانما هو حيث يكون العقد سببا للخيار، و لو) كانت سببيته (من جهة التضرر بلزومه) اى بلزوم العقد (و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل) اذ ليس العقد سببا لخيار التأخير، بل السبب للخيار هو التأخير (مع ان سقوط تلك الخيارات) كالغبن (بمجرد مطالبة الثمن أيضا محل نظر).

فلا نقول بالسقوط بمجرد مطالبة الثمن (لعدم كونه) اى لعدم كون الطلب للثمن فى تلك الخيارات (تصرفا) و الّذي يسقط تلك الخيارات هو التصرف، فاذا لم يسقط تلك الخيارات طلب الثمن، فلا وجه لان يكون طلب الثمن فى خيار التأخير مسقطا له (و الله) سبحانه (العالم)

ص: 313

مسئلة فى كون هذا الخيار على الفور او التراخى، قولان،

و قد تقدم ما يصلح ان يستند إليه لكل من القولين فى مطلق الخيار، مع قطع النظر عن خصوصيات الموارد.

و قد عرفت ان الاقوى الفور.

و يمكن ان يقال فى خصوص ما نحن فيه ان ظاهر قوله عليه السلام:

لا بيع له، نفى البيع رأسا.

و الانسب بنفى الحقيقة بعد عدم إرادة نفى الصحة

______________________________

(مسألة: فى كون هذا الخيار) اى خيار التأخير (على الفور) بعد ثلاثة ايام (او) على (التراخى، قولان، و قد تقدم) فى بعض الخيارات السابقة (ما يصلح ان يستند إليه لكل من القولين فى مطلق الخيار) من اطلاق الدليل المقتضى للتراخى، و من ان القدر المتيقن الفور العرفى (مع قطع النظر عن خصوصيات الموارد) و الادلة الخاصة بكل مورد مورد (و قد عرفت ان الاقوى) عند المصنف (الفور) و ان كان الاقرب عندنا تبعا للمشهور فى المقام التراخى، و قد سبق ان بينّا وجه ذلك.

(و يمكن ان يقال فى خصوص ما نحن فيه) من خيار التأخير التراخى ف (ان ظاهر قوله عليه السلام: لا بيع له، نفى البيع رأسا) بعد الثلاثة.

(و الانسب بنفى الحقيقة بعد عدم إرادة نفى الصحة) اذ قد تقدم ان

ص: 314

هو نفى لزومه رأسا بان لا يعود لازما ابدا، فتأمل.

ثم على تقدير اهمال النص، و عدم ظهوره فى العموم يمكن التمسك بالاستصحاب هنا، لان اللزوم اذا ارتفع عن البيع فى زمان فعوده يحتاج الى دليل.

و

______________________________

المشهور هو عدم لزوم البيع، لا عدم البيع و بطلانه (هو نفى لزومه رأسا بان لا يعود لازما ابدا).

اذ كما ان نفى الحقيقة معناه العدم الابدى، كذلك نفى اللزوم معناه عدم اللزوم ابدا، و معنى ذلك ان الخيار على التراخى (فتأمل).

فان علة هذا الخيار ضرر البائع، و ذلك ينفى بمجرد الخيار، و لو آنا ما، و هذا يصلح ان يكون قرينة للفور، فلا يسلم ظاهر الرواية دليلا على التراخى.

(ثم على تقدير اهمال النص، و عدم ظهوره فى العموم) اى فى عموم الخيار لما بعد الفور، بان قلنا: ان النص يدل على وجود الخيار فى الجملة، فلا يثبت الخيار فيما بعد الفور و لا ينفيه (يمكن التمسك بالاستصحاب هنا) فى خيار التأخير (لان اللزوم اذا ارتفع عن البيع فى زمان فعوده) اى اللزوم (يحتاج الى دليل) و اذ فقد الدليل كان المرجع استصحاب الخيار.

(و) ان قلت: نشك فى الآن الثانى فى موضوع الاستصحاب، و مع الشك فى الموضوع لا يجرى الاستصحاب، كما تقدم مثل هذا الشك فى

ص: 315

ليس الشك هنا فى موضوع المستصحب نظير ما تقدم فى استصحاب الخيار لان الموضوع مستفاد من النص فراجع.

و كيف كان، فالقول بالتراخى لا يخلو عن قوة، اما لظهور النص، و اما للاستصحاب.

______________________________

بعض الخيارات السابقة.

قلت: (ليس الشك هنا) فى خيار التأخير (فى موضوع المستصحب) حتى لا يجرى الاستصحاب (نظير ما تقدم فى استصحاب الخيار).

و انما لم يكن الشك كذلك (لان الموضوع) فى المقام (مستفاد من النص فراجع) اذ موضوع الخيار هنا «من لم يجئ المشترى إليه بالثمن» و هذا الموضوع باق.

(و كيف كان، فالقول بالتراخى) فى هذا الخيار (لا يخلو عن قوة اما لظهور النص، و اما للاستصحاب) بل عرفت سابقا ان التراخى هو مقتضى الدليل فى كل الخيارات.

ص: 316

مسئلة لو تلف المبيع بعد الثلاثة كان من البائع اجماعا مستفيضا، بل متواترا،

كما فى الرياض.

و يدل عليه النبوى المشهور،- و ان كان فى كتب روايات اصحابنا غير مسطور-: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه.

و اطلاقه كمعاقد الاجماعات يعم: ما لو تلف فى حال الخيار، أم تلف بعد بطلانه كما لو قلنا بكونه

______________________________

(مسألة: لو تلف المبيع بعد الثلاثة كان من البائع) فهو الّذي يخسره لا المشترى (اجماعا مستفيضا، بل متواترا، كما فى الرياض) دعوى الاجماع عليه.

(و يدل عليه النبوى) صلى الله عليه و آله و سلم (المشهور،- و ان كان) هذا النبوى (فى كتب روايات اصحابنا غير مسطور-) و انما سطر فى كتب الفتاوى، و ذلك كاف فى الحجية بعد ان اعتمد المشهور عليه و هو (كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه).

و الظاهر انه يشمل الثمن أيضا، لان الثمن أيضا مبيع و البائع يطلق على المشترى أيضا، فان البيع يطلق على كلا الامرين، و الانصراف امر قيل به، فهو بدوى.

(و اطلاقه) اى النبوى (كمعاقد الاجماعات يعم: ما لو تلف فى حال الخيار، أم تلف بعد بطلانه) اى انتهاء مدة الخيار (كما لو قلنا بكونه) اى

ص: 317

على الفور فبطل بالتأخير، او بذل المشترى الثمن فتلف العين فى هذا الحال.

و قد يعارض النبوى بقاعدة الملازمة بين النماء و الدرك المستفادة من النص، و الاستقراء.

______________________________

الخيار (على الفور فبطل بالتأخير) او اسقط الخيار، اذا قلنا بانه دائم (او بذل المشترى الثمن) فانه مسقط للخيار كما تقدم (فتلف العين) بعد البذل (فى هذا الحال) او شرطا سقوط الخيار فى اليوم الخامس من البيع مثلا فيما قلنا بان الخيار دائمى.

(و قد يعارض النبوى بقاعدة الملازمة بين النماء و الدرك).

فان القاعدة تقول: كل من له النماء فعليه الدرك، و لا شك ان نماء المبيع قبل القبض للمشترى، فكيف يكون الدرك على البائع (المستفادة) هذه القاعدة (من النص) و هو النبوى صلى الله عليه و آله المشهور الخراج بالضمان اى ان الفائدة فى قبال الدرك، و قد تقدم هذا الحديث بتفصيله (و الاستقراء) فان استقراء النصوص المتفرقة يعطى ان كل من له الفائدة فعليه الدرك، كرواية اسحاق، قلت: أ رأيت لو كان للدار غلة لمن تكون الغلة، قال: للمشترى، الا ترى انه لو احترقت كانت من ماله؟

و قريب منها رواية معاوية بن ميسرة، و كرواية اسحاق، ثم قال عليه السلام: أ رأيت لو كان ثمنه اى ثمن العبد مائة دينار، فزاد و بلغ مائتي دينار، لمن يكون؟ قلت: لمولاه، قال عليه السلام: كذلك يكون عليه ما

ص: 318

و القاعدة المجمع عليها من ان التلف فى زمان الخيار ممن لا خيار له لكن النبوى اخص من القاعدة الاولى فلا معارضة.

و القاعدة الثانية لا عموم فيها يشمل جميع افراد الخيار، و لا جميع احوال البيع حتى قبل القبض، بل التحقيق فيها- كما سيجي ء ان شاء الله- اختصاصها بخيار المجلس و الشرط و الحيوان، مع كون التلف بعد القبض

______________________________

يكون له (و القاعدة المجمع عليها من ان التلف فى زمان الخيار ممن لا خيار له) فان البائع هو الّذي له الخيار و المشترى لا خيار له، فاللازم ان يكون التلف من المشترى، لا من البائع (لكن النبوى اخص من القاعدة الاولى).

لان القاعدة تشمل ما بعد القبض و ما قبله، بينما النبوى خاص بما قبل القبض.

و القاعدة شاملة للبيع و غيره، بينما النبوى خاص بالبيع (فلا معارضة) بين النبوى و القاعدة، بل يقدم النبوى صلى الله عليه و آله و سلم عليها (و القاعدة الثانية) و هى: التلف فى زمان الخيار ممن لا خيار له (لا عموم فيها يشمل جميع افراد الخيار) حتى خيار التأخير (و لا جميع احوال البيع حتى قبل القبض) ليشمل ما نحن فيه، و هو كون التلف قبل قبض المشترى للمبيع (بل التحقيق فيها) اى فى القاعدة الثانية (- كما سيجي ء ان شاء الله- اختصاصها بخيار المجلس و الشرط و الحيوان) فقط (مع كون التلف بعد القبض).

ص: 319

و لو تلف فى الثلاثة فالمشهور كونه من مال البائع أيضا.

و عن الخلاف الاجماع عليه خلافا لجماعة من القدماء، منهم: المفيد و السيدان مدعين عليه الاجماع، و هو مع قاعدة ضمان المالك لما له يصح حجة لهذا القول.

لكن الاجماع معارض، بل موهون.

______________________________

و اما الاستقراء فهو بالإضافة الى انه ناقص فهو يشبه التمثيل اى القياس الممنوع العمل به شرعا، اعم من النبوى صلى الله عليه و آله و سلم «كل مبيع تلف ...».

اذ الاستقراء يشمل البيع و غيره، و قبل القبض و بعده بينما النبوى خاص بالبيع و قبل القبض.

(و لو تلف) المبيع (فى الثلاثة) فى حال عدم كون الخيار للبائع (فالمشهور كونه من مال البائع أيضا) كما ان تلفه بعد الثلاثة من مال البائع.

(و عن الخلاف الاجماع عليه خلافا لجماعة من القدماء، منهم المفيد و السيدان) المرتضى و ابن زهرة، فقالوا: ان التلف من مال المشترى (مدعين عليه الاجماع، و هو) اى الاجماع (مع قاعدة ضمان المالك لما له) فالمشترى الّذي هو مالك للمتاع ضامن للمتاع، و لا علاقة لتلفه بالبائع (يصح، حجة لهذا القول) الّذي ذهب إليه المفيد و السيّدان.

(لكن الاجماع معارض) بالاجماع المتقدم فى اوّل المسألة (بل موهون) لان المشهور على خلاف فتوى المفيد و السيدين، فكيف يمكن

ص: 320

و القاعدة مخصصة بالنبوى المذكور المنجبر من حيث الصدور مضافا الى رواية عقبة بن خالد فى رجل اشترى متاعا من رجل، و اوجبه، غير انه ترك المتاع عنده و لم يقبضه قال: آتيك غدا ان شاء الله تعالى، فسرق المتاع، من مال من يكون؟ قال: من مال صاحب المتاع الّذي هو فى بيته حتى يقبض المال و يخرجه من بيته، فاذا اخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد إليه حقه.

______________________________

الاستناد الى مثل هذا الاجماع.

(و القاعدة) و هى: قاعدة ضمان المالك (مخصصة بالنبوى المذكور) و هو: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال مالكه (المنجبر من حيث الصدور) فانه و ان كان ضعيف السند الا ان عمل المشهور به يسنده (مضافا الى رواية عقبة بن خالد) الدالة على المشهور (فى رجل اشترى متاعا من رجل، و اوجبه) اى اوجب البيع (غير انه) اى المشترى (ترك المتاع عنده) اى عند البائع (و لم يقبضه) عن البائع، و (قال) المشترى للبائع (آتيك غدا ان شاء الله تعالى) لآخذ المتاع (فسرق المتاع، من مال من يكون) المتاع المسروق (قال: من مال صاحب المتاع الّذي هو فى بيته) اى من مال البائع (حتى يقبض) المشترى (المال و يخرجه) اى المشترى (من بيته) اى بيت البائع (فاذا اخرجه) المشترى (من بيته) اى بيت البائع (فالمبتاع) اى المشترى (ضامن لحقه) اى حق البائع بمعنى الثمن (حتى يرد) المشترى (إليه) اى الى البائع (حقه) و هو الثمن.

ص: 321

و لو مكنه من القبض فلم يتسلم فضمان البائع مبنى على ارتفاع الضمان بذلك و هو الاقوى.

قال الشيخ فى النهاية: اذا باع الانسان شيئا و لم يقبض المتاع، و لا قبض الثمن و مضى المبتاع فان العقد موقوف ثلاثة ايام فان جاء المبتاع

______________________________

فان هذا الخبر يدل على المشهور، و عليه ففتوى المفيد و السيدين غير تامة.

(و لو مكنه) اى مكّن البائع المشترى (من القبض) اى قبض المتاع (فلم يتسلم) المشترى المتاع (ف) تلف المتاع، فهل يضمن البائع أيضا او ان المال ذهب من كيس المشترى.

الظاهر ان (ضمان البائع) و عدمه للمتاع المتلف (مبنى على ارتفاع الضمان) من البائع (بذلك) اى بتمكين المشترى، و عدم ارتفاع الضمان اى انه هل يكفى هذا التمكين فى رفع الضمان، أم لا يكفى؟

فمن يرى الكفاية يقول: انه لا ضمان على البائع، و من يرى عدم الكفاية يقول: بان البائع ضامن (و هو) اى ارتفاع الضمان من البائع بتمكين المشترى (الاقوى) فلا ضمان على البائع و انما يكون التلف من كيس المشترى.

(قال الشيخ فى النهاية: اذا باع الانسان شيئا و لم يقبّض) البائع بتشديد الباء فى يقبض- (المتاع) الى المشترى (و لا قبض) البائع (الثمن) من المشترى (و مضى المبتاع) اى المشترى (فان العقد موقوف) و ثابت (ثلاثة ايام، فان جاء المبتاع) اى المشترى

ص: 322

فى مدة ثلاثة ايام، كان المبيع له، و ان مضت ثلاثة ايام، كان البائع اولى بالمتاع فان هلك المتاع فى هذه الثلاثة ايام و لم يكن قبضه اياه كان من مال البائع دون المبتاع و ان كان قبّضه اياه ثم هلك فى مدة ثلاثة ايام، كان من مال المبتاع.

و ان هلك بعد الثلاثة ايام، كان من مال البائع على كل حال لان الخيار له بعدها، انتهى المحكى فى المختلف و قال:- بعد الحكاية- و فيه نظر

______________________________

(فى مدة ثلاثة ايام) ليأخذ المبيع و يعطى الثمن (كان المبيع له) اى للمشترى (و ان مضت ثلاثة ايام) و لم يأت المشترى (كان البائع اولى بالمتاع) ان شاء فسخ، و ان شاء صبر- كما تقدم- (فان هلك المتاع فى هذه الثلاثة ايام و لم يكن قبضه)- بالتشديد- اى اعطاه البائع (اياه) المشترى (كان من مال البائع) لان التلف قبل القبض من مال بائعه (دون المبتاع) اى المشترى (و ان كان قبضه اياه ثم هلك) المتاع (فى مدة ثلاثة ايام كان) التلف (من مال المبتاع) اى المشترى.

(و ان هلك بعد الثلاثة ايام، كان من مال البائع على كل حال) و سيأتى معنى على كل حال-.

و انما كان من مال البائع (لان الخيار له بعدها) اى بعد الثلاثة (انتهى المحكى) عن الشيخ الّذي حكاه (فى المختلف) عنه.

(و قال) العلامة (- بعد الحكاية-) المذكورة (و فيه نظر) اى فى قول الشيخ «و ان هلك بعد الثلاثة ايام كان من مال البائع على كل

ص: 323

اذ مع القبض يلزم البيع، انتهى.

اقول كانه جعل الفقرة الثالثة مقابلة للفقرتين فتشمل ما بعد القبض و ما قبله خصوصا مع قوله على كل حال

______________________________

حال» (اذ مع القبض) قبض المشترى للمتاع (يلزم البيع) فاذا لزم البيع كان التلف من مال المشترى لا من مال البائع هذا أولا.

و ثانيا لا مجال لقول الشيخ «لان الخيار له بعدها» اذ لا خيار بعد القبض (انتهى) كلام العلامة.

(اقول كانه) اى العلامة (جعل الفقرة الثالثة) «و ان هلك بعد الثلاثة ايام ...» (مقابلة للفقرتين) و هما «فان هلك المتاع ... و لم يكن قبضه ..» و «و ان كان قبضه اياه» (فتشمل) الفقرة الثالثة (ما بعد القبض و ما قبله) فكان الشيخ قال «ان هلك بعد الثلاثة كان من مال البائع سواء قبضه المشترى، أم لا».

فقد عمم العلامة الفقرة الثالثة لما قبل القبض و ما بعد القبض (خصوصا مع قوله) اى قول الشيخ: (على كل حال) الظاهر فيما قبل القبض و ما بعده.

فهناك قرينتان استند إليهما العلامة فى ان الشيخ اراد من الفقرة الثالثة الاعم.

الاولى: انه جعل الفقرة الثالثة مقابل الفقرتين.

الثانية: ان الشيخ قال «على كل حال» لكن الشيخ لم يرد الاعم و انما اراد «قبل القبض فقط» و ذلك لقرينتين.

ص: 324

لكن التعميم مع انه خلاف الاجماع مناف لتعليل الحكم بعد ذلك بقوله لان الخيار له بعد ثلاثة ايام،

______________________________

الاولى: الاجماع على انه اذا قبض المشترى يكون تلفه على المشترى لا على البائع.

الثانية: انه اذا قبضه المشترى لم يكن هناك خيار، مع ان الشيخ قال «لان الخيار له بعدها» اذا فالشيخ اراد بالفقرة الثالثة خصوص «ما قبل القبض».

و على هذا فالمراد ب «على كل حال» ان البائع سواء فسخ او لم يفسخ، كان تلف المبيع عليه.

اما اذا فسخ فلوضوح انه ملك له فتلفه عليه.

و اما اذا لم يفسخ كان عليه لان التلف قبل القبض من مال مالكه.

و على هذا فقوله «لان الخيار له بعدها» علة لبيان ان المالك يمكن له ان يفسخ، كما يمكن له ان لا يفسخ.

فالعلة: هى لقوله: على كل حال، اى ان العلة لتصويران هناك حالين بعد الثلاثة الايام حال الفسخ، و حال الاجازة.

و قد اشار المصنف الى الاشكالين اللذين ذكرناهما على كلام العلامة بقوله: (لكن التعميم) للفقرة الثالثة بالنسبة الى ما قبل القبض و ما بعده (مع انه خلاف الاجماع) اذ لو قبض المشترى لا يكون المتلف من كيس البائع، فهو (مناف لتعليل الحكم) فى كلام الشيخ (بعد ذلك) اى بعد الفقرة الثالثة (بقوله) اى قول الشيخ (لان الخيار له بعد ثلاثة ايام).

ص: 325

فان المعلوم ان الخيار انما يكون له مع عدم القبض، فيدل ذلك على ان الحكم المعلل مفروض فيما قبل القبض.

______________________________

و انما ينافى التعليل للتعميم (فان المعلوم ان الخيار انما يكون له) اى للبائع (مع عدم القبض) اما اذا حصل القبض فلا خيار للبائع (فيدل ذلك) التعليل (على ان الحكم المعلل) فى كلام الشيخ بقوله: كان من مال البائع (مفروض فيما قبل القبض).

ثم ان غرض المصنف من نقل كلام الشيخ و ايراد العلامة و ردّ ايراد العلامة ان الشيخ لا يقول بمقالة السيدين و المفيد، كما توهم ذلك العلامة من كلام الشيخ و ردّه.

و المصنف ردّ العلامة حتى يبين عدم دلالة كلام الشيخ على مقالة المفيد و السيدين.

و لا يخفى ان عبارة الشيخ غير خالية عن شوب اشكال، و الله سبحانه العالم بحقائق المقال و الحال.

ص: 326

مسئلة: لو اشترى ما يفسد من يومه فان جاء بالثمن ما بينه و بين الليل، و الا فلا بيع له

كما فى مرسلة محمد بن ابى حمزة، و المراد من نفى البيع نفى لزومه.

و يدل عليه قاعدة نفى الضرر فان البائع ضامن للمبيع ممنوع عن التصرف

______________________________

(مسألة: لو اشترى ما يفسد من يومه) «من» للنشوء تدخل على العلة باعتبار نشو المعلول منها.

و تسمى بالابتدائيّة أيضا، لان العلة مبدأ لوجود المعلول (فان جاء بالثمن ما بينه و بين الليل) فالبيع لازم لاصالة اللزوم (و الا فلا بيع له) اى للمشترى، و يحق الفسخ للبائع (كما فى مرسلة محمد بن ابى حمزة) بل قيل: انه يدل عليه أيضا مرسلة ابن رباط عن الصادق عليه السلام، قال: العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول و البطيخ و الفواكه يوم الى الليل (و المراد من نفى البيع نفى لزومه) كما تقدم فى المسألة السابقة فى خيار التأخير.

و وجه ذلك فلا يراد به ان البيع باطل كما هو مقتضى «لا» بالنظرة الابتدائية.

(و يدل عليه) اى على هذا الخيار (قاعدة نفى الضرر، ف) انه لو لم يكن خيار للبائع لزم ضرر البائع.

اذ (ان البائع ضامن للمبيع) و (ممنوع عن التصرف

ص: 327

فيه، محروم عن الثمن.

و من هنا يمكن تعدية الحكم الى كل مورد يتحقق فيه هذا الضرر و ان خرج عن مورد النص، كما اذا كان المبيع مما يفسد فى نصف يوم، او فى يومين، فيثبت فيه الخيار فى زمان يكون التأخير عنه ضررا على البائع.

______________________________

فيه) و يكون تلفه عليه فلا يستفاد منه و (محروم عن الثمن) لانه لم يقبض شيئا.

و معنى ذلك انه لو لا الخيار كان قد ذهب ماله من كفه و لم يصل بدله إليه.

(و من هنا) استنادا الى قاعدة: نفى الضرر (يمكن تعدية الحكم) بالخيار (الى كل مورد يتحقق فيه هذا الضرر) بان يكون البائع ضامنا ممنوعا عن التصرف محروما عن الثمن (و ان خرج عن مورد النص) اى نص الخيار ليومه، و تلك التعدية تكون للمناط فى الرواية، و لادلة: لا ضرر التى ترفع اللزوم، فلا يقال: ان ادلة: لا ضرر لا تثبت الخيار، لانها للنفى لا للاثبات (كما اذا كان المبيع مما يفسد فى نصف يوم، او فى يومين) او فى خمسة ايام- مثلا- (فيثبت فيه الخيار فى زمان يكون التأخير عنه ضررا على البائع) بل لا يبعدان لا يكون الفساد هو المحور الوحيد، بل لو كان ابقاء المتاع الى وقت كذا يوجب تنزله او عدم حصول المشترى له او يحتاج الى حفظ هو عسير، او ضرر على البائع، او ما اشبه ذلك.

مثلا: هذا اليوم يوم زيارة الحسين عليه السلام، فيشترى الزوار هذا المتاع بقيمة دينار فاذا بقى الى غد صارت قيمته نصف دينار الى غير

ص: 328

لكن ظاهر النص يوهم خلاف ما ذكرنا لان الموضوع فيه ما يفسد من يومه، و الحكم فيه بثبوت الخيار من اوّل الليل، فيكون الخيار فى اوّل ازمنة الفساد، و من المعلوم ان الخيار حينئذ لا يجدى للبائع شيئا.

لكن المراد من اليوم اليوم و ليلة.

______________________________

ذلك من الامثلة.

(لكن ظاهر النص يوهم خلاف ما ذكرنا) بقولنا «فيثبت فيه الخيار ..

الخ»

و انما يوهم النص خلاف ذلك (لان الموضوع فيه) اى فى النص (ما يفسد من يومه، و الحكم فيه) كائن (بثبوت الخيار من اوّل الليل).

و عليه (فيكون الخيار فى اوّل ازمنة الفساد، و من المعلوم ان الخيار حينئذ) اى حين ما يظهر الفساد فى المتاع (لا يجدى للبائع شيئا) معتدا به، اذ تكون القيمة حينئذ اقلّ.

(لكن) نقول: انا لا نسلم ان ظاهر النص يوهم خلاف ما ذكرنا.

اذ (المراد من اليوم) فى النص (اليوم و ليلة) فان اليوم له اطلاقات الاول: جزء منه مثل قوله ثلاثة ايام درست عند محمد، و يريد بذلك جزء اليوم.

الثانى: كل النهار، مثل قوله: عملت فى دار زيد بالبناء ثلاثة ايام الثالث: كل النهار و الليل، مثل قوله: بقيت فى البلد الفلانى عشرة ايام، و القرائن الخارجية تعين احد المعانى و هنا تدل القرينة التى ذكرناها على ان المراد باليوم المعنى الثالث.

ص: 329

فالمعنى انه لا يبقى على صفة الصلاح ازيد من يوم بليلة، فيكون المفسد له المبيت، لا مجرد دخول الليل، فاذا فسخ البائع اوّل الليل امكن له الانتفاع به و ببدله.

و لاجل ذلك عبّر فى الدروس عن هذا الخيار بخيار ما يفسده المبيت و انه ثابت عند دخول الليل.

و فى معقد اجماع الغنية ان على البائع الصبر يوما واحدا، ثم هو بالخيار.

______________________________

(فالمعنى) فى النص (انه) اى المتاع (لا يبقى على صفة الصلاح ازيد من يوم بليلة، فيكون المفسد له) اى للمتاع (المبيت) و بقائه الى الصباح (لا مجرد دخول الليل) او اذا كان وقت بيعه الليل، فكان يفسده البقاء الى الليل القادم، فالخيار يشرع من اوّل النهار (فاذا فسخ البائع اوّل الليل)- فى فرض المصنف- (امكن له الانتفاع به) بان يتصرف فى نفس المتاع اكلا و نحوه (و ببدله) بان يبيعه و يتصرف فى الثمن.

(و لاجل ذلك) الّذي ذكرنا ان المراد من اليوم فى النص النهار بليله (عبّر فى الدروس عن هذا الخيار بخيار ما يفسده المبيت، و) قال (انه) اى الخيار (ثابت عند دخول الليل).

(و) قال: (فى معقد اجماع الغنية ان على البائع الصبر يوما) اى نهارا (واحدا، ثم هو) من اوّل الليل (بالخيار).

و لا يخفى انه اذا كان عدم الفسخ و عدم التصرف يوجب الاسراف، وجب، لكن الوجوب تكليفا لا يستتبع بطلان العقد تلقائيا، بل يتوقف

ص: 330

و فى محكى الوسيلة: ان خيار الفواكه للبائع، فاذا مرّ على المبيع يوم، و لم يقبض المبتاع كان البائع بالخيار و نحوها عبارة جامع الشرائع.

نعم عبارات جماعة من الاصحاب لا يخلو عن اختلال فى التعبير.

لكن الاجماع على عدم الخيار للبائع فى النهار يوجب تأويلها الى ما يوافق الدروس.

و احسن تلك العبارات عبارة الصدوق فى الفقيه التى اسندها فى

______________________________

البطلان على الابطال.

(و فى محكى الوسيلة: ان خيار الفواكه للبائع، فاذا) باعها، و (مرّ على المبيع يوم، و لم يقبض المبتاع) اى المشترى المتاع (كان البائع بالخيار، و نحوها عبارة جامع الشرائع).

و لا يخفى ان غرض المصنف من نقل هذه العبارات بيان اختلافهم فى التعبير، و ان كان المستظهر انهم يريدون شيئا واحدا هو ما ذكرناه سابقا.

(نعم عبارات جماعة من الاصحاب) ليست كالعبارات السابقة ظاهرة فيما ذكرناه، بل انها (لا يخلو عن اختلال فى التعبير) حتى ان بعضها توهم وجود الخيار فى نفس النهار، كما ان بعض العبارات السابقة كانت توهم ان الخيار بعد يوم بليلة.

(لكن الاجماع على عدم الخيار للبائع فى النهار يوجب تأويلها الى ما يوافق الدروس) فيما نقلناه عنه قبل اسطر.

(و احسن تلك العبارات عبارة الصدوق فى الفقيه التى اسندها فى

ص: 331

الوسائل الى رواية زرارة، قال العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول و البطيخ و الفواكه يوم الى الليل، فان المراد بالعهدة عهدة البائع.

و قال فى النهاية و اذا باع الانسان ما لا يصح عليه البقاء من الخضر و غيرها، و لم يقبض المبتاع، و لا قبض الثمن، كان الخيار فيه يوما، فان جاء المبتاع بالثمن فى ذلك اليوم، و الا فلا بيع له، انتهى.

______________________________

الوسائل الى رواية زرارة) عن الصادق عليه السلام، و لا يبعد ان كلام الوسائل يكون اقرب (قال العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول و البطيخ و الفواكه يوم الى الليل).

فان ظاهر «الى الليل» ان العهدة تنتهى بمجي ء الليل (فان المراد بالعهدة عهدة البائع).

و معناها: ان بعد مجي ء الليل لا عهدة و لا ضمان للبائع، و ذلك لا يكون الا بالخيار، و ان ناقش بعض فى دلالة هذا الكلام كما ناقشوا فى كونه رواية، أم لا، الا ان ظاهرها بيان الخيار كما يتراءى منها عند عرضها على العرف.

ثم لا يخفى ان المراد: الفواكه و البطيخ التى تفسد، و الا فمثل بعض اقسام الرمان و الرقى و نحوهما لا تفسد مدة طويلة.

(و قال فى النهاية و اذا باع الانسان ما لا يصح عليه البقاء من الخضر و غيرها، و لم يقبض المبتاع) اى المشترى للمتاع (و لا قبض) البائع (الثمن، كان الخيار فيه يوما، فان جاء المبتاع بالثمن فى ذلك اليوم) كان المبيع له (و الا فلا بيع له) بمعنى ان للبائع الخيار (انتهى).

ص: 332

و نحوها عبارة السرائر، و الظاهر ان المراد بالخيار اختيار المشترى فى تأخير القبض و الاقباض مع بقاء البيع على حاله من اللزوم و اما المتأخرون، فظاهر اكثرهم يوهم كون الليل غاية للخيار و ان اختلفوا بين من عبّر بكون الخيار يوما، و من عبر بان الخيار الى الليل، و لم يعلم وجه صحيح لهذه التعبيرات، مع وضوح المقصد

______________________________

فان ظاهر هذه العبارة ان الخيار يشرع من نفس النهار.

لكنك قد عرفت الاجماع على عدم الخيار فى النهار.

و قد اشار المصنف الى الاختلال فى بعض العبارات.

(و نحوها عبارة السرائر) لابن ادريس.

هذا و لكن المصنف تفاديا عن الاختلال الّذي ذكرناه فى العبارة قال: (و الظاهر ان المراد بالخيار) فى قوله «كان الخيار فيه يوما» (اختيار المشترى فى تأخير القبض و الاقباض مع بقاء البيع على حاله من اللزوم) فاذا جاء الليل انتهى اختيار المشترى، و شرع خيار البائع فتأمل (و اما المتأخرون، فظاهر اكثرهم يوهم كون الليل غاية للخيار) و ان الخيار يكون بالنهار، فاذا دخل الليل فقد انتهى الخيار (و ان اختلفوا بين من عبر بكون الخيار يوما) حيث ان ظاهره انه فى النهار (و من عبر بان الخيار الى الليل) الّذي هو نص فى ان الخيار فى النهار (و لم يعلم وجه صحيح لهذه التعبيرات، مع وضوح المقصد) اى مقصد المعبرين.

حيث انهم ارادوا ما اراده المتقدمون من كون الخيار يبدأ بابتداء

ص: 333

الا متابعة عبارة الشيخ فى النهاية، لكنك عرفت ان المراد بالخيار فيه اختيار المشترى، و ان له تأخير القبض و الاقباض.

و هذا الاستعمال فى كلام المتأخرين، خلاف ما اصطلحوا عليه لفظ الخيار فلا يحسن المتابعة هنا فى التعبير.

و الاولى: تعبير الدروس كما عرفت.

ثم الظاهر ان شروط هذا الخيار شروط خيار التأخير، لانه فرد من افراده

______________________________

الليل (الا متابعة عبارة الشيخ فى النهاية، لكنك عرفت) امكان ان لا يريد المتأخرون من الخيار خيار البائع المصطلح عليه، بل يراد به اختيار المشترى و هو المعنى اللغوى للخيار.

ف (ان المراد بالخيار فيه) اى فى كلام الشيخ (اختيار المشترى و ان له تأخير القبض) من البائع (و الاقباض) للثمن.

(و هذا) المعنى للخيار، و ان كان تاما فى كلام الشيخ، الا ان هذا (الاستعمال فى كلام المتأخرين، خلاف ما اصطلحوا عليه لفظ الخيار) كانهم يريدون الاصطلاح لا المعنى اللغوى (فلا يحسن) لهم (المتابعة هنا) للشيخ (فى التعبير).

(و الاولى: تعبير الدروس كما عرفت) قبل اسطر.

(ثم الظاهر) من وحدة الملاك و وحدة الادلة- غالبا- (ان شروط هذا الخيار) اى خيار اليوم (شروط خيار التأخير) الى ثلاثة ايام، و قد ذكرنا تلك الشروط فى مسألة سابقة (لانه) اى خيار اليوم (فرد من افراده)

ص: 334

كما هو صريح عنوان الغنية، و غيرها فيشترط فيه جميع ما سبق من الشروط نعم لا ينبغى التأمل هنا فى اختصاص الحكم بالبيع الشخصى او ما فى حكمه كالصاع من الصبرة.

و قد عرفت هناك ان التأمل فى الادلة و الفتاوى يشرف الفقيه على القطع بالاختصاص أيضا.

و حكم الهلاك فى اليوم هنا و فيما بعده حكم المبيع هناك

______________________________

فان التأخير يشمل اليوم و الثلاثة ايام (كما هو) اى كون العنوان بحيث يشمل الخيارين (صريح عنوان الغنية، و غيرها).

و على هذا (فيشترط فيه) اى فى خيار اليوم (جميع ما سبق من الشروط) فى خيار الثلاثة.

(نعم لا ينبغى التأمل هنا فى اختصاص الحكم) بخيار اليوم (بالبيع الشخصى) لانه الّذي يفسد ليومه، لا الكلى (او ما فى حكمه كالصاع من الصبرة) فانه كالشخصى، و ان كان كليا فى الجملة.

(و قد عرفت هناك) اى فى خيار الثلاثة انه يشمل الكلى أيضا، و ان قال المصنف: (ان التأمل فى الادلة و الفتاوى يشرف الفقيه على القطع بالاختصاص) بالشخصى (أيضا) كما فى خيار اليوم.

(و) فى خيار اليوم مسألة اخرى، هى: ان (حكم الهلاك) للمبيع (فى اليوم هنا) كما اذا فسد البطيخ فى النهار، مثلا (و فيما بعده) اى بعد اليوم بان لم يفسخ البائع ففسد فى الليل (حكم المبيع هناك) اى فى خيار الثلاثة

ص: 335

فى كونه من البائع فى الحالين.

و لازم القول الآخر هناك جريانه هنا، كما صرح به فى الغنية حيث جعله قبل الليل من المشترى.

ثم ان المراد بالفساد فى النص و الفتوى ليس الفساد الحقيقى، لان مورد هما هو الخضر و الفواكه و البقول، و هذه لا تضيع بالمبيت و لا تهلك بل المراد ما يشمل تغير العين، نظير التغير الحادث فى هذه الامور

______________________________

(فى كونه) تلف (من) كيس (البائع فى الحالين) قبل الخيار و فى حال الخيار- كما هو المشهور هناك-.

(و لازم القول الآخر هناك) و هو قول المفيد و السيدين فى خيار الثلاثة (جريانه) اى جريان ذلك القول (هنا) أيضا (كما صرح به) اى بهذا القول الآخر فى خيار اليوم (فى الغنية، حيث جعله) اى جعل التلف (قبل الليل من المشترى) لا من البائع، كما هو المشهور.

(ثم ان المراد بالفساد فى النص و الفتوى) فى: خيار ما يفسد ليومه (ليس الفساد الحقيقى) بالتلف و التعفن (لان موردهما) اى مورد النص و الفتوى (هو الخضر و الفواكه و البقول) فالخضر كالباذنجان و البامية، و الفواكه كالتفاح و الموز، و البقول كالنعناع و الاشبنت (و هذه) على الاغلب (لا تضيع بالمبيت، و لا تهلك) فقرينة الموضوع توجب حمل المتعلق و هو الفساد على الاعم من الفساد الحقيقى.

و لذا قال: (بل المراد) بالفساد (ما يشمل تغير العين، نظير التغير الحادث فى هذه الامور

ص: 336

بسبب المبيت.

و لو لم يحدث فى المبيع إلا فوات السوق ففى الحاقة بتغير العين وجهان، من كونه ضررا.

و من امكان منع ذلك، لكونه فوت نفع لا ضرر.

______________________________

بسبب المبيت) كذهاب النضارة و تعكن القشر مما يقلل الرغبة فى شرائه و استعماله.

و من المناط و غيره نعرف تعدى حكم الخيار الى مثل اللحم و السمك و الشرابت التى تفسد بالبقاء.

(و لو لم يحدث فى المبيع إلا فوات السوق ففى الحاقة بتغير العين) فى وجود الخيار (وجهان، من كونه ضررا) فالخيار موجود.

(و من امكان منع ذلك) الضرر (لكونه فوت نفع لا ضرر) و فوت النفع لا يسمى ضررا.

و الاقرب الاول للمناط و لدليل الضرر، و فوت النفع فى بعض المواضع ضرر حقيقة، و فى بعضها ضرر عرفا فتشمله ادلة الضرر.

لكن الظاهر: ان مدة الخيار لا تقيد باليوم و الثلاثة حينئذ، بل بما يدفع الضرر و لو بعد شهر او بعد ساعة، كما اذا كان المبيع ثلجا فى الصيف فانه يذوب بعد ساعة.

و لا يخفى ان فروع المسألة كثيرة لكنا اضربنا عنها لخروجها عن مقصد الشرح

ص: 337

السادس: خيار الرؤية
اشارة

و المراد به الخيار المسبب عن رؤية المبيع على خلاف ما اشترطه فيه المتبايعان.

و يدل عليه- قبل الاجماع المحقق و المستفيض- حديث نفى الضرر و استدل عليه أيضا باخبار منها: صحيحة جميل بن دراج، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى ضيعة و قد كان يدخلها و يخرج منها، فلما ان نقد المال صار الى الضيعة، فقلبها ثم رجع فاستقال صاحبه

______________________________

(السادس) من الخيارات (خيار الرؤية و) هو من اضافة المعلول الى العلة، لان (المراد به الخيار المسبب عن رؤية المبيع) رؤية بالعين او بالقلب، او بسائر الحواس، فاذا كان اعمى و شرط لين ملمس البضاعة ثم وجدها على خلاف ذلك، كان من مورد خيار الرؤية (على خلاف ما اشترطه فيه) اى فى البيع (المتبايعان) فاعل ما اشترطه.

(و يدل عليه) اى على هذا الخيار (- قبل الاجماع المحقق) وجوده (و المستفيض-) نقله فى كلماتهم (حديث نفى الضرر) فانه اذا كان البيع لازما كان ضررا على المشترى، فلا ضرر يدل على رفع اللزوم، و ذلك معنى الخيار.

(و استدل عليه أيضا) بالإضافة الى الاجماع، و: لا ضرر (باخبار، منها: صحيحة جميل بن دراج، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى ضيعة) اى بستانا و نحوها (و قد كان يدخلها و يخرج منها) قبل ذلك اى كان مطلعا عليها (فلما ان نقد المال) اى اعطى الثمن لصاحب الضيعة (صار) اى ذهب (الى الضيعة، فقلبها) اى لاحظها بدقة فلم يرها كما كان يظن (ثم رجع) المشترى (فاستقال صاحبه) اى

ص: 338

فلم يقله فقال ابو عبد الله عليه السلام انه لو قلب منها و نظر الى تسع و تسعين قطعة، ثم بقى منها قطعة لم يرها لكان له فيها خيار الرؤية.

و لا بد من حملها على صورة يصح معها بيع الضيعة امّا بوصف القطعة غير المرئية، او بدلالة ما رآه منها على ما لم يره.

و قد يستدل بصحيحة زيد الشحام، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى سهام القصابين

______________________________

البائع بان يأخذ الضيعة و يرد الثمن (فلم يقله) البائع فما هو الحكم؟

(فقال ابو عبد الله عليه السلام انه) اى المشترى (لو قلب منها) اى من الضيعة (و نظر الى تسع و تسعين قطعة) قبل ان يشتريها (ثم بقى منها قطعة لم يرها) قبلا (لكان له فيها خيار الرؤية).

(و) حيث ان بيع المجهول غير صحيح (لا بدّ من حملها) اى الرواية (على صورة يصح معها بيع الضيعة) بجميعها حتى القطعة غير المرئية منها (امّا بوصف) البائع (القطعة غير المرئية) منها (او بدلالة ما رآه منها على ما لم يره) و هذا نوع آخر من الاشتراء بالوصف.

(و قد يستدل) لخيار الرؤية (بصحيحة زيد الشحام، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى سهام القصابين) و هى ان أربعة من القصابين يتشاركون، فيعطى احدهم عشرة دنانير، و الآخر عشرين و الثالث ثلاثين، و الرابع اربعين، و بهذه المائة يشترون قطيعا فيه مائة رأس من الغنم، ثم تدخل الاغنام الدار و يقف شخص على الباب ثم يخرج الاغنام واحدا واحدا باسم القصاب الاول، فيأخذها الى عشرة

ص: 339

من قبل ان يخرج السهم فقال عليه السلام لا يشتر شيئا حتى يعلم اين يخرج السهم

______________________________

ثم يخرج اغنام اخر الى عشرين باسم القصاب الثانى و هكذا.

و هذا النحو من التقسيم بين القصابين لا بد و ان يتم بالرضا لانهم اذا اشتروها مشاعا كان للاول عشر الجميع، و للثانى خمسه، و للثالث اقل من ثلثه، و للرابع خمسيه.

اما افراز هذه الكسور بالاعداد قرعة كما بينا وجه القرعة اى وقوف شخص على باب الدار و اخراج الاغنام واحدا واحدا، فهو مراضاة بينهم، و الا فعشرة اغنام قد لا تسوى عشرة دنانير، و قد تسوى اكثر، و هكذا.

ثم انه اذا أتى شخص و اشترى سهم احدهم كسهم القصاب الاول صاحب العشرة مثلا، فاذا كان الشراء بعد الافراز و الرؤية لم يكن به بأس اما اذا كان الشراء قبل الافراز كان له بعد الافراز خيار الرؤية، لانه لم ير سهم الاول قبل اخراجه من الدار، هذا ان قلنا بصحة مثل هذا البيع.

نعم لا اشكال فى ان يشترى العشر من الاغنام اى قدر سهم الاول، فيكون بمنزلة القصاب الاول مشتركا مع الآخرين فى الاغنام بقدر عشر الاغنام، ثم يرضى بهذه العشرة التى تخرج من الدار عن حصته التى هى عشر الاغنام.

اذا عرفت هذا قلنا فالسائل سأل عن اشتراء السهام (من قبل ان يخرج السهم) من الدار مثلا (فقال عليه السلام لا يشتر شيئا) اى اعداد الاغنام التى سوف تخرج (حتى يعلم اين يخرج السهم) اى يرى الاعداد

ص: 340

فان اشترى شيئا فهو بالخيار اذا خرج.

قال فى الحدائق و توضيح معنى هذا الخبر ما رواه فى الكافى و التهذيب فى الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن منهال القصاب و هو مجهول- قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام: اشترى الغنم او يشترى الغنم جماعة، ثم تدخل دارا.

______________________________

التى خرجت سهما لهذا القصاب الّذي اشترى سهمه (فان اشترى شيئا فهو بالخيار اذا خرج).

و قد يقال: ان معنى هذه الجملة انه ان اراد الاشتراء فهو مختار فى عمله هذا، لكن ليكن ذلك الاشتراء اذا خرجت الغنم من الدار.

و انما فسرت الجملة بهذا المعنى حتى تطابق الجملة السابقة و هى «لا يشترى ...» و ان لم نفسّرها بهذا المعنى لزم تضاد الجملتين اذ «لا يشترى ...» نهى، و «فان اشترى ..» إباحة، و لا يعقل ذلك.

و قد يقال: ان الرواية فى خيار الرؤية و انه يصح للمشترى من القصاب ان يشترى سهمه فاذا خرج السهم و رآه المشترى على غير ما يرام كان له الفسخ.

(قال فى الحدائق و توضيح معنى هذا الخبر ما رواه فى الكافى، و التهذيب فى الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج) و الخبر الى هنا صحيح (عن منهال القصاب- و هو مجهول-) اى ان منهال مجهول (قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام: اشترى الغنم) اى انا احد القصابين الذين يشترون قطيع الغنم (او يشترى الغنم جماعة) و لست انا احدهم (ثم تدخل) الاغنام «تدخل»- بصيغة المجهول- (دارا

ص: 341

ثم يقوم رجل على الباب فيعد واحدا و اثنين و ثلاثة و أربعة و خمسة، ثم يخرج السهم، قال لا يصلح هذا انما تصلح السهام اذا عدلت القسمة الخبر.

اقول لم يعلم وجه الاستشهاد به لما نحن فيه، لان المشترى لسهم القصاب ان اشتراه مشاعا

______________________________

ثم يقوم رجل على الباب) للدار (فيعد واحدا و اثنين و ثلاثة و أربعة و خمسة ثم يخرج السهم) اى بمقدار سهم القصاب الاول، و بعده الثانى و هكذا، هل يصلح هذا النحو من التقسيم؟ (قال) عليه السلام (لا يصلح هذا) النحو من التقسيم (انما تصلح السهام) بان تخرج بهذه الكيفية التعدادية (اذا عدلت القسمة) اى كانت الافراد للمجموع متساوية الى آخر (الخبر).

كما اذا كانت عشرة اقفزة من الحنطة، او عشر طاقات من قماش متساوى الطاقات، او ما اشبه ذلك، و هذا ما فهمته من معنى الرواية.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 12، ص: 342

و الظاهران الحدائق اراد ان يقول: ان الرواية الثانية تفسير للرواية الاولى من حيث بيان ان سهام القصابين ما هى كيفيتها، لا انه اراد بيان ان الرواية الثانية تفسر كل خصوصيات الرواية الاولى التى منها مسألة خيار الرؤية.

و على ما ذكرناه، فلا يرد على الحدائق اشكال المصنف.

(اقول لم يعلم وجه الاستشهاد به) اى بهذا الخبر الثانى (لما نحن فيه، لان المشترى لسهم القصاب ان اشتراه مشاعا) بان صار له سهم

ص: 342

فلا مورد لخيار الرؤية.

و ان اشترى سهمه المعين الّذي يخرج فهو شراء فرد غير معين، و هو باطل، و على الصحة فلا خيار فيه للرؤية كالمشاع.

و يمكن حمله على شراء عدد معين نظير الصاع من الصبرة، و يكون له

______________________________

مشاع مع بقية القصابين (فلا مورد لخيار الرؤية) لما تقدم من ان خيار الرؤية مورده الشخصى، لا الكلى، و المشاع كلى.

و فيه ان المشاع فى المعين من قبيل الشخصى.

مثلا وصف القصاب ان الاغنام كلها سمان فظهرت ضعافا.

(و ان اشترى سهمه المعين الّذي يخرج) عند اخراج الاغنام من باب الدار (فهو شراء فرد غير معين، و هو باطل) فلا بيع اصلا حتى يأتى فيه خيار الرؤية.

و انما يبطل شراء فرد غير معين، لانه مجهول، فيوجب الغرر، و قد نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن بيع الغرر (و على الصحة) بان نقول انه غير مجهول لان المشترى رأى كل افراد الغنم و كلها شبه متساو مما لا يوجب غررا عرفا باى منها صارت القسمة (فلا خيار فيه للرؤية كالمشاع) الّذي اذا قسم لم يكن فيه خيار.

(و يمكن حمله) اى الحديث (على شراء) المشترى ل (عدد معين) فانه يعلم ان نصيبه عشرة مثلا- كما فى المثال السابق- و يكون ذلك العدد مختلطا فى مائة (نظير الصاع من الصبرة، و يكون له) اى للمشترى

ص: 343

خيار الحيوان اذا خرج السهم.

ثم ان صحيحة جميل مختصة بالمشترى.

و الظاهر الاتفاق على ان هذا الخيار يثبت للبائع أيضا اذا لم ير المبيع و باعه بوصف غيره، فتبين كونه زائدا على ما وصف.

و حكى عن بعض انه يحتمل فى صحيحة جميل ان يكون التفتيش من البائع بان يكون البائع باعه بوصف المشترى و حينئذ فيكون الجواب

______________________________

(خيار الحيوان اذا خرج السهم) كما فى كل بيع حيوان.

و لا يخفى ان فى المقام كلاما طويلا حول الروايتين، لكنا تركناه رعاية لمقتضى الشرح.

(ثم ان صحيحة جميل مختصة بالمشترى) و انه هو الّذي له خيار الرؤية.

(و) لكن (الظاهر الاتفاق) من العلماء (على ان هذا الخيار يثبت للبائع أيضا اذا لم ير المبيع و باعه بوصف غيره) او باعه بوصف انه هزيل (فتبين) انه صار سمينا، او تبين (كونه زائدا على ما وصف) او ناقصا عنه اذا كان النقص يوجب زيادة القيمة، كما اذا كان الثور السمين لا يقدر على الكرب فباعه ثم تبين انه صار هزيلا صالحا للكرب.

(و حكى عن بعض انه يحتمل فى صحيحة جميل ان يكون التفتيش من البائع) فقوله «صار الى الضيعة» اى صار البائع الى الضيعة (بان يكون البائع باعه بوصف المشترى) للبائع ضيعته، فبعد ان باعه رأى ان ضيعته احسن مما كان يتصور (و حينئذ فيكون الجواب) اى جواب الامام

ص: 344

عاما بالنسبة إليهما على تقدير هذا الاحتمال و لا يخفى بعده، و ابعد منه دعوى عموم الجواب و الله العالم.

______________________________

عليه السلام (عاما بالنسبة إليهما) اى الى البائع و المشترى (على تقدير هذا الاحتمال).

فقوله عليه السلام: «لو قلب» اراد كلا من البائع و المشترى (و لا يخفى بعده) اى بعد الاحتمال المذكور بان يكون التفتيش من البائع (و ابعد منه دعوى عموم الجواب) لانه على تقدير ان يكون صدر الكلام فى البائع فالجواب أيضا يكون للبائع، لا الاعم منه و من المشترى (و الله العالم)

ثم انه قد يكون لكليهما خيار الرؤية بالنسبة الى المبيع، او الثمن، او لكليهما، كما اذا وصف المبيع لهما اجنبى فرأى كل منهما خلاف الوصف، و هكذا.

ص: 345

مسئلة مورد هذا الخيار بيع العين الشخصية الغائبة.

و المعروف انه يشترط فى صحته ذكر اوصاف المبيع التى يرتفع بها الجهالة الموجبة للغرر، اذ لو لاها لكان غررا.

و عبّر بعضهم عن هذه الاوصاف بما يختلف الثمن باختلافه كما فى الوسيلة و جامع المقاصد، و غيرهما.

و آخر بما يعتبر فى صحة السلم.

______________________________

(مسألة: مورد هذا الخيار) اى خيار الرؤية (بيع العين الشخصية الغائبة) عن البصر، و ان كانت حاضرة، كما اذا اشتراه الاعمى و هو عنده، على انه اسود فظهر ابيض، مثلا.

(و المعروف انه يشترط فى صحته) اى صحة البيع (ذكر اوصاف المبيع) و قوله: (التى) صفة لاوصاف (يرتفع بها الجهالة الموجبة) تلك الجهالة (للغرر، اذ لولاها) اى لو لا معرفة الاوصاف المذكورة (لكان) البيع (غررا) فاللازم ذكرها حتى يرتفع الغرر، بسبب الذكر.

(و عبّر بعضهم عن هذه الاوصاف) التى يجب ذكرها (بما يختلف الثمن باختلافه) اى باختلاف كل وصف وصف (كما فى الوسيلة، و جامع المقاصد، و غيرهما).

(و) عبر بعض (آخر بما يعتبر فى صحة السلم) فان فى بيع السلف «السلم» و هو ما كان الثمن نقد او المتاع نسيئة ان يذكر الاوصاف للمبيع

ص: 346

و آخرون كالشيخين و الحلى اقتصروا على اعتبار ذكر الصفة.

و الظاهر ان مرجع الجميع واحد، و لذا ادعى الاجماع على كل واحد منها.

ففى موضع من التذكرة يشترط فى بيع خيار الرؤية وصف المبيع وصفا يكفى فى السلم عندنا.

و عنه فى موضع آخر من التذكرة ان شرط صحة بيع الغائبة وصفها بما يرفع الجهالة عند علمائنا اجمع، و يجب ذكر اللفظ الدال على الجنس

______________________________

(و آخرون كالشيخين و الحلى اقتصروا على اعتبار ذكر الصفة) و ظاهرها الصفة التى توجب اختلاف الرغبات.

(و الظاهر)- و لو بالقرائن الخارجية- (ان مرجع الجميع واحد، و لذا) نرى انه (ادعى الاجماع على كل واحد منها) فلو لا وحدة المراد لم يصح ذلك.

(ففى موضع من التذكرة) قال: (يشترط فى بيع خيار الرؤية) اى البيع الّذي يوجب ذلك (وصف المبيع وصفا يكفى) ذلك الوصف (فى) بيع (السلم عندنا) و «عندنا» عبارة اخرى عن الاجماع.

(و عنه) اى عن العلامة (فى موضع آخر من التذكرة) قال: (ان شرط صحة بيع) العين (الغائبة وصفها بما يرفع الجهالة عند علمائنا اجمع).

قال: (و يجب ذكر اللفظ الدال على الجنس) بان البيع حنطة او شعير مثلا و «اللفظ» من باب المثال، و انما المقصود بيان الجنس.

ص: 347

ثم ذكر انه يجب ذكر اللفظ الدال على التميز و ذلك بذكر جميع الصفات التى تختلف الاثمان باختلافها و يتطرق الجهالة بترك بعضها انتهى.

و فى جامع المقاصد: ضابط ذلك ان كل وصف يتفاوت الرغبات بثبوته و انتفائه، و يتفاوت به القيمة تفاوتا ظاهرا لا يتسامح به يجب ذكره فلا بدّ من استقصاء اوصاف السلم، انتهى.

______________________________

(ثم ذكر) العلامة (انه يجب ذكر اللفظ الدال على التميز) اى تميز حنطة عن حنطة ان اراد شراء الحنطة مثلا (و ذلك بذكر جميع الصفات التى تختلف الاثمان باختلافها) مثل الحنطة العراقية الشديدة الحمرة الكبيرة الحجم (و) ما اشبه ذلك بحيث لا (يتطرق الجهالة بترك بعضها) و الا لم يصح البيع، لانه من بيع المجهول، و ذلك مبطل للبيع (انتهى) كلام العلامة.

(و) قال المحقق الثانى (فى جامع المقاصد) و (ضابط ذلك) اى ضابط ذكر الاوصاف فى ما يستلزم خيار الرؤية (ان كل وصف يتفاوت الرغبات) العرفية (بثبوته و انتفائه) فيكون وجود ذلك الوصف مرغوبا او غير مرغوب (و يتفاوت به) اى بذلك الوصف (القيمة تفاوتا ظاهرا) بحيث (لا يتسامح به) اى بذلك التفاوت مثل تفاوت دينار فى خمسة دنانير، لا مثل التفاوت بعشرة افلس فى خمسة دنانير- مثلا- (يجب ذكره) عند العقد (فلا بدّ من استقصاء اوصاف السلم) «استقصاء» بمعنى ذكر الجميع (انتهى).

ص: 348

و ربما يتراءى التنافى بين اعتبار ما يختلف الثمن باختلافه، و كفاية ذكر اوصاف السلم من جهة انه قد يتسامح فى السلم فى ذكر بعض الاوصاف، لافضائه الى عزة الوجود، او لتعذر الاستقصاء على التحقيق و هذا المانع مفقود فيما نحن فيه.

______________________________

(و ربما يتراءى) اى يظن بانه يرى (التنافى بين اعتبار ما يختلف الثمن باختلافه) فان معناه وجوب ذكر كل وصف هكذا شأنه (و) بين (كفاية ذكر اوصاف السلم).

و انما كان بين هذين تنافيا (من جهة) ان الثانى اعم من الاول، ف (انه قد يتسامح فى السلم فى ذكر بعض الاوصاف) فلا يذكرونها، و انما لا يذكرونها و ليس ذكرها معتبرا (لافضائه) اى ان الذكر يسبب (الى عزة الوجود) و قلته، و قلة الوجود توجب تعريض المبيع الى خطر عدم الوجود فى زمان التسليم.

مثلا: اذا قال حنطة عراقية جنوبية بصرية حمراء سمينة الحب، اوجب ذلك قلة وجود هذا النوع، و لعل فى فصل الحنطة لم توجد هذه الاوصاف (او لتعذر الاستقصاء) لاوصاف شي ء لا يوجد الآن فى السلم (على التحقيق) متعلق ب «تعذر» اى على الدقة، و انما يوجد قسم قريب من الموصوف وصفا بالدقة (و هذا المانع) اى عزة الوجود او عدمه بسبب دقة الاوصاف (مفقود فيما نحن فيه) فى مورد خيار الرؤية، و كذا يوصف هنا كل الصفات بالدقة.

و انما كان المانع مفقودا لان المبيع موجود خارجا، و الموجود الخارجى

ص: 349

قال فى التذكرة فى باب السلم لا يشترط وصف كل عضو من الحيوان باوصافه المقصودة، و ان تفاوت به الغرض و القيمة لافضائه الى عزة الوجود انتهى.

و قال فى السلم فى الاحجار المتخذة للبناء انه يذكر نوعها و لونها و يصف عظمها، فيقول ما يحمل البعير منها اثنتين او ثلاثا او اربعا على

______________________________

يمكن وصفه على الدقة، و كذا الدقة المعتبرة فى «السلم» اقل من الدقة المعتبرة فيما نحن فيه.

و من هنا اشكلنا انه كيف جمع الاصحاب بين الامرين فى المقام.

و يدل على ما ذكرنا من ان كل الاوصاف لا يقال فى السلم خوفا من قلة الوجود ما ذكره العلامة، فانه (قال فى التذكرة فى باب السلم لا يشترط) فى صحة البيع (وصف كل عضو من) اعضاء (الحيوان) المراد اشترائه (باوصافه المقصودة) للمشترى (و ان تفاوت به) اى بالوصف غير المذكور (الغرض) عند العقلاء (و القيمة) بان كان ذو الوصف اكثر قيمة.

و انما لا يشترط (لافضائه) اى انجرار الذكر (الى عزة) و قلة (الوجود) الموجبة لتعذر التسليم، و العقلاء يرجحون تفويت غرض اصغر لغرض اكبر (انتهى).

(و قال) العلامة (فى السلم فى الاحجار المتخذة للبناء) اذا اشتراها سلما (انه يذكر نوعها و لونها، و يصف عظمها، فيقول) مثلا النوع العراقى الاصفر اللون من (ما يحمل البعير منها اثنتين او ثلاثا او اربعا) فان كل ذلك (على

ص: 350

سبيل التقريب دون التحقيق، لتعذر التحقيق.

و يمكن ان يقال ان المراد ما يعتبر فى السلم فى حد ذاته مع قطع النظر عن العذر الموجب للمسامحة فى بعض افراد السلم و ان كان يمكن ان يورد على مسامحتهم هناك ان الاستقصاء فى الاوصاف شرط فى السلم

______________________________

سبيل التقريب).

اذ من الممكن اختلاف الوان الاصفر، و كذلك تختلف نواحى العراق فى قوة الحجر و هشاشته، و البعير القوى يحمل الاثقل و البعير العادى يحمل العادى (دون التحقيق، لتعذر التحقيق) هذا نهاية اشكال المصنف الّذي ذكره بقوله «و ربما يتراءى».

(و يمكن ان يقال) فى جواب الاشكال المذكور (ان المراد) فى خيار الرؤية (ما يعتبر فى السلم) من الاوصاف (فى حد ذاته) اى يلزم أيضا فى السلم الاوصاف الدقيقة (مع قطع النظر عن العذر)- تعذر الوجود او تعسره- (الموجب) ذلك العذر (للمسامحة فى بعض افراد السلم).

فالسلم و خيار الرؤية من باب واحد، الا ان بعض افراد السلم خارج عن لزوم الوصف الدقيق لامر خارجى و هو التعذر او التعسر، فلا تنافى بين الامرين اللذين قال أو لا «و ربما يتراءى ..» (و ان كان يمكن ان يورد على مسامحتهم هناك) اى فى باب السلم، انها غير صحيحة، و كلما لم يكن الوصف الدقيق فى السلم، لم يصح بيع السلم.

وجه الايراد (ان الاستقصاء فى الاوصاف شرط فى) صحة (السلم)

ص: 351

غير مقيد بحال التمكن.

فتعذره يوجب فساد السلم، لا الحكم بعدم اشتراطه، كما حكموا بعدم جواز السلم فيما لا يمكن ضبط اوصافه، و تمام الكلام فى محله.

ثم ان الأوصاف التى يختلف الثمن من اجلها غير محصورة خصوصا فى العبيد و الاماء فان مراتبهم الكمالية التى يختلف بها اثمانهم غير محصورة جدّا

______________________________

و هو (غير مقيد بحال التمكن) من الاداء بعد ذلك.

(فتعذره) اى تعذر التسليم لذى الاوصاف الدقيقة (يوجب فساد السلم، لا الحكم بعدم اشتراطه) بان يقال حيث يتعذر الاوصاف الدقيقة فهى غير مشروطة فى باب السلم (كما حكموا بعدم جواز السلم فيما لا يمكن ضبط اوصافه) و لم يقولوا انه حيث لا يمكن ضبط الاوصاف، فالاوصاف ليست بشرط، و ان السلم صحيح بدون ذكر تلك الاوصاف (و تمام الكلام) فى السلم (فى محله) ان شاء الله تعالى.

(ثم) انه بعد ان ذكرنا اشكالا على الضابطين بانهما متنافيان، كما تقدم فى قولنا «ربما يتراءى التنافى ..» نريد الآن بيان الاشكال على الضابط الاول فى نفسه الّذي هو اعتبار «ما يختلف الثمن باختلافه» ف (ان الاوصاف التى يختلف الثمن من اجلها غير محصورة خصوصا فى العبيد و الاماء) كالجمال و مراتبه، و الكمال و مراتبه و لذا كانت الجارية تباع من الف درهم الى اكثر، كما يظهر من التواريخ (فان مراتبهم الكمالية) و الجمالية (التى يختلف بها اثمانهم غير محصورة جدا).

و كذلك تختلف الصفات فى بعض الاشياء الاخر كالدار، و لذا نرى

ص: 352

و الاقتصار على ما يرفع به معظم الغرر احالة على مجهول، بل يوجب الاكتفاء على ما دون صفات السلم، لانتفاء الغرر عرفا

______________________________

دارا بمليون دينار و دارا بعشرة آلاف دينار فى زماننا فى الخليج و غيره فمراده من غير محصورة كثرة التفاوت، لا عدم الانحصار حقيقة، كما ان مراده فى بعض الاشياء لا فى كلها كما هو واضح.

و كيف كان فاذا كانت الاوصاف غير محصورة، لزم عدم امكان بيع العين الغائبة بالتوصيف، لعدم امكان او تعسر ذكر جميع اوصافها الدخيلة فى القيمة، فكيف جعل هذا الضابط الاول: فصل باعتبار ما يختلف الثمن باعتباره.

و كيف كان فهذا الاعتبار للاوصاف التى يختلف الثمن باختلافها، لا يخلو عن احد حالين.

الاول: ان يراد به ذكر كل الصفات و قد عرفت انه متعذر.

(و) الثانى: ان يراد به ذكر ما يرفع به معظم الغرر.

و فيه أولا: ان (الاقتصار على ما يرفع به معظم الغرر احالة على مجهول) لان معظم الغرر امر تشكيكى، له بحيث طويل.

و ثانيا: (بل يوجب) هذا الاقتصار (الاكتفاء على ما دون صفات السلم) لان ذكر الصفات التى يرتفع به معظم الغرر لا يكفى فى السلم.

ففى السلم يلزم ذكر كل الصفات التى يرتفع بها الغرر، و قد ذكرنا ان اللازم فى هذا الباب و هو باب خيار الرؤية، هو ما يلزم فى السلم فكيف يكتفى هنا باقل مما يكتفى به فى السلم (لانتفاء) معظم (الغرر عرفا

ص: 353

بذلك مع انا علمنا ان الغرر العرفى اخصّ من الشرعى.

و كيف كان فالمسألة لا تخلو عن اشكال.

______________________________

بذلك) اى بذكر ما دون صفات السلم، و قوله «لانتفاء» علة ل «للاكتفاء»

و الحاصل انهم ذكروا تارة اعتبار ذكر صفات السلم هنا، و تارة كفاية ذكر ما يرتفع به معظم الغرر، و هما متنافيان.

اذ لا يكفى فى السلم ذكر ما يرتفع به معظم الغرر.

و ثالثا: ان ارتفاع معظم الغرر العرفى اى الغرر الّذي لا يقدم عليه العرف، لا يكفى فى صحة المعاملة، بل اللازم ارتفاع الغرر الشرعى الّذي هو ادق من الغرر العرفى فان العرف يتسامح بها لا يتسامح به الشرع.

و هذا الاشكال ذكره بقوله: (مع انا علمنا ان الغرر العرفي اخص من الشرعى) اى ان قيود الغرر الشرعى اكثر من قيود الغرر العرفى، فلا يكفى رفع الغرر العرفى، فى صحة المعاملة.

و صورة الاشكال الثالث هكذا «الاكتفاء على ذكر ما يرفع به معظم الغرر اكتفاء برفع الغرر العرفى» «مع ان المعاملة لا تصح بذلك، و انما تصح بارتفاع الغرر الشرعى».

(و كيف كان) امر تمامية كل اشكال من الاشكالات الثلاثة (ف) على اى حال (المسألة) اى مسألة الضابط الاول و هى اعتبار ما يختلف الثمن باختلافه (لا تخلو عن اشكال) فلا يمكن جعل هذا ضابطا للاوصاف التى يجب ذكرها فى باب خيار الرؤية.

ص: 354

و اشكل من ذلك ان الظاهر ان الوصف يقوم مقام الرؤية المتحققة فى بيع العين الحاضرة.

و على هذا فيجب ان يعتبر فى الرؤية ان يحصل بها

______________________________

(و اشكل من ذلك) اى اشكل مما ذكروه فى ضابط الاوصاف التى لا بد من ذكرها فى بيع العين الغائبة، و الضابط هو ما تقدم من اعتبار ما يختلف الثمن باختلافه، اشكل من ذلك و هو الاكتفاء بالرؤية فى صحة البيع للعين الحاضرة.

وجه الاشكال ان الوصف فى بيع الغائب قائم مقام الرؤية فى بيع الحاضرة، فاللازم ان لا يحتاج فى الوصف الى اكثر مما يعتبر فى الرؤية لان الوصف فرع الرؤية، و الفرع لا يزيد على الاصل، مع انهم لم يذكروا احتياج الرؤية على كل الاوصاف التى يختلف الثمن باختلافها.

و الحاصل انه تناف بين قولهم «يحتاج بيع العين الغائبة الى ذكر الاوصاف التى يختلف الثمن باختلافها» و بين قولهم «لا يحتاج بيع العين الحاضرة الى رؤية الاوصاف التى يختلف الثمن باختلافها»

وجه التنافى: انه يلزم منه زيادة الفرع و هو الوصف فى الغائبة، على الاصل و هو الرؤية فى الحاضرة.

ف (ان الظاهر ان الوصف) فى الغائبة (يقوم مقام الرؤية المتحققة فى بيع العين الحاضرة).

(و على هذا) الّذي ذكر من لزوم ذكر الاوصاف التى يختلف الثمن باختلافها (فيجب ان يعتبر فى الرؤية ان يحصل بها) اى بالرؤية

ص: 355

الاطلاع على جميع الصفات المعتبرة فى العين الغائبة مما يختلف الثمن باختلافه.

قال فى التذكرة يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع كداخل الثوب، فلو باع ثوبا مطويا او عينا حاضرة، لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لاجله كان كبيع الغائب، يبطل ان لم يوصف وصفا يرفع الجهالة، انتهى.

و حاصل هذا الكلام اعتبار وقوع المشاهدة على ما

______________________________

(الاطلاع على جميع الصفات المعتبرة فى العين الغائبة مما) اى من الصفات التى (يختلف الثمن باختلافه) مع انهم لا يشترطون مثل هذا الاطلاع فى بيع العين الحاضرة، بل يكتفون بالرؤية اجمالا.

مثلا: يقولون اذا اراد ان ببيع الحنطة غائبا، يلزم ان يعين انها عراقية او شامية، بينما اذا اراد ان يشتريها و هى حاضرة لا يلزم ان يعرف انها عراقية او شامية.

و يؤيد ما ذكرنا من الاشكال بقولنا «و اشكل» ان العلامة جعل بيع الحاضرة مثل بيع الغائبة، فكيف لا يعتبر المشهور ذلك، كما سيأتى بقوله «و من المعلوم».

(قال فى التذكرة يشترط) فى بيع العين الحاضرة (رؤية ما هو مقصود بالبيع كداخل الثوب، فلو باع ثوبا مطويا او عينا حاضرة، لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لاجله، كان كبيع الغائب) الّذي (يبطل) بيع الغائب (ان لم يوصف وصفا يرفع الجهالة، انتهى) كلام العلامة.

(و حاصل هذا الكلام اعتبار وقوع المشاهدة على ما) اى على الاوصاف

ص: 356

يعتبر فى صحة السلم، و بيع الغائب.

و من المعلوم من السيرة عدم اعتبار الاطلاع بالرؤية على جميع الصفات المعتبرة فى السلم، و بيع العين الغائبة، فانه قد لا يحصل الاطلاع بالمشاهدة على سن الجارية، بل و لا على نوعها و لا غيرها من الامور التى لا يعرفها الا اهل المعرفة بها فضلا عن مرتبة كمالها الانسانى المطلوبة فى الجوارى المبذول بإزائها الاموال، و يبعد كل البعد التزام ذلك

______________________________

التى (يعتبر فى صحة السلم، و) فى (بيع الغائب).

(و) اذا تحققت المقدمة الاولى للاشكال و هى اعتبار الدقة فى المشاهدة، كما تعتبر الدقة فى السلم و الغائبة نقول فى بيان المقدمة الثانية ان (من المعلوم من السيرة عدم اعتبار الاطلاع بالرؤية) فى العين الحاضرة (على جميع الصفات المعتبرة فى السلم، و) فى (بيع العين الغائبة) مثلا (فانه قد لا يحصل الاطلاع بالمشاهدة على سن الجارية بل و لا على نوعها) و انها من النوع الإفريقى او من النوع الامريكى مع اختلاف صفاتهما النفسية اختلافا كثيرا (و لا غيرها من الامور التى لا يعرفها الا اهل المعرفة بها) كالنخاسين الذين يعرفون الخصوصيات و المزايا و الصفات فى كل جارية من الامور المخفية على سائر الناس من غير اهل الخبرة.

فان غالب الناس لا يعرفون هذه الامور الظاهرة (فضلا عن مرتبه كمالها الانسانى المطلوبة) تلك المرتبة (فى الجوارى المبذول بإزائها الاموال و) هذه السيرة تخالف الدليل، اذ (يبعد كل البعد التزام ذلك) و انه

ص: 357

او ما دون ذلك فى المشاهدة، بل يلزم من ذلك عدم صحة شراء غير العارف باوصاف المبيع الراجعة الى نوعه، او صنفه او شخصه، بل هو بالنسبة الى الاوصاف التى اعتبروها، كالاعمى، لا بد من مراجعته لبصير عارف، و لا اجد فى المسألة اوثق من ان يقال:

______________________________

فى صورة المشاهدة لا يعتبر الاطلاع على هذه الصفات (او ما دون ذلك) الّذي يعتبر فى بيع العين الغائبة (فى) ما كان الاشتراء ب (المشاهدة بل) لو قلنا: بانه يشترط فى العين المشاهدة الاطلاع على كل تلك الصفات بالدقة، كما يعتبر فى السلم و بيع الغائبة (يلزم من ذلك عدم صحة شراء غير العارف باوصاف المبيع الراجعة) تلك الاوصاف (الى نوعه) كالحنطة العراقية، مقابل الشامية (او صنفه) كالصنف اللذيذ الطعم من اصناف حنطة العراق (او شخصه) كشخص ارض فلان التى هى اجود الاقسام.

و اذا اشكل ما تعتبره السيرة من عدم الاعتبار بالدقة، فاللازم ان نقول: (بل هو) اى اشتراء العين الحاضرة (بالنسبة الى الاوصاف التى اعتبروها) بالاطلاع عليها فى صحة البيع، يكون حاله (كالاعمى لا بد من مراجعته لبصير عارف) و الا لم تصح المعاملة، فتحصل وجه الاشكال فى بيع العين الحاضرة: ان السيرة لا تعتبر الدقة، و القاعدة تقتضى الدقة (و لا اجد فى المسألة) اى مسألة بيع العين الحاضرة (اوثق من ان يقال): انه يعتبر الاطلاع على امر وسط بين الدقة و بين تسامح السيرة، و ان بيع العين الحاضرة و بيع الغائبة من هذه الجهة على

ص: 358

ان المعتبر هو الغرر العرفى فى العين الحاضرة و الغائبة الموصوفة.

فان دل على اعتبار ازيد من ذلك حجة معتبرة اخذ به.

و ليس فيما ادعاه العلامة فى التذكرة من الاجماع حجة مع استناده فى ذلك الى كونه غررا عرفا، حيث قال فى اوّل مسألة اشتراط العلم بالعوضين: انه

______________________________

حد سواء ف (ان المعتبر هو) الوصف و الرؤية الطارئان ل (الغرر العرفى) بان يقول العرف انه لا غرر فى البين، سواء (فى العين الحاضرة) المرئية (و الغائبة الموصوفة).

و بهذا يرتفع الاشكال و التنافى الّذي ذكرناه بقولنا «و ربما يتراءى» و بقولنا «و اشكل من ذلك».

(فان دل على اعتبار ازيد من ذلك) اى بان يجب ان تذكر اوصاف اكثر مما يرفع الغرر العرفى (حجة معتبرة اخذ به) اى بذلك الدليل الدال على اعتبار الازيد.

(و) ان قلت: هناك دليل على ذلك، و هو اجماع العلامة.

قلت: (ليس فيما ادعاه العلامة فى التذكرة من الاجماع) الّذي تقدم نقلنا عنه (حجة).

و انما لا يكون حجة، لما ذكره المصنف بقوله: (مع استناده فى ذلك) الاجماع (الى كونه غررا عرفا) فان مستند اجماعه الغرر عرفا.

و حيث انا نرى انه لا غرر، فنعرف عدم صحة اجماعه (حيث قال) العلامة (فى اوّل مسألة اشتراط العلم بالعوضين) فى صحة البيع (انه

ص: 359

اجمع علمائنا على اشتراط العلم بالعوضين ليعرف ما ملك بإزاء ما بذل، فينتفى الغرر فلا يصح بيع العين الغائبة ما لم يتقدم رؤية، او يوصف وصفا يرفع الجهالة، انتهى.

و لا ريب ان المراد بمعرفة ما ملك معرفته على وجه وسط بين طرفى الاجمال و التفصيل.

ثم انه يمكن الاستشكال فى صحة هذا العقد

______________________________

اجمع علمائنا على اشتراط العلم بالعوضين).

و انما اجمعوا (ليعرف) كل من المتبايعين (ما ملك بإزاء ما بذل) و اذا علم (فينتفى الغرر) و على لزوم العلم (فلا يصح بيع العين الغائبة ما لم تتقدم) رؤية المنتقل إليه لتلك العين (رؤية) توجب علمه بها (او يوصف وصفا يرفع الجهالة، انتهى) كلام العلامة.

(و لا ريب ان المراد) اى مراد العلامة (بمعرفة ما ملك، معرفته على وجه وسط بين طرفى الاجمال) المسامحى (و التفصيل) الدقى.

و منه علم ان لا اجماع يدل على لزوم الدقة فى الوصف و فى الرؤية ازيد مما يرفع الجهالة عرفا.

و لذلك جرت السيرة فى بيع الشي ء غائبا او حاضرا ان يرى و يوصف بحيث يسمى فى العرف انه ليس بمغرور.

(ثم انه يمكن الاستشكال فى صحة هذا العقد) و هو عقد الغائب سواء ذكرت الاوصاف، أم لا، لانه ان ذكرت الاوصاف بالدقة يمكن تعذر وجوده، فالاقدام على المعاملة بما يمكن تعذر وجوده غرر، و ان لم تذكر

ص: 360

بان ذكر الاوصاف لا يخرج البيع عن كونه غررا، لان الغرر بدون اخذ الصفات من حيث الجهل بصفات المبيع، فاذا اخذت فيه مقيدا بها صار مشكوك الوجود، لان العبد المتصف بتلك الصفات مثلا لا يعلم وجوده فى الخارج، و الغرر فيه اعظم

و يمكن ان يقال:

______________________________

الاوصاف بالدقة لزم الغرر من حيث الجهالة بصفات المبيع.

و عليه فالعقد على الشي ء الغائب لا يصح مطلقا (ب) كلتا صورتيه.

ف (ان ذكر الاوصاف لا يخرج البيع عن كونه غررا) سواء ذكرت الاوصاف بالدقة او بدون دقة (لان الغرر بدون اخذ الصفات) الدقيقة يكون (من حيث الجهل بصفات المبيع) و بيع الغرر باطل (فاذا اخذت) الصفات الدقيقة (فيه) اى فى العقد (مقيدا) المبيع (بها) اى بتلك الصفات (صار) الشي ء المتصف بتلك الصفات (مشكوك الوجود) و بيع مشكوك الوجود غرر (لان العبد) الغائب المشترى (المتصف بتلك الصفات) الدقيقة، كان يكون من افريقيا عمره عشرون سنة، و وزنه ستون كيلوغراما، و طوله متعارف، و كان حافظا للقرآن، الى غير ذلك (مثلا لا يعلم وجوده فى الخارج، و) من المعلوم ان (الغرر فيه) اى فى مثل هذا البيع (اعظم) من الغرر فى الشي ء الموصوف بصفات قليلة مسامحة لان الدقة توجب الشك فى اصل العبد، و المسامحة توجب احتمال انتفاء بعض اغراض المشترى.

(و يمكن ان يقال) ان الاخذ بالاوصاف الدقيقة لا يوجب غررا اعظم

ص: 361

ان اخذ الاوصاف فى معنى الاشتراط لا التقييد، فيبيع العبد مثلا ملتزما بكونه كذا و كذا، و لا غرر فيه حينئذ عرفا.

و قد صرح فى النهاية و المسالك- فى مسألة ما لو رأى المبيع ثم تغيّر عما رآه- ان الرؤية بمنزلة الاشتراط، و لازمه كون الوصف القائم مقام الرؤية اشتراطا.

______________________________

مع انتفاء اصل المبيع.

و ذلك ل (ان اخذ الاوصاف فى معنى الاشتراط) فلا يبطل فقدها البيع، بل يكون للمشروط له حق الفسخ (لا) فى معنى (التقييد) حتى يكون فقد كل وصف يوجب بطلان البيع، و يحصل بذلك الغرر الاعظم كما ذكره المستشكل (فيبيع العبد) عند ذكر الاوصاف الدقيقة (مثلا) فى حالكونه (ملتزما بكونه كذا و كذا) من الصفات (و لا غرر فيه حينئذ) اى حين الشرط (عرفا) اذ العرف يرى انه لو وجد مثل هذا العبد فهو، و ان لم يوجد كان للمشترى اخذ فاقد الاوصاف، كما يكون له فسخ المعاملة.

(و) لذا الّذي ذكرنا ان الاوصاف الدقيقة ليست قيدا (قد صرح فى النهاية و المسالك- فى مسألة ما لو رأى المبيع ثم تغير عما رآه-) لكن المشترى لم يعلم بالتغير، بل اشتراه على ما رأى (ان الرؤية بمنزلة الاشتراط) كان يشترط المشترى على البائع ان يكون المبيع على ما رآه من الاوصاف اى ليس كالقيد (و لازمه) اى لازم كونها كمنزلة الاشتراط (كون الوصف) فى اشتراط العين الغائبة (القائم مقام الرؤية) فى تصحيح البيع لانه لا يصح البيع الا بالرؤية او بالوصف (اشتراطا) فيصح ما

ص: 362

و يمكن ان يقال: ببناء هذا البيع على تصديق البائع او غيره فى اخباره باتصاف المبيع بالصفات المذكورة، كما يجوز الاعتماد عليه فى الكيل و الوزن.

و لذا ذكروا انه يجوز مع جهل المتبايعين بصفة العين الغائبة المبايعة بوصف ثالث لهما.

______________________________

ذكرناه من ان الاوصاف الدقيقة لا توجب الغرر.

(و يمكن ان يقال) فى جواب الاستشكال المتقدم، بجواب آخر.

فان المستشكل قال: ان ذكر الاوصاف الدقيقة كان غررا لاحتمال عدم وجوده، و ان لم يذكر الاوصاف الدقيقة كان غررا، لجهل المشترى به و كان الجواب الاول: «يمكن ان يقال ان اخذ ...» ردا للشق الاول من الاشكال، و هذا الجواب أيضا رد للشق الاول ببيان آخر و هو ان ذكر الاوصاف الدقيقة لا يوجب احتمال المشترى عدم وجود المبيع لان المشترى يصدق البائع فى وجود الشي ء ذى الاوصاف الدقيقة و ذلك (ببناء هذا البيع على تصديق البائع او غيره) اذا كان الواصف غير البائع، تصديقا (فى اخباره باتصاف المبيع بالصفات المذكورة) الدقيقة (كما يجوز الاعتماد عليه) اى على البائع و غيره، و (فى الكيل و الوزن) اذا قال البائع- مثلا- ان هذه الصبرة مائة كيلو، او بمقدار كرّ.

(و لذا) الّذي يجوز الاعتماد عليه (ذكروا انه يجوز مع جهل المتبايعين بصفة العين الغائبة) تجوز (المبايعة بوصف) شخص (ثالث لهما) اى للمتبايعين، فاذا جاز بوصف ثالث، جاز بوصف البائع بطريق

ص: 363

و كيف كان فلا غرر عرفا فى بيع العين الغائبة مع اعتبار الصفات الرافعة للجهالة.

و لا دليل شرعا أيضا على المنع من حيث عدم العلم بوجود تلك الصفات، فيتعين الحكم بجوازه مضافا الى الاجماع عليه ممن عدا بعض العامة.

ثم ان الخيار بين الرد و

______________________________

اولى، و لا يكون حينئذ غررا.

(و كيف كان فلا غرر عرفا فى بيع العين الغائبة مع اعتبار الصفات الرافعة للجهالة) و لا يلزم ذكر الصفات بدقة عقلية، و لا يجوز ذكرها باقل مما يرى العرف لانها اقل من الكفاية.

(و لا دليل شرعا أيضا) كمالا دليل عرفا (على المنع) من مثل هذا البيع.

و توهم ان مثل هذا البيع باطل (من حيث) انه غرر ل (عدم العلم بوجود تلك الصفات) فى الخارج قد عرفت جوابه، و ان تطابق العقل و الشرع على صحة مثل هذا البيع بالصفات المتوسطة بين الدقة و المسامحة (فيتعين الحكم بجوازه) لشمول مثل: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ، و غيرهما له (مضافا الى الاجماع عليه) اى على جواز هذا البيع (ممن عدا بعض العامة) حيث منعوه، لكن خلافهم لا يضر كما لا يخفى.

(ثم ان الخيار) اى خيار الرؤية عند تخلف الوصف (بين الردّ و

ص: 364

الامساك مجانا هو المشهور بين الاصحاب.

و صريح السرائر تخييره بين الرد و الامساك بالارش، و انه لا يجبر على احدهما.

و يضعف بانه لا دليل على الارش.

نعم لو كان للوصف المفقود دخل فى الصحة، توجه اخذ الارش لكن بخيار العيب، لا خيار رؤية المبيع على خلاف ما وصفه، اذ لو لا الوصف، ثبت خيار العيب

______________________________

الامساك مجانا) امساكا بلا ارش (هو المشهور بين الاصحاب).

(و) لكن (صريح السرائر تخييره) اى من خلّفت عليه الرؤية (بين الرد و الامساك بالارش) فاذا رأى العبد حافظا للقرآن ثم اشتراه و قد نساه، و كان التفاوت بين الحافظ و غيره ثلث الثمن، كان له ان يقبل العبد و يأخذ ثلث الثمن (و انه لا يجبر على احدهما) فان شاء فسخ، و ان شاء قبله مع الارش.

(و يضعف بانه لا دليل على الارش).

اقول: يكفى دليلا عليه بناء العقلاء، و لم يردعه الشارع، فيشمله اطلاقات الادلة بالإضافة الى المناط فى ارش المعيب.

(نعم لو كان للوصف المفقود دخل فى الصحة) كما لو رأى الدابة صحيحة ثم ظهرت ناقصة (توجه) صحة (اخذ الارش، لكن) الارش (بخيار العيب، لا) ب (خيار رؤية المبيع، على خلاف ما وصفه).

و انما كان خيار العيب (اذ لو لا) تخلف (الوصف، ثبت خيار العيب

ص: 365

أيضا.

و سيجي ء عدم اشتراط ذكر الاوصاف الراجعة الى وصف الصحة.

و اضعف من هذا ما ينسب الى ظاهر المقنعة، و النهاية، و المراسم من بطلان البيع اذا وجد على خلاف ما وصف.

لكن الموجود فى المقنعة، و النهاية انه ان لم يكن على الوصف كان البيع مردودا.

و لا يبعد كون المراد بالمردود القابل للرد، لا الباطل فعلا.

______________________________

أيضا) فله خياران، احدهما يوجب صحة اخذ الارش.

(و) ان قلت: لم يذكرا وصف الصحة فى العقد فكيف يمكن الاخذ بخيار العيب.

قلت: (سيجي ء عدم اشتراط ذكر الاوصاف الراجعة الى وصف الصحة) و انه ثابت ذكراه، أم لا، و ذلك لبناء العقد عليه دائما.

(و اضعف من هذا) الّذي ذكره ابن ادريس من حقه فى اخذ الارش (ما ينسب الى ظاهر المقنعة، و النهاية، و المراسم، من بطلان البيع اذا وجد) المشترى المبيع (على خلاف ما وصف) ه البائع.

(لكن) من الممكن عدم صحة النسبة، لان (الموجود فى المقنعة، و النهاية انه ان لم يكن) المبيع (على الوصف) الّذي ذكره البائع (كان البيع مردودا) انتهى.

(و لا يبعد كون المراد بالمردود القابل للرد) اى ما فيه الخيار (لا الباطل فعلا).

ص: 366

و قد عبر فى النهاية عن خيار الغبن بذلك فقال: و لا بأس بان يبيع الانسان متاعا باكثر مما يسوى، اذا كان المبتاع من اهل المعرفة، فان لم يكن كذلك كان البيع مردودا.

و على تقدير وجود القول بالبطلان فلا يخفى ضعفه، لعدم الدليل على البطلان، بعد انعقاده صحيحا عدا ما فى مجمع البرهان.

و حاصله وقوع العقد على شي ء مغاير للموجود،

______________________________

(و) يؤيد هذا الاحتمال انه (قد عبر فى النهاية عن خيار الغبن بذلك) اى مردودا مع ان مراده الخيار (فقال: و لا بأس بان يبيع الانسان متاعا باكثر مما يسوى، اذا كان المبتاع من اهل المعرفة) اى انه يعرف ان قيمة المتاع اقل (فان لم يكن) المبتاع (كذلك) اى من اهل المعرفة (كان البيع مردودا) اى كان للمبتاع ان يرد البيع بخيار الغبن انتهى كلامه.

(و على تقدير وجود القول بالبطلان) اى بطلان البيع الّذي تخلف فيه الوصف (فلا يخفى ضعفه، لعدم الدليل على البطلان، بعد انعقاده صحيحا).

و انما ينعقد صحيحا لاطلاق ادلة حلية البيع و نحوها، الا ان يقال:

ان المفهوم من آية «عَنْ تَرٰاضٍ» الرضا الواقعى، و هذا ليس برضا فى الواقع بالنسبة إليه، و فيه ان الرضا موجود حال البيع (عدا ما فى مجمع البرهان) من توجيه البطلان.

(و حاصله وقوع العقد على شي ء مغاير للموجود) اذ كان العقد على

ص: 367

فالمعقود عليه غير موجود، و الموجود غير معقود عليه.

و يضعف بان محل الكلام، فى تخلف الاوصاف التى لا يوجب مغايرة الموصوف للموجود عرفا بان يقال ان المبيع فاقد للاوصاف المأخوذة فيه لا انه مغاير للموجود.

نعم لو كان ظهور الخلاف فيما له دخل فى حقيقة المبيع عرفا فالظاهر عدم الخلاف فى البطلان و لو اخذ فى عبارة العقد على وجه الاشتراط

______________________________

ذى الوصف، و المبيع الموجود فاقد الوصف (فالمعقود عليه غير موجود، و الموجود غير معقود عليه) فلم يحصل متعلق البيع و هذا هو معنى البطلان.

(و يضعف) هذا الوجه (بان محل الكلام، فى تخلف الاوصاف التى لا يوجب مغايرة الموصوف) الّذي وقع عليه العقد (للموجود) مغايرة (عرفا) بل العرف يرى ان الموجود هو ما وقع عليه العقد، لكنه فاقد لبعض اوصافه (بان يقال) عرفا (ان المبيع فاقد للاوصاف المأخوذة فيه) و (لا) يقال: (انه مغاير للموجود) و عليه فالمعقود عليه هو الموجود، و الموجود هو المعقود عليه و ذلك لان العقد لم يقع على خصوص المتصف على نحو التقييد، بل على نحو تعدد المطلوب.

(نعم لو كان ظهور الخلاف فيما) اى فى وصف (له دخل فى حقيقة المبيع عرفا) بان رأى العرف ان الموجود غير المعقود عليه (فالظاهر عدم الخلاف فى البطلان) اى بطلان العقد (و لو) ان الوصف المذكور الموجب فقده للبطلان (اخذ فى عبارة العقد على وجه الاشتراط) «لو»

ص: 368

كان يقول: بعتك ما فى البيت على انه عبد حبشى، فبان حمارا وحشيا.

الا ان يقال: ان الموجود و ان لم يعد مغايرا للمعقود عليه عرفا، الا ان اشتراط اتصافه بالاوصاف فى معنى كون القصد الى بيعه بانيا على تلك الاوصاف فاذا فقد ما بنى عليه العقد فالمقصود غير حاصل، فينبغى بطلان البيع.

______________________________

وصليّة.

و انما قال «و لو» لان العبرة ليست بكيفية صياغة اللفظ، بل بواقع المراد (كان يقول) لما يكون له مدخلية فى حقيقة المبيع- و ان كان بلفظ الشرط- (بعتك ما فى البيت على انه عبد حبشى، فبان حمارا وحشيا) او قال: بعتك هذا الحب على انه حنطة فبان ارزا، فان البيع باطل حينئذ لان الموجود لم يعقد عليه.

(الا ان يقال) فى توجيه كلام مجمع البرهان بان البيع باطل و ان لم يكن الوصف داخلا فى حقيقة المبيع (ان الموجود و ان لم يعد) عرفا (مغايرا للمعقود عليه) بل كان (عرفا) هو هو (الا ان اشتراط اتصافه) اى المعقود عليه (بالاوصاف) التى ذكراها عند العقد (فى معنى كون القصد الى بيعه) اى بيع المتصف (بانيا على تلك الاوصاف) فالمبيع هو المتصف (فاذا فقد ما بنى عليه العقد فالمقصود غير حاصل) فما قصد لم يكن، و ما كان لم يقصد (فينبغى بطلان البيع) لا صحته متزلزلا بخيار تخلف الوصف.

ص: 369

و لذا التزم اكثر المتأخرين بفساد العقد، بفساد شرطه.

فان قصد الشرط ان كان مؤثرا فى المعقود عليه فالواجب كون تخلفه موجبا لبطلان العقد، و الا لم يوجب فساده فساد العقد بل غاية الامر ثبوت الخيار.

و من هنا يظهر ان دفع ما ذكر فى وجه البطلان

______________________________

(و لذا) الّذي ذكرنا من ان الموجود غير مقصود بالبيع اذا فقد الوصف (التزم اكثر المتأخرين بفساد العقد، ب) سبب (فساد شرطه) بان شرطا شرطا فاسدا.

(فان قصد الشرط ان كان مؤثرا فى المعقود عليه) حتى استلزم فساد الشرط فساد العقد- كما التزمه كثير من المتأخرين- (فالواجب كون تخلفه) اى تخلف الشرط الصحيح (موجبا لبطلان العقد، و الا) يكن تخلف الشرط موجبا لبطلان العقد (لم يوجب فساده) اى فساد الشرط (فساد العقد) لتلازم الامرين، فان الشرط ان كان له مدخلية فى حقيقة العقد اوجب تخلفه البطلان، كما اوجب فساده البطلان و ان لم يكن له مدخلية لم يوجب تخلفه البطلان، و لم يوجب فساده البطلان.

و حيث قالوا بان فساده يوجب البطلان فاللازم ان يوجب تخلفه البطلان أيضا (بل غاية الامر ثبوت الخيار) بفساد الشرط، فلما ذا ذكروا ان فساده يوجب بطلان العقد.

(و من هنا) الّذي ذكرنا ان نظر مجمع البرهان الى ما بيناه بقولنا «الا ان يقال ...» (يظهر ان دفع ما ذكر فى وجه البطلان) اذا تخلف

ص: 370

الّذي جعله المحقق الاردبيلى موافقا للقاعدة.

و احتمله العلامة ره فى النهاية فيما اذا ظهر ما رآه سابقا على خلاف ما راه بانه اشتباه

______________________________

الوصف بانه اشتباه، مجازفة الدافع و هو الشيخ على آل كاشف الغطاء كما فى بعض الحواشى قال «بانه اشتباه» و المصنف رده بان كلام الدافع «مجازفة» (الّذي جعله) الضمير فى «جعله» عائد الى «وجه البطلان» (المحقق الاردبيلى موافقا للقاعدة).

فقال: ان القاعدة تقتضى بطلان العقد بتخلف الوصف.

(و احتمله) اى البطلان (العلامة ره فى النهاية فيما اذا ظهر ما رآه سابقا على خلاف ما راه).

فالدافع قال: (بانه) اى القول بالبطلان (اشتباه) و خلط بين «بيع الكلى و بيع الشخصى» و بين «الوصف الذاتى و الوصف العرضى» فالبطلان انما هو فى وصف الكلى، و فى وصف الشخصى اذا كان الوصف ذاتيا.

اما اذا كان الوصف للشخص، و كان الوصف عرضيا لم يكن بطلان.

قال: ان المخالفة فى الوصف انما يضر فى مكانين.

الاول: فى الكلى كما اذا باعه حنطة حمراء فاراد ان يسلمه صفراء فانه من قبيل الوفاء بغير الجنس، لان العقد لم يقع على الحنطة الصفراء.

الثانى: فى الشخصى اذا كان الوصف مقوما، كما اذا باعه حيوانا

ص: 371

ناش عن عدم الفرق بين الوصف المعين للكليات، و الوصف المعين فى الشخصيات، و بين الوصف الذاتى و العرضى و ان اقصى ما هناك كونه من باب تعارض الاشارة و الوصف، و الاشارة اقوى، مجازفة لا محصل لها

______________________________

ناطقا فظهر حيوانا ناهقا.

اما اذا كان المبيع شخصيا و كان الوصف عرضيا لم يضر، بل كان من باب تعارض الاشارة و الوصف و تقدم الاشارة حينئذ، كما اذا باعه ما فى الحجرة على انه حنطة حمراء فظهرت صفراء.

فتحصل ان القول بالبطلان فى تخلف الوصف فى البيع الشخصى اشتباه (ناش) هذا الاشتباه (عن عدم الفرق بين الوصف المعين للكليات) فى بيع الكلى (و الوصف المعين فى الشخصيات) فى بيع الشخصى (و بين الوصف الذاتى) فى الشخصى (و العرضى) فى الشخصى (و ان اقصى ما هناك) فى مورد التخلف فى الوصف الشخصى العرضى (كونه من باب تعارض الاشارة و الوصف، و) عند تعارضهما تقدم (الاشارة) لانها (اقوى) هذا تمام كلام الدافع فى ايراده على مجمع البرهان، و قد رده المصنف بانه (مجازفة لا محصل لها).

و قوله «مجازفة» خبر قوله «ان دفع ما ذكر».

و حيث ان ايراد الدافع كان فى البيع الشخصى فى الوصف العرضى اذ يراه صحيحا، لا فى الكلى بوصفيه العرضى و الذاتى، و لا فى الشخصى بوصفه الذاتى، حيث يرى هذه الثلاثة باطلة، كان جواب المصنف على القسم الّذي يرى انه صحيح.

ص: 372

و اما كون الاشارة اقوى من الوصف عند التعارض فلو جرى فيما نحن فيه

______________________________

و حاصل اشكال المصنف عليه انه حيث كان قصد المتبايعين المتصف و كان رضا هما المعاملى مقيدا بالمتصف، لم يكن وجه لصحة العقد بالنسبة الى غير المتصف، اذ لا قصد بالنسبة إليه و لا رضا لهما به.

اذا لا اشتباه فى كلام الاردبيلى حيث حكم ببطلان الشخصى العرضى.

و الحاصل: ان الرضا مقيد بالموصوف، لا بالفاقد للوصف، و لا فرق فى ذلك بين الكلى و الشخصى و الوصف الذاتى و العرضى، و حيث لا رضا لم يصح العقد.

(و اما كون الاشارة اقوى من الوصف عند التعارض) الّذي ذكره فى آخر كلامه، فيرد عليه ان التمسك بتقديم الاشارة على الوصف انما يكون فيما اذا كان هناك ظهوران ظهور الاشارة و ظهور الوصف، و شك فى تعيين ايهما، فانه يرجع الى قوة دلالة الاشارة على دلالة الوصف، او بالعكس.

و ليس المقام من باب تعارض ظهورين، بل انا نعلم ان المشترى اراد كلا الامرين الوصف و الاشارة معا فإنه اراد الحنطة الحمراء التى فى الحجرة، فاذا ظهرت مفقودة الوصف لم يكن راضيا بها، و لذا كان الموجود غير مقصود له (ف) الحاصل: ان كون الاشارة اقوى من الوصف غير جار فى المقام.

و (لو جرى فيما نحن فيه) من ظهور تخلف الوصف

ص: 373

لم يكن اعتبار بالوصف فينبغى لزوم العقد.

و اثبات الخيار من جهة كونه وصفا لشخص، لا مشخصا لكلى، حتى يتقوم به، و كونه عرضيا لا ذاتيا، اعادة للكلام السابق.

______________________________

(لم يكن اعتبار بالوصف) اصلا، اذ حسب كلام الدافع الاشارة مقدمة على الوصف (فينبغى لزوم العقد) لا ان يكون فيه الخيار.

اذ بعد تقدم الاشارة لا وجه لتزلزل العقد حتى يكون فيه خيار.

(و) ان قلت: انما يقول الدافع باثبات الخيار، لان الوصف عرضى فى البيع الشخصى فاذا انتفى كان له الخيار.

ف (اثبات الخيار) انما هو (من جهة كونه) اى كون الوصف المفقود (وصفا لشخص، لا) من جهة كونه (مشخصا لكلى، حتى يتقوم) الكلى (به) اى بذلك الوصف، حيث يكون انتفائه موجبا لبطلان البيع (و) الوصف الشخصى لدى (كونه عرضيا لا ذاتيا) لا يوجب تخلفه بطلان البيع، بل يوجب تزلزله و الخيار فيه.

قلت: هذا (اعادة للكلام السابق) الّذي ذكره الدافع من الفرق بين الكلى و الشخصى، و الذاتى و العرضى.

و قد عرفت ان ما نحن فيه لا يستقيم فيه هذا الكلام، لان الرضا قد تعلق بالشخصى المقيد بهذا الوصف، فعدم الوصف لا رضا به، و حيث لم يكن رضا فالعقد باطل، لا انه متزلزل.

فقوله «اعادة» خبر لقوله «و اثبات الخيار».

ص: 374

و يمكن ان يقال ان المستفاد من النصوص و الاجماعات فى الموارد المتفرقة عدم بطلان البيع بمخالفة الصفة المقصودة غير المتقومة للمبيع، سواء علم القصد إليها من الخارج أم اشترطت فى العقد كالحكم بمضى العقد على المعيب مع عدم القصد الا الى الصحيح و منه المصراة و كالحكم

______________________________

(و يمكن ان يقال) فى جواب اشكالنا السابق الّذي ذكرناه بقولنا «الا ان يقال ان الموجود ..» حيث كان حاصله الاشكال فى صحة البيع مع فقد الوصف بسبب ان المقصود غير موجود، فلم يقع البيع عليه و لا كان رضا به (ان المستفاد من النصوص و الاجماعات فى الموارد المتفرقة عدم بطلان البيع بمخالفة الصفة المقصودة) للمشترى (غير المتقومة للمبيع)

و هذا الاستقراء يوجب فهم كلى هو عبارة عن «ان فقد الصفة لا يوجب بطلان البيع» و من افراد هذا الكلى ما نحن فيه و هو مورد خيار الرؤية (سواء علم القصد إليها) اى الى تلك الصفة المفقودة (من الخارج) كما فى صفة الصحة، فانها و ان لم تذكر فى المعاملة، الا انها مقصودة.

و لذا اذا فقدت كان للمشترى خيار العيب- (أم اشترطت فى العقد) ففى ما نحن فيه من تخلف الرؤية بمضى العقد (كالحكم) اى كحكمهم (بمضى العقد على المعيب مع عدم القصد) للمشترى (الا الى الصحيح، و منه) اى من موارد صحة البيع مع عدم الوصف بيع الشاة (المصراة) حيث يخدع البائع فيجمع الحليب فى ثدى الحيوان، فيظهر انه يعطى حليبا كثيرا، و يشتريه المشترى بهذا الوصف، ثم اذا ظهرت له الخدعة كان له الخيار، مع انه قد فقد الوصف، لا ان البيع باطل (و كالحكم

ص: 375

فى النص و الفتوى بتبعيض الصفقة اذا باع ما يملك و ما لم يملك، و غير ذلك، فتأمل و سيجي ء بعض الكلام فى مسألة الشرط الفاسد ان شاء الله

نعم هنا اشكال آخر من جهة تشخيص الوصف الداخل فى الحقيقة عرفا الموجب ظهور خلافه بطلان البيع و الخارج عنها الموجب ظهور خلافه للخيار.

______________________________

فى النص و الفتوى بتبعيض الصفقة اذا باع ما يملك و ما لم يملك) مع ان صفة الاجتماع التى كانت مقصودة للبائع قد انتفت، و مع ذلك حكم عليه بالخيار، لا ببطلان المعاملة (و غير ذلك) كبيع ما يملك و ما لا يملك كالخل و الخمر، حيث ان البيع ليس بباطل، بل له الخيار بعد ظهور بطلان البيع بالنسبة الى ما لا يملك و قد فقد وصف الاجتماع فى المبيع (فتأمل)

لعله اشارة الى ان استقراء الناقص لا يوجب العلم بالكلي، حتى يثبت الحكم بسبب ذلك الكلى فى ما نحن فيه الّذي هو تخلف الرؤية (و سيجي ء بعض الكلام) المفيد للمقام (فى مسألة الشرط الفاسد ان شاء الله) تعالى، هذا

(نعم هنا) اى فى مسألة تخلف الوصف الموجب للخيار، و تخلف الحقيقة الموجب للبطلان (اشكال آخر من جهة تشخيص الوصف الداخل فى الحقيقة) اى فى حقيقة المبيع كالناطق و الناهق (عرفا) بان يرى العرف انه داخل فى حقيقة المبيع (الموجب ظهور خلافه) و ان المبيع ليس مشتملا على هذا الوصف و هو (بطلان البيع و) الوصف (الخارج عنها) اى عن الحقيقة (الموجب ظهور خلافه) فى البيع (للخيار) مثل:

الهزال و السمن فى الغنم مثلا.

ص: 376

فان الظاهر دخول الذكورة و الانوثة فى المماليك فى حقيقة المبيع لا فى مثل الغنم، و كذا الرومى و الزنجى حقيقتان عرفا.

و ربما يتغاير الحقيقتان مع كونه فيما نحن فيه من قبيل الاوصاف، كما اذا باعه الدهن او الجبن او اللبن على انه من الغنم، فبان من الجاموس، و كذا لو باعه خل الزبيب فبان من التمر.

و يمكن احالة اتحاد الجنس و مغايرته على العرف

______________________________

و لنذكر بعض هذه الاقسام (فان الظاهر دخول الذكورة و الانوثة فى المماليك فى حقيقة المبيع) فاذا اشترى جارية فظهر عبدا بطل البيع، و كذا العكس (لا فى مثل الغنم) اذ العرف يرى عدم الفرق الا فى وصف خارج عن الحقيقة (و كذا الرومى) الا بيض (و الزنجى) الاسود فى العبيد (حقيقتان عرفا) مع انهما وصفان ليسا داخلين فى الحقيقة عقلا

(و ربما يتغاير الحقيقتان) واقعا (مع كونه) اى الحقيقة (فيما نحن فيه من قبيل الاوصاف) فيرى العرف ان عدمه لا يضر بالحقيقة، و انما يضر بالصفة فقط، فللمشترى الخيار، فلا يكون البيع باطلا (كما اذا باعه الدهن او الجبن او اللبن على انه من الغنم، فبان من الجاموس) فان الحقيقة قد تغيرت، و مع ذلك فيه الخيار لان العرف يرى ان الوصف قد تغير (و كذا لو باعه خل الزبيب فبان) انه (من التمر) الى غير ذلك من الامثلة.

(و يمكن احالة اتحاد الجنس و مغايرته على العرف).

فان رأى اتحاد الجنس فالخيار، و ان رأى مغايرة الجنس فالبطلان

ص: 377

و ان خالف ضابطة التغاير المذكورة فى باب الرباء فتأمّل.

______________________________

و ذلك لان العرف هو الميزان فى رؤية ان هذا هو المبيع او غيره (و ان خالف ضابطة التغاير المذكورة فى باب الرباء) لان فى الربا يلاحظ اصل الشي ء، فجبن الغنم و جبن الجاموس شيئان، و لذا يجوز فيهما التفاضل (فتأمل).

لعله اشارة الى ان احالة التغاير و الاتحاد الى العرف احالة على المجهول، اذ العرف كثيرا ما يختلفون، فبينما يرى بعضهم انهما جنسان و يرى بعض آخر انهما جنس واحد و اللّه سبحانه العالم.

ص: 378

مسئلة الاكثر على ان الخيار عند الرؤية فورى،

بل نسب الى ظاهر الاصحاب بل ظاهر التذكرة عدم الخلاف بين المسلمين الا من احمد، حيث جعله ممتدا بامتداد المجلس الّذي وقعت فيه الرؤية.

و احتمل فى نهاية الاحكام و لم اجد لهم دليلا صالحا على ذلك الا وجوب الاقتصار فى مخالفة لزوم العقد على المتيقن.

و يبقى على القائلين بالتراخى فى مثل خيار الغبن و العيب سؤال الفرق بين المقامين.

______________________________

(مسألة: الاكثر) من الفقهاء (على ان الخيار عند الرؤية فورى) فاذا علم به و اخذ فورا، كان له ذلك، و الا سقط خياره (بل نسب) هذا القول (الى ظاهر الاصحاب، بل ظاهر التذكرة عدم الخلاف بين المسلمين الا من احمد) بن حنبل (حيث جعله) اى الخيار (ممتدا) زمانا (بامتداد المجلس الّذي وقعت فيه الرؤية) سواء طال المجلس، او قصر.

(و احتمل) الفور (فى نهاية الاحكام و) لكنّى (لم اجد لهم دليلا صالحا على ذلك) الفور (الا وجوب الاقتصار فى مخالفة لزوم العقد) مخالفة بسبب الخيار (على المتيقن) الّذي هو الفور.

(و) على هذا، ف (يبقى على القائلين بالتراخى فى مثل خيار الغبن و العيب سؤال الفرق بين المقامين) لان دليل المقامين واحد، فاذا اقتضى فى احد المقامين الفور اقتضى فى المقام الثانى الفور أيضا

ص: 379

مع ان صحيحة جميل المتقدمة فى صدر المسألة مطلقة يمكن التمسك- بعدم بيان مدة الخيار فيها- على عدم الفورية، و ان كان خلاف التحقيق كما نبهنا عليه فى بعض الخيارات المستندة الى النص.

و قد بينا سابقا ضعف التمسك بالاستصحاب فى اثبات التراخى، و ان استندوا إليه فى بعض الخيارات السابقة.

______________________________

(مع ان صحيحة جميل المتقدمة فى صدر المسألة) الدالة على خيار الرؤية (مطلقة) من حيث الفور و التراخى و (يمكن التمسك- ب) سبب (عدم بيان مدة الخيار فيها- على عدم الفورية) لانه لو كان الخيار فورا لزم بيان ذلك، فعدم البيان دليل عدم الفور (و ان كان) التمسك بالإطلاق دليلا على التراخى (خلاف التحقيق كما نبهنا عليه فى بعض الخيارات المستندة الى النص).

اذ قلنا هناك ان المنصرف من الخبر هو الخيار فى صورة التضرر، و التضرر لا يكون الا بعدم الخيار فورا.

اما اذا لم يختر فتضرر، فقد اخّر هو على نفسه بنفسه، و قد ذكرنا هناك ان الانصراف لا وجه له.

(و قد بينا سابقا) هناك (ضعف التمسك بالاستصحاب فى اثبات التراخى).

و بيان الاستصحاب انه كان خيار و نشك فى زواله فى الآن الثانى فالاصل بقائه (و ان استندوا إليه) اى الى الاستصحاب (فى بعض الخيارات السابقة)

و حيث ان كل تفاصيل ذلك قد تقدمت فلا داعى الى اعادة الكلام فى ذلك.

ص: 380

مسئلة يسقط هذا الخيار بترك المبادرة عرفا على الوجه المتقدم فى خيار الغبن،

و باسقاطه بعد الرؤية و بالتصرف بعدها.

و لو تصرف قبلها ففى سقوط الخيار، وجوه.

ثالثها: ابتناء ذلك على جواز اسقاط الخيار قولا قبل الرؤية

______________________________

(مسألة: يسقط هذا الخيار بترك المبادرة عرفا) بناء على القول بانه فور، لكنك قد عرفت سابقا ان مقتضى القاعدة التراخى فلا يسقط بترك المبادرة (على الوجه المتقدم فى خيار الغبن) بالمراد بالفور، و المراد بالتراخى بان لا يكون تراخيا طويلا يوجب ضرر البائع- مثلا- (و باسقاطه) اى اسقاط الخيار (بعد الرؤية) لانه حق لذى الخيار فله اسقاطه (و بالتصرف بعدها) اى بعد الرؤية، لان التصرف دليل الرضا كما سبق فى بعض الخيارات-.

(و لو تصرف قبلها) اى قبل الرؤية، كما لو قال لولده، تصرف فيه او باعه او ما اشبه ذلك (ففى سقوط الخيار) مطلقا، او عدم سقوطه مطلقا (وجوه) ثلاثة.

(ثالثها: ابتناء ذلك) السقوط و عدمه (على جواز اسقاط الخيار) و هو خيار الرؤية (قولا) اى بالقول، بان يقول: اسقطت خيارى (قبل الرؤية) فيجوز السقوط الفعلى أيضا قبل الرؤية.

و عدم جواز اسقاطه قبل الرؤية- قولا- فلا يجوز اسقاطه فعلا أيضا

ص: 381

بناء على ان التصرف اسقاط فعلى.

و فى جواز اسقاطه قبل الرؤية، وجهان مبنيان على ان الرؤية سبب، او كاشف.

قال فى التذكرة: لو اختار امضاء العقد قبل الرؤية لم يلزم، لتعلق الخيار بالرؤية، انتهى، و حكى ذلك من غيرها أيضا.

و ظاهره ان الخيار يحدث بالرؤية، لا انه يظهر بها.

______________________________

(بناء على ان التصرف اسقاط فعلى) فيتبع الاسقاط القولى و قوله «بناء» وجه لقوله «ابتناء ذلك».

(و) على هذا ف (فى) لزوم التكلم حول (جواز اسقاطه قبل الرؤية) اسقاطا بالقول (وجهان) الاسقاط و عدمه، و هما (مبنيان على ان الرؤية سبب) للخيار، فقبلها لا خيار حتى يسقطها (او كاشف) عن كون الخيار من حين العقد فهو حق له، فله اسقاطه قبل الرؤية.

(قال فى التذكرة) مرجحا ان الرؤية سبب فليس له اسقاط الخيار قبل الرؤية (لو اختار امضاء العقد) باسقاط الخيار (قبل الرؤية لم يلزم) الامضاء، بل خياره باق (لتعلق الخيار بالرؤية) و لم تحصل الرؤية بعد فلا خيار فلا اسقاط (انتهى، و حكى ذلك) القول الّذي قال به العلامة (من غيرها) اى من غير التذكرة (أيضا).

(و ظاهره) اى ظاهر هذا القول (ان الخيار يحدث بالرؤية، لا انه) اى الخيار ثابت بالعقد، و انه (يظهر بها) اى بالرؤية.

ص: 382

و لو جعلت الرؤية شرطا، لا سببا، امكن جواز الاسقاط بمجرد تحقق السبب، و هو العقد، و لا يخلو عن قوة.

و لو شرط سقوط هذا الخيار ففى فساده و افساده للعقد كما عن العلامة و جماعة او عدمهما كما عن النهاية، و بعض

______________________________

(و لو جعلت الرؤية شرطا) للخيار (لا سببا) فالخيار يثبت بالعقد بشرط الرؤية (امكن جواز الاسقاط بمجرد تحقق السبب، و هو العقد)

و ذلك لان بعض مقوم الخيار قد حدث، فيسقط المشترى هذا المقوم (و لا يخلو) هذا الاحتمال الثالث فى قبال الاحتمالين الاولين (عن قوة).

اذ لا وجه للقول بان العقد سبب كامل لتعلق الخيار بالرؤية فى النص و الفتوى، و لا للقول بان العقد لا مدخلية له اصلا، لوضوح انه لو لا العقد لم يكن خيار اصلا، فاللازم القول بمدخلية كل من العقد و الرؤية فى الخيار.

لكن الاظهر ان العقد سبب فله اسقاطه اذ الرؤية كاشفة بحتة عن عدم انطباق المشترى مع الموصوف.

(و لو شرط) حين العقد (سقوط هذا الخيار).

«1» (ففى فساده) بنفسه (و افساده للعقد) فلا بيع (كما عن العلامة و جماعة).

«2» (او عدمهما) فلا فساد و لا افساد، بل العقد صحيح، و لا خيار (كما عن النهاية، و بعض).

ص: 383

او الفساد دون الافساد وجوه، بل اقوال، من كونه موجبا لكون العقد غررا كما فى جامع المقاصد من ان الوصف قام مقام الرؤية، فاذا شرط عدم الاعتداد به كان المبيع غير مرئى و لا موصوف.

و من ان دفع الغرر عن هذا البيع ليس بالخيار حتى يثبت بارتفاعه،

______________________________

«3» (او الفساد دون الافساد) فالعقد صحيح، لكن الشرط فاسد (وجوه) ثلاثة (بل اقوال) حتى الوجه الثالث قد ذهب إليه بعض.

الوجه الاول «الفساد و الافساد» (من كونه موجبا لكون العقد غررا) لانه لا يعلم كيف يوجب المبيع و الغرر بطلان العقد (كما) بيّنه (فى جامع المقاصد) بقوله: (من ان الوصف) للمبيع (قام مقام الرؤية) فان كليهما يرفعان الغرر (فاذا شرط) فى العقد (عدم الاعتداد به) اى بالوصف لان معنى عدم الخيار عند تخالف الوصف: انه لا اعتبار بالوصف (كان المبيع غير مرئى) حقيقة، لانه لم يره- فرضا- (و لا موصوف) اعتبارا لانه شرط ما يسقط الوصف، و مثله غرر بلا اشكال، و قد نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن بيع الغرر، كما انه صلى الله عليه و آله و سلم نهى عن الغرر.

(و) وجه الثانى «عدم الفساد و عدم الافساد» انه لا يلزم (من) اسقاط الخيار الغرر اذ عدم الغرر لم يكن بسبب الخيار، حتى يكون اسقاط الخيار سببا للغرر.

ف (ان دفع الغرر عن هذا البيع) و هو بيع غير المرئى، اعتمادا على الوصف (ليس بالخيار حتى يثبت) الغرر (بارتفاعه) اى بارتفاع

ص: 384

فان الخيار حكم شرعى لو اثر فى دفع الغرر جاز بيع كل مجهول متزلزلا

و العلم بالمبيع لا يرتفع بالتزام عدم الفسخ عند تبين المخالفة فان الغرر هو الاقدام على شراء العين الغائبة على اى صفة كانت و لو كان الالتزام المذكور

______________________________

الخيار.

و انما لم يكن الخيار سببا لعدم الغرر (فان الخيار حكم شرعى) لا وصف للمبيع، و الرافع للغرر وصف المبيع لا الحكم الشرعى.

و (لو اثر) حكم الشرع بالخيار (فى دفع الغرر، جاز بيع كل مجهول) بيعا (متزلزلا) مع وضوح انه لا يجوز بيع المجهول بيعا متزلزلا.

(و) الحاصل ان صحة بيع غير المرئى كانت مستندة الى وصفه، و العلم بالمبيع الحاصل من الوصف سبب عدم الغرر، ف (العلم بالمبيع) غير المرئى المصحح لبيعه (لا يرتفع بالتزام) المشترى (عدم الفسخ عند تبين المخالفة) اى مخالفة الرؤية للوصف (فان الغرر هو الاقدام على شراء العين الغائبة على اى صفة كانت) تلك العين، و الحال ان مثل ذلك لا يكون فيما نحن فيه، اذ العين مشتراة بصفة ذكرها البائع.

و ان شئت قلت: ان العين الموصوفة ان كانت مجهولة لم يجز بيعها و ان كان خيار، لان الخيار لا يغلب الجهل علما بالعين، و ان لم تكن مجهولة جاز بيعها و ان لم يكن خيار: بان شرط سقوط خيار الرؤية عند العقد هذا هو جواب الحلّى عن المسألة.

ثم اجاب المصنف جوابا نقضيا بقوله: (و لو كان الالتزام المذكور)

ص: 385

مؤديا الى الغرر لكان اشتراط البراءة من العيوب أيضا مؤديا إليه، لانه بمنزلة بيع الشي ء صحيحا او معيبا باى عيب كان، و لا شك انه غرر.

و انما جاز بيع الشي ء غير مشروط بالصحة

______________________________

اى الالتزام بسقوط خيار الرؤية (مؤديا الى الغرر)- كما اشار إليه القول الاول و هو «الفساد و الافساد»- (لكان اشتراط البراءة من العيوب) فى المبيع المحتمل كونه معيبا (أيضا مؤديا إليه) اى الى الغرر (لانه) اى المبيع مع البراءة من العيوب (بمنزلة بيع الشي ء صحيحا او معيبا باى عيب كان)- فانه معنى البراءة من كل عيب- (و لا شك انه) اى بيع الشي ء صحيحا او معيبا باى عيب (غرر) فما تقولونه فى صحة بيع الشي ء بشرط البراءة من العيوب، فقولوا به فى صحة بيع غير المرئى بشرط سقوط الخيار.

(و) ان قلت: الفرق بين البراءة من العيوب، و بين سقوط خيار الرؤية، المستلزم للبراءة من الوصف هو ان ذكر الصحة غير لازم فى البيع و لذا يصح اسقاط الصحة، بالبراءة من العيب او ذكر الوصف لازم فى بيع غير المرئى، و لذا لا يصح اسقاط الوصف، باسقاط خيار الرؤية.

قلت: هذا الفرق غير تام، اذ ذكر الصحة أيضا لازم اما بنفسه او ببدله، و بدله هو الاعتماد على اصالة الصحة، اذا فذكر الصحة، لفظا او بدلا، لازم، و ذكر الوصف لازم أيضا و كما يصح اشتراط سقوط وصف الصحة فلا خيار للعيب، كذلك يصح اشتراط سقوط الوصف فلا خيار للرؤية ف (انما جاز بيع الشي ء غير مشروط بالصحة) فلا يلزم شرط الصحة فى

ص: 386

اعتمادا على اصالة الصحة، لا من جهة عدم اشتراط ملاحظة الصحة و العيب فى المبيع، لان تخالف افراد الصحيح و المعيب افحش من تخالف افراد الصحيح.

و اقتصارهم فى بيان الاوصاف المعتبرة فى بيع العين الغائبة

______________________________

العقد (اعتمادا على اصالة الصحة) القائمة مقام شرط الصحة (لا من جهة عدم اشتراط ملاحظة الصحة و العيب فى المبيع) مطلقا.

و انما يلزم ذكر الصحة لفظا، او اعتمادا على الاصل (لان) البيع بدون ذلك غرر.

فان (تخالف افراد الصحيح و المعيب افحش) و اكثر ايجابا للغرر (من تخالف افراد الصحيح) كما فى ما اشتراه بالوصف، فظهر بدون الوصف.

فتحصل ان شرط الوصف مثل شرط الصحة كلاهما يرفع الغرر فكما ان اشتراط سقوط الخيار- خيار العيب- فى شرط الصحة لا يوجب الغرر كذلك اشتراط سقوط الخيار- خيار الرؤية- فى وصف المبيع لا يوجب الغرر.

(و) ان قلت: اذا كانت الصحة اهم من سائر الاوصاف لما ذكرتم من ان تخالف افراد الصحيح و المعيب افحش من تخالف افراد الصحيح، فلما ذا تذكر الاوصاف فى العين الغائبة، و لا تذكر الصحة غالبا؟ و لم يشترط احد لزوم ذكر وصف الصحة عند تعدد الاوصاف فى بيع العين الغائبة.

قلت: (اقتصارهم فى بيان الاوصاف المعتبرة فى بيع العين الغائبة

ص: 387

على ما عدا الصفات الراجعة الى العيب انما هو للاستغناء عن تلك الاوصاف باصالة الصحة، لا لجواز اهمالها عند البيع.

فحينئذ فاذا شرط البراءة من العيوب، كان راجعا الى عدم الاعتداد بوجود تلك الاوصاف و عدمها، فيلزم الغرر خصوصا على ما حكاه فى الدروس عن ظاهر الشيخ و اتباعه من جواز اشتراط البراءة من العيوب فيما لا قيمة لمكسوره، كالبيض و الجوز

______________________________

على ما عدا الصفات الراجعة الى العيب) اى المقابلة للعيب.

مثلا: يقولون شاة سليمة، سمينة، ذكر، و لا يذكرون انها غير عوجاء و لا عمياء و لا مجدوعة (انما هو) الاقتصار و عدم ذكر الصحة (للاستغناء عن) ذكر (تلك الاوصاف) اى اوصاف الصحة (باصالة الصحة) المعتبرة عند العقلاء فى كل بيع لم ينصّ فيه على ان المبيع معيب (لا لجواز اهمالها) اى اهمال اوصاف الصحة (عند البيع).

(فحينئذ) اى حين كان وصف الصحة اهم من سائر الاوصاف، و انه يجب ذكره او الاعتماد على اصل الصحة (فاذا شرط البراءة من العيوب كان) هذا الشرط (راجعا الى عدم الاعتداد بوجود تلك الاوصاف) اى اوصاف الصحة «فان كل وصف فى مقابل نقص او مرض» (و عدمها، فيلزم الغرر) بل اشد الغرر احيانا (خصوصا) و هذا بيان لاشد الغرر (على ما حكاه فى الدروس عن ظاهر الشيخ و اتباعه من جواز اشتراط البراءة) اى براءة البائع- عند البيع- (من العيوب) حتى (فيما لا قيمة) لمعيبه و (لمكسوره) بان لا يستفيد المشترى منه شيئا (كالبيض و الجوز

ص: 388

الفاسدين كذلك حيث ان مرجعه على ما ذكروه هنا فى اشتراط سقوط خيار الرؤية الى اشتراط عدم الاعتداد بمالية المبيع.

و لذا

______________________________

الفاسدين) فانهما اذا كسرا لم يكن له نفع اصلا (كذلك) اى مكسورا مع ان اشتراط البراءة معناه ذهاب مال المشترى بلا بدل.

اقول: لعل نظر الشيخ الى ان البيض و الجوز الفاسدين لهما مالية، لان البيض يصلح للجمال و الجوز للّعب.

فمعنى قبول المشترى لاشتراط البراءة انه مقدم على اشتراء ما قيمته اقل مما يدفعه من الثمن «فى صورة كونهما فاسدين واقعا» فهو اقدم على ضرر نفسه باعطاء ثمن اكثر فى قبال متاع اقل قيمة.

و اذا كان هذا الشرط و هو شرط البراءة من العيب صحيحا، صح شرط تخلف الوصف فيما نحن فيه (حيث ان مرجعه) اى مرجع شرط البراءة من العيب (على ما ذكروه هنا فى اشتراط سقوط خيار الرؤية) فانهم قالوا: لا يصح اشتراط سقوط خيار الرؤية، لانه يوجب الغرر بكون الثمن اكثر من قيمة المبيع (الى اشتراط عدم الاعتداد بمالية المبيع).

و الحاصل: انه اذا كان شرط تخلف الوصف غير صحيح، كان شرط البراءة من العيب غير صحيح بطريق اولى، لان فى تخلف الوصف ضرر قليل و فى العيب خصوصا مثل فساد البيض و الجوز ضرر كثير، و احيانا يكون كله ضررا.

(و لذا) الّذي يوجب شرط البراءة فى مثل الجوز و البيض، عدم

ص: 389

اعترض عليهم- الشهيد و اتباعه- بفساد البيع مع هذا الشرط.

لكن مقتضى اعتراضهم فساد اشتراط البراءة من سائر العيوب و لو كان للمعيب قيمة، لان مرجعه الى عدم الاعتداد بكون المبيع صحيحا و معيبا باىّ عيب.

و الغرر فيه افحش من البيع، مع عدم الاعتداد بكون المبيع الغائب متصفا باىّ وصف كان.

______________________________

الاعتداد بمالية المبيع (اعترض عليهم) اى على الشيخ و اتباعه و هم (- الشهيد و اتباعه- بفساد البيع مع هذا الشرط) اى شرط البراءة فى الجوز و البيض، لانه لا مالية له فى قبال الثمن، فلا يتحقق بيع اصلا

(لكن مقتضى اعتراضهم) اى اعتراض الشهيد و اتباعه (فساد اشتراط البراءة من سائر العيوب) لا فى خصوص البيض و الجوز (و لو كان للمعيب قيمة).

و انما كان مقتضى اعتراضهم ذلك (لان مرجعه) اى مرجع اشتراط البراءة (الى عدم الاعتداد بكون المبيع صحيحا، و معيبا باىّ عيب) كان (و) من المعلوم ان (الغرر فيه) اى فى شرط البراءة (افحش من البيع، مع عدم الاعتداد بكون المبيع الغائب متصفا باىّ وصف كان).

فكيف يجوز شرط البراءة- حتى فيما لمعيبه قيمة، كما تسالم عليه الشهيد و اتباعه، بل ما ذكره الشيخ و اتباعه- و لا يجوز شرط سقوط خيار تخلف الوصف.

اقول: لا يخفى ان فى عبارة المصنف لفّا و تكرارا، و لعل الاضطراب

ص: 390

ثم انه قد يثبت فساد هذا الشرط لا من جهة لزوم الغرر فى البيع حتى يلزم فساد البيع، و لو على القول بعدم استلزام فساد الشرط لفساد العقد، بل من جهة انه اسقاط لما لم يتحقق، بناء على ما عرفت من ان الخيار انما يتحقق بالرؤية، فلا يجوز اسقاطه قبلها.

فاشتراط الاسقاط لغو، و فساده

______________________________

واقع فى نسختى.

(ثم) ان المصنف ذكر فى أوّل المسألة اقوالا ثلاثة، و قد ذكر وجهى «الفساد و الافساد» و «الصحة بدون فساد و لا افساد».

و الآن يريد بيان الوجه الثالث و هو «فساد الشرط- شرط البراءة من الوصف- دون افساده العقد».

ف (انه قد يثبت فساد هذا الشرط) اى شرط سقوط خيار تخلف الوصف (لا من جهة لزوم الغرر فى البيع حتى يلزم فساد البيع) أيضا، فانه لو كان غررا فسد البيع (و لو على القول بعدم استلزام فساد الشرط لفساد العقد) لانه لو كان غررا لفسد، لا من ناحية ان الشرط الفاسد مفسد، بل لان الغرر- مهما كان سببه- يكون مفسدا.

فبطلان الشرط ليس من هذه الجهة (بل من جهة انه اسقاط لما لم يتحقق، بناء على ما عرفت) سابقا (من ان الخيار انما يتحقق بالرؤية فلا يجوز) اى لا يصح (اسقاطه) اى اسقاط الخيار (قبلها) اى قبل الرؤية فهو مثل اسقاط خيار الغبن قبل البيع مثلا حيث ان هذا الاسقاط لا يؤثر (فاشتراط الاسقاط) لخيار الرؤية قبل الرؤية (لغو، و فساده) اى

ص: 391

من هذه الجهة لا يؤثر فى فساد العقد، فيتعين المصير الى ثالث الاقوال المتقدمة.

لكن الانصاف ضعف وجه هذا القول.

و اقوى الاقوال اوّلها، لان دفع الغرر عن هذه المعاملة و ان لم يكن لثبوت الخيار لان الخيار حكم شرعى، لا دخل له فى الغرر العرفى

______________________________

فساد الشرط (من هذه الجهة) اى من جهة انه اسقاط لما لم يجب، و انه لغو (لا يؤثر فى فساد العقد) اذ لا علاقة بين الامرين.

و على هذا (فيتعين المصير الى ثالث الاقوال المتقدمة) و هو «فساد الشرط دون فساد العقد».

(لكن الانصاف ضعف وجه هذا القول) لان اسقاط الخيار ليس اسقاطا لما لم يجب، فان العقد سبب، اما كاملا او فى الجملة.

و فى كلا الحالين يصح اشتراط سقوط الخيار فى ضمنه، فلا يبقى الا احد القولين من الفساد و الافساد، او الصحة عقدا و شرطا.

(و اقوى الاقوال) لدى المصنف (اولها) و هو «الفساد و الافساد» (لان دفع الغرر عن هذه المعاملة) انما هو بالاوصاف لوضوح انه لو لا الاوصاف كانت المعاملة غررية.

فاشتراط سقوط الخيار الّذي معناه عدم الالتزام بالاوصاف يعيد الغرر الى المعاملة فرفع الغرر (و ان لم يكن لثبوت الخيار)- اذ الخيار لا يرفع الغرر- (لان الخيار حكم شرعى، لا دخل له فى الغرر العرفى).

فان الغرر عرفا- ان كان- فهو حاصل، و ان كان خيار.

ص: 392

المتحقق فى البيع، الا انه لاجل سبب الخيار، و هو اشتراط تلك الاوصاف المنحل الى ارتباط الالتزام العقدى بوجود هذه الصفات لانها اما شروط للبيع، و اما قيود للمبيع كما تقدم سابقا و اشتراط سقوط الخيار راجع الى الالتزام بالعقد على تقديرى وجود تلك الصفات و عدمها و التنافى بين الامرين واضح.

______________________________

و ان لم يكن فليس بحاصل، و ان لم يكن خيار (المتحقق) ذلك الغرر (فى البيع، الا انه) اى دفع الغرر (لاجل سبب الخيار، و) علته سبب الخيار الّذي (هو اشتراط تلك الاوصاف) فى المبيع (المنحل) ذلك الاشتراط (الى ارتباط الالتزام العقدى بوجود هذه الصفات).

فان معنى اشتراط الاوصاف فى البيع: ان المشترط ملتزم بالعقد الّذي فيه هذه الاوصاف.

و انما كان ارتباط بين الالتزام العقدى، و بين هذه الصفات (لانها اما شروط للبيع) فالبيع لا يكون الا مقيدا بهذه الصفات (و اما قيود للمبيع) اى ان المبيع الّذي له هذه الصفات هو الشي ء الواقع عليه العقد (كما تقدم سابقا) من الربط بين الالتزام العقدى، و بين هذه الصفات.

اذا فدفع الغرر منوط باشتراط هذه الصفات (و اشتراط سقوط الخيار راجع الى الالتزام بالعقد على تقديرى وجود تلك الصفات و عدمها) فكانه قال: انى لا التزم بالصفات (و التنافى بين الامرين) و هما:

اشتراط الاوصاف و: اشتراط سقوط الخيار (واضح).

فشرط السقوط للخيار معناه اسقاط اشتراط الاوصاف و سقوط الاوصاف

ص: 393

و اما قياس هذا الاشتراط باشتراط البراءة فيدفعه الفرق بينهما بان نفى العيوب ليس مأخوذا فى البيع على وجه الاشتراط او التقييد، و انما اعتمد المشترى فيهما على اصالة الصحة، لا على تعهد البائع

______________________________

يوجب الغرر، و اذا جاء الغرر بطل العقد.

اذا فهذا الشرط فاسد فى نفسه و مفسد للعقد.

اقول: قد تعرض غير واحد من المعلقين لردّ كلام المصنف و تقوية ان هذا الشرط ليس بفاسد و لا مفسد فراجع كلماتهم.

(و) ان قلت: اذا كان هذا الشرط فاسدا مفسدا، فلما ذا يكون شرط البراءة من العيوب صحيحا، مع ان شرط البراءة من العيوب كشرط اسقاط خيار الرؤية، و كلاهما يوجب الغرر فى البيع.

قلت: (اما قياس هذا الاشتراط) اى اشتراط سقوط خيار الرؤية (باشتراط البراءة) كما تقدم بيان هذا القياس (فيدفعه الفرق بينهما بان) البائع لم يتعهد نفى العيوب حتى ينافى ذلك براءته من العيوب و فى المقام البائع تعهد الاوصاف فينافى ذلك اشتراط البراءة اى نفى تعهد الاوصاف.

فان (نفى العيوب ليس مأخوذا فى البيع على وجه الاشتراط، او التقييد) فلم يقل: بعتك بشرط ان لا يكون معيبا، و كذا لم يقل: بعتك هذا المبيع مقيدا بان لا يكون معيبا (و انما اعتمد المشترى فيهما) اى فى الاشتراط او التقييد (على اصالة الصحة) اذ الاصل فى كل شي ء ان يكون صحيحا (لا على تعهد البائع

ص: 394

لانتفائها حتى ينافى ذلك اشتراط براءة البائع عن عهدة انتفائها بخلاف الصفات فيما نحن فيه فان البائع يتعهد لوجودها فى المبيع، و المشترى يعتمد على هذا التعهد، فاشتراط البائع على المشترى عدم تعهده لها، و التزام العقد عليه بدونها ظاهر المنافات لذلك.

نعم

______________________________

لانتفائها) فلم يتعهد البائع بانتفاء العيوب (حتى ينافى ذلك) اى ينافى تعهده انتفاء العيوب (اشتراط براءة البائع عن عهدة انتفائها) فيقع البائع فى امرين متنافيين.

اذا فنفى شرط البراءة من العيوب، تعهد واحد من البائع (بخلاف الصفات فيما نحن فيه) اى فى البيع بخيار الرؤية (فان البائع يتعهد لوجودها) اى لوجود تلك الصفات (فى المبيع، و المشترى يعتمد على هذا التعهد) و هذا التعهد قائم مقام الرؤية (فاشتراط البائع على المشترى عدم تعهده لها).

فان معنى البراءة من مخالفة الصفات باسقاط الخيار، معناه عدم تعهد البائع بالصفات (و التزام) البائع (العقد عليه) اى على المبيع (بدونها) اى بدون تلك الصفات (ظاهر المنافات لذلك) التوصيف.

فبالوصف قال البائع: انى ملتزم بالمبيع ذى الصفات.

و بالبراءة قال البائع: انى لست ملتزما بالمبيع ذى الصفات.

(نعم) لو كان اعتماد المشترى فى وجود الصفات على ما رآه سابقا- لا على التزام البائع- فشرط البائع البراءة، كاشتراط البائع البراءة، من

ص: 395

لو شاهده المشترى و اشتراه معتمدا على اصالة بقاء تلك الصفات فاشترط البائع لزوم العقد عليه و عدم الفسخ، لو ظهرت المخالفة، كان نظير اشتراط البراءة من العيوب كما انه لو اخبر بكيله او وزنه، فصدقه المشترى فاشترط عدم الخيار، لو ظهر النقص، كان مثل ما نحن فيه.

______________________________

العيب، و لم تكن هناك منافات.

ف (لو شاهده المشترى) سابقا (و اشتراه معتمدا على اصالة بقاء تلك الصفات) بدون التزام البائع للصفات (فاشترط البائع) براءته من الخيار اذا ظهرت الصفات مخالفة ب (لزوم العقد عليه) اى على المشترى (و عدم) حق للمشترى فى (الفسخ، لو ظهرت المخالفة) للصفات (كان نظير اشتراط البراءة من العيوب) فان هذا الشرط غير ضارّ حينئذ، اذ لا منافات بين مشاهدة المشترى للصفات و بين اشتراط البائع البراءة من الصفات.

اذا فالبيع اعتمادا على مشاهدة الصفات لا يضره شرط البراءة، و البيع اعتمادا على اخبار البائع بالصفات يضره شرط البراءة.

و كذلك: البيع اعتمادا على اخبار البائع بالوزن يضره شرط عدم الخيار للمشترى لو ظهر النقص، و البيع اعتمادا على معرفة المشترى بالوزن لا يضرّه شرط عدم الخيار للمشترى لو ظهر النقص (كما انه لو اخبر) البائع (بكيله او وزنه، فصدقه المشترى) فى باب المكيل و الموزون (فاشترط) البائع (عدم الخيار، لو ظهر النقص، كان مثل ما نحن فيه) فى الفساد و الافساد، لان الشرط ينافى الاخبار، مثل ما نحن فيه مما كان

ص: 396

كما يظهر من التحرير فى بعض فروع الاخبار بالكيل.

و الضابط فى ذلك: ان كل وصف تعهده البائع و كان رفع الغرر بذلك لم يجز اشتراط سقوط خيار فقده، و كل وصف اعتمد المشترى فى رفع الغرر على أمارة اخرى جاز اشتراط سقوط خيار فقده، كالاصل، او غلبة مساوات باطن الصبرة لظاهرها

______________________________

شرط البراءة ينافى الوصف (كما يظهر) التنافى بين الاخبار بالكيل، و شرط عدم الخيار، لو ظهر النقص (من التحرير فى بعض فروع الاخبار بالكيل) و الوزن.

(و الضابط فى ذلك) فى ان البراءة تكون فاسدة و مفسدة او تكون صحيحة لا فاسدة و لا مفسدة (ان كل وصف تعهده البائع) صفة او صحة او كيلا او وزنا (و كان رفع الغرر بذلك) الوصف (لم يجز) اى لم يصح، و يوجب فساد او افسادا (اشتراط سقوط خيار فقده) اى الخيار الناشئ من عدم ذلك الوصف (و كل وصف اعتمد المشترى فى رفع الغرر) الغرر الناشئ من عدم ذلك الوصف (على أمارة اخرى) من رؤية سابقة، او علم شخص بذلك الوصف (جاز اشتراط سقوط خيار فقده).

و قد تقدم السبب فى هذا الضابط و انه ان اوجب التنافى، فسد و افسد، و ان لم يوجب صح الشرط و صح العقد.

ثم مثل المصنف بما اعتمد المشترى عليه من أمارة اخرى، لا تعهد البائع (كالاصل) اى اصالة السلامة من العيب، فاشترط البائع البراءة من العيب (او غلبة مساوات باطن الصبرة لظاهرها) تلك الغلبة الموجبة

ص: 397

او نحو ذلك.

و مما ذكرنا ظهر وجه فرق الشهيد و غيره فى المنع و الجواز بين اشتراط البراءة من الصفات المأخوذة فى بيع العين الغائبة، و بين اشتراط البراءة من العيوب فى العين المشكوك فى صحته و فساده.

و ظهر أيضا انه لو تيقن المشترى بوجود الصفات المذكورة فى العقد فى المبيع، فالظاهر جواز اشتراط

______________________________

للظن العقلائى الموجب للاقدام و ان اسقط البائع الخيار، اذا ظهر للمشترى لكل الصبرة ان باطنها أردأ من ظاهرها (او نحو ذلك).

كما اذا علم المشترى بالوصف من رؤيته له سابقا، فاشترط البائع سقوط خياره ان ظهر خلاف ما رآه.

(و مما ذكرنا) من الفرق بين وصف البائع، فلا يصح الشرط، و بين اعتماد المشترى على شي ء آخر فيصح الشرط (ظهر وجه فرق الشهيد و غيره) من الأعلام (فى المنع) مكانا (و الجواز) مكانا آخر (بين اشتراط البراءة من الصفات المأخوذة فى بيع العين الغائبة) حيث منعوا هذا الشرط (و بين اشتراط البراءة من العيوب فى العين المشكوك فى صحته و فساده) حيث اجازوا مثل هذا الشرط.

و وجه الفرق ما تقدم من ان الشرط فى الاول يوجب التنافى، و الشرط فى الثانى لا يوجب التنافى.

(و) كذلك (ظهر أيضا انه لو تيقن المشترى بوجود الصفات المذكورة فى العقد) بان علم وجودها (فى المبيع، فالظاهر جواز اشتراط) البائع

ص: 398

عدم الخيار على تقدير فقدها لان رفع الغرر ليس بالتزام تلك الصفات بل لعلمه بها.

و كذا لو اطمئن بوجودها و لم يتيقن.

و الضابط كون اندفاع الغرر باشتراط الصفات و تعهدها من البائع و عدمه هذا

______________________________

(عدم الخيار) للمشترى (على تقدير فقدها) اى فقد تلك الصفات.

و انما جاز شرط عدم الخيار (لان رفع الغرر ليس ب) سبب (التزام) البائع (تلك الصفات) حتى يكون التزام البائع، و عدم التزامه الناشئ ذلك من اسقاط الخيار متنافيان (بل لعلمه) اى علم المشترى (بها) اى بتلك الصفات.

و من المعلوم: ان علم المشترى بالصفات لا ينافى التزام البائع بعدم الخيار.

(و كذا لو اطمئن) المشترى (بوجودها) اى بوجود تلك الصفات (و لم يتيقن) فان الاطمينان اقل مرتبة من العلم، فان اطمينان المشترى بوجود الصفات لا ينافى اشتراط البائع عدم الخيار، لو فقدت تلك الصفات.

(و) كيف كان، ف (الضابط) فى المنع عن الشرط، و جوازه (كون اندفاع الغرر باشتراط) البائع (الصفات و تعهدها من البائع) على نفسه، فلا يصح اشتراط اسقاط الخيار (و عدمه) اى عدم تعهد البائع للصفات، فيصح اشتراط عدم الخيار، لما عرفت من عدم التنافى (هذا) تمام الجواب عن اشكال انه كيف لا يجوز اشتراط سقوط الخيار مع وصف

ص: 399

مع امكان التزام فساد اشتراط عدم الخيار على تقدير فقد الصفات المعتبر علمها فى البيع، خرج اشتراط التبرى من العيوب بالنص و الاجماع لان قاعدة نفى الغرر قابلة للتخصيص، كما اشرنا إليه سابقا.

و ظهر أيضا ضعف ما يقال من ان الاقوى فى محل الكلام

______________________________

البائع مع جواز اشتراط سقوط الخيار فى ما لو ظهر المبيع على خلاف وصف الصحة (مع امكان) ان نذكر جوابا آخر، و هو: انه لا يجوز اشتراط سقوط الخيار مطلقا، اى خيار يوجب الغرر، سواء تعهد البائع بذلك الوصف، او علم به المشترى من الرؤية، او غيرهما الا انه استثنى من هذه الكلية اسقاط خيار العيب و الاستثناء انما هو بالدليل الخاص.

و ذلك ب (التزام فساد اشتراط) البائع (عدم الخيار) للمشترى (على تقدير فقد الصفات المعتبر علمها) اى العلم بتلك الصفات (فى البيع).

و ذلك لان شرط عدم الخيار يوجب الغرر مطلقا (خرج) من هذه الكلية (اشتراط) البائع (التبرى من العيوب) خروجا (بالنص و الاجماع) فانه يجوز هذا الشرط.

ان قلت: كيف خرج هذا الشرط فجاز مع انه يوجب الغرر.

قلت: (لان قاعدة نفى الغرر قابلة للتخصيص، كما اشرنا إليه سابقا) فان القاعدة ليست عقلية، حتى يقال: انها لا تقبل التخصيص.

(و ظهر أيضا) بما ذكرناه من ان نفس الخيار ليس مجديا فى دفع الغرر، بل المجدى التزام البائع وجود الوصف (ضعف ما يقال) و القائل هو صاحب الجواهر (من ان الاقوى فى محل الكلام) اشتراط سقوط

ص: 400

الصحة لصدق تعلق البيع بمعلوم غير مجهول.

و لو ان الغرر ثابت فى البيع نفسه لم يجد فى الصحة ثبوت الخيار و الا لصح ما فيه الغرر من البيع مع اشتراط الخيار، و هو معلوم العدم و

______________________________

خيار الرؤية ب (الصحة) لان الاشكال فى تعلق البيع بالمجهول، و لان المشترى لا يعلم هل هو واجد للصفات، أم لا؟ و هذا الاشكال غير تام (لصدق تعلق البيع بمعلوم غير مجهول) فان اسقاط الخيار لا يوجب جهالة البيع.

و المبيع- عند ذكر الصفة- ان كان معلوما لم يضره اسقاط الخيار و ان كان مجهولا لم ينفعه ثبوت الخيار لان الخيار لا يحول المجهول معلوما.

(و) ذلك لانه (لو ان الغرر ثابت فى البيع نفسه لم يجد فى الصحة) اى صحة البيع (ثبوت الخيار) لما ذكرنا من ان الغرر لا يرتفع بالخيار (و الا) فان كان الخيار يرفع الغرر (لصح ما فيه الغرر من البيع) كالبيع المجهول المطلق (مع اشتراط الخيار، و) الحال ان هذا (هو معلوم العدم) اذ يصدق الغرر المنهى عنه فى قوله: نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم، عن بيع الغرر، و قوله نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم، عن الغرر.

(و) ان قلت: اذا اقدم انسان على ضرر نفسه لم يكن بذلك بأس اذا لم يكن ضررا زائدا ممنوعا شرعا، و لذا جاز ان يقدم على اشتراء الشي ء

ص: 401

اقدامه على الرضا بالبيع المشترط فيه السقوط مع عدم الاطمينان بالوصف ادخال الغرر عليه من قبل نفسه، انتهى.

توضيح الضعف ان المجدى فى الصحة ما هو سبب الخيار، و هو التزام البائع وجود

______________________________

بازيد من ثمنه، و ان يقدم على شراء ما يحتمل العيب باسقاط خيار العيب

قلت: هذا انما يصح اذا لم ينه الشارع عنه، و لذا لا يصح الاقدام على بيع المجهول، و فى ما نحن فيه اذا قلنا بان البيع غررى لا يصح اقدامه و ان كان خيار، لان الشارع نهى عن بيع الغرر، ف (اقدامه) اى اقدام المشترى (على الرضا بالبيع) لغير المرئى (المشترط فيه) اى فى ذلك البيع (السقوط) لخيار الرؤية (مع عدم الاطمينان بالوصف) الّذي ذكره البائع حين البيع (ادخال الغرر عليه من قبل نفسه) هذا غاية ما يقال فى تفسير قوله: و اقدامه ..

لكن الظاهر: ان مراد الجواهر: ان الضرر القليل الوارد على المشترى غير ضار، بعد ان اقدم هو على ضرر نفسه.

و انما فسرنا كلامه: ادخال الغرر، بالضرر القليل حتى لا ينافى مع قوله قبلا: «لصدق تعلق البيع بمعلوم غير مجهول» فتأمل (انتهى) كلام الجواهر.

(توضيح الضعف) الّذي ظهر من كلامنا السابق، على كلام الجواهر أولا (ان المجدى) و المفيد (فى الصحة) اى صحة بيع غير المرئى (ما هو سبب الخيار) اى ما كان عدمه سببا للخيار (و هو التزام البائع وجود

ص: 402

الوصف، لا نفس الخيار.

و اما كون الاقدام من قبل نفسه فلا يوجب الرخصة فى البيع الغررى و المسألة موضع اشكال.

______________________________

الوصف، لا) ان المجدى (نفس الخيار) لانه قد تقدم ان الخيار لا يرفع الغرر، و الا لجاز بيع كل مجهول بشرط الخيار، مع انه ليس بصحيح.

اذا فالمجدى التزام البائع، بينما الظاهر عن كلام الجواهر ان المجدى نفس الخيار، حيث قال «لم يجد فى الصحة ثبوت الخيار».

و ثانيا: ان قول الجواهر «ادخال الغرر عليه من قبل نفسه» ظاهر فى ان الغرر اذا كان من قبل نفسه لم يضر، بينما الغرر ضار مطلقا سواء كان من قبل نفسه، أم لا.

و إليه اشار بقوله: (و اما كون الاقدام من قبل نفسه) فلا يضر- كما ذكره الجواهر- (ف) فيه انه غير تام.

اذ: الاقدام على الغرر (لا يوجب الرخصة فى البيع الغررى) لان الشارع منع عنه كما تقدم.

(و) كيف كان، ف (المسألة) اى مسألة اشتراط البائع سقوط خيار الرؤية (موضع اشكال) و الله العالم بحقيقة الحال.

ص: 403

قريبا جدا سيصدر الجزء الثالث عشر من الموسوعة الضخمة (ايصال الطالب الى المكاسب) عن قريب ان شاء الله تعالى.

الناشر

ص: 404

محتويات الكتاب

الموضوع الصفحة مقدمة الشارح 2

فى عدم اختصاص خيار الشرط بالبيع فقط 3

الرابع: خيار الغبن 32

فى شرائط خيار الغبن 64

فى ان ظهور الغبن هل هو شرط شرعى او كاشف عقلى 102

فى مسقطات خيار الغبن 113

فى اسقاطه بعد العقد 113

فى اسقاطه فى متن العقد 124

فى ان تصرف المغبون مسقط لخيار الغبن 130

فى ثبوت خيار الغبن فى كل معاوضة مالية 198

فى كون خيار الغبن على الفور او التراخى 209

الخامس: خيار التأخير 250

فى شروط خيار التأخير 257

فى مسقطات خيار التأخير 303

فى اسقاطه بعد الثلاثة 303

فى اشتراط سقوطه فى متن العقد 304

ص: 405

فى ان بذل المشترى للثمن بعد الثلاثة مسقط 305

فى ان اخذ الثمن من المشترى مسقط 308

فى كون خيار التأخير على الفور او التراخى 314

فى ان تلف المبيع بعد الثلاثة من البائع 317

فى ما لو اشترى ما يفسد من يومه 327

السادس: خيار الرؤية 338

فى مورد خيار الرؤية 346

فى ان خيار الرؤية فورى 379

فى مسقطات خيار الرؤية 381

محتويات الكتاب 407

ص: 406

المجلد 13

هویة الکتاب

سرشناسه : حسيني شيرازي، محمد، 1380 - 1305، شارح

عنوان و نام پديدآور : ايصال الطالب الي المكاسب: شرح واف بغرض الكتاب، تيعرض لحل مشكلاته و ابداآ مقاصد في ايجاز و توضيح/ محمد الحسيني الشيرازي

مشخصات نشر : تهران : موسسه كتابسراي اعلمي ، 1385.

مشخصات ظاهري : ج 16

شابك : 964-94017-6-8(دوره): ؛ 964-7860-59-5(ج. 1): ؛ 964-7860-58-7(ج. 2): ؛ 964-7860-57-9(ج. 3): ؛ 964-7860-56-0(ج. 4): ؛ 964-7860-54-4(ج. 6): ؛ 964-7860-53-6(ج. 7): ؛ 964-7860-55-2(ج. 8): ؛ 964-7860-52-8(ج. 9): ؛ 964-7860-51-X(ج. 10): ؛ 964-7860-50-1(ج. 11): ؛ 964-7860-49-8(ج. 12): ؛ 964-7860-45-X(ج. 13): ؛ 964-7860-47-1(ج. 15):

يادداشت : عربي

يادداشت : فهرست نويسي براساس اطلاعات فيپا

يادداشت : كتاب حاضر شرحي بر "المكاسب مرتضي بن محمد امين انصاري" است

عنوان ديگر : المكاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1281 - 1214ق. المكاسب -- نقد و تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

شناسه افزوده : انصاري، مرتضي بن محمدامين ، 1281 - 1214ق. المكاسب. شرح

رده بندي كنگره : BP190/1/الف8م702133 1385

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : م 85-16816

ص: 1

اشارة

ص: 2

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين و صلى اللّه على محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه على اعدائهم اجمعين من الآن الى يوم الدين.

و بعد: فهذا هو القسم الثالث من كتاب الخيارات و الجزء الثالث عشر من اجزاء كتابنا (ايصال الطالب الى المكاسب) للشيخ الفذّ آية اللّه الانصارى قدس سره.

و يشرع في مسئلة عدم سقوط خيارا لرؤية ببذل التفاوت و ابدال العين كتبته تسهيلا للطالب الكريم عسى ان انتفع به فى يوم لا ينفع فيه مٰالٌ وَ لٰا بَنُونَ إِلّٰا مَنْ أَتَى اللّٰهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.

كربلاء المقدسة محمد بن المهدى الحسينى الشيرازى

ص: 3

[تتمة القول في الخيار]

[تتمة أقسام الخيارات]

[تتمة السادس خيار الرؤية]
مسئلة لا يسقط هذا الخيار ببذل التفاوت و لا بابدال العين،

لان العقد انما وقع على الشخصى، فتملك غيره يحتاج الى معاوضة جديدة.

و لو شرط في متن العقد الابدال لو ظهر على خلاف الوصف ففى الدروس: ان الاقرب الفساد.

______________________________

(مسألة: لا يسقط هذا الخيار) اى خيار الرؤية (ببذل التفاوت) بين العين الموصوفة و العين المشتملة، اذا كان بينهما تفاوت، و ذلك لاصالة عدم السقوط، و ان كان الظاهر ان للمشترى ان يتصالح عن حقه في الخيار بأخذ شي ء، و أن لم يكن بين العينين تفاوت (و لا بابدال العين) بعين اخرى متصفة بالصفات المذكورة في العقد (لان العقد انما وقع على) الشي ء (الشخصى، فتملك غيره يحتاج الى معاوضة جديدة).

نعم لهما ان يتراضيا بالابدال، فكانه اسقط المشترى خياره فى قبال ان يبدله البائع بعين اخرى.

(و لو شرط في متن العقد الابدال لو ظهر على خلاف الوصف ففى الدروس: ان الاقرب الفساد) و ان كان الظاهر الصحة، لانه من قبيل شرط معاملة اخرى في ضمن معاملة، فان هذا البيع صحيح، لكن اللازم على البائع اخذ العين الفاقدة للاوصاف، و اعطاء عين اخرى واجدة للاوصاف بمعاملة جديدة، و لا يلزم ان تكون المعاملة الجديدة بيعا او غيره من العناوين الواردة في الادلة بالخصوص، بل يكفى صدق

ص: 4

و لعله لان البدل المستحق عليه بمقتضى الشرط، ان كان بإزاء الثمن، فمرجعه الى معاوضة جديدة على تقدير ظهور المخالفة بان ينفسخ البيع بنفسه عند المخالفة و ينعقد بيع آخر فيحصل بالشرط انفساخ عقد و انعقاد عقد آخر، كل منهما معلق على المخالفة.

و من المعلوم عدم نهوض الشرط لا ثبات ذلك و ان كان بإزاء المبيع الّذي

______________________________

العقد و التجارة عليه، ليدخل في آية الوفاء بالعقد، و تجارة عن تراض.

(و) اما ما ذكره الشهيد، ف (لعله لان البدل المستحق عليه) اى على البائع (بمقتضى الشرط، ان كان) ذلك البدل (بإزاء الثمن ف) حيث ان الثمن لا يكون بإزاء مثمنين، يكون (مرجعه) اى مرجع كونه بإزاء الثمن (الى معاوضة جديدة على تقدير ظهور المخالفة) فى الوصف، و لا يكون الثمن بإزاء البدل الا (بان ينفسخ البيع بنفسه عند المخالفة) فى الوصف (و ينعقد بيع آخر).

و على هذا (فيحصل بالشرط انفساخ عقد) سابق (و انعقاد عقد آخر) جديد ف (كل منهما) اى العقد السابق انفساخا، و العقد الجديد انعقادا (معلق على المخالفة) في الوصف.

(و من المعلوم عدم نهوض الشرط لاثبات ذلك) فان الشرط لا يبطل عقدا، و لا يثبت عقدا، لكن ربما يقال بانه: لا بأس بذلك ما لم يدل دليل على لزوم سبب خاص في التمليك و التملك، فليس الملك بحاجة الى لفظ خاص، مثل: النكاح، و الطلاق (و ان كان) البدل المستحق عليه (بإزاء المبيع الّذي

ص: 5

ظهر على خلاف الوصف.

فمرجعه أيضا الى انعقاد معاوضة تعليقية غروية، لان المفروض جهالة المبدل.

و على اى تقدير فالظاهر عدم مشروعية الشرط المذكور، فيفسد و يفسد العقد.

و بذلك ظهر ضعف ما في الحدائق من الاعتراض على الشهيد ره حيث قال:- بعد نقل عبارة الدروس، و حكمه بالفساد- ما

______________________________

ظهر على خلاف الوصف) بان يكون الشرط نافعا للزوم بدل الفاقد للوصف بالواجد له.

(فمرجعه أيضا الى انعقاد معاوضة تعليقية) معلقة تلك المعاوضة على فقدان العين للوصف (غررية).

و انما كانت غررية (لان المفروض جهالة المبدل) الّذي يعطيه البائع بدل ما اعطاه أولا مما كان فاقدا للوصف.

و فيه انه ليست غررية، اذ الموصوف لا يوجب الغرر.

(و على اى تقدير) من التقديرين (فالظاهر عدم مشروعية الشرط المذكور، فيفسد) الشرط (و يفسد العقد) لان الشرط الفاسد مفسد.

و فيه انه على تقدير فساده، لا دليل على انه مفسد.

(و بذلك) الّذي ذكره المصنف في وجه كلام الشهيد (ظهر ضعف ما في الحدائق من الاعتراض على الشهيد ره حيث قال) الحدائق (- بعد نقل عبارة الدروس، و) نقل (حكمه بالفساد-) لهذا الشرط (ما

ص: 6

لفظه: ظاهر كلامه ان الحكم بالفساد اعم من ان يظهر على الوصف أو لا، و فيه انه لا موجب للفساد مع ظهوره على الوصف المشروط.

و مجرد شرط البائع الابدال مع عدم الظهور على الوصف لا يصلح سببا للفساد، لعموم الاخبار المتقدمة.

نعم لو ظهر مخالفا فانه يكون فاسدا من حيث المخالفة، و لا يجبره

______________________________

لفظه: ظاهر كلامه) اى كلام الدروس (ان الحكم بالفساد اعم من ان يظهر) المبيع (على الوصف) المقرر (أو لا، و فيه انه لا موجب للفساد مع ظهوره على الوصف المشروط).

اذ لا وجه للفساد بعد شمول ادلة الوفاء بالعقد، و التجارة عن تراض له، و لا دليل على ان مثل هذا الشرط مفسد.

(و) ذلك لوضوح ان (مجرد شرط البائع الابدال مع عدم الظهور) اى ظهور المبيع (على الوصف) المقرر (لا يصلح سببا للفساد، لعموم الاخبار المتقدمة) فان اخبار خيار الرؤية تدل بمفهومها على ان المبيع لو كان موصوفا بالوصف الّذي ذكراه، كان البيع ثابتا، و لازما.

و هذا بالإضافة الى عمومات حل: البيع، و: تجارة عن تراض.

و كان المصنف عند اشكاله على الحدائق يرى الفساد في صورة عدم المخالفة أيضا، لان الشرط فاسد على ما ذكره، و الشرط الفاسد مفسد، و فيه ما لا يخفى.

(نعم لو ظهر) المبيع (مخالفا) فى الوصف (فانه) اى البيع (يكون فاسدا من حيث المخالفة) لمخالفة المعقود عليه مع المتسلم (و لا يجبره)

ص: 7

هذا الشرط، لاطلاق الاخبار.

و الاظهر رجوع الحكم بالفساد في العبارة الى الشرط المذكور حيث لا تأثير له مع الظهور، و عدمه.

و بالجملة فانى لا اعرف للحكم بفساد العقد في الصورة المذكورة على الاطلاق وجها يحمل عليه، انتهى.

______________________________

اى لا يجبر الفساد الآتى من ناحية المخالفة (هذا الشرط، لاطلاق الاخبار) الدالة على ان الشرط المخالف للكتاب و السنة يوجب الفساد، فاذا فسد الشرط افسد أيضا.

(و الا ظهر رجوع الحكم بالفساد في العبارة) المتقدمة عن الشهيد (الى الشرط المذكور) يعنى ان مراد الشهيد هو ان الشرط فاسد، لا ان مراده ان البيع فاسد (حيث لا تأثير له) اى للشرط (مع الظهور) اى ظهور المخالفة لما عرفت من بطلان البيع فلا تأثير للشرط (و عدمه) اى عدم ظهور المخالفة، لان البيع حينئذ صحيح- كما عرفت- و لا تأثير لهذا الشرط

(و بالجملة فانى لا اعرف للحكم بفساد العقد في الصورة المذكورة). و هي صورة اشتراط الابدال لدى المخالفة (على الاطلاق) اى انه فاسد مطلقا حتى في صورة عدم ظهور المخالفة (وجها يحمل) كلام الشهيد «ره» (عليه، انتهى).

اذ قد عرفت ان الشرط لا يضر اذا لم تظهر المخالفة و الله العالم.

ص: 8

مسئلة الظاهر ثبوت خيار الرؤية في كل عقد واقع على عين شخصية موصوفة كالصلح، و الاجارة،

لانه لو لم يحكم بالخيار مع تبين المخالفة، فاما ان يحكم ببطلان العقد لما تقدم عن الاردبيلى في بطلان بيع العين الغائبة

و اما ان يحكم بلزومه من دون خيار، و الاول مخالف لطريقه الفقهاء فى تخلف الاوصاف المشروطة في المعقود عليه.

______________________________

(مسألة: الظاهر ثبوت خيار الرؤية في كل عقد واقع على عين شخصية موصوفة) فظهرت خلاف الوصف (كالصلح، و الاجارة) و الهبة المشروطة و المعوضة، و غيرها.

و انما نحكم بالخيار (لانه لو لم يحكم بالخيار) دار الامر بين البطلان و بين الصحة بدون خيار.

و الاول: خلاف ادلة: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

و الثانى: خلاف دليل: لا ضرر، بالإضافة الى المناط في باب البيع اذ (مع تبين المخالفة، فاما ان يحكم ببطلان العقد).

فوجه البطلان (لما تقدم عن الاردبيلى في بطلان بيع العين الغائبة) بان المقصود ليس بموجود، و ما هو موجود لم يعقد عليه.

(و اما ان يحكم بلزومه من دون خيار، و) كلاهما باطل.

لان (الاول مخالف لطريقة الفقهاء فى) صورة (تخلف الاوصاف المشروطة في العقود عليه) و طريقتهم كما عرفت مستفادة من ان النصوص

ص: 9

و الثانى فاسد من جهة ان دليل اللزوم هو وجوب الوفاء بالعقد، و حرمة النقض، و معلوم ان عدم الالتزام بترتب آثار العقد على العين الفاقدة للصفات المشترطة فيها ليس نقضا للعقد، بل قد تقدم عن بعض ان ترتيب آثار العقد عليها ليس وفاء و عملا بالعقد حتى يجوز، بل هو تصرف لم يدل عليه العقد، فيبطل.

______________________________

الدالة على العقود تشمل حتى صورة المخالفة.

و السرّ ان المخالفة لا تضر الجوهر، و لذلك جرت طريقة العقلاء على صحة المعاملة، و منتهى الامر ان يكون في العقد الخيار.

(و الثانى) و هو لزوم العقد من دون خيار (فاسد من جهة ان دليل اللزوم) للعقود (هو وجوب الوفاء بالعقد، و حرمة النقض) قال تعالى:

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (و معلوم ان عدم الالتزام بترتب آثار العقد على العين الفاقدة للصفات المشترطة فيها) اى في تلك العين عدم الالتزام: بان يكون له الفسخ او ابطال العقد بالخيار، اذا شاء (ليس نقضا للعقد).

اذ المستفاد عرفا من «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» وجوب الوفاء بالعقد الّذي تعلق بما تعلقت به إرادة المتعاقدين، لا باىّ عقد كان، و ان كان متعلقه على خلاف إرادة احدهما (بل قد تقدم عن بعض) و هو الاردبيلى «ره» (ان ترتيب آثار العقد عليها) اى على العين الفاقدة للوصف (ليس وفاء و عملا بالعقد حتى يجوز) ترتيب الآثار (بل هو) اى ترتيب الآثار (تصرف لم يدل عليه العقد، فيبطل).

و نحن و ان لم نقل بمقالة ذلك البعض من البطلان، لكن نقول:

ص: 10

و الحاصل: ان الامر في ذلك دائر بين فساد العقد و ثبوته مع الخيار.

و الاول مناف لطريقة الاصحاب في غير باب، فتعين الثانى.

______________________________

بان وجوب الوفاء، لا يشمل مثل هذا العقد المخالف في الوصف.

(و الحاصل: ان الامر في ذلك) العقد، و سائر العقود: غير البيع (دائر بين فساد العقد) مطلقا (و ثبوته مع الخيار).

(و الاول مناف لطريقة الاصحاب في غير باب) واحد، بل في جميع الابواب، فانهم لا يبطلون المعاملة بمجرد مخالفة وصف غير مقوم، و قد عرفت ان طريقتهم اتباع اطلاق الادلة (فتعين الثانى) و هو ثبوت العقد مع الخيار.

ص: 11

مسئلة لو اختلفا، فقال البائع: لم يختلف صفة، و قال المشترى: قد اختلف ففى التذكرة قدم قول المشترى،

لاصالة براءة ذمته من الثمن، فلا يلزمه ما لم يقرّ به، او يثبت بالبينة.

و رده في المختلف في نظير المسألة بان اقراره بالشراء اقرار بالاشتغال بالثمن.

و يمكن ان يكون مراده ببراءة الذمة: عدم وجوب

______________________________

(مسألة: لو اختلفا، فقال البائع: لم يختلف) الموجود عن الموصوف (صفة) و انما سلمتك نفس الّذي وصفته لك (و قال المشترى: قد اختلف) فاراد المشترى الاخذ بالخيار و امتنع البائع.

(ففى التذكرة) قال: (قدم قول المشترى، لاصالة براءة ذمته من الثمن، فلا يلزمه) اعطاء الثمن (ما لم يقرّ به) اى ان اللازم عليه اعطاء الثمن (او يثبت) وجوب اعطائه الثمن (بالبينة) الدالة على ان المسلّم هو الموصوف من غير اختلاف.

(و رده في المختلف في نظير المسألة بان اقراره) اى اقرار المشترى (بالشراء، اقرار بالاشتغال بالثمن).

فاللازم ان يعطى الثمن، الا اذا اثبت مخالفة المسلّم للمعقود عليه فى الوصف.

(و يمكن ان يكون مراده) اى مراد التذكرة (ببراءة الذمة: عدم وجوب

ص: 12

تسليمه الى البائع، بناء على ما ذكره في احكام الخيار من التذكرة من عدم وجوب تسليم الثمن، و لا المثمن في مدة الخيار، و ان تسلم الآخر.

و كيف كان فيمكن ان يخدش بان المشترى قد اقرّ باشتغال ذمته بالثمن، سواء اختلف صفة المبيع، أم لم يختلف.

غاية الامر سلطنته على الفسخ لو ثبت ان البائع التزم على نفسه اتصاف البيع باوصاف مفقودة.

______________________________

تسليمه) اى تسليم الثمن (الى البائع، بناء على ما ذكره في احكام الخيار من التذكرة من عدم وجوب تسليم) المشترى (الثمن، و لا) البائع (المثمن فى مدة الخيار، و ان تسلم) الطرف (الآخر).

و قد تقدم في بعض المسائل السابقة وجه ذلك، و في المقام حيث يدعى المشترى خلاف الوصف، فله الخيار، و اذا كان له الخيار كان له ان لا يسلم الثمن.

فمراد التذكرة براءة ذمته من تسليم الثمن- لا من اصل الثمن-.

(و كيف كان) مراد العلامة من براءة الذمة (فيمكن ان يخدش بان المشترى قد اقرّ باشتغال ذمته بالثمن) حيث انه معترف بالمعاملة الموجبة لاشتغال ذمته (سواء اختلف صفة المبيع) الموجبة للخيار (أم لم يختلف) فيلزم العقد.

(غاية الامر سلطنته) اى المشترى (على الفسخ لو ثبت ان البائع التزم على نفسه اتصاف المبيع باوصاف مفقودة).

فقوله «لو ثبت» اى انه ان ثبت، تثبت له السلطنة، لا ان السلطنة

ص: 13

كما لو اختلفا في اشتراط كون العبد كاتبا.

و حيث لم يثبت ذلك فالاصل عدمه، فيبقى الاشتغال لازما غير قابل للازالة بفسخ العقد هذا.

و يمكن دفع ذلك بان اخذ الصفات في المبيع و ان كان في معنى الاشتراط الا انه بعنوان التقييد.

فمرجع الاختلاف الى الشك في تعلق البيع بالعين الملحوظ فيها

______________________________

متوقفة على الثبوت، اذ لا شك ان للمشترى الفسخ- واقعا- و ان لم يثبت خارجا فقد المبيع للاوصاف (كما لو اختلفا في اشتراط كون العبد كاتبا) فانكر البائع هذا الشرط، و اثبته المشترى و لم يكن العبد المسلّم إليه كاتبا.

(و حيث لم يثبت ذلك) اى لم يثبت ان البائع التزم في العقد كون العبد كاتبا (فالاصل عدمه) اى عدم لزوم وصف العبد بكونه كاتبا (فيبقى الاشتغال) لذمة المشترى بالثمن (لازما غير قابل للازالة بفسخ العقد)

و على هذا فاللازم على المشترى ان يسلّم الثمن، الا اذا تمكن من اثبات ما يقوله (هذا) تمام الكلام في وجه الاشتغال.

(و يمكن دفع ذلك) و تأييد براءة المشترى (بان اخذ الصفات فى المبيع و ان كان في معنى الاشتراط) فكانه قال: بعتك عبدا بشرط ان يكون كاتبا (الا انه بعنوان التقييد) فالمشترى العبد الكاتب، لان العبد الامّى لم يقع عليه العقد اصلا.

(فمرجع الاختلاف الى الشك في تعلق البيع بالعين الملحوظ فيها

ص: 14

صفات مفقودة، او تعلقه بعين لوحظ فيها الصفات الموجودة، او ما يعمها و اللزوم من احكام البيع المتعلق بالعين على الوجه الثانى.

و الاصل عدمه.

و منه يظهر الفرق بين ما نحن فيه و بين الاختلاف في اشتراط كتابة العبد، و قد تقدم توضيح ذلك و بيان ما قيل او يمكن ان يقال في هذا المجال في مسألة ما اذا اختلفا فى.

______________________________

صفات مفقودة) للعبد الامّى و هل كان مشمولا للعقد (او تعلقه بعين لوحظ فيها الصفات الموجودة) للعبد الكاتب (او) تعلق البيع ب (ما يعمها) اى ما يعم الصفات فهو مشتر للعبد عالما كان او أمّيا (و اللزوم) للبيع (من احكام البيع المتعلق بالعين على الوجه الثانى) و هى العين التى لوحظ فيها الصفات الموجودة.

(و) حيث انه امر وجودى، ف (الاصل عدمه) و عليه فلا تشتغل ذمة المشترى بالثمن.

(و منه) اى و مما ذكرناه من ان البيع مقيد، فالاصل عدمه (يظهر الفرق بين ما نحن فيه) الّذي هو مقيد (و بين الاختلاف في اشتراط كتابة العبد) حيث ان كليهما متفقان على اشتراء العبد، لكن اختلفا، فقال المشترى كان بشرط الكتابة، و انكره البائع.

فان الاصل هنا مع البائع لان المشترى يدعى شرطا زائدا (و قد تقدم توضيح ذلك) الفرق (و بيان ما قيل او يمكن ان يقال في هذا المجال) اى مجال اختلافهما تقدم ذلك (فى مسألة ما اذا اختلفا فى

ص: 15

تغيير ما شاهداه قبل البيع.

______________________________

تغيير ما شاهداه قبل البيع) فراجع.

و الظاهر ان الاصل مع البائع في امثال هذه المقامات و اللّه العالم.

ص: 16

مسئلة: لو نسج بعض الثوب فاشتراه على ان ينسج الباقى كالاول بطل،

كما عن المبسوط، و القاضى، و ابن سعيد قدس سرهما، و العلامة في كتبه و جامع المقاصد.

و استدل عليه في التذكرة، و جامع المقاصد بان بعضه عين حاضرة و بعضه في الذمة مجهول.

و عن المختلف صحته و لا يحضرنى الآن حتى اتأمّل في دليله.

و الّذي ذكر للمنع، لا ينهض مانعا.

______________________________

(مسألة: لو نسج بعض الثوب فاشتراه) المشترى (على ان ينسج الباقى كالاول) فى النسج (بطل) البيع في الجميع (كما عن المبسوط و القاضى و ابن سعيد قدس سرهما، و العلامة في كتبه و جامع المقاصد)

(و) ذلك لما (استدل عليه في التذكرة، و جامع المقاصد بان بعضه عين حاضرة و بعضه في الذمة مجهول) فالبعض المجهول باطل لجهالته و البعض الحاضر باطل، لان في ضمنه شرط مجهول، و الشرط الفاسد مفسد.

(و عن المختلف صحته) و هو الاقرب، لان ما في الذمة ليس مجهولا بعد ان كان موصوفا و هى معاملة عقلائية فيشملها دليل المعاملات، مثل أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و غيره (و لا يحضرنى) المختلف (الآن حتى اتأمّل في دليله) الّذي بنى عليه الصحة.

(و) لكن (الّذي ذكر) دليلا (للمنع، لا ينهض مانعا) لما عرفت.

ص: 17

فالذى يقوى في النظر انه اذا باع البعض المنسوج المنضم الى غزل معين على ان ينسجه على ذلك المنوال، فلا مانع منه.

و كذا اذا ضم معه مقدارا معينا كليا من الغزل الموصوف على ان ينسجه كذلك، اذ لا مانع من ضم الكلى الى الشخصى.

و إليه ينظر بعض كلمات المختلف في هذا المقام، حيث جعل اشتراط نسج الباقى كاشتراط الخياطة و الصبغ.

______________________________

هذا بالإضافة الى ان المجهول لو كان جزءا كان البيع في الموجود صحيحا و له خيار تبعض الصفقة، و لو كان شرطا كان باطلا في نفسه، و قد سبق ان الشرط الفاسد ليس مفسدا.

(فالذى يقوى في النظر انه اذا باع البعض المنسوج المنضم الى غزل) غير منسوج (معين على ان ينسجه على ذلك المنوال) اى على ذلك الطراز و الكيفية (فلا مانع منه) لانه باع المنسوج و غير المنسوج، و شرط نسج غير المنسوج.

(و كذا اذا ضم معه) اى مع المنسوج (مقدارا معينا كليا من الغزل الموصوف) مثل كيلو من الغزل الموصوف بانه مثل غزل هذا النسج (على) شرط (ان ينسجه كذلك) اى كهذا المنسوج (اذ لا مانع من ضم الكلى) فى البيع (الى الشخصى) فان اطلاقات ادلة البيع تشمله، و الشرط جائز

(و إليه) اى الى انه من باب الشرط (ينظر بعض كلمات المختلف فى هذا المقام، حيث جعل اشتراط نسج الباقى) من باب الشرط (كاشتراط الخياطة و الصبغ).

ص: 18

و كذا اذا باعه اذرعا معلومة منسوجة مع هذا المنسوج بهذا المنوال

و لو لم ينسجه في الصورتين الاوليين على ذلك المنوال، ثبت الخيار لتخلف الشرط.

و لو لم ينسجه كذلك في الصورة الاخيرة لم يلزم القبول و بقى على مال البائع، و كان للمشترى الخيار في المنسوج لتبعض الصفقة عليه و اللّه العالم.

______________________________

كما اذا باعه قماشا بشرط ان يخيطه او ان يصبغه (و كذا) يصح و يكون من باب ضم الكلى الى الشخصى (اذا باعه اذرعا معلومة منسوجة مع هذا المنسوج) الموجود فعلا (بهذا المنوال) «بهذا» متعلق ب «منسوجة»

هذا (و لو لم ينسجه) البائع (فى الصورتين الاوليين) و هما «المنضم الى غزل معين» «و كذا اذا ضم معه» (على ذلك المنوال) حسب الشرط (ثبت الخيار) للمشترى (لتخلف الشرط) اذا لشرط ان ينسجه على ذلك الطراز.

(و لو لم ينسجه كذلك) اى على ذلك المنوال (في الصورة الاخيرة) و هى «اذا باعه اذرعا معلومة» (لم يلزم) المشترى (القبول) لما يقدمه البائع له (و بقى) الّذي قدمه البائع مما لم ينسج على ذلك المنوال (على مال البائع) لانه ليس مصداقا لما بيع (و كان للمشترى الخيار في المنسوج لتبعض الصفقة عليه) اى على المشترى (و اللّه العالم) بحقائق الاحكام

ثم انه لو كان التبديل ممكنا في الصورة الاخيرة لزم على البائع التبديل فاذا لم يبدل كان للمشترى خيار تبعض الصفقة، كما هو واضح.

ص: 19

السابع خيار العيب،
اشارة

اطلاق العقد يقتضي وقوعه مبنيا على سلامة العين من العيب.

و انما ترك اشتراطه صريحا اعتمادا على اصالة السلامة، و الا لم يصح

______________________________

(السابع) من الخيارات (خيار العيب) و هو من اضافة المعلول الى العلة، اى الخيار الثابت بواسطة العيب.

اعلم ان (اطلاق العقد) و عدم تقييده بكون متعلق العقد صحيحا او معيبا (يقتضي) اقتضاء حسب الفهم العرفى (وقوعه) اى العقد (مبنيا على سلامة العين من العيب) سواء كان ثمنا او مثمنا، فليس المراد بالعين المثمن فقط.

و انما ذكر ذلك لئلا يتوهم ان المراد سلامة العين من الرهن و نحوه لانه أيضا فرع من السلامة.

(و انما ترك) بصيغة المجهول، و فاعله البائع و المشترى (اشتراطه) اى اشتراط ان تكون العين سالمة (صريحا) في اللفظ (اعتمادا على اصالة السلامة) و هى عبارة عن ان الاشياء كلها على السلامة، الا ما خرج و ليس المراد ان كل شي ء سالم بذاته، بل المراد ان الكلى سالم بصورة غالبة، فلا يستشكل ان بعض الاشياء توجد ناقصة، فلا اصل.

و الحاصل: ان ليس المراد بالاصل: الاستصحاب، بل القاعدة الغالبية في الاشياء (و الا) يعتمد على اصل السلامة في العقد (لم يصح

ص: 20

العقد من جهة الجهل بصفة العين الغائبة، و هى صحتها التى هى من اهم ما يتعلق به الاغراض.

و لذا اتفقوا في بيع العين الغائبة على اشتراط ذكر الصفات التى يختلف الثمن باختلافها، و لم يذكروا اشتراط صفة الصحة.

______________________________

العقد) اىّ عقد كان (من جهة الجهل) من المشترى (بصفة العين الغائبة) عن الرؤية (و هى) اى تلك الصفة المجهولة (صحتها) اى صحة العين (التى هى) اى الصحة (من اهم ما يتعلق به الاغراض).

و الحاصل انه لو لا اصالة الصحة لم يصح اىّ بيع، لانه بيع مجهول غررى.

فصحة البيع كاشفة- إنّيا- عن اصالة السلامة.

و اذا كانت اصالة السلامة هى المعتمدة عند العقلاء، صح الاعتماد عليها بدون ذكرها.

فاذا تخلف كان للطرف المقابل ان يفسخ المعاملة لفقدان الشرط ثم انه ليس المراد بإطلاق العقد اللفظ، اذ خيار العيب جار فى المعاطاة أيضا، بناء على لزوم المعاطاة، او بناء على جريانه في المعاطاة حتى على القول بعدم لزومها، بل المراد بالعقد: الاعمّ من اللفظى و العملى، كما لا يخفى.

(و لذا) الّذي ذكرناه من ان الاطلاق يقتضي السلامة (اتفقوا في بيع العين الغائبة على اشتراط ذكر الصفات التى يختلف الثمن باختلافها) كاللون و الطعم و الرائحة و ما اشبه (و لم يذكروا اشتراط صفة الصحة)

ص: 21

فليس ذلك الا من حيث الاعتماد في وجودها على الاصل فان من يشترى عبدا لا يعلم انه صحيح سوّى، أم فالج مقعد، لا يعتمد في صحته الاعلى اصالة السلامة، كما يعتمد من شاهد المبيع سابقا على بقائه على ما شاهده فلا يحتاج الى ذكر تلك الصفات في العقد.

و كما يعتمد على اخبار البائع بالوزن

______________________________

هذه الجملة متعلقة ب «و لذا» اى و لذا لم يذكروا اشتراط صفة الصحة، مع انهم اشترطوا ذكر الصفات الاخر.

(فليس ذلك) اى عدم ذكرهم اشتراط صفة الصحة (الا من حيث الاعتماد في وجودها) اى وجود صفة الصحة (على الاصل) اى اصالة الصحة.

ثم بيّن كيف ان العرف يعتمد على اصالة الصحة بقوله: (فان من يشترى عبدا لا يعلم انه صحيح سوىّ، أم فالج مقعد، لا يعتمد في صحته الاعلى اصالة السلامة) و الا فكيف يشترى من لا يفى بغرضه على فرض المرض و النقص (كما يعتمد من شاهد المبيع سابقا) قبل مدة من البيع (على بقائه) كالسابق (على ما شاهده) فى الصفات (فلا يحتاج الى ذكر تلك الصفات في العقد).

فلو تبين بعد ذلك تغيّره تغيّرا يختلف الغرض بسبب ذلك التغير كان له الخيار، و يسمى بخيار الرؤية.

(و كما يعتمد) المشترى (على اخبار البائع بالوزن) فلا يزن المتاع عند اشترائه، فاصالة الصحة، مثل اصالة البقاء، و اصالة صحة كلام البائع

ص: 22

قال في التذكرة الاصل في المبيع من الاعيان و الاشخاص: السلامة من العيوب و الصحة، فاذا اقدم المشترى على بذل ماله في مقابلة تلك العين، فانّما بنى اقدامه على غالب ظنه المستند الى اصالة السلامة انتهى

و قال في موضع آخر: اطلاق العقد و اشتراط السلامة يقتضيان السلامة على ما مرّ من ان القضاء العرفى يقتضي ان المشترى انما بذل ماله بناء على اصالة السلامة، فكانها مشترطة

______________________________

فى الوزن، مما يعتمد عليه العقلاء في البيع (قال في التذكرة) ما يؤيد ما ذكرناه من اعتماد المشترى على اصالة السلامة (الاصل في المبيع من الاعيان) كالدار (و الاشخاص) كالعبيد (السلامة من العيوب) فلا يكون العبد ناقصا- مثلا- (و الصحة) فلا يكون مريضا (فاذا اقدم المشترى على بذل ماله في مقابلة تلك العين) «بذل» مصدر.

و جواب «اذا» قوله: (فانّما بنى اقدامه على غالب ظنه) اى ظنه الغالب على الطرف الآخر الّذي هو الوهم، فى مقابل الشك الّذي لا غلبة له في طرف، و الصفة توضيحية، اذ كل ظن غالب (المستند الى اصالة السلامة) فان الظن انما حصل من اصل السلامة (انتهى).

(و قال في موضع آخر: اطلاق العقد و اشتراط السلامة) اى اشتراطه البنائى، لا اللفظى، حيث انهما اذا بنيا على السلامة فكانهما اشترطاها (يقتضيان السلامة على ما مرّ) اى انما يقتضيان ذلك بناء على ما ذكرنا (من ان القضاء العرفى) اى حكمهم (يقتضي ان المشترى انما بذل ماله) اى الثمن (بناء على اصالة السلامة، فكانها) اى السلامة (مشترطة

ص: 23

فى نفس العقد، انتهى.

و مما ذكرنا يظهر ان الانصراف ليس من باب انصراف المطلق الى الفرد الصحيح ليرد عليه.

او لا: منع الانصراف و لذا لا يجرى في الايمان و النذور.

______________________________

فى نفس العقد، انتهى) فلا فرق بين اللفظ، و بين البناء، لان العرف يرى البناء كاللفظ.

و الحاصل انه من باب اشتراط وصف الصحة، لا من باب الانصراف فقد يقول البائع: بعتك العبد الصحيح بكذا، و قد لا يتلفظ بلفظ الصحيح و انما يقصد ذلك قصدا، و القصد كاللفظ.

(و مما ذكرنا) من ان اطلاق العقد يقتضي الصحة (يظهر ان الانصراف) الى الصحيح من باب الشرط المفهوم عرفا، و (ليس من باب انصراف المطلق الى الفرد الصحيح) و ان كان هذا الانصراف في موضعه أيضا صحيحا، فان الانسان اذا اطلق الكلى كان منصرفا الى الصحيح.

فاذا قال المولى لعبده: اشتر لي إناء كان منصرفا الى الصحيح لكن مقامنا ليس من ذلك (ليرد عليه) اى لو كان المستند في اصالة صحة المبيع الانصراف يرد عليه.

(أولا: منع الانصراف) فان المطلق يصدق على كل افراده، سواء كان صحيحا او غير صحيح (و لذا لا يجرى) الانصراف (فى الايمان و النذور).

فاذا نذر ان يذبح شاة كفى في ذبح الشاة الناقصة.

ص: 24

و ثانيا: عدم جريانه فيما نحن فيه لعدم كون المبيع مطلقا بل هو جزئى حقيقى خارجى.

و ثالثا: بان مقتضاه عدم وقوع العقد رأسا

______________________________

و كذلك اذا حلف ان يعطى زيدا، ثوبا، صح اعطائه الثوب الناقص او الخلق- مثلا- و لو كان لفظ الشاة منصرفا الى الصحيح، لزم ان يقال بلزوم الصحيحة في النذر و الحلف.

و الحاصل ان اللفظ ليس منصرفا، فمن اين تقولون بلزوم الصحيح فى المبيع، مع ان لفظ الشاة- مثلا- فى كل من النذر و البيع لفظ واحد.

(و ثانيا: عدم جريانه) اى الانصراف (فيما نحن فيه) من البيع اذ الانصراف انما يأتى في المطلق الكلى، كما اذا قال: جئنى بعبد، فان اللفظ حيث يكون مطلقا ينصرف الى العبد الكامل مثلا، و في بيع العين الشخصية ليس كذلك (لعدم كون المبيع مطلقا بل هو جزئى حقيقى خارجى).

فكما لا يصح ان يقال: زيد منصرف الى فلان، كذلك لا يصح ان يقال بعتك زيدا منصرف الى فلان، اذ: الانصراف انما يجرى فيما له افراد و الشخص الجزئى لا افراد له.

(و ثالثا: بان مقتضاه) اى مقتضى ما ذكرتم من الانصراف الى الصحيح (عدم وقوع العقد رأسا) و اصلا- اى من اوّل الامر- لا انه يقع و لكن له خيار الفسخ، فاذا فسخ كان العقد كان لم يقع على المعيب ذيلا

ص: 25

على المعيب، فلا معنى لامضاء العقد الواقع عليه او فسخه حتى يثبت التخيير بينهما.

و دفع جميع هذا بان وصف الصحة قد اخذ شرطا في العين الخارجية نظير معرفة الكتابة، او غيرها من الصفات المشروطة في العين الخارجية.

______________________________

- اى بعد ان وقع أولا و رأسا- (على المعيب).

فاذا كان لفظ العبد- مثلا- منصرفا الى الصحيح، فلم يقع العقد على العبد المعيب، فاذا اعطاه عبدا معيبا كان من قبيل ان يعطى حيوانا عوض العبد (فلا معنى) حين لم يقع العقد على المعيب (لا مضاء) المشترى (العقد الواقع عليه) اى على المعيب (او فسخه) اذا لم يشاء قبول المعيب (حتى يثبت التخيير بينهما) اى بين الامضاء و الفسخ

و «حتى» غاية ل «وقوع العقد» فى قوله «عدم وقوع العقد رأسا»

(و) قد تبين لك (دفع جميع هذا) الاشكالات الثلاثة (بان وصف الصحة) ليس من باب الانصراف، بل (قد اخذ شرطا في العين الخارجية) التى وقع عليها البيع، فكانه قال: ابيعك هذا العبد الخارجى و اسمه مبارك، بشرط ان يكون صحيحا، فاذا لم يكن صحيحا كان للمشترى خيار تخلف الشرط.

فالصحة المشروطة (نظير معرفة الكتابة، او غيرها) اى غير معرفة الكتابة، ككونه ابيض مثلا، او المراد غير الكتابة، كمعرفة الخياطة (من الصفات المشروطة في العين الخارجية) مما لا يوجب ذهابها الاخيار الفسخ

ص: 26

و انما استغنى عن ذكر وصف الصحة، لاعتماد المشترى في وجودها على الاصل كالعين المرئية سابقا حيث يعتمد في وجود اصلها، و صفاتها على الاصل.

و لقد اجاد في الكفاية حيث قال: ان المعروف بين الاصحاب: ان اطلاق العقد يقتضي لزوم السلامة و لو باع كليا حالا او سلما كان الانصراف الى الصحيح من جهة ظاهر الاقدام أيضا.

______________________________

(و انما استغنى عن ذكر وصف الصحة) فى العقد، بينما سائر الصفات بحاجة الى الذكر (لاعتماد المشترى في وجودها) اى الصحة (على الاصل) اى اصالة الصحة (كالعين المرئية سابقا) قبل البيع (حيث يعتمد) المشترى عند اشترائها (فى وجود اصلها) فى مقابل احتمال ان تكون تالفة (و) فى بقاء (صفاتها على الاصل) اى استصحاب البقاء اصلا و وصفا.

(و لقد اجاد) السبزوارى (فى الكفاية) حيث فرق بين الجزئى الّذي تكون الصحة فيه من باب الشرط، و بين الكلى الّذي تكون الصحة فيه من باب الانصراف (حيث قال: ان المعروف بين الاصحاب: ان اطلاق العقد يقتضي لزوم السلامة) اى من باب الشرط (و لو باع كليا حالا او سلما) اى سلفا، بان اعطى الثمن الآن في مقابل ان يأخذ المثمن، بعد ذلك (كان الانصراف الى الصحيح من جهة ظاهر الاقدام أيضا) فان المتعارف ان الانسان لا يقدم على شراء او بيع المعيب، فتكون الصحة أيضا من باب الشرط كالجزئى.

ص: 27

و يحتمل كونه من جهة الاطلاق المنصرف الى الصحيح في مقام الاشتراء و ان لم ينصرف إليه في غير هذا المقام، فتأمل.

ثم ان المصرح به في كلمات جماعة ان اشتراط الصحة في متن العقد يفيد التأكيد، لانه تصريح بما يكون الاطلاق منزلا عليه.

و انما ترك لاعتماد المشترى على اصالة السلامة، فلا يحصل من اجل هذا الاشتراط خيار آخر، غير خيار العيب

______________________________

(و يحتمل كونه) اى لزوم الصحة (من جهة الاطلاق) فى الكلى المبيع (المنصرف الى الصحيح) عرفا (فى مقام الاشتراء) متعلق ب «المنصرف» (و ان لم ينصرف إليه) اى الى الصحيح (فى غير هذا المقام) كمقام النذور و الايمان- على ما عرفت سابقا- (فتأمل).

اذ لو كان وجه الصحة في الكلى الانصراف، لزم عدم صحة قبول المشترى المعيب من باب الوفاء، لان البيع وقع على غير المعيب، فاللازم ان يقال: ان الصحة في كل من الجزئى و الكلى من باب الشرط لا من باب الانصراف في الكلى.

(ثم ان المصرح به في كلمات جماعة) من الفقهاء (ان اشتراط الصحة فى متن العقد يفيد التأكيد) للشرط المنصرف إليه، و ان لم يذكر فى المتن (لانه تصريح بما يكون الاطلاق منزلا عليه).

(و انما ترك) ذكر الشرط (لاعتماد المشترى على اصالة السلامة) و حين كان الشرط المذكور تأكيدا، لا تأسيسا (فلا يحصل من اجل هذا الاشتراط) فى اللفظ (خيار آخر، غير خيار العيب).

ص: 28

كما لو اشترط كون الصبرة كذا و كذا صاعا، فانه لا يزيد على ما اذا ترك الاشتراط و اعتمد على اخبار البائع بالكيل، او اشترط بقاء الشي ء على الصفة السابقة المرئية فانه في حكم ما لو ترك ذلك اعتمادا على اصالة بقائها.

و بالجملة فالخيار خيار العيب اشترط الصحة، أم لم يشترط.

______________________________

فلا يتوهم ان للمشترى خيارين، خيار الشرط غير المذكور، و خيار الشرط المذكور، فيكون ذكر شرط الصحة- فى افادته التأكيد- (كما لو اشترط كون الصبرة) اى الحفنة من الحنطة (كذا و كذا صاعا) كاحد عشر صاعا، او كذا صاعا، كعشرة مثلا (فانه) اى شرط المقدار (لا يزيد على ما اذا ترك الاشتراط و اعتمد على اخبار البائع بالكيل) فانه اذا قال البائع هذه الصبرة عشرة اصوع، ثم اشتراها- مطلقا- او اشتراها قائلا: بشرط ان تكون عشرة اصوع لم يكن بين الامرين فرق، بل للمشترى في كلتا الصورتين و هما الاشتراط و عدم الاشتراط اذا لم تكن عشرة اصوع خيار واحد (او اشترط) لفظا (بقاء الشي ء على الصفة السابقة المرئية) بان قال اشترى منك العين الغائبة على شرط ان تكون باقية على صفتها السابقة (فانه في حكم ما لو ترك ذلك) الشرط (اعتمادا على اصالة بقائها) فى ان الشرط الملفوظ لا يوجب خيارا زائدا، بل سواء لفظ بالشرط أم لا، فله خيار واحد و هو خيار الرؤية.

(و بالجملة فالخيار) فيما اذا ظهر المبيع معيبا (خيار العيب اشترط الصحة) لفظا (أم لم يشترط) بل اعتمد على الفهم العرفى.

ص: 29

و يؤيده ما ورد من رواية يونس في رجل اشترى جارية على انها عذراء فلم يجدها عذراء، قال: يرد عليه فضل القيمة فان اقتصاره عليه السلام على اخذ الارش الظاهر في عدم جواز الرد يدل على ان الخيار خيار العيب.

و لو كان هنا خيار تخلف الاشتراط لم يسقط الرد بالتصرف في الجارية بالوطى او مقدماته.

______________________________

(و يؤيده) اى كون الخيار للعيب، و ان اشترط، لا انه خيار جديد (ما ورد من رواية يونس في رجل اشترى جارية على انها عذراء، فلم يجدها عذراء) حين تصرف فيها (قال: يرد) البائع (عليه) اى على المشترى (فضل القيمة) اى التفاوت بين البكر و الثيب.

وجه الاستدلال بالحديث ما ذكره بقوله: (فان اقتصاره عليه السلام على اخذ الارش الظاهر) هذا الاقتصار (فى عدم جواز الرد) مع ان مقتضى الشرط جواز الرد أيضا (يدل على ان الخيار خيار العيب) و ان اللفظ الّذي ذكره المشترى كان تأكيدا، لا تأسيسا.

(و لو كان هنا) اى في الرواية (خيار تخلف الاشتراط) بالإضافة الى خيار العيب، بان كانت اصالة السلامة تفيد خيار العيب، و الاشتراط يفيد خيار الشرط (لم يسقط الرد بالتصرف في الجارية بالوطى او مقدماته) اذ خيار الشرط لا يسقطه التصرف، و انما خيار العيب هو الّذي يسقطه التصرف.

ص: 30

و منه يظهر ضعف ما حكاه في المسالك، من ثبوت خيار الاشتراط هنا، فلا يسقط الرد بالتصرف.

و دعوى عدم دلالة الرواية على التصرف، او عدم دلالته على اشتراط البكارة في متن العقد كما ترى.

______________________________

(و منه) اى مما ذكرنا من ان الشرط اللفظى تأكيد لخيار العيب (يظهر ضعف ما حكاه في المسالك، من ثبوت خيار الاشتراط هنا) اى فيما ذكره المشترى في اللفظ (فلا يسقط الرد بالتصرف).

(و) اما الرواية فلا تخالف ذلك، ل (دعوى عدم دلالة الرواية على التصرف) لان الرواية لم يصرح بالتصرف فيها.

اذ قوله عليه السلام «فلم يجدها عذراء» يمكن ان يكون لاجل اخبار القابلة و تجربته بنفسه بغير الوطي و مقدماته او ما اشبه.

فاذا خلت الرواية عن ذكر التصرف، فعدم ذكر الامام للرد ليس من باب انه لا يحق له الرد، بل اقتصر الامام على ذكر احد شقى الحق و هو الارش فقط (او عدم دلالته على اشتراط البكارة في متن العقد) لان قوله:

على انها عذراء يحتمل ان يكون المراد بنائه على كونها عذراء، لا انه تلفظ بذلك، و على ذلك: فليس هناك ذكر لفظى حتى يستدل بذلك على ان الذكر اللفظى تأكيد (كما ترى).

اذ ظاهر الرواية انه وطئها، فان وجد ان عدم العذرة غالبا انما يكون من الوطي كما ان ظاهر قوله «على انها عذراء» انه شرط ذلك لفظا، فتحصل ان دلالة الرواية على كون اللفظ الّذي يذكره المشترى تأكيدا، و

ص: 31

مسئلة ظهور العيب في المبيع يوجب تسلط المشترى على الرد و اخذ الارش بلا خلاف.

و يدل على الرد: الاخبار المستفيضة الآتية.

و اما الارش فلم يوجد في الاخبار ما يدل على التخيير بينه و بين الرد، بل ما دل على الارش يختص بصورة التصرف المانع من الرد

______________________________

ليس تأسيسا لخيار الشرط يتوقف على دلالة الرواية على تصرف المشترى و على دلالتها على اشتراط البكارة في متن العقد، و الرواية دالة عليها فالمدعى الّذي يريد ان يمنع احد الامرين، دعواه منظور فيها.

(مسألة: ظهور العيب في المبيع يوجب تسلط المشترى على الرد و اخذ الارش) فيختار ايّهما شاء (بلا خلاف) بين الفقهاء.

(و يدل على) حقه فى (الرد: الاخبار المستفيضة الآتية).

(و اما الارش) و هو اخذ المشترى التفاوت بين الصحيح و المعيب (فلم يوجد في الاخبار ما يدل على التخيير بينه و بين الرد) ابتداء بدون التصرف (بل ما دل على الارش يختص بصورة التصرف المانع من الرد).

لكن في كتاب الدعائم رواية عن الصادق عليه السلام انه قال: اذا اشترى القوم متاعا فقوّموه و اقتسموه، ثم اصاب بعضهم فيما صار إليه عيبا فله قيمة المعيب و ان اشترى رجل سلعة فاصاب بها عيبا و قد احدث فيها

ص: 32

فيجوز ان يكون الارش في هذه الصورة لتدارك ضرر المشترى، لا لتعيين احد طرفى التخيير، بتعذر الآخر.

نعم في الفقه الرضوى: فان خرج السلعة معيبا و علم المشترى فالخيار إليه، ان شاء رده، و ان شاء اخذه، او رد عليه بالقيمة ارش العيب.

و ظاهره كما في الحدائق: التخيير بين الرد و اخذه بتمام الثمن و اخذ الارش

______________________________

حدثا، او حدث عنده، قيل له: ردّ ما نقص عندك و خذ الثمن ان شئت او فخذ قيمة المعيب.

و كيف كان (ف) اذا لم يذكر الارش في الروايات تخييرا بينه و بين الرد (يجوز ان يكون الارش في هذه الصورة) اى صورة التصرف المانع من الرد (لتدارك ضرر المشترى، لا لتعيين احد طرفى التخيير، ب) سبب (تعذر) الطرف (الآخر) الّذي هو الرد، و النتيجة انه لا يحق للمشترى اخذ الارش من اوّل الامر.

(نعم في الفقه الرضوى) ما يدل على التخيير قال: (فان خرج السلعة معيبا و علم المشترى) بالعيب (فالخيار إليه، ان شاء رده، و ان شاء اخذه، او رد عليه بالقيمة ارش العيب) انتهى ما في الفقه الرضوى.

(و ظاهره كما في الحدائق: التخيير بين الرد و اخذه بتمام الثمن و اخذ الارش) فيكون التخيير بين امور ثلاثة، و ذلك لقوله عليه السلام «ان شاء رده و ان شاء اخذه، او رد عليه بالقيمة ارش العيب».

ص: 33

و يحتمل زيادة الهمزة في لفظة: او، و يكون و او العطف، فيدل على التخيير بين الرد و الارش.

و قد يتكلف لاستنباط هذا الحكم من سائر الاخبار، و هو صعب جدا و اصعب منه جعله مقتضى القاعدة، بناء على ان الصحة و ان كانت وصفا فهى بمنزلة الجزء، فيتدارك فائته باسترداد ما قابله من الثمن، و يكون الخيار حينئذ لتبعض الصفقة.

______________________________

(و يحتمل) احتمالا تبرعيا (زيادة الهمزة في لفظة: او) ردّ عليه بالقيمة (و يكون) مكان «او» (و او العطف، فيدل على التخيير بين الرد و الارش) ابتداءً، و لم يذكر في الرواية حينئذ الاخذ بدون الارش.

(و قد يتكلف لاستنباط هذا الحكم) اى التخيير الابتدائى بين الرد و الارش (من سائر الاخبار) بان يراد ب «الرد» فيها، الاعم من رد الكل، او رد البعض، فان اخذ الارش ردّ لبعض البيع (و) لكنه خلاف الظاهر فلذا (هو صعب جدا) من حيث عدم ظهوره (و اصعب منه جعله) اى اخذ الارش (مقتضى القاعدة) بان يقال: ان قوله تعالى:

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، يدل على لزوم الوفاء بالقدر الخاص من العقد الّذي هو عقده، ففى الزائد لا يجب الوفاء، فيأخذ بمقداره من الثمن (بناء على ان الصحة و ان كانت وصفا، فهى بمنزلة الجزء) عرفا (فيتدارك فائته باسترداد ما قابله من الثمن، و يكون الخيار حينئذ) اى حين العيب (لتبعض الصفقة) و اذا كان ذلك على وفق القاعدة لم يحتج الى الدليل.

ص: 34

و فيه منع المنزلة عرفا و لا شرعا.

و لذا لم يبطل البيع فيما قابله من الثمن، بل كان الثابت بفواته مجرد استحقاق المطالبة بل لا يستحق المطالبة بعين ما قابله على ما صرح به العلامة و غيره.

______________________________

(و فيه منع المنزلة) اى ان الصحة ليست بمنزلة الجزء لا (عرفا و لا شرعا) فان العرف لا يرى ان العبد المريض ناقص جزءا، او كالناقص من حيث اليد و الرجل و الشارع لم يصرح بذلك و لم يظهر منه ذلك في دليل

(و لذا) الّذي ليس وصف الصحة بمنزلة الجزء (لم يبطل البيع فيما قابله) اى قابل وصف الصحة (من الثمن) فاذا كان العبد الصحيح مائة و المريض تسعين فباع العبد المريض بمائة، لم يبطل البيع في ما يقابل العشرة، و الحال انه لو كان وصف الصحة بمنزلة الجزء لزم بطلان البيع بقدر عشرة، و يكون حاله حال ما اذا باع الف متر من الارض بالف دينار، فبان انه تسعمائة مترا، فان مقتضى القاعدة بطلان البيع بقدر مائة دينار (بل كان الثابت بفواته) اى فوات وصف الصحة (مجرد استحقاق المطالبة) للارش، لا بعنوان ان البيع باطل (بل لا يستحق المطالبة بعين ما قابله) فلو كان البيع باطلا لزم ان يطالبه يعين العشرة التى اعطاها اياه، لان العشرة لم تنتقل الى البائع- حين بطلان عشر البيع فى المثال- (على ما صرح به العلامة و غيره).

و هذا الكلام لدفع توهم ان يقال: ان الصحة بمنزلة الجزء عرفا و شرعا، لان العرف و الشارع يرون وجوب رد الارش الّذي هو جزء من

ص: 35

ثم منع كون الجزء الفائت يقابل بجزء من الثمن اذا اخذ وجوده في المبيع الشخصى على وجه الشرطية، كما في بيع الارض على انها جريان معينة و ما نحن فيه من هذا القبيل.

و بالجملة فالظاهر عدم الخلاف في المسألة، بل الاجماع على التخيير بين الرد و الارش.

______________________________

الثمن و لازم ذلك ان الصحة بمنزلة الجزء (ثم) حتى في فوات الجزء لا نقول ببطلان البيع في مقداره، بل نقول بان للمشترى حق الارش، فاذا انتفى البطلان في الجزء كان انتفائه في وصف الصحة بطريق اولى، ل (منع كون الجزء الفائت يقابل بجزء من الثمن اذا اخذ وجوده في المبيع الشخصى).

و انما قيده بالشخصى، لانه اذا كان المبيع كليا، لم يتصور فيه نقص الجزء، اذ: الناقص ليس مصداقا للكلى (على وجه الشرطية) لا على وجه الجزئية (كما في بيع الارض على انها جربان) و هو: جمع جريب (معينة) كالمائة، فظهرت تسعين جريبا، فانه قد يبيع مائة جريب بمائة دينار، و قد يبيع هذه الارض المشاهدة بشرط ان تكون مائة جريب (و ما نحن فيه من هذا القبيل) لان الصحة شرط و ليست جزءا.

(و بالجملة فالظاهر عدم الخلاف في المسألة) اى مسألة استحقاق الارش في صورة فقدان وصف الصحة، و ان لم يتصرف المشترى في المبيع (بل الاجماع على التخيير بين الرد و الارش) مطلقا، سواء تصرف المشترى في المبيع، أم لا.

ص: 36

نعم يظهر من الشيخ في غير موضع من المبسوط: ان اخذ الارش مشروط باليأس عن الرد.

لكنه مع مخالفته لظاهر كلامه في النهاية، و بعض مواضع المبسوط ينافيه اطلاق الاخبار بجواز اخذ الارش، فافهم.

ثم ان في كون ظهور العيب مثبتا للخيار، او كاشفا عنه ما تقدم فى خيار الغبن.

و قد عرفت ان الاظهر ثبوت الخيار بمجرد العيب و الغبن واقعا

______________________________

(نعم يظهر من الشيخ في غير موضع من المبسوط: ان اخذ الارش مشروط باليأس عن الرد) و هذا ينافى الاجماع على التخيير.

(لكنه مع مخالفته لظاهر كلامه في النهاية) حيث اطلق كلا من الرد و الارش (و بعض مواضع المبسوط ينافيه اطلاق الاخبار بجواز اخذ الارش) مطلقا، الّذي يجوّز الاخذ مع امكان الرد (فافهم).

فان العرف يرون ان الارش جزء من الثمن في مقابل الجزء الفائت من المثمن سواء كان جزءا حقيقة كنقص الارض عشرة اجربة، او نقصا حكما، كنقص صحة العبد، او نقص يده مثلا.

(ثم ان في كون ظهور العيب مثبتا للخيار) حتى انه اذا كان هناك عيب و لم يظهر، لم يكن له خيار (او كاشفا عنه) بان يكون الخيار موجودا لكنه غير مكشوف (ما تقدم في خيار الغبن).

(و قد عرفت) هناك (ان الاظهر ثبوت الخيار بمجرد العيب و الغبن واقعا) اذا لعلة هو العيب و الغبن، و الظهور كاشف كسائر موارد العلم

ص: 37

و ان كان ظاهر كثير من كلماتهم يوهم حدوثه بظهور العيب خصوصا بعد كون ظهور العيب بمنزلة رؤية المبيع على خلاف ما اشترط.

و قد صرح العلامة بعدم جواز اسقاط خيار الرؤية قبلها، معللا بان الخيار انما يثبت بالرؤية.

لكن المتفق عليه هنا نصّا و فتوى جواز التبرى، و اسقاط خيار العيب.

______________________________

(و ان كان ظاهر كثير من كلماتهم يوهم حدوثه) اى حدوث الخيار (بظهور العيب) لا بواقعه (خصوصا بعد كون) وجود مثل ذلك في بعض الخيارات الاخر مما ليس لواقعه عليه، بل لظهوره.

ف (ظهور العيب بمنزلة رؤية المبيع على خلاف ما اشترط) فان الرؤية تثبت الخيار.

(و) لذا (قد صرح العلامة بعدم جواز اسقاط خيار الرؤية قبلها) اى قبل الرؤية و ان علم المشترى بتغيّر الصفات (معللا بان الخيار انما يثبت بالرؤية) فقبل الرؤية لا خيار، و الاسقاط فرع الوجود.

لكن من الممكن جواز الاسقاط لوجود المقتضى على فرض التغير، مثل اسقاط الزوجة للنفقة قبل استحقاقها لها.

(لكن) كلام العلامة في خيار الرؤية لا يلائم ما ذكروه في خيار العيب من جواز اسقاط الخيار قبل ظهور العيب.

فان (المتفق عليه هنا نصّا و فتوى جواز التبرى) و ان صاحب المثمن او صاحب الثمن برئ عن العيب (و اسقاط خيار العيب) على تقدير وجود العيب.

ص: 38

و يؤيد ثبوت الخيار هنا بنفس العيب ان استحقاق المطالبة بالارش الّذي هو احد طرفى الخيار لا معنى لثبوته بظهور العيب، بل هو ثابت بنفس انتفاء وصف الصحة هذا مضافا الى ان الظاهر من بعض اخبار المسألة ان السبب هو نفس العيب.

______________________________

(و يؤيد ثبوت الخيار هنا بنفس العيب ان استحقاق المطالبة بالارش الّذي هو احد طرفى الخيار) فان له الحق في الفسخ و الارش اذا كان معيبا (لا معنى لثبوته بظهور العيب، بل هو) اى استحقاق المطالبة (ثابت بنفس انتفاء وصف الصحة).

و يمكن ان يوجه كلام المصنف ان العرف يفهم من ادلة الارش انه فى مقابل انتفاء الصحة، لا انه يثبت بظهور العيب.

و انما قال: يؤيد، لإمكان ان يرد ذلك بان الشارع جعل الظهور سببا للارش أيضا (هذا مضافا الى ان الظاهر من بعض اخبار المسألة ان السبب هو نفس العيب) فان الغالب ان يؤخذ «العلم» طريقيا لا موضوعيا، فكلمة «ظهور العيب» فى الروايات يراد بها: ان الظهور طريق، اذ لو لا الظهور لم يكن يعرف من انتقل إليه المعيب انه معيب حتى يرده.

هذا بالإضافة الى بعض الاخبار التى تشبه النص في كون نفس العيب سببا كالمروى عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: كان على عليه السلام لا يرد الجارية بعيب اذا وطئت.

ص: 39

لكنها لا تدل على العلية التامة، فلعل الظهور شرط.

و كيف كان فالتحقيق ما ذكرنا في خيار الغبن من وجوب الرجوع فى كل حكم من احكام هذا الخيار الى دليله، و انه يفيد ثبوته بمجرد العيب او بظهوره.

______________________________

(لكنها لا تدل على العلية التامة) بان يكون العيب علة تامة سواء كان ظهور، أم لا (فلعل الظهور) للعيب (شرط) فى ثبوت الخيار، و ذلك للجمع بين ما دل على ان السبب هو العيب، و ما دل على لفظ الظهور الظاهر في مدخليته أيضا.

(و كيف كان فالتحقيق ما ذكرنا في خيار الغبن من وجوب الرجوع فى كل حكم من احكام هذا الخيار الى دليله، و) ذلك حتى نعرف من الدليل هل (انه يفيد ثبوته) اى ثبوت الخيار (بمجرد العيب، او بظهوره) اى ظهور العيب.

مثلا: اذا شككنا في انه هل يمكن اسقاط هذا الخيار قبل ظهور العيب، أم لا؟ فاللازم ان نرجع الى الدليل الذي يدل على ان الاسقاط مسقط أم ليس بمسقط.

و اذا شككنا في انه هل ان حق الاخذ بهذا الخيار قبل ظهور العيب أم بعد ظهور العيب، فاللازم ان نرجع الى الدليل الّذي يدل على مثبت هذا الخيار في انه هل هو نفس العيب، أم ظهوره و هكذا فى كل مورد مورد، اذ من الممكن ان يكون حكم لظهوره و حكم لاصل العيب، كان يكون حكم جواز الاسقاط لما بعد العيب، و ان لم يكن ظهور

ص: 40

و المرجع فيما لا يستفاد من دليله احد الامرين هى القواعد، فافهم.

ثم انه لا فرق في هذا الخيار بين الثمن و المثمن كما صرح به العلامة و غيره هنا و في باب الصرف فيما اذا ظهر احد عوضى الصرف معيبا.

و الظاهر: انه مما لا خلاف فيه

______________________________

و حكم الاخذ بالخيار لما بعد الظهور لا لما بعد العيب.

(و المرجع فيما لا يستفاد من دليله) انه حكم العيب او حكم ظهور العيب (احد الامرين) فاعل ل «لا يستفاد» (هى القواعد) الاولية، مثل:

اطلاق ادلة الوفاء بالعقد، و الحاصل انه اذا لم يكن دليل خاص رجعنا الى الدليل العام (فافهم) حيث ان الظاهر ان الاحكام المترتبة على الخيار كلها متلازمة، لا ان بعض الاحكام مترتبة على نفس العيب، و بعض الاحكام مترتبة على ظهور العيب.

(ثم انه لا فرق في هذا الخيار بين الثمن و المثمن).

فكما ان المثمن اذا كان معيبا كان للمشترى الرد، كذلك اذا كان الثمن معيبا كان للبائع الرد، و ذلك بخلاف خيار الحيوان الّذي هو ثابت فيما اذا كان المثمن حيوانا، لا ما اذا كان الثمن حيوانا (كما صرح به العلامة و غيره هنا) فى باب خيار العيب (و في باب الصرف) و هو بيع الاثمان، اى الذهب و الفضة (فيما اذا ظهر احد عوضى الصرف) و هو المثمن او الثمن (معيبا) و انه هل يبطل البيع، أم لا؟

(و الظاهر: انه مما لا خلاف فيه) اى عدم الفرق بين وجود الخيار

ص: 41

و ان كان مورد الاخبار ظهور العيب في المبيع، لان الغالب كون الثمن نقدا غالبا و المثمن متاعا، فيكثر فيه العيب، بخلاف النقد.

______________________________

بين المثمن و الثمن (و ان كان مورد الاخبار ظهور العيب في المبيع) فقط.

و انما خصت الاخبار الذكر بالمثمن (لان الغالب كون الثمن نقدا غالبا و المثمن متاعا، فيكثر فيه) اى في المثمن (العيب، بخلاف النقد) الّذي لا يكون فيه عيب غالبا.

و قد قرر في موضعه ان المورد لا يخصص، و عموم الخيار للثمن أيضا بالمناط و قاعدة لا ضرر و قاعدة تخلف الشرط و الاجماع و نحو ذلك.

ص: 42

القول فى مسقطات هذا الخيار بطرفيه او احدهما
مسألة: يسقط الردّ خاصة بامور.
احدها: التصريح بالتزام العقد، و اسقاط الرد، و اختيار الارش.

______________________________

(القول في مسقطات هذا الخيار) اى خيار العيب (بطرفيه) اى الرد و الارش (او احدهما) الرد فقط، فله حق الارش، او الارش فقط فله حق الرد.

(مسألة: يسقط الرد خاصة) فلصاحب الخيار ان يأخذ الارش (بامور)

(احدها: التصريح) من صاحب الخيار (بالتزام العقد، و اسقاط الرد، و اختيار الارش).

كما اذا قال: اشتريت هذا الشي ء و اسقط الرد فيما اذا كان معيبا او انه بعد ظهور العيب قال: اسقطت الرد، و آخذ الارش.

و انما يسقط الرد بالاسقاط، لانه حق لصاحب الخيار، فاذا اسقطه سقط، اذ هو مقتضى كونه حقا، و ليس بحكم حتى لا يسقط بالاسقاط.

اما انه حق، فلظهور ادلته في ذلك.

و اما ان الحق يسقط بالاسقاط، لانه المفهوم من الحق عرفا و شرعا فليس من قبيل حق الارث الّذي لا يحق للوارث ان يسقطه، او من قبيل حق السلام الذي ليس للانسان ان يسقط حق سلام الغير له، بل من قبيل حق النفقة للزوجة، و حق التحجير، و ما اشبه.

ص: 43

و لو اطلق الالتزام بالعقد فالظاهر عدم سقوط الارش.

و لو اسقط الخيار فلا يبعد سقوطه.

الثانى: التصرف في المعيب عند علمائنا

كما في التذكرة.

و في السرائر الاجماع على ان التصرف يسقط الرد بغير خلاف

______________________________

و كلما شك في حق انه قابل للاسقاط، أم لا، فالظاهر ان مقتضى القاعدة اصالة الاسقاط.

و لو شك في انه هل سقط أم لا و لم يكن عموم او اطلاق فالاستصحاب يقتضي العدم و يدل عليه او يؤيده روايات باب سقوط خيار من اوجب البيع على نفسه و رضى، كما في الوسائل و المستدرك من ابواب الخيارات فراجع.

(و لو اطلق الالتزام بالعقد) بان قال: اشتريت هذا الشي ء و انى ملتزم بالعقد (فالظاهر عدم سقوط الارش) و انما يسقط الرد خاصة، اذ الارش لا ينافي الالتزام بالعقد، و انما الرد ينافيه.

نعم: اذا قصد الالتزام بمعنى قطع العلاقة كليا مع الطرف الآخر كان لازمه سقوط الارش أيضا.

(و لو اسقط الخيار) بان قال: اشتريت و اسقطت الخيار (فلا يبعد سقوطه) او الارش أيضا- كما يسقط الرد- اذ الارش من فروع الخيار، فاذا سقط الخيار سقط الارش، كما يسقط الرد.

(الثانى) من مسقطات الرد خاصة دون الارش (التصرف) من صاحب الخيار (فى المعيب عند علمائنا كما في التذكرة) نسبة ذلك الى العلماء

(و في السرائر الاجماع على ان التصرف يسقط الرد بغير خلاف

ص: 44

منهم، و نحوه المسالك، و سيأتى الخلاف في الجملة من الاسكافى و الشيخين و ابن زهرة و ظاهر المحقق، بل المحقق الثانى.

و استدل عليه- فى التذكرة أيضا تبعا للغنية- بان تصرفه فيه رضا منه به على الاطلاق، و لو لا ذلك كان ينبغى له الصبر و الثبات حتى يعلم حال صحته و عدمها.

______________________________

منهم، و نحوه) عبارة (المسالك، و سيأتى الخلاف في الجملة من الاسكافى و الشيخين و ابن زهرة و ظاهر المحقق، بل) و (المحقق الثانى) صاحب جامع المقاصد و انهم لا يرون ان التصرف مطلقا مسقط للرد.

(و استدل عليه-) اى على السقوط للردّ بالتصرف (فى التذكرة أيضا تبعا للغنية- بان تصرفه فيه) اى صاحب الخيار، فى المعيب (رضاء منه) اى من صاحب الخيار (به) اى بالمعيب (على الاطلاق) اى سواء رضى قلبا، أم لا (و لو لا ذلك) اى لو لا رضاه بالمعيب (كان ينبغى له الصبر و الثبات حتى يعلم حال صحته) اى هل انه صحيح (و عدمها) أم ليس بصحيح؟

فالدليل هكذا «التصرف رضا» و «الرضا مسقط».

اما ان التصرف رضا، فلانه لو لم يرض لم يتصرف.

و اما ان الرضا مسقط، لان الرضا عبارة اخرى عن الاسقاط.

و انت خبير بما فيهما من الاشكال، اذ ليس التصرف ملازما للرضا، كما ان الرضا لا دليل على كونه مسقطا، كما ان الرضا ليس عقدا الا فيما اذا كان هناك دليل خاص.

ص: 45

و بقول ابى جعفر عليه السلام في الصحيح ايّما رجل اشترى شيئا و به عيب او عوار و لم يتبرأ إليه، و لم يتبين له فاحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار و بذلك العيب، فانه يمضى عليه البيع، و يرد عليه بقدر ما ينقص من ذلك الداء، و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به.

و يدل عليه مرسلة جميل عن ابى عبد اللّه عليه السلام في الرجل يشترى الثوب او المتاع، فيجد به عيبا قال: ان كان الثوب قائما بعينه رده على صاحبه و اخذ الثمن، و ان كان الثوب قد

______________________________

(و بقول ابى جعفر عليه السلام في الصحيح ايّما رجل اشترى شيئا و به عيب او عوار) العيب كنقص رجل الدابة، و العوار ككونها مجروحة، مثلا (و لم يتبرأ) البائع (إليه) اى الى المشترى بان يقول له: انى ابيعك هذا الشي ء، و انى برئ من عيبه (و لم يتبين) العيب (له) اى للمشترى، اذ لو تبين له انه معيب و اشتراه، لم يكن له الحق في الخيار لانه اقدم على المعيب، اى كان العيب مجهولا لديه (فاحدث) المشترى (فيه) اى في المعيب (بعد ما قبضه شيئا) كان فصّل القماش ثوبا- مثلا- (ثم علم بذلك العوار و بذلك العيب، فانه يمضى) و ينفذ (عليه) اى على المشترى (البيع، و يرد) البائع (عليه بقدر ما ينقص من ذلك الداء، و العيب من ثمن ذلك) المبيع (لو لم يكن به) عيب.

(و يدل عليه مرسلة جميل عن ابى عبد اللّه عليه السلام في الرجل يشترى الثوب او المتاع، فيجد به عيبا) ما حكمه؟ (قال: ان كان الثوب قائما بعينه ردّه) المشترى (على صاحبه و اخذ الثمن، و ان كان الثوب قد

ص: 46

قطع او خيط او صبغ، رجع بنقصان العيب هذا.

و لكن الحكم بسقوط الرد بمطلق التصرف حتى مثل قول المشترى للعبد المشترى ناولنى الثوب، او اغلق الباب- على ما صرح به العلامة فى التذكرة- في غاية الاشكال، لاطلاق قوله عليه السلام ان كان الثوب قائما بعينه رده، المعتضد بإطلاق الاخبار في الرد

______________________________

قطع او خيط) بلا قطع (او صبغ، رجع) المشترى على البائع (بنقصان العيب) اى التفاوت بين الصحيح و المعيب.

و الرضوى في الرجل يشترى المتاع فيجد به عيبا يوجب الرد، فان كان المتاع قائما بعينه، ردّ على صاحبه و ان كان قد قطع او خيط او حدث فيه حادثة، رجع فيه بنقصان العيب على سبيل الارش.

و عن دعائم الاسلام عن الصادق عليه السلام، انه قال: اذا اشترى القوم متاعا، فقوموه و اقتسموه ثم اصاب بعضهم فيما صار إليه عيبا فله قيمة العيب (هذا) فى الجملة مما لا اشكال فيه.

(و لكن الحكم بسقوط الرد بمطلق التصرف حتى مثل قول المشترى للعبد المشترى)- بصيغة المفعول- (ناولنى الثوب، او اغلق الباب- على ما صرح به العلامة في التذكرة-) فانه يرى سقوط الخيار بهذه الامور فهو (فى غاية الاشكال).

وجه الاشكال (لاطلاق قوله عليه السلام ان كان الثوب قائما بعينه ردّه) فان العبد قائم بعينه، و لو قال له: ناولنى او اغلق (المعتضد بإطلاق الاخبار في الرد) اى الاخبار الدالة على ان المعيب يرد بالعيب

ص: 47

خصوصا ما ورد في ردّ الجارية بعد ما لم تحض ستة اشهر عند المشترى، و رد المملوك في احداث السنة و نحو ذلك مما يبعد التزام التقييد فيه بصورة عدم التصرف فيه بمثل: اغلق الباب، و نحوه و عدم ما يصلح للتقييد

______________________________

(خصوصا ما ورد في ردّ الجارية بعد ما لم تحض ستة اشهر عند المشترى).

اذ من المعلوم ان المولى في طول هذه المدة امرها بأوامر كثيرة، اذ حمل ذلك على ما لم يأمرها بامر، حمل على فرد شاذ جدا (و ردّ المملوك فى احداث السنة) فان المملوك اذ احدث فيه في السنة حدث كالجنون و الجذام و البرص و القرن- فى المرأة- كان للمشترى ان يرده و الاخبار بذلك كثيرة و من المعلوم ان المولى امره في السنة بأوامر كثيرة (و نحو ذلك) كاخبار سقوط خيار الحيوان بالتصرف، لوحدة المناط في الحيوان و غيره (مما يبعد التزام التقييد فيه) اى فيما ورد في رد الجارية و العبد (بصورة عدم التصرف فيه) اى في المبيع و هو العبد او الجارية تصرفا (بمثل: اغلق الباب، و نحوه) مما ذكره العلامة، فلا يمكن ان يقال: ان الامة و العبد، اذا تصرف فيهما المولى، بان قال لهما: اغلق الباب، فلا رد.

و ما دل على انهما يردان باحداث السنة و بعد ستة اشهر، انما هو فيما اذا لم يتصرف المولى فيهما بمثل هذا التصرف فان هذا التقييد فى كمال البعد.

و الحاصل: ان ما دل على ان التصرف في المبيع مسقط للخيار، لا يشمل مثل هذا التصرف اى اغلق الباب و نحوه (و عدم ما يصلح للتقييد)

ص: 48

مما استدل به للسقوط.

فان مطلق التصرف لا يدل على الرضا، خصوصا مع الجهل بالعيب.

و اما المرسلة فقد عرفت اطلاقها لما يشمل لبس الثوب و استخدام العبد، بل وطئ الجارية

______________________________

هذا عطف على قوله «لاطلاق».

اى ان ما ذكره في التذكرة مشكل لوجود اطلاق الاخبار بالرد- و ان تصرف فيه بمثل اغلق الباب- و عدم وجود مقيد لتلك الاخبار، بان يقيدها بصورة عدم التصرف، بمثل اغلق الباب اى تقييد تلك الاطلاقات، بعدم قوله: مثل اغلق الباب (مما استدل به للسقوط) اى سقوط الخيار و «مما» بيان «ما يصلح».

و ذلك لانهم استدلوا لسقوط الخيار بسبب التصرف بانه رضى بالبيع و من المعلوم ان مثل «اغلق الباب» ليس كاشفا عن الرضا.

(فان مطلق التصرف لا يدل على الرضا، خصوصا مع الجهل بالعيب) فان الجاهل بالعيب اذا تصرف تصرفا خفيفا، لم يدل تصرفه على الرضا

(و اما المرسلة) اى مرسلة جميل (فقد عرفت اطلاقها) فى جواز الردّ بالعيب (لما يشمل لبس الثوب و استخدام العبد، بل وطئ الجارية) فان كل ذلك لا يمنع من الرد، لاطلاق المرسلة انه يجوز الرد و ان حدث كل ذلك، لانها قالت: ان كان الثوب قائما بعينه.

و من المعلوم انه حتى وطى الجارية لا يضر بصدق «قائما بعينه» بل العين قائمة.

ص: 49

لو لا النص المسقط للخيار به.

و اما الصحيحة فلا يعلم المراد من احداث شي ء في المبيع.

لكن الظاهر بل المقطوع عدم شموله لغة و لا عرفا لمثل استخدام العبد و شبهه مما مرّ من الامثلة، فلا تدل على ازيد مما دل عليه ذيل المرسلة من ان العبرة بتغير العين، و عدم قيامها بعينها.

______________________________

و قوله «فقد عرفت اطلاقها» اى حين قلنا «لاطلاق قوله ان كان الثوب».

نعم انما كنا نقول بان وطى الجارية لا يسقط الخيار (لو لا النص المسقط للخيار به) اى بالوطى، فالوطى و ان كان لا ينافى صدق «قائما بعينه» الا ان النص دل على انه مسقط للخيار.

(و اما الصحيحة) اى الصحيحة المروية عن ابى جعفر عليه السلام (ف) لا تدل على كلام العلامة، بان «اغلق الباب» مسقط للخيار، لانه و ان (لا يعلم المراد من احداث شي ء في المبيع) هل المراد بالاحداث مثل قطع الثوب او يشمل حتى مثل لبسه؟- مثلا-.

(لكن الظاهر) من لفظ «الاحداث» عرفا (بل المقطوع عدم شموله) اى «الاحداث» (لغة و لا عرفا لمثل استخدام أم العبد و شبهه) كلبس الثوب- مثلا- (مما مرّ من الامثلة) مثل: اغلق الباب، و ناولنى الثوب (فلا تدل) الصحيحة (على ازيد مما دل عليه ذيل المرسلة) من قوله عليه السلام: و ان كان الثوب قد قطع الخ (من ان العبرة بتغير العين، و عدم قيامها بعينها) عرفا.

ص: 50

اللهم الا ان يستظهر بمعونة ما تقدم في خيار الحيوان من النص الدال على ان المراد باحداث الحدث في المبيع هو ان ينظر الى ما حرم النظر إليه قبل الشراء، فاذا كان مجرد النظر المختص بالمالك حدثا دل على سقوط الخيار هنا بكل تصرف فيكون ذلك النص دليلا على المراد

______________________________

(اللهم الا ان يستظهر) قول العلامة القائل بان: اغلق الباب، و ناولنى الثوب، موجب لسقوط خيار العيب بالنسبة الى الردّ.

و انما يحق له الارش فقط (بمعونة ما تقدم في خيار الحيوان من النص الدال على) سقوط الخيار باحداث الحدث، حيث قال عليه السلام فى صحيحة ابن رئاب في جواب السائل بقوله «ما الحدث»: فان لامس او قبّل او نظر الى ما يحرم النظر إليه قبل الشراء (ان المراد باحداث الحدث في المبيع هو ان ينظر الى ما حرم النظر إليه قبل الشراء).

فقوله «ان المراد» نائب فاعل «يستظهر» بتقريب ان الحدث فى خيار الحيوان و خيار العيب واحد، فاذا كان الحدث في خيار الحيوان يشمل مثل النظر، كان اللازم ان يشمل الحدث في خيار العيب مثل:

اغلق الباب، و ناولنى الثوب (فاذا كان مجرد النظر المختص بالمالك حدثا) فى باب خيار الحيوان، و كان الحدث له معنى واحد هناك و فى باب خيار العيب- لبعد أن يكون للحدث معنى في هذا الباب مخالفا لمعناه في باب خيار الحيوان- (دل) النص في باب خيار الحيوان (على سقوط الخيار هنا) اى في باب العيب (بكل تصرف) و لو مثل:

اغلق الباب (فيكون ذلك النص دليلا على المراد

ص: 51

بالحدث هنا، و هذا حسن.

لكن اقامة البينة على اتحاد معنى الحدث في المقامين مع عدم مساعدة العرف على ظهور الحدث في هذا المعنى مشكلة.

ثم انه اذا قلنا: بعموم الحدث في هذا المقام لمطلق التصرف، فلا دليل على كونه من حيث الرضا بالعقد.

______________________________

بالحدث هنا) فى خيار العيب (و هذا) الاستدلال لكلام العلامة بالنص الوارد في خيار الحيوان (حسن) فى نفسه.

(لكن اقامة البينة على اتحاد معنى الحدث في المقامين) الحيوان و العيب (مع عدم مساعدة العرف على ظهور الحدث في هذا المعنى) الشامل لمثل: اغلق الباب، (مشكلة) اذ: لما لم يكن الحدث معناه ذلك، كان اللازم ان يحمل لفظ الحدث في اخبار الحيوان، على المجاز

و اذا استعمل لفظ مجازا، فى باب، فليس معناه ان ذلك اللفظ كلما استعمل اريد به ذلك المعنى المجازى.

هذا بالإضافة الى المناقشة في اصل كون الحدث استعمل في باب خيار الحيوان في مثل النظر و اللمس، و انما الظاهر ان الامام «ع» اجاب بما يفيد الحكم، لا بما يفيد تفسير «الحدث» الواقع في كلام السائل، فراجع الحديث بتمامه.

(ثم انه اذا قلنا: بعموم الحدث في هذا المقام) الى خيار العيب (لمطلق التصرف) حتى مثل: اغلق الباب (فلا دليل على كونه) اى على كون الحدث مسقطا للرد (من حيث الرضا بالعقد) بل الحدث مسقط

ص: 52

فلا يتقيد بالتصرف الدال عليه، و ان كان النص في خيار الحيوان دالا على ذلك بقرينة التعليل المذكور فيه على الوجوه المتقدمة هناك فى المراد من التعليل.

لكن كلمات كثير منهم في هذا المقام أيضا يدل على سقوط هذا الخيار بالتصرف من حيث الرضا، بل عرفت من التذكرة و الغنية ان علة

______________________________

للردّ، سواء رضى به المحدث أم لا، و ذلك لاطلاق ادلة ان الحدث يسقط الرد (فلا يتقيد) الحدث المسقط (بالتصرف الدال عليه) اى على الرضا (و ان كان النص في خيار الحيوان دالا على ذلك) اى على ان المسقط هو التصرف الدال على الرضا (بقرينة التعليل المذكور فيه) حيث علل الامام عليه السلام اسقاط التصرف للخيار بقوله: لانه رضى بالبيع (على الوجوه المتقدمة هناك) فى خيار الحيوان (فى المراد من التعليل) اى ما هو المراد من الرضا، هل هو الرضا النوعى او الشخصى او غيرهما؟

و انما لا نقول هنا بتقيد التصرف بما يدل على الرضا، و ذلك لاطلاق الادلة هنا، دون هناك.

(لكن كلمات كثير منهم) اى من الفقهاء (فى هذا المقام) اى مقام خيار العيب (أيضا يدل على سقوط هذا الخيار بالتصرف من حيث الرضا) و ان التصرف انما يسقط الرد لانه يدل على الرضا (بل عرفت من التذكرة و الغنية) فى اوّل المبحث عند قولنا «الثانى التصرف في المعيب عند علمائنا، الخ» (ان علة

ص: 53

السقوط دلالة التصرف نوعا على الرضا.

و نحوه في الدلالة على كون السقوط بالتصرف من حيث دلالته على الرضا كلمات جماعة ممن تقدم عليه و من تأخر عنه.

قال في المقنعة: فان لم يعلم المبتاع بالعيب حتى احدث فيه حدثا لم يكن له الرد، و كان له ارش العيب خاصة، و كذلك حكمه اذا احدث فيه حدثا بعد العلم.

و لا يكون احداثه الحدث بعد المعرفة بالعيب رضاء به منه، انتهى

______________________________

السقوط) للخيار بالتصرف (دلالة التصرف نوعا) اى دلالة نوعية، فان نوع من يتصرف في المعيب راض عن البيع، و لا يريد الرد (على الرضا) متعلق ب «دلالة».

(و نحوه) اى نحو كلام العلامة (فى الدلالة على كون السقوط بالتصرف) انما هو (من حيث دلالته) اى التصرف (على الرضا كلمات جماعة ممن تقدم عليه و من تأخر عنه) الضمير عائد الى العلامة.

(قال) المفيد (فى المقنعة: فان لم يعلم المبتاع) اى المشترى (بالعيب حتى احدث فيه حدثا لم يكن له الرد، و كان له ارش العيب خاصة، و كذلك حكمه) اى له الارش خاصة، و لا حق له في الرد (اذا احدث فيه حدثا بعد العلم) بالعيب.

(و) انما نقول: بان الحدث لا يسقط الارش- كما يسقط الرد- اذ (لا يكون احداثه الحدث بعد المعرفة بالعيب رضاء به) اى بالعيب (منه) اى من المشترى، فلا يسقط الارش (انتهى).

ص: 54

فان تعليله عدم سقوط الارش بعدم دلالة الاحداث على الرضا بالعيب ظاهر- خصوصا بملاحظة ما يأتى من كلام غيره- فى ان سقوط الرد بالحدث لدلالته على الرضا باصل البيع.

و مثلها عبارة النهاية من غير تفاوت، و قال

______________________________

و انما علل المفيد صورة «المعرفة» و لم يذكر صورة عدم العلم، لوضوح انه اذا لم يعلم بالعيب لم يرض به قطعا.

و الحاصل: ان التصرف ليس مسقطا للارش، لانه اذا عرف العيب و تصرف لم يكن تصرفه يلازم رضاه بالمجانية حتى يسقط الارش، و اذا لم يعرف العيب فالاولى ان لا يكون تصرفه رضا.

(فان تعليله) اى المفيد (عدم سقوط الارش) بالتصرف (بعدم دلالة الاحداث على الرضا بالعيب).

و قوله: (ظاهر)- خبر انّ- (- خصوصا بملاحظة ما يأتى من كلام غيره- فى ان سقوط الرد بالحدث لدلالته) اى التصرف (على الرضا باصل البيع) و ان الرضا باصل البيع اوجب سقوط الرد.

و الحاصل ان المشترى اذا تصرف بعد العلم لم يسقط الارش و سقط الرد.

و انما لا يسقط الارش، لان التصرف لا يدل على الرضا بسقوط الارش و هذا الكلام انما يفيد سقوط الرد، لان التصرف يدل على الرضا بسقوط الرد.

(و مثلها) اى مثل عبارة المقنعة (عبارة النهاية من غير تفاوت و قال

ص: 55

فى المبسوط اذا كان المبيع بهيمة، فاصاب بها عيبا، كان له ردها، فاذا كان في طريق الردّ جاز له ركوبها و علفها و سقيها و حلبها و اخذ لبنها و ان نتجت كان له نتاجها، كل هذا لانه ملكه و له فيه فائدته، و عليه مئونته و الرد لا يسقط لانه انما يسقط الرد بالرضا بالمعيب، او ترك الرد بعد العلم به، او بان يحدث فيه عيب عنده، و ليس هنا شي ء من ذلك، انتهى.

و قال في الغنية و لا يسقط بالتصرف بعد العلم بالعيب حق المطالبة بالارش

______________________________

فى المبسوط) أيضا (اذا كان المبيع بهيمة، فاصاب) المشترى (بها عيبا كان له ردها، فاذا كان في طريق الردّ جاز له ركوبها و علفها و سقيها و حلبها و اخذ لبنها و ان نتجت كان له نتاجها، كل هذا) اى كل هذا التصرف في الحيوان انما يجوز (لانه ملكه و له فيه) اى في الملك (فائدته و عليه مئونته) اى مصارف الحيوان (و الرد لا يسقط) بهذه التصرفات (لانه انما يسقط الرد بالرضا بالمعيب) و لا رضا هنا، لفرض انه في طريق الرد (او ترك الرد بعد العلم به) اى بالعيب (او بان يحدث فيه) اى في المبيع (عيب عنده) اى عند المشترى، لان حدوث العيب في المبيع يوجب عدم تمكن المشترى من الرد بسبب العيب القديم، لدلالة الدليل على ذلك (و ليس هنا) اى في طريقه للرد (شي ء من ذلك) اى مما ذكرناه من اسباب الرد (انتهى).

(و قال في الغنية: و لا يسقط بالتصرف بعد العلم بالعيب حق المطالبة بالارش) «حق» فاعل «لا يسقط»

ص: 56

لان التصرف دلالة الرضا بالبيع، لا بالعيب انتهى.

و في السرائر قال- فى حكم من ظهر على عيب فيما اشتراه-: و لا يجبر على احد الامرين، يعنى الرد و الارش.

قال: هذا اذا لم يتصرف فيه تصرفا يؤذن بالرضا في العادة او ينقص قيمته بالتصرف انتهى.

و في الوسيلة و يسقط الرد باحد ثلاثة اشياء بالرضا، و بترك الرد بعد العلم به اذا عرف ان له الرد، و بحدوث عيب آخر عنده، انتهى.

______________________________

(لان التصرف دلالة الرضا بالبيع) فلا ردّ (لا بالعيب) حتى يسقط الارش أيضا (انتهى).

(و في السرائر قال- فى حكم من ظهر على عيب فيما اشتراه-: و لا يجبر) المشترى- بصيغة المجهول- (على احد الامرين، يعنى الرد و الارش) بل له ان يردّه و له ان يأخذ الارش.

(قال: هذا) الاختيار بين الرد و الارش (اذا لم يتصرف فيه تصرفا يؤذن بالرضا في العادة) بان تكون عادة العرف انهم اذا تصرفوا بمثل هذا التصرف كانوا راضين بالبيع (او ينقص قيمته بالتصرف) و الا لم يكن له الامران، بل الارش خاصة (انتهى).

(و في الوسيلة) قال: (و يسقط الرد باحد ثلاثة اشياء، بالرضا) بالبيع (و بترك الردّ بعد العلم به) اى بالعيب (اذا عرف ان له الرد) فانه اذا لم يعرف ان له الرد، لم يكن تصرفه مؤذنا بالرضا (و بحدوث عيب آخر عنده، انتهى).

ص: 57

و هى بعينها كعبارة المبسوط المتقدمة ظاهرة في ان التصرف ليس بنفسه مسقطا الا اذا دل على الرضا.

و قال في التذكرة لو ركبها ليسقيها، ثم يردها لم يكن ذلك رضاء منه بامساكها، و لو حلبها في طريق الرد، فالاقوى انه تصرف يؤذن بالرضا بها.

و قال بعض الشافعية: لا يكون رضاء بامساكه، لان اللبن ما له قد استوفاه في حال الردّ انتهى.

و في جامع المقاصد و المسالك- فى رد ابن حمزة القائل بان التصرف بعد العلم يسقط الارش أيضا-: ان التصرف لا يدل على اسقاط الارش.

______________________________

(و هى) اى عبارة الوسيلة (بعينها كعبارة المبسوط المتقدمة ظاهرة في ان التصرف ليس بنفسه مسقطا الا اذا دل على الرضا) بالبيع

(و قال في التذكرة لو ركبها ليسقيها، ثم يردها لم يكن ذلك رضا منه بامساكها) حتى يكون مسقطا للرد (و لو حلبها في طريق الرد فالاقوى انه تصرف يؤذن) اى يشعر (بالرضا بها) اى بالمعاملة.

(و قال بعض الشافعية: لا يكون) الحلب (رضا بامساكه، لان اللبن ماله قد استوفاه في حال الرد) فلا يدل على الرضا (انتهى).

(و في جامع المقاصد و المسالك- فى رد ابن حمزة القائل بان التصرف بعد العلم يسقط الارش أيضا-: ان التصرف لا يدل على اسقاط الارش) فلا وجه للقول بسقوط الارش بالتصرف.

ص: 58

نعم يدل على الالتزام بالعقد.

و في التحرير: لو نقل المبيع، او عرضه للبيع، او تصرف فيه بما يدل على الرضا قبل علمه بالعيب و بعده، سقط الرد انتهى.

و قد ظهر من جميع ذلك ان التصرف من حيث هو ليس مسقطا و انما هو التزام و رضاء بالعقد فعلا، فكل تصرف يدل على ذلك عادة فهو مسقط و ما ليس كذلك فلا دليل على الاسقاط به، كما لو وقع نسيانا او للاختبار.

______________________________

(نعم يدل على الالتزام بالعقد) فلا يحق له الرد.

(و) قال (فى التحرير: لو نقل المبيع، او عرضه للبيع، او تصرف فيه بما يدل على الرضا قبل علمه بالعيب و بعده، سقط الرد) خاصة (انتهى).

(و قد ظهر من جميع ذلك) اى الكلمات التى نقلناها من الفقهاء (ان التصرف من حيث هو) تصرف (ليس مسقطا) لخيار العيب (و انما هو) مسقط من حيث انه (التزام و رضاء بالعقد) التزاما (فعلا) فى مقابل الالتزام القولى، فقد يقول انى ملتزم، و قد يعمل عملا يدل على الالتزام، فالمسقط هو الرضا المكشوف عنه بالقول او الفعل (فكل تصرف يدل على ذلك) اى الرضا (عادة) اى في العادة و العرف (فهو مسقط) للخيار (و ما ليس كذلك) اى دالا على الرضا عادة (فلا دليل على الاسقاط به) اى في كلام الفقهاء، و الا فقد عرفت اطلاق الادلة (كما لو وقع) التصرف (نسيانا) اى تصرفا صادرا عن النسيان، كان اراد ان يتصرف في دابته القديمة، فتصرف في الدابة المشتراة جديدا- مثلا- (او للاختبار) و

ص: 59

و مقتضى ذلك انه لو وقع التصرف قبل العلم بالعيب، لم يسقط، خصوصا اذا كان مما يتوقف العلم بالعيب عليه و حصل بقصد الاختبار، الا ان المعروف خصوصا بين العلامة، و من تأخر عنه عدم الفرق في السقوط بالتصرف بين وقوعه قبل العلم بالعيب، او بعده.

و الّذي ينبغى ان يقال

______________________________

الامتحان.

فان هذين التصرفين لا يدلان على الرضا، بل على عكس ذلك، و انه لم يرض بعد.

(و مقتضى ذلك) الّذي ذكرناه من ان التصرف المسقط هو الدال على الرضا (انه لو وقع التصرف قبل العلم بالعيب، لم يسقط) الخيار لانه ليس دالا على الرضا (خصوصا اذا كان) التصرف الواقع قبل العلم بالعيب (مما يتوقف العلم بالعيب عليه) كركوب الدابة ليعرف مدى سرعتها و بطئها في المشى (و حصل) ذلك التصرف (بقصد الاختبار) اذ التصرف الاختبارى يقابل التصرف الرضائى (الا ان المعروف خصوصا بين العلامة و من تأخر عنه عدم الفرق في السقوط) للخيار (بالتصرف بين وقوعه قبل العلم بالعيب، او بعده) و هذا ينافى قولهم ذلك.

(و الّذي ينبغى ان يقال) ان التصرف ان كان مغيرا، كان مانعا عن الرد، و لو كان قبل العلم او بقصد الاختبار، لانه المصرح به فى النصوص.

و ان لم يكن مغيرا، فان كان مقارنا لا نشاء الرضا اسقط الخيار

ص: 60

- و ان كان ظاهر المشهور خلافه- ان التصرف بعد العلم مسقط للرد اذا كان دالا بنوعه على الرضا كدلالة اللفظ على معناه، لا مطلق التصرف

و الدليل على اسقاطه مضافا الى انه التزام فعلى فيدل عليه ما يدل على اعتبار الالتزام اذا دل عليه باللفظ

______________________________

أيضا، لانه رضا، و عموم الادلة او مناطها يشمله، و الا لم يكن مسقطا، اذ لا دليل على الاسقاط في غير هاتين الصورتين.

اما ما ذكره المصنف فلا يخلو من اشكال.

و كيف كان فالذى ينبغى ان يقال بنظره «ره» (- و ان كان ظاهر المشهور خلافه-) اذ المشهور لم يفصلوا التفصيل الذي نذكره (ان التصرف بعد العلم) بالعيب (مسقط للرد) خاصة، لا للارش، فله ان يأخذ الارش (اذا كان دالا بنوعه) و ان لم يكن دالا بفرده (على الرضا كدلالة اللفظ على معناه).

منتهى الامر ان اللفظ قول دال، و ما نحن فيه عمل دال، و كلاهما يدلان على إرادة المستعمل- لفظا او عملا- لهذا المعنى (لا مطلق التصرف) عطف على «اذا كان».

(و الدليل على اسقاطه) اى اسقاط مثل هذا التصرف للرد (مضافا الى انه) اى ان هذا التصرف (التزام فعلى) فى مقابل الالتزام اللفظى (فيدل عليه) اى على كونه مسقطا (ما يدل على اعتبار الالتزام اذا دل عليه) اى على ذلك الالتزام (باللفظ) و «دل» بصيغة المجهول، فان الخيار حق، و الحق قابل للاسقاط الا اذا دل الدليل على انه غير قابل

ص: 61

ما تقدم في خيار الحيوان، من تعليل السقوط بالحدث بكونه رضا بالبيع

و لذا تعدّينا الى خيار المجلس و الشرط، و حكمنا بسقوطهما بالتصرف فكذلك خيار العيب.

و اما التصرف قبل العلم بالعيب، فان كان مغيرا للعين بزيادة او نقيصة او تغير هيئة او ناقلا لها بنقل لازم، او جائز.

______________________________

للاسقاط كحق السلام و ما اشبه.

و قوله: (ما تقدم)- خبر «و الدليل على ذلك»- (فى خيار الحيوان من تعليل) الامام عليه السلام (السقوط) لخيار الحيوان (بالحدث) فى الحيوان (بكونه رضاء بالبيع) «بكونه» متعلق ب «التعليل».

فانه انما يسقط خيار الحيوان باحداث الحدث فيه، لان الحدث دليل الرضا، و هذه العلة في خيار الحيوان عامة تشمل ما نحن فيه.

(و لذا) الّذي كانت العلة في خيار الحيوان عامة (تعدّينا) من خيار الحيوان (الى خيار المجلس و الشرط، و حكمنا بسقوطهما بالتصرف) و ان لم يكن فيهما دليل خاص (فكذلك) فى (خيار العيب) نحكم بسقوطه بالتصرف.

(و اما التصرف) فى المبيع (قبل العلم بالعيب، فان كان مغيرا للعين بزيادة) فى العين كاضافة الماء على اللبن (او نقيصة) كشرب بعض اللبن (او تغير هيئة) كقطع الثوب (او ناقلا لها بنقل لازم) كبيعها (او جائز) كهبتها هيبة يمكن ارجاعها.

ص: 62

و بالجملة صار بحيث لا يصدق معه قيام الشي ء بعينه، فهو مسقط أيضا، لمرسلة جميل المتقدمة.

و يلحق بذلك تعذر الرد بموت او عتق او اجارة او شبه ذلك.

______________________________

(و بالجملة صار) المتاع (بحيث لا يصدق معه) اى مع هذا الحدث الحادث فيه (قيام الشي ء بعينه، فهو) اى هذا التصرف المغيّر (مسقط أيضا) للخيار (لمرسلة جميل المتقدمة) لقوله عليه السلام فيها: ان كان الثوب قائما بعينه ...

(و يلحق بذلك) اى بعدم قيام الشي ء بعينه فيسقط الخيار (تعذر الرد) للمبيع، و ان كان قائما بعينه (بموت او عتق او اجارة او شبه ذلك)

و لا يخفى ان ذكر الموت غير مناسب لان الشي ء ليس قائما بعينه اذا مات الحيوان.

و انما يلحق بذلك ما ذكره من الموارد لان المستفاد عرفا من المرسلة اعتبار امكان الرد، فكانه عليه السلام قال: ان كان باقيا على اوصافه ردّه، و الا لم يرده.

و من المعلوم انه لو اعتق او مات لم يبق على اوصافه.

لكن ربما يستشكل في هذه الاستفادة في مثل العتق و الاجارة بان حق الخيار مقدم على حق العتق و الاجارة، فاذا فسخ انفسخ ما اجراه عليه، لان العين قائمة.

و ارجاع كلام الامام عليه السلام الى ما ذكر غير واضح، او يقال: ان اسقاط هذه الامور لحق الرد لا وجه له، بل اذا ردّ، و لم يتمكن من الارجاع

ص: 63

و ظاهر المحقق في الشرائع الاقتصار على ذلك حيث قال في اوّل المسألة: و يسقط الرد باحداثه فيه حدثا، كالعتق و قطع الثوب، سواء كان قبل العلم بالعيب او بعده.

و في مسئلة ردّ المملوك من احداث السنة، فلو احدث ما يغير عينه او صفته ثبت الارش، انتهى، و هو الظاهر من المحكى عن الاسكافى حيث قال: فان وجد بالسلعة عيبا، و قد احدث فيه ما لا يمكن معه ردها الى ما كانت عليه قبله

______________________________

اعطى مثله او ثمنه.

(و ظاهر المحقق في الشرائع الاقتصار على ذلك) اى التصرف المغيّر (حيث قال في اوّل المسألة: و يسقط الرد باحداثه فيه حدثا، كالعتق و قطع الثوب، سواء كان قبل العلم بالعيب او بعده) فان مثاله خاص بمورد تغير الشي ء، فلا يشمل مثل: اغلق الباب، و ناولنى الثوب.

(و) قال المحقق (فى مسئلة ردّ المملوك من احداث السنة) كالجنون و ما اشبه فان المملوك اذا حدث فيه جنون او نحوه من يوم بيعه الى سنة كاملة، كان للمشترى ان يرده الى البائع (فلو احدث) المشترى فى المملوك (ما يغير عينه) كما لو قطع يده او فقأ عينه (او صفته) كما لو انساه الكتابة مثلا (ثبت الارش) و لا يحق له الرد (انتهى) كلام المحقق (و هو) اى اختصاص سقوط الرد بما اذا كان التصرف مغيرا هو (الظاهر من المحكى عن الاسكافى حيث قال: فان وجد بالسلعة عيبا، و قد احدث فيه ما لا يمكن معه ردها الى ما كانت عليه قبله) فى مقابل ما اذا امكن رده الى

ص: 64

كالوطى للامة، و القطع للثوب، او تعذر الردّ بموت او نحوه، كان له فضل ما بين الصحة و العيب، انتهى.

و هذا هو الّذي ينبغى ان يقتصر عليه من التصرف قبل العلم.

و اما ما عدا ذلك من التصرف قبل العلم، كحلب الدابة و ركوبها و شبه ذلك، فلا دليل على السقوط به بحيث يطمئن به النفس.

و اقصى ما يوجد لذلك صحيحة زرارة المتقدمة بضميمة ما تقدم في خيار

______________________________

الصفة السابقة، كما اذا نسى العبد الكتابة مثلا، لكن علّمه المشترى ثانيا حتى رجع الى حالته السابقة (كالوطى للامة) فان الامة لا ترجع الى غير الموطوءة (و القطع للثوب، او تعذر الردّ بموت او نحوه) كالعتق و البيع، و السقوط في البحر- مثلا- (كان له) اى للمشترى (فضل) اى تفاوت (ما بين الصحة و العيب) اى الارش (انتهى) كلامه.

(و هذا) القسم من التصرف، اى المغيّر او شبهه (هو الّذي ينبغى ان يقتصر عليه من التصرف قبل العلم) بالعيب.

نعم بعد العلم لو تصرف و لو غير مغيّر، ينبغى ان يقال: باسقاطه للردّ، لدلالته على الرضا بالعيب- كما تقدم-.

(و اما ما عدا ذلك) اى المغيّر (من التصرف قبل العلم) بالعيب (كحلب الدابة و ركوبها و شبه ذلك، فلا دليل على السقوط به) دليلا (بحيث يطمئن به النفس) فيفتى على طبقه.

(و اقصى ما يوجد لذلك) من الدليل (صحيحة زرارة المتقدمة) حيث قال عليه السلام: فاحدث فيه بعد ما قبضه شيئا (بضميمة ما تقدم في خيار

ص: 65

الحيوان من التمثيل للحدث بالنظر و باللمس.

و قيام النص و الاجماع على سقوط رد الجارية بوطيها قبل العلم مع عدم دلالته على الالتزام بالبيع، و عدم تغييره للعين.

و اطلاق معقد الاجماع المدعى في كثير من العبائر، كالتذكرة، و السرائر و الغنية، و غيرها.

و في نهوض ذلك كله

______________________________

الحيوان من التمثيل للحدث بالنظر و باللمس).

فالصحيحة تشكل الكبرى و ما ذكر في خيار الحيوان يشكل الصغرى هكذا «الحدث مسقط» «و النظر و اللمس حدث».

(و قيام النص و الاجماع على سقوط رد الجارية بوطيها قبل العلم) «و قيام» عطف على «ما تقدم» فان الوطي لا يغيّر، و مع ذلك قام النص و الاجماع على انه مسقط، فيدل على ان كل متصرف- و لو لم يكن مغيرا- يكون مسقطا (مع عدم دلالته) اى الوطي (على الالتزام بالبيع) لفرض انه وقع قبل العلم بالعيب (و عدم تغييره للعين) فاذا كان الوطي مسقطا، دل على ان كل تصرف مسقط، و ان لم يكن مغيّرا.

(و اطلاق) عطف على «ما تقدم» (معقد الاجماع) اى لفظه الّذي انصب عليه الاجماع (المدعى في كثير من العبائر كالتذكرة و السرائر و الغنية، و غيرها) من سائر الكتب التى ذكرت: ان التصرف مسقط، فان «التصرف» شامل لما اذا لم يكن مغيّرا.

(و في نهوض ذلك كله) اى «ما تقدم» و «النص و الاجماع» و

ص: 66

لتقييد اطلاق اخبار الرد خصوصا ما كان هذا التقييد فيه في غاية البعد، كالنص برد الجارية بعد ستة اشهر، و ردّ الجارية اذا لم يطأها و ردّ المملوك من احداث السنة نظر، بل منع خصوصا معاقد الاجماع فان نقلة الاجماع كالعلامة و الحلّى و ابن زهرة قد صرحوا في كلماتهم المتقدمة بان العبرة بالرضا

______________________________

«اطلاق معقد الاجماع» (لتقييد اطلاق اخبار الرد) فان اطلاقها يقول:

لك حق الرد، سواء تصرفت فيه أم لا، و الخارج من الاطلاق التصرف المغيّر، اما غير المغيّر فهو داخل في الاطلاق، فله الردّ، و ان تصرف تصرفا غير مغيّر (خصوصا ما كان) من الاخبار حاويا (هذا التقييد فيه فى غاية البعد، كالنص برد الجارية بعد ستة اشهر، و ردّ الجارية اذا لم يطأها، و ردّ المملوك من احداث السنة).

فان القول بان الرد في هذه الموارد الثلاثة مقيد بما اذا لم يقل المولى للجارية او العبد ناولنى الثوب، فاذا قال له ذلك سقط حق رده (نظر، بل منع) «مبتدأ» خبره تقدم و هو قوله «و في نهوض».

و انما كان فيه نظر، اذ يبعد جدا ان يشترى الانسان العبد او الجارية و يبقى عنده سنة او ما اشبه، و لا يأمره بمثل: اغلق الباب، فاللازم القول بإطلاق هذه الاخبار، و ان للمشترى الرد بالعيب، سواء تصرف فيه تصرفا غير مغير، أم لا (خصوصا معاقد الاجماع) لا تكون دالة على ان كل تصرف يكون مسقطا (فان نقلة الاجماع كالعلامة و الحلّى و ابن زهرة قد صرحوا في كلماتهم المتقدمة بان العبرة) فى اسقاط الخيار (بالرضا

ص: 67

بالعقد، فكان دعوى الاجماع وقعت من هؤلاء على السقوط بما يدل على الرضا من التصرف، خصوصا ابن زهرة في الغنية، حيث انه اختار ما قويناه من التفصيل بين صورتى العلم و الجهل، و المغير، و غيره حيث قال قدس سره و خامسها- يعنى مسقطات الرد- التصرف في المبيع الّذي لا يجوز مثله الا بملكه، او الاذن الحاصل له بعد العلم بالعيب

______________________________

بالعقد) فلا تدل اجماعاتهم على ان التصرف مسقط و ان لم يكن عن رضا (فكان دعوى الاجماع وقعت من هؤلاء على السقوط) للخيار، و الجار متعلق ب «دعوى» (بما يدل على الرضا) اى رضا المشترى بالمعيب (من التصرف، خصوصا) اجماع (ابن زهرة في الغنية، حيث انه اختار ما قويناه من التفصيل بين صورتى العلم) اى علم المشترى بالعيب (و الجهل، و) التصرف (المغير، و غيره) فان علم بالعيب و تصرف كان مسقطا سواء كان مغيرا أم لا، و ان جهل و تصرف كان مسقطا اذا كان مغيرا.

فان كلامه يدل على انه ليس كل تصرف مغير، بل المعيار احد الامرين اما كون التصرف مغيرا، و اما كونه عن رضا (حيث قال قدس سره و خامسها- يعنى مسقطات الرد- التصرف في المبيع) اى التصرف (الّذي لا يجوز مثله الا بملكه، او الاذن) من المالك (الحاصل) ذلك الاذن (له) اى للمتصرف، تصرفا (بعد العلم بالعيب).

مثلا: وطى الجارية لا يجوز الا للمالك، او المأذون من قبل المالك بإباحتها له.

اما التصرف الّذي يجوز لغير المالك و لغير المأذون من المالك،

ص: 68

فانه يمنع من الرد لشي ء من العيوب و لا يسقط حق المطالبة بالارش لان التصرف دلالة الرضا بالبيع، لا بالعيب.

و كذا حكمه ان كان قبل العلم بالعيب، و كان مغيرا للعين بزيادة فيه، مثل الصبغ للثوب او نقصان فيه، كالقطع للثوب، و ان لم يكن كذلك فله الرد بالعيب اذا علمه ما لم يكن وطى الجارية، فانه يمنع من ردها لشي ء من العيوب الا الحبل، انتهى كلامه.

______________________________

كقول الانسان لجارية الغير: اغلقى الباب، فان ذلك لا يكون مسقطا للرد (فانه) اى هذا القسم من التصرف (يمنع من الرد لشي ء من العيوب) اى لاى قسم من اقسام العيب (و) لكنه (لا يسقط حق المطالبة بالارش)

و انما لا يسقط الارش (لان التصرف دلالة الرضا بالبيع) و انه يريد السلعة و لا يريد ردّها (لا بالعيب) فلا يدل على انه قبل المتاع بعيبه بحيث لا يريد ارشا.

(و كذا حكمه) اى التصرف في كونه مسقطا للرد (ان كان قبل العلم بالعيب، و كان) التصرف (مغير اللعين بزيادة فيه، مثل الصبغ للثوب) فانه زيادة حكمية (او نقصان فيه، كالقطع للثوب، و ان لم يكن) التصرف (كذلك) اى مغيرا (فله الرد بالعيب اذا علمه) اى اذا علم العيب (ما لم يكن) التصرف غير المغير (وطى الجارية، فانه يمنع من ردها لشي ء من العيوب) اىّ عيب كان (الا الحبل) فان كانت حاملا قبل ذلك، كان له ردها و ان وطئها (انتهى كلامه).

ص: 69

و قد اجاد قدس سره فيما استفاده من الادلة.

و حكى عن المبسوط أيضا ان التصرف قبل العلم لا يسقط به الخيار لكن صرح بان الصبغ و قطع الثوب يمنع من الرد، فاطلاق التصرف قبل العلم محمول على غير المغيّر، و ظاهر المقنعة و المبسوط انه اذا وجد العيب بعد عتق العبد و الامة لم يكن له ردهما، و اذا وجده بعد تدبيرهما او هبتهما كان مخيرا بين الرد و اخذ ارش العيب.

و فرقا بينهما و

______________________________

(و قد اجاد قدس سره فيما استفاده من الادلة).

(و حكى عن المبسوط أيضا ان التصرف قبل العلم) بالعيب (لا يسقط به الخيار).

و كلامه هنا و ان كان مطلقا يشمل التصرف المغيّر، و غيره (لكن صرح بان الصبغ و قطع الثوب يمنع من الرد، فاطلاق) كلام الشيخ (التصرف قبل العلم) الّذي ذكر انه مانع من الرد (محمول على) التصرف (غير المغيّر، و) مع ان ما ذكره الشيخ كالمفيد من الكلى صحيح، الا ان مثالهما بالتصرف غير المغير مشكل.

فان (ظاهر المقنعة و المبسوط انه اذا وجد) المشترى (العيب بعد عتق العبد و الامة لم يكن له ردهما) لان العتق تصرف مغيّر، بل له حق اخذ الارش (و اذا وجده) اى العيب (بعد تدبيرهما او هبتهما كان مخيرا بين الرد) بعد ابطال التدبير و الهبة (و) بين (اخذ ارش العيب).

(و فرقا) اى المفيد و الشيخ (بينهما) اى بين التدبير و الهبة (و

ص: 70

بين العتق، بجواز الرجوع فيهما دون العتق.

و يردّه- مع ان مثلهما تصرف يؤذن بالرضا- مرسلة جميل، فان العين مع الهبة و التدبير غير قائمة.

و جواز الرجوع، و عدمه لا دخل له في ذلك.

و لذا

______________________________

بين العتق، بجواز الرجوع فيهما) لان كليهما عقد جائز- و من ذلك يعرف ان كلامهما في الهبة الجائزة، لا اللازمة، كما اذا كانت الهبة معوضة او بقصد القربة، او لذى رحم، او ما اشبه- (دون العتق) الّذي لا يجوز الرجوع فيه.

(و يردّه) اى يرد كلامهما في جواز الرد في الهبة و التدبير (- مع ان مثلهما) اى التدبير و الهبة (تصرف) فى المبيع (يؤذن بالرضا-) اى رضا ذى الخيار، و قد تقدم ان الرضا يوجب سقوط الخيار (مرسلة جميل) فاعل «يرده» (فان العين مع الهبة و التدبير غير قائمة) عرفا، و قد قالت المرسلة ان حق الرجوع انما هو في مورد قيام العين.

(و) ان قلت: بل العين قائمة، لانه اذا جاز الرجوع و رجع كانت العين كحالتها السابقة.

قلت: (جواز الرجوع) فى الهبة و التدبير (و عدمه) فى العتق (لا دخل له في ذلك) اى في قيام العين، فان العين ليست قائمة عرفا، و ان جاز للواهب و المدبر الرجوع.

(و لذا) الّذي ذكرناه من ان العين ليست قائمة، و ان جاز الرجوع

ص: 71

اعترض عليهما الحلى بالنقض بما لو باعه بخيار، مع انه لم يقل احد من الامة بجواز الرد حينئذ.

و قال: بعد ما ذكر ان الّذي يقتضيه اصول المذهب ان المشترى اذا تصرف فى المبيع انه لا يجوز له ردّه، و لا خلاف في ان الهبة و التدبير تصرف.

و بالجملة فتعميم الاكثر لا فراد التصرف

______________________________

(اعترض عليهما الحلى بالنقض بما لو باعه بخيار) اى باع العبد المعيوب او سائر الاشياء المعيوبة، فلو جاز الرد في الهبة لانه يتمكن من ارجاع العين، لزم القول بجواز الرد فيما اذا باعه ذو الخيار، و جعل الخيار لنفسه، لانه يتمكن أيضا من رد العين (مع انه لم يقل احد من الامة بجواز الرد حينئذ) اى حين باعه بخيار.

اللهم الا ان يستشكل بان المقنعة و المبسوط لا يلتزمان بعدم جواز الرد في صورة ما اذا باعه ذو الخيار، و جعل لنفسه الخيار.

(و قال) الحلّى (بعد ما ذكر) من الاشكال على المقنعة و المبسوط (ان الّذي يقتضيه اصول المذهب) اى القواعد العامة مثل قاعدة ان الرد انما يكون اذا لم يتصرف في المبيع (ان المشترى اذا تصرف في المبيع) المعيب (انه لا يجوز) اى لا يصح (له ردّه، و لا خلاف في ان الهبة و التدبير تصرف).

فالقياس هكذا: الهبة و التدبير تصرف، و التصرف ماتع مع الارجاع، فلا بد من اخذ الارش فقط.

(و بالجملة فتعميم الاكثر لا فراد التصرف) و ان كل تصرف يوجب

ص: 72

مع التعميم لما بعد العلم و ما قبله، مشكل.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 13، ص: 73

و العجب من المحقق الثانى انه تنظّر في سقوط الخيار بالهبة الجائزة، مع تصريحه في مقام آخر بما عليه الاكثر.

الثالث: تلف العين او صيرورته كالتالف
اشارة

فانه يسقط الخيار هنا بخلاف الخيارات المتقدمة غير الساقطة بتلف العين و المستند فيه- بعد

______________________________

سقوط الرد و لو مثل حلب الدابة (مع التعميم) منهم (لما بعد العلم و ما قبله) حتى انه لو حلبها قبل العلم سقط رده (مشكل) لما عرفت من الفرق قبل العلم و بعد العلم، و ان بعض التصرفات المسقطة اذا حصلت بعد العلم بالعيب لا توجب السقوط اذا حصلت قبل العلم.

(و العجب من المحقق الثانى انه تنظّر) و اشكل (فى سقوط الخيار بالهبة الجائزة، مع تصريحه في مقام آخر بما عليه الاكثر) من سقوط الخيار بكل تصرف، الّذي منه الهبة، فانه تهافت في الكلام.

(الثالث) من مسقطات هذا الخيار (تلف العين) كانكسار الكوز (او صيرورته كالتالف) كما اذا سقط الكوز في البحر (فانه) اى التلف (يسقط الخيار هنا) فى المعيب (بخلاف الخيارات المتقدمة) كخيار الغبن (غير الساقطة بتلف العين) و لعل السرّ في الفرق ان الرد له بدل في باب العيب و هو الارش، فاذا لم يتمكن من الرد اخذ الارش.

اما في سائر الخيارات فاذا سقط الخيار، لم يكن له بدل حتى يتدارك به النقص الّذي حصل لذى النقص (و المستند فيه) اى في كون التلف هنا يسقط الخيار (- بعد

ص: 73

ظهور الاجماع- اناطة الرد في المرسلة السابقة بقيام العين، فان الظاهر منه اعتبار بقائها في ملكه، فلو تلف، او انتقل الى ملك الغير او استوجر، او رهن، او ابق العبد، او انعتق العبد على المشترى، فلا ردّ.

و مما ذكرنا ظهر ان عدّ انعتاق العبد على المشترى مسقط برأسه كما فى الدروس لا يخلو عن شي ء.

______________________________

ظهور الاجماع- اناطة الرد في المرسلة السابقة) و هى مرسلة جميل (بقيام العين) لانها قالت ان كان الثوب قائما بعينه ردها على صاحبه (فان الظاهر منه اعتبار بقائها في ملكه) اى بقاء العين في ملك المشترى (فلو تلف) المال (او انتقل الى ملك الغير) بان باعه او صالحه او وهبه مثلا (او استوجر، او رهن، او ابق العبد) المعيب من عند المشترى (او انعتق العبد على المشترى) كما لو كان احد عموديه الآباء او الامهات (فلا ردّ) لعدم صدق قيام العين.

(و مما ذكرنا) من ان انعتاق العبد من مصاديق «عدم قيام العين» (ظهر ان عدّ انعتاق العبد على المشترى مسقط) للخيار (برأسه) اى مستقلا لا جعله مصداقا (كما في الدروس لا يخلو عن شي ء) من الاشكال اذ ليس هو سبب مستقل بل من مصاديق عدم قيام العين.

و لعل نظر الدروس الى ان الانعتاق مفوت خاص في قبال التصرف الّذي هو مفوت من قسم آخر.

ص: 74

نعم ذكر انه يمكن ارجاع هذا الوجه الى التصرف.

و هو أيضا لا يخلو عن شي ء.

و الاولى ما ذكرناه.

ثم انه لو عاد الملك الى المشترى لم يجز ردّه للاصل خلافا للشيخ بل المفيد قدس سرهما.

______________________________

(نعم ذكر) بعض في توجيه كلام الدروس (انه يمكن ارجاع هذا الوجه) اى الانعتاق (الى التصرف) لا التلف، فانما عده قسما برأسه، لانه قسم من التصرف، و هو يقابل التلف، و لذا عدهما قسمين.

(و هو) اى هذا التوجيه (أيضا لا يخلو عن شي ء) لانه ليس تصرفا، فالانعتاق قهرى على المشترى و الشي ء القهرى لا يسمى تصرفا، فان الحاكم لو حجر على مال زيد- مثلا- لا يصح ان يقال: ان زيدا تصرف في ماله

(و الاولى ما ذكرناه) من ان الانعتاق في حكم التلف، و من مصاديق عدم قيام العين.

(ثم انه) بعد ان ذهب العين من ملك المشترى ببيع او رهن، او وقوع في البحر او ما اشبه (لو عاد الملك الى المشترى لم يجز ردّه) الى البائع (للاصل) فانه حين خرج عن ملكه لم يكن له الرد، و انما له الارش، فاذا شككنا بعد ذلك هل ان له ان يرد، أم لا؟ كان الاستصحاب مقتضيا لعدم الرد (خلافا للشيخ، بل المفيد قدس سرهما) حيث اجازا الرد، و كان نظرهما الى انه لا مجال للاستصحاب بعد ان تبدل موضوعه، فانه يصدق حينئذ ان الشي ء قائم بعينه.

ص: 75

فرع: لا خلاف نصا و فتوى في ان وطى الجارية يمنع عن ردها بالعيب

سواء قلنا بان مطلق التصرف مانع، أم قلنا: باختصاصه بالتصرف الموجب لعدم كون الشي ء قائما بعينه.

غاية الامر كون الوطي على هذا القول مستثنى عن التصرف غير المغير للعين كما عرفت من عبارة الغنية مع ان العلامة علل المنع في موضع من التذكرة: بان الوطي جناية، و

______________________________

(فرع: لا خلاف نصا و فتوى في ان وطى الجارية يمنع عن ردها بالعيب) سواء علم بالعيب و وطئ أم لا و (سواء قلنا) فى المسألة السابقة (بان مطلق التصرف مانع) عن الردّ (أم قلنا باختصاصه) اى اختصاص المانع (بالتصرف الموجب لعدم كون الشي ء قائما بعينه) و ذلك لوجود النص و الاجماع، فلا يهمّنا ان يكون الوطي داخلا في القاعدة السابقة.

(غاية الامر كون الوطي على هذا القول) اى القول الثانى (مستثنى عن التصرف غير المغير للعين).

اذ «كل ما ليس مغيرا لا يوجب سقوط الردّ» الا «الوطي» فانه ليس بمغير، و مع ذلك يوجب سقوط الرد (كما عرفت من عبارة الغنية) فانه قال فى عبارته المتقدمة قبل اسطر: و كان مغيرا للعين .. ما لم يكن وطيا للجارية، فانه يمنع من ردها (مع ان العلامة) يرى ان اسقاط الوطي للرد، لانه مغير للعين فكونه مسقطا على طبق القاعدة.

فانه (علل المنع) اى منع الوطي عن الرد (فى موضع من التذكرة:

بان الوطي جناية) و من المعلوم ان الجناية عبارة عن الشي ء المغير (و

ص: 76

لهذا يوجب غرامة جزء من القيمة، كسائر جنايات المملوك.

و قد تقدم في كلام الاسكافى أيضا ان الوطي مما لا يمكن معه رد المبيع الى ما كان عليه قبله.

و يشير إليه ما سيجي ء في غير واحد من الروايات من قوله: معاذ اللّه ان يجعل لها اجرا،

______________________________

لهذا يوجب) الوطي (غرامة جزء من القيمة) فاذا اشترى زيد جارية عمرو، و وطئها، ثم وجد انها حامل من عمرو، كان لزيد الحق في ردها لوجود عيب الحمل، فاذا ردها ردّ معها ارش وطئه لها فان ردّ الارش هنا الى البائع دليل على ان الوطي تصرف مغير، و الا لم يكن وجه لرد الارش، فالمشترى يغرم جزءا من القيمة حين رد الجارية المعيبة، بعيب الحمل (كسائر جنايات المملوك) فان من جنى على المملوك لزمه ان يعطى لسيد المملوك مقدار جنايته.

(و قد تقدم في كلام الاسكافى أيضا ان الوطي) اذا حصل من المشترى (مما لا يمكن معه رد المبيع الى ما كان) المبيع (عليه قبله) اى قبل الوطي فانه يدل أيضا على ان الوطي- عند الاسكافى- مغير للعين.

(و يشير إليه) اى الى كون الوطي تصرفا مغيّرا (ما سيجي ء في غير واحد من الروايات من قوله) عليه السلام (معاذ اللّه ان يجعل لها اجرا) يعنى انه اذا قلنا: بان الجارية الموطوءة تردّ، لزم ان يرد المشترى شيئا من المال الى البائع في مقابل وطئه للجارية، فيكون ذلك المال اجرا للوطى، و هذا مما يستعاذ به الى اللّه سبحانه- اى انه

ص: 77

فان فيه اشارة الى انه لو ردها لا بدان يرد معها شيئا تداركا للجناية.

اذ لو كان الوطي مجرد استيفاء منفعة لم يتوقف ردّها الى ردّ عوض المنفعة.

فاطلاق الاجر عليه في الرواية على طبق ما يتراءى في نظر العرف، من كون هذه الغرامة كانها اجرة للوطى.

______________________________

باطل- فان كلام الامام عليه السلام يدل على ان الوطي جناية- توجب ردّ بعض المال- (فان فيه) اى في قول الامام عليه السلام: معاذ اللّه (اشارة الى انه لو ردها لا بدان يرد معها شيئا تداركا للجناية) التى جناها المشترى على الجارية بسبب وطيه لها.

و انما قلنا ان المستفاد من كلام الامام انه جناية.

(اذ لو) لم يكن الوطي جناية، بل (كان الوطي مجرد استيفاء منفعة لم يتوقف ردّها الى ردّ عوض المنفعة) اذ من الممكن الرد بدون رد عوض الانتفاع، و ذلك بخلاف ما اذا كان الوطي جناية فانه لا يصدق رد الجارية الا اذا ردها و رد الارش معا، و الا فبدون الارش يكون الرد ناقصا كالرد لبعض السلعة لا لكلها.

(فاطلاق الاجر عليه في الرواية) لا لانه حقيقة أجر- حتى يدل على ان الجارية كاملة و ليست ناقصة بسبب الوطي- بل ان الاطلاق (على طبق ما يتراءى في نظر العرف، من كون هذه الغرامة كانها اجرة للوطى)

و قوله «فاطلاق» دفع دخل مقدر هو ان ظاهر «اجر» ان الوطي ليس جناية، و الا سماه الامام غرامة و ارشا، لا ان يسميه اجرا.

ص: 78

و حاصل معناه انه اذا حكمت بالرد مع ارش جنايتها كان ذلك فى الانظار بمنزلة الاجرة.

و هى ممنوعة شرعا، لان اجارة الفروج غير جائزة.

و هذا انما وقع من امير المؤمنين عليه السلام مبنيا على تقرير رعيته على ما فعله

______________________________

و الجواب انه تعبير عرفى، و الا ففى الحقيقة هو ارش و غرامة.

(و حاصل معناه) اى معنى قول الامام عليه «معاذ اللّه»- و هذا الحاصل لا ثبات كلام العلامة من ان الوطي جناية- (انه اذا حكمت بالرد مع ارش جنايتها) اى رد الجارية و اعطاء ارش الوطي (كان ذلك) الارش (فى الانظار) اى انظار العرف (بمنزلة الاجرة) و ان كان فى الحقيقة ارشا.

(و هى) اى الأجرة (ممنوعة شرعا، لان اجارة الفروج غير جائزة) فلا يصح ان يقول انسان لامرأة استأجر فرجك ساعة مثلا، و ما ورد من انهن مستأجرات، و قوله تعالى: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ، فان ذلك من باب المجاز و الشبه عرفا.

(و) ان قلت: ان الاجرة للفرج في مذهب الشيعة جائزة، و انما لا تجوز في مذهب العامة، فكيف ان الامام امير المؤمنين عليه السلام منع عن ذلك، و الحال ان الامام عليه السلام يقول بصحة عقد المتعة الموجبة للاجرة.

قلت: (هذا) المنع عن الاجرة (انما وقع من امير المؤمنين عليه السلام مبنيا على تقريره) عليه السلام (رعيته على ما فعله) الخليفة

ص: 79

الثانى، من تحريم العقد المنقطع.

فلا يقال: ان المتعة مشروعة و قد ورد ان المنقطعات مستأجرات فلا وجه للاستعاذة باللّه من جعل الأجرة للفروج، هذا ما يخطر عاجلا

______________________________

(الثانى، من تحريم العقد المنقطع) فكان الامام عليه السلام لم يرد ان يصدم اذهانهم بما الّفوه منذ زمن عمر من المنع عن المتعة و اعتقاد ان مهرها اجرة فلا يجوز.

و حيث ظهر ان كلام الامام عليه السلام من باب المجازات للرعية.

(فلا يقال: ان المتعة مشروعة و قد ورد ان المنقطعات مستأجرات) و حيث ان الاجرة صحيحة (فلا وجه للاستعاذة باللّه) فى كلام الامام (من جعل الأجرة للفروج).

و الحاصل انه لو حكم برد الجارية لزم الحكم برد شي ء معها، لمكان الوطي، و لا يجوز ردّ شي ء لا في متن الواقع و لا في الظاهر.

اما الواقع فلان الحكم الشرعى واقعا هو عدم الرد.

و اما في الظاهر فلان الناس- الذين ألّفوا حرمة المتعة و حرمة الاجرة للفرج- يرون ان ذلك اجرة للفرج، فالامام عليه السلام استعاذ باللّه، و لم يذكر علة الاستعاذة الواقعية- التى هى حكم اللّه سبحانه بحرمة الرد مع الارش-.

و انما ذكر علة الاستعاذة الظاهرية من ان الاجرة لا تجوز للفرج و كثيرا ما يذكر الانسان البليغ العلة العرفية لانها اقرب الى اذهان السامعين (هذا ما يخطر عاجلا

ص: 80

بالبال في معنى هذه الفقرة، و اللّه العالم.

و كيف كان ففى النصوص المستفيضة الواردة في المسألة كفاية، ففى صحيحة ابن حازم عن ابى عبد اللّه عليه السلام في رجل اشترى جارية فوقع عليها، قال ان وجد فيها عيبا، فليس له ان يردها، و لكن يردّ عليه بقدر ما نقصها العيب، قلت: هذا قول أمير المؤمنين عليه السلام، قال نعم، و صحيحة ابن مسلم عن احدهما عليهما السلام انه سئل عن الرجل يبتاع الجارية فيقع عليها، فيجد بها عيبا بعد ذلك قال: لا يردها على صاحبها، و لكن يقوّم ما بين العيب و الصحة، و يرد على المبتاع.

______________________________

بالبال في معنى هذه الفقرة)- معاذ اللّه ان يجعل لها اجرا- (و اللّه العالم) بمراد اوليائه.

(و كيف كان) الامر في معنى الفقرة المذكورة (ففى النصوص المستفيضة الواردة في المسألة كفاية، ففى صحيحة ابن حازم عن ابى عبد اللّه عليه السلام في رجل اشترى جارية فوقع عليها) بان وطئها فوجد بها عيبا، هل له ان يردها؟ (قال) عليه السلام: (ان وجد فيها عيبا، فليس له ان يردها، و لكن يرد عليه)- يرد، بصيغة المجهول- اى يرد البائع الى المشترى (بقدر ما نقصها العيب، قلت: هذا قول امير المؤمنين عليه السلام، قال: نعم، و صحيحة ابن مسلم عن احدهما) اى الباقر او الصادق (عليهما السلام انه سئل عن الرجل يبتاع الجارية فيقع عليها، فيجد بها عيبا بعد ذلك) هل له ان يردها؟ (قال: لا يردها على صاحبها، و لكن يقوّم ما بين العيب و الصحة، و يرد) البائع التفاوت (على المبتاع) اى

ص: 81

معاذ اللّه ان يجعل لها اجرا.

و رواية ميسر، عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: كان على لا يرد الجارية بعيب اذا وطئت، و لكن يرجع بقيمة العيب، و كان يقول: معاذ اللّه ان اجعل لها اجرا، الخبر.

و في رواية طلحة بن زيد عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: قضى امير المؤمنين عليه السلام في رجل اشترى جارية فوطئها، ثم رأى فيها عيبا، قال: تقوم و هى صحيحة، و تقوم و بها الداء، ثم يرد البائع على المبتاع فضل ما بين الصحة و الداء.

______________________________

المشترى (معاذ اللّه ان يجعل لها اجرا) فان المشترى لو رد الجارية و رد معها شيئا من المال في مقابل وطئه لها، كانت اجرة للفرج، و هى ما يستعاذ باللّه منه.

(و رواية ميسر، عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: كان على) عليه السلام (لا يرد الجارية بعيب اذا وطئت، و لكن يرجع بقيمة العيب) اى يرجع قيمة العيب الى المشترى (و كان يقول: معاذ اللّه ان اجعل لها اجرا) الى آخر (الخبر).

(و في رواية طلحة بن زيد عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: قضى امير المؤمنين عليه السلام في رجل اشترى جارية فوطئها، ثم رأى فيها عيبا، قال: تقوم و هى صحيحة) مثلا مائة (و تقوم و بها الداء) مثلا ثمانون (ثم يرد البائع على المبتاع) اى المشترى (فضل ما بين الصحة و الداء) اى العشرين في المثال.

ص: 82

و ما عن حمّاد في الصحيح عن ابى عبد اللّه عليه السلام يقول: قال على بن الحسين عليه السلام: كان القضاء الاول في الرجل اذا اشترى امة فوطئها ثم ظهر على عيب ان البيع لازم، و له ارش العيب الى غير ذلك مما سيجي ء.

ثم ان المشهور استثنوا عن عموم هذه الاخبار لجميع افراد العيب الحمل فانه عيب اجماعا

______________________________

(و ما عن حمّاد في الصحيح عن ابى عبد اللّه عليه السلام يقول: قال على بن الحسين عليه السلام: كان القضاء الاول) اى في اوّل الاسلام قبل ان يلعب القضاة بالاحكام بالقياس و الاستحسان (فى الرجل اذا اشترى امة فوطئها ثم ظهر) و اطلع (على عيب ان البيع لازم) فلا ترد الجارية (و له ارش العيب) هذه جملة من الاحاديث (الى غير ذلك مما سيجي ء) كصحيح ابن سنان، و رواية عبد الملك.

(ثم ان المشهور استثنوا عن عموم هذه الاخبار لجميع افراد العيب) حيث ان هذه الاخبار دلت على ان الوطي مانع عن رد الجارية اذا وجد الواطئ فيها العيب «اى عيب كان» سواء كان العيب نقصا في الخلقة كالعمى و العرج، او نقصا في العقل، كما اذا كانت معتوهة، او نقصا فى الكمال كما اذا كانت ثرثارة مثلا، او سليطة (الحمل) مفعول «استثنوا» (فانه) اى الحمل (عيب اجماعا).

فاذا اشترى الجارية ثم وجد المشترى انها حامل، فانه عيب فى الجارية اذ هى لا تتمكن من العمل- كما ينبغى- مدة الحمل و مدة

ص: 83

كما في المسالك، الا ان الوطي لا يمنع من الرد به، بل يردها و يرد معها العشر، او نصف العشر على المشهور بينهم.

و استندوا في ذلك الى نصوص مستفيضة، منها: صحيحة ابن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السلام، عن رجل اشترى جارية حبلى، و لم يعلم بحبلها فوطئها، قال يردّها على الّذي ابتاعها منه، و يرد عليها نصف عشر قيمتها، لنكاحه اياها.

______________________________

النفاس، و انها معرضة للخطر حال الولادة (كما في المسالك) دعوى الاجماع على ذلك (الا ان الوطي) اى وطى المشترى (لا يمنع من الرد به) اى بالوطى (بل يردها و يرد معها العشر) اى عشر الثمن، اذا كانت بكرا (او نصف العشر) اذا كانت ثيبة.

فاذا اشتراها زيد بالف، فوطئها، و بعد الوطي وجد انها حامل، ردها و اعطى البائع مائة او خمسين.

و هذا العشر او نصف العشر، انما هو لاجل وطئه لها (على المشهور بينهم) فى ردّ العشر، و نصف العشر.

(و استندوا في ذلك الى نصوص مستفيضة، منها: صحيحة ابن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السلام، عن رجل اشترى جارية حبلى، و لم يعلم بحبلها فوطئها) فما حكمه؟ (قال) عليه السلام (يردّها على الّذي ابتاعها) اى اشتراها (منه، و يرد عليها نصف عشر قيمتها، لنكاحه اياها) النكاح هنا بمعنى الوطي، فانه اما مشترك بين الوطي و العقد، و اما خاص بالوطى.

ص: 84

و قد قال على عليه السلام: لا ترد التى ليست بحبلى اذا وطئها صاحبها و يوضع عنه من ثمنها بقدر العيب ان كان فيها.

و رواية عبد الملك بن عمرو، عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: لا ترد التى ليست بحبلى اذا وطئها صاحبها و له ارش العيب، و ترد الحبلى و يرد معها نصف عشر قيمتها.

و زاد في الكافى قال: و في رواية اخرى ان كانت بكرا فعشر قيمتها، و

______________________________

و العقد انما يسمى نكاحا لعلاقة السبب و المسبب اذ العقد سبب الوطي ثم ان اطلاق الرواية عدم الفرق بين وطئها مرة او مرات، و الظاهر ان تخصيص نصف العشر بالذكر هنا، لاجل ان غالب الاماء ثيبات (و قد قال على عليه السلام: لا ترد التى ليست بحبلى اذا وطئها صاحبها) اى المشترى- و هذا من تتمة كلام الامام عليه السلام، ظاهرا- (و يوضع عنه من ثمنها بقدر العيب ان كان) عيب (فيها) بان يرد البائع على المشترى التفاوت بين الصحيح و المعيب فاذا كان الصحيح مائة و المعيب ستين ردّ البائع الى المشترى اربعين دينارا، لمكان العيب.

(و رواية عبد الملك بن عمرو، عن ابي عبد اللّه عليه السلام، قال:

لا ترد) الجارية (التى ليست بحبلى اذا وطئها صاحبها) و يوضع عنه من ثمنها بقدر العيب (و له) اى للمشترى (ارش العيب، و ترد الحبلى و يرد معها نصف عشر قيمتها).

(و) بعد هذه الرواية (زاد في الكافى قال: و في رواية اخرى ان كانت بكرا فعشر قيمتها، و

ص: 85

ان كانت ثيبا فنصف عشر قيمتها.

و مرسلة ابن ابى عمير، عن سعيد بن يسار، قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام، عن رجل باع جارية حبلى، و هو لا يعلم، فينكحها الّذي اشترى، قال يردها و يرد نصف عشر قيمتها.

و رواية عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام، عن الرجل يشترى الجارية فيقع عليها فيجدها حبلى، قال ترد و يرد معها شيئا.

و صحيحة ابن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام، فى الرجل يشترى

______________________________

ان كانت ثيبا فنصف عشر قيمتها) كانه اراد بذلك تقييد اطلاق رواية عبد الملك.

(و مرسلة ابن ابى عمير، عن سعيد بن يسار، قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام، عن رجل باع جارية حبلى، و هو لا يعلم) انها حبلى، اذ لو علم بذلك و اشتراها، لم يكن له بذلك ردّ، و لا ارش (فينكحها الّذي اشترى، قال يردها و يرد نصف عشر قيمتها).

(و رواية عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه) عليه السلام (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام، عن الرجل يشترى الجارية فيقع عليها فيجدها حبلى، قال) عليه السلام (ترد) الجارية- بصيغة المجهول، او بصيغة المعلوم، و قد حذف مفعوله- (و يرد) بصيغة المعلوم (معها شيئا) و اطلاق «شيئا» يحمل على العشر و نصف العشر.

(و صحيحة ابن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام، فى الرجل يشترى

ص: 86

الجارية الحبلى فينكحها، قال يردها و يكسوها.

و رواية عبد الملك بن عمرو، عن ابى عبد اللّه عليه السلام، فى الرجل يشترى الجارية و هى حبلى فيطأها، قال يردها و يرد عشر قيمتها، هذه جملة ما وقفت عليها من الروايات، و قد عمل بها المشهور، بل ادعى على ظاهرها الاجماع في الغنية كما عن الانتصار و عدم الخلاف في السرائر خلافا للمحكى عن الاسكافى، فحكم بالرد مع كون الحمل من المولى لبطلان بيع أمّ الولد حيث قال: فان وجد في السلعة عيبا، كان

______________________________

الجارية الحبلى فينكحها، قال يردها و يكسوها) الكسوة في مقابل الوطي.

(و رواية عبد الملك بن عمرو، عن ابى عبد اللّه عليه السلام، فى الرجل يشترى الجارية و هى حبلى فيطأها، قال يردها و يرد عشر قيمتها، هذه جملة ما وقفت عليها من الروايات).

و هناك بعض الروايات الاخر مذكورة في المستدرك (و قد عمل بها المشهور) فى صورة كون الحمل من غير المولى البائع، اما اذا كان الحمل من البائع فالاجماع قائم على الرد لانه لا يصح بيع أمّ الولد (بل ادعى على ظاهرها الاجماع في الغنية كما عن الانتصار) للسيد المرتضى دعوى الاجماع أيضا (و عدم الخلاف في السرائر) لابن ادريس (خلافا للمحكى عن الاسكافى، فحكم ب) ان (الرد) انما هو (مع كون الحمل من المولى) فقط.

و انما يرد (لبطلان بيع أمّ الولد) اما اذا كان الحمل من غير المولى فلا ردّ (حيث قال) الإسكافي (فان وجد) المشترى (فى السلعة عيبا كان)

ص: 87

عند البائع، و قد احدث المشترى في السلعة ما لا يمكن ردها الى ما كانت عليه قبله، كالوطى للامة، او القطع للثوب، او تلف السلعة بموت، او غيره كان للمشترى فضل ما بين الصحة و العيب دون ردها فان كان العيب ظهور حمل من البائع، و قد وطئها المشترى من غير علم بذلك كان عليه ردّها، و نصف عشر قيمتها، انتهى.

و اختاره في المختلف، و هو ظاهر الشيخ في النهاية، حيث قال: فان

______________________________

ذلك العيب قد حدث فيها حال كونها (عند البائع، و قد احدث المشترى فى السلعة ما لا يمكن ردها الى ما كانت) السلعة (عليه قبله) اى قبل احداث المشترى للحدث فيها (كالوطى للامة، او القطع للثوب، او تلف السلعة بموت، او غيره) كما اذا طار الطائر، او نفر الوحش، او سقطت السلعة في البحر، فانه لا يمكن ردّ السلعة بعد هذه الاحداث الى حالتها السابقة (كان للمشترى فضل ما بين الصحة و العيب) بان يأخذ الارش من البائع (دون ردها) و اخذ جميع الثمن (فان كان العيب ظهور حمل من البائع، و قد وطئها المشترى من غير علم بذلك) الحمل (كان عليه ردّها، و) اعطاء (نصف عشر قيمتها، انتهى) فان عبارته صريحة فى كون الحمل من البائع، فتبقى صورة كون الحمل من غير البائع داخلة فى عموم: ان الوطي يمنع الرد مطلقا- اى سواء كان العيب حملا او غير حمل-.

(و اختاره) العلامة (فى المختلف، و هو) اى كلام الاسكافى (ظاهر الشيخ في النهاية حيث قال: فان

ص: 88

وجد بها عيبا بعد ان وطئها لم يكن له ردها، و كان له ارش العيب خاصة

اللهم الا ان يكون العيب من حبل، فيلزمه ردها على كل حال وطئها أم لم يطأها، و يرد معها اذا وطئها نصف عشر قيمتها، انتهى.

و يمكن استفادة هذا من اطلاق المبسوط القول بمنع الوطي من الرد.

______________________________

وجد بها عيبا بعد ان وطئها لم يكن له ردها، و كان له ارش العيب خاصة) و ذلك لان الوطي مانع عن الرد كما عرفت.

(اللهم الا ان يكون العيب من حبل، فيلزمه ردها على كل حال وطئها أم لم يطأها).

وجه الظهور: ان قوله «فيلزمه» ظاهر في كون الحبل من المولى اذ في هذه الصورة يلزم الرد، و الا فان الحبل اذا لم يكن من المولى لم يلزم الرد لتخيير المشترى بين الرد و الارش (و يرد معها اذا وطئها نصف عشر قيمتها، انتهى) كلام النهاية.

(و يمكن استفادة هذا) اى كون الاستثناء من «كون الوطي مانعا عن الرد» خاصا بصورة «كون الحبل من المولى» لا صورة «ما اذا كانت حاملة و لو من غير المولى» (من اطلاق المبسوط القول بمنع الوطي من الرد) و ذلك لان الشيخ لم يستثن الحبل.

فاما ان تكون صورة الحبل داخلة في اطلاقه «و على هذا فهو مخالف للمشهور القائلين بان الحبل لا يمنع الرد».

و اما ان تكون صورة الحبل خارجة عن اطلاقه بان لم يتعرض للاستثناء

ص: 89

فان من البعيد عدم استثناء وطى الحامل و عدم تعرضه لحكمه مع اشتهار المسألة في الروايات و السنة القدماء.

و قال في الوسيلة: اذا وطئ الامة ثم علم بها عيبا لم يكن له ردّها الا اذا كان العيب حملا، و كان حرّا، فانه وجب عليه ردها و يرد معها نصف عشر قيمتها.

و ان كان الحمل مملوكا، لم يجب ذلك انتهى.

______________________________

اصلا، و هذا الاحتمال بعيد.

(فان من البعيد عدم استثناء وطى الحامل و عدم تعرضه) اى الشيخ (لحكمه) اى حكم وطى الحامل (مع اشتهار المسألة في الروايات و السنة القدماء) اذا فتحقق ان الشيخ في المبسوط موافق للاسكافى و مخالف للمشهور.

(و قال في الوسيلة: اذا وطئ الامة ثم علم بها عيبا لم يكن له ردّها الا اذا كان العيب حملا، و كان) الحمل (حرّا) بان كان من المولى او ممن حللها له المولى بعقد او نحوه، او كان وطى شبهة (فانه وجب عليه ردها) لان بيع أمّ الولد باطل (و يرد معها نصف عشر قيمتها) لمكان الوطي.

(و ان كان الحمل مملوكا، لم يجب ذلك) الردّ (انتهى) كلام الوسيلة فان مراده ب «لم يجب» لم يجز، فيكون موافقا للاسكافى، لكن لا يخفى ان ظاهر كلامه موافق للمشهور، فان معنى «لم يحب» الجواز، لا «عدم الجواز».

ص: 90

و ظاهر الرياض أيضا اختيار هذا القول.

و الانصاف ان ظاهر الاخبار المتقدمة في بادئ النظر، و ان كان ما ذكره المشهور، الا ان العمل على هذا الظهور يستلزم مخالفة الظاهر من وجوه اخر.

احدها:

______________________________

(و ظاهر الرياض أيضا اختيار هذا القول) اى قول الاسكافى او خلاف المشهور.

(و الانصاف ان ظاهر الاخبار المتقدمة في بادئ النظر، و ان كان ما ذكره المشهور) من انه ترد الحبلى مطلقا، و ان وطئها المشترى (الا ان العمل على هذا الظهور يستلزم مخالفة الظاهر من وجوه اخر) فاللازم ان نقول بمقالة الاسكافى، و نخصص ارجاع الحبلى بما اذا كانت حبلى من المولى فقط.

اما اذا كانت حبلى من غير المولى، فلا رد، و انما للمشترى الواطئ اخذ الارش فقط.

(احدها) و حاصله: ان المشهور يقولون بان الحبل الموجب للرد اعمّ من كونه حبلا من المولى، او من غير المولى و كلام المشهور يلزم منه احد خلافى الظاهر بدون القرينة.

و الاسكافى يقول: بان الحبل الموجب للردّ هو ما اذا كان الحبل من المولى، و هذا أيضا خلاف الظاهر، لكنه خلاف الظاهر مع القرينة فاللازم تقديم قول الاسكافى و قول المشهور.

ص: 91

من حيث مخالفة ظهورها في وجوب ردّ الجارية او تقييد الحمل بكونه من غير المولى

______________________________

بيان ذلك ان الاسكافى يقول: المراد ب «الحبلى» الحبلى من المولى فقط، و قرينة هذا التقييد لفظة «ترد» الظاهرة في وجوب الرد فكان ذلك تصرفا في اطلاق «الحبلى».

لكن التصرف انما كان بسبب القرينة، اما المشهور الذين قالوا برد الحبلى مطلقا- سواء كان الحبل من المولى او من غيره- فيلزم عليهم اما حمل لفظة «ترد» على خلاف ظاهره، اذ ظاهره الوجوب و الحال ان رد الحبلى التى كانت حاملة من غير المولى ليس بواجب.

و اما حمل «الحبلى» المطلق الشامل للحبلى من المولى و من غير المولى، على صورة الحمل من غير المولى، فتكون لفظة «ترد» لدفع توهم الحظر اذ رد الموطوءة محظور، فدفعا لتوهم هذا الحظر جاء الامام عليه السلام بالجملة الخبرية الظاهرة في الوجوب.

و من المعلوم ان الامر في مقام توهم الحظر لا يدل على الوجوب.

و كيف كان فاللازم من كلام المشهور خلاف الظاهر (من حيث مخالفة ظهورها) اى يلزم ان تخالف ظهور الرواية الظاهرة (فى وجوب ردّ الجارية) ان ابقينا لفظة «الحبلى» على اطلاقها، و هنا اريد من لفظة «ترد» خلاف الظاهر (او تقييد الحمل) الوارد في الرواية (بكونه من غير المولى) و هذا خلاف الظاهر اذ لفظة «الحبلى» شاملة لما اذا كان الحبل من المولى او من غير المولى.

و على هذا الاحتمال لم يكن تصرف في لفظة «ترد» اذ لم ينعقد له

ص: 92

حتى تكون الجملة الخبرية واردة في مقام دفع توهم الحظر الناشئ من الاخبار المتقدمة المانعة من رد الجارية بعد الوطي.

اذ: لو بقى الحمل على اطلاقه لم يستقم دعوى وقوع الجملة الخبرية فى مقام دفع توهم الحظر اذ لا منشأ لتوهم حظر رد الحامل حتى أمّ الولد فلا بد اما من التقييد، او من مخالفة ظاهر الجملة الخبرية.

______________________________

ظهور في الوجوب فان القرينة تمنع انعقاد الظهور، كما حقق في محله (حتى تكون الجملة الخبرية) اى لفظة «ترد» (واردة في مقام دفع توهم الحظر الناشئ) ذلك الحظر (من الاخبار المتقدمة المانعة من رد الجارية بعد الوطي).

فحيث كانت الحبلى أيضا مورد توهم هذا الحظر، جاء الامام (ع) بالجملة الخبرية لدفع هذا التوهم، لا انه عليه السلام اراد بذلك وجوب الرد، حتى يقال: ان الرد ليس بواجب، بل للمشترى ان يختار بينه و بين الارش.

(اذ: لو بقى الحمل على اطلاقه) الشامل لكونه من المولى او من غيره (لم يستقم دعوى وقوع الجملة الخبرية) اى لفظة «ترد» (فى مقام دفع توهم الحظر).

و انما لم يستقم (اذ لا منشأ لتوهم حظر رد الحامل حتى أمّ الولد) فان أمّ الولد يلزم ان ترد، فكيف يمكن ان يتوهم احد ان ردها محظور (فلا بد اما من التقييد) فى الحمل (او من مخالفة ظاهر الجملة الخبرية) اى لفظة «ترد».

ص: 93

الثانى:

______________________________

(الثانى) من وجوه لزوم مخالفة الظاهر على فتوى المشهور القائلين بان الحبلى المعيبة تردّ بعد الوطي، و ان كانت حاملا من غير المولى ان هناك قاعدتين مسلمتين.

الاولى: قاعدة انه لا عقر في الوطي بالملك.

الثانية: قاعدة ان الفسخ من حينه، لا من اصله، فاذا قلنا بمقالة الاسكافى، سلمت القاعدتان، و اذا قلنا بمقالة المشهور لزم رفع اليد عن احدى القاعدتين.

بيان ذلك، اما القاعدة الاولى: فالعقر عبارة عن الجرح، و حيث ان الواطئ للبكر يجرحها بفض بكارتها، سمى الوطي عقرا، و سميت الدية التى يلزم ان يعطيها من فضّ البكارة غصبا عقرا أيضا، بعلاقة السبب و المسبب.

و اما القاعدة الثانية: ففى عبارة عن ان الانسان اذا اشترى شيئا و كان له خيار الفسخ، ثم بعد مدة فسخ، فهل ان وقوع الفسخ من حين الفسخ؟ حتى يكون تصرفه في المدة قبل الفسخ تصرفا في ملك نفسه؟ أم يكون الفسخ من حين العقد حتى يكون تصرفه في المدة قبل الفسخ تصرفا فى ملك غيره، و القاعدة انه تصرف في ملك نفسه، فالفسخ من حين الفسخ لا من حين العقد.

اذا عرفت هاتين القاعدتين قلنا ان المشهور الذين يقولون بان الحبل اعم من ان يكون من المولى او من غيره، يلزم عليهم رفع اليد عن

ص: 94

مخالفة لزوم العقر على المشترى لقاعدة عدم العقر في وطى الملك.

او قاعدة كون الرد بالعيب فسخا من حينه لا من اصله.

______________________________

احدى القاعدتين اذ ان الاخبار المتقدمة حكمت بلزوم العقر على المشترى بعد ان ترد الحبلى، و اللازم من ذلك:

اما خرق قاعدة «لا عقر في الملك» بان نقول ان الامة و ان كانت ملكا للمشترى و ان الفسخ كان من حين الفسخ الا ان هذه الاخبار تثبت العقر خلافا للقاعدة المذكورة.

و اما خرق قاعدة «ان الفسخ من حينه» بان نقول: ان فسخ المشترى كان فسخا من حين العقد، و لذا كان وطيه وطيا في ملك الغير فتسلم قاعدة «لا عقر في الملك» و تنهدم قاعدة «ان الفسخ من حينه».

و هذا بخلاف ما اذا قلنا بمقالة الاسكافى، فانه يلزم العقر على المشترى، لان الحبلى لم تنتقل الى ملك المشترى اصلا، فلا تنهدم احدى القاعدتين.

و الحاصل: انه بناء على المشهور تتحقق (مخالفة لزوم العقر على المشترى) المصرح به في الاخبار.

اما (لقاعدة عدم العقر في وطى الملك) اذا قلنا بان الفسخ من حين الفسخ.

(او) ل (قاعدة كون الرد بالعيب فسخا من حينه) اى حين الفسخ (لا من اصله) اى حين العقد، و ليس كذلك اذا قلنا بمقالة الاسكافى، فالقاعدتان سالمتان على كلامه.

ص: 95

الثالث: مخالفته لما دل على كون التصرف عموما، و الوطي بالخصوص مانعا من الرد.

الرابع: ان الظاهر من قول السائل في مرسلة ابن ابى عمير المتقدمة رجل باع جارية حبلى و هو لا يعلم وقوع السؤال عن بيع أمّ الولد، و الا لم يكن لذكر جهل البائع في السؤال فائدة.

______________________________

(الثالث) ما يرد على المشهور القائلين بكون الرد بالحبل اعم من ان يكون الحمل من المولى او من غيره (مخالفته) اى ما دل من الاخبار على الرد بالحبل، و ان الوطي ليس بمانع اذا كان العيب هو الحبل (لما دل على كون التصرف عموما) اىّ تصرف كان (و الوطي بالخصوص مانعا من الرد).

فاذا قلنا بمقالة المشهور لزمت هذه المخالفة، بخلاف ما اذا قلنا بمقالة الاسكافى، لانه يرى ان البيع باطل من اصله، حيث انه يكون من بيع أمّ الولد، فلا يلزم من الردّ مخالفة تلك الاخبار.

(الرابع: ان الظاهر من قول السائل في مرسلة ابن ابى عمير المتقدمة، رجل باع جارية حبلى و هو لا يعلم وقوع السؤال عن بيع أمّ الولد) بان كان الحبل عن المولى البائع (و الا لم يكن لذكر جهل البائع فى السؤال فائدة).

اذ لا فرق في صحة بيع الحامل اذا كان الحمل من غير المولى بين ان يعلم البائع بانها حامل او لا يعلم، بخلاف ما اذا كان الحمل من المولى فانه اذا علم بالحمل، كان ملوما بانه كيف باع أمّ الولد، بخلاف ما اذا لم

ص: 96

و يشير إليه ما في بعض الروايات المتقدمة من قوله (ع): يكسوها، فان في ذلك اشارة الى تشبثها بالحرية للاستيلاد، فنسب الكسوة إليها تشبها بالحرائر، و لم يصرح بالعقر الّذي هو جزء من القيمة.

الخامس: ظهور هذه الاخبار في كون الردّ بعد تصرف المشترى فى الجارية بغير الوطي، من نحو: اسقنى ماء او: اغلق

______________________________

يعلم فانه لا يكون ملوما.

(و يشير إليه) اى الى كون المراد بيع أمّ الولد (ما في بعض الروايات المتقدمة من قوله ع: يكسوها، فان في ذلك) الاكساء (اشارة الى تشبثها بالحرية) و انما تشبثت بالحرية (للاستيلاد) فان أمّ الولد في سبيل الحرية اذا مات المولى لانها تعتق من نصيب ولدها (فنسب الكسوة إليها تشبها بالحرائر) فان الكسوة لا تقال لكونها ثمنا للوطى، بل تقال في مقام نوع احترام يليق بالحرة.

و لذا قال: (و لم يصرح بالعقر الّذي هو جزء من القيمة) اى لم يسمّ عوض الوطي عقرا، بل سماه كسوة، و ذلك دليل على ان كلام الرواية انما هو في أمّ الولد.

لكن لا يخفى ان امثال هذه الاستحسانات لا يمكن ان تكون صارفة للاطلاق، و الّا قلّ ما يخلو اطلاق عن امثالها الموجبة لتقييد الاطلاق الى جهة خاصة.

(الخامس: ظهور هذه الاخبار في كون الردّ بعد تصرف المشترى فى الجارية بغير الوطي) اى بالإضافة الى الوطي (من نحو: اسقنى ماء او: اغلق

ص: 97

الباب، و غيرهما مما قل ان تنفك عنه الجارية.

و تقييدها بصورة عدم هذه التصرفات تقييد بالفرض النادر

______________________________

الباب، و غيرهما) من سائر التصرفات (مما قلّ ان تنفك عنه الجارية) اذ:

الغالب ان الوطي يتحقق عقيب مثل هذه التصرفات.

و من المعلوم انه لو قلنا: بمقالة المشهور من كون الوطي ليس بمانع من ردّ الحبلى مطلقا، سواء كان حملا من المولى او من غير المولى، لزم ان يكون ما دل على انه ترد الجارية الحبلى مخالفا لما دل على ان التصرف مانع من الرد.

و ذلك بخلاف ما اذا قلنا بمقالة الاسكافى من ان الرد خاص بالمرأة الحبلى من المولى، حيث ان الردّ لاجل ان البيع باطل، فلا يهم الوطي و سائر التصرفات في الرد.

(و) ان قلت: لا يلازم القول بمقالة المشهور، تخصيصا في الاخبار الدالة على ان التصرف مانع من الرد، اذ نقول: ان الوطي لا يمنع الرد اذا كانت المرأة حبلى فيما اذا لم يتصرف المولى فيها تصرفا آخر، مثلا:

لم يقل لها: اغلقى الباب، و نحوها.

قلت: (تقييدها) اى تقييد الاخبار الدالة على الرد اذا كانت حبلى و ان كانت موطوءة (بصورة عدم هذه التصرفات تقييد بالفرض النادر) و ذلك خلاف اطلاق الرد اذا كانت حبلى، و التقييد النادر مستهجن فى الكلام لا يصار إليه الا لدى الضرورة، و لا ضرورة في المقام.

و الحاصل: ان الامر دائر بين الذهاب الى مقالة الاسكافى بان

ص: 98

و انما دعى الى هذا التقييد في غير هذه الاخبار مما دل على رد الجارية بعد مدة طويلة الدليل الدال على اللزوم بالتصرف.

______________________________

الرد خاص بالحبل من المولى و ان تصرف فيها المشترى و لا يعارض حينئذ ما دل على ان التصرف مانع من الرد، و بين الذهاب الى مقالة المشهور بان الرد عام بالحبل من البائع او غيره، و لكن اذا لم يتصرف فيها المشترى، و ذلك لئلا يعارض ما دل على ان التصرف مانع.

لكن هذا الاحتمال الثانى يوجب تخصيص روايات الرد بالفرد النادر و التقييد بالفرد النادر خلاف المتفاهم عرفا، فاللازم الذهاب الى مقالة الاسكافى.

(و) ان قلت: لا بأس بتقييد روايات الرد في الحبلى بصورة ما اذا لم يتصرف فيها المشترى، و ذلك كما قيدنا سائر الروايات الدالة على رد الجارية بعد مدة طويلة بهذه الصورة أيضا، و كما لم يلزم الاستهجان في سائر الروايات بسبب هذا التقييد، كذلك لم يلزم الاستهجان في روايات رد الحبلى.

قلت: (انما دعى الى هذا التقييد) بصورة عدم التصرف (فى غير هذه الاخبار) اى غير اخبار الرد للحبلى (مما دل على ردّ الجارية بعد مدة طويلة) «مما» بيان «غير» (الدليل الدال على اللزوم بالتصرف) فكنا مجبورين في تقييد تلك الاخبار بسبب وجود القرينة.

و الحاصل: ان هناك طائفتين من الاخبار.

الطائفة الاولى ما دلّ على الرد للجارية بعد مدة طويلة.

ص: 99

لكن لا داعى هنا لهذا التقييد.

اذ يمكن تقييد الحمل بكونه من المولى لتسلم الاخبار عن جميع ذلك و غاية الامر

______________________________

الثانية ما دل على ان التصرف مانع من الرد، فقيدنا الطائفة الاولى بالطائفة الثانية و ان كانت نتيجة ذلك ان الردّ يكون نادرا لغلبة وجود التصرف.

(لكن لا داعى هنا) اى في اخبار الرد بالحبل (لهذا التقييد) اى تقييد الرد بصورة عدم التصرف.

(اذ يمكن تقييد الحمل) الموجب للرد (بكونه من المولى) فانه اذا كان الحمل من المولى ردت الجارية و ان تصرف فيها المشترى، لان بيع أمّ الولد باطل من اصله (لتسلم الاخبار) الدالة على الردّ بالحمل (عن جميع ذلك) و هى الوجوه الخمسة.

و الحاصل ما دلّ على رد الجارية الحبلى ان قيدناه بصورة ما اذا كان الحبل من المولى لم نحتج الى تقييدها بصورة عدم التصرف فيها.

و ان قلنا بإطلاقها لما اذا كان الحبل من المولى او من غير المولى احتجنا الى تقييدها بصورة ما اذا لم يتصرف فيها.

و التقييد الاول اولى لانه لا يوجب تقييد الاخبار بالفرض النادر، بخلاف التقييد الثانى، اذ فرض عدم تصرف المشترى في الجارية حتى بمثل اغلقى الباب، فرض نادر جدا.

(و غاية الامر) الّذي نتوخاه من ذكر هذه الوجوه الخمسة، هو ترجيح

ص: 100

تعارض هذه الاخبار مع ما دل على منع الوطي عن الرد بالعموم من وجه فيبقى ما عدا الوجه الثالث مرجحا لتقييد هذه الاخبار.

______________________________

مقالة الاسكافى على مقالة المشهور بعد وقوع التعارض بين الاخبار.

بيان ذلك انه (تعارض هذه الاخبار) و هى اخبار الرد بالحبل (مع ما دل على منع الوطي عن الرد بالعموم من وجه).

فاخبار «الحبلى ترد» اعم من كون الحمل من المولى او من غير المولى و اخبار ان «الموطوءة لا ترد» اعم مما اذا كانت حاملة أم لا.

و من المعلوم انه لا تعارض فيما اذا كانت حاملة من المولى اذ اخبار «ان الموطوءة لا ترد» لا تشمل الحاملة من المولى كما انه لا تعارض فيما اذا كانت موطوءة غير حاملة اذ اخبار «ان الحبلى ترد» لا تشمل غير الحاملة و انما التعارض في الحبلى من غير المولى الموطوءة.

فاخبار الحبلى تقول «ترد» و اخبار الموطوءة تقول «لا ترد» (فيبقى ما عدا الوجه الثالث) من الوجوه الخمسة (مرجحا لتقييد هذه الاخبار) اى اخبار «الحبلى ترد» تقييدا بما اذا كان الحبل من المولى، بمعنى ان الوجوه المذكورة توجب اعطاء هذا الفرد الّذي هو مورد التعارض، و هو «الحبلى من غير المولى الموطوءة» الى اخبار «الموطوءة لا ترد» فتكون اخبار «الحبلى ترد» خاصة «بالحبل من المولى».

و انما قال «ما عدا الوجه الثالث» اذا لوجه الثالث و هو «اخبار ان الوطي مانع عن الرد»- فى هذا التقريب- طرف لاخبار «الحبلى ترد» فلا تكون مرجحة كما لا يخفى.

ص: 101

و لو فرض التكافؤ بين جميع ما تقدم و بين اطلاق الحمل في هذه الاخبار او ظهور اختصاصه بما لم يكن من المولى وجب الرجوع الى عموم ما دل على ان

______________________________

(و لو فرض التكافؤ بين جميع ما تقدم) من الوجوه الخمسة المؤيدة لمقالة الاسكافى (و بين اطلاق الحمل) اطلاقا يشمل كونه من البائع او من غيره (فى هذه الاخبار) اى اخبار ما دل على ان الحمل يوجب الرد و ان وطئها المشترى، و التكافؤ بان نقول، ان الوجوه الخمسة تؤيد الاسكافى، و الاطلاق يؤيد المشهور و لا ترجيح لاحدهما على الآخر (او) بين (ظهور اختصاصه) اى ما دل على الرد اذا كانت حاملة (بما لم يكن من المولى).

فالوجوه الخمسة تؤيد الاسكافى، و ظهور اخبار الرد اذا كانت حاملة فى الحمل من غير المولى يؤيد المشهور.

فقوله «او ظهور» عطف على قوله «اطلاق الحمل» و هذا ترقّ عن «الاطلاق» اى نقول أولا: بان اطلاق اخبار ردّ الحمل يتكافؤ مع الوجوه الخمسة و ثانيا: بان ظهور اخبار رد الحمل و هو الظهور فى الحمل من غير المولى يتكافؤ مع الوجوه الخمسة، و انما قيل بانه ظهور لان الرد بالحمل اذا كان الحمل من المولى لا يحتاج الى البيان، فانه من قبيل توضيح الواضحات.

فالاليق بكلام الامام ان يكون منصبّا لما اذا كان الحمل من غير المولى (وجب الرجوع) بعد تساقط المتكافئين (الى عموم ما دل على ان

ص: 102

احداث الحدث مسقط، لكونه رضاء بالبيع.

و يمكن الرجوع الى ما دل على جواز الرد مع قيام العين.

نعم لو خدش في عموم ما دل على المنع من الرد بمطلق التصرف وجب الرجوع الى اصالة جواز الرد الثابت قبل الوطي.

______________________________

احداث) المشترى (الحدث مسقط) لخياره (لكونه) اى احداث الحدث (رضاء بالبيع).

و من المعلوم ان الوطي حدث، فهو مسقط لخيار المشترى في رد الجارية المعيبة عيبا بسبب الحمل.

(و يمكن) بعد تساقط الدليلين المذكورين (الرجوع الى ما دل على جواز الرد مع قيام العين).

فحيث ان العين ليست قائمة بعد الوطي، لا يجوز ارجاعها- و هذا وجه آخر لعدم الخيار بعد الوطي في الحاملة من غير البائع- فهو من تأييد كلام الاسكافى القائل باختصاص الرجوع بما اذا كانت حاملة من المولى.

(نعم) يمكن تأييد المشهور القائلين بالردّ و لو كان الحمل من غير البائع.

و ذلك لانه (لو خدش في عموم ما دل على المنع من الرد بمطلق التصرف) بمعنى انه ليس كل تصرف مانعا من الرد، بل التصرف المغير فقط يمنع الرد (وجب) فى مورد الشك و هو ما اذا كانت حاملة من غير المولى (الرجوع الى اصالة جواز الرد الثابت) ذلك الجواز (قبل الوطي) فانه

ص: 103

لكن يبقى لزوم العقر مما لا دليل عليه الا الاجماع المركب، و عدم الفصل بين الرد و العقر، فافهم

______________________________

اذا شك في بقاء الجواز- بعد الوطي- كان الاستصحاب مقتضيا لبقائه.

(لكن) اذا قلنا بان الرد في الحامل من غير المولى بواسطة اصالة جواز الرد (يبقى لزوم العقر) باعطاء المشترى نصف العشر الى البائع ثمنا لوطيه لها (مما لا دليل عليه).

اذ ما دل على العقر انما هو خاص بما اذا كانت حاملة من البائع فلا دلالة لذلك الدليل فيما اذا كانت حاملة من غير المولى.

و الحاصل ان المرأة الحاملة من المولى ترد، و يعطى الواطئ العقر لوجود النصوص المذكورة.

اما المرأة الحاملة من غير المولى فترد للاستصحاب، و لا دليل على لزوم اعطاء الواطئ العقر، (الا الاجماع المركب، و عدم الفصل).

لان الفقهاء بين الاسكافى القائل بانها لا ترد اصلا، و بين المشهور الذين قالوا: بانها ترد مع العقر، فلا قول بانها ترد بلا عقر.

فاذا قلنا: بانها ترد- حسب الاستصحاب- يلزم ان نقول: بان لها العقر أيضا، خروجا من مخالفة الاجماع المركب، لانه اذا قلنا: بانها ترد بلا عقر، لزم خلاف الاجماع.

اذ لا فصل (بين الرد و العقر، فافهم).

اذ كيف نتمسك بالاستصحاب للرد، مع وضوح ان الموضوع قد تغير فان الامة غير الموطوءة تختلف عن الامة الموطوءة، فاذا حكم الشارع برد

ص: 104

ثم ان المحكى عن المشهور: اطلاق الحكم بوجوب ردّ نصف العشر، بل عن الانتصار و الغنية الاجماع عليه، الا ان يدعى انصراف اطلاق الفتاوى و معقد الاجماع، كالنصوص الى الغالب من كون الحامل ثيبا، فلا يشمل فرض حمل البكر بالسحق او بوطي الدبر.

و لذا ادعى عدم الخلاف في السرائر على اختصاص نصف العشر بالثيب، و

______________________________

غير الموطوءة لا يمكن سحب هذا الحكم الى الموطوءة.

(ثم) هل العقر نصف العشر، او يفصل بين البكر فالعشر، و الثيب فنصف العشر، و ما ذا يجب ان يعمل بالروايات الواردة في هذا الباب فاللازم هو التفصيل بين البكر و الثيب، لانه مقتضى الجمع بين الروايات ف (ان المحكى عن المشهور: اطلاق الحكم بوجوب ردّ نصف العشر بل عن الانتصار و الغنية الاجماع عليه) سواء كانت بكرا او ثيبا (الا ان يدعى) باختصاص ذلك بالثيب، اما البكر فلها العشر.

و ذلك بادعاء (انصراف اطلاق الفتاوى و معقد الاجماع ك) انصراف (النصوص الى الغالب من كون الحامل ثيبا) فان جذب الرحم المنىّ بدون الوطي و ذهاب البكارة نادر جدا، و الاطلاق لا يحمل على النادر (فلا يشمل) الاطلاق (فرض حمل البكر بالسحق او بوطي الدبر) الموجب لجذب الرحم المنى من حواشى الدبر.

(و لذا) الّذي ذكرناه من الانصراف في الفتاوى و النصوص (ادعى) ابن ادريس (عدم الخلاف في السرائر على اختصاص نصف العشر بالثيب، و

ص: 105

ثبوت العشر في البكر، بل معقد اجماع الغنية- بعد التأمل- موافق للسرائر أيضا، حيث ذكر في الحامل انه يرد معها نصف عشر قيمتها- على ما مضى- بدليل اجماع الطائفة.

و مراده بما مضى- كما يظهر لمن راجع كلامه- ما ذكره سابقا مدعيا عليه الاجماع، من انه اذا وطئ المشترى في مدة خيار البائع، ففسخ، يرد معها العشر ان كانت بكرا، و نصف العشر ان كانت ثيبا.

______________________________

ثبوت العشر في البكر) فلو لم يكن انصراف للفتاوى، كانت دعواه مصادمة لفتواهم (بل معقد اجماع الغنية- بعد التأمل-) فى كلامه (موافق للسرائر أيضا) من دعواه الاجماع على اختصاص نصف العشر بالثيب (حيث ذكر) صاحب الغنية (فى الحامل انه يرد) المشترى الواطئ (معها نصف عشر قيمتها- على ما مضى- بدليل اجماع الطائفة) انتهت عبارة الغنية.

(و مراده بما مضى- كما يظهر لمن راجع كلامه- ما ذكره سابقا) على هذه العبارة (مدعيا عليه) اى على ما ذكره سابقا (الاجماع، من انه اذا وطئ المشترى في مدة خيار البائع، ففسخ) البائع بعد وطى المشترى (يرد) المشترى (معها العشر ان كانت بكرا) بان كان الوطي فى الدبر، او لم يذهب الوطي الغشاء بان ادخل مقدار الحشفة فقط فان هذا المقدار لا يوجب فض الغشاء، كما لا يخفى (و نصف العشر ان كانت ثيبا) او المراد البكارة و الثيبوبة قبل الوطي، فلا يحتاج الى تكلف بقاء البكارة بما ذكرناه.

ص: 106

و اما الانتصار فلا يحضرنى حتى اراجعه.

و قد عرفت امكان تنزيل الجميع على الغالب.

و حينئذ فيكون مرسلة الكافى المتقدمة بعد انجبارها بما عرفت من السرائر و الغنية دليلا على التفصيل في المسألة كما اختاره جماعة من المتأخرين مضافا الى ورود العشر في بعض الروايات المتقدمة لمحمولة على

______________________________

و كيف كان فقد ظهر من هذه العبارة من الغنية انه موافق للسرائر (و اما الانتصار) الّذي ادعى انه ادعى الاجماع على مقالة المشهور (فلا يحضرنى حتى اراجعه).

نعم قال بعض المعلقين: ان ذيل عبارة الانتصار الّذي قال فيه «و ليس يجرى وطى الثيب» دليل على ان كلامه و دعواه الاجماع أيضا في الثيب فهو أيضا موافق للسرائر.

(و قد عرفت امكان تنزيل الجميع) اى جميع عبارات الفقهاء (على الغالب) من انه في الثيب.

(و حينئذ) اى حين ظهور فتوى الفقهاء بالتفصيل بين البكر و الثيب (فيكون مرسلة الكافى المتقدمة) ان كانت بكرا فعشر قيمتها، و ان كانت ثيبا فنصف عشر قيمتها (بعد انجبارها بما عرفت من السرائر و الغنية) من الاجماع على التفصيل (دليلا على التفصيل في المسألة) خلافا لما نقل عن المشهور (كما اختاره) اى التفصيل (جماعة من المتأخرين).

و (مضافا) الى المرسلة المؤيّدة بالاجماع (الى ورود العشر فى بعض الروايات المتقدمة) و هى رواية عبد الملك (المحمولة على

ص: 107

البكر، الا انه بعيد.

و لذا نسبه الشيخ الى سهوا لراوى في اسقاط لفظ النصف.

و في الدروس ان الصدوق ذكرها بلفظ: النصف.

و اما ما تقدم مما دلّ على انه يرد معها شيئا، فهو بإطلاقه خلاف الاجماع فلا بد من جعله واردا في مقام ثبوت اصل العقر، لا مقداره.

______________________________

البكر) جمعا بينها و بين ما دل على نصف العشر المحمول على الثيب (الا انه) اى كون الرواية بلفظ «العشر» (بعيد) لندرة البكارة في الاماء خصوصا في الحامل منهن.

(و لذا) الّذي انه بعيد (نسبه الشيخ) اى ما ذكر فيه العشر (الى سهو الراوى في اسقاط لفظ النصف) من الرواية.

(و في الدروس) قال: (ان الصدوق ذكرها) اى ذكر رواية عبد الملك (بلفظ: النصف) هذا هو وجه الجمع بين ما دل على العشر و ما دل على نصف العشر.

(و اما ما تقدم مما دل على انه يرد معها شيئا، فهو بإطلاقه خلاف الاجماع) اذ لم يقل احد بذلك (فلا بد من جعله واردا في مقام ثبوت اصل العقر، لا مقداره) فلا منافات بين هذه الرواية، و الروايات المعيّنة للعشر و نصف العشر.

نعم ذهب بعض الى ان الشي ء هو: الواجب، و ان الكسوة و العشر و نصف العشر محمولة على مراتب الاستحباب.

اقول: و لعل هذا اقرب الى الجمع العرفى.

ص: 108

و اما ما دل على انه يكسوها، فقد حمل على كسوة تساوى العشر او نصفه، و لا بأس به في مقام الجمع.

ثم ان مقتضى الاطلاق: جواز الرد، و لو مع الوطي في الدبر.

و يمكن دعوى انصرافه الى غيره فيقتصر في مخالفة العمومات

______________________________

(و اما ما دل على انه يكسوها، فقد حمل على كسوة تساوى العشر او نصفه) جمعا بينه و بين الروايات المتقدمة (و لا بأس به في مقام الجمع) و ان كان خاليا عن شاهد صناعى.

ثم الظاهر انه لا فرق بين تكرر الوطي و مدته، لاطلاق الادلة، كما لا فرق بين الوطي مع الانزال و بدونه.

اما اذا كان الواطئ غير المشترى بان اباحها لغيره، فالظاهر: ان حكمه حكم وطى المشترى لاستفادة العرف اناطة الحكم بالوطى، و ان وطى المشترى من باب المثال.

و الظاهر توقف صدق الوطي بادخال الحشفة.

و ربما قيل بتحققه بما دون ذلك في هذا الباب و سائر الابواب التى انيط الحكم فيها بالوطى.

(ثم ان مقتضى الاطلاق) اى اطلاق روايات ان الحمل عيب ترد بسببه الجارية، و ان وطئها المشترى (جواز الرد، و لو مع الوطي في الدبر) فالوطى مطلقا ليس بمانع الّا من الرد، اذا كان العيب الحمل.

(و يمكن دعوى انصرافه) اى انصراف ما دل على ان الوطي لا يمنع من الردّ (الى غيره) اى غير وطى الدبر (فيقتصر في مخالفة العمومات)

ص: 109

على منصرف اللفظ.

و في لحوق التقبيل و اللمس بالوطى وجهان.

من الخروج عن مورد النص.

و من الاولوية.

______________________________

الدالة على ان الوطي مانع من الردّ، و ان مطلق التصرف مانع من الردّ (على منصرف اللفظ) اى لفظ الوطي.

و الحاصل ان العمومات دلت على ان الوطي مانع من الرد، و هذا شامل للوطى في القبل و في الدبر.

ثم دل دليل ثان على ان الوطي لا يمنع الردّ، اذا كان العيب الحمل، فنقول: باختصاص الوطي هنا بالوطى في القبل- لانه المنصرف عرفا- فاذا وطئها في الدبر ثم ظهر انها حامل، لم يتمكن من ردها، لانه داخل في عمومات مانعية الوطي عن الرد، لكن لا يخفى ما في ذلك.

(و في لحوق التقبيل و اللمس) من المشترى للامة (بالوطى) فى انهما لا يسقطان الردّ اذا ظهر في الامة عيب الحمل (وجهان).

(من الخروج عن مورد النص) الدال عن ان الوطي لا يمنع الرد، يعنى ان اللمس و التقبيل يمنعان الردّ، لانهما تصرف و كل تصرف يمنع الرد.

(و من الاولوية) اذ لو كان الوطي- و هو اعظم منهما- لا يمنع الرد، فهما بطريق اولى لا يمنعان عن الرد، هذا بالإضافة الى ان الوطي يلازم اللمس و التقبيل فالدليل الدال على ان الوطي لا يمنع الرد يدل على

ص: 110

و لو انضم الى الحمل عيب آخر.

فقد استشكل في سقوط الرد بالوطى من صدق كونها معيبة بالحمل و كونها معيبة بغيره.

و فيه ان كونها معيبة بغير الحمل لا يقتضي إلا عدم تأثير ذلك العيب فى الرد مع التصرف، لا نفى تأثير عيب الحمل.

______________________________

ان اللمس و التقبيل أيضا لا يمنعان الرد.

(و لو انضم الى الحمل عيب آخر) كان كانت حاملة و عوراء- مثلا- فوطئها المشترى ثم علم بعيبها، فهل له ان يردها لانها معيبة بالحمل أم لا؟ لان ما دل على الرّد بالحمل انما هو خاص بما اذا كان العيب الحمل فقط.

(فقد استشكل في سقوط الرد بالوطى) كان الاولى ان يقول فقد استشكل «في ان له حق الرد بعد الوطي» (من صدق كونها معيبة بالحمل) فله الرد و ان وطئها (و كونها معيبة بغيره) اى بغير الحمل، فلا حق له في ردها بعد الوطي.

(و فيه) اى لا وجه للاشكال، بل اللازم القول بان له حق الرد و (ان كونها معيبة بغير الحمل) بالإضافة الى كونها معيبة بالحمل (لا يقتضي إلا عدم تأثير ذلك العيب في الرد مع التصرف) اى لا أثر لذلك العيب (لا نفى تأثير عيب الحمل) بل اطلاق دليل ان الحمل عيب ترد معه الجارية- و ان وطئها المشترى- شامل لما اذا كان هناك عيب آخر أيضا.

ص: 111

ثم ان صريح بعض النصوص و الفتاوى و ظاهر باقيها اختصاص الحكم بالوطى مع الجهل بالعيب.

فلو وطئ عالما به، سقط الرد.

لكن اطلاق كثير من الروايات يشمل العالم.

الرابع: من المسقطات حدوث عيب عند المشترى.
اشارة

و تفصيل ذلك انه اذا حدث العيب بعد العقد على المعيب.

______________________________

(ثم ان صريح بعض النصوص و الفتاوى) حيث ان ظاهر قوله فى الرواية «فيجد» ان الوجد ان بعد الوطي، و هكذا كلام الفقهاء (و ظاهر باقيها اختصاص الحكم) اى الحكم بالردّ و ان الوطي لا يمنع الرد- اذا كان العيب الحمل- (بالوطى مع الجهل بالعيب) الّذي هو الحمل.

(فلو وطئ) المشترى (عالما به، سقط الرد) لكن اللازم تقييد ذلك بما اذا لم يكن الحمل من البائع، و الا فقد عرفت بطلان البيع، لانه من بيع أمّ الولد.

(لكن اطلاق كثير من الروايات يشمل العالم) بالعيب قبل الوطي، لكن الظاهر انصراف الادلة عن مثله.

(الرابع: من المسقطات) للردّ في خيار العيب، و انحصار الامر فى الارش (حدوث عيب عند المشترى) و لكن لا مطلقا.

(و) انما (تفصيل ذلك انه اذا حدث العيب) الجديد (بعد العقد على المعيب) الّذي كان معيبا قبل العقد بما اوجب خيار العيب للمشترى فهو على ثلاثة اقسام.

ص: 112

فاما ان يحدث قبل القبض.

و اما ان يحدث بعده في زمان خيار يضمن فيه البائع المبيع، اعنى خيار المجلس و الحيوان و الشرط.

و اما ان يحدث بعد مضىّ الخيار، و المراد بالعيب الحادث هنا هو الاخير.

و اما الاول: فلا خلاف ظاهرا في انه لا يمنع الرد، بل في انه هو كالموجود قبل العقد

______________________________

(فاما ان يحدث) العيب (قبل القبض) فيشمله: التلف قبل القبض من مال مالكه.

(و اما ان يحدث بعده) اى بعد القبض (فى زمان خيار يضمن فيه البائع المبيع، اعنى خيار المجلس و الحيوان و الشرط).

(و اما ان يحدث بعد مضيّ الخيار) اى انتهاء زمانه، او فيما لا خيار فيه اصلا (و المراد بالعيب الحادث هنا) الّذي هو من المسقطات للرد (هو الاخير) الحادث بعد مضى زمن الخيار.

(و اما الاول) اى ما حدث قبل القبض (فلا خلاف ظاهرا في انه لا يمنع الرد، بل في انه هو كالموجود قبل العقد).

فكما انه يصح الرد بالعيب السابق على العقد، كذلك يصح الرد بالعيب اللاحق بعد العقد و قبل القبض، حتى انه لو لم يكن معيبا سابقا و صار معيبا بعد العقد قبل القبض، كان للمشترى حق الرد.

ثم ان العيب الحاصل قبل القبض لا خلاف في انه كالعيب السابق

ص: 113

حتى في ثبوت الارش فيه، على الخلاف الآتى في احكام القبض.

و اما الحادث في زمن الخيار فكذلك لا خلاف في انه غير مانع عن الرد، بل هو سبب مستقل موجب للرد بل الارش، على الخلاف الآتى فيما قبل القبض بناء على اتحاد المسألتين كما يظهر من بعض.

______________________________

على العقد في جواز الرد.

نعم في ثبوت الارش بهذا العيب خلاف و لذا قال: (حتى فى ثبوت الارش فيه، على الخلاف الآتى في احكام القبض).

اما ما في بعض نسخ الكتاب بهذا اللفظ «بل في انه هو كالموجود» فالظاهر انه غلط، لانه لا يستقيم مع قوله «على الخلاف» كما لا يخفى.

(و اما) العيب (الحادث في زمن الخيار) الخاصّ بالمشترى- اما اذا كان الخيار للبائع أيضا لم يشمله دليل: التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له- (فكذلك لا خلاف في انه غير مانع عن الرد، بل هو سبب مستقل) للخيار حتى انه لو فرض انه لم يتمكن ارجاعه بخيار سابق تمكن من ارجاعه بالخيار الجديد الناشئ من التعيب، فهو (موجب للرد بل الارش) أيضا (على الخلاف الآتى فيما قبل القبض).

فكما انه خلاف في استحقاقه الارش اذا تعيب قبل القبض، كذلك خلاف في استحقاقه الارش اذا تعيّب بعد القبض و لكن في زمان خيار المشترى (بناء على اتحاد المسألتين) و هما مسألة قبل القبض، و مسألة بعد القبض في زمن الخيار (كما يظهر من بعض) الفقهاء، و ذلك لوحدة المناط فيهما الّذي هو كون الخسارة على البائع.

ص: 114

و يدل على ذلك ما يأتى من ان الحدث في زمان الخيار مضمون على البائع، و من ماله.

و معناه ضمانه على الوجه الّذي يضمنه قبل القبض، بل قبل العقد، الا ان المحكى عن المحقق في درسه فيما لو حدث في المبيع عيب

______________________________

(و يدل على ذلك) اى على ان التعيب بعد القبض في زمان الخيار يوجب الرد و الارش على البائع (ما يأتى من ان الحدث في زمان الخيار مضمون على البائع، و من ماله) اذا لم يكن له خيار.

(و معناه) اى معنى كونه على البائع (ضمانه على الوجه الّذي يضمنه قبل القبض، بل قبل العقد).

و الوجه هنا هو انه يكون للمشترى كل من الرد او الارش (الا ان المحكى عن المحقق في درسه فيما لو حدث في المبيع عيب) انه ليس مضمونا على الوجه الّذي يضمنه قبل القبض، بل قبل العقد، فان العيب الحادث قبل العقد او قبل القبض يكون للمشترى الحق في ارجاع المبيع بسبب ذلك العيب، و ان انقضى خيار المشترى.

مثلا: لو كان في الشاة عيب قبل بيعها او حدث فيها عيب قبل قبضها، فانه اذا انقضت الايام الثلاثة التى يكون للمشترى فيها خيار الحيوان، كان حق المشترى في ارجاع الشاة بالعيب باقيا، بخلاف العيب الّذي حدث في زمن الخيار.

فان المحقق يرى انه ما دام الخيار باقيا يكون للمشترى الحق فى الارجاع بهذا العيب.

ص: 115

ان تأثير العيب الحادث في زمن الخيار، و كذا عدم تأثيره في الرد بالعيب القديم، انما هو ما دام الخيار.

فاذا انقضى الخيار كان حكمه حكم العيب المضمون على المشترى

______________________________

اما اذا انقضى زمن الخيار فليس للمشترى الارجاع بهذا العيب بل له حق اخذ الارش فقط.

و اضاف المحقق على ذلك بانه لو كان فيه عيب قديم، ثم حدث فيه عيب في زمن خيار المشترى، فما دام الخيار باقيا كان للمشترى الحق فى ارجاعه بالعيب القديم او الجديد.

اما اذا انقضى زمن الخيار فليس له ارجاعه حتى بالعيب القديم.

لان هذا العيب الجديد- بعد انقضاء الخيار- مضمون على المشترى و العيب المضمون على المشترى يمنع الرد بسبب العيب المضمون على البائع.

فان المحقق يرى (ان تأثير العيب الحادث في زمن الخيار) و تأثيره هو ان يكون للمشترى الرد او الارش بسبب هذا العيب الحادث (و كذا عدم تأثيره في الرد بالعيب القديم) فان هذا العيب الحادث لا يوجب سقوط حق المشترى في ردّ السلعة بسبب العيب القديم، بل يكون له حق الرد بسبب العيب القديم، او بسبب العيب الجديد (انما هو ما دام الخيار) اى مدة بقاء الخيار.

(فاذا انقضى الخيار كان حكمه) اى حكم هذا العيب الحادث (حكم العيب المضمون على المشترى) فى انه لا يتمكن من الرد بهذا العيب

ص: 116

قال في الدروس: لو حدث في المبيع عيب غير مضمون على المشترى لم يمنع من الرد، قبل القبض، او في مدة خيار المشترى المشترط، او بالاصل فله الرد ما دام الخيار، فان خرج الخيار ففى الردّ خلاف، بين ابن نما و تلميذه المحقق قدس سرهما.

فجوّزه ابن نما لانه من ضمان البائع.

______________________________

الحادث، و ان هذا العيب الحادث يمنع الرد بالعيب القديم أيضا- لان من مسقطات الرد ان يتعيب المبيع بعيب جديد-.

(قال في الدروس) ما يظهر عنه رأى المحقق الّذي نقلناه (لو حدث فى المبيع عيب غير مضمون على المشترى) كان كان العيب في زمن الخيار او قبل القبض- مقابل العيب المضمون على المشترى و هو الّذي يكون بعد انقضاء الخيار- (لم يمنع) هذا العيب الحادث (من الرد) بالخيار السابق على هذا العيب (ان كان) العيب الحادث (قبل القبض، او) بعد القبض، و لكن (في مدة خيار المشترى المشترط) اى خيار الشرط (او) خيار المشترى (بالاصل) كخيار الحيوان (فله) اى للمشترى (الرد) بهذا العيب الجديد (ما دام الخيار) باقيا (فان خرج الخيار) كما لو انقضت الايام الثلاثة التى له فيها خيار الحيوان (ففى) كون حق (الردّ) له (خلاف، بين ابن نما و تلميذه المحقق قدس سرهما).

(فجوّزه) اى الرد (ابن نما لانه من ضمان البائع) حيث ان العيب حدث في حال كونه مضمونا على البائع، فسقوط ضمان البائع بعد انقضاء مدة الخيار خلاف الاستصحاب.

ص: 117

و منعه المحقق قدس سره لان الردّ لمكان الخيار، و قد زال.

و لو كان حدوث العيب في مبيع صحيح في مدة الخيار فالباب واحد انتهى.

لكن الّذي حكاه في اللمعة عن المحقق هو الفرع الثانى و هو حدوث العيب في مبيع صحيح.

______________________________

(و منعه) اى الرد (المحقق قدس سره لان) المشترى كان له (الردّ لمكان الخيار) فان: التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له (و قد زال) الخيار فيسقط حق الرد بذهاب موضوعه، هذا كله فيما اذا حدث العيب فى بيع كان معيبا قبل العقد أيضا.

(و لو كان حدوث العيب) الجديد (فى مبيع صحيح) حدوثا (فى مدة الخيار) كخيار الحيوان (فالباب واحد) فى انه ما دام الخيار كان له الرد بهذا العيب، فاذا انقضى زمن الخيار كان راى ابن نما انه يتمكن الرد بهذا العيب.

و ابن نما يستدل بالاستصحاب، و المحقق يستدل بذهاب الموضوع للرد- الموضوع الّذي هو زمن الخيار- فاذا انتفى الموضوع انتفى الحكم الّذي هو حق الرد (انتهى) كلام الشهيد في الدروس.

(لكن الّذي حكاه) الشهيد (فى اللمعة عن المحقق هو الفرع الثانى) فقط (و هو حدوث العيب في مبيع صحيح) حدوثا في زمن الخيار الّذي اشار إليه الدروس بقوله: «و لو كان حدوث العيب في مبيع صحيح الخ»

ص: 118

و لعل الفرع الاول مترتب عليه، لان العيب الحادث اذا لم يكن مضمونا على البائع حتى يكون سببا للخيار- غاية الامر كونه غير مانع عن الرد بالخيارات الثلاثة- كان مانعا عن الردّ بالعيب السابق.

اذ لا يجوز الردّ بالعيب مع حدوث عيب مضمون على المشترى

______________________________

(و لعل الفرع الاول) و هو حدوث العيب في مبيع معيب- عيبا قبل العقد- (مترتب عليه) اى على الفرع الثانى- فان الفرعين من واد واحد-.

و انما كان الفرع الاول مترتبا عليه (لان العيب الحادث اذا لم يكن مضمونا على البائع) لزوال الخيار حسب الفرض (حتى يكون سببا للخيار غاية الامر كونه) اى العيب الحادث (غير مانع عن الرد ب) سبب (الخيارات الثلاثة) اى ثلاثة ايام التى هى خيار الحيوان، فان العيب اذا كان حادثا في غير زمن الخيار كان مانعا عن الرد، لان شرط الرد ان يكون المبيع قائما بعينه (كان) العيب السابق، و هذا جواب: اذا، و جملة: غاية الامر ... الثلاثة، اعتراضيّة (مانعا عن الردّ بالعيب السابق) الّذي كان قبل العقد.

(اذ) علة: كان مانعا، (لا يجوز الردّ بالعيب مع حدوث عيب مضمون على المشترى) لما عرفت من ان النصّ و الفتوى متطابقان على ان صحة الردّ بالعيب انما هو فيما اذا كان المبيع قائما بعينه فاذا سقط عن القيام بسبب عيب حادث، لم يكن للمشترى ردّه.

و الحاصل ان هناك عيبا سابقا، و عيبا في زمن الخيار، و الخيار

ص: 119

فيكون الرد في زمان الخيار بالخيار، لا بالعيب السابق.

فمنشأ هذا القول عدم ضمان البائع للعيب الحادث.

و لذا ذكر في اللمعة: ان هذا

______________________________

نفسه، و لا بحق للمشترى ان يرد بالعيب السابق، لان العيب الجديد اسقط المتاع عن كونه قائما بعينه.

و من المعلوم ان من شروط الرد كون الشي ء قائما بعينه، و لا يحق له ان يرد بالعيب الجديد، لفرض ان خيار الثلاثة انقضى، و العيب الجديد انما كان مضمونا على البائع اذا اخذ المشترى بالخيار في الايام الثلاثة و ذلك لما تقدم من المحقق فاذا انقضى الخيار كان حكمه حكم العيب المضمون على المشترى، فاذا انقضت الايام الثلاثة فلا يحق للمشترى ان يأخذ بالخيار لاجل هذا العيب الجديد، و لا يحق له ان يرد بخيار الثلاثة لفرض ان الايام انقضت، و هذا اليوم هو اليوم الرابع مثلا.

نعم كان يحق له ان يرد في الثلاثة ايام لا بالعيب السابق او اللاحق (فيكون الرد في زمان الخيار بالخيار، لا بالعيب السابق).

اذ قد عرفت ان العيب السابق سقط بسبب حدوث العيب اللاحق.

(فمنشأ هذا القول) اى قول المحقق: بانه لا يحق للمشترى الرد بالعيب- ردا بعد انقضاء خيار الثلاثة- (عدم ضمان البائع للعيب الحادث) فى الثلاثة.

(و لذا) الّذي ذكرنا من ان ظاهر كلام المحقق عدم الضمان بالعيب الحادث في الثلاثة (ذكر في اللمعة: ان هذا) القول بعدم الضمان فى

ص: 120

من المحقق، مناف لما ذكره في الشرائع، من ان العيب الحادث فى الحيوان مضمون على البائع، مع حكمه بعدم الارش ثم انه ربما يجعل قول المحقق عكسا لقول شيخه

______________________________

العيب الحادث في الثلاثة (من المحقق، مناف لما ذكره في الشرائع، من ان العيب الحادث في الحيوان) فى الثلاثة (مضمون على البائع).

و المنافاة انما تكون (مع حكمه) اى صاحب الشرائع (بعدم الارش) لانه اذا لم يكن ارش فمرة قال في درسه: ان العيب ليس مضمونا، و مرة قال فى الشرائع، ان العيب مضمون.

ثم ان المصنف «ره» انما قال: «مع حكمه» لئلا يقال: انه لا منافات بين كلامى المحقق، لانه حيث قال «ان العيب ليس بمضمون» مراده الضمان بالردّ، و حيث قال «ان العيب مضمون» مراده الضمان بالارش

فتحصل ان المحقق قال في درسه «ان العيب ليس موجبا للرد» و قال في شرائعه «ان العيب مضمون و لا ارش» ما معناه ان العيب يوجب الرد، و هذا ما ذكرناه من المنافات.

ثم لا يخفى ان كلام المحقق بعدم خيار للعيب الحادث في زمن خيار الثلاثة يحتمل امران.

الاول: انه لا خيار مطلقا.

و الثانى: انه لا خيار اذا انقضت الايام الثلاثة، و نحن شرحنا المتن حسب الاحتمال الثانى (ثم انه ربما يجعل قول المحقق عكسا لقول شيخه) ابن نما، فيقال ان المحقق يقول بالرد بالعيب القديم قبل القبض و ابن نما

ص: 121

و يضعف كلاهما بان الظاهر تعدد الخيار.

و فيه ان قول ابن نما ره لا يأبى عن التعدّد، كما لا يخفى.

و اما الثالث: اعنى العيب الحادث في يد المشترى بعد القبض و الخيار فالمشهور انه مانع عن الرد،

______________________________

يقول بالرد بالعيب الجديد في زمن الخيار، فيما اذا تعيب المبيع قبل القبض، ثم تعيب عيبا ثانيا في زمن الخيار.

(و يضعف كلاهما) اى يضعف من جعل قولهما معاكسين (بان الظاهر) من الادلة (تعدد الخيار) فللمشترى ان يرد بالعيب القديم و ان يرد بالعيب الجديد، فليس هناك خيار واحد فقط و هو الخيار بالعيب القديم، كما قال المحقق، او الخيار بالعيب الجديد كما قاله ابن نما.

(و فيه)- هذا اشكال الشيخ على كلّ من «يجعل» و «يضعف»- (ان قول ابن نما ره لا يأبى عن التعدّد) اى تعدد الخيار (كما لا يخفى)

فليس قوله عكسا لقول المحقق، بل المحقق يقول بخيار واحد هو خيار العيب القديم.

و ابن نما يقول بخيارين، خيار العيب القديم و خيار العيب الجديد.

و منه يظهر ان التضعيف لقول ابن نما أيضا ليس في محله.

(و اما الثالث: اعنى العيب الحادث في يد المشترى بعد القبض و) بعد (الخيار) بان كان المبيع معيبا عيبا مضمونا على البائع، ثم لما انقضى ثلاثة ايام في خيار الحيوان تعيب عيبا جديدا في يد المشترى (فالمشهور انه) اى هذا العيب الجديد (مانع عن الرد.

ص: 122

بالعيب السابق، بل عن شرح الارشاد لفخر الاسلام، و في ظاهر الغنية الاجماع عليه.

و المراد بالعيب هنا مجرد النقص، لا خصوص ما يوجب الارش، فيعم عيب الشركة و تبعض الصفقة اذا اشترى اثنان شيئا فأراد احدهما رده بالعيب

______________________________

ب) سبب (العيب السابق) لان العيب الجديد يسقط المتاع عن كونه قائما بعينه، و قد طابق النص و الفتوى على انه يلزم ان يكون قائما بعينه فى صحة ارجاعه بالخيار (بل عن شرح الارشاد لفخر الاسلام، و في ظاهر الغنية الاجماع عليه) اى على انه ان تعيب بعد الخيار لا يرجع بالعيب القديم، بل للمشترى حق الارش فقط اذا كان عيبا يوجب الارش، و ان لم يكن عيبا يوجب الارش فلا شي ء للمشترى، لا الرد و لا الارش.

(و المراد بالعيب هنا) اى في عنوان المسألة، و هو قولنا «و اما الثالث اعنى العيب الحادث الخ» (مجرد النقص) الحاصل في السلعة سواء اوجب الارش، أم لا (لا خصوص ما يوجب الارش، فيعم) العيب المذكور فى العنوان (عيب الشركة و تبعض الصفقة).

و لا يخفى ان هذا العيب انما يحدث بسبب الرد، اما النقص فهو يحدث قبل الرد.

و مثل المصنف لعيب الشركة بقوله: (اذا اشترى اثنان شيئا فاراد احدهما رده بالعيب) السابق، فان ردّه اوجب ان يكون المشترى الّذي لم يرد شريكا للبائع، فحاله حال ما اذا اشترى شيئا، ثم ظهر ان الشي ء

ص: 123

او اشترى واحد صفقة و ظهر العيب في بعضه، فاراد ردّ المعيب خاصة

______________________________

مخلوط او مشاع بمال البائع، فان للمشترى الحق في ان يرد المبيع، و ذلك لخيار الشركة حيث انه ضرر على الانسان ان يكون شريكا لغيره.

لا يقال: فى مقامنا الشركة حاصلة على كل حال، اذ كان المشترى الّذي لم يرد شريكا مع المشترى الّذي رد، و الحال بعد ان رد صار شريكا مع البائع.

لانه يقال: الشركة مع زميله قد اقدم عليه، اما الشركة مع البائع فلم يقدم عليه.

مثلا: اشترى زيد و عمرو متاعا من بكر، فانه اذا رد عمرو حصته صار زيد شريكا مع بكر، و هذا ما لم يقدم عليه زيد، و انما اقدم على ان يكون شريكا مع عمرو.

و مثل المصنف «ره» لتبعض الصفقة بقوله: (او اشترى) انسان (واحد صفقة) واحدة (و ظهر العيب في بعضه، فاراد ردّ المعيب خاصة) كما اذا اشترى كتابين فظهر احدهما معيبا، فاراد رد المعيب خاصة.

فان هذا الرد يوجب تبعض الصفقة على المشترى، فله الحق في رد الكتاب الّذي ليس بمعيب.

و كيف كان فان هذا العيب الحادث بسبب رد الشريك، او بسبب رد نفس المشترى لبعض السلعة عيب، و ليس بنقص يوجب الارش، بخلاف ما اذا كانت الدابة عرجاء، ثم بعد انقضاء الثلاثة صارت عوراء أيضا، فان العوار نقص يوجب الارش.

ص: 124

و نحوه نسيان العبد الكتابة كما صرح به في القواعد و غيره، و نسيان الدابة للطحن كما صرح به في جامع المقاصد

______________________________

ففى هذا المثال يتمكن المشترى من اخذ الارش من البائع لاجل العيب القديم، و لا يتمكن من الرد، و العيب الحادث يوجب في نفسه الارش اما في مثال الشركة و تبعض الصفقة، فالعيب الحادث لا يوجب فى نفسه الارش.

و لا يخفى انه سواء كان العيب الحادث من قبيل ما يوجب الارش، او لم يكن من قبيل ما يوجب الارش، لا يؤثر العيب الحادث في جواز اخذ الارش بالعيب القديم، و لا في اسقاطه للرد الّذي اوجبه العيب القديم.

(و نحوه) اى نحو العيب بالشركة و تبعض الصفقة مما يوجب اسقاط الرد بالعيب القديم (نسيان العبد الكتابة) بان اشترى العبد و كان اعور ثم بعد انقضاء الخيار نسى الكتابة، فان نسيانه الكتابة يوجب اسقاط حق المشترى في الرد، نعم له ان يأخذ الارش لاجل كونه اعور (كما صرح به في القواعد، و غيره) اى صرح بانه عيب يوجب اسقاط حق المشترى فى الرد (و نسيان الدابة للطحن) بعد ان كانت عوراء مثلا (كما صرح به فى جامع المقاصد) فان عيب الشركة و تبعض الصفقة و نسيانهما الكتابة و الطحن، اذا حدث بعد انقضاء خيار الحيوان يوجب اسقاط حق الرد بالعيب السابق في الدابة و العبد، و انما يبقى للمشترى ان يأخذ الارش بالعيب القديم.

و اذا كان العيب القديم غير موجب للارش كما اذا لم يكن على رقبتها

ص: 125

و يمكن الاستدلال على الحكم في المسألة بمرسلة جميل المتقدمة، فان قيام العين و ان لم يناف بظاهره مجرد نقص الاوصاف كما اعترف به بعضهم في مسئلة تقديم قول البائع في قدر الثمن مع قيام العين،

______________________________

شعر- و كان عدم الشعر مما لا يوجب ارشا- لم يكن للمشترى الرد و لا الارش.

(و يمكن الاستدلال على الحكم) اى حكم ان العيب الجديد- بعد انقضاء الخيار- يوجب اسقاط الرد الناشئ من العيب القديم (في المسألة بمرسلة جميل المتقدمة) التى قال فيها «ان كان الثوب قائما بعينه» (فان قيام العين و ان لم يناف بظاهره) عرفا (مجرد نقص الاوصاف) فاذا نسى العبد الكتابة، او نسيت الدابة الطحن فهما قائمان عرفا باعينهما.

اذ المنصرف من مقابل «القائم بعينه» النقص في العين، كما اذا عميت الدابة، او شلت يد العبد، مثلا (كما اعترف به) اى بانه لا ينافى مع نقص الوصف (بعضهم في مسئلة تقديم قول البائع في قدر الثمن مع قيام العين) فانه اذا اختلف البائع و المشترى في قدر الثمن، فقال البائع مائة، و قال المشترى خمسون، فان كان المتاع قد تلف في يد المشترى، فلا اشكال في تقديم قول المشترى لاصالة عدم الزيادة.

اما اذا كان المتاع قائما بعينه فهل يقدم قول المشترى أيضا لاصالة عدم الزيادة، أم يقدم قول البائع لاصالة عدم البيع بالاقل؟ احتمالان فتأمل.

و كيف كان فان كلمة «قيام العين» فى هذه المسألة شبيهة بما ورد

ص: 126

الا ان الظاهر منه بقرينة التمثيل لمقابله بمثل قطع الثوب و خياطته و صبغه ما يقابل تغير الاوصاف و النقص الحاصل، و لو لم يوجب ارشا كصبغ الثوب و خياطته

______________________________

فى مرسلة جميل (الا ان الظاهر منه) ظهورا بالقرينة- فلا ينافى ما قاله سابقا «بظاهره»- (بقرينة التمثيل) فى المرسلة (لمقابله) اى مقابل «القائم بعينه» و المقابل هو «ما ليس قائما بعينه» (بمثل قطع الثوب و خياطته و صبغه ما يقابل تغير الاوصاف و) ما يقابل (النقص الحاصل، و لو لم يوجب ارشا كصبغ الثوب و خياطته) فالمراد بالقائم بالعين، ما لم يغير له ذات و لا وصف، بقرينة انه مثل لما ليس قائما بعينه بما غير ذاته كقطع الثوب، او غير وصفه كما لو خيط الثوب او صبغه.

فتحصل انه بناء على ما فسرنا به مرسلة جميل ان المرسلة تشمل تغير الذات كما تشمل تغير الوصف كما اذا نسى العبد الكتابة، او نسيت الدابة الطحن، او صار النقص من قبيل تبعض الصفقة او الشركة.

اقول: لكن في عدم صدق «قائما بعينه» على مثل الشركة و تبعض الصفقة نظر واضح.

اذ: الظاهر من المرسلة: انه لا يجبر البائع بتقبل ما عين عليه.

و من المعلوم انه لو رجع جنسه إليه كاملا بدون اى تغيير بالنسبة الى البائع، لم يضر تغير الصفة عند المشترى، فان الشركة او تبعض الصفقة الحاصلين عند المشترى نقص الوصف بالنسبة الى المشترى، لا بالنسبة الى البائع، بل البائع حصل عنده جنسه، كما كان بلا زيادة، و

ص: 127

نعم قد يتوهم شموله لما يقابل للزيادة كالثمن و تعلم الصنعة.

لكنه يندفع بان الظاهر من قيام العين بقائه، بمعنى: ان لا ينقص ماليته، لا بمعنى ان لا يزيد و لا ينقص

______________________________

لا نقصان، فانه لا نقصان فيه عند البائع لا في الذات و لا في الوصف.

(نعم قد يتوهم شموله) اى قيام العين في المرسلة (لما يقابل للزيادة).

فاللازم ان لا تزيد العين عند المشترى، و الا فان زادت لم تكن قائمة بعينها، فلا يحق للمشترى الرد بالعيب السابق (كالثمن و تعلم الصنعة) فى العبد- مثلا- فاذا اشترى عبدا اميا، ثم تعلم الكتابة، فانه لا يحق للمشترى ان يرده بسبب عيبه السابق- كما زعم المتوهم- قال: لان العبد ليس قائما بعينه بعد ان تعلم الصنعة.

(لكنه) اى هذا التوهم (يندفع بان الظاهر من قيام العين) الموجود فى المرسلة (بقائه) اى المتاع (بمعنى: ان لا ينقص ماليته، لا بمعنى ان لا يزيد و لا ينقص).

فقيام العين في مقابل النقص، لا في مقابل الزيادة، فان نقص عينا او وصفا، لا يحق له الارجاع بالعيب القديم.

اما ان زاد عينا كما اذا سمن او وصفا كما اذا تعلم علما، لم تكن الزيادة مانعة عن ارجاعه، هذا.

و لكن الظاهر ان الزيادة على قسمين.

الاول: ما لا ينافى صدق «قائما بعينه» و مثل هذه الزيادة لا تمنع

ص: 128

كما لا يخفى على المتأمل.

و استدل العلامة في التذكرة على اصل الحكم قبل المرسلة بان العيب الحادث يقتضي اتلاف جزء من المبيع، فيكون مضمونا على المشترى فيسقط رده للنقص الحاصل

______________________________

من الرد بالعيب كما اذا سمنت الدابة خمس كيلوات مثلا، او تعلمت الطحن:

الثانى: ما ينافى صدق «قائما بعينه» و مثل هذه الزيادة تمنع من الرد بالعيب السابق، كما اذا سمن العبد سمنا خارقا يمنعه عن القيام بالخدمة، او تعلم السحر مثلا، مما يخشى منه و لا يرغب الناس في مثله لانه محظور، فانه حينئذ يقال: بان هذه الزيادة تمنع الرد، لانه يصدق عليه «انه ليس قائما بعينه» (كما لا يخفى على المتأمل).

اللهم الا ان يدخل مثل هذه الزيادة في النقص، لانه نقص الخدمة او الامانة- فى المثالين اللذين ذكرناهما-.

(و استدل العلامة في التذكرة على اصل الحكم) اى حكم ان المتاع يجب ان يكون قائما بعينه، حتى يصح ارجاعه بالعيب الحادث قبل العقد او قبل القبض، او في زمن الخيار (قبل المرسلة) و هى مرسلة جميل الدالة على اشتراط «القيام بعينه» فى صحة رده بالعيب (بان العيب الحادث) عند المشترى بعد ايام الخيار (يقتضي اتلاف جزء من المبيع، فيكون) هذا الجزء التالف (مضمونا على المشترى) اى ان خسارته على المشترى لانه حدث في ملكه (فيسقط رده) اى رد المتاع (للنقص الحاصل

ص: 129

فى يده.

فانه ليس تحمل البائع له بالعيب السابق اولى من تحمل المشترى له للعيب الحادث هذا.

و لكن المرسلة لا تشمل جميع افراد النقص مثل نسيان الدابة للطحن و شبهه.

و الوجه المذكور في التذكرة قاصر عن افادة المدعى.

______________________________

فى يده) اى في يد المشترى.

(ف) ان قلت: عدم رده يستلزم تحمل المشترى للعيب السابق.

قلت: (انه ليس تحمل البائع له) اى للمتاع (ب) سبب (العيب السابق اولى من تحمل المشترى له) اى للمتاع (للعيب الحادث).

فان الامر دائر بين ان نحمل البائع المتاع مع عيبه الحادث عند المشترى و بين ان نحمل المشترى المتاع مع عيبه الحادث عند البائع و ليس تحميل البائع اولى من تحميل المشترى (هذا) غاية ما يقال فى وجه انه اذا نسى العبد الكتابة، او نسيت الدابة الطحن، سقط حق المشترى في ارجاعهما بالعيب السابق.

(و لكن) فيه نظر، اذ (المرسلة لا تشمل جميع افراد النقص) فان الظاهر منها نقص العين لا نقص الصفة (مثل نسيان الدابة للطحن، و شبهه) اذ يصدق عرفا ان يقال: ان الدابة و العبد قائمان بعينهما، و ان نسيا الكتابة و الطحن.

(و الوجه المذكور في التذكرة قاصر عن افادة المدعى) فلا يشمل مثل

ص: 130

لان المرجع بعد عدم الاولوية من احد الطرفين الى اصالة ثبوت الخيار و عدم ما يدل على سقوطه، غاية الامر انه لو كان الحادث عيبا كان عليه الارش للبائع، اذا رده، كما اذا تقايلا او فسخ احدهما بخياره

______________________________

نسيان الكتابة و الطحن (لان المرجع بعد عدم الاولوية من احد الطرفين) الّذي بينه بقوله «فانه ليس تحمل البائع .. الخ» (الى اصالة ثبوت الخيار) فانه قبل حدوث العيب الجديد، كان للمشترى الخيار فى رد المبيع للعيب السابق، فاذا شك في بقاء الخيار- لاجل حدوث عيب جديد- كان الاستصحاب يقتضي بقاء الخيار.

(و) ذلك ل (عدم ما يدل على سقوطه) اى سقوط الخيار، حتى يكون دليلا رافعا للاستصحاب.

ان قلت: كيف يقبل البائع الدابة التى اصبحت عرجاء عند المشترى و الحال ان الدابة الصحيحة الرجل قيمتها مائة و العرجاء قيمتها عشرون مثلا.

قلت: (غاية الامر انه لو كان الحادث) عند المشترى (عيبا) يوجب نقص القيمة- كما مثلتم- (كان عليه) اى على المشترى (الارش للبائع، اذا رده) بان يدفع إليه ثمانين في مفروض المثال، و يكون حال ذلك (كما اذا تقايلا) بدون اخذ المشترى بالخيار، فانه لا اشكال في صحة التقايل بعد ان تعيب عيبا جديدا عند المشترى.

و من المعلوم: انه بعد التقايل يلزم على المشترى ان يتدارك النقص الّذي حدث عنده (او فسخ احدهما بخياره) اى بمقتضى الخيار الّذي

ص: 131

بعد تعيب العين.

اما مثل نسيان الصنعة و شبهه فلا يوجب ارشا، بل يرده، لان النقص حدث في ملكه

______________________________

كان له- كخيار الحيوان او خيار الشرط او خيار المجلس- (بعد تعيب العين) كما اذا صارت عرجاء في الثلاثة، فانه اذا كان التعيب من المشترى، كان ضامنا، فاذا فسخ او فسخ البائع رد المتاع و اخذ البائع من المشترى الارش، لان العيب مضمون على المشترى.

(اما مثل نسيان الصنعة و شبهه) كنسيان الدابة الطحن (ف) اذا رد الدابة او العبد المشترى (لا يوجب ارشا) عليه، بان يعطى التفاوت بين قيمتى المتذكر للصنعة، و الناسى لها الى البائع (بل) للمشترى ان (يرده) بلا ارش- فيما اذا نسى الصنعة-.

و انما لا يجب عليه الارش (لان النقص حدث في ملكه) اى ملك المشترى، لان المفروض ان الدابة نسيت الطحن حينما كانت مملوكة للمشترى، فاذا رد الدابة الى المالك فقد ردها كاملة، و الثمن كان بإزاء الدابة، لا بإزاء الدابة و الصنعة معا.

و انما زادت قيمة الدابة اذا كانت طاحنة لاجل الداعى، لا ان الثمن فى مقابل الصنعة.

و الحاصل ان الصنعة لا تقابل بالثمن، ففقد انها لا يوجب ارشا للبائع اذا ردها المشترى بسبب العيب القديم.

ص: 132

و انما يضمن وصف الصحة لكونه كالجزء التالف، فيرجع البائع بعد الفسخ ببدله.

نعم

______________________________

(و) ان قلت: اذا كان نقص الصفة لا يوجب ارشا على المشترى للبائع اذا رد المشترى المتاع بالعيب السابق، فلما ذا تقولون بانه اذا تعيب عيبا جديدا كان اللازم على المشترى ان يعطى ارشا للبائع اذا رد المتاع

مثلا كانت عرجاء، ثم صارت عند المشترى عمياء، فانكم تقولون يرجعها و يعطى التفاوت بين قيمتى البصيرة و العمياء، مع ان ذهاب وصف الصحة كان في ملك المشترى، كذهاب وصف الطحن في المثال السابق.

قلت: (انما يضمن) المشترى (وصف الصحة) فاذا ردها لزم عليه ان يعطى الارش (لكونه) اى وصف الصحة (كالجزء التالف، فيرجع البائع بعد الفسخ ببدله) اى بدل وصف الصحة، فان الانسان اذا اشترى دابة بمائة، كانت المائة في الحقيقة موزعة على اجزاء الدابة، فمقابل عينها مثلا خمسة دراهم، فاذا ذهبت عين الدابة، و اراد المشترى ردّ الدابة لزم عليه ان يرد خمسة دراهم مع الدابة، لان المشترى انما ردّ بعض المبيع، لا كل المبيع.

(نعم) هذا استثناء من اشكاله على العلامة بقوله: «و الوجه المذكور في التذكرة الخ» فان العلامة استدل لعدم الخيار بتعارض تحمل المشترى للعيب القديم، و تحمل البائع للعيب الجديد و اشكل عليه المصنف بان تعارض التحملين يوجب التساقط، و يكون المرجع اصالة

ص: 133

لو علل الرد بالعيب القديم بكون الصبر على المعيب ضررا امكن ان يقال ان تدارك ضرر المشترى بجواز الرد مع تضرر البائع بالصبر على العيب الحادث، مما لا يقتضيه قاعدة: نفى الضرر.

______________________________

الخيار الثابت قبل العيب الجديد.

و الآن يريد المصنف ان يبين ان العلامة لو كان يستدل للخيار «بلا ضرر المشترى» لم يرد عليه اشكالنا.

اذ يتساقط حينئذ: لا ضرر البائع الناشئ من العيب الجديد، و لا ضرر المشترى الناشئ من العيب القديم.

فالمرجع اصالة لزوم العقد، فانه (لو علل الرد بالعيب القديم يكون الصبر) اى صبر المشترى (على المعيب) بالعيب القديم (ضررا) على المشترى (امكن ان يقال) بتعارض الضررين، فالمرجع اصالة لزوم العقد

و ذلك ل (ان تدارك ضرر المشترى بجواز الرد) اى حتى لا يتضرر المشترى بسبب العيب القديم (مع تضرر البائع) اذا رد (بالصبر على العيب الحادث، مما لا يقتضيه قاعدة: نفى الضرر).

فان: لا ضرر، انما يتمشى اذا لم يستلزم ضررا على انسان آخر، و الا لم تجر قاعدة: لا ضرر.

أولا: لانه حكم امتنائى، و الحكم الامتنائى انما يكون على الكل، لا على انسان دون انسان.

و ثانيا: لانه اذا تعارض مصداقان من قاعدة واحدة، كان المرجع عدم شمول تلك القاعدة لذين المصداقين، اذ لا تشملهما، لانه غير ممكن

ص: 134

لكن العمدة في دليل الرد هو النص، و الاجماع.

فاستصحاب الخيار عند الشك في المسقط، لا بأس به.

الا ان الانصاف ان المستفاد من التمثيل في الرواية بالصبغ و الخياطة هو اناطة الحكم بمطلق النقص.

______________________________

و لا تشمل احدهما لانه ترجيح بلا مرجح.

(لكن) التعارض و التساقط و الرجوع الى اصالة اللزوم انما هو فرع كون دليل خيار المشترى منحصرا في قاعدة: لا ضرر، و الحال انه ليس كذلك، بل (العمدة في دليل الرد) اى ردّ المشترى (هو النص) المتقدم عن جميل (و الاجماع) المتقدم حكايته عن بعض (فاستصحاب الخيار عند الشك في المسقط) فانه نشك في انه هل سقط خيار المشترى عند ما تعيب المبيع بعيب جديد، أم لم يسقط خياره؟ (لا بأس به).

منتهى الامر انّ على المشترى الارش للعيب الجديد، كما تقدم.

(الا ان الانصاف ان) القول بحق المشترى في الرد في بعض اقسام العيب، لان ذلك العيب غير مشمول لمرسل جميل، و لا لدليل العلامة حيث اشرنا الى القول بحق المشترى عند قولنا «لكن المرسلة ... الخ، و الوجه المذكور في التذكرة ... الخ» غير تام، بل اللازم ان نقول بانه لا حق للمشترى في الرد فيما اذا نسى العبد الكتابة او نسيت الدابة الطحن، لان (المستفاد من التمثيل في الرواية) اى رواية جميل (بالصبغ و الخياطة هو اناطة الحكم) اى حكم عدم الرد عند التصرف في المبيع (بمطلق النقص).

ص: 135

توضيح ذلك ان المراد بقيام العين هو ما يقابل الاعم من تلفها و تغيرها على ما عرفت من دلالة ذكر الامثلة على ذلك.

لكن

______________________________

فكلما حدث في المبيع المعيب نقص- اىّ نقص كان- منع ذلك النقص من رده بالعيب القديم، و انما يبقى للمشترى حق الارش.

(توضيح ذلك) الّذي ذكرنا «بان المستفاد من التمثيل مطلق النقص» (ان المراد بقيام العين) الّذي شرطته الرواية لجواز الرد (هو ما يقابل الاعم من تلفها و تغيرها) فاذا تلفت او تغيرت لم تكن العين قائمة، فلا يحق للمشترى الرد، و التغير يشمل كل نقص، فيشمل مثل نسيان العبد و الدابة.

هذا حاصل ما استدل به و هو مركب من كبرى و صغرى و صورة القياس هكذا «العين لا ترد اذا تغيرت» «و التغير يشمل كل نقص» «فالعين لا ترد اذا حصل اى نوع من النقص».

و من المعلوم ان نسيان الدابة و العبد نوع من النقص.

ثم انه استدل المصنف لشمول «عدم قيام العين» ل «كل انواع التغير» بقوله: (على ما عرفت) قبل سطر (من دلالة ذكر الامثلة) بالصبغ و الخياطة (على ذلك) اى على ان كل تغير موجب لاسقاط الرد، فان صبغ الثوب و نسيان العبد للكتابة من واد واحد عرفا، فاذا كان الصبغ مسقطا للرد كان النسيان مسقطا أيضا.

(لكن) ينبغى التنبيه على امر خارج عن المبحث، فان المبحث هو

ص: 136

المراد من التغير هو الموجب للنقص، لا الزيادة، لان مثل السمن لا يمنع الرد قطعا.

و المراد بالنقص هو الاعم من العيب الموجب للارش فان النقص الحاصل بالصبغ و الخياطة انما هو لتعلق حق المشترى بالثوب من جهة الصبغ و الخياطة و هذا ليس عيبا اصطلاحيا.

______________________________

عبارة عن شمول «عدم قيام العين لكل تغير» و الامر الخارج هو ان (المراد من التغير هو الموجب للنقص) فى العين (لا الزيادة، لان مثل السمن لا يمنع الرد قطعا).

لكنك قد عرفت اشكالنا في هذا الكلام عند قول المصنف «نعم قد يتوهم شموله لما يقابل للزيادة».

(و المراد بالنقص هو الاعم من العيب الموجب للارش) و العيب الّذي لا يوجب الارش.

و انما نقول ان المراد بالنقص هو الاعم (فان النقص الحاصل بالصبغ و الخياطة) ليس نقصا اصطلاحيا مع انه مثل بهما في الرواية، بل النقص الحاصل بهما (انما هو لتعلق حق المشترى بالثوب من جهة الصبغ و الخياطة) اذ المشترى زاد في قيمة الثوب بفعله، فان الثوب قبل الخياطة يسوى عشرة مثلا، و الحال يسوى عشرين، و كذلك النسبة بين الثوب المصبوغ و غير المصبوغ (و هذا) التعلق لحق المشترى (ليس عيبا اصطلاحيا) فان العيب الاصطلاحى هو النقيصة و هاهنا شركة، و الشركة:

لا يقال لها عيب، و اذا تحقق ان المراد بالنقص كل عيب شمل مثل نسيان

ص: 137

و دعوى اختصاصه بالتغير الخارجى الّذي هو مورد الامثلة، فلا يعم مثل نسيان الدابة للطحن، يدفعه ان المقصود مجرد النقص مع انه اذا ثبت الحكم في النقص الحادث و ان لم يكن عيبا اصطلاحيا ثبت في المغير و غيره

______________________________

الدابة و العبد، فلا يقال ان النسيان ليس نقصا خارجيا.

و الحاصل: انا نفهم من امثلة الرواية: كل نقص، و عليه فيشمل النقص مثل نسيان الدابة و العبد.

(و) ان قلت: النقص يطلق على ثلاثة اقسام.

الاول: النقص بمعنى تلف شي ء من المبيع، مثل ان تكسر رجله.

الثانى: النقص بمعنى التغير الخارجى، مثل صبغ الثوب.

الثالث: النقص بمعنى كل نقيصة و لو مثل نسيان الدابة.

فاذا علمنا ان النقص اعم من الاوّل نتعدى الى النقص بالمعنى الثانى، اما المعنى الثالث فهو بعيد فلا يشمل النقص مثل نسيان الدابة.

قلت: (دعوى اختصاصه) اى اختصاص النقص (بالتغير الخارجى الّذي هو مورد الامثلة) فى الرواية اى الصبغ و الخياطة (فلا يعم) النقص (مثل نسيان الدابة للطحن) و نسيان العبد للكتابة.

ف (يدفعه ان المقصود) حسب الفهم العرفى من امثلة الرواية (مجرد النقص) و ان لم يكن مغيرا، و لذا لا نشك بان العرف يرى نسيانه نقصا اذا اطلع على ان الشركة بسبب الصبغ و الخياطة نقص.

هذا (مع انه اذا ثبت الحكم في النقص الحادث و ان لم يكن عيبا اصطلاحيا، ثبت فى) النقص (المغير) كالصبغ (و غيره) كنسيان الدابة

ص: 138

للقطع بعدم الفرق.

فان المحتمل هو ثبوت الفرق في النقص الحادث بين كونه عيبا اصطلاحيا لا يجوز ردّ العين الا مع ارشه، و كونه مجرد نقص لا يوجب ارشا كنسيان الكتابة و الطحن.

اما الفرق في افراد النقص غير الموجب للارش بين مغير العين حسّا و غيره فلا مجال لاحتماله.

______________________________

(للقطع بعدم الفرق) بين هذه الاقسام من النقص.

(ف) انما نقطع بعدم الفرق، ل (ان المحتمل هو ثبوت الفرق فى النقص الحادث بين كونه عيبا اصطلاحيا لا يجوز ردّ) المشترى (العين) الى المالك (الا مع ارشه) مثل كسر رجل الدابة (و كونه مجرد نقص لا يوجب ارشا كنسيان الكتابة و الطحن) فى العبد و الدابة، و انما كان هذا الفرق محتملا للتفاوت في الارش، بان يقال فرق بين العيب الموجب للارش، و العيب غير الموجب للارش.

و انما لا يوجب نسيان الكتابة و الطحن ارشا، لما سبق من ان الثمن يقابل بالعين، لا بمثل هذه الصفات، فهذه الصفات لا ارش لها.

(اما الفرق في افراد النقص غير الموجب للارش بين مغير العين حسّا) كصبغ الثوب (و غيره) كنسيان الدابة و العبد، بان يقال في مثل الصبغ لا يرد، اما في مثل النسيان يردّ (فلا مجال لاحتماله) لان هذين النقصين من واد واحد، فان اوجب احدهما حكما اوجب الثانى نفس ذلك الحكم.

ص: 139

ثم ان ظاهر المفيد في المقنعة المخالفة في اصل المسألة و ان حدوث العيب لا يمنع من الرد، لكنه شاذ على الظاهر.

ثم مقتضى الاصل عدم الفرق في سقوط الخيار بين بقاء العيب الحادث و زواله، فلا يثبت بعد زواله لعدم الدليل على الثبوت بعد

______________________________

و الحاصل ان كسر رجل الدابة، و صبغ الثوب، و نسيان العبد للكتابة كلها من واد واحد، فاذا حدثت احدى هذه الامور في المبيع الّذي كان معيبا عند البائع- مما اوجب خيار المشترى في الرد- اسقط هذا العيب الحادث: الرد بالعيب القديم.

(ثم ان ظاهر المفيد) «ره» (فى المقنعة المخالفة في اصل المسألة و) ذلك لانه قال: (ان حدوث العيب) فى المبيع عند المشترى (لا يمنع من الرد) بالعيب القديم (لكنه شاذ على الظاهر) الّذي نجده فى كلمات الفقهاء.

(ثم مقتضى الاصل) اى عدم استصحاب الخيار للمشترى هو (عدم الفرق في سقوط الخيار) سقوطا بالعيب الجديد (بين بقاء العيب الحادث و زواله).

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 13، ص: 140

فاذا اشترى عبدا معيبا، و كان للمشترى حق خيار الفسخ، ثم نسى العبد الكتابة، فسقط خيار المشترى برده، ثم تذكر الكتابة كان مقتضى الاصل ان المشترى لا حق له في الرد بعد ان سقط خياره (فلا يثبت) الخيار من جديد (بعد زواله لعدم الدليل على الثبوت) للخيار (بعد

ص: 140

السقوط.

قال في التذكرة عندنا: ان العيب المتجدد مانع عن الرد بالعيب السابق، سواء زال أم لا؟ لكن في التحرير لو زال العيب الحادث عند المشترى، و لم يكن بسببه، كان له الردّ و لا ارش عليه، انتهى.

و لعل وجهه ان الممنوع هو رده معيوبا لاجل تضرر البائع و ضمان المشترى لما يحدث، و قد انتفى الامران.

______________________________

السقوط) و بهذا افتى العلامة في بعض كتبه.

(قال في التذكرة عندنا: ان العيب الحادث مانع عن الرد بالعيب السابق، سواء زال) العيب الجديد (أم لا؟ لكن) العلامة افتى (فى التحرير) بان العيب الجديد اذا زال كان للمشترى حق الرد.

فقال: (لو زال العيب الحادث عند المشترى، و لم يكن) العيب (بسببه كان له الرد) بعد زوال العيب و ذلك لمكان العيب القديم (و لا ارش عليه) لانه يرده كاملا غير منقوص، فلما ذا يكون عليه ارش عيب قد زال؟

(انتهى) كلام العلامة.

(و لعل وجهه) اى وجه ان له حق الرد بعد زوال العيب (ان الممنوع هو رده معيوبا).

و ذلك (لاجل تضرر البائع) بالمعيب عيبا جديدا (و) لاجل (ضمان المشترى لما يحدث) فاذا ضمن المشترى العيب لم يكن له ارجاع ما ضمنه، (و قد انتفى الامران) و هما التضرر و الضمان، بعد ان زال العيب.

و انما قال العلامة: «و لم يكن بسببه» لانه اذا كان العيب الجديد

ص: 141

و لو رضى البائع برده مجبورا بالارش او غير مجبور جاز الرد، كما فى الدروس و غيره، لان عدم الجواز، لحقّ البائع، و الا فمقتضى قاعدة خيار الفسخ عدم سقوطه بحدوث العيب غاية الامر ثبوت قيمة العيب.

و انما منع من الردّ هنا للنص و الاجماع او للضرر.

______________________________

بسبب المشترى، كان ذلك تصرفا من المشترى، و قد تقدم ان تصرف المشترى في المعيب يسقط الخيار.

(و لو رضى البائع برده) اى المعيب بالعيب الجديد (مجبورا بالارش) اى الارش الّذي يعطيه المشترى للبائع بسبب عيبه الجديد (او غير مجبور) بان قبل البائع ان يفسخ المشترى بدون ان يعطى المشترى ارش العيب الجديد (جاز الرد، كما في الدروس و غيره، لان عدم الجواز) اى عدم جواز ردّ المشترى اذا عاب بالعيب الجديد، انما هو (لحق البائع) فاذا اسقط البائع حقه سقط.

و الحاصل ان عدم الارجاع حقّ، لا حكم (و الا فمقتضى قاعدة خيار الفسخ) اى خيار المشترى في الفسخ بالعيب القديم (عدم سقوطه) اى الخيار (بحدوث العيب) عند المشترى (غاية الامر ثبوت قيمة العيب) الجديد على المشترى، اذا اراد ان يرده، و قد عاب عنده.

(و انما منع من الردّ هنا) بعد ان عاب بعيب جديد عند المشترى (للنص و الاجماع او للضرر) على البائع بان يسترد المعيب.

و من المعلوم ان النص و الاجماع انما هما قيما اذا ابى البائع من الاسترداد، و الضرر اذا اقدم عليه البائع بنفسه لم يكن مانعا من الرد،

ص: 142

و مما ذكرنا يعلم ان المراد بالارش الّذي يغرمه المشترى عند الرد قيمة العيب، لا الارش الّذي يغرمه البائع للمشترى عند عدم الرد.

لان العيب القديم مضمون بضمان المعاوضة و الحادث مضمون بضمان اليد.

______________________________

اذ لا يشمله دليل: لا ضرر.

(و مما ذكرنا) بقولنا «غاية الامر ثبوت قيمة العيب» (يعلم ان المراد بالارش الّذي يغرمه المشترى عند الرد) و غرامة القيمة لاجل العيب الحادث (قيمة العيب) سواء كان اغلى من الثمن، او مساويا له، او اقل منه، لانه ضامن لهذا العيب.

فاللازم ان يدفع قيمته (لا الارش الّذي يغرمه البائع للمشترى عند عدم الرد) فان الارش هنا تفاوت ما بين الصحيح و المعيب، لكن مع نسبته الى الثمن المسمى، لا القيمة الواقعية.

و انما كان فرق بين الارش هنا و بين الارش هناك.

(لان العيب القديم مضمون بضمان المعاوضة) اى ما تبانيا عليه من القيمة، فاذا كان هناك عيب نقص العيب من الثمن بالنسبة (و الحادث مضمون بضمان اليد) و ضمان اليد انما يكون بالنسبة الى القيمة الواقعية

مثلا: اذا كان شي ء قيمته الواقعية عشرة و قيمته البنائية عشرون، و كان العيب القديم ينقص منه العشر، و العيب الجديد ينقص منه العشر فان البائع يلزم ان يعطى للمشترى دينارا حسب القيمة الواقعية، اما المشترى فيلزم ان يعطى للبائع دينارين حسب القيمة البنائية، و بالعكس

ص: 143

ثم ان صريح المبسوط انه لو رضى البائع باخذه معيوبا لم يجز مطالبته بالارش.

و هذا احد المواضع التى اشرنا في اوّل المسألة الى تصريح الشيخ فيها بان الارش مشروط باليأس من الرد.

و ينافيه اطلاق الاخبار بأخذ الارش.

______________________________

فى العكس، و هكذا.

(ثم ان صريح المبسوط انه لو رضى البائع باخذه معيوبا لم يجز مطالبته بالارش) اى لم يجز للمشترى ان يلتزم بالبيع و يطالب البائع بارش المعيب.

و الحاصل انه ليس الاختيار بيد المشترى حتى اذا شاء ردّ و اذا شاء قبل البيع و اخذ الارش، بل لو قال المالك: رد ايها المشترى على البضاعة لزم على المشترى ان يردها، و ان لا يطالب بالإبقاء و الارش.

(و هذا) الّذي ذكره الشيخ في المبسوط (احد المواضع التى اشرنا فى اوّل المسألة الى تصريح الشيخ فيها بان الارش مشروط باليأس من الرد) خلافا للمشهور الذين يقولون بانه يخير المشترى بين الرد و الارش تخييرا مطلقا- اى سواء يأس من الردّ، أم لا-.

(و ينافيه) اى ينافى كلام المبسوط (اطلاق الاخبار بأخذ الارش) مما يدل على انه للمشترى حق اخذ الارش و ان رضى البائع بالرد للسلعة.

ص: 144

تنبيه: ظاهر التذكرة و الدروس ان من العيب المانع من الرد بالعيب القديم تبعض الصفقة على البائع.

و توضيح الكلام في فروع هذه المسألة ان التعدد المتصور فيه التبعض اما في احد العوضين، و اما في البائع، و اما في المشترى.

فالاول كما اذا اشترى شيئا واحدا او شيئين بثمن واحد.

______________________________

(تنبيه: ظاهر التذكرة و الدروس ان من العيب) الجديد (المانع من الرد بالعيب القديم تبعض الصفقة على البائع) فاذا كان الرد مستلزما لتبعض الصفقة لم يصح الرد، و انما كان للمشترى اخذ الارش فقط، ان كان للعيب ارش و الا فلا ارش، كما لا ردّ أيضا.

(و توضيح الكلام في فروع هذه المسألة ان التعدد) اى التوزع الى اثنين او اكثر (المتصور فيه) اى في ذلك التعدد (التبعض) للصفقة على ثلاثة اقسام.

لان التبعض (اما في احد العوضين) و هو المثمن او الثمن (و اما فى البائع) بان يتعدد البائع (و اما في المشترى) بان يتعدد المشترى.

(فالاول كما اذا اشترى شيئا واحدا او شيئين) مثل دار و بستان (بثمن واحد) مقابل كليهما، لانه قد يكون هناك بيعان في صيغة واحدة

مثلا: يقول: الدار بالف و البستان بثمانمائة، ثم يقول: بعتهما بكذا، حتى يكون في الحقيقة بيعان، لا بيع واحد، و انما الصيغة واحدة

و قد يكون بيع واحد ذا اجزاء في المثمن، كما اذا قال الدار و البستان معا بكذا.

ص: 145

و من المعلوم ان كونهما بيعين او بيعا واحدا يختلف بالقصد.

نعم في مثل النكاح لامرأتين او الطلاق لهما، لا يكون الا معاملتين، فاذا قصد الوحدة بطل.

فاذا قال: انكحتك بنتى و اختى، و قصد نكاحا واحدا لهما- حتى يكون من قبيل بيع واحد لذى اجزاء- بطل النكاح رأسا، لان الشارع لم يجعل نكاحا واحدا لامرأتين، و هكذا في الطلاق.

و عليه فاذا كانت احدى المرأتين معيبة بالعيوب الموجبة للفسخ، لا يحق للزوج ردهما بفسخ نكاحهما، بل له فسخ نكاح المعيبة فقط، كما اذا طلقهما بصيغة واحدة، ثم ظهر ان إحداهما غير جامعة لشرائط الطلاق، لم يبطل الطلاق بالنسبة الى الجامعة للشرائط، كما لا يخفى انه لا يصح- احيانا- عقد ان في عقد، بل هناك عقد واحد حتى ان قصد التعدد مبطل له، كما اذا باع حيوانا و قصد ان يده بكذا، و راسه بكذا بان قصد تعدد البيع في صيغة واحدة، اذ الشارع لم يعتبر مثل هذا البيع، مع احتمال انه يصح، لاطلاق ادلة العقود و التجارة و الشارع لم ينه عنه.

نعم لا اشكال في عدم صحة التعدد في النكاح لامرأة واحدة او طلاق امرأة واحدة، بان يقصد عقدا على رأسها و عقدا على يدها، و هكذا.

و بناء على ما ذكرنا فالاقسام ثلاثة.

الاول: ما يمكن الوحدة و التعدد في عقد واحد.

الثانى: ما لا يمكن الا الوحدة فيه.

الثالث: ما لا يمكن الا التعدد فيه.

ص: 146

من بائع واحد فظهر بعضه معيبا.

و كذا لو باع شيئا بثمن فظهر بعض الثمن معيبا.

و الثانى كما اذا باع اثنان من واحد شيئا واحدا، فظهر معيبا، و اراد المشترى ان يرد على احدهما نصيبه دون الآخر.

______________________________

و منه يظهر انه لو اشترى حيوانا و غير حيوان في صفقة واحدة، فان اراد عقدين في عقد واحد، فلا اشكال في صحة رد الحيوان في الثلاثة و عدم صحة ردّ غير الحيوان، و ان اراد عقدا واحدا فهل يصح ردهما أو لا يصح اصلا او يصح رد الحيوان دون غيره؟ احتمالات و المسألة تحتاج الى التفصيل لكنا اردنا الالماع الى اصل المسألة لتوضيح معنى المتن «بثمن واحد».

فعليه اذا اشترى شيئا واحدا او شيئين بثمن واحد (من بائع واحد فظهر بعضه معيبا) فانه تبعيض في المثمن.

(و كذا لو باع شيئا بثمن) واحد ذى اجزاء كما اذا باعه بدينارين فظهر احد الدينارين معيبا.

اما اذا كان الثمن ذا جزء واحد فقط، كما اذا كان الثمن دينارا واحدا فظهر بعضه معيبا، فهذا لا يسمى ان بعضه معيب، بل كله معيب، كما لا يخفى (فظهر بعض الثمن معيبا) فانه تبعيض في الثمن.

(و الثانى) و هو التبعيض في البائع (كما اذا باع اثنان من واحد شيئا واحدا، فظهر) ذلك الشي ء (معيبا، و اراد المشترى ان يرد على احدهما نصيبه) من المثمن (دون الآخر).

ص: 147

و الثالث: كما اذا اشترى اثنان من واحد شيئا، فظهر معيبا فاختار احدهما الردّ دون الآخر.

و الحق بذلك الوارثان لمشترى واحد للمعيب.

______________________________

كما اذا اشترى زيد دارا على الاشاعة من اخوين و رثاها، فظهرت الدار معيبة، و اراد المشترى ان يرد نصفها على احدهما.

(و الثالث) و هو التبعض في المشترى (كما اذا اشترى اثنان من واحد شيئا، فظهر) المبيع (معيبا، فاختار احدهما الردّ دون الآخر) فانه يستلزم التبعض في المشترى، و ذلك فيما اذا لم يكن بيعان في ضمن عقد واحد، و الا فليس ذلك من تبعض المشترى، اذ حال البيع حينئذ حال بيعين مستقلين، منتهى الامر انّ الصيغة واحدة.

(و الحق بذلك) اى التبعض في المشترى (الوارثان لمشترى واحد للمعيب).

كما اذا اشترى زيد من عمرو دارا، ثم مات زيد و ورثه ابناه و كانت الدار معيبة فاراد احد الوارثين رد المعيب، و اراد الآخر عدم رده- و ذلك لان الخيار يورث- فانه من باب التبعض في المشترى، لكن فيه تأمل لا يخفى.

و مثله ما لو باعه المشترى الواحد لشخصين فاراد احدهما الرد دون الآخر.

و من قبيل تبعض البائع ما لو ورث البائع اثنان، فاراد المشترى ان يرد على احدهما دون الآخر.

ص: 148

و اما التعدد في الثمن بان يشترى شيئا واحدا بعضه بثمن، و بعضه الآخر بثمن آخر، فلا اشكال في كون هذا عقدين، و لا اشكال في جواز التفريق بينهما.

اما الاول فالمعروف انه لا يجوز التبعيض فيه من حيث الردّ، بل الظاهر المصرّح به في كلمات بعض الاجماع عليه.

______________________________

(و اما التعدد في الثمن بان يشترى شيئا واحدا بعضه بثمن، و بعضه الآخر بثمن آخر).

و لو كان البيعان في ضمن صيغة واحدة (فلا اشكال في كون هذا عقدين) كما تقدم (و لا اشكال في جواز التفريق بينهما) بان يرد المشترى احدهما دون الآخر، و كذلك العكس بان يبيع شيئين بثمن واحد، لكن باعتبار ان كل شي ء بنصف الثمن.

(اما الاول) و هو التبعض في احد العوضين (فالمعروف انه لا يجوز التبعيض فيه من حيث الردّ) بان يردّ بعض المبيع، دون بعض مثلا (بل الظاهر) عند التتبع (المصرّح به في كلمات بعض) الفقهاء (الاجماع عليه).

و استدل عليه بانه نقص، و انه ضرر، و انه خلاف بعض الروايات، و انه لا مقتضى للخيار، لان الخيار بالنسبة الى الكل، لا بالنسبة الى كل بعض، بالإضافة الى الاجماع المذكور.

فهذه ادلة خمسة استدلوا بها على عدم الخيار بالنسبة الى البعض.

ص: 149

لان المردود ان كان جزاء مشاعا من المبيع الواحد فهو ناقص من حيث حدوث الشركة.

و ان كان معينا فهو ناقص من حيث حدوث التفريق فيه و كل منهما نقص يوجب الخيار لو حدث في المبيع

______________________________

(لان المردود) اما جزء مشاع، كما لو اشترى دارا ثم اراد رد نصفها المشاع، او جزء مفروز كما لو اراد رد نصف الدار الواقع في طرف الشرق مثلا.

ف (ان كان جزاء مشاعا من المبيع الواحد) الّذي جرى عليه بيع واحد (فهو ناقص من حيث حدوث الشركة) اذ الشركة نقص، فلا يحق للمشترى ان يرد المتاع الناقص الى البائع، فان ظاهر ادلة الرد بالخيار هو رد الكامل الّذي اخذه، لا رد الناقص.

(و ان كان) المردود جزءا (معينا فهو ناقص من حيث حدوث التفريق فيه) فان العرف كثيرا ما يريد معية الاجزاء، بحيث يرون تفريقها نقصا، و هذا المقدار كاف في تحقق النقص، و ان لم يكن بالنسبة الى هذا البيع الخاص نقصا، كما اذا باعه كتابين لا يرتبط احدهما بالآخر فانه لا يحق للمشترى ردّ احدهما فقط، و ان لم يكن ذلك نقصا بالنسبة الى هذا البائع، كما انه اذا كان البيض المشترى فيه الدم، كان للمشترى الحق في رده بخيار العيب، و ان لم يكن ذلك نقصا بالنسبة الى هذا المشترى لانه لا يريده للاكل و انما يريده لاجل دواء، او ما اشبه (و كل منهما) اى الشركة و التفريق (نقص يوجب الخيار لو حدث في المبيع

ص: 150

الصحيح.

فهو اولى بالمنع عن الرد من نسيان الدابة الطحن.

و هذا الضرر و ان امكن جبره بخيار البائع، نظير ما اذا كان بعض الصفقة حيوانا فرده المشترى بخيار الثلاثة.

______________________________

الصحيح) و العيب هنا لا يوجب تفاوتا في الحكم، فاللازم ان نقول بعدم جواز الرد، اذ لا فرق في ان يكون النقص المانع من الردّ قبل الردّ، او يحصل النقص بنفس الرد، فان المانع هو ان يصل الى يد البائع ناقصا و ذلك يحصل حتى اذا كان النقص بنفس الرد.

(فهو) اى هذا النقص (اولى بالمنع عن الرد من نسيان الدابة الطحن) و العبد الكتابة، لان النسيان لا يوجب شركة و تفرقة، فان العبد و الدابة يرجعان الى المالك كاملين و نقص الشركة و التفرقة اهم فى نظر العرف من نقص النسيان، و اذا كان النسيان يوجب سقوط الرد فالشركة و التفرقة اولى بمنعهما من الرد.

(و) ان قلت: ان هذا النقص يمكن جبره بخيار البائع بان يكون للمشترى الرد، و لكن يكون للبائع خيار ابطال البيع لهذا النقص الجديد اعنى الشركة و التفرقة.

قلت: (هذا الضرر و ان امكن جبره بخيار البائع، نظير ما اذا كان بعض الصفقة حيوانا) كما اذا باعه حيوانا و متاعا صفقة واحدة (فرده) اى الحيوان (المشترى بخيار الثلاثة) فان هذا الرد يوجب نقصا بالتفرقة فى المثمن على البائع، و ذلك يوجب ان يكون للبائع خيار فسخ البيع

ص: 151

الا انه يوجب الضرر على المشترى، اذ قد يتعلق غرضه بامساك الجزء الصحيح.

و يدل عليه النص المانع عن الرد بخياطة الثوب و الصبغ فان المانع فيهما ليس الا حصول الشركة في الثوب بنسبة الصبغ و الخياطة لا مجرد تغير الهيئة، و لذا لو تغير بما يوجب

______________________________

بارجاع الكل- و هو الحيوان و المتاع- الى نفسه (الا انه) اى خيار البائع (يوجب الضرر على المشترى) فيشمل المشترى دليل: لا ضرر (اذ قد يتعلق غرضه) اى غرض المشترى (بامساك الجزء الصحيح) و عليه فيسقط خيار البائع- بارجاع الكل الى نفسه- بلا ضرر المشترى، فيبقى كون رد البعض ضررا على البائع سليما، فلا ردّ للمشترى على البائع.

(و يدل عليه) اى على ان نقص الشركة و التفريق ضرر يسقط الرد على البائع (النص المانع عن الرد) للمتاع الى البائع، اذا كان النقص حاصلا (بخياطة الثوب و الصبغ).

وجه الدلالة (فان المانع) عن الرد (فيهما) اى في الصبغ و الخياطة (ليس الا حصول الشركة) بين البائع و المشترى (فى الثوب بنسبة الصبغ و الخياطة) و الشركة نقص و لذا يمنع من الرد.

ان قلت: لعل المانع من الرد في الصبغ و الخياطة ليس هو الشركة بل تغير هيئة الثوب، و التغير ليس حاصلا في المقام، فلا يمكن الاستدلال بالرواية في مقامنا هذا.

قلت: (لا) اى ليس المانع (مجرد تغير الهيئة، و لذا لو تغير بما يوجب

ص: 152

الزيادة كالسمن لم يمنع عن الرد قطعا.

و قد يستدل بعد رد الاستدلال بتبعض الصفقة بما ذكرناه مع جوابه بظهور الادلة في تعلق حق الخيار بمجموع المبيع، لا كل جزء منه لا اقل من الشك

______________________________

الزيادة كالسمن) فى الدابة (لم يمنع عن الرد قطعا) لان المفهوم من الرواية ان وجه عدم الرد في الصبغ ليس تغير الوصف و الهيئة حتى يشمل السمن.

(و قد يستدل) لعدم جواز التبعيض في الثمن و المثمن (بعد رد الاستدلال) لذلك (بتبعض الصفقة بما ذكرناه) «بما» متعلق ب «الرد» (مع جوابه) «الاستدلال» هو تبعض الصفقة «و رده» هو ان تبعض الصفقة على البائع يتدارك بان يكون للبائع الخيار في ابطال البيع «و جوابه» ان جعل الخيار للبائع ضرر على المشترى، و المستدل هو صاحب الجواهر (بظهور الادلة) اى ادلة الخيار، «بظهور» متعلق ب «يستدل» (فى تعلق حق الخيار بمجموع المبيع، لا كل جزء منه) فليس للمشترى ان يرد بعض المبيع الّذي كان معيبا، لان خيار العيب متعلق بمجموع السلعة، فاما ان يأخذها كلها او يردها كلها.

اما ان يأخذ بعض السلعة و يرد بعضها الآخر، فذلك مما لا يدل عليه دليل الخيار (لا اقل من الشك) فى انه هل ادلة الخيار تدل على تعلق الخيار بكل جزء جزء؟

فأولا: ندعى ظهور الادلة في تعلق الخيار بالمجموع.

ص: 153

لعدم اطلاق موثوق به، و الاصل اللزوم.

و فيه مضافا الى ان اللازم من ذلك عدم جواز رد المعيب منفردا، و ان رضى البائع لان المنع حينئذ لعدم المقتضى للخيار في الجزء، لا لوجود

______________________________

و ثانيا: اذا رفعنا اليد عن الظهور، نقول: بانا نشك في تعلق الخيار بكل جزء جزء و الاصل عدم الخيار هكذا (لعدم اطلاق) فى ادلة الخيار (موثوق به) «لعدم» دليل قوله «لا اقل من الشك» (و الاصل اللزوم) الا بمقدار ما خرج من الخيار الّذي هو متعلق بالمجموع.

(و فيه) أولا: ان الخيار متعلق بكل جزء جزء- و لذا اذا رضى البائع برد الجزء صح الرد-.

و ثانيا ان موضع الخيار هو الجزء المعيب اما سراية الخيار الى الجزء الصحيح فهو تطفلى، فرد الجزء المعيب لا مانع منه (مضافا الى ان اللازم من ذلك) الّذي ذكره الجواهر من عدم تعلق الخيار بكل جزء (عدم جواز رد المعيب منفردا) فيما اذا كانت السلعة ذات جزءين، جزء صحيح و جزء معيب، و اراد المشترى ان يرد المعيب فقط (و ان رضى البائع) بردّ المعيب منفردا و الحال انه لا يقول احد بعدم صحة الرد فى صورة رضا البائع.

و انما قلنا لازم كلام الجواهر ذلك (لان المنع) عن ردّ الجزء (حينئذ) اى حين كان المنع من جهة عدم اطلاق دليل الخيار (لعدم المقتضى للخيار في الجزء) اى جزء المبيع، اذ لو لم يكن اطلاق، لم يكن مقتض (لا لوجود

ص: 154

المانع عنه، و هو لزوم الضرر على البائع حتى ينتفى برضا البائع انه لا يشك احد في ان دليل هذا الخيار كغيره من ادلة جميع الخيارات صريح في ثبوت حق الخيار لمجموع المبيع، لا كل جزء.

و لذا لم يجوّز احد تبعيض ذى الخيار اجزاء ما له فيه الخيار، و لم يحتمل هنا احد رد الصحيح دون المعيب.

______________________________

المانع عنه) اى عن الخيار في الجزء- على ما ادعيناه نحن- (و) المانع (هو لزوم الضرر على البائع حتى ينتفى) المانع (برضا البائع) لرد جزء المبيع، و «حتى» غاية لقوله «وجود المانع» (انه) مربوط بقوله «مضافا» و هذا هو الجواب الثانى ف (لا يشك احد في ان دليل هذا الخيار كغيره من ادلة جميع الخيارات صريح في ثبوت حق الخيار لمجموع المبيع، لا كل جزء) فليس كلام الجواهر ابداعا خاصا بنفسه، بل ليس الكلام هنا- و انه هل حق الخيار متعلق بالمجموع او بكل جزء- بل الكلام في محل آخر، و هو ان محل الخيار هل هو الشي ء المعيوب فقط أم الكل؟

(و لذا) الّذي ذكرناه «انه لا يشك احد» (لم يجوّز احد تبعيض ذى الخيار اجزاء ما له) اى اجزاء المبيع الّذي له (فيه الخيار، و) كذلك (لم يحتمل هنا احد رد الصحيح دون المعيب) فيما اذا كان جزء منه صحيحا و جزء منه معيبا، و هذان اى عدم التبعيض و عدم رد الصحيح دليلان على ان الفقهاء لا يقولون بتعلق الخيار بكل جزء جزء.

ص: 155

و انما وقع الاشكال في ان محل الخيار هو هذا الشي ء المعيوب غاية الامر انه يجوز ردّ الجزء الصحيح معه، لئلا تتبعض الصفقة عليه، و اما لقيام الاجماع على جواز رده، و اما لصدق المعيوب على المجموع كما تقدم او ان محل الخيار هو مجموع ما وقع عليه العقد لكونه معيوبا و لو من حيث بعضه.

و بعبارة اخرى

______________________________

(و انما وقع الاشكال في ان محل الخيار هو هذا الشي ء المعيوب) فقط (غاية الامر انه يجوز ردّ الجزء الصحيح معه) اى مع الجزء المعيوب (لئلا تتبعض الصفقة عليه) اى على المشترى، فانه ان قيل له بان يرد الجزء المعيوب فقط كان ضررا عليه، لانه يخير حينئذ بين الابقاء و تحمل العيب، و بين ارجاع الجزء المعيوب و تبعض الصفقة عليه (و اما لقيام الاجماع على جواز رده) اى رد الجزء الصحيح- و هذا عطف على قوله «لئلا»- (و اما لصدق المعيوب على المجموع كما تقدم) فيشمله ما دل على رد المعيوب (او ان محل الخيار هو مجموع ما وقع عليه العقد) هذا عطف على قوله «فى ان محل الخيار» (لكونه معيوبا و لو من حيث بعضه)

و الفرق بين هذا و بين قوله أو لا: «و اما لصدق المعيوب» ان فى الاول الخيار متعلق بالجزء و منه ينبعث الى الكل.

و في الثانى الخيار ابتداءً متعلق بالكل، و علة الخيار هو الجزء المعيوب.

(و بعبارة اخرى) بيان لما ذكره بقوله «فى ان محل الخيار هو.

ص: 156

الخيار المسبب عن وجود الشي ء المعيوب في الصفقة نظير الخيار المسبب عن وجود الحيوان في الصفقة في اختصاصه بالجزء المعنون بما هو سبب للخيار، أم لا، بل غاية الامر ظهور النصوص الواردة في الرد في رد البيع الظاهر في تمام ما وقع عليه العقد.

______________________________

او ان محل الخيار» (الخيار المسبب عن وجود الشي ء المعيوب في الصفقة) هل هو (نظير الخيار المسبب عن وجود الحيوان في الصفقة) فيما اذا اشترى شاة و قلما بمائة، فان له الخيار في الحيوان فقط في الثلاثة الايام (فى اختصاصه) اى اختصاص الخيار (بالجزء المعنون بما هو سبب للخيار) «بما» متعلق ب «المعنون» اى اختصاص الخيار بالحيوان الّذي هو جزء معنون بالحيوانية التى هى سبب الخيار (أم لا) هذا هو الشق الثانى لقوله «نظير الخيار».

و معنى «أم لا» ان الخيار هنا ليس كخيار الصفقة التى فيها الحيوان بل هو كخيار الغبن الّذي يتعلق ابتداءً بكل الشي ء المغبون.

و حيث ان الشق الاول و هو قوله «نظير الخيار» كان موردا لان يستشكل عليه، و يقال: اذا كان الخيار هنا نظير الخيار المسبب عن وجود الحيوان في الصفقة، يلزم عليه ان يكون الخيار في المعيوب فقط، لا فى كل الصفقة التى بعضها معيوب و بعضها غير معيوب.

اجاب بقوله: (بل غاية الامر ظهور النصوص الواردة في الرد) بسبب العيب (فى رد البيع) «فى» متعلق ب «ظهور» (الظاهر) صفة «رد البيع» (فى تمام ما وقع عليه العقد).

ص: 157

لكن موردها المبيع الواحد العرفى المتصف بالعيب، نظير اخبار خيار الحيوان و هذا المقدار لا يدل على حكم ما لو انضم المعيب الى غيره، بل قد يدل- كاخبار خيار الحيوان- على اختصاص الخيار

______________________________

ففرق بين ما اذا كان في الصفقة حيوان، او كان في الصفقة معيب.

حيث ان في الاول يكون المردود الحيوان فقط، و في الثانى المردود كل المبيع، و ذلك لظهور نصوص الرد، فى رد كل المبيع.

(لكن) اذا قلنا بالشق الاول، و ان الاخبار ظاهرة في رد كل المبيع و ليس المقام مثل ما اذا كان في الصفقة حيوان، فاللازم ان نستثنى من ذلك صورة ما اذا كان المبيع ذا جزءين منفصلين، و كان بعض احد جزئيه معيبا دون الجزء الآخر.

كما اذا باعه ثوبا و كتابا و كانت ورقة من الكتاب معيبة فانه و ان استلزم رد كل الكتاب، لا الورقة المعيبة فقط، لكنه لا يستلزم رد الثوب أيضا، اذ الثوب ليس معيبا، و لا جزءا من المعيب.

و على هذا ف (موردها) اى مورد النصوص الحاكمة بردّ كل المبيع فيما اذا كان جزئه معيبا (المبيع الواحد العرفى المتصف بالعيب) مثل الكتاب الّذي فيه ورقة معيبة (نظير اخبار خيار الحيوان) التى هى خاصة بالحيوان فيما اذا كان بعض المبيع حيوانا (و هذا المقدار) اى كون موردها المبيع الواحد (لا يدل على حكم ما لو انضم المعيب الى غيره) كما مثلنا فى الكتاب المعيب، و الثوب غير المعيب اصلا (بل قد يدل) هذا المقدار (- كاخبار خيار الحيوان- على اختصاص الخيار) فى مثل الكتاب

ص: 158

بخصوص ما هو متصف بالعيب عرفا باعتبار نفسه او جزئه الحقيقى كبعض الثوب لا جزئه الاعتبارى، كاحد الشيئين الّذي هو محل الكلام.

و منه يظهر عدم جواز التشبث في المقام بقوله في مرسلة جميل: اذا كان الشي ء قائما بعينه، لان المراد بالشي ء هو المعيب، و لا شك في قيامه هنا بعينه

______________________________

المعيب و الثوب (بخصوص ما هو متصف بالعيب عرفا باعتبار نفسه) اى نفس ذلك المعيب، كالورقة المعيبة (او جزئه الحقيقى) كالكتاب الّذي هو صحيح، و لكن جزئه الحقيقى الّذي هو الورقة معيب (كبعض الثوب) مثال لما اذا كان جزئه الحقيقى معيبا (لا جزئه الاعتبارى، كاحد الشيئين الّذي هو محل الكلام) فلا خيار في الثوب، فيما اذا كان ورق الكتاب معيبا لان الثوب جزء اعتبارى لمجموع الثوب و الكتاب الّذي وقع عليه العقد.

(و منه) اى مما ذكرنا بقولنا «بل يدل» (يظهر عدم جواز التشبث فى المقام) لاجل اثبات ان للمشترى حق ارجاع مجموع الكتاب و الثوب فى المثال- (بقوله في مرسلة جميل: اذا كان الشي ء قائما بعينه).

و وجه التشبث ان متعلق الخيار هو تمام ما وقع عليه العقد من الثوب و الكتاب و هو قائم بعينه، فللمشترى حق رد المجموع.

و انما يظهر عدم جواز التشبث (لان المراد بالشي ء) فى المرسلة (هو المعيب) الّذي هو الكتاب فقط، لا مجموع الثوب و الكتاب (و لا شك فى قيامه هنا بعينه) فله ان يرد الكتاب، اما الثوب و الكتاب، فليس شيئا واحدا، و عليه فالكتاب تصدق عليه المرسلة، اما الثوب فهو خارج عن

ص: 159

و بالجملة فالعمدة في المسألة- مضافا الى ظهور الاجماع- ما تقدم من ان مرجع جواز الردّ منفردا الى اثبات سلطنة للمشترى على الجزء الصحيح من حيث امساكه، ثم سلب سلطنته عنه بخيار البائع.

و منع سلطنته على الردّ أوّلا، اولى.

______________________________

مصداق المرسلة، فلا تدل المرسلة على رده.

(و بالجملة فالعمدة في المسألة) اى مسألة ردّ الثوب و الكتاب معا (- مضافا الى ظهور الاجماع-) فى ان جزء الصفقة اذا كان معيبا فللمشترى ردّ كل الصفقة (ما تقدم من ان مرجع جواز الرّد) للمعيب (منفردا) عن الجزء الصحيح (الى اثبات سلطنة للمشترى على الجزء الصحيح من حيث امساكه) اى ان للمشترى امساك الجزء الصحيح، و رد المعيب فقط (ثم سلب سلطنته) اى المشترى (عنه) اى عن الجزء الصحيح (ب) سبب (خيار البائع) حيث انه اذا تبعضت الصفقة على البائع كان له ابطال البيع، لئلا يتضرر بتبعض الصفقة.

(و) من المعلوم ان (منع سلطنته) اى المشترى (على الردّ أوّلا)- فليس له ان يمسك الجزء الصحيح او يرده، بل عليه ان يرده اذا اراد ردّ الجزء المعيب- (اولى) من ان يقال للمشترى: ان لا يرد الصحيح، و للبائع ان يسترده.

وجه الاولوية ان الشارع اراد دفع الضرر عن كل من البائع و المشترى و ذلك يتحقق، اما بان يشرع الشارع قبول الكل او رد الكل، و اما بان يشرع رد البعض، ثم يشرع استرداد البائع للبعض الآخر الّذي هو الجزء

ص: 160

و لا اقل من التساوى فيرجع الى اصالة اللزوم.

و الفرق بينه و بين خيار الحيوان الاجماع، كما ان للشفيع ان يأخذ بالشفعة في بعض الصفقة

______________________________

الصحيح.

و من المعلوم ان تشريعا واحدا اولى و اقرب الى الحكمة من تشريعين اذا كانت نتيجة التشريعين نفس نتيجة التشريع الواحد، فتأمل (و لا اقل من التساوى) بين قسمى التشريع، بان لا نعلم هل ان الشارع شرع هكذا؟ او هكذا؟ (ف) مع التساوى (يرجع الى اصالة اللزوم) اى لزوم العقد بالنسبة الى ارجاع البعض، فان مقتضى العقد انه لا يحق للمشترى ان يرجع الكل و لا ان يرجع البعض، خرج من هذا المقتضى بالأدلّة الدالة على ان للمشترى ان يرجع الكل- اذا كان بعض المبيع معيبا- و بقى ارجاع البعض منفردا على اصالة عدمه.

(و) ان قلت: فلما ذا تقولون للمشترى ارجاع البعض اذا كان المبيع صفقة تشتمل على الحيوان و غيره، حيث تقولون بان المشترى يرجع الحيوان فقط و لا يحق له ان يرجع الكل.

قلت: (الفرق بينه) اى بين ما اذا كان بعض المبيع معيبا حيث نقول بعدم جواز ارجاع المعيب منفردا (و بين خيار الحيوان) حيث نقول: بصحة ارجاع الحيوان فقط (الاجماع) و الا لكان مقتضى الاصل اللزوم أيضا، الا اذا اراد رد الكل، و ذلك (كما ان للشفيع ان يأخذ بالشفعة في بعض الصفقة) فاذا كان زيد و عمر شريكين في دار فباع عمرو

ص: 161

و بالجملة فالاصل كاف في المسألة.

ثم ان مقتضى ما ذكروه من الحاق تبعض الصفقة بالعيب الحادث

______________________________

حصته من الدار مع بستان له- مثلا- صفقة واحدة لخالد، فيحق لزيد شريكه ان يأخذ بالشفعة بالنسبة الى حصة عمرو من الدار، مع ان الاخذ بالشفعة هنا انما يكون في بعض الصفقة.

و ذلك لدلالة الدليل على صحة الاخذ بالشفعة مطلقا، سواء كان الشي ء المبيع تمام السلعة او بعضها، و لا يرتبط هذا الحق بالبستان- لانه لا شفعة فيه حيث لا شركة فيه- و خيار الحيوان من هذا القبيل فان ما دل على ان للمشترى ارجاع الحيوان شامل لما اذا بيع الحيوان منفردا او منضما، فاذا بيع منضما كان للمشترى الحق في ارجاع الحيوان فقط لدليل خيار الحيوان، دون ما كان منضما مع الحيوان لعدم شمول الدليل لتلك الضميمة.

(و بالجملة فالاصل) الّذي ذكرناه بقولنا «يرجع الى اصالة اللزوم» (كاف في المسألة) فلا يحق للمشترى ارجاع المعيب فقط، اذا كانت الصفقة تشتمل على الصحيح و المعيب، و انما يحق له ارجاع الكل او امساك الكل.

(ثم ان مقتضى ما ذكروه من الحاق تبعض الصفقة) على البائع، فيما اذا اراد المشترى ردّ البعض المعيب منفردا، و امساك البعض الصحيح (بالعيب الحادث) الّذي يمنع الرد بالعيب القديم، لان تبعض الصفقة على البائع عيب- كما تقدم- فاللازم اما ان يرد المشترى الكل او ان

ص: 162

انه لو رضى البائع بتبعض الصفقة جاز الرد كما في التذكرة معللا بان الحق لا يعدوهما.

و هذا مما يدل على ان محلّ الخيار هو الجزء المعيب، الا انه منع من رده نقصه بالانفراد عن باقى المبيع، اذ لو كان محله المجموع لم يجز رد المعيب وحده الا بالتفاسخ، و معه يجوز رد الصحيح منفردا أيضا.

______________________________

يمسك الكل (انه لو رضى البائع بتبعض الصفقة) بان قبل ارجاع المعيب فقط (جاز الرد) بالنسبة الى المعيب فقط (كما في التذكرة معللا) جواز الرد حينئذ (بان الحق لا يعدوهما) فاذا رضى من له الحق فقد اسقط حقه، و ليس ذلك من قبيل الحكم الّذي لا يكون امره الا بيد الشارع فقط.

(و هذا) الكلام الّذي ذكره صاحب التذكرة (مما يدل على ان محلّ الخيار هو الجزء المعيب) فقط (الا انه منع من رده) اى رد محل الخيار منفردا (نقصه) على البائع (ب) سبب (الانفراد عن باقى المبيع).

و انما يدل قول التذكرة على ذلك (اذ لو كان محله) اى محل الخيار (المجموع لم يجز رد المعيب وحده) و ان رضى البائع (الا بالتفاسخ) اذ لا خيار في البعض حتى يرد ذلك البعض بالخيار.

فاذا اريد رد البعض فقط لزم ان يتفاسخ البائع و المشترى في ذلك البعض (و معه) اى مع كون رد البعض بالتفاسخ لا بالخيار، (يجوز رد) الجزء (الصحيح منفردا أيضا) اذ كما يتحقق التفاسخ في المعيب كذلك يتحقق في الصحيح.

ص: 163

و اما الثالث: و هو تعدّد المشترى بان اشتريا شيئا واحدا، فظهر فيه عيب، فان الاقوى فيه عدم جواز انفراد احدهما على المشهور، كما عن جماعة.

و استدل عليه في التذكرة و غيرها بان التشقيص عيب مانع من الرد خلافا للمحكى عن الشيخ في باب الشركة، و الاسكافى و القاضى و الحلى و صاحب البشرى فجوزوا الافتراق.

______________________________

(و اما الثالث: و هو تعدّد المشترى بان اشتريا) زيد و عمرو مثلا (شيئا واحدا، فظهر فيه عيب) و كان البائع واحدا فاراد احدهما رد المعيب من حصة نفسه، و اراد الآخر امساكه (فان الاقوى فيه عدم جواز) اى عدم نفوذ (انفراد احدهما) بالفسخ (على المشهور كما عن جماعة) دعوى الشهرة عليه.

(و استدل عليه) اى على عدم جواز فسخ احدهما (فى التذكرة، و غيرها بان التشقيص) اى ارجاع شقص اى جزء على البائع و ابقاء جزء عند المشترى (عيب مانع من الرد) و قد تقدم ان العيب لا يفرق فيه بين ما حصل قبل الرد او ما حصل بنفس الرد (خلافا للمحكى عن الشيخ في باب الشركة، و الاسكافى و القاضى و الحلى و صاحب البشرى فجوزوا الافتراق) بين المشتريين بان يرد احدهما و لا يرد الآخر- و هذا قول ثان فى المسألة-.

فان الاقوال على ما ذكرها المصنف أربعة، العدم مطلقا، و الجواز مطلقا، و التفصيل بين علم البائع بالتعدد فالجواز، و عدم علمه فعدم

ص: 164

و في التذكرة ليس عندى فيه بعد اذ البائع اخرج العبد إليهما مشقصا، فالشركة حصلت بايجابه و قواه في الايضاح لما تقدم من التذكرة.

و ظاهر هذا الوجه اختصاص جواز التفريق بصورة علم البائع بتعدد المشترى، و استجوده في التحرير، و قواه في جامع المقاصد، و صاحب

______________________________

الجواز.

و التفصيل الّذي يظهر من المبسوط، و هو الجواز مع تحقق القبول من المشتريين، و الوجهان مع اتحاد القبول.

(و في التذكرة) قال: (ليس عندى فيه) اى في جواز الافتراق (بعد) بضم الباء (اذا البائع اخرج العبد) المبيع (إليهما مشقصا) اى جزءا لهذا، و جزءا لذاك (فالشركة حصلت بايجابه) فكانه بيعان فلهما خياران، و ليس ببيع واحد حتى يكون لهما خيار واحد (و قواه فى الايضاح لما تقدم من التذكرة) من الدليل.

(و ظاهر هذا الوجه) اى وجه الظهور، ان الظاهر نسبة الفعل الى الشخص الّذي فعله عن علم و عمد.

فاذا قلنا ضرب زيد، انصرف الى كون ضربه صدر عن علم و عمد.

فقول التذكرة «اخرج العبد» ظاهر في ان البائع كان عالما بان المشترى متعدد.

فظاهر كلامه (اختصاص جواز التفريق بصورة علم البائع بتعدد المشترى و استجوده) اى تعدد الخيار فيما اذا كان البائع عالما بتعدد المشترى (فى التحرير، و قواه في جامع المقاصد، و صاحب

ص: 165

المسالك.

و قال في المبسوط: اذا اشترى الشريكان عبدا بمال الشركة، ثم اصابا به عيبا، كان لهما ان يرداه، و كان لهما ان يمسكاه، فان اراد احدهما الرد، و الآخر الامساك، كان لهما ذلك.

ثم قال: و لو اشترى احد الشريكين للشركة، ثم اصابا به عيبا، كان لهما ان يردا، و ان يمسكا فان اراد احدهما الرد و الآخر الامساك.

______________________________

المسالك) و هذا هو القول الثالث الّذي اشرنا إليه.

(و قال في المبسوط: اذا اشترى الشريكان عبدا بمال الشركة) و كونهما اشترياه من مال الشركة من باب المثال: و الا فالمراد مطلقا كون المشترى شخصين- و لكن مع وحدة البيع كما لا يخفى- (ثم اصابا به عيبا، كان لهما ان يرداه، و كان لهما ان يمسكاه) هذا بلا اشكال كما انه لا اشكال في انه ليس لاحدهما رد جزء مما ملكه، اذ الخيار- لو قيل به- انما هو بالنسبة الى تمام حصته، لا بالنسبة الى كل جزء جزء.

و كيف كان (فان اراد احدهما الرد و الآخر الامساك، كان لهما ذلك)

و هذا الكلام من المبسوط هو شق مما ذهب إليه من التفصيل الّذي تقدمت الاشارة إليه، و هو انه اذا كان القبول من المشتريين كان لكل واحد منهما خيار مستقل.

و اشار الى الشق الثانى من تفضيله بقوله: (ثم قال: و لو اشترى احد الشريكين للشركة، ثم اصابا به عيبا، كان لهما ان يردا، و ان يمسكا فان اراد احدهما الرد و الآخر الامساك) و لا يحق لاحدهما ان يرد الكل

ص: 166

نظر، فان اطلق العقد، و لم يخبر البائع انه قد اشترى للشركة لم يكن له الرد، لان الظاهر انه اشتراه لنفسه، فاذا ادعى انه اشتراه له و لشريكه فقد ادعى خلاف الظاهر فلم يقبل قوله، و كان القول قول البائع مع يمينه الى ان قال: و ان اخبر البائع بذلك قيل فيه وجهان، احدهما- و هو الصحيح- ان له الردّ، لان الملك بالعقد وقع لاثنين، فقد علم البائع انه يبيعه من اثنين، و كان لاحدهما ان ينفرد بالرّد دون الآخر.

______________________________

او ان يمسك الكل، الا اذا كان وكيلا عن الشريك الآخر، كما في مال المضاربة (نظر، فان اطلق العقد، و) ذلك بان (لم يخبر البائع انه قد اشترى للشركة لم يكن له الرد) وحده، بل اللازم اما ردهما او امساكهما (لان الظاهر) عند اشترائه (انه اشتراه لنفسه) فلم يتحقق علم البائع بالشركة الّذي هو الميزان في جواز رد احدهما (فاذا ادعى انه اشتراه له) اى لنفسه (و لشريكه، فقد ادعى خلاف الظاهر) اى ما ظهر للبائع عند اشترائه من ان يشتريه لنفسه فقط (فلم يقبل قوله، و كان القول) فى عدم اطلاعه على الشركة (قول البائع مع يمينه) لانه منكر لعلمه بالشركة، و المشترى مدّع لعلم البائع بالشركة (الى ان قال) الشيخ (و ان اخبر) المشترى (البائع بذلك) الاشتراك عند اشترائه (قيل فيه) اى في ان لاحدهما حق الرد دون رد الآخر (وجهان، احدهما- و هو الصحيح-) عند الشيخ (ان له الرد، لان الملك بالعقد وقع لاثنين، فقد علم البائع انه يبيعه من اثنين) فحكمه حكم بيعين (و كان لاحدهما) حينئذ (ان ينفرد بالرد دون) رد (الآخر).

ص: 167

و قيل فيه وجه آخر و هو انه ليس له الرد، لان القبول في العقد كان واحدا، انتهى.

و ظاهر هذه العبارة اختصاص النزاع بما اذا كان القبول فى العقد واحدا من اثنين.

اما اذا تحقق القبول من الشريكين، فلا كلام في جواز الافتراق.

ثم الظاهر منه مع اتحاد القبول، التفصيل

______________________________

(و قيل فيه وجه آخر و هو انه ليس له الرد) وحده (لان القبول فى العقد كان واحدا، انتهى) فهو بيع واحد، و البيع الواحد ليس له الاخيار واحد.

(و ظاهر هذه العبارة اختصاص النزاع) فى ان للشريكين خيارين او خيارا واحدا (بما اذا كان القبول في العقد واحدا من اثنين) بان كان احدهما وكيلا عن الآخر فقبل عنهما، او كان لهما وكيل فقبل الوكيل عنهما.

و انما كان هذا ظاهر العبارة لانه خصص القولين بما اذا كان القبول من واحد.

(اما اذا تحقق القبول من الشريكين) كما اذا قال البائع: بعتكما هذه الدار بالف، فقال كل واحد منهما: قبلت (فلا كلام في جواز الافتراق) فى الخيار، بان يختار احدهما الرد و الآخر الابقاء، لانه قال في اوّل كلامه «فان اراد احدهما الرد و الآخر الامساك كان لهما ذلك».

(ثم الظاهر منه) اى من كلام المبسوط انه (مع اتحاد القبول التفصيل

ص: 168

بين علم البائع و جهله.

لكن التأمل في تمام كلامه قد يعطى التفصيل بين كون القبول فى الواقع لاثنين، او لواحد، فانه قدس سره علل عدم جواز الرد في صورة عدم اخبار المشترى بالاشتراك، بان الظاهر انه اشتراه لنفسه، لا بعدم علم البائع بالتعدد.

______________________________

بين علم البائع) بتعدد المشترى، فيجوز ان يرد احدهما و يمسك الآخر (و جهله) فليس لهما الا خيار واحد، لانه قال: و لم يخبر البائع انه اشترى للشركة، الى غيره مما يظهر منه التفصيل بين علمه و جهله.

(لكن التأمل في تمام كلامه قد يعطى التفصيل بين كون القبول فى الواقع) و نفس الامر (لاثنين، او لواحد).

فاذا كان لاثنين كان لكل منهما خيار مستقل.

و ان كان لواحد فليس هناك الا خيار واحد- من باب السالبة بانتفاء الموضوع اذ ليس هناك الا مشترى واحد فلا يمكن تعدد الخيار- (فانه قدس سره علل عدم جواز الرد في صورة عدم اخبار المشترى بالاشتراك، بان الظاهر انه) اى المشترى (اشتراه لنفسه).

و من المعلوم ان ظاهر هذا الكلام ان وجه عدم التعدد عدم تعدد المشترى- فى الظاهر- (لا بعدم علم البائع بالتعدد).

و لو كان المعيار في عدم تعدد الخيار عدم علم البائع بالتعدد لكان اللازم التعليل بعدم علم البائع بالتعدد.

ص: 169

و كذا حكمه قدس سره بتقدم قول البائع بيمينه المستلزم لقبول البينة من المشترى على ان الشراء بالاشتراك دليل على انه يجوز التفريق بمجرد ثبوت التعدد في الواقع بالبينة، و ان لم يعلم به البائع، الا ان يحمل اليمين على يمين البائع على نفى العلم و يراد من البينة البينة على اعلام المشترى للبائع بالتعدد.

______________________________

(و كذا) يظهر ذلك من (حكمه قدس سره بتقدم قول البائع بيمينه) فيما اذا قال المشترى انه اشتراه لنفسه و لشريكه، و قال البائع بل انه اشتراه لنفسه وحده (المستلزم لقبول البينة من المشترى) لانه اذا كان البائع هو المنكر، كان المشترى هو المدعى، و قوله «المستلزم» صفة «حكمه» (على ان الشراء بالاشتراك) «على» متعلق ب «قبول البينة» ف (دليل) خبر «حكمه» (على انه يجوز التفريق) فى الخيار بان يختار احدهما الرد و الآخر الامساك (بمجرد ثبوت التعدد) فى المشترى (فى الواقع بالبينة) متعلق ب «ثبوت» (و ان لم يعلم به) اى بالتعدد (البائع) حال البيع مما يظهر منه ان ليس هناك تفصيل بين علم البائع و جهله (الا ان يحمل اليمين) فى كلام المبسوط (على يمين البائع على نفى العلم) لا يمينه على نفى الشركة (و يراد من البينة) التى يأتى بها المشترى لا ثبات كلامه (البينة على اعلام المشترى للبائع بالتعدد) اى تعدد المشترى، لا البينة على تعدد المشترى.

و على هذا: فالمناط في تفريق الخيار علم البائع و جهله، لا تعدد المشترى و وحدته.

ص: 170

و كيف كان فمبنى المسألة- على ما يظهر من كلام الشيخ- على تعدد العقد بتعدد المشترى و وحدته.

و الاقوى في المسألة عدم جواز الافتراق مطلقا، لان الثابت من الدليل هنا خيار واحد متقوم باثنين فليس لكل منهما الاستقلال.

و لا دليل على تعدد الخيار هنا الا اطلاق الفتاوى و النصوص من ان من اشترى

______________________________

(و كيف كان فمبنى المسألة) اى مسألة: انه هل هناك خياران او خيار واحد؟ فيما اذا كان البائع واحدا في عقد واحد و كان المشترى متعددا (- على ما يظهر) ذلك المبنى (من كلام الشيخ- على تعدد العقد بتعدد المشترى و وحدته) اى وحدة العقد، فاذا كان المشترى متعددا، يلزم ان يكون العقد متعددا، و ان كان في صورة عقد واحد، و لازم تعدد العقد تعدد الخيار، و اذا كان المشترى واحدا كان هناك خيار واحد.

(و الاقوى في المسألة) اى مسألة تعدد المشترى، و وحدة العقد (عدم جواز الافتراق) فى الخيار (مطلقا) سواء علم البائع بالتعدد، أم لا (لان الثابت من الدليل) المثبت للخيار (هنا) فى باب العيب، بل فى كل ابواب الخيارات كالغبن، و الرؤية، و نحوهما (خيار واحد متقوم باثنين) اى ان الواحد لهما معا.

و اذا كان الخيار متقوما بهما (فليس لكل منهما الاستقلال) بالفسخ بل لا بد من فسخهما معا اذا ارادا الاخذ بالخيار.

(و لا دليل على تعدد الخيار هنا) اى في صورة تعدد المشترى (الا اطلاق الفتاوى و النصوص من ان من اشترى

ص: 171

معيبا فهو بالخيار الشامل لمن اشترى جزءا من المعيب.

لكن الظاهر بعد التأمل انصرافه الى غير المقام.

و لو سلمنا الظهور، لكن لا ريب في ان رد هذا المبيع منفردا عن المبيع الآخر نقص حدث فيه بل ليس قائما بعينه و لو بفعل الممسك لحصته،

______________________________

معيبا فهو بالخيار) فان «من» شامل لما اذا كان المشترى واحدا، او متعددا (الشامل) هذا الاطلاق (لمن اشترى جزءا من المعيب) منضما الى شخص آخر في عقد واحد.

(لكن الظاهر) من اطلاقهم (بعد التأمل انصرافه الى غير المقام) اى غير مقام تعدد المشترى في عقد واحد.

فانه منصرف الى ما كان المشترى متعددا في عقدين او في عقد واحد قائم مقام عقدين- كما تقدم مثاله في بعض الحواشى السابقة-.

(و لو سلمنا الظهور) اى ظهور اطلاق النص و الفتوى في المقام أيضا (لكن لا ريب في ان رد هذا المبيع) الّذي هو جزء- فى عقد واحد- (منفردا عن المبيع الآخر نقص حدث فيه).

و قد تقدم ان النقص الحادث عند المشترى عيب مانع عن الرد بالعيب القديم، فهو مخصص لاطلاق النص و الفتوى المجوز للرد (بل) المتاع (ليس قائما بعينه) اذا كان الرد لجزء منه، و قد شرط النص المتقدم- فى جواز الرد- ان يكون المتاع قائما بعينه (و لو) ان عدم القيام بعينه انما هو (بفعل الممسك لحصته) فان ما دل على اشتراط القيام بعينه مطلق، يشمل كل اقسام عدم القيام، سواء كان عدم القيام بفعل

ص: 172

و هو مانع من الرد.

و من ذلك يعلم قوة المنع و ان قلنا بتعدد العقد.

و ما ذكروه تبعا للتذكرة من ان التشقيص حصل بايجاب البائع فيه انه اخرجه غير مبعض، و انما تبعض بالاخراج

______________________________

ذى الخيار، او بفعل اجنبى، او بفعل الطبيعة (و هو) اى عدم القيام بعينه (مانع من الرد) كما ورد في النص.

(و من ذلك) الّذي ذكرنا ان القيام بعينه شرط في وجود الخيار (يعلم قوة المنع) عن الرد بالنسبة الى احدهما (و ان قلنا بتعدد العقد) و انهما لو اشترياه في عقد واحد، كان هناك عقدان، و ذلك لصدق انه ليس قائما بعينه.

و حينئذ فاذا اشترى زيد نصف الدار، ثم اشترى عمرو النصف الآخر، فيحق لاحدهما الفسخ، لصدق ان نصف الدار قائما بعينه.

اما اذا اشترياه في عقد واحد- و ان كان ذلك في قوة تعدد العقد- لم يحق لاحدهما الرد، لانه يصدق ان الدار المشتراة ليست قائمة بعينها، فتأمل.

(و) ان قلت: ان التبعض ليس بفعل المشترى، بل هو بفعل البائع الّذي باعه من اثنين، كما ذكره التذكرة.

قلت: (ما ذكروه تبعا للتذكرة من ان التشقيص حصل بايجاب البائع) فللمشترى حق الخيار (فيه، انه) اى البائع (اخرجه غير مبعض، و انما تبعض بالاخراج) فان المعتبر في جواز الرد حصوله في يد البائع.

ص: 173

و المقصود حصوله في يد البائع، كما كان قبل الخروج، و خلاف ذلك ضرر عليه.

و

______________________________

و الحاصل: ان التبعض لم يحصل في يد البائع، بل حصل عند اخراج البائع المتاع من ملكه الى ملك المشترى فحصول التشقيص بايجاب البائع ليس حاله حال العيب الحاصل عند البائع.

و عليه فارجاع شقصه الى البائع ضرر عليه، بخلاف ما اذا كان التشقيص حاصلا عند البائع، كما اذا باع نصف السلعة لزيد، و نصفها الآخر لعمرو في عقدين مستقلّين (و المقصود) الّذي يمكن معه ارجاع الشقص (حصوله) اى حصول المتاع (فى يد البائع، كما كان قبل الخروج) اى مثل حالته التى كان عليها قبل خروج المتاع من يده اى انه كلما رجع المتاع الى البائع- حتى يكون المتاع قبل البيع و بعد الفسخ على حد سواء- جاز في هذه الصورة الرد و الفسخ.

و كلما كان حال المتاع قبل البيع غير حاله بعد الفسخ، لا يصح الرد و الفسخ، و ما نحن فيه من القسم الثانى اذ المتاع قبل البيع «كل» و بعد الرد «بعض» (و خلاف ذلك) بان لم يحصل في يد البائع مثل حالته قبل البيع (ضرر عليه) فيدل: لا ضرر، على انه لم يشرع الشارع الرد الّذي يوجب ضررا على البائع.

(و) ان قلت: ان البائع حين بيعه لاثنين كان عالما بانه يخرجه عن ملكه مبعضا، و معنى ذلك ان البائع بنفسه اقدم على ضرر نفسه.

ص: 174

علم البائع بذلك ليس فيه اقدام على الضرر الاعلى تقدير كون حكم المسألة جواز التبعيض و هو محل الكلام.

و الحاصل ان الفرق بين هذه المسألة، و المسألة الاولى غير وجيه

و اما الثانى: و هو تعدد البائع، فالظاهر عدم الخلاف في جواز التفريق، اذ لا ضرر على البائع بالتفريق

______________________________

قلت: (علم البائع بذلك) الاخراج عن ملكه مبعضا (ليس فيه اقدام على الضرر) اذ لا تلازم بين الامرين و هما: الاخراج المبعض، و: الاقدام على الضرر (الاعلى تقدير كون حكم المسألة) اى مسألة البيع لاثنين فى عقد واحد (جواز التبعيض) بان علم البائع ان بيعه لاثنين يستلزم جواز رد احدهما الموجب لضرر البائع، و مع ذلك اقدم على البيع لهما (و) الحال انه (هو) اى كون حكم المسألة جواز التبعيض (محل الكلام) الآن

(و الحاصل ان الفرق بين هذه المسألة) اى مسألة تعدد البيع فى عقد واحد (و المسألة الاولى) و هى وحدة العقد، بان لا نجوز الرد فى المسألة الاولى، و نجوز الرد في المسألة الثانية التى اشرنا إليها بقولنا: و من ذلك يعلم قوة المنع (غير وجيه).

(و اما الثانى: و هو تعدد البائع) و وحدة المشترى (فالظاهر عدم الخلاف في جواز التفريق) فاذا باع بائعان دارهما من زيد، فوجد فيهما عيبا، جاز له ان يرد دار احدهما دون دار الآخر (اذ لا ضرر على البائع بالتفريق) لعدم تبعض الصفقة عليه.

لكن ربما يقال: ان التفريق قد يكون ضررا على البائع، كما اذا كان

ص: 175

و لو اشترى اثنان من اثنين عبدا واحدا، فقد اشترى كل من كل ربعا فان اراد احدهما رد ربع الى احد البائعين دخل في المسألة الثالثة

و لذا لا يجوز، لان المعيار تبعض الصفقة على البائع الواحد.

______________________________

مصراعى باب لبائعين، فباعاهما بعشرة، بينما كان ثمن الباب الواحدة من دون مصراعه. باثنين، فانه لو رد المشترى على احدهما تضرر بثلاثة.

و عليه ففى هذه الصورة لا يجوز الرد على احدهما، بل اللازم قبولهما او ردهما.

(و لو اشترى اثنان من اثنين عبدا واحدا، فقد اشترى كل) من المشتريين (من كل) من البائعين (ربعا) من العبد، اذ كل واحد من البائعين باع نصف ما يملك و هو ربع العبد من احد المشتريين (فان اراد احدهما) اى احد المشتريين (رد ربع) العبد (الى احد البائعين دخل فى المسألة الثالثة) و هى: ما اذا كان البائع واحدا و المشترى متعددا، و اراد احد المشتريين رد حصته الى البائع، فان البائع هنا باع نصف عبده لاثنين، و اراد احد المشتريين رد حصته و هى الربع الى البائع.

(و لذا) الّذي دخل في المسألة الثالثة (لا يجوز، لان المعيار) فى عدم الجواز (تبعض الصفقة على البائع الواحد) و ذلك حاصل هنا.

ثم انه لا اشكال في انه لاحق للمشترى في ردّ بعض المبيع اذا كان كله معيبا، لانه من تبعيض الصفقة على البائع الا اذا قبل البائع.

ص: 176

مسئلة يسقط الارش دون الردّ في موضعين.
احدهما: اذا اشترى ربويا بجنسه، فظهر عيب في احدهما

فلا ارش حذرا من الربا.

و يحتمل جواز اخذ الارش و نفى عنه البأس في التذكرة- بعد ان حكاه وجها ثالثا لبعض الشافعية-

______________________________

(مسألة: يسقط الارش دون الردّ في موضعين) فليس للمشترى ان يأخذ الارش و له ان يرد المبيع المعيب.

(احدهما: اذا اشترى ربويا بجنسه، فظهر عيب في احدهما) كان اشترى منّا من الحنطة بمنّ من الحنطة.

و لا يخفى ان تسمية احدهما بائعا، و الآخر مشتريا، انما هو بالقصد و يظهر في اللفظ من كلمة «الباء» حيث انه يدخل على الثمن (فلا ارش) هنا (حذرا من الربا) لانه يكون طرف المعيب اكثر.

و من المعلوم ان النتيجة صارت رطلين من المعيب في مقابل رطل من الصحيح مثلا.

(و يحتمل جواز اخذ الارش و نفى عنه البأس في التذكرة- بعد ان حكاه وجها ثالثا لبعض الشافعية-).

فالوجه الاول فسخ البيع مطلقا.

ص: 177

موجها له بان المماثلة في مال الربا انما يشترط في ابتداء العقد و قد حصلت، و الارش حق ثبت بعد ذلك لا يقدح في العقد السابق، انتهى

ثم ذكر ان الاقرب انه يجوز اخذ الارش من جنس العوضين لان الجنس لو امتنع اخذه لامتنع اخذ غير الجنس لانه يكون بيع مال الربا بجنسه مع

______________________________

و الوجه الثانى فسخ البيع مع رضا البائع.

و الوجه الثالث اخذ المشترى الارش كسائر الموارد التى لا تكون ربوية (موجها) العلامة (له) اى لاخذ الارش (بان المماثلة في مال الربا) اى الجنس الربوي (انما يشترط في ابتداء العقد و قد حصلت) المماثلة فى ابتداء العقد، لان المفروض انه اعطى رطلا من التمر الصحيح في مقابل رطل من التمر المعيب (و الارش حق ثبت بعد ذلك) و الادلة التى تقول بالمماثلة انما تنصرف الى حالة العقد، فلا تشمل بعد ذلك.

و (لا يقدح) هذا الحق الجديد (فى العقد السابق) لانه لا دليل على قدحه، بعد انصراف الادلة عن مثله (انتهى) كلام العلامة.

(ثم) يأتى الكلام في انه اذا جاز اخذ الارش، فهل يلزم ان يكون الارش من غير جنس العوضين كان يكون الارش نقودا في الوقت الّذي يقع العقد على التمر مثلا؟ أم يجوز ان يكون الارش من جنس العوضين (ذكر) العلامة (ان الاقرب انه يجوز اخذ الارش من جنس العوضين).

و ذلك (لان الجنس لو امتنع اخذه، لامتنع اخذ غير الجنس) أيضا (لانه) اى غير الجنس اذا اخذ ارشا (يكون) العقد عبارة عن (بيع مال الربا ب) مقابل (جنسه مع

ص: 178

شي ء آخر، انتهى.

و عن جامع الشرائع حكاية هذا الوجه عن بعض اصحابنا المتقدم على العلامة.

و حاصل وجهه ان صفة الصحة لم تقابل بشي ء من الثمن حتى يكون المقابل للمعيب الفاقد للصحة انقص منه

______________________________

شي ء آخر) و لا فرق في حرمة الربا بين ان يعطى رطلا و نصف رطل من التمر فى مقابل رطلين، او ان يعطى الرطل و النصف في مقابل رطل و نصف و دينار.

فاذا كان الارش موجبا للربا، لا فرق في المنع بين الجنس و غير الجنس، و اذا لم يكن موجبا للربا لم يكن فرق في الجواز بين الجنس و غير الجنس (انتهى) كلام العلامة «ره».

(و عن جامع الشرائع حكاية هذا الوجه) الّذي ذكره العلامة بقوله «بان المماثلة في مال الربا» (عن بعض اصحابنا المتقدم على العلامة)

(و حاصل وجهه) بتوجيه من المصنف: ان الارش غرامة قدرها الشارع، فهو اجنبى عن العوضين، و لذا لا يوجب اخذه الربا، لانه ليس جزءا منهما.

ف (ان صفة الصحة) المفقودة في المعيب (لم تقابل بشي ء من الثمن) فان من يشترى العبد بمائة، ليس مراده ان العبد بتسعين، و ان وصف كونه «ليس بمريض» بعشرة (حتى يكون المقابل للمعيب الفاقد للصحة) «الفاقد» صفة توضيحية ل «المعيب» (انقص منه) اى من ثمن الصحيح

ص: 179

قدرا، بل لم تقابل بشي ء اصلا، و لو من غير الثمن، و الا لثبت في ذمة البائع و ان لم يختر المشترى الارش بل الصحة وصف التزمه البائع في المبيع من دون مقابلته بشي ء من المال كسائر الصفات المشترطة في المبيع، الا ان الشارع جوز للمشترى مع تبين فقده اخذ ما يخصه بنسبة المعاوضة من الثمن

______________________________

(قدرا) بان يكون ثمن الصحيح مائة و ثمن المعيب تسعين (بل لم تقابل) صفة الصحة (بشي ء اصلا، و لو من غير الثمن) بان يجب على البائع دفع شي ء من كيسه للمشترى الّذي اشترى منه المعيب (و الا) فان كان وصف الصحة قوبل بشي ء من الثمن، او من غير الثمن (لثبت) ذلك الشي ء (فى ذمة البائع، و ان لم يختر المشترى الارش) فان المفروض ان البائع اعطى المتاع للمشترى بدون وصف الصحة، فعليه ان يعطى للمشترى الشي ء المقابل لوصف الصحة- و ان لم يطلبه المشترى- (بل الصحة وصف التزمه البائع في المبيع من دون مقابلته بشي ء من المال) فكانّ البائع قال: اعطيك هذا المتاع بهذا الثمن، و انى ملتزم ان يكون صحيحا (كسائر الصفات المشترطة في المبيع) التى لا تقابل بالمال.

كما اذا قال: ابيعك هذا الشي ء بشرط ان اسلّمه أليك في الزمان الفلانى، او المكان الكذائى، او ما اشبه ذلك، فانه اذا لم يف بشرطه لم يكن عليه شي ء من المال (الا ان الشارع جوز للمشترى مع تبين فقده) اى فقد وصف الصحة (اخذ) المشترى (ما يخصه) فان الصحيح مثلا يباع فى السوق بمائة، و المعيب بتسعين، فمن ذلك يظهر ان ما يخص وصف الصحة هو عشرة، و لكن الاخذ يكون (بنسبة المعاوضة من الثمن) فاذا كانت

ص: 180

او غيره، و هذه غرامة شرعية حكم بها الشارع عند اختيار المشترى لتغريم البائع.

هذا و لكن يمكن ان يدعى ان المستفاد من ادلة تحريم الربا، و حرمة المعاوضة الا مثلا بمثل- بعد ملاحظة ان الصحيح و المعيب جنس واحد-

______________________________

قيمة العبد الصحيح مائة، و المعيب تسعين، كان للمشترى ان يأخذ عشر القيمة، فاذا اشتراه خمسين كان له خمسه، و اذا اشتراه مائتين كان له عشرون- و ليس له ان يأخذ العشرة مطلقا، الا اذا اشتراه بمائة-.

قوله: (او غيره) عطف على «من الثمن» اى سواء كان ما يأخذه من نفس الثمن، او غير الثمن، بان كان من نقد لم يكن جزءا من الثمن عند اعطائه للبائع (و هذه غرامة شرعية حكم بها الشارع عند اختيار المشترى لتغريم البائع) و ليس مثل الضمان بالاتلاف الّذي هو في ذمة البائع، سواء اراد الغريم أم لا، فان الضمان ثابت الا ان يسقطه الغريم، و الارش ليس بثابت الا اذا اراد المشترى.

(هذا) هو توجيه كلام العلامة الّذي قال بجواز اخذ الارش (و لكن يمكن ان يدعى ان المستفاد من ادلة تحريم الربا، و) من ادلة (حرمة المعاوضة الا مثلا بمثل) بدون زيادة (- بعد ملاحظة انّ الصحيح و المعيب جنس واحد-) فلا يجوز بيع احدهما بالآخر مع الزيادة، و لو كانت تلك الزيادة في طرف المعيب بمقدار يتدارك به عيبه، بحيث يتساوى الصحيح و المعيب ثمنا في نظر العرف.

ص: 181

ان وصف الصحة في احد الجنسين كالمعدوم لا يترتب على فقده استحقاق عوض.

و من المعلوم ان الارش عوض وصف الصحة عرفا و شرعا.

فالعقد على المتجانسين لا يجوز ان يصير سببا لاستحقاق احدهما على الآخر زائدا على ما يساوى الجنس الآخر.

______________________________

و انما قلنا «بعد ملاحظة» لان اطلاقات ادلة الربا الدالة على عدم المفاضلة تشمل الصحيح و المعيب، كما تشمل الصحيحين.

قوله: (ان) متعلق ب «ان المستفاد» (وصف الصحة في احد الجنسين كالمعدوم) و انما كان كالمعدوم بمعنى انه (لا يترتب على فقده استحقاق عوض) يعنى ان الشارع لم يهتم بوجود وصف الصحة، فسواء كان في المبيع وصف الصحة أم لم يكن فيه وصف الصحة، فالمعيار مقدار المبيع و يلزم ان لا يكون مقدار المثمن اكثر من مقدار الثمن اذا كان من جنس واحد.

(و من المعلوم ان الارش عوض وصف الصحة عرفا و شرعا) فيشكل القياس هكذا «الارش عوض» «و وصف الصحة لا عوض له» «فلا يمكن ان يؤخذ الارش:- الّذي هو عوض- لمقابل وصف الصحة:- الّذي لا عوض له-».

(فالعقد على المتجانسين لا يجوز ان يصير سببا لاستحقاق احدهما) و هو المشترى (على الآخر) و هو البائع (زائدا على ما يساوى الجنس الآخر) و ان كان ذلك الزائد الارش فيما اذا كان احد الجنسين معيبا.

ص: 182

و بالجملة، فبناء معاوضة المتجانسين على عدم وقوع مال في مقابل الصحة المفقودة في احدهما.

و المسألة في غاية الاشكال، و لا بد من مراجعة ادلة الربا، و فهم حقيقة الارش، و سيجي ء بعض الكلام فيه ان شاء اللّه تعالى.

الثانى: ما لو لم يوجب العيب نقصا في القيمة،

فانه لا يتصور هنا ارش حتى يحكم بثبوته.

______________________________

(و بالجملة، ف) نقول في رد العلامة- الّذي افتى بصحة اخذ الارش- ان (بناء معاوضة المتجانسين على عدم وقوع مال في مقابل) وصف (الصحة المفقودة في احدهما) لان البيّعين يعلمان انه لا يجوز التفاضل، فيعاملان بان هذا في مقابل ذاك فقط و فقط، و ان كان احدهما معيبا و الآخر صحيحا، فتأمل.

(و المسألة في غاية الاشكال، و لا بد من مراجعة ادلة الربا) و هل انها تقول بعدم جواز اخذ الزيادة ابتداءً؟ او عمومها شامل لمثل الارش أيضا- مما يؤخذ بعد العقد- (و فهم حقيقة الارش) و هل انه غرامة شرعية؟ او جزء من الثمن في مقابل وصف الصحة (و سيجي ء بعض الكلام فيه) اى في الارش (ان شاء اللّه تعالى) هذا تمام الكلام حول الموضع الاول الّذي للمشترى يكون فيه الرد و لا يكون له الارش.

الموضع (الثانى: ما لو لم يوجب العيب نقصا في القيمة) بان سمى معيبا عرفا، فانطبق عليه دليل الخيار (فانه لا يتصور هنا ارش) اى تفاوت بين قيمة الصحيح و قيمة المعيب (حتى يحكم بثبوته) على البائع، فان

ص: 183

و قد مثلوا لذلك بالخصاء في العبيد.

و قد يناقش في ذلك بان الخصاء موجب في نفسه لنقص القيمة لفوات بعض المنافع عنه كالفحولة، و انما يرغب في الخصى قليل من الناس لبعض الاغراض الفاسدة اعنى عدم تستر النساء منه، فيكون واسطة في الخدمات بين المرء و زوجته.

______________________________

الحكم تابع للموضوع (و قد مثلوا لذلك بالخصاء في العبيد) حيث ان العبد الخصى لا تنقص قيمته لرغبة الناس فيه، و مع ذلك فلا اشكال فى انه معيب و ناقص.

(و قد يناقش في ذلك) اى في المثال بالعبد الخصى (بان الخصاء) أيضا يوجب الارش، لان الاعتبار فيه بالعرف المتدين، و هم يشترون الخصى باقل قيمة من العبد السالم.

اما اشتراء بعض ذوى الاغراض الفاسدة للخصى بقيمة زائدة فذلك لا يكون ميزانا للقيمة، حتى لا يوجب الخصاء الارش فالخصاء أيضا (موجب في نفسه لنقص القيمة لفوات بعض المنافع عنه كالفحولة) فانه لا يقدر على الاخصاب و النسل (و انما يرغب في الخصى قليل من الناس) كالملوك و من اشبههم (لبعض الاغراض الفاسدة اعنى عدم تستر النساء منه) و هذا غرض فاسد، اذ يحرم عدم التستر من الرجل الاجنبى الا اذا دخل في غير اولى الاربة، و من الاغراض الفاسدة أيضا عدم حصول نسل له اذا خان و اقترب من امرأة في الحرم (فيكون واسطة في الخدمات بين المرء و زوجته) و سائر حرمه.

ص: 184

و هذا المقدار لا يوجب زيادة في اصل المالية فهو كعنب معيوب يرغب فيه لجودة خمره.

لكن الانصاف ان الراغب فيه لهذا الغرض حيث يكون كثيرا- لا نادرا- بحيث لا يقدح في قيمته المتعارفة لو لا هذا الغرض صح ان يجعل الثمن المبذول من الراغبين مقدارا لمالية الخصى، فكان هذا الغرض صار غرضا مقصودا متعارفا.

______________________________

(و هذا المقدار) من رغبة ذوى الاغراض الفاسدة (لا يوجب زيادة فى اصل المالية) زيادة واقعية حتى لا يكون هناك ارش (فهو كعنب معيوب يرغب فيه) اهل الباطل (لجودة خمره) فاذا اشتراه انسان جاهلا بعيبه كان له الارش، لان قيمة العنب الفاسد اقل من قيمة العنب الصحيح.

(لكن الانصاف) ان المناقشة ليست تامة، ل (ان الراغب فيه لهذا الغرض) الفاسد (حيث يكون كثيرا- لا نادرا- بحيث لا يقدح) هذا الغرض (فى قيمته المتعارفة) فان الغرض الفاسد لا يقدح نادرا في قيمة الفاسد، اذ مع الندرة تكون قيمته المتعارفة اقل من قيمة الصحيح، اما مع الكثرة فقيمة الفاسد مثل قيمة الصحيح (لو لا هذا الغرض) الفاسد (صح ان يجعل الثمن المبذول من الراغبين مقدارا لمالية الخصى) و كذلك نقول في العنب المعيوب، فانه اذا كان الراغب فيه كثيرا حتى صارت قيمته السوقية مساوية لقيمة الصحيح لم يقدح ذلك في قيمته السوقية، فلا ارش (فكان هذا الغرض) الفاسد (صار غرضا مقصودا متعارفا)

ص: 185

و صحة الغرض و فساده شرعا لا دخل لها في المالية العرفية، كما لا يخفى.

و بالجملة فالعبرة في مقدار المالية برغبة الناس في بذل ذلك المقدار من المال بإزائه، سواء كان من جهة اغراض انفسهم، أم من

______________________________

بحيث اوجب زيادة المالية السوقية حتى تساوى المعيب مع الصحيح فى القيمة.

(و) ان قلت: كيف رتب الشارع حكمه- بعدم الارش- على ما حرمه من الغرض الفاسد.

قلت: (صحة الغرض و فساده شرعا لا دخل لها في المالية العرفية كما لا يخفى) فان الشارع رتب حكمه على القيمة السوقية و القيمة السوقية حاصلة الآن، و ان كان الغرض الباعث لها فاسدا كما ان الشارع رتب حكمه- الخيارى- على إرادة الفسخ في المجلس- فى خيار المجلس مثلا- فللمشترى الفسخ و ان كان قصده من هذا الفسخ غرضا حراما، مثل اضرار البائع بكسر سلعته، حيث ان السلعة المردودة تكسر فى نظر العرف- احيانا- حالها حال المرأة المخطوبة التى ترد بعد الخطبة.

(و بالجملة) نقول في جواب المناقش (فالعبرة في مقدار المالية برغبة الناس في بذل ذلك المقدار من المال بإزائه) اى بإزاء المتاع- كالعبد الخصى و العنب المعيوب في المثال- (سواء كان) البذل (من جهة اغراض انفسهم) كاشتراء العبد الصحيح للخدمة (أم من

ص: 186

جهة بيعه على من له غرض فيه، مع كثرة ذلك المشترى و عدم ندرته بحيث يلحق بالاتفاقيات.

______________________________

جهة بيعه على من له غرض فيه) و ان كان ذلك الغرض فاسدا، و لكن انما تكون مالية المعيب كثيرة (مع كثرة ذلك المشترى) الّذي له غرض فاسد (و عدم ندرته) ندرة (بحيث يلحق) شراء هذا المشترى الّذي له غرض فاسد (بالاتفاقيات) حتى تكون القيمة السوقية للمعيب انقص من الصحيح

ص: 187

مسئلة يسقط الرد و الارش معا، بامور.
احدها: العلم بالعيب قبل العقد،

بلا خلاف و لا اشكال لان الخيار انما ثبت مع الجهل.

و قد يستدل بمفهوم صحيحة زرارة المتقدمة.

______________________________

(مسألة: يسقط الرد و الارش معا) فى المبيع المعيب (بامور).

(احدها: العلم بالعيب قبل العقد، بلا خلاف و لا اشكال) بان اقدم المشترى على اشترائه مع علمه بعيبه، و لكن بشرط ان يكون علمه بالعيب بمقدار العيب كما و كيفا.

مثلا: علم بان للعبد عين واحدة عوراء، فاذا ظهر ان عينيه عوراوتان او ظهر ان عينه عمياء كان له حق الرد و الارش (لان الخيار انما ثبت مع الجهل) لانصراف الادلة و تصريح الفقهاء بذلك ففى مورد العلم كان المتبع هو اصالة اللزوم.

(و قد يستدل) لذلك على ما في الجواهر (بمفهوم صحيحة زرارة المتقدمة) عن ابى جعفر عليه السلام: ايما رجل اشترى شيئا و به عيب او عوار، و لم يتبرأ إليه و لم يتبين له، فاحدث فيه بعد ما قبضه شيئا، ثم علم بذلك العوار او ذاك العيب، فانه يمضى عليه البيع و يرد عليه بقدر ما ينقص من ذاك الداء و العيب من ثمن ذلك.

وجه الاستدلال بالصحيحة- ضمن المفهوم منها- انه ان تبين

ص: 188

و فيه نظر و حيث لا يكون العيب المعلوم سببا لخيار، فلو اشترط العالم ثبوت خيار العيب مريدا به الخيار الخاص الّذي له احكام خاصة فسد الشرط و افسد، لكونه مخالفا للشرع، و

______________________________

العيب للمشترى لم يكن له حق في الرد، كما ان المفهوم منه انه ان تبرأ البائع من عيبه لم يكن للمشترى حق الرد.

(و فيه نظر) فلا تدل هذه الرواية على ان علم المشترى بالعيب يسقط حقه في الرد و الارش.

و وجه النظر ان كلمة «و لم يتبين له» انما ذكر في الحديث لاجل تفريع «ثم علم بذلك العوار» عليه، لان العلم المتأخر فرع الجهل المتقدم.

و عليه فكلمة «و لم يتبين» ليست قيدا حتى يكون له مفهوم، فتأمل (و حيث لا يكون العيب المعلوم سببا ل) وجود (خيار) العيب (فلو) غبنه في القيمة بان علم المشترى بالعيب و لكن ظن ان قيمة المعيب كذا فظهر بخلاف ذلك، كان للمشترى خيار الغبن و ان لم يكن له خيار العيب، و لو (اشترط العالم) بالعيب (ثبوت خيار العيب مريدا به الخيار الخاص الّذي له احكام خاصة) من الرد و الارش و غيرهما (فسد الشرط) لان الشارع لم يجعل هذا الخيار في هذا الحال، فهو كما اذا اشترط ان يكون له خيار الغبن في حال انه ليس بمغبون و الحاصل انه تشريع (و افسد) بناء على ان الشرط الفاسد مفسد (لكونه مخالفا للشرع) لكن المشهور بين المتأخرين ان الشرط الفاسد ليس بمفسد (و

ص: 189

لو اراد به مجرد الخيار، كان من خيار الشرط، و لحقه احكامه لا احكام خيار العيب.

الثانى: تبرّى البائع عن العيوب اجماعا في الجملة

على الظاهر المصرح به في محكى الخلاف و الغنية، و نسبه في التذكرة الى علمائنا اجمع.

و الاصل في الحكم قبل الاجماع- مضافا الى ما في التذكرة من ان الخيار انما يثبت لاقتضاء مطلق العقد السلامة

______________________________

لو اراد) المشترى (به) اى بخيار العيب الّذي يشترطه (مجرد الخيار) لا خيار العيب المقرر في الشريعة (كان من خيار الشرط، و لحقه احكامه) اى احكام خيار الشرط (لا) من خيار العيب، فلا يلحقه (احكام خيار العيب) كما هو واضح.

(الثانى) مما يسقط الرد و الارش معا (تبرّى البائع عن العيوب اجماعا في الجملة) اى ان الاجماع ليس في كل صغريات المسألة، و انما هو موجود في بعض الصغريات (على الظاهر) اى انا نستظهر الاجماع من كلماتهم (المصرح به) اى بالاجماع (فى محكى الخلاف و الغنية، و نسبه في التذكرة الى علمائنا اجمع).

(و الاصل) اى الدليل (فى الحكم) بعدم الخيار في صورة التبرى (قبل الاجماع- مضافا الى ما في التذكرة من ان الخيار انما يثبت لاقتضاء مطلق العقد السلامة) اى ان اطلاق العقد و عدم تقييده بكون احد العوضين معيبا، يقتضي ان يكونا صحيحين، لانصراف العوضين الى

ص: 190

فاذا صرح البائع بالبراءة فقد ارتفع- صحيحة زرارة المتقدمة.

و مكاتبة جعفر بن عيسى الآتية.

و مقتضى اطلاقهما كمعقد الاجماع المحكى عدم الفرق بين التبرّى تفصيلا و

______________________________

الصحيحين فيكون العقد واقعا على الجنس بشرط الصحة (فاذا صرح البائع بالبراءة) من العيب (فقد ارتفع-) الاصل فلا شرط، و لا وجه للخيار.

فمضافا الى ما في التذكرة (صحيحة زرارة المتقدمة) حيث قال عليه السلام: «و لم يتبرأ إليه» فان المفهوم منه انه ان تبرأ لم يكن للمشترى الخيار، و هذا قيد لانه ذكر في مقام القيدية، بخلاف قوله عليه السلام:

«و لم يتبين له» حيث انه ذكر لاجل تفريع «ثم علم بذلك» عليه- كما تقدم-.

(و مكاتبة جعفر بن عيسى الآتية) قال: كتبت الى ابى الحسن عليه السلام، جعلت فداك: المتاع يباع فيمن يزيد، فينادى عليه المنادى، فاذا نادى عليه برئ من كل عيب فيه، فاذا اشتراه المشترى و رضيه، و لم يبق الا نقد الثمن، فربما زهد فيه، فاذا زهد فيه ادعى عيوبا، و انه لم يعلم بها، فيقول له المنادى: قد برئت منها، فيقول المشترى: لم اسمع البراءة منها، أ يصدّق؟ فلا يجب عليه، أم لا يصدّق؟ فكتب عليه السلام:

ان عليه الثمن. فأنّ منطوقها ان البراءة توجب عدم الخيار.

(و مقتضى اطلاقهما) مفهوم زرارة و منطوق جعفر (كمعقد الاجماع المحكى، عدم الفرق بين التبرّى تفصيلا) كان يقول: انى أبرأ من العيب الّذي في عينه، او من عواره (و

ص: 191

اجمالا، و لا بين العيوب الظاهرة و الباطنة، لاشتراك الكل في عدم المقتضى للخيار مع البراءة خلافا للمحكى في السرائر عن بعض اصحابنا من عدم كفاية التبرّى اجمالا.

و عن المختلف نسبه الى الاسكافى، و قد ينسب الى صريح آخر كلام القاضى المحكى في المختلف، مع ان المحكى عن كامل القاضى موافقة المشهور.

و في الدروس نسب المشهور الى اشهر القولين.

______________________________

اجمالا) كان يقول: انى أبرأ من كل عيب فيه (و لا بين العيوب الظاهرة) كالعمى و العرج (و الباطنة) كمرض في القلب، او المعدة (لاشتراك الكل) اى كل هذه العيوب (فى عدم المقتضى للخيار مع البراءة) لاطلاق ادلة اسقاط البراءة للخيار (خلافا للمحكى في السرائر عن بعض اصحابنا من عدم كفاية التبرّى اجمالا) و انما اللازم التبرّى التفصيلى فلو تبرأ اجمالا، لم يتبرأ و بقى الخيار، لاصالة بقائه.

(و عن المختلف نسبه) اى القول بعدم كفاية التبرى الاجمالى (الى الاسكافى، و قد ينسب) أيضا (الى صريح آخر كلام القاضى المحكى فى المختلف) حيث نقل المختلف عن القاضى كلاما يوهم ذلك (مع ان المحكى عن كامل القاضى موافقة المشهور) فى كفاية التبرّى الاجمالى لاسقاط الخيار.

(و في الدروس نسب) كلام (المشهور) من كفاية التبرى الاجمالى (الى اشهر القولين) مما يظهر منه ان عدم الكفاية أيضا فيه شهرة، و ذهب

ص: 192

ثم ان ظاهر الادلة هو التبرّى من العيوب الموجودة حال العقد.

و امّا التبرّى من العيوب المتجددة الموجبة للخيار.

فيدل على صحته و سقوط الخيار به عموم: المؤمنون عند شروطهم.

قال في التذكرة بعد الاستدلال بعموم: المؤمنون.

لا يقال: ان التبرّى مما لم يوجد يستدعى البراءة مما

______________________________

إليه جماعة.

و كيف كان فاللازم القول بإطلاق اسقاط التبرّى لاطلاق النص و الفتوى.

(ثم ان ظاهر الادلة هو التبرّى من العيوب الموجودة حال العقد) فاذا تبرأ منها لم يكن للمشترى خيار.

(و اما التبرّى من العيوب المتجددة الموجبة للخيار) كالعيوب التى تحدث قبل القبض و التى تحدث في زمن الخيار، فانها على البائع، لان التلف قبل انقبض من مال مالكه، و التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له.

(فيدل على صحته) اى صحة هذا التبرّى (و سقوط الخيار به عموم:

المؤمنون عند شروطهم) فانه يشترط البائع على المشترى ان لا يكون له خيار، و الشرط يقتضي الوضع، فلا خيار له، لا ان له خيارا، و لكن لا يحق له ان يجعل به.

(قال في التذكرة بعد الاستدلال) للمطلب (بعموم: المؤمنون).

(لا يقال: ان التبرى مما لم يوجد) اذا صح (يستدعى البراءة مما

ص: 193

لم يجب.

لانا نقول ان التبرّى انما هو من الخيار الثابت بمقتضى العقد، لا من العيب انتهى.

اقول: المفروض ان الخيار لا يحدث الا بسبب حدوث العيب، و العقد ليس سببا لهذا الخيار فاسناد البراءة الى الخيار

______________________________

لم يجب).

فكما انه لا يمكن ابراء انسان عما لم يجب عليه بعد كذلك لا يمكن التبرّى من خيار لم يوجد بعد، فهل يصح ان يقول زيد لعمرو: أبرأتك من الطلب الّذي سوف اطلب منك بعد اعطائك دينارا؟

(لانا نقول) ليس التبرّى من العيب تبريا مما لم يوجد، و ذلك ل (ان التبرّى انما هو من الخيار الثابت بمقتضى العقد) و التبرّى انما هو فى حال العقد (لا من العيب) حتى يقال: ان العيب لم يوجد بعد فكيف يتبرأ منه؟ (انتهى) كلام التذكرة.

و الاحسن في الجواب ان يقال: ان هذا امر اعتبارى، فاذا اعتبره العرف كفى، و براءة ما لم يجب اذا لم يكن هناك دليل على منعه، و كان العرف يساعد عليه، جاز.

(اقول) كلام العلامة فيه اشكال، لان (المفروض ان الخيار لا يحدث الا بسبب حدوث العيب) و العيب متأخر عن العقد، فالخيار متأخر عن العقد (و العقد ليس سببا لهذا الخيار) كما حقق في محلّه (فاسناد البراءة الى الخيار) الّذي فعله العلامة حيث قال «التبرّى انما هو من

ص: 194

لا ينفع.

و قد اعترف قدس سرّه في بعض كلماته بعدم جواز اسقاط خيار الرؤية بعد العقد و قبل الرؤية.

نعم ذكر في التذكرة جواز اشتراط نفى خيار الرؤية في العقد لكنه مخالف لسائر كلماته، و كلمات غيره كالشهيد، و المحقق الثانى.

و بالجملة فلا فرق بين البراءة من خيار العيوب و البراءة من خيار الرؤية

______________________________

الخيار» (لا ينفع) فى دفع ايراد «لا يقال».

(و قد اعترف) العلامة (قدس سرّه في بعض كلماته بعدم جواز اسقاط خيار الرؤية بعد العقد و قبل الرؤية) لان الخيار انما يحدث بالرؤية لا بالعقد فاسقاطه قبل الرؤية اسقاط لما لم يوجد.

و من المعلوم انه لا فرق في الخيار بين خيار الرؤية و خيار العيب من هذه الجهة-.

(نعم ذكر في التذكرة جواز اشتراط نفى خيار الرؤية في العقد) مما يدل على ان العقد سبب للخيار، او ان العلامة يجوز اسقاط ما لم يوجد (لكنه مخالف لسائر كلماته، و كلمات غيره كالشهيد، و المحقق الثانى) اللذين قالوا بانه لا يمكن اشتراط اسقاط الخيار في العقد.

(و بالجملة فلا فرق بين البراءة من خيار العيوب و البراءة من خيار الرؤية).

فكما لا يمكن التبرّى من خيار الرؤية- كما ذكره العلامة في بعض كلماته- كذلك لا يمكن التبرّى من خيار العيب، فان في التبرى من

ص: 195

بل الغرر في الاول اعظم.

الا انه لما قام النصّ و الاجماع على صحة التبرى من العيوب الموجودة فلا مناص عن التزام صحته

______________________________

هذين الخيارين يستلزم توالى فاسدة.

منها: لزوم صحة اسقاط ما لم يوجد.

و منها لزوم الغرر، اذ يلزم من عدم الخيار، الغرر، و قد نهى النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم عن الغرر (بل الغرر في الاول) و هو اسقاط خيار العيب (اعظم) و ذلك لاعظمية كون المبيع معيبا من كونه فاقدا لبعض الصفات.

و لا يخفى ما فيه من التأمّل، اذ بين فقد بعض الصفات و فقد وصف الصحة عموم من وجه.

مثلا: فقد العين اعظم من فقد اللون المشترط في الحيوان، و فقد السمن الّذي يوجب ضعف القيمة اعظم من فقد صحة الاذن بان كان الحيوان مشقوق الاذن.

(الا انه لما قام النصّ و الاجماع على صحة التبرّى من العيوب الموجودة فلا مناص عن التزام صحته) اى صحة التبرّى في باب العيب.

فالاستثناء من دليل الغرر موجود في باب العيب، و ليس بموجود فى باب خيار الرؤية.

و لذا نلتزم بصحة التبرّى في باب العيب، و لا نلتزم بصحة اسقاط خيار الرؤية في باب خيار الرؤية.

ص: 196

مع امكان الفرق بين العيوب و الصفات المشترطة في العين الغائبة

______________________________

اللهم ان يقال: انه مع التبرّى ليس لغرر عرفا فهو من باب التخصص لا من باب التخصيص، و يجرى مثله في خيار الرؤية أيضا، فلا فرق بين الخيارين (مع امكان الفرق بين العيوب و الصفات المشترطة في العين الغائبة) و هى الصفات التى يوجب فقدها الخيار.

يعنى ان وجه الاختلاف بين خيار الرؤية و خيار العيب، حيث قلنا بجواز اسقاط خيار العيب في العقد، و قلنا بعدم جواز اسقاط خيار الرؤية في العقد- مع ان اسقاط خيار الرؤية في العقد- مع ان اسقاط كل منهما موجب للغرر- هو:

أولا: ان النص و الاجماع دلا على جواز اسقاط خيار العيب، بخلاف خيار الرؤية، فلا دليل على جواز اسقاطه.

و ثانيا: ان بين الخيارين فرقاء، و هو ان في باب خيار العيب، دافعان للغرر و هما اصالة السلامة، و خيار العيب.

و في باب خيار الرؤية دافع واحد للغرر و هو خيار الرؤية فقط.

فاذا شرطنا سقوط الخيار في باب العيب لم يكن غرر لوجود اصالة السلامة.

اما اذا شرطنا سقوط الخيار في باب الرؤية كان الغرر لعدم وجود ما يدفع الغرر.

و الحاصل ان اشتراط سقوط الخيار في باب العيب لا يوجب الغرر و اشتراط سقوط خيار الرؤية في باب الرؤية يوجب الغرر.

ص: 197

باندفاع الغرر في الاول بالاعتماد على اصالة السلامة، فلا يقدح عدم التزام البائع بعدمها، بخلاف الثانى، فان الغرر لا يندفع فيه الا بالتزام البائع بوجودها، فاذا لم يلتزم بها، لزم الغرر

______________________________

و لا يخفى ان قوله أو لا: «لما قام النص و الاجماع» جواب عن اشكال التساوى بين خيار الرؤية و خيار العيب، مع تسليم ان في كلّ من التبرّى من العيب و من خيار الرؤية غررا.

و قوله ثانيا: «مع امكان الفرق» جواب عن اشكال التساوى بانه لا غرر في اسقاط خيار العيب، و الغرر في اسقاط خيار الرؤية.

فالجواب الاول: من باب التخصيص في ادلة الغرر.

و الجواب الثانى: من باب التخصّص.

و حاصل الفرق (باندفاع الغرر في الاول) حين اسقاط خيار العيب (بالاعتماد على اصالة السلامة) اذ الاصل في كل بيع ان يكون سالما (فلا يقدح عدم التزام البائع بعدمها) اى بعدم السلامة و اسقاطه الخيار (بخلاف الثانى) حين اسقاط خيار الرؤية (فان الغرر لا يندفع فيه الا بالتزام البائع بوجودها) اى بوجود الصفات المشترطة في العين الغائبة (فاذا لم يلتزم بها) اى بالصفات، بان اشترط اسقاط خيار الرؤية (لزم الغرر) و قد نهى النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم عن الغرر،

فتحصل ان البراءة عن العيوب السابقة صحيحة أولا: لانه و ان كان غررا الا ان النص و الاجماع قاما على انه لا بأس بهذا الغرر.

و ثانيا: لانه ليس بغرر لوجود اصالة السلامة.

ص: 198

و اما البراءة عن العيوب المتجدّدة، فلا يلزم من اشتراطها غرر فى البيع حتى يحتاج الى دفع الغرر باصالة عدمها لانها غير موجودة بالفعل في المبيع حتى يوجب جهالة.

ثم ان البراءة في هذا المقام يحتمل اضافتها الى امور.

______________________________

(و اما البراءة عن العيوب المتجدّدة) فلا نحتاج الى الجواب الثانى فيها، فلا نقول: البراءة ليست بغرر لوجود اصالة السلامة، بل نقول:

البراءة ليست بغرر لوجود السلامة الفعلية، اذ المفروض ان البيع صحيح الآن، فلا غرر اصلا (فلا يلزم من اشتراطها) اى اشتراط البراءة عن العيوب المتجدّدة قبل القبض او في زمن الخيار- مما يكون ضمانه على البائع- (غرر في البيع حتى يحتاج الى دفع الغرر باصالة عدمها) اى اصالة عدم العيب.

و انما لا نحتاج (لانها) اى تلك العيوب المتجدّدة (غير موجودة بالفعل في المبيع حتى يوجب) اشتراط عدم الخيار (جهالة) و غررا.

و اصالة السلامة انما يتمسك بها فيما اذا جهل حال المبيع فى انه هل هو صحيح او معيب؟ اما اذا علمنا بصحة المبيع، فلا مورد لاصالة السلامة.

(ثم ان البراءة) عن العيب (فى هذا المقام) اى مقام اشتراط البراءة عن العيب عند العقد (يحتمل) ان يصح (اضافتها الى امور) ثلاثة:

ص: 199

الاول: عهدة العيوب، و معناه تعهد سلامته من العيوب فيكون مرجعه الى عدم التزام سلامته فلا يترتب على ظهور العيب ردّ و لا ارش، فكانه باعه على كل تقدير.

الثانى: ضمان العيب، و هذا انسب بمعنى البراءة.

______________________________

(الاول: عهدة العيوب) اى ان البائع لا يتعهد سلامته من العيوب و معنى: و ليس على عهدتى، ان لا اضمن عيبه (و معناه) نفى (تعهد سلامته من العيوب فيكون مرجعه الى عدم التزام سلامته) قوله: «و معناه» الضمير راجع الى «عهدة» و حيث ان تائه مصدرية، فلا بأس بان يرجع إليه ضمير المذكر، و نحن في الشرح اضفنا كلمة «نفى» لاجل بيان الحاصل من «براءة العهدة» كما لا يخفى، و ضمير «مرجعه» راجع الى التبرّى و من المعلوم ان «لا اتعهد» يرجع الى «لا التزم» اذ الالتزام فرع التعهد فان الانسان اذا تعهد شيئا كان لازمه ان يلتزم بلوازم تعهده.

و على هذا (فلا يترتب على ظهور العيب ردّ و لا ارش، فكانه باعه على كل تقدير) تقدير الصحة، و تقدير عدم الصحة.

(الثانى) من محتملات الاضافة لضمان البراءة (ضمان العيب) اى أتبرأ من ضمان العيب- و هذا المعنى فرع للمعنى الاول- لان الضمان فرع التعهد (و هذا انسب بمعنى البراءة) لانه المتبادر عرفا من البراءة، اذ العرف ينظر الى النتائج كالضمان لا الى المقدمات كالتعهد، فان العرف يريد ان يكون له المال الّذي بإزاء العيب.

ص: 200

و مقتضاه عدم ضمانه بمال فتصير الصحة كسائر الاوصاف المشترطة فى عقد البيع لا يوجب الا تخييرا بين الرّد و الامضاء مجانا.

و مرجع ذلك الى اسقاط ارش العيوب في عقد البيع، لا خيارها.

الثالث: حكم العيب و معناه البراءة من الخيار الثابت بمقتضى العقد بسبب العيب.

______________________________

(و مقتضاه) اى مقتضى هذا المعنى الثانى (و عدم ضمانه) اى ضمان العيب (ب) اعطاء (مال) يساوى العيب (فتصير الصحة كسائر الاوصاف المشترطة في عقد البيع) التى اذا فقدت تخير المشترى بين الرد و الامضاء مجانا.

و الحاصل: ان المعنى الثانى هو اسقاط الارش فقط بدون اسقاط الرد فللمشترى الرد، بينما المعنى الاول يوجب ان لا يكون للمشترى لا الرد و لا الارش- و هذا بالإضافة الى ان الضمان فرع التعهد كما عرفت-.

و الحاصل ان المعنى الثانى (لا يوجب الا تخييرا بين الرّد) للسلعة المعيبة (و الامضاء مجانا) بدون ارش.

(و مرجع ذلك) اى المعنى الثانى (الى اسقاط ارش العيوب فى عقد البيع، لا) اسقاط (خيارها) اى خيار العيوب، لان الخيار باق.

(الثالث: حكم العيب و معناه البراءة من الخيار الثابت بمقتضى العقد بسبب العيب).

ثم ان الفرق بين الاول و الثالث، ان في الاول باعه على تقدير، فاذا قلنا: بانه يوجب الغرر بطل.

ص: 201

و الاظهر في العرف هو المعنى الاول.

و الانسب بمعنى البراءة هو الثانى.

و قد تقدم عن التذكرة المعنى الثالث، و هو بعيد عن اللفظ، الا ان يرجع الى المعنى الاول، و الامر سهل.

ثم ان تبرى البائع عن العيوب مطلقا، او عن عيب خاص انما يسقط تأثيره من حيث الخيار، اما سائر احكامه فلا.

______________________________

و اما في الثالث فهو انما يسقط الخيار فقط، فلا يلزم الغرر.

فكان الاول ينفى الموضوع، و الثالث ينفى الحكم.

(و الاظهر في العرف هو المعنى الاول) لان العرف يريد الخلاص من المعاملة فليس عليه شي ء، لا ردا و لا ارشا.

(و الانسب بمعنى البراءة هو الثانى) لان البراءة بمعنى عدم الضمان.

(و قد تقدم عن التذكرة المعنى الثالث) حيث قال: لانا نقول: ان التبرى انما هو من الخيار (و هو بعيد عن اللفظ) اذ لا خيار في اللفظ (الا ان يرجع) كلام العلامة (الى المعنى الاول) فيكون مراده ان لا رد و لا ارش مما هو مقتضى الخيار (و الامر سهل) بعد وضوح المقصد.

(ثم ان تبرئ البائع عن العيوب مطلقا) اىّ عيب كان (او عن عيب خاص) كان يقول: انى أبرأ من عوار عينه او وجع بطنه (انما يسقط تأثيره) اى تأثير العيب (من حيث الخيار) فلا خيار للمشترى بسبب هذا العيب (اما سائر احكامه) اى احكام العيب (فلا) تسقط بسبب التبرّى.

ص: 202

فلو تلف بهذا العيب في ايام خيار المشترى لم يزل ضمان البائع، لعموم النص.

لكن في الدروس انه لو تبرى من عيب فتلف به في زمن خيار المشترى فالاقرب عدم ضمان البائع.

و كذا لو علم المشترى به قبل العقد او رضى به بعده و تلف في زمان خيار المشترى

______________________________

(فلو تلف) المتاع (بهذا العيب) المتبرّئ منه (فى ايام خيار المشترى) و هو الخيار الّذي سقط بسبب التبرى (لم يزل ضمان البائع) فان خيار المشترى الناشئ عن العيب له تأثيران:

الاول: ان للمشترى الرد و الارش.

و الثانى: انه اذا تلف المتاع في زمن الخيار كان التلف من البائع فاذا تبرأ البائع من العيب سقط التأثير الاول، اما التأثير الثانى فهو باق على حاله (لعموم النص) الدال على ان التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له.

(لكن) ذكر الشهيد (فى الدروس انه لو تبرى) البائع (من عيب فتلف به في زمن خيار المشترى فالاقرب عدم ضمان البائع) لانه مع التبرّى لا خيار، فلا يشمله الدليل الدال على ان التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له- اذ لا «زمن خيار» فلا موضوع-.

(و كذا لو علم المشترى به) اى بالعيب (قبل العقد او رضى به) اى بالعيب (بعده) اى بعد العقد (و تلف في زمان خيار المشترى) لانه

ص: 203

و يحتمل الضمان، لبقاء علاقة الخيار المقتضى لضمان العين معه و اقوى اشكالا ما لو تلف به و بعيب آخر تجدد في الخيار انتهى كلامه رفع مقامه

______________________________

لا خيار حسب الفرض لان علم المشترى و رضاه مسقط للخيار- فلا موضوع-.

(و يحتمل الضمان) على البائع اذا تلف في زمن الخيار الّذي سقط (لبقاء علاقة الخيار) لانه زمن خيار قد سقط (المقتضى) ذلك الخيار (لضمان العين معه) اى مع الخيار.

و معنى بقاء علاقة الخيار، ان العيب كان سببا للخيار، و لكون التلف فى ذلك الزمان من كيس البائع، فسقوط الخيار لا يلازم سقوط الحكم الآخر.

(و اقوى اشكالا) فى انه هل يكون التلف من كيس البائع أم لا؟ فيما اذا تبرأ من العيب و نحوه (ما لو تلف) المبيع في زمن الخيار الساقط (به) اى بالعيب القديم (و بعيب آخر تجدد فى) زمن (الخيار).

مثلا: كان العبد محموما و تبرأ البائع من حمّاه، ثم تجدد له كسر الرجل فى زمن الحمّى، ثم مات بالامرين، فهل ان تلفه من كيس البائع أم لا؟

احتمالان:

الاول: ان يكون من كيس البائع لبقاء علاقة الخيار.

الثانى: ان لا يكون من كيسه لان الموت يستند الى جزءين: جزء على البائع، هو كونه تلفا في زمن الخيار و جزء على المشترى و هو ان العيب الجديد الّذي يكون على المشترى دخيل في التلف (انتهى كلامه رفع مقامه).

ص: 204

ثم ان هنا امورا يظهر من بعض الاصحاب سقوط الرد و الارش بها
منها: زوال العيب قبل العلم به،

كما صرح به في غير موضع من التذكرة، و مال إليه في جامع المقاصد، و اختاره في المسالك، بل و كذا لو زال بعد العلم به قبل الرد، و هو ظاهر التذكرة، حيث قال- فى اواخر فصل العيوب-: لو كان المبيع معيبا عند البائع ثم اقبضه و قد زال عيبه فلا رد، لعدم موجبه.

و

______________________________

و لو شككنا في ان التلف على البائع أم لا، كان الاصل عدم كونه على البائع، لاصالة عدم الضمان، فتأمّل.

(ثم ان هنا امورا) اخر (يظهر من بعض الاصحاب سقوط الردّ و الارش بها) فلا يحق للمشترى رد، و لا ارش، و ان كان المبيع معيبا.

(منها: زوال العيب قبل العلم) اى علم المشترى (به) كما اذا كان العبد محموما حال البيع، ثم زال حمّاه قبل ان يعلم بذلك المشترى (كما صرح به) اى بانه مسقط للرد و الارش (فى غير موضع من التذكرة، و مال إليه في جامع المقاصد، و اختاره في المسالك، بل و كذا) يسقط الرد و الارش (لو زال) العيب (بعد العلم به قبل الرد و هو) اى السقوط فى هذه الصورة (ظاهر التذكرة، حيث قال- فى اواخر فصل العيوب-:

لو كان المبيع معيبا عند البائع ثم اقبضه) للمشترى (و قد زال عيبه) عند البائع (فلا رد، لعدم موجبه) اى موجب الرد، اذ لا عيب.

(و) ان قلت: قد سبق انه كان معيبا.

ص: 205

سبق العيب لا يوجب خيارا، كما لو سبق على العقد ثم زال قبله، بل مهما زال العيب قبل العلم او بعده قبل الرد، سقط حق الرد، انتهى.

و هو صريح في سقوط الرد و ظاهر في سقوط الارش كما لا يخفى على المتأمّل خصوصا مع تفريعه في موضع آخر قبل ذلك عدم الرد و الارش معا على زوال العيب، حيث قال: لو اشترى عبد او حدث في يد المشترى نكتة بياض في عينه، و وجد نكتة قديمة ثم زالت إحداهما، فقال البائع الزائلة هى القديمة، فلا رد و لا ارش، و قال المشترى، بل الحادثة، ولى الرد.

______________________________

قلت: (سبق العيب لا يوجب خيارا، كما لو سبق على العقد ثم زال قبله) اى قبل العقد (بل مهما زال العيب قبل العلم او بعده) و لكن كان الزوال (قبل الرد، سقط حق الرد، انتهى) كلام العلامة.

(و هو صريح في سقوط الرد) لانه قال: «فلا رد» (و ظاهر في سقوط الارش) لانه قال: «كما لو سبق على العقد ثم زال قبله» اذ من الواضح ان العيب الزائل قبل العقد لا يوجب ردّا و لا ارشا، فكذا المشبّه (كما لا يخفى على المتأمّل، خصوصا مع تفريعه في موضع آخر قبل ذلك) الكلام (عدم الرد و الارش معا) «عدم» مفعول ل «تفريعه» (على زوال العيب، حيث قال) العلامة ره (لو اشترى عبد او حدث في يد المشترى نكتة بياض فى عينه، و وجد نكتة قديمة) كانت حادثة قبل البيع (ثم زالت إحداهما، فقال البائع) النكتة (الزائلة هى القديمة، فلا رد و لا ارش) اذ الردّ، و الارش متفرعان على وجود العيب القديم و قد زال العيب (و قال المشترى بل) الزائلة هى (الحادثة) فى يدى (ولى الرد) و الارش.

ص: 206

قال الشافعى: يتحالفان الى آخر ما حكاه عن الشافعى.

و كيف كان ففى سقوط الرد بزوال العيب وجه، لان ظاهر ادلة الرد خصوصا بملاحظة ان الصبر على العيب ضرر هو ردّ المعيوب و هو المتلبس بالعيب، لا ما كان معيوبا في زمان.

فلا يتوهم هنا استصحاب الخيار.

______________________________

(قال الشافعى: يتحالفان الى آخر ما حكاه عن الشافعى).

فان ظاهر هذا الكلام التلازم بين الرد و الارش ثبوتا و سقوطا في امثال المقام.

(و كيف كان) مراد العلامة ره (ففى سقوط الرد بزوال العيب) بعد البيع (وجه) يقاوم استصحاب الخيار- ردّا و ارشا- (لان ظاهر ادلة الرد خصوصا بملاحظة ان الصبر على العيب ضرر هو ردّ المعيوب) عيبا فى الحال (و هو المتلبس بالعيب) الآن (لا ما كان معيوبا في زمان) سابق، فان ظاهر المشتق التلبس بالمبدإ في الحال.

(فلا يتوهم هنا) بعد ان صار المعيوب صحيحا (استصحاب الخيار) بعد زوال العيب اذ لا موضوع له.

اللّهم الا ان يقال: ان الادلة دلت على ان المعيوب حكمه كذا فزوال الحكم بزوال العيب خلاف ظاهر الادلة.

و الانصراف الى العيب الحالى بدوى، فهو من قبيل ما اذا غبنه ثم ارتفعت قيمته، فان له حق الردّ، لان الارتفاع في ملك المشترى لا يرفع الغبن الّذي كان مناط الرد و كيف كان فالمصنف على انه لا رد.

ص: 207

و اما الارش فلما ثبت استحقاق المطالبة به لفوات وصف الصحة عند العقد، فقد استقرّ بالعقد خصوصا بعد العلم بالعيب.

و الصحة انما حدثت في ملك المشترى، فبراءة ذمة البائع عن عهدة العيب المضمون عليه يحتاج الى دليل.

فالقول بثبوت الارش و سقوط الردّ قوىّ

______________________________

(و اما الارش) فهل يستحق، أم لا بعد زوال العيب؟ فالظاهر استحقاقه (ف) انه (لما ثبت استحقاق المطالبة به) اى بالارش (لفوات وصف الصحة عند العقد، فقد استقرّ) الارش (بالعقد خصوصا) ان الاستقرار الكامل صار (بعد العلم بالعيب) لما يقال من ان العلم بالعيب هو الموجب للخيار.

(و) ان قلت: ان المتاع صحيح الآن، و قد زال وجه الارش؟

قلت: (الصحة انما حدثت في ملك المشترى) فالصحة ملك المشترى كما اذا سمنت الدابة في ملك المشترى، فان السمن ليس من البائع (فبراءة ذمة البائع عن عهدة العيب المضمون عليه يحتاج الى دليل) فقد ثبت الارش، و لم يثبت ما يسقطه.

(فالقول بثبوت الارش و سقوط الردّ قوىّ).

و فيه ان كان المثبت للرد و الارش العيب حال العقد، فاللازم القول بكليهما.

و ان كان المثبت لهما بقاء العيب حال الرد و الارش فاللازم القول بسقوطهما.

ص: 208

لو لم يكن تفصيلا مخالفا للاجماع، و لم اجد من تعرض لهذا الفرع قبل العلامة او بعده.

نعم هذا داخل في فروع القاعدة التى اخترعها الشافعى، و هو:

ان الزائل العائد كالذى لم يزل، او كالذى لم يعد.

لكن عرفت مرارا ان المرجع في ذلك هى الادلة.

______________________________

فالقول بثبوت احدهما و سقوط الآخر لا يخلو عن اشكال (لو لم يكن تفصيلا مخالفا للاجماع) و الا كان باطلا رأسا (و لم اجد من تعرض لهذا الفرع قبل العلامة او بعده) فلا اجماع في المسألة، اذ المشهور لم يتعرضوا للمسألة، فكيف يمكن دعوى الاجماع على عدم التفصيل؟

(نعم هذا) الفرع (داخل في فروع القاعدة التى اخترعها الشافعى، و هو: ان الزائل العائد) كما اذا كان مريضا، ثم برء، ثم مرض ثانيا فهو (كالذى لم يزل) حتى يكون حاله حال المعيب (او كالذى لم يعد) حتى يكون حاله حال الصحيح، و الزائل العائد يراد به هنا:

وصف الصحة. و لا يخفى الاشكال في جعل المسألة من فروع القاعدة، كما اشار الى الاشكال فيه غير واحد من المعلقين.

اللهم الا ان يريد المصنف ان مناط تلك المسألة موجود في المقام.

(لكن عرفت مرارا ان المرجع في ذلك) اى في حكم الزائل العائد (هى الادلة).

فان كان الدليل دلّ على ترتب الحكم لوجود هذه الصفة و لو بعد ان انعدمت، كان الزائل العائد كالذى لم يزل.

ص: 209

و لا منشأ لهذه القاعدة.

و منها: التصرف بعد العلم بالعيب،

فانه مسقط للامرين عند ابن حمزة في الوسيلة.

و لعله لكونه علامة للرضا بالمبيع بوصف العيب.

و النص المثبت للارش بعد التصرف ظاهر في ما قبل العلم.

______________________________

و ان دلّ الدليل على ترتب الحكم لبقاء هذه الصفة فانعدامها يوجب ذهاب الحكم، و ان رجعت بعد ذلك كان الزائل العائد كالذى لم يعد (و لا منشأ لهذه القاعدة) بحيث يكون الحكم هو انه «كالذى لم يعد» او «كالذى لم يزل» فى جميع المواضع على حد سواء.

(و منها) اى من المواضع التى ذكر بعض الاصحاب انه يسقط الرد و الارش فيها (التصرف بعد العلم بالعيب، فانه مسقط للامرين) و هما الرد و الارش (عند ابن حمزة في الوسيلة).

(و لعله) اى لعل الوجه في اسقاطه الامرين (لكونه) اى التصرف (علامة للرضا بالمبيع بوصف العيب) لا انه رضى بالمبيع في الجملة حتى يتمكن من الرد، اذ الرضا بالبيع في الجملة لا يلازم الرضا به بوصف العيب.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 13، ص: 210

(و) ان قلت: هب ان التصرف يسقط الرد فلما ذا نقول باسقاطه الارش أيضا؟

قلت: (النص المثبت للارش بعد التصرف) كصحيحة زرارة و مرسلة جميل، و اخبار وطى الجارية (ظاهر فى) كون التصرف (ما قبل العلم) فالتصرف بعد العلم يسقط الارش أيضا.

ص: 210

و رد بانه دليل الرضا بالمبيع، لا بالعيب.

و الاولى ان يقال: ان الرضا بالعيب لا يوجب اسقاط الارش و انما

______________________________

و انما كانت تلك النصوص ظاهرة فيما قبل العلم، لان الانسان اذا علم بالعيب لا يتصرف في المبيع، الا اذا اخذ ارشه، فانه اذا تصرف ثم اراد اخذ الارش احتمل ان البائع لم يقبل، و انما اراد البائع الرد.

(و رد) ابن حمزة (بانه) اى التصرف (دليل الرضا بالمبيع) و انه لا يريد رده (لا بالعيب) حتى يسقط الارش أيضا.

و الحاصل: ان التصرف انما يسقط الرد فقط، لا الرد و الارش معا.

(و الاولى ان يقال) فى رد ابن حمزة (ان الرضا بالعيب لا يوجب اسقاط الارش) و ان اوجب اسقاط الرد.

و الحاصل: ان ابن حمزة يقول: ان التصرف دليل الرضا بالمعيب فذلك الرضا يسقط الرد و الارش.

و الراد يقول: ان التصرف دليل الرضا بالمبيع لا بالمعيب، فلا يوجب الا اسقاط الرد، و اما الارش فهو باق على حاله.

و الشيخ يقول: نسلّم كلام ابن حمزة بان التصرف دليل الرضا بالمعيب، لكنه مع ذلك لا يسقط الارش، اذ المسقط للارش الابراء، لا الرضا.

فاذا كان لك دين على انسان لا يكفى في اسقاطه عن ذمته ان ترضى بان لا يعطيك، بل اللازم ان تبرئه حتى يسقط الدين عن ذمته، فالرضا لا يوجب اسقاط الارش (و انما

ص: 211

المسقط له ابراء البائع عن عهدة العيب.

و حيث لم يدل التصرف عليه فالاصل بقاء حق الارش الثابت قبل التصرف.

مع ان اختصاص النص بصورة التصرف قبل العلم ممنوع، فليراجع.

و منها: التصرف في المعيب الّذي لم ينقص قيمته بالعيب،

كالبغل الخصىّ بل العبد الخصىّ على ما عرفت فان الارش منتف لعدم تفاوت القيمة و الرد

______________________________

المسقط له) اى للارش هو (ابراء البائع عن عهدة العيب) و لم يحصل الابراء.

(و حيث لم يدل التصرف عليه) اى على الابراء (فالاصل بقاء حق الارش الثابت قبل التصرف).

و المراد بالاصل: الدليل الدال على ثبوت الارش، لا الاصل العملى كما لا يخفى.

(مع) انه يرد على ابن حمزة فيما قاله بقوله: و النص المثبت للارش الخ (ان اختصاص النص بصورة التصرف قبل العلم ممنوع) لاطلاق النص (فليراجع) حتى يشاهد الا طلاق فيه، فلا انصراف له الى ما قبل التصرف.

(و منها) اى مما قيل انه يسقط الرد و الارش معا (التصرف في المعيب الّذي لم ينقص قيمته بالعيب، كالبغل الخصى) فانه لا تنقص قيمته، بل ربما تزداد (بل العبد الخصىّ على ما عرفت) من الرغبة فيه، رغبة توجب عدم نقص قيمته (فان الارش منتف لعدم تفاوت القيمة) بين الصحيح و المعيب، (و الرد) ينتفى

ص: 212

لاجل التصرف.

و قد يستشكل فيه من حيث لزوم الضرر على المشترى بصبره على المعيب

و فيه ان العيب في مثله لا يعد ضررا ماليا بالفرض، فلا بأس بان يكون الخيار فيه كالثابت بالتدليس في سقوطه بالتصرف، مع عدم ارش فيه و حلّه ان الضرر اما ان يكون من حيث القصد الى ما هو أزيد مالية من الموجود و اما ان يكون من حيث القصد الى خصوصية مفقودة في العين، مع قطع

______________________________

(لاجل التصرف) فانه قد عرفت ان التصرف يوجب اسقاط الرد.

(و قد يستشكل فيه) اى في كونه مسقطا للردّ (من حيث لزوم الضرر على المشترى) اذا قلنا انه لا يحق له الرد (ب) سبب (صبره على المعيب) «بصبره» متعلق ب «الضرر».

(و فيه ان العيب في مثله) الّذي لا تنقص قيمته (لا يعد ضررا ماليا بالفرض) اى حسب ما فرض انه لا نقص في قيمته (فلا بأس بان يكون الخيار فيه ك) الخيار (الثابت بالتدليس في سقوطه بالتصرف).

و كما ان هذا لا اشكال فيه، كذلك ما نحن فيه، و القصد التنظير، لا القياس كما لا يخفى (مع عدم ارش فيه) اى في باب التدليس.

(و حلّه) اى وجه ان العيب هنا لا يوجب ضررا (ان الضرر اما ان يكون من حيث القصد) اى قصد المشترى (الى ما هو ازيد مالية من الموجود) فاذا لم يتحقق قصده تضرر، حيث اعطى مالا مقابل أقل من قصده.

(و اما ان يكون من حيث القصد الى خصوصية مفقودة في العين) كخصوصية سلامته من الخصى، مثلا (مع قطع

ص: 213

النظر عن قيمته.

و الاول مفروض الانتفاء.

و الثانى قد رضى به و اقدم عليه المشترى بتصرفه فيه بناء على ان التصرف دليل الرضا بالعين الخارجية، كما لو رضى بالعبد المشروط كتابته مع تبين عدمها فيه.

الا ان يقال ان المقدار الثابت من سقوط الرد بالتصرف هو مورد ثبوت

______________________________

النظر عن قيمته) فلا ضرر من حيث قلة المالية.

(و الاول) اى ازيدية المالية (مفروض الانتفاء) اذ المفروض ان مالية الخصى، كمالية الصحيح مقدارا.

(و الثانى) اى الخصوصية المفقودة (قد رضى به و اقدم عليه المشترى) اقداما (ب) سبب (تصرفه فيه) و التصرف ملازم للرضا (بناء على ان التصرف دليل الرضا بالعين الخارجية) و لذا قال عليه السلام: لانه رضى به (كما لو رضى بالعبد المشروط كتابته مع تبين عدمها) اى عدم الكتابة (فيه) اى في ذلك العبد.

(الا ان يقال) ان الردّ في مسئلتنا هذه لا يسقط بالتصرف، فله ان يرد و ان تصرف، و ذلك لان الرد انما يسقط بالتصرف اذا كان للمشترى ان يأخذ الارش، اما اذا لم يكن للمشترى اخذ الارش لفرض ان العيب لا ارش له، فتصرفه لا يسقط الرد، ل (ان المقدار الثابت من سقوط) حق المشترى فى (الرد) اذا كان المتاع معيبا (ب) سبب (التصرف) فيه (هو مورد ثبوت

ص: 214

الارش.

و الا فمقتضى القاعدة عدم سقوط الرد بالتصرف كما في غير العيب و التدليس من اسباب الخيار خصوصا بعد تنزيل الصحة فيما نحن فيه منزلة الاوصاف المشترطة التى لا يوجب فواتها ارشا فان خيار التخلف فيها

______________________________

الارش) حتى يكون للمشترى مجال اخذ الارش، اذا لم يكن له حق الرد

(و الا) يكن للمشترى حق الارش، كمسألة الخصى (فمقتضى القاعدة عدم سقوط الرد بالتصرف) فى المبيع (كما في غير العيب و التدليس من اسباب الخيار) فانه لا دليل على سقوط الرد بالخيار اذا تصرف المشترى فى المبيع، ثم ظهر الغبن، او كان مخالفا للصفات- مثلا- كما فى موردى خيار الغبن و خيار الرؤية.

اما في العيب و التدليس حيث ان المشترى مخير بين الرد و الارش فان تصرفه يسقط رده و يبقى له الارش، فاذا لم يكن له ارش لم يكن تصرفه مسقطا لرده (خصوصا بعد تنزيل الصحة فيما نحن فيه) اى في باب خيار العيب (منزلة الاوصاف المشترطة التى لا يوجب فواتها ارشا).

فقد عرفت فيما سبق ان وصف الصحة لا يقابل بالمال، فالصحة شرط و اذا فقد الشرط كان للمشترى الفسخ، كما انه اذا تخلف الوصف كان له الفسخ.

و الحاصل: ان هذا الخيار من قبيل خيار تخلف الشرط، و التصرف لا يسقط خيار التخلف (فان خيار التخلف فيها) اى فى الاوصاف

ص: 215

لا يسقط بالتصرف، كما صرح به.

نعم لو اقتصر في التصرف المسقط على ما يدل على الرضا، كان مقتضى عموم ما تقدمه سقوط الرد بالتصرف مطلقا.

و منها: حدوث العيب في المعيب المذكور.

______________________________

(لا يسقط بالتصرف، كما صرح به) الفقهاء في باب خيار تخلف الوصف.

و الحاصل ان التصرف في المعيب الّذي لا ارش له- كالخصيّ- لا يسقط الرد.

(نعم لو اقتصر في التصرف المسقط على ما يدل على الرضا) بان قلنا:

ان التصرف انما يسقط الرد اذا كان تصرفا عن رضا المشترى بالمعيب- و لم نقل ان كل تصرف مسقط- (كان مقتضى عموم ما تقدمه) من ان الرضا بالمبيع مسقط للخيار، هو (سقوط الرد بالتصرف مطلقا) سواء كان هناك بديل للرد- و هو الارش- أم لم يكن له بديل.

فتحصل ان المعيب الّذي لا ارش له، اذا تصرف المشترى فيه تصرفا دالا على الرضا، سقط رده، و الا بان لم يكن تصرف بدون الرضا بالمبيع، لم يسقط رده.

(و منها) اى و مما ذكر من انه يسقط الرد و الارش معا- فى باب خيار العيب- (حدوث العيب في المعيب المذكور) اى المعيب الّذي لم تنقص قيمته بالعيب، لما سبق من ان حدوث العيب عند المشترى يوجب سقوط الرد.

و حيث انه لا ارش له حسب الفرض، فحدوث العيب يوجب ان لا يكون

ص: 216

و الاستشكال هنا بلزوم الضرر، فى محله، فيحتمل ثبوت الرد مع قيمة النقص الحادث لو كان موجبا له، لان الصحة في هذا المبيع كسائر الاوصاف المشترطة في المبيع التى لا يوجب فواتها ارشا.

______________________________

له رد و لا ارش.

(و) ان قلت: كيف يسقط رد المشترى، و الحال انه ضرر عليه؟

قلت: (الاستشكال هنا بلزوم الضرر) على المشترى، اذا قلنا بسقوط حق رده (فى محله) اذ لم يرض المشترى بالمبيع، و لم يقدم على ضرر نفسه بالتصرف و نحوه، فكيف يلزمه الشارع بهذا الضرر.

و عليه (فيحتمل ثبوت الرد) للمشترى بالعيب السابق (مع) الزام المشترى باعطائه للبائع (قيمة النقص الحادث) فى المبيع بسبب العيب الجديد (لو كان) العيب الجديد (موجبا له) اى لنقص، له قيمة.

و انما نقول بان له الرد و ان حدث في المبيع عيب (لان الصحة فى هذا المبيع كسائر الاوصاف المشترطة في المبيع) كان تكون الشاة سوداء او بيضاء، و ان تكون الدار اوّل الشارع او آخره (التى لا يوجب فواتها ارشا) لاستواء قيمة ذات الوصف و غيرها في نظر العرف، فانه اذا فات الوصف استحق المشترى الرد، و ليس له الارش، و في ما نحن فيه أيضا كذلك، لان النقص لا يوجب الارش- حسب الفرض- فلا بد و ان يكون للمشترى الرد و ان حدث في المبيع عيب.

(و) ان قلت: العيب الجديد يوجب عدم قيام العين و قد شرط الشارع

ص: 217

و النص الدال على اشتراط الرد بقيام العين- و هى المرسلة المتقدمة- مختص بمورد امكان تدارك ضرر الصبر على المعيب بالارش.

و الاجماع فيما نحن فيه غير متحقق، مع ما عرفت من مخالفة المفيد فى اصل المسألة.

هذا كله مضافا الى اصالة جواز الرد الثابت قبل حدوث العيب،

______________________________

الرد بقيام العين؟

قلت: (النص الدال على اشتراط الرد بقيام العين- و هى المرسلة المتقدمة-) عن جميل (مختص بمورد امكان تدارك ضرر الصبر على المعيب بالارش) «بالارش» متعلق ب «تدارك» فلا يشمل النص ما نحن فيه، و يبقى دليل: لا ضرر، للمشترى حق الرد.

(و الاجماع) على اشتراط الرد بقيام العين (فيما نحن فيه) مما لا ارش له (غير متحقق) اذ القدر المتيقن من الاجماع هو صورة امكان اخذ الارش و عليه فلا اجماع، و يصح رد المعيب و ان حدث فيه عيب جديد (مع ما عرفت من مخالفة المفيد في اصل المسألة) حيث ان المفيد قال: بعدم منع حدوث عيب جديد عن الرد بالعيب القديم، كما تقدم في المسقط الرابع من مسقطات خيار العيب، فاذا لم يمنع العيب الجديد من الرد بالعيب القديم- حتى فيما كان للمبيع ارش- كان عدم المنع فيما لا ارش فيه اولى.

(هذا كله) لبيان ان ادلة منع الرد بسبب العيب الجديد لا يشمل المقام (مضافا الى اصالة جواز الرد الثابت قبل حدوث العيب) فانه لا شك

ص: 218

و هى المرجع بعد معارضة الضرر المذكور بتضرر البائع بالفسخ، و نقل المعيب الى ملكه بعد خروجه عن ملكه، سليما عن هذا العيب.

و كيف كان فلو ثبت الاجماع او استفيض بنقله على سقوطه الرد بحدوث العيب و التغير على وجه يشمل المقام، و الا فسقوط الرد هنا محل نظر، بل منع.

______________________________

فى جواز الرد قبل حدوث العيب، فاذا شككنا في جواز الرد بعد حدوث العيب، كان استصحاب الجواز محكما (و هى) اى اصالة جواز الرد (المرجع بعد) تعارض دليل لا ضرر، للبائع، و دليل: لا ضرر، للمشترى، اذ لو رد المشترى تضرر البائع بالعيب الجديد، و لو لم يرد المشترى تضرر بالعيب القديم، فيتعارض: لا ضرر، هذا، بلا ضرر ذاك و يتساقطان، فيكون المرجع اصالة جواز الرد.

فبعد (معارضة الضرر المذكور) اى ضرر المشترى اذا قلنا بانه لا رد (بتضرر البائع بالفسخ، و نقل المعيب) بالعيب الجديد (الى ملكه) اى ملك البائع (بعد خروجه عن ملكه، سليما عن هذا العيب) الجديد.

(و كيف كان) الامر، سواء قلنا بوجود الاستصحاب، أم لم نقل بوجوده لتغير الموضوع (فلو ثبت الاجماع او استفيض بنقله) و ان لم يثبت عندنا (على سقوطه الرد بحدوث العيب) الجديد (و) حدوث (التغير) فى المبيع مما اوجب ان لا يكون المبيع قائما بعينه (على وجه يشمل المقام) الّذي لا ارش له فهو الحجة (و الا) يثبت الاجماع (فسقوط الرد هنا) فيما لا ارش له (محل نظر، بل منع) لشمول ادلة الرد لمثله.

ص: 219

و منها: ثبوت احد مانعى الرد في المعيب الّذي لا يجوز اخذ الارش فيه لاجل الربا.

اما المانع الاول فالظاهر ان حكمه كما تقدم في المعيب الّذي لا تنقص ماليته فان المشترى لما اقدم على معاوضة احد الربويين بالآخر، اقدم على عدم مطالبة مال زائد على ما يأخذه

______________________________

و الحاصل ان للمشترى حق الرد، اما لعموم ادلة رد المبيع المعيب و اما لوجود الاصل العملى و هو استصحاب جواز الرد.

(و منها) اى من الموارد التى يسقط فيها الرد و الارش معا (ثبوت احد مانعى الرد في المعيب الّذي لا يجوز اخذ الارش فيه).

و انما لا يجوز اخذ الارش (لاجل الربا) فيما اذا كان العوضين ربويين كالذهب بالذهب و الحنطة بالحنطة.

و المراد بمانعى الرد: التصرف و حدوث العيب بعد القبض، و ذلك لان مانع الرد يمنع من الرد، و كون الجنس ربويا يمنع الارش، فلا ارش و لا رد.

(اما المانع الاول) و هو التصرف (فالظاهر ان حكمه كما تقدم فى المعيب الّذي لا تنقص ماليته) بالعيب كالعبد الخصى، فكما ان التصرف فى العبد الخصى يمنع الرد و الارش، فلا ارش، لانه لا تنقص القيمة بالخصاء و لا رد لانه تصرف فيه، كذلك ما نحن فيه، فانه لا رد لانه تصرف فيه، و لا ارش لان الارش مستلزم للربا (فان المشترى لما اقدم على معاوضة احد الربويين بالآخر اقدم على عدم مطالبة مال زائد على ما يأخذه) «على»

ص: 220

بدلا على ماله و ان كان المأخوذ معيبا فيبقى وصف الصحة كسائر الاوصاف التى لا يوجب اشتراطها الا جواز الرد بلا ارش.

فاذا تصرف فيه خصوصا بعد العلم تصرفا دالا على الرضا بفاقد الوصف المشترط لزم العقد، كما في خيار التدليس بعد التصرف.

نعم التصرف قبل العلم لا يسقط خيار الشرط كما تقدم.

و اما المانع الثانى: فظاهر جماعة كونه مانعا فيما نحن فيه من الرد أيضا

______________________________

متعلق ب «زائد» (بدلا على ماله و ان كان المأخوذ معيبا) فهو بنفسه اسقط حق الارش (فيبقى وصف الصحة كسائر الاوصاف التى لا يوجب اشتراطها الا جواز الرد بلا ارش) كما في العبد الخصىّ.

(فاذا تصرف) المشترى (فيه) اى في المبيع الربوي (خصوصا بعد العلم) بالعيب (تصرفا دالا على الرضا) منه (بفاقد الوصف المشترط) «المشترط» صفة «الوصف».

و المراد بالوصف المشترط، وصف الصحة (لزم العقد) فلا رد و لا ارش (كما في خيار التدليس بعد التصرف) حيث لا ارش فيه و لا رد.

(نعم التصرف قبل العلم) بالعيب (لا يسقط خيار الشرط) اى شرط الصحة (كما تقدم) لان هذا التصرف ليس رضا بالمعيب فتشمل المقام ادلة ردّ المعيب.

(و اما المانع الثانى) و هو حدوث العيب عند المشترى في الجنس الربوي (فظاهر جماعة كونه) اى العيب الجديد (مانعا فيما نحن فيه من الرد أيضا) كما يمنع العيب الجديد من الرد بالعيب القديم

ص: 221

و هو مبنى على عموم منع العيب الحادث من الردّ حتى في صورة عدم جواز اخذ الارش.

و قد عرفت النظر فيه.

و ذكر في التذكرة وجها آخر لامتناع الرد و هو انه لو ردّ فاما ان يكون مع ارش العيب الحادث.

و اما ان يرد بدونه، فان ردّه بدونه كان ضررا على البائع و ان ردّ مع الارش لزم الربا قال: لان المردود حينئذ

______________________________

(و هو مبنى على عموم) دليل (منع العيب الحادث من الرد حتى في صورة عدم جواز اخذ الارش).

(و) لكن (قد عرفت النظر فيه) اى في الامر السابق حيث قال: «و الاستشكال هنا بلزوم الضرر».

(و ذكر) العلامة (فى التذكرة وجها آخر لامتناع الرد) فيما اذا كان الجنس ربويا، ثم حدث فيه عيب جديد (و هو انه لو ردّ فاما ان يكون مع ارش العيب الحادث) لان العيب الحادث ضرر توجه من المشترى الى البائع.

(و اما ان يرد بدونه) اى بدون الارش (فان ردّه بدونه كان ضررا على البائع) فيشمله دليل: لا ضرر، و لا يشرع الشارع حكما يوجب ضررا على البائع (و ان رد مع الارش لزم الربا) و الربا حرام و حيث ان الرد مستلزم للمحذور على كلا التقديرين، فالشارع لا يحكم بمثل هذا الرد.

و (قال) العلامة- فى بيان لزوم الربا-: (لان المردود حينئذ)

ص: 222

يزيد على وزن عوضه.

و الظاهر ان مراده من ذلك ان رد المعيب لما كان بفسخ المعاوضة و مقتضى المعاوضة بين الصحيح و المعيب من جنس واحد ان لا يضمن وصف الصحة بشي ء، اذ لو جاز ضمانه لجاز اخذ المشترى الارش فيما نحن فيه، فيكون وصف الصحة في كل من العوضين نظير سائر

______________________________

اى حين كان مع الارش (يزيد على وزن عوضه) الّذي هو الثمن، يعنى انه يلزم ان تكون حقة حنطة و دينار- المثمن و الارش- مقابل حقة حنطة- الثمن-.

(و الظاهر ان مراده) اى العلامة (من ذلك) اى من قوله «لان المردود ..» (ان رد المعيب لما كان بفسخ المعاوضة) فالارش المردود، اما ان يكون باعتبار مقابلة وصف الصحة في اصل المعاملة بالعوض فيلزم زيادة المثمن على الثمن في اصل المعاوضة و اما ان يكون باعتبار مقابلة وصف الصحة في الفسخ بالعوض، فيلزم زيادة الثمن على المثمن فى الفسخ، و كلا الامرين ربا محرم (و) ذلك لان (مقتضى المعاوضة بين الصحيح و المعيب من جنس واحد ان لا يضمن وصف الصحة بشي ء) حتى اذا فقد وصف الصحة، لم يوجب الارش (اذ لو جاز ضمانه) اى ضمان وصف الصحة، و «اذا» علة «لا يضمن» (لجاز اخذ المشترى الارش فيما نحن فيه) اى فيما اذا كان المثمن معيبا في الجنس الربوي و الحال انه لا يجوز للمشترى اخذ الارش- حسب الفرض- فلا يضمن وصف الصحة بشي ء (فيكون وصف الصحة في كل من العوضين نظير سائر

ص: 223

الاوصاف غير المضمونة بالمال فاذا حصل الفسخ وجب تراد العوضين من غير زيادة و لا نقيصة.

و لذا يبطل التقايل مع اشتراط الزيادة او النقيصة في احد العوضين، فاذا استرد المشترى الثمن لم يكن عليه الا رد ما قابله لا غير فان رد الى البائع قيمة العيب الحادث عنه كما هو الحكم في غير الربويين اذا حصل العيب عنده لم يكن ذلك الا باعتبار كون ذلك العيب مضمونا عليه

______________________________

الاوصاف غير المضمونة بالمال) الّذي لا يوجب فقده نقص القيمة (فاذا حصل الفسخ) لاجل العيب السابق (وجب تراد العوضين) فقط (من غير زيادة) فى احدهما و هو الّذي تعيب عند المشترى (و لا نقيصة) فى الآخر و هو الثمن فلا ينقص الثمن عن المثمن، بل يرجع المثمن و الثمن فقط.

(و لذا) الّذي ذكرنا من ان اللازم تراد العوضين فقط بلا زيادة و لا نقيصة (يبطل التقايل مع اشتراط الزيادة او النقيصة في احد العوضين) فلا يصح ان يقول البائع للمشترى النادم: ارجع أليك الثمن بشرط ان تجعل شيئا على المثمن عند رده إليّ (فاذا استرد المشترى الثمن لم يكن عليه) اى على المشترى (الا رد ما قابله) من المثمن (لا غير فان ردّ) المشترى (الى البائع قيمة العيب الحادث عنده كما هو الحكم) برد قيمة العيب الحادث عند المشترى (فى غير الربويين اذا حصل العيب عنده) اى عند المشترى- فيما اذا اراد رد المثمن- (لم يكن ذلك) الرد لقيمة العيب الحادث (الا باعتبار كون ذلك العيب مضمونا عليه) اى على المشترى

ص: 224

بجزء من الثمن، فيلزم وقوع الثمن بإزاء مجموع المثمن و وصف صحته فينقص الثمن عن نفس المعيب فيلزم الربا فمراد العلامة ره بلزوم الربا اما لزوم في اصل المعاوضة اذ لو لا ملاحظة جزء من الثمن في مقابلة صفة الصحة لم يكن وجه لغرامة بدل الصفة، و قيمتها عند استرداد الثمن.

و اما لزوم الربا في الفسخ حيث قوبل فيه الثمن

______________________________

(بجزء من الثمن، فيلزم) من رد قيمة العيب (وقوع الثمن) فى حال البيع (بإزاء مجموع المثمن و وصف صحته) و الا فلو لم يكن جزء من الثمن بإزاء الصحة فلما ذا يجب على المشترى رد قيمة العيب.

و عليه (فينقص الثمن عن نفس المعيب) اذ المفروض ان حقة من الحنطة- الثمن- واقع في قبال نصف حقة من الحنطة- المثمن-.

و لذا يلزم ان يضم المشترى الى الثمن دينارا- مثلا- ليساوى حق البائع (فيلزم الربا).

و على هذا (فمراد العلامة ره بلزوم الربا، اما لزوم في اصل المعاوضة) و ذلك لان «الحقة» مع «وصف الصحة» قوبلت «بحقة الثمن» فالثمن صار ازيد من المثمن (اذ لو لا ملاحظة جزء من الثمن في مقابلة صفة الصحة لم يكن وجه لغرامة بدل الصفة، و قيمتها) اى قيمة الصفة- عطف بيان ل «بدل»- (عند استرداد الثمن) فان صفة الصحة اذا كانت ذات قيمة عند الفسخ، كانت من باب انها ذات قيمة عند البيع.

(و اما لزوم الربا في الفسخ) و ذلك لان المثمن و الدينار قوبلا بالثمن فالمثمن صار ازيد من الثمن (حيث قوبل فيه) اى في الفسخ (الثمن

ص: 225

بمقداره من المثمن و زيادة و الاول اولى.

و مما ذكرنا ظهر ما في تصحيح هذا بان قيمة العيب الحادث غرامة لما فات في يده مضمونا عليه، نظير المقبوض بالسوم اذا حدث فيه العيب فلا ينضم الى المثمن حتى يصير ازيد من الثمن.

______________________________

بمقداره من المثمن و زيادة) «و زيادة» عطف على «المثمن» (و الاول) اى لزوم الربا في اصل المعاوضة (اولى) بمراد العلامة.

اذ لزوم الربا في الفسخ لا مانع منه، فان الدليل دلّ على حرمة الربا فى المعاوضة و في القرض، اما الربا في الفسخ فلم يدل الدليل على حرمته.

(و مما ذكرنا) من انه يلزم الربا اما في اصل المعاوضة او في الفسخ- اذا ردّ المشترى المثمن مع قيمة العيب- (ظهر ما) اى ظهر الاشكال (فى تصحيح هذا) اى في تصحيح ردّ قيمة العيب- تصحيحا بحيث لا يلزم ربا لا في اصل المعاوضة و لا في الفسخ- (بان قيمة العيب الحادث) «بان» بيان «التصحيح» (غرامة) شرعيّة (لما فات في يده) اى يد المشترى من الصحة في حالكون ما فات (مضمونا عليه، نظير المقبوض بالسوم) فان الانسان اذا قبض المتاع بقصد ان يشتريه، ثم تلف في يده قبل الاشتراء، كان ضامنا للبائع (اذا حدث فيه العيب) فان هذا الضمان غرامة شرعية، و ليس من باب انه جزء من الثمن او المثمن.

و على هذا (فلا ينضم) ما يعطيه المشترى الى البائع عند الفسخ من الغرامة (الى المثمن حتى يصير ازيد من الثمن) و يلزم الربا في الفسخ.

ص: 226

اذ فيه وضوح الفرق فان المقبوض بالسوم انما يتلف في ملك مالكه فيضمنه القابض.

و العيب الحادث في المبيع لا يتصور ضمان المشترى له الا بعد تقدير رجوع العين في ملك البائع، و تلف وصف الصحة منه في يد المشترى فاذا فرض ان صفة الصحة لا يقابل بجزء من المال في عقد المعاوضة الربوية فيكون تلفها في يد المشترى كنسيان العبد الكتابة لا يستحق

______________________________

(اذ) وجه قوله: «ظهر» (فيه وضوح الفرق) بين المقبوض بالسوم و بين ما نحن فيه، و الفارق هو ان «المقبوض بالسوم» مضمون على الآخذ فاذا تلف وجب عليه ان يعطى الغرامة.

اما ما نحن فيه فالمثمن وصل بيد المشترى مقابل الثمن- و وصف الصحة لا قيمة له- فاذا استرجع المشترى ثمنه ليس عليه الا ان يرد نفس المثمن فقط، فانه لم يتلف في يد المشترى الا وصف الصحة، و قد عرفت انه لا قيمة له، فلما ذا يجب على المشترى ان يرد ارش الصحة (فان المقبوض بالسوم انما يتلف في ملك مالكه فيضمنه القابض) لقاعدة على اليد.

(و) اما (العيب الحادث في المبيع) الربوي- فيما نحن فيه- ف (لا يتصور ضمان المشترى له) اى لهذا العيب (الا بعد تقدير) الفسخ و (رجوع العين في ملك البائع، و تلف) عطف على «رجوع» (وصف الصحة منه) اى من المثمن (فى يد المشترى، فاذا فرض ان صفة الصحة لا يقابل بجزء من المال في عقد المعاوضة الربوية فيكون) فقوله «يكون» جواب «اذا» (تلفها في يد المشترى كنسيان العبد الكتابة) ف (لا يستحق

ص: 227

البائع عند الفسخ قيمتها.

و الحاصل ان البائع لا يستحق من المشترى الا ما وقع مقابلا بالثمن و هو نفس المثمن من دون اعتبار صحته جزء، فكانه باع عبدا كاتبا فقبضه المشترى ثم فسخ او تفاسخا بعد نسيان العبد الكتابة.

نعم هذا يصح في غير الربويين لان وصف الصحة فيه يقابل بجزء من الثمن

______________________________

البائع عند الفسخ قيمتها) اى قيمة صفة الصحة المفقودة.

(و الحاصل) فالفارق بين ما نحن فيه و بين المقبوض بالسوم (ان البائع) فيما نحن فيه (لا يستحق من المشترى الا ما وقع مقابلا بالثمن، و هو) اى المقابل للثمن (نفس المثمن من دون اعتبار صحته) اى صحة المثمن (جزء) من المثمن حتى يكون الثمن في مقابل ذات المثمن و صحته (فكانه) اى فكان مقامنا هذا من قبيل ما لو (باع) البائع (عبدا كاتبا فقبضه المشترى ثم فسخ) احدهما (او تفاسخا بعد نسيان العبد الكتابة) فانه لا يرجع البائع الى المشترى بارش النسيان و فيما نحن فيه اذا عاب المثمن فى الربوي- لا يرجع البائع الى المشترى بثمن العيب، بعد انفساخ البيع.

(نعم هذا) اى رجوع البائع الى المشترى بقيمة الصحة- التى فقدت عند المشترى- (يصح في غير الربويين).

و ذلك (لان وصف الصحة فيه) اى في غير الربويين (يقابل بجزء من الثمن) فاذا فقدت الصحة كان للبائع ان يأخذ ارشها من المشترى عند

ص: 228

فيرد المشترى قيمة العيب الحادث عنده ليأخذ الثمن المقابل لنفس المبيع مع الصحة.

ثم ان صريح جماعة من الاصحاب عدم الحكم على المشترى بالصبر على المعيب مجانا فيما نحن فيه، فذكروا في تدارك ضرر المشترى وجهين اقتصر في المبسوط على حكايتهما.

احدهما: جواز رد المشترى للمعيب مع غرامة قيمة العيب الحادث لما تقدم إليه الاشارة، من: ان ارش العيب الحادث في يد المشترى

______________________________

الفسخ (فيرد المشترى) الى البائع (قيمة العيب الحادث عنده ليأخذ الثمن المقابل لنفس المبيع مع الصحة) اى الثمن المقابل لشيئين المبيع و الصحة، فاذا كانت الشاة السليمة عشرة و المعيبة ثمانية، فالصحة تقابل باثنين، فاذا فسخ البيع اخذ عشرته التى ثمانية منها تقابل بنفس المبيع و اثنتان منها تقابل بالصحة.

(ثم) بعد ان ذكر الفقهاء ان الجنس الربوي المعيب لا يمكن رده اذا تعيب عند المشترى عيبا جديدا، ف (ان صريح جماعة من الاصحاب عدم الحكم على المشترى بالصبر على المعيب مجانا فيما نحن فيه، فذكروا فى تدارك ضرر المشترى) بالعيب القديم (وجهين، اقتصر في المبسوط على حكايتهما) من دون ان يبين نظره بالنسبة إليهما.

(احدهما: جواز رد المشترى للمعيب مع) اعطائه (غرامة قيمة العيب الحادث) عنده، و انما يصح اعطاء الغرامة، لانه لا يلزم منها الربا (لما تقدم إليه الاشارة، من: ان ارش العيب الحادث في يد المشترى) ليس فى

ص: 229

نظير ارش العيب الحادث في المقبوض بالسّوم في كونها غرامة تالف مضمون على المشترى لا دخل له في العوضين حتى يلزم الربا.

الثانى: ان يفسخ البيع، لتعذر امضائه و الزام المشترى ببدله من غير الجنس معيبا بالعيب القديم، و سليما عن الجديد

______________________________

مقابل وصف الصحة، حتى يلزم الربا، بل هو (نظير ارش العيب الحادث في المقبوض بالسّوم في كونها غرامة تالف مضمون على المشترى) و (لا دخل له) اى للارش (فى العوضين حتى يلزم الربا).

و من المعلوم ان الامر يختلف بالاعتبار، فاعتبار الارش في مقابل الصحة غير اعتبار الارش غرامة شرعية.

(الثانى: ان يفسخ) اصل (البيع، لتعذر امضائه) بلا ارش و لا مع الارش.

اما بلا ارش، فلكونه ضررا على المشترى.

و اما مع الارش فلكونه ربا.

و حيث ان الشارع رفع الضرر، و منع الربا، فلا بد و ان يكون مجيزا الفسخ بدليل الاقتضاء، و ذلك يخصص عموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (و الزام المشترى ببدله) اى ببدل المثمن، لا نفس المثمن في حال كون ذلك البدل (من غير الجنس) اى ان يعطى القيمة لا المثل، فى حالكون الجنس (معيبا بالعيب القديم، و سليما عن) العيب (الجديد) اى يقوم الجنس هكذا ثم يعطى المشترى قيمة مثل هذا الجنس الى البائع و لا يعطى نفس المعيب و لا مثله.

ص: 230

و يجعل بمثابة التالف لامتناع رده بلا ارش و مع الارش.

و اختار في الدروس تبعا للتحرير: الوجه الاول مشيرا الى تضعيف الثانى بقوله: لان تقدير الموجود معدوما خلاف الاصل.

______________________________

اما انه لا يعطى نفس المعيب، لانه ان رده مع الارش لزم الربا، و ان رده بلا ارش لزم الضرر، و لا يرد مثله لانه ان رد المثل الصحيح لزمت الزيادة، و ان رد المثل المعيب بالعيبين، لزم الاشكال المتقدم- الربا او الضرر- و ان رد المثل المعيب بالعيب القديم فقط فذلك متعسر غالبا، و العسر مرفوع شرعا.

اقول: لكن الظاهر ان لفظة «غير» زائدة، فالعبارة الصحيحة «من الجنس» لان المثل يقوم مقام العين، اذا كان المثل ممكنا، و لا تصل النوبة الى القيمة.

و العسر خاص ببعض الموارد فلا يكون دليلا على التنزل الى القيمة مطلقا (و يجعل) المبيع المعيب (بمثابة التالف) فيرجع الى مثله.

و انما كان بمنزلة التالف (لامتناع ردّه بلا ارش) لانه ضرر على البائع (و) لا (مع الارش) لانه ربا، و الممنوع شرعا كالممتنع عقلا.

(و اختار في الدروس تبعا ل) العلامة فى (التحرير: الوجه الاول) و هو رد نفس المعيب مع الغرامة (مشيرا الى تضعيف) الوجه (الثانى بقوله: لان تقدير) المبيع (الموجود معدوما) حتى يكون اللازم اعطاء بدله (خلاف الاصل) اى اصالة لزوم ارجاع نفس المبيع عند الفسخ.

ص: 231

و تبعه المحقق الثانى معللا بان الربا ممنوعة في المعاوضات، لا فى الضمانات، و انه كارش عيب العين المقبوضة بالسوم اذا حدث في يد المستام و ان كانت ربوية.

فكما لا يعد هنا ربا، فكذا لا يعد في صورة النزاع.

اقول قد عرفت الفرق بين ما نحن فيه، و بين ارش عيب المقبوض بالسوم فانه يحدث فى

______________________________

(و تبعه المحقق الثانى معللا بان الربا ممنوعة في المعاوضات) اى البيوع و القروض (لا في الضمانات) و اذا فسخ البيع و ارجع المعيب كان اللازم اعطاء نقصه من باب الضمان، لا من باب المعاوضة، فلا مانع فى مثل هذا الارش (و انه) اى الارش الّذي يعطيه المشترى للمالك فى مقابل عيبه الجديد (كارش عيب العين المقبوضة بالسوم اذا حدث) العيب (فى يد المستام) اى الآخذ بالسوم (و ان كانت) العين المقبوضة بالسوم (ربوية).

(فكما لا يعد) ارش العيب (هنا) فى المقبوض بالسوم (ربا) بل غرامة شرعية (فكذا لا يعد في صورة النزاع) و هو ما اذا تعيب عند المشترى عيبا جديدا، و اراد المشترى ردّه- ان كان الجنس ربويا- فان الارش الّذي يعطيه المشترى في مقابل العيب الجديد لا يعد ربا.

(اقول قد عرفت الفرق) حيث قلنا قبل اسطر «اذ فيه وضوح الفرق ..»

(بين ما نحن فيه، و بين ارش عيب المقبوض بالسوم) فلا يصح تنظير احدهما بالآخر (فانه) اى العيب الموجب للارش في المقبوض بالسوم (يحدث فى

ص: 232

ملك مالكه بيد قابضه، و العيب فيما نحن فيه يحدث في ملك المشترى و لا يقدر في ملك البائع الا بعد فرض رجوع مقابله من الثمن الى المشترى و المفروض عدم المقابلة بين شي ء منه، و بين صحة المبيع.

و منها: تأخير الاخذ بمقتضى الخيار

فان ظاهر الغنية اسقاطه للرد و الارش كليهما، حيث جعل المسقطات خمسة، التبرى، و الرضا بالعيب،

______________________________

ملك مالكه) و لكن (بيد قابضه) فإعطاؤه الارش لا يعد رباء بل هو من باب ضمان: من اتلف، لقاعدة: على اليد ما اخذت، و لسائر ادلة الضمان (و العيب) الجديد (فيما نحن فيه يحدث في ملك المشترى و لا يقدر) كون هذا العيب (فى ملك البائع الا بعد فرض رجوع مقابله من الثمن الى المشترى) فالارش يعطى في مقابل وصف الصحة.

(و) الحال ان (المفروض عدم المقابلة بين شي ء منه) اى من الثمن (و بين) وصف (صحة المبيع) لانه ان كان شي ء من الثمن مقابل وصف الصحة- فى اوّل البيع- لزم زيادة المثمن على الثمن، و ان كان فى مقابل وصف الصحة- حال الفسخ- لزم زيادة الثمن على المثمن، و كلاهما باطل، فتأمل:

(و منها) اى من الامور المسقطة للرد و الارش معا، كما ذكره بعض الاصحاب (تأخير الاخذ بمقتضى الخيار) بعد العلم به (فان ظاهر الغنية اسقاطه للرد و الارش كليهما، حيث جعل) الغنية (المسقطات) لخيار العيب (خمسة، التبرى) من البائع عن كل عيب (و الرضا بالعيب)

ص: 233

و تأخير الرد مع العلم، لانه على الفور بلا خلاف، و لم يذكر في هذه الثلاثة ثبوت الارش.

ثم ذكر حدوث العيب، و قال: ليس له هاهنا الا الارش.

ثم ذكر التصرف و حكم فيه بالارش فان في الحاق الثالث بالاولين فى ترك ذكر الارش فيه، ثم ذكره في الاخيرين و قوله ليس له هاهنا ظهورا في عدم ثبوت الارش بالتأخير.

______________________________

من المشترى، سواء رضى قبل البيع او بعده (و تأخير الرد مع العلم) بالعيب و بان له الرد (لانه) اى الرد (على الفور بلا خلاف، و لم يذكر) الغنية (فى هذه الثلاثة ثبوت الارش).

(ثم ذكر حدوث العيب) عند المشترى، و انه مسقط للرد بالعيب القديم- و هذا رابع المسقطات- (و قال: ليس له) اى للمشترى (هاهنا) فى صورة حدوث عيب جديد (الا الارش).

(ثم ذكر التصرف) اى تصرف المشترى في المبيع المعيب (و حكم فيه بالارش) لانه يسقط الرد بالتصرف.

اما وجه دلالة كلام الغنية على ان التأخير يسقط الرد و الارش معا فلما ذكره المصنف «ره» بقوله: (فان في الحاق الثالث) اى تأخير الرد (بالاولين) اى التبرى و الرضا (فى ترك ذكر الارش فيه) اى في الثالث و قوله «فى ترك» متعلق ب «الحاق» (ثم ذكره) اى الارش (فى الاخيرين) اى حدوث العيب و التصرف (و قوله) اى الغنية: (ليس له هاهنا) الا الارش (ظهورا في عدم ثبوت الارش بالتأخير) اذ لو كان

ص: 234

و هذا احد القولين منسوب الى الشافعى.

و لعله لان التأخير دليل الرضا.

و يرد بعد تسليم الدلالة ان الرضا بمجرده لا يوجب سقوط الارش كما عرفت في التصرف.

نعم سقوط الرد وحده له وجه، كما هو صريح المبسوط و

______________________________

الارش في التأخير كان التأخير ملحقا بالاخيرين لا بالاولين.

و قوله «ظهورا» خبر «فان في الحاق الخ» (و هذا) اى اسقاط التأخير للرد و الارش معا (احد القولين) فى المسألة، و هو (منسوب الى الشافعى).

(و لعله) اى وجه اسقاط التأخير للرد و الارش معا (لان التأخير دليل الرضا) بالمعيب، و اذا رضى فلا رد و لا ارش.

(و يرد) هذا الدليل (بعد تسليم الدلالة).

اى أولا: لا نسلم ان التأخير دليل الرضا بالمبيع، اذ يمكن ان يكون التأخير لاجل المشهورة، او التفكر، او الغفلة بعد العلم او ما اشبه ذلك.

و ثانيا نقول: سلمنا ان التأخير دليل الرضا، لكن نقول: (ان الرضا بمجرده لا يوجب سقوط الارش، كما عرفت في التصرف) حيث قلنا: ان التصرف لا يدل على سقوط الارش، و ان رضى بالبيع، اذ السقوط يحتاج الى الابراء و الاسقاط و الرضا ليس باسقاط.

(نعم سقوط الرد وحده) بالتأخير (له وجه، كما هو صريح المبسوط، و

ص: 235

الوسيلة على ما تقدم من عبارتهما في التصرف المسقط و يحتمله أيضا عبارة الغنية المتقدمة بناء على ما تقدم في سائر الخيارات من لزوم الاقتصار فى الخروج عن اصالة اللزوم على المتيقن السالمة عما يدل على التراخى عدا ما في الكفاية من اطلاق الاخبار، و

______________________________

الوسيلة على ما تقدم من عبارتهما في التصرف المسقط) للرد (و يحتمله أيضا عبارة الغنية المتقدمة) بان يريد الغنية ان التأخير مسقط للرد فقط لا للرد و الارش معا.

و ذلك لاحتمال ان الغنية انما هى في مقام تعداد اصل المسقطات لا في مقام بيان ما يسقط بالمسقطات.

ثم انه: انما قلنا «له وجه» (بناء على ما تقدم في سائر الخيارات من لزوم الاقتصار في الخروج عن اصالة اللزوم) اى لزوم العقد (على) القدر (المتيقن) خروجه «على» متعلق ب «الاقتصار» و المتيقن هو فورية الخيار.

و الحاصل: ان الاصل لزوم العقد، خرج من هذا الاصل- فيما اذا كان الشي ء معيبا- ان اخذ بالخيار فورا، فان لم يأخذ بالخيار فورا كان البيع داخلا في كلى اصالة اللزوم، فلا حق له في الرد (السالمة) اى تلك الاصالة (عما يدل على التراخى) اى لا مخصص للاصالة، يدل ذلك المخصص على التراخى (عدا ما في الكفاية) للسبزوارى (من اطلاق الاخبار) اى اخبار خيار العيب فانها مطلقة تدل على ان المشترى له الخيار سواء اخذ بالخيار فورا او تراخيا، و بإطلاق الاخبار نخصص اصالة اللزوم (و

ص: 236

خصوص بعضها.

و فيه: ان الاطلاق في مقام بيان اصل الخيار.

و اما الخبر الخاص فلم اقف عليه.

و حينئذ فالقول بالفور وفاقا لمن تقدم للاصل لا يخلو عن قوة مع ما تقدم من نفى الخلاف في الغنية في كونه على الفور، و لا يعارضه ما فى المسالك و الحدائق من انه لا نعرف فيه خلافا، لانا عرفناه.

______________________________

خصوص بعضها) كمرسلة جميل الدالة على ان المشترى يحق له الرد بمجرد كون الشي ء قائما بعينه، فتشمل صورتى الرد فورا و متراخيا.

(و فيه: ان الاطلاق في مقام بيان اصل الخيار) فليس للاخبار اطلاق له من جهة الفور و التراخى لعدم تمامية مقدمات الحكمة، لكن الانصاف ان العرف يفهم من الاخبار الاطلاق.

(و اما الخبر الخاص) الدال على جواز التراخى (فلم اقف عليه) و مرسلة جميل لا دلالة لها الا بالإطلاق.

(و حينئذ) فحيث لا دليل على التراخى (فالقول بالفور وفاقا لمن تقدم) كالمبسوط و الوسيلة (للاصل) اى لاصل اللزوم (لا يخلو عن قوة) لكن فيه ما تقدم (مع ما تقدم من نفى الخلاف في الغنية في كونه على الفور و لا يعارضه) اى نفى خلاف الغنية (ما في المسالك و الحدائق من انه لا نعرف فيه خلافا) اى في جواز التأخير (لانا عرفناه) عن الغنية، و ظاهر المبسوط، و الوسيلة.

ص: 237

و لذا جعله في التذكرة اقرب.

و كذا ما في الكفاية من عدم الخلاف، لوجود الخلاف.

نعم في الرياض: انه ظاهر اصحابنا المتأخرين كافة.

و التحقيق رجوع المسألة الى اعتبار الاستصحاب في مثل هذا المقام و عدمه.

و لذا

______________________________

(و لذا) الّذي يوجب الخلاف في مسئلة جواز التراخى (جعله) اى التأخير (فى التذكرة اقرب) مما يدل على ان هناك قولين، فلو صح كلام المسالك و الحدائق، لم يكن وجه لقول التذكرة «انه اقرب» بل اللازم ان يفتى بجواز التأخير جزما.

(و كذا) لا يعارضه (ما في الكفاية) و هذا عطف على «ما في المسالك و الحدائق» (من عدم الخلاف) فى جواز التأخير.

و انما لا يعارضه (لوجود الخلاف) عن الغنية و المبسوط و الوسيلة.

(نعم في الرياض: انه) اى جواز التأخير (ظاهر اصحابنا المتأخرين كافة) فلا خلاف في مسألة جواز التأخير بين المتأخرين.

(و التحقيق) فى انه هل يجوز تأخير الخيار، أم لا؟ (رجوع المسألة الى اعتبار الاستصحاب في مثل هذا المقام) بان يقال: ان المشترى كان له الخيار في الآن الاول، فاذا شككنا في انه بقى خياره، أم لا، كان الاصل بقاء خياره (و عدمه) بتبدل الموضوع اذ الفور غير التراخى.

(و لذا) الّذي ذكرنا من ان التحقيق رجوع المسألة الى اعتبار

ص: 238

لم يتمسك في التذكرة للتراخى الا به و الا فلا يحصل من فتوى الاصحاب الا الشهرة بين المتأخرين المستندة الى الاستصحاب و لا اعتبار بمثلها و ان قلنا بحجية الشهرة او حكاية نفى الخلاف من باب مطلق الظن لعدم الظن كما لا يخفى

______________________________

الاستصحاب و عدمه (لم يتمسك في التذكرة للتراخى الا به) اى بالاستصحاب (و الا) يكن الاستصحاب مدركا في جواز التراخى لم يبق مدرك آخر، (ف) انه لا يبقى الا الشهرة بين المتأخرين، و الظن الناشئ من: لا خلاف، المذكور في المسالك و الحدائق- من باب حجية مطلق الظن- و كلاهما لا يصلحان مستندا لجواز التراخى-.

اذ (لا يحصل من فتوى الاصحاب الا الشهرة بين المتأخرين) الّذي ذكره الرياض- اذ قد عرفت اختلاف القدماء- (المستندة) تلك الشهرة (الى الاستصحاب) بقرينة ذكر التذكرة للاستصحاب (و لا اعتبار بمثلها) اى بالشهرة المستندة الى الدليل، فحينئذ يكون ذلك الدليل هو المستند لا الشهرة، بل ذكروا ان الاجماع المحتمل الاستناد ليس بحجة (و ان قلنا بحجية الشهرة) فى نفسها «ان» وصلية (او حكاية نفى الخلاف) عطف على «الشهرة» اى بحجية نفى الخلاف (من باب مطلق الظن) «من» متعلق «بحجية».

و انما قلنا «لا اعتبار بمثلها» (لعدم الظن) فيما اذا كان المستند للشهرة و نفى الخلاف معلوما- كما في ما نحن فيه- حيث ان مستندهم فى جواز التراخى «الاستصحاب» (كما لا يخفى).

ص: 239

و اللّه العالم.

______________________________

و لكن الانصاف انه لم يوجد في الفور قول صريح الا في الغنية، و فى قباله دعوى عدم الخلاف، و الاتفاق- كما في الجواهر- و الشهرة، و فتاوى الاصحاب، بالإضافة الى الاطلاق و الاستصحاب، فالقول بالتراخى متعين (و اللّه العالم) بحقائق الاحكام.

ص: 240

مسألة [هل يجب الإعلام بالعيب]

قال في المبسوط: من باع شيئا فيه عيب لم يبينه فعل محظورا، و كان المشترى بالخيار، انتهى.

و مثله ما عن الخلاف، و في موضع آخر من المبسوط وجب عليه ان يبينه و لا يكتمه، او يتبرأ إليه من العيوب، و الاول احوط.

و نحوه عن فقه الراوندى.

و مثلهما ما في التحرير، و زاد الاستدلال عليه

______________________________

(مسألة: قال في المبسوط: من باع شيئا فيه عيب) و (لم يبينه) مع علمه بالعيب (فعل محظورا) اى حراما (و كان المشترى بالخيار) ان شاء امسك، و ان شاء ردّ (انتهى).

(و مثله ما عن الخلاف، و في موضع آخر من المبسوط وجب عليه ان يبينه و لا يكتمه).

و الظاهر ان الكتمان شي ء، و عدم البيان شي ء آخر، فانه ربما لا يكتمه و لكن لا يبينه أيضا (او يتبرأ إليه) اى الى المشترى، و «او» عطف على «ان» (من العيوب، و الاول احوط) لاحتمال ان يكون التبرى موجبا للغرر المنهى عنه بقوله عليه السلام: نهى النبي صلى اللّه عليه و آله عن الغرر.

(و نحوه عن فقه الراوندى).

(و مثلهما ما في التحرير، و زاد الاستدلال عليه) اى على اصل

ص: 241

بقوله: لئلا يكون غاشا.

و ظاهر ذلك كله عدم الفرق بين العيب الجلى و الخفى و صريح التذكرة و السرائر كظاهر الشرائع الاستحباب مطلقا، و ظاهر جماعة التفصيل بين العيب الخفى و الجلى، فيجب في الاول مطلقا كما هو ظاهر جماعة او مع عدم التبرى كما في الدروس.

فالمحصل من ظاهر كلماتهم خمسة اقوال

______________________________

الفتوى بالتحريم (بقوله: لئلا يكون غاشا) و الغش حرام بالنص و الاجماع

(و ظاهر ذلك كله عدم الفرق بين العيب الجلى و الخفى) فالجليّ كالثقبة الواضحة في القماش، و الخفى كالوهن الّذي لا يعرف الا بالاستعمال في القماش (و صريح التذكرة و السرائر كظاهر الشرائع الاستحباب) لبيان العيب (مطلقا) خفيا كان العيب او جليا (و ظاهر جماعة التفصيل) الى قولين.

الاول: التفصيل (بين العيب الخفى و الجلى، فيجب في الاول) اى الخفى البيان (مطلقا) سواء تبرأ، أم لا (كما هو ظاهر جماعة) و لا يجب فى الجلى (او) القول الثانى: انه يجب البيان في الخفى (مع عدم التبرى كما في الدروس) اما مع جلاء العيب او التبرى فلا يجب البيان.

(فالمحصل من ظاهر كلماتهم خمسة اقوال):

الاول: وجوب الاعلام مطلقا.

الثانى: وجوب الاعلام مع عدم التبرى.

الثالث: استحباب الاعلام مطلقا.

ص: 242

و الظاهر ابتناء الكل على دعوى صدق الغش و عدمه.

و الّذي يظهر من ملاحظة العرف و اللغة في معنى الغش ان كتمان العيب الخفى، و هو الّذي لا يظهر بمجرد الاختبار المتعارف قبل البيع، غش، فان الغش كما يظهر من اللغة خلاف النصح.

______________________________

الرابع: وجوب الاعلام في الخفى مطلقا- و لو تبرأ- و لا يجب فى الجلى.

و الخامس: وجوب الاعلام في الخفى اذا لم يتبرأ، و لا يجب فى الجلى.

(و الظاهر ابتناء الكل على دعوى صدق الغش و عدمه) فمن يدعى انه غش مطلقا، يقول بوجوب الاعلام مطلقا.

و من يدعى انه ليس بغش مطلقا يقول بعدم وجوبه مطلقا- بل استحبابه-.

و من يرى انه غش في بعض الصور دون بعض، يقول بوجوب الاعلام فى صورة انه غش، دون صورة ما اذا لم يكن غشا.

(و الّذي يظهر من ملاحظة العرف و اللغة في معنى الغش) الّذي علق عليه النهى في النص و الفتوى (ان كتمان العيب الخفى، و هو الّذي لا يظهر بمجرد الاختبار المتعارف قبل البيع) «قبل» متعلق ب «المتعارف» فان المتعارف قبل البيع اختبار الشي ء قليلا.

فقوله: (غش) خبر «ان كتمان» (فان الغش كما يظهر من اللغة خلاف النصح) و الّذي يخفى عيب متاعه بنحو لا يظهر للمشترى لا شك فى

ص: 243

اما العيب الظاهر فالظاهر ان ترك اظهاره ليس غشا.

نعم لو اظهر سلامته عنه على وجه يعتمد عليه كما اذا فتح قرآنا بين يدى العبد الاعمى- مظهرا انه بصير يقرأ- فاعتمد المشترى على ذلك و اهمل اختباره كان غشا.

قال: فى التذكرة في رد استدلال الشافعى- على وجوب اظهار العيب

______________________________

انه لم ينصح، فهو غاش.

(اما العيب الظاهر فالظاهر) من مراجعة العرف في تطبيق كلى الغش على مصاديقه (ان ترك اظهاره ليس غشا) و لذا نرى العرف يوجهون اللوم للمشترى في مثله، لا للبائع.

(نعم لو اظهر) البائع (سلامته) اى المبيع (عنه) اى عن العيب الظاهر (على وجه يعتمد عليه) اى على ذلك الاظهار، مما يوجب عدم الاختبار (كما اذا فتح قرآنا بين يدى العبد الاعمى- مظهرا انه بصير يقرأ- فاعتمد المشترى على ذلك) الظاهر الخادع (و اهمل اختباره كان غشا) فالغش قد يكون لخفاء العيب، و قد يكون لصرف المشترى عن معرفة العيب الظاهر.

و لعله ترشد الى القسمين صحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام: انه سئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض، و بعضه اجود من بعض قال عليه السلام اذا رؤيا جميعا فلا بأس ما لم يغط الجيد الردي ء.

(قال: فى التذكرة في رد استدلال الشافعى- على وجوب اظهار العيب

ص: 244

مطلقا- بالغش ان الغش ممنوع، بل يثبت في كتمان العيب بعد سؤال المشترى و تبيّنه و التقصير في ذلك من المشترى انتهى.

و يمكن ان يحمل بقرينة ذكر التقصير على العيب الظاهر كما انه يمكن حمل عبارة التحرير المتقدمة المشتملة على لفظ الكتمان، و على الاستدلال بالغش على العيب الخفى، بل هذا الجمع ممكن فى

______________________________

مطلقا-) جليا كان او خفيا (بالغش) متعلق «بالاستدلال» (ان الغش ممنوع) هذا استدلال العلامة (بل) الغش انما (يثبت في كتمان) البائع (العيب بعد سؤال المشترى و تبيّنه) اى فحصه (و التقصير في ذلك من المشترى).

قوله «و التقصير» مبتدأ اى ان التقصير في عدم الالتفات الى العيب الظاهر انما هو من المشترى، فلا يكون غشا من البائع، و لذا فاطلاق الشافعى «ان عدم الاظهار مطلقا غش» غير تام (انتهى).

(و يمكن ان يحمل) كلام العلامة: (بقرينة ذكر التقصير على العيب الظاهر) اذ لو كان العيب خفيا لم يكن تقصير من المشترى (كما انه يمكن حمل عبارة) العلامة فى (التحرير المتقدمة المشتملة على لفظ الكتمان، و على الاستدلال بالغش على العيب الخفى) اذ في العيب الظاهر لا يسمى كتمانا، كما ان في العيب الظاهر لا يسمى غشا.

و على هذا فلا منافات بين كلامى العلامة في التذكرة و التحرير (بل هذا الجمع) الّذي ذكرناه بين كلامى العلامة، من حمل نفى الغش على العيب الظاهر، و حمل وجود الغش على العيب الخفى (ممكن فى

ص: 245

كلمات الاصحاب مطلقا و من اقوى الشواهد على ذلك انه حكى عن موضع من السرائر: ان كتمان العيوب مع العلم بها حرام محظور بغير خلاف مع ما تقدم من نسبة الاستحباب إليه، فلاحظ

ثم التبرى من العيوب هل يسقط وجوب الاعلام في مورده- كما عن المشهور- أم لا؟ فيه اشكال نشأ من دعوى صدق الغش، و من ان لزوم الغش من جهة ظهور اطلاق العقد في التزام البائع بالصحة فاذا

______________________________

كلمات الاصحاب مطلقا) فحمل كلام مثبت الغش، على العيب الخفى، و كلامنا فى الغش، على العيب الخفى (و من اقوى الشواهد على ذلك) الجمع (انه حكى عن موضع من السرائر: ان كتمان) البائع (العيوب مع العلم بها حرام محظور) شرعا (بغير خلاف، مع ما تقدم من نسبة الاستحباب إليه) فلا بد ان يحمل كلامه الاول على العيب الخفى، و كلامه الثانى على العيب الجليّ، و الا لزم التناقض في كلامه، و ذلك في غاية البعد (فلاحظ) كلامه تعرف صدق ما ذكرناه.

(ثم) ان (التبرى من العيوب هل يسقط وجوب الاعلام في مورده) اى مورد وجوب الاعلام (- كما عن المشهور-) كما اذا كان في المبيع عيب خفى، و لكن قال البائع ابيعك و انى متبرئ عن كل عيب فيه و لا يعلم المشترى بالعيوب التى فيه (أم لا) يسقط بل لا بد من ذكر العيوب (فيه اشكال نشأ) الاشكال (من دعوى صدق الغش) و ان تبرأ فلا بد من الاعلام و لا يكفى التبرّى (و من ان لزوم الغش) انما هو (من جهة ظهور اطلاق العقد في التزام البائع بالصحة) «فى» متعلق ب «ظهور» (فاذا

ص: 246

تبرى من العيوب ارتفع الظهور.

او من جهة ادخال البائع للمشترى فيما يكرهه عامدا، و التبرى لا يرفع اعتماد المشترى على اصالة الصحة.

فالتغرير انما هو لترك ما يصرفه عن الاعتماد على الاصل.

و الاحوط الاعلام مطلقا كما تقدم من المبسوط.

______________________________

تبرى) البائع (من العيوب ارتفع الظهور) فلا غش.

(او من جهة) و هذا وجه لعدم صدق الغش فهو دليل ثان للقائل بعدم صدق الغش، و هو عطف على «من جهة» الاول (ادخال البائع للمشترى فيما يكرهه) المشترى ادخالا (عامدا، و التبرى لا يرفع اعتماد المشترى على اصالة الصحة) فالبائع لم يدخله فيما كرهه- بعد ان تبرّأ- بل المشترى هو الّذي ادخل نفسه فيما يكره، لاجل قبوله الاشتراء مع التبرى.

(فالتغرير) من البائع للمشترى الموجب للغش (انما هو لترك) البائع (ما يصرفه) اى يصرف المشترى (عن الاعتماد على الاصل) اى اصالة السلامة، فاذا لم يترك البائع الصارف، بل ذكر الصارف «و هو التبرى» اذ معنى التبرى، انه «لا تعتمد ايها المشترى على الاصل» لم يكن تغرير فلا غش.

(و الاحوط الاعلام مطلقا) فى الجلىّ و الخفىّ، تبرأ، أم لا (كما تقدم من المبسوط).

و لا يخفى ان في بعض نسخ المتن هكذا «و التبرى لا يرفع اعتماد

ص: 247

ثم ان المذكور في جامع المقاصد و المسالك و عن غيرهما: انه ينبغى بطلان البيع في مثل شوب اللبن بالماء لان ما كان من غير الجنس لا يصح العقد فيه و الآخر مجهول الا ان يقال ان جهالة الجزء غير مانعة ان كانت الجملة معلومة، كما لو ضم ماله و مال غيره و باعهما ثم ظهر البعض مستحقا فان البيع لا يبطل في ملكه و ان كان مجهولا قدره وقت العقد انتهى.

______________________________

المشترى»- بزيادة لفظة «لا»-.

لكن بعض النسخ المصححة شطبت على «لا» و هذا عندى اقرب، و لذا شرحت العبارة بدون «لا».

(ثم ان المذكور في جامع المقاصد و المسالك و) المنقول (عن غيرهما انه ينبغى بطلان البيع في مثل شوب اللبن بالماء لان ما كان من غير الجنس) كالماء في المثال (لا يصح العقد فيه) اذ العقد على اللبن، لا على الماء (و الآخر) الّذي يصح العقد فيه و هو اللبن (مجهول) القدر، و بيع المجهول باطل (الا ان يقال ان جهالة الجزء) و هو اللبن (غير مانعة) عن صحة البيع (ان كانت الجملة معلومة) فيكون حال المقام (كما لو ضم ماله و مال غيره و باعهما) صفقة واحدة (ثم ظهر البعض مستحقا) للغير و لم يجز ذلك الغير (فان البيع لا يبطل في ملكه) اى ملك البائع (و ان كان مجهولا قدره وقت العقد) و ذلك لان معلومية الجملة كافية.

اذ ادلة النهى عن بيع المجهول منصرفة عن امثال هذه المقامات (انتهى) كلام جامع المقاصد و المسالك.

ص: 248

اقول الكلام في مزج اللبن بمقدار من الماء يستهلك في اللبن و لا يخرجه عن حقيقته كالملح الزائد في الخبز، فلا وجه للاشكال المذكور.

نعم لو فرض المزج على وجه يوجب تعيب الشي ء من دون ان يستهلك فيه بحيث يخرج عن حقيقته الى حقيقة ذلك الشي ء توجه ما ذكروه في بعض الموارد.

______________________________

(اقول) .. ان بيع اللبن الممزوج على قسمين:

الاول: ان يكون اللبن مستهلكا للماء.

و الثانى: ان لا يكون كذلك.

فان كان (الكلام في مزج اللبن بمقدار من الماء يستهلك في اللبن و لا يخرجه عن حقيقته) العرفية (كالملح الزائد في الخبز) المستهلك فيه (فلا وجه للاشكال المذكور) اذ كل المبيع لبن عرفا- على الفرض-.

(نعم لو فرض المزج على وجه يوجب تعيب الشي ء) و هو اللبن (من دون ان يستهلك) الماء (فيه بحيث يخرج عن حقيقته الى حقيقة ذلك الشي ء) عرفا.

قوله «بحيث» بيان الاستهلاك، اى لم يكن استهلاك حتى يخرج الماء من الحقيقة المائية الى الحقيقة اللبنية (توجه ما ذكروه) من بطلان البيع (فى بعض الموارد) التى كان مقدار اللبن فيه مجهولا، اما اذا كان معلوما لم يبطل البيع، كما لا يخفى.

ص: 249

مسائل: فى اختلاف المتبايعين
اشارة

و هو تارة في موجب الخيار، و اخرى في مسقطه، و ثالثة فى الفسخ.

اما الاول: [الاختلاف في موجب الخيار] ففيه مسائل:
الأولى: لو اختلفا في تعيب المبيع و عدمه مع تعذر ملاحظته لتلف او نحوه، فالقول قول المنكر بيمينه.

______________________________

(مسائل في اختلاف المتبايعين، و هو) اى الاختلاف (تارة فى موجب الخيار، و اخرى في مسقطه) بعد اتفاقهما على اصل الخيار (و ثالثة فى الفسخ) و انه هل فسخ البيع أم لا؟

(اما الاول) و هو الاختلاف في موجب الخيار (ففيه مسائل:

الاولى: لو اختلفا في تعيب المبيع و عدمه) بان قال المشترى انه كان معيبا عند البائع و انكر البائع العيب (مع تعذر ملاحظته) للتحقق من كونه معيبا، اذ لو لم تتعذر ملاحظته لم تكن دعوى (لتلف او نحوه) كإباق العبد و شرود الدابة (فالقول قول المنكر) و هو البائع غالبا (بيمينه) لاصل البينة على المدعى، فاذا لم تكن له بينة كان اللازم حلف المنكر و يكون القول قوله حينئذ، فان لم يحلف المنكر ردّ اليمين الى المدعى على قول، فاذا حلف كان الحق له، و قيل ان مجرد النكول كاف في اعطاء الحق للمدعى، ثم ان لم يأت المدعى بالبينة و لا حلف المنكر و لا استعد المدعى للحلف فيما لو توجه الحلف إليه بقى البيع على لزومه.

ص: 250

الثانية: لو اختلفا في كون الشي ء عيبا و تعذر تبين الحال لفقد اهل الخبرة، كان الحكم كسابقه.

نعم لو علم كونه نقصا كان للمشترى الخيار في الردّ دون الارش لاصالة البراءة.

______________________________

(الثانية: لو اختلفا في كون الشي ء) ككثرة اكل العبد، او نومه، او عدم اكل الدابة المقدار المتعارف مثلا (عيبا) أم لا، فقال المشترى انه عيب فله خيار العيب، و قال البائع انه ليس بعيب (و تعذر تبين الحال لفقد اهل الخبرة) او اختلافهم (كان الحكم كسابقه) فيلزم ان يأتى من يدعى انه عيب بالبينة، فان لم تكن بيّنة يحلف المنكر، الى آخر ما ذكرناه هناك.

(نعم لو علم) من الخارج او باتفاقهما (كونه نقصا) و ان لم يكن عيبا كالخصاء في العبد- على ما تقدم- (كان للمشترى الخيار في الردّ دون الارش) لانه نقص يمكن معه الرد.

اما كونه عيبا يوجب تفاوت القيمة فلم يثبت (لاصالة البراءة) اى براءة ذمة البائع عن الارش، و هذا علة قوله «دون الارش».

و لو اختلفا في كمية العيب في ان عينه الواحدة عمياء أم عينيه، او فى كيفية العيب في ان عينه هل ترى نصف المتعارف او ربعه، او فى مكان العيب بان يده اليمنى شلاء أم اليسرى.

ففى الاول كان الاصل مع مدعى الاقل.

و في الثانى ان عدّ الكيفان- عرفا- مراتب كان الاصل مع مدعى

ص: 251

الثالثة: لو اختلفا في حدوث العيب في ضمان البائع او تأخره عن ذلك،
اشارة

بان حدث بعد القبض و انقضاء الخيار، كان القول قول منكر تقدمه للاصل حتى لو علم تاريخ الحدوث و جهل تاريخ العقد، لان اصالة عدم العقد حين حدوث العيب لا يثبت وقوع العقد على المعيب.

و عن المختلف: انه حكى عن ابن الجنيد انه ان ادعى البائع ان العيب

______________________________

المرتبة النازلة، و ان عدا متباينين كان كالثالث من اصالة عدم ما يدعيه المشترى.

(الثالثة: لو اختلفا في حدوث العيب في ضمان البائع) فى انه هل كان قبل العقد، او قبل القبض، او في زمن الخيار؟ (او تأخره عن ذلك) اى عن وقت ضمان البائع (بان حدث) العيب (بعد القبض و انقضاء الخيار) فهو من مال المشترى (كان القول قول منكر تقدمه للاصل) اى لاصالة عدم تقدم العيب (حتى لو علم تاريخ الحدوث) كيوم الجمعة (و جهل تاريخ العقد) هل انه كان في يوم الخميس او يوم السبت.

فانه ربما يتوهم انه في هذه الصورة يكون القول قول من يثبت تقدم العيب على العقد، لاستصحاب عدم العقد الى ما بعد حدوث العيب.

و لكن فيه نظر (لان اصالة عدم العقد حين حدوث العيب لا يثبت وقوع العقد على المعيب) اذ الاصل مثبت و هو ليس بحجة كما قرر فى الاصول، و الواسطة ليست خفية بل جلية.

(و عن المختلف: انه حكى عن ابن الجنيد انه ان ادعى البائع ان العيب

ص: 252

حدث عند المشترى، حلف المشترى ان كان منكرا، انتهى.

و لعله لاصالة عدم تسليم البائع العين الى المشترى على الوجه المقصود، و عدم استحقاقه الثمن كلّا، و عدم لزوم العقد نظير ما اذا ادعى البائع تغير العين عند المشترى و انكر المشترى.

______________________________

حدث عند المشترى) فليس للمشترى الخيار (حلف المشترى ان كان منكرا انتهى) لحدوث العيب عنده، و هذا عكس ما ذكرناه، لانه جعل البائع مدعيا و المشترى منكرا، مع ان تعريف المدعى و المنكر ينطبق على المشترى و البائع، فان المنكر من اذا ترك ترك، و هذا حال المشترى لانه يريد الاخذ بالخيار، فاذا ترك المشترى و البائع ترك و ليس كذلك البائع.

(و لعله) اى لعل الوجه لكلام ابن الجنيد انه تصور الدعوى على وجه آخر غير الوجه الّذي ذكرناه.

فان الوجه الّذي ذكرناه نحن هو ان المشترى يدعى تقدم العيب و البائع ينكره، لكنه تصور بان البائع يدعى انه سلّم العين كاملة الى المشترى، و المشترى ينكر ذلك (لاصالة عدم تسليم البائع العين الى المشترى على الوجه المقصود) الّذي هو بلا عيب (و) اصالة (عدم استحقاقه الثمن كلّا) فالمشترى سلّم بعض الثمن- باستثناء قدر الارش الى البائع، فلما طالبه البائع بالبقية انكره المشترى، فاذا ترك البائع ترك (و) اصالة (عدم لزوم العقد) فيما اذا اراد المشترى الفسخ (نظير ما اذا ادعى البائع تغير العين عند المشترى و انكر المشترى)

ص: 253

و قد تقدم في محله هذا اذا لم تشهد القرينة القطعية مما لا يمكن عادة حصوله بعد وقت ضمان المشترى او تقدمه عليه، و الا عمل عليها من غير يمين.

قال في التذكرة: و لو اقام احدهما بينة عمل بها، ثم قال و لو اقاما

______________________________

ذلك التغير لكن لا يخفى الاشكال في هذا التقرير، و الا لامكن جعل كل مدع منكرا او بالعكس (و قد تقدم في محله) فساد التمسك بهذه الاصول الثلاثة، و ان الاصل الجارى في المسألة هو اصالة لزوم العقد و اصالة عدم تقدم العيب (هذا) كله فيما اذا ادعى المشترى تقدم العيب فالاصل عدمه (اذا لم تشهد القرينة القطعية مما لا يمكن عادة حصوله) اى العيب (بعد وقت ضمان المشترى او تقدمه عليه) اى على وقت ضمان المشترى (و الا) فاذا شهدت القرينة القطعية على تقدمه على الضمان او تأخره عنه (عمل عليها من غير يمين) لان الشهود و اليمين انما تقبل فيما اذا لم يعلم صدق احدهما فاذا علم الصدق بالقرينة كان الحق مع من شهدت له القرينة.

مثلا: اشترى عبدا و بعد يوم ظهر فيه السلّ، فانه على البائع اذ السلّ لا يحدث في يوم واحد بحيث تظهر آثاره، او حدث فيه كسر ظهر بحيث لا يتمكن من المشى و قد كان وقت البيع و القبض يمشى، فانه دليل على تأخر الكسر عن البيع و القبض.

(قال في التذكرة) فرعا جديدا (و لو اقام احدهما بينة عمل بها) مما يظهر منه كفاية بينة المنكر عن اليمين (ثم قال) العلامة (و لو اقاما) كلاهما

ص: 254

بينة عمل ببينة المشترى لان القول قول البائع، لانه ينكر، فالبينة على المشترى.

و هذا منه مبنى على سقوط اليمين عن المنكر باقامة البينة.

و فيه كلام في محله

______________________________

(بينة عمل ببينة المشترى) فانه هو المدعى، و الشرع ينظر أولا في بينة المدعى (لان القول) بدون البينة (قول البائع، لانه ينكر) العيب (فالبينة على المشترى) كما انه اذا وصل الامر الى الحلف و حلف كلاهما عمل بحلف البائع لانه المطلوب بالحلف اذا لم تكن بينة.

(و هذا) الّذي ذكره العلامة من قبول بينة البائع- اذا لم يكن للمشترى بينة- (منه) اى من العلامة ره (مبنى على سقوط اليمين عن المنكر باقامة البينة) و كانه لاجل ان يمين المنكر من باب البدل، لا انه اصل، فاذا جاء المبدل منه- و هو البينة- سقط البدل.

(و فيه كلام في محله) من كتاب القضاء.

و حاصله ان وظيفة المنكر ليست الا اليمين، لما ورد من ان البينة على المدعى و اليمين على من انكر.

فالتفصيل يظهر منه ان اليمين هو الاصل في المنكسر- لا انه بدل عن البينة- كما ان البينة هى الاصل في المدعى.

و يؤيد ذلك بعض الروايات كخبر منصور عن الصادق عليه السلام، قلت له: رجل في يده شاة، فجاء رجل و ادعاها، و اقام البينة العدول انها ولدت له عنده لم يبع و لم يهب قال ابو عبد اللّه عليه السلام: حقها

ص: 255

و ان كان لا يخلو عن قوة.

و اذا حلف البائع فلا بد من حلفه على عدم تقدم العيب، او نفى استحقاق الرد او الارش

______________________________

للمدعى، و لا اقبل من الّذي هى في يده بينة لان اللّه عز و جل امر ان تطلب البينة من المدعى، فان كانت له بينة، و الا فيمين الّذي هو في يده هكذا امر اللّه عز و جل.

فهذا الكلام (و ان كان لا يخلو عن قوة) لجملة من الروايات المطلقة و الخاصة الدالة على ان من اقام البينة قبلت منه و ان كان المنكر- كما ذكرها المستند و الجواهر و غيرهما- و لذا ذهب العلامة و الشهيد و غيرهما الى قبول البينة من المنكر.

نعم اذا تعارضت البينتان قدم ما للمدعى على تفصيل تجده في كتاب القضاء فراجع.

(و اذا) اراد البائع ان يحلف فهو اما ان يعلم بحالة المبيع و انه لم يكن معيبا عند البيع و القبض فحينئذ يحلف على عدم العيب حال البيع و القبض.

و اما ان لا يعلم بحالة المبيع، و انما اعتمد على اصالة السلامة، فحينئذ يحلف على عدم العلم بالعيب، و الحلف على عدم العيب اعتمادا على اصالة السلامة ففيه نظر.

فاذا (حلف البائع فلا بد من حلفه على عدم تقدم العيب) على البيع و القبض (او) على (نفى استحقاق) المشترى (الرد او الارش) و هذا

ص: 256

ان كان قد اختبر المبيع، و اطلع على خفايا امره كما يشهد بالاعسار و العدالة و غيرهما ممّا يكتفى فيه بالاختبار الظاهر.

و لو لم يختبر، ففى جواز الاستناد في ذلك الى اصالة عدمه اذا شك فى ذلك وجه احتمله في جامع المقاصد.

و حكى عن جماعة كما

______________________________

معلول لعدم تقدم العيب، فالحلف اما على العلة، و اما على المعلول (ان كان قد اختبر) البائع (المبيع، و اطلع على خفايا امره) و علم انه لم يكن فيه عيب حال البيع و القبض، فيشهد بسلامته حتى عن العيوب الخفية، اما العيوب الظاهرة فتعرف بادنى التفات (كما يشهد بالاعسار و العدالة و غيرهما) كالجبن و الشجاعة من الصفات النفسية الخفية، التى تعرف غالبا بآثارها (ممّا يكتفى فيه بالاختبار الظاهر) و لو انسد باب الظاهر في امثال هذه الامور لم يكن طريق إليها اطلاقا الا بعلم الغيب

(و لو لم يختبر، ففى جواز الاستناد في ذلك) اى في الحلف على عدم تقدم العيب (الى اصالة عدمه) اى عدم العيب (اذا شك في ذلك) اى في انه هل كان معيبا قبل القبض، أم لا؟ (وجه احتمله في جامع المقاصد) مقابل الوجه الآخر الّذي هو الحلف على عدم العلم بالعيب.

اذ كيف يمكن الحلف على عدم العيب و هو شاك في انه هل كان معيبا، أم لا؟.

(و) لكن القول بالحلف على نفى العيب (حكى عن جماعة) قالوا: و لا بأس بذلك لان الاصل الّذي هو مستنده في الحلف دليل شرعى (كما

ص: 257

يحلف على طهارة البيع استنادا الى الاصل.

و يمكن الفرق بين الطهارة و بين ما نحن فيه بان المراد بالطهارة فى استعمال المتشرعة ما يعم غير معلوم النجاسة، لا الطاهر الواقعى، كما ان المراد بالملكية و الزوجية ما استند الى سبب شرعى ظاهرى.

______________________________

يحلف على طهارة البيع استنادا الى الاصل) و يحلف على انه ملكه استنادا الى يد البائع الّذي اشتراه منه، او الى سوق المسلمين، او ما اشبه، مع انه لا يعلم علما قاطعا بان الشي ء طاهر واقعا و ان المال له واقعا.

(و) لكن الانصاف ان الحلف على عدم العيب استنادا الى اصل السلامة مشكل، و تنظير المسألة بباب الطهارة و الملكية غير تام.

و ذلك لانه (يمكن الفرق بين الطهارة و بين ما نحن فيه بان) الطهارة و الملكية و الزوجية و ما اشبه لها مرتبتان، مرتبة الواقع، و مرتبة الظاهر، و الّذي يمكن الحلف عليه بالقطع استنادا الى الاصل هو الظاهر و لذا لا يقدر ان يحلف انه طاهر واقعا، او ملك او زوجة واقعا، بخلاف ما نحن فيه فان العيب ليس على قسمين، عيب ظاهر و عيب واقع حتى يقال انه يحلف على المرتبة الظاهرية من العيب.

ف (المراد بالطهارة في استعمال المتشرعة) التى يحلف عليها استنادا الى الاصل (ما يعم غير معلوم النجاسة، لا الطاهر الواقعى) فهو يحلف على خصوص الظاهرى، او على الاعم (كما ان المراد بالملكية و الزوجية ما استند الى سبب شرعى ظاهرى) فالحلف على الاعم، او على

ص: 258

كما تدل عليه رواية جعفر الواردة في جواز الحلف على ملكية ما اخذ من يد المسلمين.

و في التذكرة- بعد ما حكى عن بعض الشافعية جواز الاعتماد على اصالة السلامة في هذه الصورة- قال: و عندى فيه نظر اقربه الاكتفاء بالحلف على نفى العلم و استحسنه في المسالك، قال

______________________________

خصوص الظاهرى (كما تدل عليه) اى على ان المراد بالملكية ما استند الى سبب ظاهرى (رواية جعفر الواردة في جواز الحلف على ملكية ما اخذ من يد المسلمين) بعد وضوح عدم الفرق بين الامارة و الاصل من هذه الجهة اذ في كليهما لا علم بالواقع، منتهى الامر ان الشك اخذ في الامارة ظرفا، و في الاصل جزءا من الموضوع، فاذا جاز الحلف على طبق الامارة جاز الحلف على طبق الاصل.

(و في التذكرة- بعد ما حكى عن بعض الشافعية جواز الاعتماد على اصالة السلامة في هذه الصورة-) اى صورة عدم العلم بالعيب، و معنى جواز الاعتماد ان يحلف البائع على عدم العيب (قال) العلامة:

(و عندى فيه نظر) اذ كيف يحلف على العدم و الحال انه لا يعلم.

و ذلك مثل ان يحلف الانسان على انه ليس في المدرسة احد و الحال انه لا يعلم هل فيها احد أم لا؟ و انما يحلف استصحابا- مثلا-.

ثم قال العلامة: (اقربه الاكتفاء بالحلف على نفى العلم) فاذا حلف البائع بانه لا يعلم في المتاع عيبا سابقا، كفى في عدم تمكن المشترى من رد المتاع الى البائع او اخذ الارش منه (و استحسنه في المسالك قال)

ص: 259

لاعتضاده باصالة عدم التقدم فيحتاج المشترى الى اثباته و قد سبقه الى ذلك في الميسية و تبعه في الرياض.

اقول: ان كان مراده الاكتفاء بالحلف على نفى العلم في اسقاط اصل الدعوى بحيث لا يسمع البينة بعد ذلك، ففيه اشكال.

نعم لو اريد سقوط الدعوى الى ان

______________________________

صاحب المسالك: (لاعتضاده) اى حلف البائع (باصالة عدم التقدم) اى عدم تقدم البيع (فيحتاج المشترى الى اثباته) اى اثبات التقدم (و قد سبقه) اى سبق المسالك (الى ذلك في الميسية و تبعه في الرياض).

و الحاصل انه اذا ادعى المشترى تعيب المبيع قبل القبض و انكر البائع، و كان البائع شاكا لأنه لم يختبره قبلا، و لم تكن للمشترى بينة حلف البائع على انه لا يعلم تعيبه، و تسقط بهذا الحلف دعوى المشترى.

(اقول: ان كان مراده) اى العلامة (الاكتفاء بالحلف على نفى العلم في اسقاط اصل الدعوى بحيث لا يسمع البينة بعد ذلك) كما هو شأن اليمين، فانه اذا طلب الحاكم من المدعى البينة فلم يأت بها فطلب من المنكر الحلف، فحلف على العدم، سقطت دعوى المدعى حتى انه لو جاء بعد ذلك بالبينة لم تسمع، لان الايمان تذهب بالحقوق شرعا (ففيه اشكال) لان ما دلّ على اسقاط اليمين للدعوى بالنص و الاجماع منصرف الى اليمين القطعى، لا اليمين على عدم العلم، فمقتضى القاعدة بقاء الدعوى حتى اذا جاءت البينة سمعت كما صرح بذلك غير واحد من الفقهاء

(نعم لو اريد سقوط الدعوى) بحلف البائع على عدم علمه (الى ان

ص: 260

تقوم البينة، فله وجه و ان استقرب في مفتاح الكرامة ان لا يكتفى بذلك منه فيرد الحاكم اليمين على المشترى فيحلف، و هذا اوفق بالقواعد.

ثم الظاهر من عبارة التذكرة اختصاص يمين نفى العلم- على القول به- بما اذا لم يختبر البائع المبيع بل عن الرياض لزوم الحلف مع

______________________________

تقوم البينة، فله وجه).

اذ لا بينة للمدعى، و المنكر لم يعترف، فمن اين تثبت الدعوى؟ مع ان اصالة اللزوم و اصالة عدم ضمان البائع للارش محكمة (و ان استقرب فى مفتاح الكرامة ان لا يكتفى بذلك) اى بالحلف على عدم العلم (منه) اى من البائع (فيرد الحاكم اليمين على المشترى فيحلف) على ان المتاع كان معيبا قبل القبض (و هذا اوفق بالقواعد) لان ادلة اليمين ان شملت اليمين على نفى العلم لم يكن وجه لبقاء الدعوى، و ان لم تشمل اليمين على نفى العلم لم يكن وجه لسقوط الدعوى- و لو سقوطا موقتا-.

و حيث ان ادلة اليمين لا تشمل اليمين على نفى العلم، فاللازم ان نرجع الى القواعد الاولية، و هى تقتضى ان اليمين تردّ على المدعى اذا لم يحلف المنكر، فاذا حلف المدعى حكم له.

(ثم) انه لو قلنا بكفاية يمين نفى العلم في الجملة، هل نقول بالكفاية حتى في صورة الاختبار؟ (الظاهر من عبارة التذكرة اختصاص يمين نفى العلم- على القول به-) اى بان البائع يحلف على نفى العلم بالعيب (بما اذا لم يختبر البائع المبيع) فلا يعلم هل انه كان معيبا أم لا؟ (بل عن الرياض لزوم الحلف مع

ص: 261

الاختبار على البتّ قولا واحدا.

لكن الظاهر ان المفروض في التذكرة صورة الحاجة الى يمين نفى العلم اذ مع الاختبار يتمكن من الحلف على البتّ فلا حاجة الى عنوان مسئلة اليمين على نفى العلم، لا ان اليمين على نفى العلم لا يكفى من البائع مع الاختبار، فافهم.

______________________________

الاختبار) للمبيع (على البتّ) و القطع، لا على نفى العلم (قولا واحدا) فاذا اختبر حلف على عدم العيب، اما اذا لم يختبر حلف على عدم العلم (لكن الظاهر ان) رأى صاحب التذكرة هو: صحة يمين نفى العلم حتى في صورة الاختبار، لان (المفروض فى) عبارة (التذكرة صورة الحاجة الى يمين نفى العلم) و هى صورة ما اذا لم يعلم البائع هل كان معيبا أم لا (اذ مع الاختبار يتمكن من الحلف على البتّ) و القطع (فلا حاجة) فى صورة الاختبار (الى عنوان مسئلة اليمين على نفى العلم).

فالعلامة انما عنون المسألة بصورة عدم الاختبار، و قال انه يكفى فيها اليمين على نفى العلم، لان في صورة الاختبار لا حاجة الى نفى العلم بل يحلف على عدم العيب (لا) ان مراد العلامة (ان اليمين على نفى العلم لا يكفى من البائع مع الاختبار) فلم يفت العلامة ببطلان يمين نفى العلم في صورة الاختبار- نعم افتى بذلك الرياض- (فافهم) فانه كيف يكفى نفى العلم مع الاختبار، و الحال ان الاكتفاء بيمين نفى العلم خلاف الاصل، فلا يصار إليه الا في حالة الاضطرار- و هو صورة عدم علم البائع-

اما في صورة علمه بالعدم لاجل اختباره المتاع، فلا وجه لقبول نفى

ص: 262

فرع: لو باع الوكيل فوجد به المشترى عيبا يوجب الرد، رده على الموكل لانه المالك،

و الوكيل نائب عنه بطلت وكالته بفعل ما امر به فلا عهدة عليه.

و لو اختلف الموكل و المشترى في قدم العيب و حدوثه فيحلف الموكل على عدم التقدم كما مرّ، و لا يقبل اقرار الوكيل بقدمه لانه اجنبى.

______________________________

العلم.

(فرع: لو باع الوكيل فوجد به المشترى عيبا يوجب الرد، رده على الموكل) فيما اذا كان الوكيل وكيلا في اجراء العقد فقط- مثلا- (لانه المالك) فهو المردود عليه (و الوكيل نائب عنه بطلت وكالته بفعل ما امر به فلا عهدة عليه).

نعم لو كان وكيلا عاما صح الارجاع إليه و الى الموكّل، لانه بمنزلة الاصيل.

اما نتيجة الرد، فانها الى الموكل في كل صورة، كما انّه اذا طلب الارش، ففى الوكيل في الصيغة فقط يرجع الى الموكل، و في الوكيل العام يرجع الى ايهما شاء و ان كانت نتيجة الامر ان الارش يخرج من كيس الموكل.

(و لو اختلف الموكل و المشترى في قدم العيب) حيث يقول به المشترى (و حدوثه) حيث يقول به الموكل (فيحلف الموكل على عدم التقدم كما مرّ) قبل الفرع (و لا يقبل اقرار الوكيل بقدمه) اى قدم البيع لان اقرار العقلاء على انفسهم جائز، لا على غيرهم (لانه اجنبى).

ص: 263

و اذا كان المشترى جاهلا بالوكالة و لم يتمكن الوكيل عن اقامة البينة فادعى على الوكيل بقدم العيب، فان اعترف الوكيل بالتقدم لم يملك الوكيل رده على الموكل لان اقرار الوكيل بالسبق دعوى بالنسبة الى الموكل لا يقبل الّا بالبينة.

______________________________

نعم يكون هو من باب الشاهد، اذ لا فرق في الشاهد بين ان يكون وكيلا أم لا.

لكن الظاهر ان عدم نفوذ اقرار الوكيل انما هو في الوكيل لمجرد الصيغة.

اما الوكيل العام القائم مقام الموكل في كل الشئون حسب الوكالة فالظاهر قبول اقراره، فانه في هذا أيضا نائب عن الموكل، كما لو قال الموكل لانسان: اعترف عن قبلى.

(و اذا كان المشترى جاهلا بالوكالة) اى بوكالة البائع عن غيره (و لم يتمكن الوكيل عن اقامة البينة) على انه وكيل (فادعى) المشترى (على الوكيل بقدم العيب، فان اعترف الوكيل بالتقدم) اى تقدم العيب على القبض (لم يملك الوكيل رده على الموكل) لما عرفت من انه اقرار في حق الغير، كما لو اعترف الوكيل بان ما بيده لزيد، فاذا اعطاه لزيد خسر للمالك مثل او قيمة ما اعترف به، كما ان الوكيل لو اعطى ارش العيب الى المشترى- حسب اعترافه بقدم العيب- لا يحق له ان يرجع الى الموكل (لان اقرار الوكيل بالسبق) للعيب (دعوى بالنسبة الى الموكل لا يقبل الا بالبينة).

ص: 264

فله احلاف الموكل على عدم السبق لانه لو اعترف، نفع الوكيل بدفع الظلامة عنه، فله عليه مع انكاره اليمين.

و لو رد اليمين على الوكيل فحلف على السبق، الزم الموكل.

______________________________

فان اقام الوكيل البينة على الموكل بسبق العيب كان الحكم للوكيل و ان لم يقم البينة و اعترف الموكل بالسبق فيها و نعمت.

و ان لم يعترف الموكل بل انكر (فله) اى للوكيل (احلاف الموكل على عدم السبق).

ان قلت: اىّ حق للوكيل في احلاف الموكل و الحال انه ليس طرفا للدعوى و انما يقبل الحاكم احلاف الخصم اذا طلب خصمه لا اذا طلب احلافه انسان اجنبى.

قلت: بل الوكيل طرف للدعوى (لانه لو اعترف) الموكل بسبق العيب (نفع) الموكل (الوكيل بدفع الظلامة عنه) فانه لو لم يعترف وقع تحمل قبول المتاع على الوكيل، و هذا ضرر عليه جاء من طرف عدم اعتراف الموكل بسبق العيب (فله) اى للوكيل (عليه) اى على الموكل (مع انكاره) سبق العيب (اليمين) فان حلف الموكل خسر الوكيل، و الا ردّ الوكيل المتاع إليه.

(و لو) لم يحلف الموكل بل (رد اليمين على الوكيل) المدعى (فحلف على السبق) اى سبق العيب على القبض (الزم الموكل) ان يسترجع متاعه و يرجع الثمن.

ص: 265

و لو انكر الوكيل التقدم حلف ليدفع عن نفسه الحق اللازم عليه لو اعترف و لم يتمكن من الرد على الموكل، لانه لو اقرّ، ردّ عليه.

و هل للمشترى تحليف الموكل لانه مقر بالتوكيل، الظاهر لا، لان دعواه على الوكيل يستلزم انكار وكالته، و على الموكل، يستلزم الاعتراف به.

______________________________

(و لو انكر الوكيل التقدم) عند ادعاء المشترى تقدم العيب (حلف)

ان قلت: لا وجه لحلفه لانه ليس صاحب مثمن، و لا صاحب ثمن فكيف يكلف بالحلف.

قلت: انما يحلف (ليدفع عن نفسه الحق اللازم عليه لو اعترف و لم يتمكن من الرد على الموكل، لانه) اى المشترى (لو اقرّ) بالعيب و لم يتمكن من رده على الموكل (ردّ) المتاع (عليه) اى على المشترى، لانه ضرر عليه، و حيث انه طرف للنزاع، كان له ان يحلف.

(و هل للمشترى) الاعراض عن الوكيل، و (تحليف الموكل) فيما اذا كان الموكل منكرا لسبق العيب، و انما له تحليف الموكل- مع ان الموكل لم يبعه المتاع- (لانه مقر بالتوكيل) فهو مقر بانه طرف النزاع (الظاهر لا، لان دعواه) اى المشترى (على الوكيل) بانه اصيل و ليس بوكيل (يستلزم انكار وكالته) فالمشترى يقول ان البائع هو المالك، لا انه وكيل و عليه فالموكل- واقعا- اجنبى عن النزاع بتطرف المشترى فكيف يحلف المشترى من يراه اجنبيا (و) توجيهه، الحلف (على الموكل، يستلزم الاعتراف به) اى الاعتراف بان البائع وكيل، و هذا تناقض.

و حيث اعترف سابقا بان البائع اصيل لا يتمكن من الاضراب عنه و

ص: 266

و احتمل في جامع المقاصد ثبوت ذلك مؤاخذة له باقراره.

ثم اذا لم يحلف الوكيل و نكل فحلف المشترى اليمين المردودة و ردّ العين على الوكيل، فهل للوكيل ردّها على الموكل أم لا؟ وجهان، بناهما فى القواعد على كون اليمين المردودة كالبينة، فينفذ في حق الموكل، او كاقرار المنكر، فلا ينفذ.

و تنظر فيه في جامع المقاصد بان كونها كالبينة لا يوجب نفوذها للوكيل على

______________________________

توجيه الحلف الى الموكل- واقعا-.

(و احتمل في جامع المقاصد ثبوت ذلك) اى تحليف الموكل (له) اى للوكيل (مؤاخذة له) اى للموكل (باقراره) بانه المالك الواقعى.

(ثم اذا لم يحلف الوكيل و نكل) فيما اذا ادعى المشترى تقدم العيب (فحلف المشترى اليمين المردودة) او قلنا: ان مجرد النكول يوجب الحكم للمدعى (و ردّ) المشترى (العين على الوكيل، فهل للوكيل ردّها على الموكل، أم لا؟ وجهان، بناهما في القواعد على كون اليمين المردودة) التى حلف بها المدعى المشترى (كالبينة، فينفذ في حق الموكل) فان البينة نافذة في حق الكل، و على هذا فللوكيل ردّ العين الى الموكل (او كاقرار المنكر، فلا ينفذ) و لا يتمكن الوكيل ردّها الى الموكل لان الاقرار انما ينفذ في حق المقر، لا غيره.

(و تنظر فيه) اى في الوجه الاول، و مبناه (فى جامع المقاصد بان كونها) اى اليمين المردودة (كالبينة لا يوجب نفوذها) اى اليمين (للوكيل) و بنفعه (على

ص: 267

الموكل، لان الوكيل معترف بعدم سبق العيب، فلا تنفعه البينة القائمة على السبق الكاذبة باعترافه.

قال: اللهم الا ان يكون انكاره لسبق العيب استنادا الى الاصل، بحيث لا ينافى ثبوته، و لا دعوى ثبوته، كان يقول: لا حق لك على في هذه الدعوى، اذ ليس في المبيع عيب ثبت لك به الرد عليّ، فانه لا تمنع حينئذ

______________________________

الموكل، لان الوكيل معترف بعدم سبق العيب) لفرض انه اعترف أولا بان لم يكن فيه عيب، و لكن لما لم تكن بينة للمشترى و لم يحلف الوكيل ردت اليمين الى المشترى (فلا تنفعه البينة القائمة على السبق) للعيب (الكاذبة) لان البينة التى يأتى بها المشترى على سبق العيب، و ما قام مقام البينة كاليمين المردودة كاذبة (باعترافه) اى الوكيل فكيف يلزم الموكل بما يعترف الوكيل بانه كذب.

(قال) فى جامع المقاصد (اللهم الا ان يكون انكاره) اى الوكيل (لسبق العيب استنادا الى الاصل) اى اصالة صحة العين و عدم تعيبها (بحيث لا ينافى) انكاره (ثبوته) اى ثبوت العيب واقعا (و لا دعوى ثبوته) اى دعوى المشترى ثبوت العيب، اذ علم المشترى بالعيب لا ينافى جهل الوكيل بعدم العيب.

و قوله «و لا دعوى» عطف على «ثبوته» فيكون انكار الوكيل حاله (كان يقول) الوكيل (لا حق لك على في هذه الدعوى، اذ ليس في المبيع عيب ثبت لك به) اى بسبب ذلك العيب (الرد عليّ، فانه) اذا كان الانكار من الوكيل بهذه الصورة- لا بصورة العلم بعد العيب- (لا تمنع حينئذ

ص: 268

تخريج المسألة على القولين المذكورين، انتهى.

و في مفتاح الكرامة ان اعتراضه مبنى على كون اليمين المردودة كبينة الراد

______________________________

تخريج المسألة) اى المسألة التى ذكرها العلامة (على القولين المذكورين) اى ان اليمين المردودة كالبينة أم لا.

و الحاصل ان العلامة قال: ان اليمين من المشترى ان كانت كالبينة ردّ الوكيل المتاع الى الموكل.

و جامع المقاصد قال: ان كان الوكيل يدعى عدم علمه بالعيب، كانت اليمين كالبينة في ان البينة نافذة على الكل حتى على الموكل.

اما اذا كان الوكيل يعلم بانه لم يكن فيه عيب فقد فوّت المعاملة على المالك بسوء اختياره عدم الحلف، فلا يتحمل المالك عاقبة فعل الوكيل، بل العين ترجع الى الوكيل نفسه، و على الوكيل ان يعطى ثمنها للمالك (انتهى) كلام جامع المقاصد.

(و في مفتاح الكرامة ان اعتراضه) اى جامع المقاصد على العلامة (مبنى على كون اليمين المردودة كبينة الراد) الّذي هو الوكيل.

و من المعلوم ان الوكيل قد يدعى علمه بعدم العيب، و قد يدعى عدم علمه بالعيب.

و على هذا فاشكال جامع المقاصد على العلامة وارد، اذ الراد قد يكون مع علمه بالعدم، و قد يكون من باب انه لا يعلم، فاذا كان من باب انه يعلم بالعدم فكيف يلزم الموكل بما يقول الوكيل انه كذب.

ص: 269

و المعروف بينهم انه كبينة المدعى اقول: كونه كبينته لا ينافى عدم نفوذها للوكيل المكذب لها على الموكل

______________________________

و الحاصل: ان كانت يمين المشترى نازلة منزلة بينة الراد اتى فيه تفصيل جامع المقاصد (و) الحال ان (المعروف بينهم انه) اى اليمين المردودة (كبينة المدعى) و بينة المدعى نافذة في حق الكل، فلا يصح تفصيل جامع المقاصد، و يكون الحق مع العلامة بان اليمين ان كانت كالبينة نفذت في حق الموكل- مطلقا- اى سواء قال الوكيل انه يعلم بعدم الغيب او قال انه لا يعلم بالعيب.

(اقول) اراد الشيخ بهذا الكلام تأييد جامع المقاصد، و الاشكال على مفتاح الكرامة، فان (كونه) اى يمين المشترى (كبينته) اى بينة المدعى (لا ينافى عدم نفوذها للوكيل المكذب لها) اى للبينة (على الموكل).

فكانه اذا اتى المشترى بالبينة و كذبها الوكيل، فلا حق للوكيل فى الرجوع الى الموكل فكذلك اذا حلف المشترى اليمين المردودة، فانها كالبينة في عدم نفوذها على الموكل الا في صورة ان يقول الوكيل: لا اعلم بالعيب.

و حاصل الكلمات ان (1) المشترى ادعى العيب (2) و الوكيل انكر (3) و لم يأت المشترى بالبينة (4) و لم يحلف الوكيل (5) ورد الحلف الى المشترى فنفذ في حق الموكل (6) قال العلامة: لا تنفذ يمينه في حق الموكل، الا في صورة ان تكون اليمين كالبينة (7) قال جامع المقاصد: اذا كانت كالبينة لا تنفذ الا اذا قال الوكيل لا علم لى (8) قال مفتاح الكرامة:

ص: 270

و تمام الكلام في محله.

الرابعة: لو ردّ سلعة بالعيب فانكر البائع انها سلعته قدم قول البائع

كذا في التذكرة، و الدروس، و جامع المقاصد، لاصالة عدم حق له عليه، و اصالة عدم كونها سلعته.

و هذا بخلاف ما لو ردّها بخيار، فانكر كونها له، فاحتمل هنا فى

______________________________

لا يصح اشكال جامع المقاصد على العلامة (9) قال الشيخ: لا يصح اشكال مفتاح الكرامة على جامع المقاصد (10) اذا فالشيخ يرى تمامية كلام جامع المقاصد، و ورود الاشكال على العلامة، فلا تغفل (و تمام الكلام فى محله).

(الرابعة: لو ردّ) المشترى (سلعة بالعيب) اى بجهة خيار العيب (فانكر البائع انها سلعته) قال بل سلعتى غير هذه (قدم قول البائع) لاصالة عدم جريان العقد على هذه السلعة الخاصة (كذا في التذكرة، و الدروس، و جامع المقاصد).

و ذلك (لاصالة عدم حق له) اى للمشترى (عليه) اى على البائع (و اصالة عدم كونها سلعته) اى سلعة البائع، فان الاصل عدم اضافة الشي ء الى الانسان، الا اذا ثبتت الاضافة.

(و هذا) الحكم في الرد بالعيب (بخلاف ما لو ردّها) اى رد المشترى السلعة (بخيار) آخر غير العيب، كخيار الغبن و خيار الشرط و نحوهما (فانكر) البائع (كونها) اى السلعة (له) مع قبوله اصل وجود الخيار (فاحتمل هنا فى

ص: 271

التذكرة و القواعد تقديم قول المشترى، و نسبه في التحرير الى القيل لاتفاقهما على استحقاق الفسخ بعد ان احتمل مساواتها للمسألة الاولى

اقول: النزاع في كون السلعة سلعة البائع يجتمع مع الخلاف فى الخيار، و مع الاتفاق عليه، كما لا يخفى.

______________________________

التذكرة و القواعد تقديم قول المشترى) فى ان السلعة التى فيها الخيار هى هذه السلعة (و نسبه في التحرير الى القيل).

و ذلك (لاتفاقهما على استحقاق الفسخ) فالبائع الّذي يقول: انها ليست سلعته يحتاج الى الدليل (بعد ان احتمل مساواتها للمسألة الاولى) من تقديم قول البائع لاصالة عدم جريان العقد على هذه السلعة المتنازع فيها، و ذلك لانه لا فرق بين خيار العيب و بين سائر الخيارات من هذه الجهة.

(اقول: النزاع في كون السلعة سلعة البائع) أم لا (يجتمع مع الخلاف في الخيار، و مع الاتفاق عليه).

فقد يتفقان على ان للمشترى خيار العيب، لكن البائع يقول: ان هذه السلعة ليست سلعتى المعيوبة التى بعتك اياها، و يدعى المشترى ان هذه السلعة سلعتك.

و قد يختلفان في اصل الخيار، فيقول المشترى: ان هذه سلعتك، و هى معيبة فلى الخيار، فيقول البائع: هذه ليست سلعتى و سلعتى لم تكن معيبة، فليس لك الخيار (كما لا يخفى).

ص: 272

لكن ظاهر المسألة الاولى: كون الاختلاف في ثبوت خيار العيب ناشئا عن كون السلعة هذه السلعة المعيوبة او غيرها.

و الحكم تقديم قول البائع مع يمينه.

و اما اذا اتفقا على الخيار، و اختلفا في السلعة فلذي الخيار حينئذ الفسخ، من دون توقف على كون هذه السلعة هى المبيعة او غيرها فاذا فسخ و اراد ردّ

______________________________

(لكن ظاهر المسألة الاولى) التى ذكرناها بقولنا «لو ردّ سلعة بالعيب الخ» (كون الاختلاف في ثبوت خيار العيب) الّذي يدعيه المشترى و ينكره البائع (ناشئا عن كون السلعة) التى وقع عليها العقد (هذه السلعة المعيوبة او غيرها).

فالمراد بالمسألة صورة الاختلاف في اصل الخيار، لا صورة الاتفاق فى الخيار و انما الاختلاف في السلعة فقط.

(و الحكم) فى مسألة الاختلاف في الخيار للاختلاف في ان هذه السلعة المعيبة سلعته، أم لا (تقديم قول البائع مع يمينه) لان المشترى يدعى العيب و لا بينة له، فالبائع المنكر للعيب اذا حلف حكم له.

(و اما اذا اتفقا على الخيار، و اختلفا في السلعة) هل هذه سلعة البائع- كما يقول المشترى- او هذه ليست سلعة البائع؟- كما يقول البائع- (ف) لا شك ان (لذى الخيار) و هو المشترى (حينئذ) اى حين اتفاقهما على ان له الخيار (الفسخ، من دون توقف) للفسخ (على كون هذه السلعة هى المبيعة او غيرها، فاذا فسخ) المشترى (و اراد ردّ

ص: 273

السلعة فانكرها البائع، فلا وجه لتقديم قول المشترى مع اصالة عدم كون السلعة هى التى وقع العقد عليها.

نعم استدل عليه في الايضاح- بعد ما قواه- بان الاتفاق منهما على عدم لزوم البيع و استحقاق الفسخ و الاختلاف في موضعين.

احدهما: خيانة المشترى فيدعيها البائع بتغير السلعة و المشترى ينكرها، و الاصل

______________________________

السلعة فانكرها البائع) ان تكون هى سلعته (فلا وجه لتقديم قول المشترى) الّذي يقول: هذه هى سلعة البائع (مع اصالة) اى استصحاب (عدم كون) هذه (السلعة هى التى وقع العقد عليها) فاللازم ان يرد المشترى الى البائع المثل او القيمة.

و من المعلوم ان اصالة عدم كون سلعة اخرى وقع عليها العقد، لا تعارض اصالة عدم وقوع العقد على هذه السلعة لانها مثبتة من قبيل نفى احد الضدين لاثبات الضد الآخر.

(نعم استدل عليه) اى على تقديم قول المشترى (فى الايضاح- بعد ما قواه-) اى قوى تقديم قول المشترى في ان هذه هى سلعة البائع (بان الاتفاق منهما) اى من البائع و المشترى (على عدم لزوم البيع و استحقاق الفسخ) «و استحقاق» عطف بيان ل «عدم لزوم» (و الاختلاف) بينهما (فى موضعين).

(احدهما: خيانة المشترى فيدعيها البائع) على المشترى (بتغير السلعة و المشترى ينكرها) و يقول: ان هذه هى سلعة البائع (و الاصل

ص: 274

عدمها.

الثانى: سقوط حق الخيار الثابت للمشترى، فالبائع يدعيه و المشترى ينكره و الاصل بقائه و تبعه في الدروس حيث قال: لو انكر البائع كون المبيع مبيعه حلف، و لو صدقه على كون المبيع معيوبا، و انكر تعيين المشترى حلف المشترى، انتهى.

اقول:

______________________________

عدمها) اى عدم الخيانة.

(الثانى: سقوط حق الخيار الثابت للمشترى، فالبائع يدعيه) اى يدعى السقوط لانه يقول قد تلفت السلعة فلا حق لك في الخيار، لانه اذا تلف المعيب في باب خيار العيب يسقط الخيار- كما تقدم- (و المشترى ينكره) لانه يقول: لم تتلف السلعة، بل هى هذه (و الاصل بقائه) لاستصحاب بقاء الخيار (و تبعه في الدروس حيث قال: لو انكر البائع كون المبيع مبيعه حلف) البائع، لان الاصل عدم جريان العقد على هذا المبيع (و لو صدقه) اى صدق البائع المشترى (على كون المبيع معيوبا و انكر تعيين المشترى) للسلعة، بل قال: هذه ليست سلعتى (حلف المشترى) انها سلعته، و اجبر البائع على القبول (انتهى) كلام الايضاح

(اقول) لا يتم كلام الايضاح في ان الاصل عدم الخيانة- فى المقام- و بذلك يجعل المشترى منكرا.

و ذلك لان الاصل عدم كون هذه السلعة للبائع- كما يقول البائع انها ليست سلعته- و هذا الاصل الّذي في جانب البائع مقدم على اصل

ص: 275

اما دعوى الخيانة فلو احتاجت الى الاثبات، و لو كان معها اصالة عدم كون المال الخاص هو المبيع لوجب القول بتقديم قول المشترى فى المسألة الاولى.

______________________________

عدم الخيانة، الّذي هو في جانب المشترى.

و لا يدع اصل البائع مجالا لاصل المشترى، فلا جريان لاصالة عدم الخيانة في المقام.

(اما دعوى الخيانة) التى يقول بها البائع- تبعا لقوله بان السلعة ليست سلعته- (فلو احتاجت الى الاثبات) و الى الشهود من جانب البائع (و لو كان معها) اى مع هذه الدعوى (اصالة عدم كون المال الخاصّ) الّذي جاء به المشترى (هو المبيع) قصده ان اصل عدم كون السلعة للبائع، لا يدع مجالا للشهود اى لا يحتاج البائع الى الشهود بعد ان كان الاصل معه (لوجب القول بتقديم قول المشترى في المسألة الاولى) و هى انه لو رد السلعة بالعيب، فانكر البائع انها سلعته، حيث تقدم انه يقدم قول البائع، و انما وجب تقديم قول المشترى، لان البائع فى المسألة الاولى أيضا يدعى الخيانة، و المشترى ينكرها، و الاصل عدم الخيانة.

ثم ان قول المصنف «لوجب» هذا الزام على الايضاح، لان الايضاح قبل في المسألة الاولى تقديم قول البائع، و اشكال المصنف عليه ان المسألتين من واد واحد، فاما ان يقدم «اصل عدم الخيانة» لنفع البائع فيها.

ص: 276

و ان كانت هناك اصول متعددة على ما ذكرها في الايضاح و هى اصالة عدم الخيار، و عدم حدوث العيب، و صحة القبض بمعنى خروج البائع من ضمانه.

______________________________

فكيف يقول صاحب الايضاح بتقديم «اصل عدم كون السلعة للبائع» فى المسألة الاولى، و بتقديم «اصل عدم الخيانة» فى المسألة الثانية.

(و ان كانت هناك) فى المسألة الاولى (اصول متعددة) الى جنب البائع، لكن هذه الاصول لا تقاوم «اصل عدم الخيانة» فالاصل الّذي يقاوم اصل عدم الخيانة، هو اصل عدم كون السلعة للبائع، فليس لصاحب الايضاح ان يقول: انما نقول باصل عدم الخيانة، فى المسألة الثانية، و لا نقول بها في المسألة الاولى، لاجل سقوط «اصل عدم الخيانة» فى المسألة الاولى، باصول اخر، و اصل عدم الخيانة ليست ساقطة في المسألة الثانية.

و كيف كان فالاصول المتعددة في المسألة الاولى (على ما ذكرها فى الايضاح) كلها الى جنب البائع (و هى اصالة عدم الخيار) للمشترى (و) اصالة (عدم حدوث العيب) فى المبيع حتى يكون للمشترى الخيار (و) اصالة (صحة القبض بمعنى خروج البائع من ضمانه) اى ضمان القبض.

و ذلك لان السلعة لو كانت معيبة لم يخرج البائع من الضمان بتسليم هذا المعيب.

فمقتضى صحة القبض- اى حمل فعل المسلم على الصحيح- ان

ص: 277

لان اصالة عدم الخيانة مستندها ظهور حال المسلم و هو وارد على جميع الاصول العملية نظير اصالة الصحة.

و اما ما ذكره من اصالة صحة القبض فلم نتحقق معناها و ان فسرناها من قبله

______________________________

القبض المخرج عن الضمان قد تحقق.

و انما قلنا: ان الاصول المتعددة الموجودة في جانب البائع لا تسقط «اصل عدم الخيانة» الّذي هو في جانب المشترى (لان اصالة عدم الخيانة) أمارة، و الامارة مقدمة على الاصل فتلك الاصول كلها ساقطة بهذا الاصل.

اذ اصالة عدم الخيانة (مستندها ظهور حال المسلم) فى انه لا يخون (و هو وارد على جميع الاصول العملية نظير اصالة الصحة) الواردة على جميع الاصول العملية، فاذا اشترينا لحما من القصاب كان الاصل عدم كون اللحم له، و عدم كونه مذكى، و عدم كونه حلال اللحم- مثلا- و مع ذلك فاصالة صحة عمل القصاب واردة على جميع هذه الاصول.

فتحصل في ردّ الايضاح: ان اصل عدم الخيانة لا تجرى فى المسألة الثانية، كما لا تجرى في المسألة الاولى- ثم ان المصنف ذكر اشكالا ثانويا على الايضاح، و هو قوله باصالة صحة القبض- بقوله:

(و اما ما ذكره من اصالة صحة القبض فلم نتحقق معناها) اى ليس لهذا الاصل دليل شرعى (و ان فسرناها من قبله) اى من جانب صاحب

ص: 278

بما ذكرناه.

لكن اصالة الصحة لا تنفع لا ثبات لزوم القبض.

و اما دعوى سقوط حق الخيار فهى انما تجدى اذا كان الخيار المتفق عليه لاجل العيب- كما فرضه في الدروس-

______________________________

الايضاح (بما ذكرناه) بمعنى خروج البائع من ضمانه، اذ مستنده اصل صحة عمل البائع.

(لكن اصالة الصحة لا تنفع لا ثبات لزوم القبض) على المشترى اذ صحة القبض لا تلازم اللزوم، بل تلائم عدم اللزوم- اى الخيار- فان القبض فى موارد الخيارات صحيح و مع ذلك فللمشترى الخيار.

فقوله «لكن ..» اشكال على الايضاح، و بيان لقول المصنف «فلم نتحقق معناها».

(و اما دعوى سقوط حق الخيار) الّذي جعله الايضاح موردا ثانيا من موردى الاختلاف بين البائع و المشترى، فالبائع يدعيه و المشترى ينكره (فهى) اى هذه الدعوى (انما تجدى) لا ثبات بقاء الخيار اذ سقوط خيار العيب يتوقف على التلف الّذي يدعيه البائع، و المشترى ينكره (اذا كان الخيار المتفق عليه) بين البائع و المشترى (لاجل العيب- كما فرضه فى الدروس-) اى مفروض كلام الدروس في صورة كون الاختلاف فى السلعة، انما هو في خيار العيب، و في هذا الخيار يصح كلام الايضاح بان يقول ان البائع يدعى خلاف الاصل- لانه يدعى تلف المبيع فالخيار ساقط- و المشترى يدعى وفق الاصل لانه يدعى ان المبيع هو هذا

ص: 279

و الا فاكثر الخيارات مما اجمع على بقائه مع التلف على ان اصالة عدم سقوط الخيار لا تثبت الا ثبوته لا وجوب قبول هذه السلعة الا من جهة التلازم الواقع بينهما.

______________________________

الّذي يريد رده الى البائع فالخيار باق (و الا) يكن الخيار لاجل العيب فلا يسقط الخيار، لاجل تلف المتاع (ف) ان (اكثر الخيارات مما اجمع) الفقهاء (على بقائه مع التلف) للمبيع.

فقول البائع هذه ليست سلعتى- بمعنى انه تلف سلعتى- لا يوجب سقوط الخيار، حتى يكون قوله مخالفا للاصل، و حتى يقال ان البائع يدعى سقوط حق الخيار و المشترى ينكره و الاصل بقائه (على) انه نفرض الكلام في خيار العيب الّذي يوجب تلف المتاع سقوط خيار العيب لكنا نقول: (ان اصالة عدم سقوط الخيار) الّذي هو في جانب المشترى (لا تثبت الا ثبوته) اى ثبوت الخيار (لا وجوب قبول هذه السلعة) التى يقول البائع انها ليست سلعته (الا من جهة التلازم) العقلى (الواقع بينهما) اى بين ثبوت الخيار و وجوب قبول السلعة.

فان لازم ثبوت الخيار ان هذه سلعة البائع، و لازم سقوط الخيار ان هذه ليست سلعة البائع.

و من المعلوم: فجريان الاصل في احد المتلازمين لا يثبت اللازم الآخر، لانه من الاصل المثبت.

و الحاصل ان قول الدروس «و لو صدقه على كون المبيع معيوبا و انكر تعيين المشترى حلف المشترى» يرد عليه اشكالان:

ص: 280

و لعل نظر الدروس الى ذلك لكن للنظر في اثبات احد المتلازمين بالاصل الجارى في الآخر مجال، كما نبّهنا عليه مرارا.

و اما الثانى و هو الاختلاف في المسقط ففيه أيضا مسائل.
الأولى: لو اختلفا في علم المشترى بالعيب. [و عدمه]

______________________________

الاول: ان كون البائع مدعيا و المشترى منكرا انما يصح اذا كان الكلام فى خيار العيب، لان البائع يدعى انه تلف المتاع، فلا خيار و المشترى يقول: ان المتاع لم يتلف فالخيار باق، و الاصل عدم التلف، لكن فى سائر الخيارات ليس كذلك، فان البائع اذا قال: قد تلف المتاع، فلا يمكنه ان يقول: فالخيار ساقط، لان سائر الخيارات لا تسقط بالتلف.

الثانى: حتى في خيار العيب لا يثبت حلف المشترى- المنكر للتلف ان هذا المتاع هو متاع البائع لان عدم سقوط الخيار يلازم كون هذا متاع البائع فهو لازم عقلى له و الاصول الشرعية لا تثبت اللوازم العقلية.

(و لعل نظر الدروس) فى قوله «و لو صدقه على كون المبيع معيوبا الخ» (الى ذلك) الى وجوب قبول هذه السلعة من جهة التلازم (لكن) اذا كان نظر الدروس ذلك فنقول (للنظر في اثبات احد المتلازمين بالاصل الجارى فى) المتلازم (الآخر مجال) لانه اصل مثبت (كما نبّهنا عليه مرارا) و الاصل المثبت ليس بحجة.

(و اما الثانى و هو الاختلاف) بين البائع و المشترى (فى المسقط) للخيار، و هل ان الخيار سقط أم لا (ففيه أيضا مسائل).

(الاولى: لو اختلفا في علم المشترى بالعيب) فقال البائع انك كنت

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 13، ص: 282

ص: 281

و عدمه قدم منكر العلم فيثبت الخيار.

الثانية لو اختلفا في زواله قبل علم المشترى او بعده

- على القول بان زواله بعد العلم لا يسقط الارش، بل و لا الرد،- ففى تقديم مدعى البقاء فيثبت الخيار لاصالة بقائه و عدم زواله المسقط للخيار،

______________________________

تعلم بالعيب، و اقدمت على شرائه فلا خيار لك (و عدمه) فقال المشترى لم اكن عالما بالعيب عند الشراء و لذا لى الخيار (قدم منكر العلم) لان الاصل عدم العلم، فالبائع يحتاج الى البينة فان لم تكن له بينة حلف المشترى و كان له الخيار (فيثبت الخيار).

و كذا اذا اختلفا في انه هل كان يعلم كمّ العيب او كيفه، فادعى البائع علمه، و قال المشترى كنت اعلم انه اقل كمّا او كيفا- و كان من باب الاقل و الاكثر لا من باب المتباينين- حلف المشترى و كان له الخيار.

(الثانية لو اختلفا في زواله) اى زوال العيب (قبل علم المشترى) بالعيب حتى لا يكون للمشترى خيار (او بعده) حتى يكون للمشترى الخيار (- على القول بان زواله بعد العلم لا يسقط الارش، بل و لا الردّ-) اما اذا كان زواله بعد العلم مسقطا للرد و الارش- كما هو قول في المسألة- فلا اثر لهذا النزاع، لانه بعد الزوال لا خيار، سواء كان الزوال قبل العلم او بعد العلم (ففى تقديم مدعى البقاء) للعيب الى ما بعد العلم (فيثبت الخيار).

و انما نقول بتقديم مدعى البقاء (لاصالة بقائه) اى بقاء العيب (و) اصالة (عدم زواله) اى العيب، ذلك الزوال (المسقط للخيار) فالقول

ص: 282

او تقديم مدعى عدم ثبوت الخيار لان سببه او شرطه العلم به حال وجوده و هو غير ثابت، فالاصل لزوم العقد و عدم الخيار، وجهان اقواهما الاول

و العبارة المتقدمة من التذكرة في سقوط الرد بزوال العيب قبل العلم او بعده قبل الرد تؤمى الى الثانى، فراجع.

______________________________

قول المشترى بيمينه (او تقديم مدعى عدم ثبوت الخيار) و هو البائع غالبا- (لان سببه او شرطه) اى سبب الخيار (العلم به) اى بالعيب (حال وجوده، و هو) اى العلم به حال وجوده (غير ثابت فالاصل لزوم العقد) لانه كلما شك في الخيار فالمرجع اصالة اللزوم المستفاد من النص و الاجماع حيث انه يجب الوفاء بكل عقد الا اذا ثبت الخيار فيه (و) نتيجة ذلك (عدم الخيار، وجهان) (اقواهما الاول) لان استصحاب بقاء العيب الى ما بعد العلم هو الموجب شرعا للخيار، كاستصحاب الطهارة الى دخول الوقت الموجب لصحة الصلاة، و ليس الاصل مثبتا.

و اذا جرى هذا الاستصحاب لم يبق مجال لاصالة لزوم العقد، و ليس ذلك من باب دفع النص بالاصل، بل من باب توسيع دائرة المخصص بسبب الاصل، كما حقق في محلّه.

(و العبارة المتقدمة من التذكرة في سقوط الرد بزوال العيب قبل العلم او بعده قبل الرد تؤمى الى الثانى) و هو تقديم مدعى عدم ثبوت الخيار (فراجع).

حيث قال «لو كان المبيع معيبا عند البائع ثم اقبضه و قد زال عيبه فلا رد لعدم موجبه» لانها تؤمى الى ان الموجب للخيار هو العيب الموجود

ص: 283

و لو اختلفا بعد حدوث عيب جديد، و زوال احد العيبين في كون الزائل هو القديم حتى لا يكون خيار او الحادث حتى يثبت الخيار.

فمقتضى القاعدة بقاء القديم الموجب للخيار.

و لا يعارضه اصالة بقاء الجديد، لان بقاء الجديد لا يوجب بنفسه سقوط الخيار، الا من حيث استلزامه لزوال القديم.

______________________________

حين الرد.

(و لو اختلفا بعد حدوث عيب جديد، و زوال احد العيبين) من العيب القديم او الجديد (فى كون الزائل هو القديم حتى لا يكون خيار) لما تقدم من ان زوال العيب القديم يوجب سقوط الخيار (او الحادث حتى يثبت) بقاء (الخيار) السابق.

(فمقتضى القاعدة) اى الاستصحاب (بقاء) العيب (القديم الموجب للخيار) لاصالة بقاء العيب القديم الموجب للخيار.

(و لا يعارضه اصالة بقاء) العيب (الجديد، لان) العيب القديم له اثر.

اما استصحاب العيب الجديد، فلا اثر له.

اما اثر الاستصحاب الاول فهو بقاء الخيار.

و استصحاب العيب الجديد لا اثر له الا سقوط الخيار و ذلك مثبت فلا يجرى، لان (بقاء) العيب (الجديد لا يوجب بنفسه سقوط الخيار الا من حيث استلزامه لزوال القديم).

بمعنى انه لو كان الموجود هو العيب الجديد، فلا بد و ان يكون العيب

ص: 284

و قد ثبت في الاصول ان اصالة عدم احد الضدين لا يثبت وجود الضد الآخر، ليترتب عليه حكمه لكن المحكى في التذكرة عن الشافعى في مثله التحالف.

قال: لو اشترى عبدا و حدث في يده نكتة بياض بعينه، و وجد نكتة قديمة ثم زالت احداهما، فقال البائع الزائلة القديمة، فلا رد و لا ارش و قال المشترى بل الحادثة ولى الرد، قال الشافعى يحلفان على ما يقولان، فاذا حلفا استفاد البائع بيمينه دفع الرد،

______________________________

القديم قد زال، و اذا زال العيب القديم سقط الخيار.

(و قد ثبت في الاصول ان اصالة عدم احد الضدين لا يثبت وجود الضد الآخر).

مثلا: اصالة عدم الليل لا يثبت وجود النهار (ليترتب عليه) اى على الضد الآخر (حكمه) هذا.

و (لكن المحكى في التذكرة عن الشافعى في مثله) اى مثل مسألة زوال احد العيبين، و الشك في ان الزائل هل هو القديم او الجديد (التحالف) لا ان الاصل مع من له الخيار و هو المشترى.

(قال: لو اشترى عبدا و حدث في يده) اى في يد المشترى (نكتة بياض بعينه، و وجد نكتة قديمة) أيضا (ثم زالت احداهما، فقال البائع الزائلة) هى (القديمة، فلا رد و لا ارش، و قال المشترى بل) الزائلة هى (الحادثة ولى الرد) و الارش (قال الشافعى يحلفان على ما يقولان) لان كل واحد منهما مدع و منكر (فاذا حلفا استفاد البائع بيمينه دفع الرد)

ص: 285

و استفاد المشترى بيمينه اخذ الارش، انتهى.

الثالثة: لو كان عيب مشاهد غير المتفق عليه، فادعى البائع حدوثه عند المشترى، و المشترى سبقه،

ففى الدروس انه كالعيب المنفرد يعنى انه يحلف البائع كما لو لم يكن سوى هذا العيب و اختلفا في السبق و التأخر.

و لعله لاصالة عدم التقدم.

______________________________

عن نفسه لان المعيب بعيب عند المشترى لا يرد (و استفاد المشترى بيمينه اخذ الارش) لان الّذي اشتراه كان معيبا، و قيمة المعيب اقل (انتهى) كلام العلامة، و قد تبين مما سبق وجه النظر في كلام الشافعى فراجع.

(الثالثة: لو كان عيب مشاهد غير المتفق عليه) اى كان هناك عيب اتفقا على انه كان عند البائع موجودا مما اوجب للمشترى خيار الفسخ، كما لو كانت الدابة عوراء، و كان هناك عرج في رجلها (فادعى البائع حدوثه) اى العرج- فى المثال- (عند المشترى، و) ادعى (المشترى سبقه) عند البائع (ففى الدروس انه كالعيب المنفرد) كما لو كان في المبيع عيب واحد فادعى البائع انه حدث عند المشترى و قال المشترى بل كان قبل القبض (يعنى انه يحلف البائع) لاصالة عدم سبق العيب عند البائع.

فحاله (كما لو لم يكن سوى هذا العيب و اختلفا في السبق و التأخر).

(و لعله) اى لعل وجه ما ذكره الدروس (لاصالة عدم التقدم) لان العيب امر حادث فاذا شك في تقدمه او تأخره، فالاصل عدم التقدم، و

ص: 286

و يمكن ان يقال: ان عدم التقدم هناك راجع الى عدم سبب الخيار

و اما هنا فلا يرجع الى ثبوت المسقط، بل المسقط هو حدوث العيب عند المشترى، و قد مر غير مرة ان اصالة التأخر لا يثبت بها حدوث الحادث فى الزمان المتأخر و انما يثبت بها عدم التقدم الّذي لا يثبت به التأخر.

______________________________

لا يراد بهذا الاصل اثبات التأخر حتى يكون الاصل مثبتا، بل نفى آثار التقدم التى منها الخيار.

(و يمكن ان يقال) بالفرق بين العيب المنفرد و بين المقام.

ف (ان) اصل (عدم التقدم هناك) فى العيب المنفرد (راجع الى عدم سبب الخيار) فانه لو شك في وجود سبب الخيار، و عدم وجود سببه، كان الاصل عدم وجود سببه.

(و اما هنا) فيما لو اختلفا في عيب ثان مع اتفاقهما في وجود العيب الاول (فلا يرجع) اصل عدم التقدم (الى ثبوت المسقط) حتى يقال اذا شك في ثبوت المسقط فالاصل عدمه- كما كنا نقول هناك اذا شك فى ثبوت المثبت للخيار فالاصل عدم المثبت- (بل المسقط هو حدوث العيب عند المشترى، و) اصل عدم التقدم لا يثبت التأخر الّذي هو مسقط للخيار.

لانه (قد مر غير مرة ان اصالة التأخر لا يثبت بها حدوث الحادث فى الزمان المتأخر) اذ بنفى احد الضدين لا يثبت الضد الآخر، فان الاصل المثبت ليس بحجة (و انما يثبت بها) اى باصالة التأخر (عدم التقدم الّذي لا يثبت به التأخر).

ص: 287

ثم قال في الدروس: لو ادعى البائع زيادة العيب عند المشترى و انكر احتمل حلف المشترى، لان الخيار متيقن و الزيادة موهومة.

و يحتمل حلف البائع اجراء للزيادة مجرى العيب الجديد.

اقول: قد عرفت الحكم في العيب الجديد و ان حلف البائع فيه محل نظر

______________________________

و الحاصل ان اسقاط العيب الجديد للخيار انما يكون اذا ثبت حدوث العيب في ملك المشترى، و اصل عدم تقدم العيب او اصل تأخر العيب لا يثبت حدوث العيب عند المشترى.

و على هذا فالاصل حلف المشترى، لان البائع يدعى سقوط الخيار و الاصل بقائه فالبائع مدع و المشترى منكر.

(ثم قال في الدروس: لو ادعى البائع زيادة العيب عند المشترى) زيادة توجب سقوط خيار المشترى، لان شرط الرد ان يكون المبيع قائما بعينه، و مع زيادة العيب لا يكون المبيع قائما بعينه (و انكر) المشترى الزيادة (احتمل حلف المشترى لان الخيار متيقن و الزيادة موهومة) فاذا شك في الخيار كان الاصل بقائه.

(و يحتمل حلف البائع اجراء للزيادة مجرى العيب الجديد) لان المشترى يدعى كون الزيادة عند البائع و البائع ينكره، و الاصل عدم سبق الزيادة.

(اقول: قد عرفت) فى الفرع السابق (الحكم في العيب الجديد) فيما لو اختلفا في انه هل كان عند البائع او حدث عند المشترى (و ان حلف البائع فيه محل نظر) فاللازم هنا أيضا حلف المشترى الّذي هو

ص: 288

ثم انه لا بد من فرض المسألة فيما لو اختلفا في مقدار من العيب موجود زائد على المقدار المتفق عليه انه كان متقدما او متأخرا.

و اما اذا اختلفا في اصل الزيادة فلا اشكال في تقديم قول المشترى

______________________________

اولى احتمالى الدروس.

(ثم انه لا بد من فرض المسألة) التى ذكرها الدروس بقوله «لو ادعى البائع زيادة العيب» (فيما لو اختلفا في مقدار من العيب موجود زائد على المقدار المتفق عليه) اى اختلفا فى (انه) هل هذا الزائد الموجود الآن (كان متقدما او متأخرا) مع اتفاقهما على اصل الزيادة.

(و اما اذا اختلفا في اصل الزيادة) فقال البائع: انه زاد العيب عندك فسقط خيارك، و قال المشترى: انه لا زيادة اصلا بل العيب هو هو كما كان عندك (فلا اشكال في تقديم قول المشترى) بحلفه، لان البائع مدّع و المشترى منكر.

مثلا: انه لو اشترى قماشا فيه خرق فلنزاعهما صورتان.

الاولى ان يتفق البائع و المشترى في ان اصل الخرق كان مقدار انمله، ثم زاد بان صار مقدار انملتين، فالبائع يقول: ان مقدار الانملة الثانية حدث عند المشترى و المشترى يقول: انه حدث عند البائع.

الثانية: ان يقول البائع: انه كان عندى مقدار انملة و حدث عندك مقدار انملة ثانية، و يقول المشترى: بل الخرق من اصله كان مقدار انملتين، فان المشترى في هذه الصورة ينكر اصل الزيادة.

ص: 289

الرابعة: لو اختلف في البراءة قدم منكرها،

فيثبت الخيار، لاصالة عدمها الحاكمة على اصالة لزوم العقد.

و ربما يتراءى من مكاتبة جعفر بن عيسى خلاف ذلك.

قال كتبت الى ابى الحسن عليه السلام جعلت فداك، المتاع يباع فيمن يزيد فينادى عليه المنادى، فاذا نادى عليه برئ من كل عيب فيه، فاذا اشتراه المشترى و رضيه و لم يبق الا نقد الثمن، فربما زهد فيه،

______________________________

(الرابعة: لو اختلف) بصيغة المجهول، اى اختلف البائع و المشترى (فى البراءة) فقال البائع: انى تبرئت أليك من كل عيب حين العقد فلا خيار لك، و قال المشترى: لم تتبرّأ، فلى خيار العيب (قدم منكرها) لاصالة عدم البراءة، و المنكر غالبا هو المشترى (فيثبت الخيار).

و انما يقدم المنكر (لاصالة عدمها) اى عدم البراءة (الحاكمة على اصالة لزوم العقد) نعم لا بد من الحلف و انما يلاحظ الاصل لتشخيص المدعى من المنكر.

(و ربما يتراءى) عند بادى النظر (من مكاتبة جعفر بن عيسى خلاف ذلك) و ان القول قول مدعى البراءة.

(قال كتبت الى ابى الحسن عليه السلام جعلت فداك، المتاع يباع فيمن يزيد) اى عند الدلالين (فينادى عليه المنادى) من يزيد؟ (فاذا نادى عليه برئ من كل عيب فيه) و قال: انى ابيع هذا الشي ء و لا التزم بعيبه (فاذا اشتراه المشترى و رضيه) اى رضى به (و لم يبق الا نقد الثمن) اى بعد تمام العقد و اخذه المتاع (فربما زهد) المشترى (فيه)

ص: 290

فاذا زهد فيه ادعى عيوبا، و انه لم يعلم بها فيقول له المنادى قد برئت منها، فيقول المشترى لم اسمع البراءة منها أ يصدق فلا يجب عليه؟ أم لا يصدق، فكتب عليه السلام ان عليه الثمن، الخبر.

و عن المحقق الاردبيلى انه لا يلتفت الى هذا الخبر، لضعفه مع الكتابة، و مخالفة القاعدة، انتهى.

و ما ابعد ما بينه و بين ما في الكفاية من جعل الرواية

______________________________

اى لم يرغب في المتاع (فاذا زهد فيه ادعى) المشترى (عيوبا) فى المتاع (و انه) اى المشترى (لم يعلم بها) فله خيار العيب (فيقول له المنادى) لا حق لك في الخيار، اذ (قد برئت) انا (منها) عند النداء (فيقول المشترى لم اسمع البراءة منها) فلى حق الخيار (أ يصدق) المشترى بانه لم يسمع (فلا يجب) العقد (عليه؟) اى لم يلزم العقد، لمكان الخيار (أم لا يصدق) بل العقد عليه لازم (فكتب عليه السلام ان عليه الثمن، الخبر) مما يدلّ على انه لو اختلفا، فقال البائع: برئت و قال المشترى: لم تبرأ يكون الاصل مع البائع و قد فرضنا ان الاصل مع المشترى.

(و عن المحقق الاردبيلى) صحة دلالة الخبر، و انما ناقش في سنده فقال: (انه لا يلتفت الى هذا الخبر، لضعفه مع الكتابة) فان المكاتبات نوعا ما- ضعيفة، لاحتمال التقية فيها بما لا يحتمل في غير المكاتبة (و مخالفة القاعدة) التى تقول: ان الاصل مع منكر البراءة (انتهى) كلام الاردبيلى.

(و ما ابعد ما بينه و بين ما في الكفاية) للسبزوارى (من جعل الرواية

ص: 291

مؤيدة لقاعدة: البينة على المدعى و اليمين على من انكر و في كل منهما نظر.

و في الحدائق: ان المفهوم من مساق الخبر المذكور ان انكار المشترى انما وقع مدالسة لعدم رغبته في المبيع، و الا فهو عالم بتبرى البائع، و الامام عليه السلام انما الزمه بالثمن من هذه الجهة.

و فيه: ان مراد السائل ليس

______________________________

مؤيدة لقاعدة: البينة على المدعى و اليمين على من انكر) لان المشترى مدع بانه لم يسمع و البائع منكر، فاللازم ان يحلف البائع و يأخذ الثمن كما قال الامام عليه السلام (و في كل منهما نظر).

اما وجه النظر في كلام الاردبيلى فلان الرواية معمول بها، فلا يمكن طرحها للضعف.

و اما وجه النظر في كلام الكفاية، فلان البائع مدع و المشترى منكر فهى على خلاف القاعدة، لان البائع يدعى انه تبرأ و المشترى يدعى انكاره.

(و في الحدائق: ان المفهوم من مساق الخبر المذكور ان انكار المشترى انما وقع مدالسة) اى كذبا، و الا فهو قد سمع التبرى.

و انما انكر (لعدم رغبته في المبيع، و الا فهو) اى المشترى (عالم بتبرى البائع، و الامام عليه السلام انما الزمه) اى المشترى (بالثمن من هذه الجهة) لانه علم بالبراءة، فلا حق له في الخيار.

(و فيه) اى في كلام الحدائق (ان مراد السائل ليس) السؤال عن

ص: 292

حكم العالم بالتبرى المنكر له فيما بينه و بين اللّه بل الظاهر من سياق السؤال استعلام من يقدم قوله في ظاهر الشرع من البائع و المشترى مع ان حكم العالم بالتبرّى المنكر له مكابرة معلوم لكل احد خصوصا للسائل كما يشهد به قوله: أ يصدق أم لا يصدق؟ الدال على وضوح حكم صورتى صدقه و كذبه.

و الاولى توجيه الرواية بان الحكم بتقديم قول المنادى لجريان

______________________________

(حكم العالم بالتبرى) اى المشترى الّذي يعلم تبرى البائع (المنكر له) لفظا، و ان كان عالما (فيما بينه و بين اللّه) اذ هذا لا يحتاج الى السؤال (بل الظاهر من سياق السؤال استعلام من يقدم قوله في ظاهر الشرع من البائع و المشترى) «من» بيان «من» (مع ان حكم العالم بالتبرّى المنكر له) انكارا (مكابرة معلوم لكل احد) فلا يحتاج الى السؤال (خصوصا للسائل، كما يشهد به) اى بان حكم المكابر معلوم له (قوله:

أ يصدق أم لا يصدق؟) حيث انه يعلم بان حكم الصادق له الخيار، و ان حكم الكاذب ليس له الخيار، و انما يسأل هل المقام يلحق بالصادق أم الكاذب (الدال على وضوح حكم صورتى صدقه و كذبه) «الدال» بيان لقوله «كما يشهد».

(و الاولى توجيه الرواية) بان الشارع قدم الظاهر على الاصل فى المقام، مثل تقديمه: ظاهر الدخول على الزوجة على اصالة عدم الدخول فيما اذا اختلى بها و اسدل الستر ثم ادعت الزوجة عدم الدخول، و ذلك (بان الحكم بتقديم قول المنادى) المخالف للاصل انما هو (لجريان

ص: 293

العادة بنداء الدلال عند البيع بالبراءة من العيوب على وجه يسمعه كل من حضر للشراء، فدعوى المشترى، مخالفة للظاهر، نظير دعوى الغبن و الغفلة عن القيمة ممن لا يخفى عليه قيمة المبيع.

بقى في الرواية اشكال آخر

______________________________

العادة بنداء الدلال عند البيع بالبراءة من العيوب) نداء (على وجه يسمعه كل من حضر للشراء).

و عليه (فدعوى المشترى) انه لم يسمع النداء (مخالفة للظاهر، نظير دعوى) المشترى (الغبن و الغفلة عن القيمة) العادلة، حيث اشتراه باكثر من قيمته، اذا كان المشترى (ممن لا يخفى عليه قيمة المبيع).

فاذا اصل عدم معرفة القيمة هنا ساقطة بظهور ان اهل الخبرة يعلمون القيمة.

كما ان اصالة عدم الغفلة ساقطة بكون المشترى من اهل الخبرة.

و على هذا يكون المشترى مدعيا لمخالفة قوله الظاهر، و البائع منكرا و ليس المناط في المدعى ان يكون قوله مخالفا للاصل، بل احيانا يكون المدعى هو الّذي يخالف قوله الظاهر، فتأمّل.

(بقى في الرواية اشكال آخر) و هو ان المسقط لخيار العيب البراءة فى ضمن العقد.

و الرواية دلت على سقوط الخيار فيما اذا كانت البراءة قبل العقد، لان الدلال انما يتبرأ عند النداء.

و الجواب ان العقد وقع بناء على ذلك التبرى و ذلك كاف فى

ص: 294

من حيث ان البراءة من العيوب عند نداء المنادى لا يجدى في سقوط خيار العيب، بل يعتبر وقوعه في متن العقد.

و يمكن التفصّى عنه اما بالتزام كفاية تقدم الشرط على العقد بعد وقوع العقد عليه- كما يأتى في باب الشروط-.

و اما بدعوى ان نداء الدلال بمنزلة الايجاب لانه لا ينادى الا بعد ان يرغب فيه احد الحضّار بقيمته.

______________________________

اسقاط الخيار من قبيل سائر الشروط الضمنية كشرط السلامة و نحوها.

و قد اشار المصنف الى الاشكال بقوله: (من حيث ان البراءة من العيوب) على وجه يسمعه كل من حضر للشراء (عند نداء المنادى) «عند» متعلق ب «البراءة» (لا يجدى) اى التبرى عند النداء (فى سقوط خيار العيب، بل يعتبر وقوعه) اى التبرى (فى متن العقد) حتى يوجب اسقاط الخيار.

(و يمكن التفصي) و التخلص (عنه) اى عن هذا الاشكال (اما بالتزام كفاية تقدم الشرط على العقد بعد وقوع العقد عليه) اى بناء على هذا الشرط (- كما يأتى في باب الشروط-) لان ذلك شرط عند العرف، فيشمله دليل: المؤمنون عند شروطهم.

(و اما بدعوى ان نداء الدلال بمنزلة الايجاب) فيكون الشرط فى ضمن العقد (لانه لا ينادى الا بعد ان يرغب فيه احد الحضّار بقيمته) اى رغبته بالقيمة المعينة من قبل الدلال.

ص: 295

فينادى الدلال، و يقول: بعتك هذا الموجود بكل عيب، و يكرر ذلك مرارا من دون ان يتم الايجاب حتى يتمكن من ابطاله عند زيادة من زاد.

و الحاصل: جعل ندائه ايجابا للبيع و لو ابيت الا عن ان المتعارف فى الدلال كون ندائه قبل ايجاب البيع، امكن دعوى كون المتعارف فى ذلك الزمان غير ذلك، مع ان الرواية

______________________________

(ف) حينئذ (ينادى الدلال، و يقول: بعتك هذا الموجود بكل عيب و يكرر ذلك) الايجاب (مرارا).

و ان قلت: اذا كان ندائه ايجابا، فكيف يمكن من ابطاله عند زيادة من يزيد.

قلت: ينادى الدلال بالايجاب (من دون ان يتم الايجاب) لانه لا يذكر كل المتعلقات التى من جملتها الثمن، فهو من قبيل الوكيل الّذي لم يصله الامر النهائى من الموكل في قدر الثمن، حيث يشرع في الايجاب و ينتظر امر الموكل يذكر الثمن (حتى يتمكن من ابطاله عند زيادة من زاد) فى الثمن.

(و الحاصل: جعل ندائه ايجابا للبيع) لكنه في غاية البعد كما لا يخفى (و لو ابيت الا عن) القول ب (ان المتعارف في الدلال كون ندائه قبل ايجاب البيع، امكن) لاجل تصحيح الرواية (دعوى كون المتعارف فى ذلك الزمان) اى زمان صدور الرواية (غير ذلك) بل كون النداء هو ايجاب البيع، فان هذه الرواية تحتاج الى التوجيه، و من توجيهاتها ما ذكرناه و ان كان التوجيه الاول و هو كفاية تقدم الشرط اقرب (مع ان الرواية

ص: 296

لا تصريح فيها بكون البراءة في النداء قبل الايجاب، كما لا يخفى.

ثم الحلف هنا على نفى العلم بالبراءة لانه الموجب لسقوط الخيار لا انتفاء البراءة واقعا.

الخامسة: لو ادعى البائع رضاء المشترى به بعد العلم،

او اسقاط

______________________________

لا تصريح فيها بكون البراءة في النداء قبل الايجاب، كما لا يخفى) فمن المحتمل ان تكون البراءة في الايجاب.

(ثم) ان قلنا: ان البائع مدّع و المشترى منكر، حلف المشترى، لانه منكر.

و ان قلنا: ان المشترى مدع و البائع منكر- حسبما وجهنا به الرواية ثم لم يأت المشترى بالبيّنة، و لا حلف البائع رد الحلف الى المشترى المدعى-.

و على كلا التقديرين ف (الحلف) من المشترى (هنا على نفى العلم بالبراءة) اى انه لا يعلم بان البائع تبرّأ- و لا يحتاج الى الحلف بان البائع لم يتبرأ-.

و انما يكفى نفى العلم (لانه الموجب لسقوط الخيار) فالعلم بالبراءة يسقط الخيار، كما ان عدم العلم ظرف لوجود الخيار (لا انتفاء البراءة واقعا) اى لا نحتاج الى هذا، و ان كان مفيدا اذا علم المشترى بانه لم يتبرأ و حلف على انه لم يتبرأ.

(الخامسة: لو ادعى البائع رضاء المشترى به) اى بالمعيب (بعد العلم) بالعيب (او اسقاط

ص: 297

الخيار، او تصرفه فيه، او حدوث عيب عنده حلف المشترى لاصالة عدم هذه الامور.

و لو وجد في المعيب عيب اختلفا في حدوثه و قدمه ففى تقديم مدعى الحدوث لاصالة عدم تقدمه- كما تقدم سابقا في دعوى تقدم العيب و تأخره- او مدعى عدمه

______________________________

الخيار، او تصرفه فيه، او حدوث عيب عنده) مما يوجب اسقاط الخيار (حلف المشترى) اذا لم تكن للبائع بينة (لاصالة عدم هذه الامور) و قد تقدم ان الاصل- غالبا- مع المنكر.

(و لو وجد في المعيب عيب اختلفا في حدوثه و قدمه) فقال البائع:

انه حادث، و قال المشترى: انه قديم، فلى الخيار (ففى تقديم) قول (مدعى الحدوث) الّذي هو البائع (لاصالة عدم تقدمه- كما تقدم سابقا فى دعوى تقدم العيب و تأخره-).

فان فرض المسألة في السابق انه كان في المتاع عيب واحد و اختلفا فى حدوثه و قدمه.

و فرض المسألة هنا في المسقط للخيار بعد انهما اتفقا على انه كان معيبا عند البائع، مما اوجب الخيار، لكن البائع يقول: ان هذا العيب الثانى عيب جديد فسقط خيارك، و المشترى يقول: بل كان في السابق، فخيارى باق.

فعلى جريان اصالة عدم تقدم هذا العيب المتنازع فيه يكون العيب حادثا، و يكون مسقطا للخيار بالعيب القديم (او مدعى عدمه) اى عدم

ص: 298

لاصالة بقاء الخيار الثابت بالعقد على المعيب، و الشك في سقوطه بحدوث العيب الآخر في ضمان المشترى فالاصل عدم وقوع العقد على السليم من هذا العيب، حتى يضمنه المشترى.

و اما الثالث [الاختلاف في الفسخ] ففيه مسائل.
الأولى: لو اختلفا في الفسخ فان كان الخيار باقيا، فله انشاؤه.

______________________________

الحدوث (لاصالة بقاء الخيار الثابت بالعقد على المعيب) لان البائع يدعى سقوط الخيار، و الاصل بقائه، فيقدم قول المشترى (و الشك فى سقوطه) اى الخيار (ب) سبب (حدوث العيب الآخر) و هو العيب الثانى (فى ضمان المشترى).

و عليه (فالاصل عدم وقوع العقد على السليم من هذا العيب، حتى يضمنه) اى يضمن هذا العيب (المشترى) و يسقط بذلك خياره، «حتى متعلق ب «عدم وقوع» اى لم يقع فلا يضمن.

و هذا القول هو مقتضى القاعدة، لان اصل عدم تقدم العيب الثانى لا يثبت تأخره، لانه يكون حينئذ مثبتا، فاللازم ان يحلف المنكر الّذي هو المشترى ان لم يكن للبائع بينة على تأخر العيب المختلف فيه.

(و اما الثالث) و هو الاختلاف في الفسخ (ففيه مسائل).

(الاولى: لو اختلفا في الفسخ) بان قال المشترى: فسخت و قال البائع: لم تفسخ (فان كان الخيار باقيا، فله) اى للمشترى (انشائه) اما اذا انعكس بان قال البائع: فسخت، و قال المشترى: لم افسخ، فالاصل عدم الفسخ، و احتاج البائع الى البينة.

ص: 299

و في الدروس: انه يمكن جعل اقراره إنشاء.

و لعله لما اشتهر من ان: من ملك شيئا ملك الاقرار به، كما لو ادعى الزوج الطلاق.

و يدل عليه بعض الاخبار الواردة فيمن اخبر بعتق مملوكه، ثم جاء العبد يدعى النفقة على ايتام الرجل، و انه رق لهم

______________________________

(و في الدروس) قال: (انه يمكن) شرعا (جعل اقراره إنشاء) للفسخ، و ان لم يكن فسخ سابقا- فى الواقع- اى انه في مقام الاثبات يكون الاقرار بمنزلة الانشاء.

(و لعله) اى مستند الدروس (لما اشتهر) بين الفقهاء (من ان: من ملك شيئا ملك الاقرار به) فحيث ان المشترى يملك الفسخ، يملك الاقرار به، فاذا اقرّ به كان بمنزلة الانشاء (كما لو ادعى الزوج الطلاق) فانه يقبل منه لانه يملك الطلاق.

(و يدل عليه) اى على ان: من ملك شيئا ملك الاقرار به (بعض الاخبار الواردة فيمن اخبر بعتق مملوكه) قال في حاشية الطباطبائى اليزدى ره ان لفظ: العتق غلط من النسخة، او سهو من القلم، و الصحيح: البيع (ثم جاء العبد يدعى النفقة على ايتام الرجل، و انه رق لهم) فعن محمد بن عبد اللّه الكاهلى، قال: قلت لابى عبد اللّه عليه السلام: كان لعمّى غلام فابق، فاتى الانبار فخرج إليه عمى ثم رجع فقلت ما صنعت يا عم في غلامك، قال بعته فمكث ما شاء اللّه ثم ان عمى مات فجاء الغلام، فقال: انا غلام عمك، و قد ترك عمى اولادا صغارا و انا

ص: 300

و سيجي ء الكلام في فروع هذه القاعدة.

و ان كان بعد انقضاء زمان الخيار كما لو تلف العين افتقر مدعيه الى البينة، و مع عدمها حلف الآخر على نفى علمه بالفسخ ان ادعى عليه علمه بفسخه.

______________________________

وصيّهم، فقلت: ان عمى ذكر انه باعك، فقال: ان عمك كان لك مضار، و كره ان يقول لك، فتشمت به، و انا و اللّه غلام بنيه، فقال عليه السلام صدّق عمك، و كذّب الغلام فاخرجه و لا تقبله.

فان هذا الخبر دليل على انّ من ملك شيئا ملك الاقرار به، فان العم كان مالكا للغلام، فكان مالكا للاقرار بانه باعه، و العبد لا يملك نفسه و لذا لا اعتبار باقراره (و سيجي ء الكلام في فروع هذه القاعدة) ان شاء اللّه تعالى.

(و ان كان) قول المشترى بانه فسخ (بعد انقضاء زمان الخيار كما لو تلف العين) اذ بالتلف يسقط الخيار في باب خيار العيب (افتقر مدعيه الى البينة، و مع عدمها) بان لم تكن للمدعى البينة (حلف الآخر) و هو المنكر (على نفى علمه بالفسخ ان ادعى) المدعى (عليه) اى على المنكر (علمه بفسخه).

مثلا: قال المشترى: فسخت و لم تكن له بينة و انكر البائع، حلف البائع بانه لا يعلم ان المشترى فسخ، هذا اذا كان المنكر البائع لا يعلم بالفسخ و عدمه.

اما اذا علم بعدم الفسخ- من طريق ما- حلف على علمه بعدم

ص: 301

ثم اذا لم يثبت الفسخ فهل يثبت للمشترى المدعى للفسخ الارش؟

لئلا يخرج من الحقين أم لا لا قراره بالفسخ.

و زاد في الدروس انه يحتمل ان يأخذ اقل الامرين من الارش و ما زاد على القيمة من الثمن

______________________________

الفسخ، هذا كله اذا كان المدعى المشترى.

اما اذا كان مدعى الفسخ البائع و انكر المشترى، فالغالب انه يحلف على عدم فسخه.

نعم مع طول الزمان و نسيانه انه فسخ أم لا يحلف المشترى على نفى علم نفسه بالفسخ.

(ثم اذا لم يثبت الفسخ) بادعاء المشترى انه فسخ، و ذلك لانه لم تكن له بينة و حلف البائع على نفى علمه بالفسخ او على علمه بعدم الفسخ (فهل يثبت للمشترى المدعى للفسخ الارش؟) اذا كان المعيب مما له ارش (لئلا يخرج) المشترى (من الحقين) فان الشارع حيث لم يقبل منه الفسخ فقدا بقى حقه في الارش، لانه اذا لم يكن فسخ كان الارش (أم لا) حق له في الارش (لا قراره بالفسخ) فهو باقراره اسقط حقه في الارش، و الشارع اسقط حقه في الفسخ بسبب حلف البائع.

(و زاد في الدروس) احتمالا ثالثا، و هو ان ليس له الفسخ، و لا الارش، بل (انه يحتمل ان يأخذ) المشترى (اقل الامرين من الارش، و ما زاد على القيمة من الثمن).

مثلا: اشترى الشاة بعشرة و التفاوت بين الصحيح و المعيب الخمس

ص: 302

ان اتفق لانه بزعمه يستحق استرداد الثمن و رد القيمة فيقع التقاص فى قدر القيمة، و يبقى قدر الارش مستحقا على التقديرين، انتهى.

______________________________

و هو اثنان و قيمة الشاة السوقية تسعة او سبعة.

فانه في الاول يستحق دينارا واحدا، و في الثانى يستحق دينارين.

و ذلك لان المشترى يدعى انه فسخ، فاللازم ان يرجع إليه الثمن «العشرة».

لكن حيث ان الشارع لم يقبل فسخه كان عنده الشاة التى تسوى تسعة، فله دينار واحد، و هذا الدينار اقل من دينارين الّذي هو الارش و لكن في الثانى يدعى انه يطلب ثلاثة، و الارش الّذي هو ديناران اقل من الثلاثة، فله ديناران، لانه سقط حقه في الفسخ لحلف البائع و بقى حقه في الارش، و الارش ديناران حسب الفرض (ان اتفق) زيادة القيمة من الثمن.

و انما يأخذ اقل الامرين (لانه) اى المشترى (بزعمه) انه فسخ (يستحق استرداد الثمن) بان يأخذ الثمن من البائع (ورد القيمة) على البائع، اذ المفروض ان المتاع قد تلف عند المشترى، فاذا كان هناك فسخ لزم عليه ان يرد قيمة المتاع الى البائع (فيقع التقاص) القهرى بين البائع و المشترى (فى قدر القيمة، و يبقى) للمشترى (قدر الارش) الّذي هو دينار او ديناران (مستحقا على التقديرين) و هما تقدير زيادة التفاوت على الارش، و زيادة الارش على التفاوت، و وجه كلام الشهيد يظهر من هذا الجدول (انتهى) كلام الشهيد «ره».

ص: 303

الثانية: لو اختلفا في تأخر الفسخ عن اوّل الوقت

بناء على فورية الخيار، ففى تقديم مدعى التأخير لاصالة بقاء العقد، و عدم حدوث الفسخ في اوّل الزمان، او مدعى عدمه لاصالة صحة الفسخ، وجهان.

______________________________

و لا يخفى ما فيه من الاشكال اذ بعد ابطال الشارع حكم الفسخ باليمين فقد ذهب اليمين بالحق، فتأمل.

الثمن القيمة الارش خمس الثمن التفاوت بين الثمن و القيمة القدر المستحق 10/ 9/ 2/ 1/ 1 10/ 7/ 2/ 3/ 2

(الثانية: لو اختلفا في تأخر الفسخ عن اوّل الوقت) للذى له حق الفسخ، و هو وقت علم المشترى بالعيب (بناء على فورية الخيار).

اما بناء على عدم فورية الخيار، فليس له وقت محدد، الا بمقدار ان لا يتضرر البائع من تأخير الفسخ.

و كيف كان فاذا ادعى البائع تأخير الفسخ، فلا فسخ، و قال المشترى بل قدم الفسخ في وقته الفورى (ففى تقديم مدعى التأخير) الّذي هو البائع (لاصالة بقاء العقد، و) اصالة (عدم حدوث الفسخ في اوّل الزمان) اى الزمان الاول الّذي للمشترى فيه حق الفسخ- لانه فور- (او مدعى عدمه) اى عدم التأخير و هو المشترى (لاصالة صحة الفسخ وجهان)

و الظاهر الثانى لان المشترى يملك الفسخ، و من ملك شيئا كان قوله هو المسموع، الا ان يأتى الطرف الآخر بالبينة و في الكلام تفصيل خارج عن هذا الشرح.

ص: 304

و لو كان منشأ النزاع الاختلاف في زمان وقوع العقد مع الاتفاق على زمان الفسخ، ففى الحكم بتأخر العقد لتصحيح الفسخ وجه يضعف، بان اصالة تأخر العقد الراجعة حقيقة الى اصالة عدم تقدمه على الزمان المشكوك وقوعه فيه لا يثبت وقوع الفسخ في اوّل الزمان.

______________________________

(و لو كان منشأ النزاع الاختلاف في زمان وقوع العقد) فى انه هل وقع في الساعة الاولى او الثانية؟ (مع الاتفاق على زمان الفسخ) و انه وقع في الساعة الثالثة، فالمشترى يدعى ان العقد وقع في الساعة الثانية، و لذا كان الفسخ فوريا و البائع يدعى ان العقد وقع في الساعة الاولى، و لذا لم يكن الفسخ فوريا فالفسخ باطل (ففى الحكم بتأخر العقد لتصحيح الفسخ، وجه) لاصالة تأخر العقد، و لحمل فعل المسلم- الّذي هو الفسخ- على الصحيح.

و لكن هذا الوجه (يضعف، بان اصالة تأخر العقد الراجعة حقيقة الى اصالة عدم تقدمه) اذ الاصل عدم التقدم- فهو الّذي له حالة سابقة-.

اما التأخر فلا حالة سابقة له حتى يستصحب، فالاصل عدم تقدم العقد (على الزمان المشكوك وقوعه فيه) اى وقوع العقد في ذلك الزمان- كالساعة الاولى في المثال- فليس العقد واقعا في الساعة الاولى (لا يثبت وقوع الفسخ في اوّل الزمان) فالاستصحاب لا ينفع، لانه مثبت و اصالة الصحة لا توجب ترجيح احد طرفى النزاع.

ص: 305

و هذه المسألة نظير ما لو ادعى الزوج الرجوع في عدة المطلقة و ادعت هى تأخره عنها.

الثالثة: لو ادعى المشترى الجهل بالخيار، او بفوريته- بناء على فوريته- سمع قوله

ان احتمل في حقه الجهل، للاصل.

و قد يفصل بين الجهل بالخيار فلا يعذر.

______________________________

(و هذه المسألة نظير ما لو ادعى الزوج الرجوع في عدة المطلقة و ادعت هى تأخره) اى تأخر الرجوع (عنها) اى عن العدة، فان اصالة عدم تقدم الرجوع، لا تثبت كون الرجوع كان في حالة انقضاء العدة، لان الاصل مثبت، فتأمل.

(الثالثة) من مسائل الاختلاف في الفسخ (لو ادعى المشترى الجهل بالخيار) و لذا لم يأخذ به (او بفوريته) و لذا لم يأخذ به فورا، و انه علم الآن به او بفوريته فأخذ بالخيار و فسخ (- بناء على فوريته-) امّا على القول بعدم الفورية، فلا فائدة من ادعائه الجهل بالفورية (سمع قوله ان احتمل في حقه الجهل) بان لم يكن من اهل الخبرة باحكام الخيارات (للاصل) لان الاصل في الانسان الجهالة.

اما اذا كان من اهل العلم و الخبرة، فلا يسمع قوله- اى ليس معه الاصل المحكم- لما تقدم من ان الظاهر مقدم على الاصل في امثال هذه المقامات.

(و قد يفصل بين الجهل بالخيار فلا يعذر) بل يسقط خياره بعدم اخذه بالخيار.

ص: 306

الا اذا نشأ في بلد لا يعرفون الاحكام، و الجهل بالفورية فيعذر مطلقا، لانه مما يخفى على العامة.

القول في ماهية العيب

و ذكر بعض افراده.

اعلم ان حكم الرد و الارش معلق في الروايات على مفهوم العيب و العوار.

اما العوار ففى الصحاح انه العيب.

و اما العيب، فالظاهر من اللغة و العرف انه النقص عن مرتبة الصحة

______________________________

و انما لا يعذر لان دعواه الجهل مخالفة للظاهر، فيقدم الظاهر على الاصل (الا اذا نشأ في بلد لا يعرفون الاحكام) فيعذر (و) بين (الجهل بالفورية فيعذر مطلقا، لانه مما يخفى على العامة) فدعواه الجهل بها موافقة للظاهر و للاصل معا.

(القول في ماهية العيب و ذكر بعض افراده) التى صار الكلام بين الفقهاء حولها، نذكرها من باب تطبيق الكبرى على الصغرى.

(اعلم ان حكم الرد و الارش معلق في الروايات على مفهوم العيب و العوار) اى على هذين اللفظين فاللازم اتباع مفهومها عند إرادة الحكم بالردّ و الارش.

(اما العوار ففى الصحاح انه العيب) فلا نتكلم حوله بل نقتصر فى الكلام حول العيب.

(و اما العيب، فالظاهر من اللغة و العرف) عند تفسيره او موارد استعماله (انه النقص عن مرتبة الصحة

ص: 307

المتوسطة بينه و بين الكمال.

فالصحة ما يقتضيه اصل الماهية المشتركة بين افراد الشي ء- لو خلي و طبعه- و العيب و الكمال يلحقان له لامر خارج عنه.

ثم مقتضى حقيقة الشي ء قد يعرف

______________________________

المتوسطة بينه) اى بين النقص (و بين الكمال) فالمتوسط هو الصحيح، و الانزل منه هو المعيب، و الا رفع منه هو الكامل.

(فالصحة) عبارة عن (ما يقتضيه اصل الماهية المشتركة بين افراد الشي ء- لو خلي و طبعه-) «لو» متعلق ب «يقتضي» (و العيب و الكمال يلحقان له) اى لما يقتضيه اصل الماهية (لامر خارج عنه).

ثم النقص و الكمال قد يكونان نفسيين، و قد يكونان جسديين، و قد يكونان خارجيين.

فالنقص النفسى كان يكون العبد حسودا، و الدابة شموسا.

و الكمال النفسى كان يكون العبد كاتبا، و الدابة فهيمة.

و النقص الجسدى كان يكون العبد اعور، و الدابة عرجاء.

و الكمال الجسدى كان يكون العبد قوى البنية شديد العضلات اكثر من المتعارف، و كذلك الدابة.

و النقص الخارجى كان يكون العبد جانيا و الدّابة موطوءة او جلّالة.

و الكمال الخارجى كان يكون العبد ذا عشيرة كثيرة او ذا اقرباء اصحاب مناصب مثلا.

(ثم مقتضى حقيقة الشي ء) التى بها يقاس النقص و الكمال (قد يعرف

ص: 308

من الخارج كمقتضى حقيقة الحيوان الاناسى و غيره، فانه يعلم ان العمى عيب، و معرفة الكتابة في العبد و الطبخ في الامة كمال فيهما، و قد يستكشف ذلك بملاحظة اغلب الافراد، فان وجود صفة في اغلب افراد الشي ء يكشف عن كونه مقتضى الماهية المشتركة بين افراده، و كون التخلف فى النادر لعارض.

______________________________

من الخارج كمقتضى حقيقة الحيوان الاناسى و غيره) اى عير الاناسى كسائر افراد الحيوان (فانه يعلم ان العمى عيب، و معرفة الكتابة فى العبد و الطبخ في الامة) و كون الحيوان معلما (كمال فيهما، و قد يستكشف ذلك) اى يستكشف ان الشي ء الفلانى مقتضى الحقيقة، حتى يفهم به ما هو ناقص و ما هو كامل (بملاحظة اغلب الافراد) فان حالة اغلب الافراد هى ميزان التوسط (فان وجود صفة في اغلب افراد الشي ء يكشف عن كونه) اى كون وجود تلك الصفة (مقتضى الماهية المشتركة) تلك الماهية (بين افراده) اى افراد ذلك الشي ء (و) يكشف عن (كون التخلف) عن تلك الصفة (فى النادر) انما هو (لعارض).

و المراد بالماهية في المقام ليس الماهية الاصطلاحية، بل الوجود الخارجى الخلقى- كما لا يخفى-.

ثم ان قوله: و قد يستكشف، انما ذكره لاجل تصحيح كلام المشهور فى تعريف ان المراد بالخلقة الاصلية ما عليه اغلب افراد ذلك النوع- كما سيأتى عند قوله «اذا عرفت هذا»-.

ص: 309

و هذا و ان لم يكن مطردا في الواقع اذ كثيرا ما يكون اغلب الافراد متصفة بصفة لامر عارضى، او لامور مختلفة، الا ان بناء العرف و العادة على استكشاف حال الحقيقة عن حال اغلب الافراد.

و من هنا استمرت العادة على حصول الظنّ بثبوت صفة الفرد من ملاحظة

______________________________

(و هذا) اى كشف وجود الصفة في اغلب الافراد عن كون تلك الصفة مقتضى الطبيعة (و ان لم يكن مطردا في الواقع) فلا يكون الكاشف مطابقا للمكشوف (اذ كثيرا ما يكون اغلب الافراد متصفة بصفة لامر عارضى) على الاغلب، ككون اغلب الافراد الساكنين في خط الاستواء سودا لامر عارضى على الجميع و هو شدة اشراق الشمس على تلك المنطقة (او لامور مختلفة) بان تكون هناك علل متعددة تعطى مفعولا واحدا، ككون اغلب الافراد في منطقة كذا عوراء و العلة تارة عدم النظافة المؤدية الى رمد العين، ثم عورها، و تارة الاصابة بالجدرى لعدم الصحة، و تارة الوارثة (الا ان بناء العرف و العادة) الفرق بين الامرين هو ان العرف عما تبانوا عليه بانفسهم، و العادة عبارة عن اتخاذ امر الاسلاف مستندا، و ان لم يكن تبان حالى (على استكشاف حال الحقيقة عن حال اغلب الافراد) بل كثيرا ما يستكشفون حال الماهية عن حال جملة من الافراد بضميمة مقدمة حدسية هى ان الافراد المتعددة تكشف عن الجامع الموجود في الكل.

(و من هنا) اى من هذا البناء الّذي ذكرناه (استمرت العادة على حصول الظن بثبوت صفة الفرد من ملاحظة

ص: 310

اغلب الافراد فان وجود الشي ء في اغلب الافراد و ان لم يمكن الاستدلال به على وجوده في فرد غيرها، لاستحالة الاستدلال- و لو ظنا- بالجزئى على الجزئى، الا انه يستدل من حال الاغلب على حال القدر المشترك.

ثم يستدل من ذلك على حال الفرد المشكوك.

اذا عرفت هذا

______________________________

اغلب الافراد) فاذا رأينا اغلب الحيوانات تحرّك فكها الاسفل عند المضغ ظنننا ان كل حيوان كذلك (فان وجود الشي ء في اغلب الافراد و ان لم يمكن الاستدلال به) اى بهذا الوجود (على وجوده) اى وجود ذلك الشي ء (فى فرد غيرها) اى غير تلك الافراد التى رأيناها.

و ذلك (لاستحالة الاستدلال- و لو ظنا- بالجزئى على الجزئى) لان الاستدلال اما من العلة الى المعلول و اما من المعلول الى العلة و الجزئى لا يكون علة لجزئى آخر.

فالاستدلال القطعى هو ما اذا علمنا بالعلة، و الاستدلال الظنى هو ما اذا ظنننا بالعلة، اما اذا علمنا بانه لا علية فلا استدلال، لا علما و لا ظنا (الا انه يستدل من حال الاغلب على حال القدر المشترك) من باب الاستدلال من المعلول الى العلة، لانه لو لا القدر المشترك لم يكن حال الاغلب بهذه الصفة.

(ثم يستدل من ذلك) القدر المشترك (على حال الفرد المشكوك) استدلالا من العلة الى المعلول.

(اذا عرفت هذا) الّذي ذكرناه بقولنا قبل اسطر «و قد يستكشف ذلك»

ص: 311

تبين لك الوجه في تعريف العيب في كلمات كثير منهم بالخروج عن المجرى الطبيعى، و هو ما يقتضيه الخلقة الاصلية، و ان المراد بالخلقة الاصلية ما عليه اغلب افراد ذلك النوع، و ان ما خرج عن ذلك بالنقص فهو عيب، و ما خرج عنه بالمزية فهو كمال.

فالضيعة اذا لوحظت من حيث الخراج فما عليه اغلب الضياع من مقدار الخراج هو مقتضى طبيعتها فزيادة الخراج على ذلك المقدار عيب و نقصه عنه كمال

______________________________

(تبين لك الوجه في تعريف العيب في كلمات كثير منهم بالخروج عن المجرى الطبيعى) اى الطبيعة التى اودعها اللّه سبحانه في الاشياء و اجرى على تلك الطبيعة الافراد (و هو) اى المجرى الطبيعى (ما يقتضيه الخلقة الاصلية) اى اصل الخلقة في النوع (و ان المراد بالخلقة الاصلية ما عليه اغلب افراد ذلك النوع) فليس مرادهم من الاغلب، الاغلب التابع لجهات عارضة بل الاغلب التابع لاصل الخلقة (و ان ما خرج عن ذلك) المجرى الطبيعى (بالنقص) فى قبال ما خرج عنه بالكمال (فهو عيب و) ان (ما خرج عنه بالمزية) و الزيادة (فهو كمال).

و حيث ان الكلام كان موهما لطبيعة الخلقة، اراد المصنف ان يبين المراد من الطبيعة و انها اعم من الخلقة و من الامور الخارجية.

(ف) قال: (الضيعة اذا لوحظت من حيث الخراج فما عليه اغلب الضياع من مقدار الخراج هو مقتضى طبيعتها) العرفية (فزيادة الخراج على ذلك المقدار عيب) يوجب حق الفسخ و الارش (و نقصه عنه كمال)

ص: 312

و كذا كونها مورد العساكر.

ثم لو تعارض مقتضى الحقيقة الاصلية و حال اغلب الافراد التى يستدل بها على حال الحقيقة عرفا رجح الثانى، و حكم للشي ء بحقيقة ثانوية اعتبارية يعتبر الصحة و العيب و الكمال بالنسبة إليها.

و من هنا لا يعد ثبوت الخراج على الضيعة عيبا مع ان حقيقتها

______________________________

اذا غفل عنه الموجر، او البائع كان له حق الفسخ (و كذا كونها مورد العساكر) فقد يكون كمالا لانها بذلك محفوظة عن يد العابثين، و قد يكون نقصا لمزاحمتهم لصاحب الضيعة، هذا تمام الكلام في بيان معيار العيب.

(ثم لو تعارض مقتضى الحقيقة الاصلية و حال اغلب الافراد التى يستدل بها على حال الحقيقة عرفا) بحيث لو لم تعرف الحقيقة لاستدل بحال الاغلب على الحقيقة (رجح الثانى) الّذي هو حال اغلب الافراد.

فاذا كان المبيع خارجا عن حال الاغلب، كان معيبا.

اما اذا كان خارجا عن حال الحقيقة لم يكن معيبا.

و ذلك لان المعيار في العيب العرف، و ما يكون مطابقا للاغلب ليس معيبا عرفا (و حكم للشي ء بحقيقة ثانوية اعتبارية) بحيث (يعتبر الصحة و العيب و الكمال بالنسبة إليها) فان كان على حسب الاغلب كان صحيحا و ان كان انقص من الاغلب كان معيبا، و ان كان ازيد من الاغلب كان كاملا

(و من هنا) و هو الاعتبار بحال الاغلب (لا يعد ثبوت الخراج على الضيعة عيبا) لان الاغلب ان يكون الخراج على الضيعة (مع ان حقيقتها

ص: 313

لا تقتضى ذلك، و انما هو شي ء عرض اغلب الافراد، فصار مقتضى الحقيقة الثانوية، فالعيب لا يحصل الا بزيادة الخراج على مقتضى الاغلب.

و لعل هذا هو الوجه في قول كثير منهم، بل عدم الخلاف بينهم فى ان الثيبوبة ليست عيبا في الاماء.

______________________________

لا تقتضى ذلك) الخراج- كما هو واضح- (و انما هو) الخراج (شي ء عرض اغلب الافراد) اى افراد الضياع التى ليست مستثناة من هذا الحكم (فصار) الخراج (مقتضى الحقيقة الثانوية) فهذا هو الميزان.

و عليه (فالعيب لا يحصل الا بزيادة الخراج على مقتضى الاغلب) كما ان الكمال هو بنقص الخراج عن مقتضى الاغلب.

فاذا كان خراج امثال هذه الضيعة مائة، و كان خراج هذه الضيعة مأتين كانت معيبة.

و اذا كان خراجها خمسين كانت كاملة.

(و لعل هذا) الّذي ذكرناه من اعتبار الاغلب فيها اذا كانت هناك غلبة تخالف الطبيعة الاولية (هو الوجه في قول كثير منهم، بل عدم الخلاف بينهم في ان الثيبوبة ليست عيبا في الاماء) اذ الغالب في الاماء ان تنال و لا تكون بكرا، فهذه حقيقة ثانوية تقاس بها الامة المعيوبة و الكاملة.

فاذا كانت بالإضافة الى الثيبوبة مفضاة كانت معيبة و اذا كانت بكرا كانت كاملة، و اذا كانت ثيبة فقط كانت صحيحة.

ص: 314

و قد ينعكس الامر فيكون العيب في مقتضى الحقيقة الاصلية، و الصحة بالخروج الى مقتضى الحقيقة الثانوية كالغلفة فانها عيب في الكبير لكونها مخالفة لما عليه الاغلب.

الا ان يقال ان الغلفة بنفسها ليست عيبا انما العيب كون الاغلف

______________________________

(و قد ينعكس الامر) اى امر الحقيقة الاولية (فيكون العيب في مقتضى الحقيقة الاصلية و) انما يكون هذا انعكاسا لان اللازم ان تكون الحقيقة الاصلية معيارا للصحة.

فاذا كانت (الصحة بالخروج الى مقتضى الحقيقة الثانوية) كان ذلك انعكاسا للاول، و ذلك (كالغلفة فانها) مع كونها مقتضى الحقيقة الاصلية لكنها (عيب في الكبير، لكونها مخالفة لما عليه الاغلب) فاذا اشترى عبدا و كان اغلف كان له خيار العيب.

نعم ربما يفصل بين ما اذا اشترى عبدا مسلما فالغلفة عيب فيه، بخلاف ما اذا اشترى عبدا غير مسلم.

كما ان للمكان و الزمان أيضا مدخلية في صدق العيب و عدمه.

فلو اشترى عبدا في افريقيا لم يكن السواد عيبا فيه، بخلاف ما اذا اشترى عبدا مجلوبا من البلاد الباردة.

و كذلك اذا اشترى شاة في العراق فعدم وجود الالية لها عيب، بخلاف ما اذا اشترى شاة في اليمن لان الغالب عدم الالية لشياهها

(الا ان يقال) لا نسلم ان الغلفة- التى هى مقتضى الطبيعة الاصلية- عيب ف (ان الغلفة بنفسها ليست عيبا انما العيب كون الاغلف

ص: 315

موردا للخطر، بختانه، و لذا اختص هذا العيب بالكبير دون الصغير

و يمكن ان يقال: ان العبرة بالحقيقة الاصلية و النقص عنها عيب، و ان كان على طبق الاغلب، الا ان حكم العيب لا يثبت مع اطلاق العقد حينئذ لانه انما يثبت من جهة اقتضاء الاطلاق للالتزام بالسلامة، فيكون كما لو

______________________________

موردا للخطر، ب) سبب (ختانه، و لذا) الّذي يكون الخطر عيبا لا الغلفة (اختص هذا العيب بالكبير) الّذي هو مورد الخطر (دون) العبد (الصغير).

اللّهم الا ان يقال: ان عدم كونه عيبا في الصغير لغلبة عدم الاختتان، فليس العيب الخطر، بل الغلفة في الكبير لانها مخالفة لاغلب الافراد.

(و يمكن ان يقال) ان ما تقدم من ان مقتضى الخلقة الاصلية الثانوية بكون الاعتبار بها، فالثيبوبة في الاماء ليست عيبا، غير تام، فالثيبوبة عيب و لكن حكم العيب لا يثبت لها.

و ذلك ل (ان العبرة بالحقيقة الاصلية و النقص عنها عيب، و ان كان) ذلك النقص (على طبق الاغلب) غلبة ثانوية (الا ان حكم العيب) من الرد و الارش (لا يثبت مع اطلاق العقد حينئذ) اى حين كان الاغلب على خلاف الطبيعة الاصلية.

و انما لا يثبت حكم العيب مع وجود موضوعه (لانه انما يثبت) حكم العيب (من جهة اقتضاء الاطلاق للالتزام) اى التزام البائع (بالسلامة فيكون) الاطلاق- بدون البراءة من العيب- (كما لو

ص: 316

التزمه صريحا في العقد، فاذا فرض الاغلب على خلاف مقتضى الحقيقة الاصلية لم تقض الاطلاق ذلك، بل اقتضى عكسه اعنى التزام البراءة من ذلك النقص.

فاطلاق العقد على الجارية- بحكم الغلبة- منزل على التزام البراءة من عيب الثيبوبة.

و كذا الغلفة في الكبير فهى أيضا عيب في الكبير، لكون العبد معها موردا للخطر عند الختان الا ان الغالب في المجلوب من بلاد الشرك لما كان

______________________________

التزمه) اى السلامة (صريحا في العقد) بان خلافها يقتضي الخيار (فاذا فرض الاغلب على خلاف مقتضى الحقيقة الاصلية) كالثيبوبة فى الاماء (لم يقتض الاطلاق ذلك) اى التزام البائع بالسلامة (بل اقتضى) الاطلاق (عكسه) اى عكس التزام السلامة (اعنى التزام البراءة من ذلك النقص) و لذا ليس للمشترى خيار العيب.

(فاطلاق العقد على الجارية- بحكم الغلبة-) فى ثيبوبة الاماء (منزل) ذلك الاطلاق (على التزام) البائع (البراءة من عيب الثيبوبة) هذا في صورة نقص المبيع عن الحقيقة الاصلية.

(و كذا) فى صورة بقاء المبيع على الحقيقة الاصلية مثل (الغلفة فى الكبير فهى أيضا عيب فى) العبد (الكبير، لكون العبد معها موردا للخطر عند الختان) اذا كان مسلما او اسلم، و الا لم يجب ختان غير المسلم فان الكفار و ان كانوا مكلفين بالفروع الا انه لا يجبرون على تطبيقها، كما قرر في محلّه (الا ان الغالب في المجلوب من بلاد الشرك لما كان

ص: 317

هى الغلقة لم يقتض الاطلاق التزام سلامته من هذا العيب، بل اقتضى التزام البائع البراءة من هذا العيب، فقولهم ان الثيبوبة ليست عيبا فى الاماء، و قول العلامة في القواعد: ان الغلفة ليست عيبا في الكبير المجلوب لا يبعد ارادتهم نفى حكم العيب من الردّ و الارش لا نفى حقيقته

و يدل عليه نفى الخلاف في التحرير عن كون الثيبوبة ليست عيبا مع انه في التحرير و التذكرة اختار الارش مع اشتراط البكارة مع انه لا ارش فى تخلف الشرط بلا

______________________________

هى الغلفة لم يقتض الاطلاق) فى العقد (التزام سلامته من هذا العيب) الّذي هو الغلفة (بل اقتضى) اطلاق العقد (التزام البائع البراءة من هذا العيب) فموضوع العيب و ان كان موجودا، لكن حكمه ليس بموجود

و على هذا (فقولهم ان الثيبوبة ليست عيبا في الاماء، و قول العلامة فى القواعد: ان الغلفة ليست عيبا في الكبير المجلوب) من بلاد الكفر (لا يبعد ارادتهم نفى حكم العيب من الردّ و الارش) «من» بيان «حكم» (لا نفى حقيقته) اى حقيقة العيب، فكلامهم مجاز من باب نفى الموصوف لنفى الصفة، نحو: لا رجال، فيما يراد بذلك نفى صفات الرجولة.

(و يدل عليه) اى على ان مرادهم نفى حكم العيب- لا نفى العيب حقيقة- (نفى الخلاف في التحرير عن كون الثيبوبة ليست عيبا) اى قال فى التحرير «لا خلاف في ان الثيبوبة ليست عيبا» (مع انه في التحرير و التذكرة اختار الارش مع اشتراط) المشترى على البائع (البكارة) فى الامة المشتراة، ثم ظهرت انها ثيبة (مع انه لا ارش في تخلف الشرط بلا

ص: 318

خلاف ظاهر.

و تظهر الثمرة فيما لو اشترط المشترى البكارة و الختان، فانه يثبت على الوجه الثانى حكم العيب من الرد و الارش لثبوت العيب غاية الامر عدم ثبوت الخيار مع الاطلاق لتنزله منزلة تبرى البائع من هذا العيب فاذا زال مقتضى الاطلاق.

______________________________

خلاف ظاهر) بين الفقهاء.

فجعل العلامة الارش للثيبوبة يدل على ان العلامة يرى الثيبوبة عيبا، و ذلك دليل على ان قوله في التحرير «الثيبوبة ليست عيبا» يريد بذلك انه ليس لها حكم العيب، لا انه يريد انها ليست عيبا حقيقة.

(و تظهر الثمرة) بين كون الثيبوبة ليست بعيب اصلا، و بين كونها عيبا، و لكن ليس لها حكم العيب (فيما لو اشترط المشترى البكارة و الختان) ثم تخلف شرطه، فكانت الامة ثيبة، و العبد اغلف (فانه يثبت على الوجه الثانى) اى انهما عيب و لكن لا حكم لهما مع الاطلاق (حكم العيب من الرد و الارش) فى صورة تخلف الشرط (لثبوت العيب) «لثبوت» متعلق ب «يثبت».

ان قلت: اذا كان هذان عيبا فلما ذا لا يثبت حكم العيب في صورة اطلاق العقد.

قلت: (غاية الامر عدم ثبوت الخيار) للمشترى (مع الاطلاق) اى اطلاق العقد (لتنزله) اى تنزل الاطلاق (منزلة تبرّى البائع من هذا العيب) الّذي هو الغلفة و الثيبوبة (فاذا زال مقتضى الاطلاق،

ص: 319

بالاشتراط ثبت حكم العيب.

و اما على الوجه الاول فان الاشتراط لا يفيد الاخيار تخلف الشرط دون الارش.

لكن الوجه السابق اقوى.

و عليه فالعيب انما يوجب الخيار اذا لم يكن غالبا في افراد الطبيعة بحسب نوعها او صنفها

______________________________

ب) سبب (الاشتراط) اى اشتراط المشترى الختان و البكارة (ثبت حكم العيب) الّذي هو الردّ و الارش.

(و اما على الوجه الاول) من ان الثيبوبة و الغلفة ليستا بعيب اصلا (فان الاشتراط لا يفيد) اذا ظهر خلاف الشرط (الاخيار تخلف الشرط) الّذي يعطى للمشترى حق الرد فقط (دون الارش) اذ ليس هناك عيب حتى يوجب الارش.

و الحاصل انه تظهر الثمرة في انه لو شرط المشترى الختان و البكارة و تخلف الشرط، كان له الرد و الارش- بناء على ان الثيبوبة و الغلفة عيب- و كان له الرد فقط- بناء على انهما ليستا بعيب-.

(لكن الوجه السابق) و هو انهما عيب (اقوى) لما عرفت.

(و عليه) اى بناء على الوجه الاول (فالعيب انما يوجب الخيار، اذا لم يكن غالبا في افراد الطبيعة بحسب نوعها او صنفها) فاذا غلب العيب بحسب النوع كالغلفة لان نوع الذكر اغلف او غلب بحسب الصنف كالثيبوبة لان صنف الاماء الكبيرات ثيب، فلا خيار لان اطلاق العقد حينئذ

ص: 320

و الغلبة الصنفية مقدمة على النوعية عند التعارض، فالثيبوبة في الصغيرة غير المجلوبة عيب، لانها ليست غالبة في صنفها و ان غلبت في نوعها.

ثم ان مقتضى ما ذكرنا دوران العيب مدار نقص الشي ء من حيث عنوانه مع قطع النظر عن كونه مالا فان الانسان الخصى ناقص في نفسه و

______________________________

منزل عليه (و الغلبة الصنفية مقدمة على) الغلبة (النوعية عند التعارض) كان يكون النوع بكرا، و لكن الصنف ثيبا (فالثيبوبة في الصغيرة غير المجلوبة عيب، لانها ليست غالبة في صنفها) اذ الصغيرة تقتضى عدم تناولها بالوطى، و كونها غير مجلوبة يقتضي بعدها عن تناول الايدى الملازم لوطئها- حتى و هى صغيرة- (و ان غلبت في نوعها) اى نوع الاماء.

(ثم ان مقتضى ما ذكرنا) من ان العيب عبارة عن الخروج عن مقتضى الطبيعة الاولية او الطبيعة الثانوية الغالبة (دوران العيب مدار نقص الشي ء من حيث عنوانه) الشخصى (مع قطع النظر عن كونه مالا) فان بين الامرين عموما من وجه.

اذ ربما يكون نقص شخص بدون نقص المال.

و ربما يكون نقص في المال بدون نقص الشخص.

و ربما يجتمعان، مثلا: الخصى نقص في شخصه بدون نقص في مال و الثيبوبة في الاماء نقص في المال لانها ارخص من البكر و لكن بدون نقص في الشخص لما عرفت من ان البكر طبيعة غالبة في الاماء، و العوار نقص في الشخص و المال (فان الانسان الخصى ناقص في نفسه، و

ص: 321

ان فرض زيادته من حيث كونه مالا و كذا البغل الخصى حيوان ناقص و ان كان زائدا من حيث المالية على غيره.

و لذا ذكر جماعة ثبوت الرد دون الارش، فى مثل ذلك.

و يحتمل قويا ان يقال ان المناط في العيب هو النقص المالى فالنقص الخلقى غير الموجب للنقص كالخصاء و نحوه ليس عيبا الّا ان الغالب في افراد الحيوان لما كان عدمه كان اطلاق العقد

______________________________

ان فرض زيادته من حيث كونه مالا) فلا نقص في ماليته (و كذا البغل الخصى حيوان ناقص و ان كان زائدا من حيث المالية على غيره).

(و لذا) الّذي ليس فيهما نقص في المالية (ذكر جماعة ثبوت الرد دون الارش، فى مثل ذلك) مما له نقص خلقى، و لكن لا نقص في ماليته فانه حيث كان معيبا كان للمشترى الخيار، و لكن حيث لا نقص في ماليته لم يكن له ارش.

(و يحتمل قويا ان يقال ان المناط في العيب هو النقص المالى).

و عليه (فالنقص الخلقى) بكسر الخاء (غير الموجب للنقص) المالى (كالخصاء و نحوه ليس عيبا).

و منشأ هذا الاحتمال ان الظاهر من الادلة كون الرد و الارش معا من مقتضيات العيب، فاذا لم يكن ارش تبين انه لا عيب فلا رد أيضا- من جهة خيار العيب- و ان كان له الرد من جهة اخرى.

و الجهة الاخرى هى ما ذكره بقوله: (الّا ان الغالب في افراد الحيوان لما كان عدمه) اى عدم الخصاء- مثلا- (كان اطلاق العقد

ص: 322

منزلا على اقدام المشترى على الشراء مع عدم هذا النقص اعتمادا على الاصل و الغلبة، فكانت السلامة عنه بمنزلة شرط اشترط في العقد لا يوجب تخلفه الا خيار تخلف الشرط.

و تظهر الثمرة في طروّ موانع الرد بالعيب بناء على عدم منعها عن الرد بخيار تخلف الشرط، فتأمل.

______________________________

منزلا على اقدام المشترى على الشراء مع عدم هذا النقص) لانصراف الاطلاق إليه (اعتمادا) من المشترى (على الاصل و الغلبة) اى غلبة عدم هذا العيب (فكانت السلامة عنه) اى عن هذا النقص (بمنزلة شرط اشترط في العقد) و (لا يوجب تخلفه) اى تخلف هذا الشرط (الاخيار تخلف الشرط) فله حق الرد و ليس له حق الارش.

(و تظهر الثمرة) فى كون الخيار خيار العيب، او خيار تخلف الشرط (فى طروّ موانع الرد بالعيب) «بالعيب» متعلق ب «الرد» اذا طرأ مانع من موارد الرد بسبب العيب (بناء على عدم منعها) اى عدم منع تلك الموانع (عن الرد ب) سبب (خيار تخلف الشرط) فان المانع اذا وجد كالتصرف مثلا- ان كان الخيار خيار العيب لم يتمكن المشترى من رده بالخيار لان التصرف مانع عن الرد- فى باب خيار العيب- و ان كان الخيار خيار الشرط تمكن المشترى من الرد- لان التصرف لا يمنع من الرد، فى باب خيار الشرط- (فتأمل) لعدم تمامية هذه الثمرة، اذ موانع الرد انما تمنع الرد فيما اذا كان هناك ارش، ورد.

اما اذا كان هناك ردّ فقط- كالعيب الّذي لا يوجب نقص المالية-

ص: 323

و في صورة حصول هذا النقص قبل القبض او في مدة الخيار فانه مضمون على الاول بناء على اطلاق كلماتهم ان العيب مضمون على البائع.

بخلاف الثانى فانه لا دليل على ان فقد الصفة المشترطة قبل القبض او في مدة الخيار مضمون على البائع بمعنى كونه سببا للخيار.

______________________________

فان موانع الرد لا تأتى هناك، بل للمشترى الرد و ان تصرف في المبيع.

فلا فرق بين كون الخيار خيار العيب او خيار تخلف الشرط في ان للمشترى الرد، هذه هى الثمرة الاولى بين كون الخيار خيار العيب او خيار الشرط.

و الثمرة الثانية ما ذكره بقوله: (و فى) عطف على «فى طروّ» (صورة حصول هذا النقص قبل القبض او في مدة الخيار) كما اذا اخصى الحيوان او العبد في وقت ضمان البائع (فانه مضمون على الاول) اى كون الخيار خيار العيب (بناء على اطلاق كلماتهم ان العيب مضمون على البائع) بحيث يشمل العيب المنقص للمالية، و العيب غير المنقّص للمالية يعنى ان قولهم «ان التلف قبل القبض او التلف في مدة الخيار مضمون على البائع» يشمل العيب، سواء اوجب نقص المالية كالعوار، او لم يوجب كالخصاء.

(بخلاف الثانى) اى كون الخيار خيار الشرط (فانه لا دليل على ان فقد الصفة المشترطة) فقدا (قبل القبض او في مدة الخيار مضمون على البائع بمعنى كونه) اى كون فقد الصفة (سببا للخيار).

و انما فسر الضمان بهذا، اذ لا معنى للضمان بمعنى الارش فى

ص: 324

و للنظر في كلا شقّي الثمرة مجال.

و ربما يستدل لكون الخيار هنا خيار العيب بما في مرسلة السيارى

______________________________

المقام، الّذي هو نقص خلقى، و لكنه لا يوجب نقصا في المال، كالخصاء.

(و للنظر في كلا شقى الثمرة) الثانية، و هما ما اشار إليهما بقوله «فانه مضمون على الاول» و «بخلاف الثانى» (مجال).

اما النظر في الشق الاول، فهو ان ما دلّ على ان التلف قبل القبض و في زمن الخيار من مال البائع، لا اطلاق له، بحيث يشمل التلف غير المنقص للمالية، بل دليل هذا الخيار هو قوله عليه السلام «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه» و قوله عليه السلام «ان التلف فى زمن الخيار ممّن لا خيار له».

و حيث ان التلف اعم من تلف الذات و تلف الوصف، فنقول بان النقص أيضا حكمه حكم التلف، و القدر المتيقن من تلف الوصف ما يشمل النقص المالى، فلا يشمل الدليل مقامنا و هو ما اذا لم يكن النقص الخلقى موجبا للنقص المالى.

و اما النظر في الشق الثانى فلان ما يدل على ضمانه- قبل القبض و في مدة الخيار- على تقدير كونه عيبا هو بعينه دليل على ضمانه، على تقدير عدم كونه عيبا، لصدق التلف، سواء كان عيبا، أم لا، فلا فرق بين العيب و الشرط في ضمان البائع.

(و ربما يستدل لكون الخيار هنا) و هو فيما لا نقص في ماليته و انما النقص في خلقته (خيار العيب) لا خيار الشرط (بما في مرسلة السيارى

ص: 325

الحاكية لقصة ابن ابى ليلى حيث قدم إليه رجل خصما له، فقال: ان هذا باعنى هذه الجارية، فلم اجد على ركبها حين كشفها شعرا، و زعمت انه لم يكن لها قط.

فقال له ابن ابى ليلى ان الناس ليحتالون بهذا بالحيل حتى يذهبوه، فما الّذي كرهت فقال له ايها القاضى ان كان عيبا، فاقض لى به، قال فاصبر حتى اخرج أليك، فانى اجد اذى في بطنى ثم دخل بيته و خرج من

______________________________

الحاكية لقصة ابن ابى ليلى) و كان من قضاة العامة (حيث قدم إليه رجل خصما له، فقال) المدعى (ان هذا) الرجل (باعنى هذه الجارية، فلم اجد على ركبها) اى عورتها- سميّت بذلك لانها تركب- (حين كشفها شعرا و زعمت) الجارية (انه لم يكن لها قط) و هذا عيب لان عدم الشعر يوجب سقوط الموضع عن النظارة و الرونق، بخلاف ما له شعر و يزال بالنورة و نحوها

(فقال له ابن ابى ليلى ان الناس ليحتالون بهذا) الذهاب للشعر (بالحيل حتى يذهبوه) و الحيلة بمعنى العلاج، قال عليه السلام و لا تمكر بى في حيلتك (فما الّذي كرهت) ايها المشترى من عدم شعر على الركبة، و الحال انه امر حسن (فقال له) المشترى (ايها القاضى ان كان) عدم الشعر (عيبا، فاقض لى به) فانى اريد الحكم الشرعى لا الارشاد العرفى (قال) ابن ابى ليلى (فاصبر حتى اخرج أليك، فانى اجد اذى في بطنى) و جعل هذا وسيلة لتهربه عن الجواب، حيث لم يكن يتمكن من ان يجيب بجواب اعتباطى، فانه كان مسئولا عند الناس (ثم دخل بيته، و خرج من

ص: 326

باب آخر، فاتى محمد بن مسلم الثقفى، فقال له: اى شي ء تروون عن ابى جعفر في المرأة لا تكون على ركبها شعر، أ يكون هذا عيبا؟ فقال له محمد ابن مسلم اما هذا نصا فلا اعرفه، و لكن حدثنى ابو جعفر عن ابيه عن آبائه عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم قال: كلما كان في اصل الخلقة فزاد او نقص فهو عيب، فقال له ابن ابى ليلى: حسبك هذا فرجع الى القوم، فقضى لهم بالعيب، فان ظاهر اطلاق الرواية المؤيد بفهم ابن مسلم من حيث نفى نصوصية الرواية في تلك القضية المشعر بظهورها فيها

______________________________

باب آخر، فاتى محمد بن مسلم الثقفى، فقال له: اى شي ء تروون عن ابى جعفر) عليه السلام (فى المرأة لا تكون على ركبها شعر، أ يكون هذا عيبا؟) حتى يوجب الخيار (فقال له محمد بن مسلم اما هذا نصا فلا اعرفه، و لكن) هناك دليل عام يشمل مثل ذلك، فقد (حدثنى ابو جعفر عن ابيه عن آبائه عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم قال: كلما كان في اصل الخلقة فزاد او نقص فهو عيب) فعدم وجود الشعر عيب لانه خلاف اصل الخلقة (فقال له ابن ابى ليلى: حسبك هذا) اى يكفيك فلا احتاج الى المزيد (فرجع الى القوم، فقضى لهم بالعيب).

وجه الاستدلال بهذا الحديث (فان ظاهر اطلاق الرواية المؤيّد بفهم ابن مسلم من حيث نفى نصوصية الرواية في تلك القضية) فان ابن مسلم قال: اما هذا نصا فلا اعرفه (المشعر) لنفى النصوصية (بظهورها) اى الرواية (فيها) اى في تلك القضية- فان فهم ابن مسلم يؤيد الاطلاق و فهمه ناش من قوله: لا نص، اذ قوله: لا نص، يفيد ان الرواية ظاهرة

ص: 327

و فهم ابن ابى ليلى من حيث قوله و عمله، كون مجرد الخروج عن المجرى الطبيعى عيبا و ان كان مرغوبا فلا ينقص لاجل ذلك من عوضه كما يظهر من قول ابن ابى ليلى ان الناس ليحتالون الخ و تقرير المشترى له فى ردّه.

لكن الانصاف عدم دلالة الرواية على ذلك.

اما أولا:

______________________________

فى القضية (و فهم ابن ابى ليلى من حيث قوله) حسبك هذا، اذ لو لا استظهاره لم يكتف (و عمله) حيث حكم للمشترى (كون) خبر «ان ظاهر» (مجرد الخروج عن المجرى الطبيعى عيبا و ان كان) ذلك الخروج (مرغوبا) عند الناس (فلا ينقص لاجل ذلك) الخروج (من عوضه) اى الثمن، و قوله «فلا ينقص» تفريع على «مرغوبا» (كما يظهر من قول ابن ابى ليلى ان الناس ليحتالون الخ) فان ظاهره ان ذلك مرغوب فيه (و تقرير المشترى له في رده) حيث ان ظاهر كلام المشترى: انه مرغوب في نفسه، لكن هو يريد حكمه الشرعى.

(لكن الانصاف عدم دلالة الرواية على ذلك) اى على ان الخيار خيار العيب فيما اذا لم يوجب النقص الخلقى نقصا في المالية.

(اما أولا) فلان ما ذكر من تأييد فهم ابن مسلم، و فهم و عمل ابن ابى ليلى، غير تام، فان المصنف قرب الرواية أولا بان اطلاق الرواية يدل على ان الخروج من المجرى الطبيعى عيب، و ثانيا: لفهم ابن مسلم و ابن ابى ليلى بان الرواية ظاهرة في ان الخروج عن المجرى الطبيعى عيب

ص: 328

فلان ظاهر الحكاية ان رد المشترى لم يكن لمجرد عدم الشعر، بل لكونها فى اصل الخلقة كذلك الكاشف عن مرض في العضو او في اصل المزاج، كما يدل عليه عدم اكتفائه في عذر الرد، بقوله: لم اجد على ركبها شعرا، حتى ضم إليه دعواه انه لم يكن لها قط.

و قول ابن ابى ليلى ان الناس ليحتالون في ذلك حتى يذهبوه، لا يدل على مخالفة المشترى في كشف ذلك عن المرض.

______________________________

(ف) نقول اما التأييد فلا نسلمه (لان ظاهر الحكاية ان رد المشترى لم يكن لمجرد عدم الشعر) فليس العيب لمجرد الخروج عن المجرى الطبيعى، بل لاجل كشف عدم الشعر عن المرض، فلا تدل الرواية على ان كل خروج عن الطبيعة عيب حتى يكون الخيار خيار العيب (بل لكونها فى اصل الخلقة كذلك) اى كون المرأة بلا شعر خلقة (الكاشف عن مرض فى العضو) و هو الركب (او في اصل المزاج) بصورة عامة، و قد ظهر انحراف المزاج في هذا العضو (كما يدل عليه) اى على ان عدم الشعر كاشف عن المرض (عدم اكتفائه) اى المشترى (فى عذر) ه فى (الرد، بقوله: لم اجد على ركبها شعرا، حتى ضم إليه دعواه انه لم يكن لها قط) شعر ليفهم ان عدم الشعر من المرض.

(و قول ابن ابى ليلى ان الناس ليحتالون في ذلك حتى يذهبوه لا يدل) «لا يدل» خبر «قول» و هذا جواب عما ذكره سابقا بقوله «كما يظهر من قول ابن ابى ليلى» (على مخالفة المشترى في كشف ذلك) اى عدم الشعر (عن المرض) حتى اذا كان ابن ابى ليلى مخالفا

ص: 329

و انما هى مغالطة عليه تفصيا عن خصومته لعجزه عن حكمها، و الاحتيال لا ذهاب شعر الركب، لا يدل على ان عدمه في اصل الخلقة شي ء مرغوب فيه، كما ان احتيالهم لا ذهاب شعر الرأس لا يدل على كون عدمه من اصله لقرع او شبهه امرا مرغوبا فيه.

و بالجملة، فالثابت من الرواية هو كون عدم الشعر على الركب مما يقطع او يحتمل كونه لاجل مرض عيبا.

و قد عدّ من العيوب الموجبة

______________________________

للمشترى، دل كلامه على ان الخيار ليس بخيار عيب (و انما هى) قول ابن ابى ليلى- و تأنيث الضمير باعتبار الخبر- و هو (مغالطة عليه) اى على المشترى (تفصيا) و تخلصا (عن خصومته) اى مخاصمة المشترى مع البائع (لعجزه) اى ابن ابى ليلى (عن حكمها) اى حكم الخصومة.

(و) ما ذكره ابن ابى ليلى من (الاحتيال لاذهاب شعر الركب) انما هو تتميم لمغالطته، فان الاحتيال (لا يدل على ان عدمه) اى عدم الشعر (فى اصل الخلقة شي ء مرغوب فيه، كما ان احتيالهم لاذهاب شعر الرأس لا يدل على كون عدمه) اى عدم شعر الرأس (من اصله) خلقة و (لقرع او شبهه امرا مرغوبا فيه).

(و بالجملة، ف) نقول في رد التأييد ان (الثابت من الرواية هو كون عدم الشعر على الركب) اذا كان عدمه (مما يقطع او يحتمل كونه لاجل مرض) لا فيما اذا علمنا انه ليس لاجل المرض (عيبا) خبر «كون».

(و) كيف لا يكون ذلك عيبا و الحال انه (قد عدّ من العيوب الموجبة

ص: 330

للارش ما هو ادون من ذلك.

و أما ثانيا: فلان قوله عليه السلام: فهو عيب، انما يراد به بيان موضوع العيب توطئة لثبوت احكام العيب له.

______________________________

للارش ما هو ادون من ذلك) فتبين ان ليس ظاهر الرواية ان مجرد الخروج من المجرى الطبيعى عيب- اذ الرواية تقول ان الخروج المسبب عن المرض عيب-.

و لذا يحتمل ان الخيار في العيب الّذي لا يوجب نقص الماهية هو خيار الشرط، لا خيار العيب.

(و أما ثانيا: فلان) الظاهر من الرواية ان للمشترى الرد، اما انه من باب خيار العيب او خيار تخلف الشرط، فلا دلالة في الرواية على ذلك، فما تقدم من ان ظاهر الرواية ان الرد لاجل خيار العيب غير تام.

فان (قوله عليه السلام: فهو عيب، انما يراد به بيان موضوع العيب توطئة) و مقدمة (لثبوت احكام العيب له) و حكم العيب هو الرد، اما باقى احكام العيب فلا ظهور في الرواية بالنسبة إليها.

و الحاصل ان هذا العيب الّذي لا يوجب نقص القيمة، ليس للمشترى الا رده، اما كل احكام العيب فهى تترتب على العيب المنقص للقيمة.

و الحاصل ليس المراد بقوله عليه السلام «عيب» الا «ان له الرد» و الرد يلائم العيب، كما لا يلائم الشرط، فلا دلالة في الرواية على خيار العيب.

ص: 331

و الغالب الشائع المتبادر في الاذهان هو رد المعيوب.

و لذا اشتهر كل معيوب مردود، و اما باقى احكام العيب و خياره مثل عدم جواز رده بطروّ موانع الرد بخيار العيب و كونه مضمونا على البائع قبل القبض و في مدة الخيار، فلا يظهر من الرواية ترتبها على العيب، فتأمل.

و أما ثالثا: فلان الرواية لا تدل على الزائد

______________________________

و لا يخفى ان بعض المعلقين ذكروا في تفسير كلام الشيخ معنى آخر لكن الراجح هو ما ذكرناه بقرينة قول الشيخ- توطئة-.

فذكر العيب توطئة لبيان «حكم الرد».

(و) ذلك لان (الغالب الشائع المتبادر في الاذهان هو رد المعيوب).

(و لذا) الّذي ان الرد هو الشائع فقط (اشتهر) فى الالسنة (كل معيوب مردود، و اما باقى احكام العيب) التى يريد اثباتها القائل بان الخيار خيار عيب (و خياره) عطف على «احكام» (مثل عدم جواز رده) اى المعيوب (ب) سبب (طروّ موانع الرد بخيار العيب) «بخيار» متعلق ب «رده» (و كونه مضمونا على البائع قبل القبض و في مدة الخيار، فلا يظهر من الرواية ترتبها على العيب) الّذي لا ينقص القيمة (فتأمل) فان كون لفظ العيب في الرواية من باب التوطئة خلاف الظاهر، بل الظاهر انه ذكر لثبوت احكام العيب عليه مطلقا من الرد و غيره.

(و أما ثالثا: ف) لا اطلاق في الرواية (لان الرواية لا تدل على الزائد

ص: 332

عما يدل عليه العرف لان المراد بالزيادة و النقيصة على اصل الخلقة ليس مطلق ذلك قطعا فان زيادة شعر رأس الجارية أو حدة بصر العبد، او تعلمهما للصنعة و الطبخ، و كذا نقص العبد بالختان، و حلق الرأس ليس عيبا قطعا فتعين ان يكون المراد بها الزيادة و النقيصة الموجبتين لنقص في الشي ء

______________________________

عما يدل عليه العرف) من كون المراد بالزائد و الناقص، ما كان موجبا لنقص المالية (لان المراد بالزيادة و النقيصة على اصل الخلقة ليس مطلق ذلك قطعا) حتى يشمل غير المنقص للمالية (فان زيادة شعر رأس الجارية) فى الطول، لا الزيادة في موضع الاثبات (او حدة بصر العبد او تعلمهما للصنعة و الطبخ).

المثالان الاولان للزيادة الجسمية و المثالان الاخير ان للزيادة النفسية (و كذا نقص العبد بالختان، و حلق الرأس) و نقص الجارية بالخفض او بثقب الاذن (ليس عيبا قطعا).

و الحاصل ان الزيادة و النقصان لهما اطلاقات ثلاثة.

الاول: ما كان موجبا لنقص القيمة.

الثانى: ما كان زيادة و نقصا و لكن لا في القيمة.

الثالث: ما لا يعد زيادة و نقصا اصلا.

و حيث ان الثالث ليس بمراد، دار الامر بين الاطلاق و بين إرادة خصوص الاول، و العرف يفهم من العبارة خصوص الاول (فتعين ان يكون المراد بها) اى بالرواية (الزيادة و النقيصة الموجبتين لنقص في الشي ء) نقصا

ص: 333

من حيث الآثار و الخواص المترتبة عليه.

و لازم ذلك نقصه من حيث المالية لان المال المبذول في مقابل الاموال بقدر ما يترتب عليها من الآثار و المنافع.

و اما رابعا: فلانا لو سلمنا مخالفة الرواية للعرف في معنى العيب فلا تنهض لرفع اليد بها عن العرف المحكم في مثل ذلك لو لا النص المعتبر، لا مثل هذه الرواية الضعيفة بالارسال، فافهم.

______________________________

(من حيث الآثار و الخواص المترتبة عليه).

(و لازم ذلك) النقص من حيث الخواص و الآثار (نقصه من حيث المالية) للتلازم بين الامرين (لان المال المبذول في مقابل الاموال) انما هو (بقدر ما يترتب عليها) اى على تلك المثمنات (من الآثار و المنافع) فكلما كان اثر الشي ء اكثر يكون ثمنه اكثر.

(و اما رابعا: فلانا لو سلمنا مخالفة الرواية للعرف) و ان المراد بالرواية الاطلاق بحيث تشمل حتى النقص الّذي لا يوجب نقصا في الثمن (فى معنى العيب) بان يريد العرف من العيب: العيب المنقص، و الرواية تشمل حتى العيب غير المنقص (فلا تنهض) الرواية (لرفع اليد بها عن العرف المحكم في مثل ذلك) لان الادلة الدالة على خيار العيب انما تقول بالخيار فيما يسميه العرف عيبا، لان المرجع في الموضوعات العرف، فاذا جاءت رواية بتعميم العيب لم يكن ان يؤخذ بها (لو لا النص المعتبر، لا مثل هذه الرواية الضعيفة بالارسال) خصوصا و السيارى ضعيف كما ذكره علماء الرجال (فافهم) فان الرواية مجبورة كما ذكره بعض

ص: 334

و قد ظهر مما ذكرنا ان الاولى في تعريف العيب ما في التحرير و القواعد: من انه نقص في العين او زيادة فيها يقتضي النقيصة الماليّة فى عادات التجار.

و لعله المراد بما في الرواية كما عرفت و مراد كل من عبّر بمثلها.

و لذا قال في التحرير بعد ذلك: و بالجملة كلما زاد او نقص عن اصل الخلقة، و القيد الاخير

______________________________

العلماء.

(و قد ظهر مما ذكرنا) فى تضعيف اطلاق العيب على ما لا يوجب نقص المالية (ان الاولى في تعريف العيب ما في التحرير و القواعد: من انه) اى العيب (نقص في العين او زيادة فيها يقتضي النقيصة المالية فى عادات التجار) و ان كان يرد على ذلك انه لم يذكر النقص في نفس العبد كالجنون مثلا، او في جهة خارجة كزيادة خراج الارض، او كون العبد جانيا، فتأمل.

(و لعله المراد بما في الرواية) اى رواية السيارى المتقدمة (كما عرفت) وجه تطبيق الرواية على هذا المعنى بانه لا اطلاق لها (و) لعله أيضا (مراد كل من عبّر بمثلها) اى بمثل هذه العبارة.

(و لذا قال في التحرير بعد ذلك) التعريف للعيب (و بالجملة كلما زاد او نقص عن اصل الخلقة) فانه جعل هذه العبارة مرادفة للعبارة السابقة التى ذكر فيها نقص المالية مما يدل على ان من اطلق و لم يذكر نقص المالية، مراده أيضا نقص المالية (و القيد الاخير) المذكور فى

ص: 335

لادراج النقص الموجب لبذل الزائد لبعض الاغراض، كما قد يقال ذلك فى العبد الخصى.

و لا ينافيه ما ذكره في التحرير: من ان عدم الشعر على العانة عيب فى العبد و الامة لانه مبنى على ما ذكرنا في الجواب الاول عن الرواية من ان ذلك كاشف او موهم لمرض في العضو او المزاج.

______________________________

القواعد و التحرير- من قوله: فى عادات التجار- (لادراج النقص الموجب لبذل الزائد لبعض الاغراض كما قد يقال ذلك في العبد الخصىّ) فانه خارج من تعريف النقص المتقدم، لانه لم يوجب نقصا في المالية، و فى بعض النسخ «لادراج» و المراد به- حينئذ- ان بذل بعض الناس للزيادة لا يوجب كون عادات التجار كذلك، لان عادتهم أيضا عدم بذل الثمن الكامل و انما يبذلون ثمنا قليلا لانه ناقص فمثل هذا العيب أيضا داخل في العيب الموجب للخيار، و ان بذل بعض التجار الزيادة او المساواة.

(و لا ينافيه) اى لا ينافى ما ذكرناه من ان مرادهم بالعيب هو العيب الموجب لنقص المالية (ما ذكره في التحرير: من ان عدم الشعر على العانة عيب في العبد و الامة) مع انه ربما لا يوجب نقص المالية.

و انما لا ينافى (لانّه) اى كونه عيبا (مبنى على ما ذكرنا في الجواب الاول عن الرواية) لا مطلق عدم الشعر- حتى لا يوجب نقص المالية- (من ان ذلك) اى عدم الشعر (كاشف او موهم لمرض في العضو او المزاج) العام.

و من المعلوم ان وهم المرض أيضا يوجب نقص المالية، و لذا

ص: 336

لا على انه لا يعتبر في العيب النقيصة المالية.

و في التذكرة بعد اخذ نقص المالية في تعريف العيب، و ذكر كثير من العيوب و الضابط انه يثبت الرد بكل ما في المعقود عليه من منقص القيمة او العين نقصا يفوت به غرض صحيح بشرط ان يكون الغالب في امثال المبيع عدمه، انتهى كلامه، و ما احسنه حيث لم يجعل ذلك تعريفا للعيب بل لما يوجب الرد.

______________________________

فالحيوان الموهم انه مريض يكون انقص قيمة من الحيوان الّذي ليس فيه هذا الوهم (لا) عطف على «مبنى» (على انه لا يعتبر في العيب النقيصة المالية) بان يقال: بان عدم الشعر لا يوجب نقص المالية.

(و) يؤيد ما ذكرناه من اشتراط نقص المالية ما (فى التذكرة) فانه (بعد اخذ نقص المالية في تعريف العيب، و ذكر كثير من العيوب) قال:

(و الضابط انه يثبت الرد بكل ما في المعقود عليه من منقص القيمة او العين) و ان لم يكن نقص في القيمة لكن يجب ان يكون (نقصا يفوت به غرض صحيح) من اغراض العقلاء (بشرط ان يكون الغالب في امثال المبيع عدمه) اما اذا كان الغالب وجوده كالثيبوبة في الاماء فلا يوجب الرد (انتهى كلامه، و ما احسنه حيث لم يجعل ذلك) الضابط (تعريفا للعيب، بل لما يوجب الرد).

اذ لو جعله تعريفا للعيب لزم ان يكون منقص العين الّذي لا يوجب نقصا في القيمة أيضا داخلا في المعيب.

و قد عرفت ان نقص العين بدون نقص القيمة خارج عن الادلة

ص: 337

فيدخل فيه مثل خصاء العبد كما صرح به في التذكرة، معللا بان الغرض قد يتعلق بالفحولة و ان زادت قيمته باعتبار آخر، و قد دخل المشترى على ظن السلامة، انتهى.

و يخرج منه مثل الثيبوبة و الغلفة في المجلوب.

و لعل من عمّم العيب لما لا يوجب نقص المالية كما في المسالك و عن جماعة اراد به مجرد موجب الردّ، لا العيب

______________________________

(فيدخل فيه) اى في ضابط الرد (مثل خصاء العبد) و ان لم يوجب نقص القيمة (كما صرح به في التذكرة) بانه عيب يوجب الرد (معللا بان الغرض قد يتعلق بالفحولة) لاجل الضراب و نحوه (و ان زادت قيمته) اى الخصىّ (باعتبار آخر) لانه اسمن، او يمكن الاعتماد عليه في دخوله حرم النساء او ما اشبه (و قد دخل المشترى) فى البيع (على ظن السلامة) فكانه شرط اذا تخلف كان له الخيار (انتهى) كلام التذكرة.

(و يخرج منه) اى من كلام العلامة في التذكرة حيث قال «بشرط ان يكون الغالب في امثال المبيع عدمه» (مثل الثيبوبة و الغلفة فى المجلوب) فلا يوجب هذا العيب ردّا، لانه ليس عدمه غالبا فلم يشتريهما المشترى على انها بكر، او انه مختون.

(و لعل من عمّم العيب لما لا يوجب نقص المالية كما في المسالك و عن جماعة) نقله أيضا، حيث ان كلامهم يوجب ان الخصى ان نحف فهو معيوب- على خلاف ما رجحناه و ذكره التذكرة من اختصاص العيب بما يوجب نقص المالية- (اراد به) اى بالعيب (مجرد موجب الرد لا العيب)

ص: 338

الّذي يترتب عليه كثير من الاحكام كسقوط خياره بتصرف، او حدوث عيب او غير ذلك.

و عليه يبنى قول جامع المقاصد- كما عن تعليق الارشاد- حيث ذكر ان اللازم تقييد قول العلامة يوجب نقص المالية بقوله غالبا ليندرج مثل الخصاء و الجبّ.

______________________________

حقيقة (الّذي يترتب عليه كثير من الاحكام كسقوط خياره) اى المشترى (بتصرف) فى المعيب (او حدوث عيب) آخر عنده بالإضافة الى العيب الّذي كان عند البائع (او غير ذلك).

و الحاصل ان العيب الموجب لترتب كل احكام العيب هو العيب المنقص للقيمة.

اما ما لا ينقص القيمة- بل كان نقصا في العين فقط- فانه يوجب الرد فقط، فاذا اشترى خصيّا كان له حق الرد و ان تصرف فيه او حدث عنده فيه عيب جديد.

اما اذا اشترى عبدا اعور فليس له ان يرده اذا تصرف فيه او حدث فيه عيب جديد عند المشترى.

(و عليه) اى على ان المراد العيب الموجب للرد فقط، لا العيب الّذي له كل الاحكام (يبنى قول جامع المقاصد- كما عن تعليق الارشاد-) نقله (حيث ذكر ان اللازم تقييد قول العلامة) فى تعريف العيب بما (يوجب نقص المالية) تقييده (بقوله غالبا) قال: و انما قيدنا كلام العلامة ب «غالبا» (ليندرج) فى كلام العلامة (مثل الخصاء و الجبّ)

ص: 339

لان المستفاد من ذكر بعض الامثلة ان الكلام في موجبات الرد لا خصوص العيب.

و يدل على ذلك انه قيد كون عدم الختان في الكبير المجلوب من بلاد الشرك ليس عيبا بعلم المشترى بجلبه، اذ ظاهره انه مع عدم العلم عيب فلو لا انه اراد بالعيب مطلق ما يوجب الرد لم يكن معنى لدخل علم المشترى و جهله في ذلك.

______________________________

فان جامع المقاصد انما قيد هذا القيد ليدخل الخصاء في موجبات الرد لا لانه عيب بحيث يترتب عليه كل احكام العيب، و انما قلنا «و عليه يبنى قول جامع المقاصد» (لان المستفاد من ذكر بعض الامثلة) فى جامع المقاصد (ان الكلام في موجبات الرد) و قد عرفت انه اعم مما يوجب نقص المالية، أم لا (لا خصوص العيب) الّذي له احكام كثيرة و من جملتها الرد.

(و يدل على ذلك) اى على ان كلام جامع المقاصد في موجبات الرد فقط، لا في العيب الّذي له احكام (انه قيد: كون عدم الختان في الكبير المجلوب من بلاد الشرك ليس عيبا) قيّده (بعلم المشترى بجلبه) من تلك البلاد، و انما كان هذا القيد دليلا على ما ذكرناه (اذ ظاهره انه مع عدم العلم) بجلبه من بلاد الشرك (عيب) فالقيد بالعلم لاجل تصنيف العيب الى صنفين، صنف يوجب كل الاحكام، و صنف يوجب الرد فقط (فلو لا انه) اى ان جامع المقاصد (اراد بالعيب مطلق ما يوجب الرد) و ان لم يوجب سائر الاحكام (لم يكن معنى لدخل علم المشترى و جهله في ذلك) فان الغلفة عيب سواء علم او لم يعلم فمراده من انه ليس بعيب في صورة العلم انه لا يوجب الرد، فتأمّل.

ص: 340

الكلام فى بعض افراد العيب
مسألة: لا اشكال و لا خلاف في كون المرض عيبا،

و اطلاق كثير و تصريح بعضهم، يشمل حمّى يوم بان يجده في يوم البيع قد عرض له الحمى، و ان لم يكن نوبة له في الاسبوع.

قال في التذكرة: الجذام و البرص و العمى و العور و العرج و القرن و الفتق و الرتق و القرع و الصمم و الخرس عيوب اجماعا و كذا انواع المرض، سواء استمر كما في الممراض او كان عارضا و لو حمى يوم، و الإصبع

______________________________

(الكلام في بعض افراد العيب) الّذي صار محلا للكلام، او ورد فيه الدليل.

(مسألة: لا اشكال و لا خلاف في كون المرض عيبا) يوجب الفسخ و الارش (و اطلاق كثير و تصريح بعضهم، يشمل حمّى يوم بان يجده) المشترى (فى يوم البيع قد عرض له الحمّى، و ان لم يكن نوبة له في الاسبوع) او في اقل او اكثر من ذلك.

(قال في التذكرة: الجذام و البرص و العمى و العور) و هو عمى فى احدى العينين (و العرج و القرن) و هو العظم او اللحم النابت فى الفرج (و الفتق) فى الرجل او المرأة (و الرتق) و هو ضيق فرج المرأة (و القرع) و هو عدم الشعر في بعض مواضع الرأس بسبب المرض (و الصمم و الخرس عيوب اجماعا و كذا انواع المرض، سواء استمر كما في الممراض) الّذي له ضعف يهيأه للمرض دائما (او كان عارضا و لو حمى يوم، و الإصبع

ص: 341

الزائدة و الحول و الحوص و السيل و استحقاق القتل في الردة او القصاص و القطع بالسرقة، او الجناية و الاستسعاء في الدين عيوب اجماعا.

ثم ان عدّ حمى اليوم المعلوم كونها حمى يوم يزول في يومه و لا يعود مبنى على عدّ موجبات الردّ، لا العيوب الحقيقية لان ذلك ليس منقصا للقيمة

______________________________

الزائدة و الحول) و هو انحراف خاص في العين (و الحوص) و هو ضيق فى مؤخر العين (و السيل) و هو زيادة في الاجفان (و استحقاق القتل فى الردة) فيما اذا ارتد العبد المسلم (او القصاص) بان كان قد قتل انسانا عمدا (و) استحقاق (القطع بالسرقة، او) استحقاق القتل او القطع بسبب (الجناية) كما في الزانى المحصن او قاطع يد الناس مثلا (و الاستسعاء في الدين) كما اذا كان مديونا مكلفا بان يسعى في اداء دينه فكل هذه المذكورات (عيوب اجماعا) انتهى كلام التذكرة.

(ثم ان عد حمى اليوم المعلوم كونها حمى يوم يزول في يومه و لا يعود مبنى على عدّ موجبات الرد) و ان لم تكن عيوبا توجب احكام العيب (لا العيوب الحقيقة لان ذلك) و هو حمى يوم (ليس منقصا للقيمة).

و قد عرفت ان الميزان في ترتب كل احكام العيب نقص القيمة.

ثم ان العلامة لم يذكر العيوب النفسية كالجبن الزائد، و التهور، و الحسد، و ما اشبه، مع ان الظاهر انها أيضا داخلة في العيب بكلا المعنيين.

ص: 342

مسئلة الحبل عيب في الاماء،

كما صرح به جماعة، و في المسالك الاجماع عليه في مسألة رد الجارية الحامل بعد الوطي.

و يدل عليه الاخبار الواردة في تلك المسألة.

و علّله في التذكرة باشتماله على تغرير النفس لعدم يقين السلامة بالوضع هذا، مع عدم كون الحمل للبائع، و الا فالامر اوضح.

______________________________

(مسألة: الحبل عيب في الاماء) فيما اذا لم يكن من المولى، و الا فالبيع باطل (كما صرح به جماعة، و في المسالك الاجماع عليه في مسألة رد الجارية الحامل بعد الوطي) و ستأتى هذه المسألة.

(و يدل عليه) اى على ان الحبل عيب (الاخبار الواردة في تلك المسألة).

(و علّله في التذكرة) و هذا دليل ثان بالإضافة الى الاجماع المتقدم (باشتماله على تغرير النفس) و ذلك (لعدم يقين السلامة) للام (بالوضع) فان بعض النساء يهلكن في حال الولادة، و قد نهى النبي صلى اللّه عليه و آله عن الغرر (هذا، مع عدم كون الحمل للبائع، و الا فالامر اوضح) لانه من بيع أمّ الولد، و ذلك باطل كما تقدم.

اللهم الا اذا كان من موارد جواز بيع أمّ الولد.

و حينئذ لا فرق بين أمّ الولد و غيرها من جهة العيب كما لا يخفى.

ص: 343

و يؤيده عجز الحامل عن كثير من الخدمات، و عدم قابليتها للاستيلاد الا بعد الوضع.

اما في غير الاماء من الحيوانات، ففى التذكرة انه ليس بعيب و لا يوجب الردّ، بل ذلك زيادة في المبيع ان قلنا بدخول الحمل في بيع الحامل، كما هو مذهب الشيخ.

و قال بعض الشافعية يرد به و ليس بشي ء، انتهى.

و رجح المحقق الثانى كونه عيبا، و ان قلنا بدخول الحمل في بيع الحامل لانه و ان كان زيادة من وجه

______________________________

(و يؤيده) و هذا دليل ثالث لكون الحمل عيبا (عجز الحامل عن كثير من الخدمات، و عدم قابليتها للاستيلاد) الّذي يريده المشترى (الا بعد الوضع) هذا في حمل الجارية.

(اما) الحمل (فى غير الاماء من الحيوانات، ف) هل هو عيب أم لا؟ قال (فى التذكرة انه ليس بعيب و لا يوجب الرد، بل ذلك) الحمل (زيادة فى المبيع) كما اذا اشترى منّا من الحنطة، فكان مقدار من و نصف (ان قلنا بدخول الحمل في بيع الحامل، كما هو مذهب الشيخ) حيث يرى ان الحمل تبع فهو داخل في بيع الحامل.

(و قال بعض الشافعية يرد) الحيوان (به) اى بالحمل (و ليس) كلامه (بشي ء، انتهى) كلام التذكرة.

(و رجح المحقق الثانى كونه عيبا، و ان قلنا بدخول الحمل في بيع الحامل) فتفصيل الشيخ لا وجه له (لانه و ان كان زيادة من وجه) لانه

ص: 344

الا انه نقيصة من وجه آخر لمنع الانتفاع بها عاجلا، و لانه لا يؤمن عليها من اداء الوضع الى الهلاك.

و الاقوى على قول الشيخ ما اختاره في التذكرة لعدم النقص فى المالية بعد كونه زيادة من وجه آخر.

و اداء الوضع الى الهلاك نادر في الحيوانات لا يعبأ به.

نعم عدم التمكن من بعض الانتفاعات، نقص يوجب الخيار دون الارش

______________________________

يحصل على ولد (الا انه نقيصة من وجه آخر، لمنع الانتفاع بها عاجلا) اذ لا تتمكن الحامل من الكرب و السقى و الركوب عليها، و عدم اعطاء اللبن و غير ذلك من انحاء الانتفاعات و لو في بعض اوقات الحمل (و لانه لا يؤمن عليها من اداء الوضع الى الهلاك) و هذا نوع من النقص عند العقلاء، هذا.

(و) لكن (الاقوى) عند المصنف «ره» بناء (على قول الشيخ) من ان الحمل للمشترى (ما اختاره في التذكرة) من انه ليس بعيب يوجب الرد (لعدم النقص في المالية بعد كونه زيادة من وجه آخر).

و قد عرفت رأى المصنف بان النقص في المالية هو ميزان العيب.

(و) اما استدلاله باداء الوضع الى الهلاك.

ففيه ان (اداء الوضع الى الهلاك نادر في الحيوانات لا يعبأ به) عند العرف، فلا يعد ذلك عيبا عرفا.

(نعم عدم التمكن من بعض الانتفاعات، نقص يوجب الخيار دون الارش) لعدم نقص في القيمة.

ص: 345

كوجدان العين مستأجرة.

و كيف كان، فمقتضى كون الحمل عيبا في الاماء انه لو حملت الجارية المعيبة عند المشترى لم يجز ردّها، لحدوث العيب في يده سواء نقصت بعد الولادة أم لا، لان العيب الحادث مانع، و ان زال على ما تقدم من التذكرة.

و في التذكرة

______________________________

فحال عدم التمكن (كوجدان العين مستأجرة) حيث يوجب الرد دون الارش.

(و كيف كان ف) الاقوال في المسألة ثلاثة 1- ان الحمل عيب مطلقا 2- و انه ليس بعيب مطلقا 3- و انه ان كان للبائع، فهو عيب و ان كان للمشترى فليس بعيب.

ثم ان (مقتضى الحمل عيبا في الاماء انه لو حملت الجارية المعيبة) عند البائع، و حملت (عند المشترى لم يجز ردها، لحدوث العيب) الّذي هو الحمل (فى يده) اى يد المشترى.

و قد تقدم ان العيب الجديد عند المشترى يوجب اسقاط الرد بالعيب القديم لدى البائع (سواء نقصت) الام (بعد الولادة أم لا) فان نفس الحمل عيب (لان العيب الحادث مانع، و ان زال على ما تقدم من التذكرة) فزواله لا يؤثر في رجوع الخيار.

(و) لكن (فى) موضع آخر من (التذكرة) التفصيل بين زوال الحمل و بين بقائه- و هذا مخالف لكلامه السابق-.

ص: 346

لو كان المعيب جارية معيبة فحبلت و ولدت في يد المشترى، فان نقصت بالولادة سقط الرد بالعيب القديم و كان له الارش و ان لم تنقص فالاولى جواز ردها وحدها، من دون الولد، الى ان قال: و كذا حكم الدابة لو حملت عند المشترى و ولدت، فان نقصت بالولادة فلا رد، و ان لم تنقص ردها دون ولدها، لانه للمشترى، انتهى.

و في مقام آخر: لو اشترى جارية حائلا او بهيمة حائلا فحبلت ثم اطلع على عيب، فان نقصت بالحمل، فلا رد ان كان الحمل في يد المشترى و به قال

______________________________

قال (لو كان المعيب جارية معيبة فحبلت و ولدت في يد المشترى، فان نقصت بالولادة) بهزال او مرض او ما اشبه (سقط الرد بالعيب القديم) لاسقاط العيب له (و كان له) اى للمشترى (الارش) ان كان العيب القديم مما يوجب الارش (و ان لم تنقص) بالولادة (فالاولى جواز ردها وحدها من دون الولد) لان الولد حصل في ملك المشترى (الى ان قال: و كذا حكم الدابة لو حملت عند المشترى و ولدت، فان نقصت بالولادة فلا رد) لانه عيب جديد يمنع الرد بالعيب القديم (و ان لم تنقص ردها دون ولدها، لانه) اى الولد (للمشترى، انتهى) كلام التذكرة.

(و) قال (فى مقام آخر: لو اشترى جارية حائلا او بهيمة حائلا، فحبلت، ثم اطلع) المشترى (على عيب) فيها، مضمون على البائع، حيث انه كان قبل العقد او حدث قبل القبض (فان نقصت) الجارية او الدابة (بالحمل، فلا رد ان كان الحمل في يد المشترى) «ان كان» تأكيد لقوله «لو اشترى جارية حائلا» (و به قال

ص: 347

الشافعى، و ان لم تنقص او كان الحمل في يد البائع فله الرد، انتهى.

و في الدروس لو حملت احداهما يعنى الجارية و البهيمة عند المشترى لا بتصرفه فالحمل له، فان فسخ رد الام ما لم تنقص بالحمل او الولادة.

و ظاهر القاضى ان الحمل عند المشترى يمنع الرد، لانه اما

______________________________

الشافعى) انه لا رد في هذه الصورة (و ان لم تنقص) بالحمل في يد المشترى (او) لم تحمل في يد المشترى اصلا، بان (كان الحمل في يد البائع) و ان نقص (فله الرد، انتهى).

و الحاصل: ان الصور اربع لان الحمل اما في يد البائع، و اما في يد المشترى.

و على كل حال، اما ان ينقص بعد الولادة أم لا، ففى ثلاث صور منها ترد- و هى ما اذا حملت في يد البائع و نقصت، و ما اذا حملت في يد البائع و لم تنقص، و ما اذا حملت في يد المشترى و لم تنقص- و في صورة منها لا ترد- و هى ما اذا حملت في يد المشترى و نقصت-.

(و في الدروس لو حملت احداهما يعنى الجارية و البهيمة عند المشترى لا بتصرفه) اذ لو كان الحمل بتصرف المشترى كان التصرف مسقطا للخيار- كما تقدم في مسقطات الخيار- (فالحمل له) اى للمشترى لانه حاصل في ملكه (فان فسخ) المشترى (رد الام) وحدها، و انما له الفسخ (ما لم تنقص بالحمل او الولادة) و الا فالنقص مانع من الرّد.

(و ظاهر القاضى ان الحمل عند المشترى يمنع الرد) مطلقا (لانه اما

ص: 348

بفعله او اهمال المراعات حتى ضربها الفحل، و كلاهما تصرف، انتهى.

لكن صرح في المبسوط باستواء البهيمة و الجارية في انه اذا حملت احداها عند المشترى و ولدت و لم تنقص بالولادة، فوجد فيها عيبا رد الام دون الولد.

و ظاهر ذلك كله- خصوص نسبة منع الرد الى خصوص القاضى و خصوصا مع استدلاله على المنع بالتصرف لا حدوث العيب- تسالمهم على ان الحمل الحادث عند المشترى في الامة ليس في نفسه عيبا، بل العيب هو النقص الحادث بالولادة،

______________________________

بفعله او اهمال المراعات) للمبيع (حتى ضربها الفحل) و احبلها (و كلاهما تصرف) لان الاهمال المنتهى الى ذلك نوع من التصرف (انتهى).

(لكن صرح في المبسوط باستواء البهيمة و الجارية في انه اذا حملت احداهما عند المشترى و ولدت و لم تنقص بالولادة فوجد) المشترى (فيها عيبا، رد الام دون الولد).

(و ظاهر ذلك كله) اى العبارات التى نقلناها من الفقهاء (- خصوص نسبة منع الرد الى خصوص القاضى) مما يدل على ان سائر العلماء لا يقولون بالمنع، بل يقولون بجواز الرد (و خصوصا مع استدلاله) اى القاضى (على المنع) عن الرد (بالتصرف) كما تقدم في كلامه (لا حدوث العيب-) فلم يقل القاضى، لان الحمل عيب (تسالمهم على ان الحمل الحادث عند المشترى في الامة ليس في نفسه عيبا، بل العيب هو النقص الحادث بالولادة) اى حدث بسبب الولادة نقص من هزال

ص: 349

و هذا مخالف للاخبار المتقدمة في رد الجارية الحامل الموطوءة من عيب الحبل، و للاجماع المتقدم عن المسالك، و تصريح هؤلاء يكون الحبل عيبا يرد منه لاشتماله على التغرير بالنفس، و الجمع بين كلماتهم مشكل خصوصا بملاحظة العبارة الاخيرة المحكية عن التذكرة من اطلاق كون الحمل عند البائع عيبا، و ان لم ينقص، و عند المشترى بشرط النقص من غير فرق بين الجارية و البهيمة، مع ان ظاهر العبارة الاولى

______________________________

او افضاء او مرض او ما اشبه (و هذا) التسالم (مخالف للاخبار المتقدمة فى رد الجارية الحامل الموطوءة) و هى التى وطئها المشترى، ردا (من) جهة (عيب الحبل) حتى ان وطى المشترى لم يسقط الخيار الناشئ من الحبل، فكان الحمل عيب كبير (و للاجماع المتقدم عن المسالك، و) ل (تصريح هؤلاء بكون الحبل عيبا يرد منه) فاذا اشترى جارية و وجدها حاملا ردها، لان الحمل عيب.

و عللوا ذلك بقولهم: (لاشتماله على التغرير بالنفس) لاحتمال هلاك الحامل عند الولادة (و الجمع بين كلماتهم مشكل) حيث يظهر منهم مرة ان الحمل ليس بعيب، و مرة ان الحمل عيب (خصوصا بملاحظة العبارة الاخيرة المحكية عن التذكرة من اطلاق كون الحمل عند البائع عيبا، و ان لم ينقص) بالولادة (و عند المشترى بشرط النقص) مما تدل على ان الحمل بنفسه عيب (من غير فرق بين الجارية و البهيمة) كما صرح بذلك التذكرة (مع ان ظاهر العبارة الاولى) التى نقلناها عن التذكرة بقولنا:

و اما في غير الاماء من الحيوانات، ففى التذكرة انه ليس بعيب و لا يوجب

ص: 350

كالتحرير و القواعد الفرق، فراجع.

قال في القواعد: لو حملت غير الامة عند المشترى من غير تصرف فالاقرب ان للمشترى الردّ بالعيب السابق، لان الحمل زيادة، انتهى.

و هذا بناء منه ان الحمل ليس عيبا في غير الامة.

______________________________

الرد، فان هذه العبارة صريحة في الفرق، حيث انه صرح قبل ذلك بكون الحمل في الاماء عيبا يوجب الرد، ثم صرح بانه في غير الاماء ليس بعيب (ك) عبارة (التحرير و القواعد الفرق) بين الحمل في الحيوان، و الحمل في الامة، و انه في الحيوان ليس بعيب و في الامة عيب (فراجع)

ثم ان قول المصنف «مع ان» خارج عن موضوع الكلام، اذ موضوع الكلام التنافى بين كلامى الفقهاء، بان الحبل عيب، و انه ليس بعيب.

و قوله «مع ان» لبيان تناف آخر في كلام العلامة بالذات لانه مرة جعل حبل الحيوان عيبا، و مرة قال بان حبل الحيوان ليس بعيب.

ثم اشار المصنف الى سائر كلمات الفقهاء في باب الحبل مما يدل على التنافى بين جعلهم الحمل تارة عيبا، و تارة ليس بعيب بقوله: (قال فى القواعد: لو حملت غير الامة عند المشترى من غير تصرف) من المشترى فى هذا الحمل- فلا يكون تصرفا حتى يكون مسقطا للخيار- (فالاقرب ان للمشترى الرد بالعيب السابق، لان الحمل) ليس بنقص حتى يوجب اسقاطه لخيار العيب، بل (زيادة) و الزيادة لا تسقط الخيار (انتهى) كلام القواعد.

(و هذا بناء منه) اى من العلامة على (ان الحمل ليس عيبا في غير الامة)

ص: 351

و في الايضاح ان هذا بناء على قول الشيخ في كون الحمل تابعا للحامل، فى الانتقال ظاهر.

و اما عندنا فالاقوى ذلك، لانه كالثمرة المتجددة على الشجرة و كما لو اطارت الريح ثوبا للمشترى في الدار المبتاعة، و الخيار له فلا يؤثر.

______________________________

(و) قال: (فى الايضاح ان هذا) الكلام من العلامة (بناء على قول الشيخ في كون الحمل تابعا للحامل في الانتقال) اى انتقال الحمل الى البائع اذا ردّ المشترى الحامل (ظاهر) اذ لم تنقص الحامل عند المشترى، بل زادت و رجعت الى البائع مع الزيادة.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 13، ص: 352

(و اما عندنا) حيث لا نقول بالانتقال، بل نقول بان الحمل للمشترى لانه تحقق في ملكه فاذا رد المشترى الحامل كانت الحامل للبائع و الحمل للمشترى (فالاقوى) أيضا (ذلك) اى ان الحمل عند المشترى لا يمنع من الرد بالعيب القديم (لانه كالثمرة المتجددة على الشجرة) فان المشترى اذا وجد بالشجرة عيبا سابقا و قد اثمرت عنده، لم يمنع الثمر رد المشترى، فاذا رد كانت الشجرة للبائع، و الثمرة المتجددة للمشترى (و كما لو اطارت الريح ثوبا للمشترى في الدار المبتاعة و) الحال ان (الخيار له) اى للمشترى (فلا يؤثر) فى ابطال الخيار، فانه اذا اشترى المشترى دارا و كان له فيها الخيار، ثم اطارت الريح ثوبا للمشترى الى الدار لم يبطل وقوع الثوب في الدار خياره، لانه ليس بتصرف، و ان كان الثوب له و كذا الحال في الثمرة المتجددة.

ص: 352

و يحتمل عدمه لحصول خطر ما و لنقص منافعها فانها لا تقدر على الحمل العظيم، انتهى.

و مما ذكرنا ظهر الوهم فيما نسب الى الايضاح، من ان ما قربه فى القواعد مبنى على قول الشيخ من دخول الحمل في بيع الحامل.

نعم ذكر في جامع المقاصد ان ما ذكره المصنف ان تم، فانما

______________________________

(و يحتمل عدمه) اى عدم سقوط الخيار بالحمل عند المشترى (لحصول خطر ما) على الحامل بسبب الحمل (و لنقص منافعها) اى الحامل (فانها لا تقدر على الحمل العظيم، انتهى).

(و مما ذكرنا) من نقل كلام الايضاح (ظهر الوهم فيما نسب الى الايضاح، من ان ما قربه في القواعد) من ان للمشترى الرد بالعيب السابق و لا يضر الحمل عند المشترى في جواز الرد (مبنى على قول الشيخ من دخول الحمل في بيع الحامل).

و انما ظهر الوهم لان الايضاح صحح الردّ على كلا الاحتمالين.

و هما احتمال دخول الحمل في بيع الحامل، و احتمال عدم دخول الحمل في بيع الحامل، لانه قال «و اما عندنا» حيث لا نقول بدخول الحمل في بيع الحامل «فالاقوى ذلك» أيضا، لان الحمل كالثمرة المتجددة الى آخر ما ذكره.

(نعم) بناء كلام القواعد على كلام الشيخ ظاهر من جامع المقاصد لانه (ذكر في جامع المقاصد ان ما ذكره المصنف) و هو العلامة في القواعد (ان تم) و قلنا: بان الحمل عند المشترى لا يضر الرد بالعيب القديم (فانما

ص: 353

يخرج على قول الشيخ من كون المبيع في زمن الخيار ملكا للبائع بشرط تجدد الحمل في زمان الخيار.

و لعله فهم من العبارة رد الحامل مع حملها على ما يتراءى من تعليله بقوله: لان الحمل زيادة يعنى ان الحامل ردت الى البائع مع الزيادة لا مع النقيصة.

______________________________

يخرج على قول الشيخ من كون المبيع في زمن الخيار ملكا للبائع) لان الشيخ يرى ان الانتقال الى ملك المشترى انما هو بعد انتهاء زمان الخيار (بشرط تجدد الحمل في زمان الخيار).

اما اذا تجدد الحمل قبل القبض فلا اشكال في انه لا يمنع الرد بالعيب القديم، اذ الضمان قبل القبض على البائع بلا اشكال.

و الحاصل ان الشيخ يقول بان الحمل في زمن الخيار للبائع، اذا فلا يمنع الحمل الرد بالعيب القديم- و هذا ما ذكره العلامة في القواعد- فقول العلامة مبنى على قول الشيخ و هكذا قال جامع المقاصد.

(و لعله) اى جامع المقاصد (فهم من العبارة) اى عبارة القواعد (رد الحامل مع حملها) و لذا كان مبناه على كلام الشيخ، اذ الحمل لا يصح رده الا اذا كان ملكا للبائع- و ملكية الحمل للبائع لا يكون الا اذا قلنا بان المبيع في زمن الخيار للبائع- و انما فهم جامع المقاصد من القواعد «رد الحمل الى البائع» (على ما يتراءى من تعليله) اى تعليل القواعد (بقوله: لان الحمل زيادة) فظن ان العلامة يريد ردّ الحمل، ففهم منه ذلك (يعنى ان الحامل ردت الى البائع مع الزيادة لا مع النقيصة)

ص: 354

لكن الظاهر من التعليل: كونه تعليلا لعدم كون الحمل عيبا فى غير الامة.

و كيف كان فالاقوى في مسألة حدوث حمل الامة عدم جواز الرد ما دام الحمل.

و ابتناء حكمها بعد الوضع و عدم النقص

______________________________

فليس الحمل نقصا حتى يوجب اسقاط الخيار.

(لكن الظاهر) ان فهم جامع المقاصد تعليل العلامة غير تام و لذا كان بناء كلام العلامة على كلام الشيخ غير تام.

اذ الظاهر (من التعليل) المذكور في كلام القواعد (كونه تعليلا لعدم كون الحمل عيبا في غير الامة) من البهائم فلا يمنع الرد بالعيب القديم، اذ العيب نقيصة و الحمل ليس بنقيصة، لا ان القواعد اراد ردّ الحمل الى البائع حتى يبنى كلامه على كلام الشيخ.

و الحاصل ان العلامة قال «الحمل ليس بعيب لانه زيادة» قصده «انه ليس نقيصة» و ليس قصده «انه يرد الحمل الى البائع» و صاحب جامع المقاصد فهم الثانى و لذا بناه على كلام الشيخ القائل «بان المبيع فى زمن الخيار ملك للبائع».

(و كيف كان) مراد العلامة (فالاقوى في مسألة حدوث حمل الامة) عند المشترى (عدم جواز الرد) بالعيب القديم (ما دام الحمل) موجودا بان لم تضع الحامل حملها.

(و ابتناء حكمها) اى حكم المسألة (بعد الوضع) للحمل (و عدم النقص)

ص: 355

على ما تقدم من ان زوال العيب الحادث يؤثر في جواز الرد، أم لا؟.

و اما حمل غير الامة فقد عرفت انه ليس عيبا موجبا للارش، لعدم الخطر فيه غالبا، و عجزها عن تحمل بعض المشاق لا يوجب إلا فوات بعض المنافع الموجب للتخيير في الرد دون الارش.

لكن لما كان المراد بالعيب الحادث المانع عن الرد ما يعم نقص الصفات

______________________________

بان لم تنقص بالوضع- و ان نقصت لم تردّ، لان النقص عيب حادث يمنع من الرد بالعيب القديم- (على ما تقدم) «خبر» «ابتناء» (من ان زوال العيب الحادث) هل (يؤثر في جواز الرد، أم لا؟) يؤثر فهناك قولان

قول بانه يؤثر لسقوط الردّ بالحمل، فلا دليل على اعادة جواز الرد- بعد الوضع-.

و قول بانه لا يؤثر لزوال المانع عن الرد و هو الحمل- هذا كله فى حمل الامة-.

(و اما حمل غير الامة) من سائر البهائم (فقد عرفت انه ليس عيبا موجبا للارش، لعدم الخطر فيه غالبا) اذ قلّما تموت البهيمة عند الوضع (و عجزها) مبتدأ، خبره «لا يوجب» (عن تحمل بعض المشاق) فى حال ثقلها بالحمل (لا يوجب إلا فوات بعض المنافع الموجب) ذلك الفوات (للتخيير في الرد) ان شاء ردّ، و ان شاء لم يرد (دون الارش) لانه لا يوجب نقص القيمة.

(لكن لما كان المراد بالعيب الحادث المانع عن الرد ما يعم نقص الصفات

ص: 356

غير الموجب للارش، و كان محققا هنا مضافا الى نقص آخر، و هو كون المبيع متضمنا لمال الغير لان المفروض كون الحمل للمشترى، اتجه الحكم بعدم جواز الرد حينئذ.

______________________________

غير الموجب) ذلك النقص (للارش، و كان) نقص الصفة (محققا هنا) لانه لا يتحمل المشاق في حال الحمل، فنقص صفة قدرته (مضافا الى نقص آخر، و هو كون المبيع متضمنا لمال الغير) الّذي هو الحمل فانه ملك للمشترى (لان المفروض كون الحمل للمشترى)- بناء على ما رجحناه خلافا للشيخ الّذي يرى ان الحمل للبائع-.

فخبر قوله: لكن لما كان ... قوله: (اتّجه الحكم بعدم جواز الرد حينئذ) اى حين الحمل.

و الحاصل فهنا مانعان من الرد، الاول نقص الصفة، و الثانى اختلاط المبيع بملك الغير «فليس الشي ء قائما بعينه» و اذا لم يكن قائما بعينه فليس له رده.

و حيث ان النقص ليس نقصا في المالية، فليس له الارش أيضا، و اللّه العالم.

ص: 357

مسئلة: الاكثر على ان الثيبوبة ليست عيبا في الاماء بل في التحرير لا نعلم فيه خلافا،

و نسبه في المسالك- كما عن غيره- الى اطلاق الاصحاب لغلبتها فيهن فكانت بمنزلة الخلقة الاصلية.

و استدل عليه أيضا برواية سماعة المنجبرة بعمل الاصحاب- على ما ادعاه المستدل- عن رجل باع جارية على انها بكر، فلم يجدها كذلك، قال لا ترد عليه، و لا يجب عليه شي ء انه قد يكون تذهب في حال مرض، او

______________________________

(مسألة: الاكثر على ان الثيبوبة ليست عيبا في الاماء) فلا خيار و لا رد و لا ارش (بل في التحرير لا نعلم فيه خلافا، و نسبه في المسالك- كما عن غيره-) أيضا (الى اطلاق الاصحاب) اى اطلاق كلامهم في عدم الرد- الا لعيوب خاصة- بان الثيبوبة ليست عيبا، و الا لذكروها بين العيوب.

و انما لا تكون الثيبوبة عيبا (لغلبتها فيهن) اذ الغالب انهن غير ابكار (فكانت بمنزلة الخلقة الاصلية) و ليست من العيوب الموجبة للخيار.

(و استدل عليه) اى على ان الثيبوبة ليست عيبا (أيضا برواية سماعة المنجبرة بعمل الاصحاب- على ما ادعاه المستدل-) بانها منجبرة (عن رجل باع جارية على انها بكر، فلم يجدها كذلك) اى بكرا (قال) عليه السلام: (لا ترد عليه) اى على البائع (و لا يجب عليه) اى على البائع (شي ء) اى ارش، ل (انه قد يكون تذهب) البكارة (فى حال مرض، او

ص: 358

امر يصيبها.

و في كلا الوجهين نظر.

ففى الاول: ما عرفت سابقا من ان وجود الصفة في اغلب افراد الطبيعة انما يكشف عن كونها بمقتضى اصل وجودها المعبّر عنه بالخلقة

______________________________

امر يصيبها) كالقفز او ما اشبه ذلك.

وجه الدلالة ان الامام عليه السلام لم يوجب الخيار بعدم البكارة مع الشرط فبدون الشرط اولى.

و لعل وجه عدم الخيار، مع وجود الشرط: ان الشرط هو ان لا يكون البائع او غيره قد مس الجارية و عدم البكارة لا يلازم مس البائع او غيره و هذا هو الظاهر من تعليل الامام عليه السلام.

ثم لا يخفى ان عدم كون الثيبوبة عيبا انما هو حسب المتعارف اما اذا كانت عيبا في بعض الازمنة او الامكنة، او بعض اصناف الاماء، او ما اشبه ذلك فالمناط فيه العرف و تكون حينئذ عيبا.

(و) كيف كان ف (فى كلا الوجهين) اى «الغلبة» و «الرواية» (نظر)

(ففى الاول: ما عرفت سابقا من ان وجود الصفة في اغلب افراد الطبيعة) لا يفى بان لا تكون الصفة عيبا الا اذا كانت كاشفة عن الطبيعة، و الثيبوبة ليست كذلك لمعلومية ان البكارة هى مقتضى الطبيعة.

فوجود الصفة في اغلب الافراد (انما يكشف عن كونها) اى تلك الصفة (بمقتضى اصل وجودها) فى الطبيعة (المعبّر عنه) اى عن اصل الوجود (بالخلقة

ص: 359

الاصلية اذا لم يكن مقتضى الخلقة معلوما في ما نحن فيه، و الا فمقتضى الغالب لا يقدم على ما علم انه مقتضى الخلقة الاصلية.

و علم كون النقص عنها موجبا لنقص المالية، كما فيما نحن فيه خصوصا مع ما عرفت من اطلاق مرسلة السيارى

______________________________

الاصلية اذا لم يكن مقتضى الخلقة معلوما في ما نحن فيه) اى في مورد غلبة الصفة، و قوله «اذا» متعلق ب «يكشف» اى ان الكشف عن اصل الخلقة انما يحصل بالغلبة، اذا لم يكن اصل الخلقة معلوما (و الا) بان كان اصل الخلقة معلوما (فمقتضى الغالب لا يقدم على ما علم انه مقتضى الخلقة الاصلية) فاذا تعارض مقتضى الخلقة الاصلية و مقتضى الغالب قدم الاول.

(و) لكن لا يخفى ان هذا مناف لما تقدم منه «ره» من تقديم الثانى فراجع.

ثم ان تقديم مقتضى الخلقة الاصلية انما هو فيما اذا (علم كون النقص عنها) اى عن الخلقة الاصلية (موجبا لنقص المالية) و هذا بناء من الشيخ ره على ما اختاره سابقا من ان النقص انما يوجب الخيار اذا اوجب نقصا في المالية (كما فيما نحن فيه) فان البكارة خلقة اصلية، و نقصها يوجب نقص المالية (خصوصا مع ما عرفت من اطلاق مرسلة السيارى) من قوله عليه السلام: كل ما كان في اصل الخلقة، فزاد او نقص فهو عيب، فان البكارة كانت في اصل الخلقة، فنقص، اذا تحقق ان الثيبوبة عيب.

ص: 360

غاية ما يفيد الغلبة المذكورة هنا عدم تنزيل اطلاق العقد على التزام سلامة المعقود عليه عن تلك الصفة الغالبة، و لا يثبت الخيار بوجودها و ان كانت نقصا في الخلقة الاصلية.

و اما رواية سماعة فلا دلالة لها على المقصود لتعليله عليه السلام عدم الرد مع اشتراط البكارة باحتمال ذهابها بعارض.

و قدح هذا الاحتمال اما لجريانه بعد قبض المشترى فلا يكون مضمونا على

______________________________

و (غاية ما يفيد الغلبة المذكورة) اى غلبة الثيبوبة (هنا) فى هذه المسألة (عدم تنزيل اطلاق العقد) اذا اطلق الطرفان و لم يشترطا البكارة (على التزام سلامة المعقود عليه عن تلك الصفة الغالبة) اى صفة الثيبوبة (و لا يثبت الخيار بوجودها) اى وجود الثيبوبة (و ان كانت نقصا فى الخلقة الاصلية).

و على هذا فالمصنف و المشهور متفقان على عدم الخيار، لكن الاختلاف فى ان المشهور يقولون: انها ليست بعيب اصلا، و المصنف يقول انها عيب و لكن لا يوجب الخيار.

(و اما رواية سماعة فلا دلالة لها على المقصود) الّذي هو ان الثيبوبة ليست بعيب (لتعليله عليه السلام عدم الرد مع اشتراط البكارة باحتمال ذهابها) اى البكارة (بعارض) خارجى، و قوله «باحتمال» متعلق ب «تعليل»، و «بعارض» متعلق ب «ذهابها».

(و قدح هذا الاحتمال) و ايجابه رفع الشرط (اما لجريانه بعد قبض المشترى فلا يكون مضمونا على

ص: 361

البائع.

و اما لان اشتراط البكارة كناية عن عدم وطى احد لها، فمجرد ثبوتها لا يوجب تخلف الشرط الموجب للخيار، بل مقتضى تعليل عدم الرد بهذا الاحتمال انه لو فرض عدمه لثبت الخيار، فيعلم من ذلك كون البكارة صفة كمال طبيعى، فعدمها نقص في اصل الطبيعة، فيكون عيبا.

و كيف كان فالاقوى ان الثيبوبة عيب عرفا و شرعا.

______________________________

البائع) فان الشرط هو البكارة الى حال القبض، فاذا ذهبت البكارة بعد القبض لم يكن للمشترى حق على البائع.

(و اما لان اشتراط البكارة كناية عن عدم وطى احد لها) لا ان المراد بالشرط البكارة الفعلية.

و على كون المراد بالشرط الكناية (فمجرد ثبوتها) اى الثيبوبة (لا يوجب تخلف الشرط) ذلك التخلف (الموجب للخيار، بل) الرواية على خلاف مطلوب المستدل ادل.

اذ (مقتضى تعليل) الامام عليه السلام (عدم الرد بهذا الاحتمال) اى احتمال جريانه بعد القبض (انه لو فرض عدمه) اى عدم هذا الاحتمال بان علمنا ذهاب بكارتها قبل القبض (لثبت الخيار) و هذا هو المطلوب (فيعلم من ذلك) الّذي ذكرناه بقولنا «لو فرض» (كون البكارة صفة كمال طبيعى، فعدمها نقص في اصل الطبيعة، فيكون عيبا) و هذا خلاف ما ذكره المستدل من ان الثيبوبة ليست عيبا، و استدل له بهذه الرواية.

(و كيف كان فالاقوى ان الثيبوبة عيب عرفا و شرعا) اما عرفا فواضح، و

ص: 362

الّا انها لمّا غلبت على الاماء لم يقتض اطلاق العقد التزام سلامتها عن ذلك.

و تظهر الثمرة فيما لو اشترط في متن العقد سلامة المبيع عن العيوب مطلقا، او اشترط خصوص البكارة فانه يثبت بفقدها التخيير بين الرد و الارش لوجود العيب، و عدم المانع من تأثيره.

و مثله ما لو كان المبيع صغيرة او كبيرة لم تكن الغالب.

______________________________

اما شرعا فلرواية السيارى و لهذه الرواية (الّا انها لمّا غلبت على الاماء لم يقتض اطلاق العقد)- بان لم يشترط المشترى البكارة- (التزام سلامتها) اى الامة (عن ذلك) العيب.

(و تظهر الثمرة) فى كون الثيبوبة عيبا، أم لا (فيما لو اشترط في متن العقد سلامة المبيع عن العيوب مطلقا) اىّ عيب كان (او اشترط خصوص البكارة فانه) اذا قلنا بانها عيب (يثبت بفقدها التخيير بين الرد و الارش) كما هو شأن كل عيب (لوجود العيب، و) ل (عدم المانع من تأثيره) فالمانع هو الاطلاق، و هو مفقود في المقام.

و الحاصل انها حيث تكون عيبا، فاذا اشترطها يكون له الرد و الارش اما اذا لم تكن عيبا، فلم يكن للمشترى مع تخلفه الا الرد، اذ لا ارش فى باب الشرط- كما حققناه سابقا-.

(و مثله) فى الثمرة- و هذا دليل آخر على ان الثيبوبة عيب- (ما لو كان المبيع) امة (صغيرة او) كانت (كبيرة) و لكن (لم تكن الغالب

ص: 363

على صنفها الثيبوبة فانه يثبت حكم العيب.

و الحاصل ان غلبة الثيبوبة مانعة عن حكم العيب لا موضوعه، فاذا وجد ما يمنع عن مقتضاها ثبت حكم العيب.

و لعل هذا هو مراد المشهور أيضا.

و يدل على ذلك ما عرفت من العلامة ره في التحرير من نفى الخلاف فى عدم كون الثيبوبة عيبا مع انه في كتبه بل المشهور- كما في الدروس-

______________________________

على صنفها الثيبوبة) كما لو كانت الامة لامرئة، و قد ولدت في بيتها- و لم تكن مجلوبة و لا مزوجة و لا محلّلة- (فانه) اذا ظهرت ثيبة (يثبت حكم العيب) من الرد و الارش.

(و الحاصل ان غلبة الثيبوبة مانعة عن حكم العيب) فلا رد و لا ارش (لا موضوعه) حتى يقال: انها ليست بعيب اصلا (فاذا وجد ما يمنع عن مقتضاها) اى مقتضى الغلبة بان كانت صغيرة او ما اشبه- كما ذكرناه- (ثبت حكم العيب) من الرد و الارش.

(و لعل هذا) الّذي ذكرناه من انها الغلبة تمنع حكم العيب لا موضوعه (هو مراد المشهور أيضا) فهم ينفون الحكم بنفى موضوعه.

(و يدل على ذلك) الّذي ذكرناه من انها عيب عند المشهور و لكن ليس لها حكم العيب (ما عرفت من العلامة ره في التحرير من نفى الخلاف في عدم كون الثيبوبة عيبا) اى لا خلاف في ان الثيبوبة ليست بعيب (مع انه في كتبه) كلها (بل المشهور- كما في الدروس-) نسبته الى المشهور

ص: 364

على ثبوت الارش اذا اشترط البكارة، فلو لا ان الثيبوبة عيب، لم يكن ارش فى مجرد تخلف الشرط.

نعم يمكن ان يقال: ان مستندهم في ثبوت الارش ورود النص بذلك فيما رواه في الكافى و التهذيب عن يونس في رجل اشترى جارية على انها عذراء، فلم يجدها عذراء، قال يرد عليه فضل القيمة اذا علم انه صادق.

ثم انه نسب في التذكرة الى اصحابنا عدم الرد بمقتضى

______________________________

(على ثبوت الارش اذا اشترط البكارة) فان الارش ليس الا في العيب اذ تخلف الشرط- فى نفسه- لا يوجب ارشا (فلو لا ان الثيبوبة عيب، لم يكن ارش في مجرد تخلف الشرط) فاللازم ان يكون مراد العلامة و المشهور فى قولهم انها ليست بعيب- انه ليس لها حكم العيب.

(نعم يمكن ان يقال ان مستندهم في ثبوت الارش) انه من باب تخلف الشرط و انما ثبت الارش للنص الخاص، فليس الارش فيها من باب العيب.

و ذلك ل (ورود النص بذلك) الارش (فيما رواه في الكافى و التهذيب عن يونس في رجل اشترى جارية على انها عذراء، فلم يجدها عذراء، قال يرد عليه فضل القيمة) و هو ارش التفاوت بين الثيب و البكر (اذا علم انه صادق) فى انه لم يجدها عذراء.

(ثم انه نسب في التذكرة الى اصحابنا عدم الرد) لهذه الجارية (بمقتضى

ص: 365

رواية سماعة المتقدمة، و اوّله بما وجهنا به تلك الرواية.

و ذكر الشيخ في النهاية مضمون الرواية مع تعليلها الدال على تأويلها.

و لو شرط الثيبوبة فبانت بكرا، كان له الرد لانه قد يقصد الثيب لغرض صحيح.

______________________________

رواية سماعة المتقدمة) فى اوّل هذه المسألة (و اوّله) اى عدم الرد، مع انه حسب الشرط يلزم ان يكون للمشترى الرد (بما وجهنا به تلك الرواية) من احتمال حدوث الثيبوبة بعد القبض، او كون المراد من الشرط عدم وطى انسان لها، لا البكارة الفعلية.

(و ذكر الشيخ في النهاية مضمون الرواية) او رواية سماعة (مع تعليلها) اى قوله عليه السلام «انه قد يكون تذهب في حال مرض أو أمر يصيبها» (الدال على تأويلها) اى تأويل الرواية بما ذكرناه من الاحتمالين فان تعليل الامام عليه السلام دال على التأويل المذكور.

(و) هنا مسألة اخرى و هى انه (لو شرط الثيبوبة) لان المشترى لا يقدر على البكر- مثلا- (فبانت بكرا، كان له الرد) لتخلف الشرط.

ان قلت: هذا الشرط غير عقلائى فلا اثر له.

قلت: بل هو عقلائى (لانه قد يقصد الثيب لغرض صحيح) عند العقلاء.

ص: 366

مسئلة ذكر في التذكرة و القواعد من جملة العيوب عدم الختان في العبد الكبير

لانه يخاف عليه من ذلك و هو حسن على تقدير تحقق الخوف على وجه لا يرغب في بذل ما يبذل لغيره بإزائه.

و يلحق بذلك المملوك غير المجدّر فانه يخاف عليه لكثرة موت المماليك بالجدرى.

و

______________________________

(مسألة: ذكر في التذكرة و القواعد من جملة العيوب عدم الختان فى العبد الكبير) فللمشترى حق الرد و الارش اذا كان بينه و بين المختون تفاوت (لانه يخاف عليه من ذلك) اى الختان، بان يموت (و هو حسن على تقدير تحقق الخوف على وجه) عقلائى، بحيث (لا يرغب في بذل ما يبذل لغيره) من العبيد المختونين (بإزائه).

لكن الظاهر وجوب تقييد ذلك بما اذا كان العبد مسلما اذ لا يجب ختان العبد الكافر الّذي يقر على كفره.

(و يلحق بذلك) اى غير المختون (المملوك غير المجدّر) الّذي هو فى معرض الاصابة بمرض الجدرىّ (فانه يخاف عليه لكثرة موت المماليك بالجدرىّ).

(و) ان قلت: ليس هذان نقصا في الخلقة الاصلية، و قد تقدم ان الميزان في العيب النقص في الخلقة الاصلية.

ص: 367

مثل هذين و ان لم يكن نقصا في الخلقة الاصلية، الا ان عروض هذا النقص اعنى الخوف مخالف لمقتضى ما عليه الاغلب في النوع او الصنف.

و لو كان الكبير مجلوبا من بلاد الشرك، فظاهر القواعد كون عدم الختان عيبا فيه مع الجهل دون العلم.

و هو غير مستقيم لان العلم و الجهل بكونه مجلوبا لا يؤثر في كونه عيبا نعم لما كان الغالب في المجلوب عدم الختان لم يكن اطلاق العقد الواقع

______________________________

قلت: (مثل هذين) اى غير المختون و غير المجدّر (و ان لم يكن نقصا فى الخلقة الاصلية، الا ان عروض هذا النقص اعنى الخوف) من الجدرىّ او إرادة الاختتان (مخالف لمقتضى ما عليه الاغلب في النوع) لكل العبيد (او الصنف) كالعبد المسلم- مثلا-.

(و لو كان الكبير مجلوبا من بلاد الشرك، فظاهر القواعد كون عدم الختان عيبا) أيضا (فيه) اى في المجلوب (مع الجهل) بانه مجلوب من بلاد الشرك (دون العلم) لانه مع العلم اقدم بنفسه على هذا الضرر فهو مثل ان يقدم على اشتراء المعيب.

(و هو) اى تفصيل العلامة (غير مستقيم) فان ظاهر كلام العلامة انه مع العلم ليس العبد بمعيب و هذا غير تام (لان العلم و الجهل بكونه مجلوبا لا يؤثر في كونه عيبا) و انما يؤثران في عدم ترتب حكم العيب مع العلم بكونه مجلوبا.

(نعم لما كان الغالب في المجلوب عدم الختان لم يكن اطلاق العقد الواقع

ص: 368

عليه مع العلم بجلبه التزاما بسلامته من هذا العيب كما ذكرنا نظيره فى الثيب.

و تظهر الثمرة هنا أيضا فيما لو اشترط الختان فظهر اغلف فيثبت الردّ و الارش.

فاخراج العلّامة الثيبوبة و عدم الختان في الكبير المجلوب مع العلم بجلبه من العيوب لكونه ره في مقام عد العيوب الموجبة فعلا للخيار.

______________________________

عليه) اى على المجلوب (مع العلم) اى علم المشترى (بجلبه التزاما بسلامته من هذا العيب كما ذكرنا نظيره في الثيب) من انه عيب، و لكنه لا يوجب الخيار.

(و تظهر الثمرة) بين كون عدم الختان عيبا، او ليس بعيب (هنا أيضا) كما ذكرنا في ظهور الثمرة بين كون الثيبوبة عيبا أم لا (فيما لو اشترط) المشترى (الختان فظهر اغلف فيثبت الردّ و الارش) اذا كان عدم الختان عيبا.

اما اذا لم يكن عيبا فانه لا يثبت الا الرد، اذ لا ارش في تخلف الشرط كما ذكرناه في باب الثيبوبة-.

(فاخراج العلامة) اى ذكره (الثيبوبة و عدم الختان في الكبير المجلوب مع العلم) اى علم المشترى (بجلبه من العيوب) «من» متعلق ب «اخراج» (لكونه ره في مقام عد العيوب الموجبة فعلا للخيار).

و قد عرفت ان المجلوب لا خيار فيه الا بالشرط، و ذلك لاقدام المشترى على اشتراء المعيوب.

ص: 369

مسئلة عدم الحيض ممّن شأنها الحيض بحسب السّن و المكان و غيرهما من الخصوصيّات التى لها مدخلية في ذلك عيب ترد معه الجارية،

لانه خروج عن المجرى الطبيعى.

و لقول الصادق عليه السلام: و قد سئل عن رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض عنده حتى مضى لها ستة اشهر، و ليس بها

______________________________

(مسألة: عدم الحيض ممّن شأنها الحيض) و المراد بالشأن، الشأن الفعلى لا الشأن التقديرى، فان الكثير من النساء ينقطع عنهن الحيض فى اواخر سنّ الحيض، مثل ما اذا اقترب سنّهن من الخمسين في غير القرشية، و من الستين في القرشية، فان الانقطاع حينئذ ليس عيبا لغلبة هذا الانقطاع كما لا يخفى (بحسب السنّ) بين التاسعة و سن اليأس (و المكان) فان في البلاد الحارة تحيّض المرأة اسرع من حيضها في البلاد الباردة (و غيرهما من الخصوصيّات التى لها مدخلية في ذلك) الحيض كخصوصية المزاج العام للقبيلة، فان بعض القبائل لحرارة مزاجها تحيض اسرع- الى غير ذلك- (عيب ترد معه الجارية، لانه) اى عدم الحيض (خروج عن المجرى الطبيعى) و قد عرفت سابقا ان الخروج عن المجرى الطبيعى عيب.

(و لقول الصادق عليه السلام: و قد سئل عن رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض عنده حتى مضى لها) عند الرجل (ستة اشهر، و ليس بها

ص: 370

حمل، قال ان كان مثلها تحيض و لم يكن ذلك من كبر فهذا عيب ترد منه

و ليس التقييد بمضى ستة اشهر الا في مورد السؤال، فلا داعى الى تقييد كونه عيبا بذلك كما في ظاهر بعض الكلمات.

ثم ان حمل الرواية على صورة عدم التصرف في الجارية حتى بمثل قول المولى لها: اسقنى ماء او اغلق الباب في غاية البعد

______________________________

حمل) فمع الحمل ينقطع الحيض غالبا، فهل له خيار أم لا (قال) عليه السلام (ان كان مثلها تحيض و لم يكن ذلك) الانقطاع عن الحيض (من كبر) كسن اليأس (فهذا عيب ترد منه) و المفهوم منه انه ان لم تكن كذلك فليس ذلك عيب.

(و) لا يخفى انه (ليس التقييد بمضى ستة اشهر الا في مورد السؤال) فلا يشترط مضى هذه المدة، بل اذا لم تحض في مدة اقل من ذلك مع كون المتعارف تحيضها كانت أيضا معيبة (فلا داعى الى تقييد كونه) اى كون عدم الحيض (عيبا بذلك) اى بمضى ستة اشهر (كما في ظاهر بعض الكلمات) و هو عبارة الشرائع.

(ثم ان حمل الرواية على صورة عدم التصرف في الجارية) اىّ تصرف (حتى بمثل قول المولى لها: اسقنى ماء او اغلق الباب) مما تقدم من انه مسقط للرد، فهو (فى غاية البعد) اذ كيف تبقى الجارية في بيت شخص ستة اشهر، ثم لا يتصرف الشخص فيها حتى بامثال هذه التصرفات فلا بعد من القول بان مطلق التصرف ليس مسقطا، بل المسقط هو

ص: 371

و ظاهر الحلّى في السرائر عدم العمل بمضمون الرواية رأسا.

______________________________

التصرف الدال على الرضا او المغير او الناقل.

(و) لكن (ظاهر الحلى في السرائر عدم العمل بمضمون الرواية رأسا) بناء منه على عدم العمل باخبار الآحاد، و فيه نظر واضح.

ثم انه لو كانت طبيعة نساء منطقة خاصة عدم التحيض هذه المدة او اكثر، فليس ذلك بعيب اذا علم المشترى، اما اذا لم يعلم ففيه اشكال بل لا يبعد القول بالخيار، لانه خروج عن المتعارف و ان لم يكن عيبا بالنسبة الى نساء المنطقة.

ص: 372

مسئلة الإباق عيب بلا اشكال و لا خلاف،

لانه من افحش العيوب.

و يدل عليه صحيحة ابى همام الآتية في عيوب السنة.

لكن في رواية محمد بن قيس: انه ليس في الا باق عهدة.

و يمكن حملها على انه ليس كعيوب السنة يكفى حدوثها بعد العقد كما يشهد قوله عليه السلام- فى رواية يونس-: ان العهدة في الجنون و

______________________________

(مسألة: الإباق) فى العبد، بان يكون من طبعه الا باق، و ان لم يأبق عند المشترى (عيب بلا اشكال و لا خلاف، لانه من افحش العيوب) عرفا

(و يدل عليه صحيحة ابى همام الآتية في عيوب السنة) مما يكمن منشأ المرض قبل سنة من ظهوره، ففى آخر الصحيحة فقال له يعنى للرضا عليه السلام فلا باق؟ قال عليه السلام: ليس الا باق من ذا، الا ان يقيم البينة انه كان قد ابق عنده.

(لكن في رواية محمد بن قيس: انه ليس في الإباق عهدة) اى عهدة البائع، مما ظاهره عدم الخيار.

(و يمكن حملها على انه ليس) الا باق (كعيوب السنة) بحيث (يكفى حدوثها بعد العقد) فى الخيار، اذ كثيرا ما يحدث الا باق بعد اشتراء المشترى له كسائر العيوب التى تحدث عند المشترى و لا يلزم بها البائع (كما يشهد) على هذا الحمل (قوله عليه السلام- فى رواية يونس-: ان العهدة في الجنون و

ص: 373

البرص سنة، بل لا بد من ثبوت كونه كذلك عند البائع، و الا فحدوثه عند المشترى ليس في عهدة البائع، و لا خلاف اذا ثبت وجوده عند البائع.

و هل يكفى المرة عنده، او يشترط الاعتياد، قولان، من الشك في كونه عيبا، و الاقوى ذلك وفاقا لظاهر الشرائع و صريح التذكرة، لكون ذلك بنفسه نقصا بحكم العرف.

و لا يشترط اباقه عند المشترى قطعا.

______________________________

البرص سنة، بل لا بد من ثبوت كونه) اى العبد (كذلك) اى آبقا (عند البائع، و الا فحدوثه عند المشترى ليس في عهدة البائع).

اللهم الا اذا كشف ذلك عن نفسية دنيئة، كسائر النفسيات المنحطة بما يعد في العرف عيبا (و لا خلاف) فى الخيار (اذا ثبت وجوده) اى الا باق (عند البائع) لانه عيب كما تقدم.

(و هل يكفى المرة عنده) بان ابق عند البائع مرة (او يشترط الاعتياد قولان) و قد جعل المسالك الاعتياد بالمرتين فما فوق (من الشك في كونه عيبا) اذا ابق مرة و الاصل عدم العيب، فاللازم الاكثر من مرة (و الاقوى ذلك) اى كفاية المرة في كونه عيبا (وفاقا لظاهر الشرائع و صريح التذكرة لكون ذلك) اى الا باق عند البائع مرة (بنفسه نقصا) و ان لم يكن اعتيادا (بحكم العرف).

لكن ربما يقال: انه فرق بين الاعتياد و بين ذلك، اذ كثيرا ما لا تكون المرة نقصا خصوصا اذا علم بانه تائب او كان اباقه عند البائع لضغط عليه او ما اشبه.

(و) كيف كان، ف (لا يشترط اباقه عند المشترى قطعا) اذ العيب يتحقق بدون ذلك.

ص: 374

مسئلة الثفل الخارج عن العادة في الزيت و البذر و نحوهما عيب،

يثبت به الردّ و الارش، لكون ذلك خلاف ما عليه غالب افراد الشي ء.

و في رواية ميسر بن عبد العزيز، قال: قلت لابى عبد اللّه عليه السلام فى الرجل يشترى زق زيت يجد فيه درديا، قال ان كان يعلم ان الدردى يكون في الزيت فليس عليه ان يردّه، و ان لم يكن يعلم، فله ان يردّه.

نعم في رواية السكونى، عن جعفر عن ابيه

______________________________

(مسألة: الثفل الخارج عن العادة في الزيت و البذر و نحوهما عيب يثبت به الردّ و الارش) اذا كان هناك تفاوت بين ذى الثفل و غيره فى القيمة (لكون ذلك) الثفل (خلاف ما عليه غالب افراد الشي ء) فهو خلاف المجرى الطبيعى للجنس.

(و في رواية ميسر بن عبد العزيز، قال: قلت لابى عبد اللّه عليه السلام في الرجل يشترى زق زيت يجد فيه درديا) الدردى من الزيت و غيره ما يبقى في اسفله كما في اللغة (قال ان كان يعلم ان الدردى يكون في الزيت فليس عليه ان يردّه) لانه اقدم بنفسه على ذلك (و ان لم يكن يعلم، فله ان يرده) لانه عيب، و الرواية و ان لم تذكر الارش لكنه يفهم ذلك من القواعد العامة.

(نعم في رواية السكونى، عن جعفر عن ابيه) عليهما السلام ما يدل

ص: 375

ان عليا قضى في رجل اشترى من رجل عكة فيها سمن احتكرها حكرة فوجد فيها ربّا، فخاصمه الى على عليه السلام، فقال له على عليه السلام:

لك بكيل الربّ سمنا، فقال له الرجل انما بعته منه حكرة فقال له على عليه السلام: انما اشترى منك سمنا و لم يشتر منك ربّا.

قال في الوافى يقال: اشترى المتاع حكرة اى جملة.

و هذه الرواية بظاهرها مناف لحكم العيب من الرد و الارش، و توجيهها بما يطابق القواعد مشكل

______________________________

على حكم آخر، و هو حق المشترى في ان يأخذ المقدار الناقص مكان الدردى (ان عليا) عليه السلام (قضى في رجل اشترى من رجل عكة فيها سمن احتكرها حكرة فوجد فيها ربّا) الربّ دردىّ السمن (فخاصمه الى على عليه السلام، فقال له على عليه السلام: لك بكيل الربّ سمنا) تأخذه من البائع (فقال له الرجل) البائع (انما بعته منه حكرة) اى جملة فلست مكلفا باعطائه بدل الربّ (فقال له على عليه السلام: انما اشترى منك سمنا و لم يشتر منك ربّا) فيجب عليك ان تفى بما بعته.

(قال في الوافى يقال: اشترى المتاع حكرة اى جملة) فمعنى احتكرها حكرة، اى جمعها جمعا، و معنى حكرة اى جملة و مجموعا لا، ان يكون الاشتراء على نحو كل كيل بكذا.

(و هذه الرواية بظاهرها مناف لحكم العيب) اى حكم المعيب المستفاد من النص و الفتوى (من) اختيار المشترى بين (الرد و الارش و توجيهها بما يطابق القواعد مشكل) بان يقال: ان البيع كان كليا و كان

ص: 376

و ربما استشكل في اصل الحكم بصحة البيع لو كان كثيرا للجهل بمقدار المبيع.

و كفاية معرفة وزن السمن بظروفه خارجة بالاجماع، كما تقدم، او مفروضة في صورة انضمام الظرف المفقود هنا، لان الدردى غير متمول.

______________________________

اعطائه العكة من باب الوفاء.

و وجه الاشكال في ذلك ان ظاهر الرواية ان البيع كان شخصيا لا كليا و كيف كان فان كان البيع على نحو الكلى، فلا اشكال في مطابقة الرواية للقواعد العامة.

(و ربما استشكل في اصل الحكم بصحة البيع)- لا ما في الرواية من اعطاء السمن مقابل الدردى- (لو كان) الدردى (كثيرا) و ذلك (للجهل بمقدار المبيع) و بيع المجهول باطل.

(و) ان قلت: لا نسلم بطلان بيع المجهول- اذا كان معلوما فى الجملة- لانه ورد صحة بيع المظروف بظرفه مع ان مقدار المظروف مجهول

قلت: (كفاية معرفة وزن السمن بظروفه خارجة بالاجماع) و النص فلا يقاس عليه ما نحن فيه الا اذا اثبتت حجية الرواية، و عمل بها المشهور (كما تقدم) الكلام حول بيع المظروف بظرفه (او مفروضة في صورة انضمام الظرف) فى البيع، فكان الشارع اكتفى بمعرفة الجملة و ان كانا من جنسين (المفقود هنا) صفة «الظرف».

و ذلك (لان الدردى غير متمول) فهو من باب انضمام ما يملك الى ما لا يملك، فقدر ما يملك مجهول.

ص: 377

و الاولى ان يقال: ان وجود الدردى ان افاد نقصا في الزيت من حيث الوصف و ان افضى بعد التخليص الى نقص الكم نظير الغش فى الذهب كان الزائد منه على المعتاد عيبا و ان افرط في الكثرة.

و لا اشكال في صحة البيع حينئذ لان المبيع زيت و ان كان معيوبا.

______________________________

لكن لا يخفى مالية الثفل أيضا لانه سمن ردئ، لا انه ليس بسمن اصلا (و الاولى ان يقال) ان البيع اما كلى او شخصى.

فاذا كان كليا فلا اشكال في صحة البيع و انه يلزم اعطائه الناقص.

و ان كان شخصيا ف (ان وجود الدردىّ ان افاد نقصا في الزيت من حيث الوصف) بان يقال- عرفا- انه زيت ردئ (و ان افضى بعد التخليص الى نقص الكم) لانه ان صفى من الدردى كان ناقصا كمّا (نظير الغش في الذهب) الّذي هو ناقص كيفا، حيث يقال انه ذهب ردئ لكنه بعد التصفية يكون ناقصا كمّا و (كان الزائد منه) اى من النقص الكمّى (على المعتاد) كما لو كان الثفل المتعارف اوقية فكان في هذا العك أوقيتين (عيبا).

و من المعلوم ان حكم العيب الرد او الارش- ان كان العيب موجبا للتفاوت- (و ان افرط) الثفل (فى الكثرة) اذ الكثرة لا تخرجه عن موضوع المعيب الّذي له حكم الرد و الارش.

(و لا اشكال في صحة البيع حينئذ لان المبيع زيت) و هو ما اشتراه المشترى (و ان كان معيوبا) فحاله حال الامور المعيوبة.

ص: 378

و عليه يحمل ما في التحرير، من ان الدردىّ في الزيت و البذر عيب موجب للرد و الارش و ان لم يفد إلا نقصا في الكم، فان باع ما في العكة بعد وزنها مع العكة و مشاهدة شي ء منه تكون أمارة على باقيه، و قال: بعتك ما في هذه العكة من الزيت كل رطل بكذا، فظهر امتزاجه بغيره غير الموجب لتعيبه فالظاهر صحة البيع، و عدم ثبوت الخيار اصلا، لانه اشترى السمن الموجود في هذه العكة، و لا يقدح الجهل بوزنه

______________________________

(و عليه) اى على ما ذكرناه من كونه نقصا في الوصف (يحمل ما فى التحرير، من ان الدردى في الزيت و البذر عيب موجب للرد و الارش) اذ لا يمكن ان يريد به صورة النقص في الكم ابتداءً الّذي اشرنا إليه بقولنا:

(و ان لم يفد) الدردىّ الموجود (إلا نقصا في الكم) كما لو كان فوق العكة سمن صافى، و تحته الدردىّ، فكان السمن مثلا نصف الكم المشترى (فان باع ما في العكة بعد وزنها مع العكة و مشاهدة شي ء منه) بحيث (تكون) تلك المشاهدة (أمارة على باقيه، و قال: بعتك ما في هذه العكة من الزيت كل رطل بكذا) مع علمهما بعدد الارطال، و الا كان من المجهول كما لا يخفى (فظهر امتزاجه بغيره) امتزاجا (غير الموجب لتعيبه) بان لم يكن الدردى خليطا، بل كان في الاسفل مثلا- لانه اذا اوجب التعيب كان من نقص الكيف كما تقدم- (فالظاهر صحة البيع) فليس البيع باطلا (و عدم ثبوت الخيار اصلا) لا ردّا و لا ارشا (لانه اشترى السمن الموجود فى هذه العكة) كيفما كان، فلا جهل حتى يوجب البطلان، و لا تعيب حتى يوجب الخيار (و لا يقدح الجهل بوزنه) اى وزن السمن لانه لا يعلم كم

ص: 379

للعلم به مع الظرف.

و المفروض معرفة نوعه بملاحظة شي ء منها بفتح رأس العكة، فلا عيب و لا تبعض صفقة.

الا ان يقال: ان اطلاق شراء ما في العكة من الزيت في قوة اشتراط كون ما عدا العكة سمنا، فيلحق بما سيجي ء في الصورة الثالثة من اشتراط كونه بمقدار خاص.

______________________________

السمن، و كم الدردىّ (للعلم به مع الظرف) و مثل هذا العلم كاف، كما فى كل مورد يشترى الانسان الشي ء المخلوط، مع انه لا يعلم كمية كل واحد من الخليطين- و هذا وجه انه لا بطلان للبيع-.

(و) اما وجه انه لا خيار له، فلان (المفروض معرفة نوعه بملاحظة شي ء منها) لانه لاحظ شيئا مما في العكة (بفتح رأس العكة، فلا عيب و لا تبعض صفقة) فليس له خيار العيب، و خيار تبعض الصفقة، فالمفروض انه اشترى تمام ما في العكة و الظرف و لا تبعض فيه.

(الا ان يقال) ان له خيار الشرط، ل (ان اطلاق شراء ما في العكة من الزيت في قوة اشتراط كون ما عدا العكة سمنا) اذا كان قصدهما ذلك

اذ قد يكون القصد شراء ما في العكة- مهما كان- و قد يكون القصد شراء السمن الّذي في العكة (فيلحق) هذا البيع (بما سيجي ء في الصورة الثالثة) و هى ما ذكره بعد ذلك بقوله «و لو باع ما في العكة من الزيت» (من اشتراط كونه بمقدار خاص) مما يلزم منه تبعض الصفقة فله الخيار.

ص: 380

و ان باعه بعد معرفة وزن المجموع بقوله: بعتك ما في هذه العكة فتبين بعضه درديا، صح البيع في الزيت مع خيار تبعض الصفقة، قال فى التحرير: لو اشترى سمنا فوجد فيه غيره تخير بين الرد و اخذ ما وجده من السمن بنسبة الثمن.

و لو باع ما في العكة من الزيت على انه كذا و كذا رطلا، فتبين نقصه عنه لوجود الدردى صح البيع، و كان للمشترى خيار تخلف الوصف او الجزء على

______________________________

(و ان باعه بعد معرفة وزن المجموع بقوله: بعتك ما في هذه العكة) و كان القصد السمن الموجود فيه، لا مطلق ما فيه (فتبين بعضه درديا صح البيع في الزيت) فقط، لانه مصب العقد (مع) ان له (خيار تبعض الصفقة) لان بعض الصفقة ظهرت انها ليست الجنس المقصود بالاشتراء.

و لذا (قال في التحرير: لو اشترى سمنا فوجد فيه غيره تخير بين الرد) للكل (و) بين (اخذ ما وجده من السمن بنسبة الثمن) الى المجموع، فان كان نصف العكة سمنا كان له نصف الثمن و هكذا.

(و لو باع ما في العكة من الزيت على انه كذا و كذا رطلا، فتبين نقصه عنه لوجود الدردىّ) و انه اقل من الارطال المشتراة (صح البيع) لانه ليس بمجهول (و) لكن (كان للمشترى خيار تخلف الوصف) لان هذا السمن ليس له وصف كذائية الارطال (او الجزء) فهو خيار تبعض الصفقة.

و انما تردّدنا في انه خيار تخلف الوصف، او تخلف الجزء، لانه مبنى (على

ص: 381

الخلاف المتقدم فيما لو باع الصبرة على انها كذا و كذا فظهر ناقصا.

و لو باعه مع مشاهدته ممزوجا بما لا يتمول بحيث لا يعلم قدر خصوص الزيت، فالظاهر عدم صحة البيع و ان عرف وزن المجموع مع العكة لان كفاية معرفة وزن الظرف و المظروف انما هى من حيث الجهل الحاصل من اجتماعهما لا من انضمام مجهول آخر غير قابل للبيع، كما لو علم بوزن مجموع الظرف و المظروف، لكن علم بوجود صخرة في الزيت مجهولة الوزن.

______________________________

الخلاف المتقدم فيما لو باع الصبرة على انها كذا و كذا) مقدارا (فظهر ناقصا) و انه هل هو من خيار تخلف الوصف او خيار تخلف الجزء؟

(و لو باعه مع مشاهدته ممزوجا بما لا يتمول) كالتراب، بخلاف الدردى الّذي يتمول و لكن بقيمة انقص (بحيث لا يعلم قدر خصوص الزيت، فالظاهر عدم صحة البيع) اصلا، لانه من بيع المجهول (و ان عرف وزن المجموع مع العكة).

و ذلك (لان كفاية معرفة وزن الظرف و المظروف انما هى من حيث الجهل الحاصل من اجتماعهما).

فالشارع انما اجاز الجهل بمقدار ما في العكة فيما اذا اشتراه مع العكة اذا كان ما في العكة مما يتمول (لا من انضمام مجهول آخر غير قابل للبيع) كما هو مورد الكلام الآن، فانه باطل و لم يجزه الشارع (كما لو علم بوزن مجموع الظرف و المظروف، لكن علم بوجود صخرة في الزيت مجهولة الوزن) فان البيع باطل حينئذ لوجود جهالتين هنا، و الشارع انما اجاز جهالة واحدة و هى الجهالة الناشئة من قبل الظرف.

ص: 382

محتويات الكتاب

الموضوع الصفحة كلمة الشارح 3

فى عدم سقوط خيار الرؤية ببذل التفاوت و ابدال العين 4

فى ثبوت خيار الرؤية في كل عقد واقع على عين شخصية 9

فى اختلاف البائع و المشترى في الوصف 12

فى اختلاف الاقوال في النسج 17

خيار العيب 20

فى ظهور العيب في المبيع 32

مسقطات خيار العيب 43

فى النصوص الدالة على ان الوطي مانع عن ردّ الجارية 76

فى ان الحمل عيب اجماعا 83

فى ان العمل بظاهر بعض الاخبار يستلزم مخالفته من وجوه اخر 91

فى التفصيل بين ان تكون الجارية بكرا او ثيبا 105

فى ما اذا انضم مع الحمل عيب آخر 111

فى ان حدوث العيب عند المشترى مسقط للردّ 112

فى ان العيب المانع من الرد تبعض الصفقة 145

فى سقوط الارش فقط 177

ص: 383

الموضوع الصفحة فى سقوط الردّ و الارش معا 188

فى الامور التى يسقط بها الردّ و الارش 199

فى عدم بيان عيب المعيوب للمشترى 241

فى اختلاف المتبايعين 250

فى ماهية العيب 307

فى ان المرض عيب 341

فى ان الحبل عيب في الاماء 343

فى ان الثيبوبة ليست عيبا في الاماء 358

فى ان عدم الختان عيب في العبد الكبير 367

فى ان عدم الحيض ممن شانها الحيض عيب 370

فى ان الإباق عيب 373

فى ان الثفل الكثير عيب 375

محتويات الكتاب 384

ص: 384

المجلد 14

هویة الکتاب

سرشناسه : حسيني شيرازي، محمد، 1380 - 1305، شارح

عنوان و نام پديدآور : ايصال الطالب الي المكاسب: شرح واف بغرض الكتاب، تيعرض لحل مشكلاته و ابداآ مقاصد في ايجاز و توضيح/ محمد الحسيني الشيرازي

مشخصات نشر : تهران : موسسه كتابسراي اعلمي ، 1385.

مشخصات ظاهري : ج 16

شابك : 964-94017-6-8(دوره): ؛ 964-7860-59-5(ج. 1): ؛ 964-7860-58-7(ج. 2): ؛ 964-7860-57-9(ج. 3): ؛ 964-7860-56-0(ج. 4): ؛ 964-7860-54-4(ج. 6): ؛ 964-7860-53-6(ج. 7): ؛ 964-7860-55-2(ج. 8): ؛ 964-7860-52-8(ج. 9): ؛ 964-7860-51-X(ج. 10): ؛ 964-7860-50-1(ج. 11): ؛ 964-7860-49-8(ج. 12): ؛ 964-7860-45-X(ج. 13): ؛ 964-7860-47-1(ج. 15):

يادداشت : عربي

يادداشت : فهرست نويسي براساس اطلاعات فيپا

يادداشت : كتاب حاضر شرحي بر "المكاسب مرتضي بن محمد امين انصاري" است

عنوان ديگر : المكاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1281 - 1214ق. المكاسب -- نقد و تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

شناسه افزوده : انصاري، مرتضي بن محمدامين ، 1281 - 1214ق. المكاسب. شرح

رده بندي كنگره : BP190/1/الف8م702133 1385

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : م 85-16816

ص: 1

اشارة

ص: 2

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد و آله الطاهرين و لعنة الله على اعدائهم اجمعين من الآن الى يوم الدين.

و بعد: فهذا هو القسم الرابع من كتاب الخيارات و الجزء الرابع عشر من اجزاء كتابنا (ايصال الطالب الى المكاسب) للشيخ الفذّ آية الله الانصارى قدس سره.

و يشرع فى مسئلة ان الامراض التى تحدث خلال السنة عيب كتبته تسهيلا للطالب الكريم عسى ان انتفع به فى يوم لا ينفع فيه مال و لا بنون الّا من اتى الله بقلب سليم.

كربلاء المقدسة محمد بن المهدى الحسينى الشيرازى

ص: 3

[تتمة القول في الخيار]

[تتمة القول في أقسام الخيار]

[تتمة السابع خيار العيب]
[تتمة الكلام في بعض أفراد المعيب]
مسألة قد عرفت ان مطلق المرض عيب خصوصا الجنون و البرص و الجذام و القرن.

و لكن يختص هذه الاربعة من بين العيوب بانها لو حدثت الى سنة من يوم العقد يثبت لاجلها التخيير بين الرد و الارش، هذا هو المشهور.

و يدل عليه ما استفيض عن مولانا ابى الحسن الرضا عليه السلام ففى رواية على بن اسباط عنه فى حديث خيار الثلاثة، ان احداث السنة

______________________________

(مسألة: قد عرفت ان مطلق المرض عيب) فاذا كان العبد او الحيوان مريضا، و لم يعلم به المشترى كان له الرد و الارش، ان كان هناك تفاوت بين الصحيح و المعيب (خصوصا الجنون و البرص و الجذام و القرن) فى العبد و الامة و الخصوصية للنص و الفتوى بها.

(و لكن يختص هذه الاربعة من بين العيوب بانها لو حدثت الى سنة) ابتداءً (من يوم العقد يثبت لاجلها التخيير بين الرد و الارش). و (هذا هو المشهور) بين العلماء.

(و يدل عليه ما استفيض) من الرواية (عن مولانا ابى الحسن الرضا عليه السلام ففى رواية على بن اسباط عنه) عليه السلام (فى حديث خيار الثلاثة) فى الحيوان هكذا، قال سمعته عليه السلام يقول: الخيار فى الحيوان ثلاثة ايام للمشترى، و فى غير الحيوان ان يتفرقا، و (ان احداث السنة

ص: 4

ترد بعد السنة، قلت و ما احداث السنة؟ قال: الجنون و الجذام و البرص و القرن فمن اشترى فحدث فيه هذه الاحداث فالحكم ان يرد على صاحبه الى تمام السنة من يوم اشتراه.

و فى رواية ابن فضال المحكية عن الخصال فى أربعة اشياء خيار سنة الجنون و الجذام و القرن و البرص.

و فى رواية اخرى له عنه عليه السلام، قال ترد الجارية مع اربع خصال من: الجنون و الجذام و البرص و القرن و الحدبة، هكذا فى التهذيب.

و فى الكافى القرن: الحدبة، الا انها تكون فى الصدر تدخل الظهر و

______________________________

ترد بعد السنة، قلت و ما احداث السنة؟ قال: الجنون و الجذام و البرص و القرن فمن اشترى فحدث فيه هذه الاحداث فالحكم ان يرد على صاحبه الى تمام السنة من يوم اشتراه) و على هذا فقوله عليه السلام «بعد السنة» اى فى السنة.

(و فى رواية ابن فضال المحكية عن الخصال) قال عليه السلام (فى أربعة اشياء خيار سنة: الجنون و الجذام و القرن و البرص).

(و فى رواية اخرى له) اى لابن فضال (عنه عليه السلام، قال: ترد الجارية مع اربع خصال، من: الجنون و الجذام و البرص و القرن و الحدبة) بفتح الحاء المهملة و الدال (هكذا) رواه (فى التهذيب) باتيان واو العطف على الحدبة.

(و) لكن (فى الكافى) هكذا روى الرواية (القرن الحدبة، الا انها) اى الحدبة (تكون فى الصدر تدخل الظهر و

ص: 5

تخرج الصدر، انتهى.

و مراده ان الحدب ليس خامسا لها، لان القرن يرجع الى حدب فى الفرج.

لكن المعروف انه عظم فى الفرج كالسن يمنع الوطي.

و فى الصحيح عن محمد بن على، قيل و هو مجهول و احتمل بعض كونه الحلبى عنه عليه السلام، قال: يرد المملوك من احداث السنة من الجنون و البرص و القرن،

______________________________

تخرج الصدر، انتهى) كلام الكافى.

(و مراده) اى الكافى من هذا التفسير (ان الحدب ليس خامسا لها) و يدل عليه قوله عليه السلام- فى اوّل الرواية- من اربع خصال، فتفسير القرن بالحدبة انما هو (لان القرن يرجع الى حدب فى الفرج) فذكر الحدبة فى الرواية- سواء كان مع الواو كما فى بعض النسخ، او بدون الواو كما فى نسخ اخرى- من باب عطف البيان.

(لكن) هذا العطف مشكل.

اذ (المعروف انه) اى القرن (عظم فى الفرج كالسن) فى الفم (يمنع الوطي) فلا حدبة فى ذات الفرج، الا ان يقال ان الحدبة فى الصدر أيضا عبارة عن العظام التى تقوس الصدر فالحدبة أيضا عظم.

(و فى الصحيح عن محمد بن على، قيل و هو مجهول، و احتمل بعض) و هو الاردبيلى (كونه الحلبى) و على هذا لا يكون مجهولا (عنه عليه السلام، قال: يرد المملوك من احداث السنة من الجنون و البرص و القرن

ص: 6

قال: قلت: و كيف يرد من احداث فقال هذا اوّل السنة يعنى المحرم، فاذا اشتريت مملوكا فحدث فيه هذه الخصال ما بينك و بين ذى الحجة، رددت على صاحبه.

و هذه الرواية لم يذكر فيها الجذام، مع ورودها فى مقام التحديد و الضبط لهذه الامور، فيمكن ان يدعى معارضتها لباقى الاخبار المتقدمة

و من هنا استشكل المحقق الاردبيلى فى الجذام و ليس التعارض من باب المطلق و المقيد، كما ذكره فى الحدائق ردّا على الاردبيلى ره.

______________________________

قال: قلت: و كيف يرد من احداث) السنة، و مراد السائل معنى احداث السنة (فقال) عليه السلام (هذا اوّل السنة يعنى المحرم، فاذا اشتريت مملوكا فحدث فيه هذه الخصال ما بينك و بين ذى الحجة، رددت) المملوك (على صاحبه).

(و هذه الرواية لم يذكر فيها الجذام، مع ورودها فى مقام التحديد و الضبط لهذه الامور) لانه هو الظاهر من قوله عليه السلام: من احداث السنة عرفا، و من المعلوم ان المفهوم منه حينئذ عدم وجود عيب آخر بهذه المنزلة (فيمكن ان يدعى معارضتها لباقى الاخبار المتقدمة) الدالة على كون الجذام أيضا من احداث السنة.

(و من هنا) حيث ظهر التعارض (استشكل المحقق الاردبيلى فى الجذام) و هل انه يرد به، أم لا؟ (و ليس التعارض من باب المطلق و المقيد، كما ذكره فى الحدائق ردّا على الاردبيلى ره).

فان مفهوم الصحيحة يقول: لا عيب آخر غير الثلاثة، و منطوق تلك

ص: 7

الا ان يريد ان التعارض يشبه تعارض المطلق و المقيد فى وجوب العمل بما لا يجرى فيه احتمال يجرى فى معارضه.

و هو هنا احتمال سهو الراوى فى ترك ذكر الجذام فانه اقرب الاحتمالات المتطرقة فى ما نحن فيه.

______________________________

الروايات يقول ان هناك عيبا واحدا آخر، فيقيد المفهوم بالمنطوق، هذا هو مراد الحدائق.

لكن الشيخ رحمه الله كانه فهم منه ان المراد من المقيد مثل «رقبة مؤمنة» و لذا نفاه- فتأمل-.

(الا ان يريد) الحدائق (ان التعارض يشبه تعارض المطلق و المقيد فى وجوب العمل بما لا يجرى فيه احتمال يجرى فى معارضه).

فان المطلق يجرى فيه احتمال ان يكون عدم ذكر القيد من باب كون كلام المطلق فى مقام بيان الحكم فى الجملة، او انه اعتمد على القرائن الداخلية و الخارجية و هذا الاحتمال لا يجرى فى المطلق، و لذا يحمل المطلق على المقيد.

(و هو) اى الاحتمال الّذي يجرى فى المطلق دون المقيد (هنا) فى عدم ذكر الجذام، و ذكره (احتمال سهو الراوى فى ترك ذكر الجذام) مع انه ذكره الامام عليه السلام عند ذكر الحديث (فانه اقرب الاحتمالات المتطرقة فى ما نحن فيه) مثل احتمال زيادة الراوى الجذام فى تلك الروايات، و احتمال ان يكون الحكم فى الجذام فى تلك الروايات من باب استحباب قبول البائع، لا من باب الخيار، او ان هذه الصحيحة ليست

ص: 8

و يمكن ان يكون الوجه فى ترك الجذام فى هذه الرواية انعتاقها على المشترى بمجرد حدوث الجذام، فلا معنى للرّد.

و حينئذ فيشكل الحكم بالردّ فى باقى الاخبار.

و وجّهه فى المسالك بان عتقه على المشترى موقوف على ظهور الجذام بالفعل.

______________________________

فى مقام التحديد، الى غيرها.

و لكن لا يخفى ان السيد الطباطبائى قال فى تعليقته: ان الرواية مذكورة فيها الجذام، و ان الاردبيلى رحمه الله لم يستشكل فى الجذام، فكلام المكاسب- على ما ذكره الطباطبائى رحمه الله- يحتاج الى المراجعة.

(و يمكن ان يكون الوجه فى ترك الجذام فى هذه الرواية) انه لا مجال لرد المجذوم اصلا.

و ذلك ل (انعتاقها) اى الرقبة (على المشترى بمجرد حدوث الجذام فلا معنى للردّ) اذ لا موضوع له، فانه قد ورد النص و الفتوى بان العبد اذا اجذم انعتق.

(و حينئذ) اى حين كان لا معنى للرد بالجذام (فيشكل الحكم بالرد فى باقى الاخبار).

(و وجّهه) اى كيف يرد العبد بالجذام و الحال انه ينعتق فلا مورد للرد (فى المسالك بان عتقه على المشترى موقوف على ظهور الجذام بالفعل) و اما ردّه بالعيب فلا يحتاج الى الظهور، بل تكفى مادة الجذام

ص: 9

و يكفى فى العيب الموجب للخيار وجود مادته فى نفس الامر، و ان لم يظهر، فيكون سبب الخيار مقدما على سبب العتق، فان فسخ، انعتق على البائع، و ان امضى، انعتق على المشترى.

و فيه أولا ان ظاهر هذه الاخبار ان سبب الخيار ظهور هذه الامراض لانه المعنى بقوله: فحدث فيه هذه الخصال ما بينك و بين ذى الحجة

______________________________

و عليه فما دلّ على ان المجذوم يعتق يقول: اذا ظهر الجذام.

و الّذي يقول: ان المجذوم يرد، يريد انه اذا حصلت فيه مادة الجذام فلا تعارض بين الروايتين، لانه اذا كانت المادة فقط، يردّ، اما اذا ظهر الجذام فيعتق.

(و) الحاصل انه (يكفى فى العيب الموجب للخيار وجود مادته فى نفس الامر) و الواقع (و ان لم يظهر، فيكون سبب الخيار مقدما على سبب العتق) فاذا عرف المشترى ان فيه مادة الجذام حق له ان يفسخ (فان فسخ) ثم ظهر الجذام عند البائع (انعتق على البائع) لان الجذام ظهر فى ملكه (و ان امضى) المشترى و لم يفسخ، حتى ظهر الجذام عند المشترى (انعتق على المشترى) انتهى جمع المسالك بين الروايتين.

(و فيه أولا ان ظاهر هذه الاخبار) المثبتة للخيار بالجذام (ان سبب الخيار ظهور هذه الامراض، لانه المعنى بقوله: فحدث فيه هذه الخصال ما بينك و بين ذى الحجة) فليس الموجب موادّ هذه الامراض كما قاله الشهيد.

ص: 10

و لو لا ذلك لكفى وجود موادها فى السنة، و ان تأخر ظهورها عنها و لو بقليل، بحيث يكشف عن وجود المادة قبل انقضاء السنة.

و هذا مما لا اظن احدا يلتزمه، مع انه لو كان الموجب للخيار هى مواد هذه الامراض، كان ظهورها زيادة فى العيب حادثة فى يد المشترى فلتكن مانعة من الرد، لعدم قيام المال بعينه حينئذ، فيكون فى التزام خروج هذه العيوب من عموم كون النقص الحادث مانعا

______________________________

(و لو لا ذلك) الّذي ذكرناه من ان العبرة حدوث هذه الامراض (لكفى وجود موادها فى السنة، و ان تأخر ظهورها) اى ظهور هذه الامراض (عنها) اى عن السنة (و لو بقليل، بحيث يكشف) ظهورها بعد السنة بقليل (عن وجود المادة قبل انقضاء السنة) او علمنا وجود المادة قبل انقضاء السنة من دليل آخر.

(و هذا) اى كفاية الظهور بعد السنة بقليل فى الخيار (مما لا اظن احدا يلتزمه) اذ النص و الفتوى تطابقا على لزوم الظهور فى السنة.

اللهم الا ان يقال: ان انحصار المواد مع الظهور فى السنة- و لكنه خلاف الظاهر- (مع انه لو كان الموجب للخيار هى مواد هذه الامراض كان ظهورها زيادة فى العيب حادثة فى يد المشترى) لان الظهور عبارة عن انتشار المرض (فلتكن مانعة من الرد، لعدم قيام المال بعينه حينئذ) اى حين الظهور، و قد تقدم ان من شروط الرد بالعيب القديم عدم حدوث عيب جديد فى يد المشترى- و الزيادة عيب جديد- (فيكون فى التزام خروج هذه العيوب من عموم كون النقص الحادث مانعا

ص: 11

عن الرد تخصيصا آخر للعمومات.

و ثانيا ان سبق سبب الخيار لا يوجب عدم الانعتاق بطروّ سببه، بل ينبغى ان يكون الانعتاق القهرى سببه مانعا شرعيا بمنزلة المانع العقلى عن الرد كالموت، و لذا لو حدث الانعتاق بسبب آخر غير الجذام

______________________________

عن الرد).

فهناك دليل يقول: ان النقص الحادث مانع عن الرد، و دليل ثان يقول: بان موادّ هذه الامراض توجب الرد، و ان زادت- بالظهور- فى يد المشترى، فيكون دليل هذه العيوب (تخصيصا آخر للعمومات) اذ هذا الدليل يخصص عموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ- أولا- و دليل: ان العيب مانع عن الرد بالعيب القديم- ثانيا- و زيادة التخصيص خلاف الاصل.

اما اذا قلنا بان ظهور هذه الامراض يوجب الرد، فهو تخصيص واحد- هو التخصيص الاوّل فقط-.

(و ثانيا ان سبق سبب الخيار) على سبب الانعتاق (لا يوجب عدم الانعتاق) للعبد (بطروّ سببه) اى سبب الانعتاق فاذا اجتمعا قدم سبب الانعتاق (بل ينبغى ان يكون الانعتاق القهرى سببه) و هو الجذام (مانعا شرعيا) عن الردّ فيكون (بمنزلة المانع العقلى عن الرد كالموت).

فاللازم اما ان نقول: بالرجوع الى بدل الرد- و هو الارش ان كان هناك ارش-

او نقول انه يرد لكن حيث لا يتمكن من ردّ العين يرجع الى رد بدله- و هو القيمة- (و لذا لو حدث الانعتاق بسبب آخر غير الجذام) مثل

ص: 12

فلا اظن احدا يلتزم عدم الانعتاق الا بعد لزوم البيع، خصوصا مع بناء العتق على التغليب.

هذا و لكن رفع اليد عن هذه الاخبار الكثيرة المعتضدة بالشهرة المحققة و الاجماع المدعى فى السرائر و الغنية، مشكل، فيمكن العمل بها فى موردها.

______________________________

تنكيل المولى به (فلا اظن احدا يلتزم عدم الانعتاق الا بعد لزوم البيع) بل الانعتاق يحصل و يكون للمشترى الرد برد القيمة، او الارش، كما ذكرنا (خصوصا مع بناء العتق على التغليب) فانه فهم من الادلة الشرعية ان التشبث القليل بالحرية موجب للانعتاق حتى فى مال الناس فكيف بما اذا كان مال نفسه، و له حق الفسخ.

(هذا و لكن رفع اليد عن هذه الاخبار الكثيرة المعتضدة بالشهرة المحققة و الاجماع المدعى فى السرائر و الغنية) على ان الجذام أيضا من اسباب ردّ العيد فى جملة احداث السنة (مشكل).

فلا يمكن ان نقول: بان العبد اذا اجذم صار حرّا، فلا ردّ له، بل اللازم ان نقول: ان العبد اذا اجذم كان للمشترى حق الردّ، و لم يصبح حرّا.

و لا يخفى ان قوله «و لكن» اشكال على رد المصنف على الشهيد بقوله «و ثانيا» (فيمكن العمل بها) اى باخبار ردّ العبد من الجذام (فى موردها) اى احداث السنة بان نقول: ان الجذام مطلقا يوجب انعتاق العبد، الا فى مورد كان فى ضمن السنة، فانه لا ينعتق العبد

ص: 13

او الحكم من اجلها بان تقدم سبب الخيار يوجب توقف الانعتاق على امضاء العقد و لو فى غير المقام

ثم

______________________________

حينئذ، بل للمشترى حق رده على البائع (او الحكم) اى ان نحكم (من اجلها) اى من اجل اخبار احداث السنة (بان تقدم سبب الخيار) و هو مادة الجذام على الجذام الّذي هو سبب الانعتاق (يوجب توقف الانعتاق على امضاء العقد).

فاذا امضى المشترى العقد انعتق، و اذا لم يمض، لم ينعتق، بل ردّه الى البائع (و لو فى غير المقام) اى غير مقام احداث السنة.

مثلا: اذا اشترى عبدا و جعل لنفسه الخيار الى سنتين، او كان المشترى مغبونا فيه ثم اجذم العبد بعد السنة.

فان امضى المشترى العقد انعتق و ان لم يمض العقد كان له ردّه الى البائع، و قوله «و لو» متعلق ب «يوجب».

(ثم) الظاهر انه لا فرق بين الجنون الادوارى و الاطباقى و الخفيف و الثقيل، و كذا فى سائر الاحداث، كما ان سبب هذه الامور لو حدث فى اثناء السنة، كما لو وقع العبد من مكان مرتفع فحدث فيه الجنون- بان لم تكن مادة هذه الامور موجودة فيه فى حال البيع- ففى الخيار و عدمه احتمالان: من اطلاق الروايات و من ظاهر بعض الفقهاء، على ان الخيار انما هو لاجل وجود مادة هذه الامراض فى العبد من قبل بالإضافة الى انصراف الروايات الى وجود المادة من قبل.

ص: 14

لو فسخ المشترى فانعتاقه على البائع موقوف على دلالة الدليل على عدم جواز تملك المجذوم، لا ان جذام المملوك يوجب انعتاقه بحيث يظهر اختصاصه بحدوث الجذام فى ملكه.

ثم ان زيادة القرن ليس فى كلام الاكثر، فيظهر منهم العدم، فنسبة المسالك الحكم فى الاربعة الى المشهور كانه لاستظهار ذلك من ذكره

______________________________

و منه يظهر الاشكال فيما لو ظهر الحدث بعد السنة لكن علمنا بان المادة كانت موجودة عند البائع، لكن الظاهر ان هنا يكون الخيار لوجود العيب اذ العبد الّذي يوجد فيه هذه المادة معيوب ف (لو فسخ المشترى) بعد جذام العبد عنده (ف) هل يعتق على البائع، أم لا؟ نقول ان (انعتاقه على البائع موقوف على دلالة الدليل على عدم جواز تملك المجذوم) اى ان يفهم من دليل انعتاق المجذوم انه اعم من ان يجذم عند المالك، او يدخل فى ملكه و هو اجذم (لا) ان يفهم من الدليل (ان جذام المملوك يوجب انعتاقه بحيث يظهر اختصاصه) اى دليل انعتاق المجذوم (بحدوث الجذام فى ملكه).

اما اذا فهم من الدليل ذلك، فلا ينعتق لانه لم يجذم فى ملك البائع، بل دخل فى ملكه و هو اجذم.

(ثم ان زيادة القرن) على الثلاثة (ليس فى كلام الاكثر، فيظهر منهم العدم) لانهم فى مقام بيان احداث السنة لم يذكروا الا ثلاثة- فى مقام التحديد- (فنسبة المسالك الحكم فى) جميع (الاربعة الى المشهور كانه لاستظهار ذلك) اى الشهرة فى الاربعة (من ذكره) اى

ص: 15

فى الدروس ساكتا عن الخلاف فيه.

و عن التحرير نسبه الى ابى على، و فى مفتاح الكرامة انه لم يظفر بقائل غير الشهيدين و ابى على.

و من هنا تأمل المحقق الاردبيلى من عدم صحة الاخبار، و فقد الانجبار.

ثم ان ظاهر اطلاق الاخبار- على وجه يبعد التقيد فيها- شمول الحكم لصورة التصرّف لكن المشهور تقيد الحكم بغيرها

______________________________

الاربعة (فى الدروس ساكتا عن الخلاف فيه) مع ان من عادة الدروس ذكر المخالف.

(و عن التحرير نسبه) اى كون القرن من احداث السنة (الى ابى على، و) لكن (فى مفتاح الكرامة انه لم يظفر بقائل غير الشهيدين و ابى على)

(و من هنا) اى عدم وجود القائل بذلك الا الثلاثة فقط (تأمل المحقق الاردبيلى) فى كون القرن من احداث السنة (من) جهة (عدم صحة الاخبار، و فقد الانجبار) بشهرة، او نحوها.

لكن لا يخفى ان حجية بعض الروايات كافية فى العمل بها، و لعل عدم ذكرهم للقرن للاجمال فى معناه و الله العالم.

(ثم ان ظاهر اطلاق الاخبار- على وجه يبعد التقيد فيها- شمول الحكم) بالخيار و الرد (لصورة التصرّف).

و ذلك لان من المستبعد جدا ان الانسان لا يتصرف فى العبد المشترى ما يقارب السنة (لكن المشهور تقيد الحكم) بالردّ (بغيرها) اى

ص: 16

و نسب إليهم جواز الارش قبل التصرّف، و تعينه بعده، و الاخبار خالية عنه و كلاهما مشكل، الا ان الظن من كلمات بعض عدم الخلاف الصريح فيهما.

لكن كلام المفيد قدس سرّه مختص بالوطى، و الشيخ و ابن زهرة لم يذكرا التصرف و لا الارش

______________________________

بغير صورة التصرف (و نسب إليهم جواز الارش) او الرد (قبل التصرّف) فان لم يكن تصرف المشترى فى العبد، فظهر فيه احد العيوب السابقة كان له ان يرد او ان يأخذ الارش (و تعينه) اى الارش (بعده) اى بعد التصرف، لان التصرف يسقط الرد كما تقدم (و الاخبار خالية عنه) اى عن هذا التفصيل (و كلاهما) اى تقييد الاخبار بصورة عدم التصرف، و الحكم بالارش- قبل التصرف تخييرا، و بعد التصرف تعيينا- (مشكل).

اما الاشكال فى الاول فلما عرفت من انه بعيد.

و اما الاشكال فى الثانى: فلانه لم يذكر الارش فى الاخبار مطلقا فكيف يقال به- خصوصا بهذا التفصيل قبل التصرف و بعد التصرف- (الا ان الظن من كلمات بعض) الاعلام (عدم الخلاف الصريح فيهما) اى فى الحكمين، و هما تقييد الاخبار، و الحكم بالارش- على التفصيل المذكور-

(لكن كلام المفيد قدس سره مختص بالوطى) و انه اذا وطئ الامة ثم ظهر فيها احد العيوب الاربعة سقط حق الرد، و الظاهر من التخصيص بالوطء ان سائر التصرفات لا تسقط الرد (و الشيخ و ابن زهرة لم يذكرا) حكم (التصرف) و هل انه مسقط للرد، أم لا؟ (و لا الارش) فكيف يمكن ان

ص: 17

نعم ظاهر الحلّى: الاجماع على تساويها مع سائر العيوب من هذه الجهة، و ان هذه العيوب كسائر العيوب فى كونها مضمونة، الا ان الفارق ضمان هذه اذا حدثت فى السنة بعد القبض و انقضاء الخيار.

و لو ثبت ان اصل هذه الامراض تكمن قبل سنة من ظهورها، و ثبت ان اخذ الارش للعيب الموجود قبل العقد، او القبض مطابق للقاعدة.

______________________________

يدعى بعض الاعلام عدم الخلاف الصريح فى الحكمين.

(نعم ظاهر الحلّى: الاجماع على تساويها مع سائر العيوب من هذه الجهة) اى جهة اسقاط التصرف للخيار و الارش (و ان هذه العيوب) الاربعة (كسائر العيوب فى كونها مضمونة) على البائع ردا و ارشا (الا ان الفارق) بين هذه العيوب الاربعة و سائر العيوب (ضمان هذه) العيوب الاربعة (اذا حدثت فى السنة بعد القبض و انقضاء الخيار) اىّ خيار كان، بينما ضمان البائع لسائر العيوب انما هو فيما اذا حدثت قبل القبض او فى زمان خيار المشترى.

(و) الّذي يمكن ان يقال- من جهة الارش و عدمه-: انه (لو ثبت ان اصل هذه الامراض تكمن قبل سنة من ظهورها) حتى يكون العبد معيوبا عند البائع لان فيه مادة المرض (و ثبت ان اخذ الارش للعيب الموجود قبل العقد، او) قبل (القبض) او فى زمان خيار المشترى (مطابق للقاعدة) العامة، حيث ان البائع اعطى اقل من مقدار الثمن، فاللازم عليه ان يرجع فاضل الثمن، فلا يحتاج الارش الى دليل خاص فى كل مورد

ص: 18

ثبت الارش هنا بملاحظة التعيّب بمادة هذه الامراض الكامنة فى المبيع لا بهذه الامراض الظاهرة فيه، قال- فى المقنعة-: و يرد العبد و الامة من الجنون و الجذام و البرص ما بين ابتياعها و بين سنة واحدة، و لا يردان بعد سنة.

و ذلك ان اصل هذه الامراض يتقدم ظهورها بسنة و لا يتقدم بازيد، فان وطئ المبتاع الامة فى هذه السنة لم يجز له

______________________________

(ثبت الارش هنا) اى فى هذه العيوب الاربعة (بملاحظة التعيّب) فى العبد (بمادة هذه الامراض الكامنة فى المبيع) عند البائع (لا بهذه الامراض الظاهرة فيه) حتى يقال: ان ظهور المرض لم يكن عند البائع و لا بعد القبض فى زمان خيار المشترى، فلا ارش، بل يقال: ان المادة كانت موجودة عند البائع، و هى عيب، فللمشترى الارش.

و يشهد لتقدم مادة هذه الامراض ما ذكره المفيد، فانه رحمه الله (قال- فى المقنعة-: و يرد العبد و الامة من الجنون و الجذام و البرص) اذا حدثت (ما بين ابتياعها و بين سنة واحدة، و لا يردان) اى العبد و الامة اذا ظهرت (بعد سنة).

(و) انما يكون (ذلك) لاجل (ان اصل هذه الامراض يتقدم ظهورها بسنة) فالمادة موجودة قبل الظهور بسنة (و لا يتقدم بازيد) من سنة، فاذا ظهرت بعد سنة من البيع لم يكن خيار للمشترى، لان المادة تكونت فى ملك المشترى.

(فان وطئ المبتاع الامة فى هذه السنة) ثم ظهر العيب (لم يجز له

ص: 19

ردّها، و كان له قيمته ما بينها صحيحة و سقيمة، انتهى.

و ظاهره ان نفس هذه الامراض يتقدم بسنة.

و لذا اورد عليه فى السرائر ان هذا موجب لانعتاق المملوك على البائع، فلا يصح البيع.

و يمكن ان يريد به ما ذكرنا من إرادة موادّ هذه الامراض.

______________________________

ردّها) لان الوطء مانع عن الردّ (و كان له) اى للمشترى (قيمته) اى قيمة العيب (ما بينها صحيحة و سقيمة) اى بالنسبة (انتهى).

(و ظاهره ان نفس هذه الامراض يتقدم بسنة) لانه قال «اصل هذه الامراض».

(و لذا) الّذي ظاهر المقنعة ذلك (او رد عليه فى السرائر) ب (ان هذا) الكلام ان تمّ فهو (موجب لانعتاق المملوك على البائع) لان الجذام و ما اشبه يوجب عتق المملوك (فلا يصح البيع) اصلا.

(و يمكن ان يريد به) اى بقوله «اصل هذه الامراض» (ما ذكرنا من إرادة موادّ هذه الامراض) لا نفسها و هناك فرق بين المادة و بين نفس الشي ء.

ثم انه لو حدثت هذه الامراض عند المشترى و برئ العبد قبل رده، فهل له الرد، أم لا؟ احتمالان- كما تقدم شبه ذلك فى كل عيب يرتفع قبل اخذ المشترى بالخيار-.

ص: 20

خاتمة فى عيوب متفرقة،

قال فى التذكرة: ان الكفر ليس عيبا فى العبد و لا الجارية.

ثم استحسن قول بعض الشافعية بكونه عيبا فى الجارية اذا منع الاستمتاع، كالتمجس و التوثن، دون التهوّد و التنصّر.

و الاقوى كونه موجبا للردّ فى غير المجلوب و ان كان أصلا في المماليك الا ان الغالب فى غير المجلوب الاسلام، فهو نقص موجب لتنفر الطباع

______________________________

(خاتمة فى عيوب متفرقة، قال فى التذكرة: ان الكفر ليس عيبا فى العبد و لا الجارية) لانه ليس بنقص فى العين، و لا يوجب نقص القيمة- غالبا- اللهم الا اذا كان فى مكان يوجب نقص القيمة.

(ثم استحسن) العلامة (قول بعض الشافعية بكونه عيبا فى الجارية اذا) كان الكفر كفرا (منع) شرعا عن (الاستمتاع، كالتمجس) اذا قلنا بان المجوسى ليس من اهل الكتاب، و الا كان حاله حال اليهودى و النصرانى (و التوثن، دون التهوّد و التنصّر) لانه يجوز و طيهما، بل و نكاحهما دواما و انقطاعا.

(و الاقوى) التفصيل و (كونه) اى الكفر (موجبا للردّ فى غير المجلوب) من بلاد الكفر، بل ربّى فى بلاد الاسلام، لان مثله مسلم غالبا (و ان كان) الكفر (أصلا في المماليك) لان الكافر هو الّذي يسترق، دون المسلم (الا ان الغالب فى غير المجلوب الاسلام) فقدم الغالب على الاصل لما تقدم فى صورة تعارضهما كالبكارة و الثيبوبة فى الامة (فهو نقص موجب لتنفر الطباع

ص: 21

عنه خصوصا بملاحظة نجاستهم المانعة عن كثير من الاستخدامات.

نعم: الظاهر عدم الارش فيه، لعدم صدق العيب عليه عرفا و عدم كونه نقصا او زيادة فى اصل الخلقة.

و لو ظهرت الامة محرّمة على المشترى برضاع او نسب، فالظاهر عدم الردّ به، لانه لا يعد نقصا بالنوع و لا عبرة بخصوص المشترى.

و لو ظهر ممن ينعتق عليه، فكذلك كما فى التذكرة، معللا بانه ليس نقصا عند كل الناس، و عدم نقص ماليته عند

______________________________

عنه خصوصا بملاحظة نجاستهم المانعة عن كثير من الاستخدامات) المتوقفة على الطهارة، كالغسل و الطبخ و نحوهما.

(نعم: الظاهر عدم الارش فيه، لعدم صدق العيب عليه عرفا) حتى تكون قيمة المعيب اقل (و عدم كونه نقصا او زيادة فى اصل الخلقة) المستتبع لنقص القيمة، و الحاصل انه لا نقص فى قيمته فلا ارش له.

(و لو ظهرت الامة محرّمة على المشترى برضاع او نسب) او مصاهرة (فالظاهر عدم الردّ به، لانه لا يعد نقصا بالنوع).

و المعيار فى العيب النقص النوعى لا بالنسبة الى خصوص المشترى لاجل فوات غرض له، فانه ليس بعيب حتى يكون له حكم العيب (و لا عبرة بخصوص المشترى).

(و) كذا (لو ظهر) العبد (ممّن ينعتق عليه) كالعمودين (فكذلك) اى ان الظاهر عدم الردّ (كما فى التذكرة، معلّلا) عدم الرد (بانه ليس نقصا عند كل الناس) لا المشترى و لا غير المشترى (و عدم نقص ماليته عند

ص: 22

غيره.

و فى التذكرة: لو ظهر ان البائع باعه وكالة او ولاية او وصاية او امانة ففى ثبوت الردّ لخطر فساد النيابة احتمال.

اقول: الاقوى عدمه، و كذا لو اشترى ما عليه اثر الوقف.

نعم لو كان عليه أمارة قوية لم يبعد كونه موجبا للرد، لقلّة رغبة الناس فى تملك مثله، و تأثير

______________________________

غيره) اى غير المشترى و نقص ماليته عند المشترى لا يوجب الخيار.

(و) قال (فى التذكرة: لو ظهر ان البائع باعه) المتاع (وكالة او ولاية او وصاية او امانة) بان لم يكن المتاع ملكا له (ففى ثبوت) الخيار ب (الردّ لخطر فساد) البيع، لفساد (النيابة) بان يظهر بعد ذلك ان البائع كان فضولا، لا وكيلا و ما اشبه (احتمال) فقاعدة: لا ضرر، تقول ان البيع ليس بلازم، و منه يظهر انه لو تبين ان البائع كان فضولا كان للمشترى حق الفسخ.

(اقول: الاقوى عدمه) لاصالة الصحّة فى عمل المسلم، و احتمال الفساد مما لا يعتنى به العقلاء (و كذا) الاقوى انه لا خيار فيما (لو اشترى ما عليه اثر الوقف) لاصالة عدم الوقف.

(نعم لو كان عليه أمارة قوية) كما لو كان مكتوبا على الفراش، او الظرف انه وقف للحسين عليه السلام، او كانت البناية منذ عشرات السنوات تعامل معاملة الوقف، كالمدرسة و الحسينية و المسجد بدون دليل شرعى يقتضي انه وقف (لم يبعد كونه موجبا للرد، لقلّة رغبة الناس فى تملك مثله، و تأثير

ص: 23

ذلك فى نقصان قيمته عن قيمة اصل الشي ء- لو خلىّ و طبعه- اثرا بيّنا

و ذكر فى التذكرة: ان الصيام و الاحرام و الاعتداد ليست عيوبا.

اقول: اما عدم ايجابها الارش فلا اشكال فيه.

و اما عدم ايجابها الرد، ففيه اشكال اذا فات بها الانتفاع فى مدة طويلة، فانه لا ينقص عن ظهور المبيع مستأجرا.

و قال أيضا: اذا كان المملوك نمّاما او ساحرا او قاذفا للمحصنات او شاربا للخمر او مقامرا ففى كون هذه عيوبا اشكال، اقربه العدم.

______________________________

ذلك) اى تأثير قلة الرغبة (فى نقصان قيمته عن قيمة اصل الشي ء- لو خلّى و طبعه-) اى بدون وجود اثر الوقف عليه (اثرا بيّنا) و مثل ذلك عيب بلا اشكال.

(و ذكر) العلامة (فى التذكرة: ان الصيام و الاحرام و الاعتداد ليست عيوبا) اذا كان العبد المشترى متصفا بها.

(اقول: اما عدم ايجابها الارش فلا اشكال فيه) اذا لم يوجب نقصا فى القيمة، و الا فلا اشكال فى ان فيه الارش.

(و اما عدم ايجابها الرد، ففيه اشكال) بل اللازم ان نقول: ان له الرد أيضا (اذا فات بها) اى بهذه الاعمال (الانتفاع فى مدة طويلة فانه لا ينقص عن ظهور المبيع مستأجرا) فكما ان له الرد، كذلك هنا.

(و قال) العلامة (أيضا: اذا كان المملوك نمّاما او ساحرا او قاذفا للمحصنات او شاربا للخمر او مقامرا ففى كون هذه عيوبا اشكال، اقربه العدم).

ص: 24

و قال لو كان الرقيق رطب الكلام او غليظ الصوت او سيّئ الادب او ولد زنا او مغنيا او حجاما او اكولا او زهيدا، فلا ردّ و تردّ الدابة بالزهادة

و كون الامة عقيما لا يوجب الرد، لعدم القطع بتحققه فربما كان من الزوج او لعارض، انتهى.

و مراده: العارض الاتفاقى لا المرض العارضى، قال فى التذكرة فى آخر ذكر موجبات الردّ و الضابط ان الرد

______________________________

لكن الظاهر اختلاف الزمان و المكان فى امثال هذه الامور، فاذا كانت عيبا عند العرف فاللازم القول بالردّ و الارش.

(و قال) العلامة (لو كان الرقيق رطب الكلام) بمعنى كثرة قذفه البصاق عند التكلم، او انه يتكلم بكل ما اراد، فلا يجف لسانه عن التكلم (او غليظ الصوت او سيّئ الادب او ولد زنا) او زانيا او سارقا (او مغنيا او حجّا ما او اكولا او زهيدا) فى الاكل (فلا ردّ) اذا لم تكن هذه عيوبا عند العرف، و الا كان له الرد (و ترد الدابة بالزهادة) فى الاكل لانها تؤثر فى قوتها و عملها.

(و كون الامة عقيما لا يوجب الرد لعدم القطع بتحققه) منها (فربما كان من الزوج او لعارض) خارجى، لا لانها عقيمة، و هذا من باب الشك فى الموضوع لا الاشكال فى الحكم، و منه يظهر انه لو تبين عقمها قطعا كان له الردّ (انتهى).

(و مراده: العارض الاتفاقى) الّذي لا يوجب كونه عيبا (لا المرض العارضى) الّذي يوجب تعيبها.

و (قال فى التذكرة فى آخر ذكر موجبات الردّ و الضابط ان الرد

ص: 25

يثبت بكل ما فى المعقود عليه من منقص القيمة، او العين نقصا يفوت به غرض صحيح، بشرط ان يكون الغالب فى امثال المبيع عدمه، انتهى.

______________________________

يثبت بكل ما فى المعقود عليه من منقص القيمة، او) منقص (العين نقصا يفوت به غرض صحيح، بشرط ان يكون الغالب فى امثال المبيع عدمه) و الا فمجرّد فوت الغرض لا يوجب نقصا حتى يثبت الخيار (انتهى) كلام التذكرة.

<>

ص: 26

القول فى الارش
[الأرش لغة و اصطلاحا]
اشارة

و هو لغة- كما فى الصحاح، و عن المصباح- دية الجراحات.

و عن القاموس: انه الدية.

و يظهر من الاولين انه فى الاصل اسم للفساد.

و يطلق فى كلام الفقهاء على مال يؤخذ بد لا عن نقص مضمون فى مال او بدن، و لم يقدر له فى الشرع مقدر.

[كلام الشهيد في معنى الأرش]

و عن حواشى الشهيد قدس سره انه يطلق بالاشتراك

______________________________

(القول فى الارش) موضوعا و حكما (و هو لغة- كما فى الصحاح، و عن المصباح- دية الجراحات) سواء كانت مقدرة شرعا، او لا، بل بنظر الحاكم الشرعى.

(و عن القاموس: انه الدية) فيشمل دية قتل النفس.

(و يظهر من الاولين) و هما الصحاح و المصباح (انه فى الاصل) قبل تنوع استعماله فى معانى متعددة (اسم للفساد) ثم اطلق على ثمن الفساد، من باب علاقة السبب و المسبب.

(و يطلق) الارش (فى كلام الفقهاء على مال يؤخذ بد لا عن نقص مضمون فى مال او بدن) كارش نقص قيمة المبيع او نقص حاصل فى البدن من الجراحة (و) الحال انه (لم يقدر له فى الشرع مقدر) خاص، لانه اذا كان له مقدر خاص سمّى دية، فيقال دية القتل، و لا يقال ارش القتل و قوله «لم يقدر» صفة «مال».

(و عن حواشى الشهيد قدس سرّه انه) اى الارش (يطلق بالاشتراك

ص: 27

اللفظى على معان.

منها: ما نحن فيه.

و منها: نقص القيمة لجناية الانسان على عبد غيره فى غير المقدّر الشرعى.

و منها: ثمن التالف المقدر شرعا بالجناية، كقطع يد العبد.

______________________________

اللفظى على معان) متعددة.

(منها: ما نحن فيه) اى ارش عيب المبيع.

(و منها: نقص القيمة لجناية الانسان على عبد غيره) فانه بمقدار نقص العبد يلزم على الجانى اعطاء ثمن ذلك الى مالك العبد (فى غير المقدّر الشرعى) اما فى المقدر فيسمى دية لا ارشا- كما تقدم-.

(و منها: ثمن التالف المقدر شرعا بالجناية، كقطع يد العبد) فان قدره الشرعى نصف قيمة العبد، كما ان فى قطع يد الحرّ خمسمائة دينار، نصف الألف الّذي هو دية الحرّ.

و النسبة بين هذا المعنى و معنى نقص القيمة لجناية الانسان على عبد غيره عموم من وجه، لان ذاك النقص يلاحظ من جهة تفاوت النسبة بين العبد صاحب اليد، و العبد مقطوع اليد.

و هذا النقص يلاحظ بنسبة النصف- فى قطع اليد- الى قيمة العبد.

مثلا: اذا كان عبد صحيح يسوى مائة دينار، فالمقطوع يده، ربما يسوى خمسين، و ربما ستين، و ربما اربعين- على ان الارش بمعنى

ص: 28

و منها: اكثر الامرين من المقدر الشرعى و الارش، و هو ما تلف بجناية الغاصب، انتهى.

و فى جعل ذلك من الاشتراك اللفظى اشارة الى ان هذا اللفظ قد اصطلح فى خصوص كل من هذه المعانى عند الفقهاء بملاحظة مناسبتها للمعنى اللغوى.

______________________________

نقص القيمة لجناية الانسان على عبد غيره- بينما ارش اليد هو خمسون- على معنى ثمن التالف المقدر شرعا-.

فاذا قطعت اليد فقد يكون الارش بالمعنى الاول اكثر، لان قيمة العبد صار اربعين و قد يكون الارش بالمعنى الثانى اكثر لان قيمة العبد صار ستين، و قد يتساويان، لان قيمة العبد صار خمسين.

(و منها: اكثر الامرين من المقدر الشرعى و الارش و هو ما تلف بجناية الغاصب)

و المقدر الشرعى هو الثالث، و الارش هو الثانى و انما كان اكثر الامرين، لان الغاصب يؤخذ باشق الاحوال- على ما ذكروا- (انتهى) كلام الشهيد.

(و فى جعل) الشهيد رحمه الله (ذلك) الاستعمال للارش فى المعانى الثلاثة (من الاشتراك اللفظى) و الحال انه ليس فى اللغة كذلك (اشارة الى ان هذا اللفظ قد اصطلح فى خصوص كل من هذه المعانى عند الفقهاء).

فاللفظ او لا يستعمل فى هذه المعانى بالاصطلاح لا باللغة، و ثانيا انما اصطلح فى هذه المعانى (بملاحظة مناسبتها للمعنى اللغوى) لان

ص: 29

مع قطع النظر عن ملاحظة العلاقة بين كل منها و بين الآخر، فلا يكون مشتركا معنويا بينهما، و لا حقيقة و مجازا، فهى كلها منقولات عن المعنى اللغوى، بعلاقة الاطلاق و التقييد.

و ما ذكرناه فى تعريف الارش فهو كلّى انتزاعى عن تلك المعانى كما يظهر بالتأمل.

______________________________

كل ارش اصطلاحى هو قسم من المال المعطى لاجل نقص فى الجسم او المال، و ثالثا انما كان اشتراكا لفظيا لان الاصطلاح يكون (مع قطع النظر عن ملاحظة العلاقة بين كل منها) اى من هذه المعانى الثلاثة (و بين الآخر، فلا يكون مشتركا معنويا بينهما) اى بين المعانى و الآخر

و المشترك المعنوى هو ان يكون اللفظ قد وضع لمعنى، و ذلك المعنى يستعمل فى مصاديق ثلاثة، مثل اشتراك الانسان بين الزنجى و الرومى و الآسيوى مثلا، فانه لم يوضع لهذا مرة و لذاك مرة، بل وضع لمعنى جامع بين الثلاثة (و لا) يكون (حقيقة و مجازا) بان يكون استعماله فى احدها من باب الحقيقة و فى الآخر من باب المجاز (فهى) اى المعانى الثلاثة للارش التى ذكرها الشهيد (كلها منقولات عن المعنى اللغوى، بعلاقة الاطلاق و التقييد) فان المعنى اللغوى مطلق شامل للكل و انتقل اللفظ الى كل مقيد مقيد، لان المقيد قسم من المطلق.

(و ما ذكرناه) من قولنا «و يطلق فى كلام الفقهاء» (فى تعريف الارش فهو كلى انتزاعى عن تلك المعانى) الثلاثة، لان الجامع بين المعانى الثلاثة هو ما ذكرناه (كما يظهر بالتأمل).

ص: 30

و كيف كان فقد ظهر من تعريف الارش انه لا يثبت الا مع ضمان النقص المذكور.

ثم ان ضمان النقص تابع فى الكيفية لضمان المنقوص

و هو الاصل، فان كان مضمونا بقيمته كالمغصوب و المستام و شبههما- و يسمى ضمان

______________________________

(و كيف كان) الامر (فقد ظهر من تعريف الارش) حيث قلنا انه بدل عن نقص مضمون (انه لا يثبت الا مع ضمان النقص المذكور) لانه اذا لم يكن ضمان لم يكن ارش، و كانه اراد بهذا الكلام ان كلام الشهيد الخالى من الضمان ليس على ما ينبغى.

(ثم ان ضمان النقص) على قسمين.

الاول ضمان القيمة، كما اذا تلف مال الغير فانه يضمن قيمته.

الثانى ضمان العوض- سواء كان اقل من القيمة او اكثر او مساويا- كما اذا باعه شيئا بعشرة، و كان فيه نقص خمس العين، فانه يضمن اثنين سواء كانت قيمته الواقعية خمسة، او خمسة عشر، او عشرة.

و عليه فضمان النقص (تابع فى الكيفية) اى كيفية الضمان (لضمان المنقوص) اى كيف كان ضامنا للمنقوص فهل كان ضامنا لقيمته او ضامنا لعوضه، اذ النقص جزء من الاصل.

فكيفما يكون ضمان الاصل يكون ضمان النقص (و هو) اى المنقوص هو (الاصل، فان كان) الاصل (مضمونا بقيمته كالمغصوب و المستام) و هى البضاعة التى فى سوم البيع، قبل ان يجرى عليها العقد (و شبههما) كما اذا جنى على عبد الغير، او كسر إناء الغير (و يسمى) ضمانه (ضمان

ص: 31

اليد- كان النقص مضمونا بما يخصه من القيمة اذا وزعت على الكل، و ان كان مضمونا بعوض بمعنى ان فواته يوجب عدم تملك عوضه المسمى فى المعاوضة و يسمى ضمانه ضمان المعاوضة كان النقص مضمونا بما يخصه من العوض اذا وزع على مجموع الناقص و المنقوص، لا نفس قيمة العيب.

______________________________

اليد) لان دليله قوله عليه السلام «على اليد ما اخذت حتى تؤدى» (كان النقص مضمونا بما يخصه من القيمة) الواقعية (اذا وزعت) القيمة (على الكل)

فمثلا: اذا كانت قيمة الكتاب عشرة و كان النقص الوارد عليه يساوى الخمس، فانه يلزم ان يدفع اثنين، اذ العشرة اذا وزعت على كل الكتاب كان نصيب هذا الجزء المنقوص اثنين (و ان كان) الشي ء (مضمونا بعوض بمعنى ان فواته) على يد الضامن (يوجب عدم تملك عوضه المسمى) اى الّذي سمى (فى المعاوضة).

فمثلا: اذا سمى فى المعاوضة ان الكتاب بخمسة، ففواته فى يد البائع يوجب عدم تملك البائع الخمسة التى هى العوض المسمى للكتاب (و يسمى ضمانه ضمان المعاوضة) لانه ضمان لعوض مذكور، لا بقيمته الواقعية (كان النقص مضمونا بما يخصه من العوض) فاذا سلّم البائع الكتاب- فى المثال- و قد نقص خمسه، ضمن درهما واحدا، لانه خمس العوض المسمى (اذا وزع) ذلك العوض (على مجموع الناقص و المنقوص) منه فان الخمسة اذا وزّعت على كل الكتاب، كان درهم واحد فى مقابل القدر الناقص منه لان الناقص الخمس و كانت أربعة دراهم فى مقابل القدر الباقى و هو المنقوص منه (لا) ب (نفس قيمة العيب) عطف على

ص: 32

لان الجزء تابع للكل فى الضمان.

و لذا عرف جماعة الارش فى عيب المثمن- فيما نحن فيه- بانه جزء من الثمن، نسبته إليه كنسبة التفاوت بين الصحيح و المعيب الى الصحيح.

______________________________

«بما يخصه».

فاذا فرضنا ان قيمة الكتاب فى السوق عشرة، و كان الناقص خمسة، لم يضمن البائع الّذي تلف فى يده خمس الكتاب اثنين، بل واحدا فقط- كما ذكرنا- (لان الجزء) الناقص (تابع للكل فى الضمان) الّذي فرض ان قيمته المعاوضية خمسة.

(و لذا) الّذي ذكرنا من ان الضمان هنا ضمان العوض لا ضمان القيمة (عرف جماعة الارش فى عيب المثمن- فيما نحن فيه- بانه) اى الارش (جزء من الثمن، نسبته إليه) اى الى الثمن (كنسبة التفاوت بين الصحيح و المعيب الى الصحيح) فالصحيح عشرة، و المعيب ثمانية، و التفاوت الخمس.

فاذا اشتريناه بخمسة، لزم على البائع ان يردّ إلينا واحدا، فان الواحد جزء من الثمن و هى الخمسة، فنسبة الواحد الى الخمسة كنسبة التفاوت و هو الخمس بين الصحيح الّذي هو عشرة و المعيب الّذي هو ثمانية الى الصحيح الّذي هو العشرة اى التفاوت بين الصحيح و المعيب اثنان، فنسبته الى الصحيح و هى العشرة: الخمس، و بهذا القدر اى الخمس نأخذ من الثمن المسمّى الّذي هو الخمسة.

ص: 33

و ذلك لان ضمان تمام المبيع الصحيح على البائع ضمان المعاوضة، بمعنى ان البائع ضامن لتسليم المبيع تامّا الى المشترى، فاذا فاته تسليم بعضه ضمنه بمقدار ما يخصّه من الثمن، لا بقيمته.

نعم ظاهر كلام جماعة من القدماء كاكثر النصوص يوهم إرادة قيمة العيب كلها، الا انها محمولة على الغالب من مساواة الثمن للقيمة السوقية للمبيع بقرينة ما فيها من ان البائع يردّ على المشترى، و ظاهره

______________________________

(و ذلك) اى اخذ النسبة الّذي هو الواحد لا التفاوت الواقعى الّذي هو اثنان فى المثال (لان ضمان تمام المبيع الصحيح على البائع ضمان المعاوضة) اى ان البائع ضمن ان يعطى المبيع الّذي عوّض بخمسة (بمعنى ان البائع ضامن لتسليم المبيع تامّا الى المشترى، فاذا فاته) اى البائع (تسليم بعضه) اى خمس المبيع (ضمنه) اى الخمس (بمقدار ما يخصّه من الثمن) الّذي هو خمس الثمن،- و هو دينار واحد- (لا بقيمته) اى قيمة الفائت السوقية، التى هى ديناران.

(نعم ظاهر كلام جماعة من القدماء كاكثر النصوص يوهم إرادة قيمة العيب) السوقية (كلها) فالخمس الّذي يجب اعطائه- فى المثال- هو ديناران (الّا انها) اى كلمات الفقهاء و الروايات (محمولة على الغالب من مساواة الثمن للقيمة السوقية للمبيع) فالغالب ان الانسان يشترى الشي ء بقيمته السوقية لا باكثر و لا باقل.

و انما نقول انها محمولة على الغالب (بقرينة ما فيها) اى ما فى الكلمات و الروايات (من ان البائع يردّ على المشترى، و ظاهره) اى

ص: 34

كون المردود شيئا من الثمن الظاهر فى عدم زيادته عليه، بل فى نقصانه

فلو كان اللازم هو نفس التفاوت لزاد على الثمن فى بعض الاوقات كما اذا اشترى جارية بدينارين و كان معيبها تسوى مائة و صحيحها تسوى ازيد فيلزم استحقاق مائة دينار فاذا لم يكن مثل هذا الفرد داخلا بقرينة عدم صدق الرد، و الاسترجاع، تعين كون هذا التعبير لاجل غلبة عدم استيعاب التفاوت للثمن.

______________________________

ظاهر «يرد» (كون المردود شيئا من الثمن الظاهر) صفة «شيئا» (فى عدم زيادته) اى عدم زيادة المردود (عليه) اى على الثمن (بل) الظاهر (فى نقصانه) اى نقصان المردود عن الثمن.

(فلو كان اللازم) فى المردود (هو نفس التفاوت) بين الصحيح و المعيب (لزاد) المردود (على) تمام (الثمن فى بعض الاوقات) و هذا خلاف ظاهر قولهم: يرد بعض الثمن (كما اذا اشترى جارية بدينارين و كان معيبها تسوى مائة و صحيحها تسوى ازيد) كمائة و خمسين (فيلزم استحقاق) المشترى (مائة دينار) و من المعلوم ان المائة ليست جزءا من الثمن، فلا يراد بالارش المائة، بل نسبة التفاوت، فاذا استغرق العيب ثلثي الجارية يلزم ان يرد البائع ثلثي الدينارين الى المشترى (فاذا لم يكن مثل هذا الفرد داخلا) فى كلماتهم و فى الروايات- الدالة على رد الجزء- (بقرينة عدم صدق الرد، و) عدم صدق (الاسترجاع، تعين كون هذا التعبير) اى قولهم: ردّ قيمة العيب (لاجل غلبة عدم استيعاب التفاوت للثمن) كله.

ص: 35

فاذا بنى الامر على ملاحظة الغلبة فمقتضاها الاختصاص بما هو الغالب من اشتراء الاشياء من اهلها فى اسواقها بقيمتها المتعارفة.

و قد توهم بعض من لا تحصيل له ان العيب اذا كان فى الثمن كان ارشه تمام التفاوت بين الصحيح و المعيب.

______________________________

(فاذا بنى الامر) فى قولهم: يردّ التفاوت (على ملاحظة الغلبة) اى اذا كانت كلماتهم منصّبة على الغالب (فمقتضاها) اى مقتضى ملاحظة الغلبة (الاختصاص) اى اختصاص كلامهم (بما هو الغالب من اشتراء الاشياء من اهلها فى اسواقها بقيمتها المتعارفة).

و الحاصل ان خروج الفرد- الا زيد قيمة- دليل على ارادتهم الغلبة، و الغلبة لتساوى القيمة، فليس كلامهم منافيا لكلامنا من ملاحظة النسبة.

ثم انه قد تقدم بعض الروايات فى باب الارش فى مسألة سقوط الرد لخيار العيب بسبب التصرف، فراجعها لترى صدق كلام المصنف.

(و قد توهم بعض من لا تحصيل له ان العيب اذا كان فى الثمن كان ارشه تمام التفاوت بين الصحيح و المعيب) بعد تسليمه ان العيب اذا كان فى المثمن كان ارشه بالنسبة- كما ذكره المشهور-.

فعلى قوله مثلا اذا اشترينا من البقال حقة من الحنطة بحقة من الارز، و كانت قيمة الحنطة بالنقد دينارا، و قيمة الارز: صحيحها عشرة و معيبها ثمانية، لزم ان نعطى للبقال دينارين و هو القدر الناقص من الارز فيجتمع عند البقال الثمن و المثمن و شي ء زائد.

ص: 36

و منشأه ما يتراءى فى الغالب من وقوع الثمن فى الغالب نقدا غالبا مساويا لقيمة المبيع، فاذا ظهر معيبا وجب تصحيحه ببذل تمام التفاوت و الّا فلو فرض انه اشترى عبدا بجارية تسوى معيبها اضعاف قيمته فانه لا يجب بذل نفس التفاوت بين صحيحها و معيبها قطعا.

______________________________

- فالثمن دينار و هى قيمة الحنطة، و المثمن ثمانية دنانير و هى قيمة الارز، و الشي ء الزائد دينار اضافى- و كان هذا الشخص الّذي لا تحصيل له ظن ان كلام المشهور فى معيب المثمن، فلا يجرى فى معيب الثمن.

(و منشأه) اى منشأ توهمه هو (ما يتراءى فى الغالب من وقوع الثمن فى الغالب نقدا غالبا مساويا لقيمة المبيع) السوقية (فاذا ظهر) الثمن (معيبا وجب تصحيحه ببذل تمام التفاوت) مثل ان يشترى حنطة بدينار معيب، و التفاوت بين الدينار الصحيح و الدينار المعيب ربع دينار، فاللازم اعطاء المشترى للبائع ربع دينار (و الا) يكن الثمن من النقد المساوى للقيمة، فالمحذور الّذي ذكرناه فى المثمن آت فى الثمن أيضا (فلو فرض انه اشترى عبدا) مثمنا (بجارية) ثمنا (تسوى معيبها اضعاف قيمته) اى قيمه العبد، بان كان العبد بمائة و الجارية صحيحها بالف و معيبها بخمسمائة (فانه لا يجب بذل نفس التفاوت بين صحيحها و معيبها قطعا) حتى يجب اعطاء المشترى للبائع خمسمائة دينار، بل اللازم اعطاء المشترى للبائع خمسين دينارا هو نسبة التفاوت بين صحيح الجارية و معيبها.

ص: 37

و كيف كان فالظاهر انه لا اشكال و لا خلاف فى ذلك و ان كان المترائى من الاخبار خلافه، الا ان التأمل فيها قاض بخلافه.

نعم يشكل الامر فى المقام من جهة اخرى، و هى: ان مقتضى ضمان وصف

______________________________

اذا العبد لمّا سوّى بمائة كانت قيمة الجارية- القيمة فى المعاملة- صحيحها بمائة و معيبها بخمسين، لانها كانت عدلا للعبد فى القيمة- حسب بناء المتعاملين-.

(و كيف كان فالظاهر انه لا اشكال و لا خلاف فى ذلك) الّذي ذكرناه من ملاحظة النسبة، سواء فى المثمن او الثمن (و ان كان المترائى) فى بادى الامر (من الاخبار خلافه) و ان اللازم ملاحظة نفس التفاوت (الا ان التأمل فيها) اى فى الاخبار (قاض بخلافه) اى بخلاف المترائى.

(نعم يشكل الامر) اى امر كون الارش انما هو بملاحظة النسبة، لا بملاحظة القيمة الواقعية انه ان تم ذلك لزم ان لا يكون ارش لفوات وصف الصحة، اذ وصف الصحة لم يقابل بالمال، فكيف يأخذ المشترى بدل وصف الصحة الفائتة من الثمن.

و هذا الاشكال لا يرد لو قلنا: بان الارش بملاحظة القيمة، و لا يرد ان قلنا: بانه ضامن للقيمة السوقية لان البائع فوت بعض المبيع فيلزمه اعطاء بدله السوقى فحاله حال ما اذا فوت الغاصب وصف الصحة، حيث ان الغاصب يعطى مقدار قيمته السوقية.

ف (فى المقام) يشكل الامر (من جهة اخرى و هى ان مقتضى ضمان وصف

ص: 38

الصحة بمقدار ما يخصه من الثمن لا بقيمته، انفساخ العقد فى ذلك المقدار، لعدم مقابل له حين العقد، كما هو شأن الجزء المفقود من المبيع، مع انه لم يقل به احد.

و يلزم من ذلك أيضا تعيّن اخذ الارش من الثمن مع ان ظاهر جماعة عدم تعينه منه، معلّلا بانه غرامة.

______________________________

الصحة بمقدار ما يخصه من الثمن) اى بالنسبة (لا بقيمته) اى لا بقيمة وصف الصحة السوقية (انفساخ العقد فى ذلك المقدار، لعدم مقابل له) اى للثمن (حين العقد، كما هو) اى الانفساخ (شأن الجزء المفقود من المبيع).

فاذا باعه حقة من الحنطة الخارجية، ثم تبين انها نصف حقة، بطل البيع فى النصف المفقود (مع انه لم يقل به احد) بان فقد وصف الصحة يوجب انفساخ العقد بقدر الوصف، بل يكون للمشترى الخيار لانه لم يبطل العقد بمقدار وصف الصحة.

(و يلزم من ذلك) اى من ضمان وصف الصحة بمقدار ما يخصه من الثمن (أيضا تعيّن اخذ الارش من الثمن) لا من مال خارجى.

و انما يلزم ذلك، لان وصف الصحة اذا كان فى مقابل جزء من الثمن ففى فواته يلزم ان يفوت- فى مقابله- ذلك الجزء من الثمن (مع ان ظاهر جماعة) من الفقهاء (عدم تعينه) اى عدم تعين كون الارش (منه) اى من نفس الثمن (معللا) اى علّلوا أولئك الجماعة (بانه) اى الارش (غرامة) شرعية و عرفية، و الغرامة لا تتعين فى شي ء خاص.

ص: 39

و توضيحه ان الارش لتتميم المعيب حتى يصير مقابلا للثمن لا لتنقيص الثمن حتى يصير مقابلا للمعيب، و لذا سمى ارشا كسائر الا روش المتداركة للنقائص، فضمان العيب على هذا الوجه خارج عن الضمانين المذكورين

______________________________

(و توضيحه) اى توضيح رفع الاشكالين و هما ما اشار إليهما بقوله «ان مقتضى ضمان» و «يلزم من ذلك» (ان الارش لتتميم المعيب حتى يصير مقابلا للثمن) فالبائع اعطى شاة معيبة تسوى بتسعين، و اعطى عشرة، فى مقابل ما اخذه من المشترى من مائة درهم (لا) ان الارش (لتنقيص الثمن حتى يصير مقابلا للمعيب) فليس للبائع ان يرد من المائة عشرة الى المشترى لتكون الشاة المعيبة فى مقابل تسعين (و لذا) الّذي ان الارش متمم للمعيب (سمى ارشا كسائر الا روش) فى الابدان و الاموال (المتداركة)- باسم الفاعل- (للنقائص) فان الانسان اذا خدش وجه انسان- مثلا- فاعطاه ارش الخدشة، كان ذلك الارش لتتميم الانسان اذا اورد عليه العيب، و بناء على كون الارش تتميما للمعيب يرتفع الاشكالان فلا انفساخ للعقد بقدر وصف الصحة اذ ليس الارش استرجاعا لبعض الثمن و لا يلزم تعين اخذ الارش من الثمن لانه ليس من الثمن، بل تدارك من البائع بدل وصف الصحة الفائتة (فضمان العيب على هذا الوجه) اى وجه انه تتميم للمعيب (خارج عن الضمانين المذكورين) اى ضمان المعاوضة و ضمان القيمة، فليس مثل ان يظهر بعض المبيع مستحقا للغير- مثلا- حيث انه يكون من تبعض الصفقة، و البائع يرد من نفس الثمن بالنسبة و لا مثل ان يحدث الانسان فى اناء الغير عيبا، حيث انه يضمن قيمة ذلك

ص: 40

لان ضمان المعاوضة يقتضي انفساخ المعاوضة بالنسبة الى الفائت المضمون و مقابله، اذ لا معنى له غير ضمان الشي ء و اجزائه بعوضه المسمّى و اجزائه.

و الضمان الآخر يقتضي ضمان الشي ء بقيمته الواقعية فلا اوثق

______________________________

الشي ء- بقدر ما عيبه- قيمة سوقية.

و انما كان ما نحن فيه- من الارش- خارجا عن الضمانين (لان ضمان المعاوضة يقتضي انفساخ المعاوضة بالنسبة الى) القدر (الفائت المضمون) على البائع (و مقابله) من الثمن الّذي يكون على المشترى.

فاذا اشترى شاتين بمائتين، ثم ظهرت إحداهما للغير، انفسخ البيع بالنسبة الى شاة منهما و الى المائة التى هى فى مقابل تلك الشاة.

و انما نقول بالانفساخ (اذ لا معنى له) اى لضمان المعاوضة (غير ضمان الشي ء) كلّا (و اجزائه) جزءا جزءا (بعوضه المسمّى و اجزائه) اى اجزاء العوض.

فكلا الشاتين فى مقابل كلا المائتين، و كل شاة- و هو جزء جزء- فى مقابل مائة مائة.

(و الضمان الآخر) اى ضمان القيمة (يقتضي ضمان الشي ء بقيمته الواقعية) و حيث ان الارش الفائت ليس فى مقابل جزء من نفس الثمن بل يصح اعطائه من مال آخر و لا يكون بالقيمة الواقعية بل بالقيمة المعاوضية، كان اللازم ان نقول بان الارش قسم ثالث من الضمان (فلا اوثق

ص: 41

من ان يقال: ان مقتضى المعاوضة- عرفا- هو عدم مقابلة وصف الصحة بشي ء من الثمن، لانه امر معنوى كسائر الاوصاف.

و لذا لو قابل المعيب بما هو انقص منه قدرا

______________________________

من ان يقال) فى تقريب لزوم الارش مقابل انتفاء وصف الصحة: ان البائع حيث تعهد ان يكون متاعه صحيحا كان للمشترى ان يطالبه بالوفاء بتعهده

اما بان يسلمه وصف الصحة- مع المبيع-.

و اما ان يسلّم الى المشترى قدرا من المال- غرامة- بسبب عدم وصف الصحة لنقصان قيمة المبيع بقدر ذلك المال.

توضيح ذلك (ان مقتضى المعاوضة- عرفا- هو عدم مقابلة وصف الصحة بشي ء من الثمن، لانه) اى لان وصف الصحة (امر معنوى كسائر الاوصاف) الموجبة لارتفاع قيمة الشي ء، مثل وصف الكمال و مثل ان يكون العبد كاتبا، فان الكتابة لا تقابل بالمال حتى يكون اصل العبد بتسعين و كتابته بعشرة- مثلا-.

و من المعلوم: ان الامور المادية تقابل بالمال لا الامور المعنوية- نعم الامور المعنوية توجب زيادة قيمة العين- فالثمن بإزاء العين و لكن يرتفع اذا كان فى العين وصف كمال.

(و لذا) الّذي ليس فى مقابل وصف الصحة شي ء من المال (لو قابل المعيب بما هو انقص منه قدرا) فى الاجناس الربوية.

مثلا: اعطى نصف مثقال من الذهب الخالص بمثقال من الذهب المعيب، باعتباران وصف الصحة الفائتة فى المعيب يوجب نقص قدر

ص: 42

حصل الربا من جهة صدق الزيادة، و عدم عدّ العيب نقصا يتدارك بشي ء من مقابله، الا ان الدليل من النص و الاجماع دلّ على ضمان هذا الوصف من بين الاوصاف، و كونه فى عهدة البائع بمعنى وجوب تداركه بمقدار من الثمن يضاف الى ما يقابل باصل المبيع لاجل اتصافه بوصف الصحة فان هذا الوصف

______________________________

الخالص (حصل الربا من جهة صدق الزيادة) فى طرف المعيب (و) من جهة (عدم عدّ العيب نقصا يتدارك بشي ء من مقابله) و لو كان وصف الصحة يقابل بالمال، لم يلزم الربا، لانه نصف المثقال المعيب فى مقابل نصف المثقال الخالص و النصف الآخر من المعيب فى مقابل وصف الصحة (الا ان الدليل من النص و الاجماع دلّ على ضمان هذا الوصف من بين الاوصاف) فالبائع ضامن لوصف الصحة بينما لا يضمن وصف الكمال، فاذا لم يكن العبد كاتبا- فى حال اشتراط الكتابة- ليس للمشترى الارش، بل له اما القبول بكل الثمن و اما الرد (و) على (كونه) اى كون وصف الصحة (فى عهدة البائع بمعنى وجوب تداركه) اذا كان مفقودا (بمقدار من الثمن يضاف) ذلك المقدار (الى ما يقابل باصل المبيع لاجل اتصافه) اى اتصاف المبيع (بوصف الصحة) فان اتصاف المبيع بوصف الصحة اوجب ان يضيف المشترى على الثمن المقابل لذات العين- فذات العين ثمنها تسعون، و اضاف المشترى الى التسعين عشرة لاجل اتصاف المبيع بوصف الصحة- فالعشرة ليست فى مقابل الوصف و انما هى فى مقابل العين و لكن زاد المشترى العشرة لاجل هذا الوصف (فان هذا الوصف) اى

ص: 43

كسائر الاوصاف و ان لم يقابله شي ء من الثمن، لكن له مدخل فى وجود مقدار من الثمن، و عدمه، فاذا تعهده البائع كان للمشترى مطالبته بخروجه عن عهدته باداء ما كان يلاحظ من الثمن لاجله، و للمشترى أيضا اسقاط هذا الالتزام عنه.

[هل الضمان بعين بعض الثمن أو بمقداره]

نعم يبقى الكلام فى كون هذا الضمان المخالف للاصل بعين بعض

______________________________

وصف الصحة (كسائر الاوصاف) مثل وصف الكمال (و ان لم يقابله شي ء من الثمن، لكن له) اى لوصف الصحة (مدخل فى وجود مقدار من الثمن) ان كان وصف الصحة موجودا (و عدمه) اى عدم وجود مقدار من الثمن ان كان وصف الصحة معدوما (فاذا تعهده البائع) اى تعهد وصف الصحة (كان للمشترى مطالبته) اى مطالبة البائع (بخروجه) اى بان يخرج البائع (عن عهدته) اى عهدة هذا الوصف، و الخروج انما هو (باداء) البائع (ما كان) قد قدر من المال (يلاحظ من الثمن لاجله) اى لاجل هذا الوصف فيقول المشترى للبائع انى اعطيتك عشرة زائدة لاجل وصف الصحة فاذا فقد فعليك ان ترد عليّ العشرة (و للمشترى أيضا اسقاط هذا الالتزام) اى التزام البائع بوصف الصحة (عنه) اى عن البائع، فلا يطالبه بشي ء.

و الى هنا تم ان المال ليس بإزاء الوصف حتى يوجب عدم الوصف الفسخ، فهذا تمام الجواب عن الاشكال الاول.

ثم شرع فى جواب الاشكال الثانى بقوله: (نعم يبقى الكلام فى كون هذا الضمان المخالف للاصل بعين بعض

ص: 44

الثمن كما هو ظاهر تعريف الارش فى كلام الاكثر بانه جزء من الثمن، او بمقداره، كما هو مختار العلامة فى صريح التذكرة، و ظاهر غيرها و الشهيدين فى كتبهما وجهان تردد بينهما فى جامع المقاصد، و أقواهما الثانى لاصالة عدم تسلط المشترى على شي ء من الثمن، و براءة ذمة البائع من وجوب دفعه لان المتيقن من مخالفة الاصل ضمان البائع لتدارك الفائت

______________________________

الثمن) فان المشترى انما اعطى بعض الثمن لاجل وصف الصحة فاذا انتفى وصف الصحة، فله استرجاعه، فلما ذا يقول جملة من الفقهاء بان الارش لا يلزم ان يكون عين الثمن، بل اللازم ان يكون الارش (كما هو ظاهر تعريف الارش فى كلام الاكثر بانه جزء من الثمن، او بمقداره) «او» عطف على «بعين» اى هل يلزم ان يكون الارش بعض نفس الثمن، او لا بل يكفى ان يكون بمقداره (كما هو مختار العلامة فى صريح التذكرة، و ظاهر غيرها) اى غير التذكرة من كتب العلامة (و) ظاهر (الشهيدين فى كتبهما وجهان) «وجهان» متعلق بقوله «بعين» «او بمقداره» (تردد بينهما فى جامع المقاصد، و أقواهما الثانى) و هو انه بمقداره، لا بعينه (لاصالة عدم تسلط المشترى على شي ء من الثمن) لانه خرج عن ملكه بالعقد، فتسلطه عليه بعد العقد يحتاج الى دليل (و) اصالة (براءة ذمة البائع من وجوب دفعه) فان القدر المتيقن لزوم دفع القدر المشترك اما خصوص عين الثمن فالاصل براءة ذمته منه (لان المتيقن من مخالفة الاصل) و هو اصل عدم ضمان البائع اصلا (ضمان البائع لتدارك الفائت) و هو وصف الصحة

ص: 45

الّذي التزم وجوده فى المبيع بمقدار وقع الاقدام من المتعاقدين على زيادته على الثمن، لداعى وجود هذه الصفة، لا فى مقابلها.

مضافا الى اطلاق قوله عليه السلام فى روايتى حمّاد و عبد الملك انه له ارش العيب و لا دليل على وجوب كون التدارك بجزء من عين الثمن، عدا ما يتراءى من ظاهر التعبير فى روايات الارش عن تدارك العيب برد التفاوت الى المشترى الظاهر فى كون المردود شيئا كان عنده أو لا و هو بعض الثمن

______________________________

(الّذي التزم وجوده) اى وجود ذلك الفائت (فى المبيع بمقدار) متعلق ب «تدارك» (وقع الاقدام من المتعاقدين على زيادته) اى زيادة ذلك المقدار (على الثمن) فان المتبايعين جعلا تسعين فى مقابل ذات الشاة و جعلا عشرة فى مقابل الشاة أيضا، و لكن هذه العشرة انما جعلت فى مقابل الشاة (لداعى وجود هذه الصفة) و هى صفة الصحة فى الشاة (لا فى مقابلها) اى لم تجعل الزيادة و هى العشرة فى مقابل الصفة و هى وصف الصحة و إلا لزم الربا- على التقريب الّذي ذكرناه-.

(مضافا الى اطلاق قوله عليه السلام فى روايتى حمّاد و عبد الملك انه له ارش العيب) فانه شامل لكونه من نفس الثمن او من غيره (و لا دليل على وجوب كون التدارك بجزء من عين الثمن، عدا ما يتراءى) فى بادى الرأى (من ظاهر التعبير فى روايات الارش عن تدارك العيب بردّ التفاوت الى المشترى) «برد» متعلق ب «التعبير» (الظاهر) صفة «الرد» (فى كون المردود شيئا كان عنده) اى عند المشترى (أولا، و هو بعض الثمن) و الا لم يسم ردّا

ص: 46

لكن التأمل التام يقضى بان هذا التعبير وقع بملاحظة ان الغالب وصول الثمن الى البائع، و كونه من النقدين، فالرد باعتبار النوع لا الشخص.

و من ذلك ظهر ان قوله عليه السلام فى رواية ابن سنان: و يوضع عنه من ثمنها بقدر العيب ان كان فيها محمول على الغالب من كون الثمن كليا فى ذمة المشترى، فاذا اشتغلت ذمة البائع

______________________________

(لكن التأمل التام يقضى ب) عدم الظهور المذكور، و (ان هذا التعبير) بالرد (وقع بملاحظة ان الغالب وصول الثمن الى البائع) فى مقابل ما اذا لم يصل الثمن إليه، لانه طلبه منه سابقا، او كانت المعاملة نسيئة- فانه أيضا ليس بحقيقة الردّ- (و كونه من النقدين، فالرد باعتبار النوع) فانه اذا اخذ دينارا، و ان لم يكن نفس دينار الثمن، قيل عرفا انه استرد ديناره- باعتبار استرداد نوع ما اعطاه- (لا الشخص) و كذا قال بعض فى قوله تعالى: إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا، ان اللازم ردّ المثل و ان لم يكن عينا.

(و من ذلك) الّذي ذكرنا من ان الرد باعتبار النوع لا الشخص (ظهر ان قوله عليه السلام فى رواية ابن سنان: و يوضع عنه من ثمنها بقدر العيب ان كان فيها) عيب (محمول على الغالب من كون الثمن كليا فى ذمة المشترى).

فمعنى الوضع عدم الاعطاء، لا انه بملاحظة لزوم نفس الثمن، و لا جار فيما اذا كان الثمن نقدا فى يد المشترى (فاذا اشتغلت ذمة البائع

ص: 47

بالارش حسب المشترى عند اداء الثمن ما فى ذمته عليه.

ثم على المختار من عدم تعينه من عين الثمن، فالظاهر تعينه من النقدين، لانهما الاصل فى ضمان المضمونات، الا ان يتراضى على غيرهما من باب الوفاء، او المعاوضة.

______________________________

بالارش حسب المشترى عند اداء الثمن ما فى ذمته) اى ذمة البائع- من الارش- (عليه) اى على البائع، من باب التقاص و تهاتر الذمم فالبائع يطلب من المشترى مائة ثمنا للمبيع و المشترى يطلب من البائع عشرة و هى الارش، فتتهاتر عشرة فى مقابل عشرة، و يعطيه المشترى تسعين.

و على هذا فاذا كان الثمن عينا لزم اعطاء المشترى للبائع كل الثمن ثم يأخذ منه الارش.

(ثم على المختار من عدم تعينه) اى عدم تعين الارش (من عين الثمن، فالظاهر تعينه من النقدين) و المراد نقد البلد و ان كان ورقا كما هو المتعارف الآن.

و الحاصل ان اللازم اعطائه النقد فى مقابل اعطائه الجنس، فلا يصح ان يعطى البائع للمشترى السكر او الشاى بعنوان الارش (لانهما الاصل فى ضمان المضمونات) بمعنى انصراف ادلة الضمان الى النقد (الا ان يتراضى) كل من البائع و المشترى (على غيرهما) اى غير النقدين (من باب الوفاء) بان يقبل المشترى ان يكون وفاء البائع لارشه بالسكر مثلا (او) من باب (المعاوضة) بان يعوض المشترى ما على البائع من النقد بالسكر مثلا.

ص: 48

و استظهر المحقق الثانى من عبارة القواعد و التحرير بل الدروس عدم تعينه منهما، حيث حكما فى باب الصرف بانه لو وجد عيب فى احد العوضين المتخالفين بعد التفرق، جاز اخذ الارش من غير النقدين و لم يجز منهما.

فاستشكل ذلك بان الحقوق المالية انما يرجع فيها الى النقدين، فكيف الحق الثابت باعتبار نقصان فى احدهما.

______________________________

(و) لكن (استظهر المحقق الثانى من عبارة القواعد و التحرير بل الدروس عدم تعينه) اى عدم تعين ان يكون الارش (منهما) اى من النقدين (حيث) ان العلامة و الشهيد (حكما فى باب الصرف) و هو بيع الاثمان (بانه لو وجد عيب فى احد العوضين المتخالفين) كبيع الذهب بالفضة (بعد التفرق) من المجلس، فانه يشترط فى بيع الصرف التقابض فى المجلس (جاز اخذ الارش من غير النقدين و لم يجز منهما) لان الارش جزء، و لا يمكن التقابض فى باب بيع الصرف بعد المجلس، للزوم ان يكون التقابض فى الصرف فى المجلس.

(فاستشكل) المحقق الثانى (ذلك) الّذي ذكره العلامة و الشهيد من كون الارش من غير النقدين (بان الحقوق المالية) كالخمس و الزكاة و الضمان فى غير المثلى و نحو ذلك (انما يرجع فيها الى النقدين) فاللازم اعطاء الحق من النقد، لا من الاجناس الّا برضا الاطراف (فكيف) ب (الحق الثابت باعتبار نقصان فى احدهما) كما نحن فيه، فان الارش حق ثابت باعتبار نقصان فى الذهب او الفضة فى باب بيع احدهما بالآخر،

ص: 49

و يمكن رفع هذا الاشكال بان المضمون بالنقدين هى الاموال المتعينة المستقرة و الثابت هنا ليس ما لا فى الذمة و الا بطل البيع فيما قابله من الصحيح لعدم وصول عوضه قبل التفرق

______________________________

فاللازم صحة اخذ الارش من احدهما فى باب الصرف أيضا.

(و يمكن رفع هذا الاشكال) و ذلك بتصحيح كلام العلامة و الشهيد (بان المضمون بالنقدين هى الاموال المتعينة المستقرة و الثابت هنا ليس مالا فى الذمة) فالضمان بالنقدين يعتبر فيه ثلاثة امور:

الاول: ان يكون مالا، و مقامنا ليس كذلك، لان المضمون حق الخيار و الخيار ليس بمال.

الثانى: ان يكون متعينا، و مقامنا ليس كذلك، لانه يخيّر بين الرد و الارش.

الثالث: ان يكون مستقرا فى الذمة، و ليس هنا كذلك اذ الارش تغريم اى تكليف باعطاء قدر من المال للمشترى (و الا) فلو كان فى المقام ضمان للمال المستقر الثابت فى الذمة (بطل البيع فى ما قابله) اى ما قابل العيب (من الصحيح، لعدم وصول عوضه) اى عوض ما قابل الصحيح (قبل التفرق).

و قد عرفت ان فى الصرف يشترط وصول تمام العوضين قبل التفرق، فاذا باع الذهب الصحيح بالفضة الرديئة المعيبة، فان كان اللازم على صاحب الفضة اعطاء درهم آخر- مثلا- لمكان العيب، لزم بطلان البيع بالنسبة الى مقدار درهم من الذهب، اذ قد سلّم صاحب الذهب ذهبه

ص: 50

و انما هو حق لو اعمله جاز له مطالبة المال.

فاذا اختار الارش من غير النقدين ابتداءً، و رضى به الآخر فمختاره نفس الارش، لا عوض عنه.

نعم للآخر الامتناع منه لعدم تعينه عليه، كما ان لذى الخيار مطالبة النقدين فى غير هذا المقام و ان لم يكن للآخر

______________________________

و لم يسلّم صاحب الفضة فضته- بمقدار الدرهم من الجانبين- و لذا فاللازم ان نقول ان الارش تكليف شرعى خارجى مثل التكليف بنفقة الاقارب (و انما هو) اى الارش (حق لو اعمله) صاحب الحق الّذي انتقل إليه المعيب (جاز له مطالبة المال) و ان اراد الفسخ او لم يعمل حقه، لم تكن مطالبة للمال.

(فاذا اختار) صاحب الحق (الارش من غير النقدين ابتداءً) لا بعنوان المعاوضة بالنقدين، اذ الكلام فى ان الارش ليس من النقدين و الا لزم بطلان البيع فى ما قابل من الصحيح- كما عرفت- (و رضى به) اى بغير النقدين الطرف (الآخر) الّذي عليه ان يدفع الارش (فمختاره نفس الارش، لا عوض عنه).

(نعم للآخر) الّذي عليه الارش (الامتناع منه) اى من اعطاء غير النقدين (لعدم تعينه عليه) اى ليس غير النقدين معينا على من عليه الحق، بل الحق كلّى ينطبق على المال و على البضاعة فاللازم اختيارهما معا لشي ء واحد حتى ينطبق عليه الكلى (كما ان لذى الخيار مطالبة النقدين فى غير هذا المقام) و هو باب الصرف (و ان لم يكن للآخر

ص: 51

الامتناع حينئذ.

و بالجملة فليس هنا شي ء معين ثابت فى الذمة، الا ان دفع غير النقدين يتوقف على رضا ذى الخيار، و يكون نفس الارش بخلاف دفع النقدين، فانه اذا اختير غيرهما لم يتعين للارشية.

ثم انه قد

[هل يعقل استغراق الأرش للثمن]

تبين مما ذكرنا فى معنى الارش انه لا يكون الا مقدارا مساويا لبعض الثمن و لا يعقل ان يكون مستغرقا له لان المعيب ان لم يكن مما

______________________________

الامتناع حينئذ) و لا يكون له الامتناع، لان النقدين هما الاصل فى الضمانات بخلاف البضائع.

(و بالجملة) فالفرق بين الارش هنا فى النقدين و فى غيره ان الارش هنا كلى قابل للانطباق على غير النقدين، بخلاف سائر المقامات فالارش خاص بالنقدين (فليس هنا) اى فى باب النقدين (شي ء معين ثابت فى الذمة، الا ان دفع) من عليه الضمان (غير النقدين يتوقف على رضا ذى الخيار) اذ الكلى لا ينطبق على الفرد الا برضا الطرفين (و يكون) المدفوع من غير النقدين- لدى رضا ذى الخيار- (نفس الارش) لانطباق الكلى عليه ابتداءً (بخلاف دفع النقدين، فانه اذا اختير غيرهما لم يتعين للارشية) لان النقد هو الاصل و بهذا تبين ان اشكال المحقق الثانى على العلامة و الشهيد ليس بوارد فتأمل.

(ثم انه قد تبين مما ذكرنا فى معنى الارش) و هو مقدار الفائت من المعيب- حسب المعاوضة- (انه لا يكون الا مقدارا مساويا لبعض الثمن) المسمّى (و لا يعقل ان يكون) الارش (مستغرقا له) اى لكل الثمن.

و ذلك (لان المعيب ان لم يكن مما

ص: 52

يتمول، و يبذل فى مقابله شي ء من المال بطل بيعه، و الا فلا بد من ان يبقى له من الثمن قسط.

نعم ربما يتصور ذلك فيما اذا حدث قبل القبض، او فى زمان الخيار عيب يستغرق للقيمة مع بقاء الشي ء على صفة التملك بناء على ان مثل ذلك غير ملحق بالتلف فى انفساخ

______________________________

يتمول، و) مما (يبذل فى مقابله شي ء من المال) بان كان العيب قد اسقطه عن المالية، كالبيض الفاسد الّذي لا ينتفع به اصلا (بطل بيعه) و استرجع المشترى كل ثمنه من باب انه لا بيع، لا من باب انه الارش (و الا) يكن كذلك، بل كان مما يتمول فى الجملة (فلا بد من ان يبقى له) اى للمبيع (من الثمن قسط) و لو اقل من مقدار الارش، كما لو كان العيب مستغرقا ثلاثة ارباع المبيع، فان المشترى يرجع ثلاثة ارباع الثمن و يبقى للمبيع- عند البائع- ربع الثمن.

(نعم ربما يتصور ذلك) اى استغراق العيب لكل الثمن (فيما اذا حدث) العيب (قبل القبض، او فى زمان الخيار).

اما العيب المستغرق الحادث قبل العقد، فذلك يوجب بطلان البيع لانه لا مالية له حينئذ حتى يصح العقد عليه (عيب يستغرق) العيب الحادث (للقيمة مع بقاء الشي ء على صفة التملك) اذ لو خرج الشي ء عن صفة التملك خرج عن ملك المشترى، فلا يسمى ما يأخذه من البائع من تمام الثمن ارشا، و انما يأخذ الثمن من البائع لان التلف قبل القبض و فى زمن الخيار من البائع (بناء على ان مثل ذلك) العيب المستغرق للقيمة (غير ملحق بالتلف فى انفساخ

ص: 53

العقد به، بل يأخذ المشترى ارش العيب، و هو هنا مقدار تمام الثمن لكن عدم الحاقة بالتلف مشكل بناء على ان العيب اذا كان مضمونا على البائع- بمقتضى قوله عليه السلام: ان حدث فى الحيوان حدث فهو من مال البائع حتى ينقضى خياره- كان هذا العيب كانه حدث فى ملك البائع، و المفروض انه اذا حدث مثل هذا فى ملك البائع كان بيعه باطلا لعدم كونه متمولا يبذل بإزائه شي ء من المال.

______________________________

العقد به) اى بهذا العيب المستغرق.

و انما لا يكون ملحقا لاصالة صحة العقد و بقائه و يبقى اختصاص الشي ء المعيب الّذي لا مالية له للمشترى، دون البائع، بينما اذا قلنا بانفساخ العقد يكون الاختصاص للبائع (بل يأخذ المشترى ارش العيب و هو هنا) اى فى العيب المستغرق (مقدار تمام الثمن) هذا.

و (لكن عدم الحاقة) اى عدم الحاق العيب المستغرق (بالتلف) فى بطلان البيع (مشكل).

و انما كان مشكلا (بناء على ان العيب اذا كان مضمونا على البائع- بمقتضى قوله عليه السلام: ان حدث فى الحيوان حدث فهو من مال البائع حتى ينقضى خياره- كان هذا العيب كانه حدث فى ملك البائع و) البيع الحادث فى ملك البائع موجب للبطلان، اذ (المفروض انه اذا حدث مثل هذا) العيب المستغرق للمثمن و المسقط للمتاع عن المالية (فى ملك البائع كان بيعه باطلا لعدم كونه) اى المتاع المعيب بهذا العيب المستغرق (متمولا يبذل بإزائه شي ء من المال) و اذا كان

ص: 54

فيجب الحكم بانفساخ العقد اذا حدث مثل هذا بعده مضمونا على البائع الا ان يمنع ذلك.

و ان ضمانه على البائع بمعنى الحكم بكون دركه عليه، فهو بمنزلة الحادث قبل البيع فى هذا الحكم، لا مطلقا حتى ينفسخ العقد به، و يرجع هذا الملك الموجود غير المتمول الى البائع، بل لو فرضنا حدوث العيب على وجه اخرجه عن الملك

______________________________

هذا العيب موجبا لعدم انعقاد البيع اذا كان قبل العقد (فيجب الحكم بانفساخ العقد اذا حدث مثل هذا) العيب (بعده) اى بعد العقد، فيما اذا كان (مضمونا على البائع) لانه قبل القبض او فى زمن الخيار، اللهم (الا ان يمنع ذلك) بان يقال: ليس حال العيب بعد العقد مثل حاله قبل العقد.

(و) ذلك ل (ان) كون (ضمانه) اى ضمان العيب بعد العقد (على البائع) انما هو (بمعنى الحكم بكون دركه) و تلفه (عليه) اى على البائع (فهو) اى العيب بعد العقد (بمنزلة الحادث قبل البيع فى هذا الحكم) الّذي دركه على البائع (لا مطلقا) فى جميع الاحكام (حتى ينفسخ العقد به) اى بالعيب الحادث بعد العقد، فيكون كالعيب الحادث قبل العقد فى عدم صحة العقد عليه (و) حتى (يرجع هذا الملك الموجود) المعيب (غير المتمول الى البائع) بل يبقى فى ملك المشترى، و ان استحق المشترى تمام الثمن من البائع (بل لو فرضنا حدوث العيب على وجه اخرجه عن الملك) و المشهور فرقوا بين الملك و المال، فان الاول شامل

ص: 55

فلا دليل على الحاقة بالتلف بل تبقى العين غير المملوكة حقا للمشترى، و ان لم يكن ملكا له كالخمر المتخذ للتخليل و يأخذ الثمن او مقداره من البائع ارشا لا من باب انفساخ العقد.

هذا الا ان العلامة قدس سره فى القواعد و التذكرة و التحرير و محكى النهاية يظهر منه الارش المستوعب فى العيب المتقدم على العقد الّذي

______________________________

لما لا مالية له أيضا، بينما الثانى يطلق على ماله مالية بالإضافة الى الملكية مثلا حبة الحنطة ملك و ليس بمال (فلا دليل على الحاقة بالتلف) حتى يكون حاله حال ما لا ملكية له قبل العقد- بحيث يوجب فسخ العقد- (بل تبقى العين غير المملوكة حقا للمشترى، و ان لم يكن ملكا له) اذ الحق شامل للمال و الملك و الاختصاص (كالخمر المتخذ للتخليل) فانها ليس بمال و لا ملك، و لكنها مختصة بالانسان الّذي كان له المائع قبل التخمير (و) بناء على هذا (يأخذ) المشترى (الثمن او مقداره من البائع ارشا).

فان المشترى يأخذ الثمن اذا قلنا بان الارش عين الثمن، او مقداره اذا قلنا بان الارش لا يلزم ان يكون من عين الثمن (لا من باب انفساخ العقد) و رجوع كل شي ء الى مالكه، بل من باب الارش، و لذا يبقى المثمن المعيب خاصا بالمشترى.

(هذا، الا ان العلامة قدس سره فى القواعد و التذكرة و التحرير و محكى النهاية) للعلامة، و هناك نهاية اخرى للشيخ (يظهر منه الارش المستوعب فى) باب (العيب المتقدم على العقد الّذي

ص: 56

ذكرنا انه لا يعقل فيه استيعاب الارش للثمن.

قال فى القواعد: لو باع العبد الجانى خطأ ضمن اقل الامرين على رأى، و الارش على رأى، و صحّ البيع ان كان موسرا، و الا تخير المجنى عليه و لو كان عمدا وقف على اجازة المجنى عليه

______________________________

ذكرنا انه لا يعقل فيه) اى فى العيب المتقدم على العقد (استيعاب الارش للثمن) حيث قلنا بان المعيب ان لم يكن متمولا بطل بيعه.

(قال فى القواعد: لو باع العبد الجانى) جناية (خطأ، ضمن) البائع (اقل الامرين) من قيمة العبد و من قيمة الجناية.

فان كانت قيمة العبد اقل ضمنها لا اكثر، اذ لا يجنى الجانى اكثر من قيمته، و ان كانت قيمة الجناية اقل لم يلزم اكثر من الجناية- كما ذكر فى محله- هذا (على رأى، و) ضمن (الارش على رأى) آخر.

فعلى هذا هناك رأى بصحة الارش المستوعب (و صحّ البيع ان كان) المولى (موسرا) و بذل الارش لان المجنى عليه لا يطلب الا الارش و قد دفعه المولى، فلما ذا لم يصح البيع بعد شمول ادلة البيع و العقد له (و الا) يكن المولى موسرا او كان مؤسرا و لكن لم يدفع الارش (تخير المجنى عليه) فى ابطال البيع، و استرقاق العبد او الصبر حتى يسار المولى و اعطائه الارش (و لو كان) العبد جنى (عمدا) لا خطأ- كما كان مفروض الشق الاول- (وقف) البيع (على اجازة المجنى عليه).

اذ من حق المجنى عليه استرقاق العبد، فاذا باعه المولى فقد تصرف فى حق الغير، مثل بيع الراهن للرهن، فانه يتوقف على اجازة المرتهن

ص: 57

و يضمن الاقل من الارش و القيمة، لا الثمن معها.

و للمشترى الفسخ مع الجهل، فيرجع بالثمن او

______________________________

(و) اذا اجاز المجنى عليه البيع (يضمن) المولى (الاقل من الارش) و هو ارش الجناية (و القيمة) اى قيمة العبد، فان كان الارش اقل لم يضمن اكثر منه لان ذلك قدر الجناية، و ان كانت القيمة اقل لم يضمن اكثر منها لان الجانى لا يجنى اكثر من قيمته، و (لا) يضمن المولى (الثمن) فليس عليه ان يعطى الثمن الّذي اخذه من المشترى الى المجنى عليه (معها) اى مع زيادة الثمن عن الارش، او عن القيمة.

فمثلا: لو جنى العبد بمقدار مائة دينار، و قد باع المولى العبد بالف لزم على المولى اعطاء المائة لا الألف هذا فى ما كانت القيمة ازيد من الارش و لو جنى العبد بمقدار مائة، و كانت قيمته السوقية خمسين، و قد باعه المولى بمائة، فالواجب على المولى اعطاء خمسين فقط، لانه قيمة العبد و لا يجنى الجانى اكثر من قيمته، اما الخمسون الاخر الزائد على القيمة، فهو كسب للمولى خارج عن قيمة العبد السوقية فلا يكلف المولى باعطائه و ان كانت الجناية اكثر من الخمسين، هذا تمام الكلام فى المولى و المجنى عليه.

(و) اما حال المشترى فنقول: ان (للمشترى الفسخ) للبيع (مع الجهل) بان العبد جان لانه نوع من العيب (فيرجع) المشترى (بالثمن) ان فسخ فيأخذ الثمن الّذي اعطاه للبائع، لانه مع الفسخ ارجع العبد فيأخذ الثمن الّذي دفعه الى البائع (او) يرجع المشترى الى البائع

ص: 58

الارش فان استوعب الجناية القيمة فالارش ثمنه أيضا، و الا فقدر الارش، و لا يرجع لو كان عالما و له ان يفديه كالمالك، و لا يرجع به عليه.

______________________________

ب (الارش) ان لم يفسخ، لان العبد الجانى اقل قيمة من غير الجانى فاذا كانت قيمة الجانى تسعين، و قيمة غير الجانى مائة، و دفع المشترى الى البائع مائة، ارجع عشرة، ارش العيب (فان استوعب الجناية القيمة) بان كانت قيمة العبد مائة، و كانت جنايته أيضا مائة- و قد امضى المشترى البيع- (ف) الشي ء الّذي يأخذه المشترى ارشا كل المائة، لان (الارش) مساو ل (ثمنه أيضا) و معنى «أيضا» انه ثمنه و انه ارشه- فى وقت واحد- (و الا) تستوعب الجناية القيمة، بان كانت الجناية اقل من القيمة (ف) المشترى يأخذ (قدر الارش) فقط.

مثلا: كانت القيمة مائة، و كان الارش- و هو التفاوت بين الجانى و غير الجانى العشر- عشرة فالمشترى اذا امضى البيع اخذ العشرة (و لا يرجع) المشترى الى البائع بالارش (لو كان عالما) بان العبد جان و مع ذلك اقدم على شرائه، لان العالم ليس له الخيار لا فسخا و لا ارشا (و) حين كان عالما (له) اى للمشترى (ان يفديه) اى يعطى للمجنى عليه فدية جناية العبد اى قدر جنايته، فان المجنى عليه يرجع الى المشترى الّذي بيده العبد، ليأخذ ثمن الجناية (كالمالك) كما ان للمالك ان يفدى العبد (و) اذا افداه المشترى (لا يرجع) المشترى (به) اى بما دفع الى المجنى عليه من الفدية (عليه) اى على البائع، لفرض ان المشترى اقدم على اشتراء المعيب عالما بالعيب، فليس له حق على البائع

ص: 59

و لو اقتصّ منه فلا رد و له الارش و هو نسبة تفاوت ما بين كونه جانيا و غير جان من الثمن، انتهى.

و ذكر فى التذكرة هذه العبارة بعينها فى باب العيوب، و قال فى اوائل البيع من التذكرة- فى مسألة بيع العبد الجانى- و لو كان المولى معسرا لم يسقط حق المجنى عليه من الرقبة، ما لم يجز البيع أولا،

______________________________

(و لو اقتصّ) المجنى عليه (منه) اى من العبد الجانى، فى يد المشترى- فيما لو اشتراه و هو لا يعلم بالجناية- (فلا رد) اى فليس للمشترى ان يرد العبد لان نقص العبد بالاقتصاص عيب جديد، و قد تقدم ان تعيّب المبيع فى يد المشترى يوجب سقوط الرد (و) لكن (له) اى للمشترى (الارش) اذ الارش لا يسقط بعيب جديد فى يد المشترى (و هو) اى الارش (نسبة تفاوت ما بين كونه جانيا و غير جان من الثمن) فان كان التفاوت العشر، استرجع المشترى عشر الثمن، و ان كان التفاوت الربع، استرجع ربع الثمن، و هكذا (انتهى) كلام العلامة.

و قد ظهر منه انه يقول بالارش المستوعب و هذا يظهر منه فى عبارته الآتية أيضا، و لذا نقلها المصنف.

(و ذكر فى التذكرة هذه العبارة بعينها فى باب العيوب، و قال فى اوائل البيع من التذكرة- فى مسألة بيع العبد الجانى- و لو كان المولى معسرا) و قد باع العبد الجانى (لم يسقط حق المجنى عليه من الرقبة) اى رقبة العبد بمجرد بيع المولى للعبد (ما لم يجز) المجنى عليه (البيع) فان اجاز المجنى عليه البيع (أولا) سقط حقه عن الرقبة اذ:

ص: 60

فان البائع انما يملك نقل حقه عن رقبته بفدائه.

و لا يحصل من ذمة المعسر فيبقى حق المجنى عليه مقدما على حق المشترى، و يتخير المشترى الجاهل فى الفسخ و يرجع بالثمن، و به قال احمد و بعض الشافعية، او مع الاستيعاب

______________________________

اجازته للبيع معناها رفع يده عن حقه كما اذا اجاز المرتهن بيع الراهن للرهن، فانه يسقط حقه فى المبيع المرهون.

و انما لا يسقط حق المجنى عليه عن رقبة العبد ببيع المولى للعبد (فان البائع انما يملك نقل حقه) اى حق المجنى عليه، فينقله عن رقبة العبد- بان يصبح العبد خالى الرقبة عن تعلق حق المجنى عليه بها- (عن رقبته) اى رقبة العبد (بفدائه) اى فيما اذا اعطى المولى الفدية فان رقبة العبد تفك عن الجناية حينئذ، اما البيع فلا يوجب فكّ رقبة العبد

(و) من المعلوم انه (لا يحصل) الفداء (من ذمة المعسر) فليس للمعسر ان ينقل حق المجنى عليه من رقبة العبد الى ذمّة نفسه (فيبقى حق المجنى عليه مقدما على حق المشترى) فيملك المجنى عليه الاقتصاص و يملك الاسترقاق- فيما اذا كان له الاسترقاق- (و يتخير المشترى الجاهل) بان العبد جان (فى الفسخ) لان الجناية عيب فى العبد (و) اذا فسخ (يرجع بالثمن، و به) اى بان المشترى له حق الفسخ و الرجوع بالثمن (قال احمد) بن حنبل (و بعض الشافعية، او) يبقى المشترى البيع على حاله و لا يفسخ، و لكنه مع ذلك يرجع بتمام الثمن، و ذلك (مع الاستيعاب) للارش كل الثمن فيما اذا كانت الجناية تستوعب كل قيمة

ص: 61

لان ارش مثل هذا جميع ثمنه.

و ان لم يستوعب يرجع بقدر ارشه، و لو كان عالما بتعلق الحق به فلا رجوع، الى ان قال: و ان اوجبت الجناية قصاصا تخير المشترى الجاهل بين الارش و الرد، فان اقتصّ منه احتمل تعين الارش.

______________________________

العبد.

و انما يرجع المشترى بكل الثمن- مع انه لم يفسخ البيع- (لان ارش مثل هذا) الّذي استوعبت جنايته كل ثمنه (جميع ثمنه) «جميع» خبر «ان».

(و ان) ابقى المشترى البيع، و لم يفسخ و الحال انه (لم يستوعب) ارش الجناية جميع الثمن (يرجع) المشترى الى البائع (بقدر ارشه) لان هذا القدر هو ناقص عن المبيع، فللمشترى ان يأخذ المقدار الناقص من البائع (و لو كان) المشترى (عالما بتعلق الحق به) اى بالعبد الجانى، و مع ذلك اقدم على شرائه (فلا رجوع) للمشترى الى البائع لا فسخا و رجوعا الى الثمن، و لا ارشا، لانه هو الّذي اقدم على ضرر نفسه (الى ان قال) صاحب التذكرة: (و ان اوجبت الجناية قصاصا) بان تعمّد العبد الجناية بماله قصاص (تخير المشترى الجاهل) بجناية العبد (بين الارش) و هو التفاوت بين العبد الجانى، و العبد غير الجانى (و الرد) لانه معيب فله الخيار (فان اقتصّ منه) اى من العبد فى ملك المشترى (احتمل تعين الارش) و ذلك لان العبد المقتصّ منه قد تعيب بعيب جديد، و قد سبق انه ان حدث فى ملك المشترى عيب جديد فليس

ص: 62

و هو قسط قيمة ما بينه جانيا، و غير جان، و لا يبطل البيع من اصله، لانه تلف عند المشترى بالعيب الّذي كان فيه، فلم يوجب الرجوع بجميع الثمن كالمريض و المرتد.

و قال ابو حنيفة و الشافعى يرجع بجميع ثمنه،

______________________________

للمشترى الرد، و يكون له حق الارش فقط (و هو) اى الارش (قسط) اى جزء (قيمة ما بينه) اى ما بين العبد (جانيا، و) ما بينه (غير جان).

و ذكر معنى الارش هنا، لبيان الفرق بين هذا الارش، و بين الارش المستوعب الّذي تقدم الكلام حوله (و لا يبطل البيع من اصله) بسبب القصاص الجارى عليه المتلف له (لانه) لم يتلف عند البائع، بل (تلف عند المشترى).

منتهى الامران تلفه عند المشترى انما كان (ب) سبب (العيب الّذي كان فيه) عند البائع، و العيب هو جنايته، و لا دليل على ان التلف عند المشترى- و لو كان بعيب سابق- يكون بمنزلة التلف عند البائع، فى بطلان البيع، بل استصحاب العقد يقتضي بقائه، نعم له الخيار- كما سبق-.

و حيث لم يبطل البيع (فلم يوجب) القصاص غير المستوعب (الرجوع بجميع الثمن) و انما الرجوع بالارش فقط (كالمريض) الّذي مات عند المشترى (و المرتد) الّذي قتل عند المشترى، فانهما لا يوجبان بطلان البيع، بل يوجبان الارش.

(و قال ابو حنيفة و الشافعى يرجع) المشترى (بجميع ثمنه) اذ اقتص

ص: 63

لان تلفه لامر استحق عليه عند البائع، فجرى مجرى اتلافه، انتهى.

و قال فى التحرير فى بيع الجانى خطأ، و لو كان السيد معسرا لم يسقط حق المجنى عليه عن رقبة العبد، و للمشترى الفسخ مع عدم علمه فان فسخ رجع بالثمن، و ان لم يفسخ و استوعبت الجناية قيمته و انتزعت، يرجع المشترى بالثمن أيضا و ان لم تستوعب قيمته رجع بقدر الارش

______________________________

عليه بالقتل عند المشترى (لان تلفه لامر استحق عليه) اى على العبد (عند البائع، فجرى) هذا التلف (مجرى اتلافه) اى اتلاف البائع له (انتهى)

و فيه ان كونه جاريا مجرى الاتلاف يحتاج الى دليل مفقود، فاصالة بقاء العقد محكمة، و من هذه العبارة للتذكرة أيضا ظهر ان العلامة قائل بالارش المستوعب.

(و قال فى التحرير فى بيع الجانى) جناية (خطأ، و لو كان السيد معسرا لم يسقط حق المجنى عليه عن رقبة العبد) بان يتعلق بذمة السيد- فيما اذا باعه السيّد- و ذلك لعدم دليل على انتقال الحق (و للمشترى الفسخ مع عدم علمه) بان العبد جان (فان فسخ رجع بالثمن) كله لبطلان البيع (و ان لم يفسخ و استوعبت الجناية قيمته و انتزعت) الرقبة و اجرى عليها الحد (يرجع المشترى بالثمن أيضا) من باب الارش لا من باب بطلان البيع، و ان لم ينتزع بان اعرض المجنى عليه عنه، او فداه البائع، لم يكن حق للمشترى للارش او الفسخ، لان العيب قد ازيل- بناء على ان العيب الزائل يسقط الخيار- (و ان لم تستوعب) الجناية (قيمته رجع) المشترى الى البائع (بقدر الارش) اذا لم يفسخ

ص: 64

و لو علم المشترى بتعلق الحق برقبة العبد، لم يرجع بشي ء.

و لو اختار المشترى ان يفديه جاز و رجع به على البائع مع الاذن، و الا فلا، انتهى.

قوله: و انتزعت اما راجع الى رقبة العبد او الى القيمة اذا باعه المجنى عليه و اخذ قيمته، و هذا القيد غير موجود فى باقى عبارات العلامة فى كتبه الثلاثة.

______________________________

بالعيب.

(و لو علم المشترى بتعلق الحق برقبة العبد، لم يرجع بشي ء) لانه اقدم على شراء المعيب.

(و لو اختار المشترى ان يفديه) عوض الاقتصاص منه (جاز و رجع به) اى بما افداه (على البائع مع الاذن) بان استأذن البائع فى الفدية، لان قرار الفدية على البائع (و الا) يستأذن (فلا) حق له فى الرجوع الى البائع، اذ ليس البائع مكلفا باعطاء الفدية (انتهى) كلام التحرير، و فيه أيضا ذكر للارش المستوعب.

(قوله: و انتزعت اما راجع الى رقبة العبد) كما فسرنا، فى الشرح (او الى القيمة اذا باعه المجنى عليه و اخذ قيمته) لكن الاقرب الاول (و هذا القيد) اى انتزاع العبد (غير موجود فى باقى عبارات العلامة فى كتبه الثلاثة) فلم يقيد الرجوع بتمام الثمن فى صورة الاستيعاب، بقيد الانتزاع.

و لا يخفى ان كلمات العلامة تحتاج الى كثير من الشرح و التطبيق

ص: 65

و كيف كان فالعبد المتعلق برقبته حق للمجنى عليه يستوعب قيمته اما ان تكون له قيمة تبذل بإزائه، أو لا.

و على الاول: فلا بد ان يبقى شي ء من الثمن للبائع بإزائه، فلا يرجع بجميع الثمن عليه.

و على الثانى: فينبغى بطلان البيع، و لو قيل ان انتزاعه

______________________________

على القواعد، كما لا يخفى بعض موارد النظر فيها.

(و كيف كان فالعبد المتعلق برقبته حق للمجنى عليه) بحيث (يستوعب) الحق (قيمته) ف (اما ان تكون له قيمة تبذل بإزائه) اى بإزاء العبد، و لا منافات بين استيعاب الجناية، و بين قيمة تبذل بإزاء العبد و ذلك فيما اذا كانت قيمته السوقية مثلا مائة، لكن المشترى لرغبته فى العبد اشتراه بمائة و عشرة، و كانت الجناية تستغرق مائة، فان حق المجنى عليه يستوعب قيمة العبد لكن بعد ذلك يبقى للعبد قدر زائد بذل بإزاء العبد، و هو العشرة- فتأمل- (أولا) قيمة له ازيد من حق المجنى عليه.

(و على الاول) و هو ما كان له قيمة زائدة تبذل بإزائه (فلا بد ان يبقى شي ء من الثمن) و هو العشرة (للبائع بإزائه) اى بإزاء العبد (فلا يرجع) المشترى (بجميع الثمن عليه) اى على البائع، بل يرجع بالقدر الّذي تضرره و هو المائة.

(و على الثانى) و هو الّذي اشار إليه بقوله «أو لا» (فينبغى بطلان البيع) لانه لا مالية له اصلا (و لو قيل ان انتزاعه) اى انتزاع المجنى عليه

ص: 66

عن ملك المشترى لحق كان عليه عند البائع يوجب غرامته على البائع كان اللازم من ذلك- مع بعده فى نفسه- ان يكون الحكم كذلك فيما لو اقتصّ من الجانى عمدا.

و قد عرفت من التذكرة و القواعد الحكم بقسط من الثمن فيه.

و بالجملة فالمسألة محل تأمّل، و الله العالم.

______________________________

العبد (عن ملك المشترى، ل) اجل (حق كان عليه) اى على العبد (عند البائع يوجب غرامته على البائع) لا بطلان البيع، فلا وجه لما ذكرتم من ان البيع باطل، و «يوجب» خبر «ان انتزاعه» (كان اللازم من ذلك- مع بعده) اى بعد هذا القيل (فى نفسه-) اذ لا وجه لصحة البيع فى المبيع الّذي لا قيمة له اصلا، فلا معنى لصحة البيع و الغرامة (ان يكون الحكم كذلك فيما لو اقتصّ من الجانى عمدا) بان نقول بصحة البيع و غرامة البائع.

(و قد عرفت من التذكرة و القواعد الحكم بقسط من الثمن فيه) اى فى باب القصاص، فلم يبطلا البيع، مع ان باب الانتزاع و باب الاقتصاص واحد.

فاللازم اما بطلان البيع فيهما، او صحة البيع فيهما، مع اخذ المشترى من البائع الخسارة.

(و بالجملة فالمسألة محل تأمّل، و الله العالم) بحقائق الاحكام.

ص: 67

مسألة يعرف الارش بمعرفة قيمتى الصحيح و المعيب

ليعرف التفاوت بينهما فيؤخذ من البائع بنسبة ذلك التفاوت.

و اذا لم تكن القيمة معلومة فلا بد من الرجوع الى العارف بها، و هو قد يخبر عن القيمة المتعارفة المعلومة المضبوطة عند اهل البلد او اهل الخبرة منهم لهذا المبيع المعين، او

______________________________

(مسألة: يعرف الارش) فى باب المعاملة (بمعرفة قيمتى الصحيح و المعيب) و ذلك (ليعرف التفاوت بينهما فيؤخذ من البائع) الّذي اعطاه المعيب (بنسبة ذلك التفاوت) من الثمن، اذ نفس التفاوت لا يلزم اعطائه دائما، فاذا كانت النسبة الربع اخذ ربع الثمن، و هكذا.

(و اذا لم تكن القيمة معلومة) لدى المتبايعين (فلا بد من الرجوع الى العارف بها) بمقتضى الرجوع الى اهل الخبرة فى كل موضوع شك فيه (و هو) اى العارف (قد يخبر عن القيمة المتعارفة المعلومة المضبوطة) فالقيمة عند الشواذ- لا المتعارف- لا اعتبار بها، كما ان القيمة المشكوكة او التخمينية- لا المعلومة- لا اعتبار بها.

و كذلك لا اعتبار بالمتعارفة المعلومة غير المضبوطة، بان كان فى كل سوق يباع بقيمة- مثلا- (عند اهل البلد) عامة اذا كان الشي ء معلوما للجميع (او اهل الخبرة منهم) خاصة اذا كان الشي ء يحتاج الى اهل الخبرة (لهذا المبيع المعين) «لهذا» متعلق ب «القيمة» (او

ص: 68

لمثله فى الصفات المقصودة، كمن يخبر بان هذه الحنطة او مثلها يباع فى السوق بكذا، و هذا داخل فى الشهادة يعتبر فيها جميع ما يعتبر فى الشهادة على سائر المحسوسات من العدالة و الاخبار عن الحسّ و التعدّد.

و قد يخبر عن نظره و حدسه من جهة كثرة ممارسته اشباه هذا الشي ء و ان لم يتفق اطاعه على مقدار رغبة الناس فى امثاله، و هذا يحتاج الى الصفات السابقة و زيادة المعرفة و الخبرة بهذا الجنس و يقال له بهذا الاعتبار

______________________________

لمثله) اذا كان المبيع مفقودا او غائبا (فى الصفات المقصودة) للعقلاء (كمن يخبر بان هذه الحنطة) المعيّنة (او مثلها يباع فى السوق بكذا و هذا) القسم من الاخبار (داخل فى الشهادة) لانه يشهد بالقيمة السوقية ف (يعتبر فيها جميع ما يعتبر فى الشهادة على سائر المحسوسات من العدالة) فى المخبر (و الاخبار عن الحسّ) لا عن الحدس (و التعدّد) لانه صغرى من صغريات الشهادة.

(و قد يخبر عن نظره و حدسه) عطف على «قد يخبر عن القيمة المتعارفة» (من جهة كثرة ممارسته اشباه هذا الشي ء) حتى صار هو بنفسه مقوما (و ان لم يتفق اطلاعه على مقدار رغبة الناس فى امثاله) فانه لا يريد الاخبار حتى يشترط اطلاعه على مقدار رغبة الناس (و هذا يحتاج الى الصفات السابقة) اى العدد و العدالة (و زيادة المعرفة و الخبرة بهذا الجنس) الّذي يقوّمه (و يقال له بهذا الاعتبار) اى اعتبار زيادة المعرفة

ص: 69

اهل الخبرة.

و قد يخبر عن قيمته باعتبار خصوصيات فى المبيع يعرفها هذا المخبر مع كون قيمته على تقدير العلم بالخصوصيات واضحة كالصائغ العارف باصناف الذهب و الفضة من حيث الجودة و الرداءة، مع كون قيمة الجيّد و الردي ء محفوظة عند الناس معروفة بينهم، فقوله: هذا قيمته كذا يريد به انه من جنس قيمته كذا، و هذا فى الحقيقة لا يدخل فى المقوّم و كذا القسم الاول

______________________________

(اهل الخبرة).

لكن الظاهر انه اذا سمى فى العرف باهل الخبرة لم يشترط فيه الا الوثاقة، اذ هو المتعارف عند العقلاء، و لم يدل دليل على ان الشارع غيّر ذلك بالزيادة او النقيصة، و هذا القدر كاف للاستصحاب مضافا الى السيرة و نحوهما.

(و قد يخبر عن قيمته باعتبار خصوصيات فى المبيع يعرفها) اى يعرف تلك الخصوصيات (هذا المخبر مع كون قيمته على تقدير العلم بالخصوصيات واضحة) لدى الجميع (كالصائغ العارف باصناف الذهب و الفضة من حيث الجودة و الرداءة) و انه عياركم؟ (مع كون قيمة الجيّد و الردي ء محفوظة عند الناس معروفة بينهم، فقوله: هذا قيمته كذا يريد به انه من جنس قيمته كذا) فهو يعين الموضوع، لا المحمول الّذي هو القيمة (و هذا فى الحقيقة لا يدخل فى المقوّم) بل فى شخص الموضوع (و كذا القسم الاول) فانه ليس بمقوّم بل شاهد على المحمول.

ص: 70

فمرادهم بالمقوم: هو الثانى.

لكن الاظهر عدم التفرقة بين الاقسام من حيث اعتبار شروط القبول و ان احتمل فى غير الاول الاكتفاء بالواحد اما للزوم الحرج لو اعتبر التعدد، و اما لاعتبار الظن فى مثل ذلك مما انسد فيه باب العلم و يلزم من طرح قول العادل الواحد و الاخذ بالاقل

______________________________

و الحاصل ان الاول شاهد على القيمة اى المحمول، و الثانى مقوم للموضوع، اى يجعل قيمة له من حدسه، و الثالث شاهد على الموضوع اى انه اىّ جنس (فمرادهم بالمقوم: هو الثانى).

(لكن الاظهر) عند المصنف (عدم التفرقة بين الاقسام من حيث اعتبار شروط القبول) من العدد و العدالة (و ان احتمل فى غير الاول) اى الثانى و الثالث (الاكتفاء بالواحد).

اما الاول الّذي هو عبارة عن الشهادة فلا بد فيه من العدد و العدالة (اما للزوم الحرج لو اعتبر التعدد) اذا الغالب عدم وجود الاثنين او صعوبة تحصيل رأيهما (و اما لاعتبار الظن) الحاصل من الواحد اعتبارا من باب الانسداد الصغير اى حجية الظن فى هذا المقام، مقابل الانسداد الكبير المقتضى لحجية الظن فى كل الموضوعات و الاحكام.

ف (فى مثل ذلك مما انسد فيه باب العلم) يؤخذ الظن (و يلزم من طرح قول العادل الواحد و الاخذ بالاقل) فيما اذا قوم العادل الواحد الفرق بين الصحيح و المعيب بمائة مثلا، فشككنا فى ان الفرق مائة او

ص: 71

لاصالة براءة ذمة البائع تضييع حق المشترى فى اكثر المقامات، و اما لعموم ما دل على قبول قول العادل، خرج منها ما كان من قبيل الشهادة كالقسم الاول، دون ما كان من قبيل الفتوى كالثانى لكونه ناشئا عن حدس و اجتهاد و تتبع الاشباه و الانظار و قياسه عليها حتى انه يحكم لاجل ذلك

______________________________

تسعون، فاجرينا اصالة البراءة عن العشرة الزائدة المشكوكة.

فقوله: (لاصالة براءة ذمة البائع) علة لقوله: الاخذ بالاقل (تضييع حق المشترى فى اكثر المقامات).

اذا للازم على اصالة البراءة اعطاء المشترى الارش الاقل من الارش الّذي عينه العادل الواحد.

و انما قال فى اكثر المقامات اذ ربما لا يلزم التضييع، كما اذا قوم العادل الارش بمائة، و كان ذلك قدرا متيقنا و انما الشك فى انه ازيد من المائة او مائة فقط- مثلا- فانه لا يلزم من اجراء اصل البراءة تضييع حق المشترى (و اما لعموم ما دل على قبول قول العادل) مثل مفهوم آية النبإ، و منطوق آية الذكر و غيرهما (خرج منها) اى من هذه العمومات الدالة على قبول قول العادل الواحد (ما كان من قبيل الشهادة كالقسم الاول، دون ما كان من قبيل الفتوى، كالثانى) فان الفتوى رأى و المقوم الثانى يخبر عن رأيه و حدسه (لكونه ناشئا عن حدس و اجتهاد و تتبع) المقوّم- عطف على حدس- (الاشباه و الانظار، و قياسه) عطف على حدس، اى قياس المقام الّذي يقومه (عليها) اى على الاشباه و الانظار (حتى انه) اى المقوم (يحكم لاجل ذلك) الحدس و التتبع

ص: 72

بانه ينبغى ان يبذل بإزائه كذا و كذا و ان لم يوجد راغب يبذل له ذلك.

ثم لو تعذر معرفة القيمة لفقد اهل الخبرة او توقفهم، ففى كفاية الظن او الاخذ بالاقل، وجهان.

و يحتمل ضعيفا الاخذ بالاكثر لعدم العلم بتدارك العيب المضمون الّا به.

______________________________

(بانه ينبغى ان يبذل بإزائه كذا و كذا) من المال (و ان لم يوجد راغب) الآن (يبذل له ذلك) المقدار.

و الاظهر كما تقدم هو كفاية الثقة للسيرة، و لانه استبانة عرفية فيشمله قوله عليه السلام: حتى يستبين، و غير ذلك. بالإضافة الى ما ذكره المصنف من الادلة و الشواهد.

(ثم لو تعذر معرفة القيمة لفقد اهل الخبرة او توقفهم) فى التقويم (ففى كفاية الظن) بالقيمة ان كان ظن (او الاخذ بالاقل) فيما كان شك بين الاقل و الاكثر (وجهان).

وجه الاول ان الظن قائم مقام العلم فى امثال المقام من باب الانسداد الصغير.

و وجه الثانى اجراء اصالة البراءة عن الاكثر.

(و يحتمل ضعيفا الاخذ بالاكثر لعدم العلم بتدارك العيب المضمون) الّذي كان فى ضمان البائع (الّا به) اى بالاكثر، فقد علم البائع بضمانه فاذا اعطى الاقل شك فى انه هل ادى ما عليه، أم لا؟ و الاصل عدم

ص: 73

..........

______________________________

براءة ذمته، لانه من الشك فى المحصّل.

و انما كان ضعيفا، لان البراءة محكمة، اذ الشك فى اداء ما عليه تابع للشك فى انه هل اشتغلت ذمته باكثر من الاقل، أم لا؟ و لاصالة براءة الذمة عن الاكثر، و يحتمل القرعة.

<>

ص: 74

مسألة لو تعارض المقومون،
اشارة

فيحتمل تقديم بينة الاقل للاصل، و بينة الاكثر، لانها مثبتة، و القرعة لانها لكل امر مشتبه، و الرجوع الى الصلح لتشبث كل من المتبايعين بحجة شرعية ظاهرية.

و المورد غير قابل للحلف، لجهل كل منهما بالواقع، و تخيير الحاكم

______________________________

(مسألة: لو تعارض المقومون) فقال احدهم ان الارش مائة، و قال الآخر انه تسعون- مثلا- (فيحتمل تقديم بينة الاقل) اى المقوم الاقل الّذي هو بمنزلة البينة (للاصل) اى اصالة عدم ضمان الذمة بالعشرة فى المثال (و) يحتمل تقديم (بينة الاكثر، لانها مثبتة) و اذا تعارض النفى و الاثبات قدم بينة الاثبات، اذ المثبت مدّع، و على المدعى البينة، اما النافي فهو منكر و على المنكر اليمين، لا البينة، (و) يحتمل (القرعة لانها لكل امر مشتبه) و المقام منه (و) يحتمل (الرجوع الى الصلح) القهرى (لتشبث كل من المتبايعين بحجة شرعية ظاهرية) و لا دليل على تقديم احدهما على الآخر.

(و) ان قلت: نعطى الحكم لمن حلف.

قلت: (المورد غير قابل للحلف، لجهل كل منهما بالواقع) حسب الفرض، فتأمّل، او لانهما يحلفان، و انما نقول بالصلح- بمعنى تنصيف المقدار المشكوك فيه كالعشرة فى المثال- لانه مقتضى قاعدة العدل و الانصاف، كدرهم الودعى (و) يحتمل (تخيير الحاكم) بان يعطى الحكم

ص: 75

لامتناع الجمع و فقد المرجح.

[الأقوى وجوب الجمع بين البينات مهما أمكن]
اشارة

لكن الاقوى من الكل ما عليه المعظم من وجوب الجمع بينهما بقدر الامكان، لان كلا منهما حجة شرعية يلزم العمل به فاذا تعذر العمل به فى تمام مضمونه وجب العمل به فى بعضه.

______________________________

للاكثر او للاقل (لامتناع الجمع) بين القولين (و فقد المرجح) لاحد القولين، فلا بد من التخيير، و يحتمل احتمال سادس و هو تساقط القولين و الرجوع الى الاصل.

(لكن الاقوى من الكل) اى كل هذه الاقوال (ما عليه المعظم) و هو سابع الاحتمالات، و ان كان بالنتيجة يطابق الصلح- ان قلنا بان مراد من قال بالصلح: التصالح على النصف- (من وجوب الجمع بينهما بقدر الامكان) اى بقدر امكان الجمع، لا ان هناك صورة لا يمكن فيها الجمع كما لا يخفى.

و انما يجب الجمع بينهما (لان كلا منهما حجة شرعية يلزم العمل به) عملا مطلقا (فاذا تعذر العمل به فى تمام مضمونه) و مؤدّاه (وجب العمل به فى بعضه) سواء كان ذلك البعض نصفا او ثلثا فيما اذا كان المقومون ثلاثة او اكثر.

و لا يخفى ان هذا الكلام من المصنف مناف لما قرّره فى الاصول من تساقط الحجّتين.

و يؤيّد ما اخترناه فى الفقه و الاصول من لزوم اعمال الحجّتين حسب الامكان

ص: 76

فاذا قوم احدهما بعشرة، فقد قوّم كلا من نصفه بخمسة، و اذا قوم الآخر بثمانية، فقد قوم كلا من نصفه بأربعة، فيعمل بكل منهما فى نصف المبيع

و قولا هما و ان كانا متعارضين فى النصف أيضا كالكل فيلزم بما ذكر طرح كلا القولين فى النصفين، الا ان طرح قول كل منهما فى النصف مع العمل به فى النصف الآخر اولى فى مقام امتثال ادلة العمل بكل بيّنة من طرح كليهما، او إحداهما رأسا.

______________________________

(فاذا قوم احدهما) المتاع (بعشرة، فقد قوّم كلا من نصفه بخمسة، و اذا قوم الآخر) الكل (بثمانية، فقد قوم كلا من نصفه بأربعة، فيعمل)- بصيغة المجهول- (بكل منهما فى نصف المبيع) فاذا كان التفاوت بين الصحيح و المعيب: الربع، استرجع المشترى دينارين و ربعا.

(و) ان قلت: ان قول كل واحد يعارض قول الآخر فى كل نصف نصف فاللازم تساقط القولين.

قلت: (قولاهما و ان كانا متعارضين فى النصف أيضا كالكل فيلزم بما ذكر) من سقوط المتعارضين (طرح كلا القولين فى النصفين) و نتيجته طرح القولين رأسا (الا ان طرح قول كل منهما فى النصف مع العمل به فى النصف الآخر اولى فى مقام امتثال ادلة العمل بكل بيّنة) اذ الدليل شامل لكلتا البيّنتين (من طرح كليهما) و الرجوع الى امر ثالث (او إحداهما) و اخذ الاخرى (رأسا) لان الموافقة الاحتمالية اولى من المخالفة القطعية، و الموافقة الاحتمالية و ان كانت فى الاخذ بإحداهما أيضا، الا ان هذا النوع من الموافقة الاحتمالية اقرب الى الامتثال-

ص: 77

و هذا معنى قولهم ان الجمع بين الدليلين و العمل بكل منهما- و لو من وجه- اولى من طرح احدهما رأسا.

و لذا جعل فى تمهيد القواعد من فروع هذه القاعدة الحكم بالتنصيف فيما لو تعارضت البيّنتان فى دار فى يد رجلين يدعيهما كل منهما، بل ما نحن فيه اولى بمراعات هذه القاعدة من الدليلين المتعارضين فى احكام الله تعالى لان الاخذ باحدهما كلية و ترك الآخر كذلك فى التكاليف

______________________________

عرفا- من الاخذ بإحداهما كلا و طرح الاخرى رأسا- كما لا يخفى-.

(و هذا) الّذي ذكرناه من الاخذ بقول كل واحد منهما فى النصف (معنى قولهم ان الجمع بين الدليلين و العمل بكل منهما- و لو من وجه- اولى من طرح احدهما رأسا) و العمل بالآخر كلا.

(و لذا) الّذي ذكرناه من الاولوية (جعل فى تمهيد القواعد من فروع هذه القاعدة) اى قاعدة الجمع (الحكم بالتنصيف فيما لو تعارضت البيّنتان فى دار فى يد رجلين يدعيهما) اى يدعى تمام الدار (كل منهما)

و على هذا فلو ادعى احدهما الكل، و الآخر النصف، كان لمدّعى الكل ثلاثة ارباع الدار، و لمدعى النصف ربع الدار، و هكذا (بل ما نحن فيه) من تعارض المقوّمين (اولى بمراعات هذه القاعدة) اى قاعدة الجمع مهما امكن اولى (من) اعمال هذه القاعدة فى (الدليلين المتعارضين فى احكام الله تعالى).

و وجه الاولوية (لان الاخذ باحدهما كلية و ترك الآخر كذلك) كلية فى احكام اللّه تعالى (فى التكاليف

ص: 78

الشرعية الإلهية لا ينقص عن التبعيض من حيث مراعات حق الله سبحانه لرجوع الكل الى امتثال امر الله سبحانه بخلاف مقام التكليف باحقاق حقوق الناس، فان فى التبعيض جمعا بين حقوق الناس و مراعاة للجميع و لو فى الجملة.

و لعلّ هذا

______________________________

الشرعية الإلهية).

كما اذا علم انه نذر اما ان يتزوج هاتين المرأتين، او ان يترك زواجهما، فان زواجهما معا، او تركهما معا (لا ينقص عن التبعيض) بزواج إحداهما و ترك الاخرى (من حيث مراعات حق الله سبحانه) «من» متعلق ب «لا ينقص» اى ان الاطاعة فى جانب و ترك الجانب الآخر حاله حال اطاعة النصف و ترك النصف (لرجوع الكل) اى كل واحد من اطاعة جانب او اطاعة بعض الجانب (الى امتثال امر الله سبحانه) فهو ممتثل لله تعالى على كلا التقديرين، منتهى الامر يختلف الامتثال.

فربما يمتثل كل جانب و يترك كل جانب آخر و ربما يمتثل بعض جانب و يترك بعض جانب (بخلاف مقام التكليف) اى تكليف الحاكم الشرعى (باحقاق حقوق الناس) و ايصالها إليهم (فان فى التبعيض) باعطاء كل واحد من المدعيين نصف الدار- فى المثال- (جمعا بين حقوق الناس و مراعاة للجميع) اى لكل اطراف الدعوى (و لو فى الجملة) باعطاء كل منهما نصف ما يدعيه بخلاف ما اذا اعطى الدار لاحدهما فان فيه تضييعا لحق من لم يعطه شيئا.

(و لعلّ هذا) الّذي ذكرناه من ان فى التبعيض جمعا لحقوق

ص: 79

هو السر فى عدم تخيير الحاكم عند تعارض اسباب حقوق الناس فى شي ء من الموارد.

و قد يستشكل ما ذكرنا تارة بعدم التعارض بينهما عند التحقيق، لان مرجع بينة النفى الى عدم وصول نظرها و حدسها الى الزيادة، فبينة الاثبات المدعية للزيادة، سليمة.

و اخرى بان الجمع فرع عدم اعتضاد احدى البيّنتين بمرجح، و اصالة البراءة هنا مرجحة للبيّنة الحاكمة بالاقل.

______________________________

الناس- و هو اولى من اعطاء الحق لاحدهما و حرمان الآخر- (هو السر فى عدم تخيير الحاكم) الشرعى (عند تعارض اسباب حقوق الناس فى شي ء من الموارد) «فى» متعلق ب «عدم تخيير» بل اللازم عليه الجمع.

(و قد يستشكل ما ذكرنا) من الجمع بين المقوّمين (تارة بعدم التعارض بينهما عند التحقيق) و الواقع و ان كان بينهما تعارض بحسب الظاهر (لان مرجع بينة النفى) الّذي يقول بان القيمة تسعون- مثلا- (الى عدم وصول نظرها و حدسها الى الزيادة) عن تسعين فى المثال (فبينة الاثبات المدعية للزيادة) و ان القيمة مائة (سليمة) عن المعارض فاللازم العمل على بينة الاثبات.

(و) تارة (اخرى بان الجمع) بين البيّنتين (فرع عدم اعتضاد احدى البيّنتين بمرجح) و الا قدمت على ما ليس لها مرجّح- كما هو الميزان فى باب التعادل و الترجيح- (و اصالة البراءة) عن الزائد (هنا مرجحة للبيّنة الحاكمة بالاقل) فتقدم بينة الاقل على بينة الاكثر، و هذا مقابل

ص: 80

و ثالثة بان فى الجمع مخالفة قطعية و ان كان فيه موافقة قطعية.

لكن التخيير الّذي لا يكون فيه الا مخالفة احتمالية اولى منه.

و يندفع الاول: بان المفروض ان بينة النفى تشهد بالقطع على نفى الزيادة واقعا، و ان بذل الزائد فى مقابل المبيع سفه.

و يندفع الثانى بما قررناه فى الاصول من ان الاصول الظاهرية

______________________________

الاشكال الاول الّذي حكم بتقدم بينة الاكثر.

(و ثالثة بان فى الجمع مخالفة قطعية) فى الجملة، لانه مخالف لكلتا البيّنتين، فأيّ منهما لا يقول بالتسعة، فاخذنا بالتسعة- فى مثال المصنف- مخالف لهما (و ان كان فيه) اى فى الجمع (موافقة قطعية) أيضا، لانه موافق لكل واحد منهما فى نصف كلامه.

(لكن التخيير الّذي لا يكون فيه الا مخالفة احتمالية) لانه اذا عملنا باحدهما احتملنا المخالفة، كما نحتمل الموافقة للواقع (اولى منه) اى من الجمع.

(و) لكن هذه الاشكالات كلها غير تامة.

اذ (يندفع الاول: بان المفروض) فى كلامنا الّذي نقول فيه بالجمع (ان بينة النفى تشهد بالقطع على نفى الزيادة واقعا) لا انه يقول: لم يصل نظره الى الزائد (و ان بذل الزائد فى مقابل المبيع سفه) لا يقدم عليه العقلاء.

(و يندفع الثانى بما قررناه فى الاصول من ان الاصول الظاهرية)

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 14، ص: 82

ص: 81

لا تصير مرجحة للادلة الاجتهادية، بل تصلح مرجعا فى المسألة لو تساقط الدليلان من جهة ارتفاع ما هو مناط الدلالة فيهما لاجل التعارض، كما فى الظاهرين المتعارضين، كالعامّين من وجه المطابق

______________________________

كالبراءة و الاحتياط و الاستصحاب و التخيير (لا تصير مرجحة للادلة الاجتهادية) اى الامارات و الطرق، و ذلك لان موضوع الاصول هو الشك و موضوع الطرق و الامارات هو الموضوع الواقعى و ان كان الشك اخذ ظرفا فيها.

و من المعلوم ان الشي ء بما هو هو- الّذي هو موضوع الطرق و الامارات- غير الشي ء بما هو مشكوك- الّذي هو موضوع الاصول- و ما نراه فى كتب الفقه من ذكرهم البراءة او الاستصحاب او الاحتياط فى عداد الادلة الاجتهادية، ليس ذاك الا لبيان ان المرجع فيه هذه الادلة، بعد عدم تمامية الادلة الاجتهادية (بل تصلح) البراءة (مرجعا فى المسألة لو تساقط الدليلان) المتعارضان (من جهة ارتفاع ما هو مناط الدلالة فيهما) و مناط الدلالة هو اصالة الظهور، و مراده من الدلالة الظهور.

و انما ترتفع اصالة الظهور (لاجل التعارض) فان العقلاء انما يعملون بالظاهر اذا لم يكن له معارض، فاذا كان معارضا بظاهر آخر لم يعمل العقلاء باىّ منهما (كما فى الظاهرين المتعارضين، كالعامّين من وجه) مثل: اكرم العلماء و لا تكرم الفساق المتعارضين فى العالم الفاسق حيث يشمله «اكرم» لانه عالم و «لا تكرم» لانه فاسق فيتساقطان (المطابق

ص: 82

احدهما للاصل، و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل.

و الحاصل ان بينة الزيادة تثبت امرا مخالفا للاصل، و معارضتها بالاخرى النافية لها لا يوجب سقوطها بالمرة، لفقد المرجح.

______________________________

احدهما للاصل) اى اصالة عدم وجوب الاكرام، فانا نرجع الى الاصل حينئذ بعد تساقطهما (و ما نحن فيه) اى البيّنتان المتعارضتان (ليس من هذا القبيل) اى من قبيل الظاهرين المتعارضين فى سقوط مناط الظهور فان الظهور مأخوذ فى موضوعه الشك بالواقع، فاذا علمنا بخلاف احد الظهورين، سقط الشك الّذي هو مناط الظهور فى احدهما- على الاجمال- و حيث لا ترجيح لاحدهما على الآخر، سقط الظهوران.

اما ما نحن فيه فان البينة تبقى على دلالتها على مفاد كلامها، و ان كانت معارضة ببيّنة اخرى.

و الحاصل: ان الظهور يسقط بالمعارضة، و البينة ظهورها لا يسقط بالمعارضة، و حيث ان البينة لا تسقط، فلا تصل النوبة الى الاصول.

(و الحاصل ان بينة الزيادة) التى تقول بانها تسوى مائة (تثبت امرا مخالفا للاصل) اذ الاصل عدم زيادة العشرة (و معارضتها بالاخرى) التى تقول انه بتسعين (النافية لها) اى للزيادة (لا يوجب سقوطها) اى سقوط الزيادة (بالمرة، لفقد المرجح) اى لان الزيادة لا مرجح لها، بخلاف النقيصة التى لها مرجح و المرجح هو الاصل، و «لفقد» علة ل «سقوط»

و انما لا يوجب لما عرفت من بقاء الظهور حتى مع المعارضة

ص: 83

فيجمع بين النفى و الاثبات بالنصفين.

و يندفع الثالث بان ترجيح الموافقة الاحتمالية غير المشتملة على المخالفة القطعية على الموافقة القطعية المشتملة عليها انما هو فى مقام الاطاعة و المعصية

______________________________

(ف) حيث لم تسقط بينة الزيادة (يجمع بين النفى) للعشرة (و الاثبات) لها (بالنصفين) نصف العشرة نعطيه لبينة الاثبات و نصف العشرة نعطيه لبينة النفى

(و يندفع الثالث) الّذي قال بان فى الجمع مخالفة قطعية، و الموافقة الاحتمالية اولى (بان ترجيح الموافقة الاحتمالية غير المشتملة على المخالفة القطعية) «غير» صفة «الموافقة» اى ترجيح عدم التنصيف فى العشرة (على الموافقة القطعية) باعطائه النصف، اى الخمسة (المشتملة) تلك الموافقة (عليها) اى على المخالفة القطعية لان الخمسة ليست موافقة لمن يقول بالعشرة الزائدة، و لا لمن يقول بعدم العشرة اصلا، فاذا اعطيناه خمسة و تسعين، فقد خالفنا كلتا البيّنتين.

فترجيح الاحتمال على القطع (انما هو فى مقام الاطاعة و المعصية) فالاطاعة الاحتمالية اولى من العصيان القطعى، فاذا علم بانه نذر اما ان يجلس فى المسجد طول النهار، او نذر ان لا يجلس فى المسجد طول النهار، فالاولى اما ان يجلس كل النهار او يترك كله، لا ان يجلس بعض النهار و يترك بعضه.

فالموافقة الاحتمالية المشتملة على المخالفة الاحتمالية، اولى من الموافقة القطعية فى نصف النهار المشتملة على المخالفة القطعية فى نصف

ص: 84

الراجعتين الى الانقياد و التجرى، حيث ان ترك التجرى اولى من تحصيل العلم بالانقياد بخلاف مقام احقاق حقوق الناس، فان مراعات الجميع اولى من اهمال احدهما رأسا، و ان اشتمل على اعمال الآخر، اذ ليس الحق فيها لواحد معين كما فى حقوق اللّه سبحانه.

______________________________

النهار (الراجعتين الى الانقياد) فى الموافقة الاحتمالية (و التجرى) فى المخالفة الاحتمالية (حيث ان ترك التجرى) فى نصف النهار (اولى من تحصيل العلم بالانقياد) فى نصف النهار.

و الحاصل: ان من يجلس نصف النهار فقط، فقد حصل له العلم بالانقياد فى نصف النهار، و لكن أيضا تجرّى فى نصف النهار بالعصيان اما اذا تلبس اما بالجلوس او بالترك، فلم يقطع بالتجرى، فامره دائر بين ان يجلس النصف حتى يكون متجريا قطعا، او ان يلتبس باحدهما حتى لا يقطع بالتجرى، و الاول اولى بنظر العقلاء.

اقول: و عندى فى ذلك نظر اذ لم نحرز من العقلاء الاولوية (بخلاف مقام احقاق حقوق الناس، فان مراعات الجميع اولى من اهمال احدهما رأسا، و ان اشتمل) اهمال احدهما رأسا (على اعمال الآخر) كلا.

فوجه الفرق بين حق الله و حق الناس (اذ ليس الحق فيها) اى فى حقوق الناس (لو احد معين) حتى يتحقق الانقياد له على كل تقدير اى بترك الكل او فعل الكل (كما فى حقوق الله سبحانه) حيث ان الحق لواحد

اما على ما نختاره فالجمع فى حقوق الناس لما ذكر، و التخيير بين الجمع او الانقياد الاحتمالى يكون فى حقوق الله تعالى.

ص: 85

ثم ان قاعدة الجمع حاكمة على دليل القرعة لان المأمور به هو العمل بكل من الدليلين، لا بالواقع المردّد بينهما، اذ قد يكون كلاهما مخالفا للواقع.

فهما سببان مؤثران- بحكم الشارع- فى

______________________________

ففى مثال النذر له ان يجلس فى كل النهار و له ان يترك فى كل النهار، و له ان يجلس بعضا و يترك بعضا- حسب ما نراه من بناء العقلاء فى مثل هذه الموارد المشكوكة-.

(ثم ان قاعدة الجمع حاكمة على دليل القرعة) فلا مجال للقرعة بعد الجمع (لان المأمور به هو العمل بكل من الدليلين) اذا دلة البيّنة تشملهما (لا بالواقع المردّد بينهما) و دليل القرعة انما يأتى فيما اذا كان هناك واقع مردّد يجب العمل به، و فى مقامنا نشكّ فى انه هل هناك واقع بين البيّنتين، أم لا؟ (اذ قد يكون كلاهما مخالفا للواقع) و القيمة الحقيقية ثمانون او مائة و عشرون فلا واقع بين البيّنتين حتى تكون القرعة كاشفة عنه.

اللهم الا ان يقال ان لفظ «مشكل» فى دليل القرعة يشمل الواقع المردّد و المقام الّذي يحتمل انه لا واقع بينهما، مع ان له واقعا قطعا و لا واقع له اصلا كما اذا اطلق إحداهن بصيغة المجهول، كما قال به جمع من الفقهاء حيث يعينها بالقرعة، او اقرع لطلاق واحدة فيمن اسلم عن خمس

(ف) ان قلت: اذا لم يكن واقع بينهما فكيف تكون البينة واجبة الاتباع، و هل تكون البينة الا طريقا الى كشف الواقع المجهول.

قلت: (هما) اى البيّنتان (سببان مؤثران- بحكم الشارع- فى

ص: 86

حقوق الناس، فيجب مراعاتها و اعمال اسبابها بقدر الامكان، اذ لا ينفع توفية حق واحد مع اهمال حق الآخر رأسا على النهج الّذي ذكرنا من التنصيف فى المبيع.

ثم ان المعروف فى الجمع بين البيّنات الجمع بينهما فى قيمتى الصحيح فيؤخذ من القيمتين للصحيح نصفهما، و من الثلث ثلثهما و من

______________________________

حقوق الناس) فالبيّنة لها موضوعية لا طريقية (فيجب مراعاتها) اى مراعات حقوق الناس (و اعمال اسبابها) اى اسباب الحقوق، و من تلك الاسباب البيّنة (بقدر الامكان) و القدر الممكن هنا التنصيف (اذ لا ينفع) فى باب مراعات حقوق الناس كلهم (توفية حق واحد) من الطرفين، بان نقول ان القيمة مائة، او نقول: ان القيمة تسعون، ففى كل واحد منهما توفية حق واحد (مع اهمال حق الآخر رأسا على النهج الّذي ذكرنا من التنصيف فى المبيع).

فاذا قلنا ان القيمة مائة و الارش العشر، كان اللازم اعادة عشرة و هذا يوجب اهمال حق البائع.

و اذا قلنا ان القيمة تسعون كان اللازم اعادة تسعة، و هذا يوجب اهمال حق المشترى، بخلاف ما اذا اعدنا تسعة و نصف، فانه جمع بين الحقين، كما لا يخفى.

(ثم ان المعروف) بين الفقهاء (فى الجمع بين البيّنات الجمع بينهما فى قيمتى الصحيح) او قيمة المعيب (فيؤخذ من القيمتين للصحيح نصفهما، و من الثلث ثلثها و من

ص: 87

الاربع ربعهما و هكذا فى المعيب ثم يلاحظ النسبة بين المأخوذ للصحيح، و بين المأخوذ للمعيب، و يؤخذ بتلك النسبة، فاذا كان احدى قيمتى الصحيح اثنى عشر و الاخرى ستة و احدى قيمتى المعيب أربعة و الاخرى اثنين اخذ للصحيح تسعة، و للمعيب ثلاثة، و التفاوت بالثلثين فيكون الارش ثلثي الثمن.

و يمكن أيضا على وجه التنصيف فيما به التفاوت بين القيمتين بان تعمل فى نصفه

______________________________

الاربع ربعهما و هكذا) من الخمس خمسهما الى ما فوق و يؤخذ (فى المعيب) بعد الجمع بين قيم المعيب (ثم يلاحظ النسبة بين المأخوذ للصحيح، و بين المأخوذ للمعيب، و يؤخذ) الارش (بتلك النسبة، فاذا كان احدى قيمتى الصحيح اثنى عشر) حسب تقويم احدى البيّنتين (و الاخرى) للصحيح (ستة) حسب تقويم البيّنة الثانية (و) كانت (احدى قيمتى المعيب أربعة) سواء حدّدتها احدى البيّنتين المقوّمتين للصحيح او بينة خارجية (و الاخرى اثنين اخذ) فى مقام الارش (للصحيح تسعة) نصف مجموع اثنى عشر و ستة (و للمعيب ثلاثة) نصف مجموع أربعة و اثنين (و التفاوت) بين الصحيح و المعيب (بالثلثين فيكون الارش ثلثي الثمن) سواء كان الثمن بقدر احدى القيم التى ذكرتها البيّنة، أم لا، مثل ان تكون القيمة خمسة عشر.

(و يمكن أيضا) معرفة الارش بوجه آخر، و هو (على وجه التنصيف فيما به التفاوت بين القيمتين بان تعمل فى نصفه) اى نصف المبيع

ص: 88

بقول المثبت للزيادة، و فى نصفه الآخر بقول النافي فاذا قومه إحداهما باثنى عشر و الاخرى بثمانية اخذ فى نصف الاربعة بقول المثبت و فى نصفها الآخر بقول النافي جمعا بين حقى البائع و المشترى

______________________________

(بقول المثبت للزيادة، و فى نصفه الآخر بقول النافي) للزيادة (فاذا قومه إحداهما) اى احدى البينتين (باثنى عشر و) البينة (الاخرى بثمانية اخذ فى نصف الاربعة) و هى مقدار التفاوت بين الصحيح على البينة الاولى، و الصحيح على البينة الثانية (بقول المثبت) الّذي يقول ان القيمة اثنى عشر (و فى نصفها الآخر بقول النافي) الّذي يقول ان القيمة ثمانية

و معنى ذلك ان نجعل قيمة البضاعة عشرة، و نضيف على الثمانية اثنين، و ننقص من الاثنى عشر اثنين فتكون قيمة الصحيح عشرة (جمعا بين حقى البائع) الّذي يريد اعطاء ارش اقل (و المشترى) الّذي يريد ان يأخذ ارشا اكثر.

مثلا: اذا قوم الصحيح احدهما اثنا عشر، و الآخر بثمانية و قوم المعيب احدهما عشرة، و الآخر أربعة.

فعلى الطريقة الاولى نجمع بين الاثنى عشر و الثمانية فيصير عشرين، و نصفه عشرة، فالعشرة قيمة الصحيح، و نجمع بين العشرة و الاربعة فيصير أربعة عشر و نصفه سبعة و النسبة بين العشرة و بين السبعة ثلاثة اعشار، فيرد البائع على المشترى ثلاثة اعشار الثمن.

و على الطريقة الثانية نجعل القيمة للصحيح عشرة حيث نعطى نصف الاربعة الى الثمانية، و ننقص نصف الاربعة من الاثنى عشر و نجعل القيمة

ص: 89

لكن الاظهر هو الجمع على النهج الاول.

و يحتمل الجمع بطريق آخر، و هو ان يرجع الى البينة فى مقدار التفاوت و يجمع بين البيّنات فيه من غير ملاحظة القيم، و هذا منسوب الى الشهيد قدس سره على ما فى الروضة.

و حاصله قد يتحد مع طريق المشهور كما فى المثال المذكور، فان التفاوت بين الصحيح و المعيب على قول كل من البيّنتين بالثلثين، كما ذكرنا فى الطريق الاول.

______________________________

للمعيب سبعة حيث نضيف نصف الستة الى الاربعة، و ننقص نصف الستة عن العشرة، فيرد البائع على المشترى ثلاثة اعشار الثمن أيضا.

و قد عرفت ان لا فرق بينهما فى النتيجة- هذا كله هو الجمع بطريق المشهور، لكن باسلوبين- (لكن الاظهر هو الجمع على النهج الاول).

(و يحتمل الجمع بطريق آخر، و هو ان يرجع الى البينة فى مقدار التفاوت) بين صحيح و صحيح آخر، و التفاوت بين معيب و معيب آخر (و يجمع بين البيّنات فيه) اى فى التفاوت (من غير ملاحظة القيم) لا قيمة الصحيح و لا قيمة المعيب (و هذا منسوب الى الشهيد قدس سره على ما فى الروضة).

(و حاصله) اى حاصل هذا الجمع (قد يتحد مع طريق المشهور كما فى المثال المذكور، فان التفاوت بين الصحيح و المعيب على قول كل من البيّنتين) اى بينة الزيادة، و بينة النقيصة (بالثلثين، كما ذكرنا فى الطريق الاول) و هو طريق المشهور، فالتفاوت بين الاثنى عشر و الثمانية بالثلثين

ص: 90

و قد يختلفان كما اذا كانت احدى قيمتى الصحيح اثنى عشر، و الاخرى ثمانية، و قيمة المعيب على الاول عشرة، و على الثانى خمسة.

فعلى الاول يؤخذ نصف مجموع قيمتى الصحيح اعنى العشرة، و نصف قيمتى المعيب، و هو سبعة و نصف، فالتفاوت بالربع، فالارش ربع الثمن اعنى ثلاثة من اثنى عشر- لو فرض الثمن اثنى عشر-.

و على الثانى يؤخذ التفاوت بين الصحيح و المعيب على احدى البيّنتين بالسدس.

______________________________

و كذلك التفاوت بين الستة و الاثنين أيضا بالثلثين.

(و قد يختلفان) فالارش بطريق المشهور يزيد او ينقص عن الارش بطريق الشهيد (كما اذا كانت احدى قيمتى الصحيح اثنى عشر، و) القيمة (الاخرى ثمانية، و قيمة المعيب على الاول عشرة، و على الثانى خمسة)

(ف) اما (على الاول) اى على تقويم المشهور (يؤخذ نصف مجموع قيمتى الصحيح) و (اعنى) بالنصف (العشرة، و) يؤخذ (نصف قيمتى المعيب، و هو) اى النصف (سبعة و نصف، فالتفاوت) بين عشرة و بين سبعة و نصف (بالربع، فالارش ربع الثمن اعنى ثلاثة من اثنى عشر- لو فرض الثمن اثنى عشر-).

(و) اما (على الثانى) و هو طريق الشهيد (يؤخذ التفاوت بين الصحيح و المعيب على احدى البيّنتين بالسدس) لان التفاوت بين اثنى عشر، و بين عشرة: السدس.

ص: 91

و على الاخرى ثلاثة اثمان، و ينصف المجموع اعنى ستة و نصفا، من اثنى عشر جزءا، و يؤخذ نصفه و هو ثلاثة و ربع، و قد كان فى الاول ثلاثة، و قد ينقص عن الاول.

كما اذا اتفقا على ان قيمة المعيب ستة، و قال إحداهما قيمة الصحيح ثمانية، و قال الاخرى عشرة.

فعلى الاول يجمع القيمتان و يؤخذ نصفهما

______________________________

(و على) البينة (الاخرى ثلاثة اثمان) لان التفاوت بين ثمانية و خمسة ثلاثة اثمان (و ينصف المجموع) اى مجموع التفاوتين (اعنى ستة و نصفا، من اثنى عشر جزءا) اذ ثلاثة اثمان اثنى عشر، أربعة و نصف، و سدس اثنى عشر اثنان، فالمجموع ستة و نصف من اثنى عشر (و يؤخذ نصفه) اى نصف مجموع التفاوت (و هو ثلاثة و ربع) فاللازم ان يدفع البائع الى المشترى ثلاثة و ربع، اذا كان الثمن اثنى عشر- حسب الفرض- (و قد كان) الارش (فى الاول) و هو حساب المشهور (ثلاثة) فقد زاد الارش على حساب الشهيد عن الارش على حساب المشهور بالربع اى ربع نصف السدس فى هذا المثال (و قد ينقص) الارش على حساب الشهيد (عن الاول) الّذي هو الارش على حساب المشهور.

(كما اذا اتفقا) اى البيّنتان (على ان قيمة المعيب ستة، و قال إحداهما قيمة الصحيح ثمانية، و قال الاخرى عشرة).

(فعلى الاول) الّذي هو حساب المشهور (يجمع القيمتان و يؤخذ نصفهما) اى نصف الصحيحين- و هما ثمانية و عشرة- فيكون نصفهما

ص: 92

تسعة و نسبته الى الستة بالثلث.

و على الثانى يكون التفاوت على احدى البيّنتين ربعا.

و على الاخرى خمسين فيؤخذ نصف الربع و نصف الخمسين فيكون ثمنا و خمسا و هو ناقص عن الثلث بنصف خمس.

______________________________

(تسعة) فهذا قيمة الصحيح (و نسبته الى الستة) التى هى قيمة المعيب (بالثلث) فاللازم ان يرد البائع الى المشترى ثلث الثمن، و هو أربعة- اذا فرضنا ان قيمة المبيع اثنى عشر-.

(و على الثانى) و هو حساب الشهيد (يكون التفاوت) بين الصحيح و المعيب (على احدى البيّنتين) و هى التى تقول: بان الصحيح ثمانية و المعيب ستة (ربعا) لان اثنين ربع الثمانية.

(و على) البينة (الاخرى خمسين) لانها قالت: الصحيح عشرة و المعيب ستة، و التفاوت بأربعة، و هى خمسان من العشرة (فيؤخذ نصف الربع) من اثنى عشر- حسب فرض انه قيمة المبيع- و هى واحد و نصف (و نصف الخمسين) اى الخمس، و هو اثنان و خمسان من اثنى عشر (فيكون ثمنا و خمسا) و المجموع ثلاثة و أربعة اخماس و نصف اى ثلاثة اعداد و تسعة اعشار (و هو) اى الارش على حساب الشهيد (ناقص عن الثلث) الّذي هو أربعة (بنصف خمس) اى واحد من عشرة.

و ان شئت قلت: ان الثمن اذا كان اثنى عشر دينارا، فالارش على حساب المشهور أربعة دنانير، و على حساب الشهيد ثلاثة دنانير و تسعمائة فلسا، لان كل دينار الف فلس.

ص: 93

[صور اختلاف المقومين]
اشارة

توضيح هذا المقام ان الاختلاف

[الاختلاف في الصحيح فقط]

اما ان يكون فى الصحيح فقط مع اتفاقهما على المعيب.

و اما ان يكون فى المعيب فقط.

و اما ان يكون فيهما، فان كان فى الصحيح فقط كما فى المثال الاخير، فالظاهر التفاوت بين الطريقين دائما، لانك قد عرفت ان الملحوظ على طريق المشهور نسبة المعيب الى مجموع نصفى قيمتى الصحيح

______________________________

(توضيح هذا المقام) و انه فى اى مورد يكون حساب المشهور و الشهيد متساويين، و فى اى مورد يزيد حساب المشهور على حساب الشهيد و فى اى مورد ينقص حساب المشهور عن حساب الشهيد (ان الاختلاف) بين المقوّمين على ثلاثة اقسام.

ف (اما) الاوّل (ان يكون فى الصحيح فقط مع اتفاقهما على المعيب)

(و اما) الثانى: (ان يكون) الاختلاف (فى المعيب فقط) مع اتفاقهما على الصحيح.

(و اما) الثالث: (ان يكون) الاختلاف (فيهما) اى فى الصحيح، و المعيب (فان كان) الاختلاف (فى الصحيح فقط) و هو القسم الاول (كما فى المثال الاخير) و هو ما اذا اتفقتا على ان قيمة المعيب ستة، و قالت إحداهما ان قيمة الصحيح ثمانية، و قالت الاخرى عشرة (فالظاهر التفاوت بين الطريقين دائما) و هما طريق الشهيد و طريق المشهور (لانك قد عرفت ان الملحوظ على طريق المشهور نسبة المعيب) الواحد لفرض اتفاقهما فى المعيب (الى مجموع نصفى قيمتى الصحيح

ص: 94

المجعول قيمة متنزعة و على الطريق الآخر نسبة المعيب الى كل من من القيمتين المستلزمة لملاحظة اخذ نصفه مع نصف الآخر ليجمع بين البيّنتين فى العمل.

و المفروض فى هذه الصورة ان نسبة المعيب الى مجموع نصفى قيمتى الصحيح

______________________________

المجعول قيمة منتزعة) «المجعول» صفة «مجموع» (و على الطريق الآخر) اى طريق الشهيد (نسبة المعيب الى كل من القيمتين) فالمعيب تارة ينسب الى هذا الصحيح، و تارة اخرى ينسب الى ذلك الصحيح (المستلزمة لملاحظة اخذ نصفه) اى نصف حاصل النسبة الاولى (مع نصف الآخر) اى مع نصف حاصل النسبة الثانية (ليجمع بين البينتين فى العمل).

فمثلا: قوم احدهما الصحيح بأربعة، و قومه الآخر بخمسة، و كلاهما قوما المعيب بثلاثة.

فعلى المشهور يجمع بين الاربعة و الخمسة، و ينصف فيصير أربعة و نصف، فينسب الثلاثة الى الاربعة و النصف.

و على طريقة الشهيد ينسب الواحد و النصف الى اثنين مرة و ينسب الواحد و النصف باثنين و نصف مرة اخرى، و النسبة الاولى ثلاثة ارباع و النسبة الثانية ثلاثة اخماس، فيجمع بين نصف ثلاثة ارباع، و نصف ثلاثة اخماس.

(و المفروض فى هذه الصورة) اى القسم الاول الّذي هو وحدة المعيب و تعدد الصحيح (ان نسبة المعيب الى مجموع نصفى قيمتى الصحيح)

ص: 95

التى هى طريقة المشهور، مخالفة لنسبة نصفه الى كل من النصفين لان نسبة الكل الى الكل تساوى نسبة نصفه الى كل من نصفى ذلك الكل و هو الاربعة و النصف فى المثال، لا الى كل من النصفين المركب منهما ذلك الكل، كالاربعة و الخمسة بل النصف

______________________________

كنسبة الثلاثة الى الاربعة و النصف- فى مثالنا- (التى هى طريقة المشهور، مخالفة لنسبة نصفه) اى نصف المعيب، كواحد و نصف- فى مثالنا- (الى كل من النصفين) اى الى اثنين و نصف مرة، و الى اثنين مرة اخرى.

و انما كانت مخالفة (لان نسبة الكل الى الكل تساوى نسبة نصفه الى كل من نصفى ذلك الكل).

فمثلا: نسبة الاربعة الى العشرة تساوى نسبة الاثنين الى خمسة مرة، و الى خمسة أيضا مرة اخرى، فان أربعة اعشار تساوى خمسين لخمسة، و خمسين لخمسة اخرى (و هو) اى كل من نصفى ذلك الكل (الاربعة و النصف فى المثال) و هو مثال المصنف، و هو ان قيمة المعيب ستة على كلا القولين و ان قيمة الصحيح ثمانية على قول إحداهما و عشرة على قول الاخرى.

فنسبة الاربعة الى التسعة تساوى نسبة الثلاثة الى كل من أربعة و نصف و أربعة و نصف (لا الى كل من النصفين المركب منهما ذلك الكل) اى كل من البعضين و هما (كالاربعة و الخمسة)- فى مثال المصنف- و المركب منهما ذلك الكل هو تسعة، لانهار كبت من الاربعة و الخمسة.

و انما قلنا «لا» لما اشار إليه بقوله: (بل) نسبة (النصف) اى الثلاثة

ص: 96

المنسوب الى احد بعض المنسوب إليه كالاربعة نسبة مغايرة لنسبته الى البعض الآخر اعنى الخمسة، و هكذا غيره من الامثلة.

[الاختلاف في المعيب فقط]

و ان كان الاختلاف فى المعيب فقط فالظاهر عدم التفاوت بين الطريقين ابدا لان نسبة الصحيح الى نصف مجموع قيمتى المعيب- على ما هو طريق المشهور- مساوية لنسبة نصفه الى نصف إحداهما

______________________________

- فى مثال المصنف- (المنسوب الى احد بعض المنسوب إليه) و المنسوب إليه هو تسعة، واحد بعضه (كالاربعة) فنسبة الثلاثة إليها (نسبة مغايرة لنسبته الى البعض الآخر اعنى الخمسة).

اذ نسبة الثلاثة الى الاربعة ثلاثة ارباع، و نسبة الثلاثة الى الخمسة ثلاثة اخماس.

لكن لا يخفى ان هذا الدليل غير كاف فى افادة الكلية، فاثبات الكلية بحاجة الى الاستقراء، او الى دليل آخر.

فقوله: (و هكذا غيره من الامثلة) يحتاج الى احد الامرين من الاستقراء او الدليل القطعى.

(و ان كان الاختلاف) بين المقوّمين (فى المعيب فقط) مع اتفاقهما على الصحيح (فالظاهر عدم التفاوت بين الطريقين) و هما طريق المشهور و طريق الشهيد (ابدا، لان نسبة الصحيح) المتّفق عليه (الى نصف مجموع قيمتى المعيب- على ما هو طريق المشهور-) حيث يجمعون قيمتى المعيب و ينصفونهما، و ينسبون الصحيح الى ذلك النصف (مساوية لنسبة نصفه) اى نصف الصحيح (الى نصف إحداهما) اى احدى القيمتين

ص: 97

و نصفه الآخر الى نصف الاخرى، كما اذا اتفقا على كون الصحيح اثنى عشر، و قالت إحداهما المعيب ثمانية، و قالت الاخرى ستة فان تفاوت السبعة و الاثنى عشر الّذي هو طريق المشهور مساو لنصف مجموع تفاوتى الثمانية الاثنى عشر و الستة مع الاثنى عشر، لان نسبة الاولين بالثلث و الآخرين بالنصف و نصفهما السدس و الربع.

و هذا بعينه تفاوت السبعة و

______________________________

للمعيب (و) نسبة (نصفه الآخر) اى النصف الثانى للصحيح (الى نصف) القيمة (الاخرى) للمعيب.

و ذلك (كما اذا اتفقا على كون الصحيح اثنى عشر، و) اختلفا فى المعيب، ف (قالت إحداهما المعيب ثمانية، و قالت الاخرى) المعيب (ستة)- فمجموعهما أربعة عشر، و نصفهما سبعة- (فان تفاوت السبعة) نصفى المعيبين (و الاثنى عشر) قيمة الصحيح (الّذي هو طريق المشهور) حيث ينسبون الصحيح الى نصف قيمة المعيبين (مساو لنصف مجموع تفاوتى الثمانية مع الاثنى عشر) فيكون تفاوت الثمانية مع الاثنى عشر بالثلث (و الستة مع الاثنى عشر) و يكون تفاوت الستة مع الاثنى عشر بالنصف (لان نسبة الاولين) اى الثمانية و الاثنى عشر (بالثلث) فان الثمانية تنقص عن الاثنى عشر بمقدار ثلث الاثنى عشر (و) نسبة (الآخرين) و هما الستة و الاثنى عشر (بالنصف) فان الستة نصف الاثنى عشر (و نصفهما) اى الاولين و الآخرين (السدس و الربع).

(و) من المعلوم ان (هذا) السدس و الربع (بعينه تفاوت السبعة و

ص: 98

الاثنى عشر.

[الاختلاف في الصحيح و المعيب معا]

و ان اختلفا فى الصحيح و المعيب فان اتحدت النسبة بين الصحيح و المعيب على كلتا البيّنتين فيتحد الطريقان دائما، كما اذا قوّمه إحداهما صحيحا باثنى عشر و معيبا بستة، و قوّمه الاخرى صحيحا بستة و معيبا بثلاثة فان نصف الصحيحين اعنى التسعة تفاوته مع نصف مجموع المعيبين و هو الاربعة و نصف

______________________________

الاثنى عشر) اذ سدس الاثنى عشر و ربعه: خمسة، و التفاوت بين السبعة و الاثنى عشر، خمسة أيضا.

و لا يخفى ان هذه الكلية التى ذكرها المصنف تحتاج الى الدليل او الاستقراء.

(و ان اختلفا) المقومان (فى الصحيح و المعيب) معا فهو على قسمين فسم يتحد طريق المشهور و طريق الشهيد.

و قسم يختلفان فى النتيجة (فان اتحدت النسبة بين الصحيح و المعيب على كلتا البيّنتين) كما اذا كان كل صحيح ضعف المعيب، او كان كل معيب ثلثي الصحيح- مثلا- (فيتّحد الطريقان) و هما طريق المشهور و طريق الشهيد (دائما، كما اذا قوّمه إحداهما صحيحا باثنى عشر و معيبا بستة، و قوّمه) البيّنة (الاخرى صحيحا بستة، و معيبا بثلاثة) فان كل صحيح ضعف المعيب- على كلا التقويمين- (فان نصف الصحيحين) اى الاثنى عشر و الستة (اعنى التسعة تفاوته مع نصف مجموع المعيبين) اى الستة و الثلاثة (و هو الاربعة و نصف) فان هذه

ص: 99

عين نصف تفاوتى الاثنى عشر مع الستة، و الستة مع الثلاثة.

و الحاصل: ان كل صحيح ضعف المعيب، فيلزمه كون نصف الصحيحين ضعف نصف المعيبين.

و ان اختلفت النسبة فقد يختلف الطريقان و قد يتحدان، و قد تقدم مثالهما فى اوّل المسألة.

______________________________

النسبة- على طريق المشهور- (عين) النسبة على طريق الشهيد، و هو (نصف تفاوتى الاثنى عشر مع الستة) النصف (و الستة مع الثلاثة) النصف أيضا

(و الحاصل: ان كل صحيح ضعف المعيب، فيلزمه كون نصف الصحيحين ضعف نصف المعيبين) فالصحيحان هما اثنى عشر و ستة و جمعها ثمانية عشر و نصفها تسعة و المعيبان هما الستة و الثلاثة و نصفهما أربعة و نصف.

و من المعلوم ان التسعة ضعف الاربعة و النصف.

(و ان اختلفت النسبة) بين الصحيح و المعيب على كلتا البيّنتين كما اذا قوّمت إحداهما الصحيح باثنى عشر و المعيب بستة و قوّمت الاخرى الصحيح بعشرة و المعيب بثمانية (فقد يختلف الطريقان) اى طريق المشهور عن طريق الشهيد (و قد يتحدان، و قد تقدم مثالهما فى اوّل المسألة) فراجع.

و قد عرفت أيضا ان الكلّيات التى ذكرها المصنف بحاجة الى الاستقراء او الدليل القطعى.

ص: 100

ثم ان الاظهر، بل المتعيّن فى المقام هو الطريق الثانى المنسوب الى الشهيد قدس سرّه وفاقا للمحكى عن إيضاح النافع، حيث ذكر ان طريق المشهور ليس بجيّد و لم يذكر وجهه و يمكن ارجاع كلام الاكثر إليه كما سيجي ء.

و وجه تعيّن هذا الطريق ان اخذ القيمة من القيمتين على طريق المشهور او النسبة المتوسطة من النسبتين على الطريق الثانى.

اما للجمع بين البيّنتين باعمال كل منهما فى نصف العين- كما ذكرنا-.

______________________________

(ثم ان الاظهر) حسب الادلة (بل المتعيّن فى المقام هو الطريق الثانى المنسوب الى الشهيد قدس سرّه وفاقا للمحكى عن إيضاح النافع، حيث ذكر ان طريق المشهور) فى باب التقويم (ليس بجيّد و) لكن (لم يذكر وجهه) اى وجه انه ليس بجيد (و يمكن ارجاع كلام الاكثر إليه) اى الى طريق الشهيد (كما سيجي ء) وجه الارجاع.

(و وجه) ما ذكرناه من (تعيّن هذا الطريق ان اخذ القيمة من القيمتين) اى نصف القيمتين (على طريق المشهور او النسبة المتوسطة من النسبتين على الطريق الثانى) للمشهور أيضا هذا ما ذكره قبلا بقوله «و يمكن أيضا»- قبل قوله: و يحتمل الجمع ... الى قوله منسوب الى الشهيد، فراجع.

(اما للجمع بين البينتين باعمال كل منهما فى نصف العين- كما ذكرنا-) فنأخذ بنصف احدى البيّنتين فى احد النصفين للعين، و نأخذ

ص: 101

و اما لاجل ان ذلك توسط بينهما لاجل الجمع بين الحقين بتنصيف ما به التفاوت نفيا و اثباتا على النهج الّذي ذكرناه اخيرا فى الجمع بين البيّنتين، كما يحكم بتنصيف الدرهم الباقى من الدرهمين المملوكين لشخصين اذا ضاع احدهما المردّد بينهما من عند الودعى، و لم تكن

______________________________

بنصف البينة الثانية فى النصف الثانى للعين.

(و اما لاجل ان ذلك) اى طريق المشهور (توسط بينهما) فلا نعمل، لا بهذه البينة و لا بتلك، و انما نأخذ بالاوسط بينهما.

فانه اذا قال احدهما ان القيمة اثنى عشر، و قال الثانى انها ثمانية نأخذ القيمة المتوسطة بينهما اى عشرة فانها دون اثنى عشر باثنين و فوق ثمانية باثنين.

و انما نفعل ذلك (لاجل الجمع بين الحقين) و هما حق البائع و حق المشترى (بتنصيف ما به التفاوت) و هو أربعة فى المثال (نفيا) لان احدى البيّنتين تنفى الاربعة (و اثباتا) حيث تثبت الاربعة البيّنة الثانية (على النهج الّذي ذكرناه اخيرا فى الجمع بين البيّنتين) حيث قلنا «و يمكن أيضا» قبل قوله «و يحتمل الجمع ... الى قوله منسوب الى الشهيد».

و قوله «على» متعلق بقوله «و اما لاجل ان ذلك».

ثم مثل لتنصيف الاربعة بقوله: (كما يحكم بتنصيف الدرهم الباقى من الدرهمين المملوكين لشخصين اذا ضاع احدهما المردّد) ذلك الضائع (بينهما) اى بين درهم زيد او درهم عمرو (من عند الودعى) «من» متعلق ب «ضاع» (و لم تكن

ص: 102

هنا بينة تشهد لاحدهما بالاختصاص، بل و لا ادعى احدهما اختصاصه بالدرهم الموجود.

فعلى الاول فاللازم و ان كان هو جمع نصفى قيمتى الصحيح و المعيب- كما فعله المشهور-

______________________________

هنا بينة تشهد لاحدهما بالاختصاص) و ان الدرهم خاص بزيد او عمرو (بل و لا ادعى احدهما اختصاصه بالدرهم الموجود) فان التنصيف مقتضى قاعدة العدل و الانصاف.

و ذلك كما اذا علمنا نحن بانفسنا- بدون البيّنة- ان قيمة الصحيح اما ثمانية او اثنى عشر، فانه لا جمع بين البيّنتين حينئذ، و انما اللازم الاخذ بعشرة بمقتضى قاعدة العدل و الانصاف.

(فعلى الاول) اى يرد على ما ذكره بقوله: اما للجمع بين البيّنتين ان جمع النصفين- اى نصف ثمانية و نصف اثنى عشر- تام، اما نسبة هذا المجموع الى المعيب غير تام، بل اللازم نسبة أربعة الى نصف المعيب، و نسبة ستة الى نصفه الآخر، اما نسبة الكل الى الكل، فذلك يقتضي ان ننسب الاربعة الى كلا نصفى المعيب، و الحال ان الاربعة كانت منسوبة الى النصف، لا الى الكل.

و يوضح ذلك ان النصفين اذا كانا لشخصين، فان صحيح كل نصف مربوط بنفس ذلك النصف، لا بالنصف الآخر الّذي هو ملك لانسان آخر (فاللازم و ان كان هو جمع نصفى قيمتى الصحيح و المعيب) اذا كان للصحيح قيمتان، و للمعيب قيمتان (- كما فعله المشهور-) من الجمع

ص: 103

بان يجمع الاثنى عشر و الثمانية المفروضتان قيمتين للصحيح فى المثال المتقدم، و يؤخذ نصف إحداهما قيمة نصف المبيع، صحيحا، و نصف الاخرى قيمة للنصف الآخر منه.

و لازم ذلك كون تمامه بعشرة، و يجمع قيمتا المعيب اعنى العشرة و الخمسة، و يؤخذ لكل نصف من المبيع المعيوب نصف من احدهما.

و لازم ذلك كون تمام المبيع بسبعة و نصف، الا انه لا ينبغى ملاحظة نسبة المجموع من نصفى احدى القيمتين اعنى العشرة الى المجموع من نصف

______________________________

(بان يجمع الاثنى عشر و الثمانية المفروضتان قيمتين للصحيح) حسب تقويم البيّنتين (فى المثال المتقدم، و يؤخذ نصف إحداهما) كستة مثلا (قيمة نصف المبيع) فى حالكون المبيع (صحيحا، و نصف) القيمة (الاخرى) كاربعة مثلا (قيمة للنصف الآخر منه).

(و لازم ذلك) اى لازم ان نصفه بستة و نصفه بأربعة (كون تمامه بعشرة، و) كذلك (يجمع قيمتا المعيب اعنى العشرة و الخمسة) حسب ما قوّمه مقوّماه (و يؤخذ لكل نصف من المبيع المعيوب نصف من احدهما) فلنصف المعيوب خمسة، و لنصفه الآخر اثنان و نصف.

(و لازم ذلك) الجمع بين النصفين المعيبين (كون تمام المبيع بسبعة و نصف الا انه) «الا» متعلق بقوله «فاللازم و ان كان» و هذا شروع فى الاشكال على طريقة المشهور (لا ينبغى ملاحظة نسبة المجموع من نصفى احدى القيمتين) المراد بالقيمتين: قيمة الصحيح، و قيمة المعيب (اعنى العشرة) فانها نصفان لقيمة الصحيح نصفه ستة، و نصفه أربعة (الى المجموع من نصف) القيمة

ص: 104

الاخرى اعنى سبعة و نصفا،- كما نسب الى المشهور- لانه اذا فرض لكل نصف من المبيع قيمة تغاير قيمة النصف الآخر، وجب ملاحظة التفاوت بالنسبة الى كل من النصفين، صحيحا و معيبا، و اخذ الارش لكل نصف على حسب تفاوت صحيحه و معيبه.

فالعشرة ليست قيمة لمجموع الصحيح، الا باعتبار ان نصفه مقوّم بستة و نصفه الآخر بأربعة، و كذا السبعة و النصف ليست قيمة لمجموع

______________________________

(الاخرى) اى المعيب (اعنى سبعة و نصفا) فانها نصفان لقيمة المعيب نصفه خمسة، و نصفه اثنان و نصف (- كما نسب الى المشهور-) حيث ينسبون الكل الى الكل.

و انما لا يصح نسبة الكل الى الكل (لانه اذا فرض لكل نصف من المبيع قيمة تغاير قيمة النصف الآخر) فنصفه ستة و نصفه أربعة- صحيحا- و نصفه خمسة، و نصفه اثنان و نصف- معيبا- (وجب ملاحظة التفاوت بالنسبة الى كل من النصفين، صحيحا و معيبا) بان ننسب ستة الى خمسة و ننسب أربعة الى اثنين و نصف (و اخذ الارش لكل نصف على حسب تفاوت صحيحه و معيبه) فارش النصف الاول السدس، و ارش النصف الثانى ثلاثة اثمان، لا ان ننسب العشرة الى سبعة و نصف، و نقول ان الارش الربع.

(فالعشرة ليست قيمة لمجموع الصحيح، الا باعتبار ان نصفه) اى نصف الصحيح (مقوّم)- بصيغة المفعول- اى قوّم البينة نصفه (بستة، و نصفه الآخر) مقوّم (بأربعة و كذا السبعة و النصف ليست قيمة لمجموع

ص: 105

المعيب الا باعتبار ان نصفه مقوّم بخمسة، و نصفه الآخر باثنين و نصف، فلا وجه لاخذ تفاوت ما بين مجموع العشرة و السبعة و النصف، بل لا بدّ من اخذ تفاوت ما بين الاربعة و الاثنين و نصف لنصف منه، تفاوت ما بين الستة و الخمسة للنصف الآخر.

و توهم ان حكم شراء شي ء تغاير قيمتا نصفيه

______________________________

المعيب الا باعتبار ان نصفه) اى نصف المعيب (مقوّم) بصيغة المفعول (بخمسة، و نصفه الآخر) مقوّم (باثنين و نصف).

و حيث ان المجموع باعتبار كل نصف نصف (فلا وجه لاخذ تفاوت ما بين مجموع العشرة) اى قيمة الصحيح (و) ما بين (السبعة و النصف) اى قيمة المعيب (بل لا بدّ من اخذ تفاوت ما بين الاربعة) قيمة نصف الصحيح (و الاثنين و نصف) قيمة نصف المعيب (لنصف منه) اى من المبيع «لنصف» متعلق ب «اخذ» (و) لا بد من اخذ (تفاوت ما بين الستة) قيمة نصف الصحيح (و) ما بين (الخمسة) قيمة نصف المعيب (للنصف الآخر) من المبيع

و من المعلوم فرق فى النتيجة بين نسبة الكل الى الكل و بين نسبة البعض الى البعض.

(و) ان قلت: لا فرق بين نسبة الكل الى الكل، و نسبة البعض الى البعض- فكلا الامرين جائز- و ذلك كما اذا اشترى شيئين مختلفين فى القيمة صفقة واحدة، فان معيب الكل ينسب الى صحيح الكل.

قلت: (توهم ان حكم شراء شي ء تغاير قيمتا نصفيه) كما فيما نحن فيه اذ تقويم كل نصف حسب رأى بيّنة بمنزلة تغاير قيمة كل نصف عن النصف

ص: 106

حكم ما لو اشترى بالثمن الواحد مالين معيبين مختلفين فى القيمة صحيحا و معيبا، بان اشترى عبدا و جارية باثنى عشر فظهرا معيبين، و العبد يسوى أربعة صحيحا و اثنين و نصف معيبا، و الجارية تسوى ستة صحيحة و خمسة معيبة، فانه لا شك فى ان اللازم فى هذه الصورة ملاحظة مجموع قيمتى الصفقة صحيحة و معيبة اعنى العشرة و السبعة و النصف، و اخذ التفاوت و هو الربع من الثمن، و هو ثلاثة، اذا فرض الثمن اثنى عشر كما هو طريق المشهور فيما نحن فيه

______________________________

الآخر (حكم ما لو اشترى بالثمن الواحد) فى صفقة واحدة (مالين معيبين مختلفين فى القيمة صحيحا و معيبا) اى يختلف صحيح كل مال عن معيبه فى القيمة (بان اشترى عبدا و جارية باثنى عشر) دينارا فى صفقة واحدة (فظهرا معيبين، و) الحال ان (العبد يسوى أربعة صحيحا و اثنين و نصف معيبا، و الجارية تسوى ستة) فى حالكونها (صحيحة، و خمسة معيبة فانه لا شك) اذا اردنا ان نأخذ الارش (فى ان اللازم فى هذه الصورة ملاحظة مجموع قيمتى الصفقة صحيحة و معيبة اعنى) ملاحظة (العشرة و السبعة و النصف، و اخذ التفاوت و هو الربع من الثمن) لان سبعة و نصف اقل من العشرة بالربع (و هو ثلاثة) دنانير (اذا فرض الثمن اثنى عشر).

و انما لا نشك فى ذلك لان الصفقة واحدة فلا وجه لتجزئتها الى الابعاض (كما هو طريق المشهور فيما نحن فيه) من اختلاف المقوّمين.

فاللازم ان نقول: ان حال اختلاف المقومين حال اختلاف ابعاض

ص: 107

مدفوع بان الثمن فى المثال لما كان موزعا على العبد و الجارية بحسب قيمتهما فاذا اخذ المشترى ربع الثمن ارشا فقد اخذ للعبد ثلاثة اثمان قيمته و للجارية سدسها

______________________________

الصفقة الواحدة فى ملاحظة المجموع و نسبته الى المجموع اذا اريد اخذ الارش

فهذا التوهم (مدفوع بان الثمن فى المثال لما كان موزعا على العبد و الجارية بحسب قيمتها فاذا اخذ المشترى ربع الثمن ارشا) اى ثلاثة من اثنى عشر (فقد اخذ للعبد ثلاثة اثمان قيمته، و للجارية سدسها).

توضيح ذلك يظهر من هذه الجداول:

الجدول الاول: اذا كانت قيمة العبد و الجارية عشرة، فقيمة الجارية ستة و قيمة العبد أربعة و يتفاوت المعيب عن الصحيح بربع القيمة اى اثنان و نصف من العشرة.

و لنفرض ان قيمة الجارية المعيبة خمسة، و قيمة العبد المعيب اثنان و نصف، اذا ... فالجارية نقصت قيمتها بمقدار سدسها اى الواحد، و العبد نقصت قيمته بمقدار ثلاثة اثمانه اى واحدا و نصفا.

و للتوضيح نقول مرة ثانية: مجموع قيمة العبد و الامة، صحيحين عشرة، قيمة العبد فقط أربعة، قيمة الامة فقط ستة، مجموع قيمة العبد و الامة معيبين سبعة و نصفا، فقيمة العبد فقط معيبا اثنان و نصف، و هو ينقص عن الاربعة بمقدار ثلاثة اثمان، و قيمة الامة فقط معيبة خمسة و هو ينقص عن الستة بمقدار السدس

الجدول الثانى: اذا كانت قيمة الجارية: ستة من عشرة- حسب الجدول الاول- فقيمتها: سبعة و خمسا من اثنا عشر، حسب ما فرضنا من ان قيمة الاشتراء

ص: 108

..........

______________________________

للعبد و الجارية اثنا عشر، لان عشر الاثنى عشر يساوى واحدا و خمسا.

فاذا ضربنا واحدا و خمسا فى ستة صارت النتيجة سبعة و نصفا فهذا علة قولنا: اذا كانت قيمة الجارية ستة من عشرة فقيمتها سبعة و خمسا من اثنى عشر، و اذا كانت قيمة العبد: أربعة من عشرة- حسب الجدول الاول- فقيمته: أربعة و أربعة اخماس من اثنى عشر، حسب ما فرضنا من ان قيمة الاشتراء للعبد و الجارية اثنى عشر، لان عشر الاثنى عشر يساوى واحد او خمسا، فاذا ضربنا واحدا و خمسا فى أربعة صارت النتيجة أربعة و أربعة اخماس، و هذا علة قولنا: اذا كانت قيمة العبد أربعة من عشرة فقيمته أربعة و أربعة اخماس من اثنى عشر.

الجدول الثالث: ينقض معيب الجارية عن صحيحها بالسدس- حسب الفرض فى الجدول الاول- فاذا كانت قيمة الجارية الصحيحة سبعة و خمسا من اثنى عشر- حسب الفرض فى الجدول الثانى- كانت قيمة معيبها ستة، فان الستة تنقص عن السبعة و الخمس بمقدار سدس قيمتها، اذ كل سدس واحد و خمس ينقص معيب العبد عن صحيحه بثلاثة اثمان- حسب الفرض فى الجدول الاول- فاذا كانت قيمة العبد الصحيح أربعة و أربعة اخماس من اثنى عشر- حسب الفرض فى الجدول الثانى- كانت قيمة معيبه ثلاثة، فان الثلاثة تنقص عن الاربعة و الاربعة اخماس بمقدار ثلاثة اثمان قيمته، اذ كل ثمن ثلاثة اخماس، و مجموع ثلاثة اثمان قيمة العبد واحد، او أربعة اخماس، ننقص واحد او أربعة اخماس من أربعة و أربعة اخماس، يبقى ثلاثة.

ص: 109

كما هو الطريق المختار، لانه اخذ من مقابل الجارية اعنى سبعة و خمسا سدسه و هو واحد و خمس و من مقابل العبد اعنى أربعة و أربعة اخماس ثلاثة اثمان و هو واحد و أربعة اخماس

______________________________

الجدول الرابع: <>

و الحاصل:

<> (كما هو الطريق المختار) فتبعا للشهيد ننسب معيب كل الى صحيحه، لا ان ننسب مجموع المعيبين الى مجموع الصحيحين- كما نسب الى المشهور-.

و انما قلنا: فقد اخذ للعبد الخ (لانه اخذ من مقابل الجارية اعنى سبعة و خمسا) من الاثنى عشر (سدسه) اى سدس السبعة و الخمس (و هو) اى السدس (واحد و خمس) كما عرفت فى الجدول (و) اخذ (من مقابل العبد اعنى أربعة و أربعة اخماس) من اثنى عشر (ثلاثة اثمان) و هى ثلاثة اثمان الاربعة و أربعة اخماس (و هو) اى ثلاثة اثمانه (واحد و أربعة اخماس).

ص: 110

فالثلاثة التى هى ربع الثمن منطبق على السدس و ثلاثة اثمان، بخلاف ما نحن فيه فان المبذول فى مقابل كل من النصفين المختلفين بالقيمة امر واحد و هو نصف الثمن.

______________________________

و ان شئت توضيح ذلك فمثّله بالدينار الّذي هو الف فلس.

فاذا اشترى العبد و الجارية باثنى عشر دينارا، فمقابل الجارية سبعة دنانير و خمس دينار اى مأتا فلس، فسدسه يكون دينارا و مائتي فلس، و مقابل العبد أربعة دنانير و أربعة اخماس دينار، اى ثمانمائة فلس، فثلاثة اثمانه يكون دينارا و ثمانمائة فلس (فالثلاثة التى هى ربع الثمن) لفرض ان قيمة المعيب اقل من قيمة الصحيح بمقدار الربع، و ان قيمة المجموع اثنى عشر (منطبق على السدس) و هو ارش الجارية (و ثلاثة اثمان) و هو ارش العبد، فان الثلاثة تعادل مجموع واحد و خمس، و واحد و أربعة اخماس (بخلاف ما نحن فيه) الّذي هو عبارة عن ان الثمن المعطى للشيئين انما اعطى بالتساوى بحيث ان كل نصف من المبيع كان بإزاء نصف الثمن (فان المبذول فى مقابل كل من النصفين المختلفين بالقيمة) اذ لكل نصف قيمة خاصة به- لاننا نأخذ فى كل نصف بقول مقوّم و تقويم احدهما ازيد من تقويم الآخر- (امر واحد) و هو خبر «ان» (و) الامر الواحد (هو نصف الثمن) فاللازم نسبة كل معيب الى صحيحه لا نسبة مجموع المعيب الى مجموع الصحيح.

و الحاصل: ان المصنف اختار فى نسبة المعيب الى الصحيح طريقة الشهيد بان ينسب كل معيب الى صحيح نفسه، لا طريقة المشهور التى

ص: 111

فالمناسب لما نحن فيه فرض شراء كل من الجارية و العبد- فى المثال المفروض-

______________________________

هى ان ينسب الكل الى الكل.

و المتوهم، قال: بانه يجب ان ينسب الكل الى الكل، لان الاختلاف فى صحيح كل نصف و معيبه، و بان يكون تقويم نصف المبيع ازيد من تقويم النصف الآخر، صحيحا و معيبا، انما هو مثل الاختلاف فى قيمة العبد و الجارية صحيحا و معيبا، و مع ذلك ينسب الكل الى الكل، و لا ينسب معيب العبد الى صحيحه و معيب الجارية الى صحيحها.

و المصنف اجاب بانه فرق بين تقويمين، و هو محل الكلام و بين العبد و الجارية فى مثالكم، فان الشراء فى باب تقويمين يوجب ان يكون لكل نصف من المبيع نصف من الثمن، فنقبل كلام كل مقوم بالنسبة الى النصف صحيحا و معيبا، اما العبد و الجارية فليس لكل واحد منهما نصف الثمن بل لكل واحد منهما ما يخصه من الثمن- و لذا كانت نسبة الكل الى الكل و نسبة البعض الى البعض فى النتيجة واحدة-.

اما اذا كان كل نصف من المبيع بنصف من الثمن تكون نسبة الكل الى الكل مخالفة لنسبة البعض الى البعض، فيجب ان نأخذ نسبة البعض الى البعض، لا الكل الى الكل.

(فالمناسب لما نحن فيه) الّذي هو ان يكون لكل نصف ثمن مماثل لثمن النصف الآخر، حيث ان الشي ء قد اشترى بثمن واحد فلكل نصفه نصف الثمن (فرض شراء كل من الجارية و العبد- فى المثال المفروض-) اى

ص: 112

بثمن مساو للآخر، بان اشترى كلا منهما بنصف الاثنى عشر فى عقد واحد او عقدين، فلا يجوز حينئذ اخذ الربع من اثنى عشر، بل المتعين حينئذ ان يؤخذ من ستة الجارية سدس، و من ستة العبد اثنان و ربع، فيصير مجموع الارش ثلاثة و ربعا، و هو المأخوذ فى المثال المتقدم على الطريق الثانى.

______________________________

الّذي فرضه المتوهم (بثمن مساو للآخر، بان اشترى كلا منهما) اى العبد و الامة (بنصف الاثنى عشر فى عقد واحد او عقدين، ف) انه (لا يجوز حينئذ) اى حين ما اشترى العبد بستة و الجارية بستة (اخذ الربع من اثنى عشر) اذ يلزم ان ينسب كل معيب الى صحيحه، و يؤخذ التفاوت (بل المتعين حينئذ ان يؤخذ من ستة الجارية) اى قيمتها التى هى ستة (سدس) اى واحد لان المفروض ان معيب الجارية انقص من صحيحها بسدس قيمتها (و) يؤخذ (من ستة العبد) اى قيمته التى هى ستة (اثنان و ربع) لان المفروض ان معيب العبد ينقص عن صحيحه بثلاثة اثمان، اذ ثمن الستة ثلاثة ارباع فثلاثة اثمانه اثنان و ربع (فيصير مجموع الارش) فى العبد و الجارية (ثلاثة و ربعا، و هو المأخوذ فى المثال المتقدم) اى ما ذكره فى اوائل البحث بقوله: و قد يختلفان كما اذا كانت احدى قيمتى الصحيح اثنى عشر الخ (على الطريق الثانى) اى طريقة الشهيد.

و قد ذكر هناك انه ثلاثة و ربع و ان شئت توضيحا لكلام المصنف ففى المقام ثلاثة امور:

ص: 113

و قد ظهر مما ذكرنا انه لا فرق بين شهادة البيّنات بالقيم، او شهادتهم بنفس النسبة بين الصحيح و المعيب

______________________________

الاول: ان نشترى العبد و الجارية كل واحد منهما بستة دنانير، و فى هذه الحال، يجب ان ننسب معيب كل الى ستة، و التفاوت حينئذ ثلاثة و ربع- حسب التقديرات التى ذكرناها فى الجداول-.

الثانى: ان نشترى العبد و الامة صفقة واحدة باثنى عشر، لكن مع التفاوت، و فى هذه الحال لا يختلف ان ننسب المجموع الى المجموع او البعض الى البعض، فى ان التفاوت حينئذ ثلاثة.

الثالث: ان نشترى الشي ء بثمن واحد، لكن اختلف المقوّمان، فجعلنا لكل مقوّم نصفا من المبيع، فان حال هذا حال الاول، لا حال الثانى لانه اشترى النصفين بقيمتين متساويتين، و انما الاختلاف حسب اختلاف المقوّمين، كما ان اختلاف الاول حسب اختلاف القيمة السوقية.

فالمتوهم شبه ما نحن فيه بالثانى و لذا نسب الكل الى الكل، و الحال ان ما نحن فيه شبيه بالاول، و لذا يلزم ان ننسب معيب كل نصف الى صحيحه.

(و قد ظهر مما ذكرنا) من انه يجب نسبة كل معيب الى صحيحه لا نسبة الكل الى الكل (انه لا فرق بين شهادة البيّنات بالقيم) كان يقول احدهما الصحيح عشرة و المعيب خمسة، و يقول الآخر الصحيح ثمانية، و المعيب سبعة (او شهادتهم بنفس النسبة بين الصحيح و المعيب).

كان يقول الاول المعيب نصف الصحيح، و يقول الثانى المعيب سبعة

ص: 114

و ان لم يذكروا القيم.

هذا كله اذا كان مستند المشهور فى اخذ القيمة الوسطى العمل بكل من البيّنتين فى جزء من المبيع.

و اما اذا كان المستند مجرد الجمع بين الحقّين على ما ذكرناه اخيرا بان ينزل القيمة الزائدة و يرتفع الناقصة على حدّ سواء، فالمتعيّن الطريق

______________________________

اثمان الصحيح، فان اللازم فى الحالة الثانية- أيضا- ان نأخذ بقول كل واحد فى النصف (و ان لم يذكروا القيم) اذ قد عرفت ان الجمع بين البيّنتين يقتضي تنفيذ كل بيّنة فى نصف المبيع ثم ننسب معيب كلّ الى صحيحه و نجمع النسبتين و تنصيف التفاوت بينهما.

(هذا كله) وجه لزوم تنصيف التفاوتين- لا جمع القيمتين و تنصيفهما- (اذا كان مستند المشهور فى اخذ القيمة الوسطى) بين القيمتين (العمل بكل من البيّنتين فى جزء من المبيع) اذ قد عرفت ان مقتضى ذلك اخذ نصف التفاوتين لا نصف القيمتين

(و اما اذا كان المستند) للمشهور فى طريقتهم (مجرد الجمع بين الحقين على ما ذكرناه اخيرا) قبل كلام الشهيد بقولنا «و يمكن أيضا ..»

(بان ينزل القيمة الزائدة و يرتفع) القيمة (الناقصة على حدّ سواء) اى ينقص بعد ان زاد فاذا قوّمه احدهما باثنى عشر و الآخر بثمانية، ننزل اثنى عشر بقدر نصف التفاوت اى اثنين و نرفع الثمانية بذلك المقدار اى اثنين حتى تكون القيمة عشرة- كما سبق- (فالمتعيّن الطريق

ص: 115

الثانى أيضا، سواء شهدت البيّنتان بالقيمتين أم شهدتا بنفس النسبة بين الصحيح و المعيب؟

اما اذا شهدتا بنفس التفاوت فلانه اذا شهدت إحداهما بان التفاوت بين الصحيح و المعيب بالسدس، و هو الاثنان من اثنى عشر و شهدت الاخرى بانه بثلاثة اثمان، و هو الثلاثة من ثمانية زدنا على السدس ما ينقص من ثلاثة اثمان

______________________________

الثانى) المنسوب الى الشهيد (أيضا) اى لزوم اخذ نصف التفاوتين (سواء شهدت البيّنتان بالقيمتين) كان قالتا اثنى عشر و ثمانية (أم شهدتا بنفس النسبة) كان قالتا النسبة (بين الصحيح و المعيب؟) كذا و كذا، بدون ان تذكرا القيمة.

(اما اذا شهدتا بنفس التفاوت ف) اللازم ما ذكره الشهيد، لا ما نسب الى المشهور (لانه اذا شهدت إحداهما بان التفاوت بين الصحيح و المعيب بالسدس، و هو الاثنان من اثنى عشر) فيما اذا كانت القيمة اثنى عشر (و شهدت) البيّنة (الاخرى بانه) اى بان التفاوت (بثلاثة اثمان، و هو الثلاثة من ثمانية) اى بعد ان قوّم الصحيح بثمانية (زدنا على السدس) و هو اثنان (ما ينقص) السدس (من ثلاثة اثمان) بعد نسبة ثلاثة اثمان الى اثنى عشر، اذ المفروض ان المبيع قيمته اثنى عشر.

و من المعلوم ان ثلاثة اثمان من اثنى عشر، يكون أربعة و نصفا، فهناك قولان للبينة.

احدهما ان التفاوت باثنين.

ص: 116

و صار كل واحد من التفاوتين بعد التعديل سدسا و نصف سدس و ثمنه و هو من الثمن المفروض اثنى عشر، ثلاثة و ربع، كما ذكرنا سابقا.

و ان شهدت البيّنتان بالقيمتين فمقتضى الجمع بين حقّى البائع و المشترى فى مقام اعطاء الارش و اخذه تعديل قيمتى كل من الصحيح و المعيب بالزيادة

______________________________

و الثانى ان التفاوت بأربعة و نصف، فالزائد على الاثنين هو اثنان و نصف ننصّفه، لنزيد نصفه على الاثنين، فنصفه هو واحد و ربع فاذا زدناه على السدس صار ثلاثة و ربعا (و) على هذا (صار كل واحد من التفاوتين) و هما تفاوت باثنين، و تفاوت بأربعة و نصف (بعد التعديل) اى تنصيف الزائد و جعل نصفه على الناقص، و طرح نصفه عن الزائد (سدسا) و هو اثنان من اثنى عشر القيمة (و نصف سدس) و هو واحد (و ثمنه) اى ثمن السدس، و هو الربع (و هو) اى هذا التفاوت المعدّل (من الثمن المفروض) كونه (اثنى عشر، ثلاثة و ربع، كما ذكرنا سابقا) فى بيان طريقة الشهيد.

(و ان شهدت البيّنتان بالقيمتين) لا بالتفاوت و هذا عطف على قوله «اما اذا شهدتا بنفس التفاوت» (فمقتضى الجمع بين حقّى البائع و المشترى فى مقام اعطاء) البائع (الارش و اخذه) اى اخذ المشترى اياه

و قوله «فى مقام» بيان «الجمع» اذ قبل الاعطاء و الاخذ ليس هناك مقام للجمع.

ف (تعديل قيمتى كل من الصحيح و المعيب بالزيادة) على ما قاله

ص: 117

و النقصان باخذ قيمة نسبته الى المعيب، دون نسبة القيمة الزائدة و فوق نسبة الناقصة، فيؤخذ من الاثنى عشر و العشرة، و من الثمانية و الخمسة قيمتان للصحيح و المعيب نسبة إحداهما الى الاخرى يزيد على السدس بما ينقص من ثلاثة اثمان فيؤخذ قيمتان يزيد صحيحهما على المعيب بسدس، و نصف سدس، و ثمن سدس

______________________________

بينة الاقل قيمة (و النقصان) على ما قاله بينة الاكثر قيمة، و التعديل انما هو (باخذ قيمة نسبته الى المعيب، دون نسبة القيمة الزائدة و فوق نسبة) القيمة (الناقصة، فيؤخذ من الاثنى عشر) اعلى قيمة للصحيح (و العشرة) اعلى قيمة للمعيب (و من الثمانية) انزل قيمة للصحيح (و الخمسة) انزل قيمة للمعيب (قيمتان) نائب فاعل «يؤخذ» (للصحيح و المعيب).

و هاتان القيمتان الجديدتان (نسبة إحداهما الى الاخرى) اى نسبة القيمة الجديدة للصحيح الى القيمة الجديدة للمعيب (يزيد على السدس) اى التفاوت بين اثنى عشر و عشرة (بما) اى زيادة بمقدار (ينقص من ثلاثة اثمان) و هو التفاوت بين الثمانية و الخمسة فسدس القيمة التى هى اثنى عشر اثنان، و ثلاثة اثمان القيمة التى هى اثنى عشر أربعة و نصف، فالمتوسط بين الامرين ثلاثة و ربع (فيؤخذ قيمتان) جديدتان (يزيد صحيحهما على المعيب بسدس، و نصف سدس، و ثمن سدس) فاذا فرضنا ان قيمة الصحيح ثمانية و اربعون و قيمة المعيب خمسة و ثلاثون كان التفاوت بينهما كما ذكره المصنف بالسدس و نصف السدس و ثمن السدس

و من المعلوم ان هذا التفاوت يعادل نصف السدس، و نصف ثلاثة

ص: 118

..........

______________________________

اثمان فان قال احد المقوّمين التفاوت بالسدس، و قال المقوّم الآخر التفاوت بثلاثة اثمان فنأخذ من كل مقوّم نصف قوله، و اذا اردت توضيح الحال فانظر الى هذين الجدولين:

الجدول الاول: المقوم الاول قال: التفاوت بالسدس ننصف قوله و نأخذ نصف السدس.

و المقوم الثانى قال: التفاوت بثلاثة اثمان ننصف قوله و نأخذ ثمن و نصف ثمن، فاللازم ان يكون الاختلاف بين الصحيح و المعيب بنصف السدس، و بالثمن و نصف الثمن.

ثم نقول: السدس و الثمن و نصف الثمن: تعادل: السدس، و نصف السدس، و ثمن السدس، فالمصنف بدل ان يقول: السدس و الثمن و نصف الثمن قال: السدس و نصف السدس، و ثمن الثمن فلا تغفل.

اذا فرضنا ان الصحيح ثمانية و اربعون و المعيب خمسة و ثلاثون فالتفاوت بينهما ثلاثة عشر، فثلاثة عشر تعادل. نصف السدس و هو أربعة اذ السدس من ثمانية و اربعين يكون ثمانية و نصف ثلاثة اثمان و هو تسعة اذ كل ثمن ستة فثلاثة اثمان تساوى ثمانية عشر و نصفها تسعة و تعادل أيضا- السدس و هو ثمانية و نصف السدس و هو أربعة و بهذا عبّر المصنف بدل ان يعبّر بنصف السدس و نصف ثلاثة اثمان و ثمن السدس و هو واحد.

الجدول الثانى: اذا كان الثمن الّذي اشترى به اثنى عشر و قوّمه احدهما باثنى عشر صحيحا و عشرة معيبا، فالتفاوت بالسدس، و قوّمه الآخر بثمانية صحيحا و خمسة معيبا و التفاوت بثلاثة اثمان فاللازم ان

ص: 119

و من هنا يمكن ارجاع كلام الاكثر الى الطريق الثانى بان يريدوا من اوسط القيم المتعددة للصحيح و المعيب القيمة المتوسطة بين القيم لكل منها من حيث نسبتها الى قيمة الآخر

______________________________

يسترجع المشترى نصف السدس و نصف ثلاثة اثمان، و هو ثلاثة و ربع

فنقول: ثلاثة و ربع تعادل: نصف السدس و هو واحد لان السدس اثنان و نصف ثلاثة اثمان و هو اثنان و ربع لان الثمن واحد و نصف فثلاثة اثمان تساوى أربعة و نصفا فالمجموع يساوى ثلاثة و ربع و تعادل أيضا السدس و هو اثنان و نصف السدس و هو واحد و ثمن السدس و هو الربع فالمجموع ثلاثة و ربع.

و لا يخفى ان المصنف عبّر بسدس و نصف سدس و ثمن سدس بدل نصف السدس و نصف ثلاثة اثمان.

(و من هنا) الّذي ذكرنا من ترجيح كلام الشهيد على كلا الطريقين المنسوبين الى المشهور (يمكن ارجاع كلام الاكثر الى الطريق الثانى) الّذي ذكره الشهيد (بان يريدوا من اوسط القيم المتعددة للصحيح و المعيب) سواء تعددت القيمة فى الصحيح فقط، او فى المعيب فقط، او فيهما (القيمة المتوسطة بين القيم، لكل منها) اى من قيمة الصحيح او المعيب، المتوسطة (من حيث نسبتها الى قيمة الآخر) فالمراد انه اذا قوّم احدهما الصحيح باثنى عشر و المعيب بعشرة و قوّم الثانى الصحيح بثمانية و المعيب بخمسة.

فنأخذ بين الاثنى عشر و العشرة و الثمانية و الخمسة قيمة متوسطة

ص: 120

فيكون مرادهم من اخذ قيمتين للصحيح و المعيب قيمة متوسطة من حيث نسبة إحداهما الى الاخرى بين اقوال جميع البيّنات المقوّمين للصحيح و الفاسد.

و ليس فى كلام الاكثر انه يجمع قيم الصحيح و ينتزع منها قيمة.

و كذلك قيم المعيب ثم تنسب احدى القيمتين المنتزعتين الى الاخرى قال فى المقنعة: فان اختلف اهل الخبرة عمل على اوسط القيم، و نحوه

______________________________

فرقها عن القيمتين يكون التفاوت بمقدار نصف السدس، و نصف ثلاثة اثمان (فيكون مرادهم من اخذ قيمتين للصحيح و المعيب قيمة متوسطة) لا توسطا فى ذات القيمة، بل توسطا (من حيث نسبة إحداهما الى الاخرى) بان تكون تلك القيمة المتوسطة (بين اقوال جميع البيّنات المقوّمين للصحيح و الفاسد) فليست القيمة منتزعة عن القيم، بل القيمة متوسطة بين نسب القيم الصحيحة الى نسب القيم الفاسدة.

(و ليس فى كلام الاكثر انه يجمع قيم الصحيح و ينتزع منها قيمة).

(و كذلك) يجمع (قيم المعيب) و ينتزع منها قيمة (ثم تنسب احدى القيمتين المنتزعتين الى الاخرى).

نعم صرح بذلك بعض، لكن نسبته الى المشهور لا وجه له.

و أليك كلمات بعض الفقهاء حتى ترى قابلية انطباقها على كلام الشهيد.

(قال) المفيد (فى المقنعة: فان اختلف اهل الخبرة عمل على اوسط القيم) فانه قابل لان يراد به الاوسط بين نسب القيم (و نحوه) كلام

ص: 121

فى النهاية.

و فى الشرائع حمل على الاوسط.

و بالجملة فكل من عبّر بالاوسط يحتمل ان يريد الوسط من حيث النسبة، لا من حيث العدد، هذا مع ان المستند فى الجميع هو ما ذكرنا من وجوب العمل بكل من البيّنتين فى قيمة نصف المبيع.

نعم لو لم تكن بيّنة اصلا، لكن علمنا من الخارج ان قيمة الصحيح اما هذا و اما ذاك، و كذلك قيمة المعيب

______________________________

الشيخ (فى النهاية).

(و) قال (فى الشرائع) ان اختلف اهل الخبرة (حمل على الاوسط) الى غيرها من عبارات الفقهاء.

(و بالجملة فكل من عبّر بالاوسط يحتمل ان يريد الوسط من حيث النسبة) كما قاله الشهيد (لا من حيث العدد) كما نسب الى المشهور (هذا) من جهة كلمات الفقهاء (مع) ان الدليل لا يدل الا على كلام الشهيد- كما تقدم- ل (ان المستند فى الجميع) للبيّنات (هو ما ذكرنا من وجوب العمل بكل من البيّنتين فى قيمة نصف المبيع) فالفرق بين اثنا عشر و عشرة فى نصفهما: السدس و الفرق بين الثمانية و الخمسة فى نصفهما: نصف من ثلاثة اثمان، و الحاصل ثلاثة و ربع لا ثلاثة كما نسب الى المشهور من انهم يقولون بثلاثة فقط.

(نعم لو لم تكن بيّنة اصلا، لكن علمنا من الخارج ان قيمة الصحيح اما هذا و اما ذاك، و كذلك) علمنا من الخارج ان (قيمة المعيب) اما

ص: 122

- و لم نقل حينئذ بالقرعة او الاصل- فاللازم الاستناد فى التنصيف الى الجمع بين الحقّين على هذا الوجه.

و قد عرفت ان الجمع بتعديل التفاوت لانه الحق، دون خصوص القيمتين المحتملين

______________________________

هذا و اما ذاك (- و لم نقل حينئذ بالقرعة) لانها لكل امر مشكل (او الاصل-) اى اصالة براءة ذمة البائع من القدر الزائد على المتيقن (فاللازم الاستناد فى التنصيف الى الجمع بين الحقّين على هذا الوجه) اى اعطاء كل نصف من المبيع، لاحد الاحتمالين، فيكون موافقا لطريق الشهيد أيضا.

و انما قال «نعم» مع ان اللازم ان يقول: و كذا لو لم تكن بينة اصلا، لانه اشار الى عدم مجي ء طريقة المشهور فى صورة عدم وجود البينة بل فى هذه الصورة يأتى طريق الشهيد فقط.

فكانه قال: فى صورة وجود البيّنة، يحتمل طريق المشهور و طريق الشهيد- و طريق الشهيد اقرب- اما فى صورة عدم البينة فاللازم طريق الشهيد فقط.

و انما كان اللازم فى صورة عدم البيّنة طريق الشهيد فقط، اذ (قد عرفت ان الجمع) انما هو (بتعديل التفاوت) اى بان نأخذ نصف السدس و نصف ثلاثة اثمان فانه يحتمل السدس و يحتمل ثلاثة اثمان فاللازم ان نأخذ من كل نصفه (لانه الحق) و طريق العدل و الانصاف (دون خصوص القيمتين المحتملين)

ص: 123

و الله العالم.

______________________________

اذ لا خصوصية للقيمة المحتملة، بل قد عرفت ان القيمة الخارجية كثيرا ما تخالف كل القيم المحتملة، كما تخالف كل القيم التى ذكرتها البينة (و الله العالم) بحقائق الاحكام.

<>

ص: 124

القول فى الشروط التى يقع عليها العقد،
اشارة

و شروط صحتها و ما يترتب على صحيحها و فاسدها،

الشرط يطلق فى العرف على معنيين.
احدهما المعنى الحدثى

و هو بهذا المعنى مصدر شرط فهو شارط للامر الفلانى، و ذلك الامر مشروط و فلان مشروط له، او عليه.

و فى القاموس انه الزام الشي ء و التزامه فى البيع و غيره، و ظاهره

______________________________

(القول فى الشروط التى يقع عليها العقد) عند الناس و التى تعرض لها الفقهاء اثباتا او نفيا (و شروط صحتها) اى صحة الشروط شرعا، كان لا يكون الشرط مخالفا للكتاب و السنة (و ما يترتب على صحيحها و فاسدها) من الاحكام، مثل انه هل الشرط الفاسد مفسد، أم لا؟

فنقول: (الشرط يطلق فى العرف على معنيين)- و تنقيح المعنى العرفى لان الموضوع الشرعى يؤخذ من العرف، كما يؤخذ من اللغة-.

(احدهما المعنى الحدثى) مثل النصر و الحمد (و هو) اى الشرط (بهذا المعنى) الحدثى (مصدر شرط) يشترط (فهو شارط للامر الفلانى، و ذلك الامر مشروط و فلان مشروط له) اذا كان الشرط فى نفعه (او) مشروط (عليه) اذا كان الشرط فى ضرره.

(و فى القاموس) فسر الشرط بالمعنى الحدثى، حيث قال: (انه الزام الشي ء) على الغير، مثل ان البائع يشترط على المشترى قراءة القرآن (فى البيع و غيره) اى غير البيع كالرّهن و الاجارة (و ظاهره)

ص: 125

كون استعماله فى الالزام الابتدائى مجازا، او غير صحيح، لكن لا اشكال فى صحته لوقوعه فى الاخبار كثيرا، مثل قوله صلى الله عليه و آله فى حكاية بيع بريرة ان قضاء الله احق و شرطه اوثق، و الولاء لمن اعتق.

______________________________

حيث اقتصر على هذا المعنى (كون استعماله) اى الشرط (فى الالزام الابتدائى) كان يقول زيد لعمرو: اشترط عليك ان تأتى الى دارى (مجازا) من باب مشابهة الشرط الابتدائى للشرط الضمنى (او غير صحيح) اصلا

و انما كان ظاهره ذلك، لان بناء القاموس استقصاء المعانى الحقيقية للالفاظ، فتقييد الشرط بكونه فى البيع دليل على ان الشرط الابتدائى اما مجاز او غير صحيح، اذا كان بنائه ذكر المعانى الحقيقية و المجازية

اقول: لكن من المحتمل ان يكون قول القاموس «و غيره» عطفا على مجموع «فى البيع» لا على خصوص «البيع».

و حينئذ يكون شاملا للشرط الابتدائى (لكن لا اشكال فى صحته لوقوعه فى الاخبار كثيرا) و هى و ان كانت قابلة للتأويل بما يرجع الى الشرط الضمنى، لكن التأويل خلاف الظاهر (مثل قوله صلى الله عليه و آله فى حكاية بيع بريرة) الآتية فى الرابع من شروط صحة الشرط (ان قضاء الله احق) اى ما قضاه و امره احق بالاتباع (و شرطه اوثق) من شرط الناس ما يخالف قول الله، فالمراد بالشرط هنا حكم الله (و الولاء لمن اعتق) العبد لا لمن باع العبد للمعتق، قال صلى الله عليه و آله ذلك حينما شرط البائع ان يكون الولاء له، لا للمشترى المعتق و معنى الولاء، انه اذا مات العبد بعد ان اعتقه المشترى، و لم يكن له وارث، فالمشترى

ص: 126

و قول امير المؤمنين صلوات الله عليه- فى الردّ على مشترط عدم التزوج بامرأة اخرى فى النكاح- ان شرط الله قبل شرطكم، و قوله ما الشرط فى الحيوان؟ قال ثلاثة ايام للمشترى، قلت: و فى غيره قال: هما بالخيار حتى يفترقا، و قد اطلق على النذر او العهد او الوعد فى بعض اخبار الشرط

______________________________

المعتق له هو الّذي يرثه.

و وجه التأويل فى هذا الخبر و مثله: ان المراد بان الله سبحانه وعد الناس بالجنة بشرط ان يطيعوه فاحكامه تعالى شروط وقعت فى ضمن الوعد، او إِنَّ اللّٰهَ اشْتَرىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوٰالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ و شرط عليهم اطاعة الاحكام او ما اشبه ذلك.

(و قول امير المؤمنين صلوات الله عليه- فى الرد على مشترط عدم التزوج بامرأة اخرى فى النكاح- ان شرط الله قبل شرطكم) اى حكم الله بان الانسان يجوز له ان يتزوج بالمتعدّد، ثم انه لا بد من تقييد هذا الحديث بما اذا كان الشرط غير جامع لشرائط الصحة، لان هذا الشرط ليس محلّلا لحرام و لا محرما لحلال، حتى يسقط بمخالفته الكتاب و السنة و كيف كان فقد اطلق الامام الشرط على الحكم (و قوله) سائلا من الامام عليه السلام (ما الشرط فى الحيوان؟ قال) عليه السلام (ثلاثة ايام للمشترى، قلت: و) ما الشرط (فى غيره) من سائر انواع البيوع؟ (قال) عليه السلام (هما بالخيار حتى يفترقا) فان الشرط اطلق على الخيار (و قد اطلق) الشرط (على النذر او العهد او الوعد فى بعض اخبار الشرط

ص: 127

فى النكاح.

و قد اعترف فى الحدائق بان اطلاق الشرط على البيع كثير فى الاخبار

و اما دعوى كونه مجازا فيدفعها- مضافا الى اولوية الاشتراك المعنوى، و الى ان المتبادر من قوله: شرط على نفسه كذا ليس الا مجرد

______________________________

فى النكاح).

و ذلك مثل خبر ابن سنان عن ابى عبد الله عليه السلام، فى رجل قال لامرأته: ان نكحت عليك او تسريت فهى طالق، قال عليه السلام:

ليس ذلك بشي ء، ان رسول الله صلى الله عليه و آله قال: ان من اشترط شرطا سوى كتاب الله فلا يجوز ذلك له و لا عليه، فان الشرط اطلق على الوعد- لعدم دليل فى الرواية على انه كان فى ضمن النكاح-.

(و قد اعترف فى الحدائق بان اطلاق الشرط على البيع كثير فى الاخبار) و كذا اطلق الشرط فى الاخبار على المتعة، و على الاجل فى المتعة، و على المبيع فى اخبار السلم.

(و اما دعوى كونه) اى كون اطلاق الشرط على غير الشرط فى ضمن العقد (مجازا فيدفعها- مضافا الى اولوية الاشتراك المعنوى) فانهم قد ذكروا فى مبحث تعارض الاحوال انه لو دار الامر بين الحقيقة و المجاز، و بين الاشتراك المعنوى، فالثانى اولى.

اذ الاول يحتاج الى القرينة، و الاصل عدم القرينة، و كذلك الاول يحتاج الى النقل، و الاصل عدم النقل، فتأمّل (و الى ان المتبادر من قوله: شرط على نفسه كذا، ليس الا مجرد

ص: 128

الالتزام- استدلال الامام عليه السلام بالنبوى: المؤمنون عند شروطهم فيما تقدم من الخبر الّذي اطلق فيه الشرط على النذر او العهد، و مع ذلك فلا حجة فيما فى القاموس مع تفرّده به، و لعله لم يلتفت الى الاستعمالات التى ذكرناها، و الا لذكرها و لو بعنوان يشعر بمجازيتها.

ثم قد يتجوز فى لفظ الشرط بهذا المعنى، فيطلق على نفس

______________________________

الالتزام-) لا الالتزام فى الالتزام، و التبادر آية الحقيقة كما ذكر فى الاصول (استدلال الامام عليه السلام) فاستدلال، فاعل يدفعها (بالنبوى: المؤمنون عند شروطهم، فيما تقدم من الخبر) اى خبر ابن سنان الّذي ذكرناه و اشار إليه المصنف بقوله «و قد اطلق .. الخ» (الّذي اطلق فيه الشرط على النذر او العهد) او الوعد- كما عرفت- (و مع ذلك) الّذي ذكرناه من اطلاقه فى الاخبار على الشرط الابتدائى اطلاقا تدل القرائن على انه بنحو الحقيقة (فلا حجة فيما فى القاموس) من انه خاص بالالزام و الالتزام فى البيع و نحوه (مع تفرّده به) اذ غيره لم يخصّصه بذلك (و لعله لم يلتفت الى الاستعمالات التى ذكرناها، و الا لذكرها) اى ذكر هذه الاستعمالات، بان الشرط يستعمل فى الشرط الابتدائى- كالموارد المذكورة- (و لو) ذكرا (بعنوان يشعر بمجازيتها) فعدم الذكر دليل على عدم الالتفات، اذ لو اغمضنا النظر عن كونه حقيقة فلا اقل من كونه مجازا.

(ثم قد يتجوز) اى يرتكب المجاز (فى لفظ الشرط بهذا المعنى)، و هو المعنى الاول- مقابل المعنى الثانى الآتى- (فيطلق على نفس

ص: 129

المشروط، كالخلق بمعنى المخلوق فيراد به ما يلزمه الانسان على نفسه

الثانى: ما يلزم من عدمه العدم،

من دون ملاحظة انه يلزم من وجوده الوجود، أو لا، و هو بهذا المعنى اسم جامد لا مصدر

______________________________

المشروط، كالخلق بمعنى المخلوق) فان الخلق قد يطلق و يراد به المعنى المصدرى، كالضرب و النصر، و قد يطلق و يراد به ما تعلق به الخلق، اى المخلوقات، كقوله تعالى: هٰذٰا خَلْقُ اللّٰهِ اى ما خلقه الله.

و على هذا الاطلاق (فيراد به) اى بالشرط (ما يلزمه الانسان على نفسه) فاذا شرط زيد على عمرو ان يخيط قبائه يقال: الشرط خياطة القباء، مثلا، و هذا مجاز، كما لا يخفى.

(الثانى) من المعنيين للشرط (ما يلزم من عدمه العدم) اى القيد فى الشي ء، كسائر القيود، مثل الحال و التميز و الوصف و غيرها (من دون ملاحظة انه يلزم من وجوده الوجود، أو لا) يلزم.

مثلا يقال: الوضوء شرط الصلاة، و يراد بانه يلزم من عدم الوضوء عدم الصلاة، مع انه لا يلزم من وجود الوضوء وجود الصلاة، اذ ربما يتوضأ الانسان و لا يصلّى.

كما انه قد يطلق الشرط بهذا المعنى و يراد انه يلزم من وجوده الوجود و من عدمه العدم، فيقال شرط قبول العمل الاخلاص، حيث انه ان كان الاخلاص فى العمل قبل، و ان لم يكن اخلاص لم يقبل (و هو) اى لفظ الشرط (بهذا المعنى) الثانى (اسم جامد) اطلق على القيد (لا مصدر) له، حتى يكون له معنى حدثى، كالمعنى الاول الّذي هو

ص: 130

فليس فعلا و لا حدثا و اشتقاق المشروط منه ليس على الاصل كالشارط.

______________________________

مصدر و له معنى حدثى.

و اما الفرق بينه و بين المعنى المجازى الاول- و هو ما ذكره بقوله:

و قد يتجوز فى لفظ الشرط- هو ان المعنى الثانى قيد، و المعنى المجازى مقيّد.

فالخلق بمعنى المخلوق ليس قيدا لشي ء، كذلك الشرط بمعنى المشروط ليس قيدا لشي ء، اما الوضوء، فهو قيد للصلاة.

كما ان الشرط بالمعنى الاصولى مقابل للسبب، و قد عرفت ان الشرط بالمعنى الثانى اعم من السبب، لانه يطلق على ما يلزم من عدمه العدم، سواء لزم من وجوده الوجود أيضا و هو السبب، أم لا و هو الشرط الاصولى

و الشرط بالمعنى النحوى ما يكون بعد اداة الشرط، و هذا غير معتبر هنا كما لا يخفى.

و كيف كان (ف) المعنى الثانى للشرط (ليس فعلا) للانسان (و لا حدثا) فلعل الحدث اعم من الفعل، اذ يشمل كل حادث سواء كان فعلا للانسان أم لا، فهو من باب الترقى مثل ان نقول: الحجر ليس بإنسان و لا بحيوان (و اشتقاق المشروط) كان يقال: الصلاة مشروطة بالوضوء (منه) اى من الشرط- بالمعنى الثانى- (ليس على الاصل) اى اصل الشرط بمعنى القيد، اذ الجامد لا يشتق منه (ك) اشتقاق (الشارط) منه، فانه أيضا ليس على الاصل، بل اللازم ان نضمّنه معنى الشرط الحدثى.

ص: 131

و لذا ليسا بمتضايفين فى الفعل و الانفعال بل الشارط هو الجاعل و المشروط هو ما جعل له الشرط

______________________________

(و لذا) الّذي ذكرنا ان الاشتقاق منه ليس على الاصل ف (ليسا) اى الشارط و المشروط (بمتضايفين).

و المتضايفان هما الامران الوجوديان الّذي يلازم كل واحد منهما الآخر، كالضارب و المضروب، فانه لا يتحقق الضارب الا اذا تحقق المضروب و لا يتحقق المضروب الا اذا تحقق الضارب، و الشارط و المشروط بالمعنى الثانى الجامد ليس بينهما تضايف (فى الفعل و الانفعال) فليس كلّما تحقق احدهما تحقق الآخر، و الحال ان المتضايفين بينهما فعل و انفعال، اذا كلما تحقق الفعل تحقق الانفعال، و كلما تحقق الانفعال تحقق الفعل.

و حيث انه ليس بين الشارط و المشروط- بالمعنى الثانى- تضايف، دلّ ذلك على ان اشتقاقهما ليس على الاصل، بل لكل واحد معنى مضمن فى الشرط بمعناه الجامد (بل الشارط هو الجاعل) اى جاعل الشرط (و المشروط هو ما جعل له الشرط) كالصلاة، فيقال: الصلاة مشروطة بالطهارة.

فالشارط هو اللّه الجاعل للوضوء، اما المشروط فليس هو الوضوء المنجعل، بل المشروط هو الصلاة المنجعل لها، و الحال انه لو كان الشارط و المشروط متضايفين، كان اللازم ان يكون المشروط هو منجعل الشارط الجاعل.

ص: 132

كالمسبب بالكسر و الفتح المشتقين من السبب.

______________________________

و الحاصل ان عدم التضايف بين الشارط و المشروط دليل على ان الشرط- بالمعنى الثانى- ليس مشتقا، بل جامدا، و ان اشتقاق الشارط و المشروط منه، انما هو بالتضمين، و ليس على الاصل.

فحال هذه الالفاظ الثلاثة (كالمسبب بالكسر) الّذي يقال لعلة الشي ء (و الفتح) الّذي يقال للمسبب له، لا لنفس السبب (المشتقين من السبب) مثلا الله سبحانه مسبب- بالكسر- و النار سبب، و الاحتراق مسبب- بالفتح-.

فليس بين المسبب و المسبب تضايف، اذ لو كان بينهما تضايف، لكان المسبب الله، و المسبب النار، لان الصادر من المسبب بالكسر، النار، لا الاحتراق.

فعدم التضايف بين المسبب و المسبب دليل على ان السبب جامد، و ان الاشتقاق منه بالتضمين.

و ان شئت قلت: الشارط هو الله و المشروط الصلاة و الشرط الوضوء و لو كان الشرط مشتقا لكان اللازم ان يكون المشروط هو الوضوء- لا الصلاة-.

و كذلك المسبب هو الله و المسبب هو الاحتراق، و السبب النار.

و لو كان السبب مشتقا لزم ان يكون المسبب هو النار- لا الاحتراق- فتأمّل.

ص: 133

فعلم من ذلك ان الشرط فى المعنيين نظير الامر بمعنى المصدر، و بمعنى الشي ء.

و اما استعماله فى السنة النحاة على الجملة الواقعة عقيب ادواة الشرط فهو اصطلاح خاص مأخوذ من افادة تلك الجملة، لكون مضمونها شرطا بالمعنى الثانى، كما ان استعماله فى السنة اهل المعقول و الاصول فيما يلزم من عدمه العدم، و لا يلزم من وجوده

______________________________

(فعلم من ذلك) الّذي ذكرنا فى معنيى الشرط الاول و الثانى (ان الشرط فى المعنيين نظير الامر بمعنى المصدر) لأمر يأمر امرا، و هذا على قياس الشرط بالمعنى الاول الحدثى (و بمعنى الشي ء) نحو اذا قضى امرا اى شيئا، و هذا على قياس الشرط بالمعنى الثانى الجامد.

(و اما استعماله) اى الشرط (فى السنة النحاة على الجملة الواقعة عقيب ادواة الشرط) مثل: ان جاءك زيد فاكرمه، فانهم يسمون جملة جاءك زيد شرطا، كما يسمونه جملة شرطية (فهو اصطلاح خاص مأخوذ) هذا الاصطلاح (من افادة تلك الجملة):- الشرط- فان جملة الشرط تفيد ان المجي ء شرط للاكرام، فالاكرام مقيد بقيد المجي ء، كما ان الصلاة مقيدة بالوضوء.

فكما ان الوضوء يسمى شرطا كذلك المجي ء يسمى شرطا (لكون مضمونها) اى مضمون الجملة الاولى و هى ان جاءك زيد (شرطا بالمعنى الثانى) و هو المعنى الجامد (كما ان استعماله) اى الشرط (فى السنة اهل المعقول و الاصول فيما يلزم من عدمه العدم، و لا يلزم من وجوده

ص: 134

الوجود، مأخوذ من ذلك المعنى، الا انه اضيف إليه ما ذكر فى اصطلاحهم مقابلا للسبب.

فقد تلخص مما ذكرنا ان للشرط معنيين عرفيين، و آخرين اصطلاحيين لا يحمل عليهما الاطلاقات العرفية، بل هى مردّدة بين الاولين.

فان قامت قرينة على إرادة المصدر تعين الاول

______________________________

الوجود) و هذا اخص مما ذكرنا فى المعنى الثانى حيث قلنا: انه ما يلزم من عدمه العدم من دون ملاحظة انه يلزم من وجوده الوجود فيشمل ما يلزم و ما لا يلزم (مأخوذ من ذلك المعنى) الثانى أيضا (الا انه اضيف) عند اهل المعقول و الاصول (إليه) اى الى المعنى الثانى (ما ذكر فى اصطلاحهم مقابلا للسبب).

فالمعنى الثانى اعم من الشرط و السبب- عند اهل المعقول- بينما المعنى عند اهل المعقول خاص بالشرط الاصطلاحى عندهم، و لا يشمل السبب.

(فقد تلخص مما ذكرنا ان للشرط معنيين عرفيين) و هما ما ذكرناه بقولنا:

الاول، الثانى (و آخرين اصطلاحيين) فى اصطلاح النحاة، و فى اصطلاح اهل المعقول (لا يحمل عليهما) اى على المعنيين الاصطلاحيين (الاطلاقات العرفية، بل هى) اى الاطلاقات العرفية (مرددة بين الاولين) و هما المعنى الحدثى الاول، و المعنى الجامد الثانى.

(فان) استعمل الشرط فى لسان العرف، آية او رواية او كلام فقيه.

او ما اشبه، و (قامت قرينة على إرادة المصدر تعين الاول) اى الحدثى

ص: 135

او على إرادة الجامد تعين الثانى، و الا حصل الاجمال.

و ظهر أيضا ان المراد بالشرط فى قولهم صلوات الله عليهم:

المؤمنون عند شروطهم، هو الشرط باعتبار كونه مصدرا.

اما مستعملا فى معناه اعنى الزاما على انفسهم.

و اما مستعملا بمعنى ملتزماتهم.

و اما بمعنى جعل الشي ء شرطا بالمعنى الثانى،

______________________________

(او على إرادة الجامد تعين الثانى، و الا) تحصل قرينة على احد المعنيين (حصل الاجمال) و المرجع فى ذلك الاصول العملية، كما هو الشأن فى كل مكان لا ظهور فيه.

(و ظهر أيضا) مما ذكرنا فى معنى الشرط (ان المراد بالشرط فى قولهم صلوات الله عليهم: المؤمنون عند شروطهم، هو الشرط باعتبار كونه مصدرا) اى ما يشترطون على انفسهم و هو مصدر شرط يشرط.

(اما مستعملا فى معناه) الحقيقى (اعنى) المؤمنون عند (الزاما) تهم (على انفسهم) و معنى: عند، انهم مقترنون معها اقترانا لا يفارقونها، و هذا الاقتران شرعى، بمعنى ان الشارع جعلهم بحيث لا يتمكنون من الانفكاك.

(و اما مستعملا) فى معناه المجازى (بمعنى ملتزماتهم) بان استعمل الشرط بمعنى المشروط، كالخلق بمعنى المخلوق، و هذا ما اشار إليه سابقا بقوله: ثم قد يتجوز فى لفظ الشرط بهذا المعنى الخ.

(و اما بمعنى جعل الشي ء شرطا بالمعنى الثانى) الّذي اشار إليه

ص: 136

بمعنى التزام عدم شي ء عند عدم آخر و سيجي ء الكلام فى ذلك.

و اما الشرط فى قوله: ما الشرط فى الحيوان قال: ثلاثة ايام للمشترى، قلت: و ما الشرط فى غيره؟ قال: البيعان بالخيار حتى يفترقا، و قوله: الشرط فى الحيوان ثلاثة ايام للمشترى اشترط او لم يشترط، فيحتمل ان يراد به ما قرّره الشارع و الزمه على المتبايعين او احدهما

______________________________

بقوله الثانى ما يلزم من عدمه العدم (بمعنى التزام عدم شي ء عند عدم آخر) اى يجب عليهم الالتزام بعدم المشروط عند عدم الشرط.

و حاصل معنى الحديث: ان المؤمنين يجب عليهم الخروج عن عهدة التزاماتهم على انفسهم- على المعنى الاول الحقيقى-.

او يجب عليهم الخروج عن عهدة ملتزماتهم- على المعنى الاول المجازى-.

او يجب عليهم الالتزام بعدم المشروط عند عدم الشرط- على المعنى الثانى (و سيجي ء الكلام فى ذلك) و انه باىّ معنى اقرب الى اللفظ ان شاء الله تعالى.

(و اما الشرط فى قوله: ما الشرط فى الحيوان؟ قال) عليه السلام (ثلاثة ايام للمشترى، قلت: و ما الشرط فى غيره؟) اى غير الحيوان من سائر اقسام البيوع (قال: البيعان بالخيار حتى يفترقا، و قوله) عليه السلام (الشرط فى الحيوان ثلاثة ايام للمشترى اشترط) المشترى ذلك لنفسه (او لم يشترط، فيحتمل ان يراد به) اى بلفظ الشرط (ما قرّره الشارع و الزمه على المتبايعين) فى خيار المجلس (او) الزمه على (احدهما)

ص: 137

من التسلط على الفسخ فيكون مصدرا بمعنى المفعول، فيكون المراد به نفس الخيار المحدود من الشارع.

و يحتمل ان يراد به الحكم الشرعى المقرّر، و هو ثبوت الخيار.

و على كل تقدير ففى الاخبار عنه بقوله: ثلاثة ايام، مسامحة.

______________________________

فى خيار الحيوان (من التسلط على الفسخ) «من» بيان «ما قرّره» (فيكون) الشرط (مصدرا بمعنى المفعول) فالسائل سئل: ما هو الملتزم من قبل الشارع (فيكون المراد به) اى بالملتزم (نفس الخيار المحدود من الشارع) بثلاثة ايام او بمدة كونهما فى المجلس.

(و يحتمل ان يراد به) اى بلفظ الشرط (الحكم الشرعى المقرّر) فالشرط اسم مصدر، لانه مستعمل فى الهيئة بدون النسبة (و) المراد بالحكم الشرعى المقرّر (هو ثبوت الخيار) اى الخيار الثابت شرعا و هو الخيار المنسوب الى الشرع.

و الحاصل انه قد يكون السؤال عن الموضوع، اى نفس الخيار فكانه قال السائل: ما هو الخيار فى الحيوان، و قد يكون السؤال عن الحكم، فكانه قال السائل: ما ذا قرّر الشارع فى الحيوان.

(و على كل تقدير) سواء كان السؤال عن الحكم او عن الموضوع (ففى الاخبار عنه بقوله: ثلاثة ايام، مسامحة) اذا الثلاثة ليست موضوعا للخيار و لا حكما للخيار.

فعلى ارجاع لفظ الشرط الى الموضوع يكون التقدير ما مدة الشرط بتقدير لفظ المدة بين «ما» و «الشرط» فان الخيار لا يحمل على ثلاثة

ص: 138

نعم فى بعض الاخبار فى الحيوان كلّه شرط ثلاثة ايام، و لا يخفى توقفه على التوجيه.

______________________________

ايام.

اما مدة الخيار فتحمل على ثلاثة ايام و على ارجاع لفظ الشرط الى الحكم، فيكون التقدير كائن فى الثلاثة.

و من المعلوم ان امثال هذه التقديرات كتقدير لفظ المدة، او كائن، لا تحتاج الى التوجيه لانها من المجازات المتعارفة.

(نعم فى بعض الاخبار فى الحيوان كله شرط ثلاثة ايام، و لا يخفى توقفه على التوجيه) اذ الشرط باىّ معنى كان لا يكون فى الحيوان، بل اللازم ان يقال: الحيوان متعلق الخيار، او متعلق حكم الخيار، فتأمل.

<>

ص: 139

الكلام فى شروط صحة الشرط،
اشارة

و هى امور قد وقع الكلام او الخلاف فيها.

احدها: ان يكون داخلا تحت قدرة المكلف،

فيخرج ما لا يقدر العاقد على تسليمه الى صاحبه سواء كان صفة لا يقدر العاقد على تسليم العين موصوفا بها مثل صيرورة الزرع سنبلا و كون الامة و الدابة تحمل فى المستقبل او تلد كذا او كان عملا كجعل الزرع سنبلا و البسر تمرا، كما مثل به فى القواعد.

______________________________

(الكلام فى شروط صحة الشرط، و هى امور قد وقع الكلام او الخلاف فيها).

(احدها: ان يكون) الشرط (داخلا تحت قدرة المكلف) بان يقدر المكلف على انجاز الشرط مباشرة او بالتسبيب، بفعل نفس الشرط او مقدماته المؤدية إليه، كان يشترط عليه الاحراق، فانه قادر عليه بايجاد مقدماته (فيخرج ما لا يقدر العاقد على تسليمه الى صاحبه سواء كان صفة لا يقدر العاقد على تسليم العين موصوفا بها) اى بتلك الصفة (مثل صيرورة الزرع سنبلا) بان يبيعه الزرع بشرط ان يصير فى المستقبل سنبلا (و كون الامة و الدابة تحمل فى المستقبل او تلد كذا) اى تلد ذكرا او انثى مثلا (او كان عملا كجعل الزرع سنبلا و البسر تمرا، كما مثل به فى القواعد).

ص: 140

لكن الظاهر ان المراد به جعل الله الزرع و البسر سنبلا و تمرا، و الغرض الاحتراز عن اشتراط فعل غير العاقد مما لا يكون تحت قدرته كافعال الله سبحانه، لا عن اشتراط حدوث فعل محال من المشروط عليه، لان الالزام

______________________________

و الفرق بين الصفة و الجعل، ان الصفة لا ينسبها العاقد الى نفسه بخلاف الجعل، ففى الاول لا يقول، انا اجعل، بل يقول هو يصير سنبلا و فى الثانى يقول: انا اجعل.

(لكن الظاهر ان المراد به) اى بالجعل (جعل الله الزرع و البسر) و هو التمر قبل ان يحلو و ينضج (سنبلا و تمرا) فشرط ان يجعل العاقد بنفسه الزرع سنبلا، شرط غير عقلائى، و الكلام فى الشروط التى يجريها العرف، و ان كانت غير مقدورة، واقعا (و الغرض) من شرطهم: كون الشرط داخلا تحت قدرة المكلف (الاحتراز عن اشتراط فعل غير العاقد مما لا يكون تحت قدرته) بان يشترط فعلا ليس هو فعل العاقد، و لا يكون تحت قدرة العاقد (كافعال الله سبحانه) كاشتراط الحمل و السنبل، فان الحمل ليس فعل العاقد، و لا يكون تحت قدرته، بخلاف ما اذا شرط سقى الحديقة مثلا، فانه فعل العاقد، او تحت قدرته بان يأمر عبده او ولده بالسقى (لا) ان قصدهم بهذا الشرط «المقدورية» الاحتراز (عن اشتراط حدوث فعل محال من المشروط عليه) و ان كان الفعل فى نفسه ليس مستحيلا، او كان الفعل فى نفسه أيضا مستحيلا.

و انما قلنا ليس قصدهم الاحتراز عن مثل هذا الشرط (لان الالزام

ص: 141

و الالتزام بمباشرة فعل ممتنع عقلا او عادة مما لا يرتكبه العقلاء و الاحتراز عن مثل الجمع بين الضدين او الطير ان فى الهواء مما لا يرتكبه العقلاء و الاتيان بالقيد المخرج لذلك و الحكم عليه بعدم الجواز، و الصحة، بعيد عن شأن الفقهاء، و لذا لم يتعرضوا لمثل ذلك فى باب الاجارة و الجعالة

مع ان اشتراط كون الفعل سائغا يغنى عن اشتراط القدرة.

______________________________

و الالتزام بمباشرة فعل ممتنع عقلا او عادة) و ان لم يمتنع عقلا (مما لا يرتكبه العقلاء و) من المعلوم ان (الاحتراز عن مثل الجمع بين الضدّين) المستحيل عقلا (او الطير ان فى الهواء) المستحيل عادة (مما لا يرتكبه العقلاء) اذ كلام العقلاء فى الامور الممكنة عقلا و عادة (و الاتيان بالقيد المخرج لذلك) بان يقيدوا الشرط بكونه مقدورا لاخراج المحال العقلى و العادى (و الحكم عليه) اى على هذا النحو من القيد (بعدم الجواز، و) عدم (الصحة، بعيد عن شأن الفقهاء، و لذا لم يتعرضوا لمثل ذلك) القيد المخرج للمستحيلات (فى باب الاجارة و الجعالة) فلم يقولوا: يشترط فى الاجارة ان يكون متعلقها مقدورا، فلا تصح اجارة الانسان على ان يطير، او يجمع بين الضدين- هذا أولا-.

(مع ان اشتراط كون الفعل) و هو الشرط (سائغا) اى جائزا (يغنى عن اشتراط القدرة) فيتأتى ان الشرط يلزم ان يكون جائزا، اذ غير المقدور، لا يصح ان يقال له انه جائز، اذ الجواز و عدم الجواز يتعلقان بالمقدور، كما لا يخفى.

ص: 142

نعم اشتراط تحقق فعل الغير الخارج عن اختيار المتعاقدين المحتمل وقوعه فى المستقبل، و ارتباط العقد به بحيث يكون التراضي منوطا به و واقعا عليه امر صحيح عند العقلاء مطلوب لهم، بل اولى بالاشتراط من الوصف الحالى غير المعلوم تحققه، ككون العبد كاتبا و الحيوان حاملا

______________________________

(نعم اشتراط تحقق فعل الغير الخارج) ذلك الفعل (عن اختيار المتعاقدين) مثل افعال الله تعالى (المحتمل وقوعه فى المستقبل، و ارتباط) عطف على «اشتراط» (العقد به) اى بذلك الفعل، ارتباطا (بحيث يكون التراضي منوطا به) اى بذلك الفعل (و واقعا عليه) مثل ان يقول: انى ابيعك هذا الشي ء بشرط ان لا يأتى الحاج او انى استأجر منك هذه الدار بشرط ان يأتى الزوّار، لانه اذا اتى الحاج او الزوار احتاج الى الدار، ليؤجرها لهم بمبلغ كثير- مثلا- (امر صحيح عند العقلاء مطلوب لهم) فلا وجه للمنع عن مثل هذا الشرط بعد شمول الادلة العقلية و الشرعية له (بل) اشتراط فعل الغير- على النحو الّذي ذكرناه- (اولى بالاشتراط من الوصف الحالى غير المعلوم تحققه) الآن (ككون العبد كاتبا و الحيوان حاملا) مثل ان يشترى العبد بشرط ان يكون كاتبا، فى الحال او يشترى الحيوان بشرط ان يكون حاملا فى الحال.

وجه الاولوية امكان الغناء عن الشرط الحالى بالتجربة- غالبا- فلا يحتاج الى الشرط، بخلاف شرط فعل الغير الاستقبالى، فانه غالبا

ص: 143

و الغرض الاحتراز عن ذلك.

و يدل على ما ذكرنا تعبير اكثرهم ببلوغ الزرع و البسر سنبلا و تمرا او لصيرورتهما كذلك و تمثيلهم لغير المقدور بانعقاد الثمرة و ايناعها و حمل الدابة فى ما بعد و وضع الحامل فى وقت كذا

______________________________

لا يعرف، و لذا يحتاج الى الشرط، فيما اذا كان الغرض متعلقا بالشرط- نعم يصح كلاهما- (و الغرض) من هذا الشرط (الاحتراز عن ذلك) هو الاحتراز عن فعل الغير، لا الاحتراز عن شرط المستحيل عقلا او عادة، اذ قد عرفت ان ذلك لا يليق بكلام الفقهاء.

(و يدل على ما ذكرنا) من انهم قصدوا باشتراط كون الشرط داخلا تحت القدرة، ان لا يكون تحت قدرة الغير، لا انهم قصدوا ان لا يكون محالا (تعبير اكثرهم) لمقابل شرط القدرة (ببلوغ الزرع و البسر سنبلا و تمرا).

و من المعلوم ان ذلك ليس بمحال عقلا و لا عادة، و انما هو بحيث لا يكون داخلا تحت قدرة المشروط عليه، بل داخلا تحت قدرة الله تعالى (او لصيرورتهما كذلك) عطف على «ببلوغ» حيث ان بعضهم عبّر: بشرط ان يبلغ الزرع، و بعضهم عبّر بشرط ان يصير الزرع (و تمثيلهم لغير المقدور) «تمثيلهم» عطف على «تعبير» (بانعقاد الثمرة و ايناعها) اى بنضجها (و حمل الدابة فى ما بعد) العقد (و وضع الحامل فى وقت كذا) فان كل ذلك مقدور لغير الشارط- و خارج عن قدرة الشارط-.

نعم لو شرط تبليغ المشروط عليه البسر تمرا و عقده الثمرة و تحميله

ص: 144

و غير ذلك.

و قال فى القواعد: يجوز اشتراط ما يدخل تحت القدرة من منافع البائع دون غيره، كجعل الزرع سنبلا و البسر تمرا، قال الشهيد ره فى محكى حواشيه على القواعد ان المراد جعل الله الزرع سنبلا و البسر تمرا، لانا انما نفرض فيما يجوز ان

______________________________

الدابة كان ذلك غير مقدور له اصلا، بل محال بالنسبة إليه.

و قوله «و تمثيلهم» مثال آخر لبلوغ الزرع الّذي ذكره أولا، لا انه شي ء جديد، كما ربما يتوهم من ظاهر العبارة (و غير ذلك) من الامثلة.

و الحاصل ان الشيخ يقول: ان قولهم: بوجوب ان يكون الشرط داخلا تحت القدرة، يريدون قدرة الشارط، مقابل ما كان تحت قدرة غيره، بدليل ان اخراج المحال لا يحتاج الى القيد، و بشهادة امثلتهم لا انهم يريدون مطلق القدرة، مقابل المحال العقلى او العادى.

(و) يدل على ما ذكرناه ما ذكره الشهيد فى شرح عبارة القواعد (قال فى القواعد: يجوز اشتراط ما يدخل تحت القدرة من منافع البائع دون غيره) اى دون ما لا يدخل تحت قدرة البائع، و مثّل للغير بقوله (كجعل الزرع سنبلا و البسر تمرا).

ثم (قال الشهيد ره فى محكى حواشيه على القواعد ان المراد) من «الغير» فى كلام العلامة (جعل الله الزرع سنبلا و البسر تمرا) لا ان مراد العلامة اخراج جعل المشروط عليه الزرع سنبلا (لانا انما نفرض) الكلام- فى ان اى شرط صحيح و اى شرط غير صحيح- (فيما يجوزان

ص: 145

يتوهمه عاقل لامتناع ذلك من غير الاله جلّت عظمته، انتهى، لكن قال فى الشرائع: و لا يجوز اشتراط ما لا يدخل فى مقدوره، كبيع الزرع على ان يجعله سنبلا و الرطب على ان يجعله تمرا، انتهى، و نحوها عبارة التذكرة، لكن لا بد من ارجاعها الى ما ذكر، اذ لا يتصور القصد من العاقل الى الالزام و الالتزام بهذا الممتنع العقلى.

______________________________

يتوهمه عاقل).

و جعل الشرط ان يصيّر الله الزرع سنبلا، يجوز ان يتوهمه العقلاء اما ارادتهم شرط ان يجعل المشروط عليه الزرع سنبلا، فليس مفروض الكلام (لامتناع ذلك من غير الاله جلّت عظمته) فلا يمكن ان يقع فيه الكلام حتى يقال: انه لا يجوز (انتهى) كلام الشهيد.

و (لكن قال فى الشرائع) ما ظاهره ان شرط المقدورية لاخراج شرط جعل المشروط عليه الزرع سنبلا- الّذي قلنا انه محال- قال (و لا يجوز اشتراط ما لا يدخل فى مقدوره) اى مقدور المشروط عليه (كبيع الزرع على ان يجعله سنبلا و الرطب على ان يجعله تمرا) اى يجعله المشروط عليه (انتهى، و نحوها عبارة التذكرة) حيث عبّر ب «يجعله» (لكن لا بد من ارجاعها) اى ارجاع عبارة الشرائع و التذكرة (الى ما ذكر) اى الى شرط ان يجعل الله البسر تمرا (اذ لا يتصور القصد من العاقل الى الالزام و الالتزام بهذا الممتنع العقلى) حتى نقول بانه غير جائز،.

و الحاصل ان الفقهاء انما يتكلمون حول الاشياء الممكنة، ليروا ان

ص: 146

اللهم الا ان يراد اعمال مقدمات الجعل على وجه توصل إليه مع التزام الايصال، فاسند الجعل الى نفسه بهذا الاعتبار، فافهم.

______________________________

ايّا منها جائز، و ايا منها غير جائز، اما الاشياء الممتنعة فالعقلاء لا يرتكبونها بانفسهم، فلا يحتاج الى تكلم الفقيه حوله.

(اللّهم الا ان يراد) من عدم صحة شرط ان يجعل ... (اعمال مقدمات الجعل على وجه توصل إليه) اى الى الجعل، فالفقهاء، يريدون ان يقولوا لا يصح ان يشترط على البائع ان يأتى بمقدمات صيرورة البسر تمرا (مع التزام) البائع (الايصال) الى التمرية.

و انما لا يصح هذا الشرط، لان الايصال ليس بيد البائع (فاسند)- بالمجهول- اى فى كلام الفقهاء (الجعل الى نفسه) اى نفس المشروط عليه (بهذا الاعتبار) اى اعتبار إرادة مقدمات الجعل من لفظ الجعل.

فتحصل ان الشرط على أربعة اقسام.

1-: ان يجعل الله الزرع سنبلا، و هذا ممكن غير جائز.

2-: و ان يجعل الانسان الزرع سنبلا، و هذا محال.

3-: و ان يأتى المشروط عليه بالمقدمات فقط، و هذا ممكن جائز.

4-: و ان يأتى المشروط عليه بالمقدمات على وجه توصل الى النتيجة و هذا ممكن غير جائز (فافهم) فان ارجاع عبارتى المحقق و التذكرة الى خلاف ظاهرهما لا وجه له.

ص: 147

و كيف كان فالوجه فى اشتراط الشرط المذكور- مضافا الى عدم الخلاف فيه- عدم القدرة على تسليمه، بل و لا على تسليم المبيع اذا اخذ متصفا به، لان تحقق مثل هذا الشرط بضرب من الاتفاق، و لا يناط بإرادة المشروط عليه فيلزم الغرر فى العقد، لارتباطه بما لا وثوق بتحققه

و لذا نفى الخلاف فى الغنية عن بطلان العقد باشتراط هذا الشرط

______________________________

(و كيف كان فالوجه فى اشتراط الشرط المذكور) اى شرط ان يكون الشرط داخلا تحت قدرة المكلف (- مضافا الى عدم الخلاف فيه-) بين الفقهاء (عدم القدرة على تسليمه) اى تسليم الشرط غير المقدور (بل و لا على تسليم المبيع اذا اخذ) المبيع (متصفا به) اى بهذا الشرط.

و صورة القياس هكذا، هذا الشرط غير مقدور على تسلّمه و كل شرط غير مقدور على تسلّمه فهو باطل، فهذا الشرط باطل.

اما الصغرى: ف (لان تحقق مثل هذا الشرط) انما هو (بضرب من الاتفاق، و لا يناط) تحققه (بإرادة المشروط عليه) فانه ربما يشاء الله سبحانه جعل الزرع سنبلا و ربما يشاء عدمه، و كذلك فى حمل الدابة، و سائر الامثلة.

و اما الكبرى (ف) لانه (يلزم) من اشتراط هذا الشرط (الغرر فى العقد، لارتباطه بما لا وثوق بتحققه) و قد نهى النبي صلى الله عليه و آله عن الغرر.

(و لذا) الّذي ذكرنا من سراية مجهولية الشرط الى العقد فهو غررى (نفى الخلاف فى الغنية عن بطلان العقد باشتراط هذا الشرط) غير

ص: 148

استنادا على عدم القدرة على تسليم المبيع كما يظهر بالتأمل فى آخر كلامه فى هذه المسألة.

و لا ينقض ما ذكرنا بما لو اشترط و صفا حاليا لا يعلم تحققه فى المبيع كاشتراط كونه كاتبا بالفعل او حاملا، للفرق بينهما- بعد الاجماع- بان التزام وجود الصفة فى الحال بناء على وجود الوصف الحالى

______________________________

المقدور (استنادا) فى البطلان (على عدم القدرة على تسليم المبيع) اذ لا يتمكن البائع من تسليم المبيع المشروط بهذا الشرط (كما يظهر) كونه استند الى ذلك (بالتأمّل فى آخر كلامه فى هذه المسألة).

لكن لا يخفى الاشكال فى الكبرى، اذ عدم القدرة لا يجعل الامر غرريا- عرفا- بل العقلاء يتعلق غرضهم بهكذا معاملة، كما تقدم من مثال اشتراطهم الاجارة و البيع بعدم مجي ء الزوّار او بمجيئهم- مثلا-

(و) ان قلت: اذا كان الشرط المجهول التحقق يوجب بطلان الشرط بل بطلان البيع، فلما ذا لا تقولون بمثله فى الشرط الحالى.

قلت: (لا ينقض ما ذكرنا بما لو اشترط وصفا حاليا) و كان الوصف بحيث (لا يعلم تحققه فى المبيع كاشتراط كونه كاتبا بالفعل او حاملا) فى حال انه لا يعلم انه كاتب او انها حامل، فانه لا اشكال فى صحة هذا الشرط مع انه و الشرط الاستقبالى بمنزلة واحدة.

و انما لا ينقص (للفرق بينهما) اى بين الشرط الاستقبالى المجهول و الشرط الحالى المجهول (- بعد الاجماع-) المتقدم (بان التزام وجود الصفة فى الحال بناء على وجود الوصف الحالى) «بناء» خبر «التزام»

ص: 149

و لو لم يعلما به.

فاشتراط كتابة العبد المعين الخارجى بمنزلة توصيفه بها و بهذا المقدار يرتفع الغرر، بخلاف ما سيتحقق فى المستقبل، فان الارتباط به لا يدل على البناء على تحققه.

______________________________

اى ان البائع يلتزم وجود الوصف، و التزامه هذا يرفع الغرر، بخلاف الوصف الاستقبالى فان البائع لا يتمكن من الالتزام به، لانه ليس بيده المستقبل، و اذا لم يتمكن من الالتزام به، كان ذلك غرريا.

ثم ان التزام البائع كاف فى رفع الغرر (و لو لم يعلما به) اى بالوصف هل هو موجود الآن أم لا؟ فان الرافع للغرر الالتزام، لا وجود الوصف الفعلى او العلم به.

(فاشتراط كتابة العبد المعين الخارجى) بان باعه هذا العبد على شرط ان يكون كاتبا الآن حال البيع (بمنزلة توصيفه بها) اى بمنزلة ان يقول: انى ابيعك هذا العبد الكاتب (و بهذا المقدار) من الالتزام و التوصيف (يرتفع الغرر) فلا مانع من مثل هذا البيع (بخلاف ما سيتحقق فى المستقبل) كجعل الزرع سنبلا (فان الارتباط به) اى ارتباط البائع العقد بهذا الشرط الاستقبالى (لا يدل على البناء على تحققه).

و فيه أولا: ان مجرد البناء فى الوصف الحالى لا يخرج العقد من الغرر- اذا كان الجهل بهذا المقدار غررا-.

و ثانيا: ان البناء و التوصيف موجودان فى الاستقبالى أيضا، فهو بمنزلة ان يقول: انى ابيعك هذا الزرع المتصف بانه سيصبح سنبلا.

ص: 150

و قد صرح العلامة فيما حكى عنه ببطلان اشتراط ان تكون الامة تحمل فى المستقبل لانه غرر عرفا، خلافا للمحكى عن الشيخ و القاضى، فحكما بلزوم العقد مع تحقق الحمل، و بجواز الفسخ اذا لم يتحقق و ظاهرهما- كما استفاده فى الدروس- تزلزل العقد باشتراط مجهول التحقق، فيتحقق الخلاف فى مسألة اعتبار القدرة فى صحة الشرط.

و يمكن توجيه كلام الشيخ بارجاع اشتراط الحمل فى المستقبل الى اشتراط صفة حالية موجبة للحمل.

______________________________

(و قد صرح العلامة فيما حكى عنه ببطلان اشتراط ان تكون الامة تحمل فى المستقبل) و علل ذلك بقوله: (لانه غرر عرفا).

ثم ان ما ذكرناه من بطلان الشرط الاستقبالى ليس اتفاقيا، بل (خلافا للمحكى عن الشيخ و القاضى، فحكما بلزوم العقد مع تحقق الحمل) فى المستقبل (و بجواز الفسخ) لانتفاء الشرط (اذا لم يتحقق) الحمل فى المستقبل (و ظاهرهما- كما استفاده فى الدروس- تزلزل العقد باشتراط) شرط (مجهول التحقق) لا بطلان العقد، كما ادعاه الغنية.

و عليه (فيتحقق الخلاف فى مسألة اعتبار القدرة فى صحة الشرط) لان تزلزل العقد يلازم صحة هذا الشرط.

(و يمكن توجيه كلام الشيخ) و القاضى (ب) ما لا ينافى كلام المشهور القائلين ببطلان البيع بمثل هذا الشرط الاستقبالى المجهول ب (ارجاع اشتراط الحمل فى المستقبل الى اشتراط صفة حالية موجبة للحمل) حتى يكون

ص: 151

فعدمه كاشف عن فقدها.

و هذا الشرط و ان كان للتأمل فى صحته مجال، الا ان إرادة هذا المعنى يخرج اعتبار كون الشرط مما يدخل تحت القدرة عن الخلاف.

ثم ان عدم القدرة على الشرط تارة لعدم مدخليته فيه اصلا كاشتراط ان الحامل تضع فى شهر كذا.

______________________________

الشرط حاليا- من قبيل شرط كتابة العبد- بان يشترط ان تكون فى الامة قابلية الحمل (فعدمه) بان لم تحمل، مما يكشف عن انه لم تكن لها قابلية (كاشف عن فقدها) اى فقد تلك الصفة حال العقد، كما لو تبين ان العبد لم يكن كاتبا.

(و هذا الشرط) اى شرط الصفة الحاضرة (و ان كان للتأمل فى صحته مجال) لانه لا يكفى فى دفع الغرر التزام البائع بما لا يعلمان بوجوده و عدمه، و ان التزام البائع وجود الوصف (الا ان إرادة هذا المعنى) من عبارة الشيخ و القاضى (يخرج اعتبار كون الشرط مما يدخل تحت القدرة عن الخلاف).

و يحقق ما ذكرناه سابقا من انه لا خلاف فى ذلك الّا ان ارجاع كلام الشيخ و القاضى الى ما ذكره المصنف خلاف ظاهرهما فلا وجه له، و قد عرفت ان مثل هذا الشرط الاستقبالى لا يوجب الغرر.

(ثم ان عدم القدرة على الشرط تارة لعدم مدخليته) اى عدم مدخلية المشروط عليه (فيه) اى فى الشرط (اصلا) فلا يتمكن من ايجاده

و ذلك (كاشتراط ان الحامل تضع فى شهر كذا) او يوم كذا، او ان يصير الزرع سنبلا.

ص: 152

و اخرى لعدم استقلاله فيه، كاشتراط بيع المبيع من زيد فان المقدور هو الايجاب فقط، لا العقد المركب فان اراد اشتراط المركب فالظاهر دخوله فى اشتراط غير المقدور، الا ان العلامة قدس سره فى التذكرة بعد جزمه بصحة اشتراط بيعه على زيد قال: لو اشترط بيعه على زيد فامتنع زيد من شرائه احتمل ثبوت الخيار بين الفسخ و الامضاء، و العدم، اذ تقديره: بعه على زيدان اشتراه انتهى.

و لا اعرف وجها للاحتمال الاول، اذ على تقدير

______________________________

(و اخرى لعدم استقلاله) اى استقلال المشروط عليه (فيه) اى فى حصول الشرط، و ان كانت له مدخلية (كاشتراط بيع المبيع من زيد) او بيع المبيع من اىّ انسان كان (فان المقدور هو الايجاب فقط، لا العقد المركب) من الايجاب و القبول (فان اراد) الشارط (اشتراط المركب) بان يأتى المشروط عليه بالعقد بايجاب و قبول (فالظاهر دخوله فى اشتراط غير المقدور) و يكون الشرط باطلا حينئذ (الا ان العلامة قدس سره فى التذكرة بعد جزمه بصحة اشتراط بيعه على زيد) مثلا (قال: لو اشترط بيعه على زيد فامتنع زيد من شرائه احتمل ثبوت الخيار) للبائع (بين الفسخ و الامضاء) لان شرطه لم يتحقق (و) احتمل (العدم) فلا خيار له (اذ تقديره) اى تقدير الشرط (بعه على زيدان اشتراه، انتهى) فاذا لم يشتره فلا امر بالبيع فلا خيار، لانه لم يتخلف الشرط- كما لو شرط عليه اكرام زيد ان اتاه فلم يأت زيد- فانه لا مجال للفسخ.

(و لا اعرف وجها للاحتمال الاول) اى ثبوت الخيار (اذ على تقدير

ص: 153

إرادة اشتراط الايجاب فقط قد حصل الشرط.

و على تقدير اشتراط المجموع المركب ينبغى البطلان، الا ان يحمل على صورة الوثوق بالاشتراء فاشتراط النتيجة بناء على حصولها بمجرد الايجاب، فاتفاق امتناعه من الشراء بمنزلة تعذّر الشرط.

و عليه يحمل قوله فى التذكرة و لو اشترط على البائع اقامة

______________________________

إرادة اشتراط) الشارط (الايجاب فقط) او عرضه على البيع ف (قد حصل الشرط) فلا وجه لخيار الفسخ، لان المفروض ان المشروط عليه عرض المتاع على البيع او اوجب البيع.

(و على تقدير اشتراط المجموع المركب) من الايجاب و القبول (ينبغى البطلان) لان هذا الشرط غير مقدور للمشروط عليه، فهذا الشرط باطل لكنك قد عرفت صحة مثل هذا الشرط، فكلام العلامة فى محلّه (الا ان يحمل) كلام العلامة (على صورة الوثوق) من الشارط (بالاشتراء) فالشرط و ان كان غير مقدور، الا ان الوثوق بحصوله كاف فى صحته (فاشتراط النتيجة) اى اشتراط البائع: الاشتراء الخارجى (بناء) خبر «اشتراط» (على حصولها) اى النتيجة (بمجرد الايجاب فاتفاق امتناعه) اى المشترى (من الشراء بمنزلة تعذّر الشرط) المقدور كما اذا شرط على المشترى ان يخيط قبائه ثم اصابه الشلل و لا يقدر على الخياطة، فانه يوجب خيار الفسخ للشارط، لا ان الشرط باطل من اصله

(و عليه) اى على ما ذكرنا من صورة الوثوق بحصول الشرط، ثم تعذر الشرط (يحمل قوله فى التذكرة و لو اشترط) المشترى (على البائع اقامة

ص: 154

كفيل على العهدة فلم يوجد، او امتنع المعين ثبت للمشترى الخيار، انتهى.

و من افراد غير المقدور ما لو شرط حصول غاية متوقفة شرعا على سبب خاص بحيث يعلم من الشرع عدم حصولها بنفس الاشتراط، كاشتراط كون امرأة مزوجة او الزوجة مطلقة من غير ان يراد من ذلك ايجاد الاسباب اما

______________________________

كفيل على العهدة) بان المتاع ان ظهر ملكا للغير، او ظهر معيبا فالكفيل يكفل البائع لئلا يهرب من اداء ما عليه (فلم يوجد) الكفيل الّذي يكفله (او) كان الشرط كفالة انسان معين للبائع، ف (امتنع المعين) عن قبول الكفالة (ثبت للمشترى الخيار).

و انما نحمل كلام العلامة على ذلك، لانه لو لم نحمله عليه كان الشرط باطلا لانه غير مقدور (انتهى) كلام التذكرة.

لكنك قد عرفت عدم الاحتياج الى امثال هذه التجشّمات.

(و من افراد غير المقدور ما لو شرط حصول غاية) بنفس الشرط من دون الاتيان باسبابها الشرعية بان كانت تلك الغاية (متوقفة شرعا على سبب خاص بحيث يعلم من الشرع عدم حصولها بنفس الاشتراط) كان الاولى ادخال ذلك فى اشتراط ان لا يكون الشرط مخالفا للكتاب و السنة (كاشتراط كون امرأة مزوجة) مثل ان يبيع الرجل المتاع لامرأة اجنبية بشرط ان تكون زوجة له بنفس هذا الشرط (او الزوجة مطلقة) كان يبيع للزوج متاعا بشرط ان تكون زوجته مطلقة بنفس هذا الشرط (من غير ان يراد من ذلك) الشرط (ايجاد الاسباب اما

ص: 155

لو اراد ايجاد الاسباب او كان الشرط مما يكفى فى تحققه نفس الاشتراط فلا اشكال.

و لو شك فى حصوله بنفس الاشتراط كملكية عين خاصة فسيأتى الكلام فيه فى حكم الشرط.

الثانى: ان يكون الشرط سائغا فى نفسه،

فلا يجوز اشتراط جعل العنب خمرا و نحوه من المحرمات، لعدم نفوذ الالتزام بالمحرم.

______________________________

لو اراد ايجاد الاسباب) بالشرط بان تكون زوجة له بالنكاح الشرعى، او ان يطلق زوجته (او كان الشرط مما يكفى فى تحققه نفس الاشتراط) كان يشترط البائع، ان تكون دار المشترى ملكا للبائع، فان الشرط كاف فى نقل الملكية (فلا اشكال) فى صحة مثل هذا الشرط، لانه مقدور و جائز شرعا.

(و لو شك فى حصوله) اى حصول ذلك المشروط (بنفس الاشتراط كملكية عين خاصة) اذا شككنا فى انه هل يحتاج الملك الى اسباب خاصة او انها تتحقق بنفس الشرط؟ (فسيأتى الكلام فيه) اى فى حكم ما لو شك و هل يصح شرطه أم لا؟ (فى حكم الشرط) ان شاء الله تعالى.

(الثانى) من شروط صحة الشرط (ان يكون الشرط سائغا فى نفسه فلا يجوز اشتراط جعل العنب خمر او نحوه) كاشتراط نحت الخشب صليبا او صنما (من) سائر (المحرمات) و ذلك (لعدم نفوذ الالتزام بالمحرم) و الا لا نفتح باب تحليل المحرمات و اسقاط الواجبات بالشرط فى ضمن العقد، و هو بديهى البطلان.

ص: 156

و يدل عليه ما سيجي ء من قوله المؤمنون عند شروطهم، الا شرطا احلّ حراما او حرّم حلالا.

فان الشرط اذا كان محرّما كان اشتراطه و الالتزام به احلالا للحرام و هذا واضح لا اشكال فيه.

الثالث: ان يكون مما فيه غرض معتد به عند العقلاء نوعا،

او بالنظر الى خصوص المشروط له.

______________________________

(و يدل عليه ما سيجي ء من قوله) عليه السلام (المؤمنون عند شروطهم الا شرطا احلّ حراما او حرّم حلالا) و المراد بالحلال مقابل الحرام فيشمل الاحكام الاربعة الاخر و هى: الواجب و المندوب و المكروه و المباح و كذلك فى قوله عليه السلام: حلال محمّد «ص» حلال الى يوم القيامة، و حرام محمد حرام الى يوم القيامة- و سيأتى الكلام فيه-.

(فان الشرط اذا كان محرّما كان اشتراطه) من المشترط (و الالتزام به) من المشترط عليه (احلالا للحرام) او تحريما للحلال (و هذا واضح لا اشكال فيه) فان الالتزام و ان لم يكن عملا- و الظاهر الّذي عليه جمع من المحققين ان الالتزام بالاحكام غير لازم، و انما اللازم العمل- الا انه عرفا احلال للحرام، و لا يخفى ان هذا الشرط داخل فى الشرط الرابع فذكره مستقلا لم يعرف له وجه.

(الثالث) من شروط صحة الشرط (ان يكون) الشرط (مما فيه غرض معتد به عند العقلاء نوعا) لهذا المشروط له و لغيره (او بالنظر الى خصوص المشروط له) و ان لم يكن فيه غرض للعقلاء فاذا لم يكن هناك غرض للعقلاء و لهذا الشارط او كان غرض غير معتد به لم يصح الشرط.

ص: 157

و مثل له فى الدروس باشتراط جهل العبد بالعبادات.

و قد صرح جماعة بان اشتراط الكيل او الوزن بمكيال معين او ميزان معين من افراد المتعارف لغو، سواء فى السلم، و غيره.

و فى التذكرة لو شرط ما لا غرض للعقلاء فيه، و لا يزيد به المالية،

______________________________

اما اذا كان فيه غرض للعقلاء لا لهذا الشارط، او كان فيه غرض لهذا الشارط لا للعقلاء، فانه يصح لما سيأتى من انه حق عرفا، فيشمله دليل الشرط المنصرف الى ما كان حقا، و قوله: نوعا، لان الغالب عدم اتفاق كافة العقلاء فى الاغراض.

(و مثل له) الشهيد (فى الدروس) بما فيه غرض لخصوص المشروط له لا عند العقلاء (باشتراط جهل العبد بالعبادات) اذ الجهل لا يتعلق به غرض العقلاء بل العلم غرضهم، و انما شرطه الشارط لان العبد الجاهل لا يقيم العبادة فيزيد فى العمل لمولاه.

(و قد صرح جماعة بان اشتراط الكيل او الوزن بمكيال معين او ميزان معين من افراد) الكيل و الوزن (المتعارف) كما لو اشترى منه بعنوان الكلى طنّا من الطعام بشرط ان يكيله فى هذا المكيال الخاص (لغو، سواء) كان الشرط (فى) بيع (السلم) الّذي هو اعطاء الثمن مقابل المثمن المستقبل (و غيره) كسائر البيوع الكلية.

و انما كان لغوا لانه لا يتعلق به غرض للعقلاء و لا للافراد فى ذلك.

(و) قال (فى التذكرة لو شرط ما لا غرض للعقلاء فيه، و لا يزيد به المالية،

ص: 158

فانه لغو لا يوجب الخيار.

و الوجه فى ذلك ان مثل ذلك لا يعدّ حقا للمشروط له حتى يتضرر بتعذره، فيثبت له الخيار او يعتنى به الشارع فيوجب الوفاء به و يكون تركه ظلما.

فهو نظير عدم امضاء الشارع لبذل المال على ما فيه منفعة لا يعتد بها عند العقلاء.

و لو شك فى تعلق غرض صحيح به

______________________________

فانه لغو لا يوجب) تخلفه (الخيار) و قوله «لا يزيد» من عطف الخاص على العام.

(و) كيف كان، ف (الوجه فى ذلك) الّذي ذكرناه بلزوم الغرض فى الشرط (ان مثل ذلك) الّذي لا غرض فيه (لا يعدّ حقا للمشروط له حتى يتضرر بتعذره) اى بعدم اتيان المشروط عليه به، سواء كان متعذرا أم لا (فيثبت له الخيار) من باب: لا ضرر، (او) حق (يعتنى به الشارع فيوجب الوفاء به) و يدخل تحت: المؤمنون عند شروطهم (و يكون تركه ظلما) فدليل الشرط منصرف عن مثله، فهو داخل فى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

(فهو) اى عدم امضاء الشارع لمثل هذا الشرط (نظير عدم امضاء الشارع لبذل المال على ما فيه منفعة لا يعتد بها عند العقلاء) و لا غرض شخصى للباذل فيه، مثل ان يشترى الخنافس، و ما اشبه مما ذكره الفقهاء انه لا يصح بيعه اذا لم تكن فيه منفعة.

(و لو شك فى تعلق غرض صحيح به) اى بهذا الشرط، سواء كان

ص: 159

حمل عليه.

و من هنا اختار فى التذكرة صحة اشتراط ان لا يأكل الا الهريسة، و لا يلبس الا الخز.

و لو اشترط كون العبد كافرا ففى صحته او لغويته قولان للشيخ، و الحلى.

من تعلق الغرض المعتد به لجواز بيعه على المسلم و الكافر، و لاستغراق اوقاته بالخدمة.

و من ان الاسلام يعلو و لا يعلى عليه،

______________________________

الشاك البائع او المشترى (حمل عليه) اى على ان فيه غرضا صحيحا، لاصالة الصحة.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 14، ص: 160

(و من هنا) الّذي يكفى الشك فى الغرض الصحيح، فى وجوب الوفاء بالشرط (اختار فى التذكرة صحة اشتراط ان لا يأكل) العبد (الا الهريسة و لا يلبس الا الخز) لاحتمال ان يكون للبائع الشارط غرض صحيح.

(و لو اشترط كون العبد كافرا ففى صحته او لغويته قولان للشيخ) فقال باللغوية (و الحلى) فقال بالصحة.

(من تعلق الغرض المعتد به لجواز بيعه على المسلم و الكافر) بينما العبد المسلم لا يجوز بيعه للكافر (و لاستغراق اوقاته بالخدمة) بخلاف المسلم الّذي يصرف بعض وقته فى العبادة و الطهارة و نحوهما- و هذا وجه صحة الاشتراط-.

(و من ان الاسلام يعلو و لا يعلى عليه) فلا يمكن ان يكون العبد

ص: 160

و الاغراض الدنيوية لا تعارض الاخروية.

و جزم بذلك فى الدروس و بما قبله العلامة قدس سره.

الرابع: ان لا يكون مخالفا للكتاب و السنة.

فلو اشترط رقية حرّ او توريث اجنبى كان

______________________________

الكافر افضل من المسلم، فلا يكون فى المسلم الخيار، دون الكافر (و الاغراض الدنيوية) كالبيع للمسلم و الكافر، و استغراق الوقت بالخدمة (لا تعارض الاخروية) بل الاخروية تقدم على الدنيوية- و هذا وجه لغوية الاشتراط-.

و المراد بالغرض الاخروى بغض الكفر و حب الاسلام، و حب العبادة مما ينفع فى الآخرة.

(و جزم بذلك) اى باللغوية- تبعا للشيخ- (فى الدروس و بما قبله) اى بالصحة تبعا ل (العلامة) الحلّى (قدس سره).

و كان المصنف رحمه الله توقف فى المسألة و لذا لم يرجح احدهما على الآخر و مثل اشتراط الكفر اشتراط ان يكون عاصيا بترك العبادات

نعم ربما يقال ان مثل هذا الشرط مناف لمنع المنكر و دفعه الّذي من اعظم الكفر ثم ترك العبادات.

(الرابع) من شروط صحة الشرط (ان لا يكون مخالفا للكتاب و السنة) مخالفا فى مطلق الاحكام، او فى الاحكام التكليفية.

(فلو اشترط رقية حرّ) او حرّية عبد (او توريث اجنبى) او حرمان وارث و كذلك اذا شرط ان لا يصلّى او ان يشرب الخمر (كان) الشرط

ص: 161

فاسدا، لان مخالفة الكتاب و السنة لا يسوغهما شي ء.

نعم قد يقوم احتمال تخصيص عموم الكتاب و السنة بادلة الوفاء بل قد جوز بعض تخصيص عموم ما دل على عدم جواز الشرط المخالف للكتاب و السنة.

______________________________

(فاسدا، لان مخالفة الكتاب و السنة لا يسوغهما شي ء) من شرط او عهد او نذر او يمين او امر والدين او زوج او غير ذلك.

اما ارتفاع الاحكام بالاضطرار و نحوه فليس ذلك مخالفة للكتاب و السنة بل هى موافقة للكتاب و السنة لانهما قالا: برفع الحكم لدى الاضطرار.

(نعم قد يقوم احتمال تخصيص عموم الكتاب و السنة بادلة الوفاء) فيما اذا ورد دليل خاص على جواز شرط فى مورد خاص، مع كونه مخالفا للكتاب و السنة بان يقال: ان دليل الوفاء بالشرط مثل ادلة الاضطرار تخصص عموم الكتاب و السنة، لان دليل الوفاء مثل دليل الاضطرار حاكم على عموم الكتاب، لانه دليل ثانوى، و الكتاب و السنة دليل اوّلى، و الدليل الثانوى مقدم على الدليل الاولى.

و لا يخفى ان هذا مجرد احتمال و ليس بصحيح كما يظهر مما يأتى (بل قد جوز بعض تخصيص عموم ما دل على عدم جواز الشرط المخالف للكتاب و السنة).

ثم انه انما استدرك ذلك بقوله «نعم» لافادة ان ما ذكره أولا بقوله «لان مخالفة الكتاب» خاص بما كان التنافى بين الشرط و الكتاب بنحو

ص: 162

لكنه مما لا يرتاب فى ضعفه.

و تفصيل الكلام فى هذا المقام و بيان معنى مخالفة الشرط للكتاب و السنة موقوف على ذكر الاخبار الواردة فى هذا الشرط، ثم التعرض لمعناها.

______________________________

التباين.

و الحاصل ان الشرط قد يكون مخالفا للكتاب و السنة بنحو التباين و لا اشكال فى تقديم الكتاب و السنة فلا احتمال لتقديم الشرط اصلا، اما اذا كانت المخالفة بنحو العموم المطلق فهناك احتمال تقديم الشرط.

(لكنه) مجرد احتمال، و هو (مما لا يرتاب فى ضعفه).

لان الحكم قد يكون ثابتا للموضوع على كل تقدير، و فى هذه الصورة لا اشكال فى ان العنوان الطارئ بالشرط لا يتمكن من تغيير الحكم- لفرض ان الحكم ثابت على كل تقدير-.

و قد يكون ثابتا للموضوع بعنوانه الاوّلى- مع قطع النظر عن العنوان الطارئ بالشرط- و فى هذه الصورة ان تغير الحكم بالشرط لم يكن ذلك مخالفا للكتاب، اذ الكتاب لم يثبت الحكم على كل تقدير بل اثبته بالعنوان الاوّلى للموضوع- حسب الفرض-.

(و تفصيل الكلام فى هذا المقام و بيان معنى مخالفة الشرط للكتاب و السنة) و بيان انه فى اىّ مورد يخالف الشرط و فى اىّ مورد لا يخالف (موقوف على ذكر الاخبار الواردة فى هذا الشرط) اى شرط ان لا يكون الشرط مخالفا للكتاب (ثم التعرض لمعناها) حتى تتبين دلالتها.

ص: 163

فنقول: ان الاخبار فى هذا المعنى مستفيضة، بل متواترة معنى.

ففى النبوى المروى صحيحا عن ابى عبد الله عليه السلام: من اشترط شرطا سوى كتاب الله عز و جل، فلا يجوز ذلك له و لا عليه.

و المذكور فى كلام الشيخ و العلامة ره المروى من طريق العامة قوله صلى الله عليه و آله فى حكاية بريرة لما اشترتها عائشة و شرط مواليها عليها ولائها، ما بال اقوام يشترطون شروطا ليست فى كتاب الله فما كان من شرط

______________________________

(فنقول: ان الاخبار فى هذا المعنى) اى ان لا يكون الشرط مخالفا للكتاب و السنة (مستفيضة، بل متواترة معنى) و التواتر المعنوى عبارة عن ان يكون المعنى واحد او ان كان اللفظ متعددا.

(ففى النبوى المروى صحيحا عن ابى عبد الله عليه السلام: من اشترط شرطا سوى كتاب الله) اى ليس فى كتاب الله (عز و جل، فلا يجوز ذلك) الشرط (له) اى للشارط فليس له المطالبة به (و لا عليه) اى على المشروط عليه، فليس عليه الوفاء به.

(و) كذلك الخبر (المذكور فى كلام الشيخ و العلامة ره المروى من طريق العامة قوله صلى الله عليه و آله فى حكاية بريرة) و هى امة (لما اشترتها عائشة و شرط مواليها عليها) اى على عائشة (ولائها) اى بانها اذا ماتت، هم يرثونها لا عائشة- و هذا ما يسمى بولاء العتق فى باب الارث، قال صلى الله عليه و آله و سلم (ما بال اقوام يشترطون شروطا ليست فى كتاب الله) اى لم يصدّق و لم يقرر الكتاب هذه الشروط (فما كان من شرط

ص: 164

ليس فى كتاب الله عز و جل فهو باطل، قضاء الله احق، و شرطه اوثق، و الولاء لمن اعتق.

و فى المروى موثقا عن امير المؤمنين عليه السلام من شرط لامرأته شرطا فليف به لها فان المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرّم حلالا او احلّ حراما

______________________________

ليس فى كتاب الله عز و جل فهو باطل) وضعا، و الظاهر انه حرام تكليفا اذ هو من الامر بالمنكر و التعاون عليه (قضاء الله) اى حكمه (احق) بالاتباع

- و التفضيل هنا لا يراد به معنى المفاضلة الحقيقة حتى يكون قضاء غير الله حقا أيضا، بل المراد انه حق، و انما يؤتى بالتفضيل للتعبير العرفى- (و شرطه اوثق) و المراد بالشرط هنا الحكم، و عبّر به للمقابلة مع شرط البائع، فهو من قبيل: تعلم ما فى نفسى و لا اعلم ما فى نفسك، مع ان الله سبحانه لا نفس له.

و معنى اوثق انه متين محكم لا يقبل الانفصام و البطلان، فقضاء الله مطابق للحق و الواقع اى للمصلحة، و شرطه سبحانه وثيق متين لا يسقط من تمسك به كالحبل الّذي يتعلق به الانسان فانه اذا كان متينا يأمن من القطع و السقوط (و الولاء لمن اعتق) لا لمن باع للمعتق.

(و فى المروى موثقا عن امير المؤمنين عليه السلام من شرط لامرأته شرطا) اى فى ضمن النكاح (فليف به) اى بالشرط (لها، فان المسلمين عند شروطهم) اى من احكام الاسلام ان يكون الانسان عند شرطه فلا يفارق شرطه بالمخالفة (الا شرطا حرّم حلالا او احلّ حراما) و قد تقدم المراد بالحلال فى امثال هذه الروايات و سيأتى أيضا.

ص: 165

و فى صحيحة الحلبى: كل شرط خالف كتاب الله فهو مردود.

و فى صحيحة ابن سنان من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله عز و جل فلا يجوز له، و لا يجوز على الّذي اشترط عليه، و المسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب الله.

و فى صحيحته الاخرى: المؤمنون عند شروطهم الّا كلّ شرط خالف كتاب الله عز و جل فلا يجوز.

و فى رواية محمد بن قيس عن ابى جعفر عليه السلام فى من تزوج امرأة و اصدقها

______________________________

(و فى صحيحة الحلبى) قال عليه السلام (كل شرط خالف كتاب الله فهو مردود) اى باطل.

(و فى صحيحة ابن سنان) قال عليه السلام (من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله عز و جل فلا يجوز له) اى للشارط المطالبة، او المراد لا يجوز له ان يشترط هذا الشرط اى يحرم عليه- على ما عرفت من انه امر بالمنكر- (و لا يجوز على الّذي اشترط عليه) ان يأتى به (و المسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب الله) اى اباحه الكتاب و لو على نحو العموم.

(و فى صحيحته الاخرى) قال عليه السلام (المؤمنون عند شروطهم الّا كلّ شرط خالف كتاب الله عز و جل فلا يجوز) اى لا ينفذ- وضعا- او لا يجوز- تكليفا- و اذا لم يجز تكليفا لم ينفذ وضعا- كما لا يخفى-.

(و فى رواية محمد بن قيس عن ابى جعفر عليه السلام، فى من تزوج امرأة و اصدقها

ص: 166

و اشترطت عليه ان بيدها الجماع و الطلاق، قال: خالفت السنة و وليت حقا ليست اهلاله، فقضى ان عليه الصداق و بيده الجماع و الطلاق، و ذلك السنة.

و فى معناها مرسلة ابن بكير عن ابى عبد الله عليه السلام و مرسلة مروان بن مسلم، الا ان فيهما عدم جواز هذا النكاح.

______________________________

و اشترطت عليه ان بيدها الجماع و الطلاق، قال: خالفت السنة) اى الحكم الاسلامى (و وليت) بالمجهول اى فوض إليها (حقا ليست اهلاله) اى ان الشارع لم يجعل لها هذا الحق لا ابتداءً و لا بالشرط (فقضى) اى حكم الامام عليه السلام (ان عليه) اى على الرجل (الصداق) فلم يوجب بطلان الشرط بطلان النكاح، كما لم يوجب سقوط الشرط اكثرية الصداق على الرجل، حيث ربما يزعم ان كون الشرط للمرأة تقليل صداقها فاذا سقط الشرط كان اللازم ازدياد الصداق (و بيده الجماع و الطلاق و ذلك السنة).

و لا يخفى ان هذا لا ينافى اعطائها الوكالة فى ان تطلق نفسها بشرط كذا، اذ التوكيل جائز سواء كان الوكيل رجلا او امرأة، زوجا او غيره.

اما الجماع فلعل المراد بالشرط الشرط بعد عقد الزواج، لان ظاهر الواو الترتيب، كما قالوا ان ظاهره ذلك فى قوله تعالى: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ، الآية.

(و فى معناها مرسلة ابن بكير عن ابى عبد الله عليه السلام و مرسلة مروان بن مسلم، الا ان فيهما عدم جواز هذا النكاح).

ص: 167

و فى رواية ابراهيم بن محرز، قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام:

رجل قال لامرأته امرك بيدك فقال عليه السلام: انى يكون هذا، و قد قال الله تعالى: الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ.

و عن تفسير العياشى، عن ابن مسلم، عن ابى جعفر عليه السلام، قال: قضى امير المؤمنين عليه السلام فى امرأة تزوجها رجل، و شرط عليها و على اهلها: ان تزوج عليها او هجرها او اتى عليها

______________________________

و لعل وجه ذلك ان الطلاق لا يكون بيد المرأة الا وكالة، فجعل الطلاق بيد المرأة خلاف حكم الله، فاذا رضيت المرأة بالنكاح المقيد فلا رضا لها بالنكاح المجرد، و يكون النكاح حينئذ باطلا لعدم الرضا.

(و فى رواية ابراهيم بن محرز، قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام رجل قال لامرأته امرك بيدك) فاطلاق الرواية شامل لما اذا قال ذلك بعد النكاح، او قال ذلك شرطا فى ضمن النكاح، و كانّه لهذا ذكره المصنف فى عداد هذه الاخبار (فقال عليه السلام: انى يكون هذا، و قد قال الله تعالى: الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ) فان كان ذلك بعد العقد فهو وعد لا يجب الوفاء به، و ان كان فى ضمن النكاح فهو شرط خلاف الكتاب، اذ القيمومة حكم و ليس بحق و لذا لا يقبل الانتقال او الاسقاط او الارث.

(و عن تفسير العياشى، عن ابن مسلم، عن ابى جعفر عليه السلام قال: قضى امير المؤمنين عليه السلام فى امرأة تزوجها رجل، و شرط عليها و على اهلها: ان تزوج عليها او هجرها) هجرا شرعيا (او اتى عليها

ص: 168

سرية فهى طالق، فقال عليه السلام: شرط اللّه قبل شرطكم ان شاء وفى بشرطه و ان شاء امسك امرأته و تزوج عليها و تسرّى و هجرها ان اتت بسبب ذلك، قال اللّه تعالى: فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ مَثْنىٰ وَ ثُلٰاثَ، و قال: أُحِلَّ لَكُمْ. مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ، وَ اللّٰاتِي تَخٰافُونَ نُشُوزَهُنَّ الآية

ثم الظاهر ان المراد بكتاب اللّه

______________________________

سرية) اى امة (فهى طالق) فهل يصح هذا الشرط (فقال عليه السلام شرط اللّه قبل شرطكم) «شرط الله» اى حكم اللّه سمى شرطا، اما من باب ما تقدم فى معنى الشرط، و اما من باب المقابلة «بشرط الرجل» من قبيل: تعلم ما فى نفسى و لا اعلم ما فى نفسك (ان شاء و فى بشرطه) بمعنى لم يفعل كل ذلك، او اذا فعل طلق زوجته (و ان شاء امسك امرأته و تزوج عليها و تسرّى و هجرها ان اتت بسبب ذلك) الهجران، و هو النشوز.

و ذلك لان الطلاق لا يكون الا بسببه، لا بهذه الاعمال، فشرطه باطل

ثم استدل الامام عليه السلام لذلك بقوله: (قال الله تعالى:

فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ مَثْنىٰ وَ ثُلٰاثَ) فللرجل حق التزويج عليها (و قال: أُحِلَّ لَكُمْ. مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ) فللرجل حق التسرّى.

و الظاهر ان المراد نقل معنى الآية، و الا فلا توجد هكذا آية فى القرآن، و قال: (وَ اللّٰاتِي تَخٰافُونَ نُشُوزَهُنَّ الآية) فَعِظُوهُنَّ وَ اهْجُرُوهُنَّ فللرجل حق الهجران ان اتت بسبب الهجران من النشوز.

(ثم الظاهر) من بعض الروايات كرواية بريرة (ان المراد بكتاب اللّه

ص: 169

هو ما كتب اللّه على عباده من احكام الدين، و ان بيّنه على لسان رسوله (ص)

فاشتراط ولاء المملوك لبايعه انما جعل فى النبوى مخالفا لكتاب اللّه بهذا المعنى.

لكن ظاهر النبوى، و احدى صحيحتى ابن سنان: اشتراط موافقة كتاب اللّه فى صحة الشرط، و ان ما ليس فيه

______________________________

هو ما كتب اللّه على عباده، من احكام الدين، و ان بيّنه على لسان رسوله (ص) بان ذكره الرسول او الأئمة الطاهرون عليهم السلام.

(فاشتراط ولاء المملوك لبايعه انما جعل فى النبوى) اى خبر بريرة (مخالفا لكتاب اللّه بهذا المعنى) اى الكتاب الشامل للسنة.

لكن ربما يقال: ان المراد نفس الكتاب الّذي هو القرآن الحكيم، و العمومات تدل على كل حكم.

فحال ما نحن فيه حال عرض الخبرين المتعارضين على القرآن.

اما خبر بريرة: فلعله- بعد عدم حجيته سندا- اراد ان كون الولاء للبائع مخالف لانقطاعه عن المبيع و انتقاله الى المشترى، فهو مخالف لقوله: تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ.

و كيف كان فقد تقدم اشتراط ان لا يكون الشرط مخالفا لكتاب الله، فلا تعتبر الموافقة، و انما المعتبر عدم المخالفة.

(لكن ظاهر النبوى) حيث قال: قضاء الله احق، الظاهر فى لزوم المطابقة مع قضاء الله (و احدى صحيحتى ابن سنان) و هى الصحيحة الاولى (اشتراط موافقة كتاب اللّه فى صحة الشرط، و ان ما ليس فيه) كما فى

ص: 170

او لا يوافقه، فهو باطل.

و لا يبعد ان يراد بالموافقة عدم المخالفة نظرا الى موافقة ما لم يخالف كتاب الله بالخصوص لعموماته المرخّصة للتصرفات غير المحرمة

______________________________

النبوى (أو لا يوافقه) كما فى الصحيحة (فهو باطل).

و الفرق بين لزوم الموافقة و لزوم عدم المخالفة يظهر فيما اذا لم يكن حكم فى القرآن، فان كان اللازم الموافقة، بطل ذلك الشرط، اما اذا كان اللازم عدم المخالفة، لم يبطل لان الشرط حينئذ لم يكن مخالفا، من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

(و لا يبعدان يراد بالموافقة عدم المخالفة) فكل ما لم يخالف موافق، و ليس بين الامرين عموم مطلق.

و انما نقول بان ذلك ليس ببعيد، لانه عبّر فى الروايات بالتعبيرين و هما: الموافقة و عدم المخالفة، بل فى رواية واحدة عبّر بالامرين كما فى صحيحة ابن سنان الاولى.

و الجمع العرفى بين الامرين يقتضي ان يكون بينهما تساويا، و لذا عبّر باحدهما مرة، و بالآخر مرة اخرى.

ان قلت: كيف يكون كل ما لم يخالف، موافقا، فانا نرى ان بعض الاحكام ليس بمخالف، لانه غير مذكور فى القرآن، لكنه ليس بموافق.

قلت: انما نقول ذلك (نظرا الى موافقة ما لم يخالف كتاب الله بالخصوص لعموماته المرخّصة)- بصيغة الفاعل- (للتصرفات غير المحرمة

ص: 171

فى النفس و المال، فخياطة ثوب البائع مثلا موافق للكتاب بهذا المعنى

ثم ان المتصف بمخالفة الكتاب اما نفس المشروط و الملتزم ككون الاجنبى وارثا و عكسه، و كون الحر أو ولده رقّا، و ثبوت الولاء لغير المعتق و نحو ذلك.

______________________________

فى النفس و المال، فخياطة ثوب البائع مثلا) اذا شرطه على المشترى (موافق للكتاب بهذا المعنى) فانه ليس بمخالف، حيث انه ليس بمنهى عنه، و موافق، لانه قال: تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ، مثلا.

ثم لا يخفى ان المصنف لا يحتاج الى تجشم التوفيق، بين الموافقة و عدم المخالفة، اذ بنائه على ان المراد بالكتاب الاعم من الكتاب و السنة.

و من المعلوم انه ذكر فى السنة حكم كل شي ء، فكل ما ليس بمخالف للسنة موافق لها قطعا، و ليست السنة كالقرآن بحيث لم يذكر فيها كثير من الاحكام- بالنص-.

(ثم ان المتصف بمخالفة الكتاب اما نفس المشروط و الملتزم)- بصيغة المفعول- (ككون الاجنبى وارثا و عكسه) اى القريب ليس بوارث (و كون الحرّ او ولده) اى ولد الحر- كما لو باع الحر جاريته و شرط على المشترى ان يكون ولدهما (رقّا) للبائع- (و ثبوت الولاء لغير المعتق و نحو ذلك)

فان هذه الملتزمات مخالفة للكتاب مع قطع النظر عن الالتزام بها فان من يلتزم عدم شرب الماء لم يفعل حراما، و ان كان الماء فى الاسلام حلال شربه، اما انقلاب الحرّ عبدا فقد حرمه الاسلام.

ص: 172

و اما ان يكون التزامه مثلا: مجرد عدم التسرّى و التزوج على المرأة ليس مخالفا للكتاب، و انما المخالف الالتزام به، فانه مخالف لإباحة التسرّى و التزوج الثابتة بالكتاب.

______________________________

(و اما ان يكون) المخالف للكتاب (التزامه) و ان لم يكن نفس الملتزم حراما (مثلا: مجرد عدم التسرّى و) عدم (التزوج على المرأة) و هى الزوجة السابقة (ليس مخالفا للكتاب) اذ الكتاب اباح كلا من التسرّى و التزوج، فان شاء الانسان فعله و ان شاء تركه (و انما المخالف) للكتاب (الالتزام به) بان يلتزم الانسان بنذر او شرط او ما اشبه، ان لا يتسرّى او لا يتزوج (فانه) اى الالتزام (مخالف لاباحة التسرّى و التزوج الثابتة) تلك الاباحة (بالكتاب).

ان قلت: ما هو الفرق بين شرب الماء و بين التسرّى، فان كليهما مباح، و الحال انكم تقولون بجواز نذر عدم شرب الماء فلما ذا لا تقولون بمثله فى التسرّى.

قلت: المباح على قسمين، قسم فهمنا من الشارع انه لا يريد الا بقائه مباحا، و قسم لم نفهم من الشارع ذلك.

ففى القسم الاول لا مجال للادلة الثانوية، بل يبقى على اباحته، و ان عرض عليه النذر او الشرط او ما اشبه.

و امّا القسم الثانى ففيه مجال للادلة الثانوية.

و التسرى من القسم الاوّل حسب الدليل، و شرب الماء من القسم الثانى

ص: 173

و قد يقال: ان التزام ترك المباح لا ينافى اباحته، فاشتراط ترك التزوج و التسرى لا ينافى الكتاب، فينحصر المراد فى المعنى الاول.

و فيه ان ما ذكر لا يوجب الانحصار، فان التزام ترك المباح و ان لم يخالف الكتاب المبيح له الا ان التزام فعل الحرام يخالف الكتاب المحرّم له، فيكفى هذا مصداقا لهذا المعنى.

______________________________

(و قد يقال: ان التزام ترك المباح لا ينافى اباحته) اذ الاباحة حكم اوّلى، و الالتزام يكون بالحكم الثانوى كالنذر و الشرط (فاشتراط ترك التزوج و) ترك (التسرّى لا ينافى الكتاب، فينحصر المراد) من مخالف الكتاب (فى المعنى الاول) و هو ما كان نفس الملتزم مخالفا للكتاب و لا معنى لكون الالتزام فى نفسه مخالفا للكتاب.

(و فيه ان ما ذكر) اى ان التزام ترك المباح ليس مخالفا للكتاب فاللازم ان يكون المراد بمخالف الكتاب خاصا بما اذا كان الملتزم مخالفا (لا يوجب الانحصار) فان اخراج التزام ترك المباح لا يحصر مخالفة الكتاب بما اذا كان الملتزم مخالفا، بل هناك فرد آخر يكون التزامه مخالفا للكتاب فيثبت ما ذكرنا من ان مخالف الكتاب اما الملتزم، و اما الالتزام (فان التزام ترك المباح و ان لم يخالف الكتاب المبيح له) اى لذاك المباح (الا ان التزام فعل الحرام) كان يلتزم الانسان بالنذر او الشرط ان يشرب الخمر مثلا (يخالف الكتاب المحرّم له) اى لذلك الحرام، فالالتزام أيضا صار مخالفا للكتاب فى بعض الصور (فيكفى هذا) القسم من الالتزام المخالف للكتاب (مصداقا لهذا المعنى) اى ما ذكرنا بقولنا: و اما ان يكون التزامه.

ص: 174

مع ان الرواية المتقدمة الدالة على كون اشتراط ترك التزوج و التسرّى مخالفا للكتاب مستشهدا عليه بما دلّ من الكتاب على اباحتهما كالصريحة فى هذا المعنى.

و ما سيجي ء من تأويل الرواية بعيد.

مع ان قوله عليه السلام فى رواية اسحاق بن عمار: المؤمنون عند شروطهم، الا شرطا حرّم حلالا او احلّ حراما ظاهر، بل صريح فى فعل الشارط.

______________________________

(مع ان الرواية المتقدمة الدالة على كون اشتراط ترك التزوج، و) ترك (التسرى مخالفا للكتاب مستشهدا) فى الرواية (عليه) اى على انه مخالف للكتاب (بما دلّ من الكتاب على اباحتهما) اى قوله تعالى:

فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ و قوله تعالى: أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ* (كالصريحة فى هذا المعنى) الّذي ذكرناه، و هو ان الالتزام مخالف للكتاب، و ان لم يكن الملتزم مخالفا للكتاب.

(و ما سيجي ء من تأويل الرواية) بان المراد ترتب الطلاق على هذه الامور بدون اجراء الصيغة- و عليه فالملتزم خلاف الكتاب لا الالتزام- (بعيد) لما سيجي ء من انه خلاف استشهاد الامام بالآيات.

(مع ان قوله عليه السلام فى رواية اسحاق بن عمّار: المؤمنون عند شروطهم، الا شرطا حرّم حلالا، او احل حراما، ظاهر، بل صريح فى فعل الشارط) فليس المراد ان المشترط مخالف للكتاب، بل المراد ان الالتزام مخالف للكتاب فالاحلال و التحريم- الصادران من الشارط- مستثنيان

ص: 175

فانه الّذي يرخص باشتراطه الحرام الشرعى و يمنع باشتراطه عن المباح الشرعى، اذ المراد من التحريم و الاحلال ما هو من فعل الشارط، لا الشارع.

و اصرح من ذلك كله المرسل المروى فى الغنية: الشرط جائز بين المسلمين ما لم يمنع منه كتاب او سنة.

ثم ان المراد بحكم الكتاب و السنة

______________________________

من قاعدة: المؤمنون عند شروطهم (فانه) اى الشارط هو (الّذي يرخص ب) سبب (اشتراطه الحرام الشرعى) «الحرام» مفعول «يرخص» (و) هو الّذي (يمنع ب) سبب (اشتراطه عن المباح الشرعى) ففعله حرام، و لا يشمله: المؤمنون عند شروطهم (اذ المراد من التحريم و الاحلال) فى قوله عليه السلام: حرّم حلالا او احلّ حراما (ما هو من فعل الشارط، لا) من فعل (الشارع) فليس المراد ان الملتزم حرام، بل المراد الالتزام غير صحيح.

(و اصرح من ذلك كله) فى افادة انه قد يكون نفس الالتزام حراما (المرسل المروى فى الغنية: الشرط جائز بين المسلمين ما لم يمنع منه) اى من الشرط (كتاب او سنة) فانه صريح فى ان الشرط فى نفسه ممنوع بالكتاب و السنة، لا ان متعلق الشرط- اى الملتزم- فثبت ما ذكرناه من انه قد يكون الملتزم مخالفا و قد يكون الالتزام مخالفا، فظهر عدم تمامية ما تقدم من جملة: و قد يقال ان التزام ترك المباح الخ.

(ثم ان المراد بحكم الكتاب و السنة) الّذي يجب ان لا يكون الشرط

ص: 176

الّذي يعتبر عدم مخالفة المشروط او نفس الاشتراط له هو ما ثبت على وجه لا يقبل تغيّره بالشرط لاجل تغيّر موضوعه بسبب الاشتراط.

توضيح ذلك ان حكم الموضوع قد يثبت له من حيث نفسه و مجردا من ملاحظة عنوان آخر طار عليه.

______________________________

مخالفا له، فان جملة: الشرط مخالف لحكم الكتاب تشتمل على اربع كلمات و قد بيّنا ان المراد بالشرط هو الاعم من الالتزام و الملتزم، و بيّنا ان المراد بالمخالف و الموافق ما هو، و بيّنا المراد بالكتاب انه كل حكم الله تعالى بقى ان نبيّن المراد بالحكم.

فنقول المراد بحكم الكتاب و السنة (الّذي يعتبر عدم مخالفة المشروط)- اى الملتزم- (او نفس الاشتراط)- اى الالتزام- (له) اى لذلك الحكم (هو ما ثبت) فى الشرع (على وجه لا يقبل تغيّره بالشرط) تغيّرا (لاجل تغيّر موضوعه بسبب الاشتراط) فانه ربما يتغيّر الحكم بسبب الشرط، بتغيّر موضوع الحكم بسبب الاشتراط.

مثلا: اذا شرط ان لا يشرب الماء، فانه تغيّر حكم الماء و هو الاباحة بهذا الشرط، لتغيّر موضوع الاباحة، و هو بما هو هو بسبب الاشتراط لان الماء بما هو هو، غير الماء بما هو مشروط عدم شربه، فالاباحة هى الحكم الاول و التحريم هو الحكم الثانى.

(توضيح ذلك) و انه كيف يتغيّر الموضوع بالشرط، فيتبعه تغير الحكم (ان حكم الموضوع قد يثبت له) اى للموضوع (من حيث نفسه) اى نفس الموضوع (و مجردا من ملاحظة عنوان آخر طار عليه) اى على الموضوع.

ص: 177

و لازم ذلك من عدم التنافى بين ثبوت هذا الحكم و بين ثبوت حكم آخر له اذا فرض عروض عنوان آخر لذلك الموضوع.

و مثال ذلك اغلب المباحات و المستحبات و المكروهات بل جميعها، حيث ان تجويز الفعل و الترك انما هو من حيث ذات الفعل، فلا ينافى طروّ عنوان يوجب المنع عن الفعل او الترك كأكل اللحم، فان الشرع قد دلّ على اباحته فى نفسه بحيث لا ينافى عروض التحريم له اذا حلف على تركه أو أمر الوالد بتركه، او عروض الوجوب له اذا صار مقدمة لواجب او نذر فعله مع انعقاده

______________________________

(و لازم ذلك) اى كون الحكم للموضوع (من) حيث نفسه (عدم التنافى بين ثبوت هذا الحكم) الاول- كالاباحة للماء- (و بين ثبوت حكم آخر له) اى للموضوع (اذا فرض عروض عنوان آخر لذلك الموضوع) كعنوان ان الماء مشروط عدم شربه

(و مثال ذلك) الموضوع الثابت له الحكم من حيث نفسه (اغلب المباحات و المستحبات و المكروهات بل جميعها حيث ان تجويز) الشارع (الفعل و الترك) بالتساوى، كما فى المباح، او مع ترجيح الفعل، كما فى المستحب او مع ترجيح الترك كما فى المكروه (انما هو من حيث ذات الفعل) بما هو بدون طروّ عنوان آخر ثانوى عليه (فلا ينافى) حكمه الاولى (طروّ عنوان) ثانوى عليه (يوجب المنع عن الفعل او الترك) كان ينذر مثلا فعله فيجب، او ينذر تركه فيحرم (كأكل اللحم، فان الشرع قد دلّ على اباحته فى نفسه بحيث لا ينافى) حكمه بالإباحة (عروض التحريم له) اى لاكل اللحم (اذا حلف على تركه، او امر الوالد بتركه) او شرط تركه مثلا (او عروض الوجوب له) «او» عطف على «عروض التحريم» (اذا صار مقدمة لواجب، او نذر فعله مع انعقاده)

ص: 178

و قد يثبت له لا مع تجرده عن ملاحظة العنوانات الخارجة الطارية عليه.

و لازم ذلك حصول التنافى بين ثبوت هذا الحكم، و بين ثبوت حكم آخر له، و هذا نظير اغلب المحرمات و الواجبات فان الحكم بالمنع عن الفعل او الترك مطلق لا مقيد بحيثية تجرد الموضوع، الا عن بعض

______________________________

اى انعقاد النذر، بان كان فعله راجحا اذ الشرط فى النذر رجحان متعلقه (و قد يثبت) الحكم (له) اى للموضوع، و هذا عطف على قوله «قد يثبت له من حيث نفسه» (لا مع تجرده) اى تجرد الموضوع (عن ملاحظة العنوانات الخارجة الطارية عليه) بل مطلقا سواء طرأ عليه عنوان، أم لا

(و لازم ذلك) الحكم الثابت للموضوع مطلقا (حصول التنافى بين ثبوت هذا الحكم) المطلق (و بين ثبوت حكم آخر له) اى للموضوع- اى حكم ثانوى- فحكمه الاولى و حكمه الثانوى متنافيان (و هذا نظير اغلب المحرمات و الواجبات).

و انما قال اغلب، لان بعض هذه الاحكام تتغير بالعنوان الثانوى مثل حرمة الاحرام قبل الميقات فانها تتغير بالنذر، و مثل وجوب القصر فى السفر فانه يتغير بالجهل (فان الحكم بالمنع عن الفعل) فى الحرام كالخمر (او) بالمنع عن (الترك) فى الواجب كالصيام (مطلق) سواء تعلق به النذر و الشرط و امر الوالد، أم لا (لا مقيد بحيثية تجرد الموضوع) فسواء كان الموضوع مجردا، او طاريا عليه عنوان ثانوى- كالنذر- فان الخمر حرام، و الصيام واجب (الا) استثناء عن «مطلق» (عن بعض

ص: 179

العنوانات، كالضرر و الحرج فاذا فرض ورود حكم آخر من غير جهة الحرج و الضرر فلا بد من وقوع التعارض بين دليلى الحكمين فيعمل بالراجح بنفسه

______________________________

العنوانات، كالضرر و الحرج) فان الحكم مقيد بعد مهما، فاذا صار الموضوع ضرريا بان مات اذا لم يشرب الخمر، او اذا صام- مثلا- ارتفع التحريم و الوجوب.

و على هذا فالاحكام على أربعة اقسام:

الاول: ما هو مطلق- بقول مطلق- كوجوب الاعتقاد بالله تعالى.

الثانى: ما هو مطلق حتى بالنسبة الى الضرر و الحرج، كالجهاد و اعطاء الخمس فان الضرر و الحرج لا يرفعهما.

الثالث: ما هو مطلق- الا اذا كان ضررا او حرجا- كتحريم الخمر و وجوب الصيام.

الرابع: ما هو مقيد بعدم طروّ عنوان ثانوى عليه، كالاحكام الثلاثة المستحب و المكروه و المباح، فانه اذا طرأ عليها النذر او الشرط يرتفع الحكم (فاذا فرض ورود حكم آخر) من جهة النذر و الشرط فى الواجبات و المحرمات (من غير جهة الحرج و الضرر فلا بد من وقوع التعارض بين دليلى الحكمين) و هو دليل «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيٰامُ» و دليل «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ» فالاول يقول: صم، و الثانى يقول: لا تصم.

اما اذا كان من جهة الضرر فقد عرفت ان دليل الضرر مقدم عليه، لان دليل الضرر ناظر الى الاحكام الاوّلية (فيعمل بالراجح بنفسه) كدليل الصيام المقدم على دليل نذر عدم الصوم

ص: 180

او بالخارج.

اذا عرفت هذا فنقول: الشرط اذا ورد على ما كان من قبيل الاوّل، لم يكن الالتزام بذلك مخالفا للكتاب، اذ المفروض انه لا تنافى بين حكم ذلك الشي ء فى الكتاب و السنة، و بين دليل الالتزام بالشرط و وجوب الوفاء به، و اذا ورد على ما كان من قبيل الثانى كان التزامه مخالفا للكتاب و السنة.

و لكن ظاهر مورد بعض الاخبار المتقدمة من قبيل الاوّل كترك التزوج

______________________________

(او بالخارج) كدليل نذر الاحرام من غير الميقات الراجح على دليل وجوب الاحرام من الميقات.

(اذا عرفت هذا فنقول: الشرط اذا ورد على ما كان من قبيل الاوّل) الّذي ثبت له الحكم من حيث هو هو، كالاحكام الثلاثة اللّااقتضائية (لم يكن الالتزام بذلك) الشرط (مخالفا للكتاب، اذ المفروض) من عدم اقتضائية الحكم (انه لا تنافى بين حكم ذلك الشي ء فى الكتاب و السنة، و بين دليل الالتزام بالشرط و وجوب الوفاء به) اى بمضمون: المؤمنون عند شروطهم، بل الحكم الاول يخلى مكانه للحكم الجديد (و اذا ورد) الشرط (على ما كان من قبيل الثانى) اى من قبيل الاحكام الاقتضائية كالواجب و الحرام (كان التزامه) اى التزام الشرط (مخالفا للكتاب و السنة) و لذا فالشرط باطل.

(و لكن ظاهر مورد بعض الاخبار المتقدمة من قبيل الاوّل) و ان الشرط باطل، و ان كان واردا على المورد اللااقتضائي (كترك التزوّج

ص: 181

و ترك التسرّى، فانهما مباحان من حيث انفسهما، فلا ينافى ذلك لزومها بواسطة العنوانات الخارجة، كالحلف و الشرط و امر السيّد و الوالد.

و حينئذ فيحب اما جعل ذلك الخبر كاشفا عن كون ترك الفعلين فى نظر الشارع من الجائز الّذي لا يقبل اللزوم بالشرط و ان كان فى انظارنا نظير ترك اكل اللحم و التمر و غيرهما من المباحات القابلة لطروّ عنوان التحريم.

______________________________

و ترك التسرّى، فانهما) اى التزوّج و التسرّى (مباحان من حيث انفسهما) فاللازم تقدم الشرط عليهما، و مع ذلك قدمهما الامام عليه السلام على الشرط، و ابطل حكم الشرط (فلا ينافى ذلك) اى كونهما مباحان (لزومهما بواسطة العنوانات الخارجة، كالحلف و الشرط و امر السيّد و الوالد) و النذر و العهد، فكيف قال الامام عليه السلام ببطلان الشرط.

(و حينئذ) اى حين ورد الخبر ببطلان الشرط (فيجب اما جعل ذلك الخبر) الدال على بطلان الشرط (كاشفا عن كون ترك الفعلين) و هما التزوّج و التسرّى (فى نظر الشارع من الجائز الّذي لا يقبل اللزوم بالشرط) بان اراد الشارع بقائهما جائزا، فشرط عدمهما- المخرج من الجواز الى التحريم- خلاف إرادة الشارع (و ان كان فى انظارنا) لو لا الخبر (نظير ترك اكل اللحم و التمر و غيرهما من المباحات القابلة لطروّ) اى عروض (عنوان التحريم) فالخبر جاء لرفع هذا الاشتباه، و حينئذ يكون المباح تارة قابلا لطروّ عنوان ثانوى، و تارة غير قابل لطروّ عنوان

ص: 182

لكن يبعده استشهاد الامام لبطلان تلك الشروط باباحة ذلك فى القرآن، و هو فى معنى اعطاء الضابطة لبطلان الشروط.

و اما الحمل على ان هذه الافعال مما لا يجوز تعلق وقوع الطلاق عليها، و انها لا توجب الطلاق كما فعله الشارط، فالمخالف للكتاب هو ترتب طلاق المرأة، اذ الكتاب دال على اباحتها،

______________________________

ثانوى.

(لكن يبعده) اى يبعد ان يكون لهذين خصوصية بل ظاهر الخبر انّ كل مباح كذلك.

و ذلك ل (استشهاد الامام لبطلان تلك الشروط باباحة ذلك فى القرآن) فالشرط باطل، لانه مباح، لا لانه قسم خاص من المباح (و هو) اى تعليل الامام للبطلان، بانه مذكور فى القرآن (فى معنى اعطاء الضابطة لبطلان الشروط) و ان كل ما ذكر فى القرآن و لو كان حكما مباحا لا يمكن رفعه بالشرط و نحوه من الاحكام الثانوية.

(و اما الحمل على) ان السائل سئل هل انه يقع الطلاق بمجرد مخالفة الزوج للشرط؟- بدون اجراء صيغة الطلاق- فاجاب الامام:

على (ان هذه الافعال) و هى: التزوج و التسرى و الهجران (مما لا يجوز تعلق وقوع الطلاق عليها، و انها) اى هذه الافعال (لا توجب الطلاق كما فعله الشارط) اى انه ان فعل احد هذه الافعال فبمجرد الفعل هى طالق- بدون اجراء الصيغة- (فالمخالف للكتاب هو ترتب طلاق المرأة) على تلك الافعال (اذ الكتاب دال على اباحتها) اى إباحة تلك

ص: 183

و انها مما لا يترتب عليه حرج، و لو من حيث خروج المرأة بها عن زوجية الرجل.

و يشهد لهذا الحمل- و ان بعد- بعض الاخبار الظاهرة فى وجوب الوفاء بمثل هذا الالتزام مثل رواية منصور بن يونس، قال قلت لابى الحسن عليه السلام: ان شريكا لى كان تحته امرأة، فطلقها فبانت منه فاراد مراجعتها فقالت له المرأة: لا و الله، لا اتزوجك ابدا حتى يجعل الله لى عليك ان لا تطلقنى و لا تتزوج على، قال: و قد فعل، قلت: نعم،

______________________________

الافعال (و انها مما لا يترتب عليه حرج، و لو) كان الحرج (من حيث خروج المرأة بها عن زوجية الرجل).

و الحاصل ان الكتاب المجوز لهذه الامور له اطلاق بانها جائزة، سواء شرطت الخروج بها عن زوجية الرجل أم لا.

(و يشهد لهذا الحمل- و ان بعد-) و انما بعد لظهور ان سبب بطلان الشرط هو كونها مباحات فى الكتاب و (بعض الاخبار الظاهرة فى وجوب الوفاء بمثل هذا الالتزام) مما ينافى تلك الاخبار الدالة على عدم لزوم الوفاء (مثل رواية منصور بن يونس، قال قلت لابى الحسن عليه السلام: ان شريكا لى كان تحته امرأة، فطلقها فبانت منه) اى انقضت عدتها (فاراد مراجعتها) بانكاح الجديد (فقالت له المرأة: لا و الله، لا اتزوجك ابدا حتى يجعل الله لى عليك ان لا تطلقنى و لا تتزوج على) فهل هذا الشرط صحيح؟ (قال) عليه السلام (و) هل (قد فعل، قلت: نعم

ص: 184

جعلنى الله فداك قال: بئسما صنع، ما كان يدرى ما يقع فى قلبه بالليل و النهار، ثم قال: اما الآن فقل له: فليتم للمرأة شرطها، فان رسول الله صلى الله عليه و آله قال: المسلمون عند شروطهم، فيمكن حمل رواية محمد بن قيس على إرادة عدم سببيته للطلاق بحكم الشرط، فتأمل.

ثم انه لا اشكال فيما ذكرنا من انقسام الحكم الشرعى الى القسمين المذكورين، و ان المخالف للكتاب هو الشرط الوارد على

______________________________

جعلنى الله فداك قال) عليه السلام (بئسما صنع، ما كان يدرى ما يقع فى قلبه بالليل و النهار) من إرادة طلاقها او تزوّج امرأة عليها (ثم قال:

اما الآن) و قد اشترط لها (فقل له: فليتم للمرأة شرطها، فان رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: المسلمون عند شروطهم، ف) بحكم هذه الرواية (يمكن حمل رواية محمد بن قيس) الدالة على بطلان مثل هذا الشرط (على إرادة عدم سببيته) اى سببيّة هذا العمل (للطلاق بحكم الشرط) لا ان الشرط فى نفسه باطل، لانه مخالف لحكم مباح.

و الحاصل ان الشرط لا يجعل هذه الامور موجبا للطلاق بدون الصيغة و ذلك للجمع بين هذين الخبرين (فتأمل) حيث ان ظاهر استدلال الامام عليه السلام فى رواية محمد بن قيس ان إباحة هذه الامور فى القرآن الحكيم هى سبب بطلان الشرط.

(ثم انه لا اشكال فيما ذكرنا من انقسام الحكم الشرعى الى القسمين المذكورين) قسم يرد عليه الشرط فاللازم تنفيذ الشرط، و قسم يبقى الحكم على حاله، فيبطل الشرط (و ان المخالف للكتاب هو الشرط الوارد على

ص: 185

القسم الثانى، لا الاول، و انما الاشكال فى تميز مصداق احدهما عن الآخر فى كثير من المقامات.

منها: كون من احد ابويه حرّ رقا، فان ما دلّ على انه لا يملك ولد حرّ قابل لان يراد به عدم رقّية ولد الحر بنفسه، بمعنى ان الولد- ينعقد لو خلّى و طبعه- تابعا لاشرف الابوين، فلا ينافى جعله رقّا بالشرط فى ضمن عقد، و ان يراد به ان ولد الحرّ لا يمكن ان يصير فى الشريعة رقّا، فاشتراطه اشتراط لما هو مخالف للكتاب و السنة

______________________________

القسم الثانى، لا) القسم (الاول) فانه ليس مخالفا للكتاب (و انما الاشكال فى تميز مصداق احدهما عن الآخر فى كثير من المقامات) و هل انها من القسم الاول حتى ينفذ الشرط فيه؟ أم من القسم الثانى حتى لا ينفذ الشرط فيه؟.

(منها: كون من احد ابويه حرّ رقا) كما اذا زوج المولى جاريته لحرّ بشرط ان يكون ولدهما رقا للمولى، او بالعكس (فان ما دلّ على انه لا يملك ولد حرّ قابل لان يراد به عدم رقيّة ولد الحرّ بنفسه) حتى يكون هذا الحكم من قبيل إباحة شرب الماء، مما يمكن ان يزحزحه الشرط (بمعنى ان الولد- ينعقد لو خلّى و طبعه-) بدون الشرط (تابعا لاشرف الابوين فلا ينافى جعله رقّا بالشرط) الكائن ذلك الشرط (فى ضمن عقد) لان الشرط انما يكون لازم الوفاء اذا كان فى ضمن العقد- كما تقدم- (و ان يراد به ان ولد الحرّ لا يمكن ان يصير فى الشريعة رقّا) من قبيل اشتراط شرب الخمر (فاشتراطه) اى الرقية (اشتراط لما هو مخالف للكتاب و السنة

ص: 186

الدالين على هذا الحكم.

و منها: إرث المتمتع بها، هل هو قابل للاشتراط فى ضمن عقد المتعة او عقد آخر، أم لا؟ فان الظاهر الاتفاق على عدم مشروعية اشتراطه فى ضمن عقد آخر و عدم مشروعية اشتراط إرث اجنبى آخر فى ضمن عقد مطلقا، فيشكل الفرق حينئذ

______________________________

الدالين على هذا الحكم) اى حكم عدم رقية ولد الحرّ و ان كان الحرّ احد الابوين فقط فاللازم ان نرى ان الشارع رجح ايّهما.

(و منها: إرث المتمتع بها، هل هو قابل للاشتراط فى ضمن عقد المتعة او عقد آخر، أم لا)

و بعد الاتفاق على انه لا يمكن اسقاط الوارث الشرعى عن الارث بواسطة الشرط كان يبيع الأب لولده دار او يشترط عليه فى ضمن العقد ان لا يرثه (فان الظاهر الاتفاق على عدم مشروعية اشتراطه) اى اشتراط إرث المتعة (فى ضمن عقد آخر) اى عقد بيع او شبهه (و عدم مشروعية اشتراط إرث اجنبى آخر فى ضمن عقد مطلقا) سواء كان ذلك العقد متعة أم لا، كان يشترط إرث اجنبى فى ضمن عقد بيع، او ضمن عقد متعة على امرأة، و المراد بالاجنبى من لا يرث و لو كان قريبا، و انما لا يرث لان فيه موانع الارث كالرقية او لوجود من هو اقرب منه، و منه اشتراط زيادة الارث كان يشترط ان يرث كل بنت بمقدار الولد، كما ان اشتراط إرث المتعة على القول بصحته انما هو فيما اذا بقيت تحت جعالته الى حين الموت، اما اذا انقضى وقتها او وهبها فلا ترث (فيشكل الفرق حينئذ) اى

ص: 187

بين افراد غير الوارث، و بين افراد العقود.

و جعل ما حكموا بجوازه مطلقا مطابقا للكتاب و ما منعوا عنه مخالفا الا ان يدعى ان هذا الاشتراط مخالف للكتاب الا فى هذا المورد، او ان الشرط المخالف للكتاب ممنوع

______________________________

حين قلنا بانها ترث بالشرط فى ضمن عقد المتعة- ان كان الدليل لذلك عموم: المؤمنون عند شروطهم- (بين افراد غير الوارث) فلما ذا ترث المتعة بالشرط دون سائر الاجانب (و بين افراد العقود) فلما ذا ترث اذا شرط فى ضمن عقد المتعة دون سائر العقود كالبيع و نحوه.

(و) يشكل (جعل ما حكموا بجوازه) من إرث المتمتع بها عند الشرط فى ضمن عقد المتعة (مطلقا) اى نافذا بمعنى انه لم يمنع عنه مانع (مطابقا للكتاب) الّذي يقول: وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَمٰانٰاتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ رٰاعُونَ* فان الشرط نوع من العهد (و ما منعوا عنه) من عدم إرث سائر الاجانب بالشرط، و عدم إرث المتعة بالشرط فى ضمن سائر العقود (مخالفا) للكتاب الّذي يقول: وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ*.

و انما يشكل الفرق لان دليل الشرط ان كان مقدما على الكتاب قدم فيهما و ان كان الكتاب مقدما سقط الشرط فيهما، فالتفصيل لا وجه له.

(الا ان يدعى) فى وجه الفرق (ان هذا الاشتراط) اى اشتراط إرث المتعة (مخالف للكتاب الا فى هذا المورد) فليس مخالفا له، لانه اخص مطلقا فيثبت بالخبر الدال على ان المتعة ترث كما تخصص عمومات الكتاب بالاخبار التى هى حجة (او ان الشرط المخالف للكتاب ممنوع

ص: 188

الا فى هذا المورد.

و لكن عرفت وهن الثانى، و الاول يحتاج الى تأمل.

و منها: انهم اتفقوا على جواز اشتراط الضمان فى العارية و اشتهر عدم جوازه فى عقد الاجارة

______________________________

الا فى هذا المورد) فانه و ان كان مخالفا للكتاب الا ان الشارع قدم المخالف، و هذا تخصيص لقوله عليه السلام «كل شرط خالف كتاب الله فهو مردود» فقولنا «الشرط المخالف مردود» له فى المقام جوابان- على سبيل منع الخلو-.

الاول: ان هذا الشرط ليس مخالفا.

الثانى: انه مخالف و لكنه ليس بمردود.

(و لكن عرفت) عند قولنا فى اوّل المسألة «لكنه مما لا يرتاب فى ضعفه» (وهن الثانى) لانه اذا كان مخالفا للكتاب فلا يمكن نفوذه (و الاول يحتاج الى تأمل) فكيف يكون هذا الشرط ليس مخالفا مع ان مثله- من إرث الاجنبى او إرث المتعة فى ضمن عقد غير المتعة- مخالف، فاما ان نقول بمخالفتهما او بعدم مخالفتهما.

(و منها: انهم اتفقوا على جواز اشتراط الضمان فى العارية) فاذا اعطى شيئا عارية- فالاصل فيه عدم ضمان المستعير، اذا تلف بدون تعد او تفريط-، لان المستعير امين، و ليس على الامين الا اليمين.

اما اذا شرط صح الشرط، لان المؤمنين عند شروطهم (و) الحال انه (اشتهر عدم جوازه فى عقد الاجارة) لانه ليس على الامين الا اليمين، و

ص: 189

فيشكل ان مقتضى ادلة عدم ضمان الامين عدم ضمانه فى نفسه من غير اقدام عليه بحيث لا ينافى اقدامه على الضمان من اوّل الامر، او عدم مشروعية ضمانه و تضمينه و لو بالاسباب، كالشرط فى ضمن عقد تلك الامانة او غير ذلك.

و منها: اشتراط ان لا يخرج بالزوجة الى بلد آخر فانهم اختلفوا فى جوازه

______________________________

المستأجر امين، فالشرط خلاف ما كتبه الله و بيّنه اوليائه عليهم السلام (فيشكل) الفرق بين البابين، بل اللازم ان نقول باستواء البابين اما بالضمان فيهما اذا شرط الضمان، و اما بعدم الضمان فيهما و ان شرط.

ف (ان مقتضى ادلة عدم ضمان الامين) اما (عدم ضمانه فى نفسه من غير اقدام عليه) اى ان عدم الضمان انما هو فى صورة عدم اقدام الامين على الضمان (بحيث لا ينافى) دليل عدم الضمان (اقدامه على الضمان) بواسطة الشرط (من اوّل الامر) حين العقد، و عليه فاللازم القول بضمان الامين فى بابى الاجارة و العارية- اذا شرط- (او عدم مشروعية ضمانه) اى ضمان الامين (و تضمينه) اى تضمين الموجر و المستعير (و لو) تضمينا (بالاسباب، كالشرط فى ضمن عقد تلك الامانة) و الاجارة (او غير ذلك) من سائر الاسباب، كالنذر و العهد على الضمان، و عليه فاللازم القول بعدم ضمانهما، فالفرق بينهما مما لا وجه له.

(و منها: اشتراط) الزوجة على الزوج فى ضمن عقد النكاح (ان لا يخرج بالزوجة الى بلد آخر) او يكون بيدها اختيار السكنى (فانهم اختلفوا فى جوازه) و منعه

ص: 190

و الاشهر على الجواز.

و جماعة على المنع من جهة مخالفته للشرع من حيث وجوب اطاعة الزوج و كون مسكن الزوجة و منزلها باختياره.

و اورد عليهم بعض المجوزين بان هذا جار فى جميع الشروط السائغة من حيث ان الشرط ملزم لما ليس بلازم فعلا او تركا.

______________________________

(و الا شهر على الجواز) لانه مقتضى: المؤمنون عند شروطهم.

(و جماعة على المنع من جهة مخالفته للشرع من حيث وجوب اطاعة الزوج) و الشرط لا يرفع الحكم الواجب، كما لا يرفع وجوب الصلاة (و) من حيث (كون مسكن الزوجة و منزلها باختياره) و الاحكام الوضعية لا ترفع بالشرط، كما لا ترفع بالشرط الحرية و الرقية و الزوجية الاجنبية- بان تصبح الاجنبية زوجة بالشرط مثلا-.

(و اورد عليهم بعض المجوزين بان هذا) الاشكال الّذي ذكرتموه (جار فى جميع الشروط السائغة من حيث ان الشرط ملزم)- بالكسر- (لما ليس بلازم فعلا او تركا) اى الزام فعل او الزام ترك، و هناك فرق بين وجوب الصلاة و بين حق الزوج، فحقه قابل للاسقاط، كما قال عليه السلام فى مثل ذلك: لم يعص الله و انما عصى سيّده، فاذا اجاز جاز

و الاحكام الوضعية على قسمين، فما كان من حق الله تعالى ليس بقابل لان يرفع بالشرط، اما اذا كان من قبيل حق الانسان فهو قابل لذلك، كما قبل ان تسقط الزوجة نفقتها او قسمها مع انهما حكمان وضعيان.

ص: 191

و بالجملة فموارد الاشكال فى تميز الحكم الشرعى القابل لتغيّره بالشرط بسبب تغيّر عنوانه عن غير القابل كثيرة يظهر للمتتبع، فينبغى للمجتهد ملاحظة الكتاب و السنة الدالين على الحكم الّذي يراد تغيّره بالشرط، و التأمل فيه حتى يحصل له التميز و يعرف ان المشروط من قبيل ثبوت الولاء لغير المعتق المنافى لقوله صلى الله عليه و آله: الولاء لمن اعتق، او من قبيل ثبوت الخيار للمتبايعين غير المنافى لقوله عليه السلام: اذا افترقا وجب البيع، او عدمه لهما فى المجلس مع قوله عليه السلام: البيّعان بالخيار ما لم يفترقا

______________________________

(و بالجملة فموارد الاشكال فى تميز الحكم الشرعى القابل لتغيّره بالشرط بسبب تغيّر عنوانه) و تغير العنوان يكون بانضمام الشرط إليه فالحكم الاولى كذا، و الحكم بعد انضمام الشرط إليه كذا (عن غير القابل) متعلق ب «تميز» (كثيرة يظهر للمتتبع، فينبغى للمجتهد ملاحظة الكتاب و السنة الدالين على الحكم الّذي يراد تغيّره بالشرط، و التأمل فيه) اى فى ذلك الحكم (حتى يحصل له التميز، و يعرف ان المشروط من قبيل ثبوت الولاء لغير المعتق المنافى لقوله صلى الله عليه و آله: الولاء لمن اعتق) فلا يجوز (او من قبيل ثبوت الخيار للمتبايعين غير المنافى لقوله عليه السلام: اذا افترقا وجب البيع) فيما يريد اثبات الخيار لاحدهما بعد الافتراق، و هو ما يسمى بخيار الشرط (او) من قبيل (عدمه) اى عدم الخيار (لهما فى المجلس) فيما اذا شرط ضمن العقد عدم الخيار لهما فى المجلس (مع) وجود (قوله عليه السلام: البيّعان بالخيار ما لم يفترقا)

ص: 192

الى غير ذلك من الموارد المتشابهة صورة، المخالفة حكما، فان لم يحصل له بنى على اصالة عدم المخالفة فيرجع الى عموم: المؤمنون عند شروطهم و

______________________________

المقتضى لخيار المجلس، فاذا تميز ان مورده من اىّ القسمين، ظهر انه يصح فيه الشرط او لا يصح فيه الشرط (الى غير ذلك من الموارد المتشابهة صورة، المخالفة حكما) فان قبل المجلس و بعد المجلس متشابهة من حيث ان العقد قدتم، لكن لهما حكمان مختلفان لوجود الخيار فى المجلس و عدمه فى خارج المجلس.

و كيف كان فان حصل له تميز و ان المورد من اىّ القسمين، القسم القابل للشرط او القسم الّذي لا يقبل الشرط فهو، و الّا (فان لم يحصل له) التميز و وقع فى الشك (بنى على اصالة عدم المخالفة) اى عدم مخالفة الشرط لدليل ذلك الحكم الّذي يراد رفعه بالشرط (فيرجع الى عموم:

المؤمنون عند شروطهم) و يقول بصحة الشرط.

و الحاصل ان دليل: المؤمنون، شامل لكل شرط الا ما كان مخالفا فاذا لم نعلم المخالفة فعموم المؤمنون محكّم، فتأمّل.

(و) ان قلت: الخارج من عموم: المؤمنون، ما كان مخالفا واقعا، و عدم العلم بالمخالفة- و هو ظرف جريان اصالة عدم المخالفة- لا يحقق عدم المخالفة واقعا، فكيف يكون مجرى لعموم: المؤمنون.

و بعبارة اخرى، المؤمنون عند شروطهم يجرى فى ظرف عدم المخالفة واقعا، لا فى ظرف عدم العلم بالمخالفة.

ص: 193

الخارج عن هذا العموم و ان كان هو المخالف واقعا للكتاب و السنة، لا ما علم مخالفته الا ان البناء على اصالة عدم المخالفة يكفى فى احراز عدمها واقعا كما فى سائر مجارى الاصول.

و مرجع هذا الاصول الى اصالة عدم ثبوت هذا الحكم على وجه لا يقبل تغيّره بالشرط.

______________________________

قلت: (الخارج عن هذا العموم) اى عموم: المؤمنون عند شروطهم (و ان كان هو المخالف واقعا للكتاب و السنة) علمنا به أم لم نعلم (لا ما علم مخالفته) فان العلم و الجهل لا مدخلية لهما فى الاحكام الاوّلية (الا ان البناء على اصالة عدم المخالفة) التى ذكرناها (يكفى فى احراز عدمها) اى عدم المخالفة (واقعا) قيد ل «عدمها» (كما فى سائر مجارى الاصول) فان الاصل ينزل الشي ء منزلة الواقع فيترتب عليه حكم الواقع.

مثلا: الصلاة مشروطة بالطهارة الواقعية، فاذا شككنا فى الطهارة، و كان هناك استصحاب الطهارة، كفى الاستصحاب فى احراز الطهارة، و صح اتيان الصلاة بهذه الطهارة المستصحبة- لانها نازلة شرعا منزلة الطهارة الواقعية-.

(و مرجع هذا الاصل) اى اصالة عدم المخالفة (الى اصالة عدم ثبوت هذا الحكم) الّذي نريد رفعه بالاصل- كحكم كون السكنى بيد الرجل- (على وجه لا يقبل تغيّره بالشرط) فاذا شككنا فى ان حكم السكنى بيد الرجل هل هو ثابت على كل تقدير، او على تقدير عدم الشرط فقط كان المتيقن انه ثابت على تقدير عدم الشرط، فاذا جاء الشرط

ص: 194

مثلا: نقول: ان الاصل عدم ثبوت الحكم بتسلط الزوج على الزوجة من حيث المسكن، لا من حيث هو لو خلّى و طبعه و لم يثبت فى صورة الزام الزوج على نفسه بعض خصوصيات المسكن.

لكن هذا الاصل انما ينفع بعد عدم ظهور الدليل الدال على الحكم فى اطلاقه بحيث يشمل صورة الاشتراط كما فى اكثر الادلة المتضمنة للاحكام المتضمنة للرخصة و التسليط

______________________________

ارتفع الحكم و صار السكنى بيد الزوجة حسب الشرط.

(مثلا: نقول: ان الاصل عدم ثبوت الحكم بتسلط الزوج على الزوجة من حيث المسكن) اى ليس تسلطه تسلطا مطلقا، فان الثابت من تسلّطه هو التسلط فى الجملة (لا من حيث هو) بدون الشرط (لو خلّى و طبعه) هذا التسلط (و لم يثبت فى صورة الزام الزوج على نفسه بعض خصوصيات المسكن) بان يكون البلد او المسكن الخاص بيد الزوجة.

(لكن هذا الاصل انما ينفع) حتى يكون مسرحا للشرط (بعد عدم ظهور الدليل الدال على الحكم فى اطلاقه) «فى» متعلق ب «ظهور» اطلاقا (بحيث يشمل صورة الاشتراط).

فاذا كان دليل المسكن مطلقا اطلاقا يشمل صورة وجود الشرط أيضا فلا يبقى مجال للشرط (كما فى اكثر الادلة المتضمنة للاحكام المتضمنة للرخصة) فى الشي ء (و التسليط) على الشي ء، فانها غير ظاهرة فى الاطلاق، فقوله «كما» بيان لقوله «عدم ظهور».

فالادلة التى تقول ان الرجل مرخص فى تهيئة اىّ اكل او لباس او

ص: 195

فان الظاهر سوقها فى مقام بيان حكم الشي ء من حيث هو، الّذي لا ينافى طروّ خلافه لملزم شرعى، كالنذر و شبهه من حقوق الله، و الشرط و شبهه من حقوق الناس.

اما ما كان ظاهره العموم كقوله: لا يملك ولد حرّ، فلا مجرى فيه لهذا الاصل.

ثم ان بعض مشايخنا المعاصرين بعد ما خصّ الشرط المخالف للكتاب

______________________________

مسكن او ما اشبه لزوجته ليس لها اطلاق (فان الظاهر سوقها) اى تلك الادلة (فى مقام بيان حكم الشي ء من حيث هو، الّذي لا ينافى طروّ خلافه لملزم شرعى) ثانوى (كالنذر و شبهه) من العهد و اليمين (من حقوق الله و) ك (الشرط و شبهه) من امر الأب و السيد (من حقوق الناس) فاذا طرأ الخلاف ارتفع الحكم الاوّلى.

(اما ما كان ظاهره العموم) بمعنى ان له قوة فى العموم بحيث يطارد كل حكم ثانوى و الا فالقسم الاول أيضا له عموم كما لا يخفى، منتهى الامر لم يكن عمومه بهذه القوة (كقوله: لا يملك ولد حرّ، فلا مجرى فيه لهذا الاصل) اى اصالة عدم المخالفة.

فاذا زوّج الأب ابنته لشخص، و كلاهما حران، و اشترط عليه ان يكون ولده رقّا بطل الشرط- كما لا يخفى- فالمهمّ ان يعرف قوة العموم من القرائن الخارجية، و الّا جرى الاصل.

(ثم ان بعض مشايخنا المعاصرين) و هو النراقى فى عوائده (بعد ما خص الشرط المخالف للكتاب

ص: 196

الممنوع عنه فى الاخبار بما كان الحكم المشروط مخالفا للكتاب و ان التزام فعل المباح او الحرام او ترك المباح او الواجب خارج عن مدلول تلك الاخبار ذكر ان المتعيّن فى هذه الموارد ملاحظة التعارض بين ما دلّ على حكم ذلك الفعل، و ما دلّ على وجوب الوفاء بالشرط، و يرجع الى المرجحات

______________________________

الممنوع عنه فى الاخبار) حيث قال عليه السلام: كل شرط خالف كتاب الله فهو مردود (بما كان الحكم المشروط مخالفا للكتاب) «بما» متعلق ب (خصّ) و لم يذكر ما اذا كان الالتزام مخالفا، اذ قد عرفت سابقا ان المخالف على قسمين، الاول ما كان الملتزم مخالفا و الثانى ما كان الالتزام مخالفا (و) بعد ان ذكر (ان التزام فعل المباح او الحرام او ترك المباح او) ترك (الواجب خارج عن مدلول تلك الاخبار) فان الالتزام ليس مخالفا للكتاب، سواء كان متعلق الالتزام حكما لا اقتضائيا كالمباح، او حكما اقتضائيا كالواجب و الحرام (ذكر ان المتعيّن فى هذه الموارد)- التى التزم فيها المشروط عليه بفعل شي ء او ترك شي ء- الخارجة عن مدلول الاخبار اعنى التزام فعل المباح الخ (ملاحظة التعارض بين ما دلّ على حكم ذلك الفعل) مع قطع النظر عن الشرط (و ما دل على وجوب الوفاء بالشرط) اى المؤمنون عند شروطهم (و يرجع الى المرجحات) فى مورد الاجتماع.

فاذا ورد: لا تشرب الخمر، ورد: المؤمنون عند شروطهم، كان بينهما عموم من وجه، لان الشرط يشمل غير هذا الشرط أيضا، كما ان لا تشرب

ص: 197

و ذكر ان المرجح فى مثل اشتراط شرب الخمر هو الاجماع.

قال: و ما لم يكن فيه مرجح يعمل فيه بالقواعد و الاصول.

و فيه من الضعف ما لا يخفى.

مع ان اللازم على ذلك

______________________________

يشمل غير مورد الشرط.

فاذا شرط شرب الخمر تعارض الدليلان فى مورد الاجتماع، فاللازم الرجوع الى المرجحات الخارجية (و ذكر ان المرجح فى مثل اشتراط شرب الخمر هو الاجماع) الّذي يقول بحرمة شرب الخمر حتى مع الشرط

(قال) النراقى (و ما لم يكن فيه مرجح) مثل ما اذا اشترط إرث المتعة حيث يعارض «أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ»* مع

«المؤمنون عند شروطهم»

(يعمل فيه بالقواعد و الاصول) و ان لم تكن قاعدة و اصل فرضا كان من قبيل الدليلين المتعارضين فاللازم اعمال قواعد التعادل و الترجيح.

(و فيه من الضعف ما لا يخفى).

أولا: لما عرفت من ان ما دل على عدم نفوذ مخالف الكتاب اعم مما كان الملتزم مخالفا، او كان الالتزام مخالفا.

و ثانيا: ضرورة ان دليل: المؤمنون عند شروطهم، لا يشمل مثل شرب الخمر و الزنا و اكل الربا، فايقاع التعارض بينها لا يليق بالفقيه فكيف بمثل النراقى الّذي حاز قصب السبق فى العلم و الفضيلة.

(مع) انه يرد عليه ثالثا (ان اللازم على ذلك) الّذي ذكره من كون

ص: 198

الحكم بعدم لزوم الشرط، بل عدم صحته فى جميع موارد عدم الترجيح لان الشرط ان كان فعلا يجوز تركه كان اللازم مع تعارض ادلة وجوب الوفاء بالشرط و ادلة جواز ترك ذلك الفعل مع فقد المرجح الرجوع الى اصالة عدم وجوب الوفاء بالشرط، فلا يلزم، بل لا يصح.

______________________________

المرجع- اذا لم يكن مرجح فى البين- هو القواعد و الاصول (الحكم بعدم لزوم الشرط) اذا كان الشرط الفاسد لا يوجب فساد العقد (بل عدم صحته) اصلا اذا قلنا بان الشرط الفاسد مفسد (فى جميع موارد عدم الترجيح) بخلاف ما يظهر من النراقى من بقاء الشرط على حاله فتأمل.

و انما قلنا ان اللازم على ذلك عدم لزوم الشروط او عدم صحته (لان الشرط ان كان) متعلقه (فعلا يجوز تركه) مثل شرط طلاق الزوجة فانه فعل يجوز تركه، فى نفسه، مع قطع النظر عن الشرط (كان اللازم مع تعارض ادلة وجوب الوفاء بالشرط) مثل: المؤمنون عند شروطهم (و ادلة جواز ترك ذلك الفعل) فيما اذا نكحها بشرط ان يطلقها اذا شاءت فانه يقع التعارض بين:

المؤمنون عند شروطهم، المقتضى للطلاق اذا شاءت، و بين: الطلاق بيد من اخذ بالساق، المقتضى لجواز ان يترك الزوج الطلاق، حتى اذا شاءت هى الطلاق (مع فقد المرجح) لاحدهما على الآخر (الرجوع الى اصالة عدم وجوب الوفاء بالشرط، فلا يلزم) الشرط، ان قلنا ببقاء العقد لان الشرط الفاسد ليس بمفسد (بل لا يصح) ان قلنا بان الشرط الفاسد مفسد، فانه اذا بطل العقد بطل الشرط بطريق اولى.

ص: 199

و ان كان فعل محرم او ترك واجب لزم الرجوع الى اصالة بقاء الوجوب و التحريم الثابتين قبل الاشتراط.

فالتحقيق ما ذكرنا من ان من الاحكام المذكورة فى الكتاب و السنة ما يقبل التغيير بالشرط لتغيير عنوانه كاكثر ما ترخص فى فعله و تركه، و منها ما لا يقبله

______________________________

(و ان كان) الشرط متعلقه (فعل محرم او ترك واجب) كما اذا شرط شرب الافيون او ترك الانفاق على زوجته، فانه يتعارض دليل الشرط و دليل وجوب ذلك الواجب، و حرمة ذلك المحرم، فيتساقطان و (لزم الرجوع الى اصالة بقاء الوجوب و التحريم الثابتين قبل الاشتراط).

و اذا ردّ كلام النراقى لورود الاشكالات الثلاثة عليه.

(فالتحقيق ما ذكرنا من) انه لا تتعارض ادلة الاحكام، و ادلة الشرط اصلا، بل اذا جرى دليل الشرط انسحب دليل الحكم، و اذا جرى دليل الحكم انسحب دليل الشرط.

فحاصل ما ذكرناه (ان من الاحكام المذكورة فى الكتاب و السنة ما يقبل التغيير بالشرط لتغيير عنوانه) فان ذلك عنوان الحكم لو خلي و طبعه.

فاذا لحقه شرط او نذر او ما اشبه خرج عن كونه لو خلى و طبعه فتبدل حكم ذلك الموضوع على وفق الشرط ايجابا او تحريما (كاكثر ما ترخص فى فعله و تركه) مع التساوى كالمباح او مع ترجيح الفعل كالمستحب، او مع ترجيح الترك كالمكروه.

و انما قال «كاكثر» لان بعض المرخصات لا يغيرها الشرط، كما قال بعضهم فى اشتراط عدم التسرّى (و منها ما لا يقبله) اى لا يقبل التغيير

ص: 200

كالتحريم و كثير من موارد الوجوب.

و ادلة الشروط حاكمة على القسم الاول، دون الثانى فان اشتراطه مخالف لكتاب اللّه كما عرفت و عرفت حكم صورة الشك.

و قد تفطن قدس سره لما ذكرنا فى حكم القسم الثانى، و ان الشرط فيه مخالف للكتاب بعض التفطن

______________________________

بالشرط (كالتحريم و كثير من موارد الوجوب) فان الشرط لا يتمكن من إباحة حرمة شرب الخمر و الزنا، كما لا يتمكن من اسقاط الصلاة و الصيام و الحج عن وجوبها.

و انما قال «كثير» لان بعض موارد الوجوب يسقط عن وجوبه بواسطة الشرط مثل اشتراط ان يكون السكنى بيد الزوجة، فانه يسقط وجوب متابعة الزوجة للزوج فى البلد و المكان.

(و ادلة الشروط) التى تقول: المؤمنون عند شروطهم (حاكمة على القسم الاول) القابل للتغيير (دون الثانى) الّذي لا يقبل التغيير (فان اشتراطه) اى اشتراط القسم الثانى (مخالف لكتاب الله) الّذي يقتضي عدم تغير هذا القسم (كما عرفت و عرفت حكم صورة الشك) فيما اذا شككنا ان الحكم من القسم الاول او القسم الثانى، و ان الاصل يقتضي كون الحكم من القسم القابل للتغيير بالشرط.

(و قد تفطن) النراقى (قدس سره لما ذكرنا فى حكم القسم الثانى) الّذي لا يتغير بالشرط (و ان الشرط فيه) اى فى هذا القسم (مخالف للكتاب بعض التفطن) فلا تعارض بين دليل الشرط، و دليل الحكم

ص: 201

بحيث كاد ان يرجع عما ذكره أولا من التعارض بين ادلة وجوب الوفاء بالشرط، و ادلة حرمة شرب الخمر، فقال: و لو جعل هذا الشرط من اقسام الشرط المخالف للكتاب و السنة كما يطلق عليه عرفا لم يكن بعيدا، انتهى.

و مما ذكرنا من انقسام الاحكام الشرعية المدلول عليها فى الكتاب و السنة على قسمين يظهر لك معنى قوله (ع) فى رواية اسحاق بن عمار المتقدمة: المؤمنون عند شروطهم، الا شرطا حرم حلالا او احل حراما، فان

______________________________

(بحيث كاد ان يرجع عما ذكره أولا من التعارض بين ادلة وجوب الوفاء بالشرط، و ادلة حرمة شرب الخمر، فقال) ما يظهر منه الرجوع بما نصّه:

(و لو جعل هذا الشرط) اى شرط شرب الخمر (من اقسام الشرط المخالف للكتاب و السنة كما يطلق عليه عرفا) انه مخالف للكتاب- فلا نلاحظ الدقة المقتضية للتعارض، على ما ذكرناه أولا- (لم يكن بعيدا، انتهى).

و انما قلنا «بعض التفطن» لانا قلنا بانه لا تعارض، لا دقة و لا عرفا و النراقى نفى التعارض العرفى، مما يظهر منه انه باق على رأيه فى وجود التعارض الدقى

(و مما ذكرنا من انقسام الاحكام الشرعية المدلول عليها فى الكتاب و السنة على قسمين) قسم يقبل التغيير بالشرط لتغير عنوانه، و قسم لا يقبل التغيير بالشرط (يظهر لك معنى قوله (ع) فى رواية اسحاق بن عمار المتقدمة: المؤمنون عند شروطهم الا شرطا حرم حلالا او احل حراما، فان

ص: 202

المراد بالحلال و الحرام فيها ما كان كذلك بظاهر دليله حتى مع الاشتراط، نظير شرب الخمر، و عمل الخشب صنما او صورة حيوان، و نظير مجامعة الزوج التى دل بعض الاخبار السابقة على عدم ارتفاع حكمها- اعنى الاباحة- متى اراد الزوج، باشتراط كونها بيد المرأة، و نظير التزوج و التسرى و الهجر حيث دلّ بعض تلك الاخبار على عدم ارتفاع اباحتها باشتراط تركها، معللا بورود الكتاب العزيز باباحتها.

______________________________

المراد بالحلال و الحرام فيها) اى فى هذه الرواية القسم الثانى الّذي لا يقبل التغيير (ما كان كذلك) حلالا او حراما (بظاهر دليله حتى مع الاشتراط، نظير شرب الخمر، و عمل الخشب صنما او صورة حيوان) هذه امثلة الحرام الّذي لا يقبل الحلية بالشرط (و نظير مجامعة الزوج التى دل بعض الاخبار السابقة على عدم ارتفاع حكمها- اعنى الاباحة- متى اراد الزوج) الجماع (باشتراط كونها بيد المرأة) «باشتراط» متعلق ب «عدم ارتفاع» فهذا حلال لا يقبل الحرمة بالشرط (و نظير التزوج) بامرأة ثانية (و التسرى) بجارية (و الهجر) للزوجة اذا اتت بسبب الهجر و هو النشوز (حيث دلّ بعض تلك الاخبار على عدم ارتفاع اباحتها باشتراط تركها) فهذه حلال لا تقبل الحرمة بالشرط (معللا) فى الاخبار (بورود الكتاب العزيز باباحتها).

و الحاصل: ان الواجب و الحرام لا يقبل الشرط الا بدليل خاص و الاحكام الثلاثة الاخر تقبل الشرط الا بدليل خاص.

ص: 203

اما ما كان حلالا لو خلّى و طبعه بحيث لا ينافى حرمته او وجوبه بملاحظة طروّ عنوان خارجى عليه او كان حراما كذلك، فلا يلزم من اشتراط فعله او تركه الا تغيّر عنوان الحلال و الحرام الموجب لتغير الحل و الحرمة فلا يكون حينئذ تحريم حلال و لا تحليل حرام.

الا ترى انه لو نهى السيّد عبده، او الوالد ولده عن فعل مباح اعنى مطالبة ماله فى ذمة غريمه،

______________________________

(اما ما كان حلالا لو خلّى و طبعه بحيث لا ينافى) حليته الذاتية (حرمته او وجوبه بملاحظة طروّ عنوان خارجى عليه) كطروّ النذر او الشرط على فعله او تركه (او كان حراما كذلك) لو خلّى و طبعه، بحيث لا تنافى حرمته الذاتية طروّ عنوان خارجى عليه يوجب حليته مثل حرمة عصيان الزوج فى السكنى بان لا تطيع الزوج اذا أراد لها السكنى فى مكان خاص فتشترط عليه ان يكون السكنى بيدها فان الحرمة الذاتية لا تنافى طروّ هذا العنوان الموجب لاباحة مخالفة الزوج لها (فلا يلزم من اشتراط فعله او تركه الا تغيّر) الموضوع، و ذلك بتبدل (عنوان الحلال و الحرام الموجب) ذلك التغير (لتغير الحل و الحرمة) فكلما تبدل الموضوع تبدل الحكم (فلا يكون حينئذ) اى حين تبدل الموضوع (تحريم حلال و لا تحليل حرام) بل كان ذلك من قبيل وجوب الصيام فى الحضر، و وجوب الافطار فى السفر.

(الا ترى انه لو نهى السيّد عبده، او الوالد ولده عن فعل مباح) إباحة ذاتية (اعنى مطالبة ماله) اى الشي ء الّذي للولد (فى ذمة غريمه)

ص: 204

او حلف المكلف على تركه لم يكن الحكم بحرمته شرعا من حيث طروّ عنوان معصية السيّد و الوالد، و عنوان حنث اليمين عليه تحريما لحلال فكذلك ترك ذلك الفعل فى ضمن عقد يجب الوفاء به، و كذلك امتناع الزوجة عن الخروج مع زوجها الى بلد آخر محرم فى نفسه و كذلك امتناعها من المجامعة و لا ينافى ذلك حليتهما باشتراط عدم اخراجها عن بلدها او باشتراط عدم مجامعتها

______________________________

المطلوب للولد (او حلف المكلف) الدائن (على تركه) اى ترك المديون بان لا يطالبه، (لم يكن الحكم) الثانوى (بحرمته) اى المطالبة (شرعا) قيد «الحكم» (من حيث طروّ عنوان معصية السيد و الوالد، و عنوان حنث اليمين عليه) اى على المطالبة (تحريما لحلال) لان المطالبة فى ذاتها موضوع و معصية السيّد، و حنث اليمين موضوع آخر، و اذا كانت المعصية للوالد، و الحنث لليمين يبدلان الموضوع الموجب لتبدل الحكم (فكذلك) تحريم الحلال الذاتى مثل (ترك ذلك الفعل فى ضمن عقد يجب الوفاء به) موضوع آخر غير الفعل الّذي كان موضوعا للاباحة فان الفعل بما هو هو، غير الفعل بما هو وقع فى ضمن العقد (و كذلك) بالنسبة الى تحليل الحرام الذاتى، مثل (امتناع الزوجة عن الخروج مع زوجها الى بلد آخر محرم فى نفسه) اذا لم يطرأ عليه عنوان آخر (و كذلك امتناعها من المجامعة و لا ينافى ذلك) التحريم (حليتهما) اى حلية الامتناع عن الخروج و الامتناع عن المجامعة (ب) سبب (اشتراط عدم اخراجها عن بلدها) فى ضمن العقد (او باشتراط عدم مجامعتها) كذلك فى ضمن

ص: 205

كما فى بعض النصوص.

و بالجملة فتحريم الحلال و تحليل الحرام انما يلزم مع معارضة ادلة الوفاء بالشرط لادلة اصل الحكم حتى يستلزم وجوب الوفاء مخالفة ذلك و طرح دليله.

اما اذا كان دليل ذلك الحكم لا يفيد الا ثبوته لو خلّى الموضوع و طبعه فانه لا يعارضه ما دلّ على ثبوت ضدّ ذلك الحكم اذا طرأ على الموضوع عنوان آخر لم يثبت ذلك الحكم له

______________________________

العقد (كما فى بعض النصوص).

(و بالجملة، ف) الشرط لا يلازم تحريم الحلال او تحليل الحرام فان (تحريم الحلال و تحليل الحرام انما يلزم مع معارضة ادلة الوفاء بالشرط لادلة اصل الحكم) بان كان دليل الحكم عامّا يشمل حتّى صورة الشرط، كما فى ادلة حرمة شرب الخمر، و وجوب الصلاة، فانها عامّة تشمل حتّى صورة شرط ترك الصّلاة او شرط شرب الخمر (حتّى يستلزم وجوب الوفاء) بالشرط (مخالفة ذلك) الدليل المتعرّض لاصل الحكم (و طرح دليله) اذا قدّمنا دليل وجوب الوفاء بالشرط.

(أمّا اذا كان دليل ذلك الحكم لا يفيد الا ثبوته) اى ثبوت ذلك الحكم (لو خلّى الموضوع و طبعه) مثل دليل كون السّكنى بيد الزوج (فانه لا يعارض ما دلّ على ثبوت ضدّ ذلك الحكم) كالتّحليل فى مثال سكنى الزّوجة (اذا طرأ على الموضوع) اى السّكنى فى المثال (عنوان آخر) كعنوان الشرط (لم يثبت ذلك الحكم) اى حرمة عدم الاطاعة (له)

ص: 206

الا مجردا عن ذلك العنوان.

ثم انه يشكل الامر فى استثناء الشرط المحرّم للحلال على ما ذكرنا فى معنى الرواية بان ادلة حلّية اغلب المحلّلات بل كلها انما تدل على حلّيتها فى انفسها لو خلّيت و انفسها، فلا تنافى حرمتها من اجل الشرط كما قد تحرم من اجل النذر و اخويه، و من جهة اطاعة الوالد و السيّد، و من جهة صيرورتها علة للمحرم و غير ذلك من العناوين الطارئة لها.

______________________________

اى لموضوع السكنى مثلا (الا مجردا عن ذلك العنوان) فان وجوب اطاعة الزوج فى السكنى ثابت للسكنى غير المعنون بعنوان الشرط، فاذا جاء الشرط تبدل الحكم.

(ثم انه يشكل الامر فى استثناء الشرط المحرّم للحلال على ما ذكرنا فى معنى الرواية) من ان المراد بالحلال و الحرام: ما كان كذلك حتى مع الشرط، و لذا لا يتمكن الشرط من تبديل حكمهما (بان ادلة حلّية اغلب المحلّلات بل كلها انما تدل) دلالة عرفية (على حلّيتها فى انفسها لو خلّيت و انفسها) فلا اطلاق لها لجميع الحالات (فلا تنافى حرمتها من اجل الشرط) لان الشي ء بعنوان الشرط غير الشي ء بعنوان نفسه (كما قد تحرم) المحلّلات (من اجل النذر و اخويه) و هما العهد و اليمين (و من جهة اطاعة الوالد و السيّد) و الزوج (و من جهة صيرورتها عنه للمحرم) و مقدمة له بناء على ان مقدمة الحرام حرام (و غير ذلك من العناوين الطارئة لها) اى للمحلّلات.

وجه الاشكال انه لا يبقى حينئذ مصداق للشرط المحرّم للحلال.

ص: 207

نعم لو دلّ دليل حلّ شي ء، على الحلّية المطلقة، نظير دلالة ادلة المحرمات بحيث لا يقبل طروّ عنوان مغير عليه اصلا، او خصوص الشرط من بين العناوين، او دلّ الدليل من الخارج على كون ذلك الحلال كذلك، كما دلّ بعض الاخبار بالنسبة الى بعض الافعال كالتسّرى و التزوّج و ترك الجماع من دون إرادة الزوجة كان مقتضاه فساد اشتراط خلافه

لكن دلالة نفس دليل الحلّية على ذلك

______________________________

(نعم لو دلّ دليل حلّ شي ء، على الحلية المطلقة) و انه حلال سواء وقع عليه عنوان ثانوى، أم لا (نظير دلالة ادلة المحرمات) حيث انها تدل على الحرمة المطلقة- دلالة عرفية- (بحيث لا يقبل) ذلك الحلال (طروّ عنوان مغير عليه اصلا) سواء كان ذلك العنوان الثانوى شرطا او نذرا او من الوالدين (او) لا يقبل طروّ (خصوص الشرط من بين العناوين) الثانوية (او دلّ الدليل من الخارج على كون ذلك الحلال كذلك) اى لا يقبل طروّ عنوان مغيّر عليه اصلا و هذا عطف على قوله «لو دلّ دليل حلّ الشي ء الخ ...» (كما دلّ بعض الاخبار) المتقدمة (بالنسبة الى بعض الافعال) و هذا مثال للدليل الخارجى (كالتسرّى و التزوّج و ترك الجماع من دون إرادة الزوجة) و ترك الهجران مع اتيانها بالنشوز (كان مقتضاه) اى مقتضى هذا الدليل الخارجى او الداخلي، و «كان» جواب «لو» (فساد اشتراط خلافه) اى خلاف ذلك الحلّ، فالشي ء يبقى حلالا و ان شرط خلاف الحلّية.

(لكن دلالة نفس دليل الحلية على ذلك) الاطلاق، و انه حلال و

ص: 208

لم توجد فى مورد.

و الوقوف مع الدليل الخارج الدال على فساد الاشتراط يخرج الرواية عن سوقها لبيان ضابطة الشروط عند الشك، اذ مورد الشك حينئذ محكوم بصحة الاشتراط.

و مورد ورود الدليل على عدم تغير حلّ الفعل باشتراط تركه مستغن عن الضابطة

______________________________

ان ورد عليه الشرط بخلافه (لم توجد فى مورد) حسب ما استقرأناه.

(و الوقوف مع الدليل الخارج الدال على فساد الاشتراط) بان نقول: كلما دلّ دليل خارجى على اطلاق الحلّية، لم يرد عليه الشرط و كلّما لم يكن هكذا دليل كان قابلا لورود الشرط (يخرج الرواية) التى قالت «الا ما احل حراما او حرم حلالا» (عن سوقها لبيان ضابطة الشروط عند الشك) اذ ظاهر الرواية ان كل حلال لا يقبل الحرمة بالاشتراط، كما ان كل حرام لا يقبل الحلّية بالاشتراط.

و انما يخرج الرواية (اذ مورد الشك حينئذ) اى حين الاحتياج الى الدليل الخارجى (محكوم بصحة الاشتراط) لانه كلما لم يكن دليل خارج على بطلان الاشتراط كان اللازم القول بصحة الاشتراط.

(و مورد ورود الدليل على عدم تغير حلّ الفعل باشتراط تركه) «باشتراط» متعلق ب «عدم تغير» (مستغن عن الضابطة).

اذ لو لم تكن الضابطة كان الدليل الخارج- الدال على عدم تغير الحلال بالاشتراط- كاف فى افادة ان الحلال فى المسألة الفلانية

ص: 209

مع ان الامام علّل فساد الشرط فى هذه الموارد بكونه محرما للحلال، كما عرفت فى الرواية التى تقدمت فى عدم صحة اشتراط عدم التزوّج، و التسرّى، معللا بكونه مخالفا للكتاب الدال على اباحتها.

نعم لا يرد هذا الاشكال فى طرف تحليل الحرام، لان

______________________________

لا يقبل التغير بالشرط، هذا أولا اشكال على الاحتياج الى الدليل الخارج

و ثانيا (مع ان الامام) عليه السلام (علّل فساد الشرط فى هذه الموارد) و هى التسرّى و التزوّج و ما اشبه (بكونه محرما للحلال، كما عرفت فى الرواية التى تقدمت) عن ابن مسلم، عن الباقر عليه السلام (فى عدم صحة اشتراط عدم التزوج، و) عدم (التسرّى، معللا بكونه) اى عدم التزوّج، او عدم التسرّى (مخالفا للكتاب الدال على اباحتها).

و الظاهر من الرواية عدم الاحتياج الى الدليل الخارجى و انما يكفى وجود الحلّية فى الكتاب.

و الحاصل: ان قولكم بالاحتياج الى الدليل الخارجى يستشكل عليه أولا بانه موجب للاستغناء عن الضابط.

و ثانيا: بانه خلاف ظاهر كلام الامام (ع) فى رواية ابن مسلم.

(نعم لا يرد هذا الاشكال) و هو ان اطلاق الحكم اما ان يفهم من دليل داخلى، او دليل خارجى، و الدليل الداخلي ليس موجودا فى المحلّلات، و الدليل الخارجى موجب لهدم الضابطة، و مخالفة ظاهر رواية ابن مسلم (فى طرف تحليل الحرام، لان) فى ادلة المحرمات دليل داخلى على اطلاق الحرام، و انه لا يرتفع بالشرط، و الدليل الداخلي

ص: 210

ادلة المحرمات قد علم دلالتها على التحريم على وجه لا يتغير بعنوان الشرط و النذر و شبههما، بل نفس استثناء الشرط المحلل للحرام عما يجب الوفاء به دليل على إرادة الحرام فى نفسه لو لا الشرط.

و ليس كذلك فى طرف المحرم للحلال، فانا قد علمنا ان ليس المراد الحلال لو لا الشرط، لان تحريم المباحات لاجل الشرط فوق

______________________________

هو الظهور العرفى، فان العرف اذا القى عليه ان الشي ء الفلانى حرام يستظهر انه حرام بقول مطلق، فلا يقبل الحلّية بالشرط و النذر و نحوهما

فان (ادلة المحرمات قد علم دلالتها على التحريم على وجه لا يتغير بعنوان الشرط و النذر و شبههما) كاطاعة الوالد و الزوج (بل نفس استثناء الشرط المحلل للحرام) استثنائه (عما يجب الوفاء به) حيث قال:

المؤمنون عند شروطهم الا شرطا احلّ حراما (دليل على إرادة الحرام فى نفسه) اى (لو لا الشرط) اذ المفروض ان الشرط يريد تحليل الحرام، فالحرام لوحظ مجردا عن الشرط، فقال انه لا يحلل بالشرط.

(و) ان قلت: فلتكن هذه القرينة التى ذكرتموها فى تحليل الحرام بقولكم: بل نفس .. الخ، أيضا قرينة على ان المراد بتحريم الحلال، الحلال فى نفسه، فتدل هذه القرينة على ان الحلال لا يحرم بالشرط.

قلت: (ليس كذلك فى طرف المحرم للحلال) فالقرينة خاصة بتحليل الحرام (فانا قد علمنا) من الخارج (ان ليس المراد الحلال لو لا الشرط).

و وجه علمنا هو ما ذكره بقوله: (لان تحريم المباحات لاجل الشرط فوق

ص: 211

حدّ الاحصاء بل اشتراط كل شرط عدا فعل الواجبات و ترك المحرمات مستلزم لتحريم الحلال فعلا او تركا.

و ربما يتخيّل ان هذا الاشكال مختصّ بما دلّ على الاباحة التكليفية،

______________________________

حدّ الاحصاء بل اشتراط كل شرط) من مجي ء زيد و عدم مجيئه، و خياطة القباء و تسليم الدار فى وقت كذا، و غيرها من الشروط الواقعة فى ضمن المعاملات (عدا) اشتراط (فعل الواجبات و ترك المحرمات) كما اذا شرط عليه فى ضمن العقد ان يصلّى او يترك شرب الخمر، فان الشرط صحيح و مؤكّد للواجب و الحرام، كما ان نذر فعل الواجب و ترك الحرام أيضا صحيح و مؤكّد (مستلزم لتحريم الحلال فعلا او تركا) فان الحلال فعله و تركه جائز، فاذا شرط الفعل حرم الترك، و الترك حلال فى نفسه، و اذا شرط الترك حرم الفعل و الفعل حلال فى نفسه.

فتحصّل ان جملة «حرم حلالا» يرد عليه الاشكال بخلاف جملة «حلّل حراما» لان الحرام حرام مطلقا- على كل حال- فلا يرفعه الشرط بخلاف الحلال فانه حلال لو خلّى و طبعه فهو قابل لورود الشرط عليه و اذا ورد عليه الشرط حرّمه.

و عليه فاللازم تقييد حرّم حلالا، بما اذا علم انه حلال مطلق، و هذا و ان كان خلاف الظاهر الا انه لا بد ان يصار إليه صيانة للكلام عن اللغوية، فتأمل.

(و ربما يتخيّل ان هذا الاشكال) و هو ما ذكرناه بقولنا: ثم انّه يشكل الامر فى استثناء المحرم. الخ (مختصّ بما دلّ على الاباحة التكليفية.

ص: 212

كقوله: تحل كذا و تباح كذا.

اما الحلّية التى تضمنها الاحكام الوضعية كالحكم بثبوت الزوجية، او الملكية، او الرقية، او اضدادها فهى احكام لا تتغيّر لعنوان اصلا.

______________________________

كقوله: تحل كذا و تباح كذا) فانها قابلة لورود الشرط عليها، فلا ينطبق على هذا القسم من المحللات قوله عليه السلام: الا شرطا حرم حلالا فان الشرط المحرم للحلال التكليفى كثير.

(اما الحلّية التى تضمنها الاحكام الوضعية كالحكم بثبوت الزوجية) المتضمن لاباحة الوطي و النظر و اللمس و ما اشبه (او الملكية) المتضمن لاباحة التصرف و الاذن فى التصرف و الاتلاف- فيما لم يكن اسرافا- (او الرقية) المتضمن لاباحة الامر و النهى و التزويج و الاستخدام و ما اشبه (او اضدادها) اى اضداد الزوجية و الملكية و الرقية، كالاجنبية و الاباحة الاصلية و الحرّية، فانها أيضا تشتمل على مباحات.

فالمرأة الاجنبية يحل زواجها بالدوام و بالمتعة، و يحل ان تكون مرضعة، و ان تكون أم زوجة.

و المباح الاصلى يحل الانتفاع به و اقتنائه- فيما لم يكن اسرافا- و استملاكه.

و الانسان الحر يحل استيجاره و الاشتراء منه و البيع له و تزويجه و غير ذلك من الاحكام التكليفية المترتبة على الاحكام مما لا تعدّ و لا تحصى (فهى احكام لا تتغيّر لعنوان) ثانوى (اصلا) فالشرط لا يتمكن من تحريمها كما لا يتمكن من تحليل المحرمات.

ص: 213

فان الانتفاع بالملك فى الجملة و الاستمتاع بالزوجة و النظر الى أمّها و بنتها من المباحات التى لا تقبل التغيّر.

و لذا ذكر فى مثال الصلح المحرم للحلال ان لا ينتفع بماله، او لا يطأ جاريته.

و بعبارة اخرى ترتب آثار الملكيّة على الملك فى الجملة و آثار الزوجيّة على الزوج كذلك من المباحات التى لا تتغيّر عن اباحتها، و ان كان ترتب بعض الآثار قابلا لتغير حكمه الى التحريم كالسكنى فيما لو اشترط اسكان البائع فيه مدة

______________________________

(فان الانتفاع بالملك فى الجملة و الاستمتاع بالزوجة) فى الجملة.

و انما قلنا فى الجملة، لانه يمكن تحريم بعض الانتفاعات و الاستمتاعات بالشرط او سائر العناوين الثانوية (و النظر الى أمّها و بنتها) و استخدام العبد (من المباحات التى لا تقبل التغيير) بالشرط و نحوه.

(و لذا ذكر فى مثال الصلح المحرم للحلال ان لا ينتفع) المصالح (بماله) اصلا (او لا يطأ جاريته) اصلا، لانهما من الحلال الناشئ عن الاحكام الوضعية- اى الملكية و الرقية- فلا يحرم بالشرط.

(و بعبارة اخرى ترتب آثار الملكية على الملك فى الجملة و آثار الزوجية على الزوج كذلك) اى فى الجملة (من المباحات التى لا تتغير عن اباحتها) بالشرط او النذر او ما اشبه من سائر العنوانات الثانوية (و ان كان)- ان: وصلية- (ترتب بعض الآثار) للحكم الوضعى (قابلا لتغير حكمه الى التحريم كالسكنى فيما لو اشترط اسكان البائع فيه مدة)

ص: 214

و اسكان الزوجة فى بلد اشترط ان لا يخرج إليه او وطيها مع اشتراط عدم وطيها اصلا كما هو المنصوص.

و لكن الانصاف انه كلام غير منضبط، فانه كما جاز تغير إباحة بعض الانتفاعات كالوطى فى النكاح، و السكنى فى البيع الى التحريم لاجل الشرط، كذلك يجوز

______________________________

فان حلّية سكنى المشترى الّذي ملك الدار من آثار الحكم الوضعى- للذى له الملك- لكن يمكن نقله الى البائع مؤقتا بالشرط فالحلال يصبح حراما على المشترى (و اسكان الزوجة فى بلد اشترط)- بالمجهول- (ان لا يخرج) الرجل بزوجته (إليه) فهذا كان حلالا، و صار حراما بالشرط (او وطيها) اى وطى الزوجة (مع اشتراط عدم وطيها اصلا) فان الوطي حلال، لكنه اذا اشترط عدم الوطي، حرم الحلال بسبب الشرط (كما هو المنصوص) فى ان للمرأة ان تشترط ان لا يطئها الزوج.

و من هذا كله تبيّن انه لا يصح الشرط المحرم للحلال، اذا كان الحلال ناشئا عن الاحكام الوضعية، و الحلال الناشئ من الاحكام الوضعية كثير جدا، كما لا يصح الشرط المحلل للحرام.

(و لكن الانصاف) ان هذا التخيل غير تام، اذ (انه كلام غير منضبط) فلا ضابطة لما يمكن تحريمه بالشرط و ما لا يمكن تحريمه بالشرط- من المباحات التابعة للاحكام الوضعية- (فانه كما جاز تغير إباحة بعض الانتفاعات كالوطى فى النكاح) المحلل فى نفسه (و السكنى فى البيع) المحلل فى نفسه للمشترى (الى التحريم لاجل الشرط، كذلك يجوز

ص: 215

تغير إباحة سائرها الى الحرمة.

فليس الحكم بعدم تغير إباحة مطلق التصرف فى الملك، و الاستمتاع بالزوجة لاجل الشرط الّا للاجماع او لمجرد الاستبعاد و الثانى غير معتد به، و الاول يوجب ما تقدم من عدم الفائدة فى بيان هذه الضابطة

______________________________

تغير إباحة سائرها) اى سائر الانتفاعات (الى الحرمة) بسبب الشرط، و عليه فالشرط تمكن من ان يحرم الشي ء الّذي كان محللا بسبب الحكم الوضعى.

(ف) ان قلت: نعم الشرط يتمكن من ذلك فى الجملة، لكنه لا يتمكن من تحريم كل إباحة تابعة لحكم وضعى.

قلت: (ليس الحكم بعدم تغير إباحة مطلق التصرف فى الملك، و) مطلق (الاستمتاع بالزوجة لاجل الشرط) «لاجل» متعلق ب «التغير» (الا للاجماع او لمجرد الاستبعاد) و انه كيف يمكن ان يرفع الشرط كل آثار الملك او كلّ آثار الزوجية (و الثانى غير معتقد به، و الاول) و ان كان صحيحا الا انه (يوجب ما تقدم) فى جوابنا عن: ثم انه يشكل الامر (من عدم الفائدة فى بيان هذه الضابطة) و هى قوله عليه السلام «الا شرطا حرّم حلالا».

وجه عدم الفائدة، هو ان الاجماع منع عن هذا الشرط الّذي يقتضي تحريم مطلق التصرف و الاستمتاع، لا ان بطلان الشرط كان لاجل انه محرّم للحلال، بينما ظاهر الرواية ان الشرط المحرم للحلال باطل، لانه محرّم للحلال.

ص: 216

مع ان هذا العنوان- اعنى: تحريم الحلال و تحليل الحرام- انما وقع مستثنى فى ادلة انعقاد اليمين.

و ورد انه لا يمين فى تحليل الحرام و تحريم الحلال، و قد ورد بطلان الحلف على ترك شرب العصير المباح دائما، معللا بانه ليس لك ان تحرم ما احلّ اللّه، و من المعلوم ان إباحة العصير لم يثبت من الاحكام الوضعية، بل هى من الاحكام التكليفية الابتدائية.

______________________________

(مع ان) هناك اشكالا ثانيا على قول المتخيّل، لان المتخيّل قال:

تحريم الحلال عبارة عن تحريم الحلال المستفاد من الحكم الوضعى.

فاشكل المصنف عليه أولا بقوله: لكن الانصاف، و ثانيا: بانا نرى ان الامام عليه السلام استعمل تحريم الحلال فيما كان الحلال حكما تكليفيا فكيف يمكن ان يستعمل هذه الجملة: الا ما حرّم حلالا تارة فى الحلال الوضعى، كما قال المتخيّل و تارة فى الحلال الوضعى، كما فى باب اليمين

فان (هذا العنوان- اعنى: تحريم الحلال و تحليل الحرام- انما وقع مستثنى فى ادلة انعقاد اليمين).

(و) ذلك حيث (ورد انه لا يمين فى تحليل الحرام و تحريم الحلال، و قد ورد) صغرى لتلك الكلية (بطلان الحلف على ترك شرب العصير المباح) فى مقابل العصير المحرم الّذي فيه سكر (دائما) و ان صحّ الحلف على ترك شربه مؤقتا (معللا) البطلان (بانه ليس لك ان تحرم ما احلّ اللّه، و) الحال انه (من المعلوم ان إباحة العصير لم يثبت من الاحكام الوضعية، بل هى) اى إباحة العصير (من الاحكام التكليفية الابتدائية)

ص: 217

و بالجملة فالفرق بين التزوج و التسرّى اللذين ورد عدم جواز اشتراط تركهما، معللا بانه خلاف الكتاب الدال على اباحتهما، و بين ترك الوطي الّذي و رد جواز اشتراطه.

و كذا بين ترك شرب العصير المباح الّذي ورد عدم جواز الحلف عليه معللا بانه من تحريم

______________________________

لا الثانوية التابعة لحكم وضعى فمن مثال الامام (ع) ل «تحريم الحلال» ب «شرب العصير» يعرف ان ليس المراد من تحريم الحلال، الحلال الوضعى و الحال ان المتخيّل قال: ان المراد من الحلال فى الضابطة هو الحلال الوضعى.

(و بالجملة) نقول فى بيان انه لم يفهم المراد من قوله «الا شرطا حرم حلالا»: ان بعض المحللات جعلها الشارع من تحريم الحلال، و بعضها لم يجعله من ذلك فما هو الفرق؟ (فالفرق بين التزوج و التسرّى اللذين)- بصيغة التثنية- (ورد عدم جواز اشتراط تركهما، معللا) عدم الجواز (بانه خلاف الكتاب الدال على اباحتهما، و بين ترك الوطي الّذي ورد جواز اشتراطه) مع انه أيضا ورد الدليل من الكتاب و السنة على جوازه، قال تعالى «وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حٰافِظُونَ إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ»*.

(و كذا) الفرق (بين ترك شرب العصير المباح) شربه- فى مقابل العصير المسكر الّذي لا يباح شربه- و كذا العصير الّذي لم يذهب ثلثاه (الّذي ورد عدم جواز الحلف عليه، معللا) عدم الجواز (بانه من تحريم

ص: 218

الحلال، و بين ترك بعض المباحات المتفق على جواز الحلف عليه فى غاية الاشكال.

و ربما قيل فى توجيه الرواية، و توضيح معناها ان معنى قوله: الا شرطا حرم حلالا، او احلّ حراما، اما ان يكون الا شرطا حرم وجوب الوفاء به الحلال.

______________________________

الحلال، و بين ترك بعض المباحات) كترك التدخين (المتفق على جواز الحلف عليه) مع ان كليهما مباحان، فاما ان يجوز الحلف على تركهما، او لا يجوز (فى غاية الاشكال).

و ليس الجواب عن وجه ذلك الفرق ان يقال: بان الشارع فرّق، فانه من المعلوم ان الشارع فرق، و انما الكلام فى انه كيف فرق الشارع مع ان كليهما داخل فى تحريم الحلال، او ليس بداخل فى تحريم الحلال

و الحاصل: انا نريد فهم وجه انطباق الكلية على فرد دون فرد حتى نفهم من ذلك الموارد التى هى من تحريم الحلال و الموارد التى ليست من تحريم الحلال.

(و ربما قيل فى توجيه الرواية، و توضيح معناها) و القائل هو النراقى فى عوائده، و المراد بالرواية قوله عليه السلام «الا شرطا حرّم حلالا ... الخ» (ان معنى قوله: الا شرطا حرم حلالا، او احلّ حراما اما ان يكون الا شرطا حرم وجوب الوفاء به الحلال).

فان الانسان الّذي يشترط على نفسه عدم وطى الزوجة صار وطى الزوجة عليه حراما، فوجوب الوفاء بالشرط حرم عليه الحلال.

ص: 219

و اما ان يكون الا شرطا حرم ذلك الشرط الحلال.

و الاول مخالف لظاهر العبارة مع مناقضته لما استشهد به الامام عليه السلام فى رواية منصور بن يونس المتقدمة الدالة على وجوب الوفاء بالتزام عدم الطلاق و التزوج، بل يلزم كون الكل لغوا اذ ينحصر مورد:

______________________________

(و اما ان يكون) المراد به (الا شرطا حرم ذلك الشرط الحلال) بان يصبح الحلال حراما، و هذا يكون حراما قبل وجوب الوفاء.

و الحاصل ان الشرط قد يحرم الحلال بضميمة وجوب الوفاء حتى ان الشارع لو لم يقل ف بشرطك لم يحرم الشرط، و قد يحرم الشرط الحلال بدون ملاحظة وجوب الوفاء حتى يكون الشرط مشرّعا لتحريم الحلال.

(و الاول مخالف لظاهر العبارة) اى عبارة «الا شرطا حرم حلالا او احل حراما» لان تقدير وجوب الوفاء به فى الكلام خلاف الظاهر، بل الظاهر ان نفس الشرط يحرّم (مع مناقضته) اى مناقضة المعنى الاول (لما استشهد به الامام عليه السلام فى رواية منصور بن يونس المتقدمة الدالة على وجوب الوفاء بالتزام عدم الطلاق و) عدم (التزوج).

فالوفاء بهذا الشرط يحرم عليه الطلاق و التزوج، و مع ذلك اجازه الامام فليس المراد من تحريم الحلال ما كان الوفاء به يحرم الحلال (بل يلزم) من إرادة المعنى الاول (كون الكل) اى كل الشروط (لغوا) و لا يلزم الوفاء به، اذ قبل الشرط كان الفعل و الترك مباحا، فالوفاء بالشرط يلزم منه عدم اجتناب الحلال (اذ ينحصر مورد

ص: 220

المسلمون عند شروطهم باشتراط الواجبات و اجتناب المحرمات.

فيبقى الثانى، و هو ظاهر الكلام فيكون معناه الا شرطا حرم ذلك الشرط الحلال، بان يكون المشروط هو حرمة الحلال.

ثم قال: فان قيل اذا شرط عدم فعله فلا يرضى بفعله فيجعله حراما عليه.

______________________________

المسلمون عند شروطهم)- على المعنى الاول- (باشتراط الواجبات و اجتناب المحرمات) فان الوفاء بمثل هذا الشرط لا يلزم منه تحريم الحلال و تحليل الحرام.

(فيبقى) المعنى (الثانى) للرواية الّذي اشرنا إليه بقولنا «حرم ذلك الشرط الحلال» (و هو ظاهر الكلام) اذ ليس فيه تقدير، فالمعنى الاول خلاف الظاهر و يناقض رواية منصور و يوجب اللغوية بخلاف المعنى الثانى (فيكون معناه) على هذا (الا شرطا حرم ذلك الشرط الحلال، بان يكون المشروط هو حرمة الحلال) بان شرط ان يكون شرب الماء حراما، و هذا الشرط باطل، لان الشرط ليس بمشرّع، و لهذا ابطل الامام (ع) بقوله «الا شرطا حرم حلالا».

(ثم قال) النراقى ره (فان قيل) ان المعنى الاول أيضا مشرّع و محرم للحلال، فانه (اذا شرط) المشترط (عدم فعله) اى عدم فعل الحلال (فلا يرضى) المشترط (بفعله) اى بان يفعل ذلك الحلال (فيجعله) اى الفعل (حراما عليه).

فلا فرق بين ان يقول «بشرط ان احرم الماء على نفسى» او يقول

ص: 221

قلنا لا نريد ان معنى الحرمة طلب الترك من المشترط، بل جعله حراما ذاتيا اى مطلوب الترك شرعا.

و لا شك ان شرط عدم فعل، بل نهى شخص عن فعل، لا يجعله حراما شرعيا.

ثم قال: فان قيل: الشرط من حيث هو مع قطع النظر عن ايجاب

______________________________

«بشرط ان لا اشرب الماء» اذ «لا اشرب» معناه «احرم» أيضا، فلما ذا قلتم بالفرق بين المعنيين، و ان المراد بالرواية المعنى الثانى دون المعنى الاول.

(قلنا) هنا فرق بين المعنيين، فاننا (لا نريد ان معنى الحرمة) فى المعنى الثانى (طلب الترك من المشترط) حتى يكون كلا المعنيين بالنتيجة طلب الترك، فلا يكون فرق بينهما (بل) مرادنا من المعنى الثانى (جعله) اى الفعل (حراما ذاتيا) كسائر المحرمات الشرعية، مثل الزنا و شرب الخمر (اى مطلوب الترك شرعا)

(و) اما المعنى الاول فليس كذلك، اذ (لا شك ان شرط عدم فعل بل نهى شخص عن فعل، لا يجعله حراما شرعيا).

و الحاصل: ان المراد بالرواية النهى عن شرط يكون هكذا «بشرط ان احرّم على نفسى شرب الماء) اما الشرط الّذي يكون هكذا «بشرط ان لا اشرب الماء» فليس فيه محذور.

(ثم قال) النراقى (فان قيل: الشرط من حيث هو) شرط صادر من المشترط (مع قطع النظر عن ايجاب

ص: 222

الشارع الوفاء لا يوجب تحليلا و تحريما شرعا، فلا يحرم و لا يحلل.

قلنا: ان اريد انه لا يوجب تحليلا و لا تحريما شرعيا بحكم الشرط فهو ليس كذلك بل حكم الشرط ذلك، و هذا معنى تحريم الشرط و تحليله.

و على هذا فلا اجمال فى الحديث، و لا تخصيص فى ذلك

______________________________

الشارع الوفاء) به (لا يوجب تحليلا و تحريما شرعا، فلا يحرم و لا يحلل) فكيف قلتم ان المراد بالرواية «تحريم الشرط» فالصحيح هو المعنى الاول، فالمراد وجوب الوفاء بالشرط يوجب التحريم لا ان الشرط بذاته يوجب التحريم.

(قلنا: ان اريد انه) اى الشرط (لا يوجب تحليلا و لا تحريما شرعيا بحكم الشرط) اى ان الشرط لا يوجب الحكم الشرعى بالحرمة (فهو) اى الشرط (ليس كذلك) اى ليس «لا يوجب تحليلا و تحريما» (بل) الشرط يوجب تحليلا و تحريما، ف (حكم الشرط ذلك) اى التحليل و التحريم (و هذا معنى تحريم الشرط و تحليله) الّذي نهى عنه الامام عليه السلام بقوله «الا شرطا حرم حلالا او احلّ حراما» و ان اريد ان الشرط لا يوجب تحليلا و لا تحريما بذاته اى مع قطع النظر عن الشرع فهو كذلك، لكنا لم ندعه حتى يستشكل علينا «بان قيل» بل ادعينا ان الشرط يوجب تحليلا و تحريما بحكم الشارع، و قلنا ان المراد بالرواية «النهى عن ان يحرم على نفسه بان يجعل المشروط محرما شرعيا ذاتيا».

(و على هذا) المعنى الّذي ذكرناه من ان المراد جعل المشروط حراما ذاتيا (فلا اجمال فى الحديث، و لا تخصيص فى ذلك).

ص: 223

كالنذر و العهد و اليمين، فان من نذر ان لا يأكل المال المشتبه ينعقد و لو نذر ان يكون المال المشتبه حراما عليه شرعا او يحرم ذلك على نفسه شرعا لم ينعقد، انتهى.

اقول لا افهم معنى محصلا لاشتراط حرمة الشي ء او حليته شرعا، فان هذا امر

______________________________

كان يقال ان كل شرط محرم للحلال غير صحيح، الا شرط ان لا يطأ زوجته، فانه شرط صحيح- لورود النص الخاص بجواز هذا الشرط- (كالنذر و العهد و اليمين) فان حال الثلاثة أيضا حال الشرط فى انها لا يمكن ان تحرّم الحلال (فان من نذر ان لا يأكل المال المشتبه ينعقد) نذره لانه لم يجعل المال المشتبه حراما ذاتيا، بل نذر ان يتركه (و لو نذر ان يكون المال المشتبه حراما عليه شرعا) من قبيل الزنا و الخمر (او) نذر ان (يحرم ذلك على نفسه شرعا لم ينعقد) نذره (انتهى) كلام النراقى

و الفرق بين «ان يكون» و بين «او يحرم» ان الاول من قبيل نذر الغاية، و الثانى من قبيل نذر الفعل.

نظير الفرق بين نذر كون داره ملكا لزيد، و بين نذر ان يملك داره لزيد، و كذلك قد ينذر ان تكون زوجته طالق، و هذا باطل، و قد ينذر ان يطلق زوجته و هذا صحيح.

(اقول لا افهم معنى محصلا)- و ان امكن ان يتلفظ به المشترط- (لاشتراط حرمة الشي ء او حلّيته شرعا) بان يقول المشترط ان الشي ء الفلانى حرام شرعا- بينما قد حلّله الشارع- (فان هذا) الجعل (امر

ص: 224

غير مقدور للمشترط، و لا يدخل تحت الجعل فهو داخل فى غير المقدور و لا معنى لاستثنائه عما يجب الوفاء به، لان هذا لا يمكن عقلا الوفاء به، اذ ليس فعلا خصوصا للمشترط.

و كذلك الكلام فى النذر و شبهه.

و العجب منه قدس سره حيث لاحظ ظهور الكلام فى كون

______________________________

غير مقدور للمشترط، و لا يدخل تحت الجعل) اى جعل المشترط (فهو داخل فى غير المقدور) فان شرطه كان باطلا، لانه غير مقدور للمشترط، و قد تقدم اشتراط ان يكون الشرط مقدورا (و لا معنى لاستثنائه) اى استثناء جعل الشي ء حراما و حلالا شرعا (عما يجب الوفاء به) بان يقول الشارع: المؤمنون عند شروطهم الا ما حرم حلالا بهذا المعنى (لان هذا) اى التحريم و التحليل (لا يمكن عقلا الوفاء به) «عقلا» قيد ل «الوفاء به» (اذ ليس فعلا) و عملا (خصوصا للمشترط).

و من المعلوم: ان الاستثناء يلزم ان يكون معقولا، مثلا: لا يصح ان يقال يجوز كل شرط الا شرط خلق الانسان، اذ المستثنى يلزم ان يكون من جنس المستثنى منه، و المستثنى منه يلزم ان يكون مقدورا.

(و كذلك الكلام فى النذر و شبهه) فانه لا يتعلق النذر بغير المقدور فقول النراقى اخيرا «كالنذر و العهد و اليمين» فيه اشكال.

(و العجب منه قدس سره) اى من النراقى ره (حيث لاحظ ظهور الكلام) اى قوله عليه السلام «الا شرطا حرم حلالا او حلل حراما» (فى كون

ص: 225

المحرم و المحلل نفس الشرط و لم يلاحظ كون الاستثناء من الافعال التى يعقل الوفاء بالتزامها.

و حرمة الشي ء شرعا لا يعقل فيها الوفاء و النقض.

و قد مثل جماعة للصلح المحلّل للحرام بالصلح على شرب الخمر، و للمحرم للحلال بالصلح على ان لا يطأ جاريته و لا ينتفع بماله.

و كيف كان فالظاهر بل المتعين

______________________________

المحرم و المحلل) بالكسر (نفس الشرط) اى لاحظ هذه الدقة (و لم يلاحظ كون الاستثناء) لا بدّ و ان يكون (من الافعال التى يعقل الوفاء بالتزامها) لانه اذا لم يعقل الوفاء بها، لم يكن معنى لاستثناء الشارع لها، اذ النهى انما يتعلق بالمقدور.

(و) من المعلوم ان (حرمة الشي ء شرعا لا يعقل فيها الوفاء و النقض) فان الشارع ان حرّم ذلك الشي ء فذاك حرام، و ان لم يحرمه فليس بحرام و كلا هما ليسا بيد المشترط، حتى يفى بالتحريم او ينقض التحريم.

(و) مما يدل على ان المراد بتحليل الحرام و تحريم الحلال هو العمل للانسان، لا التشريع الّذي ليس الا بيد الله تعالى، ف (قد مثل جماعة للصلح المحلّل للحرام بالصلح على شرب الخمر، و للمحرم للحلال بالصلح على ان لا يطأ جاريته و لا ينتفع بماله) و لم يمثلوا بان يصالح على ان تكون الخمر حلالا او ان تكون جاريته عليه حراما.

(و كيف كان) الامر فى تمثيلهم للصلح و وطى الجارية (فالظاهر) من الانصراف العرفى عند القاء عبارة الرواية عليهم (بل المتعين) لان ما

ص: 226

ان المراد بالتحليل و التحريم المستندين الى الشرط، هو الترخيص و المنع

نعم المراد بالحلال و الحرام ما كان كذلك بحيث لا يتغير موضوعه بالشرط، لا ما كان حلالا لو خلّى و طبعه، بحيث لا ينافى عروض عنوان التحريم له لاجل الشرط.

و قد ذكرنا ان المعيار فى ذلك

______________________________

عداه لا يصدر من الشارع الحكيم (ان المراد بالتحليل المستندين الى الشرط، هو الترخيص) فى التحليل (و المنع) فى التحريم، اى لا يشترط شرب الخمر او منع وطى الجارية.

(نعم المراد بالحلال و الحرام ما كان كذلك) اى حلالا مطلقا و حراما مطلقا (بحيث لا يتغير موضوعه بالشرط)- كما ذكرنا سابقا-.

فالحلال الّذي لا يصح تحريمه بالشرط، و الحرام الّذي لا يصح تحليله بالشرط، هو الحلال و الحرام على كل تقدير- اى هو حلال و ان لحقه الشرط، و هو حرام و ان لحقه الشرط- (لا ما كان حلالا لو خلّى و طبعه بحيث لا ينافى) حلّيته (عروض عنوان التحريم له) اى ذلك الحلال (لاجل الشرط) «لاجل» متعلق ب «عروض» لا ما كان حراما لو خلّى و طبعه بحيث لا ينافى حرمته عروض عنوان التحليل له لاجل الشرط.

فالحلال على كل تقدير مثل التزويج- كما فى الرواية- و الحرام على كل تقدير مثل شرب الخمر، و الحلال لو خلّى و طبعه مثل وطى الزوجة و الحرام لو خلّى و طبعه، مثل مخالفة الزوجة للزوج فى السكنى.

(و قد ذكرنا ان المعيار فى ذلك) اى فى انه حلال و حرام على كل

ص: 227

وقوع التعارض بين دليل حلّية ذلك الشي ء او حرمته و بين وجوب الوفاء بالشرط و عدم وقوعه.

ففى الاول يكون الشرط- على تقدير صحته- مغيرا للحكم الشرعى و فى الثانى يكون مغيرا لموضوعه

______________________________

تقدير، او حرام و حلال لو خلّى و طبعه، و انما نحتاج الى فهم المعيار لنرى هل ان الشرط يقدم على الحكم، او ان الحكم يقدّم على الشرط؟

فالمعيار (وقوع التعارض بين دليل حلّية ذلك الشي ء او حرمته و بين وجوب الوفاء بالشرط) مثلا يقع التعارض بين «إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ»* و «إِنَّمَا الْخَمْرُ .. رِجْسٌ» و بين «المؤمنون عند شروطهم» اذا شرط عدم التزويج او شرب الخمر (و عدم وقوعه) عطف على «وقوع التعارض» اى هل يقع التعارض او لا يقع؟

مثلا: لا يقع التعارض بين «الماء حلال» و «الزوجة لا تخالف الزوج فى السكنى» و بين «المؤمنون عند شروطهم».

(ففى الاول) الّذي يقع التعارض (يكون الشرط- على تقدير صحته-).

و انما قلنا «على تقدير» لان بنائنا ان الشرط ليس بصحيح، فان الشرط لا يتمكن من إباحة الخمر- مثلا- (مغيرا للحكم الشرعى) الّذي قال: الخمر حرام لكن الشارع لم يصحح هذا الشرط، لانه قال «الا شرطا حلل حراما».

(و فى الثانى) الّذي لا يقع التعارض (يكون) الشرط (مغيرا لموضوعه)

ص: 228

فحاصل المراد بهذا الاستثناء فى حديثى الصلح و الشرط انهما لا يغيّر ان حكما شرعيّا، بحيث يرفع اليد عن ذلك الحكم، لاجل الوفاء بالصلح و الشرط، كالنذر و شبهه.

و اما تغييرهما لموضوع الاحكام الشرعية ففى غاية الكثرة، بل هما

______________________________

اذ موضوع الحلّية فى «الماء حلال» هو «الماء لو خلّى و طبعه» فاذا شرط عدم شربه تغير الموضوع، لان قيد «لو خلّى و طبعه» قد زال و موضوع الحرمة فى «يحرم على الزوجة مخالفة الزوج فى السكنى» هو «يحرم .. لو خلى و طبعه» فاذا شرط اسكانها فى بلد كذا، تغيّر الموضوع، لان قيد «لو خلى و طبعه» قد زال (فحاصل المراد بهذا الاستثناء فى حديثى الصلح و الشرط) الصلح جائز بين المسلمين الا صلحا احل حراما او حرم حلالا، و المؤمنون عند شروطهم الا شرطا حلل حراما او حرم حلالا (انهما) اى الصلح و الشرط (لا يغيّر ان حكما شرعيا بحيث يرفع اليد عن ذلك الحكم، لاجل الوفاء بالصلح و الشرط) فلا يحللان حكم الخمر و لا حكم التزويج (كالنذر و شبهه) فانهما لا يغير ان حكما شرعيا، فاذا نذر شرب الخمر او ترك التزويج، لم يحل الاول و لم يحرم الثانى.

(و اما تغييرهما) اى الصلح و الشرط، و كذلك النذر و اخويه (لموضوع الاحكام الشرعية) فيما اذا كان الحكم مرتبا على الموضوع- لو خلى و طبعه- فاذا جاء النذر و الشرط و الصلح خرج الموضوع عن كونه لو خلّى و طبعه (ففى غاية الكثرة، بل هما) اى الصلح و الشرط

ص: 229

موضوعان لذلك.

و قد ذكرنا ان الاشكال فى كثير من الموارد فى تميّز احد القسمين من الاحكام عن الآخر.

و مما ذكرنا يظهر النظر فى تفسير آخر لهذا الاستثناء يقرب من هذا التفسير الّذي تكلمنا عليه ذكره المحقق القمّى صاحب القوانين فى رسالته التى الّفها فى هذه المسألة

______________________________

(موضوعان لذلك) اى تفسير الموضوعات، فاذا تغير الموضوع تغير الحكم طبعا.

(و قد) عرفت فيما سبق ما (ذكرنا) من (ان الاشكال فى كثير من الموارد فى تميّز احد القسمين من الاحكام عن) القسم (الآخر) و هل انه رتب على الموضوع- على كل تقدير- او على الموضوع لو خلى و طبعه

كما انك قد عرفت أيضا ان فى مورد الشك يرجع الى عموم: المؤمنون عند شروطهم، لاصالة عدم كون الحكم على كل تقدير.

(و مما ذكرنا) فى الاشكال على تفسير النراقى ره للاستثناء الّذي وقع فى قوله عليه السلام «الا ما حرم حلالا او احل حراما» (يظهر النظر فى تفسير آخر لهذا الاستثناء يقرب من هذا التفسير الّذي تكلمنا عليه) اى يقرب من تفسير النراقى ما (ذكره المحقق القمى صاحب القوانين فى رسالته التى الّفها فى هذه المسألة) و هى مسئلة معنى تحليل الحرام و تحريم الحلال.

و عليه فللحديث ثلاثة تفاسير.

ص: 230

..........

______________________________

التفسير الاول للشيخ المصنف ره و هو ان كل حكم علم من الشرع ان يريده مطلقا لا يمكن تغيره بالشرط، سواء كان ذلك الحكم حلالا او حراما فالحلال المطلق و الحرام المطلق لا يمكن تغيّره بالشرط، و كل حكم علم من الشرع ان الشارع يريده لو خلّى و طبعه، امكن تغيّره بالشرط، و كل حكم لم يعلم انه من قبيل الاول او الثانى فهو كالثانى فى انه يمكن تغييره بالشرط.

ثم ان حال النذر و العهد و امر الوالدين و الزوج، حال الشرط أيضا

التفسير الثانى للنراقى، و هو ان الشرط لا يتمكن ان يجعل الحرام حلالا او الحلال حراما، بمعنى ان يكون مشرعا، لكنه يتمكن ان يمنع المشروط عليه من اتيان الفعل، او من ترك الفعل، فقد يقول المشترط:

احرم على المشروط عليه الطلاق، و قد يقول: بشرط ان لا يطلق زوجته

و اشكل الشيخ عليه بان: تحريم الحلال و تحليل الحرام غير مقدور للمكلف، لانه بيد الشارع، فاللازم ان يدخل ذلك فى كون الشرط مقدورا لا فى كونه لا يحلل الحرام و لا يحرم الحلال.

التفسير الثالث: للمحقق القمى، و حاصله ان الشرط لا يتمكن من المنع المطلق لجميع افراد كلّى حلال، او الاباحة المطلقة لجميع افراد كلّى محرّم.

اما المنع عن بعض الافراد و الاباحة لبعض الافراد، فلا بأس به فاذا شرط ان لا يتزوج ابدا، فهو شرط باطل.

اما اذا شرط ان لا يتزوج بهذه المرأة الخاصة فهو شرط صحيح، و المصنف يرى ان الاشكال الّذي ورد على النراقى وارد عليه أيضا، اذ لو

ص: 231

فانه بعد ما ذكر من امثلة الشرط غير الجائز فى نفسه- مع قطع النظر عن اشتراطه و التزامه- شرب الخمر و الزنا و نحوهما من المحرمات و من امثلة ما يكون التزامه و الاستمرار عليه من المحرمات فعل المرجوحات و ترك المباحات، و فعل المستحبات كان يشترط تقليم الاظفار بالسنّ ابدا و

______________________________

كان الكلى الّذي يريد الشرط تغييره حكما للشي ء لو خلى و طبعه امكن للشرط تغييره، و لو كان الكلى حكما للشي ء بصورة مطلقة، لم يتمكن الشرط تغييره، و كذا الجزئى فان كان الحكم للجزئى لو خلّى و طبعه تمكّن الشرط من تغييره، و ان كان الحكم للجزئى على كل تقدير، لم يتمكن الشرط من تغييره.

و من ذلك تعرف ان الاشكال على المحقق القمى نفس الاشكال على النراقى رحمهما الله (فانه) اى القمى (بعد ما ذكر من امثلة الشرط غير الجائز فى نفسه- مع قطع النظر عن اشتراطه و التزامه-) اى ان المحرم هو «المستلزم» مع قطع النظر عن «الالتزام» فانك قد عرفت فى كلام المصنف ان الحرام قد يكون «الملتزم» و قد يكون «الالتزام» (شرب الخمر و الزنا و نحوهما من المحرمات) «شرب» مفعول «ذكر» (و) بعد ما ذكر (من امثلة ما يكون التزامه و الاستمرار عليه من المحرمات) ف «الالتزام» حرام لا «الملتزم» (فعل المرجوحات و ترك المباحات و فعل المستحبات) «فعل» و «ترك» مفعولان «لذكر».

و ينبغى اضافة «فعل المباحات» لان ما ذكره القمى من العلة آت فيه أيضا (كان يشترط تقليم الاظفار بالسنّ ابدا) فانه مكروه فى نفسه (و

ص: 232

ان لا يلبس الخزّ ابدا، و لا يترك النوافل فان جعل المكروه او المستحب واجبا، و جعل المباح حراما حرام الا برخصة شرعية حاصلة من الاسباب الشرعية، كالنذر و شبهه فيما ينعقد فيه و يستفاد ذلك من كلام عليّ عليه السلام فى رواية اسحاق بن عمار، من اشترط لامرأته شرطا فليف لها به، فان المسلمين عند شروطهم الا

______________________________

ان لا يلبس الخزّ ابدا) فان لبس الخزّ مباح (و لا يترك النوافل) فان النافلة مستحبة.

و انما لا يصح هذا النوع من الشرط (فان جعل المكروه او المستحب واجبا، و جعل المباح حراما) بل جعل الاحكام الثلاثة واجبا او حراما (حرام) خبر «ان» (الا برخصة شرعية حاصلة من الاسباب الشرعية، كالنذر و شبهه فيما ينعقد فيه) النذر، لان النذر لا ينعقد الا فى الامر الراجح.

و لا يخفى انه على ما ذكره القمّى ره لا فرق بين النذر و الشرط فى ان كلا منهما لا يتمكن من تغيير الحكم الكلّى، و فى ان كلا منهما يتمكن من تغيير الحكم الكلّى، و فى ان كلا منهما يتمكن من تغيير الجزئيّات و يضاف فى النذر لزوم ان يكون متعلقه راجحا بخلاف الشرط، فتأمل.

قال المحقق ره: (و يستفاد ذلك) الّذي ذكرنا من ان «الالتزام» فى هذه الموارد حرام (من كلام على عليه السلام فى رواية اسحاق بن عمار، من اشتراط لامرأته شرطا فليف لها به، فان المسلمين عند شروطهم، الا

ص: 233

شرطا حرّم حلالا او احل حراما، قال قدس سره.

فان قلت: ان الشرط كالنذر و شبهه من الاسباب الشرعية المغيرة للحكم بل الغالب فيه هو ايجاب ما ليس بواجب فان بيع الرجل ماله، او هبته لغيره مباح.

و اما لو اشترط فى ضمن عقد آخر يصير واجبا فما وجه تخصيص الشرط بغير ما ذكرته من الامثلة؟.

______________________________

شرطا حرّم حلالا او احل حراما) فان الشرط فى ان لا يفعل المباح تحريم للحلال (قال قدس سره) «قال» خبر «فانّه» الّذي ذكر قبل اسطر.

(فان قلت: ان الشرط كالنذر و شبهه من الاسباب الشرعية المغيرة للحكم) فكما ان النذر يغيّر المباح الى الواجب، كذلك الشرط (بل الغالب فيه) اى فى الشرط (هو ايجاب ما ليس بواجب).

و انما قال «الغالب» لانه يصح ان بتعلق الشرط بالواجب، كان يشترط على المشترى ان يصلى مثلا (فان بيع الرجل ماله، او هبته لغيره مباح) فى نفسه.

(و اما لو اشترط فى ضمن عقد آخر) مقابل ان يشترط ذلك فى نفس عقد الهبة مثلا، فانه لا يوجب- كما لا يخفى- (يصير) البيع و الهبة (واجبا) فقد غيّر الشرط الحكم الاول، اى غيّر الاباحة الى الوجوب- (فما وجه تخصيص الشرط) الصحيح (بغير ما ذكرته من الامثلة؟) اى «تقليم الاظفار ... الخ».

و الحاصل: انه لا فرق بين شرط البيع و الهبة، و بين شرط التقليم

ص: 234

قلت: الظاهر من تحليل الحرام و تحريم الحلال هو تأسيس القاعدة و هو تعلق الحكم بالحلّ او الحرمة ببعض الافعال على سبيل العموم من دون النظر الى خصوصية فرد، فتحريم الخمر معناه: منع المكلف عن شرب جميع ما يصدق عليه هذا الكلّى، و كذا حلية المبيع

______________________________

و ترك النافلة فما هو الفارق الّذي اوجب ان يصح الشرط الاول و لا يصح الشرط الثانى، مع ان كلا من البيع و التقليم مباح فى نفسه مع كراهة او بلا كراهة.

(قلت: الظاهر من تحليل الحرام و تحريم الحلال هو تأسيس) المشترط (القاعدة) الكلية (و هو) اى تأسيس القاعدة انما يكون ب (تعلق الحكم بالحلّ او الحرمة ببعض الافعال على سبيل العموم) اى ان يحرم المشترط او يحلّ فعلا من الافعال على سبيل الكلية، لا ان يحرم او يحلل فردا جزئيا من ذلك الفعل.

مثلا قد يحرم على نفسه نكاح أية امرأة، و هذا هو تأسيس القاعدة و قد يحرم على نفسه نكاح هند مثلا و هذا لا بأس به، فالشرط المحرم للحلال و المحلل للحرام هو ما كان معلقا بالكلّية (من دون النظر الى خصوصية فرد) بان لا يشترط تحريم فرد- فانه لا بأس به-.

و ذلك يظهر بمثال ما ذكره بقوله: (فتحريم الخمر) التى حرمها الشارع (معناه: منع المكلّف عن شرب جميع ما يصدق عليه هذا الكلى) الّذي هو الخمر (و كذا حلّية المبيع) معناه إباحة كلى البيع للمكلف بحيث يحق له ان يزاول اىّ فرد منه.

ص: 235

فالتزوج و التسرى امر كلى حلال، و التزام تركه مستلزم لتحريمه.

و كذلك جميع احكام الشرع من التكليفية و الوضعيّة و غيرها انما يتعلق بالجزئيات باعتبار تحقق الكلى فيها.

فالمراد من تحليل الحرام، و تحريم الحلال المنهى عنه: هو ان يحدث المشترط قاعدة كلية، و يبدع حكما جديدا.

______________________________

اذا عرفت المثال نقول: (فالتزوج و التسرّى امر كلى حلال، و التزام) الشارط (تركه مستلزم لتحريمه) و هذا غير جائز.

نعم اذا شرط عدم التسرّى بجارية خاصة، او فى وقت خاص لم يكن بذلك بأس.

(و كذلك جميع احكام الشرع من التكليفية) كترك النافلة (و الوضعيّة و غيرها) كترك التزوج مطلقا (انما يتعلق بالجزئيّات باعتبار تحقق الكلى فيها)

فنكاح هند حلال باعتبار ان كلى النكاح حلال، و نكاح هند فرد من ذلك الكلى.

و كذلك صلاة زيد واجبة باعتبار انها فرد من كلى الصلاة، و صلاة زيد فرد من ذلك الكلى و هكذا.

(فالمراد من تحليل الحرام، و تحريم الحلال المنهى عنه) فى رواية:

المؤمنون عند شروطهم (هو ان يحدث المشترط قاعدة كلّية، و يبدع حكما جديدا) كتحريم نكاح مطلق النساء، او وجوب الاتيان بكل نافلة.

فان الاول تحريم للحلال و الثانى ايجاب للمستحب.

و قد اراد الشارع حلّية الاول و استحباب الثانى، فما فعله المشترط

ص: 236

و قد اجيز فى الشرع البناء على الشروط الّا شرطا اوجب ابداع حكم كلى جديد، مثل تحريم التزوج و التسرّى و ان كان بالنسبة الى نفسه فقط.

و قد قال الله تعالى: فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ، و كجعل الخيرة فى الجماع و الطلاق بيد المرأة و قد قال الله تعالى: الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ.

و فيما لو اشترطت عليه ان لا تتزوج او لا تتسرى بفلانة خاصة اشكال

______________________________

بدعة.

(و قد اجيز فى الشرع البناء على الشروط) الجزئية، مثل ترك تزويج فلانة، او الاتيان فى هذا اليوم بالنافلة (الّا شرطا اوجب ابداع حكم كلى جديد، مثل تحريم التزوج و التسرّى) مطلقا باية امرأة و أية جارية (و ان كان) التحريم (بالنسبة الى نفسه فقط) فانه أيضا كلى، و ان كان كلى التحريم بالنسبة الى كل واحد كلى اوسع من الكلية السابقة.

(و) كيف يحرم على نفسه مطلق التزوج و التسرّى، و الحال انه (قد قال الله تعالى: فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ) و قال سبحانه «أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ»* (و كجعل الخيرة فى الجماع و الطلاق بيد المرأة) فانه لا يصح كيف (و قد قال الله تعالى: الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ) و مقتضى القيمومة: ان يكون الامر بيده لا بيدها.

(و) اما (فيما لو اشترطت عليه ان لا تتزوج او لا تتسرى) انت ايها الرجل (بفلانة خاصة اشكال) من انه جزئى، فلا بأس.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 14، ص: 238

ص: 237

فما ذكر فى السؤال من وجوب البيع الخاص الّذي يشترطانه فى ضمن عقد ليس مما يوجب احداث حكم للبيع، و لا تبديل حلال الشارع و حرامه.

كذا لو شرط نقص الجماع عن الواجب، الى ان قال: قدس سره:

و بالجملة اللزوم الحاصل من الشرط لما يشترطانه من الشروط الجائزة ليس من باب تحليل حرام، او تحريم حلال، او ايجاب جائز على سبيل القاعدة

______________________________

و من ان عدم التزوج بفلانة أيضا له شائبة الكلية بالنسبة الى مختلف الازمنة و الخصوصيات، ففيه بأس.

نعم اذا شرطت ان لا يتزوج بها فى يوم كذا و ما اشبه فلا اشكال فيه (فما ذكر فى السؤال) ب «ان قلت ان الشرط ... الخ» (من وجوب البيع الخاص) وجوبه بالشرط (الّذي يشترطانه) اى يشترط ذلك البيع البائع و المشترى (فى ضمن عقد) بيع او اجارة او ما اشبه (ليس) ذلك الوجوب (مما يوجب احداث حكم للبيع) مقابل حكم الشارع (و لا) يوجب أيضا (تبديل حلال الشارع و حرامه) حتى يشمله: الا ما حرم حلالا او احل حراما

(و كذا لو شرط نقص الجماع عن الواجب) بان يطأها كل ستة اشهر بدل كل أربعة اشهر، فان ذلك لا يوجب تبديل حكم الشارع (الى ان قال) المحقق القمى (قدس سره: و بالجملة اللزوم الحاصل من الشرط لما يشترطانه من الشروط الجائزة) «من» بيان «لما» (ليس من باب تحليل حرام، او تحريم حلال، او ايجاب جائز) بحيث يكون (على سبيل القاعدة) و الكلية، فيشمله قوله عليه السلام: الا شرطا حرم حلالا او احل حراما

ص: 238

بل الّذي يحصل من ملاحظة جميع موارده حكم كلى هو وجوب العمل على ما يشترطانه و هذا الحكم أيضا من جعل الشارع.

فقولنا: العمل على مقتضى الشرط الجائز واجب، حكم كلى شرعى، و حصوله ليس من جانب شرطنا حتى يكون من باب تحليل الحرام، و عكسه بل انما هو صادر من الشارع، انتهى كلامه رفع مقامه

و للنظر فى مواضع من كلامه مجال، فافهم

______________________________

(بل الّذي يحصل من ملاحظة جميع موارده حكم كلى) «حكم» فاعل «يحصل» (هو) خبر «الّذي» (وجوب العمل على ما يشترطانه).

فان المستفاد من الادلة المختلفة و الموارد الجزئية الواردة فى الشريعة: انه يلزم العمل بما يشترطه الطرفان المتعاقدان اذا لم يكن على سبيل القاعدة (و هذا الحكم) اى حكم وجوب العمل بالشرط (أيضا من جعل الشارع) فليس هو فى مقابل حكم الشارع و فى مقابل جعله.

(فقولنا: العمل على مقتضى الشرط الجائز واجب، حكم كلى شرعى) لان الشارع قال بوجوبه (و حصوله) اى حصول هذا الوجوب (ليس من جانب شرطنا) حتى يقال: ان شرطكم اوجب ما ليس بواجب فى الشرع (حتى يكون من باب تحليل الحرام، و عكسه) و هو تحريم الحلال (بل انما هو) وجوب العمل بالشرط (صادر من الشارع، انتهى كلامه رفع مقامه) اى كلام المحقق القمى.

(و للنظر فى مواضع من كلامه مجال، فافهم) حيث انه فرق بين النذر و بين الشرط، مع انهما من باب واحد، و انه جعل تحريم الحلال و

ص: 239

و اللّه العالم.

الشرط الخامس: ان لا يكون منافيا لمقتضى العقد،

و الا لم يصح لوجهين.

احدهما وقوع التنافى فى العقد المقيد بهذا الشرط بين مقتضاه الّذي لا يتخلف عنه، و بين الشرط

______________________________

تحليل الحرام خاصا بما اذا كان المتعلق كليا، مع انه مطلق فى الرواية و جعل تعلق الشرط بالكلّي بدعة، مع انه داخل فى: المؤمنون عند شروطهم، الى غير ذلك (و الله العالم) بحقائق الاحكام.

(الشرط الخامس) من شروط صحة الشرط (ان لا يكون) الشرط (منافيا لمقتضى العقد) منافاة تباين، او عموم مطلق، او عموم من وجه.

فالاول: مثل ان ينكحها بشرط ان تبقى اجنبية.

و الثانى: مثل ان ينكحها بشرط ان تكون فى بعض الايام اجنبية.

و الثالث: ان ينكحها متعة سنة، بشرط ان تكون من ستة اشهر الى بعد سنة كاملة اجنبية.

فانهما يجتمعان فى الستة الاشهر المتوسطة، و يفترق النكاح فى الستة الاشهر الاولى، و يفترق الشرط فى الستة الاشهر الاخيرة (و الا) اى ان شرط ما ينافى العقد (لم يصح) الشرط (لوجهين).

(احدهما وقوع التنافى فى العقد المقيد بهذا الشرط بين مقتضاه) اى مقتضى العقد (الّذي لا يتخلف) ذلك المقتضى (عنه) اى عن العقد، فان مقتضى العقد الزوجية و هى لا تتخلّف عن عقد النكاح (و بين الشرط

ص: 240

الملزم لعدم تحققه، فيستحيل الوفاء بهذا العقد مع تقيّده بهذا الشرط فلا بدّ اما ان يحكم بتساقط كليهما، و اما ان يقدم جانب العقد، لانه المتبوع المقصود بالذات، و الشرط تابع.

و على كل تقدير لا يصح الشرط.

الثانى: ان الشرط المنافى مخالف للكتاب و السنة الدالين على عدم تخلف العقد عن مقتضاه،

______________________________

الملزم)- بصيغة المفعول- (لعدم تحققه) اى عدم تحقق المقتضى (فيستحيل الوفاء بهذا العقد مع تقيده بهذا الشرط) لانه من الجمع بين المتنافيين (فلا بدّ) له اذا شرط هذا الشرط (اما ان يحكم بتساقط كليهما) فيبطل العقد و الشرط معا (و اما ان يقدم جانب العقد، لانه المتبوع المقصود بالذات، و الشرط تابع) و مقصود بالعرض فيسقط الشرط.

(و على كل تقدير) سواء سقط كلاهما، او سقط الشرط ف (لا يصح الشرط) و هذا هو المطلوب.

(الثانى: ان الشرط المنافى) لمقتضى العقد (مخالف للكتاب و السنة الدالّين على عدم تخلف العقد عن مقتضاه) اذ الشريعة دلّت على ان العقد الفلانى مقتضاه كذا، فاذا شرطنا عدم ذلك المقتضى، فقد خالفنا الشريعة.

لكن الظاهر ان مثل هذه المخالفة اذا لم تكن تشريعا لم تكن حراما فلم يفعل المشترط الحرام، و انما بطل شرطه فقط، و ابطل العقد أيضا، ان

ص: 241

فاشتراط تخلفه عنه مخالف للكتاب.

و لذا ذكر فى التذكرة: ان اشتراط عدم بيع المبيع، مناف لمقتضى ملكيته، فيخالف قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: الناس مسلطون على اموالهم.

و دعوى ان العقد انما يقتضي ذلك مع عدم اشتراط عدمه فيه لا مطلقا خروج عن محل الكلام، اذ الكلام فى

______________________________

قلنا بان الشرط الفاسد مفسد (فاشتراط تخلفه) اى العقد (عنه) اى عن مقتضاه (مخالف للكتاب) و السنة.

(و لذا) الّذي انه مخالف للشريعة (ذكر فى التذكرة: ان اشتراط) البائع على المشترى (عدم بيع المبيع، مناف لمقتضى ملكيته) لان مقتضى الملك ان يكون للمشترى السلطة على كل تصرف (فيخالف) هذا الشرط (قوله صلى الله عليه و آله و سلم: الناس مسلطون على اموالهم).

لكن لا يخفى ما فى الصغرى، اذ اقتضاء العقد جواز البيع، و هو مقتضى اطلاقه لا مقتضى ماهيته.

(و) ان قلت: ان العقد لا يقتضي شيئا الا بسبب اطلاقه، فاذا شرط عدم ذلك الشي ء كان الشرط منافيا للاطلاق لا للماهية.

قلت: (دعوى ان العقد انما يقتضي ذلك) المقتضى- بالفتح- (مع عدم اشتراط عدمه) اى اشتراط عدم ذلك المقتضى- بالفتح- (فيه) اى فى العقد (لا) ان العقد يقتضي ذلك (مطلقا) سواء اشتراط عدمه، أم لم يشترط (خروج عن محل الكلام) الّذي نحن بصدده (اذ الكلام فى)

ص: 242

ما يقتضيه مطلق العقد و طبيعته السارية فى كل فرد منه، لا ما يقتضيه العقد المطلق بوصف اطلاقه، و خلوه عن الشرائط و القيود حتى لا ينافى تخلفه عنه لقيد يقيده، و شرط يشترط فيه، هذا كله مع تحقق الاجماع على بطلان هذا الشرط فلا اشكال فى اصل الحكم و انما الاشكال فى تشخيص

______________________________

الشرط الّذي يخالف (ما يقتضيه مطلق العقد) اى العقد مطلقا (و طبيعته السارية فى كل فرد منه) حتى كان الشرط مخالفا لماهية العقد (لا ما يقتضيه العقد المطلق بوصف اطلاقه) و عدم ذكر الشرط فيه (و) بوصف (خلوه عن الشرائط و القيود)- لا ما يقتضيه ..- (حتى لا ينافى تخلفه) اى العقد (عنه) اى عن ذلك المقتضى- بالفتح- تخلفا (ل) اجل (قيد يقيده) اى يقيد العقد (و شرط يشترط فيه) عطف بيان لقوله «لقيد يقيده».

مثلا شرط ان لا يكون المبيع ملكا للمشترى، مناف للعقد مطلقا، و شرط ان لا يبيعه مناف للعقد المطلق، و كلا منا نحن فى الاول لا فى الثانى.

فاذا شرط ان لا يملكه بطل الشرط، لانه مناف لماهية العقد.

اما اذا شرط ان لا يبيعه لم يكن منافيا للماهية، و انما نافى الاطلاق.

و من الواضح ان كل شرط ينافى الاطلاق، ليس بمضرّ (هذا كله) دليلان لاشتراط ان لا يكون الشرط منافيا لمقتضى العقد (مع) ان هناك دليلا ثالثا و هو: (تحقق الاجماع على بطلان هذا الشرط) المنافى لمقتضى العقد (فلا اشكال فى اصل الحكم) و ان الشرط المنافى لمقتضى العقد باطل (و انما الاشكال فى تشخيص

ص: 243

آثار العقد التى لا يتخلف عن مطلق العقد فى نظرا العرف او الشرع و تميزها عما يقبل التخلف لخصوصية تعترى العقد، و ان اتضح ذلك فى بعض الموارد لكون الاثر كالمقوم العرفى للبيع او غرضا اصليا كاشتراط عدم التصرف اصلا فى المبيع، و عدم الاستمتاع اصلا بالزوجة حتى النظر و نحو ذلك، الا ان الاشكال فى كثير من المواضع خصوصا بعد ملاحظة اتفاقهم

______________________________

آثار العقد التى لا يتخلف عن مطلق العقد) لانها من آثار الماهية (فى نظرا العرف) الممضى من قبل الشرع (او الشرع) و ان لم ير العرف ذلك الأثر من مقتضيات الماهية.

مثلا «الملكية» من آثار ماهية البيع عرفا، اما القبض فى باب السلم فانه ليس من آثار الماهية عرفا، و انما هو اثر الماهية شرعا، فاذا شرط عدمه بطل الشرط (و) فى (تميزها) اى تميز آثار الماهية (عما) اى عن الآثار التى (يقبل التخلف) عن العقد تخلفا (لخصوصية) كالشرط مثلا (تعترى) و تطرأ تلك الخصوصية (العقد) و الاشكال فى بعض الآثار (و ان اتضح ذلك) و ان الشرط مخالف للماهية (فى بعض الموارد لكون الاثر كالمقوم العرفى للبيع او غرضا اصليا) فان لم يكن مقوّما (كاشتراط عدم التصرف اصلا فى المبيع، و عدم الاستمتاع اصلا بالزوجة حتى النظر) فان التصرف و الاستمتاع مقومان او غرضان اصليان، فاشتراط عدمهما مخالف لمقتضى العقد (و نحو ذلك) كان يشترط فى العارية ان لا يسلمها للمستعير (الا ان الاشكال فى كثير من المواضع خصوصا) يقع الاشكال (بعد ملاحظة اتفاقهم

ص: 244

على الجواز فى بعض المقامات، و اتفاقهم على عدمه فيما يشبهه، و يصعب الفرق بينهما و ان تكلف له بعض، مثلا المعروف عدم جواز المنع عن البيع، و الهبة فى ضمن عقد البيع، و جواز اشتراط عتقه بعد البيع بلا فصل او وقفه حتى على البائع و ولده، كما صرح به فى التذكرة.

و قد اعترف فى التحرير بان اشتراط العتق مما ينافى مقتضى العقد.

______________________________

على الجواز فى بعض المقامات، و اتفاقهم على عدمه) اى عدم جواز الشرط و انه شرط باطل (فيما يشبهه) فى الخصوصيات (و يصعب الفرق بينهما) اى بين الشبيهين اللذين قالوا بعدم الجواز هنا، و بالجواز فى شبيهه (و ان تكلف له) اى لبيان الفرق (بعض) الفقهاء (مثلا المعروف) بينهم (عدم جواز) شرط (المنع عن البيع، و الهبة فى ضمن عقد البيع) بان يبيعه على شرط ان لا يبيعه المشترى لاحد، و ان لا يهبه لاحد، قالوا لان هذا الشرط خلاف مقتضى العقد، فان مقتضى العقد التسلط الكامل على المبيع، و هذا الشرط ينافى التسلط الكامل (و جواز اشتراط عتقه بعد البيع بلا فصل) مع انه أيضا مناف للسلطة، اذ قيد «بلا فصل» يوجب ان لا يتمكن المشترى من اىّ تصرف فيه (او وقفه حتى على البائع و ولده) اى ولد البائع الّذي يوجب ان لا ينتفع المشترى به اصلا (كما صرح به فى التذكرة) و الحال ان المنع عن البيع و الهبة مثل شرط الوقف و العتق كلا هما اما مناف لمقتضى العقد، فاللازم بطلان الشرط فيهما، و اما ليس بمناف فاللازم صحة الشرط فيهما.

(و قد اعترف فى التحرير بان اشتراط العتق مما ينافى مقتضى العقد)

ص: 245

و انما جاز لبناء العتق على التغليب.

و هذا لو تم لم يجز فى الوقف، خصوصا على البائع و ولده، فانه شرط مناف كالعتق ليس مبنيا على التغليب.

و لاجل ما ذكرنا وقع فى موارد كثيرة الخلاف و الاشكال فى ان الشرط الفلانى مخالف لمقتضى العقد، أم لا، منها اشتراط عدم البيع، فان المشهور عدم الجواز.

______________________________

فان العقد يقتضي التسلط، و شرط العتق يقتضي عدم التسلط.

(و انما جاز) شرط العتق (لبناء العتق على التغليب) اى ان كل شائبة من العتق توجب ترتب العتق عليها.

(و هذا) الكلام من التذكرة (لو تم) فى شرط العتق- لانه مبنى على التغليب- (لم يجز فى الوقف) لانه غير مبنى على التغليب (خصوصا على البائع و ولده، فانه شرط مناف) لمقتضى العقد (كالعتق) الّذي هو مناف، و (ليس مبنيا على التغليب).

(و لاجل ما ذكرنا) من عدم وضوح مقتضيات العقود (وقع فى موارد كثيرة الخلاف و الاشكال فى ان الشرط الفلانى مخالف لمقتضى العقد، أم لا).

لكن اللازم ان نقول بصحة كل شرط الا اذا علمنا بانه مخالف لمقتضى العقد علما من العرف او من الشرع.

ف (منها) اى من تلك الموارد (اشتراط عدم البيع، فان المشهور عدم الجواز) لان مقتضى البيع التسلط التام على البيع، فاذا شرط عدم

ص: 246

لكن العلامة فى التذكرة استشكل فى ذلك، بل قوى بعض من تأخر عنه صحته.

و منها: ما ذكره فى الدروس فى بيع الحيوان من جواز الشركة فيه اذا قال: الربح لنا و لا خسران عليك لصحيحة رفاعة فى الشركة فى الجارية.

قال: و منعه ابن ادريس لانه مناف لقضية الشركة.

______________________________

بيعه كان ذلك خلاف مقتضى العقد، فيبطل الشرط.

(لكن العلامة فى التذكرة استشكل فى ذلك) اى فى كون شرط عدم البيع شرطا فاسدا (بل قوّى بعض من تأخر عنه صحته) لانه خلاف اطلاق العقد، لا خلاف مقتضى العقد، و هذا عندى اقرب.

(و منها: ما ذكره فى الدروس فى بيع الحيوان من جواز الشركة فيه) اى فى الحيوان (اذا قال) احدهما للشريك الآخر (الربح لنا) جميعا (و لا خسران عليك) و انما الخسارة عليّ فقط (لصحيحة رفاعة فى الشركة فى الجارية) قال سألت أبا الحسن عليه السلام، عن رجل شارك آخر فى جارية له، و قال: ان ربحنا فيها فلك نصف الربح، و ان كانت خسارة فليس عليك شي ء فقال عليه السلام: لا ارى بذلك بأسا اذا طابت نفس صاحب الجارية.

و مثلها: خبر ابى الربيع عن الصادق عليه السلام: الّا انه قال لا ارى بهذا بأسا اذا كانت الجارية للقائل.

(قال: و منعه ابن ادريس لانه مناف لقضية الشركة) اى لمقتضاها

ص: 247

قلنا: لا نسلّم ان تبعية المال لازمة لمطلق الشركة، بل للشركة المطلقة، و الاقرب تعدّى الحكم الى غير الجارية من المبيعات انتهى.

و منها: ما اشتهر بينهم من جواز اشتراط الضمان فى العارية، و عدم جوازه فى الاجارة مستدلّين بان مقتضى عقد الاجارة عدم ضمان المستأجر، فاورد

______________________________

اذ الشركة تقتضى الاشتراك فى الربح و الخسارة.

(قلنا) هذا مقالة الشهيد فى ردّ ابن ادريس (لا نسلّم ان تبعية المال لازمة لمطلق الشركة) حتى تكون التبعية من ماهية الشركة (بل للشركة المطلقة) اى اطلاقها و عدم تقييدها، فاذا قيدت الشركة كان اللازم اتباع القيد (و الأقرب تعدّى الحكم) بعدم تحمل احد الشريكين الخسارة (الى غير الجارية من المبيعات).

اذ لا خصوصية للجارية فى النص، فاطلاق ادلّة المؤمنون عند شروطهم شامل لكل موارد الشركة اذ قد عرفت ان هذا الشرط ليس خلاف مقتضى العقد، بل خلاف اطلاقه (انتهى) كلام الدروس.

(و منها: ما اشتهر بينهم من جواز اشتراط الضمان فى العارية) فيجوز للمعير أن يشترط ضمان المستعير اذا تلف المتاع بدون تعدّ او تفريط، اما مع التعدّى و التفريط فهو ضامن بلا اشكال (و عدم جوازه فى الاجارة) و ذلك لان المستأجر امين، و ليس على الامين الا اليمين (مستدلّين) على عدم صحة شرط الضمان فى الاجارة (بان مقتضى عقد الاجارة عدم ضمان المستأجر) فشرط الضمان خلاف مقتضى العقد (فاورد

ص: 248

عليهم المحقق الاردبيلى و تبعه جمال المحققين فى حاشية الروضة بمنع اقتضاء مطلق العقد لذلك، انما المسلم اقتضاء العقد المطلق المجرد عن اشتراط الضمان نظير العارية.

و منها: اشتراط عدم اخراج الزوجة من بلدها، فقد جوزه جماعة لعدم المانع، و للنص.

و منعه آخرون، منهم فخر الدين فى الايضاح مستدلّا بان مقتضى العقد تسلط الرجل على المرأة فى الاستمتاع و الاسكان.

______________________________

عليهم المحقق الاردبيلى و تبعه جمال المحققين فى حاشية الروضة بمنع اقتضاء مطلق العقد) اى ماهية عقد الاجارة (لذلك) اى لعدم الضمان (انما المسلم اقتضاء العقد المطلق) اى (المجرد عن اشتراط الضمان) اما اذا كان العقد مقيدا بالضمان فالشرط نافذ فيه (نظير العارية) فما الّذي اوجب ان يقولوا بصحة الشرط فى العارية و لا يقولوا بصحة الشرط فى الاجارة؟ ثم انه لا فرق بين المستأجر و الاجير فى هذا الحكم

(و منها: اشتراط عدم اخراج الزوجة من بلدها) الا برضاها (فقد جوزه جماعة) بالشرط فى ضمن العقد (لعدم المانع) من هذا الشرط لانه ليس مخالفا للكتاب و السنة، و لا مخالفا لمقتضى العقد (و للنص) الوارد فى ذلك.

(و منعه آخرون، منهم فخر الدين فى الايضاح) لان هذا الشرط خلاف مقتضى العقد (مستدلا بان مقتضى العقد تسلط الرجل على المرأة فى الاستمتاع و الاسكان) فشرط كون الاسكان بيد المرأة خلاف مقتضى

ص: 249

و قد بالغ حتى جعل هذا قرينة على حمل النص على استحباب الوفاء

و منها: مسئلة توارث الزوجين بالعقد المنقطع من دون شرط او معه و عدم توارثهما مع

______________________________

العقد.

(و قد بالغ) فخر الدين (حتى جعل هذا) الّذي ذكره من كون هذا الشرط خلاف مقتضى العقد (قرينة على حمل النص على استحباب الوفاء) فاذا قبل الرجل الشرط كان الشرط باطلا، لكن يستحب له الوفاء بالشرط لانه اعطاها وعدا بذلك.

و فيه أولا: انه ليس خلاف مقتضى العقد.

و ثانيا: انا اذا رأينا شيئا خلاف مقتضى العقد ثم راينا نصا صحيحا يقول بصحته كان اللازم ان نخطئ رأينا، و نقول ان الرواية قرينة على ان الشي ء الفلانى ليس مقتضى العقد.

(و منها: مسئلة توارث الزوجين بالعقد المنقطع).

و فى المسألة أربعة اقوال.

الاول: ان العقد المنقطع يوجب التوارث كالعقد الدائم- مطلقا- و هذا ما اشار إليه المصنف بقوله: (من دون شرط).

الثانى: انه ان شرط الارث كان الارث، و الا فلا إرث، و هذا ما اشار إليه بقوله: (او معه) اى مع شرط الارث.

الثالث: انهما لا يتوارثان اذا شرط عدم الارث، اما اذا لم يشترط عدم الارث فهما يتوارثان، و هذا ما اشار إليه بقوله: (و عدم توارثهما مع

ص: 250

الشرط، أو لا معه، فانها مبنية على الخلاف فى مقتضى العقد المنقطع قال فى الايضاح- ما ملخّصه بعد اسقاطه ما لا يرتبط بالمقام- انهم اختلفوا فى ان هذا العقد يقتضي التوارث، أم لا.

و على الاول فقيل: المقتضى هو العقد المطلق من حيث هو هو، فعلى هذا القول لو شرط سقوطه لبطل الشرط، لان كل ما تقتضيه الماهية من حيث هى هى فيستحيل عدمه مع وجودها.

______________________________

الشرط) اى مع شرط عدم الارث.

الرابع: انهما لا يتوارثان مطلقا، سواء شرطا الارث، أم لم يشترطا و هذا ما اشار إليه بقوله: (او لا معه)- و لا يخفى غموض العبارة- (فانها) اى هذه المسألة (مبنية) فى الجملة (على الخلاف فى مقتضى العقد المنقطع).

و لتوضيح المطلب ننقل كلام فخر الدين (قال فى الايضاح- ما ملخّصه بعد اسقاط ما لا يرتبط بالمقام- انهم اختلفوا فى ان هذا العقد يقتضي التوارث، أم لا) قولان.

(و على الاول) و هو اقتضاء هذا العقد التوارث (فقيل: المقتضى هو العقد المطلق من حيث هو هو) فحال الزوجة المنقطعة حال الزوجة الدائمة فى انها ترث (فعلى هذا القول لو شرط سقوطه) اى سقوط الارث (لبطل الشرط، لان كل ما تقتضيه الماهية من حيث هى هى) اى من حيث هى ماهية، سواء كان ذلك فى الامور العينية او الامور الاعتبارية (فيستحيل عدمه) اى عدم ذلك «المقتضى» بالفتح (مع وجودها) اى

ص: 251

و قيل: المقتضى اطلاق العقد اى العقد المجرد عن شرط نقيضه اعنى الماهيّة بشرط لا شي ء، فيثبت الارث ما لم يشترط سقوطه.

و على الثانى: قيل: يثبت مع الاشتراط، و يسقط مع عدمه، و قيل:

لا يصح اشتراطه، انتهى.

و مرجع القولين الى ان عدم الارث من مقتضى اطلاق العقد، او ماهيته.

______________________________

وجود الماهيّة.

مثلا: يستحيل وجود الانسان بدون وجود الحيوان الناطق و يستحيل وجود البيع بدون وجود النقل و الانتقال.

(و قيل: المقتضى) للارث فى المتعة (اطلاق العقد) و عدم شرط نقيض الارث فيه (اى العقد المجرّد عن شرط نقيضه) اى نقيض الارث (اعنى) المقتضى للارث (الماهية بشرط لا شي ء، فيثبت الارث) فى المتعة (ما لم يشترط سقوطه) اى سقوط الارث.

(و على الثانى) و هو ما اشار إليه بقوله «أولا» (قيل يثبت) الارث (مع الاشتراط، و يسقط مع عدمه) اى عدم الاشتراط (و قيل لا يصح اشتراطه) اصلا، فهو من قبيل شرط إرث الاجنبى (انتهى) كلام الايضاح.

(و مرجع القولين) اى القولين المذكورين بعد قوله «و على الثانى» (الى ان عدم الارث من مقتضى اطلاق العقد) اعنى الماهية بشرط لا شي ء و عليه يثبت الارث مع الاشتراط (او) من مقتضى (ماهيته) فلا يصح اشتراط الارث.

ص: 252

و اختار هو هذا القول الرابع تبعا لجدّه و والده قدس سرهما.

و استدل عليه اخيرا بما دلّ على ان من حدود المتعة ان لا ترثها و لا ترثك، قال: فجعل نفى الارث من مقتضى الماهيّة.

و لاجل صعوبة دفع ما ذكرنا- من الاشكال فى تميّز مقتضيات ماهية العقد من مقتضيات اطلاقه- التجأ المحقق الثانى

______________________________

(و اختار هو) الايضاح (هذا القول الرابع) اى ان ماهية العقد تقتضى عدم التوارث، فلا يرث حتى مع الاشتراط (تبعا لجدّه و والده) العلامة (قدس سرهما).

(و استدل عليه) اى على ما اختاره من القول الرابع (اخيرا بما دلّ على ان من حدود المتعة ان لا ترثها و لا ترثك، قال) الايضاح فى وجه الاستدلال بهذه الرواية لمذهبه (فجعل نفى الارث من مقتضى الماهية).

و من المعلوم ان ما كان من مقتضى الماهية لا يتغير بالاشتراط، فلو شرط الارث لم يصح الشرط، بل بقيت المتعة على حالها فى انها لا توجب الارث.

(و) كيف كان، ف (لاجل صعوبة دفع ما ذكرنا- من الاشكال فى تميّز مقتضيات ماهية العقد) حتى لا ينفع الشرط المخالف، لان مقتضى الماهية لا يتغير (من مقتضيات اطلاقه-) حتى ينفع الشرط المخالف، لانّه اذا قيّد الاطلاق ارتفع الاطلاق.

و لاجل ما ذكرنا (التجأ المحقق الثانى) الكركى ره صاحب جامع

ص: 253

مع كمال تبحّره فى الفقه حتى ثنّى به المحقق فارجع هذا التمييز عند عدم اتضاح المنافات، و عدم الاجماع على الصحة او البطلان الى نظر الفقيه.

فقال أوّلا: المراد بمنافى مقتضى العقد ما يقتضي عدم ترتب الأثر الّذي جعل الشارع العقد من حيث هو هو بحيث يقتضيه و رتب عليه

______________________________

المقاصد (مع كمال تبحّره فى الفقه حتى ثنّى به المحقق) و اولهما المحقق الحلى صاحب الشرائع (فارجع هذا التمييز) بين مقتضى الماهية، و مقتضى الاطلاق (عند عدم اتضاح المنافات) اى عدم وضوح منافات الشرط لمقتضى العقد (و) عند (عدم الاجماع على الصحة او البطلان) فان كان هناك وضوح فى المنافات بطل الشرط، و ان كان هناك اجماع على صحة الشرط او على بطلان الشرط قلنا بمقتضى الاجماع.

اما اذا لم يكن وضوح و لا اجماع فيرجع (الى نظر الفقيه) متعلق بقوله «فارجع».

اى ان رأى الفقيه- من القرائن- ان الشرط، مناف، حكم ببطلانه و الا حكم بصحته، و لم يجعل لذلك ميزانا، مع ان الارجاع الى نظر الفقيه يقتضي ان يكون نظر كل فقيه شيئا و هذا مما يوجب الفوضى.

(فقال) المحقق الثانى (أوّلا: المراد بمنافى مقتضى العقد ما يقتضي عدم ترتب الأثر الّذي جعل الشارع العقد من حيث هو هو) «ما يقتضي» بيان «للمنافى» و «الّذي» صفة «الأثر» (بحيث يقتضيه) «بحيث» متعلق ب «جعل» (و رتب)- بالمجهول- اى رتب ذلك الاثر (عليه)

ص: 254

على انه اثره و فائدته التى لاجلها وضع، كانتقال العوضين الى المتعاقدين و اطلاق التصرف فيهما فى البيع، و ثبوت التوثق فى الرهن و المال فى ذمة الضامن بالنسبة الى الضمان، و انتقال الحق الى ذمة المحال عليه فى الحوالة، و نحو ذلك فاذا شرط عدمها او عدم البعض

______________________________

اى على العقد (على انه اثره) اى اثر العقد (و فائدته التى لاجلها) اى لاجل تلك الفائدة (وضع) العقد و مثّل لمقتضى العقد بقوله: (كانتقال العوضين الى المتعاقدين و) ك (اطلاق التصرف فيهما) فكل من المتعاقدين له حق التصرف فى العوض الّذي انتقل إليه (فى) باب (البيع) فاذا شرط عدم الانتقال، او شرط ان لا حق للمنتقل إليه التصرف فى الشي ء الّذي انتقل إليه، كان الشرط منافيا لمقتضى العقد (و) ك (ثبوت التوثق فى) باب (الرهن) فاذا شرط عدم كون المال المرهون وثيقة، كان ذلك خلاف مقتضى العقد (و) كثبوت (المال فى ذمة الضامن بالنسبة الى) باب (الضمان) فانه من مقتضيات عقد الضمان، فاذا شرط عدمه كان ذلك الشرط خلاف مقتضى العقد (و) ك (انتقال الحق الى ذمة المحال عليه فى) باب (الحوالة) فاذا اشترط عدم انتقال الحق كان ذلك الشرط خلاف مقتضى عقد الحوالة (و نحو ذلك) كاشتراط عدم السقى فى باب المساقات، و اشتراط عدم الفرقة فى باب الطلاق، فان حال العقود و الايقاعات واحد من هذه الجهة (فاذا شرط عدمها) اى عدم هذه الفوائد التى هى آثار لتلك العقود و الايقاعات (او عدم البعض) اى عدم بعض الأثر فى بعض الاحيان، كان اشترط عدم ترتب

ص: 255

اصلا نافى مقتضى العقد.

ثم اعترض على ذلك بصحة اشتراط عدم الانتفاع زمانا معينا و اجاب بكفاية جواز الانتفاع وقتا ما فى مقتضى العقد.

ثم اعترض بان العقد يقتضي الانتفاع مطلقا، فالمنع عن البعض مناف له.

ثم قال: و دفع ذلك لا يخلو عن عسر

______________________________

آثار الملك فى ايام الجمعة عند البيع (اصلا) اى عدم الكل او عدم البعض اطلاقا، لا العدم فى الجملة، فان كل شرط يرفع بعض الآثار فى الجملة (نافى) هذا الشرط (مقتضى العقد) فيكون الشرط باطلا.

(ثم اعترض على ذلك) الّذي ذكره من ان رفع بعض الآثار موجب لكونه خلاف مقتضى العقد (بصحة اشتراط عدم الانتفاع) فى باب البيع (زمانا معينا) كان يشترط عليه ان لا ينتفع بالدار فى ايام الجمعة فان هذا شرط صحيح قطعا (و اجاب بكفاية جواز الانتفاع وقتا ما) فى الجملة (فى مقتضى العقد) فان المنافى لمقتضى العقد عدم الانتفاع مطلقا، او عدم ترتب آثار الملك و لو فى بعض الاحيان، اما عدم الانتفاع فى الجملة فليس منافيا، اذ الانتفاع مطلقا من آثار اطلاق العقد.

(ثم اعترض) على جواب الاعتراض (بان العقد يقتضي الانتفاع مطلقا فالمنع عن البعض) اى بعض الانتفاعات (مناف له) اى لمقتضى العقد.

(ثم قال: و دفع ذلك) الاعتراض (لا يخلو عن عسر) و كانه اعتقد ان مقتضى العقد الانتفاع المطلق.

ص: 256

و كذا القول فى نحو خيار الحيوان مثلا، فان ثبوته مقتضى العقد، فيلزم ان يكون شرط سقوطه منافيا له.

ثم قال: و لا يمكن ان يقال ان مقتضى العقد ما لم يجعل الا لاجله كانتقال العوضين، فان ذلك ينافى منع اشتراط ان لا يبيع المبيع مثلا

______________________________

لكنك قد عرفت ان المقتضى الانتفاع فى الجملة، فاذا اطلق العقد اقتضى الانتفاع مطلقا، و الا لم يطلق بان شرط عدم الانتفاع فى بعض الاوقات، كان ذلك خلاف اطلاق العقد، لا خلاف ماهية العقد.

قال: (و كذا) لا يخلو عن عسر (القول فى نحو خيار الحيوان مثلا، فان ثبوته مقتضى العقد، فيلزم ان يكون شرط سقوطه منافيا له) اى منافيا لمقتضى العقد، فيلزم ان يكون هذا الشرط باطلا.

(ثم قال: و لا يمكن ان يقال) فى توجيه صحة ما ذكرنا انه «لا يخلو عن عسر» (ان مقتضى العقد ما لم يجعل) العقد (الا لاجله، كانتقال العوضين) فى باب البيع، فان العقد وضع لانتقال العوضين، فالشرط الّذي ينافى ذلك باطل.

اما شرط عدم الانتفاع فى الجملة، او شرط عدم خيار الحيوان فلا ينافى مقتضى العقد، فلما ذا قلتم ان فيه عسرا، و انما لا يمكن ان يقال لان العقد وضع للانتقال و الانتفاع، و من مقتضى ماهية الخيار (فان ذلك) الّذي ذكرتم لو صحّ بان العقد وضع للانتقال فقط، فهو (ينافى منع اشتراط ان لا يبيع) المشترى (المبيع مثلا).

فحيث منع الفقهاء من شرط ان لا يبيع المبيع، تبين ان مقتضى

ص: 257

ثم قال: و الحاسم لمادة الاشكال ان الشروط على اقسام.

منها: ما انعقد الاجماع على حكمه من صحة او فساد.

و منها: ما وضح فيه المنافات للمقتضى كاشتراط عدم ضمان المقبوض بالبيع، او وضح مقابله و لا كلام فيما وضح.

و منها: ما ليس واحدا من النوعين، فهو

______________________________

العقد الانتفاع بالإضافة الى الانتقال.

(ثم قال: و الحاسم لمادة الاشكال) حتى يعرف انّ اى شرط ينافى و اى شرط لا ينافى (ان الشروط على اقسام).

(منها: ما انعقد الاجماع على حكمه من صحة او فساد) مثل: ان يرث الاجنبية، فانه مجمع على فساده و مثل: ان يشترط خياطة ثوبه، فانه مجمع على صحته.

(و منها: ما وضح فيه المنافات للمقتضى) اى مقتضى العقد (كاشتراط عدم ضمان المقبوض بالبيع) بان يشترط المشترى على البائع ان المبيع مضمون على البائع، بعد ان قبضه المشترى و كذا العكس بان اشترط البائع ضمان الثمن على المشترى، بعد ان قبض الثمن، فان مثل هذا الشرط مناف لمقتضى العقد الّذي يقول: بان الملك ينتقل الى المنتقل إليه انتقالا كاملا، فتلفه من كيس المنتقل إليه، لا المنتقل عنه (او وضح مقابله) و انه ليس منافيا لمقتضى العقد، كاكثر الشروط التى يشترطها احد المتعاقدين على الآخر (و لا كلام فيما وضح) منافاته و عدم منافاته.

(و منها: ما ليس واحدا من النوعين) فلا اجماع و لا وضوح (فهو)

ص: 258

بحسب نظر الفقيه، انتهى كلامه رفع مقامه.

اقول وضوح المنافات ان كان بالعرف كاشتراط عدم الانتقال فى العوضين، و عدم انتقال المال الى ذمة الضامن و المحال عليه فلا يتأتى معه إنشاء مفهوم العقد العرفى.

و ان كان بغير العرف، فمرجعه الى الشرع، من نص او اجماع على صحة الاشتراط و عدمه

______________________________

اى هذا القسم من الشروط (بحسب نظر الفقيه) فان رأى حسب اجتهاده انه مناف لمقتضى العقد ابطله، و ان رأى انه ليس بمناف قال بصحته (انتهى كلامه رفع مقامه).

(اقول) يدل على قوله «و منها: ما وضح فيه المنافات ... الخ» ان (وضوح المنافات ان كان بالعرف) اى ان العرف يرى بكل وضوح ان العقد مناف للشرط (كاشتراط عدم الانتقال فى العوضين) فى باب البيع (و عدم انتقال المال الى ذمة الضامن و المحال عليه، ف) يرد على المحقق الثانى انه (لا يتأتى معه) اى مع وضوح المنافات (إنشاء مفهوم العقد العرفى) فالعقد باطل من رأس، لا ان العقد يقع و لكن الشرط باطل، فان الانسان لا يتمكن من إنشاء المتناقضين، و الحال ان كلام المحقق فى بطلان الشرط.

(و ان كان) وضوح المنافات الّذي ذكره المحقق (بغير العرف، فمرجعه) اى مرجع وضوح المنافات (الى الشرع، من نص او اجماع على صحة الاشتراط و عدمه).

ص: 259

و مع عدمها وجب الرجوع الى دليل اقتضاء العقد لذلك الأثر المشترط عدمه.

فان دل عليه على وجه يعارض بإطلاقه او عمومه دليل وجوب الوفاء به بحيث لو اوجبنا الوفاء به وجب طرح عموم ذلك الدليل و تخصيصه حكم بفساد الشرط، لمخالفته حينئذ للكتاب و السنة.

______________________________

و على هذا يرد الاشكال على المحقق فى شقّه الاخير الّذي ذكره بقوله «و منها: ما ليس واحدا من النوعين» (و مع عدمهما) اى عدم النص و الاجماع (وجب الرجوع الى دليل اقتضاء العقد لذلك الأثر المشترط عدمه) شرطا فى ضمن العقد.

(فان دل) الدليل (عليه) اى على ذلك الاثر (على وجه يعارض) دليل الأثر (بإطلاقه او عمومه دليل وجوب الوفاء به) اى بالشرط، و هو المؤمنون عند شروطهم، معارضة (بحيث لو اوجبنا الوفاء به) اى بالشرط (وجب طرح عموم ذلك الدليل) الدال على ذلك الأثر (و تخصيصه) عطف بيان ل «طرح عموم» (حكم بفساد الشرط) المذكور (لمخالفته) اى الشرط (حينئذ) اى حين كان معارضا لعموم دليل ذلك الاثر (للكتاب و السنة).

مثلا عموم الكتاب الّذي يقول «الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ» يدل على ان الوطي بيد الرجل، فاذا شرطت الزوجة ان يكون الوطي بيدها، كان دليل «أَوْفُوا» معارضا لدليل «قَوّٰامُونَ».

فاذا قدمنا دليل الشرط لزم طرح عموم «قَوّٰامُونَ» و عليه: فنطرح

ص: 260

و ان دل على ثبوته للعقد لو خلّى و طبعه، بحيث لا ينافى تغير حكمه بالشرط حكم بصحة الشرط.

و قد فهم من قوله تعالى: الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ، ان السلطنة على الزوجة من آثار الزوجية التى لا تتغير، فجعل اشتراط كون الجماع بيد الزوجة فى الرواية السابقة منافيا لهذا الاثر، و لم يجعل اشتراط عدم الاخراج من البلد منافيا.

______________________________

دليل الوفاء بالنسبة الى هذا الشرط، و تكون النتيجة ان الشرط باطل و الوطي يبقى بيد الزوج.

(و ان دل) دليل ذلك الاثر (على ثبوته للعقد لو خلّى) العقد (و طبعه، بحيث لا ينافى) دليل ذلك الاثر (تغير حكمه بالشرط حكم بصحة الشرط) لان الشرط يقيد اطلاق دليل الاثر.

(و قد فهم) الفقهاء (من قوله تعالى: الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ

ان السلطنة على الزوجة من آثار الزوجية التى لا تتغير) و فهموا ان من آثار هذه السلطنة كون الجماع بيد الرجل (فجعل) الفقهاء (اشتراط كون الجماع بيد الزوجة فى الرواية السابقة) فى اوّل المبحث (منافيا لهذا الاثر).

و لذا اسقطوا هذا الشرط (و لم يجعل) الفقهاء (اشتراط عدم الاخراج) للزوجة (من البلد منافيا) لهذه السلطنة، و لذا جعلوا شرط عدم اخراجها من بلدها نافذا لانه خلاف اطلاق العقد لا خلاف ماهية العقد

ص: 261

و قد فهم الفقهاء من قوله: البيعان بالخيار حتى يفترقا فان افترقا وجب البيع عدم التنافى، فاجمعوا على صحة اشتراط سقوط الخيار الّذي هو من الآثار الشرعية للعقد، و كذا على صحة اشتراط الخيار بعد الافتراق.

و لو شك فى مؤدّى الدليل وجب الرجوع الى اصالة ثبوت ذلك الأثر على الوجه الثانى، فيبقى عموم ادلة الشرط سليما عن المخصص.

______________________________

(و قد فهم الفقهاء من قوله: البيعان بالخيار حتى يفترقا فان افترقا وجب البيع عدم التنافى) بين هذا الدليل و بين دليل: المؤمنون عند شروطهم (فاجمعوا على صحة اشتراط سقوط الخيار الّذي هو من الآثار الشرعية) لا آثار الماهية العرفية مثل الانتقال فى البيع (للعقد، و كذا) فهموا عدم التنافى بين دليل الشرط و دليل لزوم البيع بعد الافتراق، فاجمعوا (على صحة اشتراط الخيار بعد الافتراق) و هل فهمهم حجة لنا؟ الظاهر، لا، و لذا لا يستبعد انه فى اىّ مقام لم يدل دليل قطعى على كونه خلاف مقتضى العقد نحكم بمقتضى الشرط.

(و لو شك فى مؤدّى الدليل) المثبت لذلك الاثر على العقد، و هل انه على وجه العموم او انه اثر للعقد لو خلّى و طبعه؟ (وجب الرجوع الى اصالة ثبوت ذلك الأثر على الوجه الثانى) اى انه اثر للعقد لو خلّى و طبعه (فيبقى عموم ادلة الشرط) مثل: المؤمنون عند شروطهم (سليما عن المخصص) فيحكم بمقتضى الشرط.

ص: 262

و قد ذكرنا هذا فى بيان معنى مخالفة الكتاب و السنة.

الشرط السادس: ان يكون الشرط مجهولا جهالة توجب الغرر فى البيع

لان الشرط فى الحقيقة كالجزء من العوضين،

______________________________

(و قد ذكرنا هذا) و ان الاثر من باب العموم، او من باب لو خلّى و طبعه (فى بيان معنى مخالفة الكتاب و السنة) فلا تغفل.

ثم انه لو اختلف الاجتهاد ان، او التقليد ان فى ان الشرط مخالف أم لا، حيث كان احدهما يرى هذا اجتهادا او تقليدا، و يرى الآخر خلافه، فالحكم فيه كما اذا اختلفا فى اصل صحة العقد، او ما اشبه و تفصيل الكلام لا يناسب هذا الشرح و قد ذكرناه فى شرحنا على العروة الوثقى.

(الشرط السادس) من شروط صحة الشرط (ان لا يكون الشرط مجهولا جهالة توجب الغرر) العرفى- على ما نختاره- او الغرر الشرعى على ما اختاره المصنّف، اما الجهالة التى لا توجب الغرر العرفى كما اذا اشتراط ان يخيط قبائه بدون تعيين ان يخيطه روميا او فارسيا، او يصبغ داره بدون ذكر اللون، فيما لا يكون ذلك غررا عرفيا فلا بأس بها.

ثم الظاهر ان الشرط بنفسه يلزم ان يكون غير غررى لما ورد من نهى النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم عن الغرر، كما انه يشترط ان لا يوجب الغرر (فى البيع) لما ورد من نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن بيع الغرر بالإضافة الى شمول الحديث الاول له أيضا (لان الشرط فى الحقيقة كالجزء من العوضين) و كل غرر فى الجزء او فيما هو بمنزلته فهو

ص: 263

كما سيجي ء بيانه قال فى التذكرة: و كما ان الجهالة فى العوضين مبطلة فكذا فى صفاتهما و لو احق المبيع، فلو شرطا شرطا مجهولا بطل البيع، انتهى.

و قد سبق ما يدل على اعتبار تعيين الاجل المشروط فى الثمن بل لو فرضنا عدم سراية الغرر فى

______________________________

مفسد للبيع (كما سيجي ء بيانه).

اما ان الشرط كالجزء فلان المال يبذل فى مقابل كل من الجزء و الشرط- فى الحقيقة- و كذلك فى طرف الشرط الّذي يكون فى جانب الثمن، فان المال و الشرط يعدان بمنزلة الثمن.

و اما الكبرى التى ذكرناها بقولنا «و كل غرر الخ» فلما عرفت من نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن الغرر، فتأمل.

و يدل على ما ذكرناه من الكبرى و الصغرى ما ذكره العلامة، فانه (قال فى التذكرة: و كما ان الجهالة فى العوضين مبطلة) للبيع (فكذا فى صفاتهما) كما اذا علم انه ذهب، لكن لم يعلم انه مسكوك، أم لا (و لواحق المبيع) اى ما يلحق المبيع كالشرط (فلو شرطا شرطا مجهولا بطل البيع، انتهى).

و لعل وجه ذلك ان الشرط الفاسد مفسد، او لان الجهالة فى الشرط تتسرى الى الجهالة فى البيع، و ان لم نقل بان كل شرط فاسد مفسد

(و قد سبق ما يدل على اعتبار تعيين الاجل المشروط فى الثمن) لانه اذا لم يعين الاجل، كان غررا فكان مبطلا (بل لو فرضنا عدم سراية الغرر فى

ص: 264

البيع كفى لزومه فى اصل الشرط بناء على ان المنفى مطلق الغرر حتى فى غير البيع.

و لذا يستندون إليه فى ابواب المعاملات حتى الوكالة.

فبطلان الشرط المجهول ليس لإبطاله البيع المشروط به.

و لذا قد يجزم ببطلان هذا الشرط مع الاستشكال فى بطلان البيع.

______________________________

البيع كفى لزومه فى اصل الشرط) اى كفى لزوم الغرر فى نفس الشرط فى ايجابه بطلان الشرط، و ذلك ما نحن بصدده من اشتراط ان لا يكون الشرط غرريا (بناء على ان المنفى) فى الشريعة (مطلق الغرر حتى فى غير البيع) اما لفهم المناط من قوله عليه الصلاة و السلام نهى النبي عن بيع الغرر، و اما لوجود حديث نهى النبي عن الغرر الشامل لما نحن فيه

(و لذا يستندون إليه) اى الى انه غرر فهو باطل (فى) مختلف (ابواب المعاملات حتى الوكالة) التى هى عقد غير لازم، و لا يهم الغرر فيها لانها مبنية على تفويض الامر الى الوكيل كيفما عمل.

(فبطلان الشرط المجهول) تفريع على قوله «بل لو فرضنا» (ليس لابطاله البيع المشروط به) حتى يكون وجه الاستدلال انه اذا بطل البيع الّذي هو اصل، بطل الشرط الّذي هو فرع.

(و لذا) الّذي ليس بطلان الشرط فرعا لبطلان البيع (قد يجزم ببطلان هذا الشرط) الّذي هو مجهول (مع الاستشكال فى بطلان البيع).

و لو كان بطلان الشرط منوطا ببطلان البيع، لزم الاستشكال فى

ص: 265

فان العلامة فى التذكرة ذكر فى اشتراط عمل مجهول فى عقد البيع ان فى بطلان البيع وجهين مع الجزم ببطلان الشرط.

لكن الانصاف ان جهالة الشرط يستلزم- فى العقد- دائما مقدارا من الغرر الّذي يلزم من جهالته جهالة احد العوضين.

و من ذلك يظهر وجه النظر فيما

______________________________

الشرط اذا استشكل فى البيع، لا الجزم ببطلان الشرط.

(فان العلامة فى التذكرة ذكر فى اشتراط عمل مجهول فى التذكرة ذكر فى اشتراط عمل مجهول فى عقد البيع ان فى بطلان البيع وجهين) البطلان، لسراية جهاله الشرط الى جهالة البيع، و عدم البطلان، لان الشرط تابع، و بطلان التابع لا يلازم بطلان المتبوع (مع الجزم) اى جزم العلامة (ببطلان الشرط) مما يدل على عدم التلازم بين البطلانين.

(لكن الانصاف) التلازم، فان بطل الشرط للجهالة ابطل البيع أيضا، لسراية جهالته الى جهالة البيع.

ف (ان جهالة الشرط يستلزم- فى العقد- دائما مقدارا من الغرر الّذي يلزم من جهالته) اى جهالة الشرط (جهالة احد العوضين) الّذي انضم الشرط إليه، ثمنا كان او مثمنا.

اقول لا يخفى الالتواء فى العبارة، و الاولى ان يقال «مقدارا من الغرر بحيث يسرى الى البيع» او ما اشبه ذلك.

(و من ذلك) الّذي ذكرنا من التلازم بين بطلان البيع، و بطلان الشرط لسراية جهالة الشرط الى جهالة البيع (يظهر وجه النظر فيما

ص: 266

ذكره العلامة فى مواضع من التذكرة، من الفرق فى حمل الحيوان و بيض الدجاجة، و مال العبد المجهول المقدار بين تمليكها على وجه الشرطية فى ضمن بيع هذه الامور بان يقول: بعتكها على انها حامل، او على ان لك حملها، و بين تمليكها على وجه الجزئية بان يقول: بعتكها و حملها، فصحح الاول لانه تابع، و ابطل الثانى لانه جزء.

______________________________

ذكره العلامة فى مواضع من التذكرة، من الفرق فى حمل الحيوان و بيض الدجاجة، و مال العبد المجهول المقدار).

فان العبد اذا بيع انتقل ماله معه بحيث يكون تحت سلطة المالك الثانى، و ان لم يملكه المالك لان العبد يملك نفسه بنفسه، لكن هناك تفاوت بين قيمة العبد الغنى، و قيمة العبد الفقير (بين تمليكها على وجه الشرطية فى ضمن بيع هذه الامور بان يقول: بعتكها على) شرط (انها حامل) فالحمل للمشترى، لكن يملكه على وجه الشرط، لا على وجه الجزء (او على ان لك حملها) عبارة ثانية تفيد نفس المعنى السابق (و بين تمليكها على وجه الجزئية بان يقول: بعتكها و حملها) بان يكون الحمل جزء المبيع (فصحح) العلامة (الاول) و هو جعله شرطا (لانه تابع) و لا يشترط عرفان التابع معرفة تامة (و ابطل الثانى) و هو جعله جزء (لانه جزء) و اجزاء البيع يجب ان تكون معلومة.

و فيه ان جهالة الشرط تسرى الى جهالة البيع، فلا فرق فى البطلان بين جعله شرطا او جزء.

ص: 267

لكن قال فى الدروس: لو جعل الحمل جزء من المبيع، فالاقوى الصحة، لانه بمنزلة الاشتراط، و لا يضر الجهالة لانه تابع.

و قال فى باب بيع المملوك: و لو اشتراه و ما له صح، و لم يشترط علمه و لا التفصي من الربا ان قلنا انه يملك، و لو احلناه اشترطا،

______________________________

(لكن) عكس الشهيد، ف (قال فى الدروس: لو جعل الحمل جزء من المبيع، فالاقوى الصحة، لانه) اى جعله جزء (بمنزلة الاشتراط، و لا يضر الجهالة) بخصوصيات هذا الجزء انه ذكر او انثى، كبير او صغير و كم حمله من الاشهر و ما اشبه ذلك (لانه تابع) و التابع و ان كان جزء لم يضر، كما ان جهالة اسّ البناء لا تضر فى بيع الدار و هكذا فى سائر التوابع.

(و قال) صاحب الدروس (فى باب بيع المملوك: و لو اشتراه) اى العبد (و ماله) بان يتسلط المشترى على مال العبد (صح) البيع (و لم يشترط علمه) اى علم المشترى بمقدار ماله (و لا التفصي من الريا) المحتمل لانه اذا كان للعبد مائة مثقال ذهب، و اشتراه بمائة مثقال لزم الربا لان المثمن «العبد و المائة» و الثمن «المائة» فقط و هو محل توهم الربا، لكن لا يلزم الربا لان المال تابع و المائة- الثمن- فى مقابل رقبة العبد.

هذا (ان قلنا انه) اى العبد (يملك، و لو احلناه) اى قلنا ان تملك العبد محال، بل ان كل ما فى يده للمولى (اشترطا) اى علم المشترى بمقدار ماله، و بانه لا يلزم الربا، اذ المال حينئذ للمالك الاول، فهو

ص: 268

انتهى.

و المسألة محل اشكال، و كلماتهم لا يكاد يعرف التيامها حيث صرحوا بان للشرط قسطا من احد العوضين، و ان التراضي على المعاوضة وقع منوطا به و لازمه كون الجهالة فيه قادحة.

و الاقوى اعتبار العلم لعموم نفى الغرر، الا اذا عدّ الشرط فى العرف تابعا غير مقصود بالبيع كبيض الدجاج.

______________________________

يبيع شيئين، و هما العبد و ماله، فكان ماله جزء المبيع.

و من الواضح لزوم علم المشترى بالشي ء، و لزوم عدم كون البيع مستلزما للربا (انتهى) كلام صاحب الدروس.

(و المسألة) اى مسئلة لزوم العلم بالشرط (محل اشكال، و كلماتهم لا يكاد يعرف التيامها) بحيث تكون شهرة على شي ء اذ بعضهم ذهب الى لزوم العلم بالشرط، و بعضهم ذهب الى عدم لزوم العلم (حيث) ان جماعة منهم ذكر عدم لزوم معرفة الشرط، مع انهم (صرحوا بان للشرط قسطا من احد العوضين، و ان التراضي على المعاوضة وقع منوطا به) اى بهذا الشرط فاذا بطل الشرط لم يكن رضا، فلا تشمله: تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (و لازمه كون الجهالة فيه) اى فى الشرط (قادحة) اى مضرة فى البيع

(و الاقوى اعتبار العلم) بخصوصيات الشرط (لعموم نفى الغرر، الا اذا عدّ الشرط فى العرف تابعا غير مقصود بالبيع) اى ليس فى الحقيقة كالجزء لاحد العوضين (كبيض الدجاج) فانه لا تضر جهالته، لانه ليس بغرر عرفا.

ص: 269

و قد مرّ ما ينفع هذا المقام فى شروط العوضين، و سيأتى بعض الكلام فى بيع الحيوان ان شاء الله.

الشرط السابع: ان لا يكون مستلزما لمحال،

كما لو شرط فى البيع ان يبيعه على البائع فان العلامة قد ذكر هنا انه مستلزم للدور.

______________________________

و الّذي يقرب فى الذهن ان كان الشرط غررا ساريا الى البيع بطل البيع، و ان كان غررا غير سار الى البيع بطل الشرط، لاشتراط عدم الغرر فيه أيضا، و ان لم يكن غررا عرفا، و ان كان مجهولا فى الجملة لانه تابع لم يبطل البيع و لا الشرط.

(و قد مرّ ما ينفع هذا المقام فى شروط العوضين، و سيأتى بعض الكلام فى بيع الحيوان ان شاء الله) تعالى.

و قد تقدم ذلك فى ذيل مسئلة عنونها بقوله: لا فرق فى عدم جواز بيع المجهول بين ضم معلوم إليه و عدمه.

ثم اللازم ان يعرف الشرط كلاهما فلا ينفع علم احدهما، لانه حينئذ بالنسبة الى الآخر غرر، و الغرر اذا دخل البيع فسد.

(الشرط السابع) من شروط صحة الشرط (ان لا يكون) الشرط (مستلزما لمحال) و ذلك لان المستلزم للمحال غير مقدور، فيأتى فيه دليل اشتراط ان يكون الشرط مقدورا (كما لو شرط فى البيع ان يبيعه على البائع) و انما يكون هذا الشرط محالا (فان العلامة قد ذكر هنا انه مستلزم للدور).

ص: 270

قال فى التذكرة لو باعه شيئا بشرط ان يبيعه اياه لم يصح، سواء اتحد الثمن قدرا و جنسا و وصفا، أو لا، و الا جاء الدور، لان بيعه له يتوقف على ملكيته له المتوقفة على بيعه فيدور.

اما لو شرط ان يبيعه على غيره فانه يصح عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب و السنة.

______________________________

(قال فى التذكرة لو باعه شيئا بشرط ان يبيعه) المشترى (اياه) اى لنفس البائع (لم يصح) الشرط (سواء اتحد الثمن قدرا و جنسا و وصفا) كما لو باعه بعشرة من الدنانير الموصوف بانها عراقية، بشرط ان يبيعه اياه بنفس ذلك المبلغ (أولا) بان شرط عليه شرطا مطلقا، و لم يعين قدر الثمن فى البيع الثانى (و الا) اى و ان جاز هذا الشرط (جاء الدور، لان بيعه له) اى بيع المشترى للبائع (يتوقف على ملكيته له) اذ ما لم يملك المشترى المبيع لا يمكنه بيعه- فانه لا بيع الا فى ملك- (المتوقفة) تلك الملكية (على بيعه) للبائع.

فالبيع للبائع متوقف على ملكية المشترى للمبيع، لانه لا بيع الا فى ملك و ملكية المشترى للمبيع متوقفة على بيعه للبائع.

اذ لو لم يبعه لم يف بالشرط و اذا لم يف بالشرط لم تتم ملكيته (فيدور) و الشرط المستلزم للدور باطل.

(اما لو شرط ان يبيعه على غيره فانه يصح) الشرط (عندنا حيث لا منافاة فيه) اى فى هذا الشرط (للكتاب و السنة) فيشمله عموم: المؤمنون عند شروطهم.

ص: 271

لا يقال: ما التزموه من الدور آت هنا.

لانا نقول: الفرق ظاهر، لجواز ان يكون جاريا على حدّ التوكيل، او عقد الفضولى، بخلاف ما لو شرط البيع على البائع، انتهى.

______________________________

(لا يقال: ما التزموه من الدور آت هنا) اى فى ما لو شرط ان يبيعه على غيره، لان البيع للغير يتوقف على ملك المشترى للمبيع، و ملك المشترى للمبيع لا يتم الا بعد البيع، فالبيع للغير يتوقف على البيع للغير

(لانا نقول) لا دور هنا، لان (الفرق ظاهر، لجواز ان يكون) البيع للاجنبى (جاريا على حدّ التوكيل) بان يكون البائع وكيلا عن المالك (او عقد الفضولى) بان يكون البائع فضوليا- فالبيع ممكن و ليس بمستحيل- (بخلاف ما لو شرط البيع على البائع، انتهى) فانه مستحيل.

و حاصل هذا الجواب: انه لو فرضنا ان البيع الاول لم يكن صحيحا لم يعقل بيع المشترى للمتاع الى البائع، اذ يستحيل ان يباع ملك المالك الى المالك نفسه، فهل يعقل ان نبيع دار زيد لنفس زيد؟ كلا

اما مع فرض ان البيع الاول لم يكن صحيحا، يعقل بيع المتاع الى الاجنبى بعنوان كون البائع وكيلا عن المالك او فضوليا.

اذا تحقق ذلك و هو البيع الى المالك الاول لا يصح، اذا كان البيع الاول باطلا، و البيع الى الاجنبى يصح اذا كان البيع الاول باطلا.

قلنا: يتوقف الملكية للمشترى على العمل بالشرط فاذا لم يعمل بالشرط لم يكن ملكا له.

فاذا لم يكن ملكا له لم يصح بيعه للمالك، لانه من بيع الشي ء لمالكه

ص: 272

و سيأتى تقرير الدور مع جوابه فى باب النقد و النسيئة.

و قد صرح فى الدروس بان هذا الشرط باطل لا للدور، بل لعدم القصد

______________________________

و يصح بيعه لاجنبى، لانه من بيع الوكيل او بيع الفضولى.

و على هذا فيصح شرط البيع للاجنبى، لانه لا يتوقف العمل على الشرط على صحة البيع الاول، فالمشترى يتمكن ان يبيعه للاجنبى، و ان لم يكن مالكا، و لا يصح شرط البيع الى المالك نفسه لانه يتوقف العمل على الشرط على صحة البيع الاول.

اذا عرفت ذلك، نقول: الدور آت فى شرط البيع على المالك، و ليس بآت فى شرط البيع على الاجنبى.

اما الاول: فلان البيع الى المالك يتوقف على ملكية المشترى للمبيع و ملكية المشترى للمبيع متوقفة على البيع الى المالك.

و اما الثانى: فلان البيع الى الاجنبى لا يتوقف على ملكية المشترى للمبيع.

و الى منع هذه المقدمة الاولى، اشار العلامة ره بقوله: لجواز ان يكون بيع المشترى للاجنبى جاريا على حد التوكيل او عقد الفضولى، فلا تغفل.

(و سيأتى تقرير الدور مع جوابه فى باب النقد و النسيئة) ان شاء اللّه تعالى.

(و قد صرح فى الدروس بان هذا الشرط) اى شرط ان يبيعه الى المالك الاول (باطل، لا للدور، بل لعدم القصد

ص: 273

الى البيع.

و يرد عليه، و على الدور النقض بما اذا اشترط البائع على المشترى ان يقف المبيع عليه و على عقبه، فقد صرح فى التذكرة بجوازه.

و صرح بجواز اشتراط رهن المبيع على الثمن مع جريان الدور فيه

الشرط الثامن: ان يلتزم به فى متن العقد.

______________________________

الى البيع) فان المالك الّذي يشترط هذا الشرط على المشترى لا يقصد فى الحقيقة نقل المتاع عن نفسه، و الا لم يشترط هذا الشرط.

(و يرد عليه، و على الدور النقض بما اذا اشترط البائع على المشترى ان يقف المبيع عليه و على عقبه، فقد صرح فى التذكرة بجوازه) مع ان اشكال الدور، و اشكال عدم القصد آت هنا أيضا، اذ يتوقف الوقف على الملك، و يتوقف الملك على الوقف بمثل ما ذكره العلامة فى تقرير الدور، و لانه لا يقصد البائع البيع حقيقة، بل يقصد ان يوقف على نفسه و على عقبه، فكيف قالوا هنا بالصحة، و قالوا فى شرط البيع لنفسه بالبطلان.

(و صرح) صاحب التذكرة أيضا (بجواز اشتراط رهن المبيع) عند البائع (على الثمن) فاذا لم يرد المشترى، دفع الثمن الى البائع حالا (مع جريان الدور فيه) أيضا اذ لا رهن الا فى ملك، فالرهن متوقف على ملك المشترى، و ملك المشترى متوقف على الرهن.

(الشرط الثامن) من شروط صحة الشرط (ان يلتزم به) المشترى (فى متن العقد) قبل قراءة الصيغة او بعدها او فى وسطها، كان يقول: على شرط ان تخيط ثوبى بعتك الدار، او يقول: بعتك الدار على شرط ان

ص: 274

فلو تواطيا عليه قبله لم يكف ذلك فى التزام المشروط به على المشهور بل لم يعلم فيه خلاف عدا ما يتوهم من ظاهر الخلاف و المختلف، و سيأتى لان المشروط عليه ان انشأ الزام الشرط على نفسه قبل العقد، كان الزاما ابتدائيا لا يجب الوفاء به قطعا، و ان كان اثره مستمرا فى نفس الملزم الى حين العقد بل الى حين حصول الوفاء و بعده، نظير بقاء اثرا لطلب المنشأ

______________________________

تخيط ثوبى، او يقول: بعت لك على شرط ان تخيط ثوبى الدار.

و ذلك لانه لا فرق بين الاقسام الثلاثة فى شمول اطلاقات الشرط له

(فلو تواطيا) اى المتعاقدان (عليه) اى على الشرط (قبله) اى قبل العقد (لم يكف ذلك فى التزام المشروط به) فهو من قبيل الشرط الابتدائى (على المشهور) بين الفقهاء (بل لم يعلم فيه خلاف) بناء على ان الشرط الابتدائى ليس بلازم (عدا ما يتوهم من ظاهر الخلاف و المختلف، و سيأتى) كلاهما، و انما شرطنا ان يكون الشرط فى متن العقد لا ما قبله (لان المشروط عليه ان انشأ الزام الشرط على نفسه قبل العقد، كان الزاما ابتدائيا لا يجب الوفاء به قطعا) لما تقدم من ان الالزام الابتدائى لا يلزم الوفاء به، اذ الادلة خاصة بالالزام و الالتزام فى ضمن عقد و نحوه (و ان كان اثره) اى اثر الالزام «ان» وصليّة (مستمرا فى نفس الملزم)- بالكسر- (الى حين العقد) و اثره عبارة عن ارادته للشرط (بل الى حين حصول الوفاء و بعده) اى بعد الوفاء فان الانسان الّذي يريد شيئا يريده الى حين تحققه، فاذا تحقق انمحى اثر الإرادة عن نفسه، فبقاء اثر الالزام هو (نظير بقاء اثر الطلب المنشأ

ص: 275

فى زمان الى حين حصول المطلوب، و ان وعد بايقاع العقد مقرونا بالتزامه فاذا ترك ذكره فى العقد، فلم يحصل، ملزم له.

نعم يمكن ان يقال: ان العقد اذا وقع مع تواطئهما على الشرط، كان قيدا معنويا له، فالوفاء بالعقد الخاص لا يكون الا مع العمل بذلك لشرط و يكون العقد بدونه تجارة، لا عن تراض اذا التراضي وقع مقيدا بالشرط.

______________________________

فى زمان) «المنشأ» بصيغة المفعول (الى حين حصول المطلوب) بل لا اثر للشرط اذا لم يذكر فى متن العقد (و ان وعد) المشترط عليه (بايقاع العقد مقرونا بالتزامه) فشرط المشترط قبل العقد، و التزام المشروط عليه بانه يوقع العقد ملتزما به لا ينفعان، اذا لم يتحقق الشرط فى ضمن البيع (فاذا ترك ذكره) اى ذكر الشرط (فى العقد، فلم يحصل ملزم له) اى للشرط، لان المقاولة و الالزام و الالتزام الخارج عن العقد لا اثر لهما فى اللزوم.

(نعم يمكن ان يقال: ان العقد اذا وقع مع تواطئهما على الشرط كان) الشرط (قيدا معنويا له) اى للعقد (فالوفاء بالعقد الخاص) اى بهذا العقد الّذي هو من صغريات «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (لا يكون الا مع العمل بذلك الشرط) المبنى عليه، فان القرائن المكتنفة بالكلام لها مدخلية فى الكلام (و يكون العقد بدونه) اى بدون الشرط، بان لم يأت المشروط عليه بالشرط يكون (تجارة، لا عن تراض) فان المشترط لم يرض بهذه التجارة (اذا التراضي وقع مقيدا ب) هذا (الشرط) فبدون الشرط لا رضا

ص: 276

فانهم قد صرحوا بان الشرط كالجزء من احد العوضين، فلا فرق بين ان يقول: بعتك العبد بعشرة، و شرطت لك ماله، و بين تواطئهما على كون مال العبد للمشترى، فقال: بعتك العبد بعشرة، قاصدين العشرة المقرونة بكون مال العبد للمشترى هذا مع ان الخارج من عموم، المؤمنون عند شروطهم هو ما لم يقع العقد مبنيا عليه، فيعمّ محل الكلام.

و على هذا فلو تواطيا على شرط فاسد، فسد العقد المبنى عليه و ان لم يذكر

______________________________

(ف) ان قلت: الشرط لا يرتبط بالرضا، لان الرضا كان لاجل تبادل المثمن بالثمن و هذا حاصل.

قلت: الشرط كجزء من احد العوضين، فالرضا منوط به، ل (انهم قد صرّحوا بان الشرط كالجزء من احد العوضين، فلا فرق بين ان يقول بعتك العبد بعشرة، و شرطت لك ماله) شرطا لفظيا (و بين تواطئهما على كون مال العبد للمشترى، فقال) البائع (بعتك العبد بعشرة، قاصدين) اى البائع و المشترى (العشرة المقرونة بكون مال العبد للمشترى) فلا فرق بينهما لدى العرف، فيشمله دليل الشرط (هذا) وجه الاستدلال بآية:

تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ، (مع ان الخارج من عموم: المؤمنون عند شروطهم هو ما لم يقع العقد مبنيا عليه، فيعمّ) العموم (محل الكلام) الّذي هو الشرط البنائى المتواطئ عليه.

(و على هذا) الّذي ذكرنا من شمول الشرط للشرط الضمنى (فلو تواطيا على شرط فاسد، فسد العقد المبنى عليه) اذا قلنا: بان الشرط الفاسد، مفسد (و ان لم يذكر) الشرط

ص: 277

فيه.

نعم لو نسيا الشرط المتواطأ عليه فاوقعا العقد غير بانين على الشرط بحيث يقصد ان من العوض المقرون بالشرط اتجه صحة العقد، و عدم لزوم الشرط.

هذا، و لكن الظاهر من كلمات الاكثر عدم لزوم الشرط غير المذكور فى متن العقد، و عدم اجراء احكام الشرط عليه، و ان وقع العقد مبنيا عليه، بل فى الرياض عن بعض الاجلة حكاية

______________________________

(فيه) اى فى العقد، لما عرفت من انه لا فرق بين الشرط المذكور فى العقد و الشرط المبنى عليه.

(نعم لو نسيا الشرط المتواطأ عليه) من قبل (فاوقعا العقد غير بانين على الشرط بحيث يقصد ان من العوض) العوض (المقرون بالشرط) اى لم يقصدا هكذا.

فقوله «بحيث» بيان لمدخول غير، فالمعنى لم يقصدا عوضا مقرونا بالشرط (اتّجه صحة العقد، و عدم لزوم الشرط) لانه لا شرط اصلا.

(هذا و لكن الظاهر من كلمات الاكثر عدم لزوم الشرط غير المذكور فى متن العقد، و عدم اجراء احكام الشرط عليه، و ان وقع العقد مبنيا عليه).

فانهم يحصرون الشرط اللازم الوفاء بالشرط اللفظى، فلا يشمل الشرط المتواطئ عليه دليل الشرط، كما انه تجارة عن تراض، فانه لا اعتبار الا بالرضا الّذي ذكر فى متن العقد (بل فى الرياض عن بعض الاجلة حكاية

ص: 278

الاجماع على عدم لزوم الوفاء بما يشترط لا فى عقد بعد ما ادعى هو قدس سره الاجماع على انه لا حكم للشروط اذا كانت قبل عقد النكاح، و تتبع كلماتهم فى باب البيع و النكاح يكشف عن صدق ذلك المحكى فتريهم يجوزون فى باب الربا و الصرف الاحتيال فى تحليل معاوضة احد المتجانسين بازيد منه ببيع الجنس بمساويه ثم هبة الزائد من دون ان يشترط ذلك فى العقد.

______________________________

الاجماع على عدم لزوم الوفاء بما يشترط الا فى عقد) بل فى خارج العقد و ان بنى العقد عليه (بعد ما ادعى هو قدّس سره الاجماع على انه لا حكم للشروط اذا كانت) تلك الشروط مذكورة (قبل عقد النكاح، و) كلامه صحيح لان (تتبع كلماتهم فى باب البيع و النكاح يكشف عن صدق ذلك المحكى) اى ما حكاه بعض الاجلّة (فتريهم يجوزون فى باب الربا و الصرف)

ففى باب الربا لا يجوز زيادة احد المتجانسين عن الآخر اذا كان مكيلا او موزونا فلا يجوز بيع كيلو من الحنطة بكيلو و نصف.

و فى باب الصرف و هو عبارة عن بيع النقود، لا يجوز زيادة احدهما على الآخر (الاحتيال) المراد بالحيلة العلاج، و الفرار من الحرام الى الحلال، قال الامام عليه السلام «و لا تمكر بى فى حيلتك» و من هذا القبيل باب الحيل المذكور فى الفقه، لا المراد الحيلة بمعنى الشيطنة كما هو اصطلاح العرف (فى تحليل معاوضة احد المتجانسين بازيد منه) اى من الاحتيال (ببيع الجنس بمساويه ثم هبة الزائد من دون ان يشترط ذلك فى العقد).

ص: 279

فان الحيلة لا تتحقق الا بالتواطؤ على هبة الزائد بعد البيع و التزام الواهب بها قبل العقد مستمرا الى ما بعده.

و قد صرح المحقق و العلامة فى باب المرابحة بجواز ان يبيع الشي ء من غيره بثمن زائد مع قصدهما نقله بعد ذلك الى البائع، ليخبر بذلك الثمن عند بيعه مرابحة اذا لم يشترطا ذلك لفظا.

______________________________

وجه الاستدلال بهذا على ان الشرط الخارج لا يؤثر ما ذكره بقوله:

(فان الحيلة لا تتحقق الا بالتواطؤ) قبل العقد (على هبة الزائد بعد البيع و التزام الواهب بها) اى بالهبة (قبل العقد) التزاما (مستمرّا الى ما بعده).

فلو كان هذا الشرط المقدم المبنى عليه العقد مؤثرا فى العقد لزم الربا، لان جانب الشرط زائد على الجانب الّذي لا شرط فيه.

لكن الظاهر ان مرادهم التواطؤ بدون بناء العقد عليه، و الاعتماد على الاقوال فقط و مثل هذا قد نجده بين المتدينين الآن.

(و قد صرح المحقق و العلامة فى باب المرابحة) و هو البيع بالربح مع اخبار البائع بقدر رأس المال (بجواز ان يبيع الشي ء من غيره بثمن زائد مع قصدهما نقله) اى المبيع (بعد ذلك الى البائع، ليخبر) المشترى البائع (بذلك الثمن) الّذي فيه الزيادة (عند بيعه مرابحة اذا لم يشترطا) و هما البائع الاول و المشترى (ذلك) النقل الى البائع بعد البيع (لفظا).

مثلا: اشترى خالد من بكر كتابا بعشرة- بينما الكتاب يسوى خمسة-

ص: 280

و معلوم ان المعاملة لاجل هذا الغرض لا يكون الا مع التواطؤ و الالتزام بالنقل ثانيا.

نعم خصّ فى المسالك ذلك بما اذا وثق البائع بان المشترى ينقله إليه من دون التزام ذلك، و ايقاع العقد على هذا الالتزام، لكنه

______________________________

ثم اشتراه البائع من المشترى بعشرة، و ذلك لان يخبر البائع عند ما يريد بيعه لهذا بانه اشتراه بعشرة.

و مثله ما لو اشترى زيد من محمّد قلما بعشرة دراهم و تواطئا على ان يرد عليه البائع خمسة، و فائدة ذلك انه اذا اراد المشترى بيع القلم باحد عشر مرابحة اخبر بانه اشتراه بعشرة فان هذا البناء لو كان بمنزلة الشرط كان اللازم على المشترى الّذي يريد بيعه مرابحة ان يقول اشتريته بعشرة بشرط ان يرد عليّ خمسة اذ يلزم فى بيع المرابحة ذكر الشرط الّذي يرتفع او ينتقص منه الثمن.

(و معلوم ان المعاملة لاجل هذا الغرض) اى ردّ المشترى على البائع المثمن (لا يكون الا مع التواطؤ و الالتزام بالنقل) للمتاع الى البائع (ثانيا).

اقول لكن فيه ان الظاهر كون مرادهم التزام قولى، لا من قبيل الشرط

(نعم خصّ فى المسالك ذلك) الالتزام بالنقل الّذي اشار إليه بقوله «بجواز ان يبيع» (بما اذا وثق البائع بان المشترى ينقله إليه من دون التزام ذلك، و) من دون (ايقاع العقد على هذا الالتزام) فهو من قبيل التعهد اللفظى، لا انه من قبيل الشرط (لكنه) اى كلام المسالك

ص: 281

تقييد لاطلاق كلماتهم، خصوصا مع قولهم: اذا لم يشترطا لفظا.

و بالجملة فظاهر عبارتى الشرائع و التذكرة ان الاشتراط و الالتزام من قصدهما، و لم يذكراه لفظا، لا ان النقل من قصدهما، فراجع.

______________________________

(تقييد لاطلاق كلماتهم) بدون دليل على، هذا التقييد (خصوصا مع قولهم: اذا لم يشترطا لفظا) مما يدل على ان اشتراطهم الالتزامى و البنائى غير ضار.

اللهم الا ان يقال: ان مرادهم من اللفظ الاعم من اللفظ فى ضمن العقد، او اللفظ المبنى عليه العقد.

(و بالجملة فظاهر عبارتى الشرائع و التذكرة ان الاشتراط و الالتزام من قصدهما) اى فى مسئلة البيع مرابحة التى ذكرها بقوله «و قد صرح المحقق و العلامة» (و لم يذكراه) اى لم يذكر المتبايعان الاشتراط (لفظا) عند العقد، و عليه فالشرط البنائى عند المحقق و العلامة لا اعتبار به (لا) ان الظاهر من عبارة المحقق و العلامة (ان النقل من قصدهما) اى قصد المتبايعين، و عليه فالشرط البنائى له اعتبار (فراجع) عبارتى الشرائع و التذكرة.

و الحاصل: ان المتبايعين قد يشترطان النقل لفظا.

و قد يلتزمان به من دون لفظ.

و قد يقصد انه بدون لفظ و بدون التزام، و كلامنا فى انه هل القسم الثانى ملزم أم لا؟

فالشيخ يقول ان المشهور قالوا بانه غير ملزم، و استدلاله بعبارتى

ص: 282

و أيضا فقد حكى عن المشهور ان عقد النكاح المقصود فيه الاجل و المهر المعين اذا خلى عن ذكر الاجل ينقلب دائما.

نعم ربما ينسب الى الخلاف و المختلف صحة اشتراط عدم الخيار قبل عقد البيع.

______________________________

الشرائع و العلامة فان كانت عبارتهما ظاهرة فى القسم الثانى تحقق كلام الشيخ.

اما اذا كان كلاهما فى القسم الثالث لم يتحقق كلام الشيخ و بينما صاحب المسالك يقول ان كلام المشهور فى القسم الثالث، و الظاهر لدى أيضا ما ذكره المسالك لا ما ذكره المصنف ره.

(و أيضا) يدل على ان الشرط البنائى لا اثر له ما ذكروه فى باب النكاح (فقد حكى عن المشهور ان عقد النكاح المقصود فيه الاجل و المهر المعين) اى اذا كان قصدهما المتعة (اذا خلى عن ذكر الاجل ينقلب دائما) مع ان الشرط البنائى موجود، و انما لم يلفظ به اشتباها، فيدل كلامهم على ان الشرط البنائى لا ينفع.

و فيه ان ذلك ثبت بالنص، و الا كان اللازم البطلان، اذ لا شك فى ان العقود تتبع القصود، و هما لم يقصدا الدوام، فليس المقام من باب ما ذكره المصنف، بل امر ثابت بالنص الخاص.

(نعم ربما ينسب الى الخلاف و المختلف صحة اشتراط عدم الخيار قبل عقد البيع) و بناء العقد عليه، فانه يوجب سقوط الخيار مع انه لا لفظ فيه، فان هذا يدل على ان الشرط البنائى كاف فى لزوم العمل به

ص: 283

لكن قد تقدم فى خيار المجلس النظر فى هذه النسبة الى الخلاف، بل المختلف فراجع.

ثم ان هنا وجها آخر لا يخلو عن وجه، و هو بطلان العقد الواقع على هذا الشرط، لان الشرط من اركان العقد المشروط، بل عرفت انه كالجزء من احد العوضين، فيجب ذكره فى الايجاب و القبول، كاجزاء العوضين.

______________________________

(لكن قد تقدم فى خيار المجلس النظر فى) صحة (هذه النسبة الى الخلاف، بل) النظر فى نسبته الى (المختلف) أيضا (فراجع) ما ذكرناه فى خيار المجلس.

(ثم ان هنا) اى فى باب عدم ذكر الشرط فى متن العقد مع البناء عليه قبلا (وجها آخر) غير ما ذكر.

فان بعضهم ذكر صحة العقد و الشرط، و بعضهم ذكر صحة العقد دون الشرط، و الوجه الآخر الّذي يذكره الآن، هو بطلان العقد و الشرط معا.

و هذا الوجه (لا يخلو عن وجه) اى عن دليل (و هو بطلان العقد الواقع على هذا الشرط) البنائى الّذي لم يذكر فى متن العقد (لان الشرط من اركان العقد المشروط) اذ العقد مقيد به، و المقيد بدون القيد كالعدم (بل عرفت انه) اى الشرط (كالجزء من احد العوضين، فيجب ذكره فى الايجاب و القبول، ك) سائر (اجزاء العوضين) فاذا لم يذكر فكانّه لم يذكر الجزء، و من المعلوم ان العقد بدون ذكر اجزائه باطل.

ص: 284

و قد صرح الشهيد فى غاية المراد بوجوب ذكر الثمن فى العقد و عدم الاستغناء عنه بذكره سابقا، كما اذا قال: بعنى بدرهم، فقال: بعتك فقال المشترى، قبلت و سيأتى فى حكم الشرط الفاسد كلام من المسالك ان شاء الله تعالى.

و قد يتوهم هنا شرط تاسع و هو تنجيز الشرط بناء على ان تعليقه يسرى الى العقد

، بعد ملاحظة رجوع الشرط الى جزء من احد

______________________________

(و قد صرح الشهيد فى غاية المراد بوجوب ذكر الثمن فى العقد و عدم الاستغناء عنه) اى عن ذكر الثمن (بذكره سابقا، كما اذا قال) المشترى (بعنى بدرهم، فقال) البائع (بعتك) بدون ذكر: بدرهم (فقال المشترى: قبلت).

لكن الظاهر انه لا وجه لهذا القول، بل الشرط البنائى كاف لانه متعارف عرفا و لم يردع عنه الشارع فتشمله ادلة الشروط (و سيأتى فى حكم الشرط الفاسد كلام من المسالك ان شاء الله تعالى).

كما ان الظاهر ان الشرط الفاسد ليس مفسدا، لانه الزام فى الزام فاذا بطل الالزام الثانى لم يستلزم عرفا الا الخيار فى الالزام الاول، لا البطلان.

(و قد يتوهم هنا شرط تاسع و هو تنجيز الشرط) مثل ان يقول: بعتك على ان تخيط لى ان جاء زيد.

و انما يجب تنجيز الشرط (بناء على ان تعليقه يسرى الى العقد) و انما يسرى الى العقد (بعد ملاحظة رجوع الشرط الى جزء من احد

ص: 285

العوضين، فان مرجع قوله: بعتك هذا بدرهم على ان تخيط لى ان جاء زيد على وقوع المعاوضة بين المبيع و بين الدرهم المقرون بخياطة الثوب على تقدير مجي ء زيد، بل يؤدى الى البيع بثمنين على تقديرين فباعه بالدرهم المجرد على تقدير عدم مجي ء زيد و بالدرهم المقرون مع خياطة الثوب على تقدير مجيئه.

و يندفع بان الشرط هو الخياطة على تقدير المجي ء

______________________________

العوضين) و من المعلوم ان العقد المعلق باطل- كما تقدم فى شرائط العقد-.

اما كيف يرجع تعليق الشرط الى تعليق العقد لما ذكره بقوله: (فان مرجع قوله: بعتك هذا بدرهم على ان تخيط لى) ثوبى (ان جاء زيد) مرجعه (على وقوع المعاوضة بين المبيع) من جانب (و بين الدرهم المقرون بخياطة الثوب على تقدير مجي ء زيد) من جانب آخر، و هذا عين التعليق، لان تعليق الجزء يوجب تعليق الكل، فان النتيجة تابعة لأخسّ المقدمتين (بل يؤدي الى البيع بثمنين على تقديرين) و هو باطل قطعا، لانه لم يتحقق العقد- على ما ذكروا-.

و بيان ذلك ما ذكره بقوله: (فباعه بالدرهم المجرّد على تقدير عدم مجي ء زيد) لانه لا خياطة حينئذ (و بالدرهم المقرون مع خياطة الثوب على تقدير مجيئه) اى مجي ء زيد فهذان وجهان للزوم عدم التعليق فى الشرط.

(و يندفع) كلا الوجهين (بان الشرط هو الخياطة على تقدير المجي ء

ص: 286

لا الخياطة المطلقة ليرجع التعليق الى اصل المعاوضة الخاصة.

و مجرّد رجوعهما- فى المعنى- الى امر واحد لا يوجب البطلان.

و لذا اعترف بعضهم بان مرجع قوله: انت وكيلى اذا جاء رأس الشهر فى ان تبيع و انت وكيلى فى ان تبيع اذا جاء رأس الشهر الى واحد،

______________________________

لا الخياطة المطلقة) فهو من قبيل ان يقول «خيّط لى يوم الجمعة» فليس معنى ذلك ان الخياطة معلقة، بل معناه تحديدها بشرط خاص او بزمان خاص او بمكان خاص، و هذا لا يسمّى تعليقا.

و على التقادير الثلاثة ليس هناك تعليق فى الشرط و ما اشبه (ليرجع التعليق الى اصل المعاوضة الخاصة) اى المعاوضة المقيدة بهذا الشرط.

(و) ان قلت: لا فرق بين ان يقول: الشرط هو الخياطة على تقدير المجي ء و بين ان يقول: الشرط هو ان جاء زيد فخيّطه، و كما ان الثانى تعليق كذلك الاول.

قلت: (مجرد رجوعهما- فى المعنى-) و الواقع (الى امر واحد لا يوجب البطلان) و إلا لزم بطلان الجعالة فيما تبطل فيه الاجارة للجهالة، و هكذا، و الحال ان لكل موضوع حكمه- و ان كانت النتيجة واحدة-.

(و لذا) الّذي ذكرنا من ان كون المرجع امرا واحد الا يوجب البطلان (اعترف بعضهم بان مرجع قوله: انت وكيلى اذا جاء رأس الشهر فى ان تبيع) حيث ان الوكالة معلقة بمجي ء رأس الشهر (و انت وكيلى فى ان تبيع اذا جاء رأس الشهر) حيث ان الوكالة من الآن و البيع معلق (الى واحد)

ص: 287

مع الاتفاق على صحة الثانى، و بطلان الاول.

نعم ذكره فى التذكرة انه لو شرط البائع كونه احق بالمبيع لو باعه المشترى ففيه اشكال، لكن لم يعلم ان وجهه تعليق الشرط، بل ظاهر عبارة التذكرة، و كثير منهم فى بيع الخيار بشرط ردّ الثمن كون الشرط- و هو الخيار- معلقا على ردّ الثمن.

و قد ذكرنا ذلك سابقا فى بيع الخيار.

______________________________

و هو البيع اوّل الشهر (مع الاتفاق على صحة الثانى) لان الوكالة منجّزة (و بطلان الاول) لان الوكالة معلّقة.

(نعم ذكره فى التذكرة) الاشكال فى الشرط المعلّق، فقال: (انه لو شرط البائع كونه احق بالمبيع لو باعه المشترى) اى اراد بيعه (ففيه اشكال، لكن لم يعلم ان وجهه تعليق الشرط) بإرادة البيع (بل ظاهر عبارة التذكرة، و كثير منهم فى بيع الخيار بشرط ردّ الثمن) بان شرط فى عقد البيع ان المشترى ان ردّ الثمن فله الفسخ (كون الشرط- و هو الخيار- معلقا على ردّ الثمن) فالبيع انما يكون بشرط الخيار المعلق، و منه يعلم ان العلامة لا يستشكل فى الشرط المعلق.

(و قد ذكرنا ذلك) الخيار بشرط ردّ الثمن (سابقا فى بيع الخيار) فراجع.

ص: 288

مسألة فى حكم الشرط الصحيح
اشارة

و تفصيله ان الشرط اما ان يتعلق بصفة من صفات المبيع الشخصى ككون العبد كاتبا و الجارية حاملا و نحوهما.

و اما ان يتعلق بفعل من افعال احد المتعاقدين او غيرهما، كاشتراط اعناق العبد و خياطة الثوب.

______________________________

(مسألة: فى حكم الشرط الصحيح) و بيان اىّ شرط صحيح، و اىّ شرط غير صحيح (و تفصيله ان الشرط اما ان يتعلق بصفة من صفات المبيع الشخصى) و ذكر الشخصى لانه اذا كان المبيع كليا، كما اذا باعه كتابا بصفة كذا فسلمه كتابا ليس بتلك الصفة فان المشترى ليس له خيار الفسخ و انما له ان لا يقبل هذا الفرد، و يطالب البائع بتسليم فرد آخر مشتمل على الشرط (ككون العبد كاتبا و الجارية حاملا و نحوهما) من الصفات الفعلية او الماضية، كان يشترط عليه ان لا يكون للعبد سابقة سوء، او المستقبلة كان يشترط ان تكون الجارية ولودا.

(و اما ان يتعلق بفعل من افعال احد المتعاقدين او غيرهما) سواء كان فعل الغير باختيار احدهما، او خارجا عن اختيارهما (كاشتراط اعتاق العبد و خياطة الثوب) سواء كان ذلك بالنسبة الى احد المتعاقدين او بالنسبة الى ثالث.

و هذا تارة يكون مع سلطة احد المتعاقدين عليه، كان يشترط عليه ان يخيط ثوبه خيّاط البائع، فان الخياط تحت سلطة البائع بمعنى

ص: 289

و اما ان يتعلق بما هو من قبيل الغاية للفعل، كاشتراط تملك عين خاصة و انعتاق مملوك خاص و نحوهما.

و لا اشكال فى انه لا حكم للقسم الاول، الا الخيار مع تبين فقد الوصف المشروط، اذ لا يعقل تحصيله هنا فلا معنى لوجوب الوفاء فيه، و عموم:

______________________________

ان البائع يتمكن من بعثه على الخياطة.

و تارة اخرى يكون بلا سلطة احد المتعاقدين كان يشترى داره على شرط ان تفتح الحكومة شارعا من امام الدار.

(و اما ان يتعلق بما هو من قبيل الغاية للفعل، كاشتراط تملك) المشترى من البائع (عين خاصة و انعتاق مملوك خاص) للبائع (و نحوهما) و اشتراط زوجية بنت البائع للمشترى مثلا.

(و لا اشكال فى انه لا حكم للقسم الاول) الّذي تعلق الشرط فيه بصفة من صفات البيع (الا الخيار مع تبين فقد الوصف المشروط).

و انما لا اشكال (اذ لا يعقل تحصيله هنا) اذ المشروط هو الوصف فى حال البيع، و المفروض انه غير موجود.

نعم لو كان الشرط بحيث يشمله الوصف المفقود الّذي سوف يحصل قبل القبض او حتى بعده، كما اذا اراد المشترى ان يكون العبد كاتبا حين تسليمه إليه، و جعله المشترط كاتبا بين البيع و بين القبض، لم يكن له خيار، لكنه خارج عن مفروض المتن (فلا معنى لوجوب الوفاء فيه) اذ وجوب الوفاء انما هو فيما وقع التراضي عليه، و هذا لم يقع التراضي عليه (و عموم

ص: 290

المؤمنون، مختص بغير هذا القسم.

و اما الثالث فان اريد باشتراطه الغاية اعنى الملكية و الزوجية و نحوهما، اشتراط تحصيلهما باسبابهما الشرعية، فيرجع الى الثانى، و هو اشتراط الفعل.

و ان اريد حصول الغاية بنفس الاشتراط فان دلّ الدليل الشرعى على عدم تحقق تلك الغاية الا بسببها الشرعى الخاص كالزوجية

______________________________

المؤمنون، مختص بغير هذا القسم) اذ لا موضوع، فلا حكم.

(و اما الثالث) و هو ما اذا تعلق الشرط بما هو من قبيل الغاية للفعل (فان اريد باشتراطه الغاية اعنى الملكية و الزوجية و نحوهما) كالانعتاق (اشتراط تحصيلهما باسبابهما الشرعية، فيرجع الى الثانى و هو اشتراط الفعل).

فمعنى شرط زوجية المشترى لبنت البائع: ان يزوجه البائع ابنته.

و معنى شرطية ملكية المشترى لدار البائع ان يبيعه البائع داره او يهبه له، فاذا كان هناك اسباب متعددة يمكن الوصول بها الى تلك الغاية يحق للبائع اختيار اىّ سبب شاء، كان يبيعه، او يهبه، او يصالحه او ما اشبه، لان الشرط حصول هذه الغاية باىّ سبب كان.

(و ان اريد حصول الغاية بنفس الاشتراط فان دلّ الدليل الشرعى على عدم تحقق تلك الغاية الا بسببها الشرعى الخاص كالزوجية) التى لا تتحقق الا بالصيغة الخاصّة.

نعم لعل التحليل للامة يقع بلا عقد و يكفى فيه الشرط- لكن الكلام

ص: 291

و الطلاق و العبودية و الانعتاق و كون المرهون مبيعا عند انقضاء الاجل و نحو ذلك، كان الشرط فاسدا، لمخالفته للكتاب و السنة كما انه لو دلّ الدليل على كفاية الشرط فيه كالوكالة و الوصاية و كون مال العبد و حمل الجارية و ثمر الشجرة ملكا للمشترى، فلا

______________________________

ليس فى هذا الموضوع- (و الطلاق) الّذي يحتاج الى الصيغة (و العبودية) التى تحتاج الى اسبابها الخاصة من بيع، او نحوه، او اسر او شرط فى ضمن النكاح ان يكون ولد الحرة و العبد- المتزوجين- عبدا ان قلنا بصحة هذا الشرط فانه لا تتحقق بدون هذه الاسباب الخاصة (و الانعتاق) الّذي يحتاج الى صيغة التحرير (و كون المرهون مبيعا) بنفسه (عند انقضاء الاجل) بدون اجراء صيغة البيع (و نحو ذلك) ككون المرأة الاجنبية وارثة (كان) ذلك (الشرط فاسدا، لمخالفته للكتاب و السنة).

اذ الكتاب و السنة جعلا لهذه الغايات اسبابا خاصة، و الشرط ليس من اسبابها، فلا يكون الشرط مشرعا (كما انه لو دلّ الدليل على كفاية الشرط فيه) اى فى حصول تلك الغاية المشروطة (كالوكالة و الوصاية) بان باعه شيئا بشرط ان يكون المشترى وكيله، او وصيه، او وليه، او قيما على اولاده، او ما اشبه ذلك (و كون مال العبد) فيما لو باعه العبد بشرط ان يكون ماله للمشترى (و حمل الجارية) فيما اذا باع الجارية له و هى حامل من غير المولى بما يصح انتقال الحمل، فشرط ان الحمل للمشترى (و ثمر الشجرة) فيما اذا باعها بشرط ان يكون الثمر (ملكا للمشترى، فلا

ص: 292

اشكال.

و اما لو لم يدل دليل على احد الوجهين، كما لو شرط فى البيع كون مال خاص غير تابع لاحد العوضين- كالامثلة المذكورة- ملكا لاحدهما، او صدقة، او كون العبد الفلانى حرا و نحو ذلك.

______________________________

اشكال) فى صحة الشرط، لانه لم يعلم من الشارع احتياج هذه الامور الى اسباب خاصة.

و حيث ان العرف يرى كفاية الشرط، و الشارع سكت عن ذلك فهو امضاء منه للامر العرفى.

(و اما لو لم يدل دليل على احد الوجهين) و هل ان هذه الغاية تحتاج الى سبب خاص، أم تتحقق بكل سبب و لو بالشرط؟ (كما لو شرط فى البيع كون مال خاص غير تابع لاحد العوضين- كالامثلة المذكورة-) اى امثلة الحمل، و الثمر، و مال العبد حيث انها تابعة لاحد العوضين.

و مثال ما ليس بتابع كما لو باع داره بشرط ان يكون قلمه للمشترى، فان القلم ليس تابعا للدار (ملكا لاحدهما، او صدقة، او كون العبد الفلانى حرا) الحرية غير الانعتاق.

فان الاول غير منسوب الى الفاعل، و الثانى انفعال لا بد فيه من الفعل، و لذا جعل الانعتاق كالزوجية مما يحتاج الى سبب خاص و جعل الحرية مما يشك فيه هل انه من هذا القبيل او من قبيل تملك التابع كالحمل؟ (و نحو ذلك) من سائر ما يشك هل ان الشارع قرر له اسبابا خاصة، أم لا؟

ص: 293

ففى صحة هذا الشرط اشكال من اصالة عدم تحقق تلك الغاية الا بما علم كونه سببا لها.

و عموم المؤمنون عند شروطهم، و نحوه لا يجرى هنا، لعدم كون الشرط فعلا ليجب الوفاء به، و من ان الوفاء لا يختص بفعل ما شرط، بل يشمل ترتيب الآثار عليه نظير الوفاء بالعهد.

______________________________

(ففى صحة هذا الشرط) اى شرط الغاية (اشكال من اصالة عدم تحقق تلك الغاية الا بما علم كونه سببا لها) فلا يصلح الشرط.

(و) ان قلت: المؤمنون عند شروطهم، عامّ يشمل كل شرط الا الشرط الّذي علم خروجه، و حيث لا نعلم بخروج هذا الشرط فهو داخل فى العموم.

قلت: (عموم المؤمنون عند شروطهم، و نحوه لا يجرى هنا، لعدم كون الشرط فعلا) من افعال المشروط عليه (ليجب الوفاء به) فان وجوب الوفاء انما يتعلق بالافعال، و الغاية المشروطة ليست من الافعال (و من ان الوفاء) بالشرط المستفاد من: المؤمنون عند شروطهم (لا يختص بفعل ما شرط) فلا يلازم الوفاء فعل المشروط عليه (بل يشمل) أيضا (ترتيب الآثار عليه) اى على ما شرط، فاذا شرط ملكية داره للمشروط عليه، كان معنى الشرط ترتيب آثار الملكية للمشروط له على الدار (نظير الوفاء بالعهد) فاذا قال: عاهدت اللّه ان تكون الدار لزيد، كان معناه ترتيب آثار ملكية الدار لزيد، فهو فعل أيضا، لكنه فعل ترتيب الآثار، لا فعل تمليك او نحوه.

ص: 294

و يشهد له تمسك الامام عليه السلام بهذا العموم فى موارد كلها من هذا القبيل، كعدم الخيار للمكاتبة التى اعانها ولد زوجها على اداء مال الكتابة مشترطا عليها عدم الخيار على زوجها بعد الانعتاق، مضافا الى كفاية دليل الوفاء بالعقود فى ذلك بعد صيرورة الشرط جزء للعقد

______________________________

(و يشهد له) اى لان: المؤمنون، شامل لترتيب الآثار كما يشمل الافعال (تمسك الامام عليه السلام بهذا العموم) اى عموم: المؤمنون عند شروطهم (فى موارد كلها من هذا القبيل) اى من قبيل ترتيب الآثار، لا من قبيل الافعال (كعدم الخيار للمكاتبة التى اعانها ولد زوجها على اداء مال الكتابة مشترطا عليها) اى ان ولد الزوج اشترط عليها عند قراره معها ان يؤدى عنها مال الكتابة (عدم الخيار على زوجها) فى ابطال نكاحها (بعد الانعتاق) فان الجارية المكاتبة اذا ادت مال الكتابة كان لها الخيار فى البقاء على نكاحها و فى ابطال نكاحها.

لكن اذا شرط عليها عدم الخيار، لم يكن لها ذلك، فهذا دليل على ان الشرط يقتضي ترتيب الآثار، لا انه خاص بالفعل.

اللهم الا ان يقال: ان الرواية ليست دليلا، لان ترك الابطال للنكاح فعل أيضا، كما اذا شرط عدم الذهاب الى بيت زيد (مضافا الى كفاية دليل الوفاء بالعقود) اى قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و نحوه (فى ذلك) اى فى شموله لشرط الغاية، اى بالإضافة الى شمول دليل:

المؤمنون عند شروطهم، له (بعد صيرورة الشرط جزء للعقد) اذ الشرط جزء عرضى، او كالجزء- كما تقدم- و: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، يقول: اوف بكل

ص: 295

و اما توقف الملك و شبهه على اسباب خاصة فهى دعوى غير مسموعة مع وجود افراد اتفق على صحتها، كما فى حمل الجارية، و مال العبد، و غيرهما.

و دعوى تسويغ ذلك لكونها توابع للمبيع، مدفوعة، لعدم صلاحية

______________________________

اجزاء العقد، و ما يرتبط بالعقد، فاللازم الوفاء بهذا الشرط أيضا، و ان كان شرطا موجها، و بهذا تحقق ان الاقوى هو هذا الوجه الّذي ذكره بقوله «و من ان الوفاء لا يختص».

(و) ان قلت: الملك و ما اشبه متوقف على اسباب خاصة، فلا يمكن ايجاده بالشرط.

قلت: (اما توقف الملك و شبهه على اسباب خاصة) كالبيع، و الهبة، و الصلح، و نحوها فلا يتحقق بالشرط (فهى دعوى غير مسموعة مع وجود افراد) من التمليك بدون تلك الاسباب (اتفق) الفقهاء (على صحتها) اذ لو كان الملك يتوقف على اسباب خاصة لم يتحقق بدون تلك الاسباب و الحال انا نرى تحققه باتفاق الفقهاء (كما فى حمل الجارية، و مال العبد، و غيرهما) كبيض الدجاجة، و ثمرة الشجرة، فانها اذا انتقل الاصل انتقل الفرع بالتبع بدون سبب آخر غير الفرعية.

(و دعوى تسويغ ذلك) شرعا، فانه فرق بين كون الشرط موجبا للملك و بين ما اذا كانت التبعية موجبة للملك، فان الثانى جائز (لكونها توابع للمبيع) دون الاول (مدفوعة).

أولا: (لعدم صلاحية

ص: 296

ذلك للفرق مع انه يظهر من بعضهم جواز اشتراط ملك حمل دابة فى بيع اخرى كما يظهر من المحقق الثانى فى شرح عبارة القواعد فى شرائط العوضين، و كل مجهول مقصود بالبيع لا يصح بيعه، و ان انضم الى معلوم.

و كيف كان، فالاقوى صحة اشتراط الغايات التى لم يعلم من الشارع اناطتها باسباب خاصة.

______________________________

ذلك) الّذي ذكرتم من الفارق (للفرق) اذ ان الملك لو كان يحصل باسباب خاصة فالتبعية و الشرط كلاهما ليسا من تلك الاسباب، و لو كان الملك لا يحتاج الى اسباب خاصة، فكلاهما جائز.

ثانيا: (مع انه يظهر من بعضهم جواز اشتراط ملك حمل دابة فى بيع اخرى) مع ان حمل الدابة ليس تابعا لدابة اخرى.

فمن هذا الكلام يظهر ان الشرط من موجبات الملك، و انه ليس لتسويغ ذلك من جهة كونه من توابع البيع (كما يظهر) ذلك (من المحقق الثانى فى شرح عبارة القواعد فى شرائط العوضين).

و عبارة القواعد هى هذه (و كل مجهول مقصود بالبيع لا يصح بيعه و ان انضم الى معلوم).

فان المحقق الثانى ذكر فى شرح هذه العبارة ما تقدم من جواز بيع الحمل تبعا لحيوان آخر.

(و كيف كان، فالاقوى صحة اشتراط الغايات التى لم يعلم من الشارع اناطتها باسباب خاصة) و بنفس الشرط تقع تلك الغاية.

ص: 297

كما يصح نذر مثل هذه الغايات بان ينذر كون المال صدقة او الشاة اضحية او كون هذا المال لزيد.

و حينئذ فالظاهر عدم الخلاف فى وجوب الوفاء بها بمعنى ترتيب الآثار.

و انما

الخلاف و الاشكال فى القسم الثانى، و هو ما تعلق فيه الاشتراط بفعل، و الكلام فيه يقع فى مسائل.
الاولى: فى وجوب الوفاء من حيث التكليف الشرعى،

ظاهر المشهور هو الوجوب لظاهر النبوى: المؤمنون عند شروطهم،

______________________________

(كما يصح نذر مثل هذه الغايات بان ينذر كون المال صدقة او) كون (الشاة اضحية) بحيث لا من التصرف فيها لغير الاضحية (او كون هذا المال لزيد) او ما اشبه ذلك.

(و حينئذ) اى حين نذر هذه الامور (فالظاهر عدم الخلاف فى وجوب الوفاء بها) اى بهذه النذور (بمعنى ترتيب الآثار) اى آثار الصدقة و الاضحية، فلا يجوز التصرف فى المال و فى آثار مالكية زيد.

(و) اذا ظهر حال القسم الاول و القسم الثالث من الشرط فنقول:

(انما الخلاف و الاشكال فى القسم الثانى، و هو ما تعلق فيه الاشتراط بفعل) من افعال المكلف (و الكلام فيه يقع فى مسائل).

(الاولى: فى وجوب الوفاء) بالشرط (من حيث التكليف الشرعى) اى الحكم التكليفى.

و (ظاهر المشهور هو الوجوب لظاهر النبوى: المؤمنون عند شروطهم)

ص: 298

و العلوى من شرط لامرأته شرطا فليف لها به فان المسلمين عند شروطهم، الا شرطا حرم حلالا او حلل حراما و يؤكد الوجوب ما ارسل فى بعض الكتب من زيادة قوله: الا من عصى اللّه، فى النبوى، بناء على كون الاستثناء من المشروط عليه، لا من الشارط.

هذا كله مضافا الى عموم وجوب الوفاء بالعقد، بعد كون الشرط كالجزء من ركن العقد،

______________________________

فان الظاهر من كلمة «عند» التلازم بين المؤمن و شرطه، و التلازم لا يعقل الا ان يكون بحكم الشرع بان يحكم الشارع بهذا التلازم، و الحكم الشرعى ليس الا الوجوب (و العلوى) المروى عن امير المؤمنين عليه السلام كما تقدم (من شرط لامرأته شرطا فليف لها به فان المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرم حلالا او حلل حراما).

و من المعلوم ان صيغة الامر ظاهرة فى الوجوب، و لا خصوصية للامرأة فيها بالإضافة الى كلمة «عند» كما ذكر فى النبوى (و يؤكد الوجوب ما ارسل فى بعض الكتب من زيادة قوله: الا من عصى الله، فى النبوى) اذ ظاهره ان المشروط عليه الّذي لا يفى بالشرط عاص لله تعالى (بناء على كون الاستثناء من المشروط عليه) المفهوم من الكلام (لا من الشارط) المذكور بقوله «المؤمنون» اما اذا كان «من الشارط» كان معناه الا شرطا كان فيه عصيانا لله تعالى.

(هذا كله مضافا الى عموم وجوب الوفاء بالعقد، بعد كون الشرط كالجزء من ركن العقد) لان الشرط و الجزء- فى نظر العرف- مآلهما

ص: 299

خلافا لظاهر الشهيد فى اللمعة، و ربما ينسب الى غيره حيث قال:

انه لا يجب على المشروط عليه فعل الشرط و انما فائدته جعل العقد عرضة للزوال.

و وجهه مع ضعفه يظهر مما ذكره قدس سره فى تفصيله المحكى فى الروضة عنه قدس سره فى بعض تحقيقاته، و هو ان الشرط الواقع فى العقد اللازم ان كان العقد كافيا فى تحققه و لا يحتاج بعده الى صيغة، فهو لازم لا يجوز الاختلال به، كشرط الوكالة.

______________________________

الى شي ء واحد، فلا فرق بين ان يقول: ابيعك هذا الكتاب بدينار و خياطة قبائى، او يقول: بشرط ان تخيط قبائى (خلافا لظاهر الشهيد فى اللمعة، و ربما ينسب الى غيره) أيضا (حيث قال: انه لا يجب على المشروط عليه فعل الشرط) وجوبا شرعيا (و انما فائدته) اى فائدة الشرط (جعل العقد عرضة) و معرضا (للزوال) اذا لم يف المشروط عليه بالشرط

(و وجهه) اى وجه كلام الشهيد (مع ضعفه) اى ضعف هذا الوجه (يظهر مما ذكره قدّس سره فى تفصيله) حول الشرط (المحكى) هذا الوجه (فى الروضة عنه قدّس سره) اى عن الشهيد الاول (فى بعض تحقيقاته، و هو) اى وجه ما ذكره من عدم لزوم الشرط (ان الشرط الواقع فى العقد اللازم) على قسمين.

الاول (ان كان العقد كافيا فى تحققه) اى فى تحقق ذلك الشرط (و لا يحتاج بعده) اى بعد العقد (الى صيغة) ثانية (فهو) اى الشرط (لازم لا يجوز الاختلال به، كشرط الوكالة) فانه لو باع داره بشرط ان

ص: 300

و ان احتاج بعده الى امر آخر وراء ذكره فى العقد كشرط العتق فليس بلازم، بل يقلب العقد اللازم جائزا.

و جعل السرّ فيه ان اشتراط ما العقد كاف فى تحققه، كجزء من الايجاب و القبول فهو تابع لهما فى اللزوم و الجواز.

و اشتراط ما سيوجد امر منفصل عن

______________________________

يكون المشترى وكيله فى معاملاته صار المشترى وكيلا بنفس هذا العقد.

(و) الثانى: انه (ان احتاج) الشرط (بعده) اى بعد العقد (الى امر آخر وراء ذكره فى العقد كشرط العتق) كما لو باع عبده بشرط ان يعتق ذلك العبد، فانه بمجرد الشرط لا ينعتق العبد، بل يحتاج الى ان يجرى المشترى صيغة العتق (فليس) الشرط (بلازم، بل) الشرط (يقلب العقد اللازم جائزا) فان شاء المشترى وفى، و ان لم يشأ لم يف، و اذا لم يف كان للشارط خيار فسخ البيع.

(و جعل) الشهيد (السرّ فيه) اى فى هذا التفصيل بقسميه.

اما الاول: (فلأن اشتراط ما العقد كاف فى تحققه، كجزء من الايجاب و القبول فهو) اى الشرط (تابع لهما) اى للايجاب و القبول (فى اللزوم و الجواز).

فان كان العقد لازما كالبيع، كان الشرط لازما بالتبع، و ان كان العقد جائزا كالوكالة كان الشرط جائزا أيضا، لان الشرط تبع فهو تابع للعقد فى جوازه أيضا.

(و) اما الثانى: فلان (اشتراط ما سيوجد) كالعتق (امر منفصل عن

ص: 301

العقد، و قد علّق عليه العقد، و المعلق على الممكن ممكن.

و هو معنى قلب اللازم جائزا، انتهى.

قال فى الروضة- بعد حكاية هذا الكلام- و الا قوى اللزوم مطلقا، و ان كان تفصيله اجود مما اختاره هنا.

اقول: ما ذكره قدس سره فى بعض تحقيقاته لا يحسن عده تفصيلا فى محل الكلام مقابلا لما اختاره فى اللمعة،

______________________________

العقد) لان العتق يتحقق بصيغة خاصة بعد العقد (و قد علّق عليه العقد، و المعلق على الممكن) للذى هو العتق (ممكن) اذ لا يعقل ان يكون العقد التابع للشرط الممكن واجبا لازما.

(و هو معنى) ما ذكرناه من ان الشرط المنفصل يوجب (قلب اللازم جائزا) اذ لو لا الشرط كان العقد لازما (انتهى) كلام الشهيد الاول.

(قال فى الروضة- بعد حكاية هذا الكلام- و الا قوى اللزوم) للعقد (مطلقا) سواء كان الشرط كالجزء او كان منفصلا (و ان كان تفصيله) اى تفصيل الشهيد الاول (اجود مما اختاره هنا) من كون الشرط مطلقا يوجب جواز العقد، انتهى كلام الشهيد الثانى.

(اقول: ما ذكره قدّس سره فى بعض تحقيقاته لا يحسن عدّه تفصيلا فى محل الكلام مقابلا لما اختاره فى اللمعة) فانه اختار فى اللمعة انه لا يجب على المشروط عليه فعل الشرط كالعتق، و اختار فى تحقيقه ان مثل الوكالة اذا كانت شرطا تجب، و ان الفعل الخارجى كالعتق لا يجب.

و من المعلوم ان الفعل الخارجى و فعل الشرط شي ء واحد.

ص: 302

لان الكلام فى اشتراط فعل سائغ و انه هل يصير واجبا على المشروط عليه، أم لا؟ كما ذكره الشهيد فى المتن.

فمثل اشتراط كونه وكيلا ليس الا كاشتراط ثبوت الخيار، او عدم ثبوته له فلا يقال: انه يجب فعله أو لا يجب.

نعم وجوب الوفاء بمعنى ترتيب آثار ذلك الشرط المحقق بنفس العقد، مما لا خلاف فيه

______________________________

و اختار فى كلا المقامين و هما اللمعة و تحقيقه، انه لا يجب، فجعل الشهيد الثانى تحقيقه تفصيلا مقابلا لما ذكره فى اللمعة غير تام (لان الكلام) فى اللمعة (فى اشتراط فعل سائغ) كالعتق (و انه هل يصير واجبا على المشروط عليه، أم لا؟) و قد اختار اللمعة عدم وجوبه (كما ذكره الشهيد) الاول (فى المتن) اى اللمعة.

(فمثل اشتراط كونه وكيلا) الّذي ذكره فى تحقيقه، و انه واجب الوفاء (ليس الا كاشتراط ثبوت الخيار، او عدم ثبوته له) كان يشترط ان يكون للمشترى الخيار بعد انقضاء المجلس، او يشترط ان لا يكون له خيار فى المجلس.

(فلا يقال: انه يجب فعله او لا يجب) فعله، اذ ليس هو عملا لاحدهما بل شي ء يقع تلقائيا بالشرط.

(نعم وجوب الوفاء) فى امثال هذه الشروط و هى «شرط كونه وكيلا» او «له الخيار» او «ليس له الخيار» (بمعنى ترتيب آثار ذلك الشرط المتحقق بنفس العقد، مما لا خلاف فيه).

ص: 303

اذ لم يقل احد بعدم ثبوت الخيار او آثار اللزوم بعد اشتراطهما فى العقد.

و بالجملة فالكلام هنا فى اشتراط فعل يوجد بعد العقد

______________________________

فاللازم ترتيب آثار الوكالة و ترتيب آثار الخيار، و ترتيب آثار عدم الخيار، اذا شرط الوكالة، او الخيار، او عدم الخيار.

لكن كل ذلك لا يسمى «فعل الشرط» فهناك «فعل الشرط» كالعتق و «الشرط المتحقق بنفس العقد» كالوكالة و الخيار و عدم الخيار، و «آثار هذا الشرط» المتحقق كترتيب اثر الوكالة و الخيار، فالكلام فى اللمعة و فى «تحقيقه» فى «فعل الشرط» و فى كلا المقامين قال الشهيد الاول انه لا يجب، و فى «تحقيقه» قال بوجوب «الشرط المتحقق بنفس العقد» و المصنف اضاف ان «آثار الشرط المتحقق» لازمة أيضا (اذ لم يقل احد بعدم ثبوت الخيار) فيما اذا اشترط الخيار (او) عدم ثبوت (آثار اللزوم) فيما اذا اشترط عدم الخيار (بعد اشتراطهما) اى الخيار او عدم الخيار (فى العقد) و لذلك لم يقل احد بعدم ثبوت الوكالة فيما اذا اشترط فى العقد ان يكون وكيلا عنه، كما مثل الشهيد فى بعض تحقيقاته.

(و بالجملة) نقول: توضيحا لما ذكرناه من ان كلام الشهيد فى «تحقيقه» ليس تفصيلا مخالفا لما ذكره فى «اللمعة» (فالكلام هنا) اى فى كلا الموردين و هما «اللمعة» و «تحقيقه» (فى اشتراط فعل يوجد بعد العقد) كالعتق.

ص: 304

نعم كلام الشهيد فى اللمعة اعمّ منه و من كل شرط لم يسلّم لمشترطه و مراده تعذر الشرط.

و كيف كان فمثل اشتراط الوكالة او الخيار و عدمه خارج عن محل الكلام.

اذ لا كلام و لا خلاف فى وجوب ترتب آثار الشرط عليه.

و لا فى عدم انفساخ العقد بعدم ترتيب الآثار.

______________________________

و الحاصل: ان المصنف يريد اقصاء مثل شرط الوكالة عن محل الكلام فلا وجه لجعل الروضة ذلك تفصيلا فى المسألة.

(نعم كلام الشهيد فى اللمعة اعمّ منه) اى من شرط الفعل (و من كل شرط لم يسلّم لمشترطه) «لم يسلّم» بالمجهول (و مراده) من الشرط الّذي لم يسلّم (تعذر الشرط) فلا يشمل كلام اللمعة مثل شرط الوكالة، و الخيار و عدم الخيار.

(و كيف كان) الامر (فمثل اشتراط الوكالة او الخيار و عدمه خارج عن محل الكلام) الّذي هو عبارة عن اشتراط فعل على المشروط عليه، و انه هل فائدته لزوم الشرط، او فائدته ما ذكره الشهيد الاول من جعل العقد عرضة للزوال.

(اذ لا كلام و لا خلاف فى وجوب ترتب آثار الشرط عليه) اى على مثل اشتراط الوكالة، و الخيار، و عدمه.

(و لا) خلاف أيضا (فى عدم انفساخ العقد بعدم ترتيب الآثار) فان لم يرتب المشروط عليه الاثر على شرط الوكالة مثلا بان كان وكيلا فى بيع

ص: 305

و لا فى ان المشروط عليه يجبر على ترتيب الآثار.

و ان شئت قلت: اشتراط الوكالة من اشتراط الغايات، لا المبادئ.

و مما ذكرنا يظهر ان تأييد القول المشهور، او الاستدلال عليه بما فى الغنية من الاجماع على لزوم الوفاء بالعقد غير صحيح، لانه انما ذكر ذلك فى مسئلة اشتراط الخيار، و قد عرفت خروج مثل ذلك عن محل الكلام

______________________________

املاك الشارط فلم يفعل لم ينفسخ العقد.

(و لا) خلاف أيضا (فى ان المشروط عليه يجبر) من قبل الحاكم الشرعى او القائم مقامه (على ترتيب الآثار) ان لم يرتب الأثر بنفسه.

(و ان شئت قلت: اشتراط الوكالة من اشتراط الغايات) التى تتحقق بنفس الشرط (لا المبادئ) التى يكون فيها الاختلاف.

فهل ان فائدة الشرط فيها اللزوم او جعل العقد عرضة للزوال؟

(و مما ذكرنا) من ان الخلاف بين المشهور و الشهيد انما هو فى شرط الفعل لا شرط الغاية اذ لا خلاف فى شرط الغاية (يظهر ان تأييد القول المشهور، او الاستدلال عليه بما فى الغنية من الاجماع على لزوم الوفاء بالعقد غير صحيح).

و انما كان اجماع الغنية لا يرتبط بقول المشهور، فلا يكون مؤيدا له (لانه) اى صاحب الغنية (انما ذكر ذلك) الاجماع (فى مسئلة اشتراط) ان يكون (الخيار) لاحد المتعاقدين (و قد عرفت خروج مثل ذلك) من شرط الغاية (عن محل الكلام) الّذي هو شرط الفعل.

ص: 306

نعم فى التذكرة: لو اشترى عبدا بشرط ان يعتقه المشترى صحّ البيع و لزم الشرط، عند علمائنا اجمع.

ثم ان ما ذكره الشهيد قدس سرّه من ان اشتراط ما سيوجد امر منفصل و قد علق عليه العقد الخ، لا يخلو عن نظر.

اذ حاصله ان الشرط قد علق عليه العقد فى الحقيقة، و ان كان لا تعليق صورة فحاصل قوله: بعتك هذا العبد على ان تعتقه ان الالتزام بهذه المعاوضة معلق على التزامك بالعتق، فاذا لم يلتزم

______________________________

(نعم) قال (فى التذكرة: لو اشترى عبدا بشرط ان يعتقه المشترى صحّ البيع و لزم الشرط، عند علمائنا اجمع) فان هذا الاجماع الّذي ذكره صاحب التذكرة يكون مؤيّدا للمشهور، اذ كلامه فى شرط الفعل فان العتق فعل لا غاية، كما هو واضح.

(ثم ان ما ذكره الشهيد) الاول (قدّس سرّه) فى تحقيقه السابق (من ان اشتراط ما سيوجد امر منفصل، و قد علق عليه العقد الخ، لا يخلو عن نظر)

و حاصل نظره انه لو كان العقد معلقا على الممكن فيلزم بطلان العقد اذا لم يتحقق المعلق عليه- و هو الشرط-، لا ما ذكره من انقلاب العقد جائزا.

(اذ حاصله) اى حاصل كلام الشهيد (ان الشرط قد علق عليه العقد فى الحقيقة، و ان كان لا تعليق صورة، فحاصل قوله: بعتك هذا العبد على ان تعتقه)- بناء على كلام الشهيد- (ان الالتزام بهذه المعاوضة معلق على التزامك بالعتق) او معلق على عتقك- خارجا- (فاذا لم يلتزم

ص: 307

بالاعتاق لم يجب على المشروط له الالتزام بالمعاوضة.

و فيه مع ان المعروف بينهم ان الشرط بمنزلة الجزء من احد العوضين و ان القاعدة اللفظية فى العقد المشروط لا يقتضي هذا المعنى أيضا.

و ان رجوعه الى التعليق على المحتمل يوجب عدم الجزم المفسد للعقد،

______________________________

بالاعتاق) و لم يعتق (لم يجب على المشروط له الالتزام بالمعاوضة) لان المعاوضة التزام على تقدير التزام.

(و فيه) أولا: (مع ان المعروف بينهم ان الشرط بمنزلة الجزء من احد العوضين) ففقده لا يوجب الا ما يشبه خيار تبعض الصفقة، و ليس الشرط مما علق به التزام المعاملة، بل الشرط يقتضي التزام المشروط عليه و الالتزام غير التعليق.

(و) ثانيا: (ان القاعدة اللفظية فى العقد المشروط لا يقتضي هذا المعنى أيضا) اى لا يقتضي التعليق، بل يقتضي الالتزام، فالبيع محقق و انما التزم المشروط عليه ان يأتى بالشرط، لا ان البيع معلق على الشرط

نعم اذا قال: بعتك بيعا معلقا، كان البيع معلقا، فكلام الشهيد لا يؤيّده المعنى المقصود للمتعاقدين، و لا ظاهرا للفظ حسب القواعد اللفظية التى تدل على ان الشرط التزام و ليس بتعليق.

(و) ثالثا: (ان رجوعه) اى الشرط (الى التعليق على المحتمل) بان كان البيع معلقا على الشرط المحتمل وقوعه، و عدم وقوعه (يوجب عدم الجزم المفسد للعقد) اذ يشترط فى العقد الجزم، فاذا كان الشرط

ص: 308

و ان لم يكن فى صورة التعليق، ان لازم هذا الكلام اعنى دعوى تعليق العقد على الممكن ارتفاعه من رأس عند فقد الشرط، لا انقلابه جائزا.

الثانية: فى انه لو قلنا بوجوب الوفاء من حيث التكليف الشرعى فهل يجبر عليه لو امتنع،

ظاهر جماعة ذلك.

و ظاهر التحرير خلافه قال فى باب الشروط ان الشرط ان تعلق بمصلحة المتعاقدين، كالاجل

______________________________

تعليقا كما ذكره الشهيد لم يكن جزما، فاللازم بطلان كل عقد ذكر فيه الشرط و هذا ما لا يقول به حتى الشهيد نفسه (و ان لم يكن فى صورة التعليق) «ان» وصلية اذ كل تعليق معنوى، سواء كان فى صورة التعليق، أم لا، فهو مفسد.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 14، ص: 309

و رابعا: (ان لازم هذا الكلام)- هذا هو الجواب، و هو مربوط بقوله «مع ان المعروف» (اعنى دعوى تعليق العقد على الممكن ارتفاعه) اى ارتفاع العقد (من رأس عند فقد الشرط، لا انقلابه جائزا) و قد ذكر الشهيد انه ينقلب جائزا.

(الثانية) من المسائل المرتبطة بالشرط المتعلق بالفعل (فى انه لو قلنا بوجوب الوفاء من حيث التكليف الشرعى، فهل يجبر عليه لو امتنع) عن فعل الشرط (ظاهر جماعة ذلك) اى انه يجبر، لانه حق للمشروط له، فله انقاذه من المشروط عليه كسائر الحقوق التى يمتنع من عليه ادائها.

(و ظاهر التحرير خلافه) و انه لا يجبر (قال فى باب الشروط ان الشرط ان تعلق بمصلحة المتعاقدين) اى بما ينفع احدهما (كالاجل)

ص: 309

و الخيار و الشهادة، و التضمين و الرهن، و اشتراط صفة مقصودة كالكتابة، جاز، و لزم الوفاء، ثم قال: اذا باع بشرط العتق صح البيع و الشرط، فان اعتقه المشترى، و الّا ففى اجباره وجهان، اقربهما عدم الاجبار، انتهى.

و قال فى الدروس: يجوز اشتراط سائغ فى العقد، فيلزم الشرط فى طرف المشترط عليه، فان اخل به فللمشترط الفسخ، و هل يملك اجباره عليه؟

______________________________

بان يعطيه الثمن او المثمن بعد شهر مثلا (و الخيار) بان يكون لاحدهما الخيار حتى اذا شاء فسخ (و الشهادة) كان يبيعه على شرط ان يشهد له عند الطلاق مثلا (و التضمين) كان يضمنه عند مطالبة دائنه (و الرهن) كان يرهن عنده داره، او يرهنها عند اجنبى لاجل دينه (و اشتراط صفة مقصودة كالكتابة) كما لو اشترى عبده الامّى على شرط ان يجعله كاتبا (جاز) الشرط (و لزم الوفاء) به (ثم قال: اذا باع بشرط العتق) و هذا قسم ثان، لانه لا مصلحة لها و انما المصلحة لثالث و هو العبد (صح البيع و الشرط، فان اعتقه المشترى) فهو المطلوب (و الّا) بان لم يعتقه (ففى اجباره وجهان، اقربهما عدم الاجبار، انتهى) كلام العلامة.

(و قال فى الدروس: يجوز اشتراط سائغ فى العقد، فيلزم الشرط فى طرف المشترط عليه) اما فى طرف المشترط فلا يلزم، اذ هو حقه، فله ان يرفع اليد عنه (فان اخل) المشروط عليه (به) اى بالشرط (فللمشترط الفسخ، و هل يملك) المشترط (اجباره عليه؟) اى على الشرط، أم لا يملك؟

ص: 310

فيه نظر، انتهى.

و لا معنى للزوم الشرط الا وجوب الوفاء به.

و قال فى التذكرة- فى فروع مسئلة العبد المشترط عتقه- اذا اعتقه المشترى فقد و فى بما وجب عليه، الى ان قال: و ان امتنع اجبر عليه، ان قلنا انه حق للّه تعالى، و ان قلنا انه حق للبائع لم يجبر كما فى شرط الرهن و الكفيل.

______________________________

(فيه نظر، انتهى) كلام الدروس.

(و لا معنى للزوم الشرط الا وجوب الوفاء به) فلا يتوهم ان الشهيد لا يقول بوجوب الوفاء، فلا يقول بلزوم الاجبار، بل قوله «لزم الشرط» معناه وجوب الوفاء و مع ذلك لا يقول بالاجبار.

(و قال فى التذكرة- فى فروع مسئلة العبد المشترط عتقه-) فى ضمن العقد (اذا اعتقه المشترى فقد و فى بما وجب عليه، الى ان قال:

و ان امتنع) عن العتق (اجبر عليه، ان قلنا انه) اى الشرط (حق للّه تعالى) باعتبار انه سبحانه امر به (و ان قلنا انه حق للبائع) كما فى باب الدين، فانه حق للدائن (لم يجبر) المشروط عليه على الوفاء بالشرط (كما فى شرط الرهن و الكفيل) فانه اذا باعه بشرط ان يرهن شيئا عنده حتى اذا ظهر المبيع مستحقا للغير استوفى ثمنه من الرهن، او شرط ان يأتى البائع بكفيل حتى اذا ظهر المتاع ملكا للغير اخذ حقه من الكفيل ان امتنع البائع من اداء الثمن الّذي اخذه، فانه اذا لم يفعل البائع ما شرط عليه من اتيان الكفيل و وضع الرهن، لم يجبر البائع على

ص: 311

لكن يتخيّر البائع فى الفسخ بعد سلامة ما شرط.

ثم ذكر للشافعى وجهين فى الاجبار و عدمه، الى ان قال: و الاولى عندى الاجبار فى شرط الرهن و الكفيل لو امتنع، كما لو شرط تسليم الثمن معجلا، فاهمل، انتهى.

و يمكن ان يستظهر هذا القول، اعنى الوجوب تكليفا مع عدم جواز الاجبار من كل من استدل على صحة الشرط بعموم: المؤمنون، مع قوله بعدم

______________________________

ذلك.

و كذلك فى العكس، اذا اراد البائع من المشترى الكفيل او الرهن ثم لم يف المشترى بالشرط، فان المشترى لم يجبر (لكن يتخيّر البائع فى الفسخ) و الامضاء (بعد سلامة ما شرط) اذا كان شرطه شرعيا، و لم يكن من الشروط الباطلة.

(ثم ذكر) صاحب التذكرة (للشافعى وجهين فى الاجبار و عدمه الى ان قال) صاحب التذكرة (و الاولى عندى الاجبار فى شرط الرهن و الكفيل لو امتنع) المشروط عليه (كما لو شرط) البائع على المشترى (تسليم الثمن معجلا، فاهمل) فان للبائع حق اجباره فى التسليم كما شرط (انتهى) كلام صاحب التذكرة.

(و يمكن ان يستظهر هذا القول، اعنى الوجوب) و هو وجوب الوفاء بالشرط (تكليفا مع عدم جواز الاجبار) اذا لم يف بالشرط (من كل من استدل على صحة الشرط بعموم: المؤمنون) عند شروطهم (مع قوله بعدم

ص: 312

وجوب الاجبار كالشيخ فى المبسوط، حيث استدل على صحة اشتراط عتق العبد المبيع بقوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم.

ثم ذكر ان فى اجباره على الاعتاق لو امتنع قولين: الوجوب، لان عتقه قد استحق بالشرط.

و عدم الوجوب، و انما يجعل له الخيار، ثم قال: و الاقوى هو الثانى انتهى.

فان ظهور النبوى فى الوجوب من حيث نفسه،

______________________________

وجوب الاجبار).

فان ظاهر استدلاله ب «المؤمنون» انه واجب (كالشيخ فى المبسوط حيث استدل على صحة اشتراط عتق العبد المبيع) بان شرط البائع على المشترى ان يعتقه (بقوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم) و العتق من صغريات الشرط فشرطه صحيح.

(ثم ذكر) الشيخ (ان فى اجباره على الاعتاق لو امتنع) عن العتق (قولين).

الاول: (الوجوب، لان عتقه قد استحق بالشرط) فيجب الوفاء به.

(و) الثانى: (عدم الوجوب، و انما يجعل له) اى للمشروط له (الخيار ثم قال: و الاقوى هو الثانى، انتهى) و ذلك لاصالة عدم الوجوب، و فى القول بعدم الوجوب نظر

(فان ظهور النبوى) اى قوله صلى الله عليه و آله و سلم: المؤمنون عند شروطهم (فى الوجوب من حيث نفسه) حيث ان المستفاد من كلمة

ص: 313

و من جهة القرائن المتصلة و المنفصلة، مما لا مساغ لانكاره، بل الاستدلال به على صحة الشرط عند الشيخ و من تبعه فى عدم افساد الشرط الفاسد يتوقف ظاهرا على إرادة الوجوب منه، اذ لا تنافى بين استحباب الوفاء بالشرط، و فساده.

فلا يدل استحباب الوفاء بالعتق المشروط فى البيع على صحته.

______________________________

«عند» التلازم، و الظاهر التلازم الشرعى المفيد للوجوب (و من جهة القرائن المتصلة) كقوله صلى الله عليه و آله و سلم فى بعض الروايات «الا من عصى الله» بناء على ما تقدم من انه استثناء من المشروط عليه، لا من المشترط (و المنفصلة) كقوله فى العلوى: فليف لها به، بصيغة الامر الظاهرة فى الوجوب (مما لا مساغ لانكاره، بل الاستدلال به) اى ب «المؤمنون عند شروطهم» (على صحة الشرط عند الشيخ و من تبعه فى عدم افساد الشرط الفاسد) للعقد فالشرط الفاسد ليس بمفسد، كما هو احد القولين فى المسألة.

و القول الاخر هو ان الشرط الفاسد مفسد (يتوقف) ذلك الاستدلال (ظاهرا على إرادة الوجوب منه) اى من «المؤمنون» (اذ لا تنافى) ظاهرا (بين استحباب الوفاء بالشرط، و) بين (فساده) اى فساد الشرط

(فلا يدل استحباب الوفاء بالعتق المشروط فى البيع على صحته) اى صحة البيع، فحيث ان الاستحباب و عدمه يجتمع مع فساد البيع، كما يجتمع مع صحة البيع.

ص: 314

ثم ان الصيمرى فى غاية المرام قال: لا خلاف بين علمائنا فى جواز اشتراط العتق لانه غير مخالف للكتاب و السنة، فيجب الوفاء به و قال: هل يكون حقا للّه تعالى، او للعبد، او للبائع؟ يحتمل الاول، الى ان قال: و يحتمل الثالث، هو مذهب العلامة فى القواعد، و التحرير، لانه استقرب فيهما عدم اجبار المشترى على العتق، و هو يدل على انه حق للبائع.

______________________________

(ثم ان الصيمرى فى غاية المرام قال: لا خلاف بين علمائنا فى جواز اشتراط العتق) سواء كان هذا الشرط فى ضمن بيع نفس العبد، او بيع شي ء آخر (لانه) يشمله دليل الشرط، و هو (غير مخالف للكتاب و السنة فيجب الوفاء به، و قال: هل) العتق بعد اشتراطه (يكون حقا للّه تعالى، او للعبد، او للبائع؟)

ف (يحتمل الاول) لانه سبحانه امر بالعتق فهو من قبيل نذر الصيام

و يحتمل الثانى لان العبد هو الّذي يعتق، فله المطالبة به، كما اذا نذر ان يعطى لزيد مالا (الى ان قال: و يحتمل الثالث) و هو ان يكون حقّا للبائع، و (هو مذهب العلامة فى القواعد، و التحرير، لانه) اى العلامة (استقرب فيهما عدم اجبار المشترى على العتق، و هو) اى هذا الكلام من العلامة (يدل على انه حق للبائع) فمعنى كونه حقا للبائع:

التعليق، لا الالتزام، اى ان البائع اذا شرط هذا الشرط و لم ينفذه المشترى، كان له ان يفسخ البيع.

ص: 315

و على القول بانه حق للّه يكون المطالبة للحاكم و يجبره مع الامتناع و لا يسقط باسقاط البائع.

و على القول بكونه للبائع، تكون المطالبة له و يسقط باسقاطه و لا يجبر المشترى.

و مع الامتناع يتخيّر المشترط بين الامضاء و الفسخ.

______________________________

(و على القول بانه حق للّه يكون المطالبة للحاكم) لان الحاكم هو الموظف للمطالبة بحقوق اللّه سبحانه، هذا أولا و بالذات و إلا فكل الناس يجب عليهم الامر بالمعروف و النهى عن المنكر- من باب الكفاية- (و يجبره) الحاكم على العتق- وفاء بالشرط- (مع الامتناع) اذا لم يرد المشترى العتق (و لا يسقط) هذا الشرط (باسقاط البائع) لانه حق للّه تعالى، فليس للانسان ان يسقطه.

(و على القول بكونه) اى العتق حقا (للبائع، تكون المطالبة) أولا و بالذات (له) لانه ذو الحق (و يسقط باسقاطه) لان الانسان له الحق فى ان يسقط حقوقه التى تكون على الآخرين (و لا يجبر المشترى) على ادائه لما تقدم من ان الشرط يفيد التعليق، لا الالتزام.

نعم اذا لم يفعله المشترى كان للبائع فسخ العقد.

(و مع الامتناع) اى امتناع المشروط عليه من الاتيان بالشرط (يتخيّر المشترط بين الامضاء و الفسخ).

اما الامضاء فلانه حق له فله ان يسقطه.

و اما الفسخ فلان: لا ضرر، يرفع لزوم العقد، كما ذكروا فى خيار

ص: 316

و على القول بانه للعبد يكون هو المطالب بالعتق.

و مع الامتناع يرافعه الى الحاكم ليجبره على ذلك، و كسبه قبل العتق للمشترى على جميع التقادير، انتهى.

و ظاهر استكشافه مذهب العلامة قدس سره عن حكمه بعدم الاجبار ان كل شرط يكون حقا مختصا للمشترط لا كلام و لا خلاف فى عدم الاجبار عليه.

______________________________

الغبن و غيره.

(و على القول بانه) حق (للعبد) المشروط عتقه فى ضمن البيع (يكون هو) اى العبد (المطالب بالعتق) لانه متعلق حقه، كما اذا نذر لزيد، فان النذر يكون حقا لزيد، فله المطالبة بحقه.

(و مع الامتناع) اى امتناع المشروط عليه من عتق العبد (يرافعه) العبد (الى الحاكم ليجبره على ذلك) العتق (و كسبه) اى العبد (قبل العتق للمشترى) لان كسب العبد للمالك- بناء على ان العبد لا يملك- (على جميع التقادير) للمشترط سواء كان العتق حقا لله، او حقا للمشترط او حقا للعبد (انتهى) كلام الصيمرى.

(و ظاهر استكشافه) اى الصيمرى (مذهب العلامة قدس سره عن حكمه بعدم الاجبار) «بعدم» متعلق ب «استكشاف» قال الصيمرى «لانه استقرب فيها عدم اجبار المشترى على العتق» (ان كل شرط يكون حقا مختصا للمشترط) بدون ان يكون حقا للّه، او حقا لثالث (لا كلام و لا خلاف فى عدم الاجبار عليه) اذ لو كان خلاف لم يكن كلام العلامة «بانه حق

ص: 317

و هو ظاهر اوّل الكلام السابق فى التذكرة.

لكن قد عرفت قوله اخيرا، و الاولى ان له اجباره عليه، و ان قلنا انه حق للبائع و ما ابعد ما بين ما ذكره الصيمرى و ما ذكره فى جامع المقاصد و المسالك من انه اذا قلنا بوجوب الوفاء فلا كلام فى ثبوت الاجبار، حيث قال: و اعلم ان فى اجبار المشترى على الاعتاق وجهين.

احدهما: العدم، لان للبائع طريقا آخر للتخلص

______________________________

للبائع» كاشفا عن عدم حقه فى الاجبار.

(و هو) اى انه حيث كان حقا للبائع، لا كلام فى عدم الاجبار عليه (ظاهر اوّل الكلام السابق فى التذكرة) الّذي تقدم قبل اسطر، حيث قال «و ان قلنا انه حق للبائع لم يجبر».

(لكن قد عرفت قوله) اى صاحب التذكرة (اخيرا، و الاولى ان له) اى للمشروط له (اجباره) اى الشارط (عليه) اى على ان يأتى بالشرط (و ان قلنا انه حق للبائع) «ان» وصلية (و ما ابعد ما بين ما ذكره الصيمرى) من انه ان كان حقا للبائع فلا كلام فى انه لم يجبر عليه (و) بين (ما ذكره فى جامع المقاصد و المسالك من) ما ظاهره: انه اذا كان حقا للبائع فلا كلام فى انه يجبر عليه، حيث قالا: (انه اذا قلنا بوجوب الوفاء فلا كلام فى ثبوت الاجبار، حيث قال) جامع المقاصد: (و اعلم ان فى اجبار المشترى على الاعتاق) فيما اذا باع البائع العبد و شرط عليه اعتاقه (وجهين).

(احدهما: العدم) اى عدم الاجبار (لان للبائع طريقا آخر للتخلص)

ص: 318

و هو الفسخ.

و الثانى له ذلك، لظاهر قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و المؤمنون عند شروطهم الا من عصى اللّه و هو الاوجه انتهى.

و فى المسالك جعل احد القولين ثبوت الخيار و عدم وجوب الوفاء مستدلا له باصالة عدم وجوب الوفاء.

و القول الآخر وجوب الوفاء بالشرط، و استدل له بعموم الامر بالوفاء بالعقد،

______________________________

من الضرر المتوجه إليه بسبب بيع العبد و عدم عتقه (و هو الفسخ) فما دام الفسخ بيده فلا ضرر عليه حتى يكون ذلك مجوزا له فى الاجبار.

(و) الوجه (الثانى) ان (له ذلك) اى الاجبار (لظاهر قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فان الوفاء بالعقد المشروط ان يأتى بشرطه أيضا (و المؤمنون عند شروطهم الا من عصى اللّه) بناء على ان ظاهر الاستثناء، هو ان مخالف الشرط عاص للّه تعالى، و من المعلوم ان العاصى يجبر على ترك العصيان (و هو الاوجه) فله اجباره على العتق (انتهى).

(و فى المسالك جعل احد القولين) فى مسئلة ان له اجباره، أم لا (ثبوت الخيار) للمشروط له (و عدم وجوب الوفاء) بالشرط على المشروط عليه (مستدلا له باصالة عدم وجوب الوفاء) لان الوفاء بالشرط تكليف لم نعلم بثبوته على المشروط عليه.

(و القول الآخر وجوب الوفاء بالشرط، و استدل له بعموم الامر بالوفاء بالعقد) لان الوفاء بالعقد المشروط، يلزم اتيانه بكل اجزائه و شرائطه و

ص: 319

و المؤمنون عند شروطهم الا من عصى اللّه.

و ظاهره وحدة الخلاف فى مسئلتى وجوب الوفاء و التسلط على الاجبار، كما ان ظاهر الصيمرى الاتفاق على وجوب الوفاء، بل و على عدم الاجبار فيما كان حقا مختصّا للبائع.

و الاظهر فى كلمات الاصحاب وجود الخلاف فى المسألتين.

______________________________

الا لم يك وفيا (و) بعموم (المؤمنون عند شروطهم الا من عصى اللّه) كما فى بعض الروايات.

(و ظاهره) حيث استدل بالوجوب المستفاد من الروايتين (وحدة الخلاف فى مسئلتى وجوب الوفاء و التسلط على الاجبار) فكل من قال بوجوب الوفاء، قال بالتسلط على الاجبار، و كل من قال بعدم وجوب الوفاء- و انما فائدة الشرط خيار المشترط كما تقدم- قال بعدم التسلط على الاجبار.

لكنك قد عرفت قبل اسطر عدم التلازم بين المسألتين فى نظر الصيمرى (كما ان ظاهر الصيمرى الاتفاق على وجوب الوفاء) بالشرط (بل، و) الاتفاق (على عدم الاجبار فيما كان) الشرط (حقا مختصّا للبائع).

(و) لكن (الاظهر فى كلمات الاصحاب) عدم تمامية ما ذكره الصيمرى و الشهيد، بل (وجود الخلاف فى المسألتين) و هما مسئلة وجوب الوفاء، و مسئلة الاجبار.

فبعض يقول بوجوب الوفاء، و بعض يقول بعدم وجوب الوفاء.

و كذلك بعض يقول بان له حق الاجبار، و بعض يقول ليس له حق

ص: 320

و كيف كان فالاقوى ما اختاره جماعة من ان للمشروط له اجبار المشروط عليه لعموم وجوب الوفاء بالعقد، و الشرط، فان العمل بالشرط ليس الا كتسليم العوضين، فان المشروط له قد ملك الشرط على المشروط عليه بمقتضى العقد المقرون بالشرط، فيجبر على تسليمه.

و ما فى جامع المقاصد من توجيه عدم الاجبار بان له طريقا الى التخلص بالفسخ، ضعيف فى الغاية

______________________________

الاجبار.

(و كيف كان) الامر (فالاقوى ما اختاره جماعة من ان للمشروط له اجبار المشروط عليه) للوفاء بشرطه.

و ذلك (لعموم وجوب الوفاء بالعقد، و) ب (الشرط).

و انما يستفاد من وجوب الوفاء الاجبار (فان العمل بالشرط ليس الا كتسليم العوضين).

فكما ان من ابى من تسليم العوض يجبر على التسليم، كذلك من ابى من تسليم الشرط (فان المشروط له قد ملك الشرط على المشروط عليه) فملكه (بمقتضى العقد المقرون بالشرط) فان فائدة الشرط هو ذلك الملك (فيجبر) المشروط عليه (على تسليمه) اى تسليم ملك المشترط إليه.

(و ما) تقدم (فى) كلام (جامع المقاصد من توجيه عدم الاجبار بان له) اى المشروط له (طريقا الى التخلص بالفسخ) الجار و المجرور متعلق بالتخلص (ضعيف فى الغاية) اى فى غاية الضعف فانه مثل ان يقال:

لا يجب تسليم العوض لان لمالك العوض الآخر طريقا الى التخلص

ص: 321

فان الخيار انما شرع بعد تعذر الاجبار دفعا للضرر.

و قد يتوهم ان ظاهر الشرط هو فعل الشي ء اختيارا، فاذا امتنع المشروط عليه فقد تعذر الشرط.

و حضور الفعل منه كرها غير ما اشتراط عليه، فلا ينفع فى الوفاء بالشرط.

______________________________

بفسخ العقد.

و حلّ ما ذكره بقوله: (فان الخيار) للمشروط له (انما شرع بعد تعذر الاجبار).

و انما شرع الخيار (دفعا للضرر) المتوجه الى المشروط له من عدم تمكنه من تسليم شرطه، فهناك دليلان.

الاول: انه ملك للشارط فله اجبار المشروط عليه لاستيفاء ملكه.

و الثانى: لا ضرر فله اذا لم يتمكن من الاجبار الفسخ، دفعا للضرر.

(و قد يتوهم ان ظاهر الشرط) اى شرط فعل شي ء (هو فعل الشي ء اختيارا) لان ظاهر نسبة الفعل الى انسان، انه فعله اختيارا.

فاذا قيل من نكح او طلق او اعتق كان حكمه كذا، ظاهره انه فعل هذه الامور اختيارا، و لذا لا يترتب احكام هذه الامور فيما اذا وقعها كرها و اجبارا (فاذا امتنع المشروط عليه) عن اداء الشرط (فقد تعذر الشرط) و اذا تعذر الشرط جاء دور الخيار فليس للمشترط اجباره.

(و) من المعلوم ان (حضور الفعل منه) اى من المشروط عليه (كرها) و اجبارا انما هو (غير ما اشترط عليه، فلا ينفع فى الوفاء بالشرط) فاذا

ص: 322

و يندفع بان المشروط هو نفس الفعل مع قطع النظر عن الاختيار و الاجبار و انما يعرض له من حيث انه فعل واجب عليه فاذا اجبر فقد اجبر على نفس الواجب.

نعم لو صرح باشتراط صدور الفعل عنه اختيارا و عن رضا

______________________________

اجبره و اتى به لم يكن آتيا بالشرط، كما انه اذا اجبر على الطلاق و طلّق لم يكن آتيا بالطلاق، و لم ينفع مثل هذا الطلاق.

(و يندفع ب) انه فرق بين «شرط فعل» على انسان، و بين مثل قوله «من نكح او طلّق او اعتق».

فان ظاهر الاول اتيان ذات الشي ء و لو جهلا او سهوا او فى حالة النوم، كما اذا شرط عليه خياطة قبائه فخاطه بظن انه قباء زيد، ثم بان انه قباء الشارط.

و ظاهر الثانى اتيان الفعل الاختيارى اذا لم يعرف من الخارج انه امر توصلى، كما عرف فى مثل «من غسل يده قبل الطعام كان امانا من المرض» مثلا.

ف (ان المشروط هو نفس الفعل مع قطع النظر عن الاختيار و الاجبار) فاذا حصل الفعل حصل الشرط (و انما يعرض له) الاجبار (من حيث انه فعل واجب عليه) اى على المشترط (فاذا اجبر) المشروط عليه (فقد اجبر على نفس الواجب) فلا يكون ما اتى به الا نفس ما اشترط عليه.

(نعم لو صرح) المشترط (باشتراط صدور الفعل عنه اختيارا و عن رضا

ص: 323

منه لم ينفع اجباره فى حصول الشرط.

الثالثة: فى انه هل للمشروط له الفسخ مع التمكن من الاجبار فيكون مخيرا بينهما؟ أم لا

يجوز له الفسخ الا مع تعذر الاجبار ظاهر الروضة و غير واحد هو الثانى.

و صريح موضع من التذكرة هو الاول، قال: لو باعه شيئا بشرط ان يبيعه آخر، او يقرضه بعد شهر او فى الحال لزمه الوفاء بالشرط، فان اخل به لم يبطل البيع، لكن يتخيّر المشترط بين فسخه للبيع و بين الزامه بما

______________________________

منه) اى من المشروط عليه (لم ينفع اجباره فى حصول الشرط) لانه لم يفعله عن رضا و اختيار، و لكن ذلك خارج عن محل الكلام الآن.

(الثالثة) من المسائل المتعلقة باشتراط الفعل فى ضمن العقد (فى انه هل للمشروط له الفسخ مع التمكن من الاجبار) فيما لو ابى المشروط عليه من المشروط (فيكون) المشترط (مخيرا بينهما؟) اى بين الفسخ و الاجبار- فهما فى عرض واحد- (أم لا يجوز له الفسخ الا مع تعذر الاجبار) فالاجبار مقدم على الفسخ.

ف (ظاهر الروضة و غير واحد) من الفقهاء (هو الثانى) و انه لا فسخ مع امكان الاجبار

(و صريح موضع من التذكرة هو الاول) و ان المشترط مخير بين الفسخ و الاجبار (قال) فى التذكرة (لو باعه شيئا بشرط ان يبيعه) الى (آخر او يقرضه) نفس المتاع (بعد شهر او فى الحال لزمه الوفاء بالشرط فان اخل) المشترى (به) اى بالشرط (لم يبطل البيع، لكن يتخير المشترط) اى من له الشرط (بين فسخه للبيع، و بين الزامه بما

ص: 324

شرط، انتهى، و لا نعرف مستندا للخيار مع التمكن من الاجبار، لما عرفت من ان مقتضى العقد المشروط هو العمل على طبق الشرط اختيارا او قهرا

الا ان يقال: ان العمل بالشرط حق لازم على المشروط عليه يجبر عليه اذا بنى المشروط له على الوفاء بالعقد.

و اما اذا اراد الفسخ، لامتناع المشروط عليه عن الوفاء بالعقد على الوجه الّذي وقع عليه،

______________________________

شرط) و اجباره (انتهى، و لا نعرف مستندا للخيار) و الفسخ (مع التمكن من الاجبار، لما عرفت من ان مقتضى العقد المشروط) بشرط (هو العمل على طبق الشرط) لان الشرط ملك للمشروط له (اختيارا او قهرا) فان المالك له حق ان يسترد ملكه بكل صورة.

و حيث يمكن الاجبار فلا ضرر على المشترط حتى يقال: ان مقتضى:

لا ضرر، الخيار.

نعم اذا امتنع عن اداء الشرط اقتضى دليل: لا ضرر، جواز العقد، فيكون له الفسخ.

(الا ان يقال) فى وجه خياره للفسخ مع تمكنه من الاجبار (ان العمل بالشرط حق لازم على المشروط عليه يجبر عليه) فيما (اذا بنى المشروط له على الوفاء بالعقد) بان اراد ابقاء العقد، فاذا اراد المشترط ابقاء العقد كان له الاجبار.

(و اما اذا اراد) المشترط (الفسخ، لامتناع المشروط عليه عن الوفاء بالعقد) وفاء (على الوجه الّذي وقع عليه) من الاتيان بجميع خصوصياته

ص: 325

فله ذلك، فيكون ذلك بمنزلة تقايل من الطرفين عن تراض منهما.

و هذا الكلام لا يجرى مع امتناع احدهما عن تسليم احد العوضين ليجوز للآخر فسخ العقد، لان كلا منهما قد ملك ما فى يد الآخر و لا يخرج عن ملكه بعدم تسليم صاحبه، فيجبر ان على ذلك، بخلاف الشرط فان المشروط حيث فرض فعلا كالاعتاق فلا معنى لتملكه،

______________________________

التى منها الشرط (فله) اى للمشترط (ذلك) اى الفسخ (فيكون ذلك) اى الامتناع عن اداء الشرط (بمنزلة تقايل من الطرفين عن تراض منهما)

فمنتهى الامر ان المشروط عليه اوّل من يتقايل فهو بامتناعه عن الشرط يكون بمنزلة ردّ المشترى للمتاع و المشترط بعدم اجباره له يكون بمنزلة من يقبل الردّ.

(و) ان قلت: فعلى هذا يلزم ان يكون لكل واحد من المتعاقدين أيضا الامتناع عن تسليم متاعه، فلما ذا تقولون هنا بالاجبار.

قلت: لان (هذا الكلام) الّذي ذكرناه فى الشرط و انه بمنزلة التقابل (لا يجرى مع امتناع احدهما عن تسليم احد العوضين ليجوز للآخر فسخ العقد) بان يعتبر الامتناع كالتقايل.

و انما لا يجرى هذا الكلام (لان كلا منهما) اى من المتعاقدين (قدمك ما فى يد الآخر، و لا يخرج عن ملكه بعدم تسليم صاحبه، فيجبران على ذلك) التسليم- اذا امتنع احدهما عن التسليم- (بخلاف الشرط) فانه ليس كالعوضين (فان المشروط حيث فرض فعلا) من الافعال لا شرط غاية- كالوكالة- (كالاعتاق) و خياطة الثوب، و ما اشبه (فلا معنى لتملكه)

ص: 326

فاذا امتنع المشروط عليه عنه فقد نقض العقد، فيجوز للمشروط له أيضا نقضه، فتأمل.

ثم على المختار من عدم الخيار الا مع تعذر الاجبار لو كان الشرط من قبيل الانشاء القابل للنيابة، فهل يوقعه الحاكم عنه اذا فرض تعذر اجباره، الظاهر ذلك، لعموم ولاية السلطان على الممتنع، فيندفع ضرر المشروط له بذلك.

______________________________

اذ فعل الغير ليس ملكا لانسان آخر (فاذا امتنع المشروط عليه عنه) اى عن الفعل المشروط (فقد نقض العقد، فيجوز للمشروط له أيضا نقضه) بدون الحاجة الى الاجبار (فتأمّل) فان ما ذكر من ان الشرط ليس ملكا للمشترط محل نظر، اذ هو ملك له عرفا، فحاله حال العوضين.

(ثم على المختار من عدم الخيار الا مع تعذر الاجبار لو كان الشرط من قبيل الانشاء القابل للنيابة) كما لو كان الشرط ان يعتق العبد او يوقف الدار، او يطلق زوجته، او تنكح نفسها (فهل يوقعه الحاكم عنه اذا فرض تعذر اجباره، الظاهر ذلك) اى ان الحاكم يوقعه (لعموم) ادلة (ولاية السلطان على الممتنع) فانه يشمل الانشائيات أيضا (فيندفع ضرر المشروط له بذلك) الانشاء من الحاكم، كما انه لو اجبره الحاكم و اجرى الصيغة هو بنفسه، صحت الصيغة و ان كانت منبعثة عن الاكراه، و لا يكون الاكراه هنا رافعا للحكم، لفرض ان الشارع امر بهذا الاكراه، فهو خارج عن عموم: ما استكرهوا عليه، كما انه لو شرط إباحة ما له لزيد ثم امتنع، كان لزيد التصرف فيه و هو خارج عن عموم: لا يحل مال امرئ الا عن طيب نفسه

ص: 327

الرابعة: لو تعذر الشرط، فليس للمشترط الا الخيار

لعدم دليل على الارش فان الشرط فى حكم القيد لا يقابل بالمال، بل المقابلة عرفا و شرعا انما هى بين المالين و التقييد امر معنوى لا يعدّ مالا و ان كانت مالية المال تزيد و تنقص بوجوده و عدمه.

و

______________________________

(الرابعة) من المسائل المرتبطة بالشرط (لو تعذر الشرط، فليس للمشترط الا الخيار) اى ليس له الارش (لعدم دليل على الارش).

اما الخيار فلما تقدم من انه من مقتضيات: لا ضرر.

و اما عدم الارش (فان الشرط فى حكم القيد لا يقابل بالمال، بل المقابلة عرفا و شرعا انما هى بين المالين) فاذا باعه دارا بالف و اشترط عليه خياطة ثوبه، فان العرف يرى ان الألف فى مقابل الدار، و ان الشرط امر خارج ليس بإزائه المال، و كذلك العقد الّذي أمضاه الشارع فانما هو بين الدار و المال (و التقييد امر معنوى لا يعدّ مالا و ان كانت مالية المال تزيد و تنقص بوجوده) اى تزيد بوجود القيد (و عدمه) اى تنقص بعدم القيد فهو مثل ما اذا تزوّج امرأة بمهر كثير لان اباها صاحب ثروة او رتبة فان كلّ المهر فى مقابل البضع، لا ان مقدارا منه يكون فى مقابل البضع، و مقدارا آخر منه يكون فى مقابل عنوانها لثراء ابيها، و لذا لو تبين ان اباها سقط عن الرتبة قبل العقد لم يكن له ان يسترجع بعض المال

(و) ان قلت: فلما ذا يسترجع المشترى فى باب العيب «المنتقل إليه المعيوب» بعض الثمن فى باب العيب، فان ذلك بدل على ان الثمن بعضه فى مقابل الذات و بعضه فى مقابل القيد الّذي هو وصف

ص: 328

ثبوت الارش فى العيب لاجل النصّ.

و ظاهر العلامة ثبوت الارش اذا اشتراط عتق العبد فمات العبد قبل العتق.

و تبعه الصيمرى فيما اذا اشتراط تدبير العبد، قال: فان امتنع من تدبيره تخيّر البائع بين الفسخ و استرجاع العبد، و بين الامضاء فيرجع بالتفاوت بين قيمته لو بيع مطلقا، و قيمته بشرط التدبير، انتهى.

______________________________

الصحة.

قلت: (ثبوت الارش فى العيب لاجل النصّ) الخاص على خلاف القاعدة، لكن الظاهر من العرف فى بعض الموارد ان المقابل للمال فى البيع امران، ذات المبيع و قيده، و الارش فى النصّ على وفق القاعدة

(و) كيف كان ف (ظاهر العلامة ثبوت الارش اذا اشترط) البائع على المشترى (عتق العبد فمات العبد قبل العتق) بمعنى ان يلاحظ العبد الّذي يباع بدون هذا الشرط كم قيمته، و العبد الّذي يباع بهذا الشرط كم قيمته، فيأخذ المشترط التفاوت بين القيمتين.

(و تبعه الصيمرى فيما اذا اشترط تدبير العبد) بان يقول له المولى المشترى: انت حرّ دبر وفاتى (قال) الصيمرى (فان امتنع) المشترى (من تدبيره تخيّر البائع بين الفسخ) للعقد (و استرجاع العبد، و بين الامضاء) و اخذ الارش (فيرجع) الى المشترى (بالتفاوت بين قيمته لو بيع مطلقا) بدون شرط التدبير (و) بين (قيمته بشرط التدبير، انتهى).

مثلا: قيمته بدون الشرط عشرة، و مع الشرط ثمانية، فانه يرجع

ص: 329

و مراده بالتفاوت مقدار جزء من الثمن، نسبته إليه كنسبة التفاوت الى القيمة، لا تمام التفاوت لان للشرط قسطا من الثمن، فهو مضمون به لا بتمام قيمته، كما نصّ عليه فى التذكرة.

______________________________

البائع الى خمس الثمن.

(و مراده بالتفاوت مقدار جزء من الثمن) فاذا كانت القيمة الخارجية التى اشترى بها خمسة، فالمراد بالتفاوت واحد (نسبته) اى نسبة ذلك الجزء (إليه) اى الى الثمن نسبة الواحد الى الخمسة (كنسبة التفاوت الى القيمة) و هى نسبة الاثنين الى العشرة فى ما اذا كانت القيمة السوقية عشرة (لا تمام التفاوت) اى الاثنين.

و الحاصل ان القيمة السوقية تؤخذ لمعرفة مقدار التفاوت، و هل انه ثلث، او ربع، او خمس، او ما اشبه لا انها تؤخذ لاجل كون الارش نفس ذلك التفاوت.

و انما قلنا نسبة التفاوت لا تمام التفاوت (لان للشرط قسطا من الثمن فهو) اى الشرط (مضمون به) اى بذلك القسط- كالواحد فى المثال- (لا بتمام قيمته) السوقية- كالاثنين فى المثال الاول- (كما نصّ عليه) اى على نسبة التفاوت لا تمام التفاوت (فى التذكرة) و قد تقدم مثله فى سائر موارد الارش.

و الحاصل ان الاجزاء و الشروط انما كانت بإزاء القيمة الخارجية، لا بإزاء القيمة السوقية، فاللازم ملاحظة القيمة الخارجية، لنرى كم وقع منها قبال هذا الشرط لا ملاحظة القيمة السوقية، و الا فلربّما كان الارش

ص: 330

و ضعّف فى الدروس قول العلامة بما ذكرنا من ان الثمن لا يقسّط على الشروط.

و اضعف منه ثبوت الارش بمجرّد امتناع المشترى عن الوفاء بالشرط، و ان لم يتعذّر كما عن الصيمرى.

و لو كان الشرط عملا من المشروط عليه يعدّ مالا و يقابل بالمال كخياطة الثوب

______________________________

مساويا للثمن، او ازيد منه.

مثلا: اذا اشتراه بخمسة و الحال ان قيمته السوقية عشرون او عشرة و كان التفاوت بين المشروط و غير المشروط بالنصف لزم استرجاع خمسة او عشرة، و ذلك يوجب ان لا يقابل المال بثمن، بل يكون المالك باذلا لشي ء مع ماله فى مقابل لا شي ء.

(و ضعّف فى الدروس قول العلامة) القائل بالارش فى مقابل الشرط المفقود (بما ذكرنا من ان الثمن لا يقسّط على الشروط) فكيف يؤخذ الارش اذا تعذّر الشرط.

(و اضعف منه) اى من قول العلامة (ثبوت الارش بمجرد امتناع المشترى عن الوفاء بالشرط، و ان لم يتعذر) الشرط (كما عن الصيمرى) فيما اذا امتنع المشترى عن تدبير العبد المشروط تدبيره فى ضمن البيع

هذا كله فيما اذا كان الشرط لا يعدّ مالا عرفا كالعتق و التدبير.

(و) اما (لو كان الشرط عملا من المشروط عليه يعدّ مالا و يقابل بالمال) عرفا (كخياطة الثوب) كما لو اشترى دار زيد، بشرط ان بخيط المشترى

ص: 331

فتعذّر ففى استحقاق المشروط له لاجرته و مجرد ثبوت خيار له، وجهان

قال فى التذكرة: لو شرط على البائع عملا سائغا تخيّر المشترى بين الفسخ و المطالبة به او بعوضه ان فات وقته و كان مما يتقوّم، كما لو شرط تسليم الثوب مصبوغا، فاتاه به غير مصبوغ، و تلف فى يد المشترى.

و لو لم يكن مما يتقوّم، تخيّر بين الفسخ و الامضاء مجّانا،

______________________________

ثوب البائع (فتعذّر) ذلك الشرط، بان تمرّض المشترى و لم يتمكن من الخياطة او احترق القماش الّذي كان متعلق الشرط (ففى استحقاق المشروط له)- كالبائع فى المثال- (لاجرته) ا (و مجرد ثبوت خيار له) فى الفسخ و الابقاء بلا خياطة و لا اجرتها (وجهان).

من انه يقابل بالمال عرفا فله الارش.

و من ان المال بإزاء المثمن و الشروط لا مقابل لها كما تقدم و لكنك قد عرفت قوّة قول العلامة.

(قال فى التذكرة: لو شرط على البائع عملا سائغا تخيّر المشترى بين الفسخ و المطالبة به) اى بما شرط (او بعوضه) كاجرة الخياطة (ان فات وقته) اى وقت الشرط (و كان) الشرط (مما يتقوم) اى له قيمة عرفا (كما لو شرط تسليم الثوب مصبوغا، فاتاه) المشترى (به) اى بالثوب (غير مصبوغ، و) فات محل الصبغ، كما لو (تلف فى يد المشترى) فانه لا محل للصبغ بعد التلف.

(و لو لم يكن) الشرط (مما يتقوّم) فلا قيمة له عرفا، و تعذر الشرط كمثال العتق (تخيّر) من له الشرط (بين الفسخ و الامضاء مجّانا) لانّ

ص: 332

انتهى.

و قال أيضا: لو كان الشرط على المشترى مثل ان باعه داره بشرط ان يصبغ له ثوبه، فتلف الثوب، تخيّر البائع بين الفسخ و الامضاء بقيمة الفائت ان كان ممّا له قيمة، و الا مجانا، انتهى.

و الظاهر ان مراده بما يتقوم ما يتقوم فى نفسه سواء كان عملا محضا، كالخياطة، او عينا، كمال العبد المشترط معه او عينا و عملا كالصبغ، لا ما له مدخل فى قيمة العوض، اذ كل شرط كذلك.

______________________________

الشرط لا يقابل بالمال (انتهى).

(و قال أيضا) فى موضع آخر (لو كان الشرط على المشترى مثل ان باعه داره بشرط ان يصبغ له ثوبه، فتلف الثوب، تخيّر البائع بين الفسخ) للمعاملة (و الامضاء بقيمة الفائت) اى يأخذ قيمة الصبغ (ان كان) الشرط (ممّا له قيمة، و الا) يكن له قيمة، ف (مجانا، انتهى) كلام العلامة.

(و الظاهر) بقرينة قوله «و لو لم يكن مما يتقوم» و قوله «و الّا مجانا» (ان مراده بما يتقوم ما يتقوم فى نفسه) اى كانت له قيمة عند العرف (سواء كان) ذلك الشرط الّذي يتقوم (عملا محضا، كالخياطة، او عينا) محضا (كمال العبد المشترط معه) فيما اذا اشترى العبد بشرط ان يكون معه ماله فتلف المال و لم يصل الى المشترى (او عينا و عملا) معا (كالصبغ) فان اللون عين، و يحتاج الى الصباغ (لا ماله مدخل فى قيمة العوض) و فى زيادة الثمن (اذ كل شرط) و لو لم يكن مالا و لا عملا- كما فى منال التدبير و العتق- (كذلك) له مدخلية فى زيادة العوض.

ص: 333

و ما ذكره قدس سره لا يخلو عن وجه، و ان كان مقتضى المعاوضة بين العوضين بانفسهما كون الشرط مطلقا قيدا غير مقابل بالمال، فان المبيع هو الثوب المخيط و العبد المصاحب للمال، لا الثوب و الخياطة، و العبد و ماله.

و لذا لا يشترط قبض ما بإزاء المال من النقدين فى المجلس، لو كان من احدهما.

______________________________

(و ما ذكره) العلامة (قدس سره) من الارش (لا يخلو عن وجه) لان للشرط قسطا من المال عرفا، فتعذّره او امتناعه يوجب ان يكون للمشروط له حق القسط (و ان كان مقتضى المعاوضة بين العوضين بانفسهما) لا بين جزء من العوض و بين الشرط (كون الشرط مطلقا) اى سواء كان عملا او مالا او كلاهما معا، او ليس باحدهما كالتدبير (قيدا) للعوض (غير مقابل بالمال، فان المبيع هو الثوب المخيط و العبد المصاحب للمال، لا الثوب و الخياطة و العبد و ماله) فلا شي ء من الثمن يقابل بالخياطة، و لا بمال العبد، ففوت الخياطة و مال العبد لا يوجب ارجاع مقدار من المال (و لذا) الّذي ليس للشرط قسط من المال (لا يشترط قبض ما بإزاء المال من النقدين فى المجلس، لو كان) ما بإزاء المال (من احدهما) اى من احد النقدين.

فاذا كان للعبد ذهب، و اشترط ان يكون معه عند الانتقال الى المشترى، فلا يشترط قبض مال العبد فى المجلس، و الحال انه لو كان مال العبد بإزاء بعض الثمن لزم قبض ذلك المقدار من الثمن فى المجلس، لانه

ص: 334

و سيجي ء فى المسألة السابعة المعاملة مع بعض الشروط معاملة الاجزاء.

الخامسة: لو تعذر الشرط و قد خرج العين عن سلطنة المشروط عليه بتلف، او بنقل، او رهن، او استيلاد

فالظاهر عدم منع ذلك عن الفسخ فاذا فسخ، ففى رجوعه عليه بالقيمة او بالعين مع بقائها بفسخ العقد

______________________________

يشترط فى بيع النقدين القبض فى المجلس.

اللهم الا ان يقال: ان ادلة القبض فى المجلس لا تشمل مثل المال المشروط و ان كان الشرط بإزاء المال.

(و سيجي ء فى المسألة السابعة المعاملة مع بعض الشروط معاملة الاجزاء) و هذا يؤيّد كلام العلامة.

(الخامسة) من المسائل المربوطة بالشرط (لو تعذر الشرط و قد خرج العين عن سلطنة المشروط عليه، بتلف، او بنقل) كالبيع (او رهن) بان صار متعلق حق الغير (او استيلاد) بان صارت الامة متشبثة بالحرية او بما اشبه، كما اذا وقع المتاع فى البحر، او غصبته السلطة مثلا (فالظاهر عدم منع ذلك) و هو الخروج عن سلطنة المشروط عليه (عن الفسخ، فاذا فسخ، ففى رجوعه) اى الفاسخ (عليه) اى على المشروط عليه (بالقيمة) لتعذر العين تعذرا عقليا كالتلف، او شرعيا كالبيع (او) رجوعه عليه بالقيمة اذا كانت العين تالفة، و (بالعين مع بقائها) و ان كانت منتقلة، او صارت متعلق حق الغير، او متشبثة بالحرية (بفسخ العقد

ص: 335

الواقع عليه من حينه او من اصله، وجوه يأتى فى احكام الخيار، و يأتى ان الاقوى الرجوع بالبدل جمعا بين الادلة هذا كله مع صحة العقد الواقع بان لا يكون منافيا للوفاء بالشرط.

و اما لو كان منافيا،

______________________________

الواقع عليه) و ابطال الفسخ لحق الاستيلاد مثلا و يكون الفسخ (من حينه) فاذا باعه الدار بشرط كذا، و المشترى لم يف بالشرط، و قد باع الدار و فسخ المالك الاول كان فسخه من حين الفسخ، و منافع الدار بين البيع الاول، و بين الفسخ للمنتقل إليه لا المنتقل عنه (او من اصله) فمنافع الدار فى تلك المدة للبائع الاول (وجوه) و احتمالات (يأتى) بيانها و ذكر ادلتها (فى احكام الخيار، و يأتى ان الاقوى) لدى المصنف (الرجوع بالبدل) لا بالعين (جمعا بين الادلة) و هى دليل ان المشترط له الفسخ، و دليل ان البيع الواقع عليه الثمن من المشروط عليه صحيح واجب الوفاء به.

و (هذا) الّذي ذكرناه (كله) من الرجوع الى البدل و بعض الاحتمالات الاخر (مع صحة العقد الواقع) من المشترى على المثمن (بان لا يكون) العقد الواقع (منافيا للوفاء بالشرط).

فمثال غير المنافى كما اذا باعه داره بشرط ان يخيط ثوبه، فانه اذا باع المشترى الدار لم يكن بيعه منافيا للشرط الّذي هو الخياطة لامكان الجمع بين الخياطة و بين بيع الدار.

(و اما لو كان) العقد الّذي اوقعه المشترى على المثمن (منافيا)

ص: 336

كبيع ما اشترط وقفه على البائع ففى صحته مطلقا، او مع اذن المشروط له، او اجازته، او بطلانه، وجوه، خيرها اوسطها.

______________________________

للشرط (كبيع ما اشترط وقفه على البائع) «على» متعلق ب «وقفه» فباع زيد دارا لعمرو، بشرط ان يوقفها زيد على عمرو نفسه، و كذلك مثل بيع ما اشترط عتقه، و استيلاد ما اشترط بيعه، و صلح ما اشترط رهنه، الى غير ذلك من الامثلة (ففى صحته مطلقا) سواء اذن او اجاز أم لا، لانه صار ملكا له فله ان يتصرف فيه كيف يشاء (او مع اذن المشروط له) سابقا على العقد الثانى و استيلاده (او اجازته) لاحقا بعد ان عقد المشروط عليه، لانه حق المشروط له فاذا اذن او اجاز، جاز، و الا بطل (او بطلانه) مطلقا و ان اذن و اجاز، لان الشرط اخرج الملك عن الا طلاق، و مع عدم اطلاقه لا يملك المشروط عليه التصرف فيه، اذ من شروط التصرف فى الملك ان يكون طلقا (وجوه، خيرها اوسطها).

اذ: الصحة- و الحال ان المثمن متعلق حق الغير- لا وجه له فانه لا يستوى حق امرئ مسلم.

و البطلان- حتى مع الاذن و الاجازة- أيضا لا وجه له، و الحال ان المثمن مربوط بالبائع و المشترى، و قد اراد كلاهما بيعه، فيبقى القول الوسط، نعم ذلك لا يجرى فى مثل استيلاد الجارية.

اللهم الا ان يقال: ان حق البائع سابق على الاستيلاد فاللازم توقف الاستيلاد على اجازة البائع.

ص: 337

فلو باع بدون اذنه كان للمشروط له فسخه و الزامه بالوفاء بالشرط

نعم لو لم نقل باجبار المشروط عليه فالظاهر صحة العقد الثانى فاذا فسخ المشروط له ففى انفساخ العقد من حينه او من اصله او الرجوع بالقيمة وجوه، رابعها التفصيل بين التصرف بالعتق، فلا يبطل لبنائه

______________________________

(فلو باع) المشترى المتاع (بدون اذنه) اى اذن المشترط الّذي هو البائع فى المثال (كان للمشروط له فسخه و الزامه) اى الزام المشروط عليه (بالوفاء بالشرط) كما ان له ان يصالحه حقه بقدر من المال، او بشرط آخر، او ما اشبه ذلك.

(نعم لو لم نقل باجبار المشروط عليه) فى اصل مسئلة الشرط- كما تقدم انه قول لبعض الفقهاء- (فالظاهر صحة العقد الثانى) و للمشروط له الفسخ (فاذا فسخ المشروط له) العقد الثانى (ففى انفساخ العقد) الاول (من حينه) اى من حين الانفساخ، فمنافع الملك للمنتقل إليه (او من اصله) اى من حين العقد الاول، فمنافع الملك للمنتقل عنه اى البائع الاول.

و هناك احتمال كون انفساخ العقد الثانى من حينه فالمنافع للمشترى الثانى، او من اصله فالمنافع للمشترى الاول (او الرجوع) اى رجوع الفاسخ- بعد الفسخ- (بالقيمة) لتعذر استرجاع العين، لانها انتقلت من المشروط عليه (وجوه، رابعها التفصيل بين التصرف) اى تصرف المشترى المشروط عليه المخالف للشرط (بالعتق فلا يبطل) العتق (لبنائه

ص: 338

على التغليب فيرجع بالقيمة، و بين غيره فيبطل، اختاره فى التذكرة و الروضة، قال فى فروع مسئلة العبد المشترط عتقه- بعد ما ذكر ان اطلاق اشتراط العتق يقتضي عتقه مجانا-، فلو اعتقه بشرط الخدمة مدّة تخيّر المشروط له بين الامضاء و الفسخ، فيرجع بقيمة العبد.

قال بعد ذلك: و لو باعه المشترى او وقفه، او كاتبه تخيّر البائع بين الفسخ و الامضاء، فان فسخ بطلت هذه العقود لوقوعها فى غير ملك تام و تخالف

______________________________

على التغليب) فكلما تشبث العبد بالحرية لا يمكن استرجاعه الى الرقّ (فيرجع) المالك الاول الفاسخ (بالقيمة) جمعا بين الحقوق و هى حق البائع، و حق المشترى، و حق العبد (و بين غيره) اى غير العتق (فيبطل) التصرف، و يسترجع المشترط المثمن (اختاره) اى هذا التفصيل (فى التذكرة و الروضة، قال) فى التذكرة (فى فروع مسئلة العبد المشترط عتقه- بعد ما ذكر ان اطلاق اشتراط العتق يقتضي عتقه مجانا-) لا فى مقابل مال يأخذه من انسان آخر او خدمة يطلبها من العبد فى مقابل عتقه له، قال: (فلو اعتقه بشرط الخدمة مدّة تخير المشروط له بين الامضاء) للعقد (و الفسخ، ف) اذا فسخ (يرجع بقيمة العبد) لان العبد قد اعتق، فلا يمكن ارجاعه الى الملك.

(قال بعد ذلك: و لو باعه المشترى او وقفه، او كاتبه) على خلاف الشرط- الّذي هو عتقه- (تخيّر البائع بين الفسخ و الامضاء، فان فسخ) العقد (بطلت هذه العقود لوقوعها فى غير ملك تام) الملكية (و تخالف

ص: 339

هذه العتق بشرط الخدمة لان العتق مبنى على التغليب، فلا سبيل الى فسخه و هل له امضاء البيع مع طلب فسخ ما نقله المشترى؟ فيه احتمال، انتهى.

و مثله ما فى الروضة.

و قال فى الدروس- فى العبد المشروط عتقه- و لو اخرجه عن ملكه ببيع او هبة او وقف، فللبائع فسخ ذلك كله انتهى و ظاهره ما اخترناه و يحتمل

______________________________

هذه) العقود (العتق بشرط الخدمة) الّذي ذكرناه انه يرجع بالقيمة فالفرق بينهما (لان العتق مبنى على التغليب، فلا سبيل الى فسخه) اى فسخ العتق (و هل له) اى للبائع (امضاء البيع) اى ابقائه (مع طلب فسخ ما نقله المشترى؟) الى غيره طلبا لتنفيذ شرطه (فيه احتمال) لان الشرط يقتضي ابقاء البيع على حاله حتى ينفذ الشرط فيه (انتهى) كلام العلامة.

(و مثله ما فى الروضة) من التفصيل بين العتق فلا ينفسخ، و بين سائر العقود، فتنفسخ.

(و قال فى الدروس- فى العبد المشروط عتقه-) فى عقد البيع (و لو اخرجه) المشترى (عن ملكه ببيع او هبة او وقف، فللبائع فسخ ذلك كله انتهى) و لم يذكر حالة عتق العبد بشرط الخدمة، و انه لو خالف المشترى ما ذا يكون امر البائع المشترط؟ (و ظاهره ما اخترناه) عند ما قلنا «خيرها اوسطها» اى توقف تلك العقود على الاذن او الاجازة (و يحتمل

ص: 340

ضعيفا غيره.

و فى جامع المقاصد: الّذي ينبغى، ان المشترى ممنوع من كل تصرف ينافى العتق المشترط.

ثم ان هذا الخيار كما لا يسقط بتلف العين كذلك لا يسقط بالتصرف فيها، كما نبّه عليه فى المسالك فى اوّل خيار العيب فيما لو اشترط الصحة على

______________________________

ضعيفا غيره) بان يكون مراد الدروس فسخ العقد الاول، فتفسخ هذه العقود بالتبع.

(و فى جامع المقاصد) قال: (الّذي ينبغى، ان المشترى ممنوع من كل تصرف ينافى العتق المشترط) فاذا تصرف تصرفا ينافيه، بطل التصرف لانه كان ممنوعا منه.

لكن الظاهر ان مراده الاحتياج الى الاجازة، لانه ليس أسوأ من الفضولى.

(ثم ان هذا الخيار) اى خيار الشرط الّذي هو للمشروط له (كما لا يسقط بتلف العين) عند المشترط فاذا باع عباءة بدينار، بشرط ان يخيط المشترى قبائه فتلف الدينار عنده، فلا يسقط خيار شرطه، فاذا لم يخط المشترى القباء كان للبائع خيار الفسخ و ان تلف الدينار عنده، فاذا فسخ اعطى بدله للمشترى (كذلك لا يسقط بالتصرف فيها) اى فى العين المنتقلة الى المشترط، لانه لا دليل على ان التصرف مسقط لخيار الشرط (كما نبّه عليه) اى على عدم سقوط خيار المشترط بالتصرف (فى المسالك فى اوّل خيار العيب فيما لو اشترط الصحة على

ص: 341

البائع.

نعم اذا دل التصرف على الالتزام بالعقد لزم العقد و سقط الخيار نظير خيار المجلس و الحيوان بناء على ما استفيد من بعض اخبار خيار الحيوان المشتمل على سقوط خياره بالتصرف معلّلا بحصول الرضا بالعقد.

و اما مطلق التصرف، فلا.

______________________________

البائع) فان تصرف البائع فى الثمن، فلا يسقط خيار المشترى بتصرف البائع فيما اذا ظهر المثمن معيبا.

(نعم اذا دل التصرف) اى تصرف ذى الخيار (على الالتزام بالعقد) و انه لا يريد الاخذ بالخيار (لزم العقد و سقط الخيار) و هو خيار الشرط فلا يحق له الاخذ بعد ذلك بخيار الشرط، و فسخ العقد فيما اذا لم يأت المشروط عليه بالشرط.

(نظير خيار المجلس و الحيوان) فانهما لا يسقطان بالتصرف الا اذا دل التصرف على الرضا بالعقد (بناء على ما استفيد من بعض اخبار خيار الحيوان المشتمل) ذلك الخبر (على سقوط خياره) اى خيار الحيوان (بالتصرف) فى الحيوان (معلّلا) السقوط (بحصول الرضا بالعقد) فيدل على ان الرضا هو المسقط للخيار.

(و اما مطلق التصرف، فلا) يسقط الخيار.

ثم انه اذا تصرف ذو الخيار «خيار الشرط» فى المنتقل إليه تصرفا مخرجا عن الملك او شبهه، ثم اخذ بالخيار، فهل يحق للمشروط عليه

ص: 342

السادسة: للمشروط له اسقاط شرط اذا كان مما يقبل الاسقاط،

لا مثل اشتراط مال العبد او حمل الدابة

______________________________

ارجاع ملكه حتى اذا كان الثمن عبدا فاعتقه البائع المشترط، او كانت امة فاولدها، او كان ملكا فوقفه مسجدا، أم لا؟ بل لا بدّ من الرجوع الى البدل احتمالات- كما تقدّم مثله-.

(السادسة) من المسائل المرتبطة بالشرط، فى ان (للمشروط له اسقاط شرطه اذا كان) الشرط (مما يقبل الاسقاط) كما اذا كان حقّا للبائع، و فعلا للمشروط عليه نحو اشتراط ان يخيط المشترى ثوب البائع (لا مثل اشتراط مال العبد او حمل الدابة) لانه شرط نتيجة، و شرط الغاية لا يقبل الاسقاط، لانه قد حصل بمجرد الشرط، و صار الحمل و المال ملكا للمشروط له و الملك لا يسقط بالاسقاط، نعم ان الملك يقبل الخروج عن ملك مالكه بالاعراض.

اللهم الا ان يقال: ان الاسقاط امر اعتبارى و العرف يرى صحته بالنسبة، حتى الى شرط الغاية.

فاذا اشترى الدابة بشرط ان يكون للمشترى الحمل، ثم قال اسقطت شرطى، رأى العرف ان ذلك يوجب ان يكون الحمل للمالك البائع، و ليس من قبيل ان يقول «اسقطت ملكيتى للدار» و ان كان ذلك معقولا فى نفسه، لكنه خلاف الاعتبار العرفى الممضى من قبل الشارع.

ثم انه لو شك فى انه هل هو شرط قابل للاسقاط، او ليس بقابل للاسقاط؟ كان اصل «امكان اسقاط كل حق الا ما خرج» محكما.

ص: 343

لعموم ما تقدم فى اسقاط الخيار، و غيره من الحقوق، و قد يستثنى من ذلك ما كان حقا لغير المشروط له، كالعتق.

فان المصرّح به فى كلام جماعة، كالعلامة، و ولده، و الشهيدين، و غيرهم عدم سقوطه باسقاط المشروط له.

قال فى التذكرة: الاقوى عندى ان العتق المشروط اجتمع فيه حقوق، حق للّه،

______________________________

اذ معنى الحق انه قابل للاسقاط، و النقل، و الارث، و غيرها، و هذا الاصل العقلائى مقدّم على استصحاب عدم السقوط، و عدم الانتقال، و ما اشبه.

و انما قلنا: ان للمشروط اسقاط شرطه (لعموم ما تقدم فى اسقاط الخيار، و غيره من الحقوق، و قد يستثنى من ذلك) اى من قابلية الشرط للاسقاط (ما كان حقا لغير المشروط له) اى بالإضافة الى كونه حقا للمشروط له (كالعتق) كما اذا باع عبده بشرط ان يعتقه، ثم اراد اسقاط هذا الشرط، لم يتمكن من اسقاط شرطه، لان العتق حق العبد أيضا و المشروط له انما له ان يسقط حق نفسه، لا حق العبد.

(فان المصرّح به فى كلام جماعة، كالعلامة، و ولده، و الشهيدين و غيرهم عدم سقوطه) اى العتق (باسقاط المشروط له) بل اللازم على المشروط عليه العتق.

(قال فى التذكرة: الاقوى عندى ان العتق المشروط) فى البيع و نحوه (اجتمع فيه حقوق) ثلاثة (حق للّه) لان العتق يؤتى به قربة الى

ص: 344

و حق للبائع، و حق للعبد، ثم استقرب- بناء على ما ذكره- مطالبة العبد بالعتق لو امتنع المشترى.

و فى الايضاح: الاقوى انه حق للبائع و للّه تعالى، فلا يسقط بالاسقاط، انتهى.

و فى الدروس: لو اسقط البائع الشرط جاز الا العتق، لتعلق حق العبد، و حق اللّه تعالى به، انتهى.

و فى جامع المقاصد: ان التحقيق ان العتق فيه معنى القربة و العبادة، و هو حق اللّه تعالى، و زوال

______________________________

اللّه (و حق للبائع) لانه شرط ذلك فى ضمن العقد (و حق للعبد) لانه هو الّذي يعتق و ينتفع بهذا الشرط (ثم استقرب) العلامة (بناء على ما ذكره) من انه حق للعبد- أيضا- (مطالبة العبد) من سيّده الجديد (بالعتق لو امتنع المشترى) من ان يعتقه.

(و فى الايضاح: الاقوى انه حق للبائع و لله تعالى) و ليس حق للعبد (فلا يسقط بالاسقاط، انتهى) اذ البائع ليس وكيلا عن الله سبحانه حتى يسقط حقه سبحانه.

(و) قال (فى الدروس: لو اسقط البائع الشرط جاز) اى نفذ اسقاطه (الا العتق) فان اسقاطه لم ينفذ (لتعلق حق العبد، و حق الله تعالى به) بالإضافة الى حق البائع الّذي اسقطه (انتهى).

(و فى جامع المقاصد: ان التحقيق ان العتق فيه معنى القربة و العبادة، و هو) بهذا الاعتبار (حق اللّه تعالى، و) فيه أيضا (زوال

ص: 345

الحجر و هو حق للعبد، و فوات المالية على الوجه المخصوص للقربة و هو حق للبائع، انتهى.

اقول: اما كونه حقا للبائع من حيث تعلق غرضه بوقوع هذا الامر المطلوب للشارع، فهو واضح.

و اما كونه حقا للعبد، فانه ان اريد به مجرد انتفاعه بذلك فهذا لا يقتضي سلطنة له على المشترى بل هو متفرع على حق البائع دائر معه

______________________________

الحجر) عن العبد (و هو حق للعبد، و) فيه أيضا (فوات المالية على الوجه المخصوص للقربة) المعتبرة فيه (و هو) اى كونه مالا- الّذي يفوّته العتق- (حق للبائع، انتهى) كلام جامع المقاصد.

(اقول: اما كونه حقا للبائع من حيث تعلق غرضه بوقوع هذا الامر المطلوب للشارع، فهو واضح) و لا يشترط ان تكون وجهة نظر البائع هى المطلوبية للشارع، بل العتق مطلوب للشارع، سواء قصده البائع، أم لا.

(و اما كونه حقا للعبد، فانه ان اريد به مجرد انتفاعه بذلك) العتق (فهذا) مسلم.

و لكن (لا يقتضي سلطنة له على المشترى) اذ ليس كل منتفع بشي ء له حق على الّذي ينفعه، و ان كان ذلك واجبا على النافع، فان من نذر ان يتصدق بدينار على الفقير، لا يكون للفقير حق عليه.

و من حلف ان يزور الحسين عليه السلام لا يكون للسائق و المكارى حق عليه (بل هو) اى انتفاع العبد (متفرع على حق البائع دائر معه) اى

ص: 346

وجودا و عدما، و ان اريد ثبوت حق على المشترى يوجب السلطنة على المطالبة، فلا دليل عليه.

و دليل الوفاء لا يوجب الا ثبوت الحق للبائع.

و بالجملة: فاشتراط عتق العبد ليس الا كاشتراط ان يبيع المبيع من زيد بادون من ثمن المثل، او يتصدق به عليه، و لم يذكر احد ان لزيد المطالبة.

و مما ذكر يظهر الكلام فى ثبوت حق اللّه

______________________________

مع حق البائع (وجودا و عدما) فان كان للبائع حق انتفع العبد، و الا لم ينتفع (و ان اريد ثبوت حق) للعبد (على المشترى يوجب) للعبد (السلطنة على المطالبة، فلا دليل عليه) اى على وجود مثل هذا الحق بل اصالة عدم تعلق العبد على المشروط عليه محكّمة.

(و دليل الوفاء لا يوجب الا ثبوت الحق للبائع) فانه يدل على الوضع لا التكليف المجرد.

و المفهوم من الوضع عرفا ثبوت هذا الحق مع قطع النظر عن الادلة الخارجية على ذلك.

(و بالجملة: فاشتراط) البائع على المشترى (عتق العبد ليس الا كاشتراط ان يبيع المبيع من زيد بادون من ثمن المثل، او يتصدق به) اى بالمبيع (عليه، و لم يذكر احد ان يزيد) المشروط بنفعه (المطالبة) مما يدل على ان الفقهاء لم يفهموا من الادلة ثبوت الحق لزيد.

(و مما ذكر) من انه لا دليل على حق للعبد (يظهر الكلام فى ثبوت حق اللّه

ص: 347

تعالى، فانه ان اريد به مجرد وجوبه عليه، لانه وفاء بما شرط العباد بعضهم لبعض فهذا جار فى كل شرط، و لا ينافى ذلك سقوط الشروط بالاسقاط، و ان اريد ما عدا ذلك من حيث كون العتق مطلوبا للّه، كما ذكره جامع المقاصد ففيه ان مجرد المطلوبية اذا لم يبلغ حد الوجوب لا يوجب الحق للّه على وجه يلزم به الحاكم، و لا وجوب هنا من غير جهة وجوب الوفاء بشروط العباد و القيام بحقوقهم.

و قد عرفت ان المطلوب غير هذا

______________________________

تعالى، فانه ان اريد به) اى بحق اللّه (مجرد وجوبه عليه) اى على المشروط عليه (لانه وفاء بما شرط العباد بعضهم لبعض) و قد اوجب اللّه هذا الوفاء (فهذا) الحق للّه تعالى (جار فى كل شرط، و لا ينافى ذلك) الحق لله تعالى (سقوط الشروط بالاسقاط) لان وجوب الحق لله تعالى تابع لطلب ذى الحق، كما يسقط حق الله «اى وجوبه» اذا اسقط الدائن دينه (و ان اريد) حقا (ما عدا ذلك) الوجوب الشرعى التبعى (من حيث كون العتق مطلوبا لله) فهو حق ابتدائى له سبحانه على المشروط عليه (كما ذكره جامع المقاصد، ففيه ان مجرد المطلوبية اذا لم يبلغ حد الوجوب) الاستقلال (لا يوجب الحق لله على وجه يلزم به الحاكم) «يلزم» من باب الافعال (و لا وجوب هنا من غير جهة وجوب الوفاء بشروط العباد) المستفاد من قوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم (و القيام بحقوقهم) المستفاد من قوله عليه السلام: لا يستوى حق امرئ مسلم و شبهه

(و قد عرفت ان المطلوب) للذى يقول: بانه حق للّه تعالى (غير هذا)

ص: 348

فافهم.

السابعة: قد عرفت ان الشرط من حيث هو شرط لا يقسط عليه الثمن عند انكشاف التخلف على المشهور

لعدم الدليل عليه بعد عدم دلالة العقد

______________________________

اذ هذا النحو من حق الله تعالى تابع لحق المشترط، فاذا اسقط المشترط حقه، لم يبق امر شرعى بتنفيذ الشرط، كما قال عليه السلام- فى ما يشبه المقام-: انه لم يعص اللّه، و انما عصى سيّده، فاذا اجاز جاز (فافهم) فانه يحتمل ان يشمله قوله عليه السلام: ما كان لله فلا رجعة فيه فانه لو شرط العتق صار ذلك للّه تعالى، اذ العتق مما يتقرب به إليه سبحانه، فلا يتمكن المشترط من الرجوع، و على فرض الرجوع، فانما يرجع فى حق نفسه لا فى حق الله تعالى، لكن الاقرب هو الاول و انه يسقط الحق مطلقا.

(السابعة) من مسائل الشرط (قد عرفت ان الشرط من حيث هو شرط لا يقسط عليه الثمن عند انكشاف التخلف) للشرط فلا يكون الثمن جزءين، جزء فى مقابل اصل المثمن، و جزء فى مقابل شرطه حتى يكون تخلف الشرط موجبا لاسترجاع المشترط جزء من الثمن (على المشهور) و ان تقدم التأمّل فى ذلك، و ان بعض الشروط مما يقسّط عليه الثمن عرفا.

و حيث ان الشارع امضى العقود مطلقا الا ما استثناه و ليس المقام مما استثناه، كان اللازم القول بامضاء الشارع لما يراه العرف هنا.

و كيف كان فانما قلنا بعدم تقسيط الثمن (لعدم الدليل عليه) اى على التقسيط (بعد عدم دلالة العقد

ص: 349

عرفا على مقابلة احد العوضين الا بالآخر، و الشرع لم يزد على ذلك، اذ:

امره بالوفاء، بذلك المدلول العرفى.

فتخلف الشرط لا يقدح فى تملك كل منهما لتمام العوضين هذا.

و لكن قد يكون الشرط تضمن المبيع لما هو جزء له حقيقة بان يشترى مركّبا، و يشترط كونه كذا و كذا جزء كان يقول: بعتك هذا الارض او الثوب او الصبرة على ان يكون كذا ذراعا او صاعا،

______________________________

عرفا على مقابلة احد العوضين الا بالآخر) فالثمن فى مقابل الثمن، و المثمن فى مقابل الثمن، و لا مدخلية للشرط الا ان للمشترط الفسخ اذا لم يأت المشروط عليه بالشرط (و الشرع لم يزد على ذلك) الامر العرفى (اذ امره) اى امر الشرع المشروط عليه (بالوفاء بذلك المدلول العرفى) الّذي هو كون الثمن فى مقابل المثمن و العكس.

(فتخلف الشرط لا يقدح فى تملك كل منهما لتمام العوضين) بدون ان يسقط من احدهما بمقدار الشرط (هذا) هو مقتضى القاعدة فى كل شرط الا ما استثنى، و هو ما ذكره بقوله:

(و لكن قد يكون الشرط تضمن المبيع لما هو جزء له حقيقة) «تضمن» بالنصب خبر «يكون» (بان يشترى مركّبا، و يشترط كونه كذا و كذا جزء) فان ما تصوّره ذكر بعنوان الشرط و هو جزء فى الواقع (كان يقول:

بعتك هذا الارض، او الثوب، او الصبرة) و هى مقدار من الحنطة (على ان يكون كذا ذراعا) بالنسبة الى الارض و الثوب (او صاعا) بالنسبة الى الصبرة، او يكون اظهر فى الجزئية من الامثلة المذكورة، كان يقول:

ص: 350

فقد جعل الشرط تركّبه من اجزاء معينة، فهل يلاحظ حينئذ جانب القيدية و يقال: ان المبيع هو العين الشخصية المتصفة بوصف كونه كذا جزء، فالمتخلف هو قيد من قيود العين، كالكتابة و نحوها فى العبد لا يوجب فواتها إلا خيارا بين الفسخ و الامضاء بتمام الثمن او يلاحظ جانب الجزئية فان المذكور، و

______________________________

بعتك هذه البرتقالات على ان تكون مائة مثلا، حيث ان الوحدات منفصلة (فقد جعل الشرط تركّبه من اجزاء معينة، فهل يلاحظ حينئذ جانب القيدية) اى الصورة (و يقال: ان المبيع هو العين الشخصية) الخارجية- زادت او نقصت- فالثمن فى مقابل هذه العين كيف كانت (المتصفة بوصف كونه كذا جزء، فالمتخلف) اذا ظهرت اقل جزء (هو قيد من قيود العين) الخارجية.

فاذا ظهر المبيع اقل جزء، كان للمشترط خبار تخلف الشرط فقط من دون ان يكون له استرداد ما يقابل ذاك من الثمن.

و لكن ليعلم ان عدم حقه فى الاسترداد بناء على ان تخلف الشرط لا يوجب ارشا و الا كان له الارش و ان كان ذلك المتخلف ليس بجزء، كما تقدم نقله عن بعض الفقهاء، فيكون الجزء الواقعى بناء على ما ذكره (كالكتابة و نحوها فى العبد) اذا شرطها المشترى (لا يوجب فواتها الا خيارا بين الفسخ و الامضاء بتمام الثمن) «بتمام» متعلق ب «الامضاء» (او يلاحظ جانب الجزئية) التى هى الواقع و الحقيقة (فان المذكور) بقوله: بشرط ان يكون كذا صاعا، او ذراعا، او عددا (و

ص: 351

ان كان بصورة القيد، الا ان منشأ انتزاعه هو وجود الجزء الزائد و عدمه، فالمبيع فى الحقيقة هو كذا و كذا جزء الا انه عبّر عنه بهذه العبارة كما لو اخبر بوزن المبيع المعين فباعه اعتمادا على اخباره، فان وقوع البيع على العين الشخصية لا يوجب عدم تقسيط الثمن على الفائت.

و بالجملة فالفائت عرفا و فى الحقيقة هو الجزء، و ان كان بصورة الشرط، فلا يجرى فيه ما مرّ من عدم

______________________________

ان كان بصورة القيد، الا ان منشأ انتزاعه هو وجود الجزء الزائد) فيزيد (و عدمه) فينقص (فالمبيع فى الحقيقة هو كذا و كذا جزء) فاذا اشترى مائة برتقالة بعشرة دنانير، فكل برتقالة تساوى مائة فلس مثلا (الا انه عبّر عنه بهذه العبارة) الظاهرة فى الشرطية، و العقود تتبع القصود لا الالفاظ (كما لو اخبر) البائع (بوزن المبيع المعين) و انه مائة رطل مثلا (فباعه) المشترى الى الغير (اعتمادا على اخباره) بدون ذكر الوزن فى العقد (فان وقوع البيع على العين الشخصية لا يوجب عدم تقسيط الثمن على الفائت).

فاذا كان بعض المبيع فائتا، كان له ان يسترد من الثمن بالنسبة و ذلك لانه- فى المعنى و الحقيقة- باعه كذا جزء، كل جزء بنسبته من الثمن.

(و بالجملة فالفائت عرفا و فى الحقيقة هو الجزء) فيما اذا باعه صبرة بشرط ان تكون كذا صاعا مثلا (و ان كان) الفائت ذكر (بصورة الشرط، فلا يجرى فيه) اى فى هذا النحو من الشرط (ما مرّ من عدم

ص: 352

التقابل الا بين نفس العوضين.

و لاجل ما ذكرنا وقع الخلاف فيما لو باعه ارضا على انها جربان معينة او صبرة على انها اصوع معينة.

و تفصيل ذلك العنوان الّذي ذكره فى التذكرة بقوله: لو باع شيئا و شرط فيه قدرا معيّنا، فتبين الاختلاف من حيث الكمّ، فاقسامه أربعة.

لانه اما ان يكون مختلف الاجزاء، او متفقها.

و على التقديرين فاما ان يزيد،

______________________________

التقابل الا بين نفس العوضين) حتى لا يكون لفواته تأثير فى تنقيص الثمن بل فواته يوجب تنقيص الثمن بالنسبة.

(و لاجل ما ذكرنا) من ان هذا الشرط هل هو كسائر الشروط او هو كفوات بعض الاجزاء (وقع الخلاف) بين الفقهاء (فيما لو باعه ارضا على انها جربان معينة، او) باعه (صبرة على انها اصوع معينة) «اصوع» جمع صاع وقع الخلاف فى انها تعامل معاملة الجزء، او معاملة الشرط

(و تفصيل ذلك العنوان) هو (الّذي ذكره فى التذكرة) «تفصيل» مبتدأ و «الّذي» خبره (بقوله: لو باع شيئا و شرط فيه قدرا معيّنا، فتبيّن الاختلاف من حيث الكمّ، فاقسامه) اى اقسام ذلك المبيع (أربعة)

(لانه اما ان يكون مختلف الاجزاء) كما اذا باعه شياة على انها مائة (او متفقها) كمثال الصبرة، و لا يخفى ان المراد بالاتفاق هو الاتفاق العرفى، و الا فاجزاء كل شي ء مختلفة بنظر الدقة و الواقع.

(و على التقديرين) و هما الاختلاف و الاتفاق (فاما ان يزيد) كان

ص: 353

و اما ان ينقص.

فالاول تبين النقص فى متساوى الاجزاء، و لا اشكال فى الخيار، و انما الاشكال و الخلاف فى ان له الامضاء بحصة من الثمن او ليس له الامضاء الا بتمام الثمن

______________________________

كانت مائة و عشرة شياة (و اما ان ينقص) كما لو كانت تسعين.

اما اذا ظهر مطابقا للعدد المشروط، فذلك خارج عن موضوع الكلام.

و قد يتصور ان يزيد و ينقص معا، كما اذا باعه كمية من الشياه و السخال ببيع واحد، على ان يكون كل منهما مائة فظهرت إحداهما مائة و عشرة و الاخرى تسعين.

(فالاول) من الاقسام الاربعة (تبين النقص فى متساوى الاجزاء، و لا اشكال فى الخيار) و ان المشترى مخير بين الفسخ و الامضاء، اما الامضاء فعلى الاصل، و اما الفسخ فلقاعدة: لا ضرر و شبهها (و انما الاشكال و الخلاف فى ان له الامضاء بحصة من الثمن) الحصة بالنسبة لا الحصة مطلقا.

مثلا: لو اشترى مائة شاة بمائة دينار فظهرت تسعين، كان له ان يسترجع عشرة- اذا كانت متساوية القيمة- لا ان يقول: اما ان تعطينى عشرين، و اما ان افسخ، اللهم الا على وجه الصلح، كما انه ليس له ان يطالبه بعشرة من الخارج اذا كان البيع شخصيا، و اذا كان كليا فليس له الا مطالبة المقدار الناقص او الصلح (او ليس له الامضاء الا بتمام الثمن

ص: 354

فالمشهور- كما عن غاية المرام- هو الاول.

و قد حكى عن المبسوط، و الشرائع و جملة من كتب العلامة و الدروس و التنقيح، و الروضة، و ظاهر السرائر و إيضاح النافع، حيث اختارا ذلك فى مختلف الاجزاء فيكون كذلك فى متساوى الاجزاء بطريق اولى.

و يظهر من استدلال بعضهم على الحكم فى مختلف الاجزاء كونه

______________________________

فالمشهور- كما عن غاية المرام- هو الاول) بان له الامضاء بحصة من الثمن.

(و قد حكى) هذا القول (عن المبسوط، و الشرائع، و جملة من كتب العلامة، و الدروس، و التنقيح، و الروضة، و ظاهر السرائر).

و يحتمل ان يكون مراد السرائر غير ذلك و لذا قال «و ظاهر السرائر» (و إيضاح النافع) و انما قلنا انه الظاهر منهما (حيث اختارا) و هما السرائر و الايضاح (ذلك) الامضاء بحصة من الثمن (فى مختلف الاجزاء) كالارض (فيكون) رأيهما (كذلك) الامضاء بحصة من الثمن (فى متساوى الاجزاء بطريق اولى).

و وجه الاولوية ان مختلف الاجزاء فيه جهتان «الاجزاء» و «الاختلاف بينها».

فاذا كان الحكم التقسيط، يكون فى متساوى الاجزاء اولى، لانه ليس فيه الا «الاجزاء» فقط.

(و يظهر من استدلال بعضهم على الحكم) اى تقسيط الثمن (فى مختلف الاجزاء كونه) اى الحكم

ص: 355

فى متساوى الاجزاء مفروغا عنه.

و عن مجمع البرهان انه ظاهر القوانين الشرعية.

و وجهه- مضافا الى فحوى الرواية الآتية فى القسم الثانى- ما اشرنا إليه من ان كون المبيع الشخصى بذلك المقدار و ان كان بصورة الشرط الا ان مرجعه الى كون المبيع هذا القدر، كما لو كالا طعاما فاشتراه فتبين الغلط فى الكيل، و لا يرتاب اهل العرف فى مقابلة

______________________________

(فى متساوى الاجزاء مفروغا عنه).

و كذلك اولى بالحكم من مختلف الاجزاء لو كان بعض المبيع مختلف الاجزاء و بعضه متساوى الاجزاء، كما اذا باعه ارضا مع صبرتها على ان الارض مائة جريب و الصبرة مائة طنّ.

(و عن مجمع البرهان انه) اى التقسيط (ظاهر القوانين الشرعية)

(و وجهه) اى وجه التقسيط (- مضافا الى فحوى الرواية الآتية فى القسم الثانى-) اى مختلف الاجزاء، و الفحوى يعنى الاولوية لانه اذا قسط فى مختلف الاجزاء كان التقسيط فى متساوى الاجزاء اولى- كما عرفت- (ما اشرنا إليه) خبر «و وجهه» (من ان كون المبيع الشخصى بذلك المقدار) الّذي اتفقا عليه (و ان كان) مذكورا فى لفظ العقد (بصورة الشرط الا ان مرجعه) عند العرف (الى كون المبيع هذا القدر) اى مائة طنّ مثلا، و كانه اشتراه بالاجزاء، فيكون حال الشرط (كما لو كالا) البائع و المشترى (طعاما فاشتراه) بدون ذكر الكمية، جزء او شرطا (فتبين الغلط فى الكيل، و) من المعلوم انه (لا يرتاب اهل العرف فى مقابلة

ص: 356

الثمن لمجموع المقدار المعين المشترط هنا خلافا لصريح القواعد، و محكى الايضاح.

و قواه فى محكى حواشى الشهيد و الميسية و الكفاية، و استوجهه فى المسالك، و يظهر من جامع المقاصد أيضا لان المبيع هو الموجود الخارجى، كائنا ما كان.

غاية الامر انه التزم ان يكون بمقدار معين.

و هو وصف غير موجود فى المبيع فاوجب الخيار، كالكتابة المفقودة فى

______________________________

الثمن لمجموع المقدار المعين المشترط هنا) شرطا معنويا، لانه لم يذكر فى اللفظ.

فالعلة التى توجب التقسيط هنا هى بعينها موجودة فى مسئلتنا (خلافا لصريح القواعد، و محكى الايضاح) حيث لم يقسطا الثمن على الاجزاء بل قالا بان المشترى مخيّر بين الامضاء بكل الثمن او الفسخ.

(و قوّاه فى محكى حواشى الشهيد و الميسية و الكفاية، و استوجهه فى المسالك) اى قال ان له وجها (و يظهر) عدم التقسيط (من جامع المقاصد أيضا).

و وجه عدم التقسيط (لان المبيع هو الموجود الخارجى، كائنا ما كان)

(غاية الامر انه) اى البائع (التزم) على نحو الشرط فى ضمن العقد (ان يكون بمقدار معيّن).

(و) حيث ان المقدار المعيّن (هو وصف غير موجود فى المبيع فاوجب الخيار) فيكون حال هذا الوصف (كالكتابة المفقودة فى

ص: 357

العبد، و ليس مقابل الثمن نفس ذلك المقدار، الا انه غير موجود فى الخارج مع ان مقتضى تعارض الاشارة و الوصف غالبا ترجيح الاشارة عرفا

فارجاع قوله: بعتك هذه الصبرة على انها عشرة اصوع

______________________________

العبد) من انه يوجب الخيار لا استرجاع قدر من الثمن (و ليس مقابل الثمن نفس ذلك المقدار) فكل طنّ من مائة طنّ فى مقابل دينار (الا انه غير موجود فى الخارج) فله ان يسترجع بكل طنّ مفقود دينارا و ليس هكذا على ما ذهب إليه القول الاول، هذا هو الوجه الاول لعدم التقسيط

و هناك وجه ثان و هو ما ذكره بقوله: (مع ان مقتضى تعارض الاشارة و الوصف غالبا ترجيح الاشارة عرفا).

فاذا كانت شاة رمادية اللون، فقال المشترى، اشترى منك هذه الشاة الغبراء صحّ البيع، و ان كان الوصف- الغبراء- و الاشارة الى الرمادية و ما نحن فيه كذلك، اذ الاشارة الى الصبرة الخارجية، و الوصف- المائة طنّ- فاذا تخلف الوصف قدّمت الاشارة: و يكون الثمن فى مقابل المشار إليه لا فى مقابل المائة، فتكون المائة من باب الوصف، لا من باب الكمية و الاجزاء.

و انما قال «غالبا» لانه قد يقدم الوصف اذا علم المراد، كما اذا جاء الى دار زيد عدو فى الظلام، و طرق الباب، فظنه زيد صديقا فقال: ايها الصديق ادخل الدار، و علم العدو بانه لا يرضى بدخوله لم يجز له الدخول، فيقدم الوصف على الاشارة هنا.

(فارجاع قوله: بعتك هذه الصبرة على انها عشرة اصوع) على نحو

ص: 358

الى قوله: بعتك عشرة اصوع موجودة فى هذا المكان، تكلف.

و الجواب ان كونه من قبيل الشرط مسلّم، الا ان الكبرى و هى ان كل شرط لا يوزّع عليه الثمن، ممنوعة، لان المستند فى عدم التوزيع عدم المقابلة عرفا، و العرف حاكم فى هذا الشرط بالمقابلة، فتأمل.

______________________________

الشرط (الى قوله: بعتك عشرة اصوع موجودة فى هذا المكان) على نحو الجزء (تكلف).

فاذا لم تكن بتلك الكمية، فهى من قبيل تخلف الشرط، لا تخلف الجزء حتى يكون فى مقابله مقدار من الثمن، من قبيل تبعّض الصفقة.

(و الجواب ان كونه) اى الحكم المذكور (من قبيل الشرط مسلّم، الا ان الكبرى و هى ان كل شرط لا يوزّع عليه الثمن، ممنوعة).

فحاصل استدلال القائل بانه شرط، ان الكمية فى الموارد المذكورة شرط و الشرط لا يوزع عليه الثمن، فتخلف الكمية لا يوجب استرجاع بعض الثمن، بل للمشترى الخيار، فاما ان يقبل البيع بكل الثمن، و اما ان يفسخ البيع، لا ان يقبل البيع ببعض الثمن (لان المستند فى عدم التوزيع عدم المقابلة) بين الثمن و اجزاء الثمن (عرفا، و) الحال ان (العرف حاكم فى هذا الشرط بالمقابلة) و الشارع امضى العقود العرفية فيما لم يزد الشارع او ينقص و ليس المقام مما زاد او نقص (فتأمل) فان الشارع جعل تخلف الشرط موجبا للخيار، فلم يترك العرف على ما يراه من التقسيط هنا فرؤية العرف التقسيط لا تكفى بعد ردع الشارع عنه.

ص: 359

الثانى: تبيّن النقص فى مختلف الاجزاء، و الاقوى فيه ما ذكر من التقسيط مع الامضاء، وفاقا للاكثر، لما ذكر سابقا من قضاء العرف بكون ما انتزع منه الشرط جزء من المبيع، مضافا الى خبر ابن حنظلة: رجل باع ارضا على انها عشرة اجربة فاشترى المشترى منه بحدوده و نقد الثمن و اوقع صفقة البيع و افترقا، فلما مسح الارض، فاذا هى خمسة اجربة قال: فان شاء استرجع فضل ماله و اخذ الارض،

______________________________

(الثانى) من الاقسام الاربعة (تبيّن النقص فى مختلف الاجزاء) كما اذا اشترى عشر شياة بعشرة دنانير فتبيّن انها تسعة (و الاقوى فيه ما ذكر) فى القسم الاول (من التقسيط مع الامضاء) فله الحق فى ان يسترجع دينارا- فى المثال- (وفاقا للاكثر، لما ذكر سابقا من قضاء العرف) و حكمهم (بكون ما انتزع منه الشرط) اى لم يكن على نحو ما ذكر من الشرط- بان كانت كميته اقل مما ذكر- (جزء من المبيع) و من المعلوم ان الجزء يكون فى مقابل الثمن (مضافا الى خبر ابن حنظلة) حيث سأله عليه السلام عن (رجل باع ارضا على انها عشرة اجربة) و هى جمع جريب (فاشترى المشترى منه) المبيع (بحدوده) المعلومة (و نقد الثمن) اى اعطاه نقدا (و اوقع صفقة البيع) كناية عن تمامية العقد لان المتعارف عند تمامية العقد، ان يصفق احدهما بيده على يد الآخر بمعنى انتهاء العقد (و افترقا) فان البيّعين اذا افترقا لزم البيع (فلما مسح) المشترى (الارض، فاذا هى خمسة اجربة) فما هو التكليف؟ (قال) عليه السلام:

(فان شاء استرجع فضل ماله و اخذ الارض) اى التفاوت بين ثمن خمسة

ص: 360

و ان شاء ردّ المبيع و اخذ المال كله، الا ان يكون له الى جنب تلك الارض ارضون فليوفه، و يكون البيع لازما فان لم يكن له فى ذلك المكان غير الّذي باع فان شاء المشترى اخذ الارض، و استرجع فضل ماله و ان شاء ردّ الارض، و اخذ المال كله الخبر.

و لا بأس باشتماله على حكم مخالف

______________________________

اجربة و بين ثمن عشرة اجربة (و ان شاء ردّ المبيع) كله (و اخذ المال كله).

فان الامام عليه السلام حكم باسترجاع التفاوت مع ان الكمية المبيعة كانت بنحو الشرط، لانه قال «باع ارضا على انها عشرة اجربة».

و ظاهر «على» الشرط، لا ان المال كان بإزاء الكمية.

ثم قال عليه السلام: (الا ان يكون له) اى للبائع (الى جنب تلك الارض ارضون فليوفه) اى يوف البائع القدر الناقص بان يعطى الخمسة الاجربة الناقصة من الارض الملاصقة للارض المشتراة (و يكون) حينئذ (البيع لازما) و لا حق للمشترى فى الفسخ، و لا فى اخذ التفاوت (فان لم يكن له فى ذلك المكان غير الّذي باع) بان لم تكن له ارضون ملاصقة بالارض المشتراة (فان شاء المشترى اخذ الارض، و استرجع فضل ماله) و هو التفاوت بين الخمسة و العشرة- اى بالنسبة- (و ان شاء ردّ الارض و اخذ المال كله الخبر) كما ذكرناه أوّلا.

(و) هذا الخبر دالّ على ما ذكرناه من ان الشرط الصورى لا ينافى التقسيط فى الواقع ف (لا بأس باشتماله) اى الخبر (على حكم مخالف

ص: 361

للقواعد لان غاية الامر على فرض عدم امكان ارجاعه إليها و مخالفة ظاهره للاجماع طرح ذيله غير المسقط لصدره عن الاحتجاج، خلافا

______________________________

للقواعد) و هو حكم الامام عليه السلام بانه اذا كانت للبائع ارضون ملاصقة اعطى المشترى منها بالمقدار الناقص.

و هذا انما ينافى القواعد لان البيع الشخصى واقع على الارض المشتراة فلزوم ان يعطيه من ارض اخرى مخالف لقاعدة: العقود تتبع القصود، و قاعدة: تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ، و قاعدة: الناس مسلطون على اموالهم.

و انما قلنا لا ينافى التقسيط (لان غاية الامر على فرض عدم امكان ارجاعه) اى ارجاع ما ذكره الامام عليه السلام من اعطائه ارضا الى جنب الارض المشتراة (إليها) اى الى القواعد، بان يقال: ان المبيع كان شخصيا بالنسبة الى القدر الموجود، و كليا بالنسبة الى الاجربة الخمسة الباقية، فاذا كانت للبائع ارض الى جنب المبيع الشخصى، كان الكلى منطبقا عليه، و لذا لزم على البائع الوفاء، فلا خيار فى الرد و لا فى اخذ التفاوت (و مخالفة ظاهره للاجماع) اذ لو لم يكن مخالفا للاجماع امكن القول بظاهر الرواية و ان كان مخالفا للقاعدة، و ذلك لوجود النصّ الخاص فهذه المخالفة (طرح ذيله غير المسقط) ذلك الطرح (لصدره) الّذي هو محل الشاهد (على الاحتجاج) لانه قد تحقق فى موضعه التبعيض فى الحديث، اذ سقوط بعضه عن الحجية لا ينافى حجية باقية، هذا كله (خلافا

ص: 362

للمحكى عن المبسوط، و جميع من قال فى الصورة الاولى بعدم التقسيط لما ذكر هناك من كون المبيع عينا خارجيا لا يزيد و لا ينقص، لوجود الشرط و عدمه.

و الشرط التزام من البائع بكون تلك العين بذلك المقدار، كما لو اشترط حمل الدابة او مال العبد فتبين عدمهما.

و زاد بعض هؤلاء ما فرق به فى المبسوط بين الصورتين

______________________________

للمحكى عن المبسوط، و) ل (جميع من قال فى الصورة الاولى) و هى صورة تساوى الاجزاء (بعدم التقسيط) فان من لم يقل فى صورة تساوى الاجزاء بالتقسيط لا يقول بالتقسيط فى الصورة الثانية بطريق اولى.

و انما خالفوا هؤلاء (لما ذكر هناك) فى الصورة الاولى (من كون المبيع عينا خارجيا) بحيث (لا يزيد و لا ينقص، لوجود الشرط و عدمه) و الثمن وقع فى مقابل هذه العين الخارجية.

(و الشرط) انما هو (التزام من البائع بكون تلك العين بذلك المقدار) كما لو شرط ان تكون الشياه المشتراة مائة- مثلا- فيكون حال شرط المقدار (كما لو اشترط حمل الدابة او مال العبد فتبين عدمهما) حيث يكون ذلك من تخلف الشرط الموجب لتخير المشترى بين الامضاء و الفسخ و لا ارش، و ان كان العبد ذو المال و الدابة الحامل يساويان باكثر.

(و زاد بعض هؤلاء) القائلين بعدم التقسيط (ما فرق به فى المبسوط بين الصورتين) «ما» فاعل «زاد».

و الصورتان هما صورة تساوى الاجزاء، و صورة تخالف الاجزاء.

ص: 363

بان الفائت هنا لا يعلم قسطه من الثمن، لان المبيع مختلف الاجزاء، فلا يمكن قسمته على عدد الجربان.

و فيه ان عدم معلومية قسطه لا يوجب عدم استحقاق المشترى ما يستحقه على تقدير العلم، فيمكن التخلص بصلح، او نحوه، الا ان يدعى استلزام ذلك جهالة ثمن المبيع فى ابتداء العقد،

______________________________

و فرق المبسوط حيث حكم بالتقسيط فى صورة التساوى، و عدم التقسيط فى صورة التخالف (بان الفائت هنا) فى مختلف الاجزاء (لا يعلم قسطه من الثمن، لان المبيع مختلف الاجزاء).

فاذا اشترى مائة شاة بالف دينار، كان بعضها بعشرة، و بعضها بخمسة عشر، و بعضها بخمسة، و هكذا.

و كذلك اذا اشترى جريانا مختلفة الاجزاء (فلا يمكن قسمته على عدد الجربان) بخلاف متساوى الاجزاء المعلوم فيه قسمة الثمن على الاجزاء.

(و فيه ان عدم معلومية قسطه) اى قسط الثمن المقابل للموجود، و المقابل للمفقود (لا يوجب عدم استحقاق المشترى ما يستحقه على تقدير العلم) اذ الجهل لا يسقط حق الانسان، كما فى سائر موارد الارش (فيمكن التخلص) من حق المشترى- المقابل للقدر المفقود- (بصلح او نحوه) بتراض او استطلاع عن اهل الخبرة (الا ان يدعى استلزام ذلك) اى اختلاف الاجزاء (جهالة ثمن المبيع فى ابتداء العقد) فانه فى متساوى الاجزاء يعلم المشترى ان كل جزء كذا، فيعلم ثمن المبيع.

اما فى مختلف الاجزاء فحيث لا يعلم ثمن كل جزء لا يعلم ثمن المبيع

ص: 364

مع عدم امكان العلم به عند الحاجة الى التقسيط.

و فيه منع عدم المعلومية، لان الفائت صفة كون هذه الارض المعينة المشخصة عشرة اجربة، و يحصل فرضه و ان كان المفروض مستحيل الوقوع بتضاعف كل جزء من الارض.

______________________________

مجموعا (مع عدم امكان العلم به) اى بثمن المبيع (عند الحاجة الى التقسيط) و عدم الامكان يأتى من جهالته بقيمة كل جزء جزء، و الرجوع الى اهل الخبرة لا يفيد لان المفروض لزوم علم المشترى و هو مفقود.

فحاله كما اذا اشترى شيئا بثمن مجهول، ثم رجع الى اهل الخبرة لتبين المراد كما اذا قال: بعتك هذه الدار بثمن كثير، ثم رجع الى اهل الخبرة ليعلم معنى الكثير لغة، و كيف كان فاذا كان الثمن مجهولا يكون البيع باطلا.

(و فيه) اى فى ما ذكر بقوله «الا ان يدعى» (منع عدم المعلومية) بل الثمن معلوم (لان الفائت صفة كون هذه الارض المعيّنة المشخّصة) الخارجية (عشرة اجربة) لانها ظهرت خمسة اجربة- حسب الفرض- (و يحصل فرضه) اى فرض كون الارض المشتراة (و ان كان المفروض مستحيل الوقوع بتضاعيف كل جزء من الارض) بان نقول كل جزء من الخمسة الموجودة اصبح جزءين و هذا الفرض و ان كان مستحيلا، لان الجزء ليس بجزءين، لكن هذا الفرض انما جاء لان يعلم المشترى بالقيمة، فقيمة العشرة المشتراة اذا كانت مائة، كانت قيمة الخمسة الموجودة خمسين و بهذا ظهرت للمشترى القيمة.

ص: 365

لانه معنى فرض نفس الخمسة عشرة.

و

______________________________

ان قلت: كيف نفرض الخمسة عشرة.

قلت: (لانه معنى فرض نفس الخمسة عشرة) فان المشترى رأى الارض كاملة، فظنّها عشرة فاشتراها، و معنى ذلك انه تصور ان امتار هذه الارض ضعف ما عليه الآن، كما اذا رأى سلّة من البيض فظنها خمسين، ثم ظهرت انها خمس و عشرون، فان معنى ذلك ان قيمة الموجود هو نصف قيمة المظنون، و على هذا فليس القسط غير معلوم، فبطل ما ذكره المستشكل و كان القسط معلوما.

(و) ان قلت: القسط غير معلوم، اذ انكم فرضتم الخمسة عشرة حتى تجعلوا الثمن على النصف، و الحال ان هناك صورا اخرى ممكنة أيضا.

كان تفرضوا ان ثلاثة اجربة من الخمسة الموجودة ثمانية و ان الجريبين الآخرين الموجودين جريبان فقط.

او ان تفرضوا ان أربعة من الخمسة تسعة، و ان الجريب الآخر الموجود واحد.

او ان تفرضوا ان جريبا واحدا ستة و ان الاربعة الاخر الموجودة، أربعة.

و عليه فالقيمة مجهولة، لانه اذا اشترى الارض بمائة و كانت ثلاثة تعادل ثمانية فثلاثة اجربة منها تسوى ثمانين.

و جريبان يسويان عشرين فالامر مجهول، لانه لا يعلم ان كل جريب

ص: 366

فرضه أيضا بصيرورة ثلاثة منها ثمانية، او أربعة تسعة، او واحد ستة، او غير ذلك، و ان كان ممكنا الا انه لا ينفع مع فرض تساوى قطاع الارض.

و مع اختلافها

______________________________

يسوى جريبين، او ان ثلاثة تسوى ثمانية، او أربعة تسوى تسعة او واحد يسوى ستة.

قلت: (فرضه) اى فرض كون الارض المشتراة (أيضا بصيرورة ثلاثة منها) اى من الخمسة (ثمانية) فالاثنان الباقيان من الخمسة يعادلان اثنين فقط (او أربعة) منها تعادل (تسعة) فالواحد الباقى من الخمسة يعادل واحدا فقط (او واحد) منها يعادل (ستة) و الاربعة الباقية من الخمسة تعادل أربعة فقط (او غير ذلك) كان يعادل واحد و نصف منها خمسة، و الثلاثة و النصف الباقية تعادل خمسة، او ما اشبه ذلك (و ان كان) هذا الفرض (ممكنا) أيضا، كما انه اذا اشترى خمس بيضات فكل بيضة منها تعادل بيضتين، او ثلاث، او ما اشبه احيانا بينما فى سائر البيضات تعادل كل بيضة منها بيضة واحدة فقط (الا انه) اى هذا الفرض (لا ينفع) المستشكل القائل بان هذا البيع باطل، لانه مجهول الثمن، لا فى متساوى الاجزاء و لا فى مختلف الاجزاء.

اذ (مع فرض تساوى قطاع الارض) فكل جزء يعادل جزءين و لا جهالة.

(و) اما (مع اختلافها) بان كانت ثلاثة تعادل ثمانية الخ

ص: 367

فظاهر التزام كونها عشرة مع رؤية قطاعها المختلفة، او وصفها له يقضى بلزوم كون كل جزء منها مضاعفا على ما هو عليه من الصفات المرئية او الموصوفة.

______________________________

(ف) ان الاختلاف الواقعى ليس بمبهم بعد التساوى فى الالتزام عند العقد.

اذ (ظاهر التزام) البائع (كونها) اى الاجربة (عشرة مع رؤية) المشترى (قطاعها المختلفة، او وصفها له) اى وصف البائع الارض له (يقضى بلزوم كون كل جزء منها مضاعفا على ما هو عليه) سواء كان الجزء فى الواقع يعادل جزءين، او كانت ثلاثة اجزاء تعادل ثمانية اجزاء- مثلا- فيكون التبانى بينهما على ان كل جزء يعادل جزءين على ما هو عليه (من الصفات المرئية او الموصوفة).

و عليه فالقيمة معلومة و ليست مجهولة كما ادعاه المستشكل، و لا يكون البيع باطلا من جهة الجهالة.

ثم لا يخفى ان قوله «و فرضه» مبتدأ: خبره «لا ينفع».

و تحصل من قوله «بان الفائت هنا» الى قوله «ثم ان المحكى» اشكالات و جوابات.

الاشكال الاول: ان القسط غير معلوم الثمن، لاختلاف الاجزاء فلا يمكن تقسيم الثمن عليه، و جوابه عدم المعلومية لا يوجب عدم الاستحقاق

و الاشكال الثانى: ان القسط غير معلوم، فيوجب جهالة الثمن المبطلة للبيع، و جوابه ان القسط معلوم لفرض كل جزء جزءين.

ص: 368

ثم ان المحكى عن الشيخ العمل بذيل الرواية المذكورة، و نفى عنه العبد فى التذكرة، معللا بان القطعة المجاورة للمبيع اقرب الى المثل من الارش.

و فيه مع منع كون نحو الارض مثليا ان الفائت لم يقع المعاوضة عليه فى ابتداء العقد و قسطه من الثمن باق فى ملك المشترى، و ليس مضمونا على البائع حتى يقدم مثله على قيمته.

______________________________

و الاشكال الثالث: ان فى مختلف الاجزاء يمكن فرض كل جزء ازيد او اقل من جزءين، فلا يعلم الثمن، و جوابه ان بنائهما على ان كل جزء جزءين و ان كان فى الواقع كل جزء يساوى جزءين او اكثر او اقل.

(ثم ان المحكى عن الشيخ العمل بذيل الرواية المذكورة) المتعرضة لاعطاء الارض من جنب الارض المشتراة (و نفى عنه البعد فى التذكرة، معللا) لذلك (بان القطعة المجاورة للمبيع اقرب الى المثل) الّذي يجب دفعه الى المشترى (من الارش) الّذي هو تفاوت ما بين العشرة المشتراة و الخمسة التى ظهرت بعد ذلك ناقصة

(و فيه مع منع كون نحو الارض مثليا) لانها لا تتساوى اجزائها- و فيه نظر لان العرف يرى ان بعض الاراضى مثلية كما لا يخفى- (ان الفائت) و هى الاجربة الخمسة النّاقصة (لم يقع المعاوضة عليه فى ابتداء العقد) حتى اذا فات يكون البائع ضامنا لمثله او قيمته (و قسطه) اى ما يقابل القدر الفائت (من الثمن) كنصف الثمن فى مثال الاجربة- فى الرواية- (باق فى ملك المشترى، و ليس مضمونا على البائع حتى يقدم مثله على قيمته).

ص: 369

و اما الشيخ قدس سرّه فالظاهر استناده فى ذلك الى الرواية.

الثالث: ان يتبين الزيادة عمّا شرط على البائع، فان دلّت القرينة على ان المراد اشتراط بلوغه بهذا المقدار، لا بشرط عدم الزيادة فالظاهر ان الكل للمشترى، و لا خيار.

______________________________

فاللازم ارجاع نصف القيمة اذا كان البائع قد اخذ كل القيمة، فليست مسئلة اعطاء ارض اخرى مجاورة لها على القاعدة- على ما اراده العلامة-.

(و اما الشيخ قدس سرّه) الّذي قال باعطاء الارض (ف) ليس فتواه من باب القاعدة، بل (الظاهر استناده فى ذلك الى الرواية) المتقدمة فلا يرد عليه ما اوردناه على العلامة و الله العالم.

(الثالث) من اقسام مخالفة كمية المبيع لما بنينا عليه (ان يتبين الزيادة) فى الكمية (عمّا شرط) المشترى (على البائع) كما اذا قال:

اشترى منك هذه السلّة على انه مائة بيضة، فظهرت مائة و عشرة (فان دلّت القرينة) الداخلية او الخارجية (على ان المراد اشتراط بلوغه بهذا المقدار، لا بشرط عدم الزيادة) فيكون حاله حال ما اذا قال: الكرّ سبعة و عشرون شبرا، فانه يريد به ان لا يكون اقل، و ليس المراد انه ليس باقل و لا باكثر (فالظاهر ان الكل للمشترى، و لا خيار) للبائع، اذ المبيع هو المعين الخارجى- كيفما كان- و الشرط عدم النقيصة، فلا وجه لبطلان البيع، او بطلان الشرط، او الخيار، او الاشتراك او غير ذلك.

ص: 370

و ان اريد ظاهره و هو كونه شرطا للبائع من حيث عدم الزيادة، و عليه من حيث عدم النقيصة، ففى كون الزيادة للبائع، و تخيّر المشترى للشركة او تخيّر البائع بين الفسخ و الاجازة لمجموع الشي ء بالثمن، وجهان، من ان مقتضى ما تقدم من ان اشتراط بلوغ المقدار المعين بمنزلة تعلق البيع به، فهو شرط صورة و له حكم الجزء عرفا ان اشتراط عدم الزيادة

______________________________

(و ان اريد ظاهره و هو) اى ظاهر هذا الشرط (كونه شرطا للبائع من حيث عدم الزيادة، و) شرط (عليه) اى على البائع لنفع المشترى (من حيث عدم النقيصة، ففى كون الزيادة للبائع) لانها كانت له و لم يخرجها من ملكه فيكون المشترى و البائع شريكين فى المتاع، عشرة منها مشاعة للبائع، و مائة منها مشاعة للمشترى (و تخيّر المشترى) بين الامضاء و الفسخ.

و انما يكون له الخيار (للشركة) كما اذا اشترى شيئا، و ظهر له شريك فى ذلك، و هذا ما يسمى بخيار الشركة (او) ان الكل للمشترى، و (تخيّر البائع بين الفسخ) و ارجاع كل الثمن (و الاجازة لمجموع الشي ء بالثمن) الّذي سمياه (وجهان).

وجه الاول: ما ذكره بقوله (من ان مقتضى ما تقدم من ان اشتراط بلوغ المقدار المعين بمنزلة تعلق البيع به) اى بذلك المقدار (فهو) اى المقدار (شرط صورة و له حكم الجزء عرفا) فالثمن انما هو فى مقابل مائة جزء الّذي وقع العقد عليه و العشرة الزائدة خارجة عن البيع فهى باقية على ملك البائع (ان اشتراط عدم الزيادة

ص: 371

على المقدار هنا بمنزلة الاستثناء و اخراج الزائد عن المبيع، و من الفرق بينهما بان اشتراط عدم الزيادة شرط عرفا و ليس بمنزلة الاستثناء فتخلّفه لا يوجب الا الخيار.

و لعلّ هذا اظهر مضافا الى امكان الفرق بين الزيادة و النقيصة مع اشتراكهما فى كون مقتضى القاعدة فيهما كونهما من تخلّف الوصف لا نقص الجزء او زيادته بورود النصّ المتقدم فى النقيصة،

______________________________

على المقدار) المقرّر (هنا) فى باب الكم (بمنزلة الاستثناء و اخراج الزائد عن المبيع) «و اخراج» عطف على «الاستثناء».

فكانه قال: ابيعك الارض التى هى مائة جريب بدون العشرة الزائدة على المائة، و عليه فالعشرة الزائدة للبائع، و يكون بمقدارها شريكا مع المشترى (و من الفرق بينهما) اى بين تعلق البيع بالكم فالزائد للبائع و بين اشتراط عدم الزيادة (بان اشتراط عدم الزيادة شرط عرفا و ليس بمنزلة الاستثناء) فالبائع قد باعه هذه الارض الموجودة كلها بشرط عدم الزيادة (فتخلّفه لا يوجب الا الخيار) فان شاء البائع امضى البيع و للمشترى كل الارض، و ان شاء فسخ الكل و استرجع الارض (و لعل هذا اظهر) عند مراجعة العرف (مضافا الى امكان الفرق بين الزيادة و النقيصة مع اشتراكهما فى كون مقتضى القاعدة فيهما) اى فى كل من الزيادة و النقيصة (كونهما من تخلف الوصف، لا نقص الجزء او زيادته) فهما متساويان من هذه الجهة (بورود النصّ المتقدم) و هى رواية الاجربة (فى النقيصة) فان الامام عليه السلام خيّره بين اخذ التفاوت

ص: 372

و نبقى الزيادة على مقتضى الضابطة.

و لذا اختار الاحتمال الثانى بعض من قال بالتقسيط فى اطراف النقيصة.

و قد يحكى عن المبسوط القول بالبطلان هنا، لان البائع لم يقصد بيع الزائد، و المشترى لم يقصد شراء البعض، و فيه تأمل.

______________________________

و الردّ، فجعله بمنزلة الجزء لا بمنزلة الشرط (و تبقى الزيادة على مقتضى الضابطة) التى هى شرط، فليس للبائع الا الفسخ او الامضاء، لا اخذ الزائد و الاشتراك مع المشترى فى المبيع.

(و لذا) الّذي ذكرنا من كون الفارق بينهما النصّ (اختار الاحتمال الثانى) و هو تخير البائع بين الفسخ و الامضاء، لا التقسيط فى الثمن (بعض من قال بالتقسيط فى اطراف النقيصة) لانه اخذ بمقتضى القاعدة فى طرف الزيادة اما طرف النقيصة فلم يأخذ فيها بالقاعدة لوجود النصّ الخاصّ.

(و قد يحكى عن المبسوط) قول ثالث فى طرف الزيادة لا التقسيط، و لا الخيار، بل (القول بالبطلان هنا) فى باب الزيادة (لان البائع لم يقصد بيع الزائد، و المشترى لم يقصد شراء البعض) اى بعض هذه الارض الخارجية، فلا يلتقى القصدان فى محلّ واحد، و يكون حاله كما اذا قصد البائع بيع القلم و قصد المشترى اشتراء الكتاب حيث ان البيع باطل (و فيه تأمل) اذ كلاهما قصدا هذه الارض الخارجية، منتهى

ص: 373

الرابع: ان يتبين فى مختلف الاجزاء، و حكمه يعلم مما ذكرنا.

______________________________

الامر لم يعرف ان قصدهما من المقدار الوصف و الشرط، او الاستثناء.

(الرابع) من صور تخلف الشرط فى الاجزاء (ان يتبين) الخلاف بالزيادة (فى مختلف الاجزاء) كما اذا اشترى قطيعا بشرط انها مائة، فظهرت مائة و عشرة (و حكمه يعلم مما ذكرنا) فى الثالث، و ان فيه اقوالا ثلاثة و هى: البطلان، و: انه كالشرط، و: انه كالاستثناء.

قريبا جدا بعونه تعالى سيصدر القسم الخامس من الخيارات و الجزء الخامس عشر من الكتاب (ايصال الطالب الى المكاسب) عن قريب ان شاء الله تعالى.

و يبحث فى القول فى حكم الشرط الفاسد (الناشر)

ص: 374

محتويات الكتاب

العنوان الصفحة

مقدمة الكتاب 3

فى ان الامراض التى تحدث خلال السنة عيب 4

خاتمة: فى عيوب متفرقة 21

القول فى الارش 27

فى معرفة الارش 68

فيما لو اختلفت آراء المقومين 75

القول فى الشروط فى الشروط التى يقع عليها العقد 125

فى شروط صحة الشرط فى لزوم ان يكون الشرط داخلا تحت قدرة المكلف 140

فى لزوم ان يكون الشرط سائغا فى نفسه 156

فى ان الشرط يلزم ان يكون فيه غرض معتد به 157

فى ان الشرط يلزم ان لا يكون مخالفا للكتاب و السنة 161

فى ان الشرط يلزم ان لا يكون منافيا للعقد 240

فى ان الشرط يلزم ان لا يكون مجهولا 263

فى ان الشرط يلزم ان لا يكون مستلزما لمحال 270

ص: 375

العنوان الصفحة

فى ان الشرط يلزم ان يلتزم به فى متن العقد 274

فى حكم الشرط الصحيح 289

فى وجوب الوفاء بالشرط 298

فى اجبار الممتنع عن الوفاء بالشرط و عدمه 309

فى ان للمشروط له هل يجوز الفسخ أم لا 324

فى تعذر الشرط و وجود الخيار للمشترط 328

فى تعذر الشرط و خروج العين عن السلطنة 335

فى ان للمشروط له اسقاط شرطه 343

فى عدم تقسيط الثمن على الشرط 349

فى تبين النقص فى متساوى الاجزاء 354

فى تبين النقص فى مختلف الاجزاء 360

فى تبين الزيادة عما شرط على البائع 370

محتويات الكتاب 375

ص: 376

المجلد 15

هویة الکتاب

سرشناسه : حسيني شيرازي، محمد، 1380 - 1305، شارح

عنوان و نام پديدآور : ايصال الطالب الي المكاسب: شرح واف بغرض الكتاب، تيعرض لحل مشكلاته و ابداآ مقاصد في ايجاز و توضيح/ محمد الحسيني الشيرازي

مشخصات نشر : تهران : موسسه كتابسراي اعلمي ، 1385.

مشخصات ظاهري : ج 16

شابك : 964-94017-6-8(دوره): ؛ 964-7860-59-5(ج. 1): ؛ 964-7860-58-7(ج. 2): ؛ 964-7860-57-9(ج. 3): ؛ 964-7860-56-0(ج. 4): ؛ 964-7860-54-4(ج. 6): ؛ 964-7860-53-6(ج. 7): ؛ 964-7860-55-2(ج. 8): ؛ 964-7860-52-8(ج. 9): ؛ 964-7860-51-X(ج. 10): ؛ 964-7860-50-1(ج. 11): ؛ 964-7860-49-8(ج. 12): ؛ 964-7860-45-X(ج. 13): ؛ 964-7860-47-1(ج. 15):

يادداشت : عربي

يادداشت : فهرست نويسي براساس اطلاعات فيپا

يادداشت : كتاب حاضر شرحي بر "المكاسب مرتضي بن محمد امين انصاري" است

عنوان ديگر : المكاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1281 - 1214ق. المكاسب -- نقد و تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

شناسه افزوده : انصاري، مرتضي بن محمدامين ، 1281 - 1214ق. المكاسب. شرح

رده بندي كنگره : BP190/1/الف8م702133 1385

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : م 85-16816

ص: 1

اشارة

ص: 2

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد للّه رب العالمين و صلى اللّه على محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه على اعدائهم اجمعين من الآن الى يوم الدين.

و بعد: فهذا هو القسم الخامس من كتاب الخيارات و الجزء الخامس عشر من اجزاء كتابنا (ايصال الطالب الى المكاسب) للشيخ الفذّ آية اللّه الانصارى قدس سره.

و يشرع فى القول فى حكم الشرط الفاسد.

كتبته تسهيلا للطالب الكريم عسى ان انتفع به فى يوم لا ينفع فيه مال و لا بنون الّا من اتى اللّه بقلب سليم.

كربلاء المقدسة محمد بن المهدى الحسينى الشيرازى.

ص: 3

ص: 4

[تتمة القول في الخيار]

[تتمة القول في أقسام الخيار]

[تتمة السابع في خيار العيب]
[تتمة القول في الشروط التي يقع عليها العقد و شروط صحتها و ما يترتب على صحيحها و فاسدها]
القول فى حكم الشرط الفاسد
اشارة

الكلام فيه يقع فى امور.

الأول: ان الشرط الفاسد لا تأمّل فى عدم وجوب الوفاء به بل هو داخل فى الوعيد،

فان كان العمل به مشروعا استحب الوفاء به على القول بعدم فساد اصل العقد.

______________________________

(القول فى حكم الشرط الفاسد) اى الشرط الباطل (و الكلام فيه يقع فى امور).

(الاول) فى ان الشرط الفاسد هل يجب الوفاء به كالشروط الصحيحة أم لا؟ فنقول: (ان الشرط الفاسد لا تأمّل فى عدم وجوب الوفاء به) لان الوفاء واجب بالنسبة الى الشرط الصحيح (بل هو داخل فى الوعيد) لان المشروط عليه وعد ان يفعل كذا- اذا كان شرط فعل لا شرط غاية- (فان كان العمل به) اى بذلك الشرط الفاسد (مشروعا استحب الوفاء به على القول بعدم فساد اصل العقد).

اما اذا كان اصل العقد فاسدا فانه لم يبق مجال للاستحباب، اذ ليس بوعد، فان الوعد كان على تقدير العقد، فاذا بطل العقد لم يبق وعد.

اما اذا كان الشرط غير مشروع حرم العمل به كما اذا شرط عليه شرب الخمر مثلا.

ص: 5

و لا تأمل أيضا فى ان الشرط الفاسد لاجل الجهالة يفسد العقد لرجوع الجهالة فيه الى جهالة احد العوضين فيكون البيع غررا.

و كذا لو كان الاشتراط موجبا لمحذور آخر فى اصل البيع، كاشتراط بيع المبيع من البائع ثانيا.

______________________________

(و) كذلك (لا تأمل أيضا فى ان الشرط الفاسد لاجل الجهالة) بالشرط كما اذا قال: اشترى منك هذا المتاع بشرط سوف ابيّنه، فانه (يفسد العقد لرجوع الجهالة فيه الى جهالة احد العوضين) و هو العوض الّذي يكون الشرط الى جانبه.

فمثلا: اذا قال البائع للمشترى هذا الكتاب بشرط ما، مقابل دينار لم يعلم المثمن ما هو، هل هو كتاب باضافة ما يسوى بدينار؟ او باضافة ما يسوى بنصف دينار.

و اذا قال المشترى للبائع هذا الكتاب مقابل دينار و شرط ما، لم يعلم الثمن ما هو، هل هو دينار و شرط يسوى دينارا؟ او يسوى نصف دينار مثلا- (فيكون البيع غررا) و قد نهى النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم عن بيع الغرر.

لكن لا يخفى ان ما ذكره بقوله «الى جهالة احد العوضين» فيه نظر، اذا الشرط ليس مقابلا للعوض- على ما تقدم تحقيقه- فلا توجب جهالته جهالة العوض، فنفيه للتأمّل فى البطلان محل اشكال.

(و كذا) لا تأمل عند المصنف (لو كان الاشتراط موجبا لمحذور آخر) غير الغرر (فى اصل البيع، كاشتراط بيع المبيع من البائع ثانيا) و المحذور

ص: 6

لانه موجب للدور او لعدم القصد الى البيع الاول، او للتعبد من اجل الاجماع او النص.

و كاشتراط جعل الخشب المبيع صنما لان المعاملة على هذا الوجه اكل للمال بالباطل، و لبعض الاخبار.

______________________________

ما ذكره بقوله: (لانه موجب للدور) و ما كان وجوده يستلزم المحال لا يمكن وجوده، اذ ملزوم المحال محال.

لكنك قد عرفت سابقا ان شرط بيع المبيع من البائع ثانيا لا يستلزم الدور (او لعدم القصد الى البيع الاول) فيما اذا شرط بيعه الى البائع و فيه نظر لان القصد موجود (او للتعبد من اجل الاجماع او النصّ) الوارد فى بطلان البيع المشروط فيه ان يبيعه المشترى على البائع، و هل الذين قالوا بانه مستلزم للدور، او انه لا قصد فى البيع حقيقة انما قالوا ذلك لاجل تطبيق النص على القاعدة كما نريهم يعملون النصوص بما يوافق القواعد اسكاتا للعامة او ما اشبه ذلك.

(و كاشتراط جعل الخشب المبيع صنما) هذا مثال آخر لما يستلزم محذور من الشرط (لان المعاملة على هذا الوجه اكل للمال بالباطل) اذ الثمن يكون فى مقابل الحرام فيشمله ما دلّ على ان اللّه اذا حرّم شيئا حرّم ثمنه.

و لكن ربما يقال: ان الثمن ليس فى مقابل الشرط فبطلان الشرط لا يسرى الى بطلان البيع (و لبعض الاخبار) الواردة فى بطلان مثل هذا البيع كما ذكره فى المسألة الاولى من مسائل القسم الثانى من اقسام

ص: 7

و انما الاشكال فيما كان فساده لا لامر مخل بالعقد، فهل يكون مجرد فساد الشرط موجبا لفساد العقد، أم يبقى العقد على الصحة؟

قولان.

حكى اولهما عن الشيخ و الاسكافى و ابن البرّاج و ابن سعيد.

و ثانيهما: للعلامة و الشهيدين و المحقق الثانى و جماعة ممن تبعهم.

______________________________

النوع الثانى مما يحرم التكسب به فراجع.

و على ما ذكرنا فقد عرفت الاشكال فى بطلان البيع فى كل الاقسام التى ذكر المصنف انها لا تأمل فى بطلانها.

(و) كيف كان، ف (انما الاشكال) فى نظر المصنف منحصر (فيما كان فساده لا لامر مخل بالعقد) كالامثلة السابقة المخلة بالعقد، و كما اذا كان الشرط خلاف مقتضى العقد- و لم يذكره المصنف- (فهل يكون مجرد فساد الشرط موجبا لفساد العقد، أم يبقى العقد على الصحة؟) و يفسد الشرط فقط (قولان).

(حكى اولهما) و هو فساد العقد بفساد الشرط (عن الشيخ و الاسكافى و ابن البرّاج و ابن سعيد).

(و ثانيهما) و هو عدم فساد العقد بفساد الشرط (للعلامة و الشهيدين و المحقق الثانى و جماعة ممن تبعهم) و هم السيد الطباطبائى و الشيخ الشهيدى و غيرهما، فنقلوا ان النسبة بالعكس، و ان الشيخ و من تبعه قائلون بعدم الافساد، و العلامة و من تبعه قائلون بالافساد.

ص: 8

و ظاهر ابن زهرة فى الغنية التفصيل بين الشرط غير المقدور، كصيرورة الزرع سنبلا و البسر تمرا، و بين غيره من الشروط الفاسدة فادعى فى الأول عدم الخلاف فى الفساد و الافساد.

و مقتضى التأمل فى كلامه ان الوجه فى ذلك صيرورة المبيع غير مقدور على تسليمه.

و لو صحّ ما ذكره من الوجه خرج هذا القسم من الفاسد عن محل الخلاف، لرجوعه كالشرط

______________________________

(و ظاهر ابن زهرة فى الغنية) هذا قول ثالث و هو (التفصيل بين الشرط غير المقدور، ك) ما اذا شرط (صيرورة الزرع سنبلا و البسر تمرا و بين غيره من الشروط الفاسدة فادعى فى الاول) اى فى الشرط غير المقدور (عدم الخلاف فى الفساد و الافساد) و فى الثانى و هو الشرط المقدور الّذي كان فساده من جهة اخرى الخلاف، فى انه هل يفسد، أم لا.

(و مقتضى التأمل فى كلامه ان الوجه فى ذلك) اى فى عدم الخلاف فى ان الشرط غير المقدور فاسد و مفسد انه بسبب غير مقدورية الشرط (صيرورة المبيع غير مقدور على تسليمه) فكان الشرط جزء و إذا كان الجزء غير مقدور كان الكل غير مقدور، اذ النتيجة تابعة لاخسّ المقدمتين.

(و لو صحّ ما ذكره من الوجه خرج هذا القسم من) الشرط (الفاسد عن محل الخلاف) بين الفقهاء، و كان مما لحق بما ذكرنا أولا من انه لا ينبغى التأمّل فى كونه مفسدا (لرجوعه) اى رجوع الشرط غير المقدور (كالشرط

ص: 9

المجهول الى ما يوجب اختلال بعض شروط العوضين.

لكن صريح العلامة فى التذكرة وقوع الخلاف فى الشرط غير المقدور، و مثّل بالمثالين المذكورين.

و نسب القول بصحة العقد الى بعض علمائنا.

و الحق ان الشرط غير المقدور من حيث هو غير

______________________________

المجهول الى ما يوجب اختلال بعض شروط العوضين) لان من شرط العوضين القدرة على التسليم، و ليس كلامنا فى هذا الباب- و هو باب ان الشرط الفاسد مفسد أم لا- فى ما يوجب فساد العقد لفقد شرط فى نفس العقد، بل كلامنا فى ما اذا كان العقد صحيحا فى نفسه، فهل يسرى فساد الشرط الى العقد حتى يفسد العقد بفساد الشرط أم لا يفسد، بل يبقى العقد سليما.

(لكن صريح العلامة فى التذكرة) يدل على خلاف ما ذكره صاحب الغنية و هو: (وقوع الخلاف فى الشرط غير المقدور، و مثّل) التذكرة (بالمثالين المذكورين) اى صيرورة الزرع سنبلا و البسر تمرا.

(و نسب القول بصحة العقد) و ان كان شرطه غير مقدور (الى بعض علمائنا).

لكن لا يخفى ان كلام العلامة لا يناقض كلام ابن زهرة لتأخر العلامة عنه بقرون، فلعله لم يكن خلاف فى زمن ابن زهرة، بينما حصل الخلاف بعد زمانه- على ما نقله العلامة ره-.

(و الحق) ما ذكره العلامة، ف (ان الشرط غير المقدور من حيث هو غير

ص: 10

مقدور لا يوجب تعذر التسليم فى احد العوضين.

نعم لو اوجبه فهو خارج عن محل النزاع، كالشرط المجهول حيث يوجب كون المشروط بيع الغرر.

و ربما ينسب الى ابن المتوّج البحرانى التفصيل بين الفاسد لاجل عدم

______________________________

مقدور) اى لا من حيث آخر، كما سيأتى فى قوله: نعم لو اوجبه (لا يوجب تعذر التسليم فى احد العوضين) لان الشرط ليس جزء، بل هو تابع، و تعذر التابع لا يوجب تعذر المتبوع، كما ان جهالة التابع لا توجب جهالة المتبوع.

(نعم لو اوجبه) اى اوجب تعذر الشرط تعذر التسليم فى احد العوضين، كما اذا قال: ابيعك هذا على شرط ان تسلّمنى الثمن فى المكان الفلانى، او فى الزمان الفلانى فيما لا يقدر المشترى التسليم فى ذلك المكان او الزمان (فهو خارج عن محل النزاع) لان النزاع فى الشرط غير المقدور من حيث هو هو، لا فى الشرط الّذي اوجب عدم قدرة تسليم احد العوضين.

فيكون جال الشرط غير المقدور الموجب لتعذر التسليم (ك) حال (الشرط المجهول) الّذي تسرى جهالته الى جهالة العقد (حيث يوجب كون المشروط بيع الغرر) كما اذا شرط تسليم البضاعة فى وقت مجهول مثلا، فانه خارج عن محل الكلام فى الشرط المجهول، و انّه هل يوجب الافساد، أم لا؟

(و ربما ينسب الى ابن المتوّج البحرانى) قول رابع، و هو (التفصيل بين) الشرط (الفاسد لاجل عدم

ص: 11

تعلق غرض مقصود للعقلاء به فلا يوجب فساد العقد، كأكل طعام بعينه او لبس ثوب كذلك، و بين غيره.

و قد تقدم- فى اشتراط كون الشرط مما يتعلق به غرض مقصود للعقلاء عن التذكرة و غيرها- ان هذا الشرط لغو لا يؤثر الخيار و الخلاف

______________________________

تعلق غرض مقصود للعقلاء به فلا يوجب) فساد الشرط (فساد العقد، ك) ما اذا شرط (اكل طعام بعينه او لبس ثوب كذلك) بعينه.

اذ لا فرق بين هذا الطعام و ذاك الطعام، و هذا الثوب و ذاك الثوب فى ان اشتراط احدهما دون الآخر مع تساويهما عند العقلاء لغو محض فان فساد مثل هذا الشرط لا يوجب فساد العقد (و بين غيره) مما يتعلق غرض العقلاء به فيما اذا كان الشرط فاسدا لاجل عدم استكماله شروط صحة الشرط.

و انما لا يستلزم فساد الشرط اللغو فساد العقد، لان الشرط انما فسد لاجل كونه لغوا، و العقد ليس بلغو، فلا يلزم من لغوية الشرط لغوية العقد، حتى يفسد العقد، بخلاف جهالة الشرط مثلا فانها تستلزم جهالة العقد، و نحوها سائر الشروط الباطلة، فتأمل.

(و) حيث عرفت ان فساد الشرط اللغو لا يستلزم فساد العقد نقول:

انه لا يستلزم الخيار أيضا، فانه (قد تقدم- فى اشتراط كون الشرط مما يتعلق به غرض مقصود للعقلاء عن التذكرة و غيرها- ان هذا الشرط) الّذي لا يتعلق به غرض العقلاء (لغو لا يؤثر الخيار، و) كذلك قد تقدم (الخلاف

ص: 12

فى ان اشتراط الكفر صحيح أم لا، و عدم الخلاف ظاهرا فى لغوية اشتراط كيل المسلم فيه بمكيال شخصى معين.

و ظاهر ذلك كله التسالم على صحة العقد و لو مع لغوية الشرط.

و يؤيد الاتفاق على عدم الفساد.

______________________________

فى ان اشتراط الكفر) فى العبد (صحيح أم لا).

فالصحة لانه يتعلق به غرض بعض العقلاء لئلا يشتغل بالعبادة عن خدمة المولى.

و عدم الصحة لانه لغو، و هذا أيضا يؤيد ان الشرط اذا كان لغوا لم يصح و لم يوجب بطلانا للعقد و لا خيارا (و عدم الخلاف ظاهرا) حسب ما استظهرناه من كلماتهم، و قوله «و عدم» جملة مستأنفة (فى لغوية اشتراط كيل المسلم فيه) اى ما باعه سلما بان اخذ الثمن حالا ليعطيه المثمن مؤجلا بعد ستة اشهر مثلا (بمكيال شخصىّ معين) اذ لا خصوصية لمكيال زيد مثلا، لان العقلاء يعتبرون الكيل فقط لا اكثر.

(و ظاهر ذلك كله) اى الامور الثلاثة التى ذكرناها من قولنا «تقدم» و «الخلاف» و «عدم الخلاف» (التسالم) من الفقهاء (على صحة العقد و لو مع لغوية الشرط).

و هذا ما يؤيّد كلام ابن المتوّج، كما يدل على ان نسبة الشق الاول من التفصيل المنسوب الى ابن المتوّج ليس فى محلّه، بل هو كلام كل الفقهاء.

(و) أيضا (يؤيّد الاتفاق على عدم الفساد) فى ما اذا كان الشرط-

ص: 13

استدلال القائلين بالافساد بان للشرط قسطا من الثمن، فيصير الثمن مع فساد الشرط مجهولا.

نعم استدلالهم الآخر على الافساد بعدم التراضي مع انتفاء الشرط ربما يؤيد عموم محل الكلام لهذا الشرط الا ان الشهيدين ممن استدل بهذا

______________________________

لغوا (استدلال القائلين بالافساد) اى بان الشرط الفاسد مفسد (بان للشرط قسطا من الثمن، فيصير الثمن مع فساد الشرط مجهولا).

و من المعلوم ان جهالة احد العوضين يوجب البطلان.

و انما كان هذا الكلام مؤيّدا، لان الشرط اذا كان لغوا لم يكن له قسط من الثمن، فلا جهالة فى الثمن فلا بطلان.

(نعم استدلالهم الآخر على الافساد) اى على ان الشرط الفاسد مفسد (بعدم التراضي مع انتفاء الشرط) فاذا فقد الشرط لم يتحقق تجارة عن تراض، فيبطل العقد لانه بدون رضى من جانب المشروط له (ربما يؤيّد عموم محل الكلام) فى ان الشرط مفسد، أم لا (لهذا الشرط) اى الشرط الّذي هو لغو، لانه بدون هذا الشرط لا يرضى المشروط له بالعقد فاللازم بطلان العقد (الا) ان هذا الاستدلال أيضا لا يدل على وجود قول بان الشرط اللغو مفسد لما نرى ان بعضهم استدل بهذا الاستدلال «اى بعدم التراضي مع انتفاء الشرط» و مع ذلك قال: بان الشرط اللغو لا يوجب الفساد، فيدل كلامه هذا على نفى ما ذكرناه من قولنا «ربما يؤيّد عموم محل الكلام لهذا الشرط».

ف (ان الشهيدين ممن استدل بهذا

ص: 14

الوجه، و صرح بلغوية اشتراط الكفر، و الجهل بالعبادات بحيث يظهر منه صحة العقد، فراجع.

و كيف كان فالقول بالصحة فى اصل المسألة لا يخلو عن قوة وفاقا لمن تقدم لعموم الادلة السالم عن معارضة ما يخصّصه عدا وجوه.

احدها: ما ذكره فى المبسوط للمانعين من ان للشرط قسطا من العوض مجهولا، فاذا سقط

______________________________

الوجه) اى بان الشرط الفاسد مفسد، لانه لا رضا اذا انتفى الشرط (و) الحال ان كلا منهما (صرح بلغوية اشتراط الكفر، و) اشتراط (الجهل بالعبادات) فى العبد المشترى (بحيث يظهر منه صحة العقد) فالشرط لغو، و العقد صحيح، و ان لم يكن رضا، فقولهم باشتراط الرضا انما هو فى غير الشرط اللغو، فلا عموم لاستدلالهم بحيث يشمل محل الكلام (فراجع) و لا تغفل.

(و كيف كان فالقول بالصحة) و ان الشرط الفاسد ليس مفسدا (فى اصل المسألة لا يخلو عن قوة وفاقا لمن تقدم) ذكرهم من الاعلام.

و ذلك (لعموم الادلة) الدالة على الوفاء بالعقود، و التجارة عن تراض، و غيرهما (السالم) ذلك العموم (عن معارضة ما يخصّصه) فلا مخصص له بالنسبة الى ما كان اشترط فيه بشرط باطل (عدا وجوه) استدل بها القائل بالبطلان.

(احدها: ما ذكره فى المبسوط) دليلا (للمانعين من ان للشرط قسطا من العوض) فى حال كون ذلك القسط (مجهولا، فاذا سقط)

ص: 15

لفساده صار العوض مجهولا.

و فيه بعد النقض بالشرط الفاسد فى النكاح الّذي يكون بمنزلة جزء من الصداق، فيجب على هذا سقوط المسمّى و الرجوع الى مهر المثل أولا: منع مقابلة الشرط بشي ء من العوضين عرفا و لا شرعا.

______________________________

الشرط (لفساده) سقط بقدره من العوض و يبقى اصل العوض المقابل بالعوض، ف (صار العوض مجهولا).

مثلا: اذا باعه كتابا بدينار، و اشترط البائع لنفسه ان يعمل له صنما، فان الدينار يقع فى مقابل الكتاب و الصنم، فاذا لم يعمل الصنم لانه غير مشروع سقط فى مقابله شي ء من الدينار، و عند ذاك لا يعلم قيمة الكتاب، و من المعلوم انه يلزم معلومية العوضين.

(و فيه بعد النقض بالشرط الفاسد فى النكاح) الشرط (الّذي يكون بمنزلة جزء من الصداق) كما لو تزوجها بمائة و اشترطت عليه ان تخرج من الدار سافرة، فان الصداق حينئذ امران المائة و الخروج سافرة، فاذا سقط الشرط يكون المهر دون مرضيها، فيلزم بطلان المهر (فيجب على هذا سقوط المسمّى و الرجوع الى مهر المثل) و الحال انه لا يقول بهذا احد، بل يلزم القول بفساد اصل النكاح، لان البضع كان فى مقابل المهر المسمّى و قد سقط جزء منه، فاللازم بطلان النكاح.

و الدليل الدال على عدم بطلان النكاح ليس فى مثل هذا المقام، فتأمل.

(أولا: منع مقابلة الشرط بشي ء من العوضين عرفا و لا شرعا) فان

ص: 16

لان مدلول العقد هو وقوع المعاوضة بين الثمن و المثمن.

غاية الامر كون الشرط قيدا لاحدهما يكون له دخل فى زيادة العوض و نقصانه، و الشرع لم يحكم على هذا العقد الا بامضائه على النحو الواقع عليه، فلا يقابل الشرط بجزء من العوضين.

و لذا لم يكن فى فقده الا الخيار بين الفسخ و الامضاء مجانا، كما عرفت.

______________________________

الشرط يزيد و ينقص من قيمة العوضين، لا ان فى مقابله شي ء من العوضين (لان مدلول العقد هو وقوع المعاوضة بين الثمن و الثمن) و هذا هو المعنى العرفى للعقد.

(غاية الامر كون الشرط قيدا لاحدهما) و هما العوض او المعوض (يكون له) اى لهذا القيد (دخل فى زيادة العوض و نقصانه).

فاذا كان الشرط، زاد قيمة العوض الّذي انضم معه الشرط لانه عوض و شرط و اذا سقط الشرط، نقص قيمته لانه عوض فقط (و الشرع لم يحكم على هذا العقد) المشتمل على الشرط (الا بامضائه على النحو الواقع عليه) فالشرع لم يحكم بان الشرط له قسط من العوض (فلا يقابل الشرط بجزء من العوضين) لا شرعا و لا عرفا.

(و لذا) الّذي ليس فى مقابله شي ء (لم يكن فى فقده الا الخيار بين الفسخ و الامضاء مجانا، كما عرفت) و لو كان فى مقابله شي ء كان من قبيل تبعّض الصفقة، و اللازم حينئذ أن الامضاء يكون مع استرجاع ما يقابل الشرط من العوض و لم يقل بذلك احد.

ص: 17

و ثانيا: منع جهالة ما بإزاء الشرط من العوض، اذ ليس العوض المنضم الى الشرط، و المجرد عنه الا كالمتصف بوصف الصحة، و المجرد عنه فى كون التفاوت بينهما مضبوطا فى العرف.

و لذا حكم العلامة فيما تقدم بوجوب الارش لو لم يتحقق العتق المشروط فى صحة بيع المملوك.

______________________________

(و ثانيا: منع جهالة ما بإزاء الشرط من العوض) على تقدير تسليم ان بعض العوض بإزاء الشرط (اذ ليس العوض المنضم الى الشرط، و) العوض (المجرد عنه) اى عن الشرط (الا كالمتصف بوصف الصحة، و المجرد عنه) اى عن وصف الصحة (فى كون التفاوت بينهما مضبوطا فى العرف).

فاذا باع دارا بشرط ان يحج المشترى عن والده بالف دينار، كانت الدار المنضمة الى الحجّ و الدار المجردة عن الحج معلومتان عند العرف من حيث القيمة كما ان العبد المتصف بوصف الصحة و العبد الاعمى مضبوطان عند العرف من حيث القيمة، و لذا اذا ظهر العبد اعمى كان للمشترى ان يستردّ بعض الثمن.

و لا يقال ان مقابل وصف الصحة مجهول فاذا ظهر المبيع معيبا لزم جهالة الثمن فيبطل اصل البيع.

(و لذا) الّذي لا جهالة فيما بإزاء الشرط من العوض (حكم العلامة فيما تقدم بوجوب الارش لو لم يتحقق العتق المشروط فى صحة بيع المملوك) بان باعه عبدا بشرط ان يعتقه فاذا لم يعتقه كان للمشترط الارش و هو التفاوت بين قيمة العبد المبيوع بيعا مطلقا، و بين قيمة العبد

ص: 18

و بلزوم قيمة الصبغ المشروط فى بيع الثوب.

و ثالثا: منع كون الجهالة الطارئة على العوض قادحة، انما القادح به هو الجهل به عند إنشاء العقد.

______________________________

المبيوع بشرط العتق.

مثلا: اذا كان الفرق بينهما عشر القيمة المسمّاة كان للمشترط البائع ان يستردّ العشر، و لو كان ما بإزاء الشرط مجهولا لم يصح ما ذكره العلامة (و) حكم العلامة أيضا (بلزوم قيمة الصبغ المشروط فى بيع الثوب) فاذا باع ثوبا و شرط عليه المشترى ان يصبغه ثم لم يصبغه، فللمشترى ان يأخذ الارش اى التفاوت بين المصبوغ و غير المصبوغ و هو قيمة الصبغ (و ثالثا: منع كون الجهالة الطارئة على العوض قادحة) بعد تسليم ان بإزاء العوض شي ء و انه مجهول، فان الجهل طرأ على العوض بعد فساد الشرط و سقوط جزء من العوض من جهة فساد الشرط و (انما القادح به) فى جهل العوض (هو الجهل به) اى بالعوض (عند إنشاء العقد).

و لذا نرى ان الجهل بالعوض فى تبعض الصفقة لا يقدح، فاذا اشترى شيئين بدينار، ثم ظهر احدهما مستحقا للغير بما لم يستعد ان يقبل بيعه سقط بعض المعوض، و بسقوطه سقط بعض العوض، فاذا لم يعلم قدر قيمة الباقى لم يضرّ ذلك فى صحة البيع، و ذلك لان الجهل طارئ و الجهل الطارئ لا يضرّ.

ص: 19

الثانى: ان التراضي انما وقع على العقد الواقع على النحو الخاص فاذا تعذر الخصوصية لم يبق التراضي، لانتفاء المقيد بانتفاء القيد، و عدم بقاء الجنس مع ارتفاع الفصل، فالمعاوضة بين الثمن و المثمن بدون الشرط معاوضة اخرى محتاجة الى تراض جديد و إنشاء جديد، و بدونه يكون التصرف اكلا للمال لا عن تراض.

______________________________

(الثانى) من ادلة القائلين بانّ الشرط الفاسد مفسد للعقد (ان التراضي انما وقع على العقد الواقع على النحو الخاص) اى المشروط بالشرط المذكور.

كما اذا رضى البائع بالبيع بشرط ان يرد المشترى المبيع إليه- فيما اذا شرط ان يبيع المشترى الى البائع- فقد ذكر بعضهم انه دور (فاذا تعذّر) ت (الخصوصية لم يبق التراضي) و ذلك (لانتفاء المقيد بانتفاء القيد، و عدم بقاء الجنس مع ارتفاع الفصل) فاذا ذهب الرضا لم يصدق تجارة عن تراض، فيبطل العقد (فالمعاوضة بين الثمن و المثمن بدون الشرط معاوضة اخرى) غير المعاوضة الاولوية التى كانت مع الشرط الفاسد (محتاجة الى تراض جديد و إنشاء جديد).

اذ مجرد الرضا لا يكفى فى المعاوضة، لانّ المعاوضة تحتاج الى الرضا و الانشاء معا (و بدونه) اى بدون رضا جديد و إنشاء جديد (يكون التصرف) فى العوضين (اكلا للمال لا عن تراض) و هو باطل، فلا يبقى العقد السابق.

ص: 20

و فيه: منع كون ارتباط الشرط بالعقد على وجه يحوج انتفائه الى معاوضة جديدة عن تراض جديد و مجرد الارتباط لا يقتضي ذلك كما اذا تبين نقص احد العوضين او انكشف فقد بعض الصفات المأخوذة فى البيع كالكتابة و الصحة،

______________________________

(و فيه: منع كون ارتباط الشرط بالعقد على وجه يحوج انتفائه) اى انتفاء هذا الارتباط (الى معاوضة جديدة عن تراض جديد و مجرد الارتباط لا يقتضي ذلك).

فان بعض الارتباطات اذا انتفت تنتفى المعاوضة السابقة كما اذا انتفى ارتباط العوض بالطرف و ظهر العوض الشخصى ملكا للغير.

و بعض الارتباطات اذا انتفت لا تنتفى المعاوضة مثل انتفاء ارتباط العقد بالشرط.

و الحاصل ان بعض الارتباطات يراها العرف مقوّما فانتفاؤه يوجب انتفاء الرضا، و بعض الارتباطات لا يراها العرف مقوّما و لذا لم يكن انتفائه يوجب انتفاء الرضا و من هذا القبيل انتفاء الشرط.

فحاله (كما اذا تبين نقص احد العوضين او انكشف فقد بعض الصفات المأخوذة فى البيع كالكتابة و الصحة) فانه اذا اشترى كيلوا من الحنطة بدرهم، ثم تبين ان نصفه راجع الى غير البائع لا يستلزم ذلك بطلان البيع، مع ان البيع لهذا النصف المملوك للبائع كان مربوطا بالنصف الآخر المملوك لغيره- فى باب خيار تبعض الصفقة.

و كذلك فيما اذا ظهر المبيع فاقدا لوصف الصحة او فاقدا لوصف

ص: 21

و كالشروط الفاسدة فى عقد النكاح فانه لا خلاف نصا و فتوى فى عدم فساد النكاح بمجرد فساد شرطه المأخوذ فيه.

و قد تقدم ان ظاهرهم فى الشرط غير المقصود للعقلاء فى السلم و غيره عدم فساد العقد به.

و تقدم أيضا ان ظاهرهم ان الشرط غير المذكور فى العقد لا حكم له صحيحا كان او فاسدا.

______________________________

الكمال المشترط عند البيع، فانه لا يوجب البطلان (و كالشروط الفاسدة فى عقد النكاح) الّذي دل النص و الاجماع على انه لا يوجب بطلان النكاح، و ليس النص و الاجماع من باب الاستثناء للقاعدة، بل هما على وفق القاعدة حسب رؤية العرف (فانه لا خلاف نصا و فتوى فى عدم فساد النكاح بمجرد فساد شرطه المأخوذ فيه).

و ذلك لان الارتباط لم يكن مقوما حتى اذا ذهب الارتباط ذهب النكاح القائم بذلك المقوّم.

(و قد تقدم ان ظاهرهم فى الشرط غير المقصود للعقلاء فى السلم و غيره) كما اذا شرط الكيل بمكيال شخص خاص (عدم فساد العقد به) اى بفقد هذا الشرط، و هذا يدل على ان بنائهم ان فقد الشرط لا يوجب فقد التراضي.

(و تقدم أيضا ان ظاهرهم ان الشرط غير المذكور فى العقد) بان ذكر أولا ثم بنى العقد عليه (لا حكم له) فلا يجب الوفاء به (صحيحا كان) ذلك الشرط غير المذكور (او فاسدا) مع انه لا رضا للطرفين بدون ذلك

ص: 22

و دعوى ان الاصل فى الارتباط، هو انتفاء الشي ء بانتفاء ما ارتبط به.

و مجرد عدم الانتفاء فى بعض الموارد لاجل الدليل لا يوجب التعدى مدفوعة بان المقصود من بيان الامثلة انه لا يستحيل التفكيك بين الشرط و العقد

______________________________

الشرط، فان رضاهما كان مقيدا بذلك الشرط، و ذلك يدل على ان فقد بعض الارتباطات لا يوجب انتفاء العقد.

(و) ان قلت: صحيح ان الارتباط على قسمين، ارتباط فقده لا يوجب فقد المقيد، و ارتباط فقده يوجب فقد المقيد، و الاصل فى الارتباط ان يكون من القسم الثانى الا اذا دلّ الدليل على انه من القسم الاول فالاصل فى انتفاء الارتباط الشرطى فقد المشروط بفقده.

قلت: (دعوى ان الاصل فى الارتباط، هو انتفاء الشي ء بانتفاء ما ارتبط به) لان ذلك هو معنى الارتباط، فان المقيد عدم، بعدم قيده، و الكل عدم، بعدم جزئه.

(و مجرد عدم الانتفاء فى بعض الموارد لاجل الدليل) الخاص (لا يوجب التعدى) كما فى الامثلة التى ذكرتم، كالنكاح، و السلم، و ما اشبه حيث ان ما يرتبط به يذهب و الشي ء باق على حاله لا ينتفى كما علم فى الامثلة المذكورة (مدفوعة بان المقصود من بيان الامثلة) ليس هو اثبات قاعدة كلية، حتى يقال: بان القاعدة الكلية بالعكس و ان الامثلة من باب التخصيص بل المقصود (انه لا يستحيل التفكيك بين الشرط و العقد)

ص: 23

و انه ليس التصرف المترتب على العقد بعد انتفاء ما ارتبط به فى الموارد المذكورة تصرفا لا عن تراض، جوّزه الشارع تعبد او قهرا على المتعاقدين فما هو التوجيه فى هذه الامثلة، هو التوجيه فيما نحن فيه.

و لذا اعترف فى جامع المقاصد بان فى الفرق بين الشرط الفاسد و الجزء الفاسد عسرا.

______________________________

بان يذهب الشرط و يبقى العقد (و انه ليس التصرف المترتب على العقد بعد انتفاء ما ارتبط به) اى بعد انتفاء الشرط (فى الموارد المذكورة) و هى الامثلة التى مثّلنا بها، حيث ان فيها ذهب الشرط و بقى المشروط (تصرفا لا عن تراض) و لكن (جوّزه الشارع تعبدا و قهرا على المتعاقدين) بل فى الامثلة المذكورة الرضا موجود بلا اشكال.

(فما) اى الشي ء الّذي (هو التوجيه فى هذه الامثلة، هو التوجيه فيما نحن فيه) الّذي هو انتفاء الشرط لفساده، و بقاء المشروط الّذي هو العقد.

(و لذا) الّذي لا يوجب ذهاب ما ارتبط به انتفاء الشي ء (اعترف فى جامع المقاصد بان فى الفرق بين الشرط الفاسد) الّذي قالوا بانه اذا فسد، فسد العقد (و الجزء الفاسد) الّذي قالوا بانه اذا انتفى الجزء لا ينتفى العقد، بل يأتى خيار تبعّض الصفقة (عسرا) اذ لو كان ذهاب ما ارتبط يوجب انتفاء العقد، لزم القول بانتفاء العقد فى الجزء أيضا، و لو كان ذهاب ما ارتبط لا يوجب انتفاء العقد، لزم القول بعدم ذهاب العقد بانتفاء الشرط أيضا.

ص: 24

و الحاصل: انه يكفى للمستدل بالعمومات منع كون الارتباط مقتضيا لكون العقد بدون الشرط تجارة لا عن تراض، مستندا الى النقض بهذه الموارد.

و حلّ ذلك ان القيود المأخوذة فى المطلوبات العرفية و الشرعية منها ما هو ركن المطلوب، ككون المبيع حيوانا ناطقا لا ناهقا، و كون مطلوب المولى اتيان تتن الشطب، لا الاصفر الصالح للنارجيل

______________________________

(و الحاصل) فى منع دعوى ان الاصل فى الارتباط انتفاء الشي ء بانتفاء ما ارتبط به (انه يكفى للمستدل بالعمومات) اى عمومات صحة العقد استدلالا لاجل بقاء العقد بعد انتفاء الشرط، فالشرط الفاسد ليس مفسدا.

فيكفى للمستدل (منع كون الارتباط مقتضيا لكون العقد بدون الشرط تجارة لا عن تراض) حتى اذا فسد الشرط فسد العقد.

و انما يمنع (مستندا) فى منعه (الى النقض بهذه الموارد) حيث ذهب الشرط و بقى العقد.

(و حلّ ذلك) و انه كيف يمكن ذهاب الارتباط و بقاء العقد (ان القيود المأخوذة فى المطلوبات العرفية) كما اذا قال: ائتنى بعبد كاتب (و الشرعية) كالشرط فى العقد (منها ما هو ركن المطلوب، ككون المبيع حيوانا ناطقا لا ناهقا) و انه يريد العبد لكتابته، فاذا لم يكن كاتبا لا يريده، لانه انما يريد شرائه ليكون محاسبا لتجارته (و كون مطلوب المولى اتيان تتن الشطب، لا الاصفر الصالح للنارجيل) حيث انه لا يشرب

ص: 25

و مطلوب الشارع الغسل بالماء للزيارة لاجل التنظيف، فان العرف يحكم فى هذه الامثلة بانتفاء المطلوب لانتفاء هذه القيود، فلا يقوم الحمار مقام العبد، و لا الاصفر مقام التتن و لا التيمم مقام الغسل.

و منها: ما ليس كذلك، ككون العبد صحيحا و التتن جيّدا، و الغسل بماء الفرات، فان العرف يحكم فى هذه الموارد بكون الفاقد نفس المطلوب

______________________________

النارجيل (و مطلوب الشارع الغسل بالماء للزيارة لاجل التنظيف) لا بالمضاف و ان اوجب بعض التنظيف (فان العرف يحكم فى هذه الامثلة بانتفاء المطلوب لانتفاء هذه القيود) لان المولى العرفى او الشرعى لا يريد ذات المقيد لانه لا يعنى بغرضه (فلا يقوم) العبد غير الكاتب مقام العبد الكاتب، و لا (الحمار مقام العبد، و لا الاصفر مقام التتن و لا التيمم مقام الغسل) فيما كان الماء موجودا، و لا ماء الورد مقام الماء المطلق و ان لم يكن الماء موجودا.

(و منها) اى من القيود (ما ليس كذلك) اى ليس ركنا فى المطلوب و لا مقوما له، بل من باب زيادة المطلوب و تعدّده (ككون العبد صحيحا) اذ الاعور أيضا يأتى منه العمل، او انه يريد العبد الكاتب لانه اكمل، و الا فمطلق العبد صالح للشغل، و المولى يريد الشغل حتى اذا لم يكن كاتبا كان يريد العبد الامّى (و التتن) للشطب (جيّدا، و الغسل بماء الفرات) فاذا لم يكن جيدا و كان من سائر المياه أيضا اراده (فان العرف يحكم فى هذه الموارد بكون الفاقد) للشرط (نفس المطلوب) و لكن قد فقد زيادة المطلوبية.

ص: 26

و الظاهر ان الشرط من هذا القبيل، لا من قبيل الاوّل فلا يعد التصرف الناشئ عن العقد بعد فساد الشرط تصرفا لا عن تراض.

نعم غاية الامر ان فوات القيد هنا موجب للخيار لو كان المشروط له جاهلا بالفساد، نظير فوات الجزء و الشرط الصحيحين، و لا مانع من التزامه و ان لم يظهر منه

______________________________

(و الظاهر ان الشرط من هذا القبيل) اى من قبيل كمال المطلوب لا من قبيل ركن المطلوب.

و انما استظهرنا ذلك لما رأينا من حكم الشارع فى موارد متعددة بان ذهاب الشرط لا يوجب ذهاب المشروط (لا من قبيل الاوّل) الّذي يكون القيد فيه مقوّما و ركنا (فلا يعد التصرف النا شي ء عن العقد بعد فساد الشرط تصرفا لا عن تراض) حتى يكون فساد الشرط موجبا لفساد العقد.

(نعم) لا يبقى العقد بعد فقد الشرط على لزومه، ف (غاية الامر ان فوات القيد هنا) فى باب الشرط الفاسد (موجب للخيار لو كان المشروط له جاهلا بالفساد) لان بقاء اللزوم ضرر على المشروط، فلا ضرر يدل على رفع اللزوم.

و لذا قيّدناه بكونه جاهلا لانه ان كان عالما بالفساد فقد اقدم على ضرر نفسه، فلا خيار له (نظير فوات الجزء و الشرط الصحيحين) اذا لم يأت بهما الطرف لاجل عدم قدرته عليهما، او عمدا فان المشروط له و الّذي فقد الجزء يكون مختارا بين القبول و الفسخ (و لا مانع من التزامه) اى التزام الخيار فى باب الشرط الفاسد (و ان لم يظهر منه) اى من الخيار

ص: 27

اثر فى كلام القائلين بهذا القول.

الثالث: رواية عبد الملك ابن عتبة عن الرضا عليه السلام عن الرجل ابتاع منه طعاما او متاعا على ان ليس منه عليّ وضيعة هل يستقيم هذا؟

و كيف هنا؟ و ما حد ذلك؟ قال لا ينبغى.

و الظاهران المراد الحرمة لا الكراهة، كما فى المختلف، اذ مع صحة العقد لا وجه لكراهة الوفاء بالوعد.

______________________________

(اثر فى كلام القائلين بهذا القول) اى القائل بان الشرط الفاسد مفسد (الثالث) من ادلة القائلين بان الشرط الفاسد مفسد جملة من الروايات، مثل: (رواية عبد الملك ابن عتبة عن الرضا عليه السلام) سأله (عن الرجل ابتاع منه طعاما او متاعا على) شرط (ان ليس منه) اى من الطعام و المتاع (عليّ وضيعة) فاذا بعت الطعام و المتاع و خسرت فيهما فالخسارة على البائع (هل يستقيم هذا؟) البيع (و كيف هذا؟) الشرط (و ما حد ذلك؟) التعامل الّذي يصح و الّذي لا يصح (قال) عليه السلام (لا ينبغى) بناء على ان: لا ينبغى مربوط باصل العقد لا بالشرط (و الظاهر ان المراد) بلا ينبغى (الحرمة لا الكراهة، كما فى المختلف اذ) لا معنى للكراهة فانه (مع صحة العقد لا وجه لكراهة الوفاء بالوعد) فمعنى الرواية: ان العقد غير صحيح، و وجه عدم صحته اشتماله على الشرط الفاسد الّذي هو كون خسارة المشترى على البائع، فتدل على ان الشرط الفاسد مفسد.

و انما يكون هذا الشرط فاسدا، لانه لا معنى لاعطاء انسان خسارة

ص: 28

و رواية الحسين ابن المنذر، قال: قلت لابى عبد اللّه عليه السلام:

الرجل يجيئنى فيطلب منى العينة فاشترى المتاع لاجله، ثم ابيعه اياه ثم اشتريه منه مكانى، قال فقال: اذا كان هو بالخيار، ان شاء باع، و ان شاء لم يبع، و كنت انت أيضا بالخيار ان شئت اشتريت، و ان شئت لم تشتر، فلا بأس

______________________________

انسان آخر.

و انما ربطنا: لا ينبغى باصل البيع لا بالشرط، لان: لا ينبغى، لا يلائم الشرط، فانه اذا كان اصل البيع صحيحا كان الشرط وعدا- على تقدير بطلانه- و الوفاء بالوعد لا يكره.

(و رواية الحسين ابن المنذر، قال: قلت لابى عبد اللّه عليه السلام الرجل يجيئنى فيطلب منى العينة) بكسر العين، و هى ان يبيع من رجل سلعة بثمن معلوم الى اجل مسمّى، ثم يشتريها منه باقل من الثمن الّذي باعها منه (فاشترى المتاع لاجله، ثم ابيعه اياه، ثم اشتريه منه مكانى) اى فى نفس المكان، و فائدة هذا العمل ان يأخذ الرجل الطالب من هذا الآخر تسعين دينارا و يعطيه مائة، كعلاج لدفع الربا في القرض (قال فقال) عليه السلام (اذا كان هو) اى طرفك (بالخيار، ان شاء باع و ان شاء لم يبع، و كنت انت أيضا بالخيار ان شئت اشتريت، و ان شئت لم تشتر، فلا بأس).

فمحل الشاهد فى الرواية «ابيعه اياه ثم اشتريه منه مكانى» فان الامام عليه السلام قال: ان كان «الاشتراء» مشروطا فى «ابيعه»

ص: 29

قال: فقلت: ان اهل المسجد يزعمون ان هذا فاسد، و يقولون انه ان جاء به بعد اشهر صح، قال: انما هذا تقديم و تأخير لا بأس، فان مفهومه ثبوت البأس اذا لم يكونا او احدهما مختارا فى ترك المعاملة الثانية.

و عدم الاختيار فى تركها انما يتحقق باشتراط فعلها فى ضمن العقد

______________________________

لا يجوز، و ان كان «الاشتراء» بالخيار لك و له جاز (قال: فقلت: ان اهل المسجد) اى حلقات علماء العامة الذين يجلسون فى المسجد و يفتون الناس (يزعمون ان هذا) النحو من البيع (فاسد) لانه حيلة شرعية (و يقولون انه ان جاء به بعد اشهر صحّ) بمعنى انه يكون «ابيعه» الآن «و اشتريه» بعد اشهر فى قبال «اشتريه منه مكانى» الّذي قال الامام عليه السلام بصحّته (قال) ليس كلام اهل المسجد صحيحا، ف (انما هذا تقديم و تأخير) فان كان يصحّ «اشتريه منه» صحّ، سواء كان الآن او بعد اشهر، و ان كان لا يصحّ، لم يصحّ، سواء كان الآن او بعد اشهر (لا بأس) به فان الزمان لا مدخلية له فى هذه المعاملة.

و وجه الاستدلال بهذه الرواية على ان الشرط الفاسد مفسد ما ذكره بقوله: (فان مفهومه ثبوت البأس اذا لم يكونا او احدهما مختارا فى ترك المعاملة الثانية) اى «اشتريه منه مكانى»

(و عدم الاختيار فى تركها) اى ترك المعاملة الثانية (انما يتحقق باشتراط فعلها) اى فعل المعاملة الثانية (فى ضمن العقد

ص: 30

الاول، و الا فلا يلزم عليها فيصير الحاصل انه اذا باعه بشرط ان يبيعه منه او يشتريه منه، لم يصحّ البيع الاول، فكذا الثانى، او لم يصح الثانى لاجل فساد الاول، اذ لا مفسد له غيره.

______________________________

الاول، و الا) تشترط فى ضمن المعاملة الاولى (فلا يلزم)- بصيغة المجهول- اى لم يلزم احدهما (عليها) اى على المعاملة الثانية (فيصير الحاصل)- و هو وجه الاستدلال بهذه الرواية على ان الشرط الفاسد مفسد- (انه) اى الدلال (اذا باعه بشرط ان يبيعه منه) اى يبيعه المشترى من الدلال (او يشتريه) الدلال (منه)- فانه لا فرق بين ان يكون الشرط بيع المشترى للدلال، او اشتراء الدلال من المشترى- (لم يصح البيع الاول) المشتمل على هذا الشرط (فكذا) لم يصح البيع (الثانى) لانه اذا بطل البيع الاول بطل البيع الثانى الّذي هو من توابع البيع الاول (او لم يصح) البيع (الثانى)- اى بيع المشترى الى الدلال- (لاجل فساد الاول) فانه لا وجه لفساد الثانى إلا عدم صحة البيع الاول (اذ لا مفسد له) اى للثانى (غيره) اى غير فساد الاول.

و انما قال المصنف «لم يصح ... او لم يصح» لان قوله عليه السلام «فلا بأس» اما مربوط بالبيع الاول و هو بيع الدلال للمشترى، او مربوط بالبيع الثانى و هو بيع المشترى للدلال، فكانّ الامام عليه السلام قال:

ان كان بدون الشرط لا بأس و ان كان مع الشرط ففيه البأس، اى فى بيع الدلال للمشترى البأس فيبطل البيع الثانى أيضا، او فى بيع المشترى للدلال البأس، و لا وجه للبأس الا من جهة بطلان البيع الاول

ص: 31

و رواية على ابن جعفر عن اخيه عليه السلام، قال: سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم الى اجل، ثم اشتراه بخمسة نقدا، أ يحل؟ قال:

اذا لم يشترطا و رضيا، فلا بأس، و دلالتها اوضح من الاولى.

و الجواب اما عن الاولى فبظهور: لا ينبغى، فى الكراهة و لا مانع من كراهة البيع على هذا النحو من ان البيع صحيح غير مكروه، و الوفاء بالشرط مكروه.

______________________________

و على كل تقدير فتدل الرواية على ان الشرط الفاسد مفسد، لأنه لم يأت فساد احد البيعين الا من جهة الشرط الفاسد الّذي هو اشتراط البيع الثانى فى ضمن البيع الاول.

(و رواية على ابن جعفر عن اخيه عليه السلام، قال: سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم الى اجل، ثم اشتراه بخمسة نقدا، أ يحل؟) هذا العمل (قال: اذا لم يشترطا و رضيا، فلا بأس) فان المفهوم من هذه الرواية انه مع الشرط لا تصح هذه المعاملة، و ليس ذلك الا لان الشرط الفاسد مفسد (و دلالتها اوضح من الاولى) اى من رواية الحسين ابن المنذر.

(و الجواب اما عن الاولى) اى رواية عبد الملك (فبظهور: لا ينبغى فى الكراهة) لا فى الحرمة، كما استدل بها القائل بافساد الشرط الفاسد (و لا مانع من كراهة البيع على هذا النحو) و بين هذا النحو بقوله: (من ان البيع صحيح غير مكروه، و الوفاء بالشرط مكروه) فالبيع المشتمل على هذين الامرين و هما: الامر غير مكروه و الامر المكروه، مكروه، لان النتيجة

ص: 32

و اما عن الروايتين، فاوّلا بان الظاهر من الروايتين بقرينة حكاية فتوى اهل المسجد على خلاف قول الامام (ع) فى الرواية الاولى هو رجوع البأس فى المفهوم الى الشراء.

و لا ينحصر وجه فساده فى فساد البيع

______________________________

تابعة لاخسّ المقدّمتين.

و الحاصل: ان المستدل قال «لا ينبغى» يعنى «حرام» و المراد «حرمة البيع» لا «حرمة الشرط» لظهور كون السؤال عن البيع فالجواب أيضا عن البيع.

و من المعلوم انه لا حرمة للبيع الا لاجل حرمة الشرط، فهذا الحديث يدل على ان الشرط الفاسد مفسد.

و انما قلنا «لا ينبغى» يعنى «حرام» لانه اذا كان البيع صحيحا لا معنى لكراهة الوفاء بالوعد.

و جواب المصنف ان «لا ينبغى» يعنى مكروه و المراد كراهة اجراء هذا البيع المشروط بهذا الشرط، بل هذا هو المعنى العرفى المستفاد من ظاهر النص.

(و اما عن الروايتين، فاوّلا بان الظاهر من الروايتين بقرينة حكاية) السائل (فتوى اهل المسجد) و هم العامة (على خلاف قول الامام (ع) فى الرواية الاولى هو رجوع البأس) الّذي ذكره الامام (فى المفهوم الى الشراء) لا فى البيع، يعنى ان شرط ففيه بأس، و ان لم يشترط فلا بأس فيه (و لا ينحصر وجه فساده) اى فساد الشراء (فى فساد البيع) حتى يدل

ص: 33

لاحتمال ان يكون من جهة عدم الاختيار فيه الناشئ عن التزامه فى خارج العقد الاول، فان العرف لا يفرقون فى الزام المشروط عليه بالوفاء بالشرط بين وقوع الشرط فى متن العقد او فى الخارج فاذا التزم به احد هما فى خارج العقد الاول، كان وقوعه للزومه عليه عرفا، فيقع لا عن رضا منه فيفسد.

______________________________

على ان الشرط الفاسد مفسد (لاحتمال ان يكون) فساد الشراء (من جهة عدم الاختيار فيه) اى هو شراء بدون اختيار و رضا من احدهما او من كليهما (الناشئ) ذلك (عن التزامه) اى الشرط (فى خارج العقد الاول) فهو اجرى العقد الثانى بدون رضا استنادا الى شرط غير ملزم لانه شرطه خارج العقد (فان العرف لا يفرقون فى الزام المشروط عليه بالوفاء بالشرط) و لا يفرقون (بين وقوع الشرط فى متن العقد او فى الخارج) عن العقد (فاذا التزم به) اى بالشرط (احدهما فى خارج العقد الاول، كان وقوعه) اى وقوع العقد الثانى (للزومه عليه عرفا) اى انه يبيعه بالعقد الثانى، لزعمه انه لازم عليه- حسب الشرط خارج العقد- (فيقع) العقد الثانى (لا عن رضا منه) اى من البائع الثانى (فيفسد) لانه بدون رضا.

و انما احتملنا ان الشرط كان خارجا عن العقد، لانه لم يذكر فى الرواية ان الشرط كان داخلا او خارجا، فاذا كانت الرواية محتملة للامرين لم يمكن الاستدلال بها على افساد الشرط لان الاستدلال تابع لوجود الظهور، و لا ظهور مع الاحتمال، اى ان يكون هناك احتمالان للبطلان كما لا يخفى.

ص: 34

و ثانيا: بان غاية مدلول الرواية فساد البيع المشروط فيه بيعه عليه ثانيا، و هو مما لا خلاف فيه حتى ممّن قال: بعدم فساد العقد بفساد شرطه كالشيخ فى المبسوط، فلا يتعدى منه الى غيره، فلعل البطلان فيه للزوم الدور كما ذكره العلامة، او لعدم قصد البيع، كما ذكره الشهيد قدس سره، او لغيره ذلك.

______________________________

(و ثانيا: بان غاية مدلول الرواية فساد البيع المشروط فيه بيعه) اى بيع المشترى (عليه) اى على البائع (ثانيا، و هو مما لا خلاف فيه حتى ممّن قال: بعدم فساد العقد بفساد شرطه، كالشيخ فى المبسوط) فانه يقول: بان الشرط الفاسد ليس بمفسد، و مع ذلك يقول: بان هذا الشرط يوجب الفساد، لدليل خارجى.

لكن لا يخفى ان فى المسألة خلافا (فلا يتعدى منه) اى من هذا الشرط الخاص (الى غيره) بان نقول كل شرط فاسد مفسد (فلعل البطلان فيه) اى فى شرط البيع على البائع (للزوم الدور كما ذكره العلامة) حيث ان ملك المشترى يتوقف على وفائه بالشرط، و وفائه بالشرط بان يبيعه المشترى الى البائع ما يتوقف على ملك المشترى له، لكنك قد عرفت الاشكال فى الدور (او لعدم قصد البيع) من البائع الاول حقيقة اذ قصد البيع معناه الاخراج عن الملك، و شرط ارجاعه معناه عدم اخراجه عن ملكه (كما ذكره الشهيد قدس سره، او لغير ذلك) مثل احتمال انه يكون سببا لفساد المال، كما ذكر هذا التعليل فى روايات حرمة الربا، و ان اللّه سبحانه لم يحرم الربا لاسمه، و انما لاجل انه موجب لفساد المال

ص: 35

بل التحقيق ان مسئلة: اشتراط بيع المبيع، خارجة عما نحن فيه، لان الفساد ليس لاجل كون نفس الشرط فاسدا، لانه ليس مخالفا للكتاب و السنة، و لا منافيا لمقتضى العقد، بل الفساد فى اصل البيع لاجل نفس هذا الاشتراط فيه، لا لفساد ما اشترط، و قد اشرنا الى ذلك فى اوّل المسألة.

و لعله لما ذكرنا لم

______________________________

(بل التحقيق ان مسئلة: اشتراط بيع المبيع، خارجة عما نحن فيه) الّذي هو: هل ان الشرط الفاسد مفسد أم لا، لاننا نتكلم فى ان الشرط الفاسد فى نفسه لمخالفة الكتاب و نحوه هل انه مفسد أم لا، و شرط بيع المبيع، ليس فاسدا فى نفسه، لانه ليس مخالفا للكتاب و نحوه و انما هذا الشرط يجب ان لا يكون فى المعاملة- لاجل الدور او عدم القصد او الدليل الخاص- (لان الفساد ليس لاجل كون نفس الشرط فاسدا)

و انما قلنا: ليس (لانه) اى هذا الشرط (ليس مخالفا للكتاب و السنة، و لا منافيا لمقتضى العقد، بل الفساد فى اصل البيع) يكون (لاجل نفس هذا الاشتراط فيه) اى فى البيع (لا لفساد ما اشترط).

مثلا: شرط شرب الخمر، شرط حرام، لان متعلقه اى شرب الخمر حرام، اما شرط البيع فالشرط حرام، لا ان البيع الّذي هو متعلق الشرط حرام (و قد اشرنا الى ذلك فى اوّل المسألة) و ان الكلام فى الشرط الفاسد لاجل انه متعلق بشي ء فاسد.

(و لعله لما ذكرنا) من ان هذه المسألة خارجة عما نحن فيه (لم

ص: 36

يستند إليها احد فى مسئلتنا هذه.

و الحاصل انى لم اجد لتخصيص العمومات فى هذه المسألة ما يطمئن به النفس.

و يدل على الصحة أيضا جملة من الاخبار.

منها: ما عن المشايخ الثلاثة فى الصحيح عن الحلبى عن الصادق عليه السلام، انه ذكر ان بريرة كانت عند زوج لها و هى مملوكة، فاشترتها

______________________________

يستند إليها) اى الى هذه المسألة (احد فى مسئلتنا هذه) فلم يستدل احد لاجل ان الشرط الفاسد مفسد، بان شرط البيع من البائع فاسد.

(و الحاصل) فى ابطال ادلة القائلين بان الشرط الفاسد مفسد (انى لم اجد لتخصيص العمومات) الدالة على صحة العقد، و التجارة عن تراض، و نحوهما (فى هذه المسألة) اى مسئلة الشرط الفاسد (ما يطمئن به النفس) حتى نقول: ان كل عقد صحيح الا ما كان مشتملا على شرط فاسد.

(و) بالإضافة الى العمومات و القواعد العامة الدالة على ان العقد صحيح و ان كان شرطه فاسدا (يدل على الصحة) للعقد (أيضا جملة من الاخبار).

(منها: ما عن المشايخ الثلاثة) و هم الكلينى و الصدوق و الطوسى ره (فى) الخبر (الصحيح عن الحلبى عن الصادق عليه السلام، انه ذكر) عليه السلام (ان بريرة) و هى امة مملوكة (كانت عند زوج لها و هى مملوكة، فاشترتها

ص: 37

عائشة فأعتقتها فخيرها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، فقال: ان شاءت قعدت عند زوجها، و ان شاءت فارقته، و كان مواليها الذين باعوها اشترطوا على عائشة ان لهم ولائها.

فقال صلى اللّه عليه و آله: الولاء لمن اعتق.

______________________________

عائشة فاعتقتها فخيرها) اى خير بريرة (رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، فقال: ان شاءت قعدت) بعد العتق (عند زوجها، و ان شاءت فارقته) و ابطلت نكاحها، فان الامة اذا اعتقت و كانت متزوجة فلها الخيار بين ابقاء النكاح و بين فسخه (و كان مواليها) اى اسيادها (الذين باعوها) الى عائشة (اشترطوا على عائشة ان لهم ولائها) فان العبد الّذي اعتق اذا مات و له مال و ليس له وارث ورثه الّذي اعتقه.

(فقال صلى اللّه عليه و آله) هذا الشرط على عائشة باطل، فان (الولاء لمن اعتق) اذ عائشة هى المعتقة فلا يصح ان يرثها من باعها دون من اعتقها.

و الشرط لنقل الارث عن الوارث كالشرط لارث الاجنبى و كلاهما باطل الا فى باب المتعة على بعض الاقوال، حيث يصح اشتراط إرث الزوجة المتمتع بها.

وجه الدلالة فى هذه الرواية ان النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم حكم ببطلان الشرط، و مع ذلك لم يبطل العقد الّذي وقع هذا الشرط فى ضمنه.

(و) ان قلت: لعل الشرط كان خارجا عن العقد فعدم ابطالها

ص: 38

حملها على الشرط الخارج عن العقد مخالف لتعليل فساده، فى هذه الرواية، اشارة و فى غيرها صراحة بكونه مخالفا للكتاب و السنة.

فالانصاف ان الرواية فى غاية الظهور.

و منها: مرسلة جميل، و صحيحة الحلبى الاولى عن احدهما فى الرجل يشترى الجارية و يشترط لاهلها ان لا يبيع و لا يهب و لا ترث قال

______________________________

للعقد لانه ليس شرطا فى ضمن العقد.

قلت: (حملها) اى حمل هذه الرواية (على الشرط الخارج عن العقد مخالف لتعليل فساده) اى فساد هذا الشرط.

ف (فى هذه الرواية، اشارة) حيث قال عليه السلام: الولاء لمن اعتق، الى أن حكم اللّه سبحانه ذلك، فالشرط المخالف له مخالف لحكم اللّه (و فى غيرها صراحة) اذ صرح فى رواية اخرى ان شرط اللّه قبل شرطهم (بكونه مخالفا للكتاب و السنة).

(فالانصاف ان الرواية فى غاية الظهور) على ان الشرط الفاسد ليس مفسدا.

(و منها: مرسلة جميل، و صحيحة الحلبى الاولى) اى المرسلة (عن احدهما) اى الباقر او الصادق عليهما السلام (فى الرجل يشترى الجارية و يشترط لاهلها ان لا يبيع و لا يهب) اياها (و لا ترث) اى انه اذا مات و كانت وارثة له بان اعتقها و تزوجها لا يعطيها الارث، او ان المراد لا يرث الجارية ورثة المولى بان تحرر الجارية عند موت المولى، و هذا المعنى اظهر و انسب للرواية الثانية (قال) عليه السلام

ص: 39

يفى بذلك اذا اشترط لهم الا الميراث، فان الحكم بوجوب الوفاء بالاولين، دون الثالث، مع اشتراط الجميع فى العقد لا يكون الا مع عدم فساد العقد بفساد شرطه.

و لو قلنا بمقالة المشهور من فساد اشتراط عدم البيع و الهبة حتى انه حكى عن كاشف الرموز انى لم اجد عاملا بهذه الرواية كان الامر بالوفاء محمولا على الاستحباب، و يتمّ المطلوب أيضا.

______________________________

(يفى بذلك) اى بالشرط لبائعيها (اذا اشترط لهم الا الميراث) لما تقدم من ان اشتراط ان لا يرث الوارث مخالف لحكم اللّه تعالى (فان الحكم بوجوب الوفاء بالاولين) عدم البيع و عدم الهبة (دون الثالث) و هو عدم الميراث (مع اشتراط الجميع فى العقد لا يكون الا مع عدم فساد العقد بفساد شرطه) فان شرط عدم الميراث باطل و مع ذلك فالعقد صحيح و لذا يجب عليه الوفاء بالشرطين الآخرين.

(و) ان قلت: ان هذه الرواية ساقطة، لانها قالت بالوفاء بالشرطين مع انهما أيضا باطلان على ما قاله جمع، لان البيع و الهبة من شئون الملك، فاشتراط عدمهما فى الملك مخالف لحكم اللّه.

قلت: أولا نحن لا نقول ببطلان هذين الشرطين كما عرفت سابقا فى معنى تحليل الحرام و تحريم الحلال.

و ثانيا (لو قلنا بمقالة المشهور من فساد اشتراط عدم البيع و الهبة حتى انه حكى عن كاشف الرموز انى لم اجد عاملا بهذه الرواية) الدالة على الوفاء بشرط عدم البيع و عدم الهبة (كان الامر بالوفاء محمولا على الاستحباب) لانه وعد بعدم البيع و الهبة (و يتم المطلوب أيضا)

ص: 40

و يكون استثناء شرط الارث لان الملك فيه قهرى للوارث لا معنى لاستحباب وفاء المشترى به، مع ان تحقق الاجماع على بطلان شرط عدم البيع و الهبة ممنوع، كما لا يخفى.

و الثانية: عن ابى عبد اللّه عليه السلام عن الشرط فى الاماء لاتباع و لا تورث و لا توهب قال يجوز ذلك غير الميراث، فانها تورث و كل شرط خالف كتاب اللّه فهو ردّ، الخبر، فان قوله

______________________________

لانه شرط الفاسد، و مع ذلك لم يقل الامام عليه السلام بفساد البيع.

(و) ان قلت: فلما ذا فرّق الامام عليه السلام بين شرط الارث فابطله و شرط عدم البيع و الهبة فقرّره و لو استحبابا.

قلت: (يكون استثناء شرط الارث لان الملك فيه قهرى للوارث) ف (لا معنى لاستحباب وفاء المشترى به) اذ لا معنى لاستحباب ان لا يعطى الارث بخلاف الشرطين الآخرين، فان له معنى استحباب ان لا يبيع و لا يهب (مع ان تحقق الاجماع) الّذي ادعاه كاشف الرموز (على بطلان شرط عدم البيع و الهبة ممنوع، كما لا يخفى) و تقدم فى مسئلة تحليل الحرام و تحريم الحلال.

(و الثانية) اى صحيحة الحلبى (عن ابى عبد اللّه عليه السلام عن الشرط فى الاماء لا تباع و لا تورث و لا توهب قال) عليه السلام (يجوز ذلك) الشرط (غير) شرط (الميراث، فانها تورث) اى اذا مات المولى ورثها اقارب المولى (و كل شرط خالف كتاب اللّه فهو ردّ) اى مردود، الى آخر (الخبر) حيث دلّ على ان الشرط الفاسد ليس بمفسد (فان قوله)

ص: 41

فانها تورث، يدل على بقاء البيع- الّذي شرط فيه ان لا تورث- على الصحة بل يمكن ان يستفاد من قوله بعد ذلك كل شرط خالف كتاب اللّه عز و جل فهو ردّ، اى لا يعمل به ان جميع ما ورد فى بطلان الشروط المخالفة لكتاب اللّه جل ذكره يراد بها عدم العمل بالشرط، لا بطلان اصل البيع.

و يؤيّده ما ورد فى بطلان الشروط الفاسدة فى ضمن عقد النكاح.

______________________________

عليه السلام (فانها تورث، يدل على بقاء البيع- الّذي شرط فيه ان لا تورث- على الصحة) اذ لو كان البيع فاسدا لم ترث الامة اقارب المولى الثانى، بل كانت مملوكة للمولى الاول اجنبية عن المولى الثانى (بل يمكن ان يستفاد من قوله) عليه السلام (بعد ذلك) اى بعد قوله عليه السلام «فانها تورث» (كل شرط خالف كتاب اللّه عزّ و جل فهو ردّ، اى لا يعمل به) يستفاد من قوله «كل شرط الخ» (ان جميع ما ورد فى بطلان الشروط المخالفة لكتاب اللّه جل ذكره يراد بها) اى بتلك الاخبار الدالة على ان الشرط المخالف لا يعمل به (عدم العمل بالشرط) مع بقاء البيع (لا بطلان اصل البيع) اذ لو كان اصل البيع باطلا لم يكن وجه لقوله «الشرط باطل» بل اللازم ان يقول: البيع باطل.

(و يؤيّده) اى يؤيّد ما ذكرنا من ان الشرط الفاسد ليس بمفسد (ما ورد فى بطلان الشروط الفاسدة فى ضمن عقد النكاح).

حيث دلّ ذلك على بقاء النكاح كاخبار ابن مسلم و محمد ابن قيس و منصور و يونس و غيرها، كما تقدم الكلام فى ذلك فى اوّل الباب، فراجع.

ص: 42

و قد يستدل على الصحة بان صحة الشرط فرع صحة البيع، فلو كان الحكم بصحة البيع موقوفا على صحة الشرط، لزم الدور، و فيه ما لا يخفى.

و الانصاف ان المسألة فى غاية الاشكال.

و لذا توقّف فيها بعض تبعا للمحقق قدس سره.

______________________________

و خبر الوشاء عن الرضا عليه السلام الدال على انه ان شرط بعض المهر لأب المرأة ان النكاح صحيح و الشرط باطل.

و لعلّ المصنف انما جعل هذه الاخبار مؤيّدة لا دليلا، لاحتمال ان يكون ذلك من باب التخصيص لخصوصية فى النكاح.

(و قد يستدل على الصحة) اى على صحة العقد مع بطلان الشرط (بان صحة الشرط فرع على صحة البيع) اذ لو لا البيع لا شرط (فلو كان الحكم بصحة البيع موقوفا على صحة الشرط، لزم الدور) لكن الدور باطل، فتوقف صحة البيع على صحة الشرط باطل (و فيه ما لا يخفى) فان صحة البيع ليست موقوفة على صحة الشرط، بل موقوفة على عدم اشتمال العقد على الشرط الفاسد.

(و الانصاف ان المسألة) و هى: هل ان الشرط الفاسد مفسد، أم لا؟

(فى غاية الاشكال) لاختلاف كبار الفقهاء فى ذلك.

(و لذا توقّف فيها بعض تبعا للمحقق قدس سره) حيث توقف هو أيضا.

لكن الاظهر ما عرفت من عدم كون الشرط الفاسد مفسدا، و اللّه العالم

ص: 43

ثم على تقدير صحة العقد ففى ثبوت الخيار للمشروط له مع جهله بفساد الشرط، وجه من حيث كونه فى حكم تخلف الشرط الصحيح، فان المانع الشرعى كالعقلى، فيدل عليه ما يدل على خيار تخلّف الشرط.

و لا فرق فى الجهل المعتبر فى الخيار بين كونه بالموضوع او بالحكم الشرعى.

______________________________

(ثم على تقدير صحة العقد) و عدم ابطال الشرط الفاسد له (ففى ثبوت الخيار للمشروط له مع جهله بفساد الشرط، وجه).

اما مع علم المشروط له بفساد الشرط فلا اشكال فى انه لا خيار له، اذا الشارع لم يرتب الخيار على الشرط الفاسد، و لا يشمله دليل: لا ضرر لانه اقدم على ضرر نفسه، فتأمل.

اما مع الجهل فللخيار وجه (من حيث كونه) اى عدم الشرط (فى حكم تخلف الشرط الصحيح، فان المانع الشرعى) و هو حكم الشارع بفساد الشرط (كالعقلى) كما اذا لم يتمكن من اداء الشرط لعدم القدرة عليه (فيدل عليه) اى على الخيار فى الشرط الفاسد (ما يدل على خيار تخلف الشرط) من قاعدة: لا ضرر، و نحوها.

(و لا فرق فى الجهل المعتبر فى الخيار) اى خيار الشارط اذا كان الشرط فاسدا و هو لا يعلم (بين كونه بالموضوع) كما اذا شرط عليه ان يشرب ما فى هذا الاناء، فتبين انه خمر (او بالحكم الشرعى) كما اذا شرط ان يشرب الخمر و هو جاهل بان الخمر حرام.

لا يقال: الجاهل بالحكم غير معذور، و لذا اشتهر ان الجاهل المقصر

ص: 44

و لذا يعذر الجاهل بثبوت الخيار او بفوريته.

و لكن يشكل بان العمدة فى خيار تخلف الشرط هو الاجماع، و ادلة نفى الضرر، قد تقدم غير مرة انها لا تصلح لتأسيس الحكم الشرعى اذا لم يعتضد بعمل جماعة، لان المعلوم اجمالا انه لو عمل بعمومها لزم منه تأسيس فقه جديد

______________________________

كالعامد، فاللازم ان يكون الجاهل المقصّر بالحكم حاله حال العالم بالفساد فى انه لا يوجب خيارا.

لانه يقال: العالم بالحكم لا يشمله دليل الخيار و هو: لا ضرر، و ما اشبه، و هذا يشمل الجاهل بالحكم، و لو كان جهلا عن تقصير.

(و لذا يعذر الجاهل بثبوت الخيار او بفوريته) فاذا علم باصل الخيار او بانه على الفور جاز له الاخذ بالخيار لان دليل: لا ضرر و نحوه يشمله (و لكن يشكل) ثبوت الخيار للمشروط له شرطا فاسدا اذا كان جاهلا بالحكم او بالموضوع (بان العمدة فى خيار تخلّف الشرط هو الاجماع، و ادلة نفى الضرر قد تقدم غير مرة انها) اى قاعدة: لا ضرر (لا تصلح لتأسيس الحكم الشرعى اذا لم يعتضد بعمل جماعة) و الاجماع له قدر متيقن، و لذا لا يمكن سحبه الى المقام و اما ان دليل لا ضرر، يحتاج الى العمل فى تأسيس الحكم (لان العموم اجمالا) اى علما اجماليا (انه لو عمل بعمومها) و اسست الاحكام فى كل مورد: لا ضرر (لزم منه تأسيس فقه جديد) فانه اذا اجرى الانسان المعاملة جاهلا بالموضوع فكثيرا ما يلزم منه الضرر، فاذا كان جهله بالموضوع يوجب جريان: لا ضرر، و تأسيس

ص: 45

خصوصا اذا جعلنا الجهل بالحكم الشرعى عذرا فرب ضرر يترتب على المعاملات من اجل الجهل با حكامها خصوصا الصحة و الفساد.

فان ضرورة الشرع قاضية فى اغلب الموارد بان الضرر المترتب على فساد معاملة مع الجهل به لا يتدارك.

______________________________

الحكم، لزم فقه جديد.

و وجهه ما ذكره بقوله «فان ضرورة الشرع» (خصوصا اذا جعلنا الجهل بالحكم الشرعى) مضافا الى الجهل بالموضوع (عذرا) و انه يشمله دليل: لا ضرر، فيلزم تدارك ذلك الضرر، فان الفقه الجديد على هذا يكون اوسع.

و انما قلنا خصوصا لما ذكره بقوله: (فرب ضرر يترتب على المعاملات من اجل الجهل باحكامها) اى احكام المعاملات (خصوصا) الجهل ب (الصحة و الفساد) فكثيرا ما يجهل الانسان حكم المعاملة و انها فاسدة فيجرى المعاملة، و ذلك يوجب ضررا له، فان كان دليل: لا ضرر، يرفع تلك الاحكام لزم فقه جديد.

(فان ضرورة الشرع قاضية فى اغلب الموارد بان الضرر المترتب على فساد معاملة مع الجهل به) اى بفسادها (لا يتدارك).

مثلا: لو آجر نفسه اجارة فاسدة- بان كان المستأجر غير مالك- لبناء دار او ما اشبه، ثم ظهر فساد الاجارة، و كان الموجر متضررا بصرف وقته و ماله فى البناء، فان دليل: لا ضرر، لا يوجب ان يأخذ ضرره من المالك او سابق مسابقة فاسدة فانه لا حق له فى السبق و ان تضرّر

ص: 46

..........

______________________________

فرسه و ذهب وقته، الى غير ذلك من الامثلة التى يجدها الانسان فى مختلف كتب الفقه.

و انما قال «لان المعلوم اجمالا» اذ لا نعلم تفصيلا عدم جريان:

لا ضرر، فى بعض الموارد، بل الّذي نعلم انه لو جرى: لا ضرر، فى الجملة فى كل الموارد لزم تأسيس فقه جديد، و الفقه الجديد معلوم البطلان بالضرورة، فتأسيس الاحكام من: لا ضرر، باطل قطعا.

نعم لو عمل العلماء بلا ضرر فى مورد لم يلزم تأسيس الفقه الجديد فانه فقه قديم.

لكن ربما يقال: بان: لا ضرر، دليل عام فما علم بخروجه منه علما تفصيلا او اجمالا، نقول بالخروج مع اشكال فى ما علم اجمالا، و ما نحن فيه ليس من تلك الموارد، فانه لا علم تفصيلا بخروجه، و العلم الاجمالى منحل لأنّ كل تلك الموارد التى علمنا اجمالا بخروجها، قام الدليل على خروج بعضها فانحل العلم الاجمالى.

و لذا تريهم يتمسكون بلا ضرر، فى المسائل الجديدة، مع انه لا عمل من الاصحاب على طبقها.

ثم انه ما ابعد ما بين هذا الكلام من الشيخ المصنف و بين ما ذكره السيد الطباطبائى ره بان خيار تخلف الشرط يجرى فى العالم بالفساد أيضا، لانه لم يحصل على شرطه، كما انه ذكر عدم الخيار لو اتى المشروط عليه بالشرط الفاسد، كما اذا شرط عليه شرب الخمر فشرب.

و كيف كان فهذا هو الاشكال الاول على جريان دليل لا ضرر لاثبات الخيار للمشروط له اذا كان جاهلا بفساد الشرط سواء كان جاهلا قاصرا او

ص: 47

مع ان مقتضى تلك الادلة نفى الضرر غير الناشئ عن تقصير المتضرر فى دفعه، سواء كان الجهل متعلقا بالموضوع، أم بالحكم.

و ان قام الدليل فى بعض المقامات على التسوية بين القاصر و المقصّر.

______________________________

(مع ان) هناك اشكالا آخر أيضا على دليل: لا ضرر، فانه لا يشمل ما اذا كان الضرر ناشئا من تقصير المتضرر، بان كان جاهلا مقصرا، اذ الجاهل المقصّر يتوجه الضرر إليه من تقصيره بخلاف الجاهل القاصر فانه معذور فى جهله فاذا توجه الضرر إليه كان ذلك الضرر من الشرع، فنفى الضرر يشمل القاصر و لا يشمل المقصّر.

فان (مقتضى تلك الادلة) اى ادلة: لا ضرر (نفى الضرر غير الناشئ عن تقصير المتضرر فى دفعه) «فى» متعلق ب «تقصير» فاذا كان الانسان مقصرا فى دفع الضرر عن نفسه لا يشمله دليل: لا ضرر (سواء كان الجهل) التقصيرى الّذي اوجب ضرر الجاهل (متعلقا بالموضوع، أم بالحكم) فاذا لم يعلم ان ما فى الاناء خمر، او لم بعلم ان الخمر لا يصح اشتراط شربها فى ضمن العقد فشرط شربها، فانه لا خيار له اذا لم يف المشروط عليه بالشرط فيما كان جهله عن تقصير لان تقصيره هو الّذي اوقعه فى الضرر لا ان الشارع اوقعه فى الضرر، فلا يشمله دليل: لا ضرر، و لا يخفى ما فى هذا التفصيل، فتأمّل.

(و) كيف كان فان الجهل التقصيرى ليس مشمولا لادلة: لا ضرر، فى غالب المسائل، و (ان قام الدليل فى بعض المقامات على التسوية بين القاصر و المقصّر) و ان الجهل يرفع الحكم مطلقا سواء كان جاهلا قاصرا

ص: 48

فالاقوى فى المقام عدم الخيار و ان كان يسبق خلافه فى بادئ الانظار.

الثانى: لو اسقط المشروط له الشرط الفاسد على القول بافساده لم يصح بذلك العقد لانعقاده بينهما على الفساد،

فلا ينفع اسقاط المفسد و يحتمل الصحّة بناء على ان التراضي انما حصل على العقد المجرد عن

______________________________

او مقصّرا، كما فى مورد الجهر و الاخفات و القصر و الاتمام، و بعض مسائل الحجّ، لكن التسوية انما هى بدليل خارجى لا بقاعدة: لا ضرر.

(فالاقوى فى المقام) عند المصنف (عدم الخيار) فيما اذا شرط شرطا فاسدا جهلا بالحكم او الموضوع قصورا او تقصيرا (و ان كان يسبق خلافه) و ان للشارط الخيار (فى بادئ الانظار) لكن لا عبرة بالنظر الاوّل.

(الثانى) من المسائل المتعلقة بالشرط الفاسد (لو اسقط المشروط له الشرط الفاسد) بعد ان شرطه فى ضمن العقد (على القول بافساده) اى بان الشرط الفاسد مفسد (لم يصح بذلك العقد).

و انما لم يصح بذلك (لانعقاده بينهما على الفساد، فلا ينفع اسقاط المفسد) فان العقد لم ينعقد أولا، و لا دليل على انعقاده بعد الاسقاط فيكون حاله حال ما اذا كان احد العوضين مجهولا عند العقد ثم علم به، فان العلم المتأخر لا يوجب الصحة بعد ان فسد بالجهل.

(و يحتمل الصحة) اى صحة العقد بعد اسقاط الشرط الفاسد (بناء على ان التراضي) بعد اسقاط الشرط (انما حصل على العقد المجرد عن

ص: 49

الشرط فيكون كتراضيهما عليه حال العقد.

و فيه ان التراضي انما ينفع اذا وقع عليه العقد، او لحق العقد السابق، كما فى بيع المكره و الفضولى.

و اما اذا طرأ الرضا على غير ما وقع عليه العقد، فلا ينفع لان متعلق الرضا لم يعقد عليه، و متعلق العقد لم يرض به.

و يظهر من بعض مواضع التذكرة التردّد فى الفساد بعد اسقاط الشرط، قال: يشترط فى العمل المشروط على البائع ان يكون محللا فلو اشترى العنب على شرط ان يعصره البائع خمرا لم

______________________________

الشرط فيكون كتراضيهما عليه) اى على العقد المجرد (حال العقد).

(و فيه) انه لا فائدة فى الرضا المتأخر، ف (ان التراضي انما ينفع اذا وقع عليه العقد، او لحق العقد السابق، كما فى بيع المكره و الفضولى) بان كان العقد بجميع اركانه و خصوصياته مقارنا للرضا، او ملحوقا بالرضا (و اما اذا طرأ الرضا على غير ما وقع عليه العقد، فلا ينفع) فى تصحيح العقد (لان متعلق الرضا) و هو التعويض بدون الشرط (لم يعقد عليه، و متعلق العقد) و هو التعويض بالشرط (لم يرض به) بل لو كان الرضا حين العقد بشي ء آخر أيضا لم يصح فكيف بالرضا المتأخر.

(و يظهر من بعض مواضع التذكرة التردّد فى الفساد بعد اسقاط الشرط) الفاسد.

فانه ره (قال: يشترط فى العمل المشروط على البائع ان يكون محللا) شرعا (فلو اشترى العنب على شرط ان يعصره البائع خمرا لم

ص: 50

يصح الشرط، و البيع، على اشكال ينشأ من جواز اسقاط المشترى الشرط عن البائع و الرضا به خاليا عنه و هو المانع من صحة البيع و من اقتران البيع بالمبطل و بالجملة فهل يثمر اقتران مثل هذا الشرط بطلان البيع من اصله بحيث لو رضى صاحبه باسقاطه لا يرجع البيع صحيحا، او ايقاف البيع بدونه، فان لم يرض بدونه بطل، و الا صح، انتهى.

و لا يعرف وجه لما ذكره من احتمال الايقاف.

______________________________

يصح الشرط) قطعا (و) لم يصحّ (البيع، على اشكال ينشأ) ذلك الاشكال (من جواز اسقاط المشترى الشرط عن البائع و الرضا به) اى بالعقد (خاليا عنه) اى عن الشرط (و) الشرط (هو المانع من صحة البيع) فاذا سقط صح البيع (و من اقتران البيع بالمبطل) فاذا بطل فى حينه لم يمكن تصحيحه بعد ذلك.

قال: (و بالجملة فهل يثمر اقتران مثل هذا الشرط بطلان البيع من اصله) «بطلان» مفعول «يثمر» (بحيث لو رضى صاحبه باسقاطه لا يرجع البيع صحيحا، او) يثمر الشرط (ايقاف البيع بدونه) اى بدون الشرط (فان لم يرض بدونه) اى بدون الشرط (بطل، و الا) بان رضى بدون الشرط (صح) فان البيع مع الشرط باطل، و البيع بدون الشرط موقوف، بمعنى انه محتمل لان يلحقه الرضا فيصح، او لا يلحقه فيبطل (انتهى) كلام العلامة.

(و لا يعرف وجه) معتد به (لما ذكره من احتمال الايقاف) لما تقدم من ان المرضىّ به غير صحيح، و الصحيح غير مرضىّ به.

اللهم الا ان يقال: ان العقد قابل للتجزئة، فاذا كان المرضىّ به

ص: 51

الثالث: لو ذكر الشرط الفاسد قبل العقد لفظا و لم يذكر فى العقد، فهل يبطل العقد بذلك

بناء على ان الشرط الفاسد مفسد له أم لا، وجهان بل قولان مبنيان على تأثير الشرط قبل العقد.

فان قلنا: بانه لا حكم له كما هو ظاهر المشهور، و قد تقدم فى الشروط لم يفسد، و الا فسد.

و يظهر من المسالك هنا قول ثالث، قال: فى مسئلة اشتراط بيع المبيع من البائع.

______________________________

الكل الفاسد، فرضى بالبعض غير الفاسد، كان بمنزلة لحقوق الرضا بالعقد الفضولى.

(الثالث) من مسائل الشرط الفاسد (لو ذكر الشرط الفاسد قبل العقد لفظا و لم يذكر فى العقد، فهل يبطل العقد بذلك) الشرط المتقدم (بناء على ان الشرط الفاسد مفسد له) اى للعقد (أم لا، وجهان بل قولان مبنيان على تأثير الشرط قبل العقد) بحيث يبنى عليه العقد، و عدم تأثيره.

(فان قلنا: بانه لا حكم له) اى للشرط قبل العقد (كما هو ظاهر المشهور، و قد تقدم فى الشروط) فلا يجب الوفاء فى الشرط الصحيح (لم يفسد) العقد بالشرط الفاسد الّذي لم يتلفظ به الانسان حين العقد (و الا) بان كان للشرط قبل العقد حكم (فسد) العقد بالشرط الفاسد قبله (و يظهر من المسالك هنا قول ثالث) بالتفصيل (قال: فى مسئلة اشتراط بيع المبيع من البائع) بناء على ان هذا الشرط باطل، لانه

ص: 52

المراد باشتراط ذلك: شرطه فى متن العقد، فلو كان فى انفسهما ذلك و لم يشترطاه لم يضرّ، و لو شرطاه قبل العقد لفظا، فان كانا يعلمان بان الشرط المتقدم لا حكم له فلا اثر له، و الا اتجه بطلان العقد، كما لو ذكراه فى متنه، لانهما لم يقدما الاعلى الشرط، و لم يتم لهما فيبطل العقد، انتهى.

______________________________

يستلزم الدور، او ما اشبه (المراد باشتراط ذلك) اى بيعه من البائع (شرطه فى متن العقد، فلو كان فى انفسهما ذلك) الشرط (و لم يشترطاه) فى متن العقد و لا قبله (لم يضر، و لو شرطاه قبل العقد) شرطا (لفظا، فان كانا يعلمان بان الشرط المتقدم لا حكم له فلا اثر له) اى ليس بمبطل (و الا) بان علما ان الشرط المتقدم له حكم (اتّجه بطلان العقد) فيكون حاله (كما لو ذكراه فى متنه).

و حاصل تفصيله ان للمسألة صورا.

الاولى: الشرط النفسى فلا يوجب البطلان.

الثانية: الشرط فى متن العقد فيوجب البطلان.

الثالثة: الشرط قبل العقد و هما يعلمان انه لا حكم فلا يوجب البطلان الرابعة: الشرط قبل العقد و هما يعلمان بان له حكم التأثير و يوجب البطلان.

و انما اوجب البطلان (لانهما لم يقدما الا على الشرط و) الحال انه (لم يتم لهما) لانه شرط فاسد (فيبطل العقد) فان ما قصد لم يقع، و ما وقع لم يقصد (انتهى) كلام المسالك.

ص: 53

و فى باب المرابحة بعد ذكر المحقق فى المسألة المذكورة انه لو كان من قصدهما ذلك و لم يشترطاه لفظا، كره، قال فى المسالك اى لم يشترطاه فى نفس العقد، فلا عبرة بشرطه قبله.

نعم لو توهم لزوم ذلك او نسى ذكره فيه مع ذكره قبله، اتّجه الفساد، انتهى.

ثم حكى اعتراضا على المحقق قدس سره و جوابا عنه بقوله: قيل عليه ان مخالفة

______________________________

(و) قال المسالك (فى باب المرابحة بعد ذكر المحقق فى المسألة المذكورة انه لو كان من قصدهما ذلك) الشرط (و لم يشترطاه لفظا، كره قال فى المسالك اى لم يشترطاه فى نفس العقد، ف) ان العبرة بالشرط اللفظى فى متن العقد ان وجد الشرط فى متن العقد كان حكمه كذا، و ان لم يوجد كان حكمه كذا، و الّا ف (لا عبرة بشرطه) اى شرط الربح (قبله) اى قبل العقد.

(نعم لو توهم لزوم ذلك) الشرط المذكور قبله (او) لم يتوهم ذلك، بل ذكر الشرط قبله و اراد ذكره فى متن العقد لكنه (نسى ذكره) اى الشرط (فيه) اى فى العقد (مع ذكره قبله، اتجه الفساد).

فقوله «لو توهم لزوم ذلك» تأييد لما ذكره قبلا «و الا اتجه بطلان العقد» (انتهى) كلام المسالك.

(ثم حكى) المسالك (اعتراضا على المحقق قدس سره و جوابا عنه) اى عن الاعتراض (بقوله: قيل عليه) اى اشكل على المحقق (ان مخالفة

ص: 54

القصد للّفظ تقتضى بطلان العقد، لان العقود تتبع القصود، فكيف يصح العقد مع مخالفة اللفظ.

و اجيب عنه بان القصد و ان كان معتبرا فى الصحة، فلا يعتبر فى البطلان، لتوقف البطلان على اللفظ و القصد و كذلك الصحّة و لم يوجد فى الفرض.

ثم قال قدس سره و فيه منع ظاهر فان اعتبارهما معا فى الصحة يقتضي

______________________________

القصد للفظ تقتضى بطلان العقد، لان العقود تتبع القصود، فكيف يصح العقد مع مخالفة اللفظ) للقصد، حيث قال المحقق فى عبارته المتقدمة «لو كان من قصدهما ذلك و لم يشترطاه لفظا كره».

(و اجيب عنه) اى قال المسالك (قد اجيب عن هذا الاعتراض) (بان القصد و ان كان معتبرا فى الصحة) حتى انه لو اجرى اللفظ بدون القصد لم ينعقد العقد، (فلا يعتبر) القصد المجرد وحده (فى البطلان، لتوقف البطلان على اللفظ و القصد) معا (و كذلك الصحة) تتوقف على اللفظ و القصد معا (و لم يوجد) اللفظ و القصد الموجبان للبطلان (فى الفرض) اى مفروض كلام المحقق، لان مفروض كلام المحقق انه وجد القصد و لم يوجد اللفظ، و عليه فلا مورد للاعتراض عليه.

(ثم قال) صاحب المسالك (قدس سره و فيه) هذا ردّ لقوله: «و اجيب عنه» (منع ظاهر) اذ الجواب قال: ان الصحة تتوقف على اللفظ و القصد، و البطلان يتوقف على اللفظ و القصد، و هذا غير تام (فان اعتبارهما) اى اللفظ و القصد (معافى الصحة يقتضي

ص: 55

كون تخلف احد هما كافيا فى البطلان.

و يرشد إليه عبارة الساهى و الغالط و المكره، فان المتخلف الموجب للبطلان هو القصد خاصة، و الا فاللفظ موجود.

ثم قال: و الّذي ينبغى فهمه انه لا بد من قصدهما الى البيع المترتب عليه اثر الملك للمشترى على وجه لا يلزمه ردّه، و انما يفتقر قصدهما لردّه بعد ذلك بطريق الاختيار، نظرا الى وثوق البائع بالمشترى انه لا يمتنع من ردّه إليه بعقد جديد بمحض اختياره

______________________________

كون تخلف احدهما كافيا فى البطلان) لانه اذا كان الشي ء مشروطا بامرين فانه اذا ذهب احد الامرين ذهب المركب، لان الكل عدم عند عدم جزء له (و يرشد إليه) اى الى ان تخلف جزء يقتضي البطلان (عبارة الساهى و الغالط و المكره، فان المتخلف الموجب للبطلان هو القصد خاصة، و الا فاللفظ موجود) فعدم القصد فقط اوجب بطلان عقودهم.

(ثم قال) صاحب المسالك: فى باب شرط البيع الى البائع (و الّذي ينبغى فهمه) و الحكم به فى المسألة (انه لا بد من قصدهما الى البيع) اى بيع البائع الى المشترى (المترتب عليه اثر الملك للمشترى على وجه لا يلزمه ردّه) اى لا يلزم بيع المشترى للبائع (و انما يفتقر) و يحتاج المقام الى (قصدهما لردّه) اى ردّ المشترى الى البائع بالبيع (بعد ذلك) اى بعد البيع الاول (بطريق الاختيار، نظرا الى وثوق البائع بالمشترى) و انه اذا باعه الى المشترى ردّه المشترى إليه بكل اختياره، فقد وثق البائع ب (انه) اى المشترى (لا يمتنع من ردّه إليه بعقد جديد بمحض اختياره)

ص: 56

و مروّته، انتهى كلامه.

اقول اذا اوقعا العقد المجرد على النحو الّذي يوقعانه مقترنا بالشرط و فرض عدم التفاوت بينهما فى البناء على الشرط و الالتزام به الا بالتلفظ بالشرط و عدمه.

______________________________

اى اختيار المشترى (و مروّته) لانه اذا وعد و فى (انتهى كلامه) اى كلام صاحب المسالك.

(اقول) التفصيل الّذي ذكره المسالك بين من يعلم بان الشرط المتقدم لا حكم له فلا يوجب الشرط الفاسد المتقدم البطلان، و بين من لا يعلم بان الشرط المتقدم لا حكم له فانه يوجب البطلان، غير تام.

فانه اذا كان الشرط المتقدم يوجب البطلان فيما اذا بنى المتعاقدان عليه- بان كان حاله كحال الشرط المقارن- فان البناء عليه مبطل و لا مدخلية للعلم و الجهل فيه، كما ان البيع فاسد، و لا مدخلية لان يعلم الانسان فساده او لا يعلم.

ف (اذا اوقعا العقد المجرد) عن ذكر الشرط (على النحو الّذي يوقعانه مقترنا بالشرط) اى بنيا على الشرط (و فرض عدم التفاوت بينهما) المجرد و المقترن (فى البناء على الشرط و الالتزام به الا بالتلفظ بالشرط و عدمه) فان فى المقترن تلفظ بالشرط، و فى المجرد لا تلفظ بالشرط، اما البناء على الشرط فهو موجود فى كليهما.

ص: 57

فان قلنا بعدم اعتبار التلفظ فى تأثير الشرط الصحيح و الفاسد، فلا وجه للفرق بين من يعلم فساد الشرط، و غيره، فان العالم بالفساد لا يمنعه علمه عن الاقدام على العقد مقيدا بالالتزام بما اشترطه خارج العقد، بل اقدامه كاقدام من يعتقد الصحة، كما لا فرق فى ايقاع العقد الفاسد بين من يعلم فساده و عدم ترتب اثر شرعى عليه، و غيره.

______________________________

(فان قلنا بعدم اعتبار التلفظ فى تأثير الشرط الصحيح و الفاسد) و ان الشرط يعطى اثره سواء كان شرطا تلفظيا او شرطا بنائيا (فلا وجه للفرق) الّذي ذكره المسالك (بين من يعلم فساد الشرط) فلا يوجب الشرط فساد العقد (و غيره) الّذي لا يعلم فساد الشرط فيوجب الشرط فساد العقد، بل كلاهما باطل، اذ العالم بالفساد أيضا يقيد العقد بالشرط، فما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد (فان العالم بالفساد لا يمنعه علمه) بالفساد (عن الاقدام على العقد مقيدا بالالتزام بما اشترطه خارج العقد) لفرض ان الشرط كان قبل العقد و بنى فى العقد عليه (بل اقدامه) اى اقدام العالم بالفساد (كاقدام من يعتقد الصحة) فى ان كلا منهما قيد العقد بالشرط، فحال الشرط الفاسد حال نفس العقد الفاسد، فهل هناك فرق فى العقد الفاسد بين من يعلم فساده و بين من لا يعلم فساده.

فانه (كما لا فرق فى ايقاع العقد الفاسد بين من يعلم فساده و عدم ترتب اثر شرعى عليه، و) بين (غيره) ممن لا يعلم فساده فلا فرق بينهما فى بطلان العقد، كذلك لا فرق بين العالم بفساد الشرط و بين غير

ص: 58

و بالجملة: فالاقدام على العقد مقيدا امر عرفى يصدر من المتعاقدين و ان علما بفساد الشرط.

و اما حكم صورة نسيان ذكر الشرط فان كان مع نسيان اصل الشرط، كما هو الغالب.

فالظاهر الصحة، لعدم الاقدام على العقد مقيدا، غاية الامر انه كان عازما على ذلك لكن غفل عنه.

______________________________

العالم بفساد الشرط فى بطلان العقد لان العقد المقيّد بهذا الشرط الفاسد لا يقع مقيدا- لفساد الشرط- و لا مطلقا لانه غير مقصود على ما علّله المسالك.

(و بالجملة) نقول فى جواب المسالك (فالاقدام على العقد مقيدا) بالشرط الفاسد سواء تلفظ به أم قدّم على العقد (امر عرفى يصدر من المتعاقدين، و ان علما بفساد الشرط) و هذا الامر لا يقع لان الشارع لم يمضه، فأيّ فرق بين ان يعلما فساده، و بين ان لا يعلما فساده.

(و اما حكم صورة نسيان ذكر الشرط فان كان مع نسيان اصل الشرط) فلم يذكر الشرط و لا بنى عليه (كما هو الغالب) من ان نسيان الذكر يلازم نسيان الاصل.

(فالظاهر الصحة) اى صحة العقد حتى اذا قلنا بان الشرط الفاسد مفسد (لعدم الاقدام على العقد مقيدا، غاية الامر انه كان عازما على ذلك) القيد (لكن غفل عنه) و لا دليل على ان العزم المنسى يوجب البطلان.

ص: 59

نعم لو اتفق ايقاع العقد مع الالتفات الى الشرط، ثم طرأ عليه النسيان فى محل ذكر الشرط كان كتارك ذكر الشرط عمدا تعويلا على تواطئهما السابق

الرابع: لو كان فساد الشرط لاجل عدم تعلق غرض معتد به عند العقلاء،

فظاهر كلام جماعة من القائلين بافساد الشرط الفاسد كونه لغوا غير مفسد للعقد.

قال فى التذكرة- فى باب العيب- لو شرط ما لا غرض فيه للعقلاء و لا يزيد به المالية، فانه لغو لا يوجب الخيار، و قد صرح

______________________________

(نعم لو اتفق ايقاع العقد مع الالتفات الى الشرط) و البناء عليه (ثم طرأ عليه النسيان) اى نسيان ذكر الشرط الفاسد (فى محل ذكر الشرط) مثل آخر العقد، فانه محل ذكر الشرط غالبا (كان) حاله فى البطلان- ان قلنا ان الشرط الفاسد مفسد- (كتارك ذكر الشرط عمدا تعويلا على تواطئهما السابق) فى انه اذا قلنا ان الشرط البنائى مفسد فهذا أيضا مفسد، و ان لم نقل انه مفسد فهذا أيضا ليس بمفسد (الرابع) من المسائل المتعلقة بالشرط الفاسد (لو كان فساد الشرط لاجل عدم تعلق غرض معتد به عند العقلاء، ف) هل هذا مفسد، أم لا؟

(ظاهر كلام جماعة من القائلين بافساد الشرط الفاسد كونه) فى المقام (لغوا غير مفسد للعقد).

(قال فى التذكرة- فى باب العيب- لو شرط ما لا غرض فيه للعقلاء و لا يزيد به) اى بهذا الشرط اللغو (المالية) و هذا عطف بيان لقوله «ما لا غرض» (فانه) اى هذا الشرط (لغو لا يوجب) تخلفه (الخيار، و قد صرح)

ص: 60

فى مواضع اخر- فى باب الشروط- بصحة العقد و لغوية الشرط، و قد صرح الشهيد بعدم ثبوت الخيار اذا اشترط كون العبد كافرا فبان مسلما و مرجعه الى لغوية الاشتراط.

و قد ذكروا فى السلم لغوية بعض الشروط كاشتراط الوزن بميزان معين.

و لعل وجه عدم قدح هذه الشروط ان الوفاء بها لما لم يجب شرعا و لم يكن فى تخلفها او تعذرها خيار

______________________________

صاحب التذكرة (فى مواضع اخر- فى باب الشروط- بصحة العقد و لغوية الشرط، و) هذا أيضا يظهر من الشهيد حيث (قد صرح الشهيد بعدم ثبوت الخيار) اى خيار تخلف الشرط (اذا اشترط) المشترى (كون العبد كافرا فبان مسلما و مرجعه) اى مرجع كلام الشهيد (الى لغوية الاشتراط).

(و قد ذكروا فى) باب (السلم لغوية بعض الشروط كاشتراط الوزن بميزان معين) اذا لم يكن لهذا الشرط غرض عقلائى.

(و لعل وجه عدم قدح هذه الشروط) هو أولا انها لا توجب البطلان و ان قلنا ان الشرط الفاسد مفسد و ثانيا انها لا توجب الخيار و (ان الوفاء بها لما لم يجب شرعا) لفرض انها لا اعتبار بها فى نظر الشرع اذا الشرع انما امضى الشروط العقلائية (و لم يكن فى تخلفها او تعذرها خيار) لان ادلة الخيار منصرفة الى الشروط العقلائية، او لانه لا اجماع فى الخيار فيما اذا تخلف الشرط غير العقلائى، و كذلك لا يشمله دليل: لا ضرر

ص: 61

خرجت عن قابلية تقييد العقد بها، لعدم عدّها كالجزء من احد العوضين و يشكل بان لغويتها لا تنافى تقييد العقد بها فى نظر المتعاقدين.

فاللازم اما بطلان العقد، و اما وجوب الوفاء كما اذا جعل بعض الثمن مما لا يعدّ مالا فى العرف.

______________________________

لانه لا يتضرر الشارط بعدم هذا الشرط اللغو (خرجت عن قابلية تقييد العقد بها) فالعقد مطلق غير مقيد (لعدم عدّها كالجزء من احد العوضين) و من المعلوم ان دليل: الشرط الفاسد مفسد، انما يشمل ما لو كان هناك قيد فى العقد، و المفروض انه لا قيد هنا، و الحاصل ان القيد الفاسد مفسد و الشرط اللغو ليس بقيد.

(و يشكل) قولنا «ان الشرط اللغو ليس بقيد» (بان لغويتها لا تنافى تقييد العقد بها فى نظر المتعاقدين) فيشمله دليل: الشرط الفاسد مفسد.

(فاللازم) حيث كان الشرط اللغو قيدا (اما بطلان العقد) ان قلنا بان الشرط الفاسد مفسد (و اما وجوب الوفاء) بالشرط اللغو ان قلنا بان الشرط الفاسد ليس بمفسد.

فحال الشرط اللغو (كما اذا جعل بعض الثمن مما لا يعدّ مالا فى العرف) فى انه اذا كان مثله مبطلا بطل العقد، و الا وجب الوفاء به، فتأمل.

ص: 62

الكلام فى احكام الخيار

الخيار موروث بانواعه،
اشارة

بلا خلاف بين الاصحاب، كما فى الرياض، و ظاهر الحدائق، و فى التذكرة ان الخيار عندنا موروث، لانه من الحقوق كالشفعة و القصاص فى جميع انواعه.

______________________________

(الكلام فى احكام الخيار) و لا يخفى ان (الخيار موروث بانواعه) فيما اذا لم يكن خيار خاص، كما اذا جعل الخيار لنفس زيد، فانه لا يورث، اذ الخيار هنا مقيد بزيد نفسه، فارثه يعد من القدر المجهول و كيف كان فالكلام فى الخيار بانواعه فى الجملة (بلا خلاف بين الاصحاب كما) ادعى عدم الخلاف (فى الرياض، و ظاهر الحدائق، و) قال (فى التذكرة ان الخيار عندنا موروث) و كلمة: عندنا، ظاهرها الاجماع (لانه من الحقوق).

فصورة القياس هكذا: الخيار من الحقوق، و كل حق موروث فالخيار موروث (كالشفعة) فانه اذا كان هناك شريكان و باع احدهما حصته كان للآخر ان يبطل البيع و يأخذ الحصة لنفسه بالشروط المقرّرة فى كتاب الشفعة فاذا مات من له الشفعة ورثه فى حق الشفعة وارثه (و القصاص) فاذا قطع زيد يد عمرو ثم مات عمرو، كان لوارث عمرو ان يقتصّ من زيد بان يقطع يده، كما له ان يعفو عن القطع و يأخذ الدية (فى جميع انواعه) اى جميع انواع الخيار.

لكن هل يجرى فى مثل خيار المرأة او الرجل الفسخ للنكاح فى ما

ص: 63

و به قال الشافعى الا فى خيار المجلس.

و ادعى فى الغنية الاجماع على إرث خيار المجلس و الشرط.

و استدل عليه مع ذلك بانه حق للميت، فيورث، لظاهر القرآن.

و تبعه بعض من تأخر عنه.

و زيد عليه الاستدلال بالنبوى: ما ترك الميت من حق فلو فلوارثه.

______________________________

اذا كان هناك موجب من موجبات فسخ النكاح، كالجنون و نحوه بعد ان مات من عليه الفسخ، احتمالان.

(و به) اى بان الخيار يورث (قال الشافعى الا فى خيار المجلس) حيث لم يقل الشافعى بانه موروث.

(و ادعى فى الغنية الاجماع على إرث خيار المجلس و الشرط) لكن الظاهر ان مراده الشرط المطلق، لا الشرط الخاص باحدهما او باجنبىّ فانه لو قيد خيار الشرط لم يكن وجه لكونه موروثا.

(و استدل) صاحب الغنية (عليه) اى على ان الخيار موروث (مع ذلك) الاجماع (بانه حق للميّت فيورث، لظاهر القرآن) كقوله سبحانه:

وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ*، و قوله: يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، و غيرهما.

(و تبعه) فى دعوى الاجماع (بعض من تأخر عنه) اى عن ابن زهرة (و زيد عليه) فى كلام اولئك المتأخرين (الاستدلال بالنبوى: ما ترك الميت من حق فلوارثه) فان الحق و ان كان ربما يطلق على المال و ربما يطلق على ما يقابل المال لكن الظاهر هنا بقرينة الاطلاق انه شامل

ص: 64

اقول:

الاستدلال على هذا الحكم بالكتاب و السنة الواردين فى إرث ما ترك الميّت يتوقف على ثبوت امرين.
احدهما: كون الخيار حقا لا حكما شرعيا،

كاجازة العقد الفضولى و جواز الرجوع فى الهبة و سائر العقود الجائزة، فان الحكم الشرعى مما لا يورث، و كذا ما تردّد بينهما، للاصل.

______________________________

لكلا الامرين، فانه عند الاطلاق يشملهما، كما لا يخفى.

(اقول: الاستدلال على هذا الحكم) اى على ان الخيار موروث (بالكتاب و السنة الواردين فى إرث ما ترك الميّت) فنقول: كل ادلة الارث تشمل الخيار، فالخيار موروث و (يتوقف على ثبوت امرين).

(احدهما: كون الخيار حقا لا حكما شرعيا) و قد سبق الفرق بين الحق و الحكم، فالحق ما يقبل الانتقال و يقبل الاسقاط و ما اشبه، و الحكم ليس كذلك، مثلا: وجوب الصلاة حكم و وجوب ردّ السلام حكم اما السكنى فى المدرسة و ما اشبه فهو حق (كاجازة العقد الفضولى و جواز الرجوع فى الهبة و سائر العقود الجائزة) فانها حقوق، و لذا تقبل الاسقاط و يرثها الوارث (فان الحكم الشرعى مما لا يورث) و لا ينتقل و لا يقبل الاسقاط الى غيرها من الفروق بين الحق و الحكم (و كذا ما تردّد بينهما) فلم يعلم انه حق او حكم اللازم ان لا نرتب عليه آثار الحق (للاصل) لانه اذا شككنا فى انه يورث أم لا، فالاصل عدم الارث، و كذا اذا شككنا فى انه ينتقل أم لا الى غير ذلك.

ص: 65

و ليس فى الاخبار ما يدل على ذلك عدا ما دلّ على انتفاء الخيار بالتصرف معللا بانه رضا، كما تقدم فى خيار الحيوان.

و التمسك بالاجماع على سقوطه بالاسقاط فيكشف عن كونه حقا لا حكما، مستغنى عنه بقيام الاجماع على نفس الحكم.

الثانى: كونه حقا قابلا للانتقال،

ليصدق انه مما

______________________________

(و ليس فى الاخبار ما يدل على ذلك) اى على ان الخيار حق (عدا ما دلّ على انتفاء الخيار بالتصرف معللا بانه رضا، كما تقدم فى خيار الحيوان) فانه اذا كان اسقاط الخيار بيد المتصرف كان ذلك دليلا على انه حق، اذ لو كان حكما لم يسقط بتصرف ذى الخيار.

(و) عدا (التمسك) من الفقهاء (بالاجماع على سقوطه بالاسقاط) فان ذا الخيار له اسقاط خياره اجماعا- كما تقدم- (فيكشف) هذا الاجماع (عن كونه حقا لا حكما) فى حالكون هذا الاجماع على سقوطه بالاسقاط (مستغنى عنه) اى عن التمسك (بقيام الاجماع على نفس الحكم) اى ان الخيار يورث، فان الاجماع على انه يسقط بالاسقاط يدل على انه حق، فاذا ثبت كونه حقا ثبت انه يورث، فلا حاجة الى الاستدلال بالاجماع على انه يورث.

(الثانى: كونه حقا قابلا للانتقال) فان مجرد كونه حقا لا يلازم كونه قابلا للانتقال، لما نشاهد فى الشريعة من وجود بعض الحقوق التى ليست قابلة للانتقال.

و انما نحتاج الى الدليل على انه قابل للانتقال (ليصدق انه مما

ص: 66

ترك الميت بان لا يكون وجود الشخص و حياته مقوما له، و الا فمثل حق الجلوس فى السوق و المسجد و حق التولية و النظارة غير قابل للانتقال فلا يورث.

و اثبات هذا الامر بغير الاجماع أيضا مشكل.

و التمسك فى ذلك

______________________________

ترك الميت) فيكون مصداقا لقوله عليه السلام: ما ترك الميت من حق فلوارثه و قوله تعالى: مٰا تَرَكَ*، فى آيات الارث (بان لا يكون وجود الشخص و حياته مقوما له) اى لهذا الحق (و الا فمثل حق الجلوس فى السوق و المسجد و حق التولية و النظارة) بان يكون ناظرا على المتولى (غير قابل للانتقال).

فلا يصح ان يقول زيد لعمرو: لى الحق فى الجلوس فى المسجد فابيعك هذا الحق، او اذا مات زيد ورث هذا الحق ولده، فيكون للولد حقان فى جلوس المسجد، حق نفسه و حق والده (فلا يورث) هذا الحق لان كل ما لا ينتقل لا يورث.

(و اثبات هذا الامر) اى ان الخيار قابل للانتقال (بغير الاجماع أيضا مشكل) بان يقال: انه لما كان حقّا كان الاصل فيه الانتقال، لانه معنى كونه بيد ذى الحق، بل لا يخفى انه ربما لا يكون قابلا للانتقال بغير الارث، كما اذا اراد ان يبيع خيار المجلس او خيار الحيوان، مثل بيع الملك حتى يكون المشترى له ذلك، لا بنحو الوكالة، و عليه فثبوت نوع من انواع الانتقال لا يلازم ثبوت نوع آخر من الانتقال.

(و التمسك فى ذلك) اى فى كون الخيار حقا قابلا للانتقال

ص: 67

باستصحاب بقاء الحق و عدم انقطاعه بموت ذى الحق اشكل، لعدم احراز الموضوع، لان الحق لا يتقوّم الا بالمستحق.

و كيف كان ففى الاجماع المنعقد على نفس الحكم كفاية، ان شاء اللّه تعالى.

______________________________

(باستصحاب بقاء الحق) و هو الخيار (و عدم انقطاعه بموت ذى الحق) بان يقال كان لزيد حق الخيار، فاذا مات لا نعلم بانه هل سقط هذا الحق أم بقى، فنستصحب بقائه (اشكل، لعدم احراز الموضوع، لان الحق لا يتقوّم الا بالمستحق) فالشخص الّذي كان الحق متقوما به- و هو الميت- قد ذهب، و الوارث لا يعلم ان الحق يتقوم به فهو من قبيل تسرّى الحكم من موضوع الى موضوع آخر.

(و كيف كان ففى الاجماع المنعقد على نفس الحكم) و ان الخيار يورث (كفاية، ان شاء اللّه تعالى) هذه كلمة تبرّك.

ثم ان بعض الفقهاء شرط لانتقال الحق الى الوارث شرطا ثالثا، و هو ان لا يكون الحق دائرا مدار عنوان مفقود فى الوارث، كما اذا كان شي ء حقا للاعلم، فانه اذا مات الاعلم لا يرثه وارثه بل يرثه الاعلم، و ان لم يكن وارثا نسبا او سببا.

و فيه تأمّل لان انتقال الحق حينئذ الى الاعلم الثانى ليس من باب الارث بل من باب عموم الدليل له، و بينهما فرق واضح كما لا يخفى.

ص: 68

بقى الكلام فى انّ إرث الخيار ليس تابعا لارث المال فعلا

فلو فرض استغراق دين الميت لتركته لم يمنع انتقال الخيار الى الوارث.

و لو كان الوارث ممنوعا لنقصان فيه كالرقيّة، او القتل للمورث، او الكفر، فلا اشكال فى عدم الارث لان الموجب لحرمانه من المال موجب لحرمانه من سائر الحقوق.

______________________________

(بقى الكلام فى انّ إرث الخيار ليس تابعا لارث المال فعلا فلو فرض استغراق دين الميّت لتركته) فانه لا يرث الوارث المال قطعا بل يوزع المال بين الغرماء (لم يمنع) عدم إرث المال من (انتقال الخيار الى الوارث).

فاذا كان الميّت قد اشترى شيئا بالخيار، كان للوارث ان يردّه و يقبض الثمن و يكون الثمن للديّان.

و اذا كان الميت قد باع شيئا بالخيار كان للوارث ان يردّ الثمن و يقبض المثمن و يكون المثمن للديّان.

و ذلك لان اطلاق «ما تركه الميت» يشمل الخيار، و ان لم يشمل المال لدليل: ان المال للديّان.

(و لو كان الوارث ممنوعا) عن الارث (لنقصان فيه) لا لانه لا يرث المال- من جهة محذور فى المال- (كالرقية، او القتل للمورث، او الكفر) فان العبد لا يرث و القاتل لمورّثه لا يرثه و الكافر لا يرث المسلم (فلا اشكال فى عدم الارث) فانهم لا يرثون حق الخيار أيضا كما لا يرثون اصل المال (لان الموجب لحرمانه من المال موجب لحرمانه من سائر الحقوق)

ص: 69

و لو كان حرمانه من المال لتعبّد شرعى، كالزوجة غير ذات الولد او مطلقا بالنسبة الى العقار، و غير الاكبر من الاولاد بالنسبة الى الحياة، ففى حرمانه من الخيار المتعلق بذلك المال مطلقا

______________________________

فان الكفر و ما اشبه يقطع الارتباط بين المورث و الوارث من كل انواع الارث ملكا كان او حقا.

(و لو كان حرمانه) اى حرمان الوارث (من المال لتعبّد شرعى) لا لنقص فى المال كالدين المستغرق، و لا لنقص فى الوارث كالوارث الكافر (كالزوجة غير ذات الولد او مطلقا) بان كانت ذات ولد أم لا (بالنسبة الى العقار) اى الارض، سواء كانت ارضا جرداء او ارضا ذات بناء، فانه اختلف فى ان الزوجة لا ترث مطلقا من الارض او لا ترث اذا كانت غير ذات ولد اما اذا كانت ذات ولد فانها ترث (و) مثل (غير الاكبر من الاولاد بالنسبة الى الحبوة).

فالحبوة و هى السيف، و المصحف، و الخاتم خاصة بالولد الاكبر، و سائر الاولاد ليس لهم منها نصيب.

(ف) قد اختلف الفقهاء فى انه هل تحرم الزوجة و سائر الاولاد من الخيار المتعلق بالارض و بالحبوة أم لا يحرمون الى أربعة اقوال (فى حرمانه من الخيار المتعلق بذلك المال مطلقا) سواء كان المال آتيا الى الزوج و الاولاد، او ذاهبا عنهم، مثلا: لو باع الزوج ارضا و جعل لنفسه الخيار فى استرجاعها ان شاء، فهل للزوجة حق الخيار أم ليس لها حق الخيار فى تلك الارض، و كذا لو اشترى الزوج ارضا و جعل لنفسه الخيار فى ردّها

ص: 70

او عدم حرمانه كذلك وجوه، بل اقوال.

ثالثها: التفصيل بين كون ما يحرم الوارث عنه منتقلا الى الميت، او عنه.

فيرث فى الاول، صرح به فخر الدين فى الايضاح و فسّر به عبارة والده كالسيّد العميد، و شيخنا الشهيد فى الحواشى.

______________________________

ان شاء فهل ان الزوجة لها حق الخيار فى ان يردّها أم لا، و هكذا بالنسبة الى الحبوة، و غير الولد الاكبر.

فاذا كان الأب مشتريا للسيف و جعل لنفسه حق الخيار، فهل ان سائر الاولاد لهم حق الارجاع بخيار ابيهم؟ و كذا اذا كان الأب بائعا سيفه و جعل لنفسه حق الخيار فهل ان الاولاد لهم حق استرجاع السيف؟ (او عدم حرمانه كذلك) مطلقا (وجوه، بل اقوال).

(ثالثها: التفصيل بين كون ما يحرم الوارث عنه منتقلا الى الميت او) منتقلا (عنه).

(فيرث فى الاول) فيما كان منتقلا الى الميت، بان اشترى الارض و السيف مثلا.

و لا يرث فى الثانى فيما اذا كان منتقلا عن الميّت كما اذا باع الارض و السيف و جعل الخيار لنفسه (صرح به) اى بهذا التفصيل (فخر الدين فى الايضاح و فسّر به عبارة والده) العلامة (ك) ما افتى بذلك (السيد العميد، و شيخنا الشهيد) الاول (فى الحواشى).

ص: 71

و رابعها: عدم الجواز فى تلك الصورة، و الاشكال فى غيرها، صرح به فى جامع المقاصد و لم اجد من جزم بعدم الارث مطلقا، و ان امكن توجيهه بان ما يحرم منه هذا الوارث ان كان قد انتقل عن الميّت فالفسخ لا معنى له، لانه لا ينتقل إليه بإزاء ما ينتقل عنه من الثمن شي ء من المثمن و بعبارة اخرى: الخيار

______________________________

(و رابعها) اى رابع الاقوال (عدم الجواز فى تلك الصورة) فلا خيار للزوجة و لسائر الورثة فى ما اذا كانت الارض و السيف منتقلان عن الميت (و الاشكال فى غيرها) اى غير تلك الصورة فيما اذا كانت الارض و السيف منتقلان عن الميت (صرح به) ان بهذا القول الرابع (فى جامع المقاصد و لم اجد من جزم بعدم الارث) للخيار (مطلقا) اى ما ذكرناه بقولنا «ففى حرمانه من الخيار مطلقا».

و عليه فقوله السابق «بل اقوال» يريد ثلاثة اقوال فقط، لا أربعة، نعم «الوجوه» أربعة (و ان امكن توجيهه) اى توجيه حرمانه مطلقا (بان ما يحرم منه هذا الوارث) كالارض بالنسبة الى الزوجة، و كالحبوة بالنسبة الى سائر الورثة (ان كان قد انتقل عن الميت) كان باع الميّت الارض و السيف، و جعل الخيار لنفسه (فالفسخ لا معنى له) فلا حق للزوجة و سائر الاولاد بالفسخ (لانه) قبل الفسخ كان فى كيسهما ثمن المبيع.

اما اذا فسخ، ف (لا ينتقل إليه بإزاء ما ينتقل عنه من الثمن) «من» بيان «ما» (شي ء من المثمن) «شي ء» فاعل «لا ينتقل».

(و بعبارة اخرى) فى وجه هذا الاحتمال، و هو حرمانه مطلقا (الخيار

ص: 72

علاقة لصاحبه فيما انتقل عنه توجب سلطنته عليه و لا علاقة هنا و لا سلطنة.

و ان كان قد انتقل الى الميت فهو لباقى الورثة و لا سلطنة لهذا المحروم.

و الخيار حق فيما انتقل عنه بعد احراز تسلطه على ما وصل بإزائه.

______________________________

علاقة لصاحبه فيما انتقل عنه توجب) تلك العلاقة (سلطنته عليه) بان يستردّه الى نفسه (و لا علاقة هنا و لا سلطنة).

اذ لا تتمكن الزوجة من ان تنقل الى نفسها الارض، و لا سائر الورثة من ان ينقلوا الى انفسهم الحبوة.

(و ان كان قد انتقل الى الميت فهو لباقى الورثة) لان الارض لغير الزوجة و الحبوة للاكبر من الاولاد، و لا حق لسائر الاولاد فيها (و لا سلطنة لهذا) الانسان (المحروم) كالزوجة و سائر الاولاد على الارض و الحبوة.

(و الخيار حق فيما انتقل عنه) بان يستردّه (بعد احراز) و تحقق (تسلطه) اى تسلط ذى الخيار (على ما وصل بإزائه) اى بإزاء ما انتقل عنه.

و الحاصل مثلا: ان الارض لو كانت انتقلت الى المشترى فلا سلطة للزوجة عليها حتى يتسلط على استرجاعها، و ان كانت انتقلت الى الميّت فلا سلطة للزوجة عليها حتى يتسلّط على استرجاع الثمن الّذي هو بإزاء الارض.

ص: 73

و لكن يرد ذلك بما فى الايضاح من ان الخيار لا يتوقف على الملك، كخيار الا جنبى.

فعمومات الارث بالنسبة الى الخيار لم يخرج عنها الزوجة، و ان خرجت عنها بالنسبة الى المال.

و الحاصل: ان حق الخيار ليس تابعا للملكية.

______________________________

(و) ان شئت قلت: حق الخيار انما يكون مع التسلط على طرفيه و هما: المثمن و الثمن، بان يسترجع احدهما و يرد الآخر، و اذا كانت الارض فى البين لم يكن لها سلطة عليها، فلا خيار.

(لكن يردّ ذلك) اى دليل القائل بالحرمان سواء انتقل إليه او انتقل عنه (بما فى الايضاح من ان الخيار لا يتوقف على الملك) و على سلطة ذى الخيار على الطرفين سلطة ملكية (كخيار الاجنبى) فانه اذا جعل الخيار لا جنبى ثالث كان له الخيار، و ان لم تكن له سلطة ملكية.

و كذا الحال هنا فى الزوجة فانها ترث الخيار و ان لم تكن لها سلطة ملكية.

(فعمومات الارث بالنسبة الى الخيار لم يخرج عنها الزوجة) لعدم الدليل على خروجها (و ان خرجت) الزوجة (عنها) اى عن عمومات الارث (بالنسبة الى المال) الدال على حرمانها من الارض، و كذلك الحبوة بالنسبة الى سائر الورثة.

(و الحاصل: ان حق الخيار ليس تابعا للملكية) بل بينهما عموم من وجه «ملك بلا خيار» و «خيار بلا ملك» كما فى الاجنبى «و ملك و-

ص: 74

و لذا قوى بعض المعاصرين ثبوت الخيار فى الصورتين.

و يضعّفه ان حق الخيار علقة فى الملك المنتقل الى الغير من حيث التسلط على استرداده الى نفسه، او الى من هو منصوب من قبله، كما فى الاجنبى.

و بعبارة اخرى: ملك لتملك المعوض لنفسه، او لمن نصب عنه.

______________________________

خيار» فعدم الملك لا يلازم عدم الخيار.

(و لذا) الّذي ذكرنا من انه لا دليل على خروج الزوجة عن الخيار (قوى بعض المعاصرين ثبوت الخيار فى الصورتين) سواء انتقلت الارض الى الزوج، او عن الزوج.

(و يضعّفه) اى اطلاق حق الخيار، فان المصنف يريد الآن تضعيف ان للزوجة الخيار فيما انتقلت عن الميت فلا خيار للزوجة اذا كان الزوج بائعا للارض (ان حق الخيار علقة فى الملك المنتقل الى الغير) بان يسترجعه (من حيث التسلط) لذى الخيار (على استرداده الى نفسه، او الى من هو منصوب من قبله) اى ذو الخيار منصوب من قبل ذلك الانسان الّذي يرجع المال إليه (كما فى الاجنبى) فانه يردّ المال الى موكّله الّذي جعل له الخيار، و الزوجة لا تسترد الارض لا الى نفسها و لا الى موكّلها، فليست كالاصيل، و لا كالاجنبى فقياسها بالاجنبى ذى الخيار، قياس مع الفارق.

(و بعبارة اخرى) الخيار (ملك لتملك المعوض) اى استرجاع الارض تملّكا (لنفسه، او لمن نصب) ذو الخيار (عنه) بان يسترجع الاجنبى الملك

ص: 75

و هذه العلاقة لا تنتقل من الميت الا الى وارث يكون كالميت فى كونه مالكا لان يملك، فاذا فرض ان الميّت باع ارضا بثمن، فالعلاقة المذكورة انما هى لسائر الورثة دون الزوجة، لانها- بالخيار- لا ترد شيئا من الارض الى نفسها و لا الى آخر، هى من قبله لتكون كالا جنبى المجعول له.

نعم لو كان الميّت قد انتقلت إليه الارض، كان الثمن المدفوع الى البائع متزلزلا فى ملكه، فيكون فى معرض الانتقال الى جميع الورثة و منهم الزوجة فهى أيضا

______________________________

الى من جعل له الخيار.

(و هذه العلاقة لا تنتقل من الميت الا الى وارث يكون كالميت فى كونه مالكا لان يملك) اى يملك الارض المنتقلة عنه الى المشترى (فاذا فرض ان الميّت باع ارضا بثمن، فالعلاقة المذكورة) اى علاقة ان يستردّه الى نفسه او موكّله (انما هى لسائر الورثة دون الزوجة).

و انما ليست للزوجة (لانها- بالخيار- لا تردّ شيئا من الارض الى نفسها و لا الى) انسان (آخر، هى من قبله لتكون) الزوجة (كالا جنبى المجعول له) الخيار.

هذا كله فيما اذا كانت الارض منتقلة عن الميّت الى المشترى.

(نعم لو كان الميّت قد انتقلت إليه الارض) و كان للزوجة حق الخيار (كان الثمن المدفوع الى البائع متزلزلا فى ملكه، فيكون فى معرض الانتقال الى جميع الورثة) اذا اخذ بالخيار (و منهم الزوجة فهى أيضا

ص: 76

مالكة لتملك حصّتها من الثمن.

لكن فيه ما ذكرنا سابقا من ان الخيار حق فيما انتقل عنه بعد احراز التسلط على ما وصل بإزائه.

و عبّر عنه فى جامع المقاصد، بلزوم تسلّط الزوجة على مال الغير.

و حاصله ان الميّت انما كان له الخيار و العلقة فيما انتقل عنه من حيث تسلّطه على ردّ ما فى يده

______________________________

مالكة لتملك حصتها من الثمن) اذا اخذت بالخيار.

(لكن فيه) اى فى ان يكون لها حق الخيار اذا انتقلت الارض الى الزوج الميت (ما ذكرنا سابقا من ان الخيار حق فيما انتقل عنه) حيث ان ذا الخيار له ان يستردّ ما انتقل عنه (بعد احراز التسلط على ما وصل بإزائه) فاذا لم يحرز التسلط على ما وصل بإزائه، فلا حق له فيما انتقل عنه، اى لا خيار.

(و عبّر عنه) اى عما ذكرنا بقولنا «لكن فيه» (فى جامع المقاصد ب) ان خيار الزوجة فيما اذا كانت الارض منتقلة الى الزوج معناه (لزوم تسلط الزوجة على مال الغير) اذا الارض ملك لسائر الورثة، فاذا تسلطت الزوجة على الفسخ كان معنى ذلك انها مسلطة على ملك سائر الورثة.

(و حاصله) اى حاصل الاشكال فى هذا الوجه، و هو ان الزوجة مسلطة على الفسخ فيما اذا كانت الارض منتقلة الى الميّت (ان الميّت انما كان له الخيار و العلقة فيما انتقل عنه) اى الثمن الّذي اعطاه بإزاء ما اشتراه من الارض (من حيث تسلّطه) اى الميّت (على ردّ ما فى يده) اى

ص: 77

لتملك ما انتقل عنه بإزائه، فلا تنتقل هذه العلاقة الا الى من هو كذلك من ورثته كما مرّ نظيره فى عكس هذه الصورة، و ليست الزوجة كذلك.

و قد تقدم فى مسئلة ثبوت خيار المجلس للوكيل ان ادلة الخيار مسوقة لبيان تسلّط ذى الخيار على صاحبه من جهة تسلطه على تملك ما فى

______________________________

الارض (لتملك ما انتقل عنه بإزائه) اى بإزاء ما فى يده، فالميّت مسلّط على ردّ الارض لتملك الثمن الّذي انتقل عنه (فلا تنتقل هذه العلاقة الا الى من هو كذلك من ورثته) الّذي يكون له تسلّط فى ردّ الارض لتملك ما انتقل عنه بإزاء الارض.

و من المعلوم: ان الزوجة التى لا ترث الارض لا تسلط لها فى ردّ الارض اذ لا تسلط لها على الارض (كما مرّ نظيره فى عكس هذه الصورة) و هى صورة انتقال الارض عن الميّت، فان الزوجة لها تسلط على الثمن المنتقل الى الميّت و لذا لها حق الخيار.

فقوله «كما» مثال «لانتقال العلاقة»، لا لقوله «فلا تنتقل هذه العلاقة» اى مثال للمنفى لا للنفى (و ليست الزوجة كذلك) اى ليست كمن هو كذلك من ورثته، و لذا فلا خيار لها.

(و قد تقدم فى مسئلة ثبوت خيار المجلس للوكيل) ما يشبه ما ذكرناه هنا بقولنا «انما كان له الخيار فيما انتقل عنه من حيث تسلطه الخ».

ف (ان ادلة الخيار) اى خيار المجلس (مسوقة لبيان تسلّط ذى الخيار على صاحبه) اى طرف البيع (من جهة تسلّطه) اى تسلّط ذى الخيار (على تملك ما فى

ص: 78

يده، فلا يثبت بها تسلط الوكيل على ما وصل إليه لموكله، و ما نحن فيه كذلك.

و يمكن دفعه بان ملك بائع الارض للثمن لما كان متزلزلا و فى معرض الانتقال الى جميع الورثة اقتضى بقاء هذا التزلزل بعد موت ذى الخيار ثبوت حق للزوجة

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 15، ص: 79

______________________________

يده) اى ان له الخيار لانه قادر ان يملك ما فى يد نفسه، فلا يفسخ، فمن يملك ما فى يده يملك ما فى يد غيره (فلا يثبت بها) اى بادلة خيار المجلس (تسلّط الوكيل على ما وصل إليه لموكله) فان الوكيل ليس مسلّطا على ما وصل الى الموكل، فليس مسلّطا على ما فى يد الطرف الآخر، فلا خيار له (و ما نحن فيه) من الارض التى اشتراها الميّت (كذلك) فلا حق للزوجة فى فسخها، اذ لا تسلّط لها على الارض فلا تسلّط لها على الثمن الّذي بيد البائع.

(و يمكن دفعه) اى دفع ما ذكرنا من الاشكال بقولنا «نعم لو كان الميّت الخ».

و حاصل الدفع ان الزوجة و ان لم يكن لها تسلّط على الارض لكنها مسلطة على الثمن، لان الثمن متزلزل (بان ملك بائع الارض للثمن لما كان متزلزلا) فان خيار المشترى الميّت جعل ملكية الطرف للثمن متزلزلا (و فى معرض الانتقال الى جميع الورثة) اذ اخذ بالخيار (اقتضى بقاء هذا التزلزل بعد موت ذى الخيار).

و انما يبقى لدليل «ما تركه الميت فلوارثه» (ثبوت حق للزوجة)

ص: 79

و ان لم يكن لها تسلط على نفس الارض.

و الفرق بين ما نحن فيه و بين ما تقدم فى الوكيل ان الخيار هناك و تزلزل ملك الطرف الآخر، و كونه فى معرض الانتقال الى موكل الوكيل كان متوقفا على تسلط الوكيل على ما فى يده، و تزلزل ملك الطرف الآخر هنا و كونه فى معرض الانتقال الى الورثة ثابت على كل حال، و لو لم نقل بثبوت الخيار للزوجة، فان باقى

______________________________

«ثبوت» مفعول «اقتضى» (و ان لم يكن لها تسلط على نفس الارض) فلا تلازم بين عدم حقها، و عدم التسلط على الارض.

(و الفرق بين ما نحن فيه) من حق الزوجة فى الفسخ و ان لم تتسلط على الارض (و بين ما تقدم فى الوكيل) من انه لا حق له فى الفسخ، حيث لا تسلط له على ما انتقل الى الموكل، ان الوكيل اذا فسخ لا يرتبط به ما ينتقل الى الموكل، و الزوجة اذا فسخت ارتبط بها ما ينتقل الى سائر الورثة و هو بعض الثمن، فانها ترث من الثمن بعد الفسخ.

ف (ان الخيار هناك) فى باب الوكيل (و تزلزل ملك الطرف الآخر و كونه فى معرض الانتقال الى موكل الوكيل).

و قوله «و تزلزل» و «كونه» عطفا بيان لقوله «ان الخيار» (كان متوقفا على تسلط الوكيل على ما فى يده) بخلافه فى مسئلة الزوجة (و) ذلك لان (تزلزل ملك الطرف الآخر هنا) فى باب الزوجة (و كونه فى معرض الانتقال الى الورثة ثابت على كل حال) اذ لسائر الورثة حق الفسخ (و لو لم نقل بثبوت الخيار للزوجة) و انما كان ثابتا على كل حال (فان باقى

ص: 80

الورثة لو ردّوا الارض و استردوا الثمن شاركتهم الزوجة فيه، فحق الزوجة فى الثمن المنتقل الى البائع ثابت، فلها استيفائه بالفسخ.

ثم ان ما ذكر وارد على فسخ باقى الورثة للارض المبيعة بثمن معين تشترك فيه الزوجة، الا ان يلتزم عدم

______________________________

الورثة لو ردّوا الارض و استردّوا الثمن شاركتهم الزوجة فيه) اى فى الثمن بلا اشكال.

و عليه: (فحق الزوجة فى الثمن المنتقل الى البائع ثابت فلها استيفائه) اى استيفاء هذا الحق (بالفسخ) فلا تقاس مسئلة الزوجة بمسألة الوكيل.

(ثم ان ما ذكر) فى مقام دفع الايراد عن ثبوت الخيار للزوجة فى صورة كون الارض التى تحرم منها الزوجة منتقلة الى الميّت المترتب عليه ثبوت الخيار لها فى تلك الصورة (وارد) اى جار فى صورة انتقال الارض عن الميّت، فيأتى الكلام المذكور أيضا (على فسخ باقى الورثة للارض المبيعة) التى باعها الميّت (بثمن معين تشترك فيه) اى فى ذلك الثمن (الزوجة) اذ الزوجة ترث من ثمن الارض، و انها لا ترث من نفس الارض.

و انما كان واردا لان تزلزل ملك الطرف الآخر للارض ثابت على كل حال و ان لم نقل بثبوت الخيار للزوجة، فانه الباقى الورثة فسخ المعاملة و استرجاع الارض و ردّ الثمن الّذي تشترك فيه الزوجة على تقدير عدم لفسخ.

و يترتب على هذا ان يقال بالوجه الثانى، و هو ارثها للخيار مطلقا سواء انتقلت الارض الى الميّت او انتقلت عن الميّت (الا ان يلتزم عدم

ص: 81

تسلّطهم على الفسخ، الا فى مقدار حصّتهم من الثمن، فيلزم تبعيض الصفقة فما اختاره فى الايضاح من التفصيل مفسرا به عبارة والده فى القواعد لا يخلو عن قوة.

قال فى القواعد: الخيار موروث بالحصص كالمال من اىّ انواعه كان الا الزوجة غير ذات الولد فى الارض على اشكال، اقربه ذلك

______________________________

تسلّطهم) اى عدم تسلط سائر الورثة (على الفسخ) فيما اذا كانت الارض منتقلة عن الميّت (الا فى مقدار حصتهم من الثمن) فلهم ان يفسخوا بمقدار حصتهم، و ان يستردّوا بعض الارض (فيلزم تبعيض الصفقة) على المشترى للارض.

و نتيجته عدم تزلزل ملك الطرف الآخر فى جميع الارض حتى على تقدير اختصاص الخيار بغير الزوجة.

و على هذا (فما اختاره فى الايضاح من التفصيل) الّذي جعله المصنف ثالث الوجوه (مفسرا به عبارة والده فى القواعد لا يخلو عن قوة) بعد سقوط القولين الاولين و هما: إرث الخيار مطلقا، و عدم إرث الخيار مطلقا، و أليك عبارتا القواعد و الايضاح لتستبين المسألة اكثر فاكثر.

(قال فى القواعد: الخيار موروث بالحصص كالمال) الّذي يورث بالحصص (من اى انواعه كان) سواء كان خيار العيب او خيار الغبن او خيار الشرط او غيرها (الا الزوجة غير ذات الولد).

اما الزوجة ذات الولد فانها ترث (فى الارض) فانها لا ترث الخيار المتعلق بالارض (على اشكال) فى انها لا ترث (اقربه ذلك) اى انها

ص: 82

ان اشترى بخيار لترث من الثمن، انتهى.

و قال فى الايضاح: ينشأ الاشكال من عدم ارثها منها، فلا يتعلق بها فلا ترث من خيارها.

و من ان الخيار لا يتوقف على الملك، كالا جنبى.

ثم فرّع المصنف انه لو كان الموروث قد اشترى بخيار فالاقرب ارثها من الخيار، لان لها حقا فى الثمن.

______________________________

لا ترث (ان اشترى) الزوج الميّت الارض (بخيار) له فى ان يفسخ و يرد الارض فليس لها ان تفسخ (لترث من الثمن) بل ليس لها ان تفسخ البيع لترد الارض و تسترجع الثمن (انتهى).

(و قال فى الايضاح: ينشأ الاشكال) الّذي ذكره القواعد بقوله «على اشكال» (من عدم ارثها) اى الزوجة (منها) اى من الارض (فلا يتعلق) البيع (بها) اى بالزوجة (فلا ترث من خيارها) و هذا وجه عدم الخيار.

(و من ان الخيار لا يتوقف على الملك) اذ من الممكن ان تكون الزوجة لا تملك الارض و لكن تملك الخيار (كالاجنبى) الّذي جعل له الخيار فانه لا يملك المبيع، و لكن له الخيار.

(ثم) قال فى الايضاح (فرّع المصنف) اى العلامة (انه لو كان الموروث قد اشترى بخيار) بان كان الميّت قد اشترى ارضا بخيار فى مقابل المسألة الاصلية التى هى ان الميّت باع الارض بخيار (فالاقرب ارثها) اى الزوجة (من الخيار، لان لها حقا فى الثمن) فانها اذا فسخت بيع

ص: 83

و يحتمل عدمه لانها لا ترث من الثمن الا بعد الفسخ، فلو علّل بارثها دار، و الّا صحّ اختيار المصنف لان الشراء يستلزم منعها من شي ء نزله الشارع منزلة جزء من التركة، و هو الثمن، فقد تعلق الخيار بما ترث منه

______________________________

الارض و استرجعت المال- الثمن- كان لها حصة منه، اذ هى ترث من الثمن و لا ترث من الارض.

(و يحتمل عدمه) اى ليس لها الفسخ فيما اذا كانت الارض منتقلة الى الميّت (لانها لا ترث من الثمن الا بعد الفسخ، فلو علّل بارثها) اى حقها فى الخيار بان لها حقّا فى الثمن، ل (دار) لان ارثها من الثمن متوقف على حقها فى الفسخ، لانه لو لا حقها فى الفسخ لا ترث من الثمن و حقها فى الفسخ يتوقف على ارثها من الثمن، لانها لو لم ترث من الثمن لم يكن لها حق فى الفسخ، و هذا دور صريح.

ثم قال صاحب الايضاح (و الا صحّ اختيار المصنف) العلامة من التفصيل بين ما انتقل الى الميّت فيرث، و بين ما انتقل عن الميّت فلا يرث اما اذا باع المورّث فقد عرفت ان الوارث لا يرث.

و اما اذا اشترى فالوارث يرث (لان الشراء يستلزم منعها) اى الزوجة (من شي ء نزله الشارع منزلة جزء من التركة، و هو) اى ذلك الشي ء (الثمن، فقد تعلق الخيار بما ترث) المرأة (منه) و هو الثمن، فان الثمن مع قطع النظر من الشراء كان جزء من التركة موروثا للزوجة، و الشراء منع من ذلك.

فلو قلنا بثبوت الخيار لها لا يلزم تعلق الخيار بغير الموروث، فالثمن

ص: 84

انتهى.

و قد حمل العبارة على هذا المعنى السيد العميد الشارح للكتاب، و استظهر خلاف ذلك من عبارة جامع المقاصد فانه بعد بيان منشأ الاشكال على ما يقرب من الايضاح قال: فالاقرب من هذا الاشكال عدم ارثها ان كان الميّت قد اشترى ارضا بخيار، فارادت الفسخ لترث من الثمن، و اما اذا باع ارضا بخيار، فالاشكال حينئذ بحاله، لانها اذا فسخت فى هذه الصورة

______________________________

موروث شأنا و ذلك يوجب عدم الدور (انتهى) عبارة الايضاح فى شرح كلام القواعد.

(و قد حمل العبارة) اى عبارة العلامة فى القواعد (على هذا المعنى) الّذي ذكره الايضاح (السيد العميد الشارح للكتاب) اى لكتاب القواعد (و استظهر خلاف ذلك) اى خلاف تفصيل العلامة (من عبارة جامع المقاصد).

اذ قد تقدم ان جامع المقاصد يقول بالقول الرابع، بينما العلامة يقول بالقول الثالث (فانه) اى جامع المقاصد (بعد بيان منشأ الاشكال) فى إرث الزوجة من الارض المنتقلة الى الميّت (على ما يقرب من الايضاح) انه يستلزم الدور (قال: فالاقرب من هذا الاشكال عدم ارثها) اى الزوجة من الارض (ان كان الميّت قد اشترى ارضا بخيار، فارادت) الزوجة (الفسخ لترث من الثمن، و اما اذا باع) الميّت (ارضا بخيار، فالاشكال حينئذ) فى ارثها الخيار، باق (بحاله، لانها اذا فسخت فى هذه الصورة) اى صورة بيع الميّت الارض بخيار

ص: 85

لم ترث شيئا.

و حمل الشارحان العبارة على ان الاقرب ارثها اذا اشترى بخيار لانها حينئذ تفسخ فترث من الثمن، بخلاف ما اذا باع بخيار، و هو خلاف الظاهر.

فان المتبادر ان المشار إليه بقوله ذلك هو عدم الارث الّذي سيقت لاجله العبارة، مع انه من حيث الحكم

______________________________

(لم ترث شيئا) فانها اذا فسخت عادت الارض الى الميّت، و هى لا ترث من الارض.

(و حمل الشارحان) و هما: صاحب الايضاح و السيد العميد (العبارة) اى عبارة القواعد (على ان الاقرب ارثها) اى إرث الزوجة للخيار (اذا اشترى) الميّت الارض (بخيار).

و انما ترث (لانها حينئذ) اى حين اشتراء الميّت (تفسخ) البيع (فترث من الثمن، بخلاف ما اذا باع) الميّت الارض (بخيار) لانها اذا فسخت رجعت الارض الى الميّت، فلا ترث (و هو) اى استفادة ارثها من عبارة القواعد (خلاف الظاهر).

(فان المتبادر) من العبارة (ان المشار إليه بقوله) اى قول القواعد (ذلك) فى عبارته السابقة على اشكال اقربه ذلك و (هو عدم الارث) كما استفاده جامع المقاصد (الّذي سيقت لاجله العبارة) لان العلامة قال «الا الزوجة» فساق العبارة لاجل استثناء الزوجة (مع انه) اى القول بانها ترث الخيار فى ما اذا انتقلت الارض الى الميّت (من حيث الحكم

ص: 86

غير مستقيم أيضا، فان الارض حق لباقى الوارث استحقوها بالموت فكيف تملك الزوجة ابطال استحقاقهم لها، و اخراجها عن ملكهم.

نعم لو قلنا ان ذلك يحصل بانقضاء مدة الخيار، استقام ذلك، و أيضا فانها اذا ورثت فى هذه الصورة، وجب ان ترث فى ما اذا باع الميّت ارضا بخيار بطريق اولى.

______________________________

غير مستقيم أيضا، فان الارض) المنتقلة الى الميّت (حق لباقى الوارث استحقوها بالموت) اى موت المورّث (فكيف تملك الزوجة ابطل استحقاقهم لها) اى للارض (و اخراجها) اى الارض (عن ملكهم).

فكلام الشارحين لا وجه له، لا من جهة ظاهر العبارة، و لا من جهة الحكم فى نفسه.

(نعم لو قلنا ان ذلك) اى ملك المشترى للارض و ملك الميّت للثمن (يحصل بانقضاء مدة الخيار) كما يقول الشيخ بان مدة الخيار ليس بنقل (استقام ذلك) الّذي ذكره الشارحان، من: ان المرأة ترث الخيار اذ المال المنتقل الى المشترى بعد فى ملك الميّت، فالزوجة ترث من الثمن (و أيضا) يرد اشكال ثالث على الشارحين بالإضافة الى انه خلاف ظاهر العبارة و انه غير مستقيم من حيث الحكم (فانها) اى الزوجة (اذا ورثت) الخيار (فى هذه الصورة) اى صورة انتقال الارض الى الميّت (وجب ان ترث) الخيار (فى) الصورة الثانية أيضا، و هى (ما اذا باع الميّت ارضا بخيار بطريق اولى) فكيف يقول الشارحان بعدم ارثها فى صورة انتقال الارض.

ص: 87

لانها ترث حينئذ من الثمن.

و اقصى ما يلزم من ارثها من الخيار ان تبطل حقها من الثمن، و هو اولى من ابطال ارثها حق غيرها من الارض التى اختصّوا بملكها.

ثم قال: و الحق ان ارثها من الخيار فى الارض المشتراة مستبعد جدا، و ابطال حق قد ثبت لغيرها يحتاج الى دليل.

نعم قوله لترث من

______________________________

و انما كان بطريق اولى (لانها) اى الزوجة (ترث حينئذ) اى حين باع الميت الارض (من الثمن) فلها الحق فى ان تتصرف فى الثمن الّذي ورثته بابطال ملكيتها له و ارجاعه الى المشترى.

(و اقصى ما يلزم من ارثها من الخيار) فى صورة انتقال الارض من الميّت الى المشترى (ان تبطل) الزوجة (حقها من الثمن و هو) اى ابطال حقها من الثمن (اولى من ابطال ارثها) اى ارثها للخيار (حق غيرها من الارض التى اختصّوا بملكها).

فانها اذا ورثت الخيار كان لازم ذلك ان تبطل حق الورثة فى الارض- فيما اذا انتقلت الارض الى الميّت.

(ثم قال) صاحب جامع المقاصد (و الحق ان ارثها من الخيار فى الارض المشتراة) اى التى اشتراها الميّت (مستبعد جدّا، و ابطال حق قد ثبت لغيرها) و هو حق الورثة فى الارض التى اشتراها الميّت (يحتاج الى دليل) و هو مفقود.

(نعم قوله) اى قول العلامة فى عبارة القواعد السابقة (لترث من

ص: 88

الثمن- على هذا التقدير- يحتاج الى تكلف زيادة تقدير بخلاف ما حملا عليه، انتهى.

و قد تقدم ما يمكن ان يقال على هذا الكلام.

ثم ان الكلام فى ثبوت الخيار لغير مستحق الحبوة من الورثة اذا اشترى الميّت او باع بعض اعيان الحبوة بخيار هو الكلام فى ثبوته للزوجة فى الارض المشتراة و المبيعة.

______________________________

الثمن- على هذا التقدير-) اى تقدير كلام جامع المقاصد فى تفسير عبارة القواعد، و التقدير هو ان «ذلك» فى عبارة القواعد اشارة الى عدم الارث (يحتاج الى تكلف زيادة تقدير) كما ذكرناه نحن فى شرح العبارة للقواعد (بخلاف ما حملا) اى الشارحان عبارة القواعد (عليه) من الارث (انتهى).

(و) لا يخفى انه (قد تقدم ما يمكن ان يقال على هذا الكلام) اى قد تقدم الاشكال على عدم إرث الزوجة من خيار الارض المنتقلة الى الميّت اى على اختيار جامع المقاصد- فتأمّل.

(ثم ان الكلام فى ثبوت الخيار لغير مستحق الحبوة من الورثة) اى غير الولد الاكبر (اذا اشترى الميّت) الحبوة (او باع بعض اعيان الحبوة) بيعا (بخيار) فهل لسائر الورثة إرث الخيار مطلقا، او لا يرثون الخيار مطلقا، او هناك تفصيل بين الحبوة المنتقلة الى الميّت و بين الحبوة المنتقلة عن الميّت (هو الكلام فى ثبوته) اى الخيار (للزوجة فى الارض المشتراة) اى التى اشتراها الميّت (و المبيعة) اى التى باعها الميّت، و اللّه العالم بحقائق الاحكام.

ص: 89

مسئلة فى كيفية استحقاق كل من الورثة للخيار مع انه شي ء واحد غير قابل للتجزئة و التقسيم
وجوه.
الأول: ما اختاره بعضهم من استحقاق كل منهم خيارا مستقلا كمورثه،

بحيث يكون له الفسخ فى الكل، و ان اجاز الباقون.

______________________________

(مسألة: فى كيفية استحقاق كل من الورثة للخيار) اذا كان الوارث متعددا (مع انه) اى الخيار (شي ء واحد غير قابل للتجزئة و التقسيم) بمعنى ان الشارع جعل خيارا واحدا لا ان التقسيم غير معقول فيه.

و الفرق بين التجزئة و التقسيم، ان الاول يوجب تكسير عدد صحيح واحد كتجزئة پرتقالة الى عدة اجزاء، و الثانى يوجب تقسيم اعداد صحيحة كل عدد على حدة، كتقسيم عشرة پرتقالات على خمسة اشخاص مثلا فالخيار لا اجزاء له و لا اعداد حتى يقبل التجزئة و التقسيم (وجوه).

(الاول: ما اختاره بعضهم من استحقاق كل منهم خيارا مستقلا كمورثه) فحاله حال ما اذا شرط ان يكون له الخيار ما دام حيّا، فاذا مات كان لكل وارث من ورّاثه خيارا مستقلا، بحيث ان له الفسخ و الامضاء فاذا فسخ لم يكن حق للباقين فى الامضاء، و ان امضى لم يكن حق للباقين فى الفسخ (بحيث يكون له الفسخ فى الكل، و ان اجاز الباقون) بعد فسخه، او ان معنى ذلك ان لكل واحد الفسخ و ان امضى الباقون قبل ذلك، فالفسخ مقدم على الاجازة، سواء تقدم عليها او تأخر، او تقارن

ص: 90

نظير حدّ القذف الّذي لا يسقط بعفو بعض المستحقين.

و كذلك حق الشفعة على المشهور.

و استند فى ذلك الى ان ظاهر النبوى المتقدم، و غيره: ثبوت الحق لكل وارث

______________________________

معه.

(نظير حدّ القذف) فاذا قذف انسان شخصا بالزنا كان للمقذوف ان يشتكيه الى الحاكم، فيجلده الحاكم، فاذا مات المقذوف كان لكل واحد من ورثته ان يطلب اقامة الحدّ على القاذف، و ان عفى الورثة الآخرون (الّذي لا يسقط بعفو بعض المستحقين).

(و كذلك حق الشفعة) فانه اذا كان شريكان فى دار مثلا، فباع احدهما حصته لا جنبى، كان للشريك الآخر ان يعطى الثمن للاجنبى و يأخذ حصة شريكه، فاذا مات هذا الشريك غير البائع كان لورثته ان يأخذوا بحق شفعته، فانه (على المشهور) اذا اسقط بعض الورثة حقه فلا يوجب سقوط حق الشفعة كليا، بل لمن شاء من الورثة ان يأخذ بحق الشفعة.

(و استند) هذا القائل (فى ذلك) الّذي ذكره من ان كل واحد من الورثة له حق خيار مستقل (الى ان ظاهر النبوى المتقدم) ما تركه الميّت من حق فلوارثه (و غيره) من الادلّة الدالة على إرث اولى الارحام (ثبوت الحق لكل وارث).

اذ الامر دائر بين عدم الخيار و خيار واحد للكل، و تجزئة الخيار، و

ص: 91

لتعقّل تعدد من لهم الخيار، بخلاف المال الّذي لا بدّ من تنزيل مثل ذلك على إرادة الاشتراك، لعدم تعدد الملّاك شرعا لمال واحد بخلاف محل البحث.

الثانى: استحقاق كل منهم خيارا مستقلا فى نصيبه فله الفسخ فيه،

دون باقى الحصص.

______________________________

ان يكون لكل واحد خيار.

و الاول: خلاف الدليل.

و الثانى: خلاف ظاهر الدليل، اذ معنى ان كل متروك للميّت فهو لوارثه، انه لكل واحد واحد من الورثة بالاستقلال.

و الثالث: خلاف كون الخيار امرا بسيطا غير قابل للتجزئة.

ان قلت: فكيف تجزءون المال الى اجزاء.

قلت: هناك فرق بين الخيار و المال (لتعقّل تعدّد من لهم الخيار بخلاف المال الّذي لا بدّ من تنزيل مثل ذلك) اى مثل اطلاق ان المال للوارث (على إرادة الاشتراك) و ان لكل وارث حصة من المال (لعدم تعدّد الملّاك شرعا لمال واحد، بخلاف محل البحث) الّذي هو الحق، فانه لا دليل على عدم تعدّد من له الحق لحق واحد.

(الثانى) من الاقوال فى كيفية استحقاق الورثة للخيار (استحقاق كل) واحد (منهم خيارا مستقلا فى نصيبه) من المال (فله الفسخ) و الامضاء (فيه دون باقى الحصص) فاذا كان الورّاث ثلاثة، كان لكل واحد منهم الخيار فى ثلث المال.

ص: 92

غاية الامر مع اختلاف الورثة فى الفسخ و الامضاء تبعض الصفقة على من عليه الخيار، فيثبت له الخيار.

و وجه ذلك ان الخيار لما لم يكن قابلا للتجزئة، و كان مقتضى ادلة الارث- كما سيجي ء- اشتراك الورثة فيما ترك مورثهم تعيّن تبعّضه بحسب متعلقه.

فيكون نظير المشتريين لصفقة واحدة اذا قلنا بثبوت الخيار لكل منهما.

______________________________

(غاية الامر مع اختلاف الورثة فى الفسخ و الامضاء) بان فسخ بعض و امضى آخرون (تبعض الصفقة على من عليه الخيار، فيثبت له الخيار) فان شاء فسخ المعاملة كلا و استرجع ماله، و ان شاء رضى بالقدر الممضى من قبل الورثة بالنسبة الى الثمن.

(و وجه ذلك) اى وجه هذا القول الثانى (ان الخيار لما لم يكن قابلا للتجزئة) اى ان يكون له اجزاء كاجزاء البرتقالة بان يكون لكل وارث جزء خيار، اذ لا معنى لجزء الخيار، فانه ان كان له الفسخ فله الخيار كاملا، و ان لم يكن له الفسخ فلا خيار له (و كان مقتضى ادلة الارث- كما سيجي ء- اشتراك الورثة فيما ترك مورثهم تعيّن تبعضه) اى تبعض الخيار (بحسب متعلقه) اى المال الّذي تعلق به الخيار- ثمنا كان او مثمنا- (فيكون) ما نحن فيه (نظير المشتريين لصفقة واحدة) فى ان لكل واحد منهما ان يفسخ بالنسبة الى حصّته اذا كان هناك خيار، كما اذا كانت الصفقة حيوانا او كان فى المعاملة غبن لهما، او ما اشبه ذلك (اذا قلنا بثبوت الخيار لكل منهما) مستقلا.

ص: 93

الثالث: استحقاق مجموع الورثة لمجموع الخيار

فيشركون فيه من دون ارتكاب تعدّده بالنسبة الى جميع المال، و لا بالنسبة الى حصة كل منهم، لان مقتضى ادلة الارث فى الحقوق غير القابلة للتجزئة، و الاموال القابلة لها امر واحد، فهو ثبوت مجموع ما ترك لمجموع الورثة، الا ان التقسيم فى الاموال لما كان امرا ممكنا كان مرجع اشتراك المجموع فى المجموع الى اختصاص كل منهم بحصة مشاعة، بخلاف الحقوق فانها تبقى على حالها من اشتراك مجموع الورثة فيها، فلا يجوز لاحدهم الاستقلال

______________________________

(الثالث) من وجوه استحقاق الورثة للخيار الواحد (استحقاق مجموع الورثة لمجموع الخيار فيشركون فيه) فان فسخ الكل انفسخت المعاملة، و الا كانت المعاملة باقية (من دون ارتكاب تعدّده) اى الخيار (بالنسبة الى جميع المال) كما اشار إليه القول الاول (و لا بالنسبة الى حصة كل منهم) كما اشار إليه القول الثانى و الدليل على هذا القول ما ذكره بقوله (لان مقتضى ادلة الارث فى الحقوق غير القابلة للتجزئة) كما تقدم من انه لا معنى لان يكون لكل وارث جزء خيار (و الاموال القابلة لها) اى للتجزئة فانه يكون لكل وارث جزء من المال المتروك (امر واحد، فهو ثبوت مجموع ما ترك) من حق او مال (لمجموع الورثة، الا ان التقسيم فى الاموال لما كان امرا ممكنا) بان يأخذ كل وارث جزء من المال (كان مرجع اشتراك المجموع فى المجموع الى اختصاص كل منهم) اى كل من الورثة (بحصة مشاعة) كالنصف او الثلث، و ذلك لعدم وجود ملك كل واحد لشي ء واحد (بخلاف الحقوق فانها تبقى على حالها من اشتراك مجموع الورثة فيها) اى فى تلك الحقوق (فلا يجوز لاحدهم الاستقلال

ص: 94

بالفسخ، لا فى الكل، و لا فى حصته، فافهم.

و هنا معنى آخر لقيام الخيار بالمجموع و هو ان يقوم بالمجموع من حيث تحقق الطبيعة فى ضمنه، لا من حيث كونه مجموعا، فيجوز لكل منهم الاستقلال بالفسخ ما لم يجز الآخر لتحقق الطبيعة فى الواحد

______________________________

بالفسخ، لا فى الكل) لان الكل ليس له (و لا فى حصته) الخاصة به لان الخيار ليس متعددا بعدد كل حصة حصة، بل اللازم اجتماع الكل على الفسخ حتى يكون الفسخ (فافهم) لعله اشارة الى ان التقسيم فى المال امر ممكن، و التقسيم فى الحق امر غير ممكن اوّل الكلام.

فكما امكن ان يعطى لكل وارث جزء من المال امكن ان يعطى له جزء من الخيار اى الخيار المتعلق بماله، فان معنى ان يكون للمورث الخيار فى ردّ البرتقالات العشرة ان يكون له جزء خيار فى جزء من العشرة اى برتقالة واحدة، و هذا الامر قسّم بين الورثة.

(و هنا) اى فى القول الثالث (معنى آخر لقيام الخيار بالمجموع) غير ان يجتمع الكل على الفسخ فبدون الاجتماع لا فسخ (و هو ان يقوم) الخيار (بالمجموع من حيث تحقق الطبيعة فى ضمنه، لا من حيث كونه مجموعا) فالخيار للطبيعة لا للافراد (فيجوز لكل منهم) اى من الورثة (الاستقلال بالفسخ ما لم يجز) الوارث (الآخر).

و انما له الاستقلال بالفسخ (لتحقق الطبيعة فى) الوارث (الواحد) اما اذا اجاز وارث واحد فليس للآخرين الفسخ.

اذا الطبيعة التى هى لها الاجازة و الفسخ قد اجازت كما انه بعد فسخ

ص: 95

و ليس له الاجازة بعد ذلك، كما انه لو اجاز الآخر لم يجز الفسخ بعده، لان الخيار الواحد اذا اقام بماهية الوارث واحدا كان او متعدا، كان امضاء الواحد كفسخه ماضيا، فلا عبرة بما يقع متأخرا عن الآخر، لان الاول قد استوفاه و لو اتّحدا زمانا كان ذلك كالامضاء و الفسخ من ذى الخيار بتصرف واحد، لا ان الفاسخ

______________________________

احد الافراد، فليس للبقية الاجازة (و ليس له) اى للفرد (الاجازة بعد ذلك) الفسخ الصادر عن الطبيعة (كما انه لو اجاز الآخر لم يجز الفسخ بعده) اذ حال الفسخ حينئذ حال ما لو امضى ذو الخيار المعاملة ثم اراد فسخه (لان الخيار الواحد اذ اقام بماهية الوارث) من حيث هى ماهية (واحدا كان، او متعددا، كان امضاء الواحد كفسخه) اى مثل فسخ الواحد (ماضيا) نافذا (فلا عبرة بما يقع) من فسخ او امضاء (متأخرا عن) الوارث (الآخر، لان) الوارث (الاول) الّذي فسخ او امضى (قد استوفاه) اى استوفى الحق، فلا مجال بعده لوارث آخر.

(و لو اتحدا) الممضى و الفاسخ (زمانا) بان فسخ احدهما و امضى الآخر (كان ذلك كالامضاء و الفسخ من ذى الخيار بتصرف واحد) حيث يتساقطان.

مثل ما اذا باع كتابا بدينار و جعل لنفسه الخيار ثم وهبهما معا لزيد، فان تصرفه فى الكتاب معناه الفسخ، و تصرفه فى الدينار معناه الامضاء و كذلك اذا باع عبدا بمقابل جارية ثم اعتقهما معا.

و مثل ذلك اذا كان له وكيلان فامضى احدهما و فسخ الآخر (لا ان الفاسخ

ص: 96

متقدم كما سيجي ء فى احكام التصرف.

ثم انه لا ريب فى فساد مستند وجه الاول المذكور له، لمنع ظهور النبوى و غيره فى ثبوت ما ترك لكل واحد من الورثة،

______________________________

متقدم كما سيجي ء فى احكام التصرف).

وجه ان الفاسخ ليس مقدما قد تعرض له المصنف بعد، عند قوله:

فرع لو باع عبدا بجارية.

(ثم) اذا عرفت مستند الوجوه الاربعة المحتملة فى إرث الوارث المتعدد للخيار نقول: لو انعكس الفرض بان كان لاثنين خيار فورثهما واحد مثل ان يكون عمّا زيد وكيلين عن البائع و المشترى، هما و ورثتهما فى الخيار فماتا و ورثهما زيد، فانه لا يتحد الخيار، بل يكون له خياران ان سقط احد الخيارين بقى الآخر.

نعم قد يسقط الخياران كما اذا باع زيد كتابا لعمرو بدينار، و جعلا لانفسهما الخيار فماتا و ورثهما معا بكر، فانه لا معنى لخياره لا عن هذا و لا عن ذاك، اذ قد اصبح الكتاب و الدينار له، و لا معنى لفسخ الانسان مال نفسه.

و كيف كان: ف (انه لا ريب فى فساد مستند وجه الاول المذكور له) اى الّذي ذكر مستندا للاحتمال الاول و هو ان يكون لكل وارث خيار مستقل (لمنع ظهور النبوى و غيره) من ادلة الارث (فى ثبوت ما ترك) الميّت (لكل واحد من الورثة) فكل ما ترك لزيد الوارث، و كل ما ترك لعمرو الوارث

ص: 97

لان المراد بالوارث فى النبوى و غيره مما افرد فيه لفظ الوارث جنس الوارث المتحقق فى ضمن الواحد و الكثير.

و قيام الخيار بالجنس يتأتى على الوجوه الاربعة المتقدمة كما لا يخفى على المتأمّل.

و اما ما ورد فيه لفظ الورثة بصيغة الجمع فلا يخفى ان المراد به أيضا اما جنس الجمع، او جنس الفرد

______________________________

أيضا- مثلا- (لان المراد بالوارث فى النبوى) ما تركه الميّت من حق فلوارثه (و) فى (غيره) مما ذكر فيه لفظ الوارث او شبه هذا اللفظ، و لو كان بصيغة الجمع او نحوه مثل «وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ»* (مما افرد فيه لفظ الوارث) بل و ما جمع فيه- لوضوح ان المراد به ليس الجمع بما هو جمع كما سيأتى- (جنس الوارث المتحقق فى ضمن الواحد و الكثير) فحاله حال لفظ الماء، و الخبز، و سائر الطبائع.

(و قيام الخيار بالجنس) ليس معناه ان يكون لكل فرد خيار مستقل بل (يتأتى على الوجوه الاربعة المتقدمة) اى يحتمل هذا المعنى، او ذلك، او الثالث بشقيه، فلا دلالة فى النبوى على الوجه الاول فقط- كما اراده المستدل- (كما لا يخفى على المتأمّل).

(و اما ما ورد فيه لفظ الورثة بصيغة الجمع فلا يخفى ان المراد به) اى بالجمع (أيضا اما جنس الجمع) بما هو مجموع لوحظ فيه انضمام الافراد بعضها الى بعض، و مقتضى هذا هو الوجه الثالث (او جنس الفرد) بانسلاخه عن معنى الجمع و الانضمام، و هذا يصدق على الواحد، و

ص: 98

او الاستغراق القابل للحمل على المجموعى و الافرادى.

______________________________

الكثير، و مقتضى هذا هو الاجمال الّذي ذكره المصنف بقوله «و قيام الخيار بالجنس يتأتى على الوجوه الاربعة المتقدمة» (او الاستغراق القابل للحمل على المجموعى) اى جميع افراد الوارث المنضم بعضهم الى بعض، و مقتضى هذا هو الوجه الثالث أيضا (و) الحمل على (الافرادى) اى كل فرد فرد بدون ملاحظة الانضمام، و مقتضى هذا هو الوجه الاول، بان يكون لكل وارث خيار مستقل، فاذا قال المولى هذا المال لعبيدى فقد يريد ان المال لكلهم بقيد الكلية، فمجموع المال لمجموعهم.

و قد يريد ان المال لجنس العبد سواء انضم او لم ينضم.

و قد يريد ان المال لكل فرد فرد بقيد الانضمام.

و قد يريد انه لكل فرد فرد بدون قيد الانضمام، فيصح ان يستقل به اىّ عبد منهم.

و ان شئت قلت: المراد من الجمع الورثة.

فاما ان يلاحظ فيه الانضمام و الجمعية او لم يلاحظ فيه ذلك.

و اذا لم يلاحظ فاما ان يراد منه جنس الفرد الصادق على الواحد و الكثير، او يراد منه الاستغراق، و تمام الافراد.

و اذا اريد الاستغراق فاما ان يكون على النحو المجموعى و ان لكلهم خيار واحد او يكون على النحو الافرادى، و ان لكل واحد خيار مستقل.

ص: 99

و الاظهر هو الثانى كما فى نظائره، هذا كله مع قيام القرينة العقلية و اللفظية على عدم إرادة ثبوته لكل واحد مستقلا فى الكل.

اما الاولى فلان المفروض ان ما كان للميّت و تركه للوارث حق واحد شخصىّ، و قيامه بالاشخاص المتعددين اوضح استحالة، و اظهر بطلانا

______________________________

(و الاظهر) من الجمع (هو الثانى) اى ما اريد منه جنس الفرد الصادق على الواحد و الكثير (كما فى نظائره) و لذا يصدق هذا فيما اذا كان للميّت وارث واحد، كما يصدق اذا كان له ورثة متعددون.

فالمجموعيان: اى جنس الجمع و الاستغراق باطلان، لانهما لا يصدقان مع كون الوارث واحدا (هذا كله) فى بيان فساد الوجه الاول الّذي ذكره بقوله: و لا ريب فى فساد مستند وجه الاول الخ (مع قيام القرينة العقلية و اللفظية على عدم إرادة ثبوته) اى الخيار (لكل واحد مستقلا فى الكل) و هذا دليل ثان لفساد الوجه الاول أيضا.

و الحاصل: ان لفساد الوجه الاول دليلين.

الاول: انه خلاف الظاهر من النبوى و غيره.

الثانى: انه خلاف القرينة العقلية و اللفظية.

(اما الاولى) اى وجود القرينة العقلية على انه ليس لكل وارث خيار مستقل فى كل المال (فلان المفروض ان ما كان للميّت و) قد (تركه) بعده (للوارث حق واحد شخصى) فان الخيار حق واحد مشخّص (و قيامه بالاشخاص المتعددين) بان يكون هذا الحق الواحد لهذا الوارث مستقلا، و لذاك الوارث مستقلا أيضا (اوضح استحالة، و اظهر بطلانا

ص: 100

من تجزية و انقسامه على الورثة فكيف يدعى ظهور ادلة الارث فيه.

و اما الثانية فلان مفاد تلك الادلة بالنسبة الى المال المتروك و حق المتروك شي ء واحد، و لا يستفاد منها بالنسبة الى المال الاشتراك، و بالنسبة الى الحق التعدد، الا مع استعمال الكلام فى معنيين هذا، مع ان مقتضى ثبوت: ما كان للميّت

______________________________

من تجزية و انقسامه على الورثة) فان الصفة البسيطة الواحدة لا تقوم قياما مستقلا بهذا و قياما مستقلا بذاك، فان الشي ء الواحد قابل للتجزية و الانقسام مهما كان بسيطا و اما ان يكون قائما بهذا و ذاك فلا يعقل (فكيف يدعى ظهور ادلة الارث فيه) فان ما ليس بمعقول لا يقوله الشارع حتى يكون لكلامه ظهور فيه.

لكن لا يخفى: ان القيام على سبيل البدل ليس مستحيلا كما قاله الفقهاء بالنسبة الى القصاص.

(و اما الثانية) اى قيام القرينة اللفظية على عدم إرادة ثبوت الخيار لكل واحد مستقلا فى الكل (فلان مفاد تلك الادلة) اى ادلة الارث (بالنسبة الى المال المتروك و حق المتروك شي ء واحد، و) عليه ف (لا يستفاد منها) اى من ادلة الارث (بالنسبة الى المال الاشتراك) فتكون الورثة مشتركين فى المال (و بالنسبة الى الحق التعدد) حتى يكون كل وارث له حق مستقل فى الخيار (الا مع استعمال الكلام) اى دليل الارث مثل «وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ»* (فى معنيين) و ذلك خلاف الظاهر، بل قال بعض الاعلام باستحالته (هذا، مع ان مقتضى ثبوت: ما كان للميّت

ص: 101

لكل من الورثة ان يكونوا كالوكلاء المستقلّين، فيمضى السابق من اجازة احدهم او فسخه و لا يؤثر اللحق، فلا وجه لتقدم الفسخ على الاجازة على ما ذكره.

و اما الوجه الثانى فهو، و ان لم يكن منافيا لظاهر ادلة الارث من ثبوت مجموع المتروك لمجموع الوارث الا ان تجزية الخيار بحسب

______________________________

لكل من الورثة) «لكل» متعلق ب «ثبوت» (ان يكونوا) اى الورثة (كالوكلاء المستقلين، فيمضى السابق من اجازة احدهم او فسخه) فاذا بادر احد الورثة فامضى، لم يكن لغيره الفسخ، و اذا بادر ففسخ، لم يكن لغيره الاجازة (و لا يؤثر اللاحق) و ان كان اللاحق الفسخ (فلا وجه لتقدم الفسخ على الاجازة على ما ذكره) القائل بالوجه الاول من الوجوه الاربعة لكيفية إرث الخيار.

و حاصل قوله «هذا مع ان» انه لو سلمنا ان لكل واحد خيار مستقل كان اللازم نفوذ اوّل ما يصدر من احدهم من فسخ او امضاء، لا ان يكون الفسخ مقدّما، سواء صدر أو لا، او صدر بعد الامضاء.

هذا كله فى باب الاشكال على الوجه الاول من الوجوه الاربعة.

(و اما الوجه الثانى) من الوجوه الاربعة، و هو استحقاق كل واحد خيارا مستقلا فى نصيبه (فهو، و ان لم يكن منافيا لظاهر ادلة الارث) المستفاد (من) ها (ثبوت مجموع المتروك لمجموع الوارث).

فكما ان لكل وارث جزء من المال كذلك لكل وارث الخيار بالنسبة الى ماله الّذي ورثه هو (الا ان تجزية الخيار) الى اجزاء (بحسب

ص: 102

متعلقه كما تقدم ممّا لم يدل عليه ادلة الارث.

اما ما كان منها كالنبوى غير متعرض للقسمة فواضح، و اما ما تعرض فيه للقسمة كآيات قسمة الارث بين الورثة فغاية ما يستفاد منها فى المقام بعد ملاحظة عدم انقسام نفس المتروك هنا ثبوت القسمة فيما يحصل باعمال هذا الحق او اسقاطه فيقسم بينهم العين المستردة بالفسخ، او ثمنها الباقى فى

______________________________

متعلقه كما تقدم ممّا لم يدل عليه ادلة الارث) فلا دليل على ان الخيار يكون اجزاء، جزء لهذا الوارث و جزء لذاك الوارث و هكذا.

(اما ما كان منها كالنبوى غير متعرض للقسمة) فان قوله عليه السلام ما كان للميّت من حق فلوارثه لم يتعرض لقسمة الارث و انما قال المجموع للمجموع (فواضح) انه لا يدل على تعدّد الخيار بالنسبة الى كل وارث وارث (و اما ما تعرض فيه للقسمة كآيات قسمة الارث بين الورثة) مثل:

يُوصِيكُمُ اللّٰهُ فِي أَوْلٰادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، و مثل: وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّٰا تَرَكْتُمْ، و ما اشبه ذلك (فغاية ما يستفاد منها فى المقام بعد ملاحظة عدم انقسام نفس المتروك هنا) اى ان حق الخيار المتروك من قبل الميّت لا يقبل التجزئة بان يكون لكل وارث جزء خيار اذ الخيار اما موجود و اما مفقود و لا معنى لوجود جزء الخيار (ثبوت القسمة) «ثبوت» خبر «غاية ما يستفاد» ثبوت الشي ء (فيما يحصل) اى المال (باعمال هذا الحق) اى الخيار (او اسقاطه) اى اسقاط هذا الحق (فيقسم بينهم) اى بين الورثة (العين المستردة) استردادا (بالفسخ، او) يقسم بينهم (ثمنها) اى ثمن العين (الباقى فى

ص: 103

ملكهم بعد الاجازة على طريق الارث.

و اما ثبوت الخيار لكل منهم مستقلا فى حصته فلا يستفاد من تلك الادلة، فالمتيقن من مفادها هو ثبوت الخيار الواحد الشخصى للمجموع فان اتفق المجموع على الفسخ انفسخ فى المجموع، و الا فلا دليل على الانفساخ فى شي ء منه.

و من ذلك يظهر ان المعنى الثانى للوجه الثالث و هو قيام الخيار

______________________________

ملكهم بعد الاجازة) اى اسقاط حق الخيار تقسيما (على طريق الارث) لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ*، الى غيره من تقسيمات الارث.

(و اما ثبوت الخيار لكل) واحد (منهم مستقلا فى حصته) بان يكون لكل واحد الخيار، فان شاء ردّ حصته، و ان شاء اجاز حصّته (فلا يستفاد من تلك الادلة) اى ادلة الارث.

و على هذا (فالمتيقن من مفادها) اى مفاد ادلة الارث (هو ثبوت الخيار الواحد الشخصى للمجموع) لا الواحد النوعى، بان يكون لكل واحد خيار (فان اتفق المجموع على الفسخ انفسخ) العقد (فى المجموع) اى مجموع المال (و الا) يتفق المجموع على الفسخ، بل اراد بعضهم الفسخ (فلا دليل على الانفساخ فى شي ء منه) لا فى المجموع و لا فى حصة هذا الفاسخ.

(و من ذلك) الّذي ذكرنا من ان الخيار قائم بالمجموع من حيث انه مجموع (يظهر ان المعنى الثانى للوجه الثالث) الّذي ذكره قبل اسطر بقولنا «و هنا معنى آخر لقيام الخيار بالمجموع» (و هو قيام الخيار

ص: 104

بالطبيعة المتحققة فى ضمن المجموع أيضا لا دليل عليه، فلا يؤثر فسخ احدهم و ان لم يجز الآخر.

مع ان هذا المعنى أيضا مخالف لادلة الارث، لما عرفت من ان مفادها بالنسبة الى المال و الحق واحد.

و من المعلوم ان المالك للمال ليس هو الجنس المتحقق فى ضمن المجموع.

ثم ان ما ذكرنا

______________________________

بالطبيعة المتحققة فى ضمن المجموع) فيجوز لكل منهم الاستقلال بالفسخ (أيضا لا دليل عليه).

و عليه (فلا يؤثر فسخ احدهم و ان لم يجز الآخر) اى سواء اجاز الآخر او لم يجز، فان الخيار ليس قائما بالطبيعة حتى يؤثر فسخ احدهم.

(مع ان هذا المعنى) و هو المعنى الثانى للوجه الثالث (أيضا مخالف لادلة الارث، لما عرفت) قبل اسطر (من ان مفادها) اى مفاد ادلة الارث (بالنسبة الى المال و الحق واحد) فكما يورّث المال يورث الحق.

(و من المعلوم ان المالك للمال) اى الورثة المالكون للمال (ليس هو الجنس) اى جنس الورثة (المتحقق فى ضمن المجموع) فكذلك الوارث المالك للحق ليس هو جنس الورثة المتحقق فى ضمن المجموع.

(ثم ان ما ذكرنا) من ان الحق الّذي هو للجميع، انما هو قائم

ص: 105

جار فى كل حق ثبت لمتعدد لم يعلم من الخارج كونه على خصوص واحد من الوجوه المذكورة.

نعم لو علم ذلك من دليل خارج اتبع، كما فى حدّ القذف، فان النص قد دلّ على انه لا يسقط بعفو احد الشريكين.

و كذا حق القصاص فانه لا يسقط بعفو احد الشريكين، لكن مع دفع الآخر

______________________________

بالمجموع، لا بكل فرد فرد بان يكون لكل فرد حق فى الجميع، و لا بكل فرد فرد بان يكون لكل فرد حق فى حصة نفسه، و لا بالطبيعة بحيث يمكن لاىّ واحد القيام به (جار فى كل حق ثبت لمتعدّد لم يعلم من الخارج) اى لم يعلم بدليل خارجى (كونه على خصوص واحد من الوجوه المذكورة) اى لكل واحد حق مستقل فى الكل، او فى حصته، او يكون الحق للطبيعة.

فاذا لم يدل دليل خارجى على احدى الكيفيات الثلاث فاللازم ان نقول ان الحق للمجموع من حيث المجموع.

(نعم لو علم ذلك) بان الحق ليس للمجموع بل باحدى الكيفيات الثلاث الاخر (من دليل خارج) من نصّ او اجماع (اتّبع) ذلك الدليل الخارج (كما فى حدّ القذف، فان النص قد دلّ على انه لا يسقط بعفو احد الشريكين) فيدل الدليل على ان الحق على نحو الوجه الاول اى ان لكل واحد من المقذوفين ان يأخذ بحقه و ان عفى عنه المقذوف الآخر.

(و كذا حق القصاص) فيما اذا قتل جان اباهما فعفى احد الولدين (فانه لا يسقط بعفو احد الشريكين، لكن مع دفع الآخر) الّذي

ص: 106

مقدار حصة الباقى من الدية الى اولياء المقتصّ منه جمعا بين الحقّين لكن يبقى الاشكال فى حكم المشهور من غير خلاف يعرف بينهم، و ان احتمله فى الدروس، من ان احد الورثة اذا عفى عن الشفعة كان للآخر الاخذ بكل المبيع، فان الظاهر ان قولهم بذلك ليس لاجل دليل خارجى.

______________________________

يريد القصاص (مقدار حصة الباقى من الدية الى اولياء المقتصّ منه).

و انما يدفع المقدار (جمعا بين الحقين) مثلا قتل زيد والد عمرو و بكر فعفى عمرو عن زيد، فان لبكر ان يقتصّ من زيد، لكنه يجب ان يدفع الى ولىّ زيد نصف الدية، فان للقاصّ نصف الحق لا كل الحق، و هكذا اذا كانت الورثة ثلاثة و عفى اثنان، فان للثالث القاصّ ان يدفع الى ولى القاتل ثلثي الدية، و لو عفى واحد من الثلاثة و اخذ بالحق اثنان كان عليهما ان يدفعا الى ولىّ القاتل ثلث الدية، فيدفع كل واحد سدس الدية، و ذلك جمعا بين حق ولىّ المقتول فى القصاص، و حق القاتل فى العفو الّذي عفى به بعض اولياء المقتول.

(لكن يبقى الاشكال فى حكم المشهور من غير خلاف يعرف بينهم، و ان احتمله) اى احتمل الخلاف (فى الدروس، من ان احد الورثة اذا عفى عن الشفعة كان للآخر الاخذ بكل المبيع) مع انه ليس له الا بعض المبيع.

و انما يبقى الاشكال لما ذكره بقوله: (فان الظاهر ان قولهم بذلك) و حق الآخر فى الاخذ بكل المبيع (ليس لاجل دليل خارجى) و الحال

ص: 107

و الفرق بينه و بين ما نحن فيه مشكل.

و يمكن ان يفرق بالضرر، فانه لو سقطت الشفعة بعفو احد الشريكين تضرر الآخر بالشركة، بل لعل هذا هو السرّ فى عدم سقوط حدّى القذف و القصاص بعفو البعض، لانّ الحكمة فيهما التشفّي فابطالهما بعفو احد الشركاء اضرار على غير العافى، و هذا غير موجود فيما نحن فيه فتأمل.

______________________________

انا ذكرنا ان مقتضى القاعدة كون الحق للمجموع من حيث المجموع الا بدليل خارجى.

(و الفرق بينه) اى بين حق الشفعة (و بين ما نحن فيه) من إرث حق الخيار (مشكل).

اذ لا فارق بينهما فكيف يحق لكل واحد الاخذ بالشفعة و لا يحق لكل واحد من الورثة الاخذ بالخيار.

(و يمكن ان يفرق بالضرر، فانه لو سقطت الشفعة بعفو احد الشريكين تضرر) الشريك (الآخر بالشركة) و ذلك بخلاف ما نحن فيه من إرث الخيار (بل لعل هذا) اى الضرر (هو السرّ فى عدم سقوط حدّى القذف و القصاص بعفو البعض) بل للبقية الاخذ بالحق (لانّ الحكمة فيهما التشفّي) من المقذوف و ولى الدم (فابطالهما بعفو احد الشركاء اضرار على غير العافى) و لا ضرر فى الاسلام (و هذا) الاضرار (غير موجود فيما نحن فيه) اى حق الخيار، لان الوارث فى مقابل الشي ء المنقول الى الاجنبى و فى خيار الغبن له حق الارش (فتأمّل) لوجود الضرر هنا أيضا.

ص: 108

ثم ان ما اخترناه من الوجه الاول هو مختار العلامة فى القواعد بعد ان احتمل الوجه الثانى، و ولده فى الايضاح و الشهيد فى الدروس و الشهيد الثانى فى المسالك و حكى عن غيرهم.

قال فى القواعد: و هل للورثة التفريق فيه نظر، اقربه المنع، و ان جوّزناه مع تعدّد المشترى.

و زاد فى الايضاح- بعد توجيه المنع بانه لم يكن لمورثهم الاخيار

______________________________

(ثم ان ما اخترناه من الوجه الاول) اى اولى وجهى المعنى الثالث و هو استحقاق مجموع الورثة لمجموع الخيار، فان المعنى الثالث كان له وجهان اشار الى وجهه الثانى بقوله «و هنا معنى آخر» و (هو مختار العلامة فى القواعد بعد ان احتمل الوجه الثانى) من وجهى المعنى الثالث الّذي اشار إليه بقوله «و هنا معنى آخر» (و) كذا مختار (ولده فى الايضاح و الشهيد فى الدروس و الشهيد الثانى فى المسالك و حكى) هذا القول أيضا (عن غيرهم) فان بنائهم ان المجموع لهم خيار واحد.

(قال فى القواعد: و هل للورثة التفريق) فى الخيار بان يأخذ بالخيار بعض، و لا يأخذ به بعض آخر (فيه نظر، اقربه المنع، و ان جوّزناه مع تعدّد المشترى) كما اذا اشترى شخصان شيئا بخيار لهما ثم اراد احدهما الفسخ، فان له ذلك لان البيع من شخصين فى قوة بيعين، و لذا يكون لكل واحد منهما خيار مستقل.

(و زاد فى الايضاح-) على كلام العلامة (بعد توجيه المنع) اى توجيه ما ذكره العلامة بقوله «اقربه المنع» (بانه لم يكن لمورثهم الّا خيار

ص: 109

واحد- انه لا وجه لاحتمال التفريق.

و قال فى الدروس فى باب خيار العيب: لو جوّزنا لاحد المشتريين الردّ لم نجوّزه لاحد الوارثين عن واحد، لان التعدد طار على العقد، سواء كان الموروث خيار عيب او غيره، انتهى.

______________________________

واحد-) فكيف يكون للورثة خيارات متعددة (انه لا وجه لاحتمال التفريق) «انه» فاعل «زاد» اى لا وجه لتفريق الورثة بان يكون لكل واحد منهم خيار مستقل.

اذ ان وجه التفريق ان كان لتعدّد الخيار من الاول فهو ليس كذلك و ان كان لاجل تعدّد الورثة فالتعدّد ليس من موجبات الخيار و ان كان لاجل ان الشارع قرر ذلك فليس فى الشرع ما يدل عليه.

و الحاصل: ان التفريق اما بجعل اوّلي شرعىّ، و اما بجعل اوّلي للمتعاقدين، و اما لاجل تعدّد الورثة، فالتفريق لامر طارى و كل ذلك غير تام.

(و قال فى الدروس فى باب خيار العيب: لو جوّزنا لاحد المشتريين الرد) فيما اذا كان المشترى متعددا (لم نجوّزه لاحد الوارثين عن واحد) اذ اورثا من واحد فى مقابل ما اذا ورثا من اثنين، بان كان هناك مشتريان، فماتا و ورثهما ولدهما (لان التعدد طار على العقد) و الامر الطارئ لا يوجب تعدد الخيار، بل الخيار يكون كحاله قبل طروّ التعدد (سواء كان الموروث خيار عيب او غيره) كخيار الشرط و الغبن و غيرهما (انتهى) عبارة الشهيد.

ص: 110

و فى المسالك- بعد المنع عن تفرق المشتريين فى الخيار- هذا كله فيما لو تعدّد المشترى اما لو تعدّد مستحق البيع مع اتحاد المشترى ابتداء، كما لو تعدّد وارث المشترى الواحد، فانّه ليس لهم التفرق لاتحاد الصفقة و التعدد طار مع احتماله، انتهى.

و ظاهر التذكرة فى خيار المجلس الوجه الاول من الوجوه المتقدمة قال: لو فسخ بعضهم و اجاز الآخر، فالاقوى انه ينفسخ فى الكلّ كالمورث لو فسخ فى حياته فى البعض و اجاز فى البعض، انتهى.

______________________________

(و فى المسالك- بعد المنع عن تفرق المشتريين فى الخيار-) و انه و ان كان فى معاملة واحدة مشتريان فليس لهما خياران، بل خيار واحد، قال: (هذا) المنع (كله فيما لو تعدّد المشترى اما لو تعدد مستحق البيع مع اتحاد المشترى ابتداء، كما لو تعدّد وارث المشترى الواحد) و كذا فيما لو تعدد اوليائه كما اذا جنّ مثلا (فانّه ليس لهم التفرق لاتحاد الصفقة) فى حال المعاملة (و التعدد طار) فلا دليل على ان طروّ التعدد يوجب تعدد الخيار (مع احتماله) اى هناك احتمال ان يتعدد الخيار بطروّ التعدّد، كما فى الوارث (انتهى) كلام المسالك (و ظاهر التذكرة فى خيار المجلس الوجه الاول من الوجوه المتقدمة) و هو ان يكون لكل واحد منهم خيار مستقل (قال: لو فسخ بعضهم و اجاز الآخر، فالاقوى انه ينفسخ فى الكلّ كالمورث لو فسخ فى حياته فى البعض و اجاز فى البعض، انتهى) فان قوله «انه ينفسخ فى الكل» ظاهر فى ان كل واحد له الخيار، و الا فلو كان الخيار للمجموع فلا وجه

ص: 111

و يحتمل ان لا يريد بذلك ان لكل منهما ملك الفسخ فى الكل، كما هو مقتضى الوجه الاول، بل يملك الفسخ فى البعض، و يسرى فى الكل نظير فسخ المورث فى البعض.

و كيف كان فقد ذكر- فى خيار العيب- انه لو اشترى عبدا، فمات، و

______________________________

للانفساح.

و قوله «كالمورث» فانه اذا فسخ المورث الّذي له خيار واحد فى بعض الصفقة ففيه احتمالان.

الاول: ان لا يكون لفسخه اثر، اذ الخيار كان فى الكل فلا اثر للفسخ فى البعض.

الثانى: ان يكون لفسخه اثر، اذ الخيار المتعلق بالكل يكون متعلّقا بكل جزء، كالأمر المتعلق بالمركب الّذي يكون كل جزء منه مأمورا به، هذا (و) لكن (يحتمل ان لا يريد) العلامة (بذلك) اى بقوله «انه ينفسخ فى الكل» (ان لكل منهما) اى من الوارثين (ملك الفسخ فى الكل كما هو) ملك الفسخ فى الكل (مقتضى الوجه الاول) من الوجوه الاربعة (بل) مراده انه (يملك الفسخ فى البعض) كما هو مقتضى الوجه الثانى (و يسرى) الفسخ (فى الكل) من باب تبعض الصفقة او ما اشبه (نظير فسخ المورث فى البعض) اذا قلنا بصحة فسخه، فقد تقدم ان هناك احتمالين.

(و كيف كان) مراد العلامة (فقد ذكر) ره (- فى خيار العيب- انه لو اشترى عبدا فمات) المشترى (و

ص: 112

خلف وارثين، فوجدا به عيبا لم يكن لاحدهما رد حصته خاصة للتشقيص، انتهى.

و قال فى التحرير: لو ورث اثنان عن ابيهما خيار عيب، فرضى احدهما سقط حق الآخر من الردّ دون الارش.

و الظاهر ان خيار العيب و خيار

______________________________

خلف وارثين، فوجدا به عيبا لم يكن لاحدهما ردّ حصته خاصة للتشقيص) اى لانه يوجب تبعض الصفقة على البائع.

و هذا الكلام من العلامة ره يدل على انه لا يقول بان لكل واحد من الورثة خيارا فى حصته.

و نقل الشيخ هذا الكلام من العلامة اى قوله «فقد ذكر» انما يريد به ردّ ما ذكره بقوله «و يحتمل» اذ هذا الكلام خلاف «و يحتمل» كما لا يخفى (انتهى) كلام العلامة.

(و قال فى التحرير: لو ورث اثنان عن ابيهما خيار عيب، فرضى احدهما) بالمعيب (سقط حق الآخر من الردّ) و هذا يدل على ان كل واحد من الورثة ليس له الرد فى الكل و لا فى حصته الخاصة به (دون الارش) فان ردّ البعض يوجب تبعض الصفقة، اما اخذ الارش للبعض فلا يوجب تبعض الصفقة.

و لذا كان للمورث ان يأخذ بعض الارش و لم يحق له ان يرد بعض المبيع.

(و الظاهر) من لسان الادلة (ان) حكم (خيار العيب و خيار

ص: 113

المجلس واحد، كما تقدم عن الدروس فلعله رجوع عما ذكره فى خيار المجلس.

ثم انه ربما يحمل ما فى القواعد و غيرها من عدم جواز التفريق على انه لا يصح تبعض المبيع من حيث الفسخ و الاجازة، بل لا بدّ من الفسخ، او الاجازة فى الكل، فلا دلالة فيها على عدم استقلال كل منهم على الفسخ فى الكلّ.

و حينئذ

______________________________

المجلس واحد، كما تقدم عن الدروس) حيث قال «سواء كان الموروث خيار عيب او غيره» (فلعلّه) اى لعل كلام العلامة فى التحرير (رجوع عما ذكره فى خيار المجلس) لانه ذكر فى خيار المجلس ان لكل واحد خيارا مستقلا، و ذكر هنا انه لا خيار الا لمجموعهم.

(ثم انه ربما يحمل ما فى القواعد و غيرها من عدم جواز التفريق على انه لا يصح تبعض المبيع من حيث الفسخ و الاجازة) لا التبعض بان يأخذ احدهم بالخيار فى الكل، و لا يأخذ احدهم بالخيار (بل لا بدّ من الفسخ او الاجازة فى الكل).

و الحاصل: ان المبيع لا يتبعض، اما تبعض الورثة بان يجيز احدهم او يفسخ فى الكل فلا اشكال فيه (فلا دلالة فيها) اى فى عبارة القواعد و غيره ممن قال: بعدم جواز التفريق (على عدم استقلال كل منهم على الفسخ فى الكل).

(و حينئذ) اى حين قلنا بان مراد العلامة عدم تبعّض المبيع فيجوز

ص: 114

فان فسخ احدهم، و اجاز الآخر قدّم الفسخ على الاجازة، و ينسب تقديم الفسخ الى كل من منع من التفريق، بل فى الحدائق تصريح الاصحاب بتقديم الفاسخ من الورثة على المجيز.

و لازم ذلك الاتفاق على انه متى فسخ احدهم انفسخ فى الكل.

و ما ابعد بين هذه الدعوى، و بين ما فى الرياض، من قوله: و لو اختلفوا- يعنى الورثة- قيل قدم الفسخ

______________________________

ان يفسخ احد الورثة فى الكل و يخيّر الآخر (فان فسخ احدهم) فى الكل (و اجاز الآخر) فى الكل (قدّم الفسخ على الاجازة، و ينسب تقديم الفسخ) على الاجازة (الى كل من منع من التفريق، بل فى الحدائق تصريح الاصحاب بتقديم الفاسخ من الورثة على المجيز).

فاذا اشترى زيد كتابا بدينار و مات زيد، و كان له ابنان فاجاز احدهما المعاملة و فسخها الآخر انفسخت المعاملة.

(و لازم ذلك) اى لازم تقديم الفاسخ (الاتفاق على انه متى فسخ احدهم انفسخ فى الكل) سواء كان فسخه للكل اذا قلنا بان له حقا فى ذلك او كان فسخه لحصة نفسه.

(و ما ابعد بين هذه الدعوى) من صاحب الحدائق (و بين ما فى الرياض، من قوله: و لو اختلفوا- يعنى الورثة-) ففسخ احدهم و اجاز آخر (قيل قدم الفسخ).

فوجه البعد بين الكلامين ان صاحب الرياض قال «قيل» مما يدل على جهل القائل بتقديم الفاسخ، بينما ادعى صاحب الحدائق الاجماع

ص: 115

و فيه نظر.

لكن الاظهر فى عبارة القواعد ما ذكرنا، و ان المراد بعدم جواز التفريق ان فسخ احدهم ليس ماضيا مع عدم موافقة الباقين، كما يدل عليه قوله فيما بعد ذلك فى باب خيار العيب: اما لو اورثا خيار العيب، فلا اشكال فى وجوب توافقهما فان المراد بوجوب التوافق وجوبه الشرطى و معناه عدم نفوذ التخالف.

و لا ريب ان عدم نفوذ التخالف ليس معناه عدم نفوذ الاجازة من

______________________________

على تقديم الفاسخ (و فيه نظر) هذه تتمة لكلام الرياض، فانه لا يقول بتقديم الفاسخ.

(لكن الاظهر فى عبارة القواعد ما ذكرنا، و) هو (ان المراد بعدم جواز التفريق ان فسخ احدهم ليس ماضيا مع عدم موافقة الباقين) بل اللازم ان يجتمع الكل حتى ينفسخ العقد (كما يدل عليه) اى على ان مراد العلامة لزوم اجتماعهم على الفسخ (قوله فيما بعد ذلك فى باب خيار العيب: اما لو اورثا خيار العيب، فلا اشكال فى وجوب توافقهما) هذه هى عبارة القواعد (فان المراد بوجوب التوافق وجوبه الشرطى) اى يشترط فى نفوذ الفسخ ان يتوافقا فى الفسخ، و ليس المراد ب «وجوب توافقهما» الوجوب الشرعى التكليفى، فانه لا وجوب شرعا فى المقام (و معناه عدم نفوذ التخالف) اى اذا تخالف الوارثان فاجاز احدهما و فسخ الآخر لم ينفذ عملهما.

(و لا ريب ان عدم نفوذ التخالف ليس معناه عدم نفوذ الاجازة من

ص: 116

احدهما مع فسخ صاحبه، بل المراد عدم نفوذ فسخ صاحبه من دون اجازته لفسخ صاحبه و هو المطلوب.

و اصرح منه ما تقدم من عبارة التحرير، ثم التذكرة.

نعم ما تقدم من قوله فى الزوجة غير ذات الولد: اقربه ذلك ان اشترى بخيار لترث من الثمن قد يدل على ان فسخ الزوجة فقط كاف فى استرجاع تمام الثمن لترث منه.

______________________________

احدهما مع فسخ صاحبه).

اذ الاجازة معناها بقاء العقد على ما هو عليه، و هذا نافذ اى كائن فان العقد باق ما لم يفسخ (بل المراد عدم نفوذ فسخ صاحبه من دون اجازته لفسخ صاحبه) فلا ينفذ فسخ زيد من دون ان يجيز عمرو فسخه فيجب ان يتفقا فى الفسخ (و هو المطلوب) فان مطلوبنا ان نظر العلامة انه «لا ينفذ فسخ احدهما الا اذا كان معه فسخ صاحبه أيضا».

(و اصرح منه) اى من كلام القواعد (ما تقدم من عبارة التحرير، ثم التذكرة) فانهما دلّا على ان المراد عدم نفوذ فسخ احدهما الا اذا فسخ الآخر أيضا، لا ان المراد ما ذكره الحدائق من ان الفاسخ مقدم على المجيز (نعم ما تقدم من قوله) اى قول العلامة (فى الزوجة غير ذات الولد:

اقربه ذلك ان اشترى) الميت الارض (بخيار لترث من الثمن) فهذه العبارة من العلامة (قد يدل على) كلام الحدائق، و (ان فسخ الزوجة فقط كاف فى استرجاع تمام الثمن لترث منه) و انما ليس مراد العلامة استرداد الزوجة بمقدار حصتها من الثمن- كالربع و الثمن-.

ص: 117

اذ: استرداد مقدار حصتها موجب للتفريق الممنوع عنده و عند غيره.

و كيف كان فمقتضى ادلة الارث ثبوت الخيار للورثة على الوجه الثالث الّذي اخترناه، و حاصله انه متى فسخ احدهم و اجاز الآخر لغى الفسخ.

و قد يتوهم استلزام ذلك بطلان حق شخص لعدم اعمال الآخر حقه.

و يندفع بان الحق اذا كان مشتركا لم يجز اعماله الا برضا الكل كما لو جعل الخيار لاجنبيين على سبيل التوافق.

______________________________

(اذ: استرداد مقدار حصتها موجب للتفريق الممنوع عنده و عند غيره) فانك قد عرفت انه لا تبعض الصفقة على من عليه الخيار.

(و كيف كان) مراد العلامة و مراد غيره (فمقتضى ادلة الارث ثبوت الخيار للورثة على الوجه الثالث) من الوجوه الاربعة (الّذي اخترناه، و حاصله انه متى فسخ احدهم و اجاز الآخر لغى الفسخ) لا ما ذكره الحدائق من انه متى ما كان ذلك تقدم الفسخ على الاجازة.

(و قد يتوهم استلزام ذلك) الّذي اخترناه (بطلان حق شخص) الفاسخ (لعدم اعمال الآخر) و هو المجيز (حقه) فان المجيز لم يعمل حقه فى الفسخ.

(و يندفع ب) انّه لا حق للفاسخ إلا منضما، لا انه بطل حقه بسبب عدم اعمال الآخر حقه.

لوضوح (ان الحق اذا كان مشتركا لم يجز اعماله الا برضا الكل كما لو جعل الخيار لأجنبيين على سبيل التوافق) فانه اذا لم يفسخ احدهما لم

ص: 118

فرع: اذا اجتمع الورثة كلهم على الفسخ فيما باعه مورّثهم

فان كان عين الثمن موجودا فى ملك الميّت دفعوه الى المشترى، و ان لم يكن موجودا اخرج من مال الميّت، و لا يمنعون من ذلك و ان كان على الميت دين مستغرق للتركة، لان

______________________________

يصحّ فسخ الآخر لان التوافق كان شرطا فى الفسخ، و لم يحصل و الله سبحانه العالم.

(فرع: اذا اجتمع الورثة كلهم على الفسخ فيما باعه مورّثهم فان كان عين الثمن) الّذي اخذه من المشترى (موجودا فى ملك الميّت دفعوه الى المشترى) لان ذلك مقتضى رجوع كل عوض الى ملك صاحبه الاول من غير فرق بين ان يكون الثمن مثليا او قيميا، فلا يحق لهم ان يبدلوه بغيره و ان كان مثليّا، كما لا يحق للمشترى ان يبدّل المثمن بغيره و ان كان مثليّا، فحال الورثة فحال الورثة حال مورّثهم فى وجوب ارجاع نفس الثمن (و ان لم يكن) الثمن (موجودا) بان كان تالفا او فى حكم التالف، كما اذا غصبه غاصب اوضاع او القى فى البحر (اخرج) الثمن مثله او قيمته (من مال الميّت، و لا يمنعون من ذلك) اى من اخراج الثمن من مال الميّت (و ان كان على الميّت دين مستغرق للتركة) «ان» وصلية كما اذا باع الميّت داره بالف، و كان له الآن الف دينار، و كان عليه دين الف دينار، فان الورثة يسترجعون الدار و يعطون الألف الموجود لمشترى الدار، و تكون الدار للديّان.

و انما كان لهم الفسخ و ان كان على الميّت دين مستغرق (لان

ص: 119

المحجور، له الفسخ بخياره.

و فى اشتراط ذلك بمصلحة الديان و عدمه، وجهان.

و لو كان مصلحتهم فى الفسخ.

______________________________

المحجور) اى الممنوع عن التصرف فى ماله (له الفسخ بخياره) فان المحجور يمنع عن التصرف فى امواله، لا فى حقوقه و ان كانت تلك الحقوق مرتبطة بالمال مثلا، و الورثة ليسوا باكثر من المحجور، فهم لا يتمكنون من التصرف فى مال الميّت، اما التصرف فى حقهم فى الخيار فلهم ذلك.

(و فى اشتراط ذلك) اى الفسخ من الورثة (بمصلحة الديان) كما اذا كانت الدار تسوى الفا و اكثر- فى المثال- (و عدمه) كما اذا كانت الدار تسوى باقل من الف حيث ان فى الفسخ ضرر الديان (وجهان).

من ان الفسخ حق لهم فلهم الاخذ به و ان كان فى ذلك ضرر الديان، كما اذا كان فى الفسخ ضرر المشترى.

مثلا: تسوى الدار حال الفسخ بالفين، فان فسخهم يوجب ضرر الف على المشترى.

و من ان تركة الميّت صارت متعلق حق الديّان، فليس لهم ان يتصرفوا فيها بما يوجب ضررا لهم، لدليل: لا ضرر، و دليل: لا يتوى حق امرئ مسلم لكن الظاهر تقدم حق الورثة لانه مقدم رتبة على حق الديان.

(و لو كان مصلحتهم) اى مصلحة الديان (فى الفسخ) كما اذا باع الميّت داره بالف، و الآن تسوى بالفين، فان الفسخ يوجب ان يملك الديان الدار التى تسوى بالفين عوض «الف التركة».

ص: 120

لم يجبروا الورثة عليه لانه حق لهم، فلا يجبرون على اعماله.

و لو لم يكن للميّت مال، ففى وجوب دفع الثمن من مالهم بقدر الحصص وجهان.

من انه ليس لهم الاحق الفسخ كالا جنبى المجعول له الخيار او

______________________________

فعليه (لم يجبروا الورثة عليه) اى على الفسخ (لانه حق لهم، فلا يجبرون على اعماله) و الاصل عدم الجبر.

نعم الافضل لهم الفسخ لانقاذ الميّت من الدين.

(و لو) باع الميّت الشي ء بخيار و اخذ الثمن و اتلفه، و (لم يكن للميّت مال) فى الحال الحاضر، فاخذ الورثة بالخيار و فسخوا العقد (ففى وجوب دفع الثمن من مالهم بقدر الحصص) كالولد الّذي يرث ثلثين يدفع ثلثي الثمن، و البنت التى ترث ثلثا تدفع ثلث الثمن، و هكذا بالنسبة الى سائر الورثة.

او عدم وجوب شي ء عليهم و انما هم يفسخون لحقهم فى الفسخ فتصبح الدار ملكا للميّت فاذا كان للميّت دين- و منه دين المشترى الّذي يطلب منه الثمن- كانت الدار موزّعة على الديان بالحصص (وجهان) اما وجه انهم ليس عليهم ان يعطوا الثمن من مالهم فهو ما ذكره بقوله: (من انه ليس لهم الاحق الفسخ كالا جنبى المجعول له الخيار) فكما انه اذا جعل الخيار للاجنبى، له ان يفسخ و ليس عليه ان يعطى الثمن فيما اذا لم يكن للميّت او الحىّ البائع مال، فكذلك الورثة ليس لهم اعطاء مال من كيسهم (او

ص: 121

الوكيل المستناب فى الفسخ و الامضاء و انحلال العقد المستلزم لدخول المبيع فى ملك الميّت يوفى عنه ديونه، و خروج الثمن من ملكه فى المعيّن و اشتغال ذمته ببدله فى الثمن الكلى فلا يكون مال الورثة عوضا عن المبيع، الاعلى وجه كونه وفاء لدين الميّت.

______________________________

الوكيل المستناب فى الفسخ و الامضاء) فانه اذا كان الخيار لنفس البائع و افلس من كل مال فانه يصح له ان يوكل انسانا فى ان يمضى البيع عنه او يفسخ، فاذا فسخ الوكيل لم يكن على الوكيل شي ء، و ان لم يكن للموكل شي ء ببذله عوض الثمن (و) الاحق (انحلال العقد المستلزم) ذلك الانحلال (لدخول المبيع) كالدار، فى المثال (فى ملك الميّت يوفى عنه) اى عن المبيع و «يوفى» بصيغة المجهول (ديونه، و خروج) عطف على «انحلال» (الثمن من ملكه) اى ملك الميّت (فى) الثمن (المعيّن) الموجود (و اشتغال) عطف على «خروج» (ذمته) اى الميت (ببدله) اى ببدل الثمن (فى الثمن الكلى) فيما اذ صرف الميّت الثمن الشخصى و كان له مال او لم يكن له مال، فانه يصبح الثمن حينئذ كليا فى ذمته.

و انما يصبح كليا، لقابلية انطباقه على كل مثل مثل او كل قيمة قيمة و على هذا: (فلا يكون مال الورثة عوضا عن المبيع) اذ لا علاقة بين مالهم و بين المبيع، كما لا علاقة بين مال الاجنبى المجعول له الخيار، و بين المبيع (الاعلى وجه كونه) اى كون مال الورثة (وفاء لدين الميّت) اى ليس عوضا بان اذا شاءوا وفوا دين الميّت من مالهم بدون اجبار.

ص: 122

و حينئذ فلا اختصاص له بالورثة على حسب سهامهم، بل يجوز للغير اداء ذلك الدين بل لو كان للميّت غرماء ضرب المشترى مع الغرماء و هذا غير اشتغال ذمم الورثة بالثمن على حسب سهامهم من المبيع.

و من انهم قائمون مقام الميّت فى الفسخ برد الثمن او بدله و تملك المبيع

______________________________

(و حينئذ) اى حين لم يكن مال الورثة عوضا بل اذا شاءوا كان وفاء (فلا اختصاص له) اى للوفاء (بالورثة) فان الوفاء امر تبرّعى (على حسب سهامهم) كما تقدم احتماله (بل يجوز للغير) الاجنبى عن الميّت (اداء ذلك الدين) الّذي على الميّت (بل) لو لم يكن للميّت غرماء كان للمشترى ان يتقاضى حقه من نفس الدار، سواء كانت اكثر من حقه، او اقل، او مساوية لحقه، و (لو كان للميّت غرماء) آخرون (ضرب المشترى مع الغرماء) فى نفس هذه الدار بالحصص (و هذا) اى حق المشترى فى الدار سواء كان معه غرماء آخرون، أم لا (غير اشتغال ذمم الورثة بالثمن على حسب سهامهم من المبيع) اذ لم تشتغل ذمة الورثة بشي ء.

و انما لم يرثوا من الدار لوجود حق على الميّت فى تركته مما منع ذلك الحق الورثة من الارث، هذا كله وجه عدم ضمان الورثة للثمن.

اما وجه ضمانهم للثمن فهو ما ذكره بقوله: (و من انهم قائمون مقام الميّت فى الفسخ برد الثمن، او بدله) «بردّ» متعلق ب «الفسخ» اى انهم كالميّت فى انه لا حق له فى الفسخ الا بان يرد الثمن اذا كان الثمن موجودا، و ردّ بدله مثلا او قيمة اذا كان الثمن تالفا (و تملك المبيع) «و تملك» عطف على «الفسخ».

ص: 123

فاذا كان المبيع مردودا على الورثة من حيث انهم قائمون مقام الميّت اشتغلت ذممهم بثمنه من حيث انهم كنفس الميّت كما ان معنى ارثهم لحق الشفعة استحقاقهم لتملك الحصة بثمن من مالهم، لا من مال الميّت ثم لو قلنا بجواز الفسخ لبعض الورثة و ان لم يوافقه الباقى و فسخ ففى انتقال المبيع الى الكل او الى الفاسخ، وجهان.

______________________________

فكما ان الميّت لا يحق له الفسخ بدون ردّ الثمن اذ معنى الفسخ اعطاء ما عنده و اخذ ما عند طرفه، كذلك الورثة لان خيارهم غير خيار الميّت، فلا يتمكنون من الفسخ بدون رد الثمن (فاذا كان المبيع مردودا على الورثة من حيث انهم قائمون مقام الميّت) فاللازم ان نقول أيضا:

(اشتغلت ذممهم بثمنه من حيث انهم كنفس الميّت).

و هناك فرق بين الاجنبى الّذي له الخيار و بينهم، فان الاجنبى ليس قائما مقام احد الطرفين و لذا يكون للاجنبى الخيار و ليس للطرف الجاعل له الخيار خيار، بخلاف الورثة فانهم انما ورثوا خيار الميّت بالذات (كما ان معنى ارثهم) اى الورثة (لحق الشفعة استحقاقهم لتملك الحصة بثمن من مالهم، لا من مال الميّت) لان المال يدخل فى كيسهم، فاللازم ان يدفعوا بدله، و الميّت لا علاقة له بالشفعة الا بانه ورّثها.

(ثم لو قلنا بجواز الفسخ لبعض الورثة و ان لم يوافقه الباقى و فسخ) فى الكل (ففى انتقال) كل (المبيع الى الكل) اى كل الورثة من فسخ و من لم يفسخ (او الى الفاسخ) وحده (وجهان).

ص: 124

ممّا ذكرنا من مقتضى الفسخ.

و ما ذكرنا اخيرا من مقتضى النيابة و القيام مقام الميّت.

و الاظهر فى الفرعين هو كون ولاية الوارث لا كولاية الولى او الوكيل فى كونها لاستيفاء حق للغير بل هى ولاية استيفاء حق متعلق بنفسه، فهو كنفس الميّت، لا نائب عنه فى الفسخ.

______________________________

(ممّا ذكرنا من مقتضى الفسخ) بان الفسخ يوجب اعطاء الفاسخ للبدل فاذا اخرج الثمن كله من كيس الفاسخ دخل المثمن كله فى كيس الفاسخ و لا علاقة لسائر الورثة بذلك.

(و) من (ما ذكرنا اخيرا من مقتضى النيابة) عن الميّت (و القيام مقام الميّت) فيكون فسخه كفسخ الميّت، و كما انه اذا فسخ الميّت كان المال للميّت فيرثه كل ورثته، كذلك اذا فسخ احدهم رجع المال، و كأنّه للميّت فيرثه كل الورثة.

(و الاظهر فى الفرعين) فرع ذكره بقوله «و لو لم يكن للميّت مال» و فرع ذكره بقوله «ثم لو قلنا بجواز الفسخ» (هو كون ولاية الوارث) على الفسخ (لا كولاية الولى او الوكيل فى كونها لاستيفاء حق للغير) ليس هكذا (بل هى ولاية استيفاء حق متعلق بنفسه) فالوارث يعمل حق نفسه بينما الولى و الوكيل يعمل حق غيره (فهو) اى الوارث (كنفس الميّت) فكما ان للميّت ولاية لنفسه، كذلك للوارث ولاية لنفسه (لا نائب عنه فى الفسخ) فاذا ابطلوا العقد دفعوا الثمن من كيسهم و دخلت الدار المستردّة الى كيسهم.

ص: 125

و من هنا جرت السيرة بان ورثة البائع ببيع خيار ردّ الثمن يردون مثل الثمن من اموالهم، و يستردون المبيع لانفسهم من دون ان يلزموا باداء الديون منه بعد الاخراج.

و المسألة تحتاج الى تنقيح زائد.

______________________________

و كذلك اذا فسخ احدهم دخل كل الدار فى كيسه و خرج كل الثمن من كيسه.

(و من هنا جرت السيرة) بين المتشرّعة (بان ورثة البائع ببيع خيار ردّ الثمن) اى اذا كان خيار شرط بان يرد البائع الثمن و يسترد المثمن (يردون مثل الثمن من اموالهم، و يستردون المبيع لانفسهم).

و هذه السيرة كاشفة عن ارتكاز المتشرعة بان الوارث كالميّت نفسه، لا انه كالوكيل و الولى (من دون ان يلزموا باداء الديون منه) اى من المال المستردّ (بعد الاخراج) اى اخراج الثمن منه، او المراد بعد اخراج المثمن الى انفسهم.

(و المسألة) بعد (تحتاج الى تنقيح زائد) و الله العالم بحقائق الاحكام.

ص: 126

مسئلة لو كان الخيار لأجنبي و مات،

ففى انتقاله الى وارثه كما فى التحرير او الى المتعاقدين او سقوطه كما اختاره غير واحد من المعاصرين.

و ربما يظهر من القواعد وجوه.

______________________________

(مسألة: لو كان الخيار لا جنبى) بان جعل المتبايعان له خيار الفسخ (و مات) ذلك الاجنبى (ففى انتقاله الى وارثه) و لو كانت زوجة و كان ما فيه الخيار الارض (كما فى التحرير، او الى المتعاقدين) بمعنى من جعل منهما الخيار له.

فان شرط البائع الخيار للاجنبى كان الخيار للبائع.

و ان شرطه المشترى للاجنبى كان الخيار للمشترى.

و ان شرطاه معا للاجنبى فلهما الخيار (او سقوطه كما اختاره غير واحد من المعاصرين).

(و ربما يظهر) السقوط أيضا (من القواعد وجوه).

و لكن هذه الاحتمالات انما هى فيما اذا لم يجعل الخيار خاصا به و الا فلا اشكال فى سقوطه، اذ ينتفى الخيار بانتفاء موضوعه فليس ذلك اولى من ما اذا جعل الخيار خاصا باحد المتعاقدين، بحيث جعل منحصرا له، فانه لا اشكال فى سقوطه بموته، حيث انه لا اقتضاء للخيار اكثر من نفس المجعول له.

ص: 127

من انه حق تركه الميّت، فلوارثه.

و من انه حق لمن اشترط له من المتعاقدين لانه بمنزلة الوكيل الّذي حكم فى التذكرة بانتقال خياره الى موكله دون وارثه.

و من ان ظاهر الجعل او محتمله مدخلية نفس الا جنبى، فلا يدخل فى ما تركه.

______________________________

(من انه حق تركه الميّت، ف) يكون (لوارثه) من بعده، و هذا وجه القول الاول.

(و من انه حق لمن اشترط له من المتعاقدين) فاذا مات المجعول له انتقل الى الجاعل (لانه بمنزلة الوكيل الّذي حكم فى التذكرة بانتقال خياره) اذا مات (الى موكله دون وارثه) فاذا و كل زيد عمروا فى اشتراء دار له بشرط، فاشتراه ثم مات عمرو، انتقل خياره الى زيد الموكل له، لا الى وارث عمرو، اذا لخيار جاء من قبل الموكل، فاذا مات الوكيل رجع الى الموكل، و هذا وجه القول الثانى.

(و من ان ظاهر الجعل او محتمله مدخلية نفس الاجنبى) فى الخيار (فلا يدخل) الخيار (فى) عموم (ما تركه) الميّت فلوارثه، فاذا مات انقطع الخيار.

اما اذا كان ظاهر الجعل ذلك فلوضوح انهما جعلا الخيار له خاصة بشرط ان يكون هو الآخذ به، فلا يسرى الخيار الى غيره.

و اما اذا كان محتمل الجعل ذلك، فلانه اذا كان الجعل خاصا و لو احتمالا، لم يعلم الجعل الاوسع، فالاصل الاقتصار على القدر المتيقن

ص: 128

و هذا لا يخلو عن قوة، لاجل الشك فى مدخلية نفس الاجنبى.

و فى القواعد: لو جعل الخيار لعبد احدهما، فالخيار لمولاه و لعله لعدم نفوذ فسخه، و لا اجازته بدون رضا مولاه، و اذا امره باحدهما اجبر شرعا عليه، فلو امتنع فللمولى فعله عنه، فيرجع الخيار بالأخرة له.

______________________________

(و هذا) القول الاخير و هو سقوطه بموت المجعول له (لا يخلو عن قوة، لاجل الشك فى مدخلية نفس الاجنبى) فلا يكون الخيار مما تركه الميّت، حتى يكون لوارثه، و لا انه كالوكيل حتى يرجع الى المتعاقدين اذ لو جعل الخيار لانسان، لم يكن للجاعل الخيار، لانه خلاف الاصل، حتى انه اذا اراد اعمال الخيار فى حياة الاجنبى لم يتمكن، فلا وجه لانتقاله الى الجاعل بعد موته.

و مثل موت الاجنبى جنونه او ما اشبه مما لا يتمكن معه من اعمال الخيار (و) قال (فى القواعد: لو جعل الخيار لعبد احدهما، فالخيار لمولاه، و لعله) اى لعل كون الخيار للمولى مع انه مجعول للعبد (لعدم نفوذ فسخه، و لا اجازته بدون رضا مولاه) لان الفسخ و الاجازة شي ء، و قد قال اللّه تعالى: عبد مملوك لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ، و فى الحديث «أ فشي ء الطلاق؟» يعنى ان ما كان شيئا لا يملكه العبد، و من المعلوم ان الخيار شي ء (و اذا امره باحدهما اجبر شرعا عليه) لوجوب اطاعة المولى على العبد (فلو امتنع) العبد مما امره المولى به (فللمولى فعله عنه) لانه الولى له (فيرجع الخيار بالأخرة له) اى للمولى، انتهى كلام العلامة.

ص: 129

لكن هذا يقتضي ان يكون عبد الاجنبى كذلك مع انه قال لو كان العبد لا جنبى لم يملك مولاه، و لا يتوقف على رضاه، اذا لم يمنع حقا للمولى.

فيظهر من ذلك فساد الوجه المذكور نقضا و حلّا.

______________________________

(لكن هذا) الّذي ذكره العلّامة فى العبد (يقتضي ان يكون عبد الاجنبى كذلك) فلمولاه جبره، و اذا امتنع كان لمولاه ان ينفذ الخيار فسخا او امضاء، لان العلة فى عبد احد المتعاقدين موجود فى عبد الاجنبى أيضا (مع انه) اى العلامة لا يقول بذلك فى عبد الاجنبى.

فانه (قال: لو كان العبد لا جنبى لم يملك مولاه) الفسخ و الامضاء (و لا يتوقف) خيار العبد (على رضاه) اى رضا المولى (اذا لم يمنع) خياره (حقا للمولى) و الا فان منع حقا له توقف على رضاه، كما اذا جعل المتعاقدان الخيار للعبد بان يأتى الى المكان الفلانى و يختار، فان ذهاب العبد الى ذلك المكان يمنع حق المولى.

(فيظهر من ذلك) الكلام الّذي ذكره العلامة فى عبد الاجنبى (فساد الوجه المذكور) فى باب خيار عبد احدهما و ان مولاه يرجع الخيار إليه بالأخرة (نقضا و حلّا).

اما النقض: فلانه كما لا يرجع خيار عبد الاجنبى الى ذلك الاجنبى فكذلك لا يرجع خيار عبد احدهما الى احدهما.

و اما الحلّ: فلان الخيار جعل للعبد حسب الفرض فلا مدخلية للمولى فيه.

ص: 130

فافهم.

______________________________

نعم اذا كان اعمال العبد للخيار مزاحما لحق المولى كان للمولى منعه و ليس معنى ذلك ارجاع الخيار الى المولى (فافهم).

فان العلامة لم يذكر فى خيار عبد احدهما ان الخيار يكون للمولى بل قال بانه اذا امره المولى أو نهاه كان له ذلك.

نعم يبقى الاشكال فى انه اذا امتنع العبد كان للمولى فعله عنه، لان المولى ليس نائبا عن العبد و وكيلا عنه، فكيف يمكن ان يأخذ بالخيار نيابة عن العبد.

ص: 131

مسئلة و من احكام الخيار سقوطه بالتصرف بعد العلم بالخيار،

و قد مرّ بيان ذلك فى مسقطات الخيار، و المقصود هنا بيان انه كما يحصل اسقاط الخيار و التزام العقد بالتصرف فيكون التصرف اجازة فعليه، كذلك يحصل الفسخ بالتصرف فيكون فسخا فعليا.

و قد صرح فى التذكرة بان الفسخ كالاجازة قد يكون بالقول، و قد يكون بالفعل.

______________________________

(مسألة: و من احكام الخيار سقوطه) اى سقوط الخيار (بالتصرف) من ذى الخيار (بعد العلم بالخيار، و قد مرّ بيان ذلك فى مسقطات الخيار، و المقصود هنا بيان انه كما يحصل اسقاط الخيار و التزام العقد بالتصرف) فى ما يكون فيه الخيار (فيكون التصرف اجازة فعليه) كما يصحّ اسقاط الخيار بالاجازة القولية، كان يقول: التزمت بالبيع و اسقطت الخيار (كذلك يحصل الفسخ بالتصرف) فى ما انتقل عنه (فيكون فسخا فعليا) فاذا باع زيد داره من عمرو بالف بخيار، فان تصرف البائع فى الثمن كان اسقاطا للفسخ، و ان تصرف فى الدار كان تصرفه فسخا فعليا فترجع الدار إليه و يعود الثمن الى المشترى.

(و قد صرح فى التذكرة بان الفسخ كالاجازة قد يكون بالقول، و قد يكون بالفعل).

و الظاهر ان الاشارة و الكتابة تقومان مقام الفعل، لا مقام القول.

ص: 132

و قد ذكر جماعة كالشيخ و ابن زهرة و ابن ادريس و جماعة من المتأخرين عنهم، كالعلامة و غيره قدس الله اسرارهم، ان التصرف ان وقع فيما انتقل عنه كان فسخا، و ان وقع فيما انتقل إليه كان اجازة.

و قد عرفت فى مسئلة الاسقاط انّ ظاهر الاكثر ان المسقط هو التصرف المؤذن بالرضا.

و قد دلّ عليه الصحيحة المتقدمة فى خيار الحيوان المعللة للسقوط

______________________________

و قولهم لا اعتبار بالكتابة انما يراد به فى مقام الاثبات، لا فى مقام الثبوت، اما النية المجردة فلا اعتبار بها.

(و قد ذكر جماعة كالشيخ و ابن زهرة و ابن ادريس و جماعة من المتأخرين عنهم، كالعلامة و غيره قدس الله اسرارهم، ان التصرف ان وقع فيما انتقل عنه) اى عن صاحب الخيار (كان فسخا) لانه فعل الفسخ كما ان قوله: فسخت، هو الفسخ (و ان وقع) التصرف (فيما انتقل إليه كان اجازة) لما سبق من ان التصرف دليل الرضا.

(و قد عرفت فى مسئلة الاسقاط) اى اسقاط الخيار (انّ ظاهر الاكثر ان المسقط هو التصرف المؤذن بالرضا) بالعقد، فليس كل تصرف مسقطا فانه ربما يتصرف لان الطرف اباح له التصرف فى ماله، فليس التصرف مسقطا، الا اذا اقترن بالرضا الفعلى بالعقد، و الحاصل ان الرضا علة و ليس بحكمة.

(و قد دلّ عليه) اى على ان التصرف المؤذن بالرضا مسقط (الصحيحة المتقدمة فى خيار الحيوان المعللة للسقوط) اى سقوط الخيار

ص: 133

بان التصرف رضا بالعقد، فلا خيار.

و كذا النبوى المتقدم.

و مقتضى ذلك منهم ان التصرف فيما انتقل عنه انما يكون فسخا اذا كان مؤذنا بالفسخ، و ليكون فسخا فعليا.

و اما ما لا يدل على إرادة الفسخ، فلا وجه لانفساخ العقد به و ان قلنا بحصول الاجازة به بناء على حمل الصحيحة المتقدمة على سقوط الخيار بالتصرف تعبدا

______________________________

(بان التصرف رضا بالعقد، فلا خيار) بعد الرضا لانه اسقط بنفسه خيار نفسه (و كذا النبوى المتقدم) فى مسقطات خيار الحيوان، و هو ما رواه جعفر عليه السلام عن ابيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: فى رجل اشترى عبدا بشرط الى ثلاثة ايام فمات العبد فى الشرط قال صلى الله عليه و آله و سلم: يستحلف بالله تعالى ما رضيه، ثم هو بري ء من الضمان فان المراد بالرضا الالتزام بالعقد- كما تقدم-.

(و مقتضى ذلك) اى ان التصرف دال على الرضا (منهم) اى من الفقهاء (ان التصرف فيما انتقل عنه انما يكون فسخا اذا كان) التصرف (مؤذنا) و مشعرا (بالفسخ و ليكون) التصرف (فسخا فعليا) لانه فعل يقترن بقصد الفسخ.

(و اما ما لا يدل على إرادة الفسخ، فلا وجه لانفساخ العقد به) اى بذلك التصرف (و ان قلنا بحصول الاجازة به) اى بالتصرف الخالى عن القصد فى ما انتقل إليه (بناء على حمل الصحيحة) المعللة لسقوط الخيار بان التصرف رضا (المتقدمة) الدالة (على سقوط الخيار بالتصرف تعبدا

ص: 134

شرعيا من غير ان يكون فيه دلالة عرفية نوعية على الرضا بلزوم العقد، كما تقدم نقله عن بعض، الا ان يدعى الاجماع على اتحاد ما يحصل به الاجازة و الفسخ، فكلما يكون اجازة لو ورد على ما فى يده، يكون فسخا اذا ورد منه على ما فى يد صاحبه.

و هذا الاتفاق و ان كان الظاهر تحققه الا ان اكثر هؤلاء كما عرفت كلماتهم فى سقوط خيار الشرط بالتصرف- يدل على اعتبار الدلالة على

______________________________

شرعيا من غير ان يكون فيه) اى فى التصرف فيما انتقل إليه (دلالة عرفية نوعية على الرضا بلزوم العقد، كما تقدم نقله) اى نقل هذا القول، و هو ان التصرف فيما انتقل إليه مسقط، و ان لم يدل على الرضا الفعلى (عن بعض) الفقهاء.

و الحاصل: ان التصرف الخالى عن الرضا فى المنتقل عنه لا يفسخ اما التصرف الخالى عن الرضا فى المنتقل إليه فهو امضاء، فالرضا فى ما انتقل إليه حكمة، و فيما انتقل عنه علّة (الا ان يدعى الاجماع على اتحاد ما يحصل به الاجازة و الفسخ) من التصرف (فكلما يكون اجازة لو ورد على ما فى يده) اى المنتقل إليه (يكون فسخا اذا ورد منه) اى ممن له الخيار (على ما فى يد صاحبه) اى المنتقل عنه فلا فرق فى التصرف بين الممضى فيما انتقل إليه، و بين الفاسخ فيما انتقل عنه، بل اللازم اما لزوم اقتران كليهما بالقصد او عدم اقتران كليهما بالقصد.

(و هذا الاتفاق و ان كان الظاهر تحققه الا ان اكثر هؤلاء كما عرفت كلماتهم فى سقوط خيار الشرط بالتصرف- يدل) كلامهم (على اعتبار الدلالة) اى بكون التصرف دالا (على

ص: 135

الرضا فى التصرف المسقط فيلزمهم بالمقابلة اعتبار الدلالة على الفسخ فى التصرف الفاسخ.

و يدل عليه كثير من كلماتهم فى هذا المقام أيضا.

قال فى التذكرة اما العرض على البيع و الاذن فيه و التوكيل

______________________________

الرضا فى التصرف المسقط) فالتصرف الخالى عن الرضا فى المنتقل إليه لا يكون امضاء (فيلزمهم بالمقابلة) لاتحاد الفاسخ و الممضى (اعتبار الدلالة على الفسخ فى التصرف الفاسخ) فاذا لم يقصد الفسخ ذو الخيار عند تصرفه فى المنتقل عنه، لم يكن تصرفه فاسخا.

(و يدل عليه) اى على اشتراط قصد الفسخ حتى يكون التصرف فاسخا (كثير من كلماتهم فى هذا المقام) اى مقام التصرف فى ما انتقل عنه (أيضا)

و الحاصل ان اللازم ان يكون التصرف فيما انتقل عنه بقصد الفسخ و الا لم يكن فاسخا.

و بناء الفقهاء على ذلك أولا لانهم ذكروا فى باب التصرف الممضى لزوم دلالته على الرضا بضميمة الاجماع على اتحاد باب الامضاء، و باب الفسخ من هذه الجهة، فما قالوه فى باب الاجازة يأتى فى باب الفسخ.

و ثانيا: لانهم ذكروا فى باب الفسخ أيضا ان التصرف يلزم ان يكون ذالا على الفسخ.

و أليك جملة من كلماتهم فى هذا الباب:

(قال فى التذكرة اما العرض) اى عرض المنتقل عنه (على البيع و الاذن فيه) بان يأذن البائع انسانا ببيع ما انتقل عنه (و التوكيل) لبيعه

ص: 136

و الرهن غير المقبوض بناء على اشتراطه فيه و الهبة غير المقبوضة فالاقرب انها من البائع فسخ، و من المشترى اجازة لدلالتها على طلب المبيع، و استيفائه و هذا هو الاقوى.

و نحوها جامع المقاصد

______________________________

(و الرهن غير المقبوض) بان يرهن البائع المثمن و لم يقبضه المرتهن (بناء على اشتراطه) اى القبض (فيه) اى فى الرهن فلا يلزم الرهن بدون الاقباض (و الهبة غير المقبوضة) بان باع شيئا ثم وهبه و لم يقبضه.

و انما ذكر عدم القبض، لانه يريد بيان اقسام التصرفات غير الناقلة فحال الرهن و الهبة- مع عدم قبضهما- حال العرض على البيع و الاذن فيه و التوكيل له (فالاقرب انها من البائع فسخ) اذا وقع على ما انتقل عنه- فى زمن خيار البائع- (و من المشترى اجازة) اذا وقع فى زمن خيار المشترى، و معنى كونها اجازة، اى امضاء فيسقط بذلك خياره (لدلالتها) اى دلالة هذه الامور من البائع (على طلب المبيع) و انه ابطل البيع (و) دلالتها من المشترى على (استيفائه) اى استيفاء المشترى للمثمن و انه اسقط خياره (و هذا هو الاقوى) هذا من تتمة كلام العلامة اى ان هذا اقرب الى الذهن و الاقوى فتوى.

(و نحوها) اى نحو هذه العبارة عبارة (جامع المقاصد) فان قوله «لدلالتها ... الخ» ظاهر فى ان العلامة يشترط فى التصرف الفاسخ ان يكون دالا على قصد الفسخ.

فان معنى قوله «طلب المبيع» هو عبارة اخرى عن قصد الفسخ فاذا

ص: 137

ثم انك قد عرفت الاشكال فى كثير من امثلتهم المتقدمة للتصرفات الملزمة كركوب الدابة فى طريق الردّ، و نحوه مما لم يدل على الالتزام اصلا، لكن الامر هنا اسهل، بناء على ان ذا الخيار اذا تصرف فيما انتقل عنه تصرفا لا يجوز شرعا الا من المالك او باذنه دلّ ذلك- بضميمة حمل فعل المسلم على الصحيح شرعا- على إرادة انفساخ العقد قبل هذا التصرف

______________________________

تحقق ذلك و انه يشترط ان يكون التصرف الفاسخ فى المنتقل عنه تصرفا بقصد الفسخ، ننتقل الى الكلام فى انه هل كل تصرف بقصد الفسخ يكفى او اللازم ان يكون تصرفا معتدا به.

فنقول: (ثم انك قد عرفت الاشكال فى كثير من امثلتهم المتقدمة للتصرفات الملزمة) «للتصرفات» متعلق ب «امثلتهم» (كركوب الدابة فى طريق الردّ) فيما اذا اشترى دابة ثم اراد ردّها فركبها فى الطريق، فانهم ذكروا ان هذا الركوب يوجب امضاء العقد و اسقاط الخيار، لانه تصرف (و نحوه) كقول المشترى للجارية: ناولينى الثوب او اغلقى الباب او اسقينى الماء (مما لم يدل على الالتزام) اى التزام المشترى بالبيع و اسقاط خياره (اصلا، لكن الامر هنا) اى فى باب التصرف فى المنتقل عنه الموجب للفسخ (اسهل، بناء على ان ذا الخيار اذا تصرف فيما انتقل عنه) فيما اذا كان له خيار الفسخ (تصرفا لا يجوز شرعا الا من المالك او باذنه دلّ ذلك) التصرف (- بضميمة حمل فعل المسلم على الصحيح شرعا-) اى صحيحا شرعيا (على إرادة انفساخ العقد قبل هذا التصرف) اذ لو لا إرادة الانفساخ كان تصرفه باطلا، و ذلك خلاف ما دلّ على حمل فعل

ص: 138

قال فى التذكرة لو قبّل الجارية بشهوة او باشر فيما دون الفرج او لمس بشهوة، فالوجه عندنا انه يكون فسخا، لان الاسلام يصون صاحبه عن القبيح، فلو لم يختر الامساك لكان مقدما على المعصية، انتهى.

ثم نقل عن بعض الشافعية احتمال العدم نظرا الى حدوث هذه الامور عمّن تردّد فى الفسخ و الاجازة.

______________________________

المسلم على الصحيح، فقد قال عليه السلام «ضع امر اخيك على احسنه» و يدل على ما ذكرناه ما (قال فى التذكرة لو قبّل الجارية) التى باعها و كان له خيار فيها (بشهوة) او بلا شهوة أيضا لانه لا يجوز تقبيل جارية الناس اللهم الا ان يريد القبلة من الحاجز فانها لا تحرم اذا لم تكن بشهوة بقرينة ان اللّمس بلا شهوة أيضا كذلك فتأمل (او باشر فيما دون الفرج) لان الوطي فسخ قطعا (او لمس بشهوة فالوجه عندنا انه يكون فسخا لان الاسلام يصون صاحبه عن القبيح) فكونه مسلما دليل على انه لا يفعل القبيح، ففعله ليس بقبيح، و لا يتحقق ذلك الا باختيار الفسخ او السهو و النسيان، لكن اصالة عدم السهو و النسيان يوجب حمل فعله على الفسخ (فلو) كان قد فعل ذلك فى حال انه (لم يختر الامساك) اى امساك الجارية المبيعة بإرادة ردّها، و كذا امساك الجارية المشتراة بإرادة امضاء العقد (لكان مقدما على المعصية) و الاصل عدمه (انتهى).

(ثم نقل عن بعض الشافعية احتمال العدم) اى عدم كون هذه الامور فسخا (نظرا الى حدوث هذه الامور عمّن تردّد فى الفسخ و الاجازة) فيما اذا اشترى جارية ثم قبّلها، فانه لا يصادم التردّد لانها

ص: 139

و فى جامع المقاصد عند قول المصنف قدّس سره، و يحصل الفسخ بوطي البائع و بيعه و عتقه و هبته، قال لوجوب صيانة فعل المسلم عن الحرام حيث يوجد إليه سبيل، و تنزيل فعله على ما يجوز له فعله مع ثبوت طريق الجواز، انتهى.

ثم

______________________________

ملك له الآن.

و الحاصل انه لا يلزم اصل الصحة فى عمل المسلم مع الفسخ.

لكن لا يخفى ان كلام العلامة فى القبلة بالنسبة الى الجارية المبيعة لقوله- انه يكون فسخا- و كلام الشافعى فى القبلة بالنسبة الى الجارية المشتراة لقوله- نظرا الى حدوث- لان البائع لا يقبل الجارية التى باعها فليس كلام الشافعى مصادما لكلام العلامة، فتأمّل.

(و فى جامع المقاصد عند قول المصنف) و هو العلامة (قدّس سره و يحصل الفسخ بوطي البائع) للجارية التى باعها (و بيعه و عتقه و هبته، قال) و انما يكون فسخا (لوجوب صيانة فعل المسلم عن الحرام حيث يوجد إليه) اى الى الحمل على الصحيح (سبيل، و) لوجوب (تنزيل فعله) اى فعل المسلم (على ما يجوز له فعله مع ثبوت) اى وجود و امكان (طريق الجواز) حتى لا ينسب المسلم الى انه فعل حراما (انتهى) كلام جامع المقاصد.

(ثم) ان اصل حمل فعل المسلم على الصحيح ليس اصلا عمليا، حتى لا تثبت لوازمه، فليس مثل الاستصحاب بل من الاصل الّذي بمعنى الامارة

ص: 140

انّ اصالة حمل فعل المسلم على الجائز من باب الظواهر المعتبرة شرعا كما صرح به جماعة كغيرها من الامارات الشرعية، فيدل على الفسخ لا من الاصول التعبدية حتى يقال انها لا تثبت إرادة المتصرف للفسخ، لما تقرر من ان الاصول التعبدية لا تثبت الا اللوازم الشرعية. لمجاريها.

______________________________

مما يثبت لازمه، مثل اصالة حجية السوق و اليد و نحوهما.

فان اصل صحة عمل المسلم يوجب ان نقول ان اللحم الّذي بيده و يبيعه قد ذكى تذكية شرعية، او ان المرأة التى تحته عقد عليها عقدا صحيحا، فلا يجوز تزويج تلك المرأة، و هكذا بالنسبة الى كل اللوازم، فحال الامارات حال خبر الواحد و نحوه فى حجية لوازمها.

ف (انّ اصالة حمل فعلم المسلم على الجائز) شرعا اى الصحيح (من باب الظواهر) اى مثل ظاهر القرآن و ظاهر خبر الواحد (المعتبرة شرعا كما صرح به جماعة) و هو الظاهر من ادلتها.

فحال هذه الاصالة (كغيرها من الامارات الشرعية) و الامارة اصطلاح يقال لما يقابل الاصل، فان كانت لوازمه حجة سمى أمارة، و الّا سمى اصلا، فالاستصحاب اصل و سوق المسلمين أمارة (فيدل) تصرف البائع فى المنتقل عنه مثل تقبيله للجارية التى باعها (على الفسخ لا من الاصول التعبدية حتى يقال انها) اى الاصول التعبدية (لا تثبت إرادة المتصرف للفسخ) «للفسخ» متعلق ب «إرادة» (لما تقرر من ان الاصول التعبدية) كالاستصحاب و البراءة و الاحتياط و التخيير (لا تثبت الا اللوازم الشرعية لمجاريها).

ص: 141

و هنا كلام مذكور فى الاصول.

ثم ان مثل التصرف الّذي يحرم شرعا الاعلى المالك او مأذونه التصرف الّذي لا ينفذ شرعا الا من المالك او مأذونه و ان لم يحرم

______________________________

فاللازم و الملازم و الملزوم العقلية و العرفية و العادية، لا تثبت بالاصول العملية، كما قرر فى الاصول.

نعم اللازم الشرعى ثابت بالاصل العملى.

فاذا استصحب الطهارة جاز له ان يصلى بتلك الطهارة المستصحبة لان صحة الصلاة من اللوازم الشرعية للطهارة.

(و هنا كلام مذكور فى الاصول) و هو الاشكال فى اثبات اصل الصحة للوازمه، بل الثابت به عدم تفسيقه و ما اشبه.

مثلا: اذا قال لك المسلم كلاما و ترددت فى انه هل سبّك او سلّم عليك، فاصل الصحة يقول انه لم يسبّك فليس بفاسق، اما انه سلّم عليك فيجب عليك الجواب فلا، و كذلك اذا قال كلاما شككت فى انه هل قال:

زوجتك بنتى او اغتاب انسانا مسلما، فان اصل الصحة يقول انه لم يغتب انسانا، اما اثبات انه زوجك ابنته حتى اذا قلت انت قبلت صارت بنته زوجة لك فلا.

(ثم ان مثل التصرف الّذي يحرم شرعا الاعلى المالك او مأذونه) مثل وكيله، هو (التصرف الّذي لا ينفذ شرعا الا من المالك او مأذونه و ان لم يحرم).

فالمراد بالتصرف الّذي يوجب الفسخ ليس التصرف الدائر بين الحرام و

ص: 142

كالبيع و الاجارة و النكاح، فان هذه العقود و ان حلّت لغير المالك لعدم عدّها تصرفا فى ملك الغير، الّا انّها تدل على إرادة الانفساخ بها بضميمة اصالة عدم الفضولية كما صرح بها جامع المقاصد عند قول المصنف و الاجازة و التزويج فى معنى البيع.

______________________________

الفاسخ فقط، بل الاعمّ منه و من التصرف الدائر بين التصرف المالكى و بين التصرف الفضولى.

فانه اذا باع البائع ما باعه للمشترى، و تردّد فى ان يكون ذلك فسخا او فضوليا قدّم كونه فسخا على كونه فضوليا (كالبيع و الاجازة و النكاح، فان هذه العقود و ان حلّت لغير المالك) فضولة (لعدم عدّها تصرفا فى ملك الغير) المنهىّ عنه شرعا (الّا انّها) اذا صدرت عن البائع بالنسبة الى المثمن (تدل على إرادة الانفساخ بها) اى بهذه العقود (بضميمة اصالة عدم الفضولية) فاذا صدر عن البائع شي ء بالنسبة الى المثمن، فان كان عملا حراما فى نفسه كقبلة الجارية المبيعة دل ذلك على الفسخ لاصالة حمل فعل المسلم على الصحيح، و ان كان عملا جائزا فى نفسه فان كان لا يصح الا من المالك كالعتق حيث قالوا ان الفضولية لا تجرى فى الايقاعات كان اصل الصحة موجبا للفسخ، و ان كان يصح من المالك هو من غير المالك فضولا- كالنكاح و البيع- كان اصل الصحة بضميمة عدم الفضولية موجبا للفسخ (كما صرح بها) اى بدلالة هذه العقود على الانفساخ (جامع المقاصد عند قول المصنف) و هو العلامة ره (و الاجازة و التزويج فى معنى البيع) فهذه الامور اذا صدرت من البائع بالنسبة

ص: 143

و المراد بهذا الاصل الظاهر.

فلا وجه لمعارضته باصالة عدم الفسخ مع انه لو اريد به اصالة عدم قصد العقد عن الغير، فهو حاكم على اصالة

______________________________

الى المثمن دلت على الانفساخ.

(و المراد بهذا الاصل) اى اصل عدم الفضولية (الظاهر).

اذ: الظاهر ان الانسان اذا عقد انما يعقد عن نفسه لا فضولة عن غيره اذ يحتاج ذلك الى عناية زائدة.

(ف) حيث ان المراد به الظاهر (لا وجه لمعارضته باصالة عدم الفسخ) حيث توهم انه من طرف الاصل عدم الفضولية- و ذلك يقتضي الفسخ- و من طرف آخر الاصل عدم الفسخ فيتساقطان فيبقى العقد السابق على حاله.

و انما قلنا «فلا وجه» لان المراد باصالة عدم الفضولية الظاهر و من المعلوم ان الاصل العملى و هو اصالة عدم الفسخ لا يعارض الاصل الاجتهادى و هو اصالة عدم الفضولية.

فان الظواهر تقدم على الاصول العملية كما قرر فى الاصول (مع انه لو اريد به) اى باصل عدم الفضولية الاصل العلمى و هو الاستصحاب، بان فسرناه ب (اصالة عدم قصد العقد عن الغير) لان هذا قصد زائد على قصد العقد، فاذا شك فيه كان الاصل عدمه، فان اصل العقد محرز، و الشك فى الزيادة (فهو) أيضا مقدم على اصالة عدم الفسخ، و ان كان كل منهما اصلا عمليّا لان اصل عدم قصد العقد عن الغير (حاكم على اصالة

ص: 144

عدم الفسخ.

لكن الانصاف انه لو اريد به هذا لم يثبت به إرادة العاقد للفسخ.

و كيف كان فلا اشكال فى اناطة الفسخ بذلك عندهم كالاجازة بدلالة التصرف عليه.

و يؤيده استشكالهم فى بعض افراده من حيث دلالته بالالتزام على الالتزام بالبيع او فسخه

______________________________

عدم الفسخ) لان الشك فى الفسخ ناشئ عن الشك فى القصد عن الغير فهما من قبيل السبب و المسبب.

(لكن الانصاف انه لو اريد به) اى باصل عدم الفضولية (هذا) اى اصل عدم قصد العقد عن الغير (لم يثبت به إرادة العاقد للفسخ) لان لوازم الاصل العملى ليست بحجة، بخلاف ما لو اريد به الظاهر، فان لوازمه حجة، اذ هو اصل اجتهادى كما عرفت.

(و كيف كان فلا اشكال فى اناطة الفسخ بذلك) اى بالتصرف فى المنتقل عنه (عندهم كالاجازة) اى اناطة الاجازة و الامضاء عند تصرفه فى المنتقل إليه (بدلالة التصرف عليه) اى على قصده الفسخ و الامضاء.

(و يؤيده) اى يؤيد ان مرادهم فيما اذا كان التصرف دالا على قصد الفسخ و الامضاء (استشكالهم فى بعض افراده) اى بعض افراد التصرف (من حيث) الشك فى (دلالته) اى دلالة التصرف (ب) دلالة (الالتزام) العرفى (على الالتزام بالبيع) فى ما اذا تصرف فى المنتقل إليه (او) ب (فسخه) فى ما اذا تصرف فى المنتقل عنه يعنى بعض افراد التصرف

ص: 145

و من حيث امكان صدوره عمن تردّد فى الفسخ كما ذكره فى الايضاح و جامع المقاصد و فى وجه اشكال القواعد فى كون العرض على البيع و الاذن فيه فسخا.

______________________________

يدل على الالتزام بالبيع او بالفسخ، و هذا القسم من التصرف يوجب الامضاء و الفسخ، و بعض افراد التصرف لا يدل على التزام البائع بالبيع و الفسخ.

و قد اشكل الفقهاء فى هذا القسم من التصرف فى كونه امضاء او فسخا فاشكالهم يدل على انهم لا يعتبرون مجرد التصرف امضاء او فسخا، بل يلزم عندهم ان يكون التصرف دالا على قصد الامضاء و قصد الفسخ (و من حيث امكان صدوره) اى صدور ذلك الفرد من التصرف (عمن تردّد فى الفسخ) فالتصرف الفاسخ هو التصرف الدال بالالتزام على امضاء البيع لا التصرف الّذي لا يدل، و لا التصرف الّذي يصدر عن المتردّد فى الامضاء و الفسخ (كما ذكره فى الايضاح و جامع المقاصد) بان التصرف اذا كان ممكنا صدوره عن الثالث لم يكن ذلك التصرف امضاء و لا فسخا (و) كما ذكره (فى وجه اشكال القواعد فى كون العرض على البيع و الاذن فيه) بالنسبة الى المثمن الّذي انتقل عنه (فسخا) حيث ان مجرد هذا العمل لا يدل دلالة عرفية على الفسخ.

فتحصّل ان التصرف الدال على الامضاء بالقصد يكون امضاء، و التصرف الدال على الفسخ بالقصد يكون فسخا.

و اما التصرف غير الدال، و التصرف المشكوك فى انه يدل أو لا، لا

ص: 146

و مما ذكرنا يعلم انه لو وقع التصرف فيما انتقل عنه نسيانا للبيع او مسامحة فى التصرف فى ملك الغير او اعتمادا على شهادة الحال بالاذن لم يحصل الفسخ بذلك.

______________________________

يكون امضاء و لا فسخا.

(و مما ذكرنا) من لزوم دلالة التصرف على القصد (يعلم انه لو وقع التصرف) من البائع (فيما انتقل عنه نسيانا للبيع او مسامحة فى التصرف فى ملك الغير) بان يتصرف هذا الانسان فى املاك الناس مسامحة بدون اذنهم (او اعتمادا على شهادة الحال بالاذن) لانه صديق المشترى و قد اذن له بالفحوى فى التصرف فى كل امواله (لم يحصل الفسخ بذلك) اى بهذا النحو من التصرف المشكوك فى كونه عن قصد الفسخ أو لا.

و لكن لا يخفى ان هذا انما هو فى عالم الاثبات، اما عالم الثبوت فان كان قاصدا للامضاء فيما تصرف فى المنتقل إليه او للفسخ فيما تصرف فى المنتقل عنه، كان الاول امضاء و الثانى فسخا، كما لا يخفى و الله العالم.

ص: 147

مسئلة هل الفسخ يحصل بنفس التصرف، او يحصل قبله متصلا به.
اشارة

و بعبارة اخرى التصرف سبب او كاشف، فيه وجهان، بل قولان.

من ظهور كلماتهم فى كون نفس التصرف فسخا او اجازة.

و انه فسخ فعلى فى مقابل القولى.

و ظهور اتفاقهم على ان الفسخ، بل مطلق الانشاء لا يحصل بالنيّة

______________________________

(مسألة: هل الفسخ يحصل بنفس التصرف) فالتصرف فاسخ فعلى كما ان قوله «فسخت» فاسخ لفظى (او يحصل) الفسخ عند التصرف (قبله) اى قبل التصرف فى حالكونه (متصلا به) و هو ما يسمّى بالفسخ الآنامّائى.

(و بعبارة اخرى التصرف سبب) للفسخ (او كاشف) عن سبب سابق قبل التصرف (فيه وجهان، بل قولان).

وجه ان التصرف فاسخ ما ذكره بقوله: «1» (من ظهور كلماتهم فى كون نفس التصرف فسخا) فيما لو تصرف فى المنتقل عنه (او اجازة) فيما لو تصرف فى المنتقل إليه.

(و) «2» قولهم أيضا (انه) اى التصرف (فسخ فعلى فى مقابل) الفسخ (القولى).

(و) «3» (ظهور اتفاقهم على ان الفسخ، بل مطلق الانشاء) فسخا كان او غير فسخ (لا يحصل بالنيّة

ص: 148

بل لا بد من حصوله بالقول او الفعل.

و مما عرفت من التذكرة و غيرها من تعليل تحقق الفسخ بصيانة فعل المسلم عن القبيح و من المعلوم انه لا يصان عنه الا اذا وقع الفسخ قبله و الا لوقع الجزء الاول منه محرّما.

و يمكن ان يحمل قولهم بكون التصرف فسخا على كونه دالا عليه و ان لم يتحقق به.

و

______________________________

بل لا بد من حصوله بالقول او الفعل).

فالنيّة قبل الفعل لا تسبب الفسخ هذا كله وجه ان الفعل هو الفاسخ اما وجه ان الفسخ يحصل قبل التصرف، فهو ما ذكره بقوله: (و مما عرفت من التذكرة و غيرها من تعليل تحقق الفسخ بصيانة فعل المسلم عن القبيح).

وجه دلالة هذا الكلام على كون الفسخ قبل الفعل ما ذكره بقوله (و من المعلوم انه لا يصان) فعلم المسلم (عنه) اى عن القبيح (الا اذا وقع الفسخ قبله) اى قبل الفعل (و الا) فلو تحقق الفسخ بالفعل (لوقع الجزء الاول منه) اى من الفعل (محرّما) و لم يصن فعله عن القبيح.

(و يمكن ان يحمل قولهم بكون التصرف فسخا) اى القول الاول بما لا ينافى القول الثانى بحمله (على كونه) اى الفعل (دالا عليه) اى على الفسخ (و ان لم يتحقق به) اى بنفس الفعل.

(و) ان قلت: ظاهر قولهم «الفعل فاسخ» فى مقابل قولهم «القول

ص: 149

هذا المقدار يكفى فى جعله مقابلا للقول.

و يؤيده ما دل من الاخبار المتقدمة على كون الرضا هو مناط الالتزام بالعقد و سقوط الخيار و ان اعتبر كونه مكشوفا عنه بالتصرف.

و قد عرفت هناك التصريح بذلك من الدروس، و صرح به فى التذكرة أيضا حيث ذكر ان قصد المتبايعين لاحد عوضى الصرف قبل التصرف رضا بالعقد

______________________________

فاسخ» ان نفس الفعل فاسخ لظهور المقابلة فى ذلك.

قلت: (هذا المقدار) اى كون الفعل دالا على الفسخ (يكفى فى جعله) اى فى جعل الفعل (مقابلا للقول) فان الفعل سواء كان بنفسه فسخا او كاشفا عن الفسخ يكون مقابلا للقول.

(و يؤيده) اى يؤيد ان الفعل كاشف و ليس بفاسخ (ما دل من الاخبار المتقدمة على كون الرضا هو مناط الالتزام بالعقد و) مناط (سقوط الخيار) لظهور قوله «لانه رضى» اى الرضا هو المسقط للخيار (و ان اعتبر كونه) اى الرضا (مكشوفا عنه بالتصرف) فالتصرف ليس هو بنفسه فاسخا بل هو كاشف عن الرضا الّذي هو فاسخ، فليس الفعل فاسخا.

(و قد عرفت هناك) فى باب ان الرضا هو مناط سقوط الخيار (التصريح بذلك من الدروس، و صرح به فى التذكرة أيضا).

فان التذكرة و ان لم يذكر ذلك فى باب الفسخ لكن ذكره فى باب الامضاء فيكفى بعد وضوح اتحاد باب الامضاء مع باب الفسخ من هذه الجهة (حيث ذكر ان قصد المتبايعين لاحد عوضى الصرف) بان اراده (قبل التصرف رضا بالعقد) فالرضا الموجب لسقوط الخيار حاصل بدون

ص: 150

فمقتضى المقابلة هو كون كراهة العقد باطنا، و عدم الرضا به هو الموجب للفسخ اذا كشف عنه التصرف.

و يؤيده انهم ذكروا انه لا تحصل الاجازة بسكوت البائع ذى الخيار على وطى المشترى معلّلا بان السكوت لا يدل على الرضا، فان هذا الكلام ظاهر فى ان العبرة بالرضا.

و صرّح فى المبسوط بانه لو علم رضاه بوطي المشترى سقط خياره، فانتصر فى

______________________________

التصرف.

(فمقتضى المقابلة) بين الامضاء و الفسخ (هو كون كراهة العقد باطنا و عدم الرضا به هو الموجب للفسخ اذا كشف عنه) اى عن ذلك الكره (التصرف) بان تصرف فى المنتقل عنه فانه كاشف عن كون البائع لا يريد العقد، و الا فكيف يتصرف فى مال الناس.

(و يؤيده) اى يؤيد كون الكراهة فاسخة و الفعل كاشف عنه (انهم ذكروا انه لا تحصل الاجازة بسكوت البائع ذى الخيار على وطى المشترى) فاذا باع البائع جارية و جعل لنفسه الخيار ثم وطئها المشترى و سكت البائع لم يكن سكوته دالا على اسقاط خياره (معللا بان السكوت لا يدل على الرضا، فان هذا الكلام ظاهر فى ان العبرة) فى الفسخ و الامضاء (بالرضا) لا بالفعل.

(و صرّح فى المبسوط بانه لو علم رضاه) اى رضا البائع (بوطي المشترى) للجارية التى للبائع خيار فيها (سقط خياره فاقتصر) المبسوط (فى

ص: 151

الاجازة على مجرد الرضا.

و اما ما اتفقوا عليه من عدم حصول الفسخ بالنيّة فمرادهم بها نيّة الانفساخ اعنى الكراهة الباطنية لبقاء العقد.

و البناء على كونه منفسخا من دون ان يدل عليها بفعل مقارن له.

و اما مع اقترانها بالفعل فلا قائل بعدم تأثيرها فيما يكفى فيه الفعل.

اذ كلما يكفى فيه الفعل من الإنشاءات

______________________________

الاجازة) المسقطة للخيار (على مجرد الرضا).

(و) ان قلت: فاذا كان مجرد الرضا و الكراهة موجبا للامضاء و الفسخ فكيف اتفقوا على ان الفسخ لا يحصل بالنيّة.

قلت: (اما ما اتفقوا عليه من عدم حصول الفسخ بالنيّة فمرادهم بها) اى بالنيّة المجردة بدون الفعل الكاشف عنها، فليس الفاسخ (نيّة الانفساخ اعنى الكراهة الباطنيّة لبقاء العقد) «لبقاء» متعلق ب «الكراهة» (و البناء) عطف على «الكراهة» (على كونه) اى العقد (منفسخا من دون ان يدل عليها بفعل مقارن له) اى للبناء على الفسخ.

(و اما مع اقترانها) اى النيّة (بالفعل) المظهر لتلك النيّة، كما لو باع ما انتقل عنه (فلا قائل بعدم تأثيرها) اى بعدم تأثير النيّة (فيما يكفى فيه الفعل) اى فيما لا يحتاج الى اللفظ، اما ما يحتاج الى اللفظ كالنكاح و الطلاق فلا تكفى النيّة المقترنة بالفعل، الا فى الاخرس و من شابهه.

(اذ) علة لقوله «اما مع اقترانها» (كلما يكفى فيه الفعل من الإنشاءات

ص: 152

و لا يعتبر فيه خصوص القول، فهو من هذا القبيل، لان الفعل لا إنشاء فيه فالمنشأ يحصل بإرادته المتصلة بالفعل، لا بنفس الفعل، لعدم دلالته عليه.

نعم يلزم من ذلك ان لا يحصل الفسخ باللفظ اصلا لان اللفظ- ابدا-

______________________________

و لا يعتبر فيه خصوص القول، فهو من هذا القبيل) اى ان النيّة المقاربة للفعل تكون موجبة لتحقق ذلك الانشاء.

و الحاصل: ان هناك قول مجرد، و نيّة مجردة، و نيّة و قول.

و ما اتفقوا على انه لا يكفى، انما هو النيّة المجردة، و كلامنا انه تكفى النيّة المقترنة بالفعل فليس ما ذكرناه خلاف اتفاقهم.

و يدل على ان الفاسخ ليس هو الفعل ما ذكره بقوله: (لان الفعل لا إنشاء فيه) اذ الانشاء امر ارادى و ايجاد الفعل ليس كذلك (فالمنشأ) بصيغة المفعول- (يحصل بإرادته) اى بإرادة المنشى (المتصلة) تلك الإرادة (بالفعل، لا بنفس الفعل، لعدم دلالته) اى الفعل (عليه) اى على الانشاء.

و لكن ربما يقال: لا فرق بين القول و الفعل فكيف تقولون بحصول الانشاء بالقول، و لا تقولون بحصوله بالفعل.

(نعم) اذا قلنا بان الفسخ يحصل بالكراهة القلبية، و الفعل كاشف (يلزم من ذلك ان لا يحصل الفسخ باللفظ اصلا) فاذا تلفظ بالفسخ لزم ان يكون اللفظ كاشفا- كالفعل- لا فاسخا (لان اللفظ- ابدا-) و دائما

ص: 153

مسبوق بالقصد الموجود بعينه قبل الفعل الدال على الفسخ.

و قد ذكر العلامة فى بعض مواضع التذكرة ان اللازم- بناء على القول بتضمن الوطي للفسخ- عود الملك الى الواطئ مع الوطي او قبيله فيكون حلالا.

هذا و كيف كان فالمسألة ذات قولين، ففى التحرير قوى جهة الوطي الّذي

______________________________

(مسبوق بالقصد الموجود بعينه قبل الفعل الدال على الفسخ).

فاذا قلتم: ان القصد الّذي هو قبل الفعل فاسخ، فاللازم ان تقولوا بان القصد الّذي هو قبل القول فاسخ فكيف تقولون ان اللفظ فاسخ.

و الحاصل: ان القول و الفعل، اما كلاهما فاسخان، و اما ان القصد السابق عليهما فاسخ، فلا فرق بينهما.

(و قد ذكر العلامة) ما يدل على ان القصد هو الفاسخ فى باب الفعل حيث انه ذكر (فى بعض مواضع التذكرة ان اللازم- بناء على القول بتضمن الوطي للفسخ-) اى ان وطى البائع للجارية المبيعة فسخ لبيعها (عود الملك الى الواطئ) بسبب النيّة، و قوله «عود» خبر «ان اللازم» (مع الوطي او قبيله، فيكون) الوطي (حلالا) و الّا فاذا انتقل الملك الى الواطئ بعد الآن الاول من الوطي يقع الآن الاول من الوطي حراما، لانه وطى فى ما ليس بملك له.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 15، ص: 154

(هذا و كيف كان فالمسألة) اى مسئلة ان الفسخ هل يحصل بالفعل او قبل الفعل بالنيّة (ذات قولين، ففى التحرير قوى جهة الوطي الّذي

ص: 154

يحصل به الفسخ و ان الفسخ يحصل باول جزء منه، فيكشف عن عدم الفسخ قبله و هو لازم كل من قال: بعدم صحة عقد الواهب الّذي يتحقق به الرجوع كما فى الشرائع.

و عن المبسوط و المهذب و الجامع و الحكم فى باب الهبة و الخيار واحد.

______________________________

يحصل به الفسخ و ان الفسخ يحصل باول جزء منه) اى من الوطي (فيكشف) كلام التحرير (عن) قوله: ب (عدم الفسخ قبله) اى قبل الوطي (و هو) اى كون الوطي هو الفاسخ (لازم كل من قال: بعدم صحة عقد الواهب الّذي يتحقق به الرجوع) فيما اذا وهب شيئا، ثم باع الموهوب من انسان آخر، فهل يصحّ هذا البيع و يكون ذلك رجوعا؟ أو لا يصح هذا البيع، لانه واقع على ملك الموهوب له.

و قد ورد انه لا بيع الا فى ملك، و انما كان ذلك لازم كل من قال، اذ لو كان الفسخ يقع قبل الفعل كان اللازم صحة عقد الواهب، لان الفسخ وقع قبل العقد فيصح العقد لانه كان عقدا فى ملك الواهب (كما) افتى به (فى الشرائع).

(و عن المبسوط و المهذب و الجامع) حيث افتوا بعدم صحة عقد الواهب (و الحكم فى باب الهبة و الخيار واحد).

فان قلنا بان الفسخ قبل الفعل، صحّ عقد الواهب و صحّ وطى ذى الخيار، لانه يقع العقد و الوطي فى ملك العاقد الواهب و البائع الواطئ و ان قلنا بان الفسخ بالفعل هو نفس الفعل كان العقد باطلا و

ص: 155

و توقف الشهيد فى الدروس فى المقامين مع حكمه بصحة رهن ذى الخيار.

و جزم الشهيد و المحقق الثانيان بالحلّ نظرا الى حصول الفسخ قبله بالقصد المقارن.

ثم انه لو قلنا: بحصول الفسخ قبيل هذه الافعال

______________________________

الوطي حراما، لانه لا عقد الا فى ملك، و لا وطى الا فى ملك، و المفروض ان الواهب لم يملك الموهوب قبل العقد و الواطئ لم يملك الجارية التى له فيها الخيار قبل الوطي.

(و توقف الشهيد فى الدروس فى المقامين) و هما: عقد الواهب و وطى ذى الخيار (مع حكمه بصحة رهن ذى الخيار) فيما اذا باع شيئا بخيار ثم رهن ذو الخيار المبيع، مع انه لا رهن الا فى ملك.

و مقتضى فتواه بصحة الرهن ان الملك يحصل قبل الفعل، و لازم ذلك ان يقول بصحة عقد الواهب، و بصحة وطى ذى الخيار.

(و جزم الشهيد و المحقق الثانيان بالحلّ) اى حل وطى ذى الخيار (نظرا الى حصول الفسخ قبله) اى قبل الوطي (بالقصد المقارن) للفعل فيحصل الفسخ آنا مّا، ثم يقع الوطي، كما ذكروا مثل ذلك فى باب عتق العمودين اذا اشتراهما الانسان، فان مقتضى «لا عتق الّا فى ملك» و «عدم ملك العمودين» ان العمودين يدخلان فى ملك الانسان آنا مّا ثم يعتقان عليه.

(ثم انه لو قلنا: بحصول الفسخ قبيل هذه الافعال) و هى: الوطي

ص: 156

فلا اشكال فى وقوعها فى ملك الفاسخ، فيترتب عليها آثارها، فيصح بيعه و سائر العقود الواقعة منه على العين لمصادفتهما للملك و لو قلنا:

بحصوله بنفس الافعال فينبغى عدم صحة التصرفات المذكورة كالبيع و العتق من حيث عدم مصادفتهما لملك العاقد التى هى شرط لصحتها.

______________________________

و الرهن و البيع و ما اشبه فى ذى الخيار، سواء كان الخيار مجعولا كبيع الامة بخيار البائع لو كان العقد جائزا كالهبة مثلا (فلا اشكال فى وقوعها) اى وقوع هذه الافعال (فى ملك الفاسخ، فيترتب عليها) اى على هذه الافعال (آثارها) الشرعية (فيصح بيعه) اى بيع المبيع (و سائر العقود الواقعة منه) اى من ذى الخيار (على العين) التى كانت منتقلة عن البائع و الواهب، ثم اجرى عليها البيع ثانيا او الرهن كما يصح وطيه فيكون الولد حلالا و يصح عتقه فيعتق (لمصادفتهما) اى البيع و سائر العقود و كذلك العتق و الوطي (للملك) اى ملك ذى الخيار، لانه قبل الفعل دخل فى ملكه آنا مّا (و لو قلنا: بحصوله) اى حصول الفسخ (بنفس الافعال) المذكورة فبنفس الوطي يكون الفسخ و بنفس البيع يكون فسخ الهبة، و هكذا (فينبغى) القول ب (عدم صحة التصرفات المذكورة كالبيع و العتق) و الوطي و سائر العقود (من حيث عدم مصادفتهما لملك العاقد) المصادفة (التى هى شرط لصحتها) فانه لا وطى الا فى ملك، و لا بيع الا فى ملك، و لا عتق الا فى ملك، و لا وقف الا فى ملك، و هكذا، و المفروض ان الامور المذكورة لم تقع فى ملك الواطئ و العاقد و الواقف و المعتق.

ص: 157

و قد يقرر المانع بما فى التذكرة عن بعض العامة من ان الشي ء الواحد لا يحصل به الفسخ و العقد، كما ان التكبيرة الثانية فى الصلاة بنية الشروع يخرج بها عن الصلاة و لا يشرع بها فى الصلاة.

و بان البيع موقوف على الملك الموقوف على الفسخ المتأخر عن البيع

______________________________

(و قد يقرر المانع) اى المانع عن التصرفات المذكورة أولا (بما فى التذكرة عن بعض العامة من ان الشي ء الواحد) كالعقد و نحوه (لا يحصل به الفسخ و العقد) و كانّه للتنافى بينهما (كما ان التكبيرة الثانية فى الصلاة بنية الشروع) فيما اذا قال تكبيرة الاحرام مرّتين (يخرج بها عن الصلاة) لانها ركن، و لا يمكن الاتيان بركنين من جنس واحد فى الصلاة، فتكون الثانية مبطلة للركن الاول (و لا يشرع بها فى الصلاة) على المشهور فلا تكون التكبيرة الثانية مبطلة، و عاقدة فى وقت واحد، بل تكون مبطلة فقط.

(و) ثانيا (بان البيع موقوف على الملك) لانه لا بيع الا فى ملك (الموقوف) ذلك الملك (على الفسخ).

اذ لو لا الفسخ لم يحصل ملك للفاسخ (المتأخر) ذلك الفسخ (عن البيع) لفرض ان البيع هو الموجب للفسخ، فيلزم الدور ان قلنا بان البيع محقق للفسخ.

و تكون صورة الدور هكذا «البيع يتوقف على الملك» و «الملك يتوقف على الفسخ» و «الفسخ يتوقف على البيع» اذا «فالبيع يتوقف على البيع».

ص: 158

و اجاب فى التذكرة عن الاول بمنع عدم صحة حصول الفسخ و العقد لشي ء واحد بالنسبة الى شيئين.

و اجاب الشهيد عن الثانى بمنع الدور التوقفى، و ان الدور معىّ و قال فى الايضاح: ان الفسخ يحصل باوّل جزء من العقد.

______________________________

(و اجاب فى التذكرة عن الاوّل) اى ان الشي ء الواحد لا يحصل به الفسخ و العقد (بمنع عدم صحة حصول الفسخ و العقد لشي ء واحد بالنسبة الى شيئين) بان يكون فسخا لعقد سابق، و عقدا لعقد لاحق، فأيّ دليل لعدم الصحة.

كما ان المثال بالتكبيرة أيضا فيه نظر، فالمانع من ان تكون التكبيرة الثانية مبطلة للصلاة الاولى، و عاقدة للصلاة الثانية.

(و اجاب الشهيد عن الثانى بمنع) الاشكال الثانى و هو (الدور) فانه ليس بالدور (التوقفى) الّذي يلزم منه وجود الشي ء قبل وجوده، و ذلك محال (و ان الدور معىّ) من قبيل توقف السقف على العمود، و توقف العمود على السقف، فكل واحد منهما قائم بالآخر، و هذا ليس بمحال.

و فيما نحن فيه يكون الفسخ و العقد بشي ء واحد اى يتوقف البيع على الفسخ، و يتوقف الفسخ على البيع و كلاهما يقعان بشي ء واحد.

و على هذا فقول المستشكل: الملك يتوقف على الفسخ ليس تامّا، بل الملك و الفسخ يقعان معا.

(و قال فى الايضاح: ان الفسخ يحصل باوّل جزء من العقد) فوقع الفسخ باوّل العقد.

ص: 159

و زاد فى باب الهبة قوله: فيبقى المحل قابلا لمجموع العقد، انتهى و قد يستدل للصحة بانه اذا وقع العقد على مال الغير، فملكه بمجرد العقد كاف كمن باع مال غيره ثم ملكه.

اقول:

______________________________

(و زاد فى باب الهبة قوله: فيبقى المحل) و هو المثمن (قابلا ل) ورود (مجموع العقد) اى باقى العقد عليه، فليس الفسخ و العقد يقعان بشي ء واحد، بل بشيئين أوّل العقد و آخر العقد (انتهى) كلام الايضاح (و قد يستدل للصحة) اى لصحة ان يكون بيع ذى الخيار فسخا و بيعا فى آن واحد (بانه اذا وقع العقد على مال الغير، فملكه بمجرد العقد كاف) فانه يبيع مال الغير ثم يملكه، فيصح بيعه (كمن باع مال غيره ثم ملكه).

مثلا: باع الابن مال ابيه ثم مات الأب، و ملك الابن ذلك المبيع، فانه يصح بيعه السابق، بل فيما نحن فيه اولى لانه فيمن باع ثم ملك يكون كل الملك بعد كل العقد و فيما نحن فيه يكون بعض الملك بعد بعض العقد.

(اقول) ما ذكره الايضاح من انه يحصل الفسخ بجزء العقد فيبقى المحل قابلا لمجموع العقد، انما يتم ان قلنا بان جزء الانشاء يكفى فى ما اذا كان فى ملك المنشئ.

و اما ان قلنا بانه يجب ان يكون كل الانشاء فى ملك المنشئ فلا يصح ما ذكره الايضاح، اذ: كل الانشاء لم يقع فى ملك المنشئ.

ص: 160

ان قلنا بان المستفاد من ادلة توقف البيع و العتق على الملك، نحو قوله:

لا بيع الا فى ملك، و لا عتق الا فى ملك، هو اشتراط وقوع الانشاء فى ملك المنشئ فلا مناص عن القول بالبطلان، لان صحة العقد حينئذ يتوقف على تقدم تملك العاقد على جميع اجزاء العقد، لتقع فيه، فاذا فرض العقد او جزء من اجزائه فسخا كان سببا لتملك العاقد مقدما عليه، لان المسبب انما يحصل بالجزء الاخير من سببه، فكلما فرض جزء من العقد

______________________________

ف (ان قلنا بان المستفاد من ادلة توقف البيع و العتق على الملك نحو قوله: لا بيع الا فى ملك، و لا عتق الا فى ملك، هو) «هو» خبر «ان المستفاد» (اشتراط وقوع الانشاء فى ملك المنشئ) العاقد (فلا مناص عن القول بالبطلان لان صحة العقد حينئذ) اى حين اشتراط وقوع كل الانشاء فى ملك المنشئ (يتوقف على تقدم تملك العاقد على جميع اجزاء العقد، لتقع) جميع اجزاء العقد (فيه) اى فى ملك العاقد (فاذا فرض) كل (العقد او جزء من اجزائه فسخا) لان المفروض ان العقد وقع على ملك المشترى، فاما كل العقد فسخ، لانه ما لم يتحقق العقد لم يكن ابطالا للعقد السابق، و اما جزء العقد فسخ، لانه جزء من المبطل كاول جزء من الحدث الّذي يبطل الطهارة مثلا (كان) ذلك العقد او جزء من اجزائه (سببا لتملك العاقد مقدما عليه) اى على التملك (لان المسبب) الّذي هو التملك (انما يحصل بالجزء الاخير من سببه) اذ بدون تمام السبب لا يحصل المسبب (فكلما فرض جزء من العقد) و هو الجزء الموصوف بانه

ص: 161

قابل للتجزئة سببا للتملك، كان التملك متأخرا عن بعض ذلك الجزء و الا لزم تقدم وجود المسبب على السبب.

و الجزء الّذي لا يتجزّى غير موجود

______________________________

(قابل للتجزئة) كالباء من قوله «بعت» (سببا للتملك) اى لتملك العاقد اذ بهذه الباء مثلا يسترجع البائع ذو الخيار ما باعه (كان التملك متأخرا عن بعض ذلك الجزء) فالتملك متأخر عن «ب» فى «بعت» (و الا) فلو لم يتأخر التملك عن بعض ذلك الجزء (لزم تقدم وجود المسبب على السبب) و ذلك كما يستحيل فى المقولات الحقيقية، كذلك يستحيل فى المقولات الاعتبارية.

فكما يستحيل تقدم المعلول على جزء العلة بل اللازم ان تتم العلة ثم يأتى المعلول بعدها رتبة، كذلك يلزم تمام سبب الملك ثم يأتى الملك بعده.

(و) ان قلت: نجزّى العقد الى اجزاء صغار فمثلا «ب» من: بعت نجزّئه الى عدة اجزاء بحيث يكون كل جزء من اجزاء «ب» لا يتجزأ.

ففى اوّل جزء من تلك الاجزاء الصغار يبطل العقد السابق، و فى الجزء منه اى من «ب» بعت، يتحقق العقد اللاحق فيكون «بعت» واقعا فى ملك الفاسخ و ان كان جزء من «باء بعت» وقع قبل ملك الفاسخ و من المعلوم انه لا يلزم فى العقد ان يكون لفظ «الباء» من: بعت «باء» كاملا، بل يكفى ما يصدق عليه «الباء» عرفا.

قلت: (الجزء الّذي لا يتجزّى غير موجود) كما قرر فى الفلسفة اذ معنى

ص: 162

فلا يكون سببا، مع ان غاية الامر حينئذ المقارنة بينه و بين التملك.

و قد عرفت ان الشرط بمقتضى الادلة سبب التملك على جميع اجزاء العقد قضاء لحق الظرفية.

______________________________

ذلك ان يكون فى الوجود شي ء غير قابل للانقسام الخارجى و لا العقلى و لا الوهمى.

و من الواضح ان كل شي ء مهما تصورته صغيرا فهو قابل للانقسام الوهمى، و ان سلم انه ليس بقابل للانقسام الخارجى (فلا يكون) مثل هذا الجزء غير الموجود (سببا) لبطلان العقد السابق (مع) انه لو فرض وجود جزء لا يتجزأ لا يفيد المستدل، ل (ان غاية الامر حينئذ) اى حين وجود جزء لا يتجزأ (المقارنة بينه) اى بين ابطال العقد السابق بهذا الجزء (و بين التملك).

فالجزء الاول من الباء مبطل للعقد السابق و مملّك للمال للفاسخ و هذا يقتضي ان يكون بعض اجزاء العقد و هو الجزء الاول من الباء مقارنا للتملك، لا ان يكون التملك سابقا على العقد.

(و قد عرفت ان الشرط بمقتضى الادلة) تقدم (سبب التملك على جميع اجزاء العقد) فانه يشترط ان يتقدم سبب الملك على كل اجزاء العقد (قضاء لحق الظرفية) حيث قال عليه السلام «لا بيع الا فى ملك» فقوله «فى» معناه ان الملك يجب ان يكون سابقا على كل اجزاء البيع، و الا لم يقع بعض البيع فى الملك، بل تقارن بعض البيع مع التملك.

ص: 163

و اما دخول المسألة فيمن باع شيئا ثم ملكه، فهو بعد فرض القول بصحته يوجب اعتبار اجازة العاقد ثانيا بناء على ما ذكرنا فى مسئلة الفضولى من توقف لزوم العقد المذكور على الاجازة.

الا ان يقال: ان المتوقف على الاجازة عقد الفضولى و بيعه للمالك و اما بيعه لنفسه نظير بيع الغاصب، فلا يحتاج الى الاجازة بعد العقد.

______________________________

(و اما) ما ذكره القائل بالصحة من (دخول المسألة فيمن باع شيئا ثم ملكه) بل قد تقدم ان المقام اولى (فهو بعد فرض القول بصحته) لان جماعة يقولون ببطلان البيع اذا باع شيئا ثم ملكه، لقوله عليه السلام «لا تبع ما ليس عندك» و لقوله (ع) «لا بيع الا فى ملك» (يوجب اعتبار اجازة العاقد ثانيا) فلو باع دار ابيه ثم ورثه لزم ان يجيز الابن ما باعه أولا (بناء على ما ذكرنا فى مسئلة الفضولى من توقف لزوم العقد المذكور) اى العقد الّذي عقده قبل ان يملكه (على الاجازة) بان يجيزه بعد ان ملكه، و الحال ان القائل بالصحة هنا لا يقول بالاحتياج الى الاجازة بعد تمام العقد.

(الا ان يقال) ان العقد هناك يحتاج الى الاجازة اما هنا فلا يحتاج الى الاجازة (ان المتوقف على الاجازة عقد الفضولى و بيعه للمالك) فلو باع الابن للاب ثم ورثه احتاج الى ان يجيز البيع الّذي اوقعه أولا فضولة.

(و اما بيعه لنفسه نظير بيع الغاصب فلا يحتاج الى الاجازة بعد العقد)

ص: 164

لكن هذا على تقدير القول به و الاغماض عما تقدم فى عقد الفضولى لا يجرى فى مثل العتق غير القابل للفضولى.

و ان قلنا: ان المستفاد من تلك الادلة

______________________________

فلو باع الابن مال ابيه لنفسه ثم مات الأب و ورث الابن المال لم يحتج الى اجازة ما باعه، و ما نحن فيه من هذا القبيل، لان ذا الخيار يبيع ما فيه الخيار لنفسه فلا يحتاج الى الاجازة بعد العقد.

(لكن هذا) اى كون ما نحن فيه من قبيل بيع الغاصب لنفسه (على تقدير القول به و الاغماض عما تقدم فى عقد الفضولى) من الاشكال فى بيع الغاصب لنفسه- سواء اجاز بعد ان ملك او لم يجز- (لا يجرى فى مثل العتق) كما اذا باع عبدا بخيار لنفسه ثم اعتقه (غير القابل للفضولى) فان المشهور بينهم ان الايقاعات كالطلاق و العتق و الابراء و ما اشبه لا تقبل الفضولية، بل الفضولية تجرى فى العقود فقط.

و انما لا يجرى ما ذكرناه فى العتق لان اوّل لفظة العتق مثل «ا» فى «اعتقتك» وقع فى ملك الغير، فان «ا» هو الّذي ابطل العقد السابق، فقد وقع اوّل العتق فى ملك الغير ثم انتقل العبد الى المعتق فاللازم ان يكون اوّل العتق فضوليا سواء قلنا باحتياجه الى الاجازة أم لا فيما كان من قبيل بيع الغاصب.

و قد عرفت ان الفضولية لا تقع فى العتق و نحوه هذا كله مربوط بقوله قبل اسطر: اقول ان قلنا بان المستفاد الخ.

(و ان قلنا: ان المستفاد من تلك الادلة) اى ادلة: و لا بيع الا فى

ص: 165

هو عدم وقوع البيع فى ملك الغير المؤثر فى نقل مال الغير بغير اذنه فالممنوع شرعا تمام السبب فى ملك الغير لا وقوع بعض اجزائه فى ملك الغير و تمامه فى ملك نفسه لينقل بتمام العقد الملك الحادث ببعضه، فلا مانع من تأثير هذا العقد لانتقال ما انتقل الى البائع باوّل جزء منه و

______________________________

ملك و لا عتق الا فى ملك (هو عدم وقوع البيع فى ملك الغير) ذلك البيع (المؤثر فى نقل مال الغير بغير اذنه) اى ان الشارع لا يريد نقل مال الغير بغير اذنه ففى المقام و هو بيع ذى الخيار المنتقل عنه، ليس كذلك.

و ذلك (ف) ان (الممنوع شرعا) وقوع (تمام السبب) اى البيع (فى ملك الغير) و (لا) يكون الممنوع (وقوع بعض اجزائه) اى اجزاء السبب (فى ملك الغير و تمامه) اى بقية السبب (فى ملك نفسه لينقل) العاقد (بتمام العقد) اى باجزائه الاخيرة (الملك الحادث) اى الملك الّذي حدث للعاقد (ببعضه) اى ببعض العقد و المراد «ببعضه» أوّل العقد.

و الحاصل: ان ذا الخيار حدث له الملك ب «باء» بعت، و بقية العقد اوجب نقل هذا الملك الحادث الى المشترى، و هذا لا بأس به لان تمام البيع لم يقع فى ملك الغير (فلا مانع من تأثير هذا العقد) الّذي يوجب بعضه ملك العاقد، و بعضه يوجب الانتقال من ملك العاقد الى ملك المشترى (لانتقال ما انتقل الى البائع باوّل جزء منه).

و انما قلنا «لا مانع» لانه لا يشمله «لا بيع الا فى ملك» حسب الفرض (و

ص: 166

هذا لا يخلو عن قوة، اذ لا دلالة فى ادلة اعتبار الملكية فى المبيع الا على اعتبار كونه مملوكا قبل كونه مبيعا.

و الحصر فى قوله: لا بيع الا فى ملك اضافى بالنسبة الى البيع فى ملك الغير او فى غير ملك كالمباحات الاصلية، فلا يعمّ المستثنى منه البيع الواقع بعضه فى ملك الغير و تمامه فى ملك البائع

______________________________

هذا) الّذي ذكرنا انه «لا مانع» (لا يخلو عن قوة، اذ لا دلالة فى ادلة اعتبار الملكية) و هى الادلة التى تقول بان «لا بيع الا فى ملك» (فى المبيع الا على اعتبار كونه مملوكا قبل كونه مبيعا) بان لا يصدق عليه المبيع الا بعد ان صدق عليه المملوك.

و من المعلوم ان المبيع يحصل بآخر العقد و المملوك يحصل باوّل العقد، فالمملوكية قبل المبيعية.

(و) ان قلت: ظاهر «لا بيع الا فى ملك» ان كل العقد يلزم ان يكون فى الملك.

قلت: (الحصر فى قوله: لا بيع الا فى ملك اضافى بالنسبة الى البيع فى ملك الغير) فهذا هو المراد ب «لا بيع» (او) البيع (فى غير ملك) اى ما ليس بمملوك اصلا (كالمباحات الاصلية، فلا يعمّ المستثنى منه) اى «لا بيع» (البيع الواقع بعضه فى ملك الغير و تمامه فى ملك البائع) و كذلك البيع الواقع بعضه على المباح و بعضه على الملك، كما اذا قال «ب» و اخذ عودا من الارض او سمكة من البحر، ثم اتمّه بقوله «عت هذا الشي ء بكذا».

ص: 167

هذا.

مع انه يقرب ان يقال: ان المراد بالبيع هو النقل العرفى الحاصل من العقد، لا نفس العقد، لان العرف لا يفهمون من لفظ البيع الا هذا المعنى المأخوذ فى قولهم: بعت.

و حينئذ فالفسخ الموجب للملك يحصل باوّل جزء من العقد و النقل و التملك العرفى يحصل بتمامه فيقع النقل فى الملك.

______________________________

اذ لا يشمل مثل ذلك قوله «لا بيع الا فى ملك» (هذا) وجه شمول الدليل لما نحن فيه.

(مع) تقريب ان الحصر اضافى، و يمكن ان يقال ان الحصر حقيقى و مع ذلك يشمل الدليل ما نحن فيه، و ذلك بان يكون المراد بالبيع النقل و النقل يكون بعد «تاء» بعت، و فى هذا الحال يكون الشي ء ملكا للبائع، لانه دخل فى ملكه ب «الباء».

ف (انه يقرب ان يقال: ان المراد بالبيع هو النقل العرفى الحاصل من العقد، لا) ان المراد بالبيع هو (نفس العقد، لان العرف لا يفهمون من لفظ البيع الا هذا المعنى) اى النقل لا العقد (المأخوذ فى قولهم:

بعت) فان معناه نقلت، لا عقدت.

(و حينئذ) اى حين كان المراد بالبيع النقل (فالفسخ) للعقد السابق (الموجب للملك) اى لملك العاقد (يحصل باوّل جزء من العقد و النقل، و التملك العرفى يحصل بتمامه) اى بآخر العقد (فيقع النقل فى الملك) فهو بيع- اى نقل- فى ملك، و لا يكون مصداقا للمستثنى منه

ص: 168

و كذا الكلام فى العتق و غيره من التصرفات القولية عقدا كان او ايقاعا و لعلّ هذا معنى ما فى الايضاح من: ان الفسخ يحصل باوّل جزء و بتمامه يحصل العتق.

نعم التصرفات الفعلية المحققة للفسخ كالوطى و الاكل و نحوهما لا وجه لجواز الجزء الاول منها.

فان ظاهر قوله تعالى: إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ*، اعتبار

______________________________

فى «لا بيع الا فى ملك».

(و كذا الكلام فى العتق و غيره من التصرفات القولية عقدا كان او ايقاعا).

فمعنى «لا عتق الا فى ملك» ان الحرية لا تكون الا فى ملك، فاذا قال «اعتقتك» كان الف اعتقتك فاسخا و مملّكا، و بقية الصيغة موجبة للحرية، فالحرية لم تقع الا فى ملك الفاسخ.

(و لعلّ هذا) الّذي ذكرناه من إرادة النقل لا العقد و الحرية و لا الاعتاق، و هكذا (معنى ما فى الايضاح من: ان الفسخ يحصل باوّل جزء) من «اعتقتك» (و بتمامه يحصل العتق) انتهى.

(نعم التصرفات الفعلية المحققة للفسخ كالوطى و الاكل) لما باعه بخيار (و نحوهما) كالقبلة للجارية و الشرب للماء و اللبس للّباس (لا وجه لجواز الجزء الاول منها) اذ ان الجزء الاول يقع فيما ليس بملك.

(فان ظاهر قوله تعالى: إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ*) و ظاهر: لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ* (اعتبار

ص: 169

وقوع الوطي فيما اتصف بكونها مملوكة، فالوطى المحصل للفسخ لا يكون بتمامه حلالا.

و توهم ان الفسخ اذا جاز بحكم الخيار جاز كل ما يحصل به قولا كان او فعلا فاسد، فان معنى جواز الفسخ لاجل الخيار: الجواز الوضعى اعنى الصحة، لا التكليفى، فلا ينافى تحريم ما يحصل به الفسخ كما لا يخفى

______________________________

وقوع الوطي فيما اتصف بكونها مملوكة، فالوطى المحصل للفسخ لا يكون بتمامه) اى لا يكون جميعه (حلالا) فحاله حال ما اذا وطئ ثم فى الاثناء قالت «زوجتك» و قال «قبلت» حيث ان آخره حلال فقط، و كذلك اذا اكل فان الجزء الاول من الاكل لا يكون حلالا.

(و توهم ان الفسخ اذا جاز بحكم الخيار) اى ان البائع حيث له الخيار ففسخه جائز بالفعل كان الفسخ «كالوطى».

او بالقول «كقوله فسخت» (جاز كل ما يحصل به) الفسخ (قولا كان) ما يفسخ به (او فعلا).

فهذا التوهم (فاسد) أولا (فان معنى جواز الفسخ) لذى الخيار (لاجل) ان له (الخيار: الجواز الوضعى) اى ان فسخه نافذ و موجب لنقل الملك الى الفاسخ (اعنى الصحة، لا) الجواز (التكليفى) اى الإباحة فكل فعل او قول يوجب ارجاع المال الى الفاسخ لا ان كل فعل او قول فهو جائز و مباح شرعا (فلا ينافى) وجود الحكم الوضعى (تحريم ما يحصل به الفسخ) كالوطى (كما لا يخفى) اذ لا تلازم بين الحكم الوضعى و بين الحكم التكليفى.

ص: 170

مع انه لو فرض دلالة دليل الفسخ على إباحة ما يحصل به تعيّن حمل ذلك على حصول الفسخ قبيل التصرف جمعا بينه، و بين ما دلّ على عدم جواز ذلك التصرف، الا اذا وقع فى الملك.

و بالجملة فما اختاره المحقق و الشهيد الثانيان فى المسألة لا يخلو عن قوة، و به يرتفع الاشكال عن جواز التصرفات تكليفا و وضعا.

و هذا هو الظاهر من الشيخ فى المبسوط حيث جوّز للمتصارفين

______________________________

و ثانيا (مع انه لو فرض دلالة دليل الفسخ على إباحة ما يحصل به) الفسخ بان دلّ الدليل على الحكم التكليفى أيضا (تعيّن حمل ذلك) الدليل الدالّ على الاباحة (على حصول الفسخ قبيل التصرف) آنا مّا.

و انما نحمل هذا الحمل (جمعا بينه) اى بين دليل الاباحة (و بين ما دلّ على عدم جواز ذلك التصرف) كالوطى (الا اذا وقع فى الملك) كقوله: لا وطى الا فى ملك، فانه يدل على عدم الجواز الا فى المملوك لان الملك الآنامائي هو وجه الجمع بين الدليلين.

(و بالجملة فما اختاره المحقق و الشهيد الثانيان فى المسألة) من الملك الآنامائى (لا يخلو عن قوة، و به يرتفع الاشكال عن جواز التصرفات) اى تصرفات ذى الخيار فى ما انتقل عنه تصرفا فعليا قبل الفسخ القولى، و تصرفا نقليا كالبيع و نحوه قبل الفسخ القولى (تكليفا) فهى حلال (و وضعا) فهى نافذة.

(و هذا) الملك الآنامائى (هو الظاهر من الشيخ فى المبسوط حيث جوّز للمتصارفين) اى بائعى الصرف و هو الذهب و الفضة

ص: 171

تبائع النقدين ثانيا فى مجلس الصرف.

و قال ان شروعهما فى البيع قطع لخيار المجلس، مع ان الملك عنده يحصل بانقطاع الخيار المتحقق هنا بالبيع المتوقف على الملك، لكنه فى باب الهبة لم يصحح البيع الّذي يحصل به الرجوع فيها،

______________________________

(تبائع النقدين ثانيا فى مجلس الصرف).

مثلا: باع الذهب بالفضة ثم ثانيا باع المشترى ما اشتراه الى البائع.

(و قال) الشيخ (ان شروعهما فى البيع) الثانى (قطع لخيار المجلس، مع ان الملك عنده) اى عند الشيخ (يحصل بانقطاع الخيار) فان الشيخ يرى انه ما دام الخيار موجودا لم يحصل الملك، فما داما فى المجلس لم يحصل الملك لاىّ منهما، بل اذا اخرجا من المجلس او اسقط الخيار حصل الملك لهما.

و عليه فما دام الخيار لا ملك فكيف يبيعان بيعا ثانيا الا بان يكون قصد البيع موجبا لانقطاع الخيار، لانه تصرف و التصرف يسقط الخيار، فآنا ما قبل البيع يدخل كل عوض فى ملك المنتقل إليه ليصح بيعه بيعا ثانيا، فالملك يحصل بانقطاع الخيار (المتحقق) ذلك الانقطاع (هنا) فى مورد بيع ثان فى المجلس (بالبيع المتوقف) ذلك البيع الثانى (على الملك) اى ملك البائع بيعا ثانيا (لكنه) رحمة الله (فى باب الهبة لم يصحح البيع الّذي يحصل به الرجوع فيها) اى فى الهبة.

فاذا وهب لانسان شيئا ثم ان الواهب باع الموهوب لم يصح بيعه

ص: 172

معللا بعدم وقوعه فى الملك.

فرع: لو اشترى عبدا بجارية مع الخيار له، فقال: اعتقهما

فربما يقال بانعتاق الجارية دون العبد، لان الفسخ مقدم على الاجازة.

و فيه انه لا دليل على التقديم فى مثل المقام ممّا وقع الاجازة و الفسخ

______________________________

لانه لا يملكه الا بعد الفسخ للهبة، و المفروض ان الفسخ لم يحصل (معللا بعدم وقوعه) اى البيع (فى الملك) مع ان مقتضى كلامه فى المبسوط الصحة فهو اما رجوع عن كلامه الاول، او غفلة من القلم، و الله العالم العاصم.

(فرع: لو اشترى عبدا بجارية مع) كون (الخيار له) اى للمشترى (فقال: اعتقهما) فان ذلك لا يصح فيهما، لانه ان صح البيع لا يصح عتق العبد، و لا يصح عتقهما باعتبار ان عتق ما انتقل إليه اصلى و عتق ما انتقل منه فضولى، اذ لا تجرى الفضولية فى العتق كما تقدم.

اما صحة العتق فى احدهما (فربما يقال بانعتاق الجارية) المنتقلة الى البائع (دون العبد) المنتقل الى المشترى (لان الفسخ مقدم على الاجازة) فهو فسخ للبيع و رجوع للجارية الى ملك المشترى و عتق لها.

و انما نقول بان الفسخ مقدم لانه كذلك فيما اذا تبايعا بخيار لهما فاجاز احدهما و فسخ الآخر، فان الفسخ يقدم على الاجازة فانه معنى:

ان يكون له الخيار.

(و فيه انه لا دليل على التقديم فى مثل المقام ممّا وقع الاجازة و الفسخ

ص: 173

من طرف واحد دفعة، سواء اتحد المجيز و الفاسخ كما فى المقام، او تعدّد كما لو وقعا من وكيلى ذى الخيار دفعة واحدة، انما المسلم تقديم الفسخ الصادر من احد الطرفين على الاجازة الصادرة من الطرف الآخر لان لزوم العقد من احد الطرفين بمقتضى اجازته لا ينافى انفساخه بفسخ الطرف الآخر، كما لو كان العقد جائزا من احدهما فيفسخ مع لزوم العقد من الطرف

______________________________

من طرف واحد دفعة) واحدة، بخلاف ما اذا تعاقبا فان المقدم منهما هو الّذي ينفذ (سواء اتحد المجيز و الفاسخ كما فى المقام، او تعدّد كما لو وقعا) الفسخ و الاجازة (من وكيلى ذى الخيار دفعة واحدة).

كما اذا كان للمشترى فى مثال العبد و الجارية وكيلان فاعتق احدهما العبد و اعتق الآخر الجارية و كان العتقان فى آن واحد (انما المسلم) فى باب تقديم الفسخ على الاجازة (تقديم الفسخ الصادر من احد الطرفين على الاجازة الصادرة من الطرف الآخر).

و انما يقدم الفسخ على الاجازة (لان لزوم العقد من احد الطرفين بمقتضى اجازته) فان معنى الاجازة انه اسقط خياره ف (لا ينافى انفساخه) اى انفساخ العقد (بفسخ الطرف الآخر) لان له الخيار، فمعنى فسخه اعمال خياره (كما لو كان العقد جائزا من احدهما) و لازما من الطرف الآخر، مثل ان يكون احدهما مغبونا او كان ما انتقل إليه معيبا، او جعل لنفسه الخيار، او ما اشبه فان اللزوم من جانب لا ينافى ان يكون حق الفسخ للجانب الآخر (فيفسخ) هذا الجانب الّذي له الخيار (مع لزوم العقد من الطرف

ص: 174

الآخر، بخلاف اللزوم و الانفساخ من طرف واحد.

و نحوه فى الضعف القول بعتق العبد، لان الاجازة ابقاء للعقد، و الاصل فيه الاستمرار.

و فيه ان عتق العبد موقوف على عدم عتق الجارية، كالعكس.

نعم الاصل استمرار العقد و بقاء الخيار و عدم حصول العتق اصلا، و هو

______________________________

الآخر، بخلاف اللزوم و الانفساخ من طرف واحد) فانه لا يقدم فسخه على لزومه، اذ ان له حقا واحدا اما الامضاء و اما الفسخ، فاذا اعملهما تضاربا و لم يقدم احدهما.

(و نحوه) اى نحو القول بعتق الجارية- لتقديم الفسخ- (فى الضعف القول بعتق العبد) المنتقل الى المشترى، و ذلك لتقديم الاجازة على الفسخ (لان الاجازة ابقاء للعقد، و الاصل فيه الاستمرار) لانا نشك فى انه هل بطل العقد أم لا؟ فالاصل بقائه، فالعبد للمشترى فيقع العتق عليه.

(و فيه ان عتق العبد موقوف على عدم عتق الجارية، كالعكس) و هو عتق الجارية موقوف على عدم عتق العبد، فاذا اعتقا وقع بينهما التضارب و لا وجه مصحح لتقديم احدهما على الآخر.

(نعم) اذا تضاربا و لم يكن احدهما مقدما على الآخر ف (الاصل استمرار العقد و بقاء الخيار و عدم حصول العتق اصلا) لأنّا نشكّ فى انه هل ان العتقين اوجبا بطلان العقد او سقوط الخيار فالاصل العدم (و هو

ص: 175

الاقوى، كما اختاره جماعة منهم العلامة فى التذكرة و القواعد و المحقق الثانى فى جامع المقاصد، لان عتقهما معا لا ينفذ، لان العتق لا يكون فضوليا و المعتق لا يكون مالكا لهما بالفعل، لان ملك احدهما يستلزم خروج الآخر عن الملك.

و لو كان الخيار فى الفرض المذكور لبائع العبد

______________________________

الاقوى، كما اختاره جماعة منهم العلامة فى التذكرة و القواعد و المحقق الثانى فى جامع المقاصد، لان) عتق احدهما لا وجه له لانه معارض بعتق الآخر، كما لو تزوج بالاختين، او بالبنت و الام معا، فانه لا يقع زواج، لا على هذه و لا على تلك.

و (عتقهما معا لا ينفذ، لان العتق لا يكون فضوليا).

نعم اذا باعهما صحّ البيعان، بيع مال نفسه اصالة و بيع مال الطرف الآخر فضولة (و المعتق لا يكون مالكا لهما بالفعل) حتى يصح عتقهما معا (لان ملك احدهما يستلزم خروج الآخر عن الملك) و القرعة فيها اشكال لانها تحتاج الى العمل كما قالوا.

و عليه فمقتضى القاعدة بطلان العتقين اذ: الاحتمالات الاخر و هى عتق العبد، او عتق الجارية، او عتقهما، او القرعة كلها مخدوشة.

(و لو كان الخيار فى الفرض المذكور) فى اوّل «فرع» (البائع العبد).

و هذا عكس ما ذكرناه أولا بقولنا «لو اشترى عبدا بجارية مع الخيار له» لان الخيار هنا للبائع، و هناك الخيار للمشترى.

ص: 176

بنى عتق العبد على جواز التصرف من غير ذى الخيار فى مدة الخيار، و عتق الجارية على جواز عتق الفضولى.

و الثانى غير صحيح اتفاقا، و سيأتى الكلام فى الاول.

و ان كان الخيار لهما، ففى القواعد و الايضاح و جامع المقاصد صحة عتق الجارية و يكون فسخا

______________________________

و الحاصل: انه اذا لم يكن للمشترى خيار بان اشترى العبد و جعل الخيار للبائع، ثم ان المشترى الّذي لا خيار له قال «اعتقتهما» (بنى عتق العبد على جواز التصرف من غير ذى الخيار فى مدة الخيار).

فان قلنا بصحة ذلك مطلقا حتى فى مثل العتق نقول بصحة عتق العبد.

فاذا اخذ بائع العبد بخياره و فسخ كان له القيمة او حق له ان يبطل العتق، لان حقه سابق على العتق (و عتق الجارية على جواز عتق الفضولى)

(و الثانى) اى عتق الفضولى (غير صحيح اتفاقا) لان بنائهم ان الفضولية لا تجرى فى الايقاعات و العتق ايقاع (و سيأتى الكلام فى الاول) اى تصرف من ليس له الخيار فيما فيه الخيار، و فيه احتمالات و اقوال.

(و ان كان الخيار لهما) اى لكل من البائع و المشترى فى اشتراء العبد بالجارية (ففى القواعد و الايضاح و جامع المقاصد صحة عتق الجارية) فيما اذا قال المشترى اعتقتهما (و يكون) قوله: اعتقتهما (فسخا) لان الامر دائر بين ان يكون عتقا لهما، و ذلك غير صحيح، كما عرفت فى اوّل الفرع من ان الفضولية لا تجرى فى العتق، او لا عتق اصلا، و ذلك غير صحيح أيضا اذ لا وجه له بعد ان كان عتق الجارية او عتق العبد، و ذلك

ص: 177

لان عتق العبد من حيث انه ابطال لخيار بايعه غير صحيح، بدون اجازة البائع و معها يكون اجازة منه لبيعه، و الفسخ مقدم على الاجازة.

و الفرق بين هذا و صورة اختصاص المشترى بالخياران عتق كل من

______________________________

غير صحيح أيضا (لان عتق العبد من حيث انه ابطال لخيار بايعه غير صحيح، بدون اجازة البائع) فان العبد انتقل الى المشترى و كان لبائعه الخيار فيه، فاللازم على المشترى ان يتحفظ على ما فيه الخيار للبائع كما تقدم من ان موضع الخيار يجب ان يتحفظ عليه (و معها) اى مع اجازة البائع- بان امضى البيع و اسقط خياره- (يكون اجازة منه) اى من البائع (لبيعه) اى اسقاط للخيار، و حينئذ يكون للمشترى وحده الخيار.

فمعنى عتقه العبد امضائه للبيع.

و معنى عتقه الجارية فسخه للبيع (و الفسخ مقدم على الاجازة).

و الحاصل: انه اذا كان الخيار لهما و اعتقهما المشترى فلا يعتق العبد، سواء اسقط البائع خياره او لم يسقط خياره، و لا يعتق كلاهما لعدم جريان الفضولية فى العتق، و لا يبطل العتقان لانه لا وجه لبطلانهما بل تعتق الجارية، سواء اسقط البائع خياره او بقى على خياره.

(و الفرق بين هذا) اى صورة ان يكون لهما الخيار، و اعتقهما المشترى حيث قلنا بصحة عتق الجارية (و) بين (صورة اختصاص المشترى بالخيار) و اعتقهما المشترى الّذي قلنا بانه لا يعتق لا العبد و لا الجارية (ان) فى صورة خيار المشترى وحده (عتق كل من

ص: 178

المملوكين كان من المشترى صحيحا لازما، بخلاف ما نحن فيه.

نعم لو قلنا هنا بصحة عتق المشترى فى زمان خيار البائع، كان الحكم كما فى تلك الصورة.

______________________________

المملوكين كان من المشترى صحيحا لازما) فعتق العبد كان امضاء و عتق الجارية كان فسخا (بخلاف ما نحن فيه) الّذي كان لهما الخيار.

اذ عتق المشترى للعبد غير صحيح، فان البائع حيث له الخيار لا يحق للمشترى التصرف فى العبد الّذي انتقل الى المشترى، لما تقدم من وجوب ابقاء ما فيه الخيار و عدم التصرف فيه.

(نعم لو قلنا هنا) اى فيما كان لهما الخيار (بصحة عتق المشترى) للعبد (فى زمان خيار البائع، كان الحكم) هنا (كما فى تلك الصورة) اى صورة خيار المشترى فقط و لازمه بطلان عتقهما، فلا يصح العتقان لا عتق العبد و لا عتق الجارية- كما سبق وجهه-.

ص: 179

مسئلة من احكام الخيار عدم جواز تصرف غير ذى الخيار تصرفا يمنع من استرداد العين عند الفسخ على قول الشيخ.
اشارة

و المحكى عن ابن سعيد فى جامع الشرائع و ظاهر جماعة من الاصحاب، منهم العلامة فى القواعد و المحقق و الشهيد الثانيان قدس سرهم، بل فى مفتاح الكرامة فى مسئلة عدم انتقال حق الرجوع فى الهبة الى الورثة ان حق الخيار يمنع المشترى من التصرفات الناقلة عند الاكثر.

______________________________

(مسألة: من احكام الخيار عدم جواز تصرف غير ذى الخيار تصرفا يمنع من استرداد العين عند الفسخ) كان يتلفه او يلقيه فى البحر او يستولدها او يوقفه او يعتقه او ما اشبه ذلك.

هذا (على قول الشيخ).

(و المحكى عن ابن سعيد فى جامع الشرائع و ظاهر جماعة من الاصحاب، منهم العلامة فى القواعد و المحقق و الشهيد الثانيان قدس سرهم، بل) قال (فى مفتاح الكرامة فى مسئلة عدم انتقال حق الرجوع فى الهبة الى الورثة) فاذا وهب انسان شيئا كان له حق الرجوع اذا لم تكن الهبة لذى رحم او معوضة او ما اشبه- مما لا حق فى الرجوع فيها- فاذا مات الواهب لم يحق للورثة الرجوع فى الهبة.

فالمحكى عن هؤلاء (ان حق الخيار يمنع المشترى من التصرفات الناقلة عند الاكثر) فالبيع و الهبة و الصلح و الصدقة و ما اشبه لا تصح

ص: 180

و عن جماعة- فى مسئلة وجوب الزكاة على المشترى للنصاب بخيار للبائع- ان المشترى ممنوع من كثير من التصرفات المنافية لخيار البائع، بل ظاهر المحكى عن الجامع كعبارة الدروس عدم الخلاف فى ذلك.

حيث قال فى الجامع: و ينتقل المبيع بالعقد و انقضاء الخيار.

و قيل بالعقد و لا ينفذ تصرف المشترى فيه حتى ينقضى خيار البائع، و

______________________________

بالنسبة الى ما فيه الخيار، بالإضافة الى ما تقدم من مثل الاتلاف.

(و عن جماعة- فى مسئلة وجوب الزكاة على المشترى للنصاب) بان اشترى اربعين رأسا من الغنم او خمسة من الابل، او ثلاثين بقرة او ما اشبه (بخيار للبائع-) «بخيار» متعلق ب «المشترى».

قالوا (ان المشترى ممنوع من كثير من التصرفات المنافية لخيار البائع) فذكروا ذلك لبيان انه هل هذا المنع عن التصرفات يوجب سقوط الزكاة، أم لا؟ حيث انه اذا كان النصاب ممنوعا عن التصرف فيه لم تكن فيه زكاة (بل ظاهر المحكى عن الجامع كعبارة الدروس عدم الخلاف فى ذلك) اى فى ان المشترى ممنوع من كثير من التصرفات.

(حيث قال فى الجامع: و ينتقل المبيع) الى المشترى (بالعقد و انقضاء الخيار) كما هو رأى الشيخ، حيث انه يرى ان الخيار للبائع يمنع من انتقال المبيع الى المشترى.

(و قيل بالعقد) فقط، و هذا هو المشهور (و لا ينفذ تصرف المشترى فيه) اى فى المبيع (حتى ينقضى خيار البائع) فان ظاهر ارساله المسألة ارسال المسلمات انه لا خلاف فيها (و

ص: 181

ستجى ء عبارة الدروس.

هذا و لكن خلاف الشيخ و ابن سعيد مبنى على عدم قولهما بتملك المبيع قبل انقضاء الخيار، فلا يعدّ مثلهما مخالفا فى المسألة.

و الموجود فى ظاهر كلام المحقق فى الشرائع جواز الرهن فى زمن الخيار، سواء كان الخيار للبائع او المشترى اولهما، بل ظاهره عدم الخلاف فى ذلك بين كل من قال: بانتقال الملك بالعقد.

______________________________

ستجى ء عبارة الدروس) الظاهرة فى عدم الخلاف.

(هذا و لكن خلاف الشيخ و ابن سعيد) و قولهما بعدم جواز تصرف غير ذى الخيار (مبنى على عدم قولهما بتملك المبيع قبل انقضاء الخيار، فلا يعدّ مثلهما مخالفا فى المسألة) لان غير ذى الخيار لا يحق له التصرف لانه ليس بماله فى مدة الخيار.

نعم من يقول: بانه ملك فى مدة الخيار، و يقول: بانه لا يجوز له التصرف فهو مخالف فى المسألة اى مسئلة جواز تصرف المالك.

(و الموجود فى ظاهر كلام المحقق فى الشرائع جواز الرهن فى زمن الخيار، سواء كان الخيار للبائع او المشترى اولهما) مما يدل على ان من عليه الخيار يجوز له ان يتصرف فيما فيه الخيار.

مثلا: اشترى زيد دارا من عمرو، و كان لعمرو الخيار، فلزيد ان يرهن الدار (بل ظاهره) اى ظاهر المحقق (عدم الخلاف فى ذلك) اى فى الرهن (بين كل من قال: بانتقال الملك بالعقد) و اما من لا يقول بانتقال الملك بالعقد بل يقول بانتقال الملك بالعقد و انقضاء الخيار،

ص: 182

و كذا ظاهره فى باب الزكاة حيث حكم بوجوب الزكاة فى النصاب المملوك و لو مع ثبوت الخيار.

نعم استشكل فيه فى المسالك فى شرح المقامين على وجه يظهر منه ان المصنف معترف بمنشإ الاشكال.

و كذا ظاهر كلام القواعد فى باب الرهن و ان اعترض عليه جامع المقاصد بما مرّ من المسالك.

______________________________

فلا يصح الرهن ما دام الخيار، لانه ليس ملكه، و الحال انه: لا رهن الا فى ملك.

(و كذا ظاهره فى باب الزكاة) انه لا خلاف فى ذلك (حيث حكم بوجوب الزكاة فى النصاب المملوك و لو مع ثبوت الخيار) للبائع.

فلو باع زيد اربعين شاة وجب على المشترى اعطاء زكاتها و ان جعل البائع لنفسه الخيار فيها.

(نعم استشكل فيه) اى فى كلام المحقق (فى المسالك فى شرح المقامين) و هما: الرهن و الزكاة (على وجه يظهر منه ان المصنف) و هو المحقق (معترف بمنشإ الاشكال) و هو انه كيف يحق له التصرف، و الحال ان الملك فى معرض الزوال.

(و كذا ظاهر كلام القواعد فى باب الرهن) انه لا اشكال فى رهن من عليه الخيار فى مدّة الخيار (و ان اعترض عليه جامع المقاصد بما مرّ من المسالك) فى اعتراضه على المحقق انه كيف يمكن رهن الملك المتزلزل.

ص: 183

لكن صريح كلامه فى التذكرة فى باب الصرف جواز التصرف.

و كذا صريح كلام الشهيد فى الدروس، حيث قال فى باب الصرف:

لو باع احدهما ما قبضه على غير صاحبه قبل التفرق، فالوجه الجواز، وفاقا للفاضل.

منعه الشيخ قدس سره، لانه يمنع الآخر من خياره.

و ردّ بانّا نقول: ببقاء الخيار، انتهى.

______________________________

(لكن) على خلاف المسالك و جامع المقاصد المستشكلين فى جواز تصرف من عليه الخيار (صريح كلامه فى التذكرة فى باب الصرف جواز التصرف) فيما فيه الخيار.

(و كذا صريح كلام الشهيد فى الدروس، حيث قال فى باب الصرف) و هو بيع النقود- الذهب و الفضة- بعضها ببعض (لو باع احدهما ما قبضه على غير صاحبه) مثلا: باع المشترى ما قبضه على انسان ثالث غير البائع (قبل التفرق) من مجلس البيع الاوّل (فالوجه الجواز) مع انه بيع ما فيه الخيار لوجود خيار المجلس (وفاقا للفاضل) و هو العلامة.

(و منعه الشيخ قدس سره، لانه) اى البيع (يمنع الآخر من خياره) اذ خياره يتعلق بما باعه، فاذا فسخ الآخر لم يجد متعلق الخيار، فلا يتمكن من استرداد ماله.

(و ردّ) اى ردّ الشيخ (بانّا نقول: ببقاء الخيار) و انّه لا يسقط الخيار بتصرف المنتقل إليه، فاذا فسخ استرجع بدله او عينه بابطاله المعاملة الثانية (انتهى) كلام الدروس.

ص: 184

و صرح فى المختلف- فى باب الصرف- بان له ان يبيع ماله من غير صاحبه، و لا يبطل حق خيار الآخر، كما لو باع المشترى فى زمان خيار البائع، و هو ظاهر اللمعة، بل صريحها فى مسئلة رهن ما فيه الخيار، و ان شرحها فى الروضة بما لا يخلو عن تكلف هذا.

______________________________

(و صرح) العلامة (فى المختلف- فى باب الصرف- بان له ان يبيع ماله من غير صاحبه، و لا يبطل حق خيار الآخر) اى صاحبه (كما لو باع المشترى فى زمان خيار البائع) فى غير باب الصرف.

اما بيع المشترى للبائع فى باب الصرف او غير الصرف فلا اشكال فيه لانه فى حكم اسقاط البائع لخيار نفسه (و هو) اى جواز التصرف فيما فيه الخيار (ظاهر اللمعة، بل صريحها فى مسئلة رهن ما فيه الخيار، و ان شرحها فى الروضة بما لا يخلو عن تكلف).

فانه قال فى اللمعة: و يصح الرهن فى زمن الخيار و ان كان الخيار للبائع، لانتقال المبيع بالعقد على الاقوال انتهى.

و ظاهره ان يرهن المشترى ما فيه الخيار لكن الشارح حمله على اخذ الرهن من المشترى على الثمن فى ذمته، فيكون المراد انه يجوز اخذ الرهن من المشترى لاشتغال ذمته بالثمن بناء على انتقال المبيع بمجرد العقد، بخلاف مذهب الشيخ حيث قال انه لم ينتقل المبيع فى زمن الخيار فلا يجوز للبائع ان يأخذ الرهن من المشترى، و لا يخفى ان ما ذكره صاحب الروضة خلاف ظاهر كلام اللمعة (هذا).

ص: 185

و يمكن ان يقال ان قول الشيخ و من تبعه بالمنع ليس منشأه القول بعدم انتقال المبيع و متفرعا عليه، و الا لم يكن وجه لتعليل المنع عن التصرف بلزوم ابطال حق الخيار بل المتعين حينئذ الاستناد الى عدم حصول الملك مع وجود الخيار، بل لعل القول بعدم الانتقال منشأه كون المنع عن التصرف مفروغا عنه عندهم،

______________________________

(و يمكن ان يقال ان قول الشيخ و من تبعه بالمنع) من التصرف فى ما فيه الخيار (ليس منشأه القول بعدم انتقال المبيع و متفرعا عليه).

و لا يخفى ان قوله «و يمكن» ردّ لكلامه قبل اسطر «مبنى على عدم قولهما بتملك المبيع ... الخ» (و الا) فلو كان منشأه القول بعدم انتقال المبيع كان اللازم ان يعلل «عدم التصرف» «بعدم انتقال المبيع» و (لم يكن وجه لتعليل المنع عن التصرف بلزوم ابطال حق الخيار).

اذ دائما يعلل عدم الشي ء بعدم مقتضيه لا بوجود المانع.

مثلا: اذا كان الثوب رطبا و لم تكن هناك نار، فيقال لم يحترق الثوب لانه لا نار، و لا يقال لم يحترق لان الثوب رطب (بل المتعين حينئذ) اى حين كان علة عدم جواز التصرف عدم الملكية فى زمن الخيار (الاستناد) فى عدم جواز التصرف (الى عدم حصول الملك مع وجود الخيار) لا الى ان التصرف يوجب بطلان حق ذى الخيار (بل لعل القول بعدم الانتقال) فى زمن الخيار- على ما يقوله الشيخ- (منشأه كون المنع عن التصرف مفروغا عنه عندهم) اى عند الشيخ و اتباعه، فكانهم يرون انه لا يحق له

ص: 186

كما يظهر من بيان مبنى هذا الخلاف فى الدروس قال فى تملك المبيع بالعقد او بعد الخيار بمعنى الكشف او النقل خلاف مأخذه ان الناقل العقد و الغرض بالخيار الاستدراك و هو لا ينافيه و ان غاية الملك التصرف الممتنع فى مدة الخيار، انتهى.

و ظاهر هذا الكلام كالمتقدم عن جامع ابن سعيد كون امتناع التصرف فى

______________________________

التصرف، فيعلّلون ذلك بانه لا يملك، فليس لا يملك، اصلا، و لا يتصرف فرعا بل: لا يتصرف اصل ينتقل منه الى انه: لا يملك (كما يظهر) اى يظهر كون المنع عن التصرف مفروغا عنه عندهم (من بيان مبنى هذا الخلاف فى الدروس) اى الخلاف فى انه لا يملك فى زمن الخيار كما يقوله الشيخ او يملك، كما يقوله المشهور (قال فى تملك المبيع بالعقد او بعد الخيار بمعنى الكشف) فان تمام الخيار يكشف عن كون المبيع ملك من حين العقد (او النقل) فان تمام الخيار ينقل المبيع الآن عند تمام الخيار (خلاف) بين الشيخ و بين المشهور.

و (مأخذه ان الناقل العقد و الغرض بالخيار الاستدراك) حتى اذا ندم ذو الخيار استرجع ماله (و هو) اى الخيار (لا ينافيه) اى لا ينافى النقل بالعقد (و ان غاية الملك) و فائدته (التصرف الممتنع فى مدة الخيار) و حيث امتنع التصرف فلا خيار (انتهى) كلام الدروس.

(و ظاهر هذا الكلام) اى قوله «الممتنع فى مدة الخيار» (كالمتقدم عن جامع ابن سعيد) و هو قوله «و لا ينفذ تصرف المشترى فيه» (كون امتناع التصرف فى

ص: 187

زمن الخيار مسلما بين القولين الا ان يراد به نفوذ التصرف على وجه لا يملك بطلانه بالفسخ و لا يتعقبه ضمان العين بقيمتها عند الفسخ.

______________________________

زمن الخيار مسلما بين القولين) القائل بان النقل بعد انقضاء الخيار- كالشيخ- و القائل بان النقل حين العقد- كالمشهور-.

و على هذا فليس قول الشيخ بامتناع التصرف، علته ان الشيخ يقول بانه لا نقل فى حال الخيار اذ قد عرفت ان المشهور الذين قالوا بالنقل فى زمن الخيار أيضا يقولون بامتناع التصرف (الا ان يراد به) اى يكون فرق بين قول الشيخ بامتناع التصرف و قول المشهور بامتناع التصرف.

فقول الشيخ يراد به امتناع التصرّف مطلقا و قول المشهور يراد به امتناع (نفوذ التصرف على وجه لا يملك بطلانه بالفسخ) فلمن عليه الخيار الحق فى ان يبيع، لكن اذا فسخ من له الخيار فله ان يبطل نقل المشترى الى الاجنبى (و لا يتعقبه) اى لا يتعقب تصرف من عليه الخيار (ضمان العين بقيمتها عند الفسخ) فلمن عليه الخيار ان يتلف ما فيه الخيار، لكن اذا فسخ من له الخيار فله ان يأخذ بدله العين- قيمة او مثلا- من المشترى الّذي عليه الخيار.

و الحاصل ان الشيخ يقول: لا يتصرف فى زمن الخيار و المشهور يقولون يتصرف لكنه اذا فسخ فللفاسخ ابطال المعاملة الجديدة و ضمان العين اذا تلفت.

فالشيخ يقول: لا يتصرف مطلقا، و المشهور يقولون: لا ينفذ التصرف بحيث لا ابطال و لا ضمان.

ص: 188

و التصرف فى زمن الخيار على القول بجوازه معرض لبطلانه عند الفسخ، او مستعقب للضمان لا محالة.

و هذا الاحتمال و ان بعد عن ظاهر عبارة الدروس، الا انه يقربه انه قدس سره قال بعد اسطر: ان فى جواز تصرف كل منهما مع اشتراك الخيار، وجهين.

______________________________

و التصرف فى زمن الخيار على القول بجوازه) كما يقوله المشهور (معرض لبطلانه عند الفسخ) اذا تصرف من عليه الخيار تصرفا ناقلا (او مستعقب للضمان لا محالة) اذا تصرف من عليه الخيار تصرفا متلفا.

(و هذا الاحتمال) اى احتمال ان يراد بعدم التصرف، عدم التصرف على وجه لا يملك البطلان و لا يتعقبه ضمان (و ان بعد عن ظاهر عبارة الدروس) لعدم ذكر لفظ النفوذ فيها، بل هى صريحة فى ان التصرف ممتنع فى زمن الخيار، حيث قال فى عبارته المتقدمة «لانه يمنع الآخر من خياره» فظاهره: ان التصرف ممتنع لانه مانع عن الخيار، لا ان نفوذ التصرف ممتنع (الا انه يقربه) اى يقرب ان يريد الدروس «ان نفوذ التصرف ممتنع» «فلا يمنع اصل التصرف» (انه قدس سره قال بعد اسطر: ان فى جواز تصرف كل منهما مع اشتراك الخيار) بينهما بان يكون لكل منهما خيار (وجهين) فانه يدل على ان الكلام الاول كان فى نفوذ التصرف، لا فى اصل التصرف، فهو أولا نفى نفوذ التصرف، و ثانيا تكلم حول اصل التصرّف و بهذا تحقق ان المراد بعدم التصرف هو عدم نفوذ التصرف.

ص: 189

و الحاصل: ان كلمات العلامة و الشهيد، بل و غيرهما قدس سرهم فى هذا المقام لا يخلو- بحسب الظاهر- عن اضطراب.

ثم ان الظاهر عدم الفرق بين العتق و غيره من التصرفات.

و ربما يظهر من كلمات بعضهم تجويز العتق لبنائه على التغليب.

______________________________

(و الحاصل: ان كلمات العلامة و الشهيد، بل و غيرهما قدّس سرهم فى هذا المقام) اى فى انه لا يجوز تصرف من عليه الخيار او يجوز له التصرف و لكن لا ينفذ تصرفه (لا يخلو- بحسب الظاهر- عن اضطراب) لانه تارة يظهر منهم انه يمتنع التصرف فى زمن الخيار.

و تارة يظهر منهم انه لا يمتنع التصرف و انما لا ينفذ التصرف، و الى هنا تحقق قولان فى مسئلة: هل ان من عليه الخيار يتمكن من التصرف أم لا؟ من يقول بانه لا يتمكن، و من يقول بانه يتمكن.

(ثم) هنا قولان آخران، التفصيل بين العتق و غيره، و التفصيل بين التصرف المتلف و غيره.

و إليهما اشار بقوله: (ان الظاهر عدم الفرق بين العتق و غيره من التصرفات) لوحدة الدليل فيهما.

(و ربما يظهر من كلمات بعضهم تجويز العتق) فاذا اشترى عبدا و كان للبائع الخيار كان للمشترى ان يعتقه، و ليس له ان يبيعه مثلا (لبنائه على التغليب).

و معنى ذلك انه اذا كان سائر التصرفات ممنوعا، لم يكن العتق ممنوعا، و اذا تشبث العبد بالحرية بتحرر بعضه سرى ذلك الى سائر

ص: 190

و كذا الظاهر عدم الفرق بين الاتلاف و التصرفات الناقلة.

و اختار بعض افاضل من عاصرناهم الفرق بالمنع من الاتلاف و تجويز غيره، لكن مع انفساخه من اصله عند فسخ ذى الخيار و قيل بانفساخه من حينه.

حجة القول بالمنع ان الخيار حق يتعلق بالعقد المتعلق بالعوضين من حيث ارجاعهما

______________________________

اجزائه، كل ذلك لان الشارع يحبّ التحرير.

(و كذا الظاهر عدم الفرق بين الاتلاف و التصرفات الناقلة) فمن قال بالجواز قال فيهما، و من قال بالمنع قال فيهما.

(و اختار بعض افاضل من عاصرناهم الفرق بالمنع من الاتلاف) فلا يحق لمن عليه الخيار ان يتلف ما فيه الخيار (و تجويز غيره) كالبيع و نحوه (لكن مع انفساخه) اى انفساخ التصرف الناقل (من اصله) اى من حين النقل (عند فسخ ذى الخيار).

فاذا باع زيد داره من عمرو بخيار لزيد، ثم باعه عمرو الى بكر يوم السبت، و فسخه زيد يوم الاحد، بطل البيع الثانى من يوم السبت (و قيل بانفساخه من حينه) فالبيع الثانى ينفسخ من يوم الاحد، و يكون الثمر بين اليومين لبكر.

(حجة القول بالمنع) و انه لا يحق لمن عليه الخيار ان يتصرف فيما فيه الخيار مطلقا (ان الخيار حق) لذى الخيار (يتعلق بالعقد المتعلق) ذلك العقد (بالعوضين من حيث) «من» متعلق ب «المتعلق» (ارجاعهما)

ص: 191

بحل العقد الى ملكهما السابق، فالحق بالاخرة متعلق بالعين التى انتقلت منه الى صاحبه، فلا يجوز ان يتصرف فيها بما يبطل ذلك الحق باتلافها او نقلها الى شخص آخر.

و منه يظهر: ان جواز الفسخ مع التلف بالرجوع الى البدل لا يوجب جواز الاتلاف، لان الحق متعلق بخصوص العين، فاتلافها اتلاف لهذا الحق

______________________________

اى العوضين (ب) سبب (حل العقد الى ملكهما السابق) فكل مال يرجع الى مالكه الاول (فالحق بالاخرة متعلق بالعين التى انتقلت منه الى صاحبه) و ان كان الحق أولا و بالذات متعلقا بالعقد، لان الخيار ملك فسخ العقد و امضائه (فلا يجوز) للمنقول إليه (ان يتصرف فيها) اى فى العين المنتقلة إليه بالخيار (بما يبطل ذلك الحق) و هو الخيار (باتلافها او نقلها الى شخص آخر) او عتقها او استيلادها او الحيلولة بينها و بين مالكها كإلقائها فى البحر، او ما اشبه ذلك كاطلاق سراح الطائر و الوحش.

(و منه) اى مما ذكرناه من ان كون العين متعلق حق الغير فلا يجوز التصرف فيها (يظهر: ان جواز الفسخ) من ذى الخيار (مع التلف) للعين، فيتدارك (بالرجوع الى البدل) مثلا او قيمة (لا يوجب جواز الاتلاف).

وجه الظهور (لان الحق متعلق بخصوص العين، فاتلافها) اى اتلاف العين (اتلاف لهذا الحق) و لا يجوز اتلاف حق الغير، و ان تحمل المتلف

ص: 192

و ان انتقل الى بدله لو تلف بنفسه كما ان تعلق حق الرهن ببدل العين المرهونة بعد تلفها لا يوجب جواز اتلافها على ذى الحق.

و الى ما ذكر يرجع ما فى الايضاح من توجيه بطلان العتق فى زمن الخيار بوجوب صيانة حق البائع فى العين المعينة عن الابطال.

و يؤيد ما ذكرنا انهم حكموا من غير خلاف يظهر منهم: بان التصرف الناقل اذا وقع باذن ذى الخيار

______________________________

بدله (و ان انتقل) الحق (الى بدله لو تلف بنفسه) اى بمتلف، فان الاتلاف حرام تكليفا و الانتقال الى البدل حكم وضعى (كما ان تعلق حق الرهن ببدل العين المرهونة بعد تلفها) كما اذا اتلفها الراهن او تلفت هى بنفسها (لا يوجب جواز اتلافها على ذى الحق).

فان الراهن و المرتهن ممنوعان عن التصرف و التلف من أسوإ اقسام التصرف، كما لا يخفى.

(و الى ما ذكر) من تعلق حق ذى الخيار بالعين (يرجع ما فى الايضاح من توجيه بطلان العتق فى زمن الخيار) كما اذا باعه عبدا و جعل البائع الخيار لنفسه، فانه لا يجوز للمشترى ان يعتق العبد (ب) سبب (وجوب صيانة) و حفظ (حق البائع فى العين المعينة) التى هى العبد (عن الابطال) فلو اعتق العبد كان قد اتلف حق البائع فى ذات العين.

(و يؤيد ما ذكرنا) من ان حق ذى الخيار متعلق بنفس العين (انهم حكموا من غير خلاف يظهر منهم: بان التصرف الناقل اذا وقع باذن ذى الخيار)

ص: 193

سقط خياره، فلو لم يكن حقا متعلقا بالعين لم يكن ذلك موجبا لسقوط الخيار، فان تلف العين لا ينافى بقاء الخيار لعدم منافات التصرف، لعدم الالتزام بالعقد، و إرادة الفسخ بأخذ القيمة هذا غاية ما يمكن ان يقال فى توجيه المنع.

لكنه لا يخلو عن نظر، فان الثابت من خيار الفسخ- بعد ملاحظة جواز التفاسخ فى حال تلف العينين-

______________________________

بان اذن البائع ذو الخيار، المشترى بان يبيع ما فيه الخيار مثلا (سقط خياره).

وجه التأييد ما ذكره بقوله: (فلو لم يكن) الخيار (حقا متعلقا بالعين لم يكن ذلك) الاذن (موجبا لسقوط الخيار) و اذا لم يكن حقا .. لم يكن موجبا (فان تلف العين لا تنافى بقاء الخيار لعدم منافات التصرف) المتلف (لعدم الالتزام بالعقد) فيأذن ذو الخيار فى التصرف المتلف و مع ذلك ليس بملتزم بالعقد (و) انما له (إرادة الفسخ بأخذ القيمة).

اما اذا كان الحق متعلقا بالعين، كان بين الاذن بالتصرف و بين إرادة الفسخ منافاة لانه قد اذن بتلف حقه فلا حق له فى الفسخ، لان موضوع حقه قد ذهب باذنه (هذا غاية ما يمكن ان يقال فى توجيه المنع) اى منع الطرف من التصرف فى متعلق الخيار.

(لكنه لا يخلو عن نظر، فان الثابت من خيار الفسخ- بعد ملاحظة جواز التفاسخ فى حال تلف العينين-) و انما نحتاج الى هذه الملاحظة حتى نعلم بان الفسخ لا يتوقف شرعا و لا عرفا على وجود العين التى فيها

ص: 194

هى سلطنة ذى الخيار على فسخ العقد المتمكن فى حالتى وجود العين و فقدها، فلا دلالة فى مجرد ثبوت الخيار على حكم التصرف جوازا، و منعا فالمرجع فيه ادلة سلطنة الناس على اموالهم.

الا ترى انّ حق الشفيع لا يمنع المشترى من نقل العين

______________________________

خيار الفسخ، و لا على وجود العوض الآخر الّذي لا يكون الخيار متعلقا به (هى سلطنة ذى الخيار على فسخ العقد المتمكن) و اعمال تلك السلطة (فى حالتى وجود العين و فقدها) فان كانت موجودة استرجعت و ان كانت مفقودة استرجع بدلها (فلا دلالة فى مجرد ثبوت الخيار على حكم التصرف) اى تصرف غير ذى الخيار (جوازا) بان يكون الخيار مقتضيا لجواز التصرف (و منعا) بان يكون الخيار مانعا عن التصرف.

و عند عدم وجود الدلالة للخيار على التصرف جوازا و منعا (فالمرجع فيه) اى فى التصرف فى متعلق الخيار (ادلة سلطنة الناس على اموالهم) فان المشترى المنتقل إليه المثمن يكون المثمن ماله، فيشمله: الناس مسلطون على اموالهم.

و يؤيد ذلك تعارف تصرف الناس فى متعلق الخيار، فيشربون و يأكلون الشي ء المشترى فى مجلس العقد، و يتصرفون فى ثمن الحيوان فى الثلاثة الى غيرها.

(الا ترى) و هذا تقريب ان الخيار لا ينافى التصرف فى العين (انّ حق الشفيع لا يمنع المشترى من نقل العين) قبل اخذ الشريك لحقه، مع ان العين متعلق حق الشفيع و خياره.

ص: 195

و مجرد الفرق بينهما بان الشفعة سلطنة على نقل جديد، فالملك مستقر قبل الاخذ بها- غاية الامر تملك الشفيع نقله الى نفسه، بخلاف الخيار، فانها سلطنة على رفع العقد، و ارجاع الملك الى الحالة السابقة- لا يؤثر فى الحكم المذكور

______________________________

(و) ان قلت: هناك فرق بين الخيار فى البيع و الخيار للشفيع، فالخيار فى البيع معناه ابطال البيع فالعين غير مستقرة عند المشترى- فيما كان للبائع الخيار- و الخيار فى الشفعة معناه نقل الشفيع المال نقلا جديدا الى نفسه، فالعين مستقرة عند المشترى فلا يلزم من جواز تصرف المشترى فى حق الشفيع جواز ان يتصرف المشترى فى العين التى هى محل الخيار.

قلت: (مجرد الفرق بينهما بان الشفعة سلطنة على نقل جديد) فالشفيع له سلطنة بان ينقل المال الى نفسه بعد ان تمّ نقل الشريك بحصته الى المشترى (فالملك مستقر) عند المشترى (قبل الاخذ) اى اخذ الشفيع (بها) اى بالشفعة (غاية الامر تملك الشفيع نقله) اى الملك (الى نفسه، بخلاف الخيار فانها سلطنة على رفع العقد و ارجاع الملك الى الحالة السابقة).

فالملك غير مستقر عند المشترى، فاذا جاز تصرف من له ملك مستقر لم يلازم ذلك جواز تصرف من ليس له ملك مستقر.

و قوله: (لا يؤثر) خبر «و مجرد» (فى الحكم المذكور) بان يجوز التصرف فى الشفعة و لا يجوز فى متعلق الخيار.

ص: 196

مع ان الملك فى الشفعة اولى بالتزلزل لإبطالها تصرفات المشترى اتفاقا و اما حق الرهن، فهو من حيث كون الرهن وثيقة يدل على وجوب ابقائه و عدم السلطنة على اتلافه مضافا الى النصّ و الاجماع على حرمة التصرف فى الرهن مطلقا.

______________________________

و انما لا يؤثر، لان الملك فى كليهما متزلزل، فلو كان التزلزل يمنع عن التصرف لمنع فى الشفعة و لو كان التزلزل لا يمنع عن التصرف لم يمنع فى الخيار، هذا أولا.

و ثانيا: (مع ان الملك فى الشفعة اولى بالتزلزل لإبطالها) اى الشفعة اذا اخذ بها الشفيع (تصرفات المشترى اتفاقا) فانه اذا باعه المشترى ثم اخذ الشفيع بالشفعة بطل بيع المشترى، بخلاف ما نحن فيه فانه اذا تصرف المشترى فيه بالنقل ثم اخذ ذو الخيار لم يبطل النقل، و انما يرجع ذو الخيار الى البدل- كما ذكره جمع-.

(و) ان قلت: اذا كان حق الطرف لا يمنع تصرف المالك فلما ذا تقولون بان الراهن لا يتمكن من التصرف فى العين المرهونة التى هى متعلق حق المرتهن.

قلت: (اما حق الرهن، فهو) مانع عن تصرف المالك (من حيث كون الرهن وثيقة) على الدين.

ف (يدل على وجوب ابقائه و عدم السلطنة على اتلافه) اذا الاتلاف ينافى كونه وثيقة، فهناك قرينة من الخارج على حرمة التصرف لا مجرد انه حق (مضافا الى النص و الاجماع على حرمة التصرف فى الرهن مطلقا

ص: 197

و لو لم يكن متلفا و لا ناقلا.

و اما سقوط الخيار بالتصرف الّذي اذن فيه ذو الخيار، فلدلالة العرف لا للمنافات.

و الحاصل: ان عموم: الناس مسلطون على اموالهم لم يعلم تقييده بحق يحدث لذى الخيار يزاحم به سلطنة المالك، فالجواز لا يخلو عن قوة فى الخيارات الاصلية.

______________________________

و لو لم يكن) التصرف (متلفا و لا ناقلا) اما فى باب الخيار فلا اشكال فى التصرف غير المتلف و غير الناقل.

(و) ان قلت: فلما ذا؟ اذا اذن ذو الخيار فى التصرف سقط خياره الّا ان يدل ذلك على منافات الخيار للتصرف.

قلت: (اما سقوط الخيار بالتصرف الّذي اذن فيه ذو الخيار، ف) ليس للمنافات، بل (لدلالة العرف) و لذا لو قال تصرّف، و لكن يبقى خيارى لم ير العرف مانعا عن ذلك، و (لا) يكون السقوط (للمنافات) بين التصرف و بين الخيار.

(و الحاصل: ان عموم: الناس مسلطون على اموالهم) الشامل لتصرف المشترى فيما فيه الخيار للبائع (لم يعلم تقييده ب) سبب (حق يحدث لذى الخيار) حتى (يزاحم به) اى بذلك الحق لذى الخيار (سلطنة المالك) فلذي الخيار حق، و المالك يقدر على التصرف (فالجواز) اى جواز التصرف فيما فيه الخيار (لا يخلو عن قوة فى الخيارات الاصلية) كخيار المجلس و خيار الغبن و خيار العيب و خيار الحيوان و ما اشبه.

ص: 198

و اما الخيارات المجعولة بالشرط.

فالظاهر من اشتراطها إرادة ابقاء الملك ليسترده عند الفسخ، بل الحكمة فى اصل الخيار هو ابقاء السلطنة على استرداد العين، الا انها فى الخيارات المجعولة علة للجعل.

و

______________________________

(و اما الخيارات المجعولة بالشرط) و جمع الخيارات باعتبار افراده، لا ان للشرط خيارات متنوعة.

(ف) انما لا يحق للمشروط عليه التصرف لان الشرط هو ان لا يتصرف لا لان مقتضى الخيار- بما هو خيار- ان لا يتصرف.

اذ (الظاهر من اشتراطها) اى اشتراط الخيارات (إرادة) المشترط (ابقاء) المشروط عليه (الملك ليسترده) الشارط (عند الفسخ، بل الحكمة فى اصل الخيار) اصليّا كان او مجعولا (هو ابقاء) الشارط (السلطنة) اى سلطنة نفسه (على استرداد العين) متى ما اراد (الا انها) اى الحكمة (فى الخيارات المجعولة) بالشرط (علة للجعل) لا حكمة فقط، ففى الخيارات غير المجعولة- اى الاصلية- حيث ان الابقاء حكمة جاز التصرف المتلف، اما فى الخيارات المجعولة حيث ان الابقاء علة لم يجز التصرف المتلف.

(و) ان قلت: اذا كانت العلة فى الخيارات المجعولة السلطنة، كان لازم ذلك انه اذا تلف متعلق الخيار سقط الخيار لان المعلول عدم عند عدم علته.

ص: 199

لا ينافى ذلك بقاء الخيار مع التلف، كما لا يخفى.

و عليه فيتعين الانتقال الى البدل عند الفسخ مع الاتلاف.

و اما مع فعل ما لا يسوغ انتقاله عن المتصرف كالاستيلاد ففى تقديم حق الخيار لسبقه، او الاستيلاد لعدم اقتضاء الفسخ لرد العين مع وجود المانع الشرعى

______________________________

قلت: (لا ينافى ذلك) اى كونه علة (بقاء الخيار مع التلف) للعين (كما لا يخفى) لانه من باب تعدد المطلوب، فالشارط يريد العين أوّلا، و بدلها ثانيا، فاللازم التحفظ على العين و اذا تلفت كان له الخيار لاخذ بدلها.

مثلا: من باع داره التى تسوى بالف- اضطرار- بمائة مع الشرط فانه يريد ذات الدار مع بقائها و قيمة الدار- اى الألف- مع تلفها، فاذا فسخ و قد تلفت الدار اعطى المائة و اخذ الألف الّذي هو قيمة الدار.

(و عليه) اى بناء على بقاء الخيار (فيتعين الانتقال الى البدل عند الفسخ مع الاتلاف) للعين.

(و اما مع فعل) المشروط عليه (ما لا يسوغ انتقاله عن المتصرف كالاستيلاد) اذام الولد لا تنتقل (ففى تقديم حق الخيار لسبقه) فاذا اخذ البائع بالخيار استرجع الجارية و ابطل حق الاستيلاد، كما تباع أمّ الولد فى دين نفسها، لتقديم حق الدين على الاستيلاد (او) تقديم (الاستيلاد لعدم اقتضاء الفسخ لرد العين مع وجود المانع الشرعى) الّذي هو الاستيلاد.

ص: 200

كالعقلى، وجهان، أقواهما الثانى و هو اللائح من كلام التذكرة من باب الصرف حيث ذكر ان صحة البيع الثانى لا ينافى حكمه و ثبوت الخيار للمتعاقدين.

و منه يعلم حكم نقله عن ملكه، و انه ينتقل الى البدل، لانه اذا جاز التصرف فلا داعى الى اهمال ما يقتضيه التصرف من اللزوم، و تسلط

______________________________

فان المانع الشرعى (ك) المانع (العقلى، وجهان، أقواهما الثانى) اللهم الا ان يقال: يشك فى اطلاق دليل الاستيلاد لما هنا فالمرجع عموم ادلة الخيار (و هو) اى تقديم حق الاستيلاد (اللائح) اى الظاهر (من كلام التذكرة من باب الصرف) و هو بيع الاثمان- الذهب و الفضة (حيث ذكر ان صحة البيع الثانى) الواقع على ما فيه الخيار (لا ينافى حكمه و ثبوت الخيار للمتعاقدين).

فان الحكمة هى رجوع المالك الى العين اذا كانت موجودة، و الى البدل اذا كانت تالفة او كالتالفة، فان الاستيلاد كالتالف، فيرجع المالك الى بدل الجارية.

(و منه) اى مما ذكرنا من صورة استيلاد الجارية و ان ذا الخيار يرجع الى البدل (يعلم حكم نقله) اى ما فيه الخيار (عن ملكه، و انه) اى حق ذى الخيار (ينتقل الى البدل) و ليس لذى الخيار ابطال العقد الثانى (لانه اذا جاز التصرف) اى تصرف من عليه الخيار- كما تقدم- (فلا داعى الى اهمال ما يقتضيه التصرف من اللزوم) للعقد الثانى (و تسلط

ص: 201

العاقد الثانى على ماله عدا ما يتخيل من ان تملك العاقد الثانى مبنى على العقد الاول، فاذا ارتفع بالفسخ و صار كان لم يكن، و لو بالنسبة الى ما بعد الفسخ كان من لوازم ذلك ارتفاع ما بنى عليه من التصرفات و العقود.

______________________________

العاقد الثانى) اى تسلط من عليه الخيار على الثمن و تسلط المشترى على المثمن (على ماله) بمقتضى: الناس مسلطون على اموالهم.

و الحاصل انه يشمله «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و «الناس مسلطون على اموالهم» لان الخيار لا ينافيهما، اذ الخيار يقتضي الرجوع الى العين او البدل (عدا ما يتخيل) استثناء من «فلا داعى» (من ان تملك العاقد الثانى مبنى على العقد الاول).

اذ لا يصح بيع المشترى للاجنبى الا بعد تمامية البيع الاول (فاذا ارتفع) العقد الاول (بالفسخ) من ذى الخيار (و صار) العقد الاول (كان لم يكن، و لو بالنسبة الى ما بعد الفسخ) لان الفسخ لا يرفع العقد من اصله بل يرفعه من حين الفسخ، و لذا يكون النماء و الثمر بين العقد و الفسخ للمنتقل إليه لا المنتقل عنه.

فاذا باع زيد دجاجة لعمرو بخيار لزيد، ثم فسخ العقد بعد اسبوع كان البيض فى مدة هذا الاسبوع لعمرو المشترى و قوله: (كان) جواب «فاذا» (من لوازم ذلك) لوازم ارتفاع العقد الاول (ارتفاع ما بنى عليه) اى ما بنى على العقد الاول (من التصرفات و العقود) كالاستيلاد و البيع و العتق و غيرها.

ص: 202

و الحاصل ان العاقد الثانى يتلقى الملك من المشترى الاول، فاذا فرض الاشتراء كان لم يكن، و ملك البائع الاول العين بالملك السابق قبل البيع ارتفع بذلك ما استند إليه من العقد الثانى.

و يمكن دفعه بان تملك العاقد الثانى مستند الى تملك المشترى له آنا مّا، لان مقتضى سلطنته فى ذلك الآن صحة جميع ما يترتب عليه من التصرفات.

و

______________________________

(و الحاصل) اى حاصل التخيل (ان العاقد الثانى) و هو المشترى من المشترى الاول (يتلقى الملك من المشترى الاول، فاذا فرض الاشتراء) الاول (كان لم يكن) لان ذا الخيار ابطل العقد، فلا يكون ذو الخيار بائعا و لا مشتريه مشتريا (و ملك البائع الاول العين بالملك السابق قبل البيع ارتفع بذلك) اى بسبب تملك البائع الاول للعين (ما استند إليه) اى الى العقد الاول (من العقد الثانى) «من» بيان «ما استند».

(و يمكن دفعه) اى دفع التخيل (بان تملك العاقد الثانى) المشترى من المشترى (مستندا الى تملك المشترى) الاول (له) اى للمبيع (آنا مّا، لان مقتضى سلطنته) اى سلطنة المشترى الاول (فى ذلك الآن) الآنامّا (صحة جميع ما يترتب عليه) اى على ذلك التملك (من التصرفات).

و الحاصل: ان المشترى الاول ملك المبيع آنا مّا، فله سلطة على كل تصرف، فيكون نقله و سائر تصرفاته فيه صحيحا.

(و) ان قلت: فسخ البائع الاول اقتضى ان يكون العقد كان لم يكن

ص: 203

اقتضاء الفسخ لكون العقد كان لم يكن بالنسبة الى ما بعد الفسخ، لانه رفع للعقد الثابت.

و قد ذهب المشهور الى انه لو تلف احد العوضين قبل قبضه و بعد بيع العوض الآخر المقبوض انفسخ البيع الاول دون الثانى، و استحق بدل العوض المبيع ثانيا على من باعه.

______________________________

فاذا ارتفع العقد الاول ارتفع العقد الثانى المرتب على العقد الاول.

قلت: (اقتضاء الفسخ) من ذى الخيار (لكون العقد) الاول (كان لم يكن) انما هو (بالنسبة الى ما بعد الفسخ، لانه) اى الفسخ (رفع للعقد الثابت) فقد كان العقد الاول الى حين الفسخ، نعم بعد الفسخ لا عقد اما قبله فالعقد كان و آثاره باقية، و لذا فنماء المثمن بين العقد الاول و الفسخ للمشترى، و نماء الثمن للبائع.

(و) لذا الّذي ان الفسخ لا يؤثر فى رفع العقد الا من حين الفسخ ف (قد ذهب المشهور الى انه لو تلف احد العوضين قبل قبضه و بعد بيع العوض الآخر المقبوض) كما اذا باع زيد كتابه لعمرو بدينار خارجى، ثم قبّض الكتاب و باع عمرو الكتاب، و لما اراد ان يقبض زيد الدينار وجده تالفا و (انفسخ البيع الاول) لان التلف قبل القبض من مال مالكه (دون الثانى) اى بيع عمرو للكتاب (و استحق) زيد البائع الاول (بدل العوض) اى بدل الكتاب (المبيع ثانيا) استحقه (على من باعه) اى استحقه من عمرو فان الكتاب لا يرجع إليه، بل يأخذ زيد عوض الكتاب من عمرو- قيمة او مثلا-

ص: 204

و الفرق بين تزلزل العقد من حيث انه امر اختيارى كالخيار او امر اضطرارى كتلف عوضه قبل قبضه غير مجد فيما نحن بصدده.

ثم انه لا فرق بين كون العقد الثانى لازما او جائزا، لان جواز العقد يوجب سلطنة العاقد على فسخه لا سلطنة الثالث الا جنبى.

______________________________

و هذه الفتوى من المشهور تدل على ان الفسخ لا يؤثر فى التصرفات التى حدثت قبل الفسخ.

(و) ان قلت: تلف الدينار- فى المثال- امر اضطرارى، و بيع المشترى الّذي عليه الخيار- فيما نحن فيه- امر اختيارى، فلا يقاس ما نحن فيه بمسألة التلف.

قلت: (الفرق بين تزلزل العقد من حيث انه) اى التزلزل (امر اختيارى كالخيار) المجعول اختياريا الموجب لتزلزل العقد (او امر اضطرارى كتلف عوضه قبل قبضه) كما فى المثال، فان التلف لم يكن باختيار المشترى- مثلا- (غير مجد فيما نحن بصدده) اذ نحن بصدد ان الفسخ لا يوجب الا رفع العقد من حين الفسخ، و لا يوجب رفع العقد من اصل العقد سواء كان الفسخ بامر اختيارى او بامر اضطرارى.

(ثم) بعد ان تحقق ان العقد الثانى لا يزول بفسخ العقد الاول (انه لا فرق بين كون العقد الثانى لازما) كالبيع (او جائزا) كالهبة غير اللازمة، فاذا فسخ العاقد الاول لم يكن له ان يسترجع الموهوب (لان جواز العقد يوجب سلطنة العاقد) كالمشترى فى المثال (على فسخه لا سلطنة الثالث) الّذي هو العاقد الاول (الاجنبى) عن الهبة فى المثال.

ص: 205

نعم يبقى هنا الزام العاقد بالفسخ بناء على ان البدل للحيلولة، و هى مع تعذر المبدل.

و مع التمكن يجب تحصيله، الا ان يقال باختصاص ذلك بما اذا كان المبدل المتعذر باقيا على ملك مستحق البدل، كما فى المغصوب الآبق، اما فيما نحن فيه

______________________________

(نعم يبقى هنا) اى فى ما نقله المشترى بالعقد الجائز (الزام العاقد) اى الزام البائع الشارط العاقد الثانى و هو المشترى الواهب (بالفسخ) للهبة (بناء على ان البدل) اى اخذ الفاسخ للبدل انما هو (للحيلولة) اى حيث حيل بينه و بين متاعه يأخذ بدله (و هى) اى الحيلولة انما تتحقق (مع تعذر المبدل) بان تلف او القى فى البحر او اعتق او استولدت او بيع بيعا لازما او ما اشبه.

(و) اما (مع التمكن) اى تمكن المشترى الواهب من استرجاع المبدل (يجب تحصيله) و فى العقد الجائز يتمكن من تحصيله (الا ان يقال) لا يجب على المشترى الواهب استرجاع الموهوب- و ان كان العقد جائزا- فان المقام من بدل الحيلولة (باختصاص ذلك) اى اختصاص الاسترجاع (بما اذا كان المبدل المتعذر باقيا على ملك مستحق البدل، كما فى المغصوب الآبق) فانه اذا غصب عمرو من زيد عبده، ثم ابق العبد و رجع زيد الى عمرو، فان عمروا يجب عليه ان يرجع العبد الّذي غصبه الى مالك العبد.

و (اما فيما نحن فيه) و هو الّذي وهب المشترى ما اشتراه ثم فسخ البائع

ص: 206

فان العين ملك للعاقد الثانى، و الفسخ انما يقتضي خروج المعوض عن ملك من يدخل فى ملكه العوض، و هو العاقد الاول، فيستحيل خروج المعوض عن ملك العاقد الثانى، فيستقر بدله على العاقد الاول.

و لا دليل على الزامه بتحصيل المبدل مع دخوله فى ملك ثالث و قد مرّ بعض الكلام فى ذلك فى خيار الغبن.

______________________________

العقد (فان العين) الموهوبة (ملك للعاقد الثانى) حيث اشتراها من العاقد الاوّل (و الفسخ انما يقتضي خروج المعوض عن ملك من يدخل فى ملكه العوض) و هو خروج المثمن من ملك المشترى الاول ليدخل فى ملكه الثمن الّذي كان دفعه الى البائع الفاسخ (و هو) اى من يدخل فى ملكه العوض (العاقد الاول، فيستحيل خروج المعوض عن ملك العاقد الثانى) لانه لا يملكه الآن، لانه وهبه فكيف يخرج المعوض من ملك الواهب، و الحال انه لا يملكه (فيستقر بدله على العاقد الاول) اى يلزم على العاقد الاول الفاسخ ان يرجع الى المشترى البدل و هو الثمن الّذي اخذه.

(و) اما المشترى فانه يعطى الى البائع الاول بدل المعوّض لا نفس المعوض.

اذ (لا دليل على الزامه بتحصيل المبدل) الموهوب (مع دخوله) اى دخول ذلك المبدل (فى ملك ثالث) و هو الموهوب له (و قد مرّ بعض الكلام فى ذلك فى خيار الغبن).

فتحصّل ان قوله «نعم» يقول «حيث ان المشترى وهب المتاع فالفاسخ يلزمه بالاسترجاع».

ص: 207

هذا و لكن قد تقدم ان ظاهر عبارة الدروس و الجامع: الاتفاق على عدم نفوذ التصرفات الواقعة فى زمان الخيار.

و توجيهه بإرادة التصرف على وجه لا يستعقب الضمان، بان يضمنه ببدله بعد فسخ ذى الخيار، بعيد جدا.

______________________________

و قوله «الا ان يقال» يقول «ليس الموهوب ملكا للواهب حتى يسترجعه الفاسخ فيسترجع بدله، و هذا بخلاف مثل المغصوب، فانه حيث كان ملكا للمغصوب منه فاللازم على الغاصب ان يرجعه إليه».

و لكن لا يخفى ما فى قوله «الا ان يقال ... الخ» من عدم الاستقامة بل هذا الكلام اقرب الى بدل الحيلولة من نفس العين بان يقرّر هكذا «حيث ان المغصوب الآبق لا يمكن ردّه فالواجب على الآبق بدل الحيلولة اما الموهوب حيث يمكن استرجاعه فاللازم على المشترى الواهب استرجاعه بابطال الهبة» و الّذي اظنّه ان فى النسخة غلطا او سقطا.

(هذا و لكن) هذا ردّ لقوله «الا ان يقال» (قد تقدم ان ظاهر عبارة الدروس و الجامع: الاتفاق على عدم نفوذ التصرفات الواقعة فى زمان الخيار) فاذا فسخ العاقد الاول بطلت هبة المشترى فيسترجع العاقد عين ماله.

(و توجيهه) اى توجيه عدم النفوذ الّذي قاله الدروس و الجامع (بإرادة التصرف على وجه لا يستعقب الضمان، بان يضمنه ببدله بعد فسخ ذى الخيار) بان يكون مراد هما ب «لا تنفذ التصرفات» انه لا تنفذ التصرفات نفوذا بلا ضمان (بعيد جدا).

ص: 208

و لم يظهر ممن تقدم نقل القول بالجواز عنه الرجوع الى البدل، الا فى مسئلة العتق و الاستيلاد، فالمسألة فى غاية الاشكال.

ثم على القول بانفساخ العقد الثانى فهل يكون من حين فسخ الاول؟

او من اصله

______________________________

اذ ظاهر «لا تنفذ التصرفات» ان التصرفات باطلة لا ان التصرفات صحيحة و لكن مع ضمان البدل.

فالمعنى: ان التصرفات بلا بدل غير صحيحة، و هذا المعنى بعيد جدا عن كلامهما.

(و) مع انهما ادعيا الاتفاق (لم يظهر ممن تقدم نقل القول بالجواز) اى بجواز التصرفات (عنه الرجوع الى البدل) بل يرجع الفاسخ الى نفس العين.

«1» فالدروس و الجامع يدعيان: الاتفاق على عدم نفوذ التصرفات و «2» القائلون بجواز التصرفات ظاهرهم: نفوذ التصرفات و الرجوع الى العين بعد الفسخ.

(الا فى مسئلة العتق و الاستيلاد) حيث قال بعض بالرجوع الى البدل فى هاتين المسألتين.

«3» و نحن نرى ان مقتضى القاعدة صحة التصرفات و الرجوع الى البدل (فالمسألة فى غاية الاشكال) و اللّه العالم.

(ثم على القول بانفساخ العقد الثانى) بعد فسخ العقد الاول (فهل يكون من حين فسخ) العقد (الاول؟ او من اصله).

ص: 209

قولان، اختار ثانيهما بعض افاضل المعاصرين، محتجا بان مقتضى الفسخ تلقى كل من العوضين من ملك كل من المتعاقدين، فلا يجوز ان يتلقى الفاسخ الملك من العاقد الثانى، بل لا بد من انفساخ العقد الثانى بفسخ الاول، و رجوع العين الى ملك المالك الاول ليخرج منه الى ملك الفاسخ.

الا ان يلتزم بان ملك العاقد الثانى الى وقت

______________________________

مثلا: باع المشترى ما فيه الخيار يوم الجمعة، و فسخ البائع البيع يوم السبت فهل يكون المبيع يوم الجمعة للمشترى الثانى حتى يكون نمائه للمشترى الثانى؟ او يفسخ العقد الثانى من اوّل لحظة وقع فيها حتى يكون المبيع يوم الجمعة للمشترى الاول، و النماء للمشترى الاول (قولان اختار ثانيهما بعض افاضل المعاصرين، محتجابان مقتضى الفسخ) الّذي فسخه العاقد الاول ذو الخيار (تلقى كل من العوضين من ملك كل من المتعاقدين) فالفاسخ يتلقى المعوض من المشترى، و المشترى يتلقى العوض من الفاسخ (فلا يجوز ان يتلقى الفاسخ الملك من العاقد الثانى) و هو المشترى الثانى (بل لا بد من انفساخ العقد الثانى بفسخ) العقد (الاول، و رجوع العين الى ملك المالك الاول) و هو المشترى (ليخرج منه) اى من المشترى (الى ملك الفاسخ).

و هذا انما يتحقق اذا قلنا بان الفسخ اوجب ان يكون العقد الثانى كان لم يكن، اذ لو بقى العقد الثانى الى حين الفسخ كان الفاسخ يتلقى الملك من المشترى الثانى.

(الا ان يلتزم بان ملك العاقد الثانى) اى المشترى الثانى (الى وقت

ص: 210

الفسخ، فتلقى الفاسخ الملك بعد الفسخ من العاقد الاول و رده بعدم معروفية التملك الموقت فى الشرع، فافهم.

ثم ان المتيقن من زمان الخيار الممنوع فيه من التصرف على القول به، هو زمان تحقق الخيار فعلا، كالمجلس و الثلاثة فى الحيوان و الزمان المشروط فيه الخيار، و اما الزمان الّذي لم يتنجّز فيه الخيار، اما لعدم تحقق سببه، كما فى خيار التأخير

______________________________

الفسخ) و هو فسخ الفاسخ- البائع الاول- فبمجرد فسخه ينتقل الملك من المشترى الثانى الى المشترى الاول، فيتلقاه الفاسخ من المشترى الاول (فتلقى الفاسخ الملك بعد الفسخ من العاقد الاول) و هو المشترى الثانى (و ردّه بعدم معروفية التملك الموقت فى الشرع) حتى يقال بان المشترى الثانى ملك المتاع الى حين الفسخ، و بمجرد الفسخ انتقل الملك الى المشترى الاول، فتلقاه الفاسخ من المشترى الاول (فافهم) لوجود الملك الموقت، كما فى اشتراء الولد اباه فانه يملكه ملكا آنامائيا، ثم يعتق عليه، هذا مضافا الى انه لا دليل على انه يلزم ان يتلقى الفاسخ الملك من المشترى الاول، و اللّه العالم.

(ثم ان المتيقن من زمان الخيار الممنوع فيه من التصرف) فيما فيه الخيار (على القول به) اى على القول بالمنع من التصرف فى زمن الخيار (هو زمان تحقق الخيار فعلا، كالمجلس و الثلاثة فى) خيار (الحيوان و الزمان المشروط فيه الخيار، و اما الزمان الّذي لم يتنجّز فيه الخيار، اما لعدم تحقق سببه، كما فى خيار التأخير) فان الخيار انما يحدث بعد التأخير

ص: 211

بناء على ان السّبب فى ثبوته تضرر البائع بالصبر الى ازيد من الثلاث.

و اما لعدم تحقق شرطه، كما فى بيع الخيار بشرط ردّ الثمن بناء على كون الرد شرطا للخيار و عدم تحققه قبله، و كاشتراط الخيار فى زمان متأخر ففى جواز التصرف قبل تنجّز الخيار خصوصا فيما لم يتحقق سببه، وجهان

______________________________

(بناء على ان السّبب فى ثبوته تضرر البائع بالصبر الى ازيد من الثلاث) فهو قبل الثلاث ليس بثابت، لانه لا تضرر.

اما اذا قلنا ان الخيار ثابت من اوّل الامر اذا كان المشترى لا يأتى الى الثلاث- ففى الواقع الخيار ثابت من اوّل الامر و ان لم يعلم به البائع- فهو خارج عن محل كلامنا، لان كلامنا فى الزمان الّذي ليس فيه خيار و انما يتحقق الخيار بعد ذلك.

(و اما لعدم تحقق شرطه) اى شرط الخيار (كما فى بيع الخيار بشرط ردّ الثمن) فيما اذا باعه و قال: لى الخيار فى استرجاع المثمن اذا ارجعت عليك الثمن (بناء على كون الرد شرطا للخيار و عدم تحققه) اى الخيار (قبله) اى قبل ردّ الثمن (و كاشتراط الخيار فى زمان متأخر).

مثلا: باعه الشي ء و قال لى الخيار بعد اسبوع، فان فى مدة الاسبوع لا خيار له.

(ففى جواز التصرف) ممن عليه الخيار (قبل تنجّز الخيار خصوصا فيما لم يتحقق سببه) اى سبب الخيار، كما فى خيار التأخير.

و انما قال: خصوصا، لانه لا خيار حتى فى عالم الاقتضاء (وجهان) و هما: جواز التصرف لانه لا خيار، و عدم جواز التصرف لانه فى معرض

ص: 212

من ان المانع عن التصرف هو تزلزل العقد، و كونه فى معرض الارتفاع و هو موجود هنا، و ان لم يقدر ذو الخيار على الفسخ حينئذ.

و من انه لا حق بالفعل لذى الخيار فلا مانع من التصرف.

و يمكن الفرق بين الخيار المتوقف على حضور الزمان، و المتوقف على شي ء آخر، كالتأخير و الرؤية على خلاف الوصف.

______________________________

الخيار.

(من ان المانع عن التصرف هو تزلزل العقد، و كونه) اى العقد (فى معرض الارتفاع، و هو) اى هذا المانع (موجود هنا) و ان لم يكن خيار فعلى (و ان لم يقدر ذو الخيار)- الخيار المستقبلى- (على الفسخ حينئذ) اى حين قبل مجى ء زمان الخيار- و هذا وجه عدم جواز التصرف-.

(و من انه لا حق بالفعل لذى الخيار فلا مانع من التصرف)- و هذا وجه جواز التصرف-.

(و يمكن) التفصيل فى المسألة و (الفرق) بين اقسام الخيار المستقبلة بان يفرق (بين الخيار المتوقف على حضور الزمان) كخيار الشرط و لكن بعد اسبوع مثلا (و) بين الخيار (المتوقف على شي ء آخر، كالتأخير و الرؤية على خلاف الوصف).

فان من اشترى شيئا بالوصف ثم رأى انه خلاف الوصف، كان له الخيار فى ردّه او قبوله.

ص: 213

لان ثبوت الحق فى الاول معلوم و ان لم يحضر زمانه، بخلاف الثانى.

و لذا لم يقل احد بالمنع من التصرف فى احد من العوضين قبل قبض الآخر من جهة كون العقد فى معرض الانفساخ بتلف ما لم يقبض و سيجي ء ما يظهر منه قوة هذا التفصيل.

و على كل حال، فالخيار المتوقف تنجّزه فعلا على ظهور امر كالغبن

______________________________

ففى الخيار الزمانى لا يحق له التصرف.

و فى القسم الثانى يحق له التصرف (لان ثبوت الحق) و هو الخيار (فى الاول) اى الخيار المتأخر زمانا (معلوم و ان لم يحضر زمانه) فالواجب التحفظ على ما فيه الخيار بعدم التصرف (بخلاف الثانى) لان ثبوت الحق فيه غير معلوم.

(و لذا) حيث ان الخيار غير المعلوم لا يمنع من التصرف (لم يقل احد بالمنع من التصرف فى احد من العوضين قبل قبض الآخر).

مثلا: اذا قبض المشترى المتاع يحق له ان يتصرف فيه و ان لم يقبض البائع الثمن بعد (من جهة كون العقد فى معرض الانفساخ ب) سبب (تلف ما لم يقبض).

و قوله «من جهة» متعلق ب «لم يقل» مع انه لو كان الخيار المستقبلى مانعا عن التصرف لزم منع المشترى من التصرف فى المثمن، لانّ العقد فى معرض الانفساخ (و سيجي ء ما يظهر منه قوة هذا التفصيل) الّذي ذكرناه بقولنا «و يمكن الفرق».

(و على كل حال، فالخيار المتوقف تنجّزه فعلا على ظهور امر كالغبن

ص: 214

و العيب و الرؤية على خلاف الوصف غير مانع من التصرف، بلا خلاف ظاهرا

فرعان:
الأول لو منعا عن التصرف المتلف فى زمن الخيار، فهل يمنع عن التصرف المعرض لفوات حق ذى الخيار من العين،

كوطى الامة فى زمان الخيار، بناء على ان الاستيلاد مانع من ردّ العين بالخيار قولان للمانعين، اكثرهم على الجواز كالعلامة فى القواعد و الشارح فى جامع المقاصد، و حكى عن

______________________________

و العيب و الرؤية على خلاف الوصف) لانه لا خيار قبل ظهور الغبن، و ظهور العيب، و قبل الرؤية فى خيار تخلف الوصف- كما تقدم- (غير مانع من التصرف، بلا خلاف ظاهرا).

ثم حيث ان الخيار حق لذى الخيار و ليس حكما جاز لذى الخيار ان يأذن لمن عليه الخيار بالتصرف، سواء اراد التصرف المسقط للخيار او التصرف الجامع مع الخيار، فانه من باب تعدد المطلوب، فيقول له: تصرف، فاذا فسخت اخذت منك البدل.

(فرعان: الاول لو منعا عن التصرف المتلف فى زمن الخيار، فهل يمنع عن التصرف المعرض لفوات حق ذى الخيار من العين) بدون تلف لها (كوطى الامة فى زمان الخيار، بناء على ان الاستيلاد مانع من ردّ العين بالخيار) فيما كان الوطي موجبا لانعقاد النطفة.

و انما قال: بناء لما تقدم من احتمال تقدم حق ذى الخيار على حق الاستيلاد (قولان للمانعين) اى من منع عن التصرف المتلف (اكثرهم على الجواز كالعلامة و الشارح) للقواعد المحقق الثانى (فى جامع المقاصد، و حكى عن

ص: 215

المبسوط و الغنية و الخلاف.

لكن لا يلائم ذلك القول بتوقف الملك على انقضاء الخيار كما اعترف به فى الايضاح.

و لذا حمل فى الدروس تجويز الشيخ الوطي على ما اذا خصّ الخيار بالواطى.

لكن قيل ان عبارة المبسوط لا تقبل ذلك.

______________________________

المبسوط و الغنية و الخلاف).

(لكن) يرد على شيخ الطائفة انه كيف يفتى بجواز الوطي فى زمن الخيار، و الحال انه يرى ان المشترى لا يملك فى زمن الخيار.

ف (لا يلائم ذلك) اى تجويزه الوطي مع (القول بتوقف الملك على انقضاء الخيار) لانه لا وطى الا فى ملك (كما اعترف به) اى بانه لا يلائم القول بتوقف الملك على انقضاء الخيار (فى الايضاح).

(و لذا) الّذي قلنا بانه لا يلائم (حمل فى الدروس تجويز الشيخ الوطي) فى زمن الخيار (على ما اذا خصّ الخيار بالواطى) فان من عليه الخيار لا يملك، لا من له الخيار.

(لكن قيل) و استشكل على الدروس ب (ان عبارة) الشيخ فى (المبسوط لا تقبل ذلك) الحمل، بل ظاهره و طى المشترى فى زمان خيار البائع، هذا كله فى القول الاول الّذي يقول بانه يجوز الاستيلاد فى زمان الخيار.

ص: 216

و ظاهر المحكى عن التذكرة، و ظاهر الدروس المنع عن ذلك، لكون الوطي معرضا لفوات حق ذى الخيار من العين.

الثانى: انه هل يجوز اجارة العين فى زمان الخيار بدون اذن ذى الخيار؟

فيه وجهان.

من كونه ملكا له.

و من ابطال هذا التصرف لتسلط الفاسخ على اخذ العين،

______________________________

(و ظاهر المحكى عن التذكرة، و ظاهر الدروس المنع عن ذلك) اى عن الوطي فى زمن الخيار (لكون الوطي معرضا لفوات حق ذى الخيار من العين) و ذلك ينافى كون ذى الخيار له سلطة على الفسخ و استرجاع جاريته.

لكن حيث عرفت انّا نقول بجواز كل تصرف، فالامر فى المقام سهل.

الفرع (الثانى) بناء على المنع عن التصرف المتلف فى زمن الخيار (انه هل يجوز) التصرف غير المتلف، مثل (اجارة العين فى زمان الخيار بدون اذن ذى الخيار؟) أم لا يجوز، و مثل الاجارة الرهن و نحوهما مما لا يتلف العين (فيه وجهان).

(من كونه ملكا له) اى للموجر الّذي ليس له الخيار فله ان يوجره.

(و من ابطال هذا التصرف) اى الايجار (لتسلط الفاسخ على اخذ العين) فانه اذا فسخ من له الخيار لا يقدر على اخذ العين الا بعد انقضاء الاجارة، و لو كانت الاجارة طويلة المدة، لم يتمكن هو بنفسه من استرداد

ص: 217

اذ الفرض استحقاق المستأجر لتسلّمه لاجل استيفاء منفعة.

و لو آجره من ذى الخيار او باذنه ففسخ لم يبطل الاجارة، لان المشترى ملك العين ملكية مطلقة مستعدة للدوام، و من نماء هذا الملك المنفعة الدائمة فاذا استوفاها المشترى بالاجازة، فلا وجه لرجوعها الى الفاسخ بل يعود الملك إليه مسلوب المنفعة فى مدة الاجارة، كما اذا باعه بعد الاجارة.

______________________________

العين اصلا كما اذا آجره لمدة مائة سنة مثلا (اذا الفرض استحقاق المستأجر لتسلّمه) اى تسلم ما فيه الخيار (لاجل استيفاء منفعة).

اللهم الا ان يقال: ان له حق الاجارة فاذا فسخ ذو الخيار ابطل الاجارة لتقدم حقه على حق الاجارة.

(و لو آجره من ذى الخيار) نفسه (او) آجره لثالث (باذنه ففسخ) ذو الخيار (لم يبطل الاجارة، لان المشترى ملك العين ملكية مطلقة مستعدة للدوام) اذا الخيار يعطى ذا الخيار حق الفسخ و الابطال، لا ان الملك الّذي فيه الخيار ملك من نوع ثان، غير الملك الّذي ليس فيه الخيار (و من نماء هذا الملك المنفعة الدائمة) اذ كما ملك المشترى العين ملك النماء (فاذا استوفاها المشترى بالاجارة، فلا وجه لرجوعها الى الفاسخ) فحال ذاك حال ما اذا تمكن من الاستيفاء دفعة واحدة، مثلا:

لو تمكن بعلاج ان يخرج كل بيوض الدجاجة المشتراة بخيار، فانه لو رجع البائع لم يتمكن من استرجاع البيوض (بل يعود الملك إليه) اى الى البائع ذى الخيار (مسلوب المنفعة فى مدة الاجارة، كما اذا باعه بعد الاجارة.)

ص: 218

و ليس الملك هنا نظير ملك البطن الاول من الموقوف عليه، لان البطن الثانى لا يتلقى الملك منه حتى يتلقاه مسلوب المنفعة، بل من الواقف كالبطن الاول.

فالملك ينتهى بانتهاء استعداده.

______________________________

فان الانسان اذا آجر ملكه، ثم باعه، ملك المشترى العين مسلوب المنفعة مدة الاجارة، لان النماء صار للمستأجر.

نعم اذا جعل المشترى ذلك كان له خيار الفسخ.

(و ليس الملك هنا) فى باب فسخ ذى الخيار بعد الاجارة (نظير ملك البطن الاول من الموقوف عليه).

حيث انه لو آجره مدة اكثر من حياته، ثم مات كان للبطن الثانى ابطال الاجارة و اخذ النماء لنفسه.

و انما ليس المقام من قبيل الوقف (لان البطن الثانى لا يتلقى الملك منه) اى من البطن الاول (حتى يتلقاه مسلوب المنفعة، بل) يتلقن البطن الثانى الملك (من الواقف) مباشرة (كالبطن الاول) الّذي يتلقى الملك من الواقف فكانّ الواقف قال خمسين سنة للبطن الاول و خمسين سنة للبطن الثانى- فيما اذا دام كل بطن خمسين سنة-.

(فالملك) بالنسبة الى البطن الاول (ينتهى بانتهاء استعداده) كما لو مات البطن الاول.

لكن لا يخفى انه اذا نقصت قيمة العين بسبب الاجارة، كان للفاسخ مطالبة التفاوت.

ص: 219

فان قلت: ان ملك المنفعة تابع لملك العين بمعنى انه اذا ثبت الملكية فى زمان، و كان زوالها بالانتقال الى آخر، ملك المنفعة الدائمة، لان المفروض ان المنتقل إليه يتلقى الملك من ذلك المالك، فيتلقاه مسلوب المنفعة.

و اما اذا ثبت و كان زوالها بارتفاع سببها، لم

______________________________

مثلا: لو اجرها عشر سنوات، فنقص بذلك خمس قيمتها فان للفاسخ مطالبة هذا الخمس من باب ما لو تلف بعض المبيع فانه بمنزلة التلف كما لا يخفى.

(فان قلت: ان ملك المنفعة تابع لملك العين) فاذا ملك الفاسخ العين من المشترى ملكها مسلوبة المنفعة- كما ذكرتم- لكن الفاسخ يملك الملك مستندا الى ما قبل تملك المشترى، فهو لا يتلقى الملك من المشترى و من المعلوم ان الملك قبل تملك المشترى ليس مسلوب المنفعة.

و الحاصل ان الفاسخ يرفع سبب ملك المشترى، لا ان الملك ينتقل إليه من المشترى، فالمنفعة تابعة لملك العين و ليس للفاسخ اخذ المنفعة فيما اذا كان (بمعنى انه اذا ثبت الملكية فى زمان، و كان زوالها بالانتقال الى آخر، ملك) الاول، و هو المشترى فى المثال (المنفعة الدائمة) فالفاسخ لا حق له فى المنفعة (لان المفروض ان المنتقل إليه) و هو الفاسخ (يتلقى الملك من ذلك المالك) المشترى (فيتلقاه) اى الفاسخ (مسلوب المنفعة) هذا.

(و اما اذا ثبت) ت الملكية للمشترى (و كان زوالها بارتفاع سببها، لم

ص: 220

يكن ملك من عاد إليه متلقى عن المالك الاول، و مستند إليه، بل كان مستندا الى ما كان قبل تملك المالك الاول، فيتبعه المنفعة، كما لو فرضنا زوال الملك بانتهاء سببه لا برفعه، كما فى ملك البطن الاول من الموقوف عليه، فان المنفعة تتبع مقدار تملكه.

قلت: أولا انه منقوض بما اذا وقع التفاسخ بعد الاجارة مع عدم التزام احد ببطلان الاجارة.

______________________________

يكن ملك من عاد) الملك (إليه) اى الى الفاسخ (متلقى عن المالك الاول) الّذي هو المشترى (و) لم يكن (مستندا إليه) حتى يتلقاه مسلوب المنفعة (بل كان) ملك الفاسخ (مستندا الى ما كان قبل تملك المالك الاول) اى قبل تملك المشترى، لان الفسخ يرفع ملك المشترى و يجعله كان لم يكن (فيتبعه) اى يتبع تملك الفاسخ للملك (المنفعة) فيكون حال المقام فى استحقاق الفاسخ للمنفعة (كما لو فرضنا زوال الملك بانتهاء سببه لا برفعه) اى رفع السبب.

فالمشترى فى المقام حاله (كما فى ملك البطن الاول من الموقوف عليه فان المنفعة تتبع مقدار تملكه) فاذا آجره المشترى لمدة سنة و بعد شهر فسخ من له الخيار، كانت اجارة بقية المدّة للفاسخ لا للمشترى.

(قلت: أولا انه منقوض بما اذا وقع التفاسخ بعد الاجارة) بان باعه بيعا لازما، ثم آجره المشترى، ثم تفاسخا عن رغبتهما فان الاجرة كلها للمشترى (مع عدم التزام احد ببطلان الاجارة) فما يقال هنا يقال هناك فى صورة الفسخ بالخيار اذ لا فرق بين المسألتين من هذه الجهة.

ص: 221

و ثانيا: انه يكفى فى ملك المنفعة الدائمة تحقق الملك المستعدّ للدوام لو لا الرافع آنا مّا.

ثم ان فاضل القمى فى بعض اجوبة مسائله جزم ببطلان الاجارة بفسخ البيع بخيار ردّ مثل الثمن.

و علّله بانه يعلم بفسخ البيع ان المشترى لم يملك منافع ما بعد الفسخ

______________________________

(و ثانيا) بالحلّ، ف (انه يكفى فى ملك المنفعة الدائمة) بان تكون المنفعة للمشترى (تحقق الملك) للمشترى (المستعدّ للدوام لو لا الرافع) تحقق الملك (آنا مّا).

اذ بمجرد ملكية المشترى للعين، ملك كل منافعه، فله الحق فى ان يهبها او يصالحها او ينقلها الى غيره، فاذا فسخ من له الخيار و كان فى العين نقص بسبب الاجارة، كان له اخذ التفاوت من المشترى بعنوان بدل النقص.

(ثم ان فاضل القمى فى بعض اجوبة مسائله جزم ببطلان الاجارة) التى آجرها المشترى فيما كان للبائع الخيار (بفسخ البيع بخيار ردّ مثل الثمن) اى خيار الشرط، بان شرط البائع انه كلما ردّ الثمن الى سنة مثلا، كان له فسخ البيع.

(و علّله) اى علل ما جزم به (بانه يعلم بفسخ البيع) اى اذا فسخ البيع (ان المشترى لم يملك منافع ما بعد الفسخ) و انما يملك المشترى المنافع الى حال الفسخ، فكانت اجازته لما بعد الفسخ اجازة فى ملك الغير

ص: 222

و ان الاجارة كانت متزلزلة و مراعاة بالنسبة الى فسخ البيع انتهى.

فان كان مرجعه الى ما ذكرنا من كون المنفعة تابعا لبقاء الملك، او الملك المستند الى ذلك الملك، فقد عرفت الجواب عنه نقضا و حلّا، و ان المنفعة تابعة للملك المستعد للدوام.

و ان كان مرجعه الى شي ء آخر فليبين حتى ينظر فيه، مع ان الاصل

______________________________

(و ان الاجارة كانت متزلزلة و مراعاة) اسم مفعول و ليس بمصدر (بالنسبة الى فسخ البيع) فما لم تفسخ الاجارة كانت المنفعة للمشترى اما بعد الفسخ فالمنفعة للبائع (انتهى) كلامه ره.

(فان كان مرجعه) اى مرجع ما ذكره (الى ما ذكرنا من كون المنفعة تابعا لبقاء الملك) فى حيازة المشترى (او) المنفعة عبارة عن (الملك المستند الى ذلك الملك) بقاء و حدوثا فما دام اصل الملك فى حيازة المشترى كانت المنفعة فى حيازته، فاذا خرج الملك عن حيازته خرجت المنفعة من حيازته (فقد عرفت الجواب عنه نقضا و حلّا) فى قولنا: قلت أولا و ثانيا (و) عرفت (ان المنفعة تابعة للملك المستعد للدوام) و ان خرج بعد ذلك عن الملك.

نعم فى الملك غير المستعد للدوام كالوقف ليست المنفعة تابعة للملك بل ملك كل بطن للمنفعة بقدر حيازته (و ان كان مرجعه الى شي ء آخر فليبين حتى ينظر فيه).

و ربما احتمل ان الشرط يقتضي ذلك بان شرط ذو الخيار ان لا حق لك فى المنفعة الا مدة بقاء الملك عندك (مع ان الاصل) لو شك فى انه

ص: 223

عدم الانفساخ، لان الشك فى ان حق خيار الفسخ فى العين يوجب تزلزل ملك المنفعة، أم لا مع العلم بقابلية المنفعة بعد الفسخ للتملك قبله، كما اذا تقايلا البيع بعد الاجارة.

ثم انه لا اشكال فى نفوذ التصرف باذن ذى الخيار، و انه يسقط خياره

______________________________

هل انفسخت الاجارة بانفساخ البيع، أم لم تنفسخ؟ (عدم الانفساخ، لان الشك) فى الرافع مع العلم باقتضاء المقتضى، فليس الشك فى المقتضى الّذي قلنا فى الاصول انه ليس مجرى للاستصحاب لانا نشك (فى ان حق خيار الفسخ فى العين يوجب تزلزل ملك) المشترى (المنفعة، أم لا).

و هذا الشك يكون (مع العلم) اى مع علمنا (بقابلية المنفعة بعد الفسخ للتملك قبله) اى قبل الفسخ.

فمثلا: اذا كان الفسخ بعد شهر من البيع، فالمنفعة بعد الشهر الى السنة قابلة لان يملّكها المشترى للمستأجر، لان الملك الآنامائى يقتضي ملكية المنفعة الى الابد.

فيكون حال ما نحن فيه (كما اذا تقايلا البيع بعد الاجارة) بان باعه بيعا قطعيا ثم آجره مدة سنة مثلا، ثم تقايلا البيع بدون الخيار، بعد ساعة من الاجارة، فان الاجارة لا تبطل و المنفعة للمشترى بلا خلاف- كما عرفت-.

(ثم انه لا اشكال فى نفوذ التصرف) الّذي يتصرفه من عليه الخيار فى العين اذا كان التصرف (باذن ذى الخيار، و انه يسقط خياره

ص: 224

بهذا التصرف، اما لدلالة الاذن على الالتزام بالعقد عرفا و ان لم يكن منافاة بين الاذن فى التصرف و الاتلاف، و إرادة الفسخ و اخذ القيمة كما نبهنا عليه فى المسألة السابقة.

و به يندفع الاشكال الّذي اورده المحقق الاردبيلى من عدم دلالة ذلك على سقوط الخيار.

و اما لان التصرف الواقع تفويت لمحلّ هذا الحق

______________________________

بهذا التصرف) الّذي اذن فيه.

كما اذا باعه العبد بشرط ان يكون للبائع الخيار، ثم اذن للمشترى بالعتق، و اعتق المشترى، فانه يسقط خيار البائع.

و انما يسقط خياره (اما لدلالة الاذن على الالتزام بالعقد عرفا) فمعنى اذنت لك فى العتق- مثلا- انى رفعت يدى عن خيارى (و ان لم يكن منافاة) عقلا (بين الاذن فى التصرف و) فى (الاتلاف، و) بين (إرادة) ذى الخيار (الفسخ و اخذ القيمة) لانه يمكن ان يريد ذو الخيار الفسخ، و مع ذلك يأذن للمشترى فى اتلافه.

و انما يريد لانه اذا اتلفه اخذ قيمته بدلا عن العين (كما نبهنا عليه) اى على عدم المنافات (فى المسألة السابقة).

(و به) اى بما ذكرنا من ان سقوط الخيار بالاذن انما هو بالدلالة العرفية (يندفع الاشكال الّذي او رده المحقق الاردبيلى من عدم دلالة ذلك) الاذن (على سقوط الخيار) و ان العرف شاهد على الدلالة.

(و اما لان التصرف الواقع) من المشترى (تفويت لمحلّ هذا الحق)

ص: 225

و هى العين باذن صاحبه فلا ينفسخ التصرف و لا يتعلق الحق بالبدل، لان اخذ البدل بالفسخ فرع تلف العين فى حال حلول الحق فيه، لا مع سقوط عنه.

و لو اذن و لم يتصرف المأذون، ففى القواعد و التذكرة انه يسقط خيار الآذن، و عن الميسية انه المشهور.

______________________________

اى حق الخيار (و هى العين) فان العين محل الخيار، فاذا ذهبت العين لم يبق محل للخيار.

و كان ذلك التفويت (باذن صاحبه) اى صاحب الحق و هو ذو الخيار (ف) اذا تصرف المشترى بان اعتق او باع ثم فسخ ذو الخيار (لا ينفسخ التصرف) بان يرجع العبد المعتق او المبيع الى الفاسخ (و لا يتعلق الحق) اى حق ذى الخيار بعد ان فسخ (بالبدل، لان اخذ البدل ب) عد (الفسخ فرع تلف العين فى حال حلول الحق فيه) يعنى اذا كان الحق حالا فى العين ثم تلفت رجع ذو الخيار الى البدل (لا مع سقوطه عنه).

فاذا سقط الحق عن العين فى حال كونها عند المشترى، ثم ذهبت العين فلا حق اصلا، فلا يكون للمالك حق البدل هذا كله فيما اذا اذن ذو الخيار فى التصرف و تصرف من عليه الخيار.

(و لو اذن و لم يتصرف المأذون، ففى القواعد و التذكرة انه) بمجرد الاذن (يسقط خيار الآذن) اسم فاعل من اذن يأذن (و عن الميسية انه) اى سقوط خيار الآذن (المشهور) بين العلماء.

ص: 226

قيل كان منشأ هذه النسبة فهم استناد المشهور فى سقوط الخيار فى الصورة السابقة الى دلالة مجرّد الاذن و لا يقدح فيها تجرده عن التصرف و قد منع دلالة الاذن المجرد فى المسالك و جامع المقاصد و القواعد.

و الاولى ان يقال بان الظاهر كون اذن ذى الخيار فى التصرف المخرج فيما انتقل عنه فسخا لحكم العرف و لان إباحة بيع مال الغير لنفسه

______________________________

(قيل كان منشأ هذه النسبة) الى المشهور (فهم استناد المشهور) اى ان المشهور مستندون (فى سقوط الخيار فى الصورة السابقة) و هى ما اذا اذن و تصرف المأذون (الى دلالة مجرّد الاذن) فان كان الاذن دالا فهو موجود، سواء تصرف المأذون او لم يتصرف (و لا يقدح فيها) اى فى دلالة الاذن على سقوط الخيار (تجرده) اى تجرد الاذن (عن التصرف) (و) لكن (قد منع دلالة الاذن المجرد) عن التصرف على سقوط الخيار (فى المسالك و جامع المقاصد و القواعد).

(والا ولى) ان لا نقول بقول «قيل» بل اللازم (ان يقال) فى وجه اسقاط مجرد الاذن للخيار (بان الظاهر كون اذن ذى الخيار) لثالث (فى التصرف المخرج) عن الملك، كما اذا اذن لا جنبى فى العتق او البيع مثلا (فيما انتقل عنه) اى الاذن فى العين التى انتقلت من ذى الخيار أوّلا:

يكون (فسخا لحكم العرف) الّذي يقولون بان اذن ذى الخيار للاجنبى معناه الفسخ و قوله «فسخا» اى ابطالا للبيع (و) ثانيا: (لان إباحة بيع مال الغير لنفسه) بان يبيح ذو الخيار ان يبيع لا جنبى مال ذى الخيار لنفسه

ص: 227

غير جائز شرعا، فيحمل على الفسخ كسائر التصرفات التى لا يصح شرعا الا بجعلها فسخا.

و اما كون اذن ذى الخيار للمشترى فى التصرف اجازة و اسقاطا لخياره، فيمكن الاستشكال فيه، لان الثابت بالنص و الاجماع ان التصرف فيما انتقل إليه اجازة، و ليس الاذن من ذلك.

و انما حكم بالسقوط فى التصرف عن اذنه، لا لاجل تحقق الاسقاط من ذى الخيار بالاذن، بل لاجل تحقق المسقط، لما عرفت من ان التصرف

______________________________

(غير جائز شرعا) اذ المثمن اذا خرج من كيس دخل الثمن فى نفس ذلك الكيس (فيحمل) كلام ذى الخيار (على الفسخ) اى انه ابطل البيع (كسائر التصرفات التى لا يصح شرعا الا بجعلها فسخا) و ابطالا للبيع- هذا فيما اذا اذن ذو الخيار بالتصرف لا جنبى، فانه فسخ-.

(و اما كون اذن ذى الخيار للمشترى فى التصرف) فيما فيه الخيار (اجازة و اسقاط لخياره، فيمكن الاستشكال فيه، لان الثابت بالنص و الاجماع ان التصرف فيما انتقل إليه اجازة، و ليس الاذن من ذلك) اى من اقسام التصرف.

(و) ان قلت: فكيف حكمتم بانه اذا اذن و تصرف المشترى سقط خياره؟

قلت: (انما حكم بالسقوط) للخيار (فى التصرف) اى تصرف المشترى (عن اذنه) اى اذن ذى الخيار (لا لاجل تحقق الاسقاط من ذى الخيار ب) سبب (الاذن، بل لاجل تحقق المسقط) الخارجى (لما عرفت من ان التصرف

ص: 228

الواقع باذنه صحيح نافذ.

و التسلط على بدله فرع خروجه عن ملك المشترى متعلقا للحق.

فالاذن فيما نحن فيه نظير اذن المرتهن فى بيع الرهن لا يسقط به حق الرهانة، و يجوز الرجوع قبل البيع.

نعم يمكن القول باسقاطه من جهة تضمنه للرضا بالعقد، فانه ليس بادون من رضا المشترى بتقبيل الجارية.

______________________________

الواقع) من المشترى (باذنه) اى اذن ذى الخيار (صحيح نافذ) فلا حق لذى الخيار فى الرجوع الى العين، كما لا حق له فى الرجوع الى بدله.

(و) ذلك لان (التسلط على بدله فرع خروجه عن ملك المشترى) فى حالكونه (متعلقا للحق) اى حق ذى الخيار، و الحال انه خرج عن ملك المشترى و لا حق لذى الخيار فيه.

(فالاذن فيما نحن فيه) اى اذا اذن فى تصرف المشترى (نظير اذن المرتهن فى بيع) الراهن (الرهن لا يسقط به) اى بهذا الاذن (حق الرهانة، و يجوز الرجوع) عن اذنه (قبل البيع) اى بيع الراهن، فمجرد الاذن لا يسقط بل الاذن المقترن بالتصرف، سواء فى ما نحن فيه، او فى حق الرهن.

(نعم يمكن القول باسقاطه) اى اسقاط اذن ذى الخيار لخياره، و ان لم يتصرف المشترى (من جهة تضمنه) اى الاذن (للرضا بالعقد، فانه) اى الاذن هنا (ليس بادون من رضا المشترى) بالعقد المسقط لخياره المكشوف ذلك الرضا (بتقبيل الجارية) فالاذن هنا مسقط، كما ان تقبيل

ص: 229

و قد صرح فى المبسوط بانه اذا علم رضا البائع بوطي المشترى سقط خياره.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 15، ص: 230

و يؤيده رواية السكونى فى كون العرض على البيع التزاما.

فهذا القول لا يخلو عن قوة.

______________________________

الجارية هناك مسقط.

(و قد صرح فى المبسوط بانه اذا علم رضا البائع بوطي المشترى) للجارية (سقط خياره) لمجرد الرضا، فكيف بالاذن الّذي هو اقوى من الرضا الباطنى.

(و يؤيده) اى يؤيّد كون الاذن مسقطا لانه رضا (رواية السكونى فى كون العرض على البيع) فيمن له خيار الفسخ (التزاما) بالبيع و اسقاطا لخياره، و ليس ذلك الا لانه رضا بالبيع.

(فهذا القول) اى ان اذن ذى الخيار فى تصرف المشترى اسقاط لخياره، لانه كاشف عن الرضا بالعقد (لا يخلو عن قوة) و اللّه العالم.

ص: 230

مسئلة المشهور ان المبيع يملك بالعقد و اثر الخيار تزلزل الملك بسبب القدرة على رفع سببه،

فالخيار حق لصاحبه فى ملك الآخر.

و حكى المحقق و جماعة عن الشيخ توقف الملك بعد العقد على انقضاء الخيار و اطلاقه يشمل الخيار المختص بالمشترى.

و صرح فى التحرير بشموله لذلك.

______________________________

(مسألة: المشهور ان المبيع يملك بالعقد) فبمجرد العقد يملك البائع الثمن و المشترى المثمن (و اثر الخيار) الاصلى كخيار المجلس و المجعول كخيار الشرط (تزلزل الملك بسبب القدرة) من ذى الخيار (على رفع سببه) اى سبب الملك (فالخيار) يوجب شيئا هو عبارة (حق لصاحبه) اى صاحب الخيار (فى ملك الآخر).

مثلا: فمعنى خيار البائع ان له حق فى ملك المشترى- اى المثمن- و بالعكس.

(و) لكن (حكى المحقق و جماعة عن الشيخ) الطوسى ره (توقف الملك بعد العقد على انقضاء الخيار) فما دام الخيار موجودا لا ملك (و اطلاقه يشمل الخيار المختص بالمشترى) فاذا كان الخيار للمشترى فقط لم يملك المثمن، كما انه كذلك اذا كان الخيار للبائع فقط، او كان الخيار لهما و للاجنبى فقط، او مع احدهما او مع كليهما.

(و صرح فى التحرير بشموله) اى شمول اطلاق كلام الشيخ (لذلك)

ص: 231

لكن الشهيد فى الدروس قال فى تملك المبيع بالعقد او بعد الخيار بمعنى الكشف او النقل، خلاف، مأخذه ان الناقل: العقد، و الغرض من الخيار الاستدراك، و هو لا ينافى الملك و ان غاية الملك التصرف الممتنع فى زمان الخيار.

و ربما قطع الشيخ بملك المشترى اذا اختص الخيار.

______________________________

اى للخيار المختص بالمشترى.

(لكن الشهيد فى الدروس قال فى تملك المبيع بالعقد او بعد الخيار) و اذا قلنا انه بعد الخيار فهل ذلك (بمعنى الكشف) و ان انقضاء الخيار يوجب ان نكشف ان المال صار ملكا حين العقد (او) بمعنى (النقل) و ان انقضاء الخيار يوجب ان يصبح المال ملكا حين انقضاء الخيار (خلاف) و احتمالات ثلاثة (مأخذه ان الناقل: العقد، و الغرض من الخيار الاستدراك) بان يتمكن ذو الخيار من ابطال الملك الّذي تحقق بسبب العقد (و هو) اى الاستدراك (لا ينافى الملك) بسبب العقد، و هذا وجه القول بان العقد سبب الملك، ا (و ان غاية الملك التصرف) فان فائدة الملك ان يتصرف المنتقل إليه فى ما انتقل إليه (الممتنع) ذلك التصرف (فى زمان الخيار) و هذا وجه القول بان انقضاء الخيار سبب الملك، ثم يأتى فى هذا الوجه الاحتمالان اى الكشف و النقل.

(و ربما قطع الشيخ بملك المشترى اذا اختص الخيار) بالمشترى اما اذا كان الخيار للبائع او لهما او لا جنبى فلا ملك للمشترى.

ص: 232

و ظاهر ابن الجنيد توقف الملك على انقضاء الخيار، انتهى.

فان فى هذا الكلام شهادة من وجهين على عدم توقف ملك المشترى على انقضاء خياره عند الشيخ بل المأخذ المذكور صريح فى عدم الخلاف من غير الشيخ قدس سره فى الخلاف و المبسوط.

______________________________

(و) لكن (ظاهر ابن الجنيد توقف الملك على انقضاء الخيار) مطلقا حتى ان المشترى لا يملك و ان كان الخيار مختصا به (انتهى) كلام الدروس.

(فان فى هذا الكلام) الّذي قاله الدروس (شهادة من وجهين على عدم توقف ملك المشترى على انقضاء خياره عند الشيخ).

الشهادة الاولى قوله: و ربما قطع الشيخ حيث انه صريح فى ان الخيار اذا كان مختصا بالمشترى فالشيخ يقول بالملك.

و الشهادة الثانية جعل المأخذ لعدم الملكية المنع من التصرف، و من المعلوم ان الخيار لو كان للمشترى لم يمنع من التصرف فيلزمه ان يكون مالكا (بل المأخذ المذكور) فى قول الدروس الّذي قال «و ان غاية الملك التصرف الممتنع فى زمان الخيار» (صريح فى عدم الخلاف من غير الشيخ قدس سره فى الخلاف و المبسوط).

فالشيخ فى الخلاف و المبسوط حيث منع التصرف فى زمان الخيار كان لازمه القول بعدم الملك.

اما غير الشيخ و سائر كتب الشيخ حيث لم يمنعوا التصرف فى زمان الخيار فهم قائلون بالملك.

ص: 233

قال فى محكى الخلاف: العقد يثبت بنفس الايجاب و القبول، فان كان مطلقا، فانه يلزم بالافتراق بالابدان.

و ان كان مشروطا يلزم بانقضاء الشرط، فان كان الشرط لهما او للبائع فاذا انقضى الخيار ملك المشترى بالعقد المتقدم.

و ان كان الخيار للمشترى وحده زال ملك البائع عن الملك بنفس

______________________________

اذ الظاهر من كلام الدروس ان الملك دائر مدار جواز التصرف، فمن قال بجواز التصرف قال بالملك، و من لم يقل بجواز التصرف لم يقل بالملك.

و هنا ننقل كلام الشيخ فى الكتابين ليظهر منه ما ذكرناه من انه لا يجوز التصرف فى زمن الخيار فلا ملك.

(قال فى محكى الخلاف: العقد يثبت بنفس الايجاب و القبول، فان كان) العقد (مطلقا) بلا شرط (فانه) اى العقد (يلزم بالافتراق) اى افتراق المتعاملين (بالابدان).

اما قبل الافتراق فلا لزوم لخيار المجلس، حيث قال عليه السلام «البيعان بالخيار ما لم يفترقا فاذا افترقا وجب البيع».

(و ان كان) العقد (مشروطا) بان جعلا الخيار لهما او لاحدهما مدة ف (يلزم) العقد (بانقضاء الشرط، فان كان الشرط لهما او للبائع) فقط (فاذا انقضى الخيار ملك المشترى بالعقد المتقدم) فانقضاء الخيار كاشف عن ان العقد اوجب الملك.

(و ان كان الخيار للمشترى وحده زال ملك البائع عن الملك)- اى العين- (بنفس

ص: 234

العقد، لكنه لم ينتقل الى المشترى حتى ينقضى الخيار، فان انقضى الخيار ملك المشترى بالعقد الاول، انتهى.

و ظاهر هذا الكلام كما قيل هو الكشف.

______________________________

العقد، لكنه لم ينتقل الى المشترى حتى ينقضى الخيار) فزال ملك البائع لانه عقد، و لكن لم يدخل فى ملك المشترى لمكان الخيار (فان انقضى الخيار ملك المشترى بالعقد الاول، انتهى) كلام الشيخ.

فعلم من هذا الكلام ان الشيخ- فى الخيار المختص بالمشترى- يقول بمقالة المشهور، و ان مورد الخلاف بين الشيخ و بين المشهور فى الخيار المختص بالبائع و الخيار الّذي لهما.

و عليه فما قاله التحرير و غيره من ان الشيخ يقول بعدم الملك حتى فى الخيار المختص بالمشترى ليس ظاهرا من كلام الشيخ. هذا.

و لكن الّذي يظهر من كلام الشيخ انه فرق بين خيار المشترى وحده و بين خيار البائع وحده، و خيار هما بعد، بان الكل يوجب عدم ملك المشترى و بان الخيار اذا كان للمشترى وحده زال ملك البائع، و اذا كان للبائع اولهما لم يزل ملك البائع فتأمّل.

(و ظاهر هذا الكلام كما قيل هو الكشف) لانه قال: زال ملك البائع عن الملك بنفس العقد، و قال: بالعقد الاول، فانقضاء الخيار كاشف عن الملك لا ناقل حين انقضاء الخيار.

و انما قال «كما قيل» لاحتمال ان يريد النقل بمعنى ان زوال الخيار ناقل، لكن كان السبب هو العقد.

ص: 235

فحينئذ يمكن الجمع بين زوال ملك البائع بمعنى عدم حق له بعد ذلك فى البيع، نظير لزوم العقد من طرف الاصيل اذا وقع مع الفضولى و بين عدم انتقاله الى المشترى بحسب الظاهر، حتى ينقضى خياره، فاذا انقضى، ملك بسبب العقد الاول بمعنى كشف الانقضاء عنه، فيصير انقضاء الخيار للمشترى نظير اجازة عقد الفضولى،

______________________________

(فحينئذ) اى حين اراد الكشف (يمكن الجمع بين) كلامى الشيخ حيث قال «انه يخرج عن ملك البائع» و قال «لا يدخل فى ملك المشترى» فحيث قال ب (زوال ملك البائع) اراد (بمعنى عدم حق له بعد ذلك) العقد (فى المبيع، نظير لزوم العقد من طرف الاصيل اذا وقع مع الفضولى) فان الاصيل لزم عقده لتمامية اركان العقد بالنسبة إليه، و يكون الخيار مع الطرف الآخر، سواء اجاز او رفض (و بين) ما قال من (عدم انتقاله الى المشترى بحسب الظاهر، حتى ينقضى خياره).

فعدم الانتقال انما هو بحسب الظاهر، ففى الواقع ان امضى ذو الخيار كان المبيع- من حين العقد- منتقلا الى المشترى و خارجا عن ملك البائع، و ان فسخ لم يكن المبيع لا خارجا عن ملك البائع و لا داخلا فى ملك المشترى (فاذا انقضى) زمن الخيار (ملك) المشترى (بسبب العقد الاول).

و قولنا «ملك» (بمعنى كشف الانقضاء) اى انقضاء زمان الخيار (عنه) اى عن كون المشترى مالكا من حين العقد (فيصير انقضاء الخيار للمشترى نظير اجازة عقد الفضولى) فى انه اذا اجاز المالك كشفت اجازته عن حصول

ص: 236

و لا يرد حينئذ عليه ان اللازم منه بقاء الملك بلا مالك.

و حاصل هذا القول ان الخيار يوجب تزلزل الملك.

و يمكن حمله أيضا على إرادة الملك اللازم الّذي لا حق و لا علاقة لمالكه السابق فيه، فوافق المشهور.

______________________________

النقل حين العقد (و لا يرد حينئذ) اى حين قلنا بالكشف (عليه) اى على كلام الشيخ القائل بانه خرج عن ملك البائع و لم يدخل فى ملك المشترى (ان اللازم منه بقاء الملك بلا مالك).

و انما «لا يردّ» لانه ان اجاز دخل فى ملك المشترى من حين العقد و ان لم يجز لم يكن ملكا للمشترى من الاول، بل كان باقيا فى ملك البائع (و حاصل هذا القول) اى قول الشيخ (ان الخيار يوجب تزلزل الملك) لا انه تفصيل بين الخيار المختص بالمشترى فالمشترى يملك، و بين غيره فالمشترى لا يملك الا بعد انقضاء الخيار، كما استفاده الدروس من كلام الشيخ.

(و) اذا لم نقل بان ظاهر كلام الشيخ ما ذكرناه، بل قلنا: بان ظاهره عدم الملك الا بعد انقضاء الخيار (يمكن حمله أيضا على إرادة الملك اللازم) فنقول ان مراد الشيخ- خلافا لظاهر كلامه- من قوله «لا يملك الا بعد انقضاء الخيار» انه لا يملك ملكا لازما، فالشيخ ينفى الملك اللازم (الّذي لا حق و لا علاقة لمالكه السابق فيه).

و على هذا المعنى (فوافق) الشيخ (المشهور) فى انه يملك بالعقد ملكا متزلزلا.

ص: 237

و لذا عبّر فى غاية المراد بقوله: و يلوح من كلام الشيخ توقف الملك على انقضاء الخيار، و لم ينسب ذلك إليه صريحا.

و قال فى المبسوط: البيع ان كان مطلقا غير مشروط فانه يثبت بنفس العقد، و يلزم بالتفرق بالابدان.

و ان كان مشروطا لزومه بنفس العقد لزم بنفس العقد.

و ان كان مشروطا بشرط

______________________________

فتحصل انا نقول أولا كلام الشيخ موافق للمشهور، و هذا ما اشار إليه بقوله «و حاصل».

و ثانيا: نقول- على تسليم ان كلامه خلاف كلام المشهور- نحمل كلامه على كلام المشهور.

(و لذا) الّذي لا يكون كلام الشيخ صريحا فى خلاف المشهور (عبّر فى غاية المراد بقوله: و يلوح من كلام الشيخ توقف الملك على انقضاء الخيار) قاله بلفظ «يلوح» اى يشعر (و لم ينسب ذلك إليه) اى الى الشيخ (صريحا) هذا تمام كلام الشيخ فى الخلاف.

(و قال فى المبسوط: البيع ان كان مطلقا غير مشروط) بشرط (فانه يثبت) الملك (بنفس العقد، و يلزم بالتفرق بالابدان) لانقضاء خيار المجلس بالتفرق.

(و ان كان مشروطا لزومه بنفس العقد) بان شرطا عدم خيار المجلس (لزم بنفس العقد) لانه لا خيار حينئذ.

(و ان كان مشروطا بشرط) مثل ان يشترط ان لاحدهما الخيار الى اسبوع

ص: 238

لزم بانقضاء الشرط.

و ظاهره كظاهر الخلاف عدم الفرق بين خيار البائع و المشترى.

لكن قال فى باب الشفعة: اذا باع شقصا بشرط الخيار.

فان كان الخيار للبائع، اولهما لم يكن للشفيع الشفعة، لان الشفعة انما تجب اذا انتقل الملك إليه.

و ان كان الخيار للمشترى وجب الشفعة للشفيع، لان الملك يثبت للمشترى بنفس العقد، و له المطالبة بعد انقضاء الخيار.

______________________________

(لزم) العقد (بانقضاء الشرط) لانه يلزم بعد انتهاء الخيار.

(و ظاهره كظاهر الخلاف عدم الفرق بين خيار البائع و المشترى) فى الحالات الثلاث، و هى: عدم الشرط، و شرط عدم الخيار، و شرط الخيار.

(لكن قال) الشيخ (فى باب الشفعة: اذا باع شقصا) اى حصة من الملك (بشرط الخيار) فيما اذا كانت شروط الشفعة متوفرة.

(فان كان الخيار للبائع، اولهما لم يكن للشفيع الشفعة) فليس للشريك ان يأخذ الملك من المشترى (لان الشفعة انما تجب) اى تثبت (اذا انتقل الملك إليه) اى الى المشترى و الملك لا ينتقل الى المشترى فى زمن الخيار.

(و ان كان الخيار للمشترى) فقط (وجب الشفعة للشفيع) و تمكن الشريك من الاخذ بالشفعة (لان الملك يثبت للمشترى بنفس العقد، و له) اى للمشترى (المطالبة) باخذ المبيع (بعد انقضاء الخيار).

ص: 239

و حكم خيار المجلس و الشرط فى ذلك سواء، على ما فصّلناه.

و لعلّ هذا مأخذ ما تقدم من النسبة فى ذيل عبارة الدروس.

هذا و لكن الحلّى قدس سره فى السرائر ادعى رجوع الشيخ عما ذكره فى الخلاف.

و يمكن ان يستظهر من مواضع من المبسوط ما يوافق المشهور، مثل استدلاله- فى مواضع- على المنع عن التصرف فى مدّة الخيار بان فيه ابطالا لحق ذى الخيار، كما فى مسئلة بيع احد النقدين على غير صاحبه فى المجلس، و فى مسئلة

______________________________

ثم قال الشيخ: (و حكم خيار المجلس و الشرط فى ذلك) الّذي ذكرنا من التفصيل بين خيار المشترى فيملك، او خيار البائع او خيارهما معا فلا يملك (سواء، على ما فصّلناه) انتهى كلام الشيخ.

(و لعل هذا) الكلام من الشيخ هو (مأخذ ما تقدم من النسبة فى ذيل عبارة الدروس) اذ هذا الكلام صريح فيما ذكره الدروس.

(هذا و لكن الحلى قدّس سره فى السرائر ادعى رجوع الشيخ عما ذكره فى الخلاف).

(و) كيف كان ف (يمكن ان يستظهر من مواضع من المبسوط ما يوافق المشهور) من انتقال الملك بمجرد العقد، لا بانقضاء الخيار (مثل استدلاله فى مواضع- على المنع عن التصرف فى مدة الخيار بان فيه ابطالا لحق ذى الخيار) و المراد التصرف المتلف، و ما اشبه (كما فى مسئلة بيع احد النقدين على غير صاحبه فى المجلس) فان فيه خيار المجلس (و فى مسئلة

ص: 240

رهن ما فيه الخيار للبائع.

فانه لو قال: بعدم الملك تعين تعليل المنع به لا بابطال حق ذى الخيار من الخيار، لان التعليل بوجود المانع فى مقام فقد المقتضى كما ترى.

و منها: انه ذكر فى باب الصرف: جواز تبايع المتصارفين ثانيا فى المجلس لان شروعهما فى البيع قطع للخيار، مع انه لم يصحح

______________________________

رهن ما فيه الخيار للبائع) فانه اذا كان الخيار للبائع لم يصح رهن المشترى للمبيع.

(فانه لو قال) الشيخ (بعدم الملك) فى زمن الخيار (تعين تعليل المنع به) اى بعدم الملك (لا بابطال حق ذى الخيار من الخيار).

فتعليليه بابطال حق ذى الخيار دال على انه يقول بالملك، (لان التعليل بوجود المانع) اى الخيار المانع عن التصرف (فى مقام فقد المقتضى) اى الملك (كما ترى) خبر «لانّ».

فانه اذا لم تكن هناك نار و كان الحطب رطبا، يقال: ان الرطب لا يحترق لعدم النار، و لا يقال: انه لا يحترق لوجود الرطوبة.

فتحصل ان كلام الشيخ هنا موافق للمشهور الذين يقولون بان الملك يحصل بالعقد و ان كان هناك خيار.

(و منها: انه ذكر فى باب الصرف: جواز تبايع المتصارفين ثانيا فى المجلس) بان يبيع المشترى المثمن الى البائع (لان شروعهما فى البيع) الثانى (قطع للخيار) اى خيار المجلس الّذي كان للبيع الاوّل (مع انه لم يصحّح

ص: 241

فى باب الهبة البيع الّذي يتحقق به الرجوع فيها لعدم وقوعه فى الملك فلو لا قوله فى الخيار بمقالة المشهور لم يصحّ البيع ثانيا لوقوعه فى غير الملك على ما ذكرنا فى الهبة.

و ربما ينسبه الى المبسوط اختيار المشهور فيما اذا صار احد المتبايعين

______________________________

فى باب الهبة البيع الّذي يتحقق به الرجوع فيها) اى فى الهبة، فان الواهب لا يجوز له ان يبيع الموهوب و ان كان له خيار (لعدم وقوعه) اى البيع (فى الملك) اى ملك البائع، و الحال انه لا بيع الا فى ملك، بل اللازم ان يسترجع الواهب الهبة أولا ثم يبيعها فلو جمعنا بين كلاميه انه يجوز البيع ثانيا فى المجلس فى باب الصرف مع ان لهما الخيار، و انه لا يصح بيع الموهوب قبل ابطال الهبة، انتج ان الشيخ يقول بان الملك يتحقق و ان كان هناك خيار، اذ صحة البيع ثانيا اما لانه ابطال للخيار و اما لان الشي ء ملك للمنتقل إليه فى زمن الخيار لكن الشيخ لا يقول بانه ابطال للخيار، كما ظهر من كلامه فى باب الهبة، فلا بدّ و ان يقول بان الشي ء ملك فى زمن الخيار.

و لذا قال المصنف: (فلو لا قوله فى الخيار بمقالة المشهور) من الملك فى زمن الخيار (لم يصحّ البيع ثانيا) فى مجلس الصرف (لوقوعه) اى البيع (فى غير الملك على ما ذكرنا) اى ما نقلنا عن الشيخ (فى الهبة) فى قولنا «مع انه لم يصحح».

(و ربما ينسبه الى المبسوط اختيار) كلام (المشهور) القائلين بحصول النقل و الانتقال بمجرد البيع (فيما اذا صار احد المتبايعين

ص: 242

الّذي له الخيار مفلسا حيث حكم بانّ له الخيار فى الاجازة و الفسخ لانه ليس بابتداء ملك، لان الملك قد سبق بالعقد، انتهى.

لكن النسبة لا تخلو عن تأمل، لمن لاحظ باقى العبارة.

و قال ابن سعيد قدس سره فى الجامع على ما حكى عنه ان المبيع يملك

______________________________

الّذي له الخيار مفلسا حيث حكم بانّ له الخيار فى الاجازة و الفسخ).

لا يقال: ان الاجازة و الفسخ تصرف فى المال و المفلّس ممنوع عن التصرف فى المال، فكما لا يجوز له البيع و الشراء كذلك لا تجوز له الاجازة و الفسخ فيما اذا كان له الخيار.

لانه يقال: انما قلنا: له الاجازة و الفسخ (لانه) اى اعماله الاجازة و الفسخ (ليس بابتداء ملك) فليس من قبيل البيع و الشراء (لان الملك قد سبق بالعقد، انتهى) فان صريح هذا الكلام: ان الملك يحصل بالعقد (لكن النسبة لا تخلو عن تأمل، لمن لاحظ باقى العبارة).

لان الشيخ قال فى آخر العبارة فمن قال: ينتقل بنفس العقد قال:

له الاجازة و الفسخ، و من قال: لا ينتقل الا بانقطاع الخيار، لم يجز امضاء البيع.

و هذا الكلام كما ترى ظاهر فى انه يربط جواز الاجازة و الفسخ بالقولين و حيث انه يذهب الى ان انتقال الملك بانقطاع الخيار فلا دليل فى كلامه لصحة النسبة.

(و قال ابن سعيد قدس سره فى الجامع على ما حكى عنه ان المبيع يملك

ص: 243

بالعقد و بانقضاء الخيار، و قيل بالعقد، و لا ينفذ تصرف المشترى الا بعد انقضاء خيار البائع، انتهى.

و قد تقدم حكاية التوقف عن ابن الجنيد أيضا.

و كيف كان، فالأقوى هو المشهور لعموم ادلة: حلّ البيع، و اكل المال اذا كانت تجارة عن تراض، و غيرهما، مما ظاهره كون العقد علة تامة لجواز التصرف الّذي هو من لوازم الملك.

______________________________

بالعقد و بانقضاء الخيار، و قيل بالعقد) فقط (و لا ينفذ تصرف المشترى) كالبيع و نحوه فيما كان الخيار للبائع (الا بعد انقضاء خيار البائع، انتهى) كلام ابن سعيد.

(و قد تقدم حكاية التوقف) فى عبارة الدروس (عن ابن الجنيد أيضا) اى توقف الملك على انقضاء الخيار.

(و كيف كان، فالأقوى هو المشهور) القائلون بان الملك يحصل بالعقد بدون توقف على انقضاء الخيار (لعموم ادلة: حلّ البيع) فانه شامل لحالة الخيار، فالبيع حلال وضعا- بنقل الملك- و تكليفا- بجواز التصرف- بمجرد العقد، كما ان فى مقابل ذلك حرمة الربا- تكليفا و وضعا- (و اكل المال، اذا كانت تجارة عن تراض) بقوله تعالى: لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ، إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ فان التجارة عن تراض تحصل بمجرد العقد، فيجوز اكل المال (و غيرهما، مما ظاهره كون العقد علة تامة لجواز التصرف الّذي)- صفة جواز- (هو من لوازم الملك) كقوله تعالى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ».

ص: 244

و يدل عليه لفظ الخيار فى قولهم عليهم السلام: البيّعان بالخيار و ما دل على جواز النظر فى الجارية- فى زمان الخيار- الى ما لا يحل له قبل ذلك فانه يدل على الحلّ بعد العقد فى زمن الخيار الا ان يلتزم بانه نظير حلّ وطى المطلقة الرجعية الّذي يحصل به الرجوع.

و يدل عليه ما تقدم فى ادلة بيع الخيار بشرط ردّ الثمن من كون نماء المبيع

______________________________

(و يدل عليه) أيضا (لفظ الخيار فى قولهم عليهم السلام: البيّعان بالخيار) لما تقدم من ان الخيار حق فى الملك الّذي بيد الطرف الآخر، فلو كان لا يزال ملكا للناقل، لم يكن معنى لكونه حقا، فلا يصح ان يقال: ان الانسان له حق الخيار على مال نفسه (و ما دل على جواز النظر فى الجارية فى زمان الخيار- الى ما لا يحل له قبل ذلك) العقد (فانه يدل على الحلّ) اى حلّ النظر (بعد العقد فى زمن الخيار) فيدل على انتقال الملك الى المشترى، و الا فلو بقيت ملكا للبائع لم يحل للمشترى النظر إليها (الا ان يلتزم بانه) اى النظر فى زمن الخيار (نظير حلّ وطى المطلقة الرجعية الّذي يحصل به) اى بذلك الوطي (الرجوع) فانه بمجرد النظر يحصل الملك و يسقط الخيار.

لكن لا وجه لهذا الالتزام، فان نظر المشترى لا وجه لان يسقط خيار البائع.

(و يدل عليه ما تقدم فى ادلة بيع الخيار بشرط ردّ الثمن) اى يبيعه المال بشرط انه اذا رد الثمن استرجع المبيع (من كون نماء المبيع) فى مثل

ص: 245

للمشترى و تلفه منه، فيكشف ذلك عن ثبوت اللزوم، و هو الملك، الا ان يلتزم بعدم كون ذلك من اشتراط الخيار، بل من باب اشتراط انفساخ البيع بردّ الثمن.

و قد تقدم فى مسئلة بيع الخيار بيان هذا الاحتمال، و ما يشهد له من بعض العنوانات.

لكن تقدم انه بعيد فى الغاية.

او يقال: ان النماء فى مورد الرواية نماء المبيع فى زمان لزوم البيع،

______________________________

هذا البيع (للمشترى و تلفه منه) اى من المشترى (فيكشف ذلك) اى كون النماء للمشترى و التلف منه (عن ثبوت اللزوم، و هو الملك) فانه لو كان المبيع للبائع ذى الخيار، لم يكن وجه لكون النماء للمشترى (الا ان يلتزم بعدم كون ذلك) و هو البيع بشرط الخيار (من اشتراط الخيار، بل من باب اشتراط انفساخ البيع بردّ الثمن) فلا خيار للبائع، بل يشترط انه اذا ردّ الثمن انفسخ البيع، فالبيع هنا لازم و لا خيار.

(و قد تقدم فى مسئلة بيع الخيار بيان هذا الاحتمال، و ما يشهد له من بعض العنوانات) اى عنوان العينة.

(لكن تقدم انه) اى كونه من باب اشتراط انفساخ البيع برد الثمن (بعيد فى الغاية).

(او يقال: ان النماء فى مورد الرواية) التى دلت على كون النماء للمشترى فى مورد بيع الشرط (نماء المبيع فى زمان لزوم البيع) لا فى زمان الخيار

ص: 246

لان الخيار يحدث بردّ مثل الثمن، و ان ذكرنا فى تلك المسألة ان الخيار فى بيع الخيار المعنون عند الاصحاب ليس مشروطا حدوثه بالرد فى ادلة بيع الخيار، الا ان الرواية قابلة للحمل عليه، الا ان يتمسك بإطلاقه الشامل لما اذا جعل الخيار من اوّل العقد فى فسخه مقيدا برد مثل الثمن، هذا، مع ان الظاهر ان الشيخ يقول بالتوقف فى الخيار المنفصل أيضا.

______________________________

(لان الخيار يحدث بردّ مثل الثمن) فلا خيار قبل ذلك بل البيع لازم، فالنماء فى مدة لزوم البيع للمشترى (و ان ذكرنا فى تلك المسألة) اى مسئلة بيع الخيار (ان الخيار فى بيع الخيار المعنون عند الاصحاب ليس مشروطا حدوثه بالردّ) حتى انه لا يكون خيار قبل الرد، كما لا يخفى لمن نظر (فى ادلة بيع الخيار، الا ان الرواية) الدالة على بيع الخيار (قابلة للحمل عليه) اى على ان الخيار يحدث بالردّ فلا خيار قبله (الا ان يتمسك) لمذهب المشهور (بإطلاقه الشامل) ذلك الاطلاق (لما اذا جعل الخيار من أوّل العقد فى فسخه) «فى» متعلق ب «الخيار» (مقيدا) ذلك الفسخ (برد مثل الثمن) فيكون دليلا للمشهور.

و الحاصل: ان اطلاق الرواية شامل لما اذا كان الخيار من اوّل العقد، و لما اذا حدث من حين ردّ الثمن، و شمول الرواية للصورة الاولى شاهد للمشهور (هذا، مع) انه لو قيل بان الرواية تشمل الصورة الثانية أيضا اى فيما اذا حدث الخيار عند ردّ الثمن، فكون النماء قبل ذلك للمشترى أيضا دليل المشهور، ل (ان الظاهر ان الشيخ يقول بالتوقف) اى توقف الملك على انقضاء الخيار (فى الخيار المنفصل) عن العقد (أيضا).

ص: 247

و ربما يتمسك بالاخبار الواردة فى العينة و هى ان يشترى الانسان شيئا بنسيئة، ثم يبيعه باقل منه فى ذلك المجلس نقدا.

لكنه لا دلالة لها من هذه الحيثية، لان بيعها على بايعها الاول و ان كان فى خيار المجلس او الحيوان، الا ان بيعه عليه مسقط لخيار هما اتفاقا.

______________________________

فالشيخ يرى انه لا يملك المشترى الا بعد انقضاء كل خيار، سواء كان متصلا بالعقد او منفصلا.

(و ربما يتمسك) لمذهب المشهور (بالاخبار الواردة فى العينة) بكسر العين (و هى ان يشترى الانسان شيئا بنسيئة، ثم يبيعه باقل منه فى ذلك المجلس نقدا).

مثلا: يشترى زيد صاعا من الحنطة من الحناط بدرهم نسية، ثم يبيعه من نفس الحناط بأربعين فلسا، فيأخذ منه اربعين فلسا و يطلبه الحناط خمسين فلسا، و ذلك للفرار من الربا.

وجه دلالة هذه الاخبار ان الشي ء المشترى اذا لم يصر ملكا للمشترى و الحال ان خيار المجلس موجود لم يكن وجه لان يبيعه المشترى.

(لكنه لا دلالة لها من هذه الحيثية) اى حيثية كون المبيع ملكا للمشترى فى زمن الخيار (لان بيعها على بايعها الاول و ان كان فى خيار المجلس او الحيوان، الا ان بيعه عليه) اى على البائع (مسقط لخيارهما) اى خيار المجلس و الحيوان (اتفاقا) فلا ينافى البيع عدم الملك و تصور ان البيع يسقط الخيار، مع انه يلزم ان يكون البيع فى ملك قد سبق تفصيلا.

ص: 248

و قد صرح الشيخ فى المبسوط بجواز ذلك، مع منعه عن بيعه على غير صاحبه فى المجلس.

نعم بعض هذه الاخبار يشتمل على فقرات يستأنس بها لمذهب المشهور، مثل صحيح يسار بن يسار عن الرجل يبيع المتاع و يشتريه من صاحبه الّذي يبيعه منه، قال: نعم لا بأس به، قلت اشترى متاعى؟ فقال:

ليس هو متاعك، و لا بقرك و لا غنمك، فان فى ذيلها دلالة على انتقال المبيع قبل انقضاء الخيار و لا استيناس بها

______________________________

(و قد صرح الشيخ فى المبسوط بجواز ذلك) اى بيعه على مالكه فى المجلس (مع منعه عن بيعه على غير صاحبه فى المجلس) لانه فى زمان الخيار، و فى هذا الزمان لا يملك المشترى، و لا بيع الا فى ملك.

(نعم بعض هذه الاخبار) الواردة فى مسئلة العينة (يشتمل على فقرات يستأنس بها لمذهب المشهور) القائلين بان الشي ء يملك بمجرد العقد (مثل صحيح يسار بن يسار عن الرجل يبيع المتاع و يشتريه) بعد ذلك (من صاحبه الّذي يبيعه منه، قال) عليه السلام: (نعم لا بأس به) اى بالبيع الثانى (قلت) هل (اشترى متاعى؟) فان البائع اذا اشتراه من المشترى فقد اشترى متاعه (فقال) عليه السلام: (ليس هو متاعك، و لا بقرك و لا غنمك) بل انتقل منك الى المشترى فصار ملكا له، و انما تشترى انت متاعه (فان فى ذيلها) و هو قوله «ليس هو متاعك الخ» (دلالة على انتقال المبيع قبل انقضاء الخيار) اذ كون الشي ء متاع المشترى فى زمان الخيار لا يكون الا بانتقال المتاع الى المشترى (و) لكن (لا استيناس بها) اى بهذه

ص: 249

أيضا عند التأمّل، لما عرفت من ان هذا البيع جائز عند القائل بالتوقف لسقوط خيارهما بالتواطى على هذا البيع، كما عرفت التصريح به من المبسوط و يذبّ بذلك عن الاشكال المتقدم نظيره سابقا من ان الملك اذا حصل بنفس البيع الثانى، مع انه موقوف على الملك، للزم الدور الوارد على من صحّح البيع الّذي يتحقق به الفسخ.

______________________________

الرواية (أيضا) كما لا دلالة لاخبار العينة (عند التأمّل، لما عرفت) عند قولنا «و قد صرح الشيخ» (من ان هذا البيع جائز عند القائل بالتوقف) اى بتوقف الملك على انقضاء الخيار (لسقوط خيارهما) اى البائع و المشترى سواء كان خيار مجلس او خيار حيوان (بالتواطى على هذا البيع) الثانى (كما عرفت التصريح به من المبسوط).

(و) ان قلت: المتاع قبل البيع الثانى كان ملكا للبائع، لانه فى زمن الخيار فكيف يبيع المشترى ما ليس له.

قلت: (يذبّ) و يدفع (بذلك) الّذي ذكرناه من ان التواطى مسقط لخيارهما، فيصبح الملك للمشترى (عن الاشكال المتقدم نظيره سابقا من ان الملك) للبائع و هو المشترى الاول (اذا حصل بنفس البيع الثانى، مع انه) اى البيع الثانى (موقوف على الملك) اى ملك المشترى الاول لانه لا بيع الا فى ملك (للزم الدور).

فملك المشترى الاول موقوف على بيعه، حتى يسقط الخيار بالبيع، و بيعه موقوف على ملكه، لانه لا بيع الا فى ملك (الوارد) ذلك الدور (على من صحّح البيع الّذي يتحقق به الفسخ).

ص: 250

و حينئذ فيمكن ان يكون سؤال السائل بقوله: اشترى متاعى، من جهة ركوز مذهب الشيخ عندهم من عدم جواز البيع قبل الافتراق، و يكون جواب الامام عليه السلام مبنيا على جواز بيعه على البائع، لان تواطيهما على البيع الثانى اسقاط للخيار من الطرفين، كما فى صريح المبسوط.

فقوله ليس هو متاعك اشارة الى ان ما ينتقل أليك بالشراء انما انتقل أليك بعد خروجه عن ملك بتواطئكما على المعاملة الثانية المسقط لخيار كما، لا

______________________________

فالجواب عن الدور: ان بيع المشترى الاول يتوقف على الملك، و الملك لا يتوقف على البيع، بل على التواطى كما ذكرنا.

(و حينئذ) اى حين قلنا انه لا يلزم الدور (فيمكن ان يكون سؤال السائل بقوله: اشترى متاعى، من جهة ركوز مذهب الشيخ عندهم) اى عند اصحاب الائمة عليهم السلام (من عدم جواز البيع قبل الافتراق) لانه فى زمن الخيار، و الملك فى زمن الخيار يكون للبائع، فاذا اشتراه فكان قد اشترى متاع نفسه (و يكون جواب الامام عليه السلام مبنيا على جواز بيعه على البائع، لان تواطيهما على البيع الثانى) و هو بيع المشترى للبائع (اسقاط للخيار من الطرفين، كما فى صريح المبسوط) الّذي نقلناه.

(فقوله) عليه السلام (ليس هو متاعك اشارة الى انّ ما ينتقل أليك بالشراء انما انتقل أليك بعد خروجه عن ملك) و انما خرج عن ملك (بتواطئكما على المعاملة الثانية المسقط لخيار كما) فان التواطى رضا منهما و الرضا يسقط الخيار، لقوله عليه السلام «لانه رضا» كما تقدم تقريبه (لا) ان الخيار يسقط

ص: 251

بنفس العقد.

و هذا المعنى فى غاية الوضوح لمن تأمل فى فقه المسألة.

ثم لو سلم ما ذكر من الدلالة و الاستيناس لم يدفع به الا القول بالنقل دون الكشف كما لا يخفى.

و مثل هذه الرواية فى عدم الدلالة

______________________________

(بنفس العقد) حتى يلزم الدور.

(و هذا المعنى) الّذي ذكرنا لكلام السائل و كلام الامام عليه السلام (فى غاية الوضوح لمن تأمّل فى فقه المسألة) و فهم وجه كلامهما.

لكن لا يخفى ان الرواية على ما ذكره المشهور اظهر.

و قوله «اشترى متاعى» عبارة عرفية و ما ذكره المصنف بعيد فى الغاية (ثم لو سلم ما ذكر) فى هذه الرواية (من الدلالة) على مذهب المشهور (و الاستيناس) لمذهبهم لما اشكلناه فى دلالته (لم يدفع به الا القول بالنقل) اى ان انتهاء الخيار يوجب نقل الملك، فان النقل ينافى البيع فى زمن الخيار، لانه ما دام الخيار موجودا كان ملكا للبائع، فلا يمكن بيعه (دون الكشف) اذا البيع الثانى يكشف عن سبق الملك حين العقد.

فهذه الرواية تدل على الملك فى زمن الخيار فلا نقل، و لا تنافى الرواية الكشف.

فمن يقول بان انتهاء الخيار يكشف عن سبق الملك، و فى زمن الخيار لا ملك مكشوفا لا تنافى هذه الرواية كلامه (كما لا يخفى).

(و مثل هذه الرواية فى عدم الدلالة) على مقالة المشهور من الملك

ص: 252

و الاستيناس صحيحة محمد بن مسلم عن رجل اتاه رجل، فقال: ابتع لى متاعا، لعلى اشتريه منك بنقد او بنسيئة فابتاعه الرجل من اجله قال: ليس به بأس، انما يشتريه منه بعد ما يملكه، فان الظاهر ان قوله: انما يشتريه ... الخ، اشارة الى ان هذا ليس من بيع ما ليس عنده.

______________________________

فى زمن الخيار (و) فى عدم (الاستيناس) كما قلنا سابقا: و لا استيناس بها أيضا عند التأمّل، (صحيحة محمد بن مسلم عن رجل اتاه رجل، فقال: ابتع لى متاعا، لعلّى اشتريه منك بنقد او بنسيئة) اى ان اشترائى منك كذا، لا ان ابتياعك كذا (فابتاعه الرجل من اجله) هل بذلك بأس (قال) عليه السلام (ليس به بأس) لان الرجل الآتى (انما يشتريه منه بعد ما يملكه).

وجه الدلالة لكلام المشهور: ان الرواية مطلقة شاملة لما اذا اشتراه الرجل الآتى فى نفس المجلس الّذي ابتاعه الرجل المأتى، او فى غير ذلك المجلس، فتدل على ان خيار المجلس لا يوجب عدم ملك المشترى الاول، و الا فلو كان الخيار يوجب عدم ملكه فكيف يشتريه منه الرجل الآتى.

و انما قلنا: ان هذه الرواية لا دلالة فيها، لما ذكره بقوله: (فان الظاهر ان قوله: انما يشتريه ... الخ، اشارة) الى مطلب آخر لا علاقة له بما نحن فيه.

فالرواية تشير (الى ان هذا ليس من بيع ما ليس عنده) لانه قال عليه السلام «لا تبع ما ليس عندك» فانه لا يجوز للانسان ان يبيع لنفسه متاعا هو ملك لانسان آخر بقصد ان يشتريه منه بعد البيع، ثم يسلّمه الى مشتريه وفاء، كان يبيع زيد دار عمرو بيعا عن نفس زيد لخالد، ثم يشترى

ص: 253

و ان بيعه لم يكن قبل استيجاب البيع مع الاول.

فقوله: بعد ما يملكه اشارة الى استيجاب العقد مع الاول، كما يظهر من قولهم عليهم السلام فى اخبار اخر واردة فى هذه المسألة، و لا توجب البيع قبل ان تستوجبه مع ان الغالب فى مثل هذه المعاملة قيام الرجل الى مكان غيره ليأخذ منه المتاع و رجوعه الى منزله لبيعه من صاحبه الّذي طلب منه

______________________________

الدار من عمرو و يعطيها لخالد وفاء لبيعها لخالد، كما قد سبق (و ان بيعه) للآتى (لم يكن قبل استيجاب البيع مع الاول).

قوله «و ان بيعه» عطف بيان لقوله «ليس من بيع».

(فقوله) عليه السلام (بعد ما يملكه اشارة الى استيجاب العقد مع الاول) بان يشترى من الاول ثم يبيعه للآتى، لا ان المراد «بعد ما يملكه» بالعقد و قبل انقضاء الخيار، كما اريد به الاستدلال للمشهور (كما يظهر) ما ذكرناه من معنى الحديث (من قولهم عليهم السلام فى اخبار اخر واردة فى هذه المسألة) اى مسئلة انه لا بأس بالبيع من انسان اذا اشتراه من انسان آخر (و لا توجب البيع قبل ان تستوجبه) اى لا تبع الشي ء قبل ان تشتريه، هذا أولا فالرواية لا دلالة لها على كلام المشهور.

و ثانيا: (مع ان الغالب فى مثل هذه المعاملة) اى فيما اذا اشترى انسان شيئا ثم باعه لغيره (قيام الرجل) اى الواسطة- الدلال- (الى مكان غيره) صاحب البضاعة (ليأخذ منه المتاع) و يشتريه منه (و رجوعه) اى الواسطة (الى منزله) دكانا كان او غيره (لبيعه من صاحبه الّذي طلب منه

ص: 254

ذلك، فيلزم العقد الاول بالتفرق.

و لو فرض اجتماعهما فى مجلس واحد، كان تعريضه للبيع ثانيا بحضور البائع دالا عرفا على سقوط خياره، و يسقط خيار المشترى بالتعويض للبيع و بالجملة ليس فى قوله: بعد ما يملكه، دلالة على ان تملّكه بنفس العقد، مع انها على تقدير الدلالة تدفع النقل

______________________________

ذلك) المتاع (فيلزم العقد الاول بالتفرق) و لا يكون البيع الثانى فى زمان خيار البائع الاول حتى يقال: ان الشي ء صار ما لا للمشترى- مع انه فى زمن خيار البائع- فيدل على مذهب المشهور.

(و لو فرض اجتماعهما) اى البائع للواسطة و المشترى من الواسطة (فى مجلس واحد) حتى يكون الخيار للبائع ما دام لم يبع الواسطة المال للمشترى و الحال انه ملك للبائع، لانه (كان تعريضه) اى تعريض الواسطة (للبيع ثانيا) للمشترى من الواسطة (بحضور البائع دالا عرفا على سقوط خياره) لانه رضى بهذا البيع، و الرضا- كما عرفت سابقا- مسقط للخيار (و يسقط خيار المشترى بالتعريض للبيع) فلا خيار فى هذا المال، بل اصبح مالا للواسطة بدون خيار له و لا لبايعه فهو ملكه، يبيعه من المشترى، فالرواية لا تدل على مذهب المشهور القائلين بان الشي ء فى زمن الخيار ملك اذ لا خيار.

(و بالجملة ليس فى قوله: بعد ما يملكه، دلالة على ان تملّكه بنفس العقد) حتى يثبت مذهب المشهور (مع انها على تقدير الدلالة) على ان المبيع يملك بنفس العقد (تدفع النقل) و انه ينتقل الى المشترى بعد

ص: 255

لا الكشف كما لا يخفى.

و نحوه فى الضعف الاستدلال فى التذكرة بما دلّ على مال العبد المشترى لمشتريه مطلقا، او مع الشرط، او علم البائع من غير تقييد بانقضاء الخيار.

اذ فيه ان الكلام مسوق لبيان ثبوت المال للمشترى على نحو ثبوت

______________________________

الخيار (لا الكشف) و انه قد انتقل الى المشترى بالعقد و انما كان انقضاء الخيار كاشفا عن الملكية حال العقد (كما لا يخفى).

(و نحوه فى الضعف) اى فى عدم دلالته على مذهب المشهور (الاستدلال) الّذي ذكره (فى التذكرة بما دلّ على ان مال العبد المشترى لمشتريه مطلقا) سواء شرط ان يكون مال العبد للمشترى، أم لم يشترط (او مع الشرط) فاذا شرط المشترى ان يكون مال العبد له، كان له، و الا كان ماله للبائع (او علم البائع).

فاذا علم البائع بان للعبد مالا و مع ذلك باعه بلا شرط كان المال للمشترى.

و ان لم يعلم البائع ان للعبد مالا و باعه فماله للبائع (من غير تقييد) لكون المال للمشترى (بانقضاء الخيار) فانه يدل على ان المال التابع للعبد صار ملكا للمشترى بمجرد العقد.

(اذ فيه) انه لا دلالة لهذه المسألة على ما نحن فيه.

ف (ان الكلام) فى الروايات الدالة على ان مال العبد للمشترى (مسوق لبيان ثبوت المال للمشترى على نحو ثبوت

ص: 256

العبد له، و انه يدخل فى شراء العبد حتى اذا ملك العبد ملك ماله.

مع ان الشيخ لم يثبت منه هذا القول فى الخيار المختص بالمشترى و التمسك بإطلاق الروايات لما اذا شرط البائع الخيار كما ترى

______________________________

العبد) المشترى (له، و انه) اى مال العبد (يدخل فى شراء العبد) كما يدخل المفتاح فى شراء الدار (حتى اذا ملك) المشترى (العبد ملك ماله) أيضا هذا أولا و ثانيا.

(مع ان الشيخ لم يثبت منه هذا القول) اى ان فى زمن الخيار لا يملك المبيع (فى الخيار المختص بالمشترى) و فى اشتراء العبد فالخيار مختص بالمشترى فالرواية تقول: ان فى زمن خيار المشترى يكون مال العبد ملكا للمشترى بمجرد العقد.

و الشيخ يقول: فى زمان خيار البائع او خيار كليهما لا يملك المشترى المبيع الا بعد انقضاء الخيار فالرواية لا تكون ردّا لكلام الشيخ.

(و) ان قلت: الرواية بإطلاقها خلاف قول الشيخ، لان الرواية تشمل ما اذا شرط البائع الخيار لنفسه و ما اذا لم يشترط، فتدل الرواية على انه اذا كان الخيار للبائع بالشرط و للمشترى أيضا لخيار الحيوان، اصبح مال العبد للمشترى بمجرد البيع، و هذا خلاف قول الشيخ الّذي يقول بانه اذا كان الخيار لهما لم ينتقل المال الى المشترى الا بعد انقضاء الخيار.

قلت: (التمسك بإطلاق الروايات) الواردة فى اشتراء العبد الّذي له مال (لما اذا شرط البائع الخيار) لنفسه (كما ترى) اذ ليست الروايات بصدد هذا الحكم اى ما اذا شرط البائع الخيار لنفسه.

ص: 257

و اشدّ ضعفا من الكل ما قيل من ان المقصود للمتعاقدين و الّذي وقع التراضي عليه انتقال كل من الثمن و المثمن حال العقد.

فهذه المعاملة اما صحيحة كذلك- كما عند المشهور- فثبت المطلوب او باطلة من اصلها، او انها صحيحة الا انها على غير ما قصداه و تراضيا عليه.

توضيح الضعف

______________________________

(و اشدّ ضعفا) بحيث لا يمكن الاستدلال به لمذهب المشهور (من الكل) اى من كل ما تقدم من ادلّتهم (ما قيل من) ان المتبايعين ارادا الانتقال بالعقد، فلا يخلو عن «1» حصول مراد هما فهو المطلوب «2» او بطلان العقد و هذا ما لا يقول به احد «3» او ان العقد صحيح، و لكن على خلاف قصدهما، و هذا خلاف ما ذكروا من ان العقود تتبع القصود.

ف (ان المقصود للمتعاقدين و الّذي وقع التراضي عليه انتقال كل من الثمن و المثمن) الى طرفى العقد فى (حال العقد) لا بعد انقضاء الخيار (فهذه المعاملة) بهذا القصد (اما صحيحة كذلك) بان ينتقل حال العقد (- كما عند المشهور- فثبت المطلوب) بان الملك يحصل بالعقد (او باطلة من اصلها) و هذا خلاف الاجماع فان الشيخ و المشهور كليهما يقولان بصحة المعاملة (او انها صحيحة الا انها على غير ما قصداه و تراضيا عليه) بان تصح و لكن الملك ينتقل بعد الخيار- كما يقوله الشيخ- و هذا غير تام لانه مناف للعقود تتبع القصود (توضيح الضعف) انا نقول بالشق الثالث، و نقول ان الشارع اضاف الى «كون العقد علة» علة اخرى فى حصول نقل الملك و هى انقضاء زمن

ص: 258

ان مدلول العقد ليس هو الانتقال من حين العقد.

لكن الانشاء لما كان علة لتحقق المنشئ عند تحققه كان الداعى على الانشاء حصول المنشئ عنده.

لكن العلية انما هو عند العرف، فلا ينافى كونه فى الشرع سببا محتاجا الى تحقق شرائط اخر بعده، كالقبض فى السلم و الصرف و انقضاء الخيار فى محل الكلام، فالعقد مدلوله مجرد التمليك و التملك مجردا عن الزمان

______________________________

الخيار، كما اضاف شروطا اخر فى بعض المعاملات، و ليس ذلك يوجب بطلان قاعدة: العقود تتبع القصود.

ف (ان مدلول العقد ليس هو الانتقال من حين العقد) بل مدلوله نقل المثمن الى مالك الثمن و بالعكس.

(لكن الانشاء لما كان علة لتحقق المنشئ) اى النقل (عند تحققه) اى تحقق الانشاء (كان الداعى على الانشاء حصول المنشئ عنده) اى عند الانشاء، اذا الداعى الى العلة هو الداعى الى المعلول.

(لكن العلية انما هو عند العرف) فان العرف يرون انه مهما تحققت العلة و هى العقد، تحقق المعلول و هو النقل (فلا ينافى) هذا النظر العرفى (كونه) اى العقد (فى الشرع سببا) للنقل (محتاجا الى تحقق شرائط اخر بعده) اى بعد العقد (كالقبض) للثمن (فى السلم) فانه شرط لتحقق المنشأ شرعا، مع ان العرف لا يراه شرطا (و الصرف) فانه يحتاج الى القبض (و انقضاء الخيار فى محل الكلام) اى مطلق النقل و الانتقال (فالعقد مدلوله مجرد التمليك و التملك مجردا عن الزمان) اذ الزمان ليس داخلا

ص: 259

لكنه عرفا علة تامة لمضمونه.

و امضاء الشارع له تابع لمقتضى الادلة، فليس فى تأخير الامضاء تخلف اثر العقد عن المقصود المدلول عليه بالعقد و انما فيه التخلف عن داعى المتعاقدين، و لا ضرر فيه، و قد تقدم الكلام فى ذلك فى مسئلة كون الاجازة كاشفة او ناقلة.

و قد يستدل أيضا بالنبوى المشهور

______________________________

فى مدلول العقد، كما عرفت (لكنه) اى العقد (عرفا علة تامة لمضمونه) الّذي هو النقل، فاذا حصلت العلة حصل المعلول.

(و) لكن (امضاء الشارع له) اى لكون العقد علة (تابع لمقتضى الادلة) و هل ان الشارع جعل العقد فقط علة او شرطا معه شرط آخر (فليس فى تأخير الامضاء) اذ الشارع يمضى النقل بعد انتهاء الخيار (تخلف اثر العقد عن المقصود) للمتبايعين (المدلول عليه بالعقد و انما فيه التخلف عن داعى المتعاقدين، و لا ضرر فيه) اى فى تخلف الداعى، بل كثيرا يكون تخلف الداعى، و لا محذور فيه.

مثلا: اذا اشترى زيد دارا بقصد السكنى، ثم اتفق ان اضطر الى السفر عن المدينة الى مدينة اخرى كان هناك تخلف الداعى، و لا يوجب ذلك بطلان العقد، و لا يصدق «عدم اتباع العقد للقصد» (و قد تقدم الكلام فى ذلك فى مسئلة كون الاجازة كاشفة او ناقلة) فى باب عقد الفضولى.

(و قد يستدل أيضا) لمذهب المشهور القائلين بان العقد سبب للنقل و الانتقال، لا انقضاء الخيار كما قاله الشيخ (بالنبوى المشهور

ص: 260

المذكور فى كتب الفتوى للخاصة و العامّة على جهة الاستناد إليه، و هو ان الخراج بالضمان بناء على ان المبيع فى زمان الخيار المشترك، او المختص بالبائع فى ضمان المشترى، فخراجه له، و هى علامة ملكه.

و فيه انه لم يعلم من القائلين بتوقف الملك على انقضاء الخيار القول بكون ضمانه على المشترى حتى يكون نمائه له.

و قد ظهر بما ذكرنا: ان العمدة فى قول المشهور

______________________________

المذكور فى كتب الفتوى للخاصة و العامّة) نقلا (على جهة الاستناد إليه) مما يدل على حجيته و الّا لم يستند و إليه (و هو ان الخراج بالضمان) فمن ضمن شيئا فله خراجه مثل: تلف الشي ء من مالكه فله فائدته أيضا.

وجه الاستدلال بهذا الحديث للمقام ما ذكره بقوله: (بناء على ان المبيع فى زمان الخيار المشترك، او) الخيار (المختص بالبائع فى ضمان المشترى) بمعنى ان تلفه و نقصه على المشترى (فخراجه) و فائدته (له) اى للمشترى، فمعنى «الخراج بالضمان» ان الفائدة فى مقابل الضرر فمن عليه الغرم فله الغنم (و هى) اى كون الفائدة للمشترى (علامة ملكه) و الحاصل: ان الخسارة على المشترى فالفائدة له، لقاعدة: الخراج بالضمان، و اذا كانت الفائدة له فهو ملكه للتلازم بين الفائدة و الملك

(و فيه انه لم يعلم من القائلين بتوقف الملك على انقضاء الخيار القول بكون ضمانه على المشترى) فهم لا يلتزمون بان ضمانه على المشترى (حتى) يلزمهم بان (يكون نمائه له) حتى يأتى دور تلازم النماء و الملك.

(و) كيف كان، ف (قد ظهر بما ذكرنا: ان العمدة فى قول المشهور)

ص: 261

عموم ادلة: حلّ البيع، و: التجارة عن تراض، و اخبار الخيار.

و استدل للقول الآخر بما دلّ على كون تلف المبيع من مال البائع فى زمان الخيار فيدلّ بضميمة: قاعدة كون التلف عن المالك، لانه مقابل الخراج على كونه فى ملك البائع.

______________________________

القائلين بان النقل و الانتقال يكون من حين العقد (عموم ادلة: حلّ البيع، و: التجارة عن تراض، و اخبار الخيار) و ان كانت لهم فى بعض الادلة الاخر أيضا دلالة، هذا.

(و استدل للقول الآخر) القائل بان الملك انما يتحقق بانقضاء الخيار (بما دلّ على كون تلف المبيع من مال البائع فى زمان الخيار فيدل بضميمة: قاعدة كون التلف عن المالك، لانه مقابل الخراج على كونه فى ملك البائع).

فهنا مقدمتان، الاولى: ان التلف فى زمن الخيار من مال المالك.

و الثانية: انّ من يكون التلف من كيسه يكون المال ماله.

اما المقدمة الاولى: فتدل عليها بعض الاخبار الآتية.

و اما المقدمة الثانية: فيدل عليها ان الضمان و النماء مثلا زمان و ان النماء و الملك متلازمان، فالضمان و الملك متلازمان.

و يرد الاشكال على هذا القول فى المقدمة الثانية فى قولهم «ان الضمان و النماء متلازمان» فنقول: لا تلازم بين الضمان و النماء، فان نماء الملك فى زمن الخيار للمشترى، و الحال ان ضمانه على البائع لقاعدة «التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له».

ص: 262

مثل صحيحة ابن سنان عن الرجل يشترى العبد او الدابة بشرط، الى يوم او يومين فيموت العبد او الدابة او يحدث فيه حدث على من ضمان ذلك؟ فقال: على البائع حتى ينقضى الشرط ثلاثة ايام و يصير المبيع للمشترى شرط له البائع او لم يشترط، قال: و ان كان بينهما شرط، اياما معدودة، فهلك فى يد المشترى فهو من مال البائع.

و رواية عبد الرحمن ابن ابى عبد الله قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام، عن الرجل اشترى امة من رجل بشرط، يوما او يومين.

______________________________

و كيف كان فممّا تدل على ان الضمان فى زمن الخيار من البائع جملة من الروايات.

(مثل صحيحة ابن سنان عن الرجل يشترى العبد او الدابة بشرط، الى يوم او يومين) فاذا لم يرغب فيه ردّه (فيموت العبد او الدابة او يحدث فيه حدث) كمرض او كسر او ما اشبه (على من ضمان ذلك؟ فقال: على البائع حتى ينقضى الشرط ثلاثة ايام) فان خيار الحيوان ثلاثة ايام (و يصير المبيع للمشترى) سواء (شرط له البائع او لم يشترط) اذ الشرط فى الثلاثة وجوده كعدمه، فان الخيار موجود على اىّ حال (قال) عليه السلام: (و ان كان بينهما شرط، اياما معدودة، فهلك فى يد المشترى فهو من مال البائع) مدة تلك الايام، و ذلك حسب خيار الشرط.

(و رواية عبد الرحمن ابن ابى عبد الله قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام، عن الرجل اشترى امة من رجل بشرط، يوما او يومين) ان لم يرغب

ص: 263

فماتت عنده و قد قطع الثمن، على من يكون ضمان ذلك؟ قال: ليس على الّذي اشترى ضمان حتى يمضى شرطه.

و مرسلة ابن رباط: ان حدث فى الحيوان حدث قبل ثلاثة ايام فهو من مال البائع.

و النبوى المروى فى قرب الاسناد فى العبد المشترى بشرط، فيموت قال: يستحلف بالله ما رضيه، ثم هو بري ء من الضمان.

______________________________

فيها ردّها (فماتت) الامة (عنده و قد قطع الثمن) اى انتهى البيع ف (على من يكون ضمان ذلك؟) و من كيس من يخرج؟ (قال: ليس على الّذي اشترى ضمان حتى يمضى شرطه) اى مدة الشرط، فان كان ثلاثة فهو خيار طبيعى، و ان كان اكثر فهو خيار الشرط.

(و مرسلة ابن رباط: ان حدث فى الحيوان حدث قبل ثلاثة ايام) و هى مدة خيار الحيوان (فهو) اى الحدث (من مال البائع) و يذهب من كيسه، فللمشترى الحق فى ان يأخذه منه.

(و النبوى المروى فى قرب الاسناد فى العبد المشترى بشرط) اى يشترط المشترى لنفسه، انه اذا لم يرغب فيه ارجعه فى مدة معينة (فيموت) على من الضمان؟ (قال) عليه السلام (يستحلف) المشترى (بالله ما رضيه) قبل ان يموت (ثم هو) بعد الحلف (برئ من الضمان) و يكون ضمانه على البائع.

اما اذا رضيه فقد اسقط خياره، لما سبق من ان الرضا مسقط للخيار، لقوله عليه السلام «لانه رضى».

ص: 264

و هذه الاخبار انما تجدى فى مقابل من ينكر تملك المشترى مع اختصاص الخيار.

و قد عرفت: ان ظاهر المبسوط فى باب الشفعة- ما حكاه عنه فى الدروس- من القطع بتملك المشترى مع اختصاص الخيار.

و كذلك ظاهر العبارة المتقدمة عن الجامع.

و على اىّ حال.

______________________________

(و هذه الاخبار انما تجدى) لا للشيخ، فلا يمكن ان تكون هذه الاخبار مستندا للشيخ اذ هذه الاخبار تقول: لا يملك المشترى، بدليل: ان الضمان على المالك، و هذه الاخبار جعلت الضمان على البائع، فهى تجدى (فى) مقابل (من ينكر تملك المشترى مع اختصاص الخيار) بالمشترى.

(و قد عرفت: ان ظاهر المبسوط فى باب الشفعة- ما حكاه عنه فى الدروس- من القطع بتملك المشترى مع اختصاص الخيار) بالمشترى.

(و كذلك ظاهر العبارة المتقدمة عن الجامع) فهذه الاخبار ليست موافقة لمذهب الشيخ فيما نحن فيه، اى صورة اختصاص الخيار بالمشترى.

(و على اىّ حال) فسواء كانت هذه الاخبار موافقة للشيخ، او مخالفة له، فهناك ثلاث طوائف من الادلة.

الاولى: ما دل على ان النقل بمجرد العقد، بضميمة تلازم الملك و الضمان.

الثانية: ما دل على تلازم الملك و الضمان بضميمة: ما دل على ان النقل بمجرد العقد.

ص: 265

فهذه الاخبار اما ان تجعل مخصّصة لادلة المشهور بضميمة قاعدة تلازم الملك و الضمان، او لقاعدة التلازم بضميمة ادلة المسألة.

فيرجع بعد التكافؤ الى اصالة عدم حدوث الملك بالعقد قبل انقضاء الخيار.

______________________________

الثالثة: ما دل على ان التلف فى زمن الخيار من كيس البائع.

فهذه الطائفة الثالثة توجب رفع اليد عن احدى الطائفتين الاوليين، بان نقول: لا نقل بمجرد العقد فالمال للبائع و الضمان عليه.

و على هذا: رفعنا اليد عن ما دل على ان النقل بمجرد العقد، او نقول: لا تلازم بين الملك و الضمان، فالنقل بمجرد العقد و لكن الضمان على البائع.

(فهذه الاخبار) التى استدل بها للشيخ (اما ان تجعل مخصّصة لادلة المشهور) الدالة على ان النقل بمجرد العقد اى الطائفة الاولى (بضميمة قاعدة تلازم الملك و الضمان، او) تجعل هذه الاخبار التى استدل بها للشيخ مخصّصة (لقاعدة التلازم) بين الملك و الضمان (بضميمة ادلة المسألة) اى ادلة المشهور بان النقل بمجرد العقد اى الطائفة الثانية.

(فيرجع بعد التكافؤ) لانه لا مرجّع لان نجعل هذه الاخبار و هى الطائفة الثالثة مخصصة للطائفة الاولى، او الطائفة الثانية (الى اصالة عدم حدوث الملك بالعقد قبل انقضاء الخيار) و تكون النتيجة مع الشيخ- لكن من جهة الاصل لا من جهة الدليل-.

ص: 266

و لكن هذا فرع التكافؤ المفقود فى المقام من جهات اعظمها الشهرة المحققة المؤيدة بالاجماع المحكى عن السرائر.

ثم ان مقتضى اطلاق ما تقدم من عبارتى المبسوط و الخلاف من كون الخلاف فى العقد المقيّد بشرط الخيار عمومه للخيار المنفصل عن العقد، كما اذا شرط الخيار من الغد، كما ان مقتضى تخصيص الكلام بالعنوان المذكور عدم شموله

______________________________

(و لكن هذا) اى الرجوع الى الاصل (فرع التكافؤ المفقود فى المقام من جهات اعظمها الشهرة المحققة) على ان الملك يتحقق بمجرد العقد (المؤيدة بالاجماع المحكى عن السرائر) لانه قال: ان الشيخ رجع عن رأيه، و وافق المشهور.

و عليه فاللازم ان نجعل الطائفة الثالثة مخصّصة للطائفة الثانية بان نقول ان: قاعدة التلازم بين الملك و الضمان، لا تأتى فى المقام، فالملك- فى باب الخيار- للمشترى، و الحال ان الضمان على المالك، لقاعدة التلف فى زمن الخيار ممّن لا خيار له.

(ثم ان مقتضى اطلاق ما تقدم من عبارتى المبسوط و الخلاف من كون الخلاف فى العقد المقيّد بشرط الخيار عمومه) «عمومه» خبر «ان مقتضى» اى عموم الحكم بان النقل يكون بعد انقضاء الخيار- على مذهب الشيخ- (للخيار المنفصل عن العقد، كما اذا شرط الخيار من الغد) فانه فى هذا اليوم أيضا لا ينتقل، لان الخيار المستقبل مانع عن ذلك (كما ان مقتضى تخصيص) الشيخ (الكلام بالعنوان المذكور) اى بشرط الخيار (عدم شموله)

ص: 267

لخيار غير الشرط و الحيوان الّذي يطلق عليه الشرط أيضا.

فخيار العيب و الغبن و الرؤية و التدليس الظاهر عدم جريان الخلاف فيها.

و ممّا يدل على الاختصاص ان ما ذكر من الادلة مختصة بالخيارين.

و ان الظاهر من لفظ الانقضاء- فى تحريرات محل الخلاف- انقطاع الخيار الزمانى.

و اما خيار المجلس، فالظاهر

______________________________

اى عدم شمول الحكم بالنقل عند انقضاء الخيار (لخيار غير الشرط و الحيوان) و انما يشمل خيار الحيوان لما ذكره بقوله: (الّذي يطلق عليه الشرط أيضا) فى الاخبار و كلمات الفقهاء- كما تقدم-.

و على هذا (فخيار العيب و الغبن و الرؤية و التدليس الظاهر) من التخصيص المذكور (عدم جريان الخلاف فيها) بل يكون النقل فيها بمجرد العقد.

(و ممّا يدل على الاختصاص) اى اختصاص الخلاف بالحيوان و الشرط فقط (ان ما ذكر من الادلة) و هى الروايات التى ذكرناها قبل اسطر (مختصة بالخيارين) فان المذكور فى الروايات خيار الشرط و خيار الحيوان (و) كذلك، ف (ان الظاهر من لفظ الانقضاء- فى تحريرات محل الخلاف- انقطاع الخيار الزمانى) اذا الانقضاء، انما يقال: للزمان.

(و اما خيار المجلس، ف) هل هو داخل فى محل الخلاف، أم لا؟ لانه لا يعبر عنه بالانقضاء و ليس داخلا فى الروايات المتقدمة التى ذكرت الشرط و الحيوان (الظاهر

ص: 268

دخوله فى محل الكلام لنصّ الشيخ بذلك فى عبارته المتقدمة عنه فى باب الشفعة، و لقوله فى الإستبصار إن العقد سبب لاستباحة الملك، الا انه مشروط بان يتفرقا بالابدان، و لا يفسخا العقد، و لنص الشيخ فى الخلاف و المبسوط على ان التفرق كانقضاء الخيار فى لزوم العقد به.

و مراده من اللزوم تحقق علة الملك، لا مقابل الجواز كما لا يخفى، مع ان ظاهر عبارة الدروس المتقدمة

______________________________

دخوله فى محل الكلام) و الخلاف بين الشيخ و المشهور (لنص الشيخ بذلك) اى دخوله فى محل الخلاف (فى عبارته المتقدمة عنه فى باب الشفعة و لقوله فى الاستبصار ان العقد سبب لاستباحة الملك) و هو الثمن للبائع و المثمن للمشترى (الا انه مشروط بان يتفرقا بالابدان، و لا يفسخا العقد) فان كلامه صريح بان الملك يتوقف على انقضاء خيار المجلس (و لنص الشيخ فى الخلاف و المبسوط على ان التفرق) عن مجلس العقد (كانقضاء الخيار) فى الشرط و الحيوان (فى لزوم العقد به).

فكما ان لزوم العقد يتوقف على انتهاء خيارى الشرط و الحيوان، كذلك لزوم العقد يتوقف على انتهاء خيار المجلس بالتفرق.

(و مراده من اللزوم تحقق علة الملك) فقبله لا ملك بقرينة جعل انقضاء خيار المجلس كانقضاء خيار الشرط و الحيوان.

فكما ان انقضائهما سبب الملك كذلك انقضاء خيار المجلس (لا مقابل الجواز) فليس مراده ان ما قبل ذلك يكون الملك منقولا نقلا جائزا متزلزلا- كما يقوله المشهور- (كما لا يخفى، مع ان ظاهر عبارة الدروس المتقدمة

ص: 269

فى مأخذ هذا الخلاف ان كل خيار يمنع من التصرف فى المبيع، فهو داخل فيما يتوقف الملك على انقضائه.

و كذلك العبارة المتقدمة- فى عنوان هذا الخلاف- عن الجامع.

و قد تقدم عن الشيخ فى صرف المبسوط: ان خيار المجلس مانع عن التصرف فى احد العوضين.

و من ذلك يظهر وجه آخر لخروج خيار العيب و اخوته عن محل الكلام

______________________________

فى مأخذ هذا الخلاف) بين الشيخ و المشهور، يدل على ان خيار المجلس أيضا داخل فى الخلاف، لان الدروس عنون مأخذ الخلاف بحيث يدل على (ان كل خيار يمنع من التصرف فى المبيع، فهو داخل فيما يتوقف الملك على انقضائه) و خيار المجلس أيضا يمنع من التصرف فى المبيع.

(و كذلك العبارة المتقدمة- فى عنوان هذا الخلاف- عن الجامع) تشمل خيار المجلس أيضا.

(و) ذلك، لانه (قد تقدم عن الشيخ فى) باب بيع ال (صرف) من كتاب (المبسوط: ان خيار المجلس مانع عن التصرف فى احد العوضين) فاذا ضممنا كلام الدروس الى كلام المبسوط انتج ان خيار المجلس داخل فى النزاع.

(و من ذلك) الّذي ذكره الدروس مأخذا لهذا الخلاف بانه كلما منع عن التصرف (يظهر وجه آخر لخروج خيار العيب و اخوته) و هى خيار الغبن و الرؤية و التدليس (عن محل الكلام) بين الشيخ و المشهور.

ص: 270

فان الظاهر عدم منعها من التصرف فى العوضين قبل ظهورها، فلا بدّ ان يقول الشيخ باللزوم و الملك قبل الظهور، و الخروج عن الملك بعد الظهور، و تنجز الخيار.

و هذا غير لائق بالشيخ فثبت ان دخولها فى محل الكلام مستلزم اما لمنع التصرف فى موارد هذا الخيار، و اما للقول بخروج المبيع عن الملك بعد دخوله، و كلاهما

______________________________

(فان الظاهر) من كلام الفقهاء (عدم منعها) اى هذه الخيارات الاربع (من التصرف فى العوضين قبل ظهورها).

و انما تمنع عن التصرف بعد الظهور- كما تقدم فى هذه الخيارات- و حيث ان الامر فى عدم الملك دائر مدار منع الخيار عن التصرف (فلا بد ان يقول الشيخ باللزوم و الملك قبل الظهور) لهذه الخيارات الاربع بعدم ظهور العيب و الغبن و التدليس و عدم الرؤية (و الخروج عن الملك) اى خروج المبيع عن الملك (بعد الظهور، و تنجز الخيار) «و تنجز» عطف بيان على «الظهور».

(و هذا) الكلام و انه يملك قبل ظهور العيب و اخوته و يخرج عن الملك بعد الظهور (غير لائق بالشيخ).

اذ كيف يمكن الخروج عن الملك بلا سبب شرعى و لا عرفى (فثبت ان دخولها) اى دخول هذه الخيارات الاربع (فى محل الكلام) بين الشيخ و المشهور (مستلزم اما لمنع التصرف فى موارد هذا الخيار) من الاول، حتى قبل الظهور (و اما للقول بخروج المبيع عن الملك بعد دخوله) فى الملك (و كلاهما

ص: 271

غير لائق بالالتزام.

مع ان كلام العلامة فى المختلف كالصريح فى كون التملك بالعقد اتفاقيا، فى المعيب، لانه ذكر فى الاستدلال ان المقتضى للملك موجود و الخيار لا يصلح للمنع، كما فى بيع المعيب.

و ذكر أيضا انه لا منافات بين الملك و الخيار، كما فى المعيب.

______________________________

غير لائق بالالتزام).

اذ المنع عن التصرف بدون وجود الخيار- لان الخيار انما يحدث بعد الظهور- لا وجه له، و الخروج عن الملك بعد الدخول فيه- خروجا بلا سبب شرعى او عرفى- غير صحيح، هذا وجه لعدم جريان الخلاف فى خيار العيب و اخوته.

(مع) ان هناك وجها آخر، ف (ان كلام العلامة فى المختلف كالصريح فى كون التملك بالعقد اتفاقيا) بين الفقهاء (فى المعيب، لانه) اى العلامة (ذكر فى الاستدلال) ما جعل المعيب، مشبها به فى كون الملك موجودا مع العيب، فلو لم تكن ملكية المعيب اتفاقية، لم يكن وجه لجعلها مشبها به حيث ان العلامة قال: (ان المقتضى للملك موجود، و الخيار لا يصلح للمنع، كما فى بيع المعيب) فان الخيار موجود فيه و لا يمنع عن الملك، فليكن خيار الشرط و الحيوان كذلك.

(و ذكر أيضا انه لا منافات بين الملك و الخيار) اى خيار الشرط و الحيوان (كما فى المعيب) فانه ملك مع وجود الخيار.

ص: 272

و قد صرح الشيخ قدس سره فى المبسوط أيضا بانه اذا اشترى شيئا فحصل منه نماء، ثم وجد به عيبا ردّه دون نمائه، محتجا بالاجماع و بالنبوى:

الخراج بالضمان، و سيجي ء تتمة ذلك ان شاء الله تعالى.

______________________________

(و) يدل على ان العيب ليس محلا للخلاف كلام الشيخ، فانه (قد صرح الشيخ قدس سره فى المبسوط أيضا بانه اذا اشترى شيئا فحصل منه نماء، ثم وجد به عيبا ردّه دون نمائه) فان عدم ردّ النماء دليل الملك (محتجا) لعدم ردّ النماء (بالاجماع، و بالنبوى: الخراج بالضمان) فان المشترى كان ضامنا للمبيع فله خراجه (و سيجي ء تتمة ذلك ان شاء الله تعالى) فتحصل ان مورد الخلاف بين الشيخ و المشهور فى ثلاث خيارات و هى الشرط و الحيوان و المجلس، اما سائر الخيارات ففيها اتفاق على ان النقل يحصل بالعقد، لا بانقضاء الخيار، و الله العالم.

ص: 273

مسئلة و من احكام الخيار كون المبيع فى ضمان من ليس له الخيار فى الجملة

على المعروف بين القائلين بتملك المشترى بالعقد.

و توضيح هذه المسألة ان الخيار اذا كان للمشترى فقط من جهة

______________________________

(مسئلة: و من احكام الخيار كون المبيع فى ضمان من ليس له الخيار فى الجملة).

فاذا اشترى زيد من عمرو شيئا و قد جعل المشترى لنفسه الخيار و لم يكن للبائع خيار، ثم تلف المبيع خرج من كيس البائع الّذي لا خيار له.

و على هذه القاعدة اشتهر قولهم «التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له».

و انما قلنا «فى الجملة» لما سيأتى من ان هذه القاعدة لا تجرى الا فى بعض الخيارات (على المعروف بين القائلين بتملك المشترى) للمتاع (بالعقد).

اما الشيخ الّذي يرى انه لا يملك بالعقد بل يملك المشترى المتاع بانقضاء الخيار، فكون التلف فى مال البائع على وفق القاعدة، لان المتاع مال البائع- على هذا- فيكون تلفه من كيسه.

(و توضيح هذه المسألة ان الخيار اذا كان للمشترى فقط من جهة

ص: 274

الحيوان، فلا اشكال و لا خلاف فى كون المبيع فى ضمان البائع.

و يدل عليه ما تقدم فى المسألة السابقة من الاخبار.

و كذلك الخيار الثابت له من جهة الشرط بلا خلاف فى ذلك: لقوله عليه السلام- فى ذيل صحيحة ابن سنان-: و ان كان بينهما شرط ايّاما معدودة فهلك فى يد المشترى، فهو من مال بايعه و لو كان للمشترى فقط

______________________________

الحيوان) بان اشترى حيوانا فكان له الخيار ثلاثة ايام- لان خيار الحيوان ثلاثة ايام- (فلا اشكال و لا خلاف فى كون المبيع فى ضمان البائع) و تلفه على البائع.

(و يدل عليه ما تقدم فى المسألة السابقة من الاخبار) كقوله عليه السلام: على البائع حتى ينقضى الشرط ثلاثة ايام، و يصير المبيع للمشترى شرط له البائع او لم يشترط.

(و كذلك الخيار الثابت له) اى للمشترى (من جهة الشرط) بان شرط المشترى على البائع ان يكون له خيار (بلا خلاف) بين الفقهاء (فى ذلك) اى فى خيار الشرط (لقوله عليه السلام- فى ذيل صحيحة ابن سنان-: و ان كان بينهما) اى بين البائع و المشترى (شرط ايّاما معدودة فهلك) الحيوان (فى يد المشترى) اى بلا تعدّ و لا تفريط (فهو) اى الهلاك (من مال بايعه).

اما اذا كان الخيار لهما، فالتلف من كيس من تلف فى يده لان الحكم السابق انما هو فيما اذا كان الخيار لاحد الطرفين فقط (و لو كان للمشترى فقط

ص: 275

خيار المجلس دون البائع فظاهر قوله عليه السلام: حتى ينقضى شرطه و يصير المبيع للمشترى كذلك، بناء على ان المناط انقضاء الشرط الّذي تقدم انه يطلق على خيار المجلس فى الاخبار، بل ظاهره ان المناط فى رفع ضمان البائع صيرورة المبيع للمشترى و اختصاصه به بحيث لا يقدر على سلبه عن نفسه.

و الى هذا المناط ينظر تعليل هذا الحكم فى السرائر، حيث قال فكل من كان له

______________________________

خيار المجلس دون البائع) بان شرط فى ضمن العقد عدم خيار المجلس للبائع (فظاهر قوله عليه السلام)- فى الرواية المتقدمة فى المسألة السابقة (حتى ينقضى شرطه و يصير المبيع للمشترى كذلك) اى ان التلف فى زمن خيار المشترى من كيس البائع (بناء على ان المناط انقضاء الشرط الّذي تقدم انه يطلق على خيار المجلس فى الاخبار) فلا خصوصية للشرط اللفظى، بل كلّ شرط كذلك، سواء كان خيار شرط او خيار حيوان او خيار مجلس.

و كون مورد الرواية خيار الشرط لا يوجب التخصيص (بل ظاهره ان المناط فى رفع ضمان البائع صيرورة المبيع للمشترى و اختصاصه به) اى يختص المبيع بالمشترى بانتهاء الخيار (بحيث لا يقدر) المشترى (على سلبه عن نفسه) فهذا مناط ثان غير المناط الاول، و اقوى من المناط الاول.

(و الى هذا المناط ينظر تعليل هذا الحكم) اى كون الخيار يوجب كون التلف من كيس من لا خيار له (فى السرائر، حيث قال فكل من كان له

ص: 276

خيار فالمتاع يهلك من مال من ليس له خيار، لانه قد استقر عليه العقد، و الّذي له الخيار ما استقر عليه العقد، و لزم.

فان كان الخيار للبائع دون المشترى، و كان المتاع قد قبضه المشترى و هلك فى يده، كان هلاكه من مال المشترى دون البائع، لان العقد مستقر عليه، و لازم من جهته.

و من هنا يعلم انه يمكن بناء على فهم هذا المناط طرد الحكم فى كل خيار، فتثبت القاعدة المعروفة من ان: التلف فى زمن الخيار ممّن لا خيار له من

______________________________

خيار فالمتاع يهلك من مال من ليس له خيار).

و التعليل هو قوله: (لانه قد استقر عليه العقد، و الّذي له الخيار ما استقر عليه العقد، و) ما (لزم) عليه، هذا فيما اذا كان الخيار للمشترى (فان كان الخيار للبائع دون المشترى و كان المتاع قد قبضه المشترى و هلك) المتاع (فى يده) اى يدى المشترى (كان هلاكه من مال المشترى دون البائع) و ذلك (لان العقد مستقر عليه) اى على المشترى (و لازم من جهته) و انما شرطنا (قبض المشترى) لانه اذا لم يكن قد قبضه فتلفه من كيس البائع، لقاعدة: التلف قبل القبض من مال مالكه.

(و من هنا) الّذي تمسكنا بالمناط فى تعدّى الحكم الى خيار المجلس الّذي كان لاحدهما، و فى تعدّيه الى خيار البائع دون المشترى (يعلم انه يمكن بناء على فهم هذا المناط) و هو ان التلف ممن يستقر عليه العقد (طرد الحكم) بانه ممن لا خيار له (فى كل خيار، فتثبت القاعدة المعروفة من ان: التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له، من

ص: 277

غير فرق بين اقسام الخيار و لا بين الثمن و المثمن، كما يظهر من كلمات غير واحد من الاصحاب، بل نسبه جماعة الى اطلاق الاصحاب.

قال فى الدروس- فى احكام القبض- و بالقبض ينتقل الضمان الى القابض، اذا لم يكن له خيار، انتهى.

فان ظاهره كفاية مطلق الخيار للمشترى فى عدم ضمان المشترى للمبيع المقبوض، و نحوه كلامه قدس سره فى اللمعة.

______________________________

غير فرق بين اقسام الخيار) فى باب البيع، لكن لا يتعدّى الى سائر العقود (و لا بين الثمن و المثمن).

فان كان الثمن مستقرا ثم تلف كان من كيس من لا خيار له.

و لو كان الثمن مستقرا ثم تلف كان من كيس من لا خيار له (كما يظهر) هذا التعميم (من كلمات غير واحد من الاصحاب، بل نسبه جماعة الى اطلاق الاصحاب) فهو شبه اجماع.

(قال فى الدروس- فى احكام القبض- و بالقبض) للمتاع او الثمن (ينتقل الضمان الى القابض) لانه قبل القبض يكون الضمان على من بيده (اذا لم يكن له) اى للقابض (خيار، انتهى).

اما اذا كان للقابض الخيار فالضمان يبقى على المقبوض منه (فان ظاهره كفاية مطلق الخيار للمشترى) اىّ خيار كان (فى عدم ضمان المشترى للمبيع المقبوض).

و انما استفدنا الاطلاق من كلامه، لانه لم يقيد الخيار بقسم خاص (و نحوه كلامه) المطلق (قدس سره فى اللمعة).

ص: 278

و فى جامع المقاصد فى شرح قول المصنف و لو ماتت الشاة المصراة او الامة المدلّسة فلا شي ء له، و كذا لو تعيّبت عنده قبل علمه بالتدليس.

قال: و تقييد الحكم بما قبل العلم غير ظاهر، لان العيب اذا تجدّد بعد علمه يكون كذلك.

الا ان يقال انه غير مضمون عليه الآن، لثبوت خياره.

______________________________

(و) قال: (فى جامع المقاصد فى شرح قول المصنف) و هو العلامة (و لو ماتت الشاة المصراة) التى جمع اللبن فى ثدييها لايهام المشترى انها ذات لبن كثير (او الامة المدلّسة) و هى التى اظهرت نفسها اجمل عن واقعها ليرغب المشترى فيها.

فعليه فاذا ماتت عند المشترى (فلا شي ء له) اى للمشترى من الثمن، لان التلف من كيسه، حيث ان المشترى لا خيار له قبل علمه بالتدليس (و كذا لو تعيّبت) الشاة او الامة (عنده) اى عند المشترى (قبل علمه بالتدليس) هذا قيد لكلّ من الموت و التعيب انتهى كلام العلامة.

(قال) جامع المقاصد: (و تقييد الحكم) اى عدم شي ء له (بما قبل العلم غير ظاهر، لان العيب اذا تجدد بعد علمه) اى بعد علم المشترى بالتدليس فى الشاة و الامة (يكون كذلك) كما لو تجدد قبل العلم.

(الا ان يقال) هناك فرق بين قبل العلم و بعد العلم، ل (انه) اى المتاع (غير مضمون عليه) اى على المشترى (الآن) اى بعد العلم (لثبوت خياره) اذ قبل العلم لا خيار للمشترى فالعيب من كيس المشترى، اما بعد العلم فيكون الخيار للمشترى، و خسارة العيب من كيس البائع، لان التلف

ص: 279

و لم اظفر فى كلام المصنف و غيره بشي ء فى ذلك، انتهى.

و قال: فى شرح قول المصنف قدس سره و لا يسقط الخيار بتلف العين مقتضى اطلاق كلامهم انه لو تلف المبيع مع خيار الغبن للمشترى انفسخ البيع لاختصاص الخيار بالمشترى، ثم تردّد فيه و فى خيار الرؤية.

و فى المسالك- فى مسئلة ان العيب الحادث يمنع من الرد بالعيب القديم و ان الحادث

______________________________

فى زمن الخيار ممن لا خيار له (و لم اظفر فى كلام المصنف) و هو العلامة (و غيره بشي ء فى ذلك) اى فى التلف بعد العلم (انتهى) كلام جامع المقاصد.

و شاهدنا فى قوله «لثبوت خياره» فانه اطلق فى ان ثبوت الخيار للمشترى يوجب ان يكون التلف من كيس البائع فى سائر الخيارات غير خيار الشرط و الحيوان.

(و قال) جامع المقاصد: (فى شرح قول المصنف قدس سره) و هو العلامة (و لا يسقط الخيار بتلف العين) انتهى كلام العلامة.

ف (مقتضى اطلاق كلامهم انه لو تلف المبيع مع خيار الغبن للمشترى انفسخ البيع لاختصاص الخيار بالمشترى) فانه جعل التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له فى خيار الغبن، كما جعله كذلك- قبلا- فى خيار العيب (ثم تردّد فيه و فى خيار الرؤية) و هل انه من كيس البائع، أم لا؟

(و فى المسالك- فى مسئلة ان العيب الحادث) عند المشترى (يمنع من الرد بالعيب القديم) الّذي كان عند البائع (و ان) العيب (الحادث

ص: 280

فى ايام خيار الحيوان مضمون على البائع- قال: و كذا كل خيار مختص بالمشترى.

و عن مجمع البرهان فى مسئلة ان تلف المبيع بعد الثلاثة مع خيار التأخير من البائع استنادا الى عموم قاعدة تلف المال قبل القبض، ان هذه القاعدة معارضة بقاعدة اخرى، و هى: ان تلف المال فى الخيار المختص بالبائع من مال المشترى.

فان الظاهر من جعل هذه قاعدة كونها مسلمة بين الاصحاب.

______________________________

فى ايام خيار الحيوان) اى ثلاثة ايام (مضمون على البائع- قال: و كذا كل خيار مختص بالمشترى) فانه عمّم الحكم بكل خيار.

(و عن مجمع البرهان فى مسئلة ان تلف المبيع بعد الثلاثة) ايام (مع خيار التأخير) اى تأخير المشترى عن اخذ المبيع و اعطاء الثمن (من البائع) «من» متعلق ب «تلف».

و انما كان من البائع (استنادا الى عموم قاعدة تلف المال قبل القبض) فان التلف قبل القبض من مال بائعه.

قال: (ان هذه القاعدة) اى قاعدة: ان التلف قبل القبض من مال بائعه (معارضة بقاعدة اخرى، و هى: ان تلف المال فى الخيار المختص بالبائع من مال المشترى) فاللازم ان يكون التلف على المشترى، انتهى كلام مجمع البرهان.

(فان الظاهر) من كلام مجمع البرهان (من جعل هذه قاعدة) حيث قال «بقاعدة اخرى» (كونها مسلمة بين الاصحاب) و الا لم تكن قاعدة.

ص: 281

و صرّح بنحو ذلك المحقق جمال الدين فى حاشية الروضة، و استظهر بعد ذلك اختصاصه بما بعد القبض، معترفا بعمومها من جهات اخرى.

و ظاهر هذه الكلمات عدم الفرق بين اقسام الخيار، و لا بين الثمن و المثمن، و لا بين الخيار المختص بالبائع و المختص بالمشترى.

و لذا نفى فى الرياض الخلاف فى ان التلف فى مدة الخيار ممن لا خيار له و فى مفتاح الكرامة: ان قولهم التلف فى مدة الخيار ممن لا خيار له قاعدة،

______________________________

(و صرح بنحو ذلك) اى من جعل ذلك قاعدة (المحقق جمال الدين فى حاشية الروضة، و استظهر) جمال الدين (بعد ذلك اختصاصه) اى اختصاص حكم القاعدة المذكورة (بما بعد القبض) فقبل القبض التلف من كيس البائع، اما بعد القبض فالتلف ممن لا خيار له (معترفا بعمومها) اى عموم قاعدة: التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له (من جهات اخرى) و ان كانت خاصة من جهة اختصاصها بما بعد القبض.

(و ظاهر هذه الكلمات) التى نقلناها من هؤلاء العلماء (عدم الفرق) فى كون التلف ممن لا خيار له (بين اقسام الخيار) و هى الحيوان و الشرط و المجلس و العيب و الغبن و غيرها (و لا بين الثمن و المثمن، و لا بين الخيار المختص بالبائع و المختص بالمشترى).

(و لذا) الّذي يظهر من كلماتهم الاطلاق (نفى فى الرياض الخلاف فى ان التلف فى مدة الخيار ممن لا خيار له) فاثبت بان هذه قاعدة كلية.

(و فى مفتاح الكرامة: ان قولهم التلف فى مدة الخيار ممن لا خيار له قاعدة)

ص: 282

لا خلاف فيها، ثم ذكر فيه تبعا للرياض: ان الحكم فى بعض افراد المسألة مطابق للقاعدة.

لكن الانصاف انه لم يعلم من حال احد من معتبرى الاصحاب الجزم بهذا التعميم، فضلا عن اتفاقهم عليه.

فان ظاهر قولهم: التلف فى زمان الخيار هو الخيار الزمانى، و هو الخيار الّذي ذهب جماعة الى توقف الملك على انقضائه لا مطلق الخيار،

______________________________

كلية (لا خلاف فيها، ثم ذكر فيه) اى فى مفتاح الكرامة (تبعا للرياض: ان الحكم) بان التلف ممن لا خيار له (فى بعض افراد المسألة مطابق للقاعدة) الاولية فانّ هذه القاعدة مخالفة للقواعد الاولية.

اذ مقتضى القاعدة الاوّلية: ان تلف ملك كل انسان يكون من كيسه الخاص به، لا من كيس انسان آخر.

(لكن الانصاف انه لم يعلم من حال احد من معتبرى الاصحاب) و اعيانهم (الجزم بهذا التعميم) و ان التلف مطلقا ممن لا خيار له (فضلا عن اتفاقهم عليه) كما ادعاه الرياض و مفتاح الكرامة.

(فان ظاهر قولهم: التلف فى زمان الخيار هو الخيار الزمانى) اى الخيار المحدّد بالزمان، كخيار الحيوان و خيار الشرط المحدّدين بالزمان و انما استظهرنا ذلك لقولهم «فى زمان الخيار»- فالخيار الّذي لا زمان له لا يشمله هذا الكلام (و هو الخيار الّذي ذهب جماعة الى توقف الملك على انقضائه) و قالوا انه ما دام الخيار موجودا، فالمال للبائع- كما تقدم فى المسألة السابقة- (لا مطلق الخيار) زمانيا كان او غير زمانى

ص: 283

ليشمل خيار الغبن و الرؤية و العيب و نحوها.

الا ترى انهم اتفقوا على انه اذا مات المعيب لم يكن مضمونا على البائع، و لو كان الموت بعد العلم بالعيب.

الا ترى: ان المحقق الثانى ذكر ان الاقتصاص من العبد الجانى اذا كان فى خيار المشترى، كان من ضمان البائع.

______________________________

(ليشمل خيار الغبن و الرؤية و العيب) و التدليس (و نحوها) مما لا زمان فيها.

(الا ترى) هذا دليل على انهم لا يقولون «بان التلف فى كل خيار يكون على من لا خيار له» (انهم اتفقوا على انه اذا مات المعيب لم يكن مضمونا على البائع، و لو كان الموت بعد العلم بالعيب) مع انه بعد العلم بالعيب يكون الخيار للمشترى و لا خيار للبائع.

(الا ترى: ان المحقق الثانى ذكر ان الاقتصاص من العبد الجانى) فان العبد اذا جنى كان للمجنى عليه ان يقتصّ منه (اذا كان) جريان القصاص عليه (فى خيار المشترى، كان من ضمان البائع) مع ما يأتى من قوله «يراد به خيار الحيوان ... و هل خيار الغبن و الرؤية كذلك» يدل على ان مراد الفقهاء من قولهم «التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له» يريدون بالخيار بعض اقسام الخيار، لا كل اقسام الخيار.

و حيث كان كلام المحقق «و لو تعيبت» يوهم ان المحقق يتعدّى من خيارى الشرط و الحيوان الى خيار العيب، فيقول فى خيار العيب أيضا بان «التلف فى زمان الخيار ممن لا خيار له».

ص: 284

و اما ما نقلنا عنه سابقا فى شرح قوله: و لو تعيبت قبل علمه بالتدليس فهو مجرد احتمال، حيث اعترف فيه بانه لم يظفر على شي ء مع انه ذكر فى شرح قول المصنف فى باب العيوب، و كل عيب تجدد فى الحيوان بعد القبض و قبل انقضاء الخيار، فانه

______________________________

استدرك المصنف ذلك التوهم بقوله «و اما ما نقلنا» فجملة «و اما ما نقلنا» جملة معترضة بين «الا ترى» و بين «مع انه» و هذه الجملة المعترضة كالاستثناء من مفاد «الجملتين».

فكانّ المصنف قال «المحقق الثانى يرى: ان التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له» خاص بالشرط و الحيوان، و لا يراه فى الغبن و الرؤية و العيب.

و اما قوله «و لو تعيّبت» الظاهر فى كون القاعدة آتية فى خيار العيب، فهو مجرد احتمال.

(و اما ما نقلنا عنه سابقا فى شرح قوله) اى قول العلامة (و لو تعيّبت قبل علمه بالتدليس) حيث قال المحقق «انه غير مضمون عليه الآن لثبوت خياره» اى خيار المشترى (ف) ليس هذا الكلام المنقول دليلا على ان المحقق يقول بقاعدة «التلف ممن لا خيار له» فى خيار العيب.

اذ ما ذكره المحقق (هو مجرد احتمال، حيث اعترف فيه بانه لم يظفر على شي ء) ذكره الفقهاء فى هذا الباب، اى باب خيار العيب (مع انه ذكر فى شرح قول المصنف) و هو العلامة (فى باب العيوب، و كل عيب تجدد فى الحيوان بعد القبض و قبل انقضاء الخيار، فانه) اى ذلك

ص: 285

لا يمنع الردّ فى الثلاثة، نفى ذلك الاحتمال على وجه الجزم حيث قال الخيار الواقع فى العبارة يراد به خيار الحيوان، و كذا كل خيار يختص بالمشترى كخيار الشرط له.

و هل خيار الغبن و الرؤية كذلك، يبعد القول به خصوصا على القول بالفورية، لا خيار العيب، لان العيب الحادث يمنع من الرد بالعيب القديم قطعا، انتهى.

______________________________

العيب (لا يمنع الردّ فى الثلاثة) انتهى كلام العلامة.

ف (نفى ذلك الاحتمال) «نفى» مفعول «ذكر» و الاحتمال يراد به ما ذكره المصنف بقوله «مجرد احتمال» (على وجه الجزم) فقد نفى ان العيب يكون غير مضمون على المشترى نفيا جزما (حيث قال الخيار الواقع فى العبارة) اى عبارة العلامة فى قوله «قبل انقضاء الخيار» (يراد به خيار الحيوان، و كذا كل خيار يختص بالمشترى كخيار الشرط له) اى للمشترى (و هل خيار الغبن) للمشترى (و الرؤية) للمشترى (كذلك) اى ان التلف فى زمان هذين الخيارين من كيس البائع الّذي لا خيار له (يبعد القول به) اى انهما أيضا من كيس البائع (خصوصا على القول بالفورية).

لان الانسان اذا علم بالغبن يكون له الخيار فورا فى دقائق، فاذا تلف يكون التلف خارجا عن الدقائق فلا يكون فى زمان الخيار، و كذا فى خيار الرؤية، فتأمل (لا خيار العيب).

فان التلف فى زمن الخيار ليس من البائع (لان العيب الحادث يمنع من الرد بالعيب القديم قطعا، انتهى) كلام جامع المقاصد.

ص: 286

و من ذلك يعلم حال ما نقلناه عنه فى خيار الغبن، فلم يبق فى المقام ما يجوز الركون إليه، الا ما اشرنا إليه من ان مناط خروج المبيع عن ضمان البائع- على ما يستفاد من قوله عليه السلام حتى ينقضى شرطه و يصير المبيع للمشترى- هو انقضاء خيار المشترى الّذي يطلق عليه الشرط فى

______________________________

و من هذا الكلام علم ان المحقق الثانى يقول: ان قاعدة «التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له» خاص بالشرط و الحيوان، لا سائر الخيارات فكلامه السابق «و لو تعيّبت» كان مجرد احتمال، و لذا قال «الا ان يقال».

(و من ذلك) الّذي ذكرنا ان المحقق الثانى يخص «قاعدة التلف ممن لا خيار له» بخيارى الحيوان و الشرط (يعلم حال ما نقلناه عنه فى خيار الغبن) حيث افتى أولا بانه اذا حدث فيه عيب فهو من مال البائع، ثم تردد فيه.

و الحاصل انه لا يقول بجريان قاعدة «التلف ممن لا خيار له» فى خيار الغبن (فلم يبق فى المقام) من اقوال الفقهاء (ما يجوز الركون إليه) حتى نقول «بان التلف فى زمان كل خيار ممن لا خيار له» (الا ما اشرنا إليه من ان مناط خروج المبيع عن ضمان البائع) حتى لا يكون تلفه على البائع (- على ما يستفاد من قوله عليه السلام حتى ينقضى شرطه و يصير المبيع للمشترى-).

فالمناط (هو انقضاء خيار المشترى الّذي يطلق عليه) اى على خيار المشترى (الشرط فى

ص: 287

الاخبار.

و صيرورة المبيع مختصا بالمشترى لازما عليه بحيث لا يقدر على سلبه عن نفسه فيدل على ان كل من له شرط و ليس المعوض الّذي وصل إليه لازما عليه فهو غير ضامن له حتى ينقضى شرطه و يصير مختصا به لازما عليه و فى الاعتماد على هذا الاستظهار تأمل فى مقابلة القواعد، مع انه يمكن منع دلالة هذا المناط المستنبط عليه.

______________________________

الاخبار).

(و صيرورة) عطف على «انقضاء» اى المناط هو صيرورة (المبيع مختصا بالمشترى لازما عليه بحيث لا يقدر) المشترى (على سلبه عن نفسه فيدل) هذا المناط (على ان كل من له شرط و ليس المعوض الّذي وصل إليه) اى لم يكن المبيع (لازما عليه فهو غير ضامن له) فلا يكون تلفه عليه (حتى ينقضى شرطه) اى خياره (و يصير) المبيع (مختصا به) لا متزلزلا (لازما عليه) فلا يتمكن من ارجاعه، ففى مثل هذا الوقت يكون ضمانه على المشترى.

(و فى الاعتماد على) مثل (هذا الاستظهار) بان نستفيد من قولهم عليهم السلام فى الشرط و الحيوان قاعدة كلية بالنسبة الى كل الخيارات (تأمل فى مقابلة القواعد) الدالة على ان تلف مال الانسان من كيس نفسه و الدالة على عدم ضمان انسان لتلف مال انسان آخر.

(مع انه يمكن منع دلالة هذا المناط) فلا نقول بان هناك مناطا- و لكنه مخالف للقواعد- بل نقول انه لا مناط (المستنبط عليه) صفة المناط اى المناط الّذي استنبط على هذا المناط حتى فهم وجه منعه.

ص: 288

لان ظاهر الصحيحة الاختصاص بما كان التزلزل و عدم كون المبيع لازما على المشترى ثابتا من اوّل الامر، كما يظهر من لفظة: حتى، الظاهرة فى الابتداء.

و هذا المعنى مختص بخيار المجلس و الحيوان و الشرط، و لو كان منفصلا، بناء على ان البيع متزلزل و لو قبل حضور زمان الشرط.

______________________________

(لان ظاهر الصحيحة) اى صحيحة ابن سنان التى قالت «حتى ينقضى الشرط ثلاثة ايام و يصير المبيع للمشترى» (الاختصاص بما كان التزلزل) عند المشترى- اى بما كان خيار المشترى- (و عدم كون المبيع لازما على المشترى) عطف بيان للتزلزل (ثابتا من اوّل الامر) خبر «بما كان» (كما يظهر) لزوم كونه من اوّل الامر (من لفظة: حتى، الظاهرة فى الابتداء).

فانه اذا قال: ابق هنا حتى الفجر، فان ظاهره البقاء من اوّل الليل الى الفجر.

(و هذا المعنى) و هو كون التزلزل من اوّل العقد (مختص بخيار المجلس و الحيوان و الشرط، و لو كان) الشرط (منفصلا) فانه و ان لم يكن التزلزل من حين العقد (بناء على ان البيع متزلزل و لو قبل حضور زمان الشرط).

اذ: ما يشرف على التزلزل فى حكم المتزلزل فكانه متزلزل من قبل حصول وقت الشرط أيضا.

ص: 289

و لذا ذكرنا جريان الخلاف فى المسألتين السابقتين فيه.

و اما الغبن و العيب و الرؤية و تخلف الشرط و تفليس المشترى و تبعّض الصفقة، فهى توجب التزلزل عند ظهورها بعد لزوم العقد.

و الحاصل ان ظاهر الرواية استمرار الضمان الثابت قبل القبض الى ان يصير المبيع لازما على المشترى.

و هذا مختص بالبيع المتزلزل من اوّل الامر، فلا يشمل التزلزل المسبوق باللزوم بان

______________________________

(و لذا) الّذي كان متزلزلا من اوّل الامر- و ان كان الشرط منفصلا- (ذكرنا جريان الخلاف فى المسألتين السابقتين) المتفرعتين على تزلزل المبيع (فيه) اى فى الشرط المنفصل.

(و اما) خيار (الغبن و العيب و الرؤية و تخلف الشرط و تفليس المشترى و تبعّض الصفقة، فهى توجب التزلزل عند ظهورها) اى ظهور هذه الامور (بعد لزوم العقد) من اوّل الامر، فلا تشمل الصحيحة لمثل هذه الخيارات.

(و الحاصل) فى وجه منع المناط (ان ظاهر الرواية استمرار الضمان الثابت قبل القبض الى ان يصير المبيع لازما على المشترى) بانقضاء زمان الخيار.

(و هذا) اى كون الضمان مستمرا من قبل القبض (مختص بالبيع المتزلزل من اوّل الامر) حين العقد (فلا يشمل التزلزل المسبوق باللزوم) بان كان اوّل العقد لازما ثم تزلزل، و التزلزل المسبوق باللزوم هو (بان

ص: 290

يكون المبيع فى ضمان المشترى بعد القبض، ثم يرجع بعد عروض التزلزل الى ضمان البائع.

فاتضح بذلك ان الصحيحة مختصة بالخيارات الثلاثة على تأمّل فى خيار المجلس.

ثم ان مورد هذه القاعدة انما هو ما بعد القبض، و اما قبل القبض، فلا اشكال و لا خلاف فى كونه من البائع من غير التفات الى الخيار، فلا تشمل هذه القاعدة خيار التأخير.

______________________________

يكون المبيع فى ضمان المشترى بعد القبض) لانه كان لازما حين العقد (ثم يرجع بعد عروض التزلزل) بظهور العيب و الغبن و نحوهما (الى ضمان البائع) فان الصحيحة لا تشمل مثل هذا المورد، فلا مناط اصلا.

(فاتضح بذلك) الّذي ذكرنا من ان الرواية خاصة بما اذا كان التزلزل من اوّل العقد (ان الصحيحة مختصة بالخيارات الثلاثة) و هى الشرط و الحيوان و المجلس (على تأمّل فى خيار المجلس) و هل انه فى زمن الخيار فى ضمان البائع، أم لا؟

(ثم ان مورد هذه القاعدة) و هو التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له (انما هو ما بعد القبض، و اما قبل القبض، فلا اشكال و لا خلاف فى كونه من البائع من غير التفات الى الخيار) بل بجريان قاعدة اخرى، و هى التلف قبل القبض من مال مالكه، و لذا فهو جار سواء كان هناك خيار أم لا، و سواء كان الخيار خيار شرط او حيوان او غيرهما (فلا تشمل هذه القاعدة) اى قاعدة التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له ل (خيار التأخير).

ص: 291

و اما عموم الحكم للثمن و المثمن بان يكون تلف الثمن فى مدة خيار البائع المختص به من مال المشترى، فهو غير بعيد، نظرا الى المناط الّذي استفدناه و يشمله ظاهر عبارة الدروس المتقدمة.

مضافا الى استصحاب ضمان المشترى له الثابت قبل القبض.

و توهّم عدم جريانه مع اقتضاء القاعدة، كون الضمان من مال المالك،

______________________________

لانا قلنا: ان هذه القاعدة انما تجرى بعد القبض، و المفروض فى خيار التأخير انه لا قبض، هذا كله تمام الكلام فى المثمن، و انه اذا كان للمشترى خيار دون البائع.

(و اما عموم الحكم للثمن) بالإضافة الى ما تقدم (و) ذكرناه من الحكم فى (المثمن بان يكون تلف الثمن فى مدة خيار البائع المختص به من مال المشترى) الّذي لا خيار له، كما اذا باع داره بالف و قبض الألف و جعل البائع الخيار لنفسه الى مدة شهربان يرد الثمن و يسترجع الدار، فتلف الثمن فى هذه المدة (فهو غير بعيد، نظرا الى المناط الّذي استفدناه) من قوله عليه السلام «حتى ينقضى الشرط و يصير المبيع للمشترى» (و يشمله) اى الثمن (ظاهر عبارة الدروس المتقدمة).

(مضافا الى) انه لو وصلت النوبة الى الاصل، ف (استصحاب ضمان المشترى له الثابت قبل القبض) محكّم، لانه لا اشكال فى شمول قاعدة التلف قبل القبض من مال مالكه للثمن أيضا كما تشمل المثمن.

(و توهّم عدم جريانه) اى عدم جريان الاستصحاب (مع اقتضاء القاعدة) الاولية (كون الضمان من مال المالك،

ص: 292

خرج منه ما قبل القبض.

مدفوع: بان الضمان الثابت قبل القبض و بعده فى مدة الخيار ليس مخالفا لتلك القاعدة، لان المراد به انفساخ العقد و دخول العوض فى ملك صاحبه الاصلى، و تلفه من ماله.

نعم هو مخالف لاصالة عدم الانفساخ، و حيث ثبت المخالفة قبل القبض

______________________________

خرج منه) اى من مقتضى هذه القاعدة (ما قبل القبض) و ما بعد القبض يرجع الى القاعدة.

فهذا التوهم (مدفوع: بان الضمان الثابت قبل القبض و بعده) اى بعد القبض (فى مدة الخيار ليس مخالفا لتلك القاعدة) اى قاعدة: كل تلف فهو من مالكه، لاننا لا نقول بان التلف يكون من مال البائع و ضمانه على المشترى، بل (لان المراد به) اى بكون التلف من المشترى- فيما كان البائع له الخيار فى الثمن- (انفساخ العقد و دخول العوض) اى الثمن فى المثال- (فى ملك صاحبه الاصلى) و هو المشترى (و تلفه من ماله) اى من مال صاحبه الاصلى.

فكون تلف الثمن فى زمان خيار البائع، من مال المشترى موافق للقاعدة الاولية اى قاعدة «كل تلف فهو من مال مالكه».

(نعم هو) اى انفساخ العقد و رجوع الثمن الى المشترى ثم تلفه من كيس المشترى (مخالف لاصالة عدم الانفساخ، و حيث ثبت المخالفة قبل القبض) فانه اذا لم يقبض البائع الثمن- و كان له خيار- ثم تلف الثمن عند المشترى انفسخ العقد و رجع الثمن الى المشترى و تلف من ماله

ص: 293

فالاصل بقائها بعد القبض فى مدة الخيار.

نعم يبقى هنا ان هذا مقتض لكون تلف الثمن فى مدة خيار البيع الخيارى من المشترى فينفسخ البيع و يرد المبيع الى البائع.

و التزام عدم الجريان من حيث ان الخيار فى ذلك البيع انما يحدث بعد ردّ الثمن او مثله، فتلف الثمن فى

______________________________

(فالاصل بقائها) اى المخالفة (بعد القبض فى مدة الخيار) أيضا.

(نعم يبقى هنا) اى يستشكل على «ان تلف الثمن فى زمن خيار البائع يكون من المشترى» (ان هذا مقتض لكون تلف الثمن فى مدة خيار البيع الخيارى من المشترى) «من المشترى» خبر قوله «ان تلف الثمن» فاذا باع داره بيعا خياريا و قبض الثمن ثم تلف الثمن، لزم ان يخرج الثمن من كيس المشترى للدار الّذي لا خيار له (ف) اذا: ذهب الثمن من كيس المشترى، لزم ان (ينفسخ البيع و يرد المبيع الى البائع) لانه كان الشرط مهما ردّ الثمن الى المشترى ينفسخ البيع و قد ردّ الثمن الى المشترى.

(و) ان قلت: ان هذا الاشكال غير وارد، حيث ان الخيار فى البيع الخيارى يكون بعد ردّ الثمن او مثل الثمن، فليس قبل ردّ الثمن خيار للبائع حتى يكون التلف من كيس المشترى.

قلت: (التزام عدم الجريان) اى عدم جريان قاعدة «التلف فى زمن الخيار ممّن لا خيار له» (من حيث ان الخيار فى ذلك البيع) اى فى البيع الخيارى (انما يحدث بعد ردّ الثمن او مثله) اى مثل الثمن (فتلف الثمن فى

ص: 294

مدة الخيار انما يتحقق بعد ردّه قبل الفسخ لا قبله.

مدفوع بما اشرنا إليه سابقا من منع ذلك.

مع ان المناط فى ضمان غير ذى الخيار لما انتقل عنه الى ذى الخيار تزلزل البيع المتحقق، و لو بالخيار المنفصل، كما اشرنا سابقا.

______________________________

مدة الخيار) الموجب لجريان قاعدة «التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له» (انما يتحقق) ذلك التلف (بعد ردّه) اى رد الثمن (قبل الفسخ) فاذا تحقق ردّ الثمن تحقق زمن الخيار، فيتحقق «ان التلف فى زمن الخيار» (لا قبله) اى لا قبل ردّ الثمن، فالتلف قبل ردّ الثمن ليس من كيس المشترى لان قبل ردّ الثمن ليس زمن الخيار.

(مدفوع) خبر «و التزام» (بما اشرنا إليه سابقا من منع ذلك) اى منع التزام عدم الجريان.

و ما اشرنا إليه سابقا هو ان مقتضى استصحاب قبل القبض جار لما بعد القبض أيضا.

(مع) انه يرد اشكال آخر على قوله «التزام» و هو (ان المناط فى ضمان غير ذى الخيار) اى «من لا خيار له» (لما انتقل عنه الى ذى الخيار) اى ضمان الثمن الّذي انتقل ممن لا خيار له- و هو المشترى- الى من له الخيار- و هو البائع- (تزلزل البيع) خبر «ان المناط» (المتحقق) ذلك التزلزل (و لو بالخيار المنفصل، كما اشرنا) إليه (سابقا) و قلنا انه لا يشترط اتصال الخيار بالعقد.

فلا فرق بين ان يشترط ان يكون الخيار له من حين العقد، او ان يكون

ص: 295

فالاولى الالتزام بجريان هذه القاعدة اذا كان الثمن شخصيا، بحيث يكون تلفه قبل قبضه موجبا لانفساخ البيع، فيكون كذلك بعد القبض

______________________________

الخيار له بعد اسبوع- مثلا-.

فتحصل الى هنا كلمات اربع.

الاولى: انه اذا تلف الثمن فى زمان خيار البائع كان التلف من المشترى لقاعدة «التلف فى زمن الخيار».

الثانية: يستشكل انه بناء على ذلك يلزم بطلان بيع الشرط اذا تلف الثمن.

الثالثة: فى الاستشكال نظر، اذ الخيار يحدث ردّ الثمن، و القاعدة تقول «التلف فى زمن الخيار».

الرابعة: لا نظر فى الاستشكال، اذ حال الخيار المنفصل حال الخيار المتصل.

و قد اشار المصنف الى الاولى بقوله «و اما عموم الحكم» و الى الثانية بقوله (نعم يبقى هنا) و الى الثالثة بقوله «و التزام عدم الجريان» و الى الرابعة بقوله «مدفوع».

(فالاولى الالتزام بجريان هذه القاعدة) اى قاعدة: التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له، و قوله «فالاولى» تصديق «للثانية» كما لا يخفى (اذا كان الثمن شخصيا) كما اذا باع زيد داره لعمرو بهذه المائة دينار الشخصية ثم تلفت المائة عند زيد (بحيث يكون تلفه قبل قبضه موجبا لانفساخ البيع، فيكون كذلك) اى تلفه موجبا لانفساخ البيع (بعد القبض)

ص: 296

مع خيار البائع، و لو منفصلا عن العقد.

و اما اذا كان الثمن كليّا، فحاله حال المبيع اذا كان كليّا، كما اذا اشترى طعاما كليّا بشرط الخيار له الى مدة، فقبض فردا منه فتلف فى يده فان الظاهر عدم ضمانه على البائع لان مقتضى ضمان المبيع فى مدة الخيار على من لا خيار له- على ما فهمه غير واحد- بقائه على ما كان عليه قبل القبض.

______________________________

للاستصحاب الّذي تقدم الكلام حوله (مع خيار البائع، و لو) كان الخيار (منفصلا عن العقد) لما سبق انه لا فرق بين الخيار المتصل و المنفصل.

(و اما اذا كان الثمن كليّا، ف) لا نلتزم بجريان قاعدة «التلف فى زمن الخيار» بل (حاله) اى حال الثمن الكلى (حال المبيع اذا كان كليّا) فانه لا يشمله «التلف فى زمان الخيار» و كذلك لا يشمل «الثمن الكلى» (كما اذا اشترى طعاما كليا بشرط الخيار له) اى للمشترى (الى مدة) كاسبوع مثلا (فقبض) المشترى (فردا منه) اى من ذلك الكلى (فتلف) ذلك الفرد من الطعام (فى يده) اى فى يد المشترى (فان الظاهر عدم) كون (ضمانه على البائع).

و ذلك (لان مقتضى ضمان المبيع فى مدة الخيار على من لا خيار له على ما فهمه غير واحد-) من الفقهاء (بقائه) خبر «لان» و الضمير عائد الى «المبيع» (على ما كان عليه قبل القبض).

فاذا تلف هذا الفرد من الطعام الّذي قبضه المشترى بخيار له بقى الطعام على ما كان عليه قبل القبض اى رجع الطعام الى الكلّية، فكانّ

ص: 297

و دخول الفرد فى ملك المشترى لا يستلزم انفساخ العقد، بل معنى الضمان بالنسبة الى الفرد صيرورة الكلى كغير المقبوض.

و هذا مما لا يدل عليه الاخبار المتقدمة فتأمّل.

______________________________

هذا الفرد المقبوض رجع الى البائع.

(و) من المعلوم ان (دخول الفرد) الّذي قبضه المشترى (فى ملك المشترى) لانه اذا تلف الفرد كان كما قبل القبض- على ما قلنا- (لا يستلزم انفساخ العقد، بل معنى الضمان) اى ضمان البائع (بالنسبة الى الفرد صيرورة الكلى) المبيع (كغير المقبوض).

فحاله حال ما اذا ظهر الفرد معيبا، حيث ان للمشترى ان يردّ هذا و يأخذ غيره.

(و هذا) الّذي ذكرناه فى تلف المبيع او الثمن اذا كان كل منهما كليا بان يكون كغير المقبوض (مما لا يدل عليه الاخبار المتقدمة) فانها دلت على ان التلف فى الشخصى من كيس من لا خيار له، و لا تدل على ان التلف فى الكلى يكون كغير المقبوض (فتأمل).

فان الاخبار بضميمة قاعدة «عدم ضمان الشخص لملك الغير» تدل على الامرين و هما: الانفساخ فى الشخصى، حتى يدخل الشي ء الشخصى فى ملك مالكه السابق و يتلف من ذلك المالك.

و كونه كغير المقبوض فى الكلى، حتى يدخل هذا المقبوض فى ملك مالكه السابق و يتلف من ذلك المالك.

فقوله «و هذا مما لا تدل عليه الاخبار المتقدمة» غير تام، بل تدل

ص: 298

ثم ان ظاهر كلام الاصحاب، و صريح جماعة منهم كالمحقق و الشهيد الثانيين: ان المراد بضمان من لا خيار له لما انتقل الى غيره هو بقاء الضمان الثابت قبل قبضه، و انفساخ العقد آنا مّا قبل التلف، و هو الظاهر أيضا من قول الشهيد قدس سره فى الدروس و بالقبض ينتقل الضمان الى القابض ما لم يكن له

______________________________

عليه الاخبار المتقدمة.

(ثم) ان فى معنى «ضمان من لا خيار له» خلاف بين الاصحاب، حيث قالوا بان العقد يفسخ قبل التلف آنا مّا، و يدخل الشي ء فى ملك مالكه الاول ثم يتلف منه، و بين الشهيد حيث قال بان العقد لا يفسخ.

ف (ان ظاهر كلام الاصحاب، و صريح جماعة منهم كالمحقق و الشهيد الثانيين: ان المراد بضمان من لا خيار له) فى قاعدة: التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له (لما انتقل الى غيره) اى ضمانه للشى ء الّذي انتقل الى غيره (هو بقاء الضمان الثابت قبل قبضه).

فكما انه اذا تلف قبل ان يقبضه من له خيار كان تلفه ممن لا خيار له، فكذلك اذا قبضه من له خيار (و انفساخ العقد آنا مّا قبل التلف) ليدخل فى كيس من يتلف عليه.

فاذا باع شيئا بخيار للمشترى ثم تلف عند المشترى كان معنى ذلك ان المتاع رجع الى البائع آنا مّا ثم تلف من كيس البائع (و هو) اى ما هو ظاهر الاصحاب (الظاهر أيضا من قول الشهيد قدس سره فى الدروس) حيث قال: (و بالقبض ينتقل الضمان الى القابض ما لم يكن له) اى للقابض

ص: 299

خيار حيث ان مفهومه انه مع خيار القابض لا ينتقل الضمان إليه بل يبقى على ناقله الثابت قبل القبض.

و قد عرفت ان معنى الضمان قبل القبض هو تقدير انفساخ العقد و تلفه فى ملك ناقله، بل هو ظاهر القاعدة، و هى: ان التلف فى مدة الخيار ممن لا خيار له، فان معنى تلفه منه تلفه مملوكا له.

______________________________

(خيار).

و انما يستفاد كلام المشهور من هذا القول (حيث ان مفهومه انه مع خيار القابض لا ينتقل الضمان إليه) اى الى القابض (بل يبقى) الضمان (على ناقله) اى ناقل الضمان (الثابت قبل القبض).

و اذا تحقق ان الشهيد يقول «بعدم انتقال الضمان مع خيار القابض» نضمّ إليه مقدمة اخرى، و هى «ان التلف قبل القبض يكون بانفساخ العقد».

فنتيجة المقدمتين «ان التلف بعد القبض يكون بانفساخ العقد»- و هذا هو الّذي ذكره المشهور-.

و وجه المقدمة الاخرى ما ذكره بقوله: (و قد عرفت ان معنى الضمان قبل القبض هو تقدير انفساخ العقد و تلفه) اى الشي ء الّذي تلف (فى ملك ناقله، بل هو) اى انفساخ العقد و تلفه فى ملك ناقله (ظاهر القاعدة، و هى: ان التلف فى مدة الخيار ممّن لا خيار له).

و انما كان الانفساخ ظاهر القاعدة لما ذكره بقوله: (فان معنى تلفه منه) اى ممن لا خيار له (تلفه مملوكا له) و لم يقل «تلفه عليه».

ص: 300

مع انه ظاهر الاخبار المتقدمة الدالة على ضمان البائع للمبيع فى مدة خيار المشترى بضميمة قاعدة عدم ضمان الشخص لما يتلف فى ملك مالكه و قاعدة التلازم بين الضمان و الخراج، فانا اذا قدرنا المبيع فى ملك البائع آنا مّا، لم يلزم مخالفة شي ء من القاعدتين.

و الحاصل: ان إرادة ما ذكرنا من الضمان مما لا ينبغى الريب فيها.

و مع ذلك كله

______________________________

(مع انه) اى الانفساخ (ظاهر الاخبار المتقدمة الدالة على ضمان البائع للمبيع فى مدة خيار المشترى بضميمة) قاعدتين اخريين و هما (قاعدة عدم ضمان الشخص لما يتلف فى ملك مالكه) فان كل تلف من ملك مالكه و لا علاقة له بإنسان آخر (و قاعدة التلازم بين الضمان و الخراج) و ان كل من له النماء يكون عليه الضرر، فانه اذا قلنا بمقتضى الاخبار، و ان «التلف من كيس البائع فى زمان خيار المشترى» و لم نقل بالانفساخ يلزم اما رفع اليد عن قاعدة «عدم ضمان الشخص لما يتلف فى ملك مالكه» بان نقول:

ضمن البائع لما تلف فى ملك المشترى، او رفع اليد عن قاعدة «الضمان بالخراج» بان نقول: الخراج للمشترى و الضمان للبائع (فانا اذا قدرنا المبيع فى ملك البائع) الّذي لا خيار له (آنا مّا) ثم تلف منه (لم يلزم مخالفة شي ء من القاعدتين) بخلاف ما اذا لم نقل بالملك الآنامّائى.

(و الحاصل: ان إرادة) الروايات و الفقهاء (ما ذكرنا من الضمان) اى الانفساخ (مما لا ينبغى الريب فيها).

(و مع ذلك كله) الّذي ذكرنا ان ظاهر الرواية و صريح الفقهاء

ص: 301

فظاهر عبارة الدروس فى الفرع السادس من فروع خيار الشرط يوهم، بل يدل على عدم الانفساخ.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 15، ص: 302

قال قدس سره: لو تلف المبيع قبل قبض المشترى، بطل البيع و الخيار، و بعده لا يبطل الخيار و ان كان التلف من البائع كما اذا اختص الخيار بالمشترى.

______________________________

الانفساخ (فظاهر عبارة الدروس فى الفرع السادس من فروع خيار الشرط يوهم، بل يدل على عدم الانفساخ) و ان ضمان من لا خيار له يتحقق بدون الانفساخ.

(قال قدس سره: لو تلف المبيع قبل قبض المشترى، بطل البيع و الخيار) فان التلف قبل القبض من مال مالكه، فاذا بطل البيع بطل الخيار بطريق اولى، اىّ خيار كان كخيار المجلس و خيار الحيوان و غيرهما لان الخيار يحتاج الى المتعلق و قد ذهب المتعلق (و بعده) اى لو تلف المبيع بعد القبض (لا يبطل الخيار) و لا البيع.

و انما لم يذكر: البيع، لوضوح انه اذا بقى الخيار كان معناه بقاء البيع، و انما لا يبطلان لانه لا وجه للبطلان (و ان كان التلف) اى تلف المبيع (من) كيس (البائع) و هذا عكس الفرع السابق الّذي كان التلف فيه من كيس المشترى، لانه كان مقبوضا و كان الخيار للبائع فقط لان التلف حينئذ كان من كيس المشترى، و «ان» وصليّة بقوله «لا يبطل الخيار» (كما اذا اختص الخيار بالمشترى) لان التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له.

ص: 302

فلو فسخ البائع رجع بالبدل فى صورة عدم ضمانه.

و لو فسخ المشترى رجع بالثمن و غرم البدل فى صورة ضمانه.

و لو اوجبه المشترى فى صورة التلف قبل القبض لم يؤثر فى تضمين البائع القيمة او المثل.

______________________________

(فلو فسخ البائع) فى ما كان له الخيار، او كان لهما الخيار (رجع بالبدل) مثلا او قيمة الى المشترى (فى صورة عدم ضمانه) اى انما يتصور فسخ البائع فى صورة ما لم يكن البائع ضامنا للتلف، و هى صورة ما اذا كان الخيار للمشترى فقط. فحيث ان البائع ضامن، فلا يكون الفسخ و لا الرجوع بالبدل، فقوله «فى صورة» من باب تحقيق موضوع «فلو فسخ».

(و لو فسخ المشترى) فى صورة ما كان له الفسخ (رجع بالثمن و غرم البدل) للبائع مثلا او قيمة (فى صورة ضمانه) اى ضمان المشترى.

كما اذا كان لهما الخيار و تلف المتاع عند المشترى، فان خياره لا يبطل، فاذا اخذ بالخيار و ابطل البيع اخذ ثمنه و ارجع بدل المبيع مثلا او قيمة.

(و لو اوجبه) اى البيع (المشترى فى صورة التلف قبل القبض) بان كان لهما الخيار، ثم قال المشترى اسقطت خيارى و قبل القبض تلف المتاع (لم يؤثر) ايجاب المشترى و اسقاطه لخياره (فى تضمين البائع القيمة او المثل) اذ التلف قبل القبض يوجب بطلان البيع، فلا مورد لايجاب المشترى، فلا مجال للبدل الّذي هو المثل او القيمة.

ص: 303

و فى انسحابه فيما لو تلف بيده فى خياره، نظر، انتهى.

و العبارة محتاجة الى التأمل من وجوه.

______________________________

(و فى انسحابه) اى انسحاب عدم تأثير ايجاب المشترى (فيما لو) قبض المشترى المتاع، و (تلف بيده فى) زمان (خياره) اى خيار المشترى، بان تلف المتاع فى يد المشترى فى زمان خياره الخاص الّذي يكون التلف من البائع، لان التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له، بان قال المشترى اوجبت البيع مريدا بذلك ان لا يبطل البيع، بل يتلف المبيع من كيس البائع ليرجع الى مثله او قيمته.

ففى هذا الانسحاب (نظر) لاحتمال ان الايجاب مؤثر فى رجوع المشترى الى المثل او القيمة.

و الحاصل من قوله «و لو اوجبه» اى للمسألة صورتين.

الاولى: لو كان الخيار لهما و تلف المبيع قبل القبض و قال المشترى اوجبت البيع، و اسقطت خيارى لم يؤثر الايجاب شيئا، بل بطل البيع لقاعدة: التلف قبل القبض من مال مالكه.

الثانية: لو كان الخيار للمشترى فقط و قبض المبيع، ثم تلف فى يد المشترى- حيث ان التلف من كيس البائع الّذي لا خيار له- ثم اسقط المشترى خياره، فهل يؤثر هذا الاسقاط شيئا، أو لا يؤثر؟ احتمالان، و فى عدم التأثير نظر لاحتمال التأثير (انتهى) كلام الشهيد.

(و العبارة محتاجة الى التأمل من وجوه).

الاول: ما تقدم من ان عبارته تدل على عدم الانفساخ، و الحال ان

ص: 304

و قد يظهر ذلك من اطلاق عبارة التذكرة، قال: لو تلف المبيع بآفة سماوية فى زمن الخيار.

فان كان قبل القبض انفسخ البيع قطعا.

و ان كان بعده لم يبطل خيار المشترى و لا البائع، و يجب القيمة على

______________________________

ظاهر المشهور و الروايات الانفساخ فان الدروس قال: لا يبطل الخيار و ان كان التلف من البائع، مع انه يلتزم بطلان الخيار لبطلان البيع، فاذا ذهب اصل البيع ذهب الفرع الّذي هو خيار.

الثانى قوله: و لو اوجبه المشترى فى صورة التلف قبل القبض فانه لا مجال لهذا الفرع بعد كون التلف قبل القبض موجبا لفساد المعاملة.

الثالث قوله «و فى انسحابه- اى انسحاب عدم التأثير- نظر» لان مقتضى النظر يحتمل التأثير و الحال انه مناف لما حكم أولا من بطلان الخيار، و الكلام فى شرح العبارة و شرح وجوه التأمل طويل نكتفى منه بهذا القدر.

(و قد يظهر ذلك) اى عدم الانفساخ خلافا للمشهور (من اطلاق عبارة التذكرة) فهو موافق للدروس (قال: لو تلف المبيع بآفة سماوية فى زمن الخيار).

(فان كان) التلف (قبل القبض انفسخ البيع قطعا) لان التلف قبل القبض من مال مالكه.

(و ان كان) التلف (بعده) اى بعد القبض (لم يبطل خيار المشترى و لا البائع، و يجب القيمة) او المثل (على

ص: 305

ما تقدم.

ثم حكى عن الشافعية وجهين فى الانفساخ بعد القبض و عدمه- بناء على الملك بالعقد-.

و يمكن حمله على الخيار المشترك كما ان قوله فى القواعد لا يسقط الخيار بتلف العين محمول على غير صورة ضمان البائع للمبيع، لما عرفت من تعيّن الانفساخ فيها.

______________________________

ما تقدم).

(ثم حكى عن الشافعية وجهين فى الانفساخ بعد القبض و عدمه) اى عدم الانفساخ.

و انما احتمل عدم الانفساخ (- بناء على الملك بالعقد-) فان الشي ء صار ملكا بسبب العقد، و الاصل عدم الانفساخ.

(و) لكن ليس كلام العلامة خلاف المشهور.

اذ (يمكن حمله على الخيار المشترك) بين البائع و المشترى، اذ من الممكن ان قوله «خيار المشترى و لا البائع» يراد به خيارهما، كما يمكن ان يراد به خيار هذا فقط و خيار ذاك فقط.

فان اراد خيارهما لم يكن كلامه مخالفا لكلام المشهور، و ان اراد خيار احدهما كان كلامه مخالفا لكلام المشهور (كما ان قوله فى القواعد لا يسقط الخيار بتلف العين محمول على غير صورة ضمان البائع للمبيع).

و انما نحمله على هذه الصورة (لما عرفت من تعيّن الانفساخ فيها) اى فى هذه الصورة، فاذا انفسخ العقد لم يكن وجه لبقاء الخيار، اذ بقاء

ص: 306

و ربما يحتمل ان معنى قولهم «ان التلف ممن لا خيار له» ان عليه ذلك اذا فسخ صاحبه، لا انه ينفسخ كما فى التلف قبل القبض.

و اما حيث يوجب المشترى، فيحتمل انه يتخير بين الرجوع على البائع بالمثل او القيمة، و بين الرجوع بالثمن.

و يحتمل تعين الرجوع بالثمن.

______________________________

الخيار فرع بقاء العقد- كما تقدم-.

(و ربما يحتمل ان) المشهور لا يقولون بالانفساخ عند التلف، بل كما نقلناه عن الشهيد و العلامة فالكل متفقون على عدم الانفساخ، فليس معنى قولهم «التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له» انه ينفسخ العقد، بل (معنى قولهم «ان التلف ممن لا خيار له» ان عليه) اى على من لا خيار له (ذلك) التلف (اذا فسخ صاحبه) الّذي له الخيار (لا انه ينفسخ) بنفسه، اذا تلف (كما فى التلف قبل القبض) فانه اذا فسخ الّذي لم يقبض كان له ذلك، و ان لم يفسخ كان له المثل او القيمة.

(و اما حيث يوجب المشترى) الّذي له الخيار ذلك العقد بان كان له الخيار و اخذ المبيع، ثم تلف فى يده فاوجب البيع و اسقط خياره (فيحتمل انه) اى المشترى الموجب (يتخير بين الرجوع على البائع بالمثل او القيمة) ان كان مثليا فمثلا، او كان قيميا فقيمة (و بين الرجوع بالثمن) لان الثمن للبائع فيما اذا اعطاه المبيع اما اذا لم يعطه فيحقّ له ان يطلب الثمن.

(و يحتمل تعين الرجوع بالثمن) لانه كان فى مقابل المثمن، فاذا تعذر المثمن استرجع الثمن الّذي كان فى مقابل المثمن

ص: 307

و يحتمل ان لا يرجع بشي ء، فيكون معنى له الخيار، ان له الفسخ.

ثم الظاهر ان حكم تلف البعض، حكم تلف الكل.

و كذا حكم تلف الوصف الراجع الى وصف الصحة بلا خلاف على الظاهر لقوله فى الصحيحة السابقة: او يحدث فيه حدث، فان المراد بالحدث اعم من فوات الجزء و الوصف هذا كله اذا تلف بآفة سماوية.

______________________________

(و يحتمل ان لا يرجع بشي ء، فيكون معنى له الخيار، ان له الفسخ) فاذا فسخ استرجع الثمن، و ان لم يفسخ لم يكن له شي ء.

(ثم الظاهر ان حكم تلف البعض، حكم تلف الكل) فكما ان تلف الكل فى زمان الخيار ممن لا خيار له، كذلك كان تلف البعض فى زمن الخيار ممن لا خيار له.

(و كذا حكم تلف الوصف الراجع الى وصف الصحة) حتى يسمّى تلفا فان تمرّض مثلا فانه فلا يسمّى تلف البعض و انما يسمّى تلف الوصف، فلا يشمل مثل نسيان العبد الكتابة، اذ تلف الوصف لا يرجع الى تلف وصف الصحة.

لكن الظاهر ان قوله عليه السلام «يحدث فيه حدث» يشمله (بلا خلاف) فى الاقسام الثلاثة من التلف (على الظاهر) من كلام الفقهاء (لقوله) عليه السلام (فى الصحيحة السابقة: او يحدث فيه حدث، فان المراد بالحدث اعم من فوات الجزء و الوصف).

ثم الظاهر ان كل ما يسمى تلفا فهو داخل فى عنوان المسألة و لو كان بنحو الحيلولة مثل الوقوع فى البحر او طيران الطير او ذهب الوحش الى القفار (هذا كله اذا تلف بآفة سماوية) مثل الحرق و الغرق و الزلزلة

ص: 308

و منها حكم الشارع عليه بالاتلاف.

و اما اذا كان باتلاف ذى الخيار سقط به خياره و لزم العقد من جهته و ان كان باتلاف غير ذى الخيار لم يبطل خيار صاحبه، فيتخير بين امضاء العقد و الرجوع بالقيمة و الفسخ و الرجوع بالثمن.

______________________________

التى او جبت تلفه، او نحو ذلك.

و المراد بالآفة السماوية فى مقابل اتلاف الانسان له، سواء كان بائعا او مشتريا او اجنبيا (و منها) اى من الآفات السماوية (حكم الشارع عليه بالاتلاف) مثل: ان يكون العبد قاتلا فحكم الشارع عليه بالقتل و نفذه الحاكم الشرعى.

(و اما) اتلاف الانسان له، ف (اذا كان باتلاف ذى الخيار) كما اذا كان الخيار للمشترى فاتلفه (سقط به خياره و لزم العقد من جهته) لان ادلة «التلف فى زمن الخيار ممّن لا خيار له» لا يشمل اتلاف نفس ذى الخيار، فالمرجع فيه مقتضى القواعد و هى ان الانسان اذا اتلف مال نفسه لم يضمنه غيره فى غير مسئلة الغرور، كما اذا اعطاه شاته ليذبحها، فظن ان الشاة للمعطى، فان المعطى حيث كان غارّا ضمن الشاة.

(و ان كان باتلاف غير ذى الخيار) اى من لزم العقد من جهته كالبائع فلا اشكال فى انه داخل فى مسئلة «من اتلف» و مسئلة «التلف فى زمن الخيار ممّن لا خيار له».

و على هذا (لم يبطل) بالاتلاف (خيار صاحبه، فيتخير بين امضاء العقد و الرجوع بالقيمة) او المثل (و) بين (الفسخ و الرجوع بالثمن) لكن

ص: 309

و ان كان باتلاف اجنبى تخير أيضا بين الامضاء و الفسخ.

و هل يرجع حينئذ بالقيمة الى المتلف او الى صاحبه، او يتخير، وجوه من ان البدل القائم مقام العين فى ذمة المتلف فيستردّه بالفسخ.

______________________________

هذا ينافى ما تقدم من ان التلف يوجب الفسخ.

اللّهم الا ان يقال ان ذلك فيما اذا كان التلف بآفة سماوية- فتأمل- (و ان كان باتلاف اجنبىّ تخيّر أيضا بين الامضاء) للعقد و الرجوع بالقيمة (و) بين (الفسخ) و الرجوع بالثمن.

(و هل يرجع حينئذ) اى حين الفسخ (بالقيمة الى المتلف) الاجنبى (او الى صاحبه) الّذي هو طرف المعاملة (او يتخيّر) بين الرجوع الى هذا او ذاك (وجوه) ثلاثة.

اما وجه الرجوع الى المتلف، فهو ما ذكره بقوله:

«1» (من ان البدل) للعين المتلفة (القائم) ذلك البدل (مقام العين فى ذمة المتلف) مثلا: لو اشترى المشترى كتابا بخيار لنفسه فاتلف الكتاب زيد، فان التلف يكون من كيس البائع، فاذا فسخ المشترى تعلق ثمن الكتاب بذمة المتلف، فعوض ان يرجع المشترى الى البائع لاخذ ثمنه يرجع الى المتلف الّذي تعلق الثمن بذمته (فيستردّه) اى يسترد المشترى هذا البدل- مثلا او قيمة- (بالفسخ) من الاجنبى، و لا حق للاجنبى فى الرجوع الى البائع لان المتلف قد استقر عليه ضمان التلف.

ص: 310

و لان الفسخ موجب لرجوع العين قبل تلفها فى ملك الفاسخ، او لاعتبارها عند الفسخ ملكا تالفا للفاسخ بناء على الوجهين فى اعتبار يوم التلف او يوم الفسخ.

و على التقديرين فهى فى ضمان المتلف كما لو كانت العين فى يد الاجنبى

______________________________

«2» (و لان الفسخ) الّذي يفسخه المشترى (موجب لرجوع العين قبل تلفها فى ملك الفاسخ) حتى يتحقق الفسخ، فان الكتاب الّذي تلف انما يتحقق فيه الفسخ اذا كان فى ملك البائع، فيخرجه المشترى من ملكه الى ملك المفسوخ عليه فينتقل ضمانه الى ذمة المتلف، فان الاجنبى اتلف مال البائع فهو له ضامن بالبدل، و البدل بالفسخ صار ملكا للمشترى فالمشترى يأخذ ماله من المتلف (او لاعتبارها) اى العين (عند الفسخ ملكا تالفا للفاسخ) «او» عطف على قوله «قبل تلفها».

مثلا: وقع التلف يوم الجمعة و الفسخ يوم السبت، فاما ان نقول ان الكتاب دخل فى ملك البائع يوم الجمعة، او نقول انه دخل فى ملك البائع يوم السبت (بناء على الوجهين) فى مسئلة ضمان التلف (فى اعتبار يوم التلف او يوم الفسخ) كما تقدم تفصيل الكلام فى ذلك فى صحيحة ابن ولّاد.

(و على التقديرين) اى تقدير يوم التلف او يوم الفسخ (فهى) اى العين المتلفة (فى ضمان المتلف) فحال اتلاف الاجنبى و هو فى يد المشترى (كما لو كانت العين فى يد الاجنبى) ففسخ العقد ذو الخيار، فانه يرجع الى الاجنبى ببدله.

ص: 311

و من انه اذا دخل الثمن فى ملك من تلف المثمن فى ملكه خرج عن ملكه بدل المثمن و صار فى ذمته، لانّ ضمان المتلف محلّه الذمة، لا الامور الخارجية.

______________________________

و حاصل وجه رجوع الفاسخ الى الاجنبى ان الكتاب كان فى مقابل الثمن، فاذا اتلف انسان الكتاب سدّ فراغه الثمن، فكانّ الثمن انتقل الى ذمة الاجنبى عند اتلاف الاجنبى الكتاب، سواء قلنا بانتقال الثمن الى ذمة الاجنبى يوم اتلافه، او يوم فسخ المشترى للمعاملة.

ثم لا يخفى ان كلمة الفاسخ، فى نسخة مكاسبنا فى المكانين، و لكنا اتبعنا السيد الطباطبائى حيث انه ذكر ان «الفاسخ» غلط و ان «المفسوخ عليه» صحيح، و ان كان بالامكان تصحيح «الفاسخ» أيضا، و لكنه بنوع من التكلف اما تصحيحه «المفسوخ عليه» الى «الفاسخ» فى آخر العبارة فلم يظهر لى وجهه.

و اما وجه الرجوع الى صاحبه- طرف المعاملة- لا المتلف فهو ما ذكره بقوله: (و من انه اذا دخل الثمن فى ملك من تلف المثمن فى ملكه) اى دخل الثمن حال العقد فى ملك البائع، فحيث دخل المثمن فى ملك البائع ليكون تلفه عليه (خرج عن ملكه بدل المثمن) اى الثمن (و صار فى ذمته) اى صار ضامنا له.

و انما صار فى ذمته (ل) انه صار ضامنا له.

و من المعلوم (انّ ضمان المتلف) اى التالف (محلّه الذمة، لا الامور الخارجية) فتكون ذمته مشغولة، لا امواله الخارجية، هذا بالنسبة الى

ص: 312

و ما فى ذمة المتلف انما تشخص مالا للمالك.

و كونه بدلا عن العين انما هو بالنسبة الى التلف من حيث وجوب دفعه الى المالك كالعين لو وجدت، لا انه بدل خارج يترتب عليه جميع احكام العين حتى بالنسبة الى غير التلف.

فهذا البدل نظير بدل العين لو

______________________________

اشتغال ذمة الطرف و هو البائع، ببدل المتلف.

و اما بالنسبة الى عدم اشتغال ذمة المتلف الاجنبى، فلما ذكره بقوله: (و ما فى ذمة المتلف) الاجنبى (انما تشخص مالا للمالك) اى البائع لانه قبل التلف صار ملكا للبائع فقد اتلف مال البائع.

(و) ان قلت: ما فى ذمة المتلف بدل عن العين فاذا صارت العين للبائع صار بدله للمشترى، فاللازم رجوع المشترى الى المتلف.

قلت: (كونه) اى ما فى ذمة المتلف (بدلا عن العين انما هو) اى البدل (بالنسبة الى التلف) بدل (من حيث وجوب دفعه الى المالك كالعين لو وجدت).

فكما انه اذا كانت العين التى هى للبائع موجودة و كان الواجب على الاجنبى ان يسلّمها الى البائع، كذلك اذا تلفت العين لزم على الاجنبى تسليم بدلها الى البائع (لا انه) اى ما فى ذمة الاجنبى (بدل خارج) عن العين التالفة (يترتب عليه جميع احكام العين حتى بالنسبة الى غير التلف) اى حتى بالنسبة الى وجوب رجوع المشترى إليه، لا الى البائع.

(فهذا البدل) الّذي هو فى ذمة الاجنبى (نظير بدل العين لو

ص: 313

باعها المشترى، ففسخ البائع، فانه لا يتعين للدفع الى الفاسخ.

و اما الفسخ فهو موجب لرجوع العين قبل تلفها مضمونة لمالكها على متلفها بالقيمة فى ملك الفاسخ فيكون تلفها بهذا الوصف مضمونا على المالك لا المتلف و من كون يد المفسوخ عليه يد ضمان بالعوض قبل الفسخ، و بالقيمة

______________________________

باعها المشترى) و كان للبائع الفسخ (ففسخ البائع، فانه) ليس ببدل، بمعنى انه (لا يتعين للدفع الى الفاسخ) فالبدل فيما نحن فيه و كذا البدل فى النظير لهما ثمرة واحدة، و هى وجوب الدفع الى البائع، لا اكثر من ذلك.

(و اما الفسخ فهو موجب لرجوع العين) التى هى متعلق الفسخ (قبل تلفها) فى حالكون تلك العين (مضمونة لمالكها على متلفها) فان المتلف ضامن للعين بان يسلمها الى المالك (بالقيمة) فانها حيث تلفت ضمن المتلف القيمة.

فقوله «بالقيمة» متعلق ب «مضمونة» (فى ملك الفاسخ) «فى» متعلق ب «رجوع» (فيكون تلفها) اى العين تلفا بسبب الاجنبى (بهذا الوصف) اى بوصف كونها راجعة الى ملك المفسوخ عليه (مضمونا على المالك لا المتلف) و لذا يرجع الفاسخ الى المفسوخ عليه و هو المالك، لا الى الاجنبى (و من كون يد المفسوخ عليه) اى البائع- فى المثال المتقدم- (يد ضمان بالعوض) اى عوض العين (قبل الفسخ) فان البائع ضامن للمشترى بان يدفع العين إليه او عوض العين اذا تلفت العين بدل ما اخذ منه من الثمن (و بالقيمة

ص: 314

بعده.

و اتلاف الاجنبى أيضا سبب للضمان فيتخيّر فى الرجوع و هذا اضعف الوجوه.

______________________________

بعده) فاذا تلفت العين لزم على البائع ان يدفع قيمة العين الى المشترى بدل ما اخذ منه من الثمن.

(و اتلاف الاجنبى أيضا سبب للضمان) لقاعدة: على اليد ما اخذت و قاعدة، من اتلف مال الغير فهو له ضامن (فيتخيّر) المشترى بعد ان اتلف الاجنبى ماله (فى الرجوع) الى ايّهما شاء (و هذا) اى كون الفاسخ له حق الرجوع الى ايّهما شاء (اضعف الوجوه).

لانه ان تلف الشي ء من كيس المفسوخ عليه لم يكن معنى لرجوع الفاسخ الى المتلف، و ان لم يتلف الشي ء من كيس المفسوخ عليه لم يكن معنى لرجوع الفاسخ الى المفسوخ عليه.

ثم لا يخفى ان رجوع الفاسخ الى المفسوخ عليه انما هو بالقيمة المعاوضيّة، و اما الى المتلف فهو بالمثل او القيمة السوقية.

ص: 315

مسئلة و من احكام الخيار ما ذكره فى التذكرة، فقال: لا يجب على البائع تسليم المبيع، و لا على المشترى تسليم الثمن فى زمان الخيار.

و لو تبرع احدهما بالتسليم، لم يبطل خياره، و لا يجبر الآخر على تسليم ما عنده، و له استرداد المدفوع قضية للخيار.

و قال بعض الشافعية: ليس له استرداده،

______________________________

(مسألة: و من احكام الخيار ما ذكره فى التذكرة، فقال: لا يجب على البائع تسليم المبيع، و لا على المشترى تسليم الثمن فى زمان الخيار) المشترك بينهما، او فى زمان خيار احدهما بالنسبة الى ما فى يده.

و لعل فتواه بذلك لان الشي ء المتعلق به الخيار صار متعلقا لحق الملك و لحق الخيار، فيقدم حق الخيار على حق الملك، لان حق الخيار وارد على حق الملك، كما ان حق الرهن وارد على حق الملك، فيقدّم عليه.

(و لو تبرع احدهما بالتسليم، لم يبطل خياره) لان التسليم لا يوجب ذهاب حقه (و لا يجبر) الطرف (الآخر) الّذي له خيار أيضا (على تسليم ما عنده) لان المسلّم قد اسقط حقه، و لا يلازم ذلك اسقاط طرفه حقه أيضا (و له) اى للمسلّم (استرداد المدفوع) بان يأخذه و يسترجعه (قضية للخيار) اى لانه مقتضى الخيار، فان خياره لا يسقط بتسليمه، فمتى شاء اخذ متعلق حقه، و اسقاط حقه فى الجملة لا يلازم اسقاط حقه الى الاجنبى.

(و قال بعض الشافعيّة: ليس له استرداده) لانه قد اسقط حقه

ص: 316

و له اخذ ما عند صاحبه بدون رضاه، كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع، انتهى.

و يظهر منه ان الخلاف بين المسلمين انما هو بعد اختيار احدهما التسليم.

و اما التسليم- ابتداءً- فلا يجب من ذى الخيار اجماعا.

ثم انه ان اريد عدم وجوب التسليم على ذى الخيار من جهة ان له الفسخ، فلا يتعين عليه التسليم، فمرجعه الى وجوب احد الامرين عليه.

______________________________

بالتسليم، فلا دليل على بقاء حقه بعد ذلك (و له) اى للمسلّم (اخذ ما عند صاحبه بدون رضاه) لان حق صاحبه كان فى مقابل حق المسلّم، فاذا سقط حق المسلّم سقط حق صاحبه أيضا (كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع) فان صاحبه يجبر على تسليم ما عنده (انتهى).

(و يظهر منه) حيث ذكر خلاف الشافعية فى الفرعين الا خيرين فقط (ان الخلاف بين المسلمين انما هو بعد اختيار احدهما التسليم) هل له استرداده، أم لا؟ و هل يتمكن من جبر صاحبه، أم لا؟

(و اما التسليم- ابتداء- فلا يجب من ذى الخيار اجماعا) لا ان العلامة ادعى الاجماع بل يظهر من كلامه.

(ثم انه ان اريد عدم وجوب التسليم على ذى الخيار من جهة ان له الفسخ، ف) حيث له الفسخ (لا يتعين عليه التسليم، فمرجعه) اى بناء على هذا الوجه يكون مرجع كلام العلامة (الى وجوب احد الامرين عليه) اى يجب على ذى الخيار احد الامرين، الفسخ او التسليم.

ص: 317

و الظاهر انه غير مراد.

و ان اريد عدم تسلط المالك على ما انتقل إليه اذا كان للناقل خيار فلذا يجوز منعه عن ماله.

ففيه نظر من جهة عدم الدليل المخصص لعموم: سلطنة الناس على اموالهم و بالجملة فلم اجد لهذا الحكم وجها معتمدا، و لم اجد من عنونه و تعرض لوجهه.

______________________________

(و الظاهر انه غير مراد) لان ظاهره لا يجب عليه التسليم لا انه لا يتعين عليه التسليم.

(و ان اريد عدم تسلط المالك) الّذي ملك بالعقد (على ما انتقل إليه اذا كان للناقل خيار فلذا) الّذي لا سلطة له (يجوز منعه عن ماله).

(ففيه نظر من جهة عدم الدليل المخصص لعموم: سلطنة الناس على اموالهم) فان المنتقل إليه صار ملكا له فهو مسلط عليه، و لا وجه لمنعه عن ماله الّذي له سلطة عليه.

(و بالجملة فلم اجد لهذا الحكم وجها معتمدا، و لم اجد من عنونه و تعرض لوجهه).

نعم على قول من يقول انه ما دام الخيار فالملك لم ينتقل فله وجه، اذ ليس الشي ء ملكا للمنقول إليه كما لا يخفى، و الله العالم.

ص: 318

مسئلة قال فى القواعد: لا يبطل الخيار بتلف العين،
اشارة

و هذا الكلام ليس على اطلاقه- كما اعترف به فى جامع المقاصد-.

فان من جملة افراد الخيار خيار التأخير، بل مطلق الخيار قبل القبض، او الخيار المختص بعده.

______________________________

(مسألة: قال القواعد: لا يبطل الخيار بتلف العين) فاذا جعل المشترى الخيار لنفسه فتلفت العين فى يده، فله الفسخ و الرجوع الى المالك بالقيمة و اعطاء المالك- بدلا عن عينه- المثل او القيمة، و هكذا اذا جعل البائع الخيار لنفسه و تلفت القيمة التى اخذها (و هذا الكلام ليس على اطلاقة- كما اعترف به) اى بانه ليس على اطلاقة (فى جامع المقاصد-) فى شرح القواعد.

(فان من جملة افراد الخيار خيار التأخير، بل مطلق الخيار قبل القبض) فان التلف قبل القبض من مال مالكه، فاذا تلف قبل القبض بطل العقد، و اذا بطل العقد لم يكن مورد للخيار اصلا (او الخيار المختص بعده) اى بعد القبض، لان التلف فى زمن الخيار ممّن لا خيار له، فاذا كان للمشترى- مثلا- الخيار و تلف المثمن، فقدا انفسخ العقد و خرج المثمن من كيس البائع، فلا مورد للخيار، و هذا بخلاف الخيار المشترك، فاذا تلف احد العوضين فانه يخرج من كيس المنتقل إليه، لا من كيس المنتقل عنه فيبقى مورد للخيار.

ص: 319

و من المعلوم ان تلف العين حينئذ موجب لانفساخ العقد، فلا يبقى خيار، فيكون المراد التلف مع بقاء العقد على حاله لا يوجب سقوط الخيار و بعبارة اخرى: تلف العين فى ملك من فى يده لا يسقط به خياره، و لا خيار صاحبه، و هو كذلك، لان الخيار كما عرفت عبارة عن ملك فسخ العقد، و معلوم ان العقد بعد التلف قابل للفسخ.

و لذا يشرع الاقالة حينئذ اتفاقا، فلا مزيل

______________________________

(و من المعلوم ان تلف العين) مثمنا كان او ثمنا (حينئذ) اى حين كان قبل القبض، او فى زمان الخيار المختص (موجب لانفساخ العقد، فلا يبقى خيار) اصلا (فيكون المراد) اى مراد العلامة (التلف مع بقاء العقد على حاله لا يوجب سقوط الخيار) بل يبقى الخيار على حاله.

(و بعبارة اخرى: تلف العين فى ملك من فى يده لا يسقط به) اى بهذا التلف (خياره، و لا خيار صاحبه) سواء كان لهما الخيار او لاحدهما (و هو كذلك) كما ذكره القواعد (لان الخيار كما عرفت عبارة عن ملك فسخ العقد) فذو الخيار له سلطة بان يفسخ العقد (و معلوم ان العقد بعد التلف) كحاله قبل التلف (قابل للفسخ) فانه اعتبار و الفسخ أيضا اعتبار و العقلاء يرون بقاء الاعتبار و ان تلفت العين.

(و لذا) الّذي يقبل العقد الفسخ حتى بعد تلف العين (يشرع الاقالة حينئذ) اى بعد التلف (اتفاقا).

فانه لا فرق بين الاقالة و الفسخ فى انه لو كان المتعلق العين لم يصحا، و لكن حيث ان المتعلق العقد و اعتباره باق يصحان (فلا مزيل

ص: 320

لهذا الملك بعد التلف، و لا مقيد له بصورة البقاء.

اللهم الا ان يعلم من الخارج ان شرع الخيار لدفع ضرر الصبر على نفس العين، فينتفى هذا الضرر بتلف العين، كما فى العيب، فان تخيره بين الرد و الارش لان الصبر على العيب ضرر، و لو مع اخذ الارش فتداركه الشارع بملك الفسخ و الرد، فاذا تلف انتفى حكمة الخيار.

______________________________

لهذا الملك) اى ملك فسخ العقد (بعد التلف) لاحد العوضين او لكليهما (و لا مقيد له) اى لملك فسخ العقد (بصورة البقاء) اى بقاء العينين.

(اللهم الا ان يعلم من الخارج) بدليل آخر (ان شرع الخيار) فتشريعه انما هو (لدفع ضرر الصبر على نفس العين).

و عليه (ف) لا خيار بعد التلف، اذ (ينتفى هذا الضرر بتلف العين، كما فى العيب) فيما اذا ظهر المبيع معيبا (فان تخيره بين الرد و الارش) انما هو (لان الصبر على العيب ضرر، و لو مع اخذ الارش) فالشارع خيره بين شيئين ان شاء صبر على الضرر و اخذ التفاوت، و ان شاء فسخ و لم يجبره على اخذ التفاوت فقط، لان بعض الناس لا يريدون المعيب اصلا، فاذا اجبرهم الشارع على اخذ الارش كان معناه انه اوجب ضررهم (فتداركه) اى الضرر حتى مع الارش (الشارع بملك الفسخ و الرد) بان جعل له سلطة على ان يفسخ اذا شاء (فاذا تلف) المعيب (انتفى حكمة الخيار) فلا خيار له فى الرد و انما يبقى له ان يأخذ الارش فقط.

لكن لا يخفى عدم تمامية هذا الكلام لان الحكم لا يدور مدار الحكمة، و ليس ما ذكره علة فاللازم التمسك بإطلاق دليل الرد و الارش فى باب خيار

ص: 321

او يقال انه اذا كان دليل الخيار معنونا بجواز الرد، لا بالخيار اختص ثبوت الخيار بصورة تحقق الرد المتوقف على بقاء العين، هذا مع قيام الدليل على سقوط الخيار بتلف المعيب و المدلّس فيه فلا يرد عدم اطراد تلك الحكمة.

[مواضع التردد في ثبوت الخيار مع التلف]
اشارة

نعم هنا موارد تأملوا فى ثبوت الخيار مع التلف، او يظهر منهم العدم.

[ما ذكره العلامة]

كما تردد العلامة قدس سره فى باب المرابحة فيما لو ظهر كذب

______________________________

العيب.

(او يقال) فى بيان سقوط الفسخ بسبب التلف (انه اذا كان دليل الخيار معنونا بجواز الرد) بان قال الدليل: اذا كان الشي ء معيبا فله الرد (لا بالخيار) فلم يقل: اذا كان الشي ء معيبا فله الخيار (اختص ثبوت الخيار بصورة تحقق الرد المتوقف) ذلك الرد (على بقاء العين) او كان هناك دليل آخر على ان الخيار خاص ببقاء العين، كما اذا جعل الشرط بانه اذا بقيت العين، لى او لك حق الرد (هذا مع قيام الدليل على سقوط الخيار بتلف المعيب و المدلّس فيه) كما تقدم فى باب خيار العيب، فراجع (فلا يرد عدم اطراد تلك الحكمة).

(نعم هنا) فى باب ان التلف لا يسقط الخيار (موارد تأملوا فى ثبوت الخيار مع التلف، او يظهر منهم العدم) اى عدم الخيار مع التلف.

«1» (كما تردد العلامة قدس سره) فى بقاء الخيار مع التلف (فى باب المرابحة) اى اذا باعه بالربح و اخبره برأس المال (فيما لو ظهر كذب

ص: 322

البائع مرابحة فى اخباره برأس المال، بعد تلف المتاع، بل عن المبسوط و بعض آخر الجزم بالعدم نظرا الى ان الرد انما يتحقق مع بقاء العين و فيه اشارة الى ما ذكرنا من ان الثابت هو جواز الرد فيختص الفسخ بصورة تحققه.

لكن قوى فى المسالك و جامع المقاصد، ثبوت الخيار لوجود المقتضى و عدم المانع.

[ما ذكره المحقق الثاني]

و كما تردد المحقق الثانى فى سقوط خيار الغبن بتلف المغبون فيه.

______________________________

البائع) بيعا (مرابحة) كذبه (فى اخباره برأس المال) و ان رأس المال كان اقل مما اخبره به (بعد تلف المتاع) فهل له الخيار فى الرد، أم لا؟ تردّد فيه العلامة مع انه قبل التلف لا اشكال فى ان له الخيار فى ان يرد المتاع و يسترجع ثمنه (بل عن المبسوط و بعض آخر الجزم بالعدم) و انه لا خيار له.

و انما جزم بالعدم (نظرا الى ان الرد انما يتحقق مع بقاء العين) فاذا تلفت العين فلا ردّ (و فيه) اى فى هذا الدليل، نظر و (اشارة الى ما ذكرنا من ان الثابت) بالدليل (هو جواز الرد) بعنوان انه ردّ (فيختص الفسخ بصورة تحققه) اى تحقق مفهوم الردّ.

(لكن قوى فى المسالك و جامع المقاصد، ثبوت الخيار لوجود المقتضى) للخيار و هو كذب البائع و غبن المشترى (و عدم المانع) اذا التلف لا يوجب ذهاب العين، اما العقد الّذي هو متعلق الخيار فهو باق.

«2» (و كما تردد المحقق الثانى فى سقوط خيار الغبن بتلف المغبون فيه)

ص: 323

و ظاهر تعليل العلامة فى التذكرة عدم الخيار مع نقل المغبون العين عن ملكه، بعدم امكان الاستدراك حينئذ هو عدم الخيار مع التلف و الاقوى بقائه لان العمدة فيه نفى الضرر الّذي لا يفرق فيه بين بقاء العين و عدمه.

مضافا الى اطلاق قوله عليه السلام و هم بالخيار اذا دخلوا السوق مع انه لو استند الى الاجماع امكن التمسك بالاستصحاب.

______________________________

لان العين التى يتعلق بها الخيار قد ذهبت.

(و ظاهر تعليل العلامة فى التذكرة عدم الخيار) اى خيار الغبن (مع نقل المغبون العين عن ملكه) كما لو باعه مثلا.

فعلّله (بعدم امكان الاستدراك) اى استدراك الغبن (حينئذ) اى حين النقل (هو عدم الخيار مع التلف) بطريق اولى.

(و) لكن (الاقوى بقائه) اى بقاء خيار الغبن بعد التلف (لان العمدة فيه نفى الضرر الّذي لا يفرق فيه بين بقاء العين و عدمه).

فانه و ان كانت العين تالفة فالضرر باق بعد ان تقدم فى باب خيار الغبن انه لا يجوز للمغبون اخذ الارش، فمعنى عدم فسخ العقد ان يتحمل الضرر.

(مضافا الى اطلاق قوله عليه السلام) فى باب تلقى الركبان: (و هم بالخيار اذا دخلوا السوق) فان اطلاقه يشمل صورة تلف العين أيضا (مع انه لو استند) فى خيار الغبن (الى الاجماع)- و القدر المتقين من الاجماع هو حالة بقاء العين- (امكن التمسك بالاستصحاب) اى استصحاب الخيار بعد تلفه، لان العرف يرى

ص: 324

الا ان يدعى انعقاده على التسلط على الردّ فيختص بصورة البقاء.

و الحق فى جامع المقاصد بخيار الغبن فى التردّد خيار الرؤية.

و من مواضع التردد ما اذا جعل المتعاقدان الخيار على وجه ارادتهما التسلط على مجرّد الردّ

المتوقف على بقاء العين، فان الفسخ و ان لم يتوقف على بقاء العين، الا انه اذا فرض الغرض من الخيار الردّ او الاسترداد، فلا يبعد اختصاصه بصورة البقاء.

______________________________

انه لا مدخليّة لبقاء العين فالموضوع باق عرفا و ليس ذلك من تسرّى الحكم من موضوع الى موضوع.

(الا ان يدعى انعقاده) اى الاجماع (على التسلط على الردّ فيختص) الخيار (بصورة البقاء) اذ بعد التلف لا يسمّى ردّا- كما تقدم شبه ذلك قبل اسطر-.

«3» (و الحق فى جامع المقاصد بخيار الغبن فى التردد) فى انه هل يبقى الخيار بعد تلف العين، أم لا؟ (خيار الرؤية) فى انه هل يبقى خيار الرؤية، بعد تلف العين أم لا؟ احتمالان.

«4» (و من مواضع التردد) فى انه هل يبقى الخيار، أم لا؟ (ما اذا جعل المتعاقدان الخيار) اى خيار الشرط (على وجه ارادتهما التسلط على مجرد الردّ) فقالا لنا الخيار ان نردّ العين (المتوقف) صدق الردّ (على بقاء العين، فان الفسخ و ان لم يتوقف على بقاء العين) اذ لم يعلقا الفسخ بردّ العين (الا انه اذا فرض الغرض من الخيار الردّ او الاسترداد، فلا يبعد اختصاصه بصورة البقاء) اى بقاء العين، فاذا تلفت العين و لم

ص: 325

و التمكن من الرد و الاسترداد و ان كان حكمة فى خيارى المجلس و الحيوان، الا ان الحكم اعم موردا من الحكمة اذا كان الدليل يقتضي العموم، بخلاف ما اذا كان اطلاق جعل المتعاقدين مقيدا على وجه التصريح به فى الكلام او استظهاره منه بعدم تعلق الغرض الا بالردّ، او الاسترداد.

______________________________

يتمكنا من الرد و الاسترداد لم يكن خيار.

(و) ان قلت: اذا كان الحكم بالخيار دائرا مدار الرد فى ما ذكرتم، فلم قلتم فى خيار الحيوان و المجلس انه يبقى الخيار و لو مع تلف العين؟

و الحال ان مورد الادلة فى هذين الخيارين الرد أيضا.

قلت: (التمكن من الرد و الاسترداد و ان كان حكمة فى خيارى المجلس و الحيوان).

فان الحكمة التى جعل لاجلها الخيار تمكن الطرفين- فى خيار المجلس- و تمكن مشترى الحيوان- فى خيار الحيوان- من ردّ ما بيده (الا ان الحكم) بالردّ (اعم موردا من الحكمة).

و انما كان اعم موردا (اذا كان الدليل) الدال على هذين الخيارين (يقتضي العموم) حتى لصورة تلف العين (بخلاف ما اذا كان اطلاق جعل المتعاقدين) خيار الشرط (مقيدا على وجه التصريح به فى الكلام) فقالا نردّ العين الى اسبوع اذا شئنا (او استظهاره) اى استظهار ردّ العين (منه) اى من كلامهما عند الشرط (بعدم تعلق الغرض الا بالردّ او الاسترداد).

ص: 326

و من هنا يمكن القول بعدم بقاء الخيار المشروط بردّ الثمن فى البيع الخيارى، اذا تلف المبيع عند المشترى، لان الثابت من اشتراطهما هو التمكن من استرداد المبيع بالفسخ عند رد الثمن، لا التسلط على مطلق الفسخ المشروط مطلقا و لو عند التلف.

______________________________

مثلا: كان مالك الدار ذا علاقة بهذه الدار بحيث انه لا يريد ردّ مثلها او قيمتها.

(و من هنا) الّذي ذكرنا استظهار رد العين من كلامهما عند بيع الشرط (يمكن القول بعدم بقاء الخيار المشروط بردّ الثمن فى البيع الخيارى، اذا تلف المبيع عند المشترى) «اذا» متعلق ب «عدم بقاء» (لان الثابت من اشتراطهما هو) صورة (التمكن من استرداد المبيع) بعينه (بالفسخ عند ردّ الثمن) هذا هو القدر المتقين من ظاهر كلامهما، الا اذا صرحا بخلاف ذلك او كان كلامهما يشمل غير ذلك (لا التسلط على مطلق الفسخ المشروط مطلقا).

و معنى: مطلقا، ما ذكره بقوله: (و لو عند التلف) اى تلف العين المبيعة.

اللهم الا ان يقال: ان قلة الثمن دليل على انه لا يريد العين فقط، بل يريد بدلها أيضا اذا فقدت العين.

مثلا: احيانا تباع الدار التى تسوى بعشرة آلاف بالف دينار، و من المعلوم ان البائع، انما باع و لم يرهن لاجل الفرار من كون الراهن

ص: 327

لكن لم اجد من التزم بذلك او تعرض له.

و من هنا يمكن ان يقال فى هذا المقام- و ان كان مخالفا للمشهور بعدم ثبوت الخيار عند التلف الا فى موضع دلّ عليه الدليل.

اذ لم تدل ادلة الخيار من الاخبار و الاجماع الا على التسلط على الردّ او الاسترداد، و ليس فيها التعرض للفسخ المتحقق مع التلف أيضا

______________________________

ممنوعا عن التصرف لا انه يريد مقابلة الدار بالف دينار فقط.

(لكن لم اجد من التزم بذلك) و قال: بان الثابت من اشتراطهما صورة التمكن من استرداد المبيع (او تعرض له) فعدم الالتزام من باب عدم التعرض، لا من باب التزام العدم.

(و من هنا) الّذي قلنا ان الثابت من الخيار هو صورة التمكن من استرداد المبيع (يمكن ان يقال فى هذا المقام) اى مقام خيار الفسخ- فى كل مورد كان لاحدهما الفسخ- (- و ان كان) هذا القول (مخالفا للمشهور-) لان المشهور يقولون بثبوت الخيار عند التلف (بعدم ثبوت الخيار عند التلف الا فى موضع دلّ عليه الدليل) الخاص ببقاء الخيار حتى بعد التلف.

(اذ لم تدل ادلة الخيار من الاخبار و الاجماع الا على التسلط) اى تسلط من له الخيار (على الردّ او الاسترداد.)

فالتسلط انما هو فى صورة التمكن من ردّ ما عنده و استرداد ما عند طرفه (و ليس فيها) اى فى ادلة الخيار (التعرض للفسخ المتحقق) ذلك الفسخ (مع التلف أيضا).

ص: 328

و إرادة ملك الفسخ من الخيار غير متعينة فى كلمات الشارع، لما عرفت فى اوّل باب الخيارات من انه استعمال غالب فى كلمات بعض المتأخرين.

نعم لو دلّ الدليل الشرعى على ثبوت خيار الفسخ المطلق الشامل لصورة التلف، او جعل المتبايعان بينهما خيار الفسخ بهذا المعنى، ثبت مع التلف أيضا، و الله

______________________________

و قوله «أيضا» يدل على التعرض للفسخ بدون التلف.

(و) ان قلت: أ ليس المراد بالخيار ملك الفسخ و ذلك يتحقق حتى مع التلف.

قلت: (إرادة ملك الفسخ من الخيار) بان يراد بالخيار ملك الفسخ (غير متعينة فى كلمات الشارع) لاحتمال إرادة ملك الرد و الاسترداد (لما عرفت فى اوّل باب الخيارات من انه) اى إرادة ملك الفسخ (استعمال غالب) لمعنى الخيار (فى كلمات بعض المتأخرين).

و عليه فاذا تلف المبيع لم يكن خيار، لا خيار اصيل كخيار المجلس و لا خيار مجعول كخيار الشرط.

(نعم لو دلّ الدليل الشرعى على ثبوت خيار الفسخ المطلق).

و معنى المطلق ما ذكره بقوله: (الشامل لصورة التلف) أيضا، كما يشمل صورة وجود العين (او جعل المتبايعان بينهما خيار الفسخ بهذا المعنى) الشامل لصورة التلف (ثبت) الخيار (مع التلف أيضا، و الله

ص: 329

العالم.

______________________________

العالم) بحقائق الاحكام.

ثم انه لو فسخ من له الفسخ وجب على المفسوخ عليه ان يرد عينه اذا كانت موجودة، و بدلها اذا كانت تألفة فورا، لانه ملك غيره فلا يحق له ابقائه عنده، فانه خلاف ادلة السلطنة، و لو ابقاه و تلف كان ضامنا، لان يده عدوانية.

ص: 330

مسئلة لو فسخ ذو الخيار فالعين فى يده مضمونة بلا خلاف على الظاهر،

لانها كانت مضمونة قبل الفسخ، اذ: لم يسلمها ناقلها الا فى مقابل العوض، و الاصل بقائه، اذا: لم يتجدد ما يدل على رضا مالكه بكونه فى يد الفاسخ امانة، اذ: الفسخ انما هو من قبله.

و الغرض من التمسّك بضمانها قبل الفسخ بيان عدم ما يقتضي كونها امانة

______________________________

(مسألة: لو فسخ ذو الخيار فالعين فى يده مضمونة) لمالكها (بلا خلاف على الظاهر) من كلماتهم (لانها كانت مضمونة قبل الفسخ).

و انما كانت مضمونة (اذ لم يسلمها ناقلها الا فى مقابل العوض) المسمّى (و الاصل بقائه) اى بقاء الضمان، منتهى الامر فقبل الفسخ كانت مضمونة بالمسمّى، و الآن- بعد الفسخ- مضمونة بالمثل.

و انما كان الاصل بقاء الضمان (اذ: لم يتجدد ما يدل على رضا مالكه بكونه) اى المبيع (فى يد الفاسخ امانة) مالكية او شرعية (اذ: الفسخ انما هو من قبله) و ليس من قبل الطرف الآخر حتى يقال ان الطرف الآخر لما فسخ كان الشي ء فى يد غير الفاسخ امانة، لانه لم يأخذه بالضمان- بعد الفسخ- و انما اخذه بالضمان قبل الفسخ فالاصل عدم ضمانه.

(و الغرض من التمسّك بضمانها قبل الفسخ) لاثبات ضمانها- اى ضمان العين- بعد الفسخ، حيث قلنا «و الاصل بقائه» (بيان عدم ما يقتضي كونها امانة

ص: 331

مالكية، او شرعية، ليكون غير مضمونة برضا المالك، او بجعل الشارع.

و اذن الشارع فى الفسخ، لا يستلزم رفع الضمان عن اليد كما فى القبض بالسوم.

و مرجع ذلك الى عموم: على اليد ما اخذت، او الى انها قبضت مضمونة، فاذا بطل ضمانه بالثمن المسمّى تعين ضمانه بالعوض الواقعى اعنى المثل او القيمة، كما فى البيع الفاسد.

______________________________

مالكية) بان كان المالك اودعه اياه (او شرعية) بان يكون الشارع اودعه اياه (ليكون غير مضمونة ب) سبب (رضا المالك، او بجعل الشارع).

و قوله «برضا» متعلق ب «غير مضمونة».

(و) ان قلت: ان الشارع اذن فى الفسخ، و معنا اذنه ان يبقى الشي ء فى يده امانة حتى يتسلّمه المالك.

قلت: (اذن الشارع فى الفسخ، لا يستلزم رفع الضمان عن اليد) لا استلزاما عقليا و لا استلزاما شرعيا (كما فى القبض بالسوم) اى اذا قبضه من يريد الاشتراء فانه اذا تلف من يده كان ضامنا، مع ان هناك اذنا من المالك بالقبض.

(و مرجع ذلك) الضمان (الى عموم: على اليد ما اخذت) فانه يشمل المتاع بعد الفسخ (او الى انها) اى العين (قبضت مضمونة) فان المشترى انما قبضها فى مقابل ما دفع من الثمن (فاذا بطل ضمانه بالثمن المسمّى) بسبب الفسخ (تعين ضمانه بالعوض الواقعى اعنى المثل) فى المثلى (او القيمة) فى القيمى (كما فى البيع الفاسد) فانه حيث يبطل العوض المسمّى

ص: 332

هذا.

و لكن المسألة لا تخلو عن اشكال.

و اما العين فى يد المفسوخ عليه ففى ضمانها او كونها امانة اشكال.

مما فى التذكرة من انه قبضها قبض ضمان، فلا يزول الا بالردّ الى مالكها.

______________________________

- لفرض ان البيع فاسد- يثبت المثل او القيمة (هذا) كله حسب القواعد الاولية.

(و لكن المسألة لا تخلو عن اشكال) لاحتمال ان يكون عموم: اليد، منصرفا الى الايادى العادية.

و حيث ان يد المتبايعين ليست عدوانية لم يكن وجه للضمان، بل قد يكون مشمولا لقوله سبحانه: مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ، هذا تمام الكلام فى العين التى فى يد الفاسخ.

(و اما العين فى يد المفسوخ عليه) فاذا فسخ البائع كان المبيع فى يد المشترى، فهل هو مضمون أم لا؟ (ففى ضمانها) عند المفسوخ عليه (او كونها امانة) فتلفها بلا تعدّ و لا تفريط لا يوجب خسارة على المفسوخ عليه (اشكال).

وجه الضمان ما ذكره بقوله: (مما فى التذكرة من انه قبضها قبض ضمان فلا يزول) الضمان (الا بالردّ الى مالكها) لاستصحاب الضمان قبل الفسخ الى ما بعد الفسخ، منتهى الامر فى الاول كان ضمان المسمّى، و بعد الفسخ يكون ضمان المثل او القيمة- كما تقدم-.

ص: 333

و من ان الفسخ لمّا كان من قبل الآخر فتركه العين فى يد صاحبه مشعر بالرضا به المقتضى للاستيمان.

و ضعفه فى جامع المقاصد بانّ مجرد هذا الا يسقط الامر الثابت و الله العالم هذا بعض الكلام فى الخيارات و احكامها، و الباقى محول الى الناظر الخبير بكلمات الفقهاء، و الحمد لله و صلى الله على محمد و آله.

______________________________

(و من ان الفسخ لمّا كان من قبل الآخر) كالبائع فى المثال (فتركه) اى ترك الآخر (العين فى يد صاحبه)- كالمشترى فى المثال- (مشعر) ذلك الترك (بالرضا به) اى بكونه فى يد صاحبه (المقتضى) ذلك الرضا (للاستيمان) فلا ضمان.

(و ضعفه) اى عدم الضمان (فى جامع المقاصد بانّ مجرد هذا) اى مجرد الرضا (لا يسقط الامر الثابت) اى الضمان الّذي هو مقتضى الاستصحاب، هذا.

مضافا الى انه قد يتلف قبل ترك العين فى يده، فالدليل اخص من المدعى، لانه لا وقت للفاسخ فى اخذه من المفسوخ عليه، او ما اشبه ذلك (و الله العالم، هذا بعض الكلام فى الخيارات و احكامها، و الباقي) من الخيارات حيث انهاها بعضهم الى أربعة عشر قسما، و من احكامها التى قد ذكرت جملة منها فى الجواهر، و جملة منها فى حاشية السيد الطباطبائى و غيرهما (محول الى الناظر الخيبر بكلمات الفقهاء، و الحمد لله و صلى الله على محمد و آله) الطاهرين.

ص: 334

بعونه تعالى سيصدر القسم الاخير من الكتاب (ايصال الطالب الى المكاسب) عن قريب و يبحث فى: (النقد و النسيئة) فعند ذلك نتوادع مع الاخوان و نسأل من الله العزيز التوفيق للجميع.

الناشر

ص: 335

محتويات الكتاب

الموضوع الصفحة مقدمة الشارح 3

فى بيان حكم الشرط الفاسد 5

فى احكام الخيار 63

فى ان إرث الخيار ليس تابعا لارث المال 69

فى كيفية استحقاق كل من الورثة للخيار 90

فيما اذا اجتمعت الورثة على الفسخ 119

فيما لو كان الخيار لا جنبى و مات 127

فى سقوط الخيار بالتصرف 132

فى حصول الفسخ بنفس التصرف او قبله 148

فيما لو اشترى عبدا بجارية 173

فى عدم جواز تصرف غير ذى الخيار 180

فى ان المبيع يملك بالتصرف 231

فى كون المبيع فى ضمان من ليس له الخيار 274

فى انه لا يجب على المتبايعين التسليم فى زمن الخيار 316

فى ان الخيار لا يبطل بتلف العين 319

فيما لو فسخ ذو الخيار فالعين مضمونة فى يده 331

محتويات الكتاب 336

ص: 336

المجلد 16

هویة الکتاب

سرشناسه : حسيني شيرازي، محمد، 1380 - 1305، شارح

عنوان و نام پديدآور : ايصال الطالب الي المكاسب: شرح واف بغرض الكتاب، تيعرض لحل مشكلاته و ابداآ مقاصد في ايجاز و توضيح/ محمد الحسيني الشيرازي

مشخصات نشر : تهران : موسسه كتابسراي اعلمي ، 1385.

مشخصات ظاهري : ج 16

شابك : 964-94017-6-8(دوره): ؛ 964-7860-59-5(ج. 1): ؛ 964-7860-58-7(ج. 2): ؛ 964-7860-57-9(ج. 3): ؛ 964-7860-56-0(ج. 4): ؛ 964-7860-54-4(ج. 6): ؛ 964-7860-53-6(ج. 7): ؛ 964-7860-55-2(ج. 8): ؛ 964-7860-52-8(ج. 9): ؛ 964-7860-51-X(ج. 10): ؛ 964-7860-50-1(ج. 11): ؛ 964-7860-49-8(ج. 12): ؛ 964-7860-45-X(ج. 13): ؛ 964-7860-47-1(ج. 15):

يادداشت : عربي

يادداشت : فهرست نويسي براساس اطلاعات فيپا

يادداشت : كتاب حاضر شرحي بر "المكاسب مرتضي بن محمد امين انصاري" است

عنوان ديگر : المكاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1281 - 1214ق. المكاسب -- نقد و تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

شناسه افزوده : انصاري، مرتضي بن محمدامين ، 1281 - 1214ق. المكاسب. شرح

رده بندي كنگره : BP190/1/الف8م702133 1385

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : م 85-16816

ص: 1

اشارة

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، و صلى الله على محمد و آله الطاهرين، و لعنة الله على اعدائهم اجمعين، من الآن الى قيام يوم الدين.

و بعد: فهذا هو الجزء السادس عشر و القسم الاخير من اجزاء كتابنا (ايصال الطالب الى المكاسب) للعالم النحرير آية الله الحاج الشيخ مرتضى الانصارى قدس سره.

و يشرع فى النقد و النسيئة، كتبته تسهيلا للطالب الكريم.

و اسئل الله العزيز ان ينفعنا بذلك يوم لا ينفع فيه مال و لا بنون الا من اتى الله بقلب سليم.

كما و اتمنى من الله الجليل ان يوفق الناشر لهذه الموسوعة الضخمة لما يحب و يرضى و يهديه الى سواء السبيل انه ولى التوفيق و الحمد لله أولا و آخرا.

محمد بن المهدى الحسينى الشيرازى

ص: 2

القول فى النقد و النسيئة

[أقسام البيع باعتبار تأخير و تقديم أحد العوضين]

قال فى التذكرة ينقسم البيع باعتبار التأخير و التقديم فى احد العوضين الى أربعة اقسام.

بيع الحاضر بالحاضر و هو النقد.

و بيع المؤجل بالمؤجل و هو بيع الكالى بالكالى.

و بيع الحاضر بالثمن المؤجّل، و هى النسيئة.

و بيع المؤجل، بالحاضر، و هو

______________________________

(القول فى النقد و النسيئة).

النقد بمعنى دفع الثمن، من: نقده، اطلق على الكل بعلاقة الجزء و النسيئة من: نسأ بمعنى تأخر، و ذلك أيضا بعلاقة الكل و الجزء لان جزء البيع و هو الثمن يكون متأخرا.

(قال فى التذكرة ينقسم البيع باعتبار التأخير و التقديم فى احد العوضين الى أربعة اقسام).

الاول: (بيع الحاضر بالحاضر و هو النقد).

(و) الثانى: (بيع المؤجل بالمؤجل و هو بيع الكالى بالكالى) من:

كلا، بمعنى تأخر، او من: كلأ، بمعنى حرس، لان كل واحد منهما يحرس الآخر ليأخذ حقه منه فى الزمان المضروب له.

(و) الثالث: (بيع) المثمن (الحاضر بالثمن المؤجّل، و هى النسيئة) (و) الرابع: (بيع) المثمن (المؤجل، ب) الثمن (الحاضر، و هو

ص: 3

السلم.

و المراد بالحاضر اعم من الكلّى، و بالمؤجّل خصوص الكلى.

______________________________

السلم) لانه سلّمه الثمن، و يسمى سلفا لانه اسلفه فى المتاع.

و هناك قسم خاص مركب من اثنين منهما كان يعطيه بعض الثمن حالا و بعضه مؤجلا، و هكذا.

ثم ان الاقسام المذكورة تنقسم الى أربعة اقسام، لان كلا الطرفين اما كلى او شخصى، او الثمن كلى و المثمن شخصى، و بالعكس.

و مقتضى القاعدة صحة كل الاقسام لانها مشمولة ل «تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» و «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» الا ما خرج بالدليل.

(و المراد بالحاضر اعم من الكلّى، و بالمؤجّل خصوص الكلى) سواء كان المؤجّل ثمنا او مثمنا.

لكن لا يخفى ان المؤجّل كما يمكن ان يكون كليا كان يبيعه كتابا بدينار كلى الى رأس الشهر، كذلك يمكن ان يكون شخصيا كان يبيعه كتابا بهذا الدينار الا انه يعقد البيع على ان يعطيه بعد شهر، لكن لا على نحو الشرط، بل على نحو تأخير الثمن الكلى.

ص: 4

مسئلة اطلاق العقد يقتضي النقد،

و علّله فى التذكرة بان قضية العقد انتقال كل من العوضين الى الآخر فيجب الخروج عن العهدة متى طولب صاحبها، فيكون المراد من النقد عدم حق للمشترى فى تأخير الثمن و المراد المطالبة مع الاستحقاق، بان يكون قد بذل المثمن، او مكّن منه على الخلاف الآتى فى زمان وجوب تسليم الثمن على المشترى.

______________________________

(مسألة: اطلاق العقد يقتضي النقد) ثمنا و مثمنا (و علّله) اى علّل اقتضائه النقد (فى التذكرة بان قضية) اى مقتضى (العقد انتقال كل من العوضين الى الآخر) و لو كان هناك خيار مجلس او غيره (فيجب الخروج عن العهدة) لانه اصبح ما لا للطرف، فيشمله: الناس مسلطون على اموالهم (متى طولب صاحبها) بل و حتى اذا لم يطالب، لانه ليس فى يده امانة شرعية و لا مالكية، فباىّ حق يحفظ مال الغير من دون رضاه و ان لم يظهر عدم الرضا (فيكون المراد من النقد عدم حق للمشترى فى تأخير الثمن) ا (و المراد المطالبة) اى مطالبة البائع الثمن (مع الاستحقاق) اى استحقاق البائع المطالبة.

و الاستحقاق انما يتحقق (بان يكون قد بذل المثمن) بذلا خارجيا (او مكّن منه) بان قال للمشترى: هذا المثمن مخلّى بينك و بينه (على الخلاف الآتى فى زمان وجوب تسليم الثمن على المشترى) و هل هو زمان بذل البائع المثمن، او زمان تمكين البائع المشترى على المثمن و قد يستدل على

ص: 5

و يدل على الحكم المذكور أيضا الموثق فى رجل اشترى من رجل جارية بثمن مسمّى، ثم افترقا قال: وجب البيع و الثمن اذا لم يكونا شرطا فهو نقد.

فلو اشترطا تعجيل الثمن، كان تأكيدا لمقتضى الاطلاق على المشهور بناء على ما هو الظاهر عرفا من هذا الشرط من إرادة عدم المماطلة، و

______________________________

ان الاصل النقد، بانه شرط ضمنى من قبيل شرط الصحة.

(و يدل على الحكم المذكور) اى كون الاطلاق يقتضي النقد (أيضا الموثق فى رجل اشترى من رجل جارية بثمن مسمّى، ثم افترقا) كيف ذلك (قال) عليه السلام: (وجب البيع و الثمن) بمعنى انه لا يمكن زيادة الثمن و نقصه كما يعتاده بعض الناس من تقليل الثمن بعد انتهاء البيع او زيادة الثمن فيما اذا ندم البائع، ثم قال عليه السلام (اذا لم يكونا شرطا) اى التأخير فى المثمن او الثمن (فهو نقد).

و ربما يحتمل ان «فهو نقد» خبر لقوله «و الثمن» و جاء الفاء، لانه جواب الشرط، و فيه انه خلاف الظاهر.

ثم انه على تقدير ان اطلاق العقد يقتضي النقد.

(فلو اشترطا تعجيل الثمن، كان تأكيدا لمقتضى الاطلاق) فهو من قبيل شرط الصحة فى حال العقد، فانه تأكيد لمقتضى الاطلاق العقد (على المشهور) فهم يرون انه لا فائدة للشرط إلا تأكيد مقتضى الاطلاق فقط.

و انما قال المشهور ذلك (بناء على ما هو الظاهر عرفا من هذا الشرط من إرادة) الشارط (عدم المماطلة، و) إرادة عدم

ص: 6

التأخير عن زمان المطالبة، لا ان يعجّل بدفعه من دون مطالبة اذ لا يكون تأكيدا حينئذ.

لكنه خلاف متفاهم ذلك الشرط الّذي هو محطّ نظر المشهور.

______________________________

(التأخير) فى الدفع (عن زمان المطالبة).

و (لا) يستفاد من هذا الشرط (ان يعجّل بدفعه) اى دفع الثمن و المثمن (من دون مطالبة، اذ) لو اريد تعجيل الدفع بهذا الشرط (لا يكون تأكيدا حينئذ) اذ الاطلاق يدل على عدم المماطلة عن زمان المطالبة و الشرط يدل على التعجيل، و الاعطاء بدون المطالبة.

و من المعلوم ان مفهوم الثانى غير مفهوم الاول، فلا يكون تأكيدا للاول.

(لكنه) اى المعنى الثانى و هو ان يعجّل بدفعه، (خلاف متفاهم ذلك الشرط) اى شرط تعجيل الثمن (الّذي هو محطّ نظر المشهور) فمحطّ نظر المشهور من شرط التعجيل، هو الشرط الّذي يفيد مفاد الاطلاق لا اكثر من ذلك.

ثم ان قوله (بناء) دليل المشهور على ان الشرط هو تأكيد للاطلاق و هناك دليل ثان للمشهور، هو انه لو كانت فائدة شرط التعجيل ان يعجل بدفعه من دون مطالبة، فهو لا يخلو اما ان يطالب و اما ان لا يطالب.

فان طالب لزم التعجيل و ان لم يشترط.

و ان لم يطالب لم يلزم التعجيل و ان شرط، لان مرجع عدم المطالبة

ص: 7

مع ان مرجع عدم المطالبة فى زمان استحقاقها الى الغاء هذا الحق المشترط فى هذا المقدار من الزمان.

و كيف كان.

______________________________

الى اسقاط حق التعجيل فى مدة عدم المطالبة.

و على هذا فتنحصر فائدة شرط التعجيل فى التأكيد، على كلا التقديرين- تقدير المطالبة و تقدير عدم المطالبة-.

و قد اشار المصنف الى الشق الثانى من هذا الدليل و هو دليل ان الشرط يفيد التأكيد فقط، بقوله: (مع ان مرجع عدم المطالبة فى زمان استحقاقها) اى استحقاق المطالبة- استحقها لانه شرط التعجيل بمعنى ان يعجّل بدفعه من دون مطالبة- (الى الغاء) الشارط (هذا الحق المشترط فى هذا المقدار من الزمان) اى زمان عدم المطالبة، و عليه فلم يفد الشرط الا التأكيد.

فتحصل ان المصنف يقول ان فائدة شرط التعجيل التأكيد.

أولا لانه المتفاهم عرفا.

و ثانيا لان جعل فائدة الشرط التعجيل بدون المطالبة لا ثمر له، لانه مع المطالبة يجب الدفع و لو بدون الشرط، و بدون المطالبة لا يجب الدفع حتى مع الشرط.

(و كيف كان) فى دليل المشهور على ما ذكروه من فائدة هذا الشرط و انها التأكيد فقط فهناك قولان آخران فى فائدة شرط التعجيل.

الاول: ما ذكره الشهيد الاول من ان فائدة الشرط- فيما اذا عين

ص: 8

فذكر الشهيد ره فى الدروس ان فائدة الشرط ثبوت الخيار اذا عين زمان النقد، فاخلّ المشترى به.

و قوّى الشهيد الثانى ثبوت الخيار مع الاطلاق أيضا، يعنى عدم تعيين الزمان اذا اخل به فى اوّل وقته و هو حسن.

______________________________

زمان النقد- انه اذا لم يعجل فى الدفع كان له الخيار.

الثانى: ما ذكره الشهيد الثانى من ان فائدة الشرط مطلقا و لو لم يعين زمان النقد انه اذا لم يعجل فى الدفع كان له الخيار، فالمشهور لا يقولون بالخيار اصلا، و الشهيد الاول يقول بالخيار فى الجملة، و الشهيد الثانى يقول بالخيار مطلقا.

(ف) قد (ذكر الشهيد) الاول (ره فى الدروس ان فائدة الشرط) اى شرط تعجيل الدفع (ثبوت الخيار) للشارط (اذا عين زمان النقد، فاخلّ المشترى به).

مثلا: شرط البائع ان يدفع المشترى الثمن الى شهر، فلم يدفع المشترى، فانه- بعد الشهر- يكون الخيار للبائع.

(و قوى الشهيد الثانى ثبوت الخيار) للشارط (مع الاطلاق) فى الشرط (أيضا).

و المراد بالإطلاق (يعنى عدم تعيين الزمان) لنقد الثمن (اذا اخلّ به فى اوّل وقته) فاذا باعه الكتاب بدينار بشرط ان يعجّل، فلم يدفع الثمن فى اوّل ازمنة الامكان، كان للبائع الخيار (و هو) اى ما ذكره الشهيد الثانى (حسن) ففائدة الشرط الخيار، سواء عين الزمان، أم لا.

ص: 9

و لا يقدح فى الاطلاق عدم تعين زمان التعجيل، لان التعجيل المطلق معناه الدفع فى اوّل اوقات الامكان عرفا.

و لا حاجة الى تقييد الخيار هنا بصورة عدم امكان الاجبار على التعجيل، لان المقصود هنا ثبوت الخيار بعد فوات التعجيل، امكن اجباره

______________________________

(و) ان قلت: لا يصحّ اطلاق الشرط بان يقول البائع «بعتك بشرط التعجيل فى الثمن» لان وقت الدفع يكون مجهولا حينئذ، و قد نهى النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم عن الغرر، و انما الصحيح ان يعين الشارط وقت الدفع مثل ان يقول «الى شهر» مثلا.

قلت: (لا يقدح فى الاطلاق) اى اطلاق الشرط (عدم تعين زمان التعجيل).

و انما قلنا لا يقدح لان الاطلاق لا يوجب الجهالة (لان التعجيل المطلق) بان قال «ان تعجل بالدفع» و اطلق، فلم يذكر الوقت (معناه الدفع فى اوّل اوقات الامكان عرفا) و ذلك ليس بمجهول.

(و) لا يخفى انه (لا حاجة الى تقييد الخيار هنا) فى صورة شرط التعجيل (بصورة عدم امكان الاجبار على التعجيل) بان يقال «اذا شرط التعجيل فلم يعجل كان له الاجبار، فان لم يتمكن من الاجبار كان له الخيار».

فلا حاجة الى ذلك (لان المقصود هنا) فى ذكر فائدة الشرط و انه يقتضي الخيار (ثبوت الخيار بعد فوات التعجيل) فى الجملة فى مقابل من يقول ان لا خيار مطلقا، سواء (امكن اجباره

ص: 10

به، أم لم يمكن، وجب او لم يجب.

فان مسئلة ان ثمرة الشرط ثبوت الخيار مطلقا، او بعد تعذر اجباره على الوفاء مسئلة اخرى.

مضافا الى عدم جريانها فى مثل هذا الشرط، اذ قبل زمان انقضاء زمان نقد الثمن لا يجوز الاجبار، و بعده لا ينفع لانه غير الزمان المشروط فيه الاداء.

______________________________

به) اى بالتعجيل (أم لم يمكن) و سواء (وجب) التعجيل (او لم يجب) فاننا نريد اثبات الخيار فى الجملة- و لو كانت مرتبة الخيار بعد عدم التمكن من الاجبار-.

(فان مسئلة ان ثمرة الشرط ثبوت الخيار مطلقا) اى سواء امكن الاجبار، أم لا (او) ان الثمرة ثبوت الخيار (بعد تعذر اجباره) اى اجبار المشروط عليه (على الوفاء مسئلة اخرى) و كلامنا الآن فى المسألة الاولى و هى هل ان فائدة الشرط الخيار فى الجملة، أم لا.

(مضافا الى عدم جريانها) اى جريان المسألة الاخرى (فى مثل هذا الشرط) اى شرط التعجيل، فانه لا مجال للكلام فى انه هل يجبر على الشرط، أم لا؟ (اذ قبل زمان انقضاء زمان نقد الثمن) و زمان نقد الثمن هو الفور العرفى (لا يجوز الاجبار) لان الوقت باق (و بعده) بان انقضى الفور العرفى (لا ينفع) الاجبار (لانه) اى بعده (غير الزمان المشروط فيه الاداء) فاذا شرط اعطائه- مثلا- يوم الجمعة ففى يوم الجمعة

ص: 11

..........

______________________________

لا يحق له الاجبار، لان الوقت باق، و فى يوم السبت قد انقضى الزمان المشترط فلا يحق له الاجبار أيضا.

و لا يخفى ان فيما ذكره المصنف مواضع للتأمّل.

ص: 12

مسئلة يجوز اشتراط تأجيل الثمن مدة معينة غير محتملة مفهوما و لا مصداقا، للزيادة و النقصان غير المسامح فيهما

______________________________

(مسألة: يجوز اشتراط تأجيل الثمن مدة معينة) حيث يشمله اطلاق ادلة العقد، فانّه لا يشترط فى الثمن ان يكون حالا، كما يجوز اشتراط تأجيل بعض الثمن بان يكون بعضه نقدا و بعضه مؤجّلا لكن يلزم ان تكون المدة معينة (غير محتملة مفهوما و لا مصداقا، للزيادة و النقصان غير المسامح فيهما).

فالمحتمل مفهوما كما لو قال: الى الربيع، فلم يعلم ان المراد به ربيع الشهر او ربيع الفصل.

و المحتمل مصداقا، كما اذا قال: يوم الجمعة فلم يعلم ان المراد به يوم الجمعة من هذا الاسبوع او من الاسبوع الآتى.

و تقييده بغير المسامح فيهما لاخراج الزيادة و النقصان المسامح فيهما عرفا، كما لو قال: الى الجمعة، و الحال انه لا يعلم ان مراده من يوم الجمعة اذ ان الصبح او طلوع الشمس مثلا و جواز التسامح لانه ليس بغرر و لا داخل فيما دلّ على اشتراط التعيين مما سيأتى.

و هذا من الموارد التى نستدل بها نحن على بناء الشرع على التسامح العرفى فى كل شي ء الا ما خرج بالدليل، لان الكلام ملقى الى العرف، و العرف هو الميزان فى الفهم لقوله تعالى «مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ رَسُولٍ

ص: 13

فلو لم يعين كذلك بطل بلا خلاف ظاهرا، للغرر، و لما دل فى السلم الّذي هو عكس المسألة على وجوب تعيين الاجل، و عدم جواز السلم الى دياس او حصاد و لا فرق فى الاجل المعين بين الطويل و القصير

______________________________

إِلّٰا بِلِسٰانِ قَوْمِهِ» و قوله صلى الله عليه و آله و سلم «انا معاشر الأنبياء امرنا ان نكلّم الناس على قدر عقولهم».

و من المعلوم ان العرف يتسامح غالبا الا فيما خرج بالدليل هذا، و يقال للذين يشدّدون فى التطبيقات اىّ فرق بين هذه المسألة التى تقولون فيها بالتسامح، و بعض المسائل الاخر القائلون فيها بالتسامح أيضا، و بين سائر المسائل التى تقولون فيها بالتشدّد، و كيف كان فموضع الكلام فى غير هذه المسألة، فراجع (فلو لم يعين كذلك) تعيينا غير محتمل للزيادة و النقصان (بطل) العقد (بلا خلاف ظاهرا) كما يستفاد من ظواهر كلماتهم (للغرر) و قد نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن الغرر كما تقدم- (و لما دل فى السلم الّذي هو عكس المسألة) اذ فى النسيئة يتأخر الثمن، و فى السلم يتأخر المثمن (على وجوب تعيين الاجل) لتسليم المبيع (و عدم جواز السلم الى دياس) و هو دوس الحب بارجل الحيوانات لتصفيته عن القشر (او حصاد) و هو وقت حصاد الثمن.

و انما لا يجوز، لانه ربما تقدم الحصاد، و ربما تأخر، و كذلك الدياس و من المعلوم وحدة المناط بين النسيئة و السلم (و لا فرق فى الاجل المعين بين الطويل و القصير) لان تعيين الاجل يوجب رفع الجهالة مهما كان الاجل طويلا او قصيرا.

ص: 14

و عن الاسكافى المنع من التأخير الى ثلاث سنين، و قد يستشهد له بالنهى عنه فى بعض الاخبار، مثل رواية احمد بن محمد، قلت لابى الحسن انى اريد الخروج الى بعض الجبال- الى ان قال- انا اذا بعناهم نسيئة كان اكثر للربح، فقال فبعهم بتأخير سنة، قلت بتأخير سنتين، قال نعم، قلت بتأخير ثلاث سنين، قال: لا.

و المحكى عن قرب الاسناد عن البزنطى، انه قال لابى الحسن الرضا عليه السلام: ان هذا الجبل قد فتح منه على الناس باب رزق، فقال عليه السلام: اذا اردت الخروج فاخرج فانها سنة مضطربة،

______________________________

(و) لكن (عن الاسكافى المنع من التأخير الى ثلاث سنين، و قد يستشهد له بالنهى عنه) اى عن ثلاث سنين (فى بعض الاخبار، مثل رواية احمد بن محمد، قلت: لابى الحسن) عليه السلام (انى اريد الخروج الى بعض الجبال- الى ان قال- انا اذا بعناهم نسيئة كان اكثر للربح، فقال) عليه السلام: لا بأس بالنسيئة (فبعهم بتأخير سنة، قلت) فهل يجوز ان ابيعهم؟ (بتأخير ثلاث سنين، قال) عليه السلام (نعم، قلت) فهل يجوز ان ابيعهم؟ (بتأخير ثلاث سنين، قال: لا) فان ظاهر النهى فى المعاملات الفساد.

(و المحكى عن قرب الاسناد عن البزنطى، انه قال لابى الحسن الرضا عليه السلام: ان هذا الجبل قد فتح منه على الناس باب رزق) حيث ازدهرت التجارة فى الجبل (فقال عليه السلام: اذا اردت الخروج فاخرج) الى الجبل لاجل الكسب (فانها سنة مضطربة) من حيث المعيشة

ص: 15

و ليس للناس بدّ من معاشهم، فلا تدع الطلب، فقلت: انهم قوم ملاء، و نحن نحتمل التأخير فنبايعهم بتأخير سنة؟ قال: بعهم، قلت سنتين قال:

بعهم، قلت ثلاث سنين، قال: لا يكون لك شي ء اكثر من ثلاث سنين.

و ظاهر الخبرين: الارشاد، لا التحريم، فضلا عن الفساد.

______________________________

(و ليس للناس بدّ من معاشهم) فلا بد ان يخرج الانسان لطلب رزقه (فلا تدع الطلب، فقلت: انهم) اى المشترون فى الجبل (قوم ملاء) اى اثرياء، اذا اشتروا نسيئة يعطون الثمن فى موعده (و نحن نحتمل التأخير) لقدرتنا فلا نحتاج الى ثمن امتعتنا مستعجلا (ف) هل (نبايعهم بتأخير سنة؟

قال) عليه السلام (بعهم، قلت) بتأخير (سنتين قال: بعهم، قلت) بتأخير (ثلاث سنين قال: لا يكون لك شي ء) من المال (اكثر من ثلاث سنين) لانه الى ثلاث سنين تتبدل الاوضاع، و لا يأمن الانسان ان يحصّل على ماله هذا.

(و) لكن (ظاهر الخبرين: الارشاد) الى ان نسيئة ثلاث سنين فى معرض التلف و ذهاب الثمن.

و الامر الارشادى ليس واجبا بل و لا مستحبا و انما هو حسب المرشد إليه- كما ذكروا فى الاصول- (لا التحريم، فضلا عن الفساد).

و حيث ان مضمون الخبرين واحد و الخبر الثانى فيه قرينة الارشاد، نحمل الخبر الاول على ذلك أيضا هذا بالإضافة الى تفرد الاسكافى بهذا القول فقد انعقد الاجماع قبله و بعده على الجواز، و الى السيرة القطعية

ص: 16

و هل يجوز الافراط فى التأخير اذا لم يصل الى حدّ يكون البيع منه سفها و الشراء اكلا للمال بالباطل، فيه وجهان.

قال فى الدروس: لو تمادى الاجل الى ما لا يبقى إليه المتبايعان غالبا- كألف سنة، ففى الصحة نظر.

من حيث خروج الثمن عن الانتفاع به.

______________________________

المستمرة.

(و هل يجوز الافراط فى التأخير اذا لم يصل الى حدّ يكون البيع منه) اى من ذلك التأخير (سفها و الشراء اكلا للمال بالباطل) لانه قبض المثمن بدون ان يعطى الثمن (فيه وجهان).

الصحة، لاطلاقات ادلة العقود.

و البطلان لانصراف الادلة عن المدد الطويلة، لانها ناظرة عرفا الى المتعارف.

و الظاهر انه اذا لم يكن سفها و اكلا للمال بالباطل لم يكن فيه محذور.

و اما ذكر المصنف كلام الدروس فالظاهر ان مثل الف سنة داخل فى السفه و اكل المال بالباطل، لانه لا يعد مالا عرفا.

(قال فى الدروس: لو تمادى الاجل الى ما لا يبقى إليه المتبايعان غالبا- كألف سنة) هذا ابعد الا مثلة و الا فمائة سنة كذلك (ففى الصحة نظر) (من حيث خروج الثمن عن الانتفاع به) فلا تصح المعاملة.

ص: 17

و من الاجل المضبوط و حلوله بموت المشترى، و هو اقرب، و ما قربه هو الاقرب، لان ما فى الذمة و لو كان مؤجلا بما ذكر مال، يصح الانتفاع به فى حياته بالمعاوضة عليه بغير البيع، بل و بالبيع، كما اختاره فى التذكرة.

نعم يبقى الكلام فى انه اذا فرض حلول الاجل شرعا بموت المشترى كان اشتراط ما زاد على ما يحتمل بقاء المشترى إليه لغوا،

______________________________

(و من) وجود (الاجل المضبوط و حلوله بموت المشترى) لان المديون اذا مات حل دينه، فلا يبقى الثمن الى الف سنة بل ينتفع بذلك اولاده و ورثته (و هو) اى كونه صحيحا (اقرب).

قال المصنف (و ما قربه هو الاقرب، لان ما فى الذمة و لو كان مؤجلا بما ذكر) كألف سنة (مال يصح الانتفاع به فى حياته بالمعاوضة عليه بغير البيع) كالصلح و عوض الهبة المشروطة و الجعالة و ما اشبه (بل و بالبيع كما اختاره فى التذكرة).

لكن لا يخفى حيث انه فرض عدم اقدام العقلاء على التعامل بمثل هذا المال، لم يكن مالا عرفا، فلا يصح البيع.

و حلول الديون بالموت فرع صحة البيع حتى يكون دينا.

اللهم الا ان يقال: ان معنى الف سنة الى موت المشترى، فهو مال عرفا.

لكن يرد عليه ما ذكره المصنف ره بقوله: (نعم يبقى الكلام فى انه اذا فرض حلول الاجل شرعا بموت المشترى كان اشتراط ما زاد) من الزمان (على ما يحتمل بقاء المشترى إليه) «على» متعلق ب «ما زاد» (لغوا) لانه

ص: 18

بل مخالفا للمشروع، حيث ان الشارع اسقط الاجل بالموت، و الاشتراط المذكور تصريح ببقائه بعده، فيكون فاسدا، بل ربما كان مفسدا.

و ان اراد المقدار المحتمل للبقاء، كان اشتراط مدة مجهولة، فافهم ثم ان المعتبر فى تعيين المدة هل هو تعيينها فى نفسها و ان لم يعرفها المتعاقدان، فيجوز التأجيل الى انتقال الشمس الى بعض البروج، كالنيروز

______________________________

يشترط ما لا يكون (بل مخالفا للمشروع، حيث ان الشارع اسقط الاجل بالموت، و الاشتراط المذكور تصريح ببقائه بعده) فهو شرط مخالف للشرع (فيكون فاسدا، بل ربما كان مفسدا) أيضا، لان الشرط الفاسد مفسد على قول.

(و ان اراد) الّذي يقدّر تأخير الثمن الى الف سنة او ما اشبه (المقدار المحتمل للبقاء) اى بقاء المشترى المديون (كان) من (اشتراط مدة مجهولة) لانه لا يعلم وقت الموت (فافهم).

لعله اشارة الى ما ذكرناه من ان المعاملة سفهيّة.

(ثم ان المعتبر فى تعيين المدة هل هو تعيينها فى نفسها و ان لم يعرفها المتعاقدان) او احدهما (فيجوز التأجيل الى انتقال الشمس الى بعض البروج) و ان لم يعرف وقت ذلك المتعاقدان و لكنه كان معروفا لدى الناس (كالنيروز) معرب «نوروز» اى اليوم الجديد، و هو اوّل الحمل و الربيع و قد اتخذه الشاه جلال الدين السلجوقى اوّل السنة فى عام 471- من الهجرة بعد ان كان اوّل العام عند الفرس اوّل مهرگان، و

ص: 19

و المهرجان، و نحوهما، أم لا بد من معرفة المتعاقدين بهما حين العقد وجهان، أقواهما الثانى تبعا للدروس و جامع المقاصد لقاعدة نفى الغرر.

و ربما احتمل الاكتفاء فى ذلك بكون هذه الآجال مضبوطة فى نفسها

______________________________

هو اوّل الميزان- الخريف- و مهر، احد شهورهم، و لذا كان فى السابق يسمى العام بالخريف، كما ورد فى الحديث «ان فقراء المؤمنين يتقلبون فى رياض الجنة قبل اغنيائهم بأربعين خريفا» و «ان عمق جهنم كذا خريفا» و هذا من باب تسمية الكل باسم جزئه و بعد ذاك التاريخ يسمى العام بالربيع، فيقال فلان فى الربيع الخامس من عمره مثلا.

و لا يخفى ان كون النيروز عيدا قبل الاسلام لا ينافى تصديق الاسلام له، كما صدق كثيرا من الامور السابقة التى منها يوم الجمعة الّذي كان عيدا قبل الاسلام و لعله كان عيدا دينيا، كما انه كان للمجوس كتاب دينى كما فى الاحاديث و كيف كان فاذا لم يعرفا وقت النيروز، و انه فى اىّ يوم يكون و يكون بعدكم، و ان عرفه الناس و كان مضبوطا لديهم (و المهرجان) معرب مهرگان- على وزن اصفهان اوّل الخريف (و نحوهما) كما اذا قال فى مبعث الرسول او ميلاد الامام امير المؤمنين عليه السلام (أم لا بد من معرفة المتعاقدين بهما) اى بهذين اليومين (حين العقد، وجهان، أقواهما الثانى) لدى المصنف (تبعا للدروس و جامع المقاصد لقاعدة نفى الغرر) فاذا لم يعرفا مدة ذلك يكون غررا عرفا.

(و ربما احتمل الاكتفاء فى ذلك) اى فى انهما معروفان لدى الناس (ب) سبب (كون هذه الآجال مضبوطة فى نفسها،

ص: 20

كاوزان البلدان، مع عدم معرفة المصداق حيث انه له شراء وزنة- مثلا- بعيار بلد مخصوص، و ان لم يعرف مقدارها و ربما استظهر ذلك من التذكرة.

و لا يخفى ضعف منشأ هذا الاحتمال اذ المضبوطية فى نفسه غير مجد فى مقام يشترط فيه المعرفة، اذ المراد بالاجل غير القابل للزيادة و النقيصة ما لا يكون قابلا لهما حتى فى نظر المتعاقدين، لا فى الواقع.

و لذا اجمعوا على عدم جواز التأجيل الى موت فلان، مع انه مضبوط فى

______________________________

كاوزان البلدان) التى لا يعرفها المشترى الغريب (مع عدم معرفة المصداق) مثلا: لا يعرف ان كيلو بلده يطابق كم من المنّ، فيما اذا اراد الشراء فى بلد وزنه بالمنّ، فان معرفة العرف كمية المنّ كافية فى جواز التعامل (حيث انه له شراء وزنة- مثلا- بعيار بلد مخصوص، و ان لم يعرف مقدارها) اى مقدار تلك الوزنة (و ربما استظهر ذلك) اى الجواز (من التذكرة) فهو من قبيل ان يعرف وقت النيروز، و انه اوّل الربيع، لكن لا يعرف انه الآن فى اىّ شهر حتى لا يعلم بسبب جهله بالشهر الحالى، لا يعلم كم شهرا بقى الى النيروز.

(و لا يخفى ضعف منشأ هذا الاحتمال اذ المضبوطية فى نفسه غير مجد فى مقام يشترط فيه المعرفة) فان المضبوطية لا توجب المعرفة (اذا المراد) فى كلامهم (بالاجل غير القابل للزيادة و النقيصة ما لا يكون قابلا لهما حتى فى نظر المتعاقدين، لا) انه غير قابل لهما (فى الواقع) فقط.

(و لذا) الّذي لا يكفى بالنظر الى الواقع فقط (اجمعوا على عدم جواز التأجيل) اى ضرب اجل النسيئة (الى موت فلان مع انه مضبوط فى

ص: 21

نفسه.

و ضبطه عند غير المتعاقدين لا يجدى أيضا.

و ما ذكر من قياسه على جواز الشراء بعيار بلد مخصوص، لا نقول به بل المعيّن فيه البطلان، مع الغرر عرفا، كما تقدم فى شروط العوضين.

______________________________

نفسه) عند اللّه تعالى.

(و) ان قلت: هناك فرق بين موت فلان و بين النيروز، لان الاول لا يعلمه المتعاقدان و لا يعلمه الناس أيضا اما الثانى فيعلمه الناس.

قلت: (ضبطه عند غير المتعاقدين لا يجدى أيضا) كما لا يجدى ضبطه عند الله تعالى.

(و ما ذكر من قياسه على جواز الشراء بعيار بلد مخصوص، لا نقول به) اى بالمقيس عليه (بل المعيّن فيه البطلان، مع) وجود (الغرر عرفا، كما تقدم فى شروط العوضين).

اقول الظاهر انه لا غرر عرفا لا فى مسئلة العيار، و لا فى مسئلتنا، و لذا يجوّز ان، و هناك فرق واضح بين موت فلان و عيار بلد فلانى.

و لذا نرى الجواز فيما ذكرنا أيضا من انه لا يعلم الايام الى النيروز فيما لو علم ان النيروز اوّل الربيع.

و كذا اذا لم يعلم الاشهر الى شهر رمضان- مثلا- مع علمه بالاشهر العربية.

و كذا فيما لو كان الجنس مجهولا لديه معلوما لدى العرف، كما اذا لا يعلم ماهية الشربت الّذي فى القنّينة، او ماهية الجبن المعرض للبيع، و

ص: 22

و ظاهر التذكرة اختيار الجواز، حيث قال: بجواز التأقيت بالنيروز و المهرجان، لانه معلوم عند العامة.

و كذا جواز التأقيت ببعض اعياد اهل الذمة اذ اعرفه المسلمون.

لكن قال بعد ذلك: و هل يعتبر معرفة المتعاقدين، قال بعض الشافعية: نعم، و قال بعضهم: لا يعتبر، و يكتفى بمعرفة الناس و سواء اعتبر معرفتهما أو لا و لو عرفا، كفى، انتهى.

______________________________

هل انه جبن بقر او شاة؟ الى غير ذلك من الموارد التى لا يعلمها المتعاقدان لكن العرف يعلم ذلك و لا تعدّ غررا عندهم.

(و ظاهر التذكرة اختيار الجواز، حيث قال: بجواز التأقيت بالنيروز و المهرجان، لانه معلوم عند العامة) فلا غرر.

(و كذا جواز التأقيت ببعض اعياد اهل الذمة) كعيد الفصح (اذ اعرفه المسلمون) او كان المتعاقدان فى بلد المسيحيين مثلا، و ان لم يعلما وقته

(لكن قال) العلامة (بعد ذلك: و هل يعتبر معرفة المتعاقدين، قال بعض الشافعية: نعم، و قال بعضهم: لا يعتبر، و يكتفى بمعرفة الناس)

ثم ان بعض الشافعية افتوا بوجوب معرفة عدلين من المسلمين غير المتعاقدين و ذلك لان يكونا مرجعا عند الاختلاف، لكن ذلك لا وجه له.

و لذا قال العلامة: (و سواء اعتبر معرفتهما) اى المتعاقدين (أولا) بان قلنا: بكفاية معرفة الناس (و لو عرفا، كفى) و لا يحتاج الى معرفة عدلين آخرين (انتهى) كلام العلامة.

ص: 23

ثم الاقوى اعتبار معرفة المتعاقدين و التفاتهما الى المعنى حين العقد، فلا يكفى معرفتهما به عند الالتفات و الحساب.

______________________________

(ثم الاقوى اعتبار معرفة المتعاقدين و التفاتهما الى المعنى حين العقد) بان يعلما الآن كم بينهما و بين النيروز من زمان (فلا يكفى معرفتهما به) اى بالزمان الموقت (عند الالتفات و الحساب) بان ادرج المتعاقدان ذلك فى دفترهما، فاذا راجعاه علماه، فانه حيث لا يعلمان الآن عند العقد لا يكفى، لانه قسم من اقسام الجهل، و الظاهر الكفاية اذ لا يسمى غررا عرفا و اللّه العالم.

ص: 24

مسئلة لو باع بثمن حالا و بازيد منه مؤجلا.

ففى المبسوط و السرائر و عن اكثر المتأخرين انه لا يصح، و علّله فى المبسوط و غيره بالجهالة، كما لو باع اما هذا العبد و اما ذاك.

و يدل عليه أيضا ما رواه فى الكافى: انه عليه السلام قال: من ساوم بثمنين احدهما عاجلا و الآخر نظرة، فليسمّ احدهما قبل الصفقة.

و يؤيده ما ورد من النهى عن شرطين فى بيع، و عن بيعين فى بيع

______________________________

(مسألة: لو باع بثمن حالا و بازيد منه مؤجلا) او بالعكس، بان باعه بثمن حالا و باقل منه مؤجّلا.

(ففى المبسوط و السرائر و عن اكثر المتأخرين انه لا يصح، و علله فى المبسوط و غيره بالجهالة) لانهما لا يعلمان كم الثمن حال العقد (كما لو باع اما هذا العبد او ذاك) او باع العبد بعشرة دنانير او بعشرة اقفزة من الحنطة.

(و يدل عليه أيضا ما رواه فى الكافى: انه عليه السلام قال: من ساوم بثمنين احدهما عاجلا و الآخر نظرة) اى آجلا قال تعالى «فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ» (فليسمّ احدهما قبل الصفقة) اى قبل العقد حتى يقع العقد على احدهما بصورة خاصة.

(و يؤيده ما ورد من النهى عن شرطين فى بيع) و ذلك كما ورد فى رواية عمار، و المراد بالشرط الثمن (و عن بيعين فى بيع) كما ورد فى رواية

ص: 25

بناء على تفسيرهما بذلك.

و عن الاسكافى: كما عن الغنية انه روى عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم انه قال: لا يحلّ صفقتان فى واحدة، قال و ذلك بان يقول: ان كان بالنقد فبكذا، و ان كان بالنسيئة فبكذا، هذا.

الا ان فى رواية محمد بن قيس المعتبرة: انه قال امير المؤمنين عليه السلام: من باع سلعة، و قال ثمنها كذا و كذا يدا بيد، و كذا نظرة،

______________________________

سليمان بان يراد تعدد الثمن (بناء على تفسيرهما بذلك) اى تفسير البيع بثمنين.

و من المحتمل ان يراد تفسيرهما باعم من ذلك، مثل تعدد المبيع او كليهما او الشرط او نحو ذلك.

(و عن الاسكافى: كما عن الغنية انه روى عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم انه قال: لا يحلّ صفقتان فى واحدة) فانه ليس المراد بيعين فى بيع واحد، كان يقول: بعتك الدار بالف و البستان بالف، فيقول قبلتهما (قال و ذلك بان يقول: ان كان بالنقد فبكذا، و ان كان بالنسيئة فبكذا) و تسميتهما بالصفقتين من باب علاقة الكل و الجزء، و المراد الصفقتين على سبيل البدل (هذا) هو مستند المشهور.

(الا ان فى رواية محمد بن قيس المعتبرة: انه قال امير المؤمنين عليه السلام: من باع سلعة، و قال ثمنها كذا و كذا يدا بيد) اى نقدا بان اعطى المتاع بيد و اخذ الثمن بيد (و كذا) بقيمة اكثر (نظرة) اى نسيئة

ص: 26

فخذها باىّ ثمن شئت، و جعل صفقتهما واحدة، فليس له الا اقلهما و ان كانت نظرة.

و فى رواية السكونى عن جعفر، عن ابيه عن آبائه، ان عليا عليه السلام قضى فى رجل باع بيعا و اشترط شرطين بالنقد كذا، و بالنسيئة كذا، فاخذ المتاع على ذلك الشرط، فقال هو باقلّ الثمنين و ابعد الاجلين فيقول ليس له الا اقل النقدين الى الاجل الّذي اجّله نسيئة.

______________________________

(فخذها باىّ ثمن شئت، و جعل صفقتهما واحدة) بان قال ذلك فى بيع واحد (فليس له الا اقلهما) اى اقل الثمنين (و ان كانت نظرة) و نسيئة.

(و فى رواية السكونى عن جعفر، عن ابيه عن آبائه، ان عليا عليه السلام قضى فى رجل باع بيعا و اشترط شرطين) اى ثمنين (بالنقد كذا، و بالنسيئة كذا، فاخذ المتاع على ذلك الشرط) اى على ذلك النحو من البيع (فقال) عليه السلام: (هو باقل الثمنين و ابعد الاجلين، فيقول ليس له إلا أقل النقدين الى الاجل الّذي اجّله نسيئة).

قوله: «فيقول» اما عطف بيان من الامام و الراوى، و «فقال» كلام الامام امير المؤمنين عليه السلام او «فقال» كلام السائل الّذي سئل من الامام، و «فيقول» نقل لكلام الامام، فهو تصديق للسائل بان اراد احدهما و هو المشترى- ان يعطى الاقل فى الاجل، فلم يرض البائع، فترافعا الى الامام، فحكم الامام عليه السلام على طبقه.

و لا يخفى ان هذين الخبرين مخالفان للقاعدة، اذ القاعدة الصحة لشمول عمومات البيع له خصوصا.

ص: 27

و عن ظاهر جماعة من الاصحاب العمل بهما.

و نسب الى بعض هؤلاء: القول بالبطلان.

فالاولى تبعا للمختلف الاقتصار على نقل عبارة كل هؤلاء من دون اسناد احد القولين إليهم.

قال فى المقنعة: لا يجوز البيع باجلين على التخيير، كقوله: هذا المتاع بدرهم نقدا، و بدر همين الى شهر او سنة، او بدرهم الى شهر

______________________________

و قد قال الفقهاء بمثله فيما لو استأجر شخصا ليخيط ثوبه ان روميا او فارسيا و ما اشبه ذلك.

و من المعلوم اتحاد باب الاجارة و باب البيع من هذه الجهة كما ان الجمع الدلالى بين هذين الحديثين، و بين الروايات السابقة يقتضي حمل تلك الروايات على الكراهة، او ما اشبه.

(و) كيف كان، ف (عن ظاهر جماعة من الاصحاب العمل بهما) لتوفر شرائط الحجية فيهما.

(و نسب الى بعض هؤلاء: القول بالبطلان) فبعض الاصحاب نسب إليهم القول بالصحة تارة و بالبطلان اخرى.

(فالاولى تبعا للمختلف الاقتصار على نقل عبارة كل هؤلاء من دون اسناد احد القولين) و هما الصحة و البطلان (إليهم) لنرى ما ذا قالوا.

(قال) المفيد (فى المقنعة: لا يجوز البيع باجلين على التخيير، كقوله: هذا المتاع بدرهم نقدا، و بدر همين الى شهر او سنة، او بدرهم الى شهر

ص: 28

و بدرهمين الى شهرين.

فان ابتاع انسان شيئا على هذا الشرط كان عليه اقلّ الثمنين فى آخر الاجلين، و هذا الكلام يحتمل التحريم.

و يحتمل الحمل على ما اذا تلف المبيع.

فان اللازم مع فرض فساد البيع بالاقل الّذي بيع به نقدا، لانه قيمة ذلك الشي ء.

و معنى قوله فى آخر الاجلين: انه لا يزيد على الاقل، و

______________________________

و بدرهمين الى شهرين).

فالاول: ان يكون احدهما معجلا و الآخر مؤجلا.

و الثانى: ان يكون كلاهما مؤجلا لكن الثانى ابعد اجلا من الاول.

(فان ابتاع انسان شيئا على هذا الشرط) و على هذا النحو من البيع (كان عليه اقلّ الثمنين فى آخر الاجلين) انتهى (و هذا الكلام يحتمل التحريم) التكليفى، لانه قال أو لا «لا يجوز» و ثانيا «فان ابتاع» الظاهر فى الصحة.

(و يحتمل الحمل على ما اذا تلف المبيع) فمراده بقوله «فان» انه اذا فعل هذا البيع غير الصحيح لكنه تلف المثمن فى يد المشترى.

(فان اللازم مع فرض فساد البيع) الضمان (بالاقل الّذي بيع به نقدا) لان البائع اعطاه ماله بهذه القيمة و هو قبل، فضمنه على تلك القيمة (لانه قيمة ذلك الشي ء) فهو ضمان قيمة، لا ضمان مسمّى.

(و معنى قوله فى آخر الاجلين: انه لا يزيد) القيمة (على الاقل، و

ص: 29

ان تأخر الدفع الى آخر الاجلين.

او المراد جواز التأخير لرضا البائع بذلك.

و يحتمل إرادة الكراهة، كما عن ظاهر السيد قدس سره فى الناصريات ان المكروه ان يبيع بثمنين بقليل ان الثمن نقدا، و باكثر ان كان نسيئة.

و يحتمل الحمل على فساد اشتراط زيادة الثمن مع تأخير الاجل، لكن لا يفسد العقد، كما سيجي ء.

و عن الاسكافى انه بعد ما تقدم عنه من النبوى الظاهر فى التحريم،

______________________________

ان تأخر الدفع الى آخر الاجلين) لان الضمان لا يزداد بالتأخير.

(او المراد) من اعطائه فى الاجل الثانى (جواز التأخير) الى الاجل الثانى (لرضا البائع بذلك) التأخير.

(و يحتمل إرادة) المقنعة من قوله «لا يجوز» (الكراهة، كما عن ظاهر السيد قدس سره فى الناصريات).

قال: (ان المكروه ان يبيع بثمنين) و ذلك (بقليل ان الثمن نقدا و باكثر ان كان نسيئة).

(و يحتمل الحمل على فساد اشتراط زيادة الثمن مع تأخير الاجل، لكن لا يفسد العقد) لانه من باب ضمّ شي ء فاسد الى شي ء صحيح (كما سيجي ء)

و يحتمل انه اراد ب «لا يجوز» ترتيب الأثر على ذلك البيع بل اللازم ترتيب اقل الثمنين فى ابعد الاجلين.

(و عن الاسكافى انه بعد ما تقدم عنه من النبوى الظاهر فى التحريم،

ص: 30

قال: و لو عقد البائع للمشترى كذلك، و جعل الخيار إليه، لم اختر للمشترى ان يقدم على ذلك، فان فعل و هلكت السلعة، لم يكن للبائع الا اقل الثمنين، لا جازته البيع به، و كان للمشترى الخيار فى تأخير الثمن الاقل الى المدة التى ذكرها البائع بالثمن الاوفى من غير زيادة على الثمن الاقل.

و فى النهاية: فان ذكر المتاع باجلين و نقدين على التخيير، مثل ان يقول: بعتك هذا بدينار او درهم عاجلا، او الى شهر او سنة، او بدينارين او درهمين الى

______________________________

قال: و لو عقد البائع للمشترى كذلك) بثمنين فى اجلين (و جعل الخيار إليه) اى الى المشترى، ان شاء هذا او ذاك (لم اختر للمشترى ان يقدم على ذلك) بل مختارى ان لا يقبل هذا العقد (فان فعل و هلكت السلعة لم يكن للبائع الا اقل الثمنين) لان البيع فاسد، فليس على المشترى الا الضمان بالقيمة.

و انما قلنا الاقل (لاجازته) اى البائع (البيع به) اى بالاقل (و كان للمشترى الخيار فى تأخير الثمن الاقل الى المدة التى ذكرها البائع بالثمن الاوفى) «بالثمن الاوفى» متعلق ب «ذكرها» (من غير زيادة على الثمن الاقل) و ذلك لما تقدم من ان القيمة لا تزداد بالتأخير.

(و) قال (فى النهاية: فان ذكر المتاع باجلين و نقدين على التخيير مثل ان يقول: بعتك هذا بدينار او درهم عاجلا، او الى شهر او سنة) بان كان الاول أيضا ذا اجل لكنه باجل اقل (او بدينارين او درهمين الى

ص: 31

شهر او شهرين او سنتين، كان البيع باطلا، فان امضى البيعان ذلك بينهما كان للبائع اقل الثمنين فى آخر الاجلين، انتهى.

و عن موضع من الغنية قد قدمنا ان تعليق البيع باجلين و ثمنين، كقوله: بعت الى مدة بكذا و الى اخرى بكذا، يفسده، فان تراضيا بانفاذه كان للبائع اقل الثمنين فى ابعد الاجلين بدليل اجماع الطائفة.

و عن سلار ما علق باجلين، و هو ان يقول: بعتك هذه

______________________________

شهر او شهرين او سنتين) «الى شهر» فى مقابل «عاجلا» «و شهرين او سنتين» فى مقابل «شهر او سنة» (كان البيع باطلا، فان امضى البيعان ذلك) العقد الباطل (بينهما كان للبائع اقل الثمنين فى آخر الاجلين، انتهى).

و لا يخفى ان مقتضى ما ذكروه انه لو كان الثمن الاكثر عاجلا، او لمدة اقل، او كان الوقت ثلاثة او اكثر، كما لو قال عاجلا بدرهم و الى شهر بدرهمين و الى ثلاثة بثلاثة دراهم انه أيضا كذلك لوحدة المناط.

(و عن موضع من الغنية) قال: (قد قدمنا ان تعليق البيع باجلين و ثمنين، كقوله: بعت الى مدة) عاجلا او آجلا (بكذا و الى) مدة (اخرى بكذا، يفسده) اى يفسد البيع (فان تراضيا بانفاذه كان للبائع اقل الثمنين فى ابعد الاجلين، بدليل اجماع الطائفة).

و الظاهر انه ادعى الاجماع على البطلان فى كلا الحكمين و انه اذا فعل كان له الاقل فى ابعد الاجلين.

(و عن سلار) قال: (ما علق باجلين، و هو ان يقول: بعتك هذه

ص: 32

السلعة الى عشرة ايام بدرهم، و الى شهرين بدرهمين، كان باطلا غير منعقد، و هو المحكى عن ابن الصلاح.

و عن القاضى: من باع شيئا باجلين على التخيير مثل ان يقول:

ابيعك هذا بدينار، او بدرهم عاجلا، و بدرهمين او دينار الى شهر او شهور او سنة او سنتين كان باطلا.

فان امضى البيعان ذلك بينهما، كان للبائع اقل الثمنين فى آخر الاجلين.

و قال: فى المختلف- بعد تقوية المنع- و يمكن ان يقال: انه رضى

______________________________

السلعة الى عشرة ايام بدرهم، و الى شهرين بدرهمين، كان باطلا غير منعقد) و لم يذكر سلار صورة ما اذا امضيا العقد (و هو المحكى عن ابى الصلاح) أيضا.

و ظاهر الفساد انه لا يحق للمشترى التصرف فى المتاع، كما يحق للبائع استرجاع المال.

(و عن القاضى) قال: (من باع شيئا باجلين على التخيير) بان خير المشترى فى ذلك (مثل ان يقول: ابيعك هذا بدينار، او بدرهم عاجلا و بدرهمين او دينار الى شهر او شهور او سنة او سنتين، كان باطلا).

ثم قال: (فان امضى البيعان ذلك بينهما، كان للبائع اقل الثمنين فى آخر الاجلين) انتهى.

(و قال) العلامة: (فى المختلف- بعد تقوية المنع-) عن المعاملة بثمنين فى اجلين (و يمكن ان يقال: انه) اى البائع (رضى

ص: 33

بالثمن الاقل، فليس له الاكثر فى البعيد، و إلا لزم الربا، اذ يبقى الزيادة فى مقابل تأخير الثمن لا غير، فاذا صبر الى البعيد لم يجب له الاكثر من الاقل، انتهى.

و فى الدروس ان الاقرب الصحة، و لزوم الاقل و يكون التأخير جائزا من طرف المشترى لازما من طرف البائع، لرضاه بالاقل، فالزيادة ربا، و لذا ورد النهى عنه، و هو غير مانع من صحة البيع، انتهى.

______________________________

بالثمن الاقل) لان معنى ترديده رضاه بايهما، فقد رضى بالاقل (فليس له الاكثر فى) الاجل (البعيد، و إلا لزم الربا، اذ يبقى الزيادة فى مقابل تأخير الثمن لا غير).

مثلا: كان الثمن درهما عاجلا و درهمين آجلا، فان الدرهم الثانى فى مقابل الآجل، و الربا الفرضى هو ان تكون الزيادة فى قبال الاجل (فاذا صبر) البائع (الى) الاجل (البعيد لم يجب له الاكثر من الاقل) اى الزائد على الاقل (انتهى).

(و) قال (فى الدروس ان الاقرب) فى مسئلة البيع بثمنين فى اجلين (الصحة، و لزوم الاقل و يكون التأخير) الى الاجل الثانى (جائزا من طرف المشترى) و (لازما من طرف البائع) فليس له ان يطالب قبل الاجل البعيد (لرضاه بالاقل، فالزيادة) فى مقابل الاجل (ربا، و لذا ورد النهى عنه، و هو) اى الربا فى الاجل البعيد (غير مانع من صحة البيع) فانه ضمّ شي ء غير صحيح الى شي ء صحيح (انتهى) كلام الدروس.

و قد رأيت كيف اخذه عن العلامة.

ص: 34

اقول: لكنه مانع من لزوم الاجل من طرف البائع، لانه فى مقابل الزيادة الساقطة شرعا.

الا ان يقال: ان الزيادة ليست فى مقابل الاجل، بل هى فى مقابل اسقاط البائع حقه من التعجيل الّذي يقتضيه العقد لو خلى و طبعه.

______________________________

و الظاهر ان هؤلاء الاعلام ارادوا تطبيق الروايات على القاعدة حتى اذا استشكل عليهم من جانب المخالفين كان لهم التذرع بان الحكم على وفق القاعدة، و فى مثل هذا يكفى اقل امر عرفى، و الا تطبيق الروايات على القواعد مشكل.

(اقول: لكنه) اى كونه ربا، كما ذكره الشهيد (مانع من لزوم الاجل من طرف البائع، لانه) اى الاجل (فى مقابل الزيادة الساقطة شرعا).

فجمع الشهيد بين كونه ربا، و بين قوله «لازما من طرف البائع» فيه نظر.

(الا ان يقال) فى توجيه جمع الشهيد بين «الربا» و بين «لزوم الاجل» (ان الزيادة ليست فى مقابل الاجل) حتى يقال: بسقوط الزيادة و سقوط الاجل معا (بل هى) اى الزيادة (فى مقابل اسقاط البائع حقه من التعجيل الّذي يقتضيه العقد لو خلى و طبعه).

فان العقد يقتضي التعجيل- كما تقدم- فالبائع يقول: انى اسقط حقى فى تعجيل اخذ الثمن و فى مقابل هذا الاسقاط آخذ درهما مثلا، و عليه فليس الاجل فى مقابل الزيادة حتى يستشكل على كلام الشهيد بانه اذا سقطت الزيادة سقط الاجل، فكيف قال الشهيد بسقوط الزيادة مع

ص: 35

و الزيادة و ان كانت لكنه ربا، كما سيجي ء.

الا ان فساد المقابلة لا يقتضي فساد الاسقاط

______________________________

بقاء الاجل.

(و) ان قلت: بناء على ان الزيادة فى مقابل الاسقاط فليست الزيادة ربا فكيف قال الشهيد بانها ربا.

قلت: (الزيادة و ان كانت) فى مقابل الاسقاط (لكنه ربا، كما سيجي ء) فان كل تأجيل حال بزيادة ربا باىّ عنوان كان.

فتحصل ان الشهيد قال بان الزيادة باطلة و الاجل ثابت، فاشكل عليه بانه كيف يجمع بين الامرين، و الحال ان الزيادة فى مقابل الاجل فاذا سقطت الزيادة سقط الاجل.

و الجواب ان الزيادة ليست فى مقابل الاجل، بل الزيادة فى مقابل اسقاط البائع حقه فى التعجيل.

و ان قلت: لنفرض ان الزيادة فى مقابل اسقاط البائع حقه، لكن حيث ذكرتم ان الزيادة ربا، لزم سقوط الاسقاط أيضا، فان الزيادة ساقطة فما كان فى مقابل الزيادة- اى اسقاط البائع حقه- أيضا ساقط.

قلت: المقابلة و ان كانت بين الزيادة و بين الاسقاط.

(الا ان فساد المقابلة) من جهة كون الزيادة ربا (لا يقتضي فساد الاسقاط).

اذ: الاسقاط يحصل بمجرد انشائه، سواء صحت المقابلة أو لا، فهو من قبيل ان يقول زيد: اسقطت دينى الّذي عليك فى مقابل ان تشرب

ص: 36

كما احتمل ذلك فى مصالحة حق القصاص بعبد يعلمان استحقاق الغير له، او حريته، بل قال فى التحرير بالرجوع الى الدية.

و حينئذ فلا يستحق البائع الزيادة، و لا المطالبة قبل الاجل لكن المشترى لو اعطاه وجب عليه القبول

______________________________

الخمر، فان الاسقاط قد حصل بمجرد انشائه و تبقى الخمر على حرمتها (كما احتمل ذلك) اى ان فساد المقابلة لا يقتضي فساد الاسقاط (فى مصالحة حق القصاص بعبد يعلمان استحقاق الغير له) بان كان مال الناس لا مال المصالح (او) يعلمان (حريته) فاذا قال زيد المالك لحق القصاص من عمرو لعمرو الّذي لا يملك العبد صالحتك عن حقى فى القصاص بان تعطينى هذا العبد، فقال عمرو: قبلت، قالوا: سقط حق قصاصه، و ان لم يملك العبد.

و كذا اذا صالحه على ان يهبه انسانا حرا فان حق قصاصه يسقط و الحال انه لا يملك الحرّ (بل قال فى التحرير) اذا صالحا المصالحة المذكورة (بالرجوع الى الدية) فان الكلام الاول كان احتمالا حيث قلنا «كما احتمل ذلك» و هذا فتوى من العلامة، و لذا قال «بل».

(و حينئذ) اى حيث ان البائع رضى بالاقل ثمنا و الابعد اجلا (فلا يستحق البائع الزيادة، و لا المطالبة قبل الاجل) الا بعد (لكن المشترى لو اعطاه) الثمن قبل الاجل الابعد (وجب عليه القبول) بخلاف ما اذا كان الاجل صحيحا، فانه لا يجب على البائع القبول- كما فى النسيئة-.

لان الاجل كما هو حق للمشترى فى ان يؤخّر الثمن، فكذلك هو حق

ص: 37

اذ لم يحدث له بسبب المقابلة الفاسدة حق فى التأجيل حتى يكون له الامتناع من القبول قبل الاجل، و انما سقط حقه من التعجيل.

و يمكن أيضا حمل الرواية على ان الثمن هو الاقل، لكن شرط عليه ان يعطيه على التأجيل شيئا زائدا، و هذا الشرط فاسد لما سيجي ء من ان تأجيل الحال بزيادة ربا محرم لكن فساد الشرط لا يوجب فساد المشروط، كما

______________________________

للبائع فى ان لا يقبل، لانه مقتضى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» اى بكل خصوصية من خصوصيات العقد.

و انما نقول هنا بوجوب القبول على البائع (اذ لم يحدث له) اى للبائع (بسبب المقابلة الفاسدة) بين اسقاط التعجيل و بين الزيادة، حيث قد عرفت فساد هذه المقابلة من جهة انها ربا (حق فى التأجيل حتى يكون له) اى للبائع (الامتناع من القبول قبل الاجل، و انما) البائع بسبب اسقاطه (سقط حقه من التعجيل) فلا اجل و ليس له ان يطالب، فاذا اعطاه المشترى حقه لم يكن له ان لا يقبل.

(و يمكن أيضا حمل الرواية) المتقدمة التى ظاهرها ثمنان معجّل و مؤجل (على ان الثمن) المجعول بينهما (هو الاقل) فقط (لكن شرط) البائع (عليه) اى على المشترى (ان يعطيه على التأجيل شيئا زائدا، و هذا الشرط فاسد لما سيجي ء من ان تأجيل الحال بزيادة ربا محرم).

ان قلت: حيث فسد الشرط فسد العقد المشروط به.

قلت: كلا (لكن فساد الشرط لا يوجب فساد المشروط كما

ص: 38

عليه جماعة.

و حينئذ فللبائع الاقل، و ان فرض ان المشترى اخّره الى الاجل، كما يقتضيه قوله فى رواية محمد ابن قيس و ان كانت نظرة لفرض تراضيهما على ذلك، بزعم صحة هذا الشرط، او البناء عليها تشريعا.

و لعلّ هذا مبنى قول الجماعة قدس الله اسرارهم فان امضيا البيع بينهما كذلك بمعنى انهما تراضيا على هذه المعاملة، لم يجب فى مقابل

______________________________

عليه جماعة) فان الشرط الفاسد لا يفسد.

(و حينئذ) الّذي كان البيع صحيحا و شرط التأجيل فاسدا (فللبائع) الثمن (الاقل، و ان فرض ان المشترى أخّره الى الاجل) الابعد (كما يقتضيه قوله فى رواية محمد ابن قيس) المتقدمة (و ان كانت نظرة).

و انما يجوز له التأخير (لفرض تراضيهما على ذلك) التأخير (بزعم صحة هذا الشرط) اى شرط التأخير بزيادة الثمن (او البناء عليها) اى بنيا على صحة الشرط (تشريعا) و ان علما بطلانه شرعا، فان اكثر الناس الذين لا يبالون بالشرع يبنون على صحة معاملات غير مشروعة.

و على كل حال فقد رضى البائع بتأخير الثمن فللمشترى ان يؤخر الثمن.

(و لعلّ هذا) الّذي ذكرنا فى قولنا «و يمكن أيضا» (مبنى قول الجماعة قدس الله اسرارهم) حيث قالوا (فان امضيا البيع بينهما كذلك) بزيادة الثمن فى الاجل الابعد (بمعنى انهما تراضيا على هذه المعاملة، لم يجب فى مقابل

ص: 39

التأخير الواقع برضاهما شي ء زائد على الاقل لفساد المقابلة.

و مرادهم من بطلان البيع الّذي حكموا به أولا بطلانه بهذه الخصوصية، و عدم ترتب الاثر المقصود عليه.

و قد تلخص من جميع ما ذكرنا ان المعاملة المذكورة فى ظاهر متن الروايتين لا اشكال و لا خلاف فى بطلانها، بمعنى عدم مضيها على ما تعاقدا عليه.

و اما الحكم بامضائهما- كما فى الروايتين-

______________________________

التأخير الواقع برضاهما شي ء زائد على) الثمن (الاقل) لان الزائد ربا- كما عرفت-.

و انما لم يجب (لفساد المقابلة) بين الاجل الابعد و بين الزيادة.

(و مرادهم من بطلان البيع الّذي حكموا به) اى بذلك البطلان (أولا بطلانه بهذه الخصوصية) و هى خصوصية الزيادة فى مقابل الاجل (و عدم ترتب الاثر المقصود عليه) اى على هذا البيع.

فما اوقعاه له جزء ان، جزء: ان الثمن هو الاقل، و جزء: ان فى مقابل الاجل الزيادة، فيبطل الكل بما هو كل، و يصح الجزء الاول فقط.

(و قد تلخص من جميع ما ذكرنا ان المعاملة المذكورة فى ظاهر متن الروايتين) المرويتين عن امير المؤمنين عليه السلام و «فى» متعلق ب «المذكورة» (لا اشكال و لا خلاف فى بطلانها، بمعنى عدم مضيها) اى عدم انعقادها (على ما) اى على النحو الّذي (تعاقدا عليه).

(و اما الحكم بامضائهما) امضاء (- كما فى الروايتين-) اى على نحو

ص: 40

فهو حكم تعبّدى مخالف لادلة توقف حلّ المال على الرضا و طيب النفس، و كون الاكل لا عن تراض اكلا للباطل فيقع الاشكال فى نهوض الروايتين لتأسيس هذا الحكم المخالف للاصل.

ثم ان الثابت منهما على تقدير العمل بهما، هى مخالفة القاعدة فى موردهما.

و اما ما عداه، كما اذا جعل له الاقل فى اجل، و الاكثر فى اجل آخر فلا.

______________________________

ما ذكرته الروايتان من انه باقل الثمنين و ابعد الاجلين (فهو حكم تعبّدى مخالف لادلة توقف حلّ المال على الرضا و طيب النفس) قال تعالى «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» و قال عليه السلام «لا يحل مال امرئ الا بطيب نفسه» (و كون الاكل لا عن تراض اكلا ل) لمال ب (الباطل) قال تعالى «وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ».

و ذلك لان البائع لم يرض باقل الثمنين بابعد الاجلين، و الحال ان الرواية قالت بذلك (فيقع الاشكال فى نهوض) هاتين (الروايتين لتأسيس هذا الحكم المخالف للاصل) و الظاهر النهوض لحجيتهما سندا و ظهورهما دلالة و عمل اعاظم الفقهاء بهما.

(ثم ان الثابت منهما) اى من الروايتين (على تقدير العمل بهما، هى مخالفة القاعدة فى موردهما) و هو نقد باقل، و نسيئة باكثر.

(و اما ما عداه) اى ما عدا هذا المورد (كما اذا جعل له الاقل فى اجل) قريب (و الاكثر فى اجل آخر) ابعد، او جعل الاكثر نقد او الاقل فى اجل (فلا

ص: 41

ينبغى الاستشكال فى بطلانه لحرمة القياس خصوصا على مثل هذا الاصل.

و فى التحرير البطلان هنا قولا واحدا، و حكى من غير واحد ما يلوح منه ذلك.

الا انك قد عرفت عموم كلمات غير واحد ممن تقدم للمسألتين و ان لم ينسب ذلك فى الدروس، الا الى المفيد قدس سره، لكن عن الرياض: ان ظاهر الاصحاب عدم الفرق فى الحكم بين المسألتين و هو ظاهر الحدائق أيضا، و ما

______________________________

ينبغى الاستشكال فى بطلانه) لشمول تلك الادلة العامة له، و لا تشمله الروايتان الا بالقياس، و القياس لا يصلح مستندا (لحرمة القياس خصوصا على مثل هذا الاصل) اى مثل هذا الحكم الّذي هو خلاف اطلاقات الكتاب و السنة و الاجماع و العقل، فان كلها متطابقة فى: ان العقود تتبع القصود.

(و فى التحرير) قال: ان (البطلان هنا) اى فى غير مورد الروايتين، (قولا واحدا، و حكى من غير واحد ما يلوح منه ذلك) البطلان.

(الا انك قد عرفت) فى تعليقنا السابق وحدة المناط، كما تقدم ما يدل على (عموم كلمات غير واحد ممن تقدم) نقل عبارتهم (للمسألتين) و هما:

مسئلة الثمن الاقل نقدا و الاكثر نسية، و مسئلة الاقل فى اجل قريب و الاكثر فى اجل ابعد (و ان لم ينسب ذلك) العموم للمسألتين (فى الدروس، الا الى المفيد قدس سره، لكن عن الرياض: ان ظاهر الاصحاب عدم الفرق فى الحكم بين المسألتين) فليس القائل به المفيد فقط (و هو) اى عدم الفرق (ظاهر الحدائق أيضا، و ما

ص: 42

ابعد ما بينه و بين ما تقدم من التحرير.

ثم انّ العلامة فى المختلف ذكر فى تقريب صحة المسألة: انه مثل ما اذا قال المستأجر لخياطة الثوب ان خطته فارسيا فبدرهم، و ان خطته روميا فبدرهمين، و اجاب عنه بعد تسليم الصحة برجوعها الى الجعالة.

______________________________

ابعد ما بينه) اى ما بين ما ذكره الرياض و الحدائق (و بين ما تقدم من التحرير) الّذي ادعى البطلان قولا واحدا.

(ثم ان العلامة فى المختلف ذكر فى تقريب صحة المسألة: انه مثل ما اذا قال المستأجر لخياطة الثوب) قال للاجير: (ان خطته فارسيا) اى بدرز واحد (فبدرهم، و ان خطته روميا) اى بدرزين (فبدرهمين، و اجاب عنه) اى عن التمثيل (بعد تسليم الصحة) فى الخياطة (برجوعها الى الجعالة) لا الاجارة.

لكن مبنى جماعة من الفقهاء انه من باب الاجارة و لذا قالوا بصحتها أيضا ان قال ان خطته فى يوم كذا فبكذا، و ان خطته من يوم كذا فبكذا، و كذا اذا قال للحمال ان اوصلته الى مكان كذا فبكذا، و ان اوصلته الى مكان آخر فبكذا، و هكذا ما دلّ على مهرين كقوله تعالى «عَلىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمٰانِيَ حِجَجٍ، فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ» الى غير ذلك، و قد ذكرنا جملة من الكلام فى هذا الباب فى كتاب الاجارة فى شرح العروة، فراجع، و الله العالم بحقائق الاحكام.

ص: 43

مسئلة لا يجب على المشترى دفع الثمن المؤجل قبل حلول الاجل،

و ان طولب اجماعا، لان ذلك فائدة اشتراط التأجيل.

و لو تبرع بدفعه لم يجب على البائع القبول بلا خلاف، بل عن الرياض الاجماع عليه، و فى جامع المقاصد فى باب السلم نسبة الخلاف الى بعض العامة.

______________________________

(مسألة: لا يجب على المشترى دفع الثمن المؤجل قبل حلول الاجل و ان طولب) اى طالبه البائع (اجماعا، لان ذلك) اى عدم الدفع (فائدة اشتراط التأجيل) فيشمله دليل: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، اذ معناه الوفاء بكل اجزاء العقد و شرائطه، سواء كانت له او عليه.

و كذلك العكس لا يجب على المشترى تأجيل الثمن المعجل بل اذا لم يقبل البائع القاه الى حيث سلطته، كان يلقى الثمن فى دكانه او فى جيبه او امامه او ما اشبه ذلك، و لو لم يتيسر دفعه الى الحاكم الشرعى لانه ولى الممتنع.

(و لو تبرع) المشترى (بدفعه) اى دفع الثمن المؤجّل (لم يجب على البائع القبول) بل له ان يرده حتى يأتى الاجل (بلا خلاف، بل عن الرياض الاجماع عليه، و فى جامع المقاصد فى باب السلم نسبة الخلاف الى بعض العامة) و انه اذا تبرع المشترى بدفعه وجب على البائع القبول.

ص: 44

و علّل الحكم فى التذكرة فى باب السلم بان التعجيل كالتبرع بالزيادة، فلا يكلف تقليد المنّة، و فيه تأمّل.

و يمكن تعليل الحكم بان التأجيل كما هو حق للمشترى يتضمن حقا للبائع من حيث التزام المشترى لحفظ ماله فى ذمته و جعله ايّاه كالودعى فان ذلك حق عرفا.

______________________________

(و علّل الحكم) اى عدم وجوب قبول البائع (فى التذكرة فى باب السلم بان التعجيل كالتبرع بالزيادة) كما اذا كان الثمن عشرة، فاراد المشترى اعطاء احد عشر (فلا يكلف) البائع (تقليد المنّة).

منتهى الفرق ان الزيادة فى المثال عينية و فى النسيئة معنوية (و فيه تأمل).

اذ لا زيادة هنا بل هو حقه، و انما الفارق الزمان هذا.

بالإضافة الى ان الدليل اخص من المدعى، فقد يكون فى التعجيل منة على المشترى حيث لا يتمكن من حفظ المال الى الموعد، فالاخذ منه منّة عليه.

(و يمكن تعليل الحكم) بعدم وجوب قبول البائع (بان التأجيل كما هو حق للمشترى) فلا يحق للبائع استعجاله (يتضمن حقا للبائع) أيضا (من حيث التزام المشترى لحفظ ماله) اى مال البائع (فى ذمته) اى فى ذمة المشترى (و جعله) اى جعل البائع (اياه) اى المشترى (كالودعى فان ذلك) الجعل (حق عرفا) للبائع، فلا يتمكن المشترى من اسقاط هذا الحق الا برضى البائع، لانه لا يتوى حق امرئ مسلم.

ص: 45

و بالجملة: ففى الاجل حق لصاحب الدين بلا خلاف ظاهر.

و مما ذكرنا يظهر الفرق بين الحال و المؤجّل حيث انه ليس لصاحب الدين الحال حق على المديون.

و اندفع أيضا ما يتخيل من ان الاجل حق مختص بالمشترى، و لذا يزاد الثمن من اجله، و له طلب النقصان فى مقابل التعجيل

______________________________

(و بالجملة: ففى الاجل حق لصاحب الدّين بلا خلاف ظاهر) بالإضافة الى ما ذكرناه من ان ذلك من مقتضيات العقد، فيشمله دليل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و نحوه.

(و ممّا ذكرنا) من ان المؤجّل حق للدائن أيضا فلا يكلّف باسقاط حقه (يظهر الفرق بين الحال و المؤجل) و لذا يجب القبول من البائع فى الحال دون المؤجل (حيث انه ليس لصاحب الدين الحال) و هو البائع الّذي اشترى نقدا (حق على المديون) فى حفظ ثمنه.

فاذا اراد البائع ان يحفظ المشترى ثمنه لم يكن ذلك له بل للمشترى ان يدفع الثمن إليه جبرا بخلاف البيع المؤجل فان للبائع حقا على المشترى فى حفظ ثمنه.

(و اندفع أيضا ما يتخيل من ان الاجل حق مختص بالمشترى، و لذا) الّذي انه حق مختص بالمشترى- لانه توسعة عليه- (يزاد الثمن من اجله) اى من اجل الاجل فالنقد مثلا بدينار و النسيئة بدينار و ربع (و له) اى للمشترى (طلب النقصان) من الثمن (فى مقابل التعجيل) فاذا اشتراه بدينار و ربع الى شهر كان له ان يقول اعطيك الثمن- ايها البائع-

ص: 46

و ان المؤجّل كالواجب الموسع فى انه يجوز فيه التأخير، و لا يجب.

ثم انه لو اسقط المشترى اجل الدين، ففى كتاب الدين من التذكرة و القواعد: انه لو اسقط المديون اجل الدين مما عليه لم يسقط، و ليس لصاحب الدين مطالبته فى الحال.

و علّله فى جامع المقاصد: بانه قد ثبت التأجيل فى العقد اللازم، فلا يسقط، و لان فى الاجل حقا لصاحب الدين.

______________________________

الآن، و لكن بشرط ان تنقص ربعا من الدينار و الربع (و ان المؤجّل كالواجب الموسع فى انه يجوز فيه التأخير، و لا يجب) التأخير فكما فى الموسع يجوز تقديمه فى اوّل الوقت كذلك فى المؤجّل يجوز تعجيله.

فقد ظهران كل ذلك غير صحيح بل المؤجل حق لكل من البائع و المشترى فكما لا يحق للبائع ان يطالبه معجلا كذلك لا يحق للمشترى ان يدفعه بالقوة الى البائع و ليس حقا خاصا للمشترى حتى يحق له ان يسقطه.

(ثم انه لو اسقط المشترى اجل الدين، ففى كتاب الدين من التذكرة و القواعد: انه لو اسقط المديون اجل الدين مما عليه) اى اجل الدين الّذي كان عليه (لم يسقط) الاجل (و ليس لصاحب الدين) اى الدائن (مطالبته فى الحال) بل اسقاطه غير مثمر، فهو كلا اسقاط فيبقى الدين مؤجّلا.

(و علّله) اى علّل عدم سقوط التأجيل بالاسقاط (فى جامع المقاصد:

بانه قد ثبت التأجيل فى العقد اللازم، فلا يسقط) بالاسقاط (و لان فى الاجل حقا لصاحب الدين) و هو البائع، كما فيه حق للمديون و هو المشترى.

ص: 47

و لذا لم يجب عليه القبول قبل الاجل، اما لو تقايلا فى الاجل يصح و لو نذر التأجيل فانه يلزم و ينبغى ان لا يسقط بتقايلهما، لان التقايل فى العقود لا فى النذور، انتهى.

و فيه ان الحق المشترط فى العقد اللازم يجوز لصاحبه اسقاطه، و حق صاحب الدين لا يمنع من مطالبته من اسقط حق نفسه.

______________________________

(و لذا) الّذي ان فى الاجل حقا لصاحب الدين (لم يجب عليه) اى على صاحب الدين (القبول) اذا اراد المشترى اعطائه (قبل الاجل) فاسقاط المشترى لا يؤثر فى سقوط حق البائع (اما لو تقايلا فى الاجل) بان اسقط كلاهما الاجل (يصح) لانه حق لهما، فاذا اسقطاه سقط.

(و لو نذر التأجيل) فيما اذا كان للبيع اجل (فانه يلزم) التأجيل (و ينبغى) بعد النذر (ان لا يسقط) الاجل (بتقايلهما، لان التقايل فى العقود لا فى النذور) لان النذر حق للّه تعالى، فلا يسقط باسقاط الانسان له (انتهى) كلام جامع المقاصد.

(و فيه) انه للمشترى اسقاط حقه و لو اسقط المشترى اجله كان للبائع المطالبة، ل (ان الحق المشترط فى العقد اللازم يجوز لصاحبه اسقاطه)

فقوله: قد ثبت التأجيل فى العقد اللازم فلا يسقط، غير تام، اذ الحق قابل للاسقاط و الّذي لا يقبل الاسقاط هو الحكم (و حق صاحب الدين) اى البائع (لا يمنع من مطالبته) اى مطالبة صاحب الدين (من اسقط حق نفسه) الّذي هو المشترى.

فقوله «و لان فى الاجل حقا لصاحب الدين» غير تام، اذ حق البائع

ص: 48

و فى باب الشروط من التذكرة: لو كان عليه دين مؤجل، فاسقط المديون الاجل، لم يسقط، و ليس للمستحق مطالبته فى الحال لان الاجل صفة تابعة، و الصفة لا تفرّد بالاسقاط، و لهذا لو اسقط مستحق الحنطة الجيّدة و الدنانير الصحيحة الجودة و الصحة لم يسقط.

و للشافعى وجهان، انتهى.

و يمكن ان يقال ان مرجع التأجيل فى العقد اللازم

______________________________

لا يمنع من مطالبة البائع من المشترى معجّلا اذا اسقط المشترى حقه فى التأجيل

(و فى باب الشروط من التذكرة) قال: (لو كان عليه دين مؤجل، فاسقط المديون الاجل، لم يسقط) حتى يكون الدين حالا (و ليس للمستحق مطالبته فى الحال) بعد اسقاط المديون (لان الاجل صفة تابعة و الصفة لا تفرّد بالاسقاط) فان الصفة لا تنفك عن الموصوف (و لهذا لو اسقط مستحق الحنطة الجيّدة و الدنانير الصحيحة الجودة و الصحة لم يسقط) حتى ينتقل الى ذمة الدائن الحنطة الرديئة و الدنانير المكسّرة.

(و للشافعى وجهان) و هما: السقوط لانه منفك عرفا عن الموصوف و عدم السقوط لان الصفة لا تفرّد بالاسقاط (انتهى) كلام التذكرة.

اقول: لكن الظاهر السقوط فى الموردين لانه حق عرفا و لا مانع من سقوطه.

و حديث ان الصفة لا تنفك عن الموصوف انما هو فى الامور الخارجية تبعا لمسألة استحالة انتقال العرض، اما فى الامور الاعتبارية فلا بأس بذلك.

قال المصنف: (و يمكن ان يقال ان مرجع التأجيل فى العقد اللازم)

ص: 49

الى اسقاط حق المطالبة فى الاجل، فلا يعود الحق باسقاط التأجيل

و الشرط القابل للاسقاط ما تضمن اثبات حق قابل لاسقاطه بعد جعله.

الا ترى انه لو شرط فى العقد التبرى من عيوب، لم يسقط هذا الشرط باسقاطه بعد العقد،

______________________________

الّذي هو محل الكلام (الى اسقاط حق المطالبة فى الاجل) اى فى المدة بين العقد و بين الوقت المضروب بان لا يطالب الى شهر فيما اذا جعل الاجل شهرا (فلا يعود الحق) الى البائع- اى حقه فى الطلب العاجل- (باسقاط) المديون (التأجيل).

و الحاصل: ان البائع له حق المطالبة عاجلا، فاذا اسقط هذا الحق بسبب جعل الثمن مؤجّلا فلا يرجع إليه هذا الحق باسقاط المديون الاجل اذ: رجوع الحق يحتاج الى دليل مفقود فى المقام.

(و) ان قلت: الاجل شرط، و الشرط يمكن اسقاطه.

قلت: (الشرط القابل للاسقاط ما تضمن اثبات حق قابل لاسقاطه) اى لاسقاط ذلك الحق (بعد جعله) كان يشترط ان يخيط البائع ثوبه، فان خياطة الثوب حق للمشترى قابل للاسقاط اما ما نحن فيه فليس كذلك فان التأجيل ليس اثبات حق، بل هو اسقاط حق، فالثابت قابل للاسقاط اما الساقط فليس قابلا للاثبات.

(الا ترى انه لو شرط فى العقد التبرى من عيوب، لم يسقط هذا الشرط باسقاطه بعد العقد) فلا يصح للبائع الّذي تبرأ من العيوب ان

ص: 50

و لم تعدّ العيوب مضمونة كما لو كانت بدون الشرط.

و اما ما ذكره من ان لصاحب الدين حقا فى الاجل، فدلالته على المدعى موقوفة على ان الشرط الواحد اذا انحل الى حق لكل من المتبايعين لم يجز لاحدهما اسقاطه، لان الفرض اشتراكهما فيه، و لم يسقط الحق بالنسبة الى نفسه لانه حق واحد يتعلق بهما، فلا يسقط الا باتفاقهما الّذي

______________________________

يسقط شرط التبرّى (و) انه اذا قال: اسقطت شرطى، كان قوله لغوا، و (لم تعدّ العيوب مضمونة) على البائع (كما لو كانت) العيوب مضمونة (بدون الشرط) اى لم تعدّ كحالتها السابقة.

(و اما ما ذكره) جامع المقاصد (من ان لصاحب الدين حقا فى الاجل) و لذا لا يحق للمديون اسقاطه، و هذا دليل على انه لا يحق للمديون اسقاط الاجل الا بالتقايل بان يتفقا الدائن و المديون، على اسقاط الاجل (فدلالته على المدعى) و هو ان الاجل لا يسقط باسقاط المديون وحده (موقوفة على ان الشرط الواحد اذا انحل الى حق لكل من المتبايعين لم يجز لاحدهما اسقاطه).

و انما لم يجز لاحدهما اسقاطه (لان الفرض اشتراكهما) اى المتبايعين (فيه) اى فى ذلك الشرط.

مثلا: اذا شرطا التسليم فى مكان كذا لا يحق لاحدهما فقط اسقاط هذا الشرط، فاحدهما المسقط للشرط المشترك لم يسقط الحق بالنسبة الى شريكه (و لم يسقط الحق بالنسبة الى نفسه) أيضا (لانه حق واحد يتعلق بهما، فلا يسقط الا باتفاقهما) ذلك الاتفاق (الّذي

ص: 51

عبّر عنه بالتقايل، و معناه الاتفاق على اسقاط الشرط الراجع إليهما.

فلا يرد عليه منع صحة التقايل فى شروط العقود، لا فى انفسها.

نعم لو صار التأجيل حقا لله تعالى بالنذر لم ينفع اتفاقهما على سقوطه، لان الحق معلق بغيرهما.

و ما ذكره حسن، لو ثبت اتحاد الحق الثابت من اشتراط التأجيل او لم يثبت التعدد، فيرجع الى اصالة

______________________________

عبّر) جامع المقاصد (عنه بالتقايل، و) التقايل هنا (معناه الاتفاق) بين الطرفين (على اسقاط الشرط الراجع إليهما) «الراجع» صفة «الشرط»

(فلا يرد عليه منع صحة التقايل فى شروط العقود، لا فى انفسهما) اى انفس العقود، فنمنع التقايل فى الشرط، اما فى العقد فلا نمنع التقايل فيه.

(نعم لو صار التأجيل حقا لله تعالى بالنذر) و شبهه، و هذا ما ذكره جامع المقاصد فى آخر كلامه (لم ينفع اتفاقهما على سقوطه، لان الحق) و هو التأجيل (معلق بغيرهما) و هو الله سبحانه.

(و ما ذكره) من ان التأجيل حق واحد لهما فلا يصح اسقاط احدهما لهذا الحق (حسن، لو ثبت اتحاد الحق الثابت من اشتراط التأجيل) بان نعلم انه حق واحد، لكن الظاهر انه حقان حق للبائع و حق للمشترى و ان لكل واحد منهما اسقاطه حقه، بدون التوقف على اسقاط الطرف الآخر (او لم يثبت التعدد) فى حق التأجيل بان لم نعلم انه حق واحد او متعدد (فيرجع) عند الشك فى انه هل سقط باسقاط احدهما، أم لا؟ (الى اصالة

ص: 52

عدم السقوط، لكن الظاهر تعدد الحق، فتأمل.

ثم ان المذكور فى باب الشروط عن بيع التذكرة تعليل عدم سقوط اجل الدين بالاسقاط، بان الاجل صفة تابعة لا يفرد بالاسقاط و لذا لو اسقط مستحق الحنطة الجيّدة او الدنانير الصحاح الجودة او الصحة لم يسقط

______________________________

عدم السقوط، لكن الظاهر تعدد الحق، فتأمل).

لعله اشارة الى ان ارجاع التأجيل الى اسقاط حق المطالبة مسامحة

ثم تبين مما ذكرنا ان المصنف يقول بان حق التأجيل لا يسقط لانه عبارة عن اثبات الحق بعد اسقاطه.

و العلامة يقول بانه حق التأجيل لا يسقط لانه صفة و الصفة لا تسقط بدون الموصوف.

و المحقق الثانى يقول بان حق التأجيل لا يسقط باسقاط احدهما لانه حق لهما فلا يسقط باسقاط احدهما.

و فى الكل نظر، و قد اشار المصنف الى النظر فى الاول بقوله «فتأمل»

و اشار الى النظر فى الثالث بقوله «لكن الظاهر تعدد الحق».

كما انا اشرنا الى النظر فى الثانى عند تعليقنا بعد قوله «و للشافعى وجهان».

(ثم ان المذكور فى باب الشروط عن بيع التذكرة تعليل عدم سقوط اجل الدين بالاسقاط، بان الاجل صفة تابعة) للدين (لا يفرد بالاسقاط) لان الصفة لازمة للموصوف لا تنفك عنه (و لذا لو اسقط مستحق الحنطة الجيّدة او الدنانير الصحاح الجودة او الصحة لم يسقط) بل الواجب على

ص: 53

انتهى.

و هذا لا دخل له بما ذكره جامع المقاصد.

______________________________

المديون اعطاء الحنطة الجيّدة و الدنانير الصحاح (انتهى).

و لا يخفى ان هذا من المصنف تكرار لما ذكره قبل اسطر.

و قد عرفت ان الظاهر سقوط الاجل و سقوط الصحة و الجودة.

(و) كيف كان، ف (هذا) الّذي ذكره التذكرة (لا دخل له بما ذكره جامع المقاصد) لان جامع المقاصد علّل عدم السقوط بوحدة الحق- كما تقدم شرح ذلك-.

ثم انه لو اسقط ذو الحق حقه فى الاجل، ثم اراد ارجاعه لم يرجع و لو بموافقة الطرف الثانى، اذ هو تبانى خارج العقد، و لا دليل على لزوم التبانى اذا لم يكن فى ضمن عقد او نحوه.

و كذا اذا لم يجعلا الاجل فى العقد ثم ارادا بعد العقد جعل الاجل لم يلزم، فلكل منهما رفع اليد عنه، و الله العالم.

ص: 54

مسئلة اذا كان الثمن بل كل دين حالا او حلّ، وجب على مالكه قبوله عند دفعه إليه،

لان فى امتناعه اضرارا و ظلما، اذ لا حق له على من فى ذمته فى حفظ ماله فى ذمته، و الناس مسلطون على انفسهم.

و توهم عدم الاضرار و الظلم لارتفاعه بقبض الحاكم مع امتناعه او عزله و

______________________________

(مسألة: اذا كان الثمن بل كل دين حالا او حلّ) اجله- بعد ان كان مؤجّلا- (وجب على مالكه قبوله عند دفعه إليه).

و انما يجب القبول (لان فى امتناعه) عن القبول (اضرارا) بالمديون و لا ضرر و لا ضرار (و ظلما) لانه تعدّ على المديون (اذ لا حق له) اى للمديون (على من) المال (فى ذمته) و هو المديون (فى حفظ ماله) «فى» متعلق ب «لا حق» فان الدائن لا حق له فى حفظ مال المديون (فى ذمته، و الناس مسلطون على انفسهم) فاذا تمكن الدائن ان يجبر المديون على حفظ ماله الّذي هو فى ذمة المديون، كان ذلك خلاف سلطنة المديون على نفسه، لان معناه ان ذمة المديون تحت سلطة الدائن.

(و توهم عدم الاضرار و الظلم) من الدائن بالنسبة الى المديون (لارتفاعه) اى كل من الاضرار و الظلم (بقبض الحاكم) مال المديون (مع امتناعه) اى فيما اذا امتنع الدائن من القبض، فلا يبقى المال فى ذمة المديون حتى يكون ضررا عليه (او عزله) اى عزل المديون مقدار مال الدائن من امواله (و) يكون

ص: 55

ضمانه على مالكه.

مدفوع بان مشروعية قبض الحاكم او العزل انما تثبت لدفع هذا الظلم و الاضرار المحرّم عن المديون و ليس بدلا اختياريا حتى يسقط الوجوب عن المالك لتحقق البدل.

الا ترى انّ من يجب عليه بيع ماله لنفقة عياله لا يسقط عنه الوجوب لقيام الحاكم مقامه فى البيع.

______________________________

(ضمانه) اى ضمان المال بعد العزل (على مالكه) اى الدائن فاذا تلف المال لم يكن ضررا على المديون.

(مدفوع بان مشروعية قبض الحاكم او العزل) اذا لم يمكن قبض الحاكم (انما تثبت لدفع هذا الظلم و الاضرار المحرّم عن المديون) «عن» متعلق ب «دفع» اذ لو لم يكن ظلما و ضررا لم يجب على الحاكم القبض و لا صحّ عزل المال (و ليس) قبض الحاكم و العزل (بدلا اختياريا) عن قبض الدائن بان يكون هناك شقان- فى عرض واحد- قبض الدائن او قبض الحاكم (حتى يسقط الوجوب) اى وجوب القبض (عن المالك) «عن» متعلق ب «يسقط».

و انما يسقط (لتحقق البدل) العرضىّ الّذي هو قبض الحاكم.

(الا ترى) مثال لوضوح ان الحاكم بدل طولى (انّ من يجب عليه بيع ماله لنفقة عياله لا يسقط عنه الوجوب، لقيام الحاكم مقامه فى البيع) بل الحاكم بدل عنه فى طوله.

ص: 56

و كيف كان فاذا امتنع بغير حق سقط اعتبار رضاه، لحديث نفى الضرر، بل مورده كان من هذا القبيل، حيث ان سمرة ابن جندب امتنع من الاستيذان للمرور الى عذقه الواقع فى دار الانصارى، و عن بيعها فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم للانصارى: اذهب فاقلعها و ارم بها وجه صاحبها فاسقط ولايته على ماله.

______________________________

(و كيف كان فاذا امتنع) الدائن من قبول ماله (بغير حق سقط اعتبار رضاه) فى قبضه (لحديث نفى الضرر) فانه حيث كان ابقاء الدين ضررا على المديون، كان له ان يلقى المال عند الدائن بحيث يصدق انه صار تحت سلطة الدائن، كان يلقيه امامه مع التفات الدائن او فى دكانه او فى جيبه او ما اشبه ذلك، لان ذلك كله وفاء عرفا (بل مورده) اى مورد حديث: لا ضرر (كان من هذا القبيل، حيث ان سمرة ابن جندب امتنع من الاستيذان للمرور الى عذقه الواقع فى دار الانصارى، و عن بيعها) فانه كان له عذق فى دار رجل من الانصار، و كان يدخل الدار بلا استيذان مما يسبب اطلاعه على اهل الانصارى، و لما اشتكاه الانصارى الى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم توسط الرسول فى ان يستأذن سمرة اذا اراد دخول الدار، فلم يقبل سمرة، ثم توسط الرسول صلى الله عليه و آله و سلم فى ان يبيع العذق، فلم يقبل أيضا (فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم للانصارى: اذهب فاقلعها و ارم بها وجه صاحبها) لانه: لا ضرر و لا ضرار (فاسقط) الرسول صلى الله عليه و آله و سلم (ولايته) اى ولاية سمرة (على ماله) اى النخلة لما كانت ولايته ضرار على الانصارى و هنا كذلك،

ص: 57

و مقتضى القاعدة اجبار الحاكم له على القبض، لان امتناعه اسقط اعتبار رضاه فى القبض الّذي يتوقف ملكه عليه، لا اصل القبض الممكن تحققه منه كرها.

مع كون الاكراه بحق بمنزلة الاختيار، فان تعذر مباشرته و لو كرها، تولاه الحاكم، لان السلطان ولىّ الممتنع

______________________________

فان تصرف المديون فى مال الدائن بإلقائه امامه تصرف فى ملك الدائن و مخالف لسلطته، لكن لما كان الدائن مضارا سقطت هذه السلطة عنه.

(و مقتضى القاعدة اجبار الحاكم له) اى للدائن (على القبض) اذ كان للدائن امران، القبض، و الرضا بالقبض (لان امتناعه) اى الدائن عن القبض (اسقط اعتبار رضاه فى القبض) ذلك القبض (الّذي يتوقف ملكه) اى ملك الدائن (عليه) اى على ذلك القبض (لا) انه اسقط (اصل القبض الممكن تحققه) اى تحقق ذلك القبض (منه) اى من الدائن (كرها) «منه» متعلق ب «تحققه» هذا.

(مع كون الاكراه بحق بمنزلة الاختيار) و لذا ثبت فى الشريعة فى كل مورد ابى من عليه الحق بدفع الحق عن اختياره.

ثم الظاهر ان القائه امامه او فى جيبه مقدم على جبر الحاكم له، لان الالقاء بمنزلة القبض عرفا (فان تعذر مباشرته) اى قبض المديون (و لو) قبضا (كرها تولاه) اى تولى القبض (الحاكم، لان السلطان ولىّ الممتنع) فان القاضى و الحاكم هو الّذي يتولى هذه الامور.

فاذا جعل الشارع انسانا قاضيا و حاكما كان معناه انه له ذلك.

ص: 58

بناء على ان الممتنع من يمتنع، و لو مع الاجبار.

و لو قلنا انه من يمتنع بالاختيار جاز للحاكم تولى القبض عنه من دون الاكراه و هو الّذي رجحه فى جامع المقاصد.

و المحكى عن اطلاق جماعة منهم عدم اعتبار الحاكم.

______________________________

و انما قدمنا اجباره بالاخذ على اخذ الحاكم (بناء على ان الممتنع) الّذي يكون السلطان وليّا له هو (من يمتنع، و لو مع الاجبار) فلا يقبل حقه لا اختيارا و لا اجبارا.

(و) اما (لو قلنا انه) اى الممتنع الّذي يقوم الحاكم مقامه (من يمتنع و لو مع الاجبار) فلا يقبل حقه لا اختيارا و لا اجبارا.

(و) اما (لو قلنا انه) اى الممتنع الّذي يقوم الحاكم مقامه (من يمتنع بالاختيار) فقط (جاز للحاكم تولى القبض عنه من دون الاكراه).

فاذا لم يقبل الدائن ان يأخذ ماله بالاختيار جاء دور الحاكم فيقبضه عنه (و هو) اى ما ذكرناه بقولنا «و لو قلنا» (الّذي رجحه فى جامع المقاصد)

(و) لكن (المحكى عن اطلاق جماعة منهم عدم اعتبار الحاكم) اصلا، ففى المسألة اقوال ثلاثة.

الاول: اعتبار الحاكم بعد امتناع المديون و عدم امكان اجباره.

الثانى: اعتباره بعد امتناع المديون.

الثالث: انه لا يجب على المديون تسليم المال الى الحاكم، و قالوا بانه لو هلك المال كان من كيس المديون الممتنع بدون ذكرهم للحاكم.

ص: 59

و ليس للحاكم مطالبة المديون بالدين اذا لم يسأله لعدم ولايته عليه، مع رضا المالك بكونه فى ذمته.

و عن السرائر وجوب القبض على الحاكم عند الامتناع و عدم وجوب الاجبار، و استبعده غيره، و هو فى محله.

______________________________

(و) هنا مسئلة اخرى هى انه (ليس للحاكم مطالبة المديون بالدين اذا لم يسأله) الدائن.

فاذا طلب الدائن من الحاكم ان يطالب المديون بدينه وجب على الحاكم، و الا لم يكن للحاكم المطالبة تبرعا من نفسه (لعدم ولايته) اى الحاكم (عليه) اى على الطلب من المديون (مع رضا المالك) الدائن (بكونه) اى الدين (فى ذمته) اى ذمة المديون.

فاذا كان المديون ممتنعا عن الاداء و لم يطلب الدائن من الحاكم قبض المال عن المديون لم يكن للحاكم ان يقبضه عنه.

(و) لكن (عن السرائر وجوب القبض) اى قبض المال من المديون (على الحاكم عند الامتناع) اى امتناع المديون عن الاداء، و ان لم يطلب الدائن من الحاكم ان يقبض المال عن المديون (و عدم وجوب الاجبار) اى لا يجب على الحاكم اجبار المديون على اداء دينه، بل اذا لم يدفع المديون قبضه الحاكم بنفسه.

و يحتمل ان السرائر يريد بهذا ما ذكره جامع المقاصد حيث قلنا «و هو الّذي رجحه جامع المقاصد» (و استبعده) اى ما ذكره السرائر (غيره و هو) اى الاستبعاد (فى محله).

ص: 60

و لو تعذر الحاكم فمقتضى القاعدة اجبار المؤمنين له عدولا كانوا، أم لا لانه من المعروف الّذي يجب الامر به على كل احد.

فان لم يمكن اجباره ففى وجوب قبض العدول عنه نظر، اقواه العدم

______________________________

اذ لا وجه لتدخل الحاكم بين الدائن و المديون اذا لم يطلب منه الدائن فانه خلاف سيرة الحكام، فانهم يتدخلون فى حلّ المشاكل اذا راجعهم احد.

اللهم الا ان يقال: ان نظر السرائر الى وجوب دفع المنكر الّذي يمارسه المديون لانه يمنع الحق عن اهله.

(و لو تعذر الحاكم) اما لانه لا وجود للحاكم فى البلد، او ان الحاكم لا يقدم لمحذور له فى الاقدام (فمقتضى القاعدة اجبار المؤمنين له) اى للدائن بان يأخذ دينه (عدولا كانوا، أم لا).

و انما وجب عليهم (لانه من المعروف الّذي يجب الامر به على كل احد) فان الدائن بسبب عدم قبض ماله عاص.

(فان لم يمكن اجباره ففى وجوب قبض العدول عنه نظر).

من انّ العدول قائمون مقام الحاكم فيجب.

و من انه بالامكان عزل نفس المديون لماله و حفظه عنده، فلا حاجة الى العدول (اقواه العدم).

و ربما يقال: انه اذا كان من المعروف الّذي يجب الامر به على كل احد لم يلزم الحاكم من اوّل الامر أيضا بسبب عموم ادلة الامر، و لذا تمكن المدين من اجبار الدائن.

ص: 61

و حينئذ فطريق براءة ذمة المديون ان يعزل حقه، و يجعله امانة عنده.

فان تلف فعلى ذى الحق، لان هذه فائدة العزل و ثمرة الغاء قبض ذى الحق،

______________________________

نعم اذا كان فى اجباره له فساد، احتاج الى اذن الحاكم.

(و حينئذ) اى حين كان الاقوى العدم من جهة انه لا فرق بينه و بين العدول فى بقاء المال عنده او عندهم فلما ذا يكلف العدول بأخذ المال و الحال ان الاصل عدم وجوبه عليهم (فطريق براءة ذمة المديون ان يعزل) المديون (حقه) اى حق الدائن فى شي ء شخصى.

و انما يجوز له العزل مع ان مقتضى القاعدة الكلى لا يكون شخصيا الا بقبض صاحب الحق، لان البقاء فى ذمة المديون ضرر عليه فدليل:

لا ضرر، يسقط وجوب البقاء فى ذمة المديون، و يسقط وجوب القبض فى تشخيص الكلّى فى المقام، و ذلك كما اذا تمكن من القائه عنده حيث سلطة الدائن.

و يدل عليه حديث سمرة حيث قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم:

ارم به وجهه، مع انه لم يقبضه باليد (و) اذا عزل حقه (يجعله) المديون (امانة عنده) اى عند نفسه.

(فان تلف) المال بدون تعدّ او تفريط (فعلى ذى الحق) الّذي هو الدائن (لان هذه) اى كون التلف على ذى الحق (فائدة العزل و ثمرة الغاء قبض ذى الحق).

ص: 62

و لكن لم يخرج عن ملك مالكه، لعدم الدليل على ذلك.

فان اشتراط القبض فى التمليك لا يسقط بادلة نفى الضرر، و انما يسقط بها ما يوجب التضرر و هو الضمان.

و حينئذ فنماء المعزول له و قاعدة مقابلة الخراج بالضمان غير جارية هنا

______________________________

حيث ان «لا ضرر» الغى «قبض الدائن» فان وجوب اقباضه ضرر على المديون ببقاء المال فى ذمة المديون و اشتغال ذمته به (و لكن) بالعزل (لم يخرج) المال المعزول (عن ملك مالكه) بل يبقى فى ملك المديون (لعدم الدليل على ذلك) اى على خروجه عن ملك المديون، فهو ملك له و انما افاد العزل كون تلفه على الدائن.

(فان اشتراط القبض فى التمليك لا يسقط بادلة نفى الضرر، و انما يسقط بها) اى بادلة نفى الضرر (ما يوجب التضرر) اى ضرر المديون (و) ما يوجب (هو الضمان).

و الحاصل: ان القبض له ثمرتان و هما: كون التلف من مال القابض و كون المال للقابض.

فدليل: لا ضرر، يرفع القبض بالنسبة الى الحكم الاول، لا الحكم الثانى- لان فى الحكم الاول ضرر لا فى الحكم الثانى-.

(و حينئذ) اى حين لم يخرج الشي ء المشخص من ملك المديون (فنماء المعزول) يكون (له) اى للمديون (و قاعدة مقابلة الخراج بالضمان) حيث دلّ الدليل على ان الخراج بالضمان (غير جارية هنا) فالخراج للمديون و الضمان على الدائن.

ص: 63

و قد يستشكل فى الجمع بين الحكم ببقاء ملكية الدافع و كون التلف من ذى الحق.

و وجهه ان الحق المملوك لصاحب الدين ان تشخص فى المعزول كان ملكا له، و ان بقى فى ذمة الدافع لم يمكن تلف المعزول منه، اذ لم يتلف ماله.

و يمكن ان يقال: ان الحق قد سقط من الذمة و لم يتشخص بالمعزول و انما تعلق به تعلق حق المجنى عليه برقبة العبد الجانى فبتلفه يتلف الحق،

______________________________

(و قد يستشكل فى الجمع بين الحكم ببقاء ملكية الدافع) على المال المعزول (و) بين (كون التلف من ذى الحق) و هو الدائن.

(و وجهه) اى وجه الاستشكال (ان الحق المملوك لصاحب الدين) اى الدائن (ان تشخص فى المعزول كان) المعزول (ملكا له) اى للدائن فنماؤه له أيضا (و ان بقى) الحق (فى ذمة الدافع لم يمكن تلف المعزول منه) اى من الدائن (اذ لم يتلف ماله) اى مال الدائن، و انما تلف مال المديون.

(و يمكن ان يقال) فى وجه الجمع بين الحكمين (ان الحق قد سقط من الذمة) لان بقائه فى الذمة ضرر على المديون (و لم يتشخص بالمعزول) اذ: الاصل عدم التشخص الا بالقبض (و انما تعلق) الحق (به) اى بالمعزول مثل (تعلق حق المجنى عليه برقبة العبد الجانى) حيث انه لم يصبح ملكه فلم يخرج من ملك مالكه، و انما صار متعلقا لحقه (فبتلفه يتلف الحق) فلا

ص: 64

و مع بقائه لا يتعين الحق فيه فضلا عن ان يتشخص به.

و يمكن ان يقال: بانه يقدر آنا مّا قبل التلف فى ملك صاحب الدين ثم ان الظاهر جواز تصرفه فى المعزول،

______________________________

حق للمجنى عليه (و مع بقائه) اى بقاء العبد (لا يتعين الحق فيه).

فان لمالك العبد ان يفك رقبة العبد بمال آخر (فضلا عن ان يتشخص به) فلا يكون العبد مصداقا لحق المجنى عليه حتى يكون كسائر اموال المجنى عليه.

(و يمكن ان يقال) هذا وجه آخر فى الجمع بين كون المعزول باق على ملك الدافع و كون التلف من ملك الدائن (بانه يقدر آنا مّا قبل التلف فى ملك صاحب الدين) حتى يكون تلفه عليه.

و انما نقول بالملك الآنامائى، لانه مقتضى الجمع بين الدليلين و هما دليل: لا ضرر، المقتضى لخروج الحق من ذمة المديون، و دليل: سلطة الناس على اموالهم، المقتضى لبقاء المعزول فى ملك العازل، و دليل ان التلف يكون من ملك من تلف فى ملكه لا من ملك انسان آخر.

لكن لا يخفى الاشكال فى ما ذكره المصنف، بل مقتضى القاعدة ان يكون المعزول ملكا للمديون و له جميع آثار الملك.

(ثم ان الظاهر) لدى المصنف (جواز تصرفه) اى المديون (فى المعزول) لانه لم يصبح ملكا للدائن بالعزل، بل صار متعلق حقه فقط، بحيث ان تلفه من كيس الدائن فقط.

فسائر الآثار كلها تترتب على هذا المعزول مثلما كانت تترتب قبل

ص: 65

فينتقل المال الى ذمته لو اتلفه.

و مقتضى القاعدة عدم وجوب حفظه من التلف لان شرعية عزله، و كون تلفه من مال صاحب الدين انما جاء من جهة تضرر المديون ببقاء ذمته مشغولة.

و تكليفه بحفظ المعزول اضرّ عليه من حفظ اصل المال فى الذمة.

و عن المحقق الثانى انه يتّجه الفرق بين ما اذا عرضه على المالك بعد تعيينه.

______________________________

العزل (فينتقل المال الى ذمته) اى ذمة المديون (لو اتلفه) المديون كسائر اموال الناس اذا اتلفها انسان آخر.

(و مقتضى القاعدة عدم وجوب حفظه) اى حفظ المعزول (من التلف) فليس كسائر الامانات.

و انما لا يجب حفظه (لان شرعية عزله، و كون تلفه) بلا تعدّ و لا تفريط (من مال صاحب الدين) للملك الآنامائى الّذي تقدم (انما جاء من جهة تضرر المديون ببقاء ذمته مشغولة) و لذا جاز نقله من الذمة الى الخارج، كما ان كون تلفه على المديون ضرر عليه، و لذا قلنا بالملك الآنامائى.

(و) من المعلوم ان (تكليفه) اى تكليف المديون (بحفظ المعزول اضرّ عليه من حفظ اصل المال فى الذمة) اذ الذمة لا تحتاج الى مئونة بخلاف المال الخارجى، فدليل: لا ضرر، يقتضي جواز اتلاف المديون له.

(و عن المحقق الثانى) التفصيل فى ضمان المديون اذا تلف المال حيث ذكر (انه يتّجه الفرق بين ما اذا عرضه على المالك بعد تعيينه) فى

ص: 66

و لم يأته به، لكن اعلم بالحال و بين ما اذا اتاه و طرحه عنده فينتفى وجوب الحفظ فى الثانى، دون الاول.

و لعلّ وجهه ان المبرئ للعهدة التخلية و الاقباض المتحقق فى الثانى، دون الاول، و سيجي ء فى مسئلة قبض المبيع ما يؤيّده.

و عن المسالك: انه مع عدم الحاكم يخلى بينه و بين ذى الحق و تبرأ ذمته، و ان تلف.

______________________________

الخارج (و لم يأته به، لكن اعلم بالحال) بان جاء المديون الى الدائن، و قال ما كنت تطلبه منى عينته فى هذه الدنانير الموضوعة فى دكانى (و بين ما اذا اتاه) بطلبه الّذي عينه (و طرحه عنده فينتفى وجوب الحفظ فى الثانى) حيث طرحه عنده (دون الاول) حيث لم يأته به، و انما اعلمه فقط فيجب على المديون حفظه.

(و لعلّ وجهه) اى وجه الفرق (ان المبرئ للعهدة التخلية، و الاقباض المتحقق) كل منها (فى الثانى) لان الطرح عنده نوع من الاقباض عرفا (دون الاول) حيث ان مجرد الاعلام ليس اقباضا (و سيجي ء فى مسئلة قبض المبيع ما يؤيّده) لكن يلزم تقييده بما اذا كان الطرح يعد قبضا عرفا.

(و عن المسالك: انه) اذا امتنع الدائن ان يقبض ماله من المديون ف (مع عدم الحاكم يخلى بينه) اى بين المال (و بين ذى الحق) اى الدائن (و تبرأ ذمته) اى ذمة المديون (و ان تلف) لان المديون لا يكلف بأكثر من ذلك.

ص: 67

و كذا يفعل الحاكم لو قبضه ان لم يتمكن من الزامه بالقبض.

ثم ان المحقق الثانى ذكر فى جامع المقاصد بعد الحكم بكون تلف المعزول من صاحب الدين الممتنع من اخذه ان فى انسحاب هذا الحكم فيمن اجبره الظالم على دفع نصيب شريكه الغائب فى مال على جهة الاشاعة بحيث يتعين المدفوع للشريك و لا يتلف منهما

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 16، ص: 68

______________________________

(و كذا يفعل الحاكم) فيخلى بين المال و بين الدائن (لو قبضه) الحاكم (ان لم يتمكن من الزامه بالقبض) لان الدائن عاند فى عدم اخذ المال.

و اطلاقه يقتضي عدم الفرق بين ان يكون المال عين مال الدائن، او دينا شخصه المديون فى فرد خاص.

(ثم ان المحقق الثانى ذكر فى جامع المقاصد بعد الحكم بكون تلف) الشي ء (المعزول من صاحب الدين) و هو الدائن (الممتنع من اخذه) قال (ان فى انسحاب هذا الحكم) اى كون التلف من المعزول لاجله (فيمن اجبره الظالم على دفع نصيب شريكه الغائب فى مال) متعلق ب «شريكه» شركة (على جهة الاشاعة) فهل ينسحب هذا الحكم (بحيث يتعين المدفوع للشريك) بسبب هذا الدفع (و لا يتلف) اذا تلف المدفوع (منهما)

مثلا كان زيد و عمرو شريكان فى صاع حنطة، فسافر عمرو و اجبر الظالم زيدا ان يعزل نصيب عمرو، فاضطرّ الى عزل نصف الحنطة، ثم تلف ذلك النصف بدون تعد و لا تفريط من زيد، فهل هذا التالف يذهب من كيسهما لعدم اعتبار التوزيع- اذ ليس برضا الشريك- او يذهب من كيس الغائب

ص: 68

ترددا.

و مثله لو تسلط الظالم بنفسه و اخذ قدر نصيب الشريك، لم اجد للاصحاب تصريحا بنفى و لا اثبات مع ان الضرر هنا قائم أيضا.

و المتّجه عدم الانسحاب انتهى.

و حكى نحوه عنه فى حاشية الارشاد من دون فتوى.

______________________________

فقط، لان دليل: لا ضرر، يقول بان الشريك الموجود لا يلزم عليه تحمل ضرر الجابر، فتقسيمه صحيح، و المال المعزول اصبح ملكا للشريك الغائب فاذا تلف ذهب من كيس الغائب فقط.

و قوله (ترددا) اسم ل «ان فى انسحاب الحكم».

(و مثله) فى التردّد (لو تسلط الظالم بنفسه و اخذ قدر نصيب الشريك) فهل يتعين المأخوذ للشريك فقط، أم منهما حتى يكون النصف الباقى مشتركا بينهما.

قال المحقق الثانى: (لم اجد للاصحاب تصريحا بنفى و لا اثبات مع ان الضرر هنا) اى فى الفرعين (قائم أيضا) كما كان قائما فى ما اذا امتنع الدائن من اخذ دينه.

(و المتّجه عدم الانسحاب انتهى) هناك اذ فرق بين الدائن الممتنع حيث انه بامتناعه ضيّع حق نفسه، بخلاف المقام، اذ ليس للشريك الغائب تقصير.

(و حكى نحوه) اى نحو هذا التردّد (عنه) اى عن المحقق الثانى (فى حاشية الارشاد من دون فتوى) على احد طرفى المسألة.

ص: 69

اقول اما الفرع الثانى فلا وجه لالحاقه بما نحن فيه، اذ دليل الضرر بنفسه لا يقتضي بتأثير نية الظالم فى التعيين، فاذا اخذ جزء خارجيا من المشاع فتوجيه هذا الضرر الى من نواه الظالم دون الشريك لا وجه له، كما لو اخذ الظالم من المديون مقدار الدين، بنية انه مال الغريم.

و اما الفرع الاول فيمكن ان يقال: بان الشريك لما كان فى معرض

______________________________

(اقول اما الفرع الثانى) و هو ما لو غصب الظالم بنفسه (فلا وجه لالحاقه بما نحن فيه) من انه يذهب من كيس المعزول لاجله (اذ دليل الضرر بنفسه لا يقتضي بتأثير نية الظالم فى التعيين) اى تعيين الجزء الّذي اخذه ليكون خاصا بشريكه الغائب (فاذا اخذ) الظالم (جزء خارجيا من المشاع فتوجيه هذا الضرر الى من نواه الظالم) اى الشريك الغائب (دون الشريك) الحاضر (لا وجه له).

فان لا ضرر كما يتوجه الى الشريك الحاضر، كذلك يتوجه الى الشريك الغائب.

و لا يقاس ذلك بما اذا غصب الظالم مال الظالم المودع عند الودعى حيث انه يذهب من كيس المودع، اذا لضرر متوجه الى المودع، لا الى الودعى (كما لو اخذ الظالم من المديون مقدار الدين، بنية انه مال الغريم) فانه لا يكون مال الغريم، اذ نية الظالم لا توجب فراغ ذمة المديون.

(و اما الفرع الاول) و هو ما لو اخذ الظالم بنية حصة الشريك الغائب من المال المشترك (فيمكن ان يقال: بان الشريك) الحاضر (لما كان فى معرض

ص: 70

التضرّر لاجل مشاركة شريكه جعل له ولاية القسمة.

لكن فيه ان تضرره انما يوجب ولايته على القسمة، حيث لا يوجب القسمة تضرر شريكه بان لا يكون حصة الشريك بحيث تتلف بمجرد القسمة، كما فى الفرض، و الا فلا ترجيح لاحد الضررين.

مع ان التمسك بعموم نفى الضرر فى موارد الفقه من دون انجباره

______________________________

التضرّر لاجل مشاركة شريكه) اذ الضرر متوجه أولا و بالذات الى الشريك الغائب، فالقول بان ما يأخذه الظالم يذهب من كيسهما ضرر يتوجه الى الشريك الحاضر من جهة الشريك الغائب (جعل له ولاية القسمة) فيفرز قسمة الشريك عن قسمة نفسه فيأخذه الظالم فيكون حاله حال ما اذا اخذ الظالم مال الودعى.

(لكن فيه ان تضرره) اى تضرر الشريك الحاضر (انما يوجب ولايته على القسمة، حيث لا يوجب القسمة تضرر شريكه).

كما انه اذا كان المال كثيرا اخذ الظالم كله اما اذا قسم الى قسمين لا يأخذ الظالم شيئا فانه يصح له التقسيم حذرا من الظالم، فان القسمة لا توجب تضرر الشريك الغائب (بان لا يكون حصة الشريك بحيث تتلف بمجرد القسمة، كما فى الفرض) فانها تتلف بمجرد القسمة لاخذ الظالم اياها (و الا) فلو كانت القسمة موجبة لتلف مال الشريك بمجرد القسمة (فلا ترجيح لاحد الضررين) على الآخر و هما ضرر الشريك الحاضر و ضرر الشريك الغائب هذا أولا و ثانيا.

(مع ان التمسك بعموم نفى الضرر فى موارد الفقه من دون انجباره

ص: 71

بعمل بعض الاصحاب يؤسّس فقها جديدا.

______________________________

بعمل بعض الاصحاب يؤسّس فقها جديدا) فان كل حاسد يتضرر نفسيا بارتفاع المحسود.

و من الواضح انه لا يحرم على المحسود العمل بما يزيد الحاسد حسدا و ضررا، و كذلك كل كاسب اذا ارتفع يتضرر به جيرانه حيث ان المشترين يلتفون حوله، و هكذا كل من فتح دكانا جديدا الى جنب دكانين من نفس الصنف فان فى ذلك ضررا على جيرانه، و كل انسان بنى داره اعلى يمنع قدرا من الهواء و الستر بالنسبة الى دار جاره، و كل من بنى فى ساحة كان ضررا على اطراف الساحة لمنعه الفضاء عنهم، الى غير ذلك.

لكن الظاهر انه لا يمكن اسقاط دليل: لا ضرر، بمثل هذا المحذور بل اللازم ان نقول يتمسك به مطلقا الا فيما علم خروجه بنصّ او اجماع او ما اشبه.

ص: 72

مسئلة [عدم جواز تأجيل الثمن الحال بأزيد منه و الاستدلال عليه]

لا خلاف على الظاهر من الحدائق المصرح به فى غيره، فى عدم جواز تأجيل الثمن الحال، بل مطلق الدين بازيد منه، لانه ربا، لان حقيقة الربا فى القرض راجعة الى جعل الزيادة فى مقابل امهال المقرض، و تأخيره المطالبة الى اجل.

فالزيادة الواقعة بإزاء تأخير المطالبة ربا عرفا

______________________________

(مسألة: لا خلاف على الظاهر من الحدائق) اى يظهر من الحدائق عدم الخلاف (المصرّح به فى غيره) اى فى غير الحدائق (فى عدم جواز تأجيل الثمن الحال، بل مطلق الدين) و ان لم يكن ثمن كالمهر الغائب و القرض و ما اشبه (بازيد منه) كان يطلب زيد من عمرو دينارا ليعطيه اياه اوّل الشهر فيقول له امهلنى الى وسط الشهر اعطيك دينارا و نصفا (لانه ربا) قرضى، فان الربا فى القرض هو ان يزيد القدر المستحق لاجل الاجل فيعطيه دينارا ليأخذ منه دينارا و نصفا بعد شهر مثلا (لان حقيقة الربا فى القرض راجعة الى جعل الزيادة فى مقابل امهال المقرض، و تأخيره) اى المقرض (المطالبة الى اجل) «و تأخير» عطف على «امهال».

(فالزيادة الواقعة بإزاء تأخير المطالبة ربا عرفا).

فاذا تحقق مصداق الربا شملته ادلة تحريمه و لا يخصّ الربا بما قال المقرض من اوّل القرض اعطيك دينارا لتعطينى دينارا و نصفا، بل يشمل ما اذا كان له دين عليه فقال- بعد ذلك- امهلك شهرا اضافيا فى

ص: 73

فان اهل العرف لا يفرقون فى اطلاق الربا بين الزيادة التى تراضيا عليه فى اوّل المداينة، كان يقرضه عشرة، باحد عشر الى شهر، و بين ان يتراضيا بعد الشهر الى تأخيره شهرا آخر بزيادة واحد، و هكذا

______________________________

مقابل زيادة ما (فان اهل العرف لا يفرقون فى اطلاق الربا بين الزيادة التى تراضيا عليه فى اوّل المداينة) و القرض (كان يقرضه عشرة، ب) مقابل ان يردّ إليه (احد عشر الى شهر) مثلا (و بين ان يتراضيا بعد الشهر) من الدين (الى تأخيره شهرا آخر بزيادة واحد، و هكذا) سائر الامثلة التى هى من هذا القبيل.

فان الشارع لما اراد تعميم العمل بين الناس حرم فائدة النقود، فان العمل هو المثمر لا النقود وحدها، و لذا لم يجز ان يعطى واحدا ليأخذ بعد شهر اثنين و انما جازت المضاربة، لانها عمل، و يحتمل فيها الضرر و الربح لهما، اما اذا اعطاه واحدا و اراد منه اثنين فاما ان يكون المقترض اخذ القرض لاجل سدّ حاجته، فاستغلاله من ابشع انواع الاستغلال، و اما ان يكون اخذ القرض لاجل التجارة فلا يخلو اما ان يربح او ان يخسر، او لا ربح و لا خسارة، فان اخذ المقرض الزيادة فى حالتى الخسارة أولا ربح و لا خسارة فقد ظلمه، و انما له حق الزيادة فى حال ان يربح فقط و هو مقتضى المضاربة الشرعية، هذا كله فى ربا القرض.

اما ربا المعاملة فلان الجنس فى مقابل الجنس لا فى مقابل ازيد منه فاخذ الزيادة ظلم.

نعم يبقى سؤال انه لما ذا لا يكون الربا فى المعدود، و لما ذا يكون

ص: 74

..........

______________________________

الربا فى الجنس و ان كان احدهما اجود من الآخر، و لما ذا تكون الحنطة و الشعير مثلا جنس واحد، و لما ذا يكون الفرع و اصله جنس واحد.

و الجواب اما عن الاول فبان الاشياء المعدودة اشياء نادرة جدا و الربا فيها اندر، و لذا نرى فى الاسواق الربوية العالمية ليست نسبة الربا فى المعدود الى غير المعدود الا كنسبة الواحد الى المليون بل ابعد، و لذا اطلقه الشارع حتى لا يضيق الخناق على الناس، فانه اذا اراد الشارع تحريم و ايجاب كل ما فيه ضرر ما او نفع ما كان الشارع من اعسر الشرائع و الّذي لا يطاق.

و لذا نراه اقتصر فى الايجاب و التحريم على المواضع اللازمة، فان التعسير سبب فى الغاء الشرع بكله، اذ الامر دائر بين الامر و النهى مائة فى مائة، و ذلك يوجب الالغاء مائة فى مائة، و بين الامر و النهى خمسين فى المائة و ذلك يوجب الاخذ مائة فى مائة.

و لا شك ان هذا افضل عقلا، فقد الزم الشارع ايجابا و تحريما ما فيه المصلحة الاكيدة فعلا و تركا، و ترك الالزام فى سائر الموارد و ان كانت فيه مصلحة فى الجملة، و هذا هو سرّ تشريع المستحبات و المكروهات، و التقية و العسر، و لا ضرر، و ما لا يعلمون، الى غيرها هذا بالنسبة الى «لا ربا فى المعدود».

و اما بالنسبة الى الربا فى الامثلة الثلاثة الاخر، فان ذلك من باب الحياطة على الحكم، فان الشارع احاط كثيرا من الاحكام بسياج من الاحكام، و حالها بالنسبة الى الاحكام الاولية حال القشرة بالنسبة الى الشجرة تحفظا على الحكم اللّب، كما يفعله العقلاء فى قوانينهم و احكامهم

ص: 75

بل طريقة معاملة الربا مستقرة على ذلك.

بل الظاهر من بعض التفاسير انّ صدق الربا على هذا التراضي مسلّم فى العرف، و ان مورد نزول قوله تعالى- فى مقام الردّ على من قال «إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبٰا، وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا»- هو التراضي بعد حلول الدين- على تأخيره الى اجل بزيادة فيه.

فعن مجمع البيان، عن ابن عباس انه كان الرجل من اهل الجاهلية اذا حلّ دينه على غريمه فطالبه، قال المطلوب منه زدنى فى الاجل

______________________________

قال صلى اللّه عليه و آله و سلم «فمن رعى حول الحمى اوشك ان يقع فيه»

و ما ذكرناه الماع الى الوجه العقلانى فى هذه الاحكام، و الكلام فى مسئلة الربا اطول، و انما اردنا الالماع الى بعض الفلسفة فى هذه الاحكام و ان كان خارجا عن موضوع الشرح (بل طريقة معاملة الربا مستقرة على ذلك) بان يزاد فى الثمن لاجل الزيادة فى الاجل.

(بل الظاهر من بعض التفاسير انّ صدق الربا على هذا التراضي مسلّم فى العرف) فتشمله ادلة الربا (و ان مورد نزول قوله تعالى- فى مقام الردّ على من قال «إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبٰا، وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا»- هو التراضي- بعد حلول الدين- على تأخيره الى اجل) ثان (بزيادة فيه) اى فى الدين.

(فعن مجمع البيان، عن ابن عباس انه كان الرجل من اهل الجاهلية اذا حلّ دينه على غريمه) اى المديون (فطالبه، قال المطلوب منه زدنى فى الاجل

ص: 76

ازيدك فى المال فيتراضيان عليه و يعملان به، فاذا قيل لهم ربا، قالوا هما سواء، يعنون بذلك ان الزيادة فى الثمن حال البيع و الزيادة فيه بسبب الاجل عند حلول الدين سواء فذمهم اللّه و الحق بهم الوعيد، و خطأهم فى ذلك بقوله تعالى: وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا.

______________________________

ازيدك فى المال فيتراضيان عليه و يعملان به) اى بذلك التراضي (فاذا قيل لهم) هذا (ربا، قالوا هما سواء، يعنون بذلك ان الزيادة فى الثمن حال البيع) كان يقول: ابيعك الى ثلاثة اشهر بعشرين، بينما ثمنه النقد عشرة (و الزيادة فيه) اى فى الثمن (بسبب الاجل عند حلول الدين) كان يبيعه الى شهر بعشرة ثم اذا اراد مهلة شهرين قال باضافة عشرة أيضا (سواء) لان فى كلا الامرين الثمن عشرون، و المدة ثلاثة اشهر (فذمهم اللّه و الحق بهم الوعيد، و خطأهم فى ذلك بقوله تعالى: وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا).

و لعلّ قوله تعالى «لٰا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعٰافاً مُضٰاعَفَةً» اشارة الى هذا القسم، لانه يزيد فى الاجل بزيادة المقدار.

و قوله «لٰا يَقُومُونَ إِلّٰا كَمٰا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطٰانُ مِنَ الْمَسِّ» تشبيه للزيادة، كما انتهى الاجل الاول فكما ان «من يَتَخَبَّطُهُ» كلما اراد ان يقوم يسقط كذلك المرابى فكلما اراد ان يتخلص من الربا بان انتهى الاجل اضاف الاجل باضافة المقدار فسقط ثانيا.

ثم ان قولهم «إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبٰا» قياس باطل، فان الانسان لا يشترى ما قيمته عشرة بمائة مثلا الى ثلاث سنوات، لكن اذا اشتراه

ص: 77

و يؤيّده بل يدل عليه حسنة ابن ابى عمير، او صحيحته، عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: سئل عن الرجل يكون له دين الى اجل مسمّى فيأتيه غريمه فيقول: انقدنى كذا و كذا، واضع عنك بقيته، او انقدنى بعضه و أمدّ لك فى الاجل فيما بقى عليك قال: لا ارى به بأسا، ان لم يزد على رأس ماله، قال الله تعالى: فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ لٰا تَظْلِمُونَ وَ لٰا تُظْلَمُونَ.

علل جواز التراضي على

______________________________

بعشرة ثم اضطر الى المدة جدد الزيادة، و هكذا حتى يكون مائة، فالزيادة المفرطة فى قيمة للشي ء، لا يقرها العقلاء و انما صارت قيمة بالضغط و الاضطرار فليس البيع مثل الربا.

(و يؤيّده) اى ما ذكرناه من ان الزيادة بعد الاجل لاجل امهال جديد من الربا (بل يدل عليه حسنة ابن ابى عمير، او صحيحته، عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: سئل عن الرجل يكون له دين الى اجل مسمّى فيأتيه غريمه) اى الّذي يطلب منه (فيقول: انقدنى كذا و كذا، واضع عنك بقيته) مثلا: يطلبه مائة، فيقول: انقدنى تسعين واضع لك عشرة (او) يقول (انقدنى بعضه) كخمسين مثلا (و أمدّ لك فى الاجل فيما بقى عليك).

فمثلا: اذا كان الاجل الى شهر يقول امهلك بالنسبة الى الخمسين الباقية الى شهرين (قال: لا ارى به بأسا، ان لم يزد على رأس ماله) لانه (قال الله تعالى: فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ لٰا تَظْلِمُونَ) بأخذ الزيادة من الناس على قدر ما تستحقون (وَ لٰا تُظْلَمُونَ) بأخذ الناقص من الناس.

وجه تأييد الرواية لما ذكرناه انه عليه السلام (علّل جواز التراضي على

ص: 78

تأخير اجل البعض بنقد البعض بعدم الازدياد على رأس ماله فيدل على انه لو ازداد على رأس ماله لم يجز التراضي على التأخير، و كان ربا يقتضي استشهاده بذيل آية الربا، و هو قوله تعالى، فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ لٰا تَظْلِمُونَ وَ لٰا تُظْلَمُونَ.

و يدل عليه بعض الاخبار الواردة فى تعليم طريق الحيلة

______________________________

تأخير اجل البعض بنقد البعض) فانهما تراضيا ان ينقد بعضا فى مقابل ان يؤخر بعضا.

و علّله (بعدم الازدياد على رأس ماله) قال عليه السلام «لا ارى به بأسا ان لم يزد على رأس ماله» (فيدل على انه لو ازداد على رأس ماله لم يجز التراضي على التأخير، و كان ربا) كما لو قال: انقدنى خمسين من المائة، و امهلك بالنسبة الى الخمسين الباقية الى شهرين بزيادة عشرة (يقتضي استشهاده بذيل آية الربا، و هو قوله تعالى: فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ لٰا تَظْلِمُونَ وَ لٰا تُظْلَمُونَ).

فمعنى استشهاد الامام عليه السلام بهذا: انه لو زاد دخل فى الربا اما لو لم يزد فهو داخل فى قوله «فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ».

(و يدل عليه) اى على ان الزيادة على الدين بتأخير فى الاجل ربا (بعض الاخبار الواردة فى تعليم طريق الحيلة).

و المراد بالحيلة العلاج للخروج من المأزق، قال الامام السجاد عليه السلام فى دعاء ابن حمزة «و لا تمكر بى فى حيلتك» المكر عبارة عن العلاج الخفى، قال تعالى «وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللّٰهُ» فما ذكره الفقهاء من باب الحيل،

ص: 79

فى جواز تأخير الدين بزيادة باشتراط التأخير فى ضمن معاوضة غير مقصودة للفرار عن الحرام.

______________________________

لا يراد به معناه العرفى اى الخديعة، بل معناه اللغوى اى العلاج و الخروج من الحرام الى الحلال و ذلك يكون بالعمل على نحو يدخل فى قانون محلّل كما انه يفرّ من الزنا الى النكاح و هكذا.

و انما سمى بعض هذه الامور بالحيل، دون غيرها لاجل ان العامة جاهلون بهذه الطرق الموجبة لعدم الوقوع فى الحرام، و مثل هذا موجود فى كل قوانين العالم حيث ان هناك امكانات من تطبيق قانون ثان فيما اذا لم يطبق على مراد الانسان قانون اولى، و ليس ذلك تلاعبا بالشرع او القانون بعد ان كان القانون الثانى ذا شروط و خصوصيات اخر مما اوجب دخول الفرد فيه دون القانون الاول.

مثلا الزنا، لا التزام فيه بالنفقة و لا بالولد و لا بسائر امور الزواج بينما النكاح فيه كل ذلك، فلا يقال اى فرق بين الزنا، و بين النكاح ساعة، ثم طلاقها، و تفصيل الكلام فى ذلك موكول الى محله.

فتعليم طريق الحيلة (فى جواز تأخير الدين) يكون (بزيادة) يجوز ذلك اذا كان (باشتراط التأخير فى ضمن معاوضة غير مقصودة) تلك المعاوضة بذاتها، و ذلك (للفرار عن الحرام).

مثلا: يبيعه هذا الكتاب بدينار بشرط ان يؤخر له اجل دينه السابق و يعطيه المديون دينارا.

وجه دلالة هذه الروايات على ما نحن فيه هو ما ذكره بقوله:

ص: 80

فلو جاز التراضي على التأجيل بزيادة لم يكن داع الى التوصل بامثال تلك الحيل حتى صاروا (ع) موردا لاعتراض العامة فى استعمال بعضها، كما فى غير واحد من الاخبار الواردة فى ذلك.

و يدل عليه أيضا او يؤيّده بعض الاخبار الواردة فى باب الدين، فيما اذا

______________________________

(فلو جاز التراضي على التأجيل) تراضيا (بزيادة) على اصل الدين (لم يكن داع الى التوصل) الى المقصود (بامثال تلك الحيل، حتى صاروا (ع) موردا لاعتراض العامة فى استعمال بعضها) اى بعض تلك الجيل (كما فى غير واحد من الاخبار الواردة فى ذلك).

يقال: ان انسانا زوّج بنته من عبده، فابق العبد، و كلما سئل من اهل العلم فى طريقه لطلاق بنته، لم يفتوه بذلك، لان الطلاق بيد من اخذ بالساق حتى رجع الى الشيخ جعفر كاشف الغطاء فقال له هب عبدك لبنتك، فان الملك يبطل النكاح، ففعل الوالد ذلك فنجّى ابنته، كان الشيخ ارشده الى طريق الخلاص الشرعى بما كان يخفى على غالب اهل العلم و كانت هذه حيلة شرعية لكن بالمعنى الّذي ذكرناه، لا بالمعنى المتداول عند العرف، و هذا وارد فى القانون، فان الدولة لا تعطى الارض لغير المتجنس بجنسية البلاد، فغير المتجنس يفاوض صديقا له لان يأخذ الارض باسمه و يهبها له، فان الاسم للمتجنس و الواقع لغير المتجنس الى غيرها من الامثلة.

(و يدل عليه أيضا او يؤيّده) اى ما ذكرنا من عدم جواز تمديد الاجل بزيادة، لانه ربا (بعض الاخبار الواردة فى باب الدين، فيما اذا

ص: 81

اعطى المديون بعد الدين شيئا مخافة ان يطلبه الغريم بدينه.

______________________________

اعطى المديون بعد الدين شيئا مخافة ان يطلبه الغريم بدينه) بان يكون المديون يريد بتلك «الهدية» الى الدائن مجاملته حتى لا يطلبه بالدين حالا، بل يرجى له فى الاجل.

اما ما دلّ على ما ذكره أولا بقوله «و يدل عليه بعض الاخبار» فهو موثق ابن عمار، قال: قلت للرضا عليه السلام: الرجل يكون له المال، فدخل على صاحبه يبيعه لؤلؤة تسوى مائة درهم، بالف درهم و يؤخر عليه المال الى وقت، قال عليه السلام: لا بأس، قد امرنى ابى ففعلت ذلك، الى غيرها من الروايات.

و اما ما دل على ما ذكره ثانيا بقوله «و يدل عليه أيضا» فهو خبر اسحاق، عن ابى الحسن عليه السلام سألته عن الرجل يكون له على الرجل مالا قرضا، فيعطيه الشي ء من ربحه مخافة ان يقطع ذلك عنه، فيأخذ ماله من غير ان يكون شرط عليه، قال عليه السلام: لا بأس.

ثم انه لا يخفى ان مثل هذه الاحكام- بالإضافة الى ما ذكرنا- توجب التوسعة و الاغراء الى الاحكام حتى لا تكون الاحكام جافة و لا يجد الانسان مفرّا منها الى مقصوداته العقلائية، خلافا لما يقال من ان القانون اعمى، فان الاسلام بصير، كما ان ما اعتاده بعض الناس- للفرار من الربا- ببيع شخّاطة و نحوها الظاهر لدى عدم صحة ذلك، لان المعاملة ليست عقلائية فلا تشمله ادلة البيع و نحوها، و تفصيل الكلام فى ذلك موكول الى موضعه.

ص: 82

و مما ذكرنا من ان مقابلة الزيادة بالتأجيل ربا يظهر عدم الفرق بين المصالحة عنه بها، و المقاولة عليها من غير عقد.

و ظهر أيضا انه يجوز المعاوضة اللازمة على الزيادة بشي ء باشتراط تأخير الدين عليه فى ضمن تلك المعاوضة.

و ظهر أيضا من التعليل المتقدم فى رواية ابن ابى عمير جواز نقص المؤجّل بالتعجيل، و سيجي ء تمام الكلام فى هاتين المسألتين فى باب الشروط او كتاب القرض، ان شاء الله تعالى.

______________________________

(و مما ذكرنا من ان مقابلة الزيادة بالتأجيل ربا) لا يجوز (يظهر عدم الفرق بين المصالحة عنه) اى عن التأجيل (بها) اى بالزيادة (و المقاولة عليها من غير عقد) اذ بعد صدق الربا يشمله دليله، فيحرم باىّ عنوان كان، فتأمل.

(و ظهر أيضا) من الادلة التى ذكرناها و بعض الاخبار (انه يجوز المعاوضة اللازمة على الزيادة) فى الاجل (ب) مقابل (شي ء) من المال (باشتراط تأخير الدين عليه فى ضمن تلك المعاوضة) لانه يشمله دليل:

المؤمنون عند شروطهم.

(و ظهر أيضا من التعليل المتقدم فى رواية ابن ابى عمير جواز نقص) الدين (المؤجّل بالتعجيل) متعلق ب «نقص».

و المراد بالتعليل قوله عليه السلام «انه لم يزد على رأس ماله» (و سيجي ء تمام الكلام فى هاتين المسألتين فى باب الشروط او كتاب القرض، ان شاء الله تعالى).

ص: 83

..........

______________________________

ثم انه هل يجوز تعجيل الدين المؤجّل بازيد منه، مثلا: يطلبه دينارا الى شهر، فيقول اعطيك دينارا و نصفا لتأخذه الآن او فى اجل اقرب، الظاهر العدم لانه ربا، الّا اذا فرّ الى نحو الهبة و الشرط فى ضمن عقد او نحو ذلك، فقد قال عليه السلام: نعم الشي ء الفرار من الحرام الى الحلال، و اللّه العالم.

ص: 84

مسئلة اذا ابتاع عينا شخصية بثمن مؤجّل، جاز بيعه من بايعه و غيره قبل حلول الاجل و بعده، بجنس الثمن و غيره،

مساويا له، او زائدا عليه، او ناقصا، حالا او مؤجلا، الا اذا اشترط احد المتبايعين على صاحبه فى البيع الاول قبوله منه بمعاملة ثانية اما الحكم فى المستثنى منه

______________________________

(مسئلة: اذا ابتاع) الانسان اى اشترى (عينا شخصية بثمن مؤجّل جاز بيعه) اى بيع ذلك المبيع (من بايعه و غيره قبل حلول الاجل و بعده) سواء كان البيع الثانى (بجنس الثمن) الاول (و غيره) كما اذا اشتراه بعشرة دنانير، فباعه بطنّ من تمر، سواء كان الثمن الّذي يبيعه (مساويا له) اى للثمن الاول (او زائدا عليه، او ناقصا) عنه (حالا) كان الثمن الثانى (او مؤجّلا) الى غير ذلك من الشقوق المحتملة، ككونه مع شرط او بلا شرط، و مع خيار او بلا خيار الى غيرها (الا اذا اشترط احد المتبايعين على صاحبه فى البيع الاول قبوله منه بمعاملة ثانية) كما اذا باعه الدار بالف، بشرط ان يشتريها منه ثانيا.

و اذا شرط فالكلام تارة يقع فى انه هل يبطل البيع الاول المشروط بهذا الشرط، و تارة يقع فى انه هل يبطل البيع الثانى المنبثق من هذا الشرط.

و كيف كان ف (اما الحكم فى المستثنى منه) و هو قولنا «جاز بيعه من بايعه ... الخ»

ص: 85

فلا خلاف فيه الا بالنسبة الى بعض صور المسألة، فمنع منها الشيخ فى النهاية و التهذيبين، و هى بيعه من البائع بعد الحلول بجنس الثمن لا مساويا.

و قال فى النهاية: اذا اشترى نسيئة فحلّ الاجل و لم يكن معه ما يدفعه الى البائع، جاز للبائع ان يأخذ منه ما كان باعه اياه من غير نقصان من ثمنه، فان اخذه بنقصان ممّا باع لم يكن ذلك صحيحا، و لزمه ثمنه الّذي كان اعطاه به فان اخذ من المبتاع

______________________________

(فلا خلاف فيه الا بالنسبة الى بعض صور المسألة، فمنع منها) اى من بعض الصور (الشيخ فى النهاية و التهذيبين) و هما التهذيب و الاستبصار (و) الصورة التى منعها الشيخ (هى بيعه من البائع بعد الحلول) اى حلول الاجل (بجنس الثمن، لا مساويا) للثمن، بل ازيد او انقص منه.

مثلا: باعه بمائة دينار الى شهر ربيع الاول، ثم اشتراه منه بعد ربيع الاول بتسعين دينارا، او مائة و عشرة دنانير، اما اذا اشتراه قبل ربيع الاول او اشتراه بالف درهم، او اشتراه بمائة دينار، فلا بأس به- عند الشيخ-.

(و قال فى النهاية: اذا اشترى نسيئة فحلّ الاجل و لم يكن معه ما يدفعه الى البائع، جاز للبائع ان يأخذ منه ما كان باعه اياه) اى ان يشترى منه نفس المتاع (من غير نقصان من ثمنه) بل بنفس الثمن (فان اخذه بنقصان مما باع لم يكن ذلك) الثمن الاقل (صحيحا، و لزمه ثمنه الّذي كان اعطاه به) اى بمقدار نفس الثمن الاوّل (فان اخذ) المشترى (من المبتاع)

ص: 86

متاعا آخر بقيمته فى الحال لم يكن بذلك بأس، انتهى.

و عن الشهيد انه تبع الشيخ جماعة، و ظاهر الحدائق ان محل الخلاف اعم بما بعد الحلول، و انه قصر بعضهم التحريم بالطعام.

و كيف كان فالاقوى هو المشهور للعمومات المجوّزة كتابا و سنة.

و عموم ترك الاستفصال فى صحيحة بشّار ابن يسار قال سألت

______________________________

اى البائع (متاعا آخر) غير الثمن الاول.

كما اذا باع المشترى المتاع له بمائة شاة فى حين انه اشتراه منه أولا بمائة دينار (بقيمته) اى قيمة المتاع (فى الحال) و ان كانت مائة شاة اقل ثمنا من مائة دينار (لم يكن بذلك بأس) فان البأس فى انه يشتريه البائع باقل من الثمن الاول اذا كان بعين الثمن لا بثمن آخر، و هذه اشارة الى القيد الّذي قال «بجنس الثمن» (انتهى) كلام النهاية.

(و عن الشهيد انه تبع الشيخ) فى هذه الفتوى (جماعة، و ظاهر الحدائق ان محل الخلاف اعم بما بعد الحلول) اى حلول الاجل اى، لا يجوز سواء حلّ الاجل أم لم يحلّ فى قبال ما تقدم من قولنا «بعد الحلول» (و انه قصر بعضهم التحريم بالطعام) فقط، اما غير الطعام فجائز.

(و كيف كان فالاقوى هو المشهور) من الجواز مطلقا (للعمومات المجوّزة كتابا و سنة) مثل: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و: تجارة عن تراض.

(و عموم ترك الاستفصال فى صحيحة بشّار ابن يسار) حيث اجاز الكل- من غير تفصيل- ما حرّمه الشيخ و ما لم يحرّمه (قال سألت

ص: 87

أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يبيع المتاع بنسإ مرابحة، فيشتريه من صاحبه الّذي يبيعه منه، فقال: نعم، لا بأس به، فقلت له اشترى متاعى و غنمى، قال ليس هو متاعك و لا غنمك و لا بقرك.

و صحيحة ابن حازم عن ابى عبد الله عليه السلام رجل كان له على رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه، فاتى الطالب المطلوب يتقاضاه، فقال له المطلوب: ابيعك هذه الغنم بدراهمك التى عندى، فرضى، قال:

لا بأس بذلك.

و رواية الحسين بن منذر قال: قلت: لابى عبد الله عليه السلام:

______________________________

أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يبيع المتاع بنسإ) اى نسيئة (مرابحة) بان يأخذ الربح من المشترى (ف) بعد هذا البيع الاول (يشتريه من صاحبه الّذي يبيعه) المشترى (منه) اى من نفس البائع (فقال: نعم، لا بأس به، فقلت له) هل (اشترى متاعى و غنمى) الّذي كان لى ثم اشتراه منى (قال) عليه السلام (ليس هو متاعك و لا غنمك و لا بقرك) فانه صار للمشترى، ثم انت تشتريه منه.

(و صحيحة ابن حازم عن ابى عبد الله عليه السلام) سأله عن (رجل كان له على رجل دراهم من ثمن غنم اشتراها منه، فاتى الطالب) اى البائع (المطلوب) اى المشترى (يتقاضاه) دراهمه (فقال له المطلوب:

ابيعك هذه الغنم) اى التى اشتريتها منك (بدراهمك التى عندى فرضى) الطالب، هل يصحّ هذا البيع، أم لا؟ (قال) عليه السلام (لا بأس بذلك).

(و رواية الحسين بن منذر قال: قلت: لابى عبد الله عليه السلام:

ص: 88

الرجل يجيئنى فيطلب العينة، فاشترى له المتاع، ثم ابيعه اياه مرابحة، ثم اشتريه منه مكانى قال: فقال: اذا كان هو بالخيار ان شاء باع و ان شاء لم يبع، و كنت انت بالخيار ان شئت اشتريت و ان شئت لم تشتر، فلا بأس، قال: فقلت: ان اهل المسجد يزعمون ان هذا فاسد و يقولون انه ان جاء به بعد اشهر

______________________________

الرجل يجيئنى فيطلب العينة).

فالتعيين: هو اخذ المال من انسان بعنوان المقدّم، و التعيّن: هو اعطاء المال لانسان بعنوان المقدم، فالمراد طلب المال منّى بعنوان ان يعطينى بعد الاداء مقدارا ازيد بدون ان يكون ربا (فاشترى له) اى لاجله، لا انه وكيل فى الشراء له (المتاع، ثم ابيعه اياه مرابحة).

فمثلا: اشترى بدينار و ابيعه اياه بزيادة الربح (ثم اشتريه منه) فى (مكانى) بدينار، حتى ان يكون هو اخذ الدينار و عند الدفع يعطى دينارا و ربعا (قال: فقال) عليه السلام (اذا كان هو بالخيار ان شاء باع و ان شاء لم يبع) بحيث يكون البيع حقيقيا بدون الشرط (و كنت انت بالخيار ان شئت اشتريت و ان شئت لم تشتر، فلا بأس) فان مجرد التبانى لا يوجب خروج المعاملة عن اطلاقات ادلة البيع، و تجارة عن تراض، و الوفاء بالعقد و امثالها (قال: فقلت: ان اهل المسجد) من علماء العامة الذين لهم حلق فى المسجد يدرسون و يفتون الناس (يزعمون ان هذا) النحو (فاسد) حيث انه يشترى من المشترى فى نفس المكان الّذي باع له (و يقولون انه ان جاء به) اى بالمتاع (بعد اشهر) بان يشترى الآن و يبيع

ص: 89

صحّ قال: انما هذا تقديم و تأخير و لا بأس.

و فى المحكى عن قرب الاسناد عن على بن جعفر، عن اخيه عليه السلام، قال: سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم اشتراه منه بخمسة دراهم، ا يحل؟ قال: اذا لم يشترط و رضيا، فلا بأس.

و عن كتاب على بن جعفر قوله باعه بعشرة الى اجل، ثم اشتراه بخمسة بنقد، و هو اظهر فى عنوان المسألة.

و ظاهر هذه الاخبار كما ترى يشمل صور الخلاف.

و قد يستدل أيضا برواية يعقوب ابن شعيب، و

______________________________

بعد اشهر (صحّ) و الا لم يصحّ (قال) عليه السلام (انما هذا تقديم و تأخير) فأيّ فرق بين ان يكون البيع الثانى فورا او بعد اشهر (و لا بأس) باىّ منهما

(و فى المحكى عن قرب الاسناد عن على بن جعفر، عن اخيه عليه السلام، قال: سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم) و قد (اشتراه منه) أولا (بخمسة دراهم، أ يحل؟) البيع الثانى؟ (قال: اذا لم يشترط) فى البيع الاول ان يبيعه ثانيا (و رضيا) بالمعاملة الثانية (فلا بأس).

(و عن كتاب على بن جعفر) روى الرواية هكذا (قوله باعه بعشرة الى اجل، ثم اشتراه بخمسة بنقد، و هو اظهر فى عنوان المسألة).

اذ كلامنا فى ان يشترى أولا باجل، ثم يبيعه من نفس البائع نقدا.

(و ظاهر هذه الاخبار كما ترى) من اطلاقاتها (يشمل) جميع (صور الخلاف) بين المشهور و بين الشيخ و غيره.

(و قد يستدل) لمذهب المشهور (أيضا برواية يعقوب ابن شعيب، و

ص: 90

عبيد ابن زرارة، قالا: سألنا أبا عبد الله عليه السلام عن رجل باع طعاما بدراهم الى اجل، فلما بلغ ذلك تقاضاه، فقال: ليس لى دراهم، خذ منى طعاما، فقال: لا بأس به، فانما له دراهم يأخذ بها ما شاء، و فى دلالتها نظر.

و فيما سبق من العمومات كفاية، اذ لا معارض لها،

______________________________

عبيد ابن زرارة، قالا: سألنا أبا عبد الله عليه السلام عن رجل باع طعاما بدراهم الى اجل، فلما بلغ ذلك) الاجل (تقاضاه) اى طلب منه ثمنه (فقال) المشترى (ليس لى دراهم، خذ منى طعاما) عوض الدراهم (فقال) عليه عليه السلام (لا بأس به، فانما له) اى للبائع (دراهم يأخذ بها ما شاء) طعاما او غير طعام (و فى دلالتها نظر) لاحتمال كون الاخذ بعنوان الاستيفاء، لا بعنوان الشراء.

بل لعل ظاهر الرواية ذلك لقوله عليه السلام «فانما له دراهم يأخذ بها ما يشاء».

و ربما يحتمل ان المراد ب «طعاما» طعاما غير الطعام الاول، و إلا لقال «الطعام».

لكن الظاهر ان «طعاما» يطلق على الطعام الاول أيضا، فله اطلاق من هذه الجهة.

و قد قال ابن هشام فى كتاب المغنى ان النكرة يمكن ان تكون نفس النكرة الاولى رادّا على من زعم ان النكرة الثانية تكون غير الاولى.

(و) كيف كان، ف (فيما سبق من العمومات كفاية، اذ لا معارض لها) يدل

ص: 91

عدا ما ذكره الشيخ قدّس سرّه من رواية خالد بن الحجاج، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل بعته طعاما بتأخير الى اجل مسمّى، فلما جاء الاجل اخذته بدراهمى، فقال: ليس عندى دراهم و لكن عندى طعام فاشتره منى، فقال: لا تشتره منه، فانه لا خير فيه.

و رواية عبد الصمد بن بشر المحكية عن الفقيه، قال: سأله محمد بن قاسم الحناط فقال: اصلحك الله ابيع الطعام من رجل الى اجل، فيجيئنى، و قد تغير الطعام من سعره فيقول: ليس عندى دراهم، قال: خذ منه

______________________________

على مذهب الشيخ (عدا ما ذكره الشيخ قدّس سرّه من رواية خالد بن الحجاج، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل بعته طعاما بتأخير الى اجل مسمّى، فلما جاء الاجل اخذته بدراهمى) اطلبها منه (فقال:

ليس عندى دراهم و لكن عندى طعام فاشتره منى) بدراهمك، فهل يصح هذا الاشتراء، أم لا؟ (فقال: لا تشتره منه، فانه لا خير فيه) و فى هذه الرواية اطلاق من حيث عدم جواز اشتراء الطعام ان يكون نفس الطعام الاول او غيره.

(و رواية عبد الصمد بن بشر المحكية عن الفقيه، قال: سأله محمد بن قاسم الحناط) اى بائع الحنطة (فقال: اصلحك الله ابيع الطعام من رجل الى اجل، فيجيئنى، و قد تغير الطعام من سعره) اى ارتفعت قيمته (فيقول) المشترى: (ليس عندى دراهم) لاوفى ثمنك، و انما اريد ان ادفع أليك طعاما بسعر هذا اليوم وفاء للثمن (قال) عليه السلام: لا بأس (خذ منه) الطعام

ص: 92

بسعر يومه، فقال: افهم اصلحك الله انه طعامى الّذي اشتراه منى فقال:

لا تأخذ منه حتى يبيعه و يعطيك، فقال ارغم الله انفى رخّص لى فرددت عليه فشدّد على.

و حكى عن الشيخ قدّس سره انه أوردها فى الاستبصار دليلا على مختاره.

و حكى عن بعض ردها بعدم الدلالة بوجه من الوجوه.

______________________________

(بسعر يومه) اى بسعر هذا اليوم، لا سعر اليوم الاول (فقال) قاسم:

(افهم اصلحك الله انه طعامى الّذي اشتراه منى) يريد ارجاعه عليّ بالبيع وفاء لما اطلبه من الثمن (فقال) عليه السلام (لا تأخذ منه) طعامك (حتى يبيعه) من غيرك (و يعطيك) ثمنه وفاء لما تطلبه (فقال) قاسم داعيا على نفسه (ارغم اللّه انفى رخّص لى فرددت عليه) بقولى «انه طعامى» (فشدّد على) و قال: لا يجوز.

(و حكى عن الشيخ قدّس سره انه أوردها فى الاستبصار دليلا على مختاره) الّذي هو منع ان يبيع المشترى الّذي ابتاعه الى البائع بجنس الثمن، لا مساويا بعد ان حلّ الاجل.

(و حكى عن بعض ردها) اى ردّ رواية عبد الصمد (ب) سبب (عدم الدلالة) فيها على مذهب الشيخ (بوجه من الوجوه) اذ محطّ الكلام سؤالا و جوابا حول ان الطعام يأخذه البائع عوض ثمنه بسعر اليوم كما اراد المشترى، او بسعر يوم البيع كما قال البائع، فقال الامام: اذا اردت ان لا تأخذ بسعر هذا اليوم فدعه يبيع الطعام و يعطيك ثمنك.

ص: 93

اقول لا يظهر من رواية خالد دلالة على مذهب الشيخ.

و على تقدير الدلالة، فتعليل المنع بانه: لا خير فيه، من أمارات الكراهة.

و اعلم

______________________________

(اقول) هذا بالنسبة الى رواية عبد الصمد و عدم دلالتها على مذهب الشيخ، كما (لا يظهر من رواية خالد دلالة على مذهب الشيخ) لان قوله:

و لكن عندى طعام فاشتره منى، لم يظهر منه انه طعام البائع.

(و على تقدير الدلالة) و ان الطعام كان هو الطعام الّذي اشتراه المشترى (فتعليل المنع بانه: لا خير فيه، من أمارات الكراهة) قالوا لان الاحكام الالزامية لا تحتاج الى التعليل و انما الاحكام الندبية تعلل لترغيب الناس فى الاخذ بها.

(و اعلم) ان ما نقلناه عن الشيخ سابقا «هو المنع من بيع المبيع من البائع بعد حلول الاجل بجنس الثمن لا مساويا» و الآن نريد ان نبين ان الشيخ يقول بشي ء آخر، و هو «ان بدل البدل حكمه حكم البدل» فى عدم جواز التفاضل مع اتحاد الجنس فى الربوي، فاذا لم يجز بيع منّ من الحنطة بمنّ و نصف من الحنطة- لانه ربا- لم يجز، كذلك بيع منّ من الحنطة بدينار ثم اشتراء منّ و نصف بذلك الدينار، لانه ربا حيث يكون بالنتيجة- منّ من الحنطة فى مقابل منّ و نصف.

فمراد الشيخ من كلامه الاول الّذي نقلناه فى اوّل المسألة هو هذا لا غير.

ص: 94

انه قال الشيخ قدّس سره فى المبسوط: اذا باع طعاما بعشرة مؤجّلة، فلما حلّ الاجل اخذ بها طعاما جاز اذا اخذ ما اعطاه، فان أخذ اكثر لم يجز، و قد روى انه يجوز على كل حال.

و حكى فى المختلف عن الخلاف: انه اذا باع طعاما قفيزا بعشرة دراهم مؤجّلة فلما حلّ الاجل اخذ بها طعاما، جاز ذلك، اذا اخذ مثله فان زاد عليه لم يجز.

و احتج باجماع الفرقة و اخبارهم.

و بانه يؤدّى الى بيع طعام بطعام.

______________________________

ف (انه قال الشيخ قدّس سره فى المبسوط: اذا باع طعاما بعشرة مؤجّلة، فلما حلّ الاجل اخذ بها) بمقابل تلك العشرة (طعاما جاز اذا اخذ) من الطعام بمقدار (ما اعطاه).

مثلا: باع منّا من الحنطة بعشرة، ثم اخذ فى مقابل العشرة منّا من الحنطة (فان أخذ اكثر) كما لو أخذ منّا و نصفا (لم يجز) لانه ربا (و قد روى انه يجوز على كل حال) سواء كان الطعام الّذي يأخذه عوض الثمن مساويا او اقل او اكثر، انتهى كلام الشيخ.

(و حكى فى المختلف عن الخلاف: انه اذا باع طعاما قفيزا بعشرة دراهم مؤجّلة) اى نسيئة (فلما حلّ الاجل اخذ بها) اى بتلك العشرة (طعاما، جاز ذلك، اذا اخذ مثله) اى قفيزا (فان زاد عليه لم يجز).

(و احتج) الشيخ على عدم جواز الزيادة (باجماع الفرقة و اخبارهم) أولا (و بانه يؤدّى الى بيع طعام بطعام) ثانيا، و هو ربا.

ص: 95

ثم حكى عن بعض اصحابنا: الجواز مطلقا و عن بعضهم المنع مطلقا ثم حكى عن الشيخ فى آخر كلامه: انه قال و القول الآخر الّذي لبعض اصحابنا قوىّ، و ذلك انه بيع طعام بدراهم، لا بيع طعام بطعام، فلا يحتاج الى اعتبار المثلية، انتهى.

اقول: الظاهر ان الشيخ قدّس سره جرى فى ذلك، و فيما تقدم عنه فى النهاية من عدم جواز بيع ما اشترى بجنس الثمن متفاضلا على قاعدة كلية تظهر من بعض الاخبار من ان عوض الشي ء الربوي لا يجوز ان يعوض بذلك الشي ء بزيادة، و انّ

______________________________

(ثم حكى) المختلف (عن بعض اصحابنا: الجواز مطلقا) مساويا كان او اقل او اكثر (و عن بعضهم المنع مطلقا) و لو كان مساويا.

(ثم حكى) المختلف (عن الشيخ فى آخر كلامه: انه قال و القول الآخر الّذي لبعض اصحابنا) و هو الجواز مطلقا (قوىّ، و ذلك انه بيع طعام بدراهم، لا بيع طعام بطعام، فلا يحتاج) الجواز (الى اعتبار المثلية، انتهى) كلام المختلف.

(اقول: الظاهر ان الشيخ قدّس سره جرى فى ذلك) المنع فى فتواه الاولى- لان له فتويين: المنع و الجواز الّذي نقله المختلف عنه فى آخر كلامه- التى نقلناها عنه من كتابه المبسوط (و فيما تقدم عنه) فى اوّل المسألة (فى النهاية من عدم جواز بيع ما اشترى بجنس الثمن متفاضلا) جرى (على قاعدة كلية تظهر) تلك القاعدة الكلية (من بعض الاخبار من ان عوض الشي ء الربوي لا يجوز ان يعوض ب) نفس (ذلك الشي ء بزيادة، و ان

ص: 96

عوض العوض بمنزلة العوض.

فاذا اشترى طعاما بدراهم لا يجوز ان يأخذ بدل الطعام دراهم بزيادة.

و كذلك اذا باع طعاما بدراهم لا يجوز له ان يأخذ عوض الدراهم طعاما و عوّل فى ذلك على التعليل المصرح به فى رواية على بن جعفر، عن اخيه عليه السلام المعتضد ببعض الاخبار المانعة عن بعض افراد هذه القاعدة هنا، و فى باب السلم

______________________________

عوض العوض بمنزلة العوض) «و ان» عطف بيان ل «عوض الشي ء الربوي»

(فاذا اشترى طعاما بدراهم لا يجوز ان يأخذ بدل الطعام دراهم بزيادة).

مثلا: اشترى الطعام بعشرة دراهم، فانه لا يجوز له ان يبيع ذلك الطعام باحد عشر درهما لانه فى الحقيقة تبديل الدراهم بالدراهم.

(و كذلك اذا باع طعاما بدراهم لا يجوز له ان يأخذ عوض الدراهم طعاما) ازيد.

كما اذا باع منّا من الحنطة بدرهم، فلا يجوز له ان يأخذ عوض الدرهم منّا و نصفا من الحنطة لانه فى الحقيقة بيع الحنطة بالحنطة.

(و عوّل) الشيخ (فى ذلك) اى فى ان عوض العوض عوض (على التعليل المصرح به فى رواية على بن جعفر، عن اخيه) موسى (عليه السلام المعتضد) ذلك التعليل العام (ببعض الاخبار المانعة عن بعض افراد هذه القاعدة هنا) و هى التى تقدمت دليلا للشيخ (و فى باب السلم) و هو

ص: 97

قال سألته عن رجل له على آخر تمر، او شعير، او حنطة، ا يأخذ بقيمته دراهم؟ قال: اذا قوّمه دراهم فسد، لان الاصل الّذي يشترى به دراهم و لا يصلح دراهم بدراهم.

قال فى محكى التهذيب الّذي افتى به ما تضمنه هذا الخبر الاخير من انه اذا كان الّذي اسلف فيه دراهم لم يجز ان يبيعه بدراهم، لانه يكون قد باع دراهم بدراهم، و ربما كان فيه زيادة او نقصان و ذلك ربا، انتهى.

و هنا يقول- قبالا لمسألة السلم

______________________________

عكس مسئلتنا اى اعطاء الثمن الآن لاخذ المثمن فى الآجل (قال) على بن جعفر عليهما السلام (سألته عن رجل له على آخر تمر، او شعير، او حنطة، ا يأخذ بقيمته دراهم؟ قال) عليه السلام (اذا قومه دراهم فسد، لان الاصل الّذي يشترى به دراهم، و لا يصلح دراهم بدراهم) قوله «و لا يصلح» هو التعليل العام.

(قال) الشيخ (فى محكى التهذيب الّذي افتى به ما تضمنه هذا الخبر الاخير) اى خبر على بن جعفر (من انه اذا كان الّذي اسلف فيه دراهم) اى اعطى المشترى دراهم نقدا ليأخذ المثمن عند الأجل (لم يجز ان يبيعه) اى المثمن (بدراهم، لانه يكون قد باع دراهم بدراهم) فى واقع الامر (و ربما كان فيه زيادة او نقصان) مثل ان يكون الاصل بعشرة و البيع الثانى باحد عشر او بتسعة (و ذلك ربا، انتهى) كلام التهذيب.

(و هنا) فى باب النسيئة (يقول) الشيخ أيضا (- قبالا لمسألة السلم

ص: 98

التى هى عكس مسئلتنا- انه اذا كان الّذي باعه طعاما، لم يجز ان يشترى بثمنه طعاما، لانه يكون باع طعاما بطعام.

و بالجملة فمدار فتوى الشيخ قدّس سره على ما عرفت من ظهور بعض الاخبار، بل صراحته فيه، من ان عوض العوض فى حكم العوض فى عدم جواز التفاضل مع اتحاد الجنس الربوي.

فلا فرق بين اشتراء نفس ما باعه منه، و بين اشتراء مجانسه منه.

و لا فرق أيضا بين اشترائه قبل حلول الاجل او بعده كما اطلقه فى الحدائق

______________________________

التى) صفة مسئلة السلم (هى عكس مسئلتنا-) فان النسيئة عكس السلم (انه اذا كان الّذي باعه) نسيئة (طعاما، لم يجز ان يشترى بثمنه طعاما، لانه) اذا فعل ذلك (يكون) قد (باع طعاما بطعام) بزيادة او نقيصة فى واقع الأمر.

(و بالجملة فمدار فتوى الشيخ قدس سره) فى باب السلم و النسيئة (على ما عرفت من ظهور بعض الاخبار، بل صراحته فيه) اى فى المنع عن ذلك (من ان عوض العوض فى حكم العوض فى عدم جواز التفاضل مع اتحاد الجنس الربوي) فلا فرق بين ان يبيع منّا من حنطة بمنّ و نصف رأسا او يبيع منّا من حنطة بدينار ثم يشترى بالدينار منّا و نصفا من الحنطة.

و على هذه الضابطة (فلا فرق بين اشتراء نفس ما باعه منه، و بين اشتراء مجانسه منه) لانطباق قاعدة «عوض العوض عوض» على كليهما.

(و) كذلك (لا فرق أيضا بين اشترائه قبل حلول الاجل او بعده، كما اطلقه فى الحدائق) فى الكلام الّذي نقلناه عنه فى اوّل المسألة.

ص: 99

و تقييده بما بعد الحلول فى عبارة النهاية المتقدمة لكون الغالب وقوع المطالبة و الايفاء بعد الحلول، و ان قصّر المشهور خلافه به.

لكن الاظهر هو الاطلاق، كما انّ تقييد المنع فى كلامه بأخذ ما باعه بالناقص، لانه الغالب لان فى ردّ نفس ما اشتراه ردّه بالناقص،

______________________________

(و) ان قلت: اذا لم يكن فرق بين قبل الاجل و بعده فلما ذا قيّده الشيخ بما بعد حلول الاجل.

قلت: (تقييده بما بعد الحلول فى عبارة النهاية المتقدمة) انما هو (لكون الغالب وقوع المطالبة) للثمن من البائع (و الايفاء) من المشترى (بعد الحلول) فالقيد من باب الغلبة (و ان قصّر المشهور خلافه) اى خلاف الشيخ (به) اى بما بعد حلول الاجل.

(لكن الاظهر هو الاطلاق) لما قبل الاجل و ما بعد الاجل (كما انّ تقييد المنع) اى المنع عن الزيادة (فى كلامه بأخذ ما باعه بالناقص) اى تقييده بما اذا كان ما يأخذه بثمن ناقص.

كما اذا باعه منّا بدينار، ثم اشترى منا و نصفا بالدينار- فيما اذا ارتفعت قيمة المثمن- (لانه الغالب).

و انما كان غالبا (لان فى ردّ نفس ما اشتراه) اى الحنطة مثلا (ردّه ب) الثمن (الناقص) فالبائع يعطى كيلوا من الحنطة بالنسيئة بدينار، فاذا اراد ان يقبل الحنطة عوض ديناره اخذ كيلوا و نصفا عوض ديناره، اذ النسيئة اكثر ثمنا من النقد.

ففى الاول كانت الحنطة نسيئة، فثمنها اكثر.

ص: 100

لا لخصوصية فى النقص لا يجرى فى الزيادة.

و لذا ذكر جواز اخذ المتاع الآخر بقيمته فى الحال، زادت او نقصت فيعلم منه: ان اخذ ما باعه بقيمته فى الحال غير جائز، زادت او نقصت.

______________________________

و فى الثانى كانت الحنطة نقدا فثمنها اقل (لا لخصوصية فى النقص لا يجرى فى الزيادة) بل لا فرق بين ان يعطى منّا و يأخذ نصف منّ او ان يأخذ منّا و نصفا فى وجود المحذور المذكور اى الربا.

(و لذا) الّذي لا فرق بين الزيادة و النقيصة (ذكر) الشيخ (جواز اخذ المتاع الآخر) اى اخذ البائع ما انتقل منه- تماما- (بقيمته فى الحال، زادت) القيمة (او نقصت).

فاذا اعطى منّا اخذ منّا بالقيمة الحالية، سواء كانت قيمة هذا المنّ الحالى نفس تلك القيمة السابقة او اكثر او اقل.

(فيعلم منه) اى من تجويزه اخذ المتاع بقيمته فى الحال (ان اخذ ما باعه بقيمته فى الحال غير جائز، زادت او نقصت) كما اذا كانت قيمة المنّ دينارا، فصارت القيمة دينارا و نصفا، او نصف دينار، فانه اذا اخذ من الحنطة بقدر الدينار فقط، كانت الحنطة دون المنّ تارة و ازيد من المنّ اخرى

و الحاصل: ان اخذ المنّ لا بأس به، سواء زادت قيمته او نقصت، اما اخذ مقدار الثمن الحالى من المنّ فيه بأس، سواء زادت القيمة او نقصت عن قيمة وقت البيع الاول.

ص: 101

و يؤيّد الحمل على الغالب انه قدّس سره ذكر فى مسئلة السلم التى هى عكس المسألة انه لا يجوز له اخذ مثل الثمن زائدا على ما اعطاه فان الغالب مع اعطاء الطعام بدل الدراهم النقص مما اشترى و مع العكس العكس

و ظهر أيضا مما ذكرنا ان الحكم مختص فى كلام الشيخ بالجنس الربوي، لا مطلق المتاع،

______________________________

(و يؤيّد الحمل) لكلام الشيخ (على الغالب)- بان التقييد بالناقص من باب الغالب، و الا فلا فرق عند الشيخ بين الزائد و الناقص- (انه قدّس سره ذكر فى مسئلة السلم التى هى عكس المسألة).

اذ مسئلتنا فى باب النسيئة حين يريد البائع استرجاع ماله فى مقابل ما يطلبه من المشترى من الثمن (انه لا يجوز له اخذ مثل الثمن زائدا على ما اعطاه).

فاذا اعطى المشترى دينارا نقدا ليسلفه منّا من الحنطة، ثم جاء وقت التسليم و لا حنطة للبائع، اعطاه البائع بدل حنطته اكثر من الدينار لان المنّ من الحنطة السلف اقل قيمة من المنّ نقدا (فان الغالب مع اعطاء الطعام بدل الدراهم) فى النسيئة (النقص) فى الثمن (مما اشترى، و مع العكس) اعطاء الدراهم بدل الطعام- فى السلم- (العكس) الزيادة فى الثمن مما اشترى.

(و ظهر أيضا مما ذكرنا) من ان محذور الشيخ من المنع انما هو الربا لان عوض العوض عوض- (ان الحكم) بالمنع (مختص فى كلام الشيخ بالجنس الربوي، لا مطلق المتاع) ربويا كان أم لا، فلا يجرى كلامه فى مثل

ص: 102

و لا خصوص الطعام.

و اما الحكم فى المستثنى، و هو ما اذا اشترط فى البيع الاول نقله الى من انتقل عنه، فهو المشهور، و نص عليه الشيخ فى باب المرابحة.

و استدلوا عليه أولا بالدور، كما فى التذكرة.

قال فى باب الشروط: لو باعه شيئا بشرط ان يبيعه اياه، لم يصح، سواء اتحد الثمن قدرا و وصفا و عينا،

______________________________

الدار و الاثاث و نحوهما (و لا خصوص الطعام).

اذ الربا اخص من المتاع و اعم من الطعام، فان الربا جار فى الذهب و الفضة و هما ليسا من الطعام.

و كيف كان فسواء خصّصنا كلام الشيخ بمورده او عمّمناه بكل ربوى فهو خلاف كلام المشهور و خلاف الادلة، كما عرفت، هذا تمام الكلام فى الحكم فى المستثنى منه.

(و اما الحكم فى المستثنى، و هو ما اذا اشترط فى البيع الاول) اى اشترط البائع على المشترى (نقله الى من انتقل عنه) اى الى البائع (ف) الحكم بالبطلان (هو المشهور، و نص عليه الشيخ فى باب المرابحة).

(و استدلوا عليه) اى على البطلان بادلة متعدّدة (أولا بالدور، كما فى التذكرة).

(قال فى باب الشروط: لو باعه شيئا بشرط ان يبيعه اياه) اى بشرط ان يبيع المشترى المتاع- ثانيا- الى البائع نفسه (لم يصح) البيع الاول (سواء اتحد الثمن) فى البيع الاول و الثانى (قدرا و وصفا و عينا).

ص: 103

أم لا.

و الا جاء الدور، لان بيعه له يتوقف على ملكيته له المتوقفة على بيعه فيدور اما لو شرط ان يبيعه على غيره صحّ عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب و السنة.

______________________________

كما لو كان الثمن فى البيع الاول و فى البيع الثانى كل واحد منهما دينارا، و كان كل واحد منهما درهما بغليّا، او كان الشرط ان يدفع البائع عين الثمن الاول بشخصه الى المشترى عند اشترائه المتاع من المشترى (أم لا) بان اختلف الثمنان قدرا و وصفا و عينا.

(و الا) بان شرط (جاء الدور).

بيان الدور (لان بيعه له) اى بيع المشترى للبائع- ثانيا- (يتوقف على ملكيته له) اى ملكية المشترى لهذا الشي ء- لانه لا بيع الا فى ملك- (المتوقفة) تلك الملكية للمشترى (على بيعه) للبائع (فيدور).

اذ لو لم يبعه للبائع لم يملك، فان الملك لا يتحقق الا بعد تحقق الشرط و تحقق الشرط لا يكون الا بالبيع.

و النتيجة ان بيع المشترى للبائع يتوقف على بيع المشترى للبائع و هذا دور صريح (اما لو شرط ان يبيعه على غيره) اى غير البائع.

كما اذا باع محمد كتابه لعلى، بشرط ان يبيعه الى الحسن (صحّ عندنا حيث لا منافاة فيه) اى فى هذا الشرط (للكتاب و السنة) بخلاف الشرط الاول الّذي كان منافيا للكتاب و السنة، اذ كان بيعا فى غير الملك فى البيع الثانى المنافى لقوله عليه السلام «لا بيع الا فى ملك»

ص: 104

لا يقال: ما التزموه من الدور آت هنا.

لانا نقول: الفرق ظاهر، لجواز ان يكون جاريا على حدّ التوكيل او عقد الفضولى.

بخلاف ما لو شرط البيع على المالك.

______________________________

(لا يقال: ما التزموه من الدور آت هنا) فى شرط البيع على الغير.

(لانا نقول) كلّا، فان (الفرق) بين شرط البيع على البائع و شرط البيع على الغير (ظاهر، لجواز ان يكون) شرط البيع على الغير (جاريا على حدّ التوكيل) بان يكون المشترى وكيلا للبائع فى ان يبيعه على ثالث (او عقد الفضولى) بان يكون المشترى فضولا فى بيعه للثالث، بدون وكالة عن البائع الاول.

و الحاصل: ان الانسان لا يعقل ان يشترى مال نفسه، كما فى شرط البيع لنفسه لكنه يعقل ان يكون الانسان وكيلا عن المالك فى بيع ماله لثالث، او ان يكون الانسان فضولا فى بيع مال شخص لانسان ثالث.

(بخلاف ما لو شرط البيع على المالك) فانه غير معقول، لا بعنوان الوكالة و لا بعنوان الفضولية.

فحيث لا يصح البيع بهذين العنوانين لا يصحّ البيع بعنوان الشرط أيضا.

اما بالنسبة الى البيع لثالث، فانه حيث يصح البيع بالعنوانين يصحّ البيع بعنوان الشرط أيضا.

و حاصل الجواب ان لا دور فى البيع الى الثالث، اذ المقدمة الاولى

ص: 105

اقول: ظاهر ما ذكره من النقض انه يعتبر فى الشرط ان يكون معقولا فى نفسه، مع قطع النظر عن البيع المشروط فيه.

و بيع الشي ء على غير مالكه معقول و لو من غير المالك، كالوكيل و الفضولى بخلاف بيعه على مالكه، فانه غير معقول اصلا، فاندفع عنه نقض

______________________________

للدور و هى قوله «لان بيعه له يتوقف على ملكيته له» غير تامة.

فان بيع المشترى للمتاع الى الثالث لا يتوقف على ملكية المشترى للمتاع، لإمكان ان يكون المشترى فضولا او وكيلا، بخلاف البيع على نفس البائع، فان المشترى لا يمكن ان يكون وكيلا و لا فضولا.

(اقول: ظاهر ما ذكره من النقض) بقوله «لا يقال» (انه يعتبر فى الشرط ان يكون معقولا فى نفسه، مع قطع النظر عن البيع المشروط فيه)

و انما كان ظاهر ما ذكره هذا، لان جواب العلامة عن النقض كان بالفرق بين «البيع لنفس البائع» و «البيع لغير البائع» و ان الاول ليس بمعقول اصلا، و الثانى معقول فيظهر لزوم معقولية الشرط فى نفسه.

(و) من المعلوم ان (بيع الشي ء على غير مالكه معقول و لو من غير المالك، كالوكيل و الفضولى).

و ذلك (بخلاف بيعه على مالكه، فانه غير معقول اصلا).

اذ لا يتمكن الانسان ان يبيع الشي ء لمالكه، سواء كان البائع وكيلا عن المالك، او كان فضوليا.

و على هذا الّذي ذكرنا من مراد العلامة بقولنا «اقول: ظاهر» (فاندفع عنه) اى عن العلامة (نقض

ص: 106

جماعة ممن تأخر عنه باشتراط بيعه على غيره او عتقه.

نعم ينتقض ذلك باشتراط كون المبيع رهنا على الثمن فان ذلك لا يعقل

______________________________

جماعة ممن تأخر عنه) فنقضوا على ما ذكره العلامة من لزوم الدور (باشتراط بيعه على غيره) اى غير البائع (او عتقه).

قالوا ان الدور الّذي ذكره العلامة يأتى فى اشتراط بيعه على ثالث كان يبيع محمد لعلىّ بشرط ان يبيعه عليّ للحسن، و فى اشتراط عتقه كان يبيع محمد لعلى عبدا بشرط ان يعتقه، فانه يلزم فيهما الدور أيضا.

مع ان العلامة يقول بصحة شرط البيع الى الغير و شرط العتق.

وجه الدور ان البيع لثالث و العتق يتوقفان على الملك، اذ لا بيع و لا عتق الا فى ملك، و الملك يتوقف على البيع لثالث و العتق اذ لو لم يأت المشترى بالشرط لم يستقر الملك له.

فكيف ان العلامة يقول ببطلان اشتراط بيعه لنفسه، و لا يقول ببطلان اشتراط بيعه على غيره او عتقه، مع ان فى الكل الدور.

و الجواب عن الاشكال انه فرق بين الامرين.

فالاول غير معقول فى نفسه، و الثانى معقول فى نفسه، فلا يرد على العلامة هذا النقض.

(نعم ينتقض ذلك) الّذي ذكره العلامة من الدور (باشتراط كون المبيع رهنا على الثمن) بان يبيع محمد لعلى كتابا بدينار، و حيث انه ليس عند المشترى الدينار يأخذ البائع الكتاب رهنا عند نفسه، و يشترط هذا الرهن عند البيع (فان ذلك) الرهن (لا يعقل

ص: 107

مع قطع النظر عن البيع، بل يتوقف عليه.

و قد اعترف قدس سره بذلك فى التذكرة فاستدل بذلك لاكثر الشافعية المانعين عنه.

و قال: ان المشترى لا يملك رهن المبيع الا بعد صحة البيع، فلا يتوقف عليه صحة البيع، و الا دار.

لكنه قدس سره مع ذلك جوّز هذا الاشتراط.

______________________________

مع قطع النظر عن البيع، بل) الرهن (يتوقف عليه) اى على البيع.

اذ لا يصح ان يرهن مال الانسان عند نفسه، فحال شرط الرهن عند البائع حال شرط البيع لنفس البائع، فكيف يقول العلامة بصحة الاول و بطلان الثانى- مع ان كليهما مع قطع النظر عن البيع غير معقول-.

(و قد اعترف) العلامة (قدس سره بذلك) اى بعدم المعقولية (لاكثر الشافعية المانعين عنه) اى عن شرط الرهن عند البائع.

(و قال) العلامة فى بيان وجه منع شرط الرهن (ان المشترى لا يملك رهن المبيع الا بعد صحة البيع) اذ لا رهن الا فى ملك (فلا) يصح شرط الرهن فى البيع بحيث (يتوقف عليه) اى على الرهن (صحة البيع، و الا) فلو شرط (دار) لان البيع يتوقف على الرهن، و لان الرهن شرط فى البيع و الرهن يتوقف على البيع، لانه لا رهن الا فى ملك.

(لكنه) اى العلامة (قدّس سره مع ذلك) الّذي يرد الدور على شرط رهن الملك عند البائع (جوّز هذا الاشتراط) فثبت على العلامة النقض الّذي ذكرناه بقولنا «نعم ينتقض ذلك».

ص: 108

الا ان يقال اخذ الرهن على الثمن و التضمين عليه و على دركه و درك المبيع من توابع البيع و من مصالحه، فيجوز اشتراطها نظير وجوب نقد الثمن، او عدم تأخيره عن شهر مثلا، و نحو ذلك.

لكن ينتقض حينئذ بما اعترف بجوازه فى التذكرة من

______________________________

(الا ان يقال) هذا النقض غير وارد، اذ الدور صورته هكذا: «البيع متوقف على الرهن» و «الرهن متوقف على البيع» و الحال ان المقدمة الاولى غير تامة، اذ الرهن من توابع البيع، لا ان البيع متوقف عليه.

فان (اخذ الرهن على الثمن و التضمين عليه) يأخذ الضامن فيما اذا لم يدفع المشترى المثمن (و) التضمين (على دركه) بان يأخذ الضامن على انه اذا ظهر المثمن معيبا، او مال الناس، فالضامن يتدارك الامر (و) التضمين على (درك المبيع) بأن يأخذ المشترى من البائع الضامن على انه اذا ظهر المثمن معيبا او مال الناس، فالضامن يتدارك الامر (من توابع البيع و من مصالحه، فيجوز اشتراطها نظير وجوب نقد الثمن) فلا يقال انه لو شرط نقد الثمن لزم الدور، «لان نقد الثمن يتوقف على البيع» و «البيع يتوقف على نقد الثمن» اذا شرط نقد الثمن فى البيع (او) شرط (عدم تأخيره) اى الثمن (عن شهر مثلا، و نحو ذلك) من سائر الشرائط التى هى تابعة للبيع.

(لكن ينتقض) ما ذكره العلامة من ان شرط البيع على البائع دور (حينئذ) اى حين سلمنا عدم نقضه باشتراط رهن المبيع على البائع بحجة انه من توابع المبيع فلا دور فيه (بما اعترف بجوازه فى التذكرة من

ص: 109

اشتراط وقف المشترى المبيع على البائع، و ولده.

و قرر الدور فى جامع المقاصد، بان انتقال الملك موقوف على حصول الشرط و حصول الشرط موقوف على الملك، و هذا بعينه ما تقدم عن التذكرة بتفاوت فى ترتيب المقدمتين.

و اجيب عنه تارة بالنقض باشتراط بيعه من غيره و قد عرفت ان العلامة

______________________________

اشتراط) البائع عند البيع (وقف المشترى المبيع على البائع، و ولده) فان الوقف ليس من توابع البيع كالرهن.

(و) مع ذلك قال العلامة بصحته، و الحال انه مستلزم للدور، كما انه اذا شرط ان يبيعه على البائع يجئ الدور ثم انه (قرر الدور) الوارد على اشتراط بيع الشي ء من البائع (فى جامع المقاصد، ب) هذه الصورة.

و هى: (ان انتقال الملك) الى المشترى (موقوف على حصول الشرط) لان البيع مقيد بالشرط، و المقيد لا يحصل الا بحصول القيد (و حصول الشرط موقوف على الملك) اذ لا بيع الا فى ملك (و هذا بعينه ما تقدم عن التذكرة بتفاوت فى ترتيب المقدمتين).

حيث قال فى التذكرة: ان بيع المشترى متوقف على ملكه، و ملكه متوقف على بيعه.

فان جامع المقاصد قدّم المقدمة الثانية على المقدمة الاولى كما لا يخفى (و اجيب عنه) اى عن الدور المذكور (تارة بالنقض باشتراط بيعه من غيره) اى غير البائع، فانه لا اشكال فى صحة هذا الشرط، مع ان الدور المذكور فى شرط بيعه لنفس المالك، آت هنا أيضا (و قد عرفت ان العلامة

ص: 110

قدّس سره تفطن له فى التذكرة، و اجاب عنه بما عرفت انتقاضه بمثل اشتراط رهنه على الثمن، و عرفت تفطنه لذلك أيضا فى التذكرة.

و اخرى بالحلّ و هو ان انتقال الملك ليس موقوفا على تحقق الشرط و انما المتوقف عليه لزومه.

و ثالثة: بعدم جريانه فيما لو شرط بيعه منه بعد اجل البيع الاول،

______________________________

قدّس سره تفطن له) اى لهذا النقض (فى التذكرة، و اجاب عنه) بالفرق بين شرط البيع لنفس البائع، و بين شرط البيع من غير البائع (بما عرفت انتقاضه بمثل اشتراط رهنه على الثمن، و عرفت تفطنه لذلك أيضا فى التذكرة).

(و) تارة (اخرى بالحلّ و هو) عدم تسليم المقدمة الاولى- فى كلام جامع المقاصد-.

ف (ان انتقال الملك ليس موقوفا على تحقق الشرط، و انما المتوقف عليه) اى على تحقق الشرط (لزومه) اى لزوم الملك فان الملك ينتقل بمجرد العقد، فاذا حصل الشرط صار لازما، و ان لم يحصل كان له الخيار.

(و ثالثة: ب) ان الدور ليس مطلقا فى كل بيع شرط فيه ان يبيع المشترى الى البائع، بل الدور خاص ببعض الصور، فلا يمكن منع الكلى للمحذور فى بعض افراده.

و ذلك ل (عدم جريانه) اى الدور (فيما لو شرط بيعه منه) اى من البائع (بعد اجل البيع الاول) كما لو شرط ان يبيعه الى البائع بعد شهر

ص: 111

فان ملك المشترى متخلّل بين البيعين.

و مبنى هذين الجوابين على ما ذكره العلامة فى الاعتراض على نفسه و الجواب عنه بما حاصله: ان الشرط لا بد من صحته مع قطع النظر عن البيع، فلا يجوز ان يتوقف صحته على صحة البيع.

______________________________

(فان ملك المشترى متخلّل بين البيعين) فلم يتوقف ملك المشترى على الشرط، لان المشترى ملك قبل تحقق اجل الشرط.

(و مبنى هذين الجوابين) الثانى و الثالث (على ما ذكره العلامة فى الاعتراض على نفسه).

حيث اعترض العلامة على نفسه بانه اذا جاء الدور فى شرط البيع على نفس البائع يأتى الدور أيضا فى شرط البيع على غير البائع.

(و الجواب عنه) عطف على «الاعتراض» (بما حاصله) ان الفرق بين ان يكون الشرط البيع على نفس البائع، و ان يكون الشرط البيع على غير البائع.

ف (ان الشرط لا بد من صحته مع قطع النظر عن البيع، فلا يجوز ان يتوقف صحته) اى صحة الشرط (على صحة البيع).

و الحاصل ان العلامة قد ردّ الجوابين المذكورين- الثالث و الرابع- بجوابه عن اعتراضه على نفسه، و ردّ الجوابين هو: ان شرط البيع على البائع لا يعقل قبل البيع.

و بناء على هذا الردّ فالجوابان لا موقع لهما، اذ لم يعالجا ردّ هذا الاشكال.

ص: 112

و لا فرق فى ذلك بين اشتراط بيعه قبل الاجل او بعده، لان بيع الشي ء على مالكه غير معقول مطلقا.

و لو قيد بما بعد خروجه عن ملك مالكه لم يفرق أيضا بين ما قبل الاجل و ما بعده.

و استدل عليه أيضا بعدم قصد البائع بهذا

______________________________

(و) من المعلوم انه (لا فرق فى ذلك) اى فى ورود اشكال العلامة على شرط البيع على البائع (بين اشتراط بيعه قبل الاجل) اى اجل الشرط (او بعده).

و انما لا فرق (لان بيع الشي ء على مالكه غير معقول مطلقا) تخلل ملك المشترى، او لم يتخلّل ملك المشترى.

(و لو قيد) البيع الى البائع (بما بعد خروجه عن ملك مالكه) اى البائع (لم يفرق أيضا بين ما قبل الاجل و ما بعده).

و الحاصل ان مبنى الجوابين على ان الملك انتقل الى المشترى اما انتقالا مطلقا- كما قال الجواب الاول- او انتقال قبل اجل الشرط- كما قال الجواب الثانى-.

و العلامة لا يستشكل فى انتقال الملك، و انما اشكاله فى ان البيع الى المالك غير معقول، و الحال ان الشرط يجب ان يكون معقولا قبل البيع هذا تمام الكلام فى الاستدلال الاول على منع شرط ان يبيع المشترى المتاع الى البائع، و حاصله لزوم الدور.

(و استدل عليه أيضا ب) استدلال ثان، و هو (عدم قصد البائع بهذا

ص: 113

الشرط الى حقيقة الاخراج عن ملكه، حيث لم يقطع علاقة الملك.

و جعله فى غاية المراد اولى من الاستدلال بالدور بعد دفعه بالجوابين الاولين.

ثم قال و ان كان اجماع على المسألة فلا بحث.

و ردّ عليه المحقق و الشهيد الثانيان، بان الفرض حصول القصد الى النقل الاول، لتوقفه عليه و الا لم يصح ذلك، اذا قصدا ذلك و لم يشترطاه

______________________________

الشرط الى حقيقة الاخراج عن ملكه، حيث لم يقطع علاقة الملك).

و صورة الاستدلال هكذا: البيع قطع لعلاقة الملك من البائع، و البيع المشروط ليس قطعا لعلاقة الملك.

(و جعله) اى هذا الاستدلال لبطلان البيع المشروط بشرط بيعه الى البائع (فى غاية المراد اولى من الاستدلال بالدور بعد دفعه) اى الدور (بالجوابين الاولين) الذين تقدم بقولنا: تارة بالنقض و اخرى بالحل.

(ثم قال و ان كان اجماع على المسألة) اى مسئلة انه يجوز شرط البيع من البائع (فلا بحث).

(و ردّ عليه) اى على هذا الاستدلال الثانى الّذي يقول بانه لا قصد (المحقق و الشهيد الثانيان، ب) انا لا نسلم عدم قصد البائع حقيقة البيع.

ل (ان الفرض حصول القصد الى النقل الاول، لتوقفه) اى النقل (عليه) اى على القصد (و الا) يكن قصدا النقل (لم يصح ذلك) البيع الاول (اذا قصدا ذلك) النقل الى البائع (و لم يشترطاه) فى العقد، بل كان قصدهما

ص: 114

مع الاتفاق على صحته، انتهى.

و استدل عليه فى الحدائق، بقوله عليه السلام فى رواية الحسين ابن المنذر المتقدمة فى السؤال عن بيع الشي ء و اشترائه ثانيا من المشترى ان كان هو بالخيار ان شاء باع و ان شاء لم يبع، و كنت انت بالخيار ان شئت اشتريت و ان شئت لم تشتر، فلا بأس.

فان المراد بالخيار هو الاختيار عرفا فى

______________________________

ان يبيع المشترى الى البائع (مع الاتفاق على صحته) اى صحة البيع الاول، ان قصدا النقل الى البائع.

و الحاصل: ان شرط البيع الى البائع لا ينافى قصد النقل أولا انه اذا نافى فكيف ينقلان بالبيع.

و ثانيا انه اذا نافى لزم بطلان البيع اذا كان من قصدهما ان ينقلاه الى البائع- ثانيا- بدون ان يشترطاه فى متن العقد (انتهى) رد الشهيد و المحقق عن الدليل الثانى.

(و استدل عليه) اى على عدم صحة هذا الشرط (فى الحدائق، ب) دليل ثالث.

و هو (قوله عليه السلام فى رواية الحسين ابن المنذر المتقدمة فى السؤال عن بيع الشي ء و اشترائه ثانيا من المشترى) قال عليه السلام (ان كان هو بالخيار ان شاء باع و ان شاء لم يبع، و كنت انت بالخيار ان شئت اشتريت و ان شئت لم تشتر، فلا بأس).

وجه الدلالة ما ذكره بقوله: (فان المراد بالخيار هو الاختيار عرفا فى

ص: 115

مقابل الاشتراط على نفسه بشرائه ثانيا.

فدل على ثبوت البأس اذا كان احد المتبايعين غير مختار فى النقل من جهة التزامه بذلك فى العقد الاول.

و ثبوت البأس فى الرواية اما راجع الى البيع الاول، فيثبت المطلوب

و ان كان راجعا الى البيع الثانى فلا وجه له الا بطلان البيع الاول، اذ لو صح البيع الاول- و المفروض اشتراطه بالبيع الثانى- لم يكن بالبيع الثانى بأس،

______________________________

مقابل الاشتراط على نفسه) اى نفس البائع (بشرائه ثانيا).

(فدل) الحديث بمفهوم الشرط (على ثبوت البأس اذا كان احد المتبايعين غير مختار فى النقل من جهة التزامه بذلك) النقل (فى العقد الاول).

و المراد بالبأس: الحكم الوضعى لا التكليفى، اذ الاوامر و النواهى المتعلقة بالعقود تفيد الوضع- كما ذكروا-.

(و ثبوت البأس فى الرواية اما راجع الى البيع الاول، فيثبت المطلوب) و هو بطلان البيع المشروط فيه ذاك الشرط فاذا بطل البيع الاول بطل البيع الثانى.

(و ان كان راجعا الى البيع الثانى فلا وجه له) اى للبأس فى البيع الثانى (الا بطلان البيع الاول، اذ لو صح البيع الاول- و المفروض اشتراطه بالبيع الثانى- لم يكن بالبيع الثانى بأس).

اذ البأس فى البيع الثانى اما تعبد و هو بعيد.

ص: 116

بل كان لازما بمقتضى الشرط الواقع فى متن العقد الصحيح هذا.

و قد يرد دلالتها بمنع دلالة البأس على البطلان، و فيه ما لا يخفى و قد ترد أيضا بتضمنها لاعتبار ما لا يقول به احد من عدم اشتراط المشترى ذلك على البائع.

______________________________

و اما لاجل نقصه لاحد اركان المعاملة، و الحال انه لا ينقص شيئا (بل كان) البيع الثانى (لازما بمقتضى الشرط الواقع فى متن العقد الصحيح) الّذي هو البيع الاول (هذا) وجه دلالة الرواية على بطلان العقد المشروط بهذا الشرط.

(و قد يرد دلالتها) على البطلان (بمنع دلالة البأس على البطلان) اذا البأس يجتمع مع الكراهة أيضا (و فيه ما لا يخفى).

اذ ظاهر البأس البأس الكامل و هو البطلان فى المعاملات و الحرمة فى غيرها (و قد ترد أيضا بتضمنها) اى الرواية (لاعتبار ما لا يقول به احد من عدم اشتراط المشترى ذلك على البائع).

فان الرواية تقول: يلزم فى صحة البيع ان لا يشترط البائع على المشترى ان يبيعه له، و ان لا يشترط المشترى على البائع ان يبيعه اياه.

اذ قد يشترط البائع هذا الشرط، و قد يشترط المشترى هذا الشرط.

و انما يستفاد من الرواية هذان الامران، لان الرواية قالت: ان كان هو بالخيار، و كنت انت بالخيار.

و حيث ان الذين قالوا: بعدم صحة شرط البائع على المشترى خصّصوا عدم الصحة بهذه الصورة اى شرط البائع على المشترى و لم يذكروا عدم

ص: 117

و فيه ان هذا قد قال به كل احد من القائلين باعتبار عدم اشتراط البائع فان المسألتين من واد واحد، بل الشهيد قدّس سره فى غاية المراد عنون المسألة بالاشتراء بشرط الاشتراء.

و قد يرد أيضا بان المستفاد من المفهوم

______________________________

الصحة فى صورة شرط المشترى على البائع.

فالرواية المشتملة على الصورتين مما لم يعمل بها احد، فهى ساقطة عن الحجية، و لا يمكن الاستدلال بها حتى فى الصورة التى قالوا بها.

(و فيه) أولا (ان هذا) اى اشتراط المشترى على البائع (قد قال به كل احد من القائلين باعتبار عدم اشتراط البائع).

فالقائلون بعدم الصحة، يقولون: بانه لا يصح سواء شرط البائع على المشترى، او شرط المشترى على البائع (فان المسألتين) و هما: مسئلة شرط البائع على المشترى، و مسئلة شرط المشترى على البائع، (من واد واحد، بل الشهيد قدّس سره فى غاية المراد عنون المسألة بالاشتراء بشرط الاشتراء) بان يشترى المشترى من البائع بشرط ان يشتريه البائع منه، و لم يعنونه بالبيع بشرط البيع، هذا أولا.

و ثانيا على فرض اشتمال الرواية على ما لا يقول به احد، فان ذلك لا يضرّ للتفكيك بين جمل الروايات فى العمل و عدم العمل، كما ذكروه فى الاصول.

(و قد يرد) ما استدل به الحدائق من رواية الحسين (أيضا بان المستفاد من المفهوم).

ص: 118

لزوم الشرط، و انه لو شرطاه يرتفع الخيار عن المشروط عليه و ان كان يحرم البيع الثانى، او هو و البيع الاول مع الشرط

______________________________

فالمنطوق هو «اذا كان هو بالخيار فلا بأس» و المفهوم «اذا لم يكن هو او انت بالخيار ففيه بأس».

و معنى المفهوم «اذا كان شرط ففيه بأس» لان عدم الخيار، انما يتأتى من الشرط فالمنطوق «اذا لم يكن شرط لا بأس» و المفهوم «اذا كان شرط ففيه البأس».

و على هذا فالشرط صحيح اذ لو كان الشرط فاسدا لم يؤثر فى رفع الخيار.

فالمستفاد من المفهوم هو (لزوم الشرط، و انه لو شرطاه يرتفع الخيار عن المشروط عليه) و اذا تحقق ان «فيه البأس» هو المفهوم، فليس مربوطا «بالشرط» يبقى ان يكون اما مربوط بالبيع الاول، او بكلا البيعين.

و ان شئت قلت: المنطوق «اذا لم يكن شرط فلا بأس» و المفهوم «اذا كان شرط ففيه بأس» و البأس اما راجع الى البيع الاول او الى كلا البيعين او الى الشرط.

لكن لا يمكن ان يكون «البأس» راجعا الى «الشرط» لان الشرط اذا كان فيه بأس فهو فاسد، و الشرط الفاسد لا يرفع الخيار، و المفروض ان الشرط رفع الخيار.

و عليه فالشرط رافع للخيار (و ان كان يحرم البيع الثانى، او هو و البيع الاول) كلاهما (مع الشرط) و ذلك لرجوع «البأس» الى «احدهما»

ص: 119

و يكون الحاصل حينئذ حرمة الاشتراط، و ان كان لو فعل التزم به، و هو غير التزام المحرم الّذي يفسد و يفسد العقد.

و فيه ان الحرمة المستفادة من البأس ليس الا الحرمة الوضعية اعنى الفساد، و لا يجامع ذلك صحة الشرط و لزومه.

______________________________

- بعد عدم امكان رجوعه الى «الشرط»- (و يكون الحاصل حينئذ) اى حين رجوع «البأس» الى «احدهما» (حرمة الاشتراط، و ان كان لو فعل) الاشتراط (التزم به) اى بالشرط، فالبيع المشروط حرام، لكنه صحيح كالبيع فى وقت نداء صلاة الجمعة (و هو) اى حرمة البيع المشروط مع صحته (غير التزام) الشرط (المحرم) مثل شرط شرب الخمر فى ضمن البيع (الّذي يفسد) الشرط (و يفسد) ذلك الشرط (العقد) أيضا.

و الحاصل: ان صاحب الحدائق استدل بهذه الرواية على ان «الشرط» فاسد، فيفسد العقد.

و الراد اجاب بان الرواية انما تدل على ان الاشتراط حرام لكنه صحيح، فلا يفسد فى نفسه و لا يفسد العقد.

(و فيه) ان «البأس» فى المفهوم راجع الى الشرط، و الشرط الفاسد رافع للبيع الاول لانه شرط فاسد مفسد فرفع الشرط للخيار ليس لانه صحيح، بل لانه رافع للبيع الّذي هو موضوع الخيار.

ف (ان الحرمة المستفادة من البأس) و هو مفهوم قوله عليه السلام «لا بأس» (ليس الحرمة الوضعية اعنى الفساد) لان الاوامر و النواهى المتعلقة بالعقود تفيد الوضع (و لا يجامع ذلك) الفساد (صحة الشرط و لزومه)

ص: 120

نعم يمكن ان يقال:- بعد ظهور سياق الرواية فى بيان حكم البيع الثانى مع الفراغ عن صحة الاول، كما يشهد به أيضا بيان خلاف اهل المسجد المختص بالبيع الثانى- ان المراد انه ان وقع البيع الثانى على وجه الرضا و طيب النفس و الاختيار، فلا بأس به، و ان وقع لا عن ذلك، بل لاجل الالتزام به سابقا فى متن العقد، او قبله و الزامه عرفا بما

______________________________

(نعم يمكن ان يقال) فى وجه عدم دلالة الرواية المذكورة على مذهب القائل بالبطلان، ان الرواية انما تدل على فساد هذا الشرط تعبدا، او على ان هذا الشرط لا يلزم الوفاء به، لانه لم يقع فى ضمن العقد.

و على كل حال، فالبيع الاول صحيح، و البيع الثانى ان وقع عن طيب النفس صحّ أيضا، و الا بطل من جهة انه لا طيب نفس فيه.

و على كل حال فاللازم ان يقال: (- بعد ظهور سياق الرواية فى بيان حكم البيع الثانى مع الفراغ عن صحة) البيع (الاول) لانّ مصبّ السؤال و الجواب حول البيع الثانى (كما يشهد به) اى بان المقصود حكم البيع الثانى (أيضا بيان) للسائل (خلاف اهل المسجد المختص) ذلك الخلاف (بالبيع الثانى- ان) مفعول «يقال» (المراد) بالرواية (انه ان وقع البيع الثانى على وجه الرضا و طيب النفس و الاختيار، فلا بأس به) لانّ المعاملة يلزم ان تكون عن طيب النفس (و ان وقع لا عن ذلك) اى لا عن طيب النفس (بل لاجل الالتزام به) اى الالتزام بالبيع الثانى (سابقا فى متن العقد، او) الالتزام به (قبله) اى قبل العقد (و الزامه) اى الزام المشروط له المشروط عليه (عرفا بما

ص: 121

التزم، كان الشراء فاسدا، لكن فاسد الشراء لا يكون الا لعدم طيب النفس فيه.

و عدم وجوب الالتزام بما التزم على نفسه، اما لعدم ذكره فى متن العقد.

و اما لكون الشرط بالخصوص فاسدا لا يجب الوفاء به، و لا يوجب فساد العقد المشروط به كما هو مذهب كثير من القدماء، لا

______________________________

التزم، كان الشراء) الثانى (فاسدا، لكن فساد الشراء) حينئذ (لا يكون الا لعدم طيب النفس فيه).

(و) ان قلت: لا يهم عدم طيب النفس، لانه يلزم ان يأتى بالمشروط و ان لم تطب نفسه.

قلت: (عدم وجوب الالتزام بما التزم على نفسه) من العقد الثانى (اما لعدم ذكره فى متن العقد) لان الرواية لم تذكر انه التزم بالشرط فى متن العقد، و الشرط الّذي لا يكون فى متن العقد لا يجب الوفاء به، فاذا اجبر على العمل بهذا الشرط كان البيع الثانى بدون طيب النفس و بدون جبر من الشارع- جبرا يقوم مقام طيب النفس-.

(و اما لكون) هذا (الشرط بالخصوص) اى شرط بيعه ثانيا الى البائع (فاسدا لا يجب الوفاء به) تعبدا (و لا يوجب فساد العقد المشروط به) اى العقد الاول (كما هو مذهب كثير من القدماء) من ان الشرط الفاسد لا يفسد.

و على كل حال فالبيع الثانى فاسد، لاجل عدم طيب النفس (لا) ان

ص: 122

لاجل فساد العقد الاول من جهة فساد الالتزام المذكور فى متنه حتى لو وقع عن طيب النفس.

لان هذا مخالف لما عرفت من ظهور اختصاص حكم الرواية منعا و جوازا بالعقد الثانى.

و اما رواية على بن جعفر، فهى اظهر فى اختصاص الحكم بالشراء الثانى، فيجب أيضا حمله على وجه لا يكون منشأ فساد البيع الثانى فساد البيع الاول، بان يكون مفهوم الشرط

______________________________

العقد الثانى فاسد (لاجل فساد العقد الاول من جهة فساد الالتزام المذكور فى متنه) بان يكون الشرط الفاسد مفسدا (حتى لو وقع) العقد الثانى (عن طيب النفس).

و انما لا نقول بفساد العقد الاول (لان هذا) اى فساد العقد الاول (مخالف لما عرفت من ظهور اختصاص حكم الرواية منعا) بدون الاختيار (و جوازا) مع الاختيار، اى قوله «لا بأس» منطوقا اذا كان مع الاختيار و «فيه بأس» مفهوما اذا كان بدون الاختيار (بالعقد الثانى) لقرينة السياق و قرينة حكم اهل المسجد- كما تقدم-.

(و اما رواية على بن جعفر، فهى اظهر فى اختصاص الحكم بالشراء الثانى) و انه باطل او صحيح (فيجب أيضا حمله) كما حملت رواية الحسين بن المنذر (على وجه لا يكون منشأ فساد البيع الثانى فساد البيع الاول)

فلا تدل رواية على بن جعفر على فساد البيع الاول و حمله يكون على هذا الوجه (بان يكون مفهوم الشرط) حيث قال عليه السلام «اذا لم

ص: 123

انه اذا اشترطا ذلك فى العقد او قبله، و لم يرضيا بوقوع العقد الثانى، بل وقع على وجه الالجاء من حيث الالتزام به قبل العقد، او فيه فهو غير صحيح لعدم طيب النفس فيه، و وقوعه عن الجاء، و هذا لا يكون الا مع عدم وجوب الوفاء.

اما لعدم ذكره فى العقد.

و اما لكونه لغوا فاسدا مع عدم تأثير فساده فى العقد.

______________________________

يشترط و رضيا فلا بأس» (انه اذا اشترطا ذلك) البيع الثانى (فى العقد) الاول (او قبله، و) ثم (لم يرضيا بوقوع العقد الثانى، بل وقع) العقد الثانى (على وجه الالجاء من حيث الالتزام به) اى بالعقد الثانى (قبل العقد) و الشرط قبل العقد لا يلزم الوفاء به (او فيه) و هذا الشرط بخصوصه فاسد تعبدا (فهو) اى العقد الثانى (غير صحيح لعدم طيب النفس فيه و وقوعه عن الجاء، و هذا) اى فساد العقد الثانى الّذي لم يصاحبه الرضا و طيب النفس (لا يكون الا مع عدم وجوب الوفاء) بالشرط، اذ لو وجب الوفاء بالشرط كان العقد الثانى صحيحا، و ان وقع بدون طيب النفس.

(اما لعدم ذكره فى) متن (العقد) و الشرط الّذي لم يذكر فى متن العقد لا يجب الوفاء به.

(و اما لكونه) اى الشرط و ان ذكر فى متن العقد (لغوا فاسدا) فى نفسه تعبدا (مع عدم تأثير فساده) اى لا تأثير لفساد هذا الشرط (فى العقد) فلا يفسد العقد.

ص: 124

و بالجملة فالحكم بفساد العقد الثانى فى الروايتين لا يصح ان يستند الى فساد الاول، لما ذكرنا من ظهور الروايتين فى ذلك، فلا بد ان يكون منشأه عدم طيب النفس بالعقد الثانى.

و عدم طيب النفس لا يقدح الا مع عدم لزوم الوفاء شرعا بما التزم.

و عدم اللزوم لا يكون الا لعدم ذكر الشرط فى العقد، او لكونه فاسدا غير مفسد.

ثم انه قال فى المسالك: انهما لو شرطاه قبل العقد لفظا، فان كانا يعلمان ان الشرط المتقدم لا حكم له

______________________________

(و بالجملة فالحكم بفساد العقد الثانى فى الروايتين) الحسين، و على بن جعفر (لا يصحّ ان يستند الى فساد) العقد (الاول لما ذكرنا من ظهور الروايتين فى ذلك) اى فى فساد العقد الثانى (فلا بد ان يكون منشأه) اى فساد العقد الثانى (عدم طيب النفس بالعقد الثانى).

(و) من المعلوم ان (عدم طيب النفس لا يقدح الا مع عدم لزوم الوفاء شرعا بما التزم) من الشرط، اذ لو كان الوفاء لازما اجبر على الوفاء، و ان لم تطب نفسه.

(و عدم اللزوم) للشرط (لا يكون الا لعدم ذكر الشرط فى العقد) على احتمال (او لكونه) و ان ذكر فى العقد، لكنه كان (فاسدا) تعبدا على احتمال ثان، لكنه مع كونه فاسدا (غير مفسد) اذ الشرط الفاسد ليس بمفسد

(ثم انه قال فى المسالك: انهما لو شرطاه) اى شرط ان يبيعه ثانيا الى البائع (قبل العقد لفظا فان كانا يعلمان ان الشرط المتقدم لا حكم له) بل

ص: 125

فلا اثر له و الا اتجه بطلان العقد به، كما لو ذكراه فى متنه، لانهما لم يقدما الا على الشرط، و لم يتم لهما.

و يمكن ان يقال: ان علمهما بعدم حكم للشرط، لا يوجب عدم اقدامهما على الشرط.

______________________________

اللازم ان يكون الشرط فى متن العقد حتى يكون مؤثرا (فلا اثر له) اى لهذا الشرط، لانهما لم يبنيا عليه (و الا) بان كانا لم يعلما ان الشرط المتقدم لا حكم له (اتجه بطلان العقد به) اى بهذا الشرط و يكون حاله (كما لو ذكراه فى متنه).

و انما يكون مبطلا حينئذ (لانهما لم يقدما الا على الشرط، و) الحال انه (لم يتم لهما).

فان العقد المبنى على الشرط حاله حال العقد المذكور فيه الشرط و لذا اذا اشترى شيئا و لم يشترط الصحة و ظهر فاسدا كان له الردّ لان الصحة شرط ضمنى، فيشمله دليل: المؤمنون عند شروطهم.

(و يمكن ان يقال) ما ذكره الشهيد من انهما لو علما بعدم تأثير الشرط المتقدم فالشرط لا حكم له غير تام.

ف (ان علمهما بعدم حكم للشرط، لا يوجب عدم اقدامهما على الشرط) فهما اقدما على الشرط الفاسد و يكون باطلا مبطلا- اذا قلنا بان الشرط الفاسد مفسد- فيكون علمهما بعدم حكم للشرط حاله حال عدم علمهما فى انه لو بنى العقد عليه كان باطلا.

ص: 126

فالاولى بناء المسألة على تأثير الشرط المتقدم فى ارتباط العقد به، و عدمه، و المعروف بينهم عدم التأثير كما تقدم، الا ان يفرق بين الشرط الصحيح فلا يؤثّر، و بين الفاسد فيؤثر فى البطلان.

و وجهه غير ظاهر، بل ربما حكى العكس عن بعض المعاصرين.

______________________________

(فالاولى بناء المسألة) اى ان الشرط المتقدم هل يبطل، أم لا؟

(على تأثير الشرط المتقدم فى ارتباط العقد به، و عدمه) اى عدم الارتباط (و المعروف بينهم عدم التأثير) للشرط المتقدم (كما تقدم).

لكن عرفت ان الاقوى الارتباط و التأثير (الا ان يفرق بين الشرط الصحيح فلا يؤثر) اذا كان متقدّما و لم يذكر فى متن العقد (و بين) الشرط (الفاسد فيؤثّر فى البطلان).

لعله لان المربوط بالفاسد فاسد.

اما العقد الصحيح فلا يحتاج فى صحته الى الارتباط بشي ء حتى يكون صحيحا، فان الاعدام يؤثر فى الموجود.

اما الايجاد فلا يؤثّر فى الوجود، اذ الوجود لا يتكرر.

(و) لكن (وجهه غير ظاهر) اذ لو كان ارتباط لكان فيهما، و لو لم يكن ارتباط لم يكن ارتباط فيهما (بل ربما حكى العكس عن بعض المعاصرين) و ان الشرط المتقدم اذا كان صحيحا كان مؤثّرا لشمول دليل:

المؤمنون عند شروطهم، له.

اما اذا كان فاسدا فلا يؤثّر لان «المؤمنون» لا يشمله.

ص: 127

و قد تقدم توضيح الكلام فى ذلك.

______________________________

(و قد تقدم توضيح الكلام فى ذلك) الشرط المتقدم، و قد قلنا: انه مؤثر مطلقا لابتناء العقد عليه، و اللّه العالم.

ص: 128

القول فى القبض

[القبض لغة]

و هو لغة الاخذ مطلقا، او باليد، او بجميع الكف على اختلاف عبارات اهل اللغة،

و النظر فى ماهيته و وجوبه و احكامه يقع فى مسائل

مسألة: اختلفوا فى ماهية القبض فى المنقول بعد اتفاقهم على انها التخلية فى غير المنقول،
اشارة

على اقوال.

[الأقوال]
احدها: انها التخلية أيضا،

صرح به المحقق فى الشرائع، و حكى عن تلميذه كاشف الرموز، و عن الايضاح نسبته الى بعض متقدمى اصحابنا

______________________________

(القول فى القبض) (و هو لغة الاخذ مطلقا، او باليد، او بجميع الكف على اختلاف عبارات اهل اللغة، و النظر فى ماهيته) اى القبض (و وجوبه و احكامه يقع فى مسائل).

(مسألة: اختلفوا فى ماهية القبض فى المنقول) كالثوب و المتاع، و النقود (بعد اتفاقهم على انها) اى ماهية القبض (التخلية فى غير المنقول) و ان كان هذا الاتفاق أيضا على نظر.

اذ لو افرغ الدار و لم يسلمها الى المشترى لم يصدق انه قبّضها اياه (على اقوال) ذكر منها ثمانية هنا.

(احدها: انها) اى ماهية القبض فى المنقول (التخلية أيضا) كغير المنقول (صرح به المحقق فى الشرائع، و حكى) أيضا (عن تلميذه كاشف الرموز، و عن الايضاح) لولد العلامة (نسبته الى بعض متقدمى اصحابنا

ص: 129

و عن التنقيح نسبته الى المبسوط.

الثانى: انه فى المنقول النقل، و فيما يعتبر كيله او وزنه: الكيل، او الوزن.
الثالث: ما فى الدروس من انه فى الحيوان نقله،

و فى المعتبر كيله او وزنه او عدّه او نقله، و فى الثوب وضعه فى اليد.

الرابع: ما فى الغنية و عن الخلاف و السرائر و اللمعة انه التحويل و النقل.
الخامس: ما فى المبسوط من انه ان [كان مثل الجواهر و الدراهم و الدنانير و ما يتناول باليد فالقبض فيه هو التناول باليد]

______________________________

و عن التنقيح نسبته الى المبسوط) لكن يأتى فى القول الخامس انه يقول بغير ذلك.

(الثانى: انه) اى القبض (فى المنقول النقل) الى المشترى كان يرسل الحيوان الى دار المشترى (و فيما يعتبر كيله او وزنه: الكيل او الوزن) فبمجرد ان كال او وزن فقد قبّض.

(الثالث: ما فى الدروس من انه فى الحيوان نقله، و فى المعتبر كيله) فى المكيل (او وزنه) فى الموزون (او عدّه) فى المعدود (او نقله) فيما كان اعتبار قبضه بالنقل كالابواب و الحصر و نحوها (و فى الثوب وضعه فى اليد) و المراد به الاعم من القماش.

(الرابع: ما فى الغنية و عن الخلاف و السرائر و اللمعة انه التحويل و النقل) «النقل» عطف بيان «للتحويل».

(الخامس: ما فى المبسوط من انه) اى الشي ء الّذي يراد قبضه (ان

ص: 130

كان مثل الجواهر و الدراهم و الدنانير و ما يتناول باليد فالقبض فيه هو التناول باليد.

و ان كان مثل الحيوان كالعبد و البهيمة فالقبض فى البهيمة ان يمشى بها الى مكان آخر، و فى العبد ان يقيمه الى مكان آخر.

و ان كان اشتراه جزافا كان القبض فيه ان ينقله فى مكانه.

و ان كان اشتراه مكايلة فالقبض فيه ان يكيله.

و زاد فى الوسيلة: انه فى الموزون وزنه، و فى المعدود عدّه، و نسب عبارة

______________________________

كان مثل الجواهر و الدراهم و الدنانير و ما يتناول باليد) باستثناء ما سيأتى من مثل ما يكال او يوزن او يعد و ما اشبه (فالقبض فيه هو التناول باليد).

(و ان كان مثل الحيوان كالعبد و البهيمة فالقبض فى البهيمة ان يمشى بها الى مكان آخر) فان وضع المشترى يده على البهيمة ليس قبضا لها، بل لا بد ان يمشى بها قدرا و لو قليلا (و فى العبد ان يقيمه الى مكان آخر) فاذا امره بان يذهب الى مكان ثان فذهب فقد قبضه.

(و ان كان اشتراه جزافا) اى مما يباع جزافا كالحطب و الماء (كان القبض فيه ان ينقله من مكانه) الى مكان آخر.

(و ان كان اشتراه مكايلة فالقبض فيه ان يكيله) فمراده ان القبض هو الكيل فى المكيلات.

(و زاد فى الوسيلة: انه فى الموزون وزنه، و فى المعدود عده، و نسب عبارة

ص: 131

الشرائع الراجعة الى ما فى المبسوط الى المشهور.

السادس: انه الاستقلال و الاستيلاء عليه باليد،

حكى عن المحقق الاردبيلى و صاحب الكفاية، و اعترف فى المسالك تبعا لجامع المقاصد، لشهادة العرف بذلك، الا انه اخرج عن ذلك المكيل و الموزون مستندا الى النصّ الصحيح، و فيه ما سيجي ء.

السابع: ما فى المختلف، من انه ان كان منقولا فالقبض فيه النقل او الاخذ باليد.

و ان كان مكيلا او موزونا فقبضه ذلك، او الكيل، او الوزن.

______________________________

الشرائع الراجعة الى ما فى المبسوط الى المشهور) «نسب» بصيغة المجهول لانه لا يراد به «ابن حمزة».

(السادس: انه) اى القبض (الاستقلال و الاستيلاء عليه باليد حكى) هذا القول (عن المحقق الاردبيلى و صاحب الكفاية، و اعترف) به (فى المسالك تبعا لجامع المقاصد، لشهادة العرف بذلك) اى بان القبض هو الاستيلاء (الا انه اخرج) المسالك (عن ذلك) المعنى للقبض (المكيل و الموزون) فقال: ان القبض فيهما كيله و وزنه (مستندا) فى هذا الاخراج (الى النص الصحيح) الآتى (و فيه ما سيجي ء) من عدم دلالة النص.

(السابع: ما فى المختلف، من انه ان كان منقولا فالقبض فيه النقل او الاخذ باليد) فى عامة المنقولات.

(و ان كان مكيلا او موزونا فقبضه ذلك) النقل او الاخذ باليد (او الكيل) فى المكيل (او الوزن) فى الموزون.

ص: 132

الثامن: انه التخلية مطلقا بالنسبة الى انتقال الضمان الى المشترى دون النهى عن بيع ما لم يقبض

نفى عنه البأس فى الدروس.

[نظر المؤلف في المسألة]

اقول: لا شك ان القبض للمبيع هو فعل القابض، و هو المشترى.

و لا شك ان الاحكام المترتبة على هذا الفعل لا يترتب على ما كان من فعل البائع من غير مدخل للمشترى فيه، كما ان الاحكام المترتبة على فعل

______________________________

(الثامن: انه) اى القبض (التخلية مطلقا بالنسبة الى انتقال الضمان الى المشترى).

فاذا تلف بعد التخلية لم يكن من كيس البائع و لا يصدق عليه التلف قبل القبض من مال مالكه (دون النهى عن بيع ما لم يقبض) فانه بالتخلية لا يرتفع النهى، فلو باعه بعد التخلية و قبل القبض باليد او نحوه كان مصداقا لقوله عليه السلام: لا تبع ما ليس عندك ف (نفى عنه البأس فى الدروس) هذه هى الاقوال فى المسألة.

(اقول: لا شك ان القبض للمبيع هو فعل القابض، و) القابض (هو المشترى) فان البائع هو المقبض، هذا بالنسبة الى المثمن، اما الثمن فبالعكس.

(و لا شك ان الاحكام المترتبة على هذا الفعل) اى القبض (لا يترتب على ما كان من فعل البائع من غير مدخل للمشترى فيه) فان القبض له جانبان جانب اعطاء البائع، و جانب اخذ المشترى.

و الاحكام المترتبة على القبض على جانب اعطاء البائع فقط، لان اعطائه فقط لا يصدق عليه القبض (كما ان الاحكام المترتبة على فعل

ص: 133

البائع كالوجوب على البائع و الراهن فى الجملة.

و اشتراط القدرة على التسليم لا يحتاج فى ترتبها الى فعل من المشترى.

فحينئذ نقول:

[المناقشة في الأقوال المذكورة و بيان قول الأقوى]

اما ما اتفق عليه من كفاية التخلية فى تحقق القبض فى غير المنقول ان اريد بالقبض ما هو فعل البائع بالنسبة الى المبيع، و هو جميع ما يتوقف عليه من طرفه

______________________________

البائع كالوجوب) اى وجوب القبض (على البائع، و) وجوب الاقباض على (الراهن) لرهنه (فى الجملة) سواء قلنا بان الاقباض شرط اللزوم، او وفاء بعقد الرهن.

(و اشتراط القدرة على التسليم) فى صحة البيع، اذ لو لم يقدر البائع على التسليم لم يصح البيع على التفصيل المذكور فى باب شرائط البيع، ف (لا يحتاج فى ترتبها) على القبض (الى فعل من المشترى) بل بمجرد فعل البائع ما فى جانبه يكفى فى تحقق تلك الاحكام.

لكن لا يخفى ان الاقباض و القبض كالكسر و الانكسار لا يتحقق احدهما بدون تحقق الآخر، فكلما شرط فيه القبض فى اى الطرفين كان، لا يتحقق الا بتحقق فعل الجانبين.

(فحينئذ نقول: اما ما اتفق عليه من كفاية التخلية فى تحقق القبض فى غير المنقول) فليس بتام، اذ بالتخلية لا يتحقق القبض.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 16، ص: 134

فانه (ان اريد بالقبض ما هو فعل البائع بالنسبة الى المبيع، و هو) اى فعل البائع (جميع ما يتوقف عليه) اى على فعل البائع (من طرفه

ص: 134

وصوله الى المشترى، و يعبر عنه مسامحة بالاقباض و التسليم، و هو الّذي يحكمون بوجوبه على البائع و الغاصب و الراهن فى الجملة، و يفسرونه بالتخلية التى هى فعل البائع.

فقد عرفت انه ليس قبضا حقيقيا حتى فى غير المنقول، و ان فسرت برفع

______________________________

وصوله الى المشترى، و يعبر عنه مسامحة بالاقباض و التسليم).

و انما كان مسامحة، اذ التخلية ليست باقباض، فقد عرفت ان القبض و الاقباض كالكسر و الانكسار لا يتحقق احدهما الّا بتحقق الآخر (و هو) اى فعل البائع (الّذي يحكمون بوجوبه على البائع و الغاصب و الراهن) لاجل ايصال الشي ء الى المشترى و المغصوب منه و المرتهن (فى الجملة) اى واجب فى الجملة.

اذ: لا يجب على البائع التسليم فانه مقيد بتسليم المشترى للثمن، و كذلك لا يجب على الراهن التسليم الا مع تسلّم الدين (و يفسرونه) اى يفسرون فعل البائع (بالتخلية التى هى فعل البائع) ان كان مرادهم بالقبض- الّذي يقولون: انه التخلية- هذا.

(ف) فيه انك (قد عرفت انه ليس قبضا حقيقيا حتى فى غير المنقول) بل ان سمّى قبضا كان مجازا.

و هذا خلاف ظاهر الادلة التى علقت الحكم على القبض، حيث قال عليه السلام: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال مالكه، و لا وجه لحمل كلامه عليه السلام على المجاز، و الحال انه لا قرينة على ذلك (و ان) وصليّة (فسرت) التخلية (برفع

ص: 135

جميع الموانع، و اذن المشترى فى التصرف.

قال كاشف الرموز فى شرح عبارة النافع: القبض مصدر، يستعمل بمعنى التقبيض و هو التخلية، و يكون من طرف البائع و الواهب بمعنى التمكين من التصرف، انتهى.

بل التحقيق ان القبض مطلق هو استيلاء المشترى عليه و تسلّطه عليه الّذي يتحقق به معنى اليد، و يتصور فيه الغصب.

______________________________

جميع الموانع، و اذن المشترى فى التصرف) فان القبض لا يتحقق بذلك كما لا يخفى.

ثم ان المصنف استشهد لقوله «ان اريد بالقبض ما هو فعل البائع» بقول كاشف الرموز، حيث ان كلامه صريح فى ان مراد بعضهم من القبض ما هو فعل البائع.

(قال كاشف الرموز فى شرح عبارة النافع: القبض مصدر) قبض يقبض (يستعمل بمعنى التقبيض) فهو فعل لازم يستعمل بمعنى المتعدى (و هو التخلية، و يكون من طرف البائع و الواهب) و يكون حينئذ (بمعنى التمكين من التصرف، انتهى) كلامه.

(بل التحقيق ان القبض مطلق) فى المنقول و غير المنقول و (هو استيلاء المشترى عليه) اى على المثمن (و تسلّطه على الّذي يتحقق به) اى بذلك الاستيلاء (معنى اليد) فيصدق «على اليد ما اخذت» اذ ليس المراد باليد: الجارحة، بل الاستيلاء و التسلط (و يتصور فيه الغصب)

اذ الغصب انما يتحقق بالاستيلاء و التسلط فالغصب و اليد و القبض،

ص: 136

نعم يترتب على ذلك المعنى الاول الاحكام المترتبة على الاقباض و التسليم الواجبين على البائع فينبغى ملاحظة كل حكم من الاحكام المذكورة فى باب القبض، و انه مترتب على القبض الّذي هو فعل المشترى بعد فعل البائع، و على الاقباض الّذي هو فعل البائع.

مثلا: اذا فرض ان ادلة اعتبار القبض فى الهبة دلت على اعتبار

______________________________

كلها من واد واحد و كما ان الغصب و اليد ليسا بالتخلية، فكذلك القبض ليس بالتخلية.

(نعم يترتب على ذلك المعنى الاول) اى التخلية (الاحكام المترتبة على الاقباض و التسليم الواجبين على البائع).

فاذا خلّى البائع الدار، و مكّن المشترى من الاستيلاء عليها، فقد فعل الواجب عليه، و حينئذ يجب على المشترى تسليم الثمن مثلا.

و على هذا الّذي ذكرنا من انه ليس بقبض- حقيقة- و لكنه يترتب عليه بعض الاحكام (فينبغى ملاحظة كل حكم من الاحكام المذكورة فى باب القبض، و) ملاحظة (انه) اى ان ذلك الحكم (مترتب على القبض الّذي هو فعل المشترى بعد فعل البائع) اى يترتب على فعلهما معا ا (و) مترتب (على الاقباض الّذي هو فعل البائع).

فاذا خلّى البائع و لم يتسلم المشترى ترتب الحكم الّذي يترتب على فعل البائع و لم يترتب الحكم الّذي يترتب على فعل المشترى.

(مثلا: اذا فرض ان ادلة اعتبار القبض فى الهبة) و انه لا تتحقق الهبة بدون القبض (دلت على اعتبار

ص: 137

حيازة المتهب الهبة، لم يكتف فى ذلك بالتخلية التى هى من فعل الواهب، و هكذا.

و لعل تفصيل الشهيد فى البيع بين حكم الضمان و غيره، من حيث ان الحكم الاول منوط بالاقباض، و غيره منوط بفعل المشترى.

______________________________

حيازة المتهب) اى الموهوب له (الهبة) بان تصبح الهبة تحت سلطة الموهوب له و استيلائه (لم يكتف فى ذلك) القبض المحقق للهبة (بالتخلية التى هى من فعل الواهب) اذ لم يتحقق الاستيلاء و السلطة (و هكذا) بالنسبة الى الوقف اذا قلنا باشتراط القبض فيه الى غير ذلك.

فاللازم مراجعة دليل كل مورد، و انه كيف يشترط فيه القبض و هل تكفى التخلية؟ او يلزم ان يكون تحت سلطة الطرف و استيلائه.

(و لعل تفصيل الشهيد) الاول الّذي نقلناه فى القول الثامن من اقوال القبض (فى البيع بين حكم الضمان) و انتقاله الى المشترى (و غيره) كالنهى عن بيع ما لم يقبض انما هو (من حيث ان الحكم الاول) اى انتقال الضمان الى المشترى (منوط بالاقباض) اى تخلية البائع، و ان لم يأت تحت سلطة المشترى (و غيره) اى النهى عن بيع ما لم يقبض (منوط بفعل المشترى) اى استيلائه عليه.

فاذا خلّى البائع و لم يستول المشترى انتقل الضمان الى المشترى لكن لا يجوز له بيعه، لانه لم يقبضه بعد، و لا يخفى ان قوله «من حيث» خبر «لعلّ».

ص: 138

و كيف كان فلا بد من مراعاة ادلة احكام القبض، فنقول: اما رفع الضمان فان استند فيه الى النبوى كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه، فالمناط فيه حصول الفعل من المشترى.

و ان استند الى قوله عليه السلام فى رواية عقبة بن خالد: حتى يقبض المتاع، و يخرجه من بيته، احتمل فيه اناطة الحكم بالتخلية.

______________________________

(و كيف كان فلا بد من مراعاة ادلة احكام القبض) فى كل مكان (فنقول: اما رفع الضمان) عن البائع بسبب قبضه الى المشترى هل يتحقق ذلك بالتخلية او بتسلّم المشترى له؟ (فان استند فيه الى النبوى) صلى الله عليه و آله و سلم القائل (كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه فالمناط فيه حصول الفعل من المشترى) اى استيلائه عليه.

اذا المناسب للحكم هو تسلّم المشترى، و الا فقبل تسلّم المشترى لم يرتبط المبيع بالمشترى.

(و ان استند) فيه (الى قوله عليه السلام فى رواية عقبة بن خالد:

حتى يقبض) البائع (المتاع) «يقبض» بصيغة الافعال (و يخرجه) البائع (من بيته، احتمل فيه) اى فى القبض الرافع للضمان (اناطة الحكم بالتخلية) لانه اذا اخرج المتاع من بيته، فقد اقبض المتاع، لظهور ان «يخرجه» عطف بيان لقوله «يقبض».

و عليه فالنبوى يدل على تسلّم المشترى، و الرواية تدل على التخلية، فالجمع بينهما انما يكون لحمل احدهما على الآخر.

ص: 139

فيمكن حمل النبوى على ذكر ما هو مقارن غالبىّ للتخلية.

و احتمل ورود الرواية مورد الغالب من ملازمة الاخراج للوصول الى المشترى بقرينة ظاهر النبوى.

و لذا قال فى جامع المقاصد- بعد نقل ما فى الدروس- ان الخبر دال على خلافه، و هو حسن ان اراد به ظاهر النبوى، لا ظاهر رواية عقبة او غيرها.

______________________________

(فيمكن حمل النبوى) المشترط للتسلّم (على ذكر ما هو مقارن غالبىّ للتخلية) فلا يلزم التسلّم، لانه من باب «و ربائبكم اللّاتى فى حجوركم» حيث ان قيد «حجوركم» قيد غالبى، لا انه شرط.

(و احتمل) العكس، ب (ورود الرواية مورد الغالب من ملازمة الاخراج) من بيت البائع (للوصول الى المشترى).

فالرواية قالت: ان الاخراج، قبض و ارادت الوصول الى المشترى من ذكر العلة و إرادة المعلول.

و انما نحمل الرواية على هذا المعنى (بقرينة ظاهر النبوى) المشترط لتسلّم المشترى.

(و لذا) الّذي ان ظاهر النبوى دالّ على لزوم تسلّم المشترى (قال فى جامع المقاصد- بعد نقل ما فى الدروس-) من ان القبض هو التخلية (ان الخبر دال على خلافه) اى ان القبض هو التسلّم، لا التخلية (و هو) اى كلام جامع المقاصد (حسن ان اراد به) اى بالخبر (ظاهر النبوى، لا ظاهر رواية عقبة او غيرها) هذا.

ص: 140

و الانصاف ان ما ذكره الشهيد قريب بالنسبة الى ظاهر رواية عقبة.

و ربما يخدش فيها بظهورها فى اعتبار الاخراج من البيت.

مع انه غير معتبر فى رفع الضمان اتفاقا.

و فيه: ان الاخراج عن البيت كناية عن الاخراج عن السلطنة، و رفع اليد، و لا ينبغى خفاء ذلك على المتأمل فى الاستعمال العرفى، هذا و لكن الجمود على حقيقة اللفظ فى

______________________________

(و) لكن (الانصاف ان ما ذكره الشهيد) من ان القبض هو التخلية (قريب بالنسبة الى ظاهر رواية عقبة) حيث قال عليه السلام «و يخرجه من بيته».

(و ربما يخدش فيها) اى فى رواية عقبة (بظهورها فى اعتبار الاخراج من البيت) و قال «ظهورها» و لم يقل «نصّها» لاحتمال ان يراد بالاخراج القبض، بان يكون قوله عليه السلام «حتى يقبض المتاع» قرينة على «يخرجها» لا العكس.

(مع انه غير معتبر فى رفع الضمان اتفاقا) اذ لو سلّمه البائع الى المشترى فى بيته كفى قطعا.

(و فيه: ان الاخراج عن البيت كناية عن الاخراج عن السلطنة و رفع) البائع (اليد) عن المتاع (و لا ينبغى خفاء ذلك) المعنى (على المتأمل فى الاستعمال العرفى) فان اكثر محاورات العرف مجازات، و (هذا) الّذي ذكرناه هو مقتضى قاعدة الكلام عند العرف.

(و لكن الجمود على حقيقة اللفظ) اى لفظ «يقبض» و «يخرج» (فى

ص: 141

الرواية، يقتضي اعتبار الوصول الى يد المشترى لان الاقباض و الاخراج و ان كانا من فعل البائع، الّا ان صدقهما عليه يحتاج الى فعل من غير البائع، لان الاقباض و الاخراج بدون القبض و الخروج محال.

الا ان يستفاد من الرواية تعلق الضمان على ما كان من فعل البائع، و التعبير بالاقباض و الاخراج مسامحة، مست الحاجة إليهما فى التعبير.

______________________________

الرواية، يقتضي اعتبار الوصول الى يد المشترى).

و ذلك (لان الاقباض و الاخراج و ان كانا من فعل البائع، الّا ان صدقهما عليه) اى على فعل البائع (يحتاج الى فعل من غير البائع، لان الاقباض و الاخراج بدون القبض و الخروج محال).

اذ النسبة بين الاقباض و القبض، كالنسبة بين الكسر و الانكسار و الاخراج- سواء اريد به الاخراج من البيت او الاخراج من السلطة- و ان امكن بدون فعل المشترى.

لكن حيث انه اردف للاقباض، اريد به معنى الاخراج عن السلطة و الادخال فى سلطة الغير.

و من المعلوم ان هذا النوع من الاخراج عن السلطة لا يكون الا بدخوله فى سلطة الغير.

(الا ان يستفاد من الرواية تعلق الضمان) اى تعلق رفع ضمان البائع (على ما كان من فعل البائع، و) يكون (التعبير بالاقباض و الاخراج مسامحة مست الحاجة إليهما) اى الى العبارتين (فى التعبير).

ص: 142

و ما ذكره الشهيد من رفع الضمان بالتخلية يظهر من بعض فروع التذكرة، حيث قال: لو احضر البائع السلعة، فقال المشترى ضعه، تم القبض، لانه كالتوكيل فى الوضع.

و لو لم يقل المشترى شيئا، او قال: لا اريد حصل القبض، لوجود التسليم.

كما لو وضع الغاصب المغصوب بين يدى المالك، فانه يبرأ من الضمان

______________________________

(و) قد تبين ان المحتملات فى الاقباض و الاخراج، هى ان يكون شيئا واحدا و ان يكونا شيئين.

و على الاول فالمراد بالاقباض هو الاخراج او العكس، و على كل فاما ان يراد فعل البائع فقط او فعل البائع الملازم لفعل المشترى.

ثم ان (ما ذكره الشهيد) الاول (من رفع الضمان) اى ضمان البائع (بالتخلية يظهر من بعض فروع التذكرة، حيث قال: لو احضر البائع السلعة) التى باعها (فقال المشترى ضعه، تم القبض) من المشترى لها (لانه كالتوكيل فى الوضع).

و كما اذا وصل المتاع الى يد وكيل البائع تم القبض، فكذلك هنا.

(و لو لم يقل المشترى شيئا) و وضعها البائع امام المشترى (او قال لا اريد) السلعة (حصل القبض) أيضا، و ارتفع ضمان البائع اذا وضعها امام المشترى (لوجود التسليم) الرافع للضمان.

فيكون وضعه امام المشترى (كما لو وضع الغاصب المغصوب بين يدى المالك، فانه يبرأ من الضمان) بوضعه امامه

ص: 143

انتهى.

و ظاهره ان المراد من التسليم المبحوث عنه ما هو فعل البائع، و لو امتنع المشترى.

لكنه قدس سره صرح فى عنوان المسألة و فى باب الهبة بضعف هذا القول بعد نسبته الى بعض الشافعية.

فالظاهر ان مراده بل مراد الشهيد قدس سرهما رفع الضمان بهذا، و ان لم يكن قبضا.

______________________________

(انتهى) كلام التذكرة.

(و ظاهره) خصوص الجملة الثانية (ان المراد من التسليم المبحوث عنه) فى رفع ضمان البائع (ما هو فعل البائع، و لو امتنع المشترى) حيث قال «او قال: لا اريد».

(لكنه) اى العلامة (قدس سره صرح فى عنوان) هذه (المسألة) اى مسئلة القبض (و فى باب الهبة بضعف هذا القول) اى تحقق القبض بفعل البائع فقط (بعد نسبته الى بعض الشافعية).

(فالظاهر)- جمعا بين كلامى العلامة و تنسيقا لكلام الشهيد مع كلام العلامة لظهور ان الشهيد اخذ فتواه من العلامة- (ان مراده) اى العلامة (بل مراد الشهيد قدس سرهما رفع الضمان بهذا) العمل من البائع (و ان لم يكن قبضا) فاذا تلف، صدق «التلف قبل القبض من مال مالكه».

ص: 144

بل عن الشهيد فى الحواشى انه نقل عن العلامة قدس سره ان التخلية فى المنقول و غيره ترفع الضمان، لانه حق على البائع، و قد ادّى ما عليه.

اقول: و هذا كما ان اتلاف المشترى يرفع ضمان البائع، و سيجي ء من المحقق الثانى: ان النقل فى المكيل و الموزون يرفع الضمان و ان لم يكن قبضا.

و قد ظهر مما ذكرنا ان لفظ القبض الظاهر بصيغته فى فعل المشترى

______________________________

(بل عن الشهيد فى الحواشى انه نقل عن العلامة قدس سره) التصريح بما استظهرناه.

حيث قال (ان التخلية فى المنقول و غيره ترفع الضمان) عن البائع (لانه) اى الضمان (حق على البائع، و قد ادّى ما عليه) اما قبض المشترى فليس مربوطا بالبائع.

(اقول: و هذا) ليس ببعيد (كما ان اتلاف المشترى) للمتاع قبل ان يقبضه (يرفع ضمان البائع) فرفع ضمان البائع ليس خاصا بصورة تسليم البائع المتاع الى المشترى (و سيجي ء من المحقق الثانى: ان النقل فى المكيل و الموزون يرفع الضمان و ان لم يكن قبضا) فلا يشترط القبض فى رفع الضمان.

(و قد ظهر مما ذكرنا) من كلام العلامة و غيره (ان لفظ القبض الظاهر بصيغته) اى بلفظه (فى فعل المشترى) و هو تسلّم المتاع، لا يراد به هذا الظهور اللفظى، بل

ص: 145

يراد به الاستيلاء على المبيع، سواء فى المنقول و غيره، لان القبض- لغة- الاخذ مطلقا، او باليد، او بجميع الكف على اختلاف التعبيرات.

فان اريد الاخذ حسّا باليد، فهو لا يتأتى فى جميع المبيعات مع ان احكامه جارية فى الكل.

فاللازم ان يراد به فى كلام اهل اللغة و فى لسان الشرع الحاكم عليه باحكام كثيرة فى البيع و الرهن و الصدقة، و تشخيص ما فى الذمة

______________________________

(يراد به) اى بالقرائن (الاستيلاء على المبيع) و السلطة عليه (سواء فى المنقول و غيره).

و انما اريد بالقبض الاستيلاء (لان القبض- لغة- الاخذ مطلقا) و لو بغير اليد (او باليد، او بجميع الكف) فى مقابل الاخذ بالاصبع مثلا (على اختلاف التعبيرات) فى معنى القبض.

(فان اريد الاخذ حسّا باليد، فهو لا يتأتى فى جميع المبيعات).

فان الدار و البستان و الحمام لا يمكن اخذها حسّا باليد، و اخذ بعضها ليس اخذا لكلها (مع ان احكامه) اى احكام القبض (جارية فى الكل) اى فى كل المبيعات، فان وجوب اقباض البائع، و ان التلف قبل القبض من مال مالكه و نحوهما جارية فى كل بيع.

(فاللازم) حيث لا يراد بالقبض الاخذ بالكف و نحوه (ان يراد به) اى بالقبض (فى كلام اهل اللغة و فى لسان الشرع الحاكم عليه) اى على القبض (باحكام كثيرة فى البيع و الرهن و الصدقة) و الهبة و الوقف و الغصب و غيرها (و تشخيص ما فى الذمة) فان الكلى الّذي فى الذمة يتشخص فى

ص: 146

اخذ كل شي ء بحسبه، و هو ما ذكرنا من الاستيلاء و السلطنة.

و اما ما ذكره بعضهم من اعتبار النقل و التحويل فيه، بل ادعى فى الغنية الاجماع على انه القبض فى المنقول الّذي لا يكتفى فيه بالتخلية، فهو لا يخلو عن تأمّل، و ان شهد من عرفت بكونه موافقا للعرف فى مثل الحيوان، لأن مجرد اعطاء المقود للمشترى، او مع ركوبه عليه قبض عرفا على الظاهر.

______________________________

الفرد الخارجى بالقبض (اخذ كل شي ء بحسبه) «اخذ» نائب فاعل «يراد» (و هو) اى اخذ كل شي ء بحسبه (ما ذكرنا من) ان المراد بالقبض (الاستيلاء و السلطنة) و ان لم يكن يأخذه.

(و اما ما ذكره بعضهم) فيما تقدم من رابع الأقوال فى مسألة القبض (من اعتبار النقل و التحويل فيه) اى فى القبض (بل ادعى فى الغنية الاجماع على انه) اى النقل هو (القبض فى المنقول الّذي لا يكتفى فيه بالتخلية) مثل الحيوان فان تخليته عن السرج و نحوه لا يكون قبضا (فهو لا يخلو عن تأمل، و ان شهد من عرفت بكونه موافقا للعرف فى مثل الحيوان)

و انما قلنا انه لا يخلو عن تأمل (لأن مجرد اعطاء المقود للمشترى، او مع ركوبه عليه) او تمكينه من الركوب عليه و ترك المقود، او اعطائه الحيوان له بحيث اخذ بقرنه، و اذا كان الحيوان عند نفس المشترى و فى بيته فباعه له، او ما اشبه ذلك.

فان كل ذلك (قبض عرفا على الظاهر) و ان لم يكن فيه نقل.

ص: 147

ثم المراد من النقل فى كلام من اعتبره، هو نقل المشترى له، لا نقل البائع، كما هو الظاهر من عبارة المبسوط المتقدمة المصرّح به فى جامع المقاصد.

و اما رواية عقبة بن خالد المتقدمة فلا دلالة فيها على اعتبار النقل فى المنقول، و ان استدل بها عليه فى التذكرة لما عرفت من ان الاخراج من البيت فى

______________________________

(ثم المراد من النقل فى كلام من اعتبره) أى اعتبر النقل (هو نقل المشترى له) اى للمبيع الى بيته او نحوه (لا نقل البائع) للمبيع الى بيت المشترى (كما هو الظاهر من عبارة المبسوط المتقدمة المصرّح به فى جامع المقاصد).

فان قول المبسوط: فالقبض فى البهيمة ان يمشى بها الى مكان آخر ظاهره ان يمشى المشترى لا البائع، و لو أراد مشى البائع قال ان يمشى بها الى مكان المشترى.

و انما قلنا «نقل المشترى» لان نقل البائع ليس ايصالا الى المشترى و قبضا منه للحيوان.

(و اما رواية عقبة بن خالد المتقدمة) حيث قال «و يخرجه من بيته» (فلا دلالة فيها على اعتبار النقل فى المنقول، و ان استدل بها) اى برواية عقبة (عليه) اى على النقل (فى التذكرة).

و انما قلنا «لا دلالة فيها» (لما عرفت من ان الاخراج من البيت فى

ص: 148

الرواية نظير الاخراج من اليد، كناية عن رفع اليد و التخلية للمشترى حتى لا يبقى من مقدمات الوصول الى المشترى، الا ما هو من فعله.

و اما اعتبار الكيل و الوزن، او كفايته فى قبض المكيل او الموزون، فقد اعترف غير واحد بانه تعبد لاجل النص الّذي ادعى دلالته عليه.

مثل صحيحة معاوية بن وهب، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يبيع المبيع قبل ان يقبضه،

______________________________

الرواية نظير الاخراج من اليد، كناية عن رفع اليد و التخلية للمشترى) بحيث يكون للمشترى سلطان و استيلاء عليه (حتى لا يبقى من مقدمات الوصول الى المشترى، الا ما هو من فعله) اى فعل المشترى.

(و اما اعتبار الكيل و الوزن) فى القبض، كما فى القول الثانى من الاقوال الثانية (او كفايته فى قبض المكيل او الموزون) كما فى القول السابع

و الفرق بينهما: ان الثانى يعتبر الكيل و الوزن هو القبض لا غيرهما

و القول السابع يعتبرهما احد قسمى القبض، و القسم الآخر النقل او الاخذ باليد- كما تقدم القولان- (فقد اعترف غير واحد بانه تعبد لاجل النص الّذي ادعى دلالته عليه) اى على الكيل و الوزن.

منتهى الأمران القول الثانى يعتبر هما فقط القبض.

و القول السابع يجمع بين النص و العرف الدال على كفاية النقل و الاخذ باليد فى صدق القبض.

(مثل صحيحة معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يبيع المبيع قبل ان يقبضه).

ص: 149

فقال: ما لم يكن كيل او وزن، فلا يبعه، حتى يكيله او يزنه، الا ان يوليه بالذى قام عليه.

و صحيحة منصور بن حازم: اذا اشتريت متاعا فيه كيل او وزن، فلا تبعه حتى تقبضه، الا ان توليه.

______________________________

مثلا: اشترى محمد منّا من الحنطة من على، و قبل ان يأخذ الحنطة يبيعه للحسن (فقال) لا بأس به (ما لم يكن كيل او وزن) اى لا بأس بذلك فى غير المكيل و الموزون، كالمعدود و المذروع و نحوهما.

اما فى الكيل و الموزون (فلا يبعه، حتى يكيله او يزنه) فاذا كاله البائع او وزنه له فهو قبض، فلا بأس بان يبيعه (الا ان يوليه) اى يبيعه محمد للحسن- فى المثال- ببيع التولية و هو البيع بنفس رأس المال بلا زيادة و لا نقيصة، مقابل المرابحة التى هى بيع بربح، و المواضعة التى هى بيع بخسارة (بالذى قام عليه) اى بنفس رأس المال.

وجه الاستدلال ان الامام عليه السلام جعل «حتى يكيله او يزنه» مرادفا «لأن يقبضه» فكأنه قال فى غير المكيل، لا بأس ببيعه قبل القبض، اما فى المكيل، فلا بد من قبضه، و عوض قوله «فلا بد من قبضه» بقوله «حتى يكيله».

(و صحيحة منصور بن حازم) قال عليه السلام: (اذا اشتريت متاعا فيه كيل او وزن، فلا تبعه حتى تقبضه، الا ان توليه) اى تبيعه تولية، فالمراد ب «تقبضه» «تكيله» بقرينة الرواية السابقة.

ص: 150

و فى صحيحة على بن جعفر، عن اخيه عن الرجل يشترى الطعام ا يصلح بيعه قبل ان يقبضه؟ قال: اذا لم يربح عليه، فلا بأس، و ان ربح فلا يبعه حتى يقبضه.

و رواية ابى بصير عن رجل اشترى طعاما، ثم باعه قبل أن يكيله قال:

لا يعجبنى أن يبيع كيلا او وزنا قبل أن يكيله أو يزنه، الا ان يوليه كما اشتراه الى غير ذلك، مما دل على اعتبار الكيل و الوزن، لا من حيث اشتراط صحة المعاملة بهما.

و الا لم يفرق بين التولية و غيرها،

______________________________

(و فى صحيحة على بن جعفر، عن اخيه) موسى عليه السلام (عن الرجل يشترى الطعام، ا يصلح بيعه قبل أن يقبضه؟ قال: اذا لم يربح عليه، فلا بأس) أى باعه تولية (و ان ربح فلا يبعه حتى يقبضه).

فان المراد بالقبض الكيل و الوزن بقرينة الرواية الاولى.

(و رواية ابى بصير عن رجل اشترى طعاما، ثم باعه قبل أن يكيله) هل يجوز ذلك؟ (قال: لا يعجبنى أن يبيع كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه الا ان يوليه) بنفس رأس المال (كما اشتراه) فان الكيل و الوزن هنا هو القبض بقرينة الروايات السابقة (الى غير ذلك مما دل على اعتبار الكيل و الوزن، لا من حيث اشتراط صحة المعاملة بهما) اى بالكيل و الوزن.

(و الا) فلو كان الكيل و الوزن من حيث اشتراط صحة المعاملة بهما (لم يفرق بين التولية و غيرها).

اذ فى بيع التولية أيضا يشترط الكيل و الوزن، فان البيع بدونهما

ص: 151

فتعين لامر آخر، و ليس الا من كون ذلك قبضا للاجماع، كما فى المختلف على جواز بيع الطعام بعد قبضه.

و منه يظهر ما فى المسالك، حيث انه بعد

______________________________

مجهول و هو باطل (فتعين) ان يكون الكيل و الوزن مرة اخرى (لامر آخر) غير رفع الجهالة (و ليس) ذلك الأمر الآخر (الا من كون ذلك) الكيل و الوزن (قبضا).

فاذا باع الحنطة كالها أوّلا لأجل رفع الجهالة، ثم اذا كالها ثانيا كان ذلك قبضا (للاجماع، كما فى المختلف على جواز بيع الطعام بعد قبضه).

فاذا تحقق القبض بالكيل الثانى، جاز بيعه.

اقول: الظاهر من الجمع بين الروايات الى جواز بيع الطعام يتوقف على احد امرين.

اما الكيل ثانيا و ان لم يقبضه.

و اما القبض و ان لم يكله ثانيا، و لا وجه لحمل احدهما على الآخر و انما اقام الشارع الكيل ثانيا مقام القبض تعبدا.

و لعله للدلالة على انه بيع ثان للمشترى من المشترى الأول.

كما ان الفرق بين التولية و غيرها تعبد.

و لعله لأجل ان التولية بمنزلة البيع الاول فلا يحتاج الى كيل ثان.

(و منه) اى مما تقدم من دلالة الروايات على لزوم الكيل و الوزن اذا باعه تولية، و ان الكيل يقوم مقام القبض (يظهر ما فى المسالك، حيث انه بعد

ص: 152

ذكر صحيحة ابن وهب قال: و التحقيق هنا ان الخبر الصحيح دلّ على النهى عن بيع المكيل و الموزون قبل اعتباره بهما، لا على ان القبض لا يتحقق بدونهما.

و كون السؤال فيه وقع عن البيع قبل القبض لا ينافى ذلك، لأن الاعتبار بهما قبض و زيادة.

و حينئذ فلو قيل بالاكتفاء فى نقل الضمان فيهما بالنقل

______________________________

ذكر صحيحة ابن وهب) و هى الرواية الاولى التى نقلناها هنا (قال: و التحقيق هنا ان الخبر الصحيح دلّ على النهى عن بيع المكيل و الموزون قبل اعتباره بهما) اى بالكيل و الوزن.

فاذا اراد الانسان ان يبيع المكيل و الموزون كان اللازم ان يكيله و يزنه، و ان كاله أو وزنه عند اشتراءه هو، و (لا) يدل الخبر (على ان القبض لا يتحقق بدونهما).

(و) ان قلت: ظاهر الرواية ان الكيل و الوزن هو القبض.

قلت: (كون السؤال فيه) اى فى الحديث (وقع عن البيع قبل القبض لا ينافى ذلك) الّذي ذكرنا من ان القبض لا يتحقق بالكيل و الوزن، فان الامام (ع) انما اجاب بالكيل و الوزن، لا لأجل انهما قبض، بل (لأن الاعتبار بهما) اى بالكيل و الوزن (قبض و زيادة).

اذ المتعارف ان الشي ء اذا كيل او وزن سلّم الى المشترى.

(و حينئذ) اى حين لا يدل الخبر على ان الكيل و الوزن قبض (فلو قيل بالاكتفاء فى نقل الضمان فيهما) اى فى المكيل و الموزون (بالنقل)

ص: 153

عملا بالعرف، و الخبر الآخر، و يتوقف البيع ثانيا على الكيل و الوزن، امكن، ان لم يكن احداث قول، انتهى.

و الظاهر: ان مراده بالخبر، خبر عقبة بن خالد، و قد عرفت عدم ظهوره فى اعتبار النقل.

ثم ان ظاهر غير واحد كفاية الكيل و الوزن فى القبض من دون توقف على النقل.

و الظاهر انه لا بدّ مع الكيل و الوزن من رفع يد البائع.

______________________________

اى نقل المشترى المتاع الى محلّه (عملا بالعرف) حيث يرى ان النقل محصل للقبض (و الخبر الآخر) اى خبر عقبة (و يتوقف البيع ثانيا على الكيل و الوزن، امكن) ذلك حسب الادلة (ان لم يكن احداث قول) جديد (انتهى) كلام المسالك.

(و الظاهر: ان مراده بالخبر، خبر عقبة بن خالد، و قد عرفت عدم ظهوره فى اعتبار النقل).

لانا قلنا ان ظاهر الخبر انه كناية عن الاخراج عن السلطة و ادخال فى سلطة المشترى، لا النقل المكانى.

ثم انك قد عرفت ان الظاهر من الجمع بين الاخبار ما ذكرناه، لا ما ذكره المصنف، و لا ما ذكره المسالك.

(ثم ان ظاهر غير واحد) من الفقهاء (كفاية الكيل و الوزن فى القبض من دون توقف على النقل) و ان الكيل و الوزن يكفى.

(و) لكن (الظاهر انه لا بدّ مع الكيل و الوزن من رفع يد البائع) و مجي ء

ص: 154

كما صرح به فى جامع المقاصد.

و لذا نبّه فى موضع من التذكرة: بان الكيل شرط فى القبض.

و كيف كان: فالاولى فى المسألة ما عرفت من: ان القبض له معنى واحد، يختلف باختلاف الموارد، و ان كون القبض هو الكيل و الوزن خصوصا فى باب الصدقة.

و تشخيص ما فى الذمة مشكل جدا

______________________________

المبيع تحت سلطة المشترى و استيلائه عليه (كما صرح به فى جامع المقاصد) و تقدم عن المصنف.

(و لذا) الّذي ان الكيل وحده ليس قبضا (نبّه فى موضع من التذكرة بأن الكيل شرط فى القبض) مما يدل على ان القبض شي ء غير الكيل، و ليس ذلك الا ما ذكرناه من رفع يد البائع و سلطة المشترى.

(و كيف كان: فالاولى فى المسألة ما عرفت من: ان القبض له معنى واحد، يختلف باختلاف الموارد) و ان قبض كل شي ء بحسبه، و ان كان يجمع الكل انه لا بد من رفع سلطة البائع و حدوث سلطة المشترى (و ان كون القبض هو الكيل و الوزن خصوصا فى باب الصدقة) الّذي ورد فيه بان الصدقة لا يتمكن الانسان ان يرجع فيها.

و على هذا القول فاذا كال بقصد الصدقة لم يتمكن من الرجوع فيها (و تشخيص ما فى الذمة مشكل جدا) لانه لا يصدق القبض على الكيل و الوزن.

و لو قيل انه تعبد شرعى.

ص: 155

لان التعبد الشرعى على تقدير تسليمه مختص بالبيع، الا ان يكون اجماع على اتحاد معنى القبض فى البيع و غيره، كما صرح به العلامة و الشهيدان و المحقق الثانى و غيرهم، فى باب الرهن و الهبة.

و حكى فيها الاتفاق على الاتحاد عن ظاهر المسالك، و استظهره الحاكى أيضا.

و عن ظاهر المبسوط فى باب الهبة: ان القبض هى التخلية فيما لا ينتقل، و النقل و التحويل فى غيره.

لكن صرح فى باب الرهن: بان كلما كان قبضا فى البيوع كان قبضا فى الرهن

______________________________

قلنا فليخص التعبد ببابه (لان التعبد الشرعى على تقدير تسليمه مختص بالبيع) فلا يتعدى منه الى باب الصدقة و غيرها (الا ان يكون اجماع على اتحاد معنى القبض فى البيع و غيره، كما صرح به) اى بالاجماع على الاتحاد (العلامة و الشهيدان و المحقق الثانى و غيرهم، فى باب الرهن و الهبة).

(و حكى) أيضا (فيها) اى فى الهبة (الاتفاق على الاتحاد عن ظاهر المسالك، و استظهره) اى الاتفاق (الحاكى) عن المسالك (أيضا).

(و) لكن (عن ظاهر المبسوط) ما يظهر منه عدم الاتحاد، حيث قال:

(فى باب الهبة: ان القبض هى التخلية فيما لا ينتقل) كالدار و البستان و الدكان (و النقل و التحويل فى غيره) اى فيما ينتقل كالثوب و الحيوان.

(لكن) المبسوط (صرح فى باب الرهن: بان كلما كان قبضا فى البيوع، كان قبضا فى الرهن

ص: 156

و الهبات و الصدقات لا يختلف ذلك.

و عن القاضى: انه لا يكفى فى الرهن التخلية، و لو قلنا بكفايته فى البيع، لان البيع يوجب استحقاق المبيع، فيكفى التمكين منه، و هنا لا استحقاق، بل القبض سبب فى الاستحقاق، بل و مقتضى هذا الوجه لحوق الهبة و الصدقة بالرهن.

و هذا الوجه حكاه فى هبة التذكرة عن بعض الشافعية، فقال قدّس سرّه: القبض هنا كالقبض فى البيع ففيما لا ينقل و لا يحول: التخلية، و فيما

______________________________

و الهبات و الصدقات لا يختلف ذلك) فقد وافق المشهور هنا.

(و عن القاضى) مخالفة المشهور قال: (انه لا يكفى فى الرهن التخلية و لو قلنا بكفايته فى البيع، لان البيع يوجب استحقاق المبيع، فيكفى التمكين منه) و التمكين يحصل بالتخلية (و هنا) اى فى باب الرهن (لا استحقاق) فان العين المرهونة ليست ملكا للمرتهن، و انما هى وثيقة على الدين (بل القبض سبب فى الاستحقاق) فاللازم تسليمه و لا يكفى التخلية

اقول: (بل و مقتضى هذا الوجه) الّذي ذكره لاختلاف البيع و الرهن (لحوق الهبة و الصدقة بالرهن) فى عدم كفاية التخلية و لزوم التسليم، اذ لا استحقاق للموهوب له و المتصدق عليه، بل بالقبض يحصل الاستحقاق.

(و هذا الوجه) اى ما ذكره بقوله «و هنا لا استحقاق» (حكاه فى هبة التذكرة عن بعض الشافعية، فقال قدّس سرّه: القبض هنا) اى فى باب الهبة (كالقبض فى البيع).

و عليه (ف) القبض (فيما لا ينقل و لا يحول: التخلية، و فيما

ص: 157

ينقل و يحول: النقل و التحويل، و فيما يكال او يوزن: الكيل و الوزن.

ثم حكى عن بعض الشافعية: عدم كفاية التخلية فى المنقول لو قلنا به فى البيع مستندا الى ان القبض فى البيع مستحق، و فى الهبة غير مستحق فاعتبر تحققه و لم يكتف بالوضع بين يديه.

و لذا لو اتلف المتهب الموهوب لم يصر قابضا، بخلاف المشترى، ثم ضعّفه بانه ليس بشي ء، لاتحاد القبض فى الموضعين، و اعتبار العرف فيهما.

______________________________

ينقل و يحول: النقل و التحويل، و فيما يكال او يوزن: الكيل و الوزن) و هذا موافق للمشهور من اتحاد البابين فى القبض.

(ثم حكى) العلامة (عن بعض الشافعية: عدم كفاية التخلية فى المنقول لو قلنا به) اى لو قلنا بانه يكفى التخلية (فى البيع مستندا) فى الفرق بين البابين (الى ان القبض فى البيع مستحق) للقابض، لانه ملكه (و فى الهبة غير مستحق) اذ للواهب الحق فى عدم التسليم (فاعتبر تحققه) اى تحقق القبض فى الهبة (و لم يكتف) فى القبض (بالوضع بين يديه).

(و لذا) الّذي فرق بين الهبة و البيع (لو اتلف المتهب الموهوب لم يصر قابضا) بسبب التلف (بخلاف المشترى) فانه اذا اتلف المبيع صار قابضا و كذلك اذا اتلف البائع الثمن، فيما كان الثمن و المثمن شخصيا.

اما اذا كان كليا فانه لا يتعين فى التالف الا بالتعيين (ثم ضعّفه) العلامة، و قال: (بانه) اى تفريق الشافعى بين القبضين (ليس بشي ء، لاتحاد القبض فى الموضعين) و هما: البيع و الهبة (و اعتبار العرف فيهما) «اعتبار» عطف على «القبض» اى لاتحاد ملاحظة العرف فى البابين،

ص: 158

انتهى.

و ظاهر عدم اكتفائه هنا بالوضع بين يديه مخالف للفرع المتقدم عنه الا ان يلتزم بكفاية التخلية فى رفع الضمان، و ان لم يكن قبضا كما اشرنا إليه سابقا.

فرعان:
الأول: قال فى التذكرة: لو باع دارا او سفينة مشحونة بامتعة البائع،

و مكّنه منها بحيث جعل له تحويلها من مكان الى مكان كان قبضا.

______________________________

فانهم يرون ان القبض فى احدهما قبض فى الآخر أيضا (انتهى) كلام التذكرة

(و ظاهر عدم اكتفائه هنا بالوضع بين يديه) فى حصول القبض (مخالف للفرع المتقدم عنه) حيث اكتفى بالوضع بين يديه فى كونه قبضا.

(الا) ان يقال: بأنه لا تخالف بين كلامى العلامة فان الّذي نفاه هنا ان يكون الوضع بين يديه قبضا، و الّذي اثبته هناك ان يكون الوضع بين يديه رافعا للضمان، ب (ان يلتزم بكفاية التخلية فى رفع الضمان، و ان لم يكن قبضا كما اشرنا إليه سابقا) و انه لا تلازم بين رفع الضمان و بين تحقق القبض.

(فرعان) من فروع القبض.

(الاول: قال فى التذكرة: لو باع دارا او سفينة مشحونة) اى ممتلية (بامتعة البائع، و مكّنه منها بحيث جعل له تحويلها من مكان الى مكان) آخر (كان قبضا) لانه يصدق عرفا انه اقبضه السفينة.

ص: 159

و قال أيضا: اذا كان المبيع فى موضع لا يختص بالبائع، كفى فى المنقول: النقل من حيّز الى حيّز.

و ان كان فى موضع يختص به فالنقل من زاوية الى اخرى بغير اذن البائع لا يكفى، لجواز التصرف، و يكفى لدخوله فى ضمانه.

و ان نقل باذنه حصل القبض، و كانه استعار البقعة المنقول إليها.

______________________________

(و قال) فى التذكرة (أيضا: اذا كان المبيع فى موضع لا يختص بالبائع، كفى فى المنقول: النقل من حيّز الى حيّز) كما اذا باعه السفينة فى البحر كفى نقلها من مكان الى مكان آخر.

(و ان كان فى موضع يختص به) كما اذا كان المنقول فى دار البائع (فالنقل) اى نقل المشترى المبيع (من زاوية الى اخرى) فى ملك البائع أيضا (بغير اذن البائع لا يكفى، لجواز التصرف) فى المبيع لان البائع لم يقبضه اياه و لا يجوز التصرف قبل القبض (و يكفى) النقل من زاوية الى اخرى (لدخوله فى ضمانه) اى ضمان المشترى.

اذ وضع اليد على شي ء يوجب انتقال الضمان الى واضع اليد، لدليل على: اليد.

و لذا قالوا بانه لو اتلف المشترى المتاع كان حاله حال ما لو قبضه و اتلفه، فتأمل.

(و ان نقل) المشترى المتاع من زاوية الى اخرى من زوايا ملك البائع (باذنه) اى باذن البائع (حصل القبض، و كأنه استعار البقعة المنقول إليها) و يترتب عليه كل احكام القبض.

ص: 160

الثانى: قال فى المسالك: لو كان المبيع مكيلا او موزونا فلا يخلو اما ان يكون قد كيل قبل البيع او وزن، او لا

بأن اخبر البائع بكيله او وزنه، او باعه قدرا معينا من صبرة مشتملة عليه.

فان كان الآخر فلا بد فى تحقق قبضه من كيله او وزنه، للنص المتقدم و ان كان الاول ففى افتقاره الى الاعتبار ثانيا لاجل القبض او الاكتفاء

______________________________

و لو قال للمالك انقله الى مكان كذا، او قال للحمال انقله، كفى فى القبض، لانه كالتوكيل، و اخذ الوكيل اخذ الموكّل.

الفرع (الثانى: قال فى المسالك: لو كان المبيع مكيلا او موزونا) اى مما يكال او يوزن (فلا يخلو اما ان يكون قد كيل قبل البيع او وزن، أو لا) اى لم يكل و لم يوزن (بأن اخبر البائع بكيله او وزنه او باعه) كليا فى المعين، بان باعه (قدرا معينا من صبرة مشتملة) تلك الصبرة (عليه) اى على ذلك القدر و اكثر.

(فان كان الآخر) اى ما ذكرناه بقولنا «أو لا» بأن كان شخصيا لم يكل او كليا فى المعين (فلا بد فى تحقق قبضه من كيله او وزنه، للنص المتقدم)

لكن اللازم ان يقيد ذلك بما اذا لم يقصد الشركة، و لم ينقل الباقى الى المشترى هبة، او ما اشبه، لان المنصرف من النص و الفتوى صورة إرادة قبض الشي ء وحده.

(و ان كان الاول) بأن كيل قبل البيع او وزن (ففى افتقاره الى الاعتبار) بالكيل و الوزن (ثانيا، لاجل القبض او الاكتفاء

ص: 161

بالاعتبار الاول وجهان.

من اطلاق توقف الحكم على الكيل و الوزن، و قد حصلا، و قوله عليه السلام فى النص حتى يكيله او يزنه لا يدل على اعتبار ازيد من اعتبار الكيل و الوزن الشامل لما وقع قبل البيع.

و من ان الظاهر ان ذلك لأجل القبض، لا لتحقق شرط صحة البيع الثانى، فلا بد له من اعتبار جديد بعد العقد، و به صرح العلامة و الشهيد و جماعة، و هو الاقوى.

و يدل عليه قوله عليه السلام الا ان يوليه فان الكيل السابق شرط لصحة

______________________________

بالاعتبار الاول) فيقبّضه بدون كيل او وزن (وجهان).

(من اطلاق) النص و الفتوى على (توقف الحكم) بالقبض (على الكيل و الوزن، و قد حصلا) فلا يحتاج الى كيل جديد (و قوله عليه السلام فى النص حتى يكيله او يزنه لا يدل على اعتبار ازيد من اعتبار الكيل و الوزن الشامل) ذلك الكيل و الوزن (لما وقع قبل البيع) فلا حاجة الى كيل و وزن جديد.

(و من ان الظاهر ان ذلك) الّذي ورد فى النص من الكيل و الوزن (لاجل القبض، لا لتحقق شرط صحة البيع الثانى) فيما اذا اشتراه المشترى و اراد بيعه (فلا بد له من اعتبار) بالكيل و الوزن (جديد بعد العقد) لاجل القبض (و به صرّح العلامة و الشهيد و جماعة، و) هذا (هو الاقوى).

(و يدل عليه) اى على لزوم الكيل الجديد (قوله عليه السلام الا ان يوليه) اى يبيعه تولية بنفس رأس المال بدون ربح و لا خسارة- كما تقدم-

وجه الدلالة ما ذكره بقوله: (فان الكيل السابق شرط لصحة

ص: 162

البيع فلا بد منه فى التولية و غيرها، فدلّ على ان ذلك لاجل القبض، لا لصحة البيع، انتهى المهمّ من كلامه «ره».

اقول: يبعد التزام القائلين بهذا القول ببقاء المكيل و الموزون بعد الكيل و الوزن و العقد عليه و الأخذ و التصرف فى بعضه فى ضمان البائع حتى يكيله

______________________________

البيع) مطلقا (فلا بد منه فى التولية و غيرها) من المرابحة و المواضعة و المشاركة و المساومة (فدلّ) استثناء التولية (على ان ذلك) الّذي ذكره الامام عليه السلام من الكيل و الوزن حال القبض (لاجل القبض، لا لصحة البيع) فانه اذا كان لصحة البيع لم يكن لاستثناء التولية وجه.

اذ: البيع فى التولية يحتاج الى الكيل و الوزن أيضا، فهناك كيلان، كيل لاجل البيع يشترك فيه التولية و غيرها، وكيل لاجل القبض خاص بغير التولية (انتهى المهمّ من كلامه «ره») اى كلام صاحب المسالك.

(اقول) معنى كلام المسالك انه اذا لم يحصل كيل و وزن جديد، لم يحصل القبض.

و لازم ذلك انه اذا اخذه المشترى بدون كيل جديد يكون كلا قبض، و ان تصرف فيه، و هذا بعيد جدا.

اذ (يبعد التزام القائلين بهذا القول) و هو الاحتياج الى كيل جديد فى غير التولية (ببقاء المكيل و الموزون بعد الكيل و الوزن) الاول (و) بعد (العقد عليه و الاخذ و التصرف فى بعضه) يبقى (فى ضمان البائع) لانه حيث لم يكل كان كأن لم يقبض و التلف قبل القبض من مال مالكه (حتى بكيله

ص: 163

ثانيا او يزنه، و ان لم يرد بيعه ثانيا.

و كذا لو كاله و قبضه ثم عقد عليه.

و قد تفطن لذلك المحقق الاردبيلى ره فيما حكى من حاصل كلامه، حيث نزّل ما دلّ على اعتبار الكيل و الوزن فى البيع الثانى على ما اذا لم يعلم كيله او وزنه، بل وقع البيع الاول من دون كيل، كما اذا اشترى اصوعا من صبرة مشتملة عليها، او اشترى باخبار البائع.

اما اذا كاله بحضور المشترى، ثم باعه ايّاه

______________________________

ثانيا او يزنه، و ان لم يرد) المشترى (بيعه ثانيا) لشخص ثالث.

نعم اذا اراد بيعه ثانيا احتاج الى الكيل و الوزن الجديد لاجل البيع الثانى، لا لأجل القبض.

(و كذا) يبعد الاحتياج الى كيل ثان (لو كاله) المالك (و قبضه) الّذي يريد الاشتراء (ثم عقد عليه) بعد القبض، حتى يكون كيله قبل البيع كلا كيل بالنسبة الى القبض.

(و قد تفطن لذلك) الّذي ذكرناه من قولنا «يبعد» (المحقق الاردبيلى ره فيما حكى من حاصل كلامه، حيث نزّل ما دلّ على اعتبار الكيل و الوزن فى البيع الثانى) و هو بيع المشترى لشخص ثالث (على ما اذا لم يعلم كيله او وزنه، بل وقع البيع الاول من دون كيل، كما اذا اشترى اصوعا من صبرة) بيعا كليا، فيما اذا كانت الصبرة (مشتملة عليها) اى على تلك الاصوع (او اشترى باخبار البائع) بان كيله كذا.

(اما اذا كاله) البائع (بحضور المشترى، ثم باعه اياه) بعد الكيل

ص: 164

فأخذه و حمله الى بيته و تصرف فيه بالطحن و العجن و الخبز، فلا شك فى كونه قبضا مسقطا للضمان، مجوزا للبيع، و لا يلزم تكلّف البائع بكيله مرة اخرى للإقباض، الى ان قال: ما حاصله: ان كون وجوب الكيل مرة اخرى للقبض مع تحققه أولا عند الشراء، كما نقله فى المسالك عن العلامة و الشهيد و جماعة قدس اللّه اسرارهم، و قواه، ليس بقوى، انتهى.

و قال فى جامع المقاصد- عند شرح قول المصنف- ان التسليم بالكيل و الوزن فيما يكال او يوزن على رأى المراد به الكيل الّذي يتحقق به اعتبار البيع، و لا بد من رفع البائع يده

______________________________

(فأخذه و حمله الى بيته و تصرف فيه بالطحن و العجن و الخبز، فلا شك فى كونه قبضا مسقطا للضمان، مجوزا) اى منفّذا تلك الامور من الاخذ و الحمل ... الخ (للبيع، و لا يلزم تكلّف البائع بكيله مرة اخرى للاقباض) اذ لا وجه لهذا الكيل الثانى اصلا (الى ان قال) المحقق الاردبيلى (ما حاصله ان كون وجوب الكيل مرة اخرى للقبض مع تحققه) اى الكيل (أولا عند الشراء كما نقله فى المسالك عن العلامة و الشهيد و جماعة) آخرين (قدس اللّه اسرارهم، و قواه) عطف على «نقله» (ليس بقوى، انتهى) كلام الاردبيلى

(و قال فى جامع المقاصد) ما يظهر منه تأييد الاردبيلى فى عدم الاحتياج الى كيل جديد لاجل القبض.

فانه (- عند شرح قول المصنف- ان التسليم بالكيل و الوزن فيما يكال او يوزن) قال (على رأى المراد به) اى بالكيل و الوزن (الكيل الّذي يتحقق به اعتبار البيع، و لا بد) بالإضافة الى الكيل (من رفع البائع يده

ص: 165

عنه، فلو وقع الكيل و لم يرفع البائع يده، فلا تسليم و لا قبض.

و لو أخبره البائع بالكيل او الوزن، فصدقه. و أخذ على ذلك حصل القبض، كما نص عليه فى التذكرة.

ثم قال: و لو اخذ المبيع جزافا او اخذ ما اشتراه كيلا وزنا، او بالعكس فان تيقن حصول الحق فيه صحّ، و الا فلا، ذكره فى التذكرة.

و الّذي ينبغى ان يقال

______________________________

عنه، فلو وقع الكيل و لم يرفع البائع يده، فلا تسليم و لا قبض) «و لا قبض» عطف بيان ل «لا تسليم».

(و لو أخبره البائع بالكيل او الوزن، فصدقه) المشترى (و أخذ) المتاع بناء (على ذلك) الكيل الّذي أخبره به (حصل القبض، كما نص عليه فى التذكرة).

و هذا الكلام من جامع المقاصد صريح فى عدم الاحتياج الى كيل جديد لاجل القبض، كما لا يخفى.

(ثم قال) جامع المقاصد (و لو اخذ المبيع جزافا) اى بلا كيل و لا وزن (او اخذ ما اشتراه كيلا وزنا) بأن اخذه بالوزن لا بالكيل (او بالعكس) بان اشترى بالوزن و لكن عند الأخذ اخذه بالكيل.

(فان تيقن حصول الحق فيه) اى فى ذلك الجزاف، و فى ما اخذه وزنا عوض الكيل، و كيلا عوض الوزن (صحّ) القبض (و الا فلا) يصحّ القبض (ذكره فى التذكرة).

قال جامع المقاصد: (و الّذي ينبغى ان يقال) ان قول العلامة

ص: 166

ان هذا الاخذ باعطاء البائع موجب لانتقال ضمان المدفوع الى المشترى و انتفاء سلطنة البائع لو اراد حبسه ليقبض الثمن، لا التسلط على بيعه لان بيع ما يكال او يوزن قبل كيله او وزنه على التحريم او الكراهة.

و لو كيل قبل ذلك، فحضر كيله او وزنه ثم اشتراه و اخذه بذلك الكيل، فهو

______________________________

«صحّ» ليس على اطلاقه بل يصحّ من جهة و لا يصحّ من جهة اخرى.

ف (ان هذا الاخذ) اى اخذ المشترى الجزاف او المكيل موزونا، و بالعكس (باعطاء البائع موجب لانتقال ضمان المدفوع الى المشترى) فاذا تلف فلا يكون تلفا قبل القبض، و لا يصدق عليه «التلف قبل القبض من مال مالكه» (و) موجب أيضا (انتفاء سلطنة البائع) على المبيع (لو اراد حبسه ليقبض الثمن) فان البائع ما دام لم يعط المثمن الى المشترى فله حق حبسه عند نفسه حتى يقبض الثمن، اما اذا دفعه الى المشترى قبل ان يقبض الثمن فلا حق له بعد ذلك فى استرجاعه، هذا قول فى المسألة.

و هناك قول آخر، بان للبائع استرجاع المبيع، فيحبسه عند نفسه الى ان يقبض الثمن (لا) ان هذا الاخذ يوجب (التسلط) من المشترى (على بيعه).

و انما لا يتسلط المشترى على بيعه (لان بيع ما يكال او يوزن قبل كيله او وزنه على التحريم او الكراهة) و هذا التحريم او الكراهة لا يرتفع بالاخذ

(و) قال جامع المقاصد أيضا: (لو كيل قبل ذلك) الاخذ (فحضر) المشترى (كيله او وزنه ثم اشتراه) المشترى (و اخذه بذلك الكيل، فهو)

ص: 167

كما لو اخبره بالكيل او الوزن، بل هو اولى، انتهى.

ثم الظاهر ان مراد المسالك مما نسبه الى العلامة و الشهيد و جماعة من وجوب تجديد الاعتبار لاجل القبض، ما ذكره فى القواعد تفريعا على هذا القول انه لو اشترى مكايلة و باع مكايلة، فلا بد لكل بيع من كيل جديد ليتم القبض.

______________________________

كاف فى انتقال الضمان و فى تسلط المشترى على بيعه.

لانه (كما لو اخبره بالكيل او الوزن، بل هو اولى) من الاخبار، لان المشترى قد رأى الكيل بنفسه (انتهى).

و هذا الكلام من جامع المقاصد يدل على عدم الاحتياج الى كيل ثان لاجل القبض.

(ثم الظاهر) ان ما نسبه المسالك الى العلامة و غيره من وجوب كيل ثان عند القبض ليس تامّا، فانهم لم يذكروا ذلك و انما التبس الامر على المسالك.

اذ الظاهر (ان مراد المسالك مما نسبه الى العلامة و الشهيد و جماعة من وجوب تجديد الاعتبار) اى تجديد الكيل و الوزن (لاجل القبض) غير الكيل و الوزن لاجل البيع (ما ذكره) العلامة (فى القواعد تفريعا على هذا القول) اى القول السابق للقواعد من وجوب الكيل لاجل البيع (انه لو اشترى مكايلة و باع) المشترى ما اشتراه بيعا (مكايلة، فلا بد لكل بيع من كيل جديد ليتم القبض).

فظن المسالك من هذا الكلام ان العلامة يقول بوجوب الكيل لاجل

ص: 168

قال فى جامع المقاصد فى شرحه: انه لو اشترى ما لا يباع الا مكايلة و باع كذلك، لا بد لكل بيع من هذين من كيل جديد، لان كل بيع لا بد له من قبض.

قال بعد ذلك و لو انه حضر الكيل المتعلق بالبيع الاول فاكتفى به او اخبره البائع فصدقه، لكفى نقله، و قام ذلك مقام كيله.

و فى الدروس- بعد تقوية كفاية التخلية فى رفع الضمان

______________________________

القبض، و الحال ان العلامة لا يريد ذلك، بل يريد ما ذكره جامع المقاصد.

فانه (قال فى جامع المقاصد فى شرحه: انه لو اشترى ما لا يباع الا مكايلة، و باع كذلك) مكايلة (لا بد لكل بيع من هذين من كيل جديد) كيل لبيع محمد الى على، و كيل لبيع على الى الحسن (لان كل بيع لا بد له من قبض).

و قد اراد بذلك ما (قال بعد ذلك و لو انه حضر) المشترى الثانى كالحسن فى المثال (الكيل المتعلق بالبيع الاول، فاكتفى به او اخبره البائع) الّذي هو المشترى الاول، كعلى فى المثال (فصدقه) المشترى الثانى (لكفى نقله) اى نقل المتاع فى كونه قبضا و لم يحتج الى كيل جديد (و قام ذلك) اى الحضور فى الكيل الاول (مقام كيله) فلم يحتج بيع على للحسن الى كيل جديد.

(و) قال (فى الدروس) أيضا ما يظهر منه ان نقل المسالك منه «باحتياج القبض الى الكيل» ليس على ما ينبغى، بل الشهيد قال مثل مقالة العلامة (- بعد تقوية كفاية التخلية) من البائع (فى رفع الضمان)

ص: 169

لا فى زوال تحريم البيع او كراهته قبل القبض- قال: نعم لو خلّى بينه و بين المكيل، فامتنع حتى يكتاله، لم ينتقل إليه الضمان، و لا يكفى الاعتبار الاول عن اعتبار القبض، انتهى.

و هذا ما يمكن الاستشهاد به من كلام العلامة و الشهيد و المحقق الثانى لاختيارهم وجوب تجديد الكيل و الوزن لاجل القبض، و ان كيل او وزن قبل ذلك، لكن الانصاف انه ليس فى كلامهم، و لا غيرهم، ما يدل على ان

______________________________

عن البائع، فاذا تلف ذهب من كيس المشترى، و لا يشمله «التلف قبل القبض من مال مالكه» (لا فى زوال تحريم البيع او كراهته قبل القبض-) اذ لا يجوز للمشترى ان يبيع ما اشتراه او يكره له اذا باعه فيما اذا لم يكله (قال: نعم لو خلّى) المشترى الاول (بينه) اى بين المشترى الثانى (و بين المكيل) الّذي اشتراه (فامتنع) المشترى الثانى من اخذه (حتى يكتاله لم ينتقل) بهذه التخلية (إليه) اى الى المشترى الثانى (الضمان) لان المشترى الثانى امتنع عن الاخذ (و لا يكفى الاعتبار الاول) اى كيله او وزنه لذى البيع الاول (عن اعتبار) الكيل ثانيا عند البيع الثانى لاجل (القبض انتهى) كلام الدروس.

(و هذا ما يمكن الاستشهاد به من كلام العلامة و الشهيد و المحقق الثانى) استشهادا (لاختيارهم وجوب تجديد الكيل و الوزن لاجل القبض و ان كيل او وزن قبل ذلك).

و (لكن الانصاف انه ليس فى كلامهم، و لا) فى كلام (غيرهم، ما يدلّ على ان

ص: 170

الشي ء الشخصى المعلوم كيله او وزنه قبل العقد اذا عقد عليه وجب كيله مرة اخرى لتحقق القبض، كما يظهر من المسالك.

فلا يبعد ان يكون كلام الشيخ قدّس سرّه و من تبعه فى هذا القول و كلام العلامة و من ذكر فروع هذا القول مختصا بما اذا عقد على كيل معلوم من كلى او من صبرة معيّنة او على جزئى محسوس على انه كذا و كذا.

______________________________

الشي ء الشخصى المعلوم كيله او وزنه قبل العقد اذا عقد عليه وجب كيله مرة اخرى) كيلا ثانيا (لتحقق القبض، كما يظهر) وجوب الكيل الثانى لاجل القبض (من المسالك).

بل قد عرفت ان الكيل الثانى انما هو لاجل البيع الثانى فيما اذا لم يعتمد المشترى الثانى على قول المشترى الاول، و لم يحضر كيله عند البيع الاول.

(فلا يبعد ان يكون كلام الشيخ قدّس سرّه و من تبعه فى هذا القول) اى القول باعتبار الكيل و الوزن فى القبض اضافة الى الكيل و الوزن عند البيع (و كلام العلامة و من ذكر فروع هذا القول) اى متفرعا على اعتبار الكيل فى القبض (مختصا بما اذا عقد على كيل معلوم من كلى) كما اذا قال: صاع من حنطة (او من صبرة معيّنة) كما اذا قال: صاع من هذه الحنطة (او على جزئى محسوس على انه كذا و كذا) كما اذا قال: ابيعك هذه الصبرة على انها مائة صاع.

ص: 171

فيكون مراد الشيخ و الجماعة من قولهم: اشترى مكايلة انه اشترى بعنوان الكيل و الوزن فى مقابل ما اذا اشترى ما علم كيله سابقا من دون تسمية الكيل المعين فى العقد، لكونه لغوا.

و الظاهر ان هذا هو الّذي يمكن ان يعتبر فى القبض فى غير البيع أيضا من الرهن و

______________________________

(فيكون) اللازم حينئذ انه اذا اراد تسليم المبيع ان يكيله، لا ان مرادهم انه اذا كاله عند البيع وجب كيله ثانيا عند القبض.

و على هذا ف (مراد الشيخ و الجماعة من قولهم: اشترى مكايلة) فاذا اراد قبضه وجب كيله، مما ظاهره وجوب الكيل مرّتين (انه اشترى) غير المكيل و لكن (بعنوان الكيل و الوزن) اى بعنوان انه كذا كيل كليا، او فى الصبرة او جزئيا محسوسا (فى مقابل ما اذا اشترى ما علم كيله سابقا من دون تسمية الكيل المعين فى العقد).

فانه حينئذ لا يحتاج الى كيل لاجل القبض، كما اذا حضر المشترى الثانى عند البيع الاول و رأى كيله فانه اذا اشتراه- بدون ذكر الكيل- لا يحتاج فى تسليمه الى المشترى الثانى الى الكيل.

و انما لا يحتاج الى الكيل فى هذا الحال (لكونه) اى الكيل (لغوا) حينئذ، فان المشترى الثانى رأى كيله، فلما ذا يكال له كيلا ثانيا؟

(و الظاهر ان هذا) الّذي ذكرناه فى البيع من انه ان احتيج الى الكيل فى البيع الثانى كيل، و ان لم يحتج لم يكل، و كان كيله لغوا (هو الّذي يمكن ان يعتبر فى القبض فى غير البيع أيضا) كالبيع (من الرهن، و

ص: 172

الهبة.

فلو رهن إناء معيّنا من صفر مجهول الوزن، او معلوم الوزن او وهبه خصوصا على القول بجواز هبة المجهول، فالظاهر انه لا يقول احد بانه يعتبر فى قبضه وزنه، مع عدم تعلق غرض فى الهبة بوزنه اصلا.

نعم لو رهن او وهب مقدارا معينا من الكيل او الوزن، امكن القول باشتراط اعتباره فى قبضه، و ان قبضه جزافا كلا قبض.

______________________________

الهبة).

(فلو رهن إناء معينا) خارجيا (من صفر مجهول الوزن، او معلوم الوزن، او وهبه) كذلك إناء معينا مجهول الوزن، او معلوم الوزن (خصوصا على القول بجواز هبة المجهول، فالظاهر انه لا يقول احد بانه يعتبر فى قبضه وزنه، مع عدم تعلق غرض فى الهبة بوزنه اصلا) اذ وزنه يكون حينئذ لغوا، و كذلك وزن ما علم وزنه فى باب البيع، و كيف كان فلا يشترط فى القبض الكيل.

ثم ان ما ذكرناه من شرح العبارة هو الاقرب فى النظر، و ان كان يحتمل لها معنى آخر على ما ذكره بعض المحشّين.

(نعم) هذا استثناء من قوله «فالظاهر انه لا يقول احد» (لو رهن او وهب مقدارا معينا من الكيل او الوزن) بان قال: وهبتك منّا من الحنطة او رهنت عندك منّا من الصفر (امكن القول باشتراط اعتباره) اى الكيل و الوزن (فى قبضه، و ان قبضه جزافا كلا قبض).

اما فى الرهن فواضح، اذ هو كسائر العقود اللازمة فى اعتبار ان لا يكون

ص: 173

فظهر ان قوله فى القواعد اشترى مكايلة و هو العنوان المذكور فى المبسوط لهذا القول كما عرفت عند نقل الاقوال يراد به ما ذكرنا، لا ما عرفت من جامع المقاصد.

و يؤيّده تكرار المكايلة فى قوله: و باع مكايلة.

______________________________

مجهولا غرريا، سواء عند العقد او عند القبض.

و اما فى الهبة فلان تحقق تلك الهبة بدون هبة زيادة و لا استرجاع بعض الموهوب يقتضي ذلك، فتأمل.

(فظهر ان قوله فى القواعد) لو (اشترى مكايلة) و باع مكايلة، فلا بد لكل بيع من كيل جديد (و هو العنوان المذكور فى المبسوط لهذا القول) اى ان كلمة «مكايلة» عنوان هذا القول الّذي يقول باحتياج القبض الى الكيل (كما عرفت عند نقل الاقوال) الثمانية فى اوّل المسألة، حيث قال «و ان كان اشتراه مكايلة» (يراد به ما ذكرنا) مما اخذ الكيل فيه فى العقد بان قال: ابيعك عشرة اصوع بكذا، و الكيل حينئذ لاجل الوفاء بالعقد، لا لأجل القبض، فلا يشمل كلام القواعد و المبسوط لما لم يؤخذ فيه الكيل، اما لمعلومية كيله قبل العقد او لجواز العقد عليه جزافا (لا ما عرفت من جامع المقاصد).

حيث ذكر ان كل ما يباع بالكيل لا بد من كيله عند القبض، و ان لم يسم الكيل عند العقد بل كيل أولا ثم عقد عليه.

(و يؤيده) اى يؤيد ان مراد العلامة ما ذكرناه، لا ما ذكره جامع المقاصد (تكرار المكايلة فى قوله: و باع مكايلة).

ص: 174

و يشهد له أيضا قول العلامة فى غير موضع من التذكرة: لو قبض جزافا ما اشتراه مكايلة.

و يشهد له أيضا قوله فى موضع آخر: لو اخذ ما اشترى كيلا وزنا، و بالعكس، فان تيقن حصول الحق فيه، الخ

______________________________

لان الظاهر من القيد: انه احترازى لا توضيحى.

فالمراد بالمكايلة ان كان ما ذكرناه اى التسمية للكيل عند العقد، صح كون القيد احترازيا، اذ قد يبيع المشترى مكايلة، و قد يبيع غير مكايلة.

اما على قول جامع المقاصد من ان المراد بالمكايلة «ما لا يباع الا مكايلة» فلا فائدة فى ذكر المكايلة ثانيا، اذ قد علم بذكر المكايلة أولا، ان الشي ء لا يباع الا مكايلة.

(و يشهد له) اى لما ذكرناه من ان المراد بالمكايلة فى كلام القواعد، و المبسوط، التسمية للكيل حال العقد، لا ما ذكره جامع المقاصد من ان المراد بالمكايلة «ان الشي ء لا يباع الا كيلا» (أيضا قول العلامة فى غير موضع من التذكرة: لو قبض جزافا ما اشتراه مكايلة).

فانه اذا كيل قبل العقد ثم قبضه لا يسمّى قبض جزافا، فالمراد انه سمى فى العقد الكيل ثم حين القبض اخذ بلا كيل، مما يدل على ان المراد بالمكايلة تسمية الكيل، لا كون الشي ء مما يكال عند البيع.

(و يشهد له أيضا قوله فى موضع آخر) من التذكرة (لو اخذ ما اشترى كيلا) اى اخذه (وزنا، و بالعكس) اى ما اشترى وزنا اخذه كيلا (فان تيقن حصول الحق فيه، الخ).

ص: 175

و اظهر من ذلك فيما ذكرنا ما فى المبسوط، فانه- بعد ما صرح باتحاد معنى القبض فى البيع و الرهن و غيرهما- ذكر انه لو رهن صبرة على انه كيل كذا، فقبضه ان يكيله.

و لو رهنها جزافا، فقبضه ان ينقله من مكانه

______________________________

وجه الشهادة ان الظاهر من قوله «اشترى كيلا» انه سمّى الكيل عند العقد، لا ان الشي ء ما لا يباع الا كيلا.

(و اظهر من ذلك) الّذي تقدم من التأييدات و الشهادات (فيما ذكرنا) من ان المراد تسمية الكيل عند العقد، لا كون الشي ء مما يكال (ما فى المبسوط، فانه- بعد ما صرح باتحاد معنى القبض فى البيع و الرهن و غيرهما-) كالهبة و الوقف (ذكر انه لو رهن صبرة) من الحنطة و نحوها (على انه كيل كذا، فقبضه ان يكيله) مما دل على ان الكيل الواجب عند العقد هو الكيل لاجل العقد، لا انه كيل ثان لاجل القبض.

(و لو رهنها جزافا) بدون ذكر الكيل فى الرهن (فقبضه ان ينقله من مكانه) الى مكان آخر، و لا حاجة الى الكيل.

فانه يدل أولا على ان المراد بالكيل، ذكر الكيل فى العقد، حتى يقابل قوله «جزافا».

و ثانيا على ان المراد بالجزاف عدم ذكر الكيل سواء كيل أو لا، او اعتمد على اخبار البائع بكيله، لا ان المراد بالجزاف عدم المكيلية اصلا.

اذ الشيخ يقول «بعدم جواز بيع الصبرة جزافا» و الرهن كالبيع، فلا يجوز رهن الشي ء جزافا، لاتحادهما فى القبض و سائر الامور.

ص: 176

مع انه اختار عدم جواز بيع الصبرة جزافا، فافهم.

و اما قوله فى الدروس فلا يكفى الاعتبار الاول عن اعتبار القبض، فلا يبعد ان يكون تتمة لما قبله من قوله: نعم لو خلّى بينه و بينه فامتنع حتى يكتاله.

و مورده بيع كيل معين كلّى، فلا يدل على وجوب تجديد اعتبار ما اعتبر قبل

______________________________

ف (مع انه اختار عدم جواز بيع الصبرة جزافا) لا بد و ان يريد بالرهن جزافا عدم ذكر الكيل فى عقد الرهن، لا ان المراد بالجزاف عدم الكيل اصلا (فافهم).

اذ لا شهادة فى قول الشيخ بعدم جواز بيع الصبرة جزافا على ان مراده بالرهن جزافا، عدم ذكر الكيل فى الرهن اعتمادا على كيله سابقا او اخبار البائع بكيله.

(و اما قوله فى الدروس) الظاهر فى اشتراط القبض بالكيل ثانيا غير الكيل لاجل العقد، حيث قال (فلا يكفى الاعتبار الاول عن اعتبار القبض) انتهى (فلا يبعد ان يكون تتمة لما قبله من قوله: نعم لو خلى بينه و بينه فامتنع حتى يكتاله) لا انه كلام مستقل حيث انه اذا كان كلاما مستقلّا، دلّ على وجوب الكيل لاجل القبض غير الكيل لاجل البيع.

(و) اما لو كان كلامه من تتمة كلامه السابق لم يدل الا على كيل واحد.

اذ (مورده بيع كيل معين كلّى، فلا يدل على وجوب تجديد اعتبار ما اعتبر قبل

ص: 177

العقد.

ثم ان ما ذكره فى المسالك فى صحيحة ابن وهب أولا من ان قوله: لا يبعه حتى يكيله، يصدق مع الكيل السابق.

ثم استظهاره ثانيا- بقرينة استثناء بيع التولية- ان المراد غير الكيل المشترط فى صحة العقد، لم يعلم له وجه.

اذ المراد من الكيل و الوزن فى تلك الصحيحة و غيرها، هو الكيل المتوسط

______________________________

العقد).

و من المعلوم ان بيع كيل معين كلّى لم يكل سابقا، لا بد له من الكيل عند القبض.

(ثم ان ما ذكره فى المسالك) فى الفرع الثانى (فى صحيحة ابن وهب) ذكره (أولا من ان قوله) عليه السلام (لا يبعه حتى يكيله) حيث قال المسالك (يصدق) حتى يكيله (مع الكيل السابق) فيه نظر.

اذ لا نسلّم انه يصدق مع الكيل السابق، بل ظاهره كيل ثان لاجل ان يبيعه المشترى، غير الكيل الاول الّذي اشتراه من البائع الاول.

(ثم استظهاره) اى المسالك (ثانيا) من الرواية (- بقرينة استثناء بيع التولية- ان المراد) من الكيل عند القبض (غير الكيل المشترط فى صحة العقد، لم يعلم له) اى لكلام المسالك، فى الموردين- أولا، و ثانيا- (وجه).

(اذ المراد من الكيل و الوزن فى تلك الصحيحة و غيرها هو الكيل المتوسط

ص: 178

بين البيع الاول، و الثانى.

و هذا غير قابل لارادة الكيل المصحح للبيع الاول، فلا وجه لما ذكره أو لا اصلا.

و لا وجه لارادة المصحح للبيع الثانى، حتى يكون استثناء التولية قرينة على عدم ارادته لاشتراك التولية مع غيرها فى توقف صحتهما على الاعتبار لان السؤال عن بيع الشي ء قبل قبضه.

______________________________

بين البيع الاول، و) البيع (الثانى).

(و هذا) الكيل (غير قابل لارادة الكيل المصحح للبيع الاول، فلا وجه لما ذكره أولا) من صدق «يكيله» على الكيل الاول (اصلا).

اللهم الا ان يريد كفاية ذلك الكيل الاول، للمناط.

(و) كذلك (لا وجه لارادة) الكيل (المصحح للبيع الثانى، حتى يكون استثناء التولية قرينة على عدم ارادته) اى عدم إرادة الكيل الاول.

و انما جعل المسالك استثناء التولية قرينة على عدم إرادة الكيل الاول (لاشتراك التولية مع غيرها فى توقف صحتهما) اى صحة التولية و غير التولية (على الاعتبار) و الكيل الاول.

و انما قلنا: و لا وجه لارادة المصحح (لان السؤال) فى الرواية (عن بيع الشي ء قبل قبضه) فانه قبل القبض لا يتمكن المشترى من الكيل لاجل البيع الثانى.

و الحاصل: ان المسالك جعل الكيل فى كلام الامام مصححا للبيع الثانى، و المصنف جعله مصححا للبيع الاول، و القرينة التى تمسك بها

ص: 179

ثم الجواب بالفرق بين المكيل و الموزون لا يمكن ارجاعها الى السؤال و الجواب عن شرائط البيع الثانى، بل الكلام سؤالا و جوابا نص فى إرادة قابلية المبيع قبل القبض للبيع و عدمها.

ف

______________________________

المسالك هى استثناء التولية، و القرينة التى تمسك بها المصنف هى كون السؤال عن بيع الشي ء قبل قبضه.

(ثم) هناك قرينة اخرى على ان الكيل فى كلام الامام مربوط بالبيع الاول.

فان (الجواب) للامام عليه السلام (بالفرق بين المكيل و الموزون) و بين غير المكيل و الموزون- كما يظهر من كلام الامام عليه السلام- (لا يمكن ارجاعها) اى ارجاع انه ان كان مكيلا فكذا، و ان لم يكن مكيلا فكذا، مما يستفاد من قول الامام عليه السلام (الى السؤال و الجواب عن شرائط البيع الثانى) اذ لو كان السؤال الاول حول المكيل و الموزون، فلا يمكن تقسيم المكيل و الموزون الى ما يقبل الكيل و الوزن، و ما لا يقبل الكيل و الوزن فانه من تقسيم الشي ء الى نفسه و غيره، فهو مثل ان يقال: الانسان اما انسان او حجر، فتأمل (بل الكلام سؤالا و جوابا نصّ فى إرادة قابلية المبيع قبل القبض للبيع و عدمها) اى عدم القابلية.

و قوله «للبيع» متعلق ب «قابلية».

(ف) ان قلت: اذا كان الكلام فى الكيل الاول، فلما ذا استثنى الامام التولية، مع العلم ان بيع التولية- فى بيع الاول- يحتاج الى

ص: 180

الاولى ان استثناء التولية ناظر الى الفرق بين البيع مكايلة بان يبيعه ما اشتراه على انه كيل معين فيشترط قبضه بالكيل و الوزن ثم اقباضه، و بين ان يوليه البيع الاول من غير تعرض فى العقد لكيله و وزنه، فلا يعتبر توسط قبض بينهما، بل يكفى قبض المشترى الثانى عن الاول.

______________________________

الكيل، كسائر البيوع.

قلت: ان الانسان اذا باع تولية مع ذكر كيله، و الحال انه لم يكله البائع الاول عند البيع، فانه يجب كيله عند القبض.

و ان باعه تولية مع عدم ذكر كيله لا يجب كيله من المشترى الاول، اذ المشترى الاول لا يقبضه، بل يقبضه المشترى من البائع الاولى.

فالذى استثناه الامام عليه السلام من وجوب الكيل لدى البيع، هو بعض صور التولية، لا التولية بقول مطلق.

و عليه (الاولى ان استثناء التولية ناظر الى الفرق بين البيع مكايلة بان يبيعه ما اشتراه على انه كيل معين) «على» متعلق ب «ما اشتراه» (فيشترط قبضه بالكيل و الوزن) لان البائع لم يكله حين البيع (ثم اقباضه) الى المشترى الثانى الّذي باعه اياه تولية (و بين ان يوليه البيع الاول من غير تعرض فى العقد) الثانى (لكيله و وزنه) بل يقول: ابيعك ما اشتريته بنفس الثمن (فلا يعتبر توسط قبض بينهما) اى بين العقدين حتى يحتاج الى كيله للمشترى الاول (بل يكفى قبض المشترى الثانى عن) البائع (الاول) رأسا.

ص: 181

و بالجملة فليس فى الصحيحة تعرض لصورة كيل الشي ء أولا قبل البيع، ثم العقد عليه و التصرف فيه بالنقل و التحويل.

و ان بيعه ثانيا بعد التصرف هل يحتاج الى كيل جديد لقبض البيع الاول، لا لاشتراط معلومية المبيع فى البيع الثانى أم لا؟ بل

______________________________

(و بالجملة) فانا نريد ان نقول: انه اذا كيل ثم بيع، لم يحتج فى قبضه الى كيل ثان، و انما يحتاج القبض الى الكيل فيما اذا لم يكل و بيع بناء على انه كذا كيلا.

اما من يقول بان الصحيحة تقول بلزوم الكيل عند القبض- حتى فى صورة ما اذا كيل و بيع- (ف) نردّه بأنه (ليس فى الصحيحة) لمعاوية بن وهب (تعرض لصورة كيل الشي ء أولا قبل البيع، ثم العقد عليه و التصرف فيه بالنقل و التحويل) الى المشترى الاول.

(و ان بيعه ثانيا بعد التصرف) من المشترى الاول (هل يحتاج الى كيل جديد لقبض البيع الاول) «و ان بيعه» عطف على «صورة» اى لا تعرض للصحيحة، لا لذاك و لا لهذا (لا لاشتراط معلومية المبيع فى البيع الثانى) «لا» عطف على «لقبض» اى لا تقول الصحيحة ان بيعه ثانيا يحتاج الى كيل ثان، لا كيل لاجل معلومية قدر المبيع فى البيع الثانى (أم لا؟) عطف على «هل يحتاج».

و اذا لم تتعرض الصحيحة لهذه الصورة فمن اين يقول القائل باشتراط الكيل ثانيا لاجل القبض، بان الصحيحة دالة على ذلك (بل

ص: 182

ليس فى كلام المتعرضين لبيع ما لم يقبض تعرض لهذه الصورة.

______________________________

ليس فى كلام المتعرضين لبيع ما لم يقبض تعرض لهذه الصورة) فلا نص و لا فتوى يدلان على وجوب الكيل لاجل القبض، علاوة على الكيل لاجل العقد، و اللّه العالم.

ص: 183

القول فى وجوب القبض
مسألة: يجب على كل من المتبايعين تسليم ما استحقه الآخر بالبيع لاقتضاء العقد لذلك.

فان قال كل منهما لا ادفع حتى اقبض، فالاقوى اجبارهما معا وفاقا للمحكى عن السرائر و الشرائع، و كتب العلامة و الايضاح و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و غيرها.

______________________________

(القول فى وجوب القبض) (مسألة: يجب على كل من المتبايعين تسليم ما استحقه الآخر بالبيع) فالبائع يسلّم المبيع الى المشترى، و المشترى يسلّم الثمن الى البائع (لاقتضاء العقد لذلك) التسليم، فيما اذا لم يكن احدهما مؤجلا بنسية، او سلف.

فان مقتضى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، ان يسلّم كل منهما الى الآخر فورا عرفيا

(فان قال كل منهما لا ادفع حتى اقبض) ما انتقل إليّ (فالاقوى اجبارهما معا) بأن يسلّما الى وكيل الطرفين، او يقدم المثمن بيد، و يأخذ الثمن بيد اخرى، حتى يكونا فى آن واحد (وفاقا) فى وجوب القابض فى آن واحد (للمحكى عن السرائر و الشرائع، و كتب العلامة و الايضاح و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و غيرها).

ص: 184

و عن ظاهر التنقيح: الاجماع عليه لما فى التذكرة من ان كلا منهما قد وجب له حق على صاحبه.

و عن الخلاف انه يجبر البائع أولا على تسليم المبيع، ثم يجبر المشترى على تسليم الثمن، سواء كان الثمن عينا او فى الذمة، لان الثمن انما يستحق على المبيع، فيجب أولا تسليم المبيع ليستحق الثمن.

و لعلّ وجهه دعوى انصراف اطلاق العقد الى ذلك.

______________________________

(و عن ظاهر التنقيح: الاجماع عليه).

و انما نقول باجبارهما معا- فى مقابل ما يأتى من اجبار البائع للسلم أولا- (لما فى التذكرة من ان كلا منهما قد وجب له حق على صاحبه) فيجبر صاحبه على اداء حقه، فان ابى احدهما تحلّ عقوبته و حبسه، فاذا حلّت العقوبة و الحبس جاز الاجبار بطريق اولى.

(و) لكن مع ذلك كله، ف (عن الخلاف انه يجبر البائع أولا على تسليم المبيع، ثم يجبر) بعده (المشترى على تسليم الثمن، سواء كان الثمن عينا او فى الذمة).

و استدل الشيخ لذلك بقوله: (لان الثمن انما يستحق على المبيع فيجب أولا تسليم المبيع ليستحق) البائع (الثمن) فكأنّ الثمن له المرتبة الثانوية، فيقدم المثمن الّذي له المرتبة الاولية.

(و لعلّ وجهه) الشرعى مع قطع النظر عن الرتبى العقلى (دعوى انصراف اطلاق العقد الى ذلك) اى الى تقديم اعطاء المثمن، ف أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، يقول: قدم المثمن لانه وفاء بالعقد.

ص: 185

و لذا استقر العرف الى تسمية الثمن عوضا و قيمة.

و لذا يقبّحون مطالبة الثمن قبل دفع المبيع، كما يقبّحون مطالبة الاجرة قبل العمل او دفع العين المستأجرة.

و الاقوى ما عليه الاكثر.

ثم ان ظاهر جماعة ان محل الخلاف فى هذه المسألة بين الخاصة و العامة

______________________________

(و لذا) اى لاجل الانصراف (استقر العرف الى تسمية الثمن عوضا و قيمة).

و من المعلوم ان رتبة المعوض مقدمة مع العلم ان الثمن بإزاء المثمن و المثمن بإزاء الثمن.

(و لذا يقبّحون مطالبة الثمن قبل دفع المبيع) و يقولون للبائع ادفع المبيع حتى يدفع لك الثمن (كما يقبّحون مطالبة الاجرة قبل العمل) بل اللازم على البنّاء و النجّار و غيرهما ان يعملا ثم يأخذ الاجرة، اذ الاجرة بمنزلة الثمن و العمل بمنزلة المثمن (او دفع العين المستأجرة) فيما اذا استأجر دارا فان العرف يرون انه يلزم ان يدفع الدار أولا ثم يدفع المستأجر الاجرة.

(و) لكن (الاقوى ما عليه الاكثر) من اجبارهما معا، لان الاعتبارات العرفية و تقدم المنزلة لا يوجبان خللا فى المقابلة بين الثمن و المثمن و لا نسلّم ان العقد اقتضى تقدم اعطاء المبيع حتى يقال ان أَوْفُوا بِالْعُقُودِ تبع لذلك

(ثم ان ظاهر جماعة ان محل الخلاف فى هذه المسألة بين الخاصة و العامة

ص: 186

ما لو كان كل منهما باذلا و تشاحّا فى البدأة و التسليم، لا ما اذا امتنع احدهما عن البذل.

قال فى المبسوط- بعد اختياره أو لا اجبارهما معا على التقابض ثم الحكم بان تقديم البائع فى الاجبار اولى- قال: هذا اذا كان كل منهما باذلا و اما اذا كان احدهما غير باذل اصلا، و قال لا اسلم ما عليّ اجبره الحاكم على البذل، فاذا حصل البذل، حصل الخلاف فى ان ايّهما يدفع هذا اذا كان موسرا قادرا على

______________________________

ما لو كان منهما باذلا) اى مستعدا للبذل (و تشاحّا) اى تنازعا (فى البدأة و التسليم) فقال المشترى: ابذل انت أولا، و قال البائع: ابذل انت أولا (لا ما اذا امتنع احدهما عن البذل) و الا فلو كان احدهما ممتنعا، اجبر الممتنع، فاذا اراد البذل اجبارا حصل النزاع السابق فى انه هل يبدأ البائع او يتقابضان.

(قال فى المبسوط) ما يؤيّد ما قلنا «ان ظاهر جماعة» (- بعد اختياره أو لا اجبارهما معا على التقابض ثم الحكم) اى حكم المبسوط (بان تقديم البائع فى الاجبار اولى-) و حكمه الثانى اضراب عن اختياره الاول- كما لا يخفى- (قال: هذا) اى اجبارهما او تقديم اجبار البائع (اذا كان كل منهما باذلا) لما عليه (و اما اذا كان احدهما غير باذل اصلا، و قال لا اسلم ما عليّ، اجبره الحاكم على البذل، فاذا حصل البذل) منه جبرا (حصل الخلاف) السابق (فى ان ايهما يدفع) و هل يدفع البائع أو لا؟

او يتقابضان فى آن واحد؟ (هذا اذا كان) المشترى (موسرا قادرا على

ص: 187

احضار الثمن، فان كان معسرا كان للبائع الفسخ و الرجوع الى عين ماله كالمفلس، انتهى.

و قال فى التذكرة: توهّم قوم ان الخلاف فى البداءة بالتسليم خلاف فى ان البائع، هل له حق الحبس، أم لا؟ ان قلنا بوجوب البدأة للبائع فليس له حبس المبيع الى استيفاء الثمن، و الّا، فله ذلك.

و نازع اكثر الشافعية فيه، و

______________________________

احضار الثمن، فان كان معسرا كان للبائع الفسخ و الرجوع الى عين ماله كالمفلس) لدليل: لا ضرر.

فان لزوم البيع ضرر على البائع، فلا ضرر يرفع لزوم البيع و كذلك اذا كان المثمن كليا و لم يقدر البائع من احضاره لاعساره (انتهى) كلام الشيخ

(و قال فى التذكرة: توهّم قوم ان الخلاف فى البداءة بالتسليم خلاف فى ان البائع، هل له حق الحبس أم لا؟) فالخلافان بالنتيجة خلاف واحد، بمعنى انه (ان قلنا بوجوب البدأة للبائع) بأن يدفع المثمن أولا (فليس له حبس المبيع الى استيفاء الثمن، و الّا) بأن قلنا بعدم وجوب البدأة للبائع (فله) اى للبائع (ذلك) الحبس.

(و نازع اكثر الشافعية فيه) اى فى انه كلما قلنا بوجوب البدء على البائع نقول بعدم جواز ان يحبس المتاع، لنقض ذلك بسالبة جزئية، و هى انه قد نقول بوجوب البدء على البائع، و لا نقول بعدم جواز حبسه المتاع (و) ذلك فيما اذا خاف البائع من تعذر تسليم الثمن، فانه يجوز له الحبس للمتاع.

ص: 188

قالوا هذا الخلاف مختص بما اذا كان نزاعهما فى مجرّد البدأة، و كان كل منهما يبذل ما عليه و لا يخاف فوت ما عند صاحبه، فامّا اذا لم يبذل البائع المبيع و اراد حبسه خوفا من تعذر تحصيل الثمن، فله ذلك بلا خلاف، و كذا للمشترى حبس الثمن خوفا من تعذر تحصيل المبيع، انتهى

و قد صرح بعض آخر أيضا بعدم الخلاف فى جواز الحبس، لامتناع الآخر من التسليم.

______________________________

و الحاصل ان الشافعى اشكل فى كلية «كلما قلنا بأنه يجب البدء على البائع نقول بحرمة الحبس على البائع».

و على هذا فالشافعية (قالوا هذا الخلاف) فى البداءة بالتسليم (مختص بما اذا كان نزاعهما فى مجرّد البدأة، و كان منهما يبذل ما عليه و لا يخاف فوت ما عند صاحبه، فامّا اذا لم يبذل البائع المبيع و اراد حبسه خوفا من تعذر تحصيل الثمن، فله) اى للبائع (ذلك) اى الحبس (بلا خلاف، و كذا للمشترى حبس الثمن خوفا من تعذر تحصيل المبيع، انتهى) كلام التذكرة.

ثم لا يخفى ان قول المصنف «و قال فى التذكرة» الظاهر ان هذا مقابل لقوله السابق «ثم ان ظاهر جماعة».

فظاهر جماعة يقول بانه خلاف مستقل، و التذكرة يقول: بأنه ليس خلافا مستقلا.

(و قد صرح بعض آخر أيضا) كالشافعية (بعدم الخلاف فى جواز الحبس، لامتناع الآخر من التسليم) لما عليه.

ص: 189

و لعلّ الوجه فيه ان عقد البيع مبنى على التقابض، و كون المعاملة يدا بيد، فقد التزم كل منهما بتسليم العين مقارنا لتسليم صاحبه و التزم على صاحبه، ان لا يسلمه مع الامتناع فقد ثبت بإطلاق العقد لكل منهما حق الامتناع مع امتناع صاحبه.

فلا يرد ان وجوب التسليم على كل منهما ليس مشروطا بتحققه من الآخر

______________________________

(و لعلّ الوجه فيه) اى فى جواز الحبس مع امتناع الطرف الآخر من التسليم (ان عقد البيع مبنى على التقابض، و كون المعاملة يدا بيد) اى يعطى كل منهما بيد، و يأخذ كل منهما بيده الاخرى (فقد التزم كل منهما بتسليم العين) التى هى عليه و عنده (مقارنا لتسليم صاحبه) إليه، فالتزم البائع تسليم المثمن اذا سلّم المشترى الثمن و كذلك التزم المشترى تسليم الثمن اذا سلّم البائع المثمن (و التزم) كل منهما (على) ضرر (صاحبه، ان لا يسلمه مع الامتناع) اى مع امتناع صاحبه عن ان يسلّمه العين (فقد ثبت ب) مقتضى (اطلاق العقد) و عدم تقييده «بان يسلّمه و ان لم يسلّم صاحبه ما عليه» (لكل منهما) اى البائع و المشترى (حق الامتناع) عن تسليم ما عليه (مع امتناع صاحبه).

(فلا يرد) على من يقول «بان لكل منهما الامتناع اذا امتنع صاحبه» (ان وجوب التسليم على كل منهما) مطلق فيجب عليه التسليم، سواء سلم صاحبه أم لا.

اذ (ليس مشروطا) فى العقد (بتحققه) اى بتحقق التسليم (من الآخر).

ص: 190

فلا يسقط التكليف باداء مال الغير عن احدهما بمعصيته الآخر، و ان ظلم احدهما لا يسوغ ظلم الآخر هذا كله مع عدم التأجيل فى احد العوضين.

فلو كان احدهما مؤجلا لم يجز حبس الآخر

______________________________

و حيث انه ليس مشروطا (فلا يسقط التكليف باداء مال الغير).

فالبائع مكلف باداء المبيع الّذي هو للمشترى و المشترى مكلف باداء الثمن الّذي هو للبائع، و ان هذا التكليف لا يسقط (عن احدهما بمعصيته الآخر، و ان ظلم احدهما لا يسوغ ظلم الآخر).

اذ يرد عليه أولا: ان العقد ليس بمطلق، بل مشروط بتسليم الآخر كما عرفت-.

و ثانيا: ان ظلم الآخر يسوغ مقابلة هذا بالمثل من باب: فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ، و من باب: ادلة الاقتصاص (هذا كله) الّذي ذكرنا هل يجب البدء على البائع او يتقابضان، و هل يجوز لاحدهما الحبس فى مقابل حبس الآخر، أم لا؟ (مع عدم التأجيل فى احد العوضين) بان كان نسيئة او سلفا.

(فلو كان احدهما مؤجلا لم يجز حبس الآخر) الّذي ليس بمؤجّل.

مثلا: اذا اشتراه نسية لم يجز للبائع حبس المتاع، و اذا اشتراه سلفا لم يجز للمشترى حبس الثمن.

اللهم الا اذا علم ان الطرف لا يقدر على الاداء اطلاقا حتى فى حين الاجل، فانه لا يبعد ان يكون له حق فى الامتناع و الفسخ، بقاعدة: لا ضرر

و هنا فرع ذكره العلامة

ص: 191

قال: فى التذكرة: و لو لم يتفق تسليمه حتى حل الاجل لم يكن له الحبس أيضا.

و لعل وجهه ان غير المؤجل قد التزم بتسليمه من دون تعليق على تسليم المؤجل اصلا.

و هذا مما يؤيد ان حق الحبس ليس لمجرد ثبوت حق للحابس على

______________________________

(قال فى التذكرة: و لو لم يتفق تسليمه حتى حل الاجل لم يكن له الحبس أيضا).

مثلا: اذا كان نسيئة و كان موعد دفع الثمن بعد شهر ثم لم يتفق اعطاء البائع المتاع الى ان جاء رأس الشهر، لم يكن للبائع حق حبس المتاع انتظارا لان يدفع المشترى الثمن.

(و لعلّ وجهه) اى وجه ان ليس له حق الحبس (ان غير المؤجّل) و هو البائع فى المثال- و المؤجّل بصيغة اسم الفاعل، بمعنى ضارب الاجل- (قد التزم بتسليمه) اى تسليم الامر الّذي لا اجل فيه (من دون تعليق على تسليم المؤجل اصلا).

و لكن يحتمل ان يكون له الحق فى الحبس حينئذ، اذ معنى المؤجّل انه يسلّم الآن ليسلم عند الاجل، فاذا علم انه لا يسلّم عند الأجل لم يكن عليه التسليم.

(و هذا) الّذي ذكرناه من قولنا «و لعلّه» (مما يؤيد ان حق الحبس) فى صورة كون كل من الثمن و المثمن معجلا، بان يحبس ما عليه حتى يتسلّم ماله (ليس لمجرد ثبوت حق للحابس على

ص: 192

الآخر، فيكون الحبس بإزاء الحبس.

ثم ان مقتضى ما ذكرنا من عدم وجوب التسليم مع امتناع الآخر، و عدم استحقاق الممتنع لقبض ما فى يد صاحبه انه لو قبضه الممتنع بدون رضا صاحبه لم يصح القبض فصحة القبض باحد امرين.

اما اقباض ما فى يده لصاحبه فله حينئذ قبض ما فى يد صاحبه و لو بغير اذنه.

______________________________

الآخر، فيكون) اى حتى يكون (الحبس بإزاء الحبس) اذ لو كان لذلك لزم ان يكون له حق الحبس عند بلوغ الاجل، و انما يكون له حق الحبس فى المعجل، لاجل ان كلا منهما التزم على صاحبه ان لا يسلّمه المتاع اذا لم يسلّم صاحبه ما عليه- كما تقدم منا-.

(ثم ان مقتضى ما ذكرنا من عدم وجوب التسليم) لما عليه (مع امتناع) الطرف (الآخر، و عدم استحقاق الممتنع لقبض ما فى يد صاحبه) فلا يجب على البائع تسليم المثمن مع امتناع المشترى تسليم الثمن، لانه لا يستحق المشترى الممتنع لقبض ما فى يد البائع (انه لو قبضه الممتنع بدون رضا صاحبه) بان قبضه المشترى الممتنع لدفع الثمن جبرا على البائع (لم يصح القبض) اذ ليس له حق القبض، فان قبضه للمثمن كان مشروطا باقباضه للثمن

و عليه (فصحة القبض) منوطة (باحد امرين) فيما اذا لم يكن الطرف الآخر مؤجّلا.

(اما اقباض ما فى يده لصاحبه فله حينئذ) اى حين الاقباض (قبض ما فى يد صاحبه و لو بغير اذنه) لكن هل له ذلك بدون مراجعة الحاكم

ص: 193

و اما اذن صاحبه سواء اقبض ما فى يده أم لا، كما صرح بذلك فى المبسوط و التذكرة و صرح فيهما بان له مطالبة القابض برد ما قبض بغير اذنه لان له حق الحبس و التوثق الى ان يستوفى العوض.

و فى موضع من التذكرة انه لا ينفذ تصرفه فيه.

و مراده التصرف المتوقف على القبض كالبيع او مطلق الاستبدال.

______________________________

او بعد اذن الحاكم، احتمالان، و ان كان لا يبعد الاول اذا لم يستلزم مفسدة و نحوها، لانه حقه فالاصل عدم احتياجه الى اذن الحاكم، و لقصة اذن الرسول لهند فى ان تأخذ من مال ابى سفيان، و الاصل انه تشريع، لا اذن خاص، و لا دلة الاقتصاص، و غير ذلك.

(و اما اذن صاحبه سواء اقبض ما فى يده أم لا، كما صرح بذلك فى المبسوط و التذكرة، و صرّح فيهما ب) انه اذا قبضه الممتنع بغير اذن ف (ان له) اى لغير الممتنع (مطالبة القابض برّد ما قبض بغير اذنه).

و انما له المطالبة (لان له) اى لغير الممتنع (حق الحبس و التوثق الى ان يستوفى العوض) من الممتنع.

و معنى التوثق ان يعمل ما يوجب وثوقه بأن ماله لا يذهب بدون بدل.

(و فى موضع من التذكرة انه لا ينفذ تصرفه) اى تصرف الممتنع (فيه) اى فيما قبضه بغير اذن.

(و مراده التصرف المتوقف على القبض كالبيع او مطلق الاستبدال)

ص: 194

ثم اذا ابتدأ احدهما بالتسليم، اما لوجوبه عليه كالبائع- على قول الشيخ-، او لتبرعه بذلك، اجبر الآخر على التسليم، و لا يحجر عليه فى ما عنده من العوض،

______________________________

كالصلح و الرهن، بل و حتى غير الاستبدال، كالعتق و الهبة و الوقف.

و كان المصنف ره أراد بقوله: «و مراده» بيان اخراج التصرفات غير الناقلة، مثل استعمال اللباس و نحو ذلك.

و انما لا ينفذ تصرفه لان فى جواز تصرفه اضاعة لحق الطرف، و الاصل عدم جوازه و لو تصرف، فان دفع المتصرف ما عليه صحّ التصرف السابق و الا كان فضوليا يتوقف على الاجازة لانه متعلق حق الغير، و فى جواز وطى الأمة احتمالان، فتأمل.

(ثم اذا ابتدأ احدهما بالتسليم، اما لوجوبه) اى لوجوب الابتداء (عليه كالبائع- على قول الشيخ-) الّذي تقدم قوله بوجوب تسليم البائع أولا (او لتبرعه بذلك) اى بالابتداء (اجبر الآخر على التسليم) لأنه قد وصل حقه إليه، فاللازم ان يوصل حق الطرف إليه (و لا يحجر عليه) اى على الآخر الّذي لم يسلّم بعد (فى ما عنده من العوض) الّذي دفعه إليه المسلّم.

مثلا: اذا دفع البائع المثمن اجبر المشترى على تسليم الثمن، و لا يحجر على المشترى المثمن الّذي وصل إليه- قبل ان يدفع الثمن-

ص: 195

و لا فى مال آخر لعدم الدليل.

______________________________

(و لا) يحجر على المشترى (فى مال آخر) من امواله حجرا لاجل الاستيثاق، بأن يحجر على دار المشترى فى مقابل المثمن حجرا الى ان يدفع الثمن.

و انما لا يحجر (لعدم الدليل) على الحجر، و اللّه العالم.

ص: 196

مسئلة يجب على البائع تفريغ المبيع من امواله مطلقا، و من غيرها فى الجملة.

و هذا الوجوب ليس شرطيا بالنسبة الى التسليم، و ان اوهمه بعض العبارات، ففى غير واحد من الكتب انه يجب تسليم المبيع مفرغا.

______________________________

(مسألة: يجب على البائع تفريغ المبيع من امواله مطلقا) سواء كانت مستأجرة فى حال البيع، أم لا (و من غيرها) اى غير امواله من اموال الآخرين (فى الجملة) فيما اذا كانت مستأجرة و لم يكن المشترى عالما بذلك

اما اذا كان المشترى عالما بانها فى ايجار الغير لم يجب على البائع التفريغ، بل يصبر المشترى حتى تنتهى الاجارة، و يفرغ هو او المستأجر الدار مثلا، لا البائع.

ثم ان قوله «مطلقا» لان الدار اذا كانت مستأجرة و فيها اموال من البائع فانه يجب على البائع الافراغ اذا انتهت مدة الاجارة.

(و هذا الوجوب ليس شرطيا بالنسبة الى التسليم) فانه يمكن التسليم مع عدم الافراغ، فليس تمامية التسليم مشروطة بالافراغ (و ان اوهمه) اى ان الافراغ شرط (بعض العبارات).

و انما اوهمه لما ذكره بقوله: (ففى غير واحد من الكتب انه يجب تسليم المبيع مفرغا) فان «مفرغا» حال و الحال شرط- كما لا يخفى-.

ص: 197

و المراد ارجاع الحكم الى القيد، و الا فالتسليم يحصل بدونه، و قد تقدم عن التذكرة.

و كيف كان: فيدل على وجوب التفريغ ما دلّ على وجوب التسليم فان اطلاق العقد كما يقتضي اصل التسليم، كذلك يقتضي التسليم مفرّغا فان التسليم بدونه كالعدم بالنسبة الى غرض المتعاقدين، و ان ترتب عليه احكام تعبّدية كالدخول فى ضمان المشترى و نحوه.

______________________________

(و المراد ارجاع الحكم) و هو: يجب (الى القيد) اى يجب الافراغ كما يجب التسليم (و الا فالتسليم يحصل بدونه) اى بدون الافراغ، فليس الافراغ شرطا فى التسليم (و قد تقدم عن التذكرة) اى تقدم حصول التسليم بدون التفريغ فى الفرع الاول من قوله «فرعان» فى بيع السفينة المشحونة

(و كيف كان: فيدل على وجوب التفريغ ما دلّ على وجوب التسليم، فان اطلاق العقد كما يقتضي اصل التسليم، كذلك يقتضي التسليم مفرّغا) ف أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، يقول سلّمه مفرّغا (فان التسليم بدونه) اى بدون التفريغ (كالعدم بالنسبة الى غرض المتعاقدين) اذ غرضهما الّذي هو غرض اصلى للمشترى، و تصديق تبعى من البائع، ان يشغل المشترى المثمن بما يريد فاشغاله من قبل البائع- و لو اشغالا فى الجملة- مناف لذلك الغرض، و كذلك بالنسبة الى الثمن فيما كان متاعا (و ان ترتب عليه) اى على التسليم مشغولا (احكام تعبّدية كالدخول فى ضمان المشترى و نحوه) فاذا تلف لم يصدق انه تلف قبل القبض، حتى يكون من مال البائع.

ص: 198

فلو كان فى الدار متاع وجب نقله فورا، فان تعذر ففى اوّل ازمنة الامكان، و لو تراخى زمان الامكان و كان المشترى جاهلا كان له الخيار لو تضرر بفوات بعض منافع الدار عليه.

و فى ثبوت الأجرة لو كان لبقائه اجرة الى زمان الفراغ، وجه.

______________________________

(فلو كان فى الدار متاع وجب نقله فورا) عرفيا، لانه هو الّذي يقتضيه اطلاق العقد، لا فورا عقليا (فان تعذر) الفور العرفى (ففى اوّل ازمنة الامكان، و لو تراخى زمان الامكان) كان يكون الامكان بعد شهر- مثلا- (و كان المشترى جاهلا) بذلك التراخى، حال عقده (كان له الخيار) فيمكن ان يكون هذا الخيار خيار تخلف الشرط الضمنى فلا يحتاج الى تضرر المشترى، و يمكن ان يكون خيار الغبن اذا اوجب ذلك غبن المشترى، و يمكن ان يكون خيار العيب اذا عدّ الشي ء معيبا بهذا السبب (لو تضرر بفوات بعض منافع الدار عليه) و لو ان المشترى لا يريد الانتفاع، لما تقرر فى محلّه، من ان المراد الضرر فى نفسه، لا التضرر الفعلى.

فلو لم يرد المشترى سكنى الدار الى سنة، و كانت مشغولة فى هذه المدة، فانه ضرر فى نفسه، و ان لم يكن ضررا فعليا على المشترى.

(و فى ثبوت الاجرة) على البائع للمشترى (لو كان لبقائه اجرة الى زمان الفراغ، وجه) وجيه، حيث ان المال للمشترى فربحه له.

و يحتمل العدم من جهة ان المال عرفا لا يدخل فى حيازة المشترى الا بعد القبض، فليس له اجرته، و لكن لا يخفى ما فيه.

ص: 199

و لو كان تأخير التفريغ بتقصيره فينبغى الجزم بالاجرة كما جزموا بها مع امتناعه من اصل التسليم.

و لو كان فى الارض زرع قد احصد، وجب ازالته، لما ذكرنا، و ان لم يحصد وجب الصبر الى بلوغ او انه، للزوم تضرر البائع بالقلع.

و اما ضرر المشترى فينجبر بالخيار مع الجهل، كما لو وجدها مستأجرة.

و من ذلك يعلم عدم الأجرة

______________________________

(و لو كان تأخير التفريغ بتقصيره) اى بتقصير البائع (فينبغى الجزم بالاجرة كما جزموا بها مع امتناعه) اى امتناع البائع (من اصل التسليم) لانه تفويت لحق الناس عمدا.

(و لو كان فى الارض) المبيعة (زرع قد احصد، وجب ازالته، لما ذكرنا) من وجوب التسليم مفرّغا (و ان لم يحصد) ففيه احتمالات:

منها: انه (وجب الصبر) على المشترى (الى بلوغ او انه) و لا يجوز له قلعه (للزوم تضرر البائع بالقلع).

(و) ان قلت: و ان لم يقلع لزم تضرر المشترى فيتساقطان، و يكون المرجع اصل إباحة القلع.

قلت: (اما ضرر المشترى فينجبر بالخيار مع الجهل) أى جهل المشترى بان الارض مشغولة- حال العقد- (كما لو وجدها مستأجرة) فان له الخيار اذا كان جاهلا بذلك حال العقد.

(و من ذلك) الّذي ذكرنا ان تضرره متدارك بالخيار (يعلم عدم الاجرة

ص: 200

لانه اشترى ارضا تبين انها مشغولة، فلا يثبت اكثر من الخيار.

و يحتمل ثبوت الاجرة لانه اشترى ارضا لا يستحق عليها الاشتغال بالزرع، و المالك قد ملك الزرع غير مستحق للبقاء فيتخير بين ابقائه بالاجرة و بين قلعه لتقديم ضرر القلع على ضرر فوات منفعة الارض بالاجرة.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 16، ص: 201

______________________________

لانه اشترى ارضا تبين انها مشغولة) فالارض معيبة و المعيب فيه الخيار (فلا يثبت اكثر من الخيار) مثل الغبن فانه ليس له الارش، لاصالة عدم الارش، فتأمل.

اما مع علم المشترى بأن الارض مشغولة و اقدامه على الاشتراء فلا خيار، لانه قد اقدم على شراء المعيب كما ذكروا فى باب خيار العيب.

(و يحتمل ثبوت الاجرة لانه اشترى ارضا لا يستحق عليها) اى لا يستحق المالك على تلك الارض (الاشتغال بالزرع، و المالك قد ملك الزرع غير مستحق للبقاء) لان الانسان يستحق البقاء لمتعلقاته فى ملكه، فاذا خرج عن ملكه لم يستحق بقاء متعلقاته فى ملك الغير (فيتخير) المشترى (بين ابقائه بالاجرة و بين قلعه).

اذ المشترى له حق ايجار ملكه، كما له حق افراغ ملكه.

و انما للمشترى حق القلع و هو ضرر على البائع (لتقديم ضرر القلع) اى ان الشارع قال: لا بأس بتضرر البائع بالقلع (على ضرر فوات منفعة الارض بالاجرة) فان المشترى و ان اخذ الاجرة فانه يتضرر بعدم سيطرته الكاملة على الارض، فان اخذ الاجرة لا يرفع هذا الضرر.

ص: 201

و يحتمل تخيير المشترى بين ابقائه بالاجرة، و قلعه بالارش.

و يحتمل ملاحظة الاكثر ضررا.

______________________________

(و يحتمل تخيير المشترى بين ابقائه بالاجرة، و) بين (قلعه بالارش) اى بان يعطى الارش للبائع، و هو التفاوت بين كون الزرع ثابتا فى الارض و بين كونه مقلوعا، و ذلك لتعارض ضررين، فكل واحد منهما اضرّ صاحبه يجب عليه تدارك ضرره

فان تضرر المشترى ببقاء الزرع وجب على البائع تدارك ضرره بالاجرة

و ان تضرر البائع بالقلع وجب على المشترى تدارك ضرره بالارش.

(و يحتمل ملاحظة الاكثر ضررا) فيقدم الاقل ضررا منهما، لان دليل:

لا ضرر، حيث انه منّة فالضرر من قبيل: الضرورات تقدر بقدرها، فاللازم ان يقدر بقدره.

فاذا اجبر الحاكم ان يضر عبده اما زيدا بأخذ الف دينار منه، او عمروا بأخذ خمسمائة منه، كان اللازم على العبد تقديم الخمسمائة.

كما انه اذا اجبره بأخذ الف او خمسمائة من زيد، لزم عليه تقديم الخمسمائة.

ثم ان فى المسألة احتمالات اخر، و لكن الاقرب من الجميع انه يحق له الاقلاع بلا ارش، لوجوب الافراغ.

و اذا امكن الافراغ بلا ضرر على المشترى قدم على الفسخ، اذ لا وجه للفسخ بعد لزوم الوفاء بالعقد.

نعم اذا كان القلع ضررا على المشترى لاحتياجه الى المنازعة مع

ص: 202

و لو احتاج تفريغ الارض الى هدم شي ء هدمه باذن المشترى، و عليه طمّ ما يطمّ برضا المالك و اصلاح ما استهدم او الارش على اختلاف الموارد فان مثل قلع الباب او قلع ساجة منه اصلاحه اعادته، بخلاف هدم حائط، فان الظاهر لحوقه

______________________________

البائع الموجبة تلك المنازعة عسرا و حرجا او ضررا عليه، جاز له الفسخ لان لزوم العقد حينئذ ضرر، فدليل: لا ضرر، يرفع اللزوم، كما ذكروا ذلك فى خيار العيب و غيره.

(و لو احتاج تفريغ الارض الى هدم شي ء) كما اذا كان فى الدار صندوق كبير لا يخرج الا بهدم الباب (هدمه باذن المشترى) لانه تصرف فى ملك المشترى، فلا يجوز الا برضاه.

و لو لم يرض المشترى بالهدم، و اضرّ على تفريغ الدار- و الحال انه لا يمكن التفريغ الا بالهدم- يقدم الهدم لانقاذ مال البائع، فاذا كان فى ذلك الهدم ضررا على المشترى كان له الفسخ (و عليه) اى على البائع (طمّ ما يطمّ برضا المالك) كالحفر التى تحدث بسبب الهدم (و اصلاح ما استهدم) كارجاع الباب الى مكانه.

و انما كان عليه ذلك، لانه يجب عليه تسليم المبيع سالما الى المشترى فانه مقتضى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (او الارش) للمشترى اذا لم يكن المهدوم مثليا بل قيميا، كما اذا استلزم الاخراج كسر القاسانى الّذي لا يوجد مثله الآن (على اختلاف الموارد) بين الاصلاح و الارش (فان مثل قلع الباب او قلع ساجة منه) اى من الباب (اصلاحه اعادته) فتجب على البائع اعادته (بخلاف هدم حائط، فان الظاهر لحوقه) اى الحائط

ص: 203

بالقيمى فى وجوب الارش له.

و المراد بالارش قيمة الهدم، لا ارش العيب.

و بالجملة فمقتضى العرف الحاق بعض ما استهدم بالمثلى، و بعضه بالقيمى، و لو الحق

______________________________

(بالقيمى فى وجوب الارش له).

اذ لو اريد اعادة بناء الحائط لم يكن المبنى الجديد كالمهدوم من جميع الحيثيات.

لكن لا يخفى الاشكال فى اطلاق كون الحائط قيميا، بل الغالب انه مثلى عرفا.

(و المراد بالارش) الّذي يعطيه البائع للمشترى هى (قيمة الهدم) فالحائط المنهدم، ايّا كانت قيمته، فانه يدفعها الى المشترى (لا ارش العيب) الّذي تعيب الدار لاجل الهدم.

مثلا: قيمة الحائط عشرة دنانير، اما الدار بلا حائط فقيمتها تنزل بمقدار العشر، فاذا كانت قيمة الدار مأتين كان التفاوت عشرين، فان الواجب ان يعطى للمشترى عشرة لا العشرين.

كما اذا ضيع فردة نعل قيمتها مائة فلس، بينما الفردة الثانية تبقى قيمتها مائة فلس، و الحال انهما معا كانتا بدينار، فليس الواجب عليه اعطاء نصف دينار، فتأمل.

(و بالجملة فمقتضى العرف الحاق بعض ما استهدم بالمثلى) فالبائع يبنى مثله (و بعضه بالقيمى) فيعطى البائع قيمته (و لو الحق

ص: 204

مطلقا بالقيمى كان له وجه.

و يظهر منهم فيما لو هدم أحد الشريكين الجدار المشترك بغير اذن صاحبه، اقوال ثلاثة.

الاعادة مطلقا كما فى الشرائع و عن المبسوط.

و الارش كذلك كما عن العلامة و المحقق و الشهيد الثانيين.

______________________________

مطلقا بالقيمى كان له وجه) اذ ان البناء القديم لا يماثل الجديد فى جميع الخصوصيات مهما كانا متشابهين.

لكن الظاهر ان هذا الوجه غير تام، للاختلاف بين المثلى و القيمى عرفا.

فبعض الابنية مثلية و بعض الابنية قيمية، و المناط فى ذلك العرف و الا فالحنطة أيضا لا تشابه الحنطة الاخرى من جميع الجهات و هكذا فى سائر ما ذكروا من المثليات.

(و يظهر منهم فيما لو هدم أحد الشريكين الجدار المشترك بغير اذن صاحبه، اقوال ثلاثة) و حيث ان هذه المسألة شبيهة بما نحن فيه، فالكلام فيها ينسحب الى ما نحن فيه.

الاول: (الاعادة مطلقا كما فى الشرائع و عن المبسوط) و ذلك لان الجدار مثلى مطلقا.

(و) الثانى: (الارش كذلك) مطلقا (كما عن العلامة و المحقق و الشهيد الثانيين) لان الجديد ليس كالقديم فى المزايا و الخصوصيات مهما كانا شبيهين فى الظاهر.

ص: 205

و التفصيل بين ما كان مثليا، كحائط البساتين و المزارع، و الا فالارش كما عن الدروس.

و الظاهر جريان ذلك فى كسر الباب و الشبابيك، و فتق الثوب من هذا القبيل.

______________________________

(و) الثالث: (التفصيل بين ما كان مثليا، كحائط البساتين و المزارع و الا) يكن مثليا (فالارش) كحيطان الدور (كما عن الدروس).

و لكن الظاهر المثلية إلا نادرا كما مثلنا فيما اذا تلف القاسانى المزين به الحائط مثلا مما لم يكن مثله الآن.

(و الظاهر جريان ذلك) الخلاف و الاقوال الثلاثة (فى كسر الباب و الشبابيك، و) نحوها.

ثم ان (فتق الثوب) أيضا (من هذا القبيل) فمنه مثلى يجب رتقه، و منه قيمى يجب اعطاء قيمته.

و قد ذكرنا امثال هذه المسائل فى شرح كتاب العروة باب الاجارة فى بحث انه لو انهدم بعض الدار المستأجرة فهل على البائع ان يبنيه او عليه الارش؟ فراجع.

ص: 206

مسئلة لو امتنع البائع من التسليم فان كان لحقّ، كما لو امتنع المشترى عن تسليم الثمن، فلا اثم.

و هل عليه اجرة مدة الامتناع احتمله فى جامع المقاصد الا ان منافع

______________________________

(مسألة: لو امتنع البائع من التسليم فان كان) الامتناع (لحقّ، كما لو امتنع المشترى عن تسليم الثمن) الحال (فلا اثم) عليه فى حبسه.

و كذلك اذا لم يقدر على التسليم عقلا، كما اذا غصبه الغاصب او شرعا كما اذا كان حبلا و اخذه من يريد نجات الغريق مثلا.

و هكذا اذا امتنع المشترى من تسليم الثمن فانه قد يكون حقّا، كما انه قد يكون باطلا، و لا اشكال فى الاثم اذا كان باطلا، لانه خلاف مقتضى:

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و خلاف ادلة وجوب ايصال الحقوق الى اهلها.

(و هل عليه اجرة مدة الامتناع) الظاهر انه لا اشكال فى ان عليه الاجرة اذا كان الامتناع بالباطل، اما اذا كان بحقّ فالظاهر التفاوت بين صوره التى ذكرناها.

اما الصورة المذكورة فى المتن فقد (احتمله) اى لزوم الاجرة على البائع (فى جامع المقاصد) لان المال للمشترى ففوائده له سواء كانت اجرة او ثمرة، كما اذا اثمرت الشجرة او باضت الدجاجة او حملت الدابة او زيادة خارجية كما اذا سمنت الدابة، او زيادة اعتبارية كما اذا تعلم العبد المشترى (الا ان منافع

ص: 207

الاموال الفائتة بحقّ لا دليل على ضمانها، و على المشترى نفقة المبيع.

و فى جامع المقاصد ما اشبه هذه بمثل منع الزوجة نفسها حتى تقبض المهر فان فى استحقاقها النفقة تردّدا.

______________________________

الاموال الفائتة بحق لا دليل على ضمانها) و لذا اذا حبس دابة زيد التى يريد نقل الخمر عليها، او اغلق داره التى يريد الفجور فيها مدة من باب منع المنكر لم يكن على الناهي اجرة الدابة و الدار.

و قد فصّلنا الكلام فى ذلك فى كتاب الفقه بحث الامر بالمعروف و النهى عن المنكر، فراجع (و) هل (على المشترى نفقة المبيع) فى مدة الحبس بحقّ، احتمالات:

الاول: انه يجب عليه النفقة لانه من الذين وجبت نفقتهم عليه.

الثانى: انه لا تجب عليه نفقته، لان النفقة فى مقابل الانتفاع، فحيث لا انتفاع، فلا نفقة.

الثالث: التفصيل بين ما اذا اذن الممتنع بحق للمشترى فى الانتفاع به كما اذا قال له تعال و انتفع بالدار كانتقال الضيوف، و انتفع بالدابة كانتفاع المستأجر فعليه نفقته لان النفقة فى مقابل الانتفاع، و بين ما اذا لم ينتفع به، فلا نفقة عليه.

(و فى جامع المقاصد) قال (ما اشبه هذه) و هى مسألة منع المثمن من المشترى منعا بحقّ (بمثل منع الزوجة نفسها حتى تقبض المهر) فانه منع بحق، و مع ذلك (فان فى استحقاقها النفقة تردّدا).

من انها واجبة النفقة عليه.

ص: 208

قال: و يحتمل الفرق بين الموسر، و المعسر، انتهى.

و يمكن الفرق بين النفقة فى المقامين.

و لو طلب من البائع الانتفاع به فى يده ففى وجوب اجابته وجهان

______________________________

و من ان النفقة فى قبال التمكين، فاذا لم يكن تمكين فلا نفقة.

(قال: و يحتمل الفرق بين) الزوج (الموسر) فتجب عليه النفقة، لانه مكلف بها (و) بين (المعسر) فلا نفقة عليه، لانه لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا وُسْعَهٰا (انتهى).

و تأتى الاحتمالات فى ما اذا حبس الزوجة عن زوجها حابس ظالم من دون نشوز المرأة.

(و يمكن الفرق بين النفقة فى المقامين) ففى باب الاشتراء تجب عليه النفقة، لان النفقة لاجل الملك و هو حاصل و ان ابى البائع تسليمه، و فى باب النكاح لا تجب النفقة، لان النفقة فى قبال التمكين- و لذا لم يكن للناشزة نفقة- فحيث لا تمكين فلا نفقة.

(و لو طلب) المشترى (من البائع) الممتنع عن التسليم امتناعا بحق (الانتفاع به) اى بالمبيع (فى يده) و الحال انه فى يد البائع (ففى وجوب اجابته وجهان).

من لزوم الاجابة لانه ملك له، فمنع المالك عن ملكه لا وجه له.

و عدم لزوم الاجابة لان انتفاع المشترى من المثمن فى قبال انتفاع البائع من الثمن، فاذا لم ينتفع البائع من الثمن، فله ان يمنع انتفاع المشترى من المثمن.

ص: 209

و لو كان امتناعه لا لحق، وجب عليه الاجرة، لانه عاد.

و مقتضى القاعدة ان نفقته على المشترى.

______________________________

(و لو كان امتناعه) اى البائع (لا لحق، وجب عليه) اعطاء (الاجرة) للمشترى، لانه فوت ماله، هذا فيما اذا لم يستوف البائع الفائدة، و الا وجب عليه اعطاءها للمشترى حتى اذا كان امتناعه بحق (لانه عاد) فلا يأتى فيه ما ذكرناه هناك «من ان منافع الاموال الفائتة بحق لا دليل على ضمانها»

(و مقتضى القاعدة) اى قاعدة الخراج بالضمان (ان نفقته على المشترى).

و لا يخفى ان لهذه المسائل فروعا كثيرة و احتمالات لم يذكرها المصنف، و قد المعنا الى بعضها الماعا.

ص: 210

الكلام فى احكام القبض
اشارة

و هى التى تلحقه بعد تحققه.

مسألة:- من احكام القبض انتقال الضمان ممن نقله الى القابض،

فقبله يكون مضمونا عليه بعوضه اجماعا مستفيضا، بل محققا، و يسمى ضمان المعاوضة.

و يدل عليه قبل الاجماع: النبوى المشهور:

______________________________

(الكلام فى احكام القبض: و هى التى تلحقه بعد تحققه).

اما احكام قبل القبض و احكام نفس القبض فقد تقدم بعضها سابقا، و كما يأتى بعضها أيضا.

(مسألة:- من احكام القبض انتقال الضمان ممن نقله الى القابض) مثمنا كان او ثمنا، او مقابلا فيما اذا تقابل الشيئان بدون ان يكون احدهما ثمنا و الآخر مثمنا، كما اذا اعطى بعنوان البيع سمنا و اخذ حنطة فالظاهر انه بيع، و ان لم يكن ثمن و مثمن بل تقابل و تبادل (فقبله) اى قبل الاقباض (يكون مضمونا عليه بعوضه) فاذا تلف المثمن ضمنه البائع، بمعنى ان على البائع ان يردّ الثمن الى المشترى، لا ان يعطى المشترى قيمة المثمن (اجماعا مستفيضا، بل محققا، و يسمى) الضمان قبل الاقباض (ضمان المعاوضة) لا ضمان اليد الّذي هو مثل او قيمة.

(و يدل عليه قبل الاجماع: النبوى المشهور) المستدل عليه فى كتب الفتوى.

ص: 211

كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه.

و ظاهره بناء على جعل: من، للتبعيض انه بعد التلف يصير مالا للبائع.

لكن اطلاق المال على التالف انما هو باعتبار كونه مالا عند التلف.

و بهذا الاعتبار يصح ان يقع هو المصالح عنه اذا اتلفه الغير،

______________________________

و كفى بذلك حجية (كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه) و انما دخل الفاء على الخبر، لانه المبتدأ بمعنى «ان» الشرطية، فالمعنى «ان تلف المبيع» مثل «كل من لقيته فأكرمه».

و كلمة «من» يحتمل ان تكون «نشوية» كما ذكروا فى قوله تعالى «وَ اللّٰهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبٰاتاً» و هى التى يكون ما قبلها ناشئا و متولدا مما بعدها، و هذا بعيد، فان التلف لا ينشأ من مال البائع.

و يحتمل ان تكون تبعيضية، اى ان التالف هو بعض مال البائع.

(و ظاهره بناء على جعل: من، للتبعيض انه بعد التلف يصير مالا للبائع) لانه قال «تلف فهو من مال».

(لكن) التالف لا يكون مالا لاحد، فاللازم ان يكون (اطلاق المال على التالف انما هو باعتبار كونه مالا عند التلف) فالمبيع عند التلف بعض من مال البائع، و سمى «ما يتلف» تالفا، بمجاز المشارفة، او ما اشبه، من قبيل من قتل قتيلا فله سلبه.

(و بهذا الاعتبار) اى باعتبار كونه مالا عند التلف (يصح ان يقع هو) اى المال الّذي تلف (المصالح عنه اذا اتلفه الغير) و هو الشخص الثالث

ص: 212

لا قيمته كما صرّح به فى باب الصلح من الشرائع و التحرير.

و حينئذ فلا بدّ من ان يكون المراد بالنبوى: ان المبيع يكون تالفا من مال البائع.

و مرجع هذا الى انفساخ العقد قبل التلف آنا مّا، ليكون التالف مالا للبائع.

و الحاصل: ان ظاهر الرواية صيرورة المبيع مالا للبائع بعد التلف، لكن لما لم يتعقل ذلك تعين إرادة وقوع التلف على مال البائع

______________________________

لا البائع و لا المشترى لانه اذا اتلفه الغير تعلق هذا المال بذمة الغير، فيصالح عنه بدينار او ما اشبه (لا) ان المصالح عند (قيمته) فيما اذا كان التالف قيميا (كما صرّح به) اى بانه يصحّ ان يصالح عنه اذا اتلفه الغير (فى باب الصلح من الشرائع و التحرير).

(و حينئذ) اى حين قلنا انّ المراد كون التالف بعض مال البائع (فلا بدّ من ان يكون المراد بالنبوى: ان المبيع يكون تالفا من مال البائع).

(و) حيث لا يعقل ان يكون مال المشترى ذاهبا من كيس البائع.

ف (مرجع هذا) اى مرجع كونه تالفا من مال البائع (الى انفساخ العقد قبل التلف آنا مّا) لا اكثر من: آن، اذ لا دليل على الاكثرية، و الحال انها خلاف الاصل (ليكون التالف مالا للبائع) حقيقة.

(و الحاصل) من قولنا «و ظاهره ..» (ان ظاهر الرواية صيرورة المبيع مالا للبائع بعد التلف)- كما عرفت وجه الظهور- (لكن لما لم يتعقل ذلك) لانه لا يطلق المال بعد التلف (تعين إرادة وقوع التلف على مال البائع)

ص: 213

و مرجعه الى ما ذكره فى التذكرة، و تبعه من تأخر عنه من انه يتجدّد انتقال الملك الى البائع قبل الهلاك بجزء لا يتجزّى من الزمان.

و ربما يقال: تبعا للمسالك ان ظاهر كون المبيع التالف قبل القبض من مال البائع، يوهم خلاف هذا المعنى.

و لعله لدعوى ان ظاهر كونه من ماله كون تلفه من ماله، بمعنى كون دركه عليه، فيوهم ضمانه بالمثل و القيمة.

______________________________

فمالية البائع مقدمة على التلف.

(و مرجعه الى ما ذكره فى التذكرة، و تبعه من تأخر عنه من انه يتجدّد انتقال الملك الى البائع قبل الهلاك) اى قبل هلاك المبيع (بجزء لا يتجزّى من الزمان) ثم يهلك و هو مال البائع.

(و ربما يقال: تبعا للمسالك ان ظاهر كون المبيع التالف قبل القبض من مال البائع، يوهم خلاف هذا المعنى) الّذي ذكره العلامة فلا يدخل الملك فى ملك البائع آنا مّا، فان ذلك خلاف الظاهر العرفى.

(و لعلّه لدعوى ان ظاهر كونه من ماله)- اى من مال البائع- (كون تلفه من ماله، بمعنى كون دركه عليه) لا انه حقيقة ماله.

و اذا كان المراد ان دركه عليه (فيوهم ضمانه بالمثل و القيمة) لا بالعوض، بخلاف كلام العلامة، فان لازمه كون العوض- اى الثمن- على البائع، لانفساخ العقد، اذ لا يدخل فى مال البائع الا اذا خرج العوض عن ماله.

ص: 214

و ممّا ذكرنا من ان معنى الضمان هنا يرجع الى انفساخ العقد بالتلف و تلف المبيع فى ملك البائع و يسمى ضمان المعاوضة، لا ضمانه عليه مع تلفه من المشترى، كما فى المغصوب، و المستام و غيرهما، و يسمى ضمان اليد، يعلم ان الضمان فيما نحن فيه حكم شرعى، لا حق مالى

______________________________

(و ممّا ذكرنا من ان معنى الضمان هنا يرجع الى انفساخ العقد بالتلف) اى بسبب التلف (و تلف المبيع فى ملك البائع) «و تلف» عطف على «انفساخ» (و يسمى) تلفه فى ملك البائع (ضمان المعاوضة) اذ يجب على البائع ان يرد نفس الثمن، سواء زادت قيمة المبيع عليه، او نقصت عنه (لا ضمانه عليه) عطف على «انفساخ» و مقابل للانفساخ- و هذا مقتضى كلام المسالك- (مع) كون (تلفه من المشترى) بان يكون ذاهبا من كيس المشترى، و لكن دركه على البائع (كما فى المغصوب) فانه اذا تلف عند الغاصب يكون تلفه من المغصوب منه و لكن دركه على التالف (و المستام) اى المأخوذ بالسوم بأن أخذ المتاع من يريد اشترائه، فتلف فى يده، فان تلفه يكون من المالك و لكن دركه على المستام و هو الآخذ (و غيرهما) كما اذا اتلف انسان مال انسان آخر (و يسمى) هذا الضمان (ضمان اليد) لانه بقاعدة «على اليد ما اخذت» و يكون هذا ضمانا بالمثل فى المثلى و بالقيمة فى القيمى (يعلم) خبر لقوله «و مما ذكرنا» (ان الضمان فيما نحن فيه حكم شرعى) ابتدائى، لان الشارع حكم بذلك من دون ان يكون امضاءا لما يراه العرف، كما فى ضمان اليد، فانه امضاء شرعى لان العرف يرون ذلك قبل الشرع (لا حق مالى) كضمان اليد.

ص: 215

فلا يقبل الاسقاط.

و لذا لو أبرأه المشترى من الضمان لم يسقط، كما نص عليه فى التذكرة و الدروس، و ليس الوجه فى ذلك انه اسقاط ما لم يجب، كما قد يتخيل.

______________________________

و الحاصل: انه حكم، و ليس بحقّ، فهو من قبيل حلّية الزوجة على الزوج حكم، لا من قبيل القسم الّذي هو حق لها عليه.

و قد ذكروا ان من آثار الحق انه قابل للاسقاط، بخلاف الحكم، فانه غير قابل للاسقاط (فلا يقبل) هذا الحكم فيما نحن فيه، ل (الاسقاط)

فاذا قال البائع: ابيعك المتاع بشرط انه لو تلف عندى يكون من كيسك لا من كيسى، بطل الشرط.

(و لذا لو أبرأه) اى ابرأ البائع (المشترى من الضمان لم يسقط) و لم يبرأ (كما نص عليه) اى على انه غير قابل للاسقاط و الابراء (فى التذكرة و الدروس، و ليس الوجه فى ذلك) اى عدم صحة اسقاطه (انه اسقاط ما لم يجب) لانه قبل التلف لم يجب، فاسقاط المشترى له لا مورد له (كما قد يتخيل).

و انما قلنا «و ليس» اذ لو كان قابلا للاسقاط قبل الاسقاط و قبل التلف، لانه اعتبار، و الاعتبار خفيف المئونة، فيكون مثل تبرأ البائع من العيوب التى تحدث عند المشترى فى زمن الخيار حتى لا يلتزم بقاعدة التلف فى زمن الخيار ممن لا خيار له.

اقول: لكن الظاهر قابليته للاسقاط، لان كونه حكما خلاف الظاهر المتبادر من الاحكام المشروعة فى باب الحقوق، سواء كانت ابتدائيّات او

ص: 216

و يدل على الحكم المذكور أيضا رواية عقبة بن خالد عن ابى عبد الله عليه السلام فى رجل اشترى متاعا من رجل و اوجبه، غير انه ترك المتاع عنده و لم يقبضه، قال آتيك غدا ان شاء الله، فسرق المتاع، من مال من يكون؟ قال: من مال صاحب المتاع الّذي هو فى بيته، حتى يقبض المتاع و يخرجه من بيته، فاذا اخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد إليه ماله.

و لعل الرواية اظهر دلالة على الانفساخ قبل التلف من النبوى.

______________________________

امضائيات، اذ المنصرف- عرفا- انها حقوق لاصحابها، لا احكام شرعية بحتة.

(و) كيف كان، ف (يدل على الحكم المذكور) اى ان التلف من مال البائع (أيضا) بالإضافة الى النبوى (رواية عقبة بن خالد عن ابى عبد الله عليه السلام) سأله (فى رجل اشترى متاعا من رجل و اوجبه) أى عقد البيع (غير انه ترك المتاع عنده) اى عند البائع (و لم يقبضه، قال) البائع (آتيك غدا ان شاء الله، فسرق المتاع، من مال من يكون؟ قال) عليه السلام (من مال صاحب المتاع الّذي هو) اى المتاع (فى بيته، حتى يقبض المتاع و يخرجه من بيته، فاذا أخرجه من بيته) اى أوصله الى المشترى (فالمبتاع) و هو المشترى (ضامن لحقه) اى حق البائع، و هو الثمن (حتى يرد إليه) اى الى البائع (ماله) و هو الثمن.

(و لعلّ الرواية اظهر دلالة على الانفساخ) لا كون الدرك على البائع (قبل التلف من النبوى) فان قوله عليه السلام «فاذا اخرجه فالمبتاع

ص: 217

و كيف كان، فلا خلاف فى المسألة اعنى بطلان البيع عند التلف لا من اصله لان تقدير مالية البائع قبل التلف مخالف لاصالة بقاء العقد.

و انما احتيج إليه لتصحيح ما فى النص من الحكم بكون التالف من مال البائع، فيرتكب بقدر الضرورة و يترتب على ذلك كون النماء قبل التلف للمشترى.

______________________________

ضامن» يراد به ضمان المعاوضة، و مفهومه انه اذا لم يخرجه فليس المبتاع ضامن ضمان المعاوضة، و عدم ضمان المعاوضة، معناه الفسخ.

(و كيف كان، فلا خلاف فى المسألة اعنى بطلان البيع عند التلف) ف (لا) يكون البطلان (من اصله) بل من حين التلف، فاذا عقد صباحا و تلف عصرا فالانفساخ يكون فى العصر.

و انما نقول بعدم البطلان من الصبح- حتى يكون وجود العقد كعدمه- (لان تقدير مالية البائع قبل التلف مخالف لاصالة بقاء العقد) الى حين التلف.

(و انما احتيج إليه) اى الى الانفساخ عصرا حين التلف (لتصحيح ما فى النص من الحكم بكون التالف من مال البائع، فيرتكب) الانفساخ (بقدر الضرورة) و هو من حين التلف (و يترتب على ذلك) الّذي ذكرنا من ان الانفساخ من حين التلف (كون النماء) للمثمن (قبل التلف للمشترى)

فاذا اشترى دجاجة صباحا، و تلفت عصرا، و باضت بين ذلك فالبيض للمشترى، و كذلك نماء الثمن فى هذا الاثناء للبائع.

ص: 218

و فى معناه الركاز الّذي يجده العبد و ما وهب منه فقبله و قبضه، او اوصى له به فقبله، كما صرح به فى المبسوط و التذكرة، و صرّح العلامة بان مئونة تجهيزة لو كان مملوكا على البائع.

و هو مبنى على ثبوت الملك التحقيقى قبل التلف، لا مجرد تقدير الملك الّذي لا بد فيه من الاقتصار على الحكم الثابت المحوج الى ذلك التقدير، دون ما عداه من باقى آثار المقدر.

______________________________

(و فى معناه) اى فى معنى النماء (الركاز) اى الكنز (الّذي يجده العبد) فيما اذا اشترى عبدا و وجد العبد كنزا قبل قبضه، ثم مات العبد قبل القبض، فان الركاز للمشترى، لانه من توابع العبد (و ما وهب منه) اى من المال، (فقبله) العبد (و قبضه) اذ: الهبة تحتاج الى القبض (او اوصى له) اى للعبد (به) اى بمال (فقبله) ثم مات العبد قبل القبض، فان كل ما ملكه يكون للمشترى (كما صرح به فى المبسوط و التذكرة، و صرح العلامة بان مئونة تجهيزة لو كان مملوكا على البائع) لانه مات فى ملك البائع، لفرض انفساخ العقد قبل موته آنا مّا.

(و) لكن (هو) اى هذا الكلام من العلامة (مبنى على ثبوت الملك التحقيقى) للبائع (قبل التلف، لا مجرد تقدير الملك الّذي لا بد فيه) اى فى الملك التقديرى (من الاقتصار على الحكم الثابت المحوج) اى المحتاج (الى ذلك التقدير).

فالحكم الثابت المقطوع هو كون تلفه من كيس البائع (دون ما عداه) من مئونة التجهيز و نحوه (من باقى آثار) الملك (المقدر) للبائع.

ص: 219

الا ان يقال: بان التلف من البائع يدل التزاما على الفسخ الحقيقى

ثم انه يلحق بالتلف تعذّر الوصول إليه عادة مثل سرقته على وجه لا يرجى عوده، و عليه تحمل رواية عقبة المتقدمة.

قال فى التذكرة: وقوع الدرة فى البحر قبل القبض كالتلف، و كذا انفلات الطير و الصيد المتوحش.

و لو غرّق البحر الارض المبيعة او وقع عليها صخور عظيمة من جبل او كسيها

______________________________

و الحاصل ان القدر الثابت من الادلة ان الشي ء يدخل فى ملك البائع و يتلف فيه.

اما ترتب سائر احكام الملك على البائع، فلا دليل عليه.

(الا ان يقال: بان) كون (التلف من البائع يدل التزاما على الفسخ الحقيقى) لا الفسخ الحكمى، فاذا كان فسخ حقيقى ترتبت عليه سائر آثار الملك أيضا، فالتجهيز على البائع و كسرات السفينة مثلا للبائع.

(ثم انه يلحق بالتلف تعذّر الوصول إليه عادة مثل سرقته على وجه لا يرجى عوده) اذ هو تلف عرفا، بالإضافة الى النص على السرقة فى الرواية المتقدمة (و عليه) ان كون السرقة بحيث لا يرجى عود المسروق (تحمل رواية عقبة المتقدمة) بل هو الظاهر، لان السرقة غالبا يرجى عودها.

(قال فى التذكرة وقوع الدرة فى البحر قبل القبض كالتلف، و كذا انفلات الطير و الصيد المتوحش) الّذي لا يعود و لا يمكن اخذه.

(و لو غرّق البحر الارض المبيعة) غرقا لا يمكن طمّه (او وقع عليها صخور عظيمة من جبل) او بر كان لا يمكن ازالتها (او كسيها

ص: 220

رمل، فهى بمثابة التلف او يثبت به الخيار، للشافعية وجهان، أقواهما الثانى.

و لو ابق العبد قبل القبض اوضاع فى انتهاب العسكر لم ينفسخ البيع لبقاء المالية و رجاء العود، انتهى.

و فى التذكرة أيضا: لو هرب المشترى قبل وزن الثمن، و هو معسر مع عدم الاقباض.

احتمل ان يملك البائع الفسخ فى الحال، لتعذر استيفاء الثمن.

______________________________

رمل، فهى بمثابة التلف) يوجب انفساخ العقد، لانه تلف عرفا، فيشمله النبوى و الرواية (او يثبت به الخيار) فالمشترى مخير بين الفسخ و الامضاء (للشافعية وجهان، أقواهما) عنده (الثانى) و هو انه يثبت به الخيار.

(و لو ابق العبد قبل القبض، اوضاع فى انتهاب العسكر) للبلد، (لم ينفسخ البيع لبقاء المالية) فانه يمكن عتق العبد الآبق و الضائع عن الكفارة او بيعه بضميمة (و رجاء العود) و كلّما يرجى عوده رجاء عقلائيا لم يعد تالفا عند العرف (انتهى) كلام العلامة.

(و فى التذكرة أيضا: لو هرب المشترى قبل وزن الثمن، و هو) اى المشترى (معسر مع عدم الاقباض) اى لم يقبض البائع المثمن للمشترى.

(احتمل ان يملك البائع الفسخ فى الحال، لتعذر استيفاء الثمن) لفرض اعسار المشترى، فلزوم البيع ضرر على البائع، فيشمله دليل: لا ضرر، و يرفع لزومه كما ذكروا ذلك فى خيار العيب.

ص: 221

و الصبر ثلاثة ايام للرواية.

و الاول اقوى لورودها فى الباذل.

و ان كان موسرا، اثبت البائع ذلك عند الحاكم، ثم ان وجد له مالا قضاه، و الا باع المبيع و قضى منه، و الفاضل للمشترى، و المعوز عليه، انتهى.

______________________________

(و) احتمل (الصبر ثلاثة ايام) فان لم يأت بالثمن فسخه (للرواية) الدالة على ان المدة ثلاثة ايام، فاذا انتهى و لم يأت الطرف بما عليه كان لذى الحق الفسخ، فان الرواية و ان لم تكن فى هذه المسألة الا انها تشمل المقام بالمناط.

(و الاول) و هو انه يملك الفسخ فى الحال (اقوى) و الرواية لا تشمل المقام (لورودها فى الباذل).

فان فى صحيحة زرارة عن ابى جعفر عليه السلام فيقول- اى المشترى- آتيك بثمنه، و الحال ان مسألتنا فى هروب المشترى.

(و ان كان) المشترى (موسرا، اثبت البائع ذلك) اى يسار المشترى (عند الحاكم، ثم ان وجد له مالا قضاه) اى اخذه بقضاء الحاكم (و الا) يجد له مالا، و ان كان موسرا، بان لم يكن له مال حاضر (باع) الحاكم (المبيع و قضى منه) ثمن المبيع من باب التقاص (و الفاضل) من المبيع (للمشترى) لان المبيع مال المشترى، و لا حق للبائع فى اكثر من ثمنه (و المعوز) بان كان قيمة المبيع اقل من الثمن المقرر (عليه) اى على المشترى اذا وجده أخذ منه (انتهى) كلام العلامة.

ص: 222

و فى غير موضع مما ذكره تأمّل.

ثم ان ظاهر كثير من الاصحاب انه لا يعتبر فى القبض المسقط للضمان وقوعه صحيحا جامعا لما يعتبر فيه، فلو وقع بغير اذن ذى اليد، كفى فى رفع الضمان، كما صرح به فى التذكرة و الدروس و غيرهما

______________________________

(و فى غير موضع مما ذكره تأمّل).

احدها: انه ذكر وزن الثمن، و الحال انك قد عرفت انه ليس المهمّ الوزن، فالهروب بعد الوزن و قبل القبض حاله كذلك أيضا.

و ثانيها: الترديد فى ان المذكورات بمثابة التلف او يثبت بها الخيار، و الحال انها تلف عرفا فلا وجه للترديد.

و ثالثها: قوله «لورودها فى الباذل» مع ان بعض الروايات مثل رواية ابن يقطين مطلقة، و لا وجه لحملها على الصحيحة، اذ لا تنافى بينهما الى غير ذلك من الموارد التى يمكن التأمل فيها.

(ثم ان ظاهر كثير من الاصحاب انه لا يعتبر فى القبض المسقط للضمان وقوعه) اى وقوع القبض (صحيحا جامعا لما يعتبر فيه) مما اشرنا إليها سابقا (فلو وقع) القبض (بغير اذن ذى اليد، كفى فى رفع الضمان) اذ لا يشمله قوله صلى اللّه عليه و آله: «التلف قبل القبض من مال بايعه» (كما صرح به فى التذكرة و الدروس و غيرهما).

و ذلك لانّ ما دل على كون القبض باذن ذى اليد، ليس عاما شاملا لما نحن فيه، فاللازم ابقاء النبوى على اطلاقه، كما ذكروا مثل ذلك فى حرمة نكاح من خلقت من ماء الزانى، لصدق البنت عليها، و ان دليل: للعاهر

ص: 223

و لو لم يتحقق الكيل و الوزن بناء على اعتبارهما فى قبض المكيل، ففى سقوط الضمان بمجرد نقل المشترى قولان.

قال فى التذكرة فى باب بيع الثمار انه لو اشترى طعاما مكايلة، فقبض جزافا، فهلك فى يده، فهو من ضمان المشترى لحصول القبض.

و ان جعلنا الكيل شرطا فيه، فالاقرب انه من ضمان البائع،

______________________________

الحجر، لا يشمل مثل هذا المقام.

و الحاصل انه اذا تصرف الشارع فى لفظ، بالزيادة و النقصان، فالتصرف خاص بمورد الحكم الّذي كان ذلك اللفظ موضوعا له، لا لكل حكم حكم الشارع به على ذلك اللفظ، اذ الخروج عن المفهوم العرفى مختص بمورده (و لو لم يتحقق الكيل و الوزن) فى المبيع الّذي يكون مكيلا او موزونا (بناء على اعتبارهما فى قبض المكيل) حتى ان القبض بدونهما كلا قبض (ففى سقوط الضمان) عن البائع (بمجرّد نقل المشترى) للمتاع الى بيته- لانه لا يصدق عليه النبوى «قبل القبض» فانه قد قبض- (قولان).

من انه قبض عرفى فالضمان ساقط.

و من انه كلا قبض، اذ الشارع اشترط الكيل فالضمان باق.

(قال فى التذكرة فى باب بيع الثمار انه لو اشترى طعاما مكايلة، فقبض جزافا) بدون الكيل (فهلك) الطعام (فى يده) اى فى يد القابض و هو المشترى (فهو من ضمان المشترى لحصول القبض) هذا اذا لم نشترط الكيل فى القبض.

(و) لكن (ان جعلنا الكيل شرطا فيه، فالاقرب انه من ضمان البائع)

ص: 224

انتهى.

و قد تقدم عن جامع المقاصد سقوط الضمان هنا بناء على اشتراط الكيل فى القبض، و لا يخلو عن قوة.

و هل يكتفى بالتخلية- على القول بعدم كونها قبضا- فى سقوط الضمان، قولان، لا يخلو السقوط من قوة، و ان لم نجعله قبضا.

______________________________

لان القبض كلا قبض حيث لا كيل، و الكيل مقوّم للقبض (انتهى) كلام التذكرة

(و قد تقدم عن جامع المقاصد) عكس كلام التذكرة، حتى افتى ب (سقوط الضمان هنا) فيما اذا اخذه بلا كيل (بناء على اشتراط الكيل فى القبض) اذ قد حصل القبض العرفى و هو كاف فى عدم انطباق النبوى «التلف قبل القبض من مال بائعه» على المورد، فالبائع ليس بضامن (و لا يخلو) كلام جامع المقاصد (عن قوة) لما تقدم.

(و هل يكتفى بالتخلية- على القول بعدم كونها قبضا-) بل القبض:

الاعطاء او الكيل (فى سقوط الضمان، قولان).

قول بانه ليس بقبض فلا وجه لسقوط الضمان.

و قول بأنه بمنزلة القبض، فاللازم سقوط ضمان البائع (لا يخلو السقوط من قوة، و ان لم نجعله قبضا) اى لم نجعل التخلية، قبضا.

و وجه القوة ان المنصرف من ادلة الضمان كون المتاع تحت سلطة البائع، اما اذا خرج عن سلطته، فاللازم العمل بمقتضى القاعدة، و هو ان المال يذهب من كيس المشترى المالك له.

و لكن فيه نظر، لان الحكم معلق بالقبض و قد فرض انه لم يحصل.

ص: 225

و كذا الكلام فيما لو وضع المشترى يده عليه و لم ينقله بناء على اعتبار النقل فى القبض هذا كله حكم التلف السماوى.

و اما الاتلاف، فاما ان يكون من المشترى، و اما ان يكون من البائع، و اما ان يكون من الاجنبى.

فان كان من المشترى فالظاهر عدم الخلاف فى كونه بمنزلة القبض فى

______________________________

(و كذا الكلام) فى وجود احتمالين و هما سقوط الضمان، و عدم سقوط الضمان (فيما لو وضع المشترى يده عليه و لم ينقله بناء على اعتبار النقل فى القبض).

فحيث لم يأت بشرط القبض، فلا قبض، و التلف من مال البائع.

و حيث وضع يده عليه و هو قبض عرفا، فقد حصل القبض فالتلف من المشترى (هذا كله حكم التلف السماوى) اى الّذي ليس يضمنه انسان.

(و اما الاتلاف، فاما ان يكون من المشترى، و اما ان يكون من البائع و اما ان يكون من الاجنبى).

و اما اتلاف الحيوان، سواء كان نفس الحيوان المبيوع، كما لو اكل الدينار الورق الّذي بيع به، او غيره، سواء كان المتلف هو الثمن كما لو كان الحيوان ثمنا او المثمن- لما يأتى من ان حكم التلف قبل القبض جار فى الثمن أيضا- فهو ليس بخارج عن الاقسام السابقة، اذ لو كان اتلاف الحيوان مضمونا لانسان كان داخلا فى الاقسام الثلاثة الاخيرة، و ان لم يكن مضمونا لانسان، كان من اقسام التلف السماوى.

(فان كان من المشترى فالظاهر عدم الخلاف فى كونه بمنزلة القبض فى

ص: 226

سقوط الضمان لانه قد ضمن ماله باتلافه.

و حجّته الاجماع لو تمّ، و الا فانصراف النص الى غير هذا التلف، فيبقى تحت القاعدة.

قال فى التذكرة هذا اذا كان المشترى عالما.

و ان كان جاهلا بأن قدم البائع الطعام المبيع الى المشترى، فأكله، هل يجعل قابضا.

______________________________

سقوط الضمان) عن البائع، فلا يشمله النبوى «التلف قبل القبض» (لانه) اى المشترى (قد ضمن ماله) اى مال نفسه (باتلافه).

(و حجّته) اى الدليل على هذا الحكم (الاجماع لو تم، و الا) يتم الاجماع (ف) نقول دليله: (انصراف النصّ) النبوى صلى الله عليه و آله و سلّم (الى غير هذا) القسم من (التلف، فيبقى) هذا القسم من التلف (تحت القاعدة) و هى: قاعدة اليد.

(قال فى التذكرة هذا) الّذي ذكرناه من كون اتلاف المشترى يوجب عدم الضمان فيما (اذا كان المشترى عالما) بانه ماله و اتلفه، سواء كان بوضع اليد عليه، او برميه مثلا بحجر، فانّ قاعدة: اليد، تشمل ذلك أيضا و لو بالمناط و نحوه.

(و ان كان جاهلا) بانه ماله و اتلفه (بان قدم البائع الطعام المبيع الى المشترى فاكله) ف (هل يجعل) المشترى (قابضا) حتى لا يكون ضمانه على البائع؟

ص: 227

الاقرب انه لا يصير قابضا، و يكون بمنزلة اتلاف البائع، ثم مثل له بما قدم المغصوب الى المالك فاكله.

اقول: هذا مع غرور البائع لا بأس به.

اما مع عدم الغرور

______________________________

(الاقرب انه لا يصير قابضا) بذلك (و يكون) اتلاف المشترى الجاهل له (بمنزلة اتلاف البائع، ثم مثل له) اى لاتلاف المشترى الموجب لعدم ضمانه و انما يضمن البائع (بما اذا قدم) الغاصب الشي ء (المغصوب الى المالك) بعنوان انه مال الغاصب و جهل المالك انه مال نفس المالك (فاكله) فانه لا يخرج الغاصب عن الضمان.

(اقول: هذا) الّذي ذكره العلامة من عدم ضمان المشترى الجاهل (مع غرور البائع) اى غارا للمشترى (لا بأس به) لقاعدة: المغرور يرجع الى من غرّ، و كذلك فى مسألة تقديم الغاصب الطعام الى المالك.

و لا فرق فى ذلك بين ان يكون البائع عالما بانه مال نفسه، او بانه مال المشترى، أو لا يعلم اصلا.

اذ المغرور لا يلزم ان يكون عن عمد و قصد من الغارّ- كما ذكروا فى موضعه لاطلاق: من غرّ، على الجميع-.

(اما مع عدم الغرور) بان كان المشترى المتلف جاهلا بانه ماله، و كان ذلك التلف بدون تغرير البائع له، كما اذا اتلفه المشترى بدون تقديم البائع له، و قد كان المشترى جاهلا بانه ماله.

مثلا: لو ورد فى بيت البائع الصديق له، فاكل المبيع بعنوان جواز

ص: 228

ففى كونه كالتلف السّماوى، وجهان.

و لو صال العبد على المشترى، فقتله دفعا ففى التذكرة ان الاصلح انه لا يستقر عليه الثمن.

و حكى عن بعض الشافعية الاستقرار، لانه قتله فى عرض نفسه.

______________________________

الاكل من بيت الصديق (ففى كونه كالتلف السماوى) فيضمنه البائع، أو لا فلا يضمنه (وجهان).

من ان المشترى المتلف كان جاهلا فادلة «التلف قبل القبض شاملة له» و من ان المشترى هو الّذي اتلف مال نفسه فلما ذا يكون الضمان على البائع، و الادلة منصرفة عن مثله.

(و لو صال العبد) الّذي اشتراه المشترى (على المشترى، فقتله) المشترى (دفعا) عن نفسه، فقد اتلف المشترى العبد، و كان اتلافه له بامر الشارع، لان الشارع امر بالدفع لمن خاف على نفسه (ففى التذكرة ان الاصح انه لا يستقر عليه الثمن) لشمول «التلف قبل القبض من مال بايعه» له.

(و حكى عن بعض الشافعية الاستقرار) فلم يتلف العبد من كيس البائع، بل من كيس المشترى (لانه) اى المشترى (قتله فى عرض نفسه) فهو مثل ان يأكل المشترى الطعام عمدا.

اقول: لكن الاقرب قول العلامة، و مثله ما اذا اراد العبد عرض المشترى او ماله، فقتله دفاعا، او قتله من باب النهى عن المنكر، هذا كله فى اتلاف المشترى له.

ص: 229

و لو اتلفه البائع ففى انفساخ البيع كما عن المبسوط و الشرائع و التحرير، لعموم التلف، فى النصّ، لما كان باتلاف حيوان او انسان او كان بآفة، او ضمان البائع للقيمة، لخروجه عن منصرف دليل الانفساخ فيدخل تحت قاعدة: اتلاف مال الغير او التخيير بين مطالبته بالقيمة او بالثمن.

اما لتحقق سبب الانفساخ و سبب الضمان فيتخير

______________________________

(و) اما القسم الثالث من الاتلاف فيما (لو اتلفه البائع ففى انفساخ البيع) من حين التلف (كما عن المبسوط و الشرائع و التحرير، لعموم) دليل: (التلف فى النصّ) و هو كل مبيع تلف قبل قبضه (لما كان باتلاف حيوان او انسان او كان بآفة) سماوية (او) عدم الانفساخ، و (ضمان البائع للقيمة) فى القيمى و للمثل فى المثلى، سواء كانت القيمة اقل من الثمن او اكثر او مساويه (لخروجه) اى خروج هذا الفرع، و هو اتلاف البائع للمبيع (عن منصرف دليل الانفساخ).

اذ دليل الانفساخ ينصرف الى غير صورة اتلاف البائع، فصورة اتلاف البائع لا يشملها «كل مبيع تلف قبل قبضه» بل المبيع اصبح للمشترى و قد اتلفه البائع (فيدخل تحت قاعدة: اتلاف مال الغير) اى قاعدة «على اليد ما اخذت» و «من اتلف مال الغير فهو له ضامن» (او التخيير) للمشترى (بين مطالبته) اى مطالبة البائع (بالقيمة) بان يمضى المشترى العقد (او بالثمن) بان يفسخ المشترى العقد.

و انما كان مخيرا (اما لتحقق) كل من (سبب الانفساخ) و هو «كل مبيع تلف قبل قبضه» (و سبب الضمان) و هو «على اليد ما اخذت» (فيتخير

ص: 230

المالك فى العمل باحدهما.

و اما لان التلف على هذا الوجه اذا خرج عن منصرف دليل الانفساخ لحقه حكم تعذر تسليم المبيع، فيثبت الخيار للمشترى، لجريان دليل تعذر التسليم هنا، و هذا هو الاقوى و اختاره فى التذكرة و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و غيرها، و عن حواشى الشهيد نسبته الى اصحابنا العراقيين.

فان اختار المشترى القيمة فهل للبائع حبس القيمة على الثمن؟

______________________________

المالك فى العمل باحدهما) لانهما دليلان متزاحمان، فالاختيار بيد المالك فى اعمال ايّهما شاء.

(و اما لان التلف على هذا الوجه) اى باتلاف البائع للمبيع (اذا خرج عن منصرف دليل الانفساخ) اى منصرف «التلف قبل القبض من مال بائعه» (لحقه حكم تعذر تسليم المبيع، فيثبت الخيار للمشترى، لجريان دليل تعذر التسليم هنا).

و حينئذ فان اختار الامضاء فالقيمة، و ان اختار الفسخ فالثمن (و هذا هو الاقوى و اختاره فى التذكرة و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و غيرها، و عن حواشى الشهيد نسبته الى اصحابنا العراقيين) و هم: علماء الحلّة.

(فان اختار المشترى القيمة) بان امضى البيع (فهل للبائع حبس القيمة) التى يجب ان يعطيها للمشترى عوض المبيع (على الثمن؟) الّذي يجب على المشترى ان يعطيه للبائع، أم ليس له ذلك؟

ص: 231

وجهان.

من انها بدل عن العين.

و من ان دليل الحبس و هو الانفهام من العقد يختص بالمبدل، اقواهما العدم.

و لو قبض المشترى بغير اذن البائع، حيث يكون له الاسترداد فاتلفه البائع فى يد المشترى، ففى كونه كاتلافه قبل القبض فيكون فى حكم الاسترداد

______________________________

(وجهان).

(من انها بدل عن العين) فيجوز الحبس.

(و من ان دليل الحبس و هو الانفهام من العقد) فان المفهوم من العقد ان لكل منهما حبس ما عليه حتى يصل إليه ما على صاحبه- كما تقدم فى وجه الحبس- (يختص بالمبدل) الّذي هو المثمن، فسحبه الى الثمن خلاف الاصل (اقواهما العدم) اى عدم جواز حبس القيمة على الثمن.

لكن مقتضى كون القيمة بدلا ان لها احكام المبدل منه، و من تلك الاحكام جواز الحبس.

(و لو قبض المشترى) المتاع (بغير اذن البائع، حيث يكون له) اى للبائع (الاسترداد).

و ذلك فيما اذا لم يقبض البائع الثمن، فقد تقدم ان للبائع ان يسترد متاعه و يبقيه عنده الى ان يعطيه المشترى الثمن (فاتلفه البائع فى يد المشترى ففى كونه كاتلافه) اى كما اتلفه البائع (قبل القبض) يذهب من كيس البائع (فيكون) الاتلاف (فى حكم الاسترداد).

ص: 232

كما ان اتلاف المشترى فى يد البائع بمنزلة القبض، او كونه اتلافا له بعد القبض موجبا للقيمة لدخول المبيع فى ضمان المشترى بالقبض و ان كان ظالما، فيه وجهان.

اختار اولهما فى التذكرة و لو اتلفه اجنبى جاء الوجوه الثلاثة المتقدمة.

______________________________

فحاله (كما ان اتلاف المشترى فى يد البائع بمنزلة القبض) على ما تقدم، و على هذا فاذا اتلفه البائع كان فسخا للعقد (او كونه اتلافا له بعد القبض موجبا للقيمة) او المثل، و لا ينفسخ العقد (لدخول المبيع فى ضمان المشترى بالقبض و ان كان) المشترى (ظالما، فيه) اى فى هذا القبض لانه اخذ المتاع بدون ان يعطى الثمن للبائع (وجهان).

(اختار اولهما فى التذكرة) و ذلك لان قبضه غير مشروع، فهو كلا قبض.

و اختار آخر: الثانى، لما تقدم من انه قبض عرفا، و ذلك كاف فى عدم صدق «التلف قبل القبض من مال مالكه».

و حيث تقدم الكلام فى اتلاف السماء و اتلاف البائع و اتلاف المشترى نقول: (و لو اتلفه اجنبى جاء الوجوه الثلاثة المتقدمة) و هى:

الاول: انفساخ البيع لقاعدة «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه».

و الثانى: بقاء العقد و ضمان البائع للقيمة لانصراف النص المذكور الى التلف السماوى.

ص: 233

الا ان المتعين منها هو التخيير، لما تقدم.

و لو لا شبهة الاجماع على عدم تعين القيمة، تعين الرجوع إليها بعد فرض انصراف دليل الانفساخ الى غير ذلك.

______________________________

و الثالث: تخيير المشترى بين الفسخ و مطالبة البائع بالمثمن، و بين الامضاء و مطالبة البائع بالمثل او القيمة.

(الا ان المتعين منها) لدى المصنف (هو التخيير، لما تقدم) من قولنا قبل اسطر «و اما لان التلف على هذا الوجه .. الخ».

لكن الظاهر شمول دليل «كل مبيع تلف قبل قبضه» للمقام، و لا وجه للانصراف.

(و لو لا شبهة الاجماع على عدم تعين القيمة) فى اتلاف الاجنبى بل الفقهاء بين قائل بالتخيير، و بين قائل بالفسخ (تعين الرجوع إليها) اى الى القيمة فاذا اتلفه الاجنبى عند البائع، كان للمشترى الرجوع الى البائع بالقيمة (بعد فرض انصراف دليل الانفساخ) اى دليل «كل مبيع تلف قبل قبضه» (الى غير ذلك) كالتلف السماوى و نحوه.

و لو اتلف المبيع بعضه بعضه، كما اذا كانت اغناما فنطحت بعضها بعضا فتلفت، فلا بأس بالقول بشمول دليل «كل مبيع تلف قبل قبضه» له و اتلاف الحاكم الشرعى له- كما اذا جنى العبد او فعل ما يوجب القتل- فهو فى حكم تلف الاجنبى.

ص: 234

مسئلة تلف الثمن المعين قبل القبض، كتلف المبيع المعين فى جميع ما ذكر

كما صرح فى التذكرة و هو ظاهر عبارة الدروس حيث ذكر: ان بالقبض ينتقل الضمان الى القابض، بل الظاهر انه مما لا خلاف فيه.

قال فى المبسوط: لو اشترى عبدا بثوب، و قبض العبد و لم يسلّم الثوب فباع العبد صحّ بيعه، و اذا باعه و سلّمه ثم تلف الثوب، انفسخ البيع

______________________________

(مسألة: تلف الثمن المعين قبل القبض، كتلف المبيع المعين فى جميع ما ذكر) من المسائل.

و انما قال «المعين» لاخراج غير المعين، سواء كان كليا ذهنيا او كليا فى المعين.

فاذا اشترى صاعا مطلقا، فانه لا يتصور تلفه.

و اذا اشترى صاعا فى صبرة خارجية فلا يتلف الصاع بتلف البعض اذا بقى فى الصبرة بمقدار الصاع (كما صرّح) به (فى التذكرة و هو ظاهر عبارة الدروس حيث ذكر: ان بالقبض ينتقل الضمان الى القابض) فانه شامل لكل من البائع و المشترى (بل الظاهر انه مما لا خلاف فيه) لانه ارسله غير واحد من الفقهاء ارسال المسلّمات.

(قال فى المبسوط: لو اشترى عبدا بثوب، و قبض العبد و لم يسلّم الثوب، فباع) المشترى (العبد صحّ بيعه، و اذا باعه و سلّمه ثم تلف الثوب) قبل تسليمه الى البائع الّذي اخذ منه العبد (انفسخ البيع) اى البيع

ص: 235

و لزمه قيمة العبد لبائعه، لانه لا يقدر على ردّه، انتهى.

و فى باب الصرف من السرائر نظير ذلك، و قد ذكر هذه المسألة أيضا فى الشرائع و كتب العلامة و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و غيرها اعنى مسألة من باع شيئا معينا بشي ء معين ثم بيع احدهما ثم تلف الآخر و حكموا بانفساخ البيع الاول، و قد صرحوا بنظير ذلك فى باب الشفعة أيضا

______________________________

الاول- لانه تلف للثمن قبل قبض البائع له- (و لزمه قيمة العبد لبائعه) و لا يرد نفس العبد (لانه لا يقدر على ردّه) لانه باع العبد و خرج عن ملكه فلا يتمكن من ابطال عقده على العبد (انتهى) كلام المبسوط.

(و فى باب الصرف من السرائر نظير ذلك، و قد ذكر هذه المسألة) و هى مسألة تلف الثمن قبل القبض، من كيس البائع (أيضا فى الشرائع و كتب العلامة و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و غيرها اعنى) بهذه المسألة (مسألة من باع شيئا معينا بشي ء معين ثم بيع احدهما) مثمنا كان المبيع او ثمنا- فى البيع الثانى- (ثم تلف الآخر) الّذي لم يجر عليه بيع ثان (و حكموا بانفساخ البيع الاول) و هذا يدل على ان تلف الثمن قبل القبض أيضا يوجب الانفساخ (و قد صرحوا بنظير ذلك فى باب الشفعة أيضا).

فان الشفيع اذا اخذ حصة شريكه بثوب مثلا، ثم باع حصة الشريك ثم تلف الثوب و هو الثمن، انفسخ البيع الّذي اشترى به حصة الشريك، و لزم على الشفيع ان يعطى لمن اشترى منه الحصة قيمة الحصة لا الثوب- الثمن-.

ص: 236

و بالجملة: فالظاهر عدم الخلاف فى المسألة.

و يمكن ان يستظهر من رواية عقبة المتقدمة، حيث ذكر فى آخرها ان المبتاع ضامن لحقه حتى يرد إليه ماله بناء على عود ضمير الحق الى البائع

______________________________

(و بالجملة: فالظاهر عدم الخلاف فى المسألة) و هى مسألة انه «لو تلف الثمن قبل قبضه كان من مال المشترى».

(و يمكن ان يستظهر) هذا الحكم (من رواية عقبة المتقدمة، حيث ذكر فى آخرها ان المبتاع) المشترى (ضامن لحقه) اى لحق البائع، و هو الضامن للثمن (حتى يرد) المبتاع (إليه) اى الى البائع (ماله) و هو الثمن (بناء على عود ضمير الحق) اى فى قوله «لحقه» (الى البائع) كما هو الظاهر.

و معنى ذلك ان المشترى ما دام لم يسلّم الى البائع الثمن، فهو ضامن له، فاذا تلف كان من كيس المشترى، فكل ثمن تلف قبل قبضه فهو من مال المشترى.

و انما قال «بناء» لاحتمال ان يراد بالمبتاع البائع، لان كلا من البائع و المشترى مبتاع فان البيع يأتى بمعنى البيع و بمعنى الاشتراء و على هذا يعود ضمير «لحقه» الى المشترى.

و يكون المعنى حينئذ انه اذا اخرج البائع المتاع من بيته يبقى ضمانه لحق المشترى حتى يرد الى المشترى ماله اى المثمن.

و فى ذلك رفع لتوهم ان الاخراج من البيت فقط لا يوجب رفع الضمان لكن هذا خلاف الظاهر.

ص: 237

بل ظاهر بعضهم شمول النبوى له بناء على صدق المبيع على الثمن

قال كما فى التذكرة: او اكلت الشاة ثمنها المعين قبل القبض.

فان كانت فى يد المشترى فكاتلافه.

و ان كانت فى يد البائع فكاتلافه.

و ان كانت فى يد اجنبى فكاتلافه.

و ان لم تكن فى يد احد انفسخ البيع، لان المبيع هلك قبل القبض بامر لا ينسب الى آدمى

______________________________

(بل ظاهر بعضهم شمول النبوى له) اى الثمن أيضا، بدعوى ان قوله صلى الله عليه و آله «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه» فالمراد بالمبيع الاعم من المثمن و الثمن، و المراد بالبائع الاعم من البائع و المشترى لان كل واحد منهما بائع (بناء على صدق المبيع على الثمن).

(قال) ذلك البعض (كما فى التذكرة) حيث اطلق المبيع على الثمن فان العلامة قال: (لو اكلت الشاة ثمنها المعين قبل القبض) اى قبل قبض البائع الثمن.

(فان كانت) الشاة (فى يد المشترى فكاتلافه) اى اتلاف المشترى الثمن

(و ان كانت) الشاة (فى يد البائع فكاتلافه) و ذلك لان الحيوان اذا اتلف شيئا كان كاتلاف صاحب الحيوان له.

(و ان كانت فى يد اجنبى فكاتلافه).

(و ان لم تكن فى يد احد انفسخ البيع، لان المبيع) اى الثمن، فقد اطلق عليه العلّامة لفظ المبيع (هلك قبل القبض بامر لا ينسب الى آدمى

ص: 238

فكان كالسماوية، انتهى.

ثم انه هل يلحق العوضان فى غير البيع من المعاوضات به فى هذا الحكم، لم اجد احد اصرح بذلك نفيا او اثباتا.

نعم ذكروا فى الاجارة و الصداق و عوض الخلع ضمانها لو تلف قبل القبض.

______________________________

فكان كالسماوية) اى كالهلكة السماوية فى صدق «كل مبيع تلف قبل قبضه» (انتهى) كلام التذكرة.

(ثم انه هل يلحق العوضان فى غير البيع من المعاوضات به) اى بالبيع (فى هذا الحكم) و هو: ان التلف قبل القبض من مال من خرج من ملكه (لم اجد احد اصرح بذلك) الالحاق (نفيا) و انه لا يلحق (او اثباتا) و انه يلحق.

(نعم ذكروا فى الاجارة و الصداق و عوض الخلع ضمانها لو تلف قبل القبض).

فاذا تلفت العين المستأجرة او تلفت الاجرة قبل القبض بطلت الاجارة، بل الحكم كذلك لو تلفت العين بعد القبض أيضا، كما ذكروا فى باب الاجارة.

و لو تلف الصداق المعين قبل قبض الزوجة له، بطل كونه صداقا، لا ان النكاح يبطل، كما ان موت الزوجة او الزوج قبل الدخول لا يوجب فسخ النكاح، لا من اصله، و لذا تحرم عليها المحرمات بالنكاح، و لا من حينه و لذا لا يبطل المهر.

ص: 239

لكن ثبوت الحكم عموما مسكوت عنه فى كلماتهم، الا انه يظهر من بعض مواضع التذكرة: عموم الحكم لجميع المعاوضات على وجه يظهر كونه من المسلمات.

قال- فى مسألة جواز بيع ما انتقل بغير البيع قبل القبض- و المال المضمون فى يد الغير بالقيمة كالعارية المضمونة

______________________________

و لو تلف عوض الخلع لم يبطل الخلع و انما تضمن الزوجة لمثله او قيمته.

(لكن ثبوت الحكم عموما) فى كل المعاملات كالرهن و المزارعة و المساقاة و الشركة و الهبة المعوضة و غيرها (مسكوت عنه فى كلماتهم، الا انه يظهر من بعض مواضع التذكرة: عموم الحكم) بان التلف قبل القبض من مال من خرج من ماله (لجميع المعاوضات على وجه يظهر كونه) اى الحكم بذلك (من المسلمات) لدى الفقهاء، و كان وجهه هو الشرط الضمنى ان يسلّم كل واحد منهما ما عليه الى الآخر، فاذا لم يسلّم ضمنه.

لكن الظاهر ان الشرط هو تسليم الشي ء او بدله، لا نفس الشي ء، فيكون تلفه موجبا للضمان بالمثل او القيمة، لا موجبا لبطلان المعاملة.

اللهم الا اذا كان الشرط الضمنى تسليمه بعينه، فيوجب البطلان لو لم يسلّم بعينه.

(قال) العلامة (- فى مسألة جواز بيع ما انتقل بغير البيع) كما لو انتقل الى زيد شي ء بالهبة، فباعه الموهوب له (قبل القبض-) اى قبل قبضه لما انتقل إليه.

قال: (و المال المضمون فى يد الغير بالقيمة كالعارية المضمونة)

ص: 240

او بالتفريط، و يسمى ضمان اليد، يجوز بيعه قبل قبضه لتمام الملك فيه.

الى ان قال: اما ما هو مضمون فى يد الغير بعوض فى عقد معاوضة.

فالوجه جواز بيعه قبل قبضه كمال الصلح، و الاجرة المعينة، لما تقدم.

______________________________

اذا اعطى زيد عمروا قلما عارية بضمان عمرو اذا تلف القلم، فانه اذا تلف كان عمرو ضامنا لقيمته، سواء فرط حتى تلف او تلف بآفة سماوية بلا تفريط (او) كان مضمونا (بالتفريط) اى اذا فرط المستعير كان ضامنا، لا اذا تلف بآفة سماوية (و يسمى ضمان اليد) لان وجه الضمان قاعدة: على اليد ما اخذت لا: ضمان المعاوضة ف (يجوز) للمعير (بيعه) اى بيع ما اعاره (قبل قبضه) و قبل ان يسترجعه عن المستعير (لتمام الملك فيه) لانه ملكه و كل ملك مطلق يجوز بيعه، و ان لم يكن فى يد المالك.

(الى ان قال: اما ما هو مضمون فى يد الغير بعوض فى عقد معاوضة) كما اذا كان المثمن فى يد البائع، فانه مضمون على المشترى بالثمن.

(فالوجه جواز بيعه قبل قبضه) فيجوز للمشترى ان يبيع المثمن، و الحال انه بعد فى يد البائع (كمال الصلح) فانه اذا صالح زيد عمروا عن داره بألف دينار، جاز لمن انتقل إليه الدار ان يبيعها قبل ان يقبضها (و الاجرة المعينة) كما اذا آجر المالك داره لزيد بهذه المائة دينار، فانه يجوز لمالك الدار ان يتعامل بالمائة قبل قبضه لها (لما تقدم) من تمام الملك و ليس الشرط قبضه.

ص: 241

و قال الشافعى: لا يصح لتوهم الانفساخ بتلفه، كالبيع، انتهى.

و ظاهر هذا الكلام كونه مسلّما بين الخاصة و العامة.

______________________________

(و قال الشافعى: لا يصحّ) بيعه (لتوهم الانفساخ بتلفه) قبل القبض فالملك متزلزل لاحتمال ان يتلف فينفسخ العقد السابق، فيكون قد باع مال الناس (كالبيع) كما ان فى البيع اذا تلف المثمن انفسخ العقد (انتهى) كلام العلامة.

(و ظاهر هذا الكلام) من العلامة حيث ان كلام الشافعى المانع عن البيع كان هو احتمال انفساخ العقد السابق، فيظهر منه (كونه) اى الانفساخ للعقد السابق بالتلف (مسلّما بين الخاصة و العامة).

و انما الخلاف بين العلامة و الشافعى هو: هل ان احتمال الانفساخ للعقد السابق مانع عن البيع، أم لا.

و لا يخفى ما فى هذا القسم من استظهارات المصنف «ره» حيث ان الظاهر من العلامة انه ينقل فتوى نفسه و فتوى طرفه، لا انه ينقل فتوى الشيعة و السنة.

ص: 242

مسئلة لو تلف بعض المبيع قبل قبضه، فان كان مما يقسّط الثمن عليه، انفسخ البيع فيه فيما يقابله من الثمن،

لان التالف مبيع تلف قبل قبضه، فان البيع يتعلق لكل جزء، اذ البيع عرفا ليس الا

______________________________

(مسألة) التلف قبل القبض على ثلاثة اقسام.

لانه اما تلف الكل.

و اما تلف البعض المقسّط عليه الثمن كان يتلف نصف الصبرة.

و اما تلف البعض غير المقسّط عليه الثمن، كتلف رجل الدابة او تلف الوصف كنسيان الدابة الطحن مثلا.

اذا عرفت ذلك قلنا: (لو تلف بعض المبيع قبل قبضه، فان كان) ذلك البعض التالف (مما يقسّط الثمن عليه، انفسخ البيع فيه فيما يقابله من الثمن) اى بالنسبة الى القدر المقابل له.

فاذا اشترى صاعا من صبرة بدرهم فتلف نصفه قبل القبض بطل البيع بالنسبة الى نصف المبيع، لانه يشمله دليل «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه».

فكما انّ الكل مبيع، كذلك النصف مبيع أيضا.

نعم يكون لكل من البائع و المشترى حينئذ خيار تبعض الصفقة.

و انما انفسخ البيع فى القدر التالف (لان التالف مبيع تلف قبل قبضه، فان البيع يتعلق بكل جزء) فى ضمن تعلقه بالكل (اذ البيع عرفا ليس الا

ص: 243

التمليك بعوض، و كل جزء كذلك.

نعم اسناد البيع الى جزء واحد مقتصرا عليه، يوهم انتقاله بعقد مستقل.

و لذا لم يطلق على بيع الكل البيوع المتعدّدة.

______________________________

التمليك بعوض، و كل جزء كذلك) تعلق به التمليك بعوض.

(نعم) لا يسند البيع إليه بصورة مطلقة، فانه لا يقال: اشتريت نصف صاع فيما اذا كان اشترى صاعا.

و انما لا يسند، لان (اسناد البيع الى جزء واحد مقتصرا عليه) بدون ذكر الاجزاء الاخر (يوهم انتقاله بعقد مستقل).

(و لذا) الّذي يوهم كون الانتقال بعقد مستقل (لم يطلق على بيع الكل البيوع المتعدّدة) و ان كانت فى الحقيقة بيوع متعدّدة.

كما ان اجزاء الصلاة واجبات متعدّدة، و ان كان يطلق على الكل الواجب، بصيغة واحدة.

نعم لا اشكال فى ان هناك فرقا بين ان يقصد البيوع، او ان يقصد بيعا واحدا.

مثلا: اذا جمع الكتاب و القلم و الحبر و قال: بعتكها، فان قصد بيعا واحدا فبطل البيع فى احدها، كان للمشترى خيار تبعض الصفقة.

اما اذا كانت بيوعا متعدّدة فى ضمن لفظ واحد- كالنكاح لا ربع نساء فى لفظ واحد- فان بطلان احدها لا يوجب خيار تبعض الصفقة، و كذلك بالنسبة الى خيار الغبن فى ما اذا كان مغبونا فى احدها.

ص: 244

و كيف كان: فلا اشكال و لا خلاف فى المسألة ان كان الجزء مما لا يتقسط عليه الثمن، كيد العبد فالاقوى انه كالوصف الموجب للتعيب.

فان قلنا بكونه كالحادث قبل العقد، فالمشترى مخير بين الرد و الارش و الا كان له الرد فقط.

بل عن الايضاح ان الارش هنا اظهر، لان المبيع هو مجموع بدن العبد، و قد

______________________________

فانه فرق بين قصد بيع واحد فله خيار فى الجميع، او قصد بيوع متعددة فله خيار فى الجزء المغبون خاصة، الى غيرها من الاحكام.

(و كيف كان: فلا اشكال و لا خلاف فى المسألة) اى مسألة: ان تلف بعض المبيع يوجب فسخ العقد بالنسبة إليه اذا كان التلف قبل القبض.

و اما (ان كان الجزء) الّذي تلف قبل قبضه (مما لا يتقسط عليه الثمن، كيد العبد) اذا قطعت قبل القبض (فالاقوى انه كالوصف الموجب للتعيب) فللمشترى خيار العيب و لا يشمله دليل «كل مبيع تلف قبل قبضه».

(فان قلنا بكونه) اى التعيب الحادث بعد العقد (كالحادث قبل العقد، فالمشترى مخير بين الرد و الارش) كما هو شأن كل عيب (و الا) نقل بأنه كالعيب الحادث قبل العقد (كان له الردّ فقط) لدليل: لا ضرر، فان لزوم البيع ضرر على المشترى، فدليل: لا ضرر، يرفعه، و لا مجال للارش حينئذ.

(بل عن الايضاح) ترقيا عن الرد و الارش (ان الارش) فقط بدون الرد (هنا) فى مثل نقص يد العبد (اظهر).

قال: (لان المبيع هو مجموع بدن العبد، و قد

ص: 245

نقص بعضه، بخلاف نقصان الصفة، و فيه تأمل.

بل ظاهر الشرائع عدم الارش هنا مع قوله به فى العيب، فتأمل

و كيف كان فالمهمّ نقل الكلام الى حكم العيب الحادث قبل القبض.

و الظاهر المصرح به فى كلام غير واحد، انه لا خلاف فى ان للمشترى الردّ.

و اما الخلاف فى الارش، ففى الخلاف عدمه مدعيا عدم الخلاف فيه، و هو

______________________________

نقص بعضه) فاللازم ان يأخذ المشترى تفاوت النقص (بخلاف نقصان الصفة) فانه لا ارش فيه لانه ليس فى مقابل الصفة شي ء من المال عرفا، و ان كان المبيع يزداد قيمة بسبب اتصافه بوصف كمال (و فيه تأمل) لان الجزء الّذي لا يقسط عليه الثمن كيد الحيوان، لا يكون نقصه إلا عيبا، فلا معنى للارش اصلا

(بل ظاهر الشرائع عدم الارش هنا) فى الجزء الّذي لا يقسط عليه الثمن (مع قوله به) اى بالارش (فى العيب، فتأمل) اذ مع كون نقص الجزء عيبا لا بد من القول بالارش فيه كسائر العيوب.

(و كيف كان فالمهم نقل الكلام الى حكم العيب الحادث قبل القبض) هل فيه ارش او ردّ او كلاهما.

(و الظاهر المصرح به فى كلام غير واحد، انه لا خلاف فى ان للمشترى الردّ) لما تقدم من دليل: لا ضرر.

(و اما الخلاف فى الارش، ففى) كتاب (الخلاف) لشيخ الطائفة (عدمه) و انه لا حق للمشترى فى الارش (مدّعيا عدم الخلاف فيه) اى فى عدم الارش (و هو

ص: 246

المحكى عن الحلّى و ظاهر المحقق و تلميذه و كاشف الرموز، لاصالة لزوم العقد و انما ثبت الرد لدفع تضرر المشترى به.

و عن النهاية ثبوته و اختاره العلامة و الشهيدان و المحقق الثانى و غيرهم.

و عن المختلف نقله عن القاضى و الحلبى.

و عن المسالك انه المشهور.

و استدلوا عليه بان الكل مضمون قبل القبض، فكذا ابعاضه و صفاته.

و او رد عليه

______________________________

المحكى عن الحلّى) و هو ابن ادريس (و ظاهر المحقق و تلميذه و كاشف الرموز)

و ذلك (لاصالة لزوم العقد) بكل الثمن (و انما ثبت الرد لدفع تضرر المشترى به) اى بسبب الردّ، فان لزوم العقد ضرر على المشترى فدليل:

لا ضرر، يرفع لزوم العقد.

(و عن النهاية ثبوته) اى ثبوت الارش (و اختاره العلامة و الشهيدان و المحقق الثانى و غيرهم).

(و عن المختلف نقله عن القاضى و الحلبى).

(و عن المسالك انه) اى الارش هو (المشهور) بين الفقهاء.

(و استدلوا عليه) اى على الارش (بان الكل مضمون قبل القبض) لقاعدة كل مبيع تلف قبضه (فكذا ابعاضه) مثل رجل الدابة (و صفاته) مثل كتابة العبد.

(و او رد عليه

ص: 247

بان معنى ضمان الكل انفساخ العقد، و رجوع الثمن الى المشترى و المبيع الى البائع.

و هذا المعنى غير متحقق فى الوصف، لان انعدامه بعد العقد فى ملك البائع، لا يوجب رجوع ما قابله من عين الثمن، بل يقابل بالاعم منه و مما يساويه من غير الثمن، لان الارش لا يتعين كونه من عين الثمن.

______________________________

ب) انه لا تقاس الابعاض و الصفات على الكل.

ل (ان معنى ضمان الكل انفساخ العقد، و رجوع الثمن الى المشترى و المبيع الى البائع) كما تقدم انه بالتلف ينفسخ العقد، لا انه مضمون بالمثل و القيمة.

(و هذا المعنى غير متحقق فى الوصف).

نعم يتحقق فى الابعاض لما تقدم، و لذا لم تذكر الابعاض فى الردّ (لان انعدامه) اى الوصف (بعد العقد) و قبل القبض (فى ملك البائع، لا يوجب رجوع ما قابله من عين الثمن).

بخلاف الكل و الابعاض، فان انعدامهما يوجب رجوع ما قابله من عين الثمن، لفرض انفساخ العقد (بل) الوصف (يقابل بالاعم منه) اى من الثمن (و مما يساويه من غير الثمن) فللبائع ان يدفع الى المشترى قيمة الوصف المعلوم سواء من نفس الثمن او من غير الثمن (لان الارش لا يتعين كونه من عين الثمن) لان ما دل من الادلة على الارش لم يذكر انه لا بد و ان يكون من عين الثمن.

اذا فالارش الّذي فى مقابل الوصف لا يلزم ان يكون من الثمن، بينما

ص: 248

و يدفع بان وصف الصحة لا يقابل ابتداءً بجزء من عين الثمن.

______________________________

الشي ء المردود فى مقابل الكل او الابعاض يلزم ان يكون من الثمن، فليس فقد الوصف كفقد الكل او البعض، فمن يقيس الصفات على الكل و على الابعاض يكون قياسه مع الفارق.

(و يدفع بان) ظاهر النبوى «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه» ان الشي ء التالف يفرض كأن لم يكن.

فان كان التالف الكل انفسخ العقد تماما، لانه لم يكن بإزاء الثمن شي ء.

و ان كان التالف الجزء المستقل انفسخ بعض العقد، و لذا يرجع بعض الثمن.

و ان كان التالف الصفة او الجزء غير المستقل، كان بإزاء الثمن الشي ء المعيب، و لذا يختار المشترى بين الفسخ و بين الامضاء و بين الارش.

فلا مجال لان يستشكل بان تلف الكل يوجب الفسخ، و تلف الوصف يوجب الارش، فلا يمكن ان يشملهما معا قوله عليه السلام «فهو من مال بائعه» لانه يستلزم استعمال اللفظ فى معنيين.

فان الشارع قال «ان التالف من مال البائع» و لازم تلف الجزء المستقلّ و تلف الكل الانفساخ، و لازم تلف الوصف او الجزء غير المستقل احد الامور الثلاثة

فان (وصف الصحة لا يقابل ابتداءً بجزء من عين الثمن) حتى يكون فقده موجبا لرجوع بعض الثمن.

ص: 249

و لذا يجوز دفع بدله من غير الثمن مع فقده، بل لا يضمن بمال اصلا، لجواز امضاء العقد على المعيب بلا شي ء.

و حينئذ فتلفه على المشترى لا يوجب رجوع شي ء الى المشترى فضلا عن جزء من عين الثمن، بخلاف الكل و الاجزاء المستقلة فى التقويم.

فحاصل معنى الضمان

______________________________

(و لذا) الّذي لا يقابل بجزء من الثمن (يجوز دفع بدله من غير الثمن مع فقده) سواء كان مفقودا حال العقد، او فقد بعد العقد قبل القبض (بل) اضراب عن قوله «بجزء من عين الثمن» لان هذا الكلام اوهم ان الوصف يقابل بمال فى الجملة.

فقال ان الوصف (لا يضمن بمال اصلا، لجواز امضاء العقد على المعيب بلا شي ء) و لو قوبل الوصف بالمال لم يكن معنى لامضاء العقد على المعيب بلا شي ء، فان الوصف انما يوجب ترقى الموصوف فقط، فالثمن بإزاء الموصوف، فاذا فقد الوصف كان للمشترى ان يمضى او ان يأخذ الارش، او ان يفسخ.

(و حينئذ) اى حين لا يضمن الوصف بمال اصلا (فتلفه) اى الوصف (على المشترى لا يوجب رجوع شي ء الى المشترى) سواء كان من الثمن او من غير الثمن (فضلا عن جزء من عين الثمن، بخلاف الكل و الاجزاء المستقلة فى التقويم).

فانها حيث تقابل بكل الثمن و بجزء من الثمن، كان تلفه موجبا لرجوع كل الثمن او جزء من الثمن الى المشترى.

(فحاصل معنى الضمان) سواء فى الكل او الجزء المستقل، او فى

ص: 250

اذا انتفى وصف الصحة قبل العقد، او انعدم بعد العقد و قبل القبض هو تقدير التلف المتعلق بالعين او الوصف فى ملك البائع فى المقامين، و ان العقد من هذه الجهة كان لم يكن.

و لازم هذا انفساخ العقد رأسا اذا تلف تمام المبيع.

و انفساخه بالنسبة الى بعض اجزائه اذا تلف البعض.

و انفساخ العقد بالنسبة الى الوصف

______________________________

الوصف او الجزء غير المستقل، شي ء واحد، و هو فرض التالف كان لم يكن.

لكن فرضه كان لم يكن يستلزم فى الاول الفسخ، و رجوع الثمن كلا او بعضا و فى الثانى اختيار المشترى بين الامضاء و الفسخ و الارش.

ف (اذا انتفى وصف الصحة قبل العقد، او انعدم بعد العقد و قبل القبض)- حيث ان التلف فى هذا الحال من مال البائع- (هو تقدير التلف المتعلق بالعين) كلا او جزءا مستقلا او جزءا غير مستقل (او) المتعلق ب (الوصف فى ملك البائع فى المقامين) و هما العين و الوصف (و ان العقد من هذه الجهة) و هى جهة العين او جهة الوصف (كان لم يكن).

(و لازم هذا) اى لازم كون العين كلا او بعضا، و كون الوصف كان لم يكن.

أولا (انفساخ العقد رأسا اذا تلف تمام المبيع) فيرجع كل الثمن.

(و) ثانيا (انفساخه بالنسبة الى بعض اجزائه) اى بعض اجزاء المبيع (اذا تلف البعض) المستقل فيرجع من الثمن بالنسبة.

(و) ثالثا (انفساخ العقد بالنسبة الى الوصف) و الجزء غير المستقل

ص: 251

بمعنى فواته فى ملكه و تقدير العقد كان لم يكن بالنسبة الى حدوث هذا العيب، فكان العيب حدث قبل العقد، و العقد قد وقع على عين معيبة، فيجرى فيه جميع احكام العيب من الخيار و جواز اسقاط الخيار ردّا و ارشا.

و يؤيد ما ذكرنا من اتحاد معنى الضمان بالنسبة الى ذات المبيع و وصف صحته الجمع بينهما فى تلف الحيوان فى ايام الخيار.

و تعيّبه فى صحيح ابن سنان عن الرجل يشترى

______________________________

كقطع يد الدابة (بمعنى فواته) اى فوات الوصف و الجزء غير المستقل (فى ملكه) اى ملك البائع (و تقدير العقد كان لم يكن) العقد (بالنسبة الى حدوث هذا العيب، فكان العيب) بعدم الوصف او بعدم الجزء غير المستقل (حدث قبل العقد، و) كان (العقد قد وقع على عين معيبة) فاقدة الوصف، او فاقدة الجزء غير المستقل (فيجرى فيه) اى فى هذا العقد الواقع على المعيب (جميع احكام العيب من الخيار) بابطال العقد رأسا او اخذ الارش (و جواز اسقاط الخيار) و امضاء العقد (ردّا و ارشا) فلا يرد و لا يأخذ الارش.

(و يؤيد ما ذكرنا من اتحاد معنى الضمان بالنسبة الى ذات المبيع) كلا او بعضا مستقلا او بعضا غير مستقل (و) بالنسبة الى (وصف صحته) و لذا ما استشكل سابقا بقوله «و او رد عليه» غير وارد (الجمع بينهما) اى بين الضمان بالنسبة الى ذات المعيب، و بالنسبة الى وصف صحته (فى تلف الحيوان فى ايام الخيار) حيث ان التلف فى ايام الخيار ممن لا خيار له.

(و تعيّبه) عطف على «تلف» (فى صحيح ابن سنان عن الرجل يشترى

ص: 252

الدابة او العبد، فيموت او يحدث فيه حدث، على من ضمان ذلك؟ قال:

على البائع حتى يمضى الشرط.

فقوله عليه السلام: على البائع حكم بالضمان لموت العبد، و حدوث حدث فيه بفوات جزء او وصف.

و معناه تقدير وقوعه فى ملك البائع.

______________________________

الدابة او العبد، فيموت او يحدث فيه حدث، على من ضمان ذلك؟ قال:) عليه السلام (على البائع حتى يمضى الشرط) المراد بالشرط مدة الخيار كما تقدم مثله فى بعض اخبار خيار الحيوان-.

(فقوله عليه السلام: على البائع) يشمل تلف الكل و تلف البعض المستقل، و تلف البعض غير المستقل، و تلف الوصف لان كل ذلك مشمول لقوله «او يحدث فيه حدث».

فقوله عليه السلام (حكم بالضمان لموت العبد، و حدوث حدث فيه بفوات جزء) مستقل او غير مستقل (او) فوات (وصف).

(و معناه) اى معنى الضمان (تقدير وقوعه) اى وقوع التلف او الحدث (فى ملك البائع).

فثبت ان الكل اذا تلف انفسخ العقد كلا.

و ان البعض اذا تلف انفسخ العقد بالنسبة.

و ان البعض غير المستقل او الوصف اذا تلفا كان له التخيير بين الامضاء، و بين الردّ، و بين الارش.

ص: 253

نعم قد يشكل الحكم المذكور لعدم الدليل على ضمان الوصف، لان الضمان بهذا المعنى حكم مخالف للاصل، يقتصر فيه على محل النص و الاجماع، و هو تلف الكل او البعض.

و لو لا الاجماع على جواز الرد لا شكل الحكم به أيضا.

الا انه لما استند فى الرد الى نفى الضرر، قالوا: ان الضرر المتوجّه الى المبيع قبل القبض يجب تداركه على البائع.

______________________________

(نعم قد يشكل الحكم المذكور) اى حكم الارش بالنسبة الى تلف الوصف

و انما يشكل (لعدم الدليل على ضمان الوصف) بمعنى الارش. (لان الضمان بهذا المعنى حكم مخالف للأصل) لاصالة عدم الارش على البائع ف (يقتصر فيه على محل النص و الاجماع، و هو تلف الكل) فيسترد كل الثمن (او البعض) فيسترد بعض الثمن، ان كان بعضا مستقلا، او يؤخذ الارش ان كان التالف بعضا غير مستقل.

(و لو لا الاجماع على جواز الرد) فى تلف الوصف (لاشكل الحكم به) اى بالردّ (أيضا) هذا.

(الا انه) يرد هذا الاشكال بان الارش فى فوت الوصف أيضا على القاعدة، فان الزام المشترى بالامساك ضرر عليه، و لذا يجوز له الرد بدليل:

لا ضرر، و كذلك الزامه بأن يرد ضرر عليه- لاحتياجه الى المبيع- و لذا يجوز له الامساك بالارش.

فانه (لما استند فى الرد) لفاقد الوصف (الى نفى الضرر، قالوا: ان الضرر المتوجّه الى المبيع قبل القبض يجب تداركه على البائع) فالارش

ص: 254

و حينئذ فقد يستوجبه ما ذكره العلامة من ان الحاجة قد تمس الى المعاوضة، فيكون فى الرد ضرر.

و كذلك فى الامساك بغير ارش فيوجب التخيير بين الرد و الارش لنفى الضرر.

لكن فيه ان تدارك ضرر الصبر على المعيب يتحقق بمجرد الخيار فى الفسخ و الامضاء، كما فى سائر موارد الضرر الداعى الى الحكم بالخيار، هذا و مع ذلك فقول المشهور لا يخلو عن قوة

______________________________

مستند الى نفى الضرر، كما ان الرد مستند الى نفى الضرر.

(و حينئذ) اى حين كان المناط فى الرد نفى الضرر (فقد يستوجبه ما ذكره العلامة) فى وجه الارش لفقد الوصف (من ان الحاجة) اى حاجة المشترى (قد تمس الى المعاوضة) فان المشترى محتاج الى المثمن (فيكون فى الرد ضرر) عليه.

(و كذلك فى الامساك بغير ارش) ضرر عليه (فيوجب) دليل: لا ضرر (التخيير) للمشترى (بين الرد و الارش لنفى الضرر) هذا.

(لكن فيه) اى فى ما ذكره العلامة من الاستدلال على الارش بدليل:

لا ضرر (ان تدارك ضرر الصبر على المعيب يتحقق) ذلك التدارك (بمجرد الخيار) للمشترى (فى الفسخ) و ارجاع ثمنه (و الامضاء) مجانا (كما فى سائر موارد الضرر الداعى) ذلك الضرر (الى الحكم بالخيار، هذا) غاية ما يقال فى ردّ العلامة.

(و مع ذلك) الّذي قلنا «لكن فيه» (فقول المشهور لا يخلو عن قوة)

ص: 255

هذا كله مع تعيّبه بآفة سماوية.

و اما لو تعيّب بفعل احد، فان كان هو المشترى فلا ضمان بارشه، و الا كان له على الجانى ارش جنايته لعدم الدليل على الخيار فى العيب المتأخر، الا ان يكون بآفة سماوية.

و يحتمل تخيير المشترى بين الفسخ و الامضاء مع

______________________________

لان العرف يرون لزوم تدارك الوصف الفائت، الا اذا اغمض عنه المشترى و الشارع امضى الامر العرفى بقوله: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (هذا كله) فى تعيب المبيع قبل القبض (مع تعيّبه بآفة سماوية).

(و اما لو تعيّب بفعل احد، فان كان) الّذي اورث تعيّبه (هو المشترى فلا ضمان) على البائع (بارشه) اى بارش العيب (و الا) يكن الّذي اورث العيب المشترى، بل كان الّذي عيّبه- قبل القبض- اجنبيا (كان له) اى للمشترى (على الجانى ارش جنايته).

ان قلت: فلما ذا لا يكون للمشترى الخيار بين الفسخ و بين اخذ الارش من الاجنبى.

قلت: لا خيار (لعدم الدليل على الخيار) اى خيار المشترى (فى العيب المتأخر) عن العقد (الا ان يكون بآفة سماوية).

فان فى الآفة السماوية الخيار، و فى العيب المتقدم على العقد الخيار

اما فى العيب المتأخر الّذي كان بفعل الاجنبى فلا دليل على الخيار، و انما نقول بالارش «لقاعدة اليد».

(و يحتمل تخيير المشترى بين الفسخ) و ارجاع الثمن (و الامضاء مع

ص: 256

تضمين الجانى لارش جنايته بناء على جعل العيب قبل القبض مطلقا موجبا للخيار.

و مع الفسخ يرجع البائع على الاجنبى بالارش.

______________________________

تضمين الجانى لارش جنايته).

اما التخيير: فلدليل: لا ضرر، فحيث ان لزوم العقد ضرر، فقد رفع دليل: لا ضرر، لزوم العقد.

و اما تضمين الجانى فلقاعدة: على اليد.

و انما نقول بالتخيير (بناء على جعل العيب قبل القبض مطلقا) سواء كان قبل العقد او بعده، و سواء كان بآفة سماوية او بفعل انسان (موجبا للخيار) لما عرفت من دليل: لا ضرر.

(و مع) اختيار المشترى (الفسخ) فالمشترى يأخذ من البائع ثمنه، و (يرجع البائع على الاجنبى) الّذي عيّب المتاع (بالارش) لقاعدة: اليد، و اللّه العالم.

ص: 257

مسئلة الأقوى من حيث الجمع بين الروايات حرمة بيع المكيل و الموزون قبل قبضه الّا تولية.
اشارة

لصحيحة ابن حازم المروية فى الفقيه اذا اشتريت متاعا فيه كيل، او وزن، فلا تبعه حتى تقبضه الا تولية، فان لم يكن فيه كيل او وزن، فبعه.

و صحيح الحلبى فى الكافى عن ابى عبد الله عليه السلام، قال فى الرجل يبتاع الطعام، ثم يبيعه قبل ان يكتال قال: لا يصلح له ذلك.

______________________________

(مسألة: الاقوى) عند المصنف (من حيث الجمع بين الروايات حرمة بيع المكيل و الموزون قبل قبضه الّا تولية) اى بنفس الثمن الّذي اشتراه البائع، مقابل المرابحة التى هى بيعه بربح، و المواضعة التى هى بيعه بنقص، و المساومة التى هى بيعه بدون الاخبار برأس المال.

(لصحيحة ابن حازم المروية فى الفقيه) قال عليه السلام (اذا اشتريت متاعا فيه كيل او وزن، فلا تبعه حتى تقبضه الا تولية، فان لم يكن فيه كيل او وزن) كالمعدود و المذروع و ما اشبه (فبعه) قبل القبض، كيفما تشاء.

(و صحيح الحلبى فى الكافى عن ابى عبد الله عليه السلام، قال فى الرجل يبتاع الطعام) اى يشتريه (ثم يبيعه قبل ان يكتال) هل صحيح ذلك؟ (قال) عليه السلام (لا يصلح له ذلك) و هذا الخبر فى المكيل بدليل قوله «قبل ان يكتال».

ص: 258

و صحيحه الآخر فى الفقيه، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوم اشتروا بزّا، فاشتركوا فيه جميعا و لم يقتسموا، أ يصلح لاحد منهم بيع بزّه قبل ان يقبضه و يأخذ ربحه؟ قال: لا بأس به، و قال: ان هذا ليس بمنزلة الطعام، لان الطعام يكال بناء على ان المراد قبل ان يقبضه من البائع.

اما اذا اريد من ذلك عدم قبض حصّته من يد الشركاء، فلا يدل على ما نحن فيه، لتحقق القبض بحصوله فى يد احد الشركاء المأذون عن الباقى.

______________________________

(و صحيحه الآخر فى الفقيه، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوم اشتروا بزّا) و هى الثياب من الكتان او القطن، و لاجل ذلك يسمى البزّاز بزّازا (فاشتركوا فيه) عند الاشتراء (جميعا و لم يقتسموا، أ يصلح لاحد منهم بيع بزه قبل ان يقبضه و يأخذ ربحه؟ قال: لا بأس به، و قال) عليه السلام (ان هذا) البزّ (ليس بمنزلة الطعام، لان الطعام يكال) و لذا لا يجوز بيعه قبل قبضه.

و انما يدل هذا الخبر على ما نحن فيه (بناء على ان المراد) من قوله «قبل ان يقبضه» (قبل ان يقبضه من البائع).

(اما اذا اريد من ذلك) من «قبل ان يقبضه» (عدم قبض حصته من يد الشركاء، فلا يدل على ما نحن فيه) فان ما نحن فيه «قبل ان يقبضه من يد البائع».

و انما لا يدل (لتحقق القبض بحصوله فى يد احد الشركاء المأذون) ذلك الشريك القابض (عن الباقى) فقد حصل فى يد الشركاء بحصوله فى يد

ص: 259

و رواية معاوية بن وهب، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يبيع البيع قبل ان يقبضه، فقال: ما لم يكن كيل او وزن فلا يبعه حتى يكيله او يزنه، الا ان يولّيه بالذى قام عليه.

و صحيحة منصور فى الفقيه، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يشترى مبيعا ليس فيه كيل و لا وزن أ له ان يبيعه مرابحة قبل ان يقبضه و يأخذ ربحه؟ قال: لا بأس بذلك ما لم يكن كيل او وزن فان هو قبضه كان أبرأ لنفسه

و صحيح الحلبى فى الرجل يبتاع الطعام أ يصلح بيعه قبل ان يقبضه؟ قال اذا

______________________________

وكيلهم.

(و رواية معاوية بن وهب، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يبيع البيع) اى يبيع بيعا- فاللام عوض التنوين- (قبل ان يقبضه) هل ذلك جائز؟ (فقال: ما لم يكن كيل او وزن فلا يبعه حتى يكيله او يزنه، الا ان يولّيه بالذى قام عليه) اى بنفس الّذي اشتراه.

(و صحيحة منصور فى الفقيه، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يشترى مبيعا ليس فيه كيل و لا وزن إ له ان يبيعه مرابحة قبل ان يقبضه و يأخذ ربحه؟ قال: لا بأس بذلك ما لم يكن كيل او وزن).

فان مفهومه: فيه البأس ان كان فيه كيل او وزن.

ثم قال عليه السلام: (فان هو قبضه) ثم باعه (كان أبرأ لنفسه).

اذ قبل القبض لم يتمكن عليه فيقع فى نزاع و مشكلة مع المشترى.

(و صحيح الحلبى فى الرجل يبتاع الطعام، أ يصلح بيعه قبل ان يقبضه؟ قال: اذا

ص: 260

ربح، لم يصلح، حتى يقبضه و ان كان تولية فلا بأس.

و خبر حزام المروى عن مجالس الطوسى، قال: ابتعت طعاما من طعام الصدقة، فاربحت فيه قبل ان اقبضه، فاردت بيعه، فسئلت النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: لا تبعه حتى تقبضه.

و مفهوم رواية خالد ابن حجاج الكرخى، قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام: اشترى الطعام الى اجل مسمّى، فطلبه التجار منّى بعد ما اشتريت، قبل ان اقبضه، قال: لا بأس الى ان تبيع الى اجل، كما اشتريت إليه، الخبر، و المراد تأجيل الثمن.

______________________________

ربح لم يصلح، حتى يقبضه و ان كان) بيعه لغيره (تولية، فلا بأس) من بيعه قبل قبضه.

(و خبر حزام المروى عن مجالس الطوسى، قال: ابتعت) اى اشتريت (طعاما من طعام الصدقة، فاربحت فيه قبل ان اقبضه، فاردت بيعه، فسئلت النبي صلى الله عليه و آله و سلّم) هل ابيعه قبل ان اقبضه؟

(فقال) صلى الله عليه و آله و سلم (لا تبعه حتى تقبضه).

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 16، ص: 261

(و مفهوم رواية خالد بن حجاج الكرخى، قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام: اشترى الطعام الى اجل مسمّى، فطلبه التجار منّى بعد ما اشتريت، قبل ان اقبضه، قال) عليه السلام: (لا بأس الى ان تبيع الى اجل، كما اشتريت إليه) اى الى الاجل الى آخر (الخبر، و المراد تأجيل الثمن) فانه كان نسيئة لا تأجيل الطعام- على نحو السلم- فانه اذا كان من السلم كان خارجا عن ما نحن فيه، اذ محلّ الخلاف فى مسئلتنا البيع

ص: 261

و قوله كما اشتريت، اشارة الى كون البيع تولية، فيدل على ثبوت البأس فى غير التولية.

و مصححة على ابن جعفر عن اخيه عن الرجل يشترى الطعام، أ يصلح بيعه قبل ان يقبضه؟ قال: اذا ربح لم يصلح حتى يقبض، و ان كان تولية فلا بأس.

و فى معناها رواية اخرى خلافا للمحكى عن الشيخين فى المقنعة، و النهاية، و القاضى، و المشهور بين المتأخرين، فالكراهة، لروايات صارفة لظواهر الروايات المتقدمة الى الكراهة.

______________________________

الشخصى، كما سيأتى منه ره بعد اسطر.

(و قوله) عليه السلام (كما اشتريت، اشارة الى كون البيع تولية) اى تبيعه بمثل الثمن الّذي اشتريته به (فيدل) بالمفهوم (على ثبوت البأس فى غير التولية).

(و مصححة على ابن جعفر عن اخيه) موسى عليه السلام، سأله (عن الرجل يشترى الطعام، أ يصلح بيعه قبل ان يقبضه؟ قال: اذا ربح لم يصلح حتى يقبض، و ان كان تولية فلا بأس).

(و فى معناها رواية اخرى) فهذه عشرة روايات استدل بها المصنف على ما افتى به من حرمة بيع المكيل و الموزون قبل قبضه الا اذا كان البيع بنحو التولية (خلافا للمحكى عن الشيخين فى المقنعة، و النهاية، و القاضى و المشهور بين المتأخرين، ف) قد قالوا ب (الكراهة).

و ذلك (لروايات صارفة لظواهر الروايات المتقدمة الى الكراهة).

ص: 262

مثل ما فى الفقيه فى ذيل رواية الكرخى المتقدمة، قلت لابى عبد الله عليه السلام: اشترى الطعام من الرجل، ثم ابيعه من رجل آخر، قبل ان اكتاله، فاقول له: ابعث وكيلك حتى يشهد كيله اذا قبضته، قال: لا بأس

و رواية جميل ابن دراج عن ابى عبد الله عليه السلام فى الرجل يشترى الطعام ثم يبيعه قبل ان يقبضه قال: لا بأس و يوكل الرجل المشترى منه بقبضه و كيله قال: لا بأس.

و هذه الروايات مطلقة يمكن حملها على التولية.

______________________________

(مثل ما فى الفقيه فى ذيل رواية الكرخى المتقدمة، قلت لابى عبد الله عليه السلام: اشترى الطعام من الرجل، ثم ابيعه من رجل آخر، قبل ان اكتاله، فاقول له: ابعث وكيلك حتى يشهد كيله اذا قبضته، قال) عليه السلام: (لا بأس) بذلك.

(و رواية جميل ابن دراج عن ابى عبد الله عليه السلام فى الرجل يشترى الطعام ثم يبيعه قبل ان يقبضه) هل يجوز ذلك؟ (قال) عليه السلام (لا بأس) قلت (و يوكل الرجل المشترى منه) «المشترى» بصيغة اسم المفعول- اى البائع- (بقبضه) عن البائع الاول (و كيله) للمشترى الثانى (قال) عليه السلام (لا بأس) بذلك.

(و هذه الروايات مطلقة) تشمل التولية و غير التولية، ف (يمكن) فيها امران.

اذ يدور الامر بين (حملها) اى حمل هذه المطلقات (على التولية) و بين حمل تلك الاخبار المانعة على الكراهة.

ص: 263

و هو اولى من حمل تلك الاخبار على الكراهة.

مع ان استثناء التولية حينئذ يوجب نفى الكراهة فيها، مع ان الظاهر عدم الخلاف فى الكراهة فيها أيضا بين ارباب هذا القول، و ان كانت اخف

و من ذلك يعلم ما فى الاستيناس للجمع بالكراهة بخبر ابى بصير سألت

______________________________

(و هو) اى حمل هذه الاخبار على التولية (اولى من حمل تلك الاخبار على الكراهة) كما هو الشأن بين كل مطلق و مقيد، كما اذا قال:

لا تكرم فساق العلماء، و قال: اكرم العلماء، فانه يدور الامر بين حمل «لا تكرم على الكراهة» و يبقى «اكرم» على اطلاقه، و بين تقييد «اكرم» بلا تكرم الفساق.

قالوا الظهور العرفى يقتضي حمل المطلق على المقيد، لا حمل المقيد على الكراهة و ابقاء الاطلاق على حاله- هذا أولا-.

(مع ان استثناء التولية حينئذ) بان ابقينا الاطلاق على حاله، و حملنا اخبار النهى على الكراهة.

فان استثناء التولية فى اخبار النهى (يوجب نفى الكراهة فيها، مع ان الظاهر عدم الخلاف فى الكراهة فيها) اى فى التولية (أيضا) ككراهة المرابحة (بين ارباب هذا القول) اى القول بالكراهة (و ان كانت) الكراهة فى التولية لديهم (اخف) من الكراهة فى المرابحة.

(و من ذلك) الّذي عرفت فى الجواب عن اخبار المشهور القائلين بالكراهة (يعلم ما فى الاستيناس للجمع) بين الطائفتين (بالكراهة بخبر ابى بصير سألت

ص: 264

أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى طعاما، ثم باعه قبل ان يكيله قال: لا يعجبنى ان يبيع كيلا او وزنا قبل ان يكيله او يزنه، الا ان يولّيه كما اشتراه، فلا بأس ان يوليه، كما اشتراه، اذا لم يربح به او يضع.

و ما كان عنده من شي ء ليس بكيل و لا وزن فلا بأس ان يبيعه قبل ان يقبضه، بناء على ان قوله: لا يعجبنى، ظاهر فى الكراهة، فان ذلك يوجب رفع الكراهة رأسا فى التولية، لانه فى قوة ان ذلك فى التولية ليس مما لا يعجبنى، مع ان القائلين بالكراهة لا يفرقون بين التولية و غيرها فى اصل

______________________________

أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى طعاما، ثم باعه قبل ان يكيله) هل يجوز ذلك؟ (قال: لا يعجبنى ان يبيع كيلا او وزنا قبل ان يكيله او يزنه الا ان يولّيه كما اشتراه، فلا بأس ان يوليه كما اشتراه، اذا لم يربح به او يضع) اى بلا زيادة و لا خسارة.

(و ما كان عنده من شي ء ليس بكيل و لا وزن فلا بأس ان يبيعه قبل ان يقبضه).

وجه دلالة هذه الرواية على الجمع ما ذكره بقوله: (بناء على ان قوله لا يعجبنى، ظاهر فى الكراهة) فيكون قرينة لحمل تلك الاخبار على الكراهة و وجه ما قلناه «و من ذلك يعلم» ما ذكره بقوله: (فان ذلك) حمل «لا يعجبنى» على الكراهة (يوجب رفع الكراهة رأسا فى التولية، لانه) اى استثناء التولية (فى قوة ان ذلك) العمل بالبيع قبل القبض (فى التولية ليس مما لا يعجبنى، مع ان القائلين بالكراهة) فى المرابحة و المواضعة (لا يفرقون بين التولية و غيرها فى اصل

ص: 265

الكراهة، و ان صرح بعضهم بكونها فى التولية اخف.

و ربما يستدل على الجواز بصحيحتى الحلبى و ابن مسلم، فى جواز بيع الثمرة المشتراة قبل قبضها لكن لا يبعد إرادة الثمرة على الشجرة فيخرج عن المكيل و الموزون.

و ربما يستأنس للجواز بالاخبار الواردة فى جواز بيع السلم على من هو عليه، بناء على عدم الفرق بين المسألتين.

______________________________

الكراهة، و ان صرح بعضهم بكونها) اى الكراهة (فى التولية اخف).

فالاستثناء لاجل اخفية التولية، لا لاجل جواز التولية و عدم جواز المرابحة و المواضعة.

(و ربما يستدل على الجواز بصحيحتى الحلبى و ابن مسلم، فى جواز بيع الثمرة المشتراة قبل قبضها) مع ان الثمرة مكيلة او موزونة (لكن لا يبعد إرادة الثمرة على الشجرة، فيخرج عن المكيل و الموزون).

لكن لا يخفى ان عدم الاستبعاد لا يصحح التقييد فالروايتان مطلقتان من حيث كون الثمرة على الشجرة أم لا.

(و ربما يستأنس للجواز بالاخبار الواردة فى جواز بيع السلم على من هو عليه) كان يشترى زيد من الزارع مائة رطل من الحنطة يقبضها بعد ستة اشهر، ثم يبيع زيد الحنطة لنفس الزارع قبل قبضها (بناء على عدم الفرق بين المسألتين) و هما: مسئلة بيع المشترى الشي ء المكيل لانسان ثالث، و مسئلة بيع المشترى السلم الى البائع نفسه.

ص: 266

و فيه تأمل، لعدم ثبوت ذلك، بل الظاهر ان محلّ الخلاف هنا هو بيع غير المقبوض على غير البائع، كما يستفاد من ذكر القائلين بالجواز فى تلك المسألة و القائلين بالتحريم هنا.

و قد جعل العلامة بيع غير المقبوض على بايعه مسئلة اخرى، ذكرها بعد مسئلتنا و فروعها.

و ذكر ان المجوزين فى المسألة الاولى جزموا بالجواز هنا و اختلف المانعون فيها هنا.

______________________________

(و فيه) اى فى عدم الفرق (تأمل، لعدم ثبوت ذلك) اى عدم ثبوت عدم الفرق (بل الظاهر ان محل الخلاف هنا) اى فى مسئلة البيع لثالث (هو بيع غير المقبوض على غير البائع) اى لانسان ثالث (كما يستفاد) ان محل الخلاف هنا ذلك (من ذكر القائلين بالجواز فى تلك المسألة) و هى مسئلة بيع السلم من البائع (و القائلين بالتحريم هنا) فى مسئلة بيع المكيل قبل قبضه.

(و) انما يستفاد تعدد محل المسألتين من كلام العلامة، ف (قد جعل العلامة بيع غير المقبوض) بيعا (على بايعه مسئلة اخرى، ذكرها بعد مسئلتنا) و هى: مسئلة بيع غير المقبوض على انسان ثالث (و) بعد (فروعها).

(و ذكر ان المجوزين فى المسألة الاولى) و هى مسئلة بيعه على غير بايعه (جزموا بالجواز هنا) اى بيعه على بايعه (و اختلف المانعون فيها) اى فى المسألة الاولى (هنا) اى فى بيعه على بايعه.

ص: 267

و من العجب ما عن التنقيح من الاجماع على جواز بيع السلم على من هو عليه مع اجماع المبسوط على المنع عن بيع السلم قبل القبض مصرحا بعدم الفرق بين المسلّم إليه و غيره.

ثم ان صريح التحرير و الدروس: الاجماع على الجواز فى غير المكيل و الموزون، مع ان المحكى فى التذكرة عن بعض علمائنا القول بالتحريم مطلقا.

و نسبه فى موضع آخر الى جماعة منّا.

و صريح الشيخ فى المبسوط اختيار هذا القول قال فى باب السلم: اذا اسلف

______________________________

و من كلام العلامة يستدل على الفرق بين المسألتين، فلا يكون دليل إحداهما دليلا فى المسألة الاخرى.

(و من العجب ما عن التنقيح من الاجماع على جواز بيع السلم على من هو عليه مع اجماع المبسوط على المنع عن بيع السلم قبل القبض) فى حالكون المبسوط (مصرحا بعدم الفرق بين المسلّم إليه) اى بائع السلم (و غيره) فان اجماع التنقيح مناقض صريح لاجماع المبسوط.

(ثم ان صريح التحرير و الدروس: الاجماع على الجواز فى غير المكيل و الموزون، مع ان المحكى فى التذكرة عن بعض علمائنا القول بالتحريم مطلقا) سواء كان مكيلا او موزونا، او غير مكيل و موزون.

(و نسبه) العلامة (فى موضع آخر الى جماعة منّا).

(و صريح الشيخ فى المبسوط اختيار هذا القول) و هو التحريم مطلقا (قال فى باب السلم: اذا اسلف

ص: 268

فى شي ء فلا يجوز ان يشرّك فيه غيره و لا ان يولّيه لان النبي صلى الله عليه و آله و سلم نهى عن بيع ما لم يقبض، و قال: من اسلف فى شي ء فلا يصرفه الى غيره، الى ان قال: و بيوع الاعيان مثل ذلك ان لم يكن قبض المبيع، فلا يصح الشركة و لا التولية.

و ان كان قد قبضه صحت الشركة و التولية فيه بلا خلاف.

و قد روى اصحابنا جواز الشركة فيه و التولية قبل القبض.

ثم ان المحكى عن المهذب البارع: عدم وجدان العامل بالاخبار المتقدمة المفصلة بين التولية و غيرها، و هو

______________________________

فى شي ء فلا يجوز ان يشرك فيه غيره) بان يبيعه بيع تشريك بان يجعل بعض المتاع له ببعض الثمن (و لا ان يوليه) بان يبيعه كل المال بنفس رأس المال (لان النبي صلى الله عليه و آله و سلم نهى عن بيع ما لم يقبض، و قال) اى النبي صلى الله عليه و آله و سلم (من اسلف فى شي ء فلا يصرفه الى غيره، الى ان قال) الشيخ (و بيوع الاعيان) التى ليست بسلف (مثل ذلك) فاذا اشترى نقدا فلا يبعه الى غيره (ان لم يكن قبض المبيع فلا يصح) بيع (الشركة و لا التولية).

(و ان كان قد قبضه صحت الشركة و التولية فيه بلا خلاف).

ثم قال الشيخ (و) لكن (قد روى اصحابنا جواز الشركة فيه) اى فيما لم يقبضه بعد (و التولية قبل القبض) فهذا قول مقابل للقول السابق.

(ثم ان المحكى عن المهذب البارع: عدم وجدان العامل بالاخبار المتقدمة المفصلة بين التولية و غيرها) بجواز الاول و عدم جواز الثانى (و هو

ص: 269

عجيب.

فان التفصيل حكاه فى التذكرة قولا خامسا فى المسألة لاقوال علمائنا و هى الكراهة مطلقا و المنع مطلقا.

و التفصيل بين المكيل و الموزون و غيرهما.

و التفصيل بين الطعام و غيره بالتحريم و العدم و هو قول الشيخ فى المبسوط مدعيا عليه الاجماع، و بالكراهة و العدم.

و هنا سادس اختاره فى التحرير، و هو التفصيل فى خصوص الطعام

______________________________

عجيب).

(فان التفصيل حكاه فى التذكرة قولا خامسا فى المسألة لاقوال علمائنا)

(و هى) أوّلا (الكراهة مطلقا) فى التولية و غيرها و فى الطعام و غيره (و) ثانيا (المنع مطلقا).

(و) ثالثا (التفصيل بين المكيل و الموزون) بعدم الجواز (و غيرهما) فالجواز.

(و) رابعا (التفصيل بين الطعام و غيره بالتحريم) فى الطعام (و العدم) فى غيره (و هو قول الشيخ فى المبسوط مدعيا عليه الاجماع، و) التفصيل (بالكراهة) فى الطعام (و العدم) اى عدم الكراهة فى غير الطعام و هذا شق ثان للقول الرابع.

و اما القول الخامس فلم ينقله لوضوحه.

(و هنا) قول (سادس اختاره) العلامة (فى التحرير، و هو التفصيل فى خصوص الطعام) لا مطلق المكيل و الموزون

ص: 270

بين التولية و غيرها بالتحريم و الكراهة فى غيره من المكيل و الموزون.

و المراد بالطعام يحتمل ان يكون مطلق ما اعدّ للاكل، كما قيل انه موضوع له لغة.

و يحتمل ان يكون خصوص الحنطة و الشعير، بل قيل انه معناه شرعا و حكى عن فخر الدين نقله عن والده، و حكى اختياره عن بعض المتأخرين.

______________________________

(بين التولية) بالجواز (و غيرها بالتحريم).

فاذا اشترى طعاما و لم يقبضه و اراد بيعه تولية جاز، و اذا اراد بيعه بغير التولية حرم (و الكراهة فى غيره) اى غير الطعام (من) سائر اقسام (المكيل و الموزون) مما ليس بطعام فى غير التولية.

و عليه فالتولية مطلقا جائز و غير التولية ان كان طعاما حرم و ان لم يكن طعاما و كان مكيلا او موزونا، كره.

(و المراد بالطعام) الّذي تكرر فى هذا الباب فى السنة الفقهاء تبعا للروايات (يحتمل ان يكون مطلق ما اعدّ للاكل، كما قيل انه موضوع له) اى لهذا المعنى (لغة).

(و يحتمل ان يكون خصوص الحنطة و الشعير، بل قيل انه معناه) اى معنى الطعام (شرعا) فكلما استعمل فى لسان الروايات اريد به هذا المعنى.

(و حكى عن فخر الدين نقله عن والده) العلامة (و حكى اختياره عن بعض المتأخرين) أيضا.

ص: 271

و عن الشهيد انه حكى عن التحرير انه الحنطة خاصّة و حكى عن بعض اهل اللغة.

ثم ان الظاهر ان اصل عنوان المسألة مختص بالمبيع الشخصى كما يظهر من الاستدلال فى التذكرة للمانعين بضعف الملك قبل القبض لانفساخه بالتلف، و كون المبيع مضمونا على البائع، فولاية المشترى على التصرف ضعيفة.

______________________________

(و عن الشهيد انه حكى عن التحرير انه الحنطة خاصّة و حكى) هذا القول (عن بعض اهل اللغة).

و اذا شك فى مختلف المعانى و لم يكن بعضها حجة، كان الحكم تابعا للقدر المتيقن منها، و فى ما عدا المتيقن يجرى اصل العدم.

(ثم ان الظاهر ان اصل عنوان المسألة) بانه لا يجوز بيع المكيل و الموزون قبل قبضه الا تولية (مختص بالمبيع الشخصى) لا الكلى فى الذمة (كما يظهر) الاختصاص (من الاستدلال فى التذكرة للمانعين بضعف الملك قبل القبض).

و انما كان الملك ضعيفا (لانفساخه بالتلف) فان الكلّى لا يتلف، و انما الّذي يتلف هو الشخصى.

لكن لا يخفى ان هذا الاستدلال يشمل الكلى فى المعيّن أيضا (و) ب (كون المبيع مضمونا على البائع، فولاية المشترى على التصرف ضعيفة) اذ الولاية انما تكمل اذا كان الخراج و الضمان كله مربوطا بالمشترى.

ص: 272

و ذكر فى التذكرة الكلى غير المقبوض فى فروع المسألة.

و قال: المبيع ان كان دينا لم يجز بيعه قبل قبضه عند المانعين، لان المبيع مع تعيينه لا يجوز بيعه قبل قبضه، فمع عدمه اولى.

فلا يجوز بيع السلم قبل قبضه، و لا الاستبدال به، و به قال الشافعى، انتهى.

و كيف كان، فلا فرق فى النص و الفتوى بناء على المنع، بين المبيع المعين و الكلى، بل و لا بناء على

______________________________

(و ذكر فى التذكرة الكلى غير المقبوض فى فروع المسألة) مما يدل على ان اصل المسألة فى الشخصى.

(و قال) العلامة (المبيع ان كان دينا لم يجز بيعه قبل قبضه عند المانعين، لان المبيع مع تعيينه) و كونه شخصيا (لا يجوز بيعه قبل قبضه فمع عدمه اولى).

وجه الاولوية ان الشخصى مع معلوميته اذا لم يجز بيعه كان الدين الّذي له يعين- بعد- اولى بعدم الجواز، اذ التعيين مع رفعه للجهالة لا يجوز، فكيف بما لم ترتفع فيه الجهالة، فتأمل.

(فلا يجوز بيع السلم قبل قبضه، و لا الاستبدال به) بدون البيع (و به) اى بعدم الجواز (قال الشافعى، انتهى) كلام العلامة.

(و كيف كان، ف) الظاهر انه (لا فرق فى النص و الفتوى بناء على المنع) عن البيع قبل القبض (بين المبيع المعين و الكلى) سواء كان كليا فى المعين او كليا مطلقا (بل و لا) فرق أيضا بين الشخصى و الكلى (بناء على

ص: 273

الجواز.

ثم ان ظاهر اكثر الاخبار المتقدمة المانعة بطلان البيع قبل القبض و هو المحكى عن صريح العمانى، بل هو ظاهر كل من عبّر بعدم الجواز الّذي هو معقد اجماع المبسوط فى خصوص الطعام، فان جواز البيع و عدمه ظاهران فى الحكم الوضعى، الا ان المحكى عن المختلف: انه لو قلنا بالتحريم لم يلزم بطلان البيع.

لكن صريحه فى مواضع من التذكرة و فى القواعد ان محل الخلاف:

الصحة و البطلان.

______________________________

الجواز) لاطلاق الروايات و كلمات الفقهاء، فلا وجه لتخصيص المنع او الجواز بالشخصى.

(ثم ان ظاهر اكثر الاخبار المتقدمة المانعة بطلان البيع قبل القبض) فان النهى المتعلق بالمعاملات يدل على الفساد (و هو المحكى عن صريح العمّانى، بل هو ظاهر كل من عبّر بعدم الجواز الّذي هو) اى عدم الجواز (معقد اجماع المبسوط فى خصوص الطعام).

و انما كان «عدم الجواز» ظاهرا فى البطلان (فان جواز البيع و عدمه ظاهران فى الحكم الوضعى) كما قرر فى الاصول (الا ان المحكى عن المختلف انه) قال (لو قلنا بالتحريم لم يلزم بطلان البيع) فيكون كالبيع وقت النداء فى انه حرام و لكنه صحيح.

(لكن صريحه فى مواضع من التذكرة و فى القواعد ان محل الخلاف:

الصحة و البطلان) لا الحكم التكليفى فقط.

ص: 274

و بالجملة فلا ينبغى الاشكال فى ان محل الخلاف فى كلمات الاكثر هو الحكم الوضعى.

و ينبغى التنبيه على امور.
الأول: ان ظاهر جماعة عدم لحوق الثمن بالمبيع فى هذا الحكم، فيصح بيعه قبل قبضه.

قال فى المبسوط: اما الثمن اذا كان معينا فانه يجوز بيعه قبل قبضه، و ان كان فى الذمة فكذلك يجوز لانه لا مانع منه ما لم يكن صرفا.

______________________________

(و بالجملة فلا ينبغى الاشكال فى ان محل الخلاف فى كلمات الاكثر هو الحكم الوضعى).

و معنى الكراهة فى الحكم الوضعى الحزازة، او انه يوجب وهن الاجتماع، بينما الحرمة الوضعية بالإضافة الى العقاب فى الآخرة توجب تفصيم عرى الاجتماع، او نحو ذلك.

(و ينبغى التنبيه على امور).

(الاول: ان ظاهر جماعة) من الفقهاء (عدم لحوق الثمن بالمبيع فى هذا الحكم، فيصح بيعه قبل قبضه).

فاذا باع زيد شيئا نسية بعشرة ارغفة يأخذها بعد شهر مثلا، جاز للبائع ان يبيع تلك الارغفة الآن، مع العلم انه لم يقبضها بعد.

(قال فى المبسوط: اما الثمن اذا كان معينا فانه يجوز بيعه قبل قبضه، و ان كان فى الذمة فكذلك يجوز) بيعه (لانه لا مانع منه) فيشمله دليل: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و: تجارة عن تراض (ما لم يكن صرفا) اى ما لم يكن

ص: 275

فاما اذا كان صرفا فلا يجوز بيعه قبل القبض.

و فى موضعين من التذكرة قوى الجواز اذا كان الثمن كليا فى الذمة و هو ظاهر جامع المقاصد فى شرح قول المصنف قدس سره: و لو احال من له طعام من سلم ... الخ.

و استدل عليه فى التذكرة بقول الصادق عليه السلام: و قد سئل عن الرجل باع طعاما بدراهم الى اجل، فلما بلغ الاجل تقاضاه فقال: ليس عندى دراهم، خذ منّى طعاما، قال: لا بأس انما له دراهمه يأخذ بها ما شاء

______________________________

الثمن من النقدين.

(فاما اذا كان صرفا فلا يجوز بيعه قبل القبض) لان بيع الصرف مشروط بالتقابض فى المجلس و لا يمكن ذلك فى الدين الّذي لم يقبض بعد

(و فى موضعين من التذكرة قوى الجواز) فى الثمن (اذا كان الثمن كليا فى الذمة، و هو) اى الجواز (ظاهر جامع المقاصد فى شرح قول المصنف قدس سره: و لو احال من له طعام من سلم ... الخ) اى المشترى الّذي اشترى الطعام سلما لو احاله الى غيره.

(و استدل عليه) اى على الجواز (فى التذكرة بقول الصادق عليه السلام: و قد سئل عن الرجل باع طعاما بدراهم الى اجل) بان يسلّمه الدراهم بعد مدة (فلما بلغ الاجل تقاضاه) اى طلب صاحب الطعام الدراهم من المشترى (فقال) المشترى: (ليس عندى دراهم، خذ منّى طعاما) هل يجوز ذلك؟ (قال) عليه السلام (لا بأس، انما له دراهمه يأخذ بها ما شاء) طعاما او غير طعام.

ص: 276

و يمكن ان يقال ان المطلوب جعل الثمن مبيعا فى العقد الثانى، لا ثمنا أيضا، كما هو ظاهر الرواية مع اختصاصها بالبيع ممن هو عليه، فلا يعم الا بعدم الفصل لو ثبت

______________________________

(و يمكن ان يقال) ان الرواية لا تدل على كلام المجوزين.

ف (ان المطلوب) للمجوزين (جعل الثمن مبيعا فى العقد الثانى) بان يكون مثمنا (لا ثمنا أيضا) فى العقد الثانى (كما هو ظاهر الرواية).

فانه اذا اشترى محمّد عباءة من على بمنّ حنطة نسية، فانه قد يبيع محمّد الحنطة للحسن قبل قبضه، و هنا صار الثمن مثمنا و قد يشترى محمد من الحسين كتابا بالحنطة، و هنا صار الثمن ثمنا ثانيا أيضا.

و كلامنا فى انه هل يمكن بيع الثمن- بان يصير فى العقد الثانى مثمنا-.

فالظاهر من الرواية ان الثمن فى العقد الاول صار ثمنا فى العقد الثانى أيضا، لانه قال «دراهمه يأخذ بها ما شاء» و «الباء» تدخل على «الثمن» يقال «اشتريت الكتاب بدرهم» و لو كان مثمنا لقال «يعطى بما يأخذ مما يشاء دراهمه» (مع اختصاصها) اى الرواية (بالبيع) و العقد على الثمن (ممن هو عليه) اى المشترى (فلا يعم) العقد على الثمن مع غير المشترى (الا بعدم الفصل).

بان يقال لا فرق فى العقد على الثمن- غير المقبوض- بان يكون طرفه المشترى نفسه او انسان ثالث (لو ثبت) عدم الفصل.

ص: 277

و صرح فى اواخر باب السلم: بإلحاق الثمن المعين بالمبيع.

و يؤيده تعليل المنع فى طرف المبيع بقصور ولاية المشترى لانفساخ العقد بتلفه فانه جار فى الثمن المعين.

الثانى: هل البيع كناية عن مطلق الاستبدال، فلا يجوز جعله ثمنا، و لا عوضا فى الصلح و لا اجرة و لا وفاء عما عليه، أم يختص بالبيع.

______________________________

(و صرح فى اواخر باب السلم: بإلحاق الثمن المعين بالمبيع) فكما لا يجوز بيع المثمن قبل قبضه، كذلك لا يجوز العقد على الثمن قبل قبضه.

(و يؤيده) اى يؤيد الالحاق (تعليل المنع فى طرف المبيع بقصور ولاية المشترى) على ما لم يقبضه (لانفساخ العقد بتلفه) لان التلف قبل القبض من مال بايعه- كما تقدم- (فانه) اى هذا التعليل (جار فى الثمن المعين) أيضا، فلا يجوز العقد عليه.

نعم الثمن غير المعين لا يتأتى فيه هذا التعليل، و اللّه العالم.

(الثانى) من التنبيهات (هل البيع) فى كلمات الفقهاء تبعا للروايات الّذي قلنا بكراهته او حرمته- فيما لم يقبض بعد (كناية عن مطلق الاستبدال، فلا يجوز جعله) اى المبيع الّذي لم يقبض (ثمنا).

مثلا: اشترى زيد منّا من الحنطة يأخذها بعد شهر، فيشترى بهذا المنّ كتابا (و لا عوضا فى الصلح و لا اجرة و لا وفاء عما عليه) فاذا طلبه انسان منّا من الحنطة لم يصح جعل هذا المنّ وفاء (أم يختص) التحريم او الكراهة (بالبيع) فلا حرمة و لا كراهة فى غير البيع.

ص: 278

ظاهر عنواناتهم الاختصاص بالبيع، و اظهر منها فى الاختصاص قوله فى التذكرة: الاقرب عندى ان النهى به متعلق بالبيع لا بغيره من المعاوضات، و اظهر من الكل قوله فى مواضع اخر، لو كان لزيد عند عمرو طعام من سلم، فقال: لزيد خذ هذه الدراهم عن الطعام الّذي لك عندى، لم يجز عند الشافعى، لانه بيع المسلم فيه قبل القبض، و الاولى عندى الجواز و ليس هذا بيعا، و انما هو نوع معاوضة، انتهى.

و اصرح من الكل تصريحه فى موضع ثالث بجواز الصلح عن المسلم فيه قبل القبض، لانه عقد مستقل لا يجب مساواته للبيع فى احكامه.

______________________________

(ظاهر عنواناتهم الاختصاص بالبيع، و اظهر منها فى الاختصاص قوله فى التذكرة: الاقرب عندى ان النهى به) اى بالبيع (متعلق بالبيع لا بغيره من المعاوضات، و اظهر من الكل قوله) اى العلامة (فى مواضع اخر، لو كان لزيد عند عمرو طعام من سلم) بان اشترى منه الطعام ليسلّمه بعد شهر مثلا (فقال) المديون: (لزيد خذ هذه الدراهم) بدلا (عن الطعام الّذي لك عندى، لم يجز عند الشافعى، لانه) لم يقبضه بعد، فانه (بيع المسلم فيه) اى الطعام (قبل القبض، و الاولى عندى الجواز) لان الممنوع البيع (و ليس هذا بيعا، و انما هو نوع معاوضة) و لا دليل على بطلان كل معاوضة قبل القبض (انتهى).

(و اصرح من الكل تصريحه فى موضع ثالث بجواز الصلح عن المسلم فيه قبل القبض، لانه) اى الصلح (عقد مستقل لا يجب مساواته للبيع فى احكامه).

ص: 279

و قد صرح جامع المقاصد أيضا فى غير موضع باختصاص الحكم بالبيع دون غيره، و قد تقدم فى كلامه انه لا يجوز بيع السلم قبل قبضه و لا الاستبدال به.

لكن العلامة قد عبّر بلفظ الاستبدال فى كثير من فروع مسئلة البيع قبل القبض، مع ان ما استدل به للمانعين من قصور ولاية المشترى فى التصرف لانفساخ العقد بالتلف جار فى مطلق التصرف فضلا عن المعاوضة

______________________________

و لا يخفى وجه اصرحية بعض هذه الكلمات عن بعضها الاخر.

(و قد صرح جامع المقاصد أيضا فى غير موضع باختصاص الحكم) تحريما او كراهة (بالبيع دون غيره، و قد تقدم فى كلامه) اى كلام جامع المقاصد (انه لا يجوز بيع السلم قبل قبضه، و لا الاستبدال به) اى بغير البيع (لكن) بعض عبائر (العلامة) لا تدل على انه يمنع مطلق الاستبدال، فانه و ان عبّر بالاستبدال لكنه (قد عبّر بلفظ الاستبدال فى كثير من فروع مسئلة البيع قبل القبض) مما يظهر منه ان مراده بالاستبدال: البيع، لا مطلق الاستبدال (مع ان ما استدل به للمانعين) من البيع قبل القبض (من قصور ولاية المشترى فى التصرف) فى المبيع قبل ان يقبضه (لانفساخ العقد بالتلف) فان التلف قبل القبض من مال بائعه و هو (جار فى مطلق التصرف) و لو بان يهب ما اشتراه او يوفيه او نحو ذلك مما ليس بمعاوضة (فضلا عن المعاوضة).

فمن ناحية كلام العلامة المعبّر بلفظ «الاستبدال» لا يدل على المنع عن مطلق المعاوضة.

ص: 280

و قد صرح الشيخ فى المبسوط فى باب الحوالة بانها معاوضة، و المعاوضة على المسلم فيه قبل القبض غير جائز، و هو و ان رجع عن الصغرى فيما بعد ذلك، لكنه لم يرجع عن الكبرى.

و صرح فى الايضاح بابتناء الفرع الآتى اعنى احالة من عليه طعام لغريمه على من له عليه طعام على ان الحوالة معاوضة

______________________________

و من ناحية اخرى كلامه شامل للمعاوضة و غير المعاوضة.

(و قد صرح الشيخ فى المبسوط فى باب الحوالة بانها معاوضة) لان المحيل يعطى المحال عليه عوض ما حوّله (و المعاوضة على المسلم فيه قبل القبض غير جائز) فلا يجوز لمن يطلب السلم ان يحول انسانا ليأخذه.

و كلامه هذا يدل على ان مطلق المعاملة لا تجرى على الشي ء قبل قبضه (و هو) اى الشيخ (و ان رجع عن الصغرى) اى كون الحوالة معاوضة (فيما بعد ذلك) و قال انها ليست بمعاوضة (لكنه لم يرجع عن الكبرى) و هى ان كل معاوضة على المسلم فيه قبل قبضه غير جائز.

(و صرح فى الايضاح) بما يدل على ان مطلق المعاوضة محكوم بحكم البيع قبل القبض.

فانه صرح (بابتناء الفرع الآتى اعنى احالة من عليه طعام لغريمه) اى بائع الطعام سلفا (على من له) اى للبائع (عليه) اى على ذلك الانسان (طعام).

مثلا: باع زيد طعاما لمحمّد سلفا و كان زيد يطلب من عليّ طعاما، فهل لزيد ان يحول محمّدا على عليّ، أم لا؟ (على ان الحوالة معاوضة

ص: 281

مستقلة او استيفاء و ان المعاوضة قبل القبض حرام او مكروه.

و إرادة خصوص البيع من المعاوضة ليست باولى من إرادة مطلق المعاوضة من البيع فى قولهم: ان الحوالة بيع او ليست بيعا، بل هذه اظهر فى كلماتهم.

______________________________

مستقلة او استيفاء).

فان كانت معاوضة لم تصح الحوالة، لانه قبل القبض.

و ان كانت استيفاء صحت الحوالة (و ان المعاوضة قبل القبض حرام او مكروه) فان كانت حراما لم تصح، و ان كانت مكروهة صحت.

و كلامه هذا يدل على ان مطلق المعاوضة قبل القبض محكوم بحكم البيع قبل القبض.

(و) ان قلت: لعلّ من منع من مطلق المعاوضة اراد البيع من المعاوضة.

قلت: (إرادة خصوص البيع من المعاوضة ليست باولى من إرادة مطلق المعاوضة من البيع).

فحيث ذكر الفقهاء انه لا يصح البيع قبل القبض ارادوا لا يصح مطلق المعاوضة من باب اطلاق الخاص على العام (فى قولهم: ان الحوالة بيع او ليست بيعا) فمرادهم من البيع معاوضة- فى قبال كونها استيفاء و قوله «فى قولهم» متعلق «بإرادة» (بل هذه) اى إرادة مطلق المعاوضة من البيع (اظهر فى كلماتهم) فاللازم ان نقول بان اجراء كل معاملة على غير المقبوض حاله حال اجراء البيع عليه.

ص: 282

و قد صرح الاكثر بان تراضى المسلّم و المسلم إليه على قيمة المسلّم فيه من بيع الطعام قبل القبض.

فاستدلوا باخباره على جوازه.

و يؤيده أيضا قوله فى التذكرة: لو كان لزيد طعام على عمرو سلما، و لخالد مثله على زيد، فقال زيد: اذهب الى عمرو، و اقبض لنفسك ما لى عليه لم يصحّ لخالد عند اكثر علمائنا.

و به قال الشافعى و احمد، لان النبي صلى الله عليه و آله و سلم نهى عن بيع الطعام بالطعام حتى يجرى فيه صاعان

______________________________

(و قد صرح الاكثر بان تراضى المسلّم) و هو المشترى (و المسلم إليه) و هو البائع (على قيمة المسلّم فيه) بان لا يسلّمه الطعام الّذي اشتراه منه بل يعطيه قيمة الطعام (من بيع الطعام قبل القبض) «من» خبر «بان»

(فاستدلوا باخباره) اى اخبار بيع الطعام قبل القبض (على جوازه) اى جواز التراضي المذكور.

(و يؤيده أيضا) اى يؤيد كون الحكم عاما لا خاصا بالبيع (قوله فى التذكرة: لو كان لزيد طعام على عمرو سلما، و لخالد مثله على زيد) فخالد يطلب من زيد و زيد يطلب من عمرو (فقال زيد) لخالد (اذهب الى عمرو، و اقبض لنفسك ما) اى الشي ء الّذي (لى عليه) اى على عمرو (لم يصحّ لخالد) القبض (عند اكثر علمائنا).

(و به) اى بعدم الصحة (قال الشافعى و احمد، لان النبي صلى الله عليه و آله و سلم نهى عن بيع الطعام بالطعام حتى يجرى فيه صاعان

ص: 283

صاع البائع و صاع المشترى.

و سيأتى ابتناء هذا الفرع فى كلام جماعة على مسئلة البيع قبل القبض

نعم ذكر الشهيد انه كالبيع قبل القبض.

و صرح بابتناء الحكم فيما لو قال للمسلّم: اشتر لى بهذه الدراهم طعاما، و اقبضه لنفسك على حكم البيع قبل القبض.

______________________________

صاع البائع و صاع المشترى) اى يقبضه البائع و يقبضه المشترى، و هنا لم يقبض زيد ما يطلبه من عمرو، فكيف يعطيه لخالد.

(و سيأتى ابتناء هذا الفرع) اى حوالة زيد خالدا على عمرو (فى كلام جماعة) من الفقهاء (على مسئلة البيع قبل القبض) مما يظهر منه ان الحكم عامّ لكل معاوضة، لا خاص بالبيع فقط.

(نعم ذكر الشهيد) ان المسألة المذكورة ليست من فروع البيع قبل القبض- فلا يراد بالبيع فى كلامهم كل معاوضة- بل قال: (انه كالبيع قبل القبض) اى نظيره، فاراد بالبيع فى مسئلة «البيع قبل القبض» البيع بذاته.

(و صرح) الشهيد (بابتناء الحكم فيما لو قال) البائع (للمسلم) المشترى (اشتر لى بهذه الدراهم طعاما، و اقبضه لنفسك) عوض طلبك الطعام عنى (على حكم البيع قبل القبض) لان المشترى اذا اشترى الطعام صار ملكا للبائع فاذا اخذه بدل ماله على البائع كان مثل ان البائع باعه هذا الطعام قبل ان يقبضه.

ص: 284

و كيف كان فالمسألة محل اشكال، من حيث اضطراب كلماتهم، الا ان الاقتصار فى مخالفة الاصل على المتيقن هو المتعين.

و منه يظهر جواز بيع ما انتقل بغير البيع من المعاوضات كالصلح و الاجارة و الخلع كما صرح به فى الدروس فضلا عن مثل الارث و

______________________________

(و كيف كان فالمسألة) فى ان حكم البيع قبل القبض عام لكل معاوضة او خاص بالبيع (محل اشكال من حيث اضطراب كلماتهم الا ان الاقتصار فى مخالفة الاصل) فان عدم جواز البيع قبل القبض مخالف للاصل، اذ الاصل جواز ان يتصرف فيه المالك بما شاء و ان لم يقبضه (على المتيقن) الّذي هو البيع (هو المتعين) هذا كله فيما اذا اشترى شيئا ثم يريد ان ينقله الى غيره- قبل القبض- نقلا بغير البيع.

(و منه) اى مما ذكرنا من الاقتصار على المتيقن، و هو «ما اشتراه بيعا و اراد ان يبيعه قبل القبض» (يظهر جواز بيع ما انتقل) الى الانسان (بغير البيع من المعاوضات كالصلح و الاجارة و الخلع).

مثلا: اذا صالح زيد عن شي ء بمنّ حنطة، و لم يقبض الحنطة ثم اراد بيع تلك الحنطة او صالحه من آخر، جاز.

و كذلك اذ انتقل إليه ثمرة البستان بالاجارة و لم يقبض الثمرة، ثم اراد بيعها او صلحها.

و كذلك اذا انتقل الى الزوج مالا عن الزوجة المختلعة و لم يقبضه الزوج و اراد بيعه او صلحه- مثلا- (كما صرح به فى الدروس) اى بمثل الصلح و الاجارة و الخلع (فضلا عن) ما اذا انتقل إليه من (مثل الارث و

ص: 285

القرض و مال الكتابة و الصداق و غيرها.

نعم لو ورث ما اشترى و لم يقبض، او اصدقه، او عوض عن الخلع جرى الخلاف فى بيعه.

الثالث: هل المراد من البيع المنهى [إيقاع عقد البيع على ما لم يقبض أو ما يعم تشخيص الكلى المبيع به]

______________________________

القرض و مال الكتابة و الصداق و غيرها) مما ليست معاوضة، فان للانسان ان يبيع هذه الاموال قبل ان يقبضها، و ان يجرى عليها سائر انحاء النقل

(نعم لو ورث) زيد (ما اشترى)- بصيغة المجهول- اى ما اشتراه ابوه مثلا (و لم يقبض) الأب حتى مات، فورثه ولده (او اصدقه) اى اعطى الأب الصداق و لن تقبض الزوجة حتى ماتت و ورثها ولدها (او عوض) الأب (عن الخلع) و لم يقبضه الأب، حتى مات و ورثه ولده (جرى الخلاف فى بيعه) لان الولد يقوم مقام الأب حينئذ فى انه يريد بيع شي ء لم يقبضه.

و قد تقدم ان الاصل جواز اجراء البيع عليه للاقتصار فى مخالفة الاصل على المتيقن.

اقول: و يحتمل ان يكون «اصدقه عوض الخلع» عطفا على «ورث» اى ان الأب اشترى و لم يقبض ثم ورّث او أعطى ما اشتراه صداقا او اشترت المرأة و لم تقبض و اعطته خلعا فهل يجوز للولد الوارث و المرأة التى اخذت المال مهرا و الزوج الّذي اخذ عوض الخلع ان يبيعوا هذه الاموال أم لا، لانها من البيع قبل القبض يبنى على الخلاف المتقدم فى انه هل يحرم البيع قبل القبض او يكره.

(الثالث) من التنبيهات (هل المراد من البيع المنهى) قبل القبض

ص: 286

ايقاع عقد البيع على ما لم يقبض، او ما يعمّ تشخيص الكلى المبيع به فيكون المنهى عنه نقل ما لم يقبض بسبب خاص، هو البيع كما لو نهى عن بيع أمّ الولد، او حلف على ان لا يبيع مملوكه، حيث لا فرق بين ايقاع البيع عليه او دفعه عن الكلى المبيع.

______________________________

(ايقاع عقد البيع على ما لم يقبض) فقط (او ما يعمّ تشخيص الكلى المبيع به) اى بما لم يقبض، مثل انه باع منّا من الحنطة كليا، ثم اشترى منّا شخصيا من زيد، فيقول لمن باعه الكلى اذهب و خذ منّك من زيد، فانه لم تجر المعاملة على منّه المشترى من زيد، بل شخص الكلى الّذي باعه فى هذا المنّ المشترى من زيد (فيكون المنهى عنه) شرعا (نقل ما لم يقبض) نقلا (بسبب خاص هو البيع) اى ان الشارع نهى ان ينقل الانسان ما لم يقبضه فيما اذا كان النقل بالبيع.

اما اذا كان النقل بالهبة او ما اشبهها فلا بأس به، و بناء على التعميم يكون حال المقام- فى عدم جواز تشخيص الكلى بما لم يقبض- (كما لو نهى عن بيع أمّ الولد، او حلف على ان لا يبيع مملوكه، حيث لا فرق بين ايقاع البيع عليه) بان يقول: بعتك أم ولدى او بعتك مملوكى (او دفعه عن الكلى المبيع) كما اذا باعه وصيفة كلية، ثم اعطاه أم ولده وفاء او باعه خادما ثم اعطاه عبده الّذي نذر ان لا يبيعه.

لكن لا يخفى ان النذر تابع لقصد الناذر، و كذلك الحلف فان كان قصده فى الحلف و النذر ان لا يجرى على عبده معاملة شخصية، لم يكن اعطائه وفاء للكلى خلاف النذر و الحلف.

ص: 287

ظاهر النص و الفتوى و ان كان هو الاول، بل هو المتعين فى الاخبار المفصلة بين التولية و غيرها، الا ان المعنى الثانى لا يبعد عن سياق مجموع الاخبار.

و عليه فلو كان عليه سلم لصاحبه فدفع إليه دراهم، و قال: اشتر لى بها طعاما، و اقبضه لنفسك، جرى فيه الخلاف فى بيع ما لم يقبض، كما صرح به فى الدروس، و لكن فى بعض الروايات دلالة على الجواز.

مثل صحيحة يعقوب ابن شعيب، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام

______________________________

(ظاهر النص و الفتوى و ان كان هو الاول) اى النهى عن ايقاع عقد البيع على ما لم يقبض (بل هو المتعين فى الاخبار المفصلة بين التولية و غيرها) اذ التولية عبارة عن البيع الشخصى فمعنى الحديث المفصّل ان البيع الشخصى يجوز فى التولية و لا يجوز فى غير التولية (الا ان المعنى الثانى) اى ان النهى اعم من تشخيص الكلى المبيع بما لم يقبض (لا يبعد عن سياق مجموع الاخبار).

(و عليه) اى بناء على النهى عن الاعم (فلو كان عليه سلم لصاحبه) فاشترى على من محمد منّا من الحنطة سلما (فدفع) المديون (إليه) اى الى المطالب (دراهم، و قال: اشتر لى بها طعاما، و اقبضه لنفسك) عوضا عن المنّ الّذي تطلبه منى (جرى فيه الخلاف فى بيع ما لم يقبض) هل انه حرام او مكروه؟ (كما صرح به فى الدروس، و لكن فى بعض الروايات دلالة على الجواز) فى تطبيق الكلى المبيع على غير المقبوض.

(مثل صحيحة يعقوب ابن شعيب، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام

ص: 288

عن الرجل يكون له على الآخر احمال من رطب او تمر، فيبعث عليه بدنانير فيقول: اشتر بهذه، و استوف منه الّذي لك، قال: لا بأس، اذا ائتمنه.

لكن فى صحيحة الحلبى قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اسلفته دراهم فى طعام فلما حلّ طعامى عليه بعث إليّ بدراهم، فقال: اشتر لنفسك طعاما، و استوف حقك قال ارى ان يولّى ذلك غيرك، و تقوم معه حتى يقبض الّذي لك، و لا تتول انت شرائه.

و فى موثقة عبد الرحمن يكون معه غيره

______________________________

عن الرجل يكون له على الآخر احمال من رطب او تمر، فيبعث) الرجل المديون (عليه) اى على الرجل المطالب (بدنانير، فيقول: اشتر بهذه) الدنانير (و استوف منه الّذي لك) هل يجوز ذلك؟ (قال) عليه السلام (لا بأس، اذا ائتمنه) اى اذا رأى المديون ان المطالب امين يصلح لان يشترى بالدنانير ما يطلب، فلا يزيد و لا ينقص.

(لكن فى صحيحة الحلبى) ما يظهر منه عدم صحة ذلك (قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اسلفته دراهم فى طعام فلما حل طعامى عليه بعث الى بدراهم، فقال: اشتر لنفسك طعاما، و استوف حقك) هل يصح ذلك؟ (قال) عليه السلام (ارى ان يولّى) المديون (ذلك) الشراء (غيرك، و تقوم) انت (معه) اى مع المديون- بان لا تذهب انت للاشتراء- (حتى يقبض) المديون (الّذي لك) و قد اشتراه وكيله (و لا تتول انت شرائه)

فان قوله عليه السلام «حتى يقبض» ظاهر فى لزوم قبضه.

(و فى موثقة عبد الرحمن يكون معه) اى مع المطالب (غيره) اى

ص: 289

يوفيه ذلك.

لكن ظاهر الخبرين كراهة مباشرة الشراء من جهة كونه فى معرض التهمة، و المطلوب صحة الشراء، و عدم جواز الاستيفاء.

ثم ان هذا كله اذا كان الطعام المشترى شخصيا.

______________________________

شخص آخر، وكيل عن قبل المديون يشترى الطعام، و (يوفيه) اى يوفى للمطالب (ذلك) الطعام.

(لكن) لا يخفى ان (ظاهر الخبرين) ليعقوب و الحلبى (كراهة مباشرة الشراء) من المطالب (من جهة كونه فى معرض التهمة).

فالنهى عن الشراء- و الحال ان الشراء ليس بحرام قطعا و انما المختلف فيه الاستيفاء- هل هو حرام، أم لا؟ (و) الحال ان (المطلوب) لمن يحرم تطبيق الكلى على غير المقبوض (صحة الشراء) اذ لا بأس بشراء المطالب وكالة عن المديون (و عدم جواز الاستيفاء).

فلو اراد الخبران بيان حرمة الاستيفاء لقالا «قبّضه ما اشتريت ثم استوف حقك منه» خصوصا و قد قال الامام عليه السلام فى خبر يعقوب «ارى» فانه ظاهر فى بيان المصلحة، لا الحكم الشرعى.

(ثم ان هذا) الّذي ذكرناه من الاختلاف فى تشخيص الكلى المبيع بما لم يقبض (كله اذا كان الطعام المشترى) اى الّذي اشتراه المطالب بالوكالة عن المديون (شخصيا) بان ذهب المطالب و اشترى هذا المن الخارجى من الحنطة، و اراد ان يأخذه وفاء عن طلبه عن المديون.

ص: 290

و اما اذا وكله فى شراء الكلى، فلا يجرى فيه ذلك لان تشخيص ما باعه سلما فى الطعام الكلى المشترى موقوف على قبضه، ثم اقباضه، و بدون ذلك لا يمكن الايفاء، الا بالحوالة او التوكيل فيدخل المسألة فيما ذكره فى الشرائع و غيرها تبعا للمبسوط بل نسب الى المشهور من انه لو كان له على غيره طعام من سلم

______________________________

(و اما اذا وكله) اى وكل المديون المطالب (فى شراء الكلى) بان قال المديون للمطالب: اشتر بهذه الدنانير منّا كليا من الحنطة (فلا يجرى فيه) اى فى الكلى (ذلك) الاختلاف، فى انه هل يصح للمطالب قبضه قبل قبض المديون، أم لا؟

و انما لا يجرى (لان تشخيص ما باعه سلما فى الطعام الكلى المشترى) اى الّذي اشتراه المطالب (موقوف على قبضه) اى قبض المديون قطعا.

اذ الكلى الّذي اشتراه المطالب لا يتشخص فى عين خارجية، الا اذا قبضها المديون (ثم اقباضه) للمطالب (و بدون ذلك) اى و بدون قبض المديون (لا يمكن الايفاء).

اذ الكلى بدون القبض لا يتشخص (الا بالحوالة) بان يحيل المديون المطالب على الّذي باع كليّا (او التوكيل) بان يوكل المديون المطالب ان يقبض الطعام الّذي اشتراه كليا فيقبضه عن المديون، ثم يأخذه لنفسه من باب السلم (فيدخل المسألة) اى مسئلة ما لو قال المديون للمطالب اشتر كليا و خذ ما تطلب (فيما ذكره فى الشرائع و غيرها تبعا للمبسوط، بل نسب الى المشهور من انه لو كان له) اى للمطالب (على غيره) و هو المديون (طعام من سلم،

ص: 291

و عليه مثل ذلك، فامر غريمه ان يكتال لنفسه من الآخر، فانه يكره او يحرم على الخلاف.

و قد علّل ذلك فى الشرائع بانه قبضه عوضا عن ماله قبل ان يقبضه صاحبه.

و ذكر المسألة فى القواعد بعنوان الحوالة، قال: لو احال من عليه طعام من سلم بقبضه على من له عليه مثله من سلم،

______________________________

و عليه) اى على المطالب (مثل ذلك) الطعام لشخص ثالث (فامر) المطالب (غريمه) و هو الشخص الثالث (ان يكتال لنفسه من الآخر) و هو المديون (فانه يكره او يحرم على الخلاف) فى بيع ما لم يقبض.

مثلا: كان محمد يطلب من عليّ و كان الحسن يطلب من محمّد، فقال محمد للحسن خذ ما تطلبنى من عليّ.

(و قد علّل ذلك) الاشكال- تحريما او كراهة- (فى الشرائع بانه) اى الشخص الثالث كالحسن فى المثال (قبضه) من عليّ المديون (عوضا عن ماله) الّذي يطلبه من محمد (قبل ان يقبضه صاحبه) اى محمد المطالب من عليّ، فيكون هذا من قبيل بيع ما لم يقبض.

(و ذكر المسألة) و هى مسئلة احالة المديون من يطالبه الى الشخص الثالث الّذي يطلب منه المديون (فى القواعد بعنوان الحوالة، قال: لو احال من عليه طعام من سلم) اى احال المديون (بقبضه) اى احال بان يقبض المطالب الطعام (على من) و هو الشخص الثالث الّذي (له) اى للمديون (عليه) اى على الشخص الثالث (مثله) اى مثل الطعام (من سلم)

ص: 292

فالاقوى الكراهة.

و على التحريم يبطل، لانه قبضه عوضا عن ماله قبل ان يقبضه صاحبه

و بنى فى الايضاح جريان الخلاف فى المسألة على ان الحوالة معاوضة او استيفاء.

و ان المعاوضة على مال المسلّم قبل القبض حرام او مكروه.

و

______________________________

بان يطلب المديون الثالث أيضا سلما (فالاقوى الكراهة) لهذه الحوالة

(و) قال بناء (على التحريم) اى تحريم البيع قبل القبض (يبطل) هذه الحوالة (لانه) اى الثالث (قبضه) الطعام (عوضا عن ماله) الّذي يطلبه من المديون (قبل ان يقبضه صاحبه) و هو المديون.

(و بنى فى الايضاح جريان الخلاف فى المسألة) المذكورة و هو الخلاف فى انه هل يحرم، أم لا؟ (على ان الحوالة معاوضة او استيفاء).

فان قلنا انه استيفاء لم يكن به بأس، اذ الدليل انما دلّ على الاشكال فى المعاوضة.

(و) لو قلنا انه معاوضة نقول: هل (ان المعاوضة على مال المسلّم) الّذي عند المحال عليه (قبل القبض) اى قبل قبض المسلّم (حرام او مكروه)

فعلى تقدير الحوالة لا حرمة و لا كراهة.

و على تقدير المعاوضة حرام او مكروه- على الخلاف فى البيع قبل القبض-.

(و) لكن مع تصريح هؤلاء بان المسألة المذكورة داخلة فى بيع ما لم

ص: 293

انكر جماعة ممن تأخر عن العلامة كون هذه المسألة من محلّ الخلاف فى بيع ما لم يقبض بناء على ان الحوالة ليست معاوضة فضلا عن كونها بيعا، بل هى استيفاء.

اقول: ذلك اما وكالة و اما حوالة.

و على كل تقدير يمكن تعميم محل الخلاف لمطلق المعاوضة، و يكون البيع كناية عنها.

______________________________

يقبض، فقد (انكر جماعة ممن تأخر عن العلامة كون هذه المسألة) و هى احالة المديون دائنه على الشخص الثالث (من محلّ الخلاف فى بيع ما لم يقبض) و انما انكروا ذلك (بناء على ان الحوالة ليست معاوضة فضلا عن كونها بيعا، بل هى) اى الحوالة (استيفاء) و الاشكال انما كان فى البيع فقط او فى مطلق المعاوضة.

(اقول) ما انكره الجماعة ليس على ما ينبغى، بل المسألة مندرجة فى بيع ما لم يقبض.

كما ان بناء الايضاح على انه ان كانت حوالة فليست داخلة فى محل الاشكال أيضا و ليس على ما ينبغى.

و (ذلك) لان حوالة المديون المطالب الى الثالث (اما وكالة و اما حوالة).

(و على كل تقدير يمكن تعميم محل الخلاف) فى بيع ما لم يقبض هل انه مكروه او حرام؟ (لمطلق المعاوضة) الشاملة حتى لمثل الوكالة و الحوالة (و يكون البيع) الوارد فى الروايات و الفتاوى (كناية عنها) اى عن مطلق

ص: 294

و لذا نسب- فيما عرفت من عبارة التذكرة- المنع فى هذه المسألة التى اكثر علمائنا و جماعة من العامة محتجين بالنبوى المانع عن بيع ما لم يقبض.

و استند الشيخ ره أيضا فى المنع الى الاجماع على عدم جواز بيع ما لم يقبض و قد عرفت ما ذكره الشيخ فى باب الحوالة.

و لعله لذا قال الشهيد فى الدروس- فى حكم المسألة- انه كالبيع قبل القبض، لكنه ره تعرض فى بعض تحقيقاته لتوجيه ادراج المسألة فى البيع

______________________________

المعاوضة- كما عرفت-.

(و لذا نسب- فيما عرفت من عبارة التذكرة-) قبل اسطر (المنع فى هذه المسألة الى اكثر علمائنا و جماعة من العامة) و هم الشافعى و احمد فى حالكونهم (محتجين) للمنع (بالنبوى المانع عن بيع ما لم يقبض).

(و استند الشيخ ره أيضا فى المنع) اى فى هذه المسألة (الى الاجماع على عدم جواز بيع ما لم يقبض) مما يدل على ان الحوالة و الوكالة المذكورتين داخلتين فى محل الخلاف (و قد عرفت ما ذكره الشيخ فى باب الحوالة) بان الحوالة معاوضة، و كلامه كان قبل كلام التذكرة باسطر فراجع.

(و لعله لذا) الّذي ذكرنا من ان الحوالة و الوكالة داخلتين فى مسئلة بيع ما لم يقبض (قال الشهيد فى الدروس- فى حكم المسألة-) اى مسئلة الحوالة المذكورة (انه كالبيع قبل القبض، لكنه ره تعرض فى بعض تحقيقاته لتوجيه ادراج المسألة فى البيع) لا ان المسألة كالبيع.

ص: 295

بان مورد السلم لما كان ماهية كلية ثابتة فى الذمة منطبقة على افراد لا نهاية لها، فأيّ فرد عينه المسلم إليه تشخص بذلك الفرد، و انصب العقد عليه، فكانه لما قال الغريم اكتل من غريمى فلان، قد جعل عقد السلم معه و ارادا على ما فى ذمة المسلف منه و لما يقبضه بعد.

و لا ريب انه مملوك له بالبيع فاذا جعل موردا للسلم الّذي هو بيع يكون بيعا للطعام قبل قبضه فيتحقق الشرطان

______________________________

و ذلك (ب) ان قال (ان مورد السلم لما كان ماهية كلية ثابتة فى الذمة منطبقة على افراد لا نهاية لها) فان المشترى انما يشترى من البائع منّا من الحنطة الكلية الّذي ينطبق ذلك المنّ من الحنطة على كل فرد فرد (فأيّ فرد عيّنه المسلم إليه) اى البائع (تشخص بذلك) التعيين (الفرد) المبيع (و انصب العقد عليه).

و اذا تحقق ذلك نقول فى وجه ان المسألة من صغريات مسئلة البيع قبل القبض (فكانه لما قال الغريم) البائع للمشترى المطالب (اكتل من غريمى فلان) اى خذ كيلك ممن اطلب منه، و هو الشخص الثالث الّذي يطلب منه البائع (قد جعل عقد السلم معه) اى مع المشترى (و ارادا على ما فى ذمة المسلف منه) و هو الشخص الثالث (و لما يقبضه) البائع (بعد)

(و لا ريب انه) اى ما يطلبه البائع من الشخص الثالث (مملوك له) اى للبائع (بالبيع، فاذا جعل) البائع ذلك الّذي يطلبه (موردا للسلم الّذي هو بيع) للمشترى (يكون بيعا للطعام قبل قبضه) فان البائع قد باع ما اشتراه قبل ان يقبضه (فيتحقق الشرطان).

ص: 296

و يلحق بالباب.

و هذا من لطائف الفقه، انتهى.

و اعترضه فى المسالك بان مورد السلم و نظائره من الحقوق الثابتة فى الذمة لما كان امرا كلّيا، كان البيع المتحقق به هو الامر الكلى.

و ما يتعين لذلك من الاعيان الشخصية بالحوالة و غيرها ليس هو نفس المبيع، و ان كان الامر الكلى انما يتحقق فى ضمن الافراد الخاصة،

______________________________

و الشرط الثانى: كونه قبل قبضه (و يلحق) هذا الفرع (بالباب) اى باب البيع قبل القبض.

(و هذا) الّذي ذكرنا من كيفية ادخال المسألة فى البيع قبل القبض (من لطائف الفقه، انتهى).

(و اعترضه فى المسالك بان مورد السلم و نظائره من الحقوق الثابتة فى الذمة) فان المشترى يطلب من البائع- فى السلم- منّا كلّيا من الحنطة قابلا للانطباق على كل منّ منّ (لما كان امرا كلّيا، كان البيع المتحقق به) ذلك (هو الامر الكلى) «كان البيع» جواب «لما».

و انما كان الامر الكلى لا يتحقق الا بالامر الكلى، لان الكلية غير محدود، اذ تعلق اللامحدود بالمحدود غير معقول.

(و ما يتعين لذلك) الكلى (من الاعيان الشخصية) يتعين (بالحوالة و غيرها) كما اذا اعطى البائع المشترى فردا خارجيا- من باب الوفاء- (ليس هو نفس المبيع) لان المبيع كلى، و هذا المعين- خارجيا- شخصى (و ان كان الامر الكلى انما يتحقق فى ضمن الافراد الخاصة) «ان» وصلية

ص: 297

فانها ليست عينه.

و من ثم لو ظهر المدفوع مستحقا او معيبا يرجع الحق الى الذمة و المبيع المعين ليس كذلك.

و حينئذ فانصباب العقد على ما قبض، و كونه حينئذ مبيعا غير واضح.

فالقول بالتحريم به عند القائل به فى غيره، غير متوجه، انتهى.

______________________________

(فانها) اى الافراد الخاصة (ليست عينه) اى عين الكلى.

(و من ثم) اى من حيث ان الفرد الخارجى ليس نفس المبيع (لو ظهر المدفوع) اى الفرد الّذي دفعه البائع من باب الوفاء بالكلي (مستحقا) للغير (او معيبا يرجع الحق) اى حق المشترى (الى الذمة) و لو كان الكلى تشخص فى هذا الفرد لم يرجع الى الذمة (و المبيع المعين) الشخصى (ليس كذلك).

فانه اذا ظهر معيبا او مستحقا لم يبدل الى فرد آخر، بل اذا ظهر مستحقا بطل البيع، و اذا ظهر معيبا كان للمشترى الخيار، و فى الكلى لا خيار و لا بطلان اذا ظهر الفرد المعيّن معيبا او مستحقا.

(و حينئذ) اى حين قلنا بان الكلى لا ينقلب الى الفرد الخارجى بالتعيين (ف) ما ذكره الشهيد الاول من (انصباب العقد على ما قبض، و كونه) اى ما قبض (حينئذ) اى حين قبض (مبيعا، غير واضح).

(فالقول بالتحريم به) اى بتعيين البائع دينه فيما يطلبه (عند القائل به) اى بتحريم البيع قبل القبض (فى غيره، غير متوجه، انتهى) فلا يحرم ان يحول المديون المطالب الى الشخص الثالث.

ص: 298

اقول: ما ذكره من منع تشخيص المبيع فى ضمن الفرد الخاص المدفوع و ان كان حقا، من حيث عدم انصباب العقد عليه، الا انه يصدق عليه انتقاله الى المشترى بعقد البيع، فاذا نهى الشارع عن بيع ما لم يقبض نظير نهيه عن بيع أمّ الولد و عن بيع ما حلف على ترك بيعه، فانه لا فرق بين ايقاع العقد عليه، و بين دفعه عن الكلى المبيع.

______________________________

(اقول) ان رد الشهيد الثانى على الشهيد الاول فى المقدمة صحيح و لكن النتيجة هى كما قاله الشهيد الاول.

فان (ما ذكره) الشهيد الثانى (من منع تشخيص المبيع فى ضمن الفرد الخاص المدفوع و ان كان) ذلك المنع (حقا، من حيث عدم انصباب العقد عليه، الا انه يصدق عليه) اى على هذا الفرد المدفوع (انتقاله الى المشترى بعقد البيع) و لذا يقول المشترى: اشتريت هذا الفرد (فاذا نهى الشارع عن بيع ما لم يقبض نظير نهيه عن بيع أمّ الولد و عن بيع ما حلف على ترك بيعه) يكون تطبيق كلى البيع على ذلك الفرد مشمولا للنهى (فانه لا فرق بين ايقاع العقد عليه، و بين دفعه عن الكلى المبيع).

فلا فرق فى ارتكاب النهى ان يبيع أمّ الولد او ان يبيع امة كلية، ثم يعطى أمّ الولد من باب الوفاء.

و كذلك لا فرق بين ان يبيع المحلوف على عدم بيعه او يبيع كليا ثم يعطى المحلوف على ترك بيعه من باب الوفاء.

و كذلك فيما نحن فيه لا فرق بين ان يبيع غير المقبوض او ان يعطى غير المقبوض من باب الوفاء.

ص: 299

لكن يرد على ما ذكره الشهيد عدم تشخص الكلى بالكلي، الا بالحوالة الراجعة الى الاستيفاء او المعاوضة.

و هذا لا يسوغ اطلاق البيع على الكلى المتشخص به بحيث يصدق انه انتقل الى المحال بناقل البيع.

نعم هذا التوجيه انما يستقيم فى الفرع المتقدم عن الدروس، و هو ما اذا امره

______________________________

و على هذا فلا يرد على الشهيد الاول كون المشخص غير مبيع كما اراد المسالك ان يورده عليه.

(لكن يرد على ما ذكره الشهيد) الاول ان الحوالة ليست بيعا، فليس المقام من بيع ما لم يقبض (عدم تشخص الكلى بالكلي، الا بالحوالة الراجعة) تلك الحوالة (الى الاستيفاء او المعاوضة) اى ان كلّى ما يطلبه المشترى من البائع لا يتشخص فى الكلى الّذي يطلبه البائع من الشخص الثالث الا بحوالة البائع المشترى الى الشخص الثالث.

(و هذا) التشخص بسبب الحوالة (لا يسوغ اطلاق البيع على الكلى المتشخص به) اى المتشخص بسبب التحويل و الحوالة فلا يقال: ان مال الكلى الثالث انتقل الى المشترى بالبيع، و انما انتقل إليه بالحوالة، فلا يسوغ اطلاق البيع (بحيث يصدق انه) اى ما فى ذمة الشخص الثالث (انتقل الى المحال بناقل البيع) بل انتقل إليه بناقل الحوالة.

(نعم هذا التوجيه) و هو كون الانتقال الى المحال بالبيع (انما يستقيم فى الفرع المتقدم عن الدروس؛ و هو ما اذا امره) اى امر المديون

ص: 300

بقبض الطعام الشخصى الّذي اشتراه للمشترى، فان مجرد قبضه باذن البائع مشخص للكلى المبيع فى ضمنه فيصدق انه انتقل بالبيع قبل ان يقبض.

و يمكن ان يقال: ان تشخيص الكلى المبيع فى الكلى المشترى يكفى فيه اذن البائع فى قبض بعض افراد الكلى المشترى من دون حاجة الى حوالة، فاذا وقع فرد منه فى يد المشترى، صدق انه انتقل بالبيع قبل القبض.

______________________________

المطالب (بقبض الطعام الشخصى الّذي اشتراه) المديون (للمشترى) مثلا: المديون لزيد بمنّ من الحنطة، ذهب، و اشترى منّا من الحنطة الشخصية و لم يقبضه، ثم قال لزيد اذهب و خذ الحنطة (فان مجرد قبضه) اى قبض المشترى ذلك المنّ (باذن البائع مشخص للكلى المبيع) اى الكلى الّذي اشتراه زيد من المديون (فى ضمنه) متعلق ب «مشخص» اى يتشخص ذلك الكلى فى ضمن هذا الفرد (فيصدق انه) اى ان هذا الفرد الّذي اشتراه المديون (انتقل بالبيع قبل ان يقبض) لان المديون الّذي اشتراه لم يقبضه.

(و يمكن ان يقال: ان تشخيص الكلى المبيع فى الكلى المشترى) بصيغة المجهول (يكفى فيه اذن البائع فى قبض بعض افراد الكلى المشترى من دون حاجة الى حوالة، فاذا وقع فرد منه من يد المشترى، صدق انه انتقل بالبيع قبل القبض).

ص: 301

و كيف كان، فالاظهر فى وجه ادخال هذه المسألة فى محلّ الخلاف تعميم مورد الخلاف لمطلق الاستبدال حتى المحقق بالحوالة، و ان لم نقل بكونها بيعا، و المسألة تحتاج الى فضل تتبع، و الله الموفق.

و استدل فى الحدائق على الجواز بما عن المشايخ الثلاثة بطريق صحيح، و موثق، عن عبد الرحمن ابن ابى عبد الله قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل عليه كرّ من طعام، فاشترى كرّا من رجل

______________________________

(و كيف كان، فالاظهر فى وجه ادخال هذه المسألة) و هى مسئلة حوالة المطالب على من يطلب منه المديون (فى محل الخلاف) اى فى مسئلة بيع ما لم يقبض التى هى محل الخلاف بين الفقهاء، هل هو حرام او مكروه؟ (تعميم مورد الخلاف لمطلق الاستبدال، حتى) الاستبدال (المحقق بالحوالة، و ان لم نقل بكونها) اى الحوالة (بيعا، و المسألة) هل هى عامة تشمل الحوالة او خاصة بالبيع (تحتاج الى فضل تتبع، و الله الموفق) و ان كان الظاهر انها ليست بيعا.

اما مسئلة بيع أمّ الولد و المحلوف على ترك بيعه، فتطبيق الكلى المبيع عليهما محظور، لانه فهم من الدليل، و قصد الناذر ان الممنوع اعم من البيع الشخصى، و الا لم تكن نقل بشمول الدليل لهما أيضا و الله العالم

(و استدل فى الحدائق على الجواز) اى جواز مسئلة ان يحيل المديون المطالب الى الشخص الثالث (بما عن المشايخ الثلاثة بطريق صحيح، و موثق، عن عبد الرحمن ابن ابى عبد الله قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل عليه كرّ من طعام، فاشترى) المديون (كرّا من رجل

ص: 302

آخر، فقال للرجل انطلق فاستوف كرّك، قال لا بأس به.

و فيه انه لا دلالة لها على محل الكلام، لان الكلام فيما اذا كان المالان سلمين.

و مورد الرواية اعطاء ما اشترى به قبل قبضه وفاء عن دين لم يعلم انه سلم، او قرض، او غيرهما.

و قد استدل به فى التذكرة على جواز ايفاء القرض بمال السلم.

و لذا قال جامع المقاصد

______________________________

آخر) اى شخص ثالث (فقال) المديون (للرجل) المطالب (انطلق فاستوف كرّك) هل يجوز ذلك؟ (قال) عليه السلام (لا بأس به).

(و) لكن (فيه انه لا دلالة لها على محل الكلام، لان الكلام فيما اذا كان المالان سلمين) بان كان المطالب يطلب من المديون مالا سلما، و كان المديون يطلب من شخص ثالث سلما، ثم يحول المديون المطالب الى الشخص الثالث.

(و مورد الرواية اعطاء) المديون (ما اشترى به) اى بالسلم (قبل قبضه وفاء عن دين) اى دين المطالب (لم يعلم انه) اى ذلك الدين (سلم، او قرض، او غيرهما) كضمان تالف مثلا، لانه قال: «عليه كرّ من طعام» و لم يعلم انه كيف صار عليه الكر.

(و قد استدل به) اى بهذا الحديث (فى التذكرة على جواز ايفاء القرض بمال السلم) ففسّر قوله «عليه كرّ من طعام» بانه عليه من باب القرض

(و لذا) الّذي ذكرنا انه اذا لم يكن سلما جاز (قال جامع المقاصد

ص: 303

فى شرح قوله ره و لو احال من عليه طعام من سلم بقبضه على من له عليه مثله من سلم ... الخ فان قلت: لم اعتبر كون المالين معا سلمين قلت:

لان المنع انما هو من بيع ما لم يقبض، و اذا كان احد المالين سلما دون الآخر، لم يتعين، لكونه مبيعا، لامكان اعتباره ثمنا، اذ: لا معين لاحدهما انتهى.

______________________________

فى شرح قوله) اى قول العلامة (ره و لو احال من عليه طعام من سلم) اى احال المديون (بقبضه) اى بان يقبضه المطالب احالة (على من) اى الشخص الثالث الّذي (له) اى للمديون (عليه) اى على الثالث (مثله) اى مثل الطعام الّذي هو مديون للمطالب (من سلم ...) اى طلب المديون من الثالث بالسلم أيضا (الخ).

قال جامع المقاصد (فان قلت: لم اعتبر كون المالين معا سلمين) و هما ما على المديون و ما للمديون (قلت: لان المنع انما هو من بيع ما لم يقبض) و ذلك بتحقق فيما اذا كان المالان سلمين، فانه يكون بيع ما لم يقبضه المديون، فقد باعه الى المطالب بدون ان يقبضه (و اذا كان احد المالين سلما دون الآخر، لم يتعين) السلم (لكونه مبيعا) حتى يدخل فى مسئلة: بيع ما لم يقبض (لامكان اعتباره) اى السلم (ثمنا) و الآخر مبيعا، فلم يكن من:

بيع ما لم يقبض (اذ: لا معين لاحدهما) اى لان يكون احدهما ثمنا و الآخر مثمنا.

اما اذا كانا سلمين فأيّهما كان الثمن و ايّهما كان المثمن، يكون من بيع ما لم يقبض (انتهى) و لكن لا يخفى ما فى كلام جامع المقاصد من التأمل.

ص: 304

و يمكن ان يقال ان ظاهر الحوالة- بناء على كونها معاوضة- كون المحيل مملكا ماله فى ذمة غريمه بإزاء ما لغريمه عليه، فماله معوض، و مال غريمه عوض.

فاذا كان ماله على غريمه سلما، كفى فى المنع عن تمليكه بإزاء مال غريمه عليه، لانه من بيع ما لم يقبض.

و حينئذ فيتم الاستدلال بالرواية.

______________________________

(و يمكن ان يقال) فى تصحيح استدلال صاحب الحدائق بالرواية (ان ظاهر الحوالة- بناء على كونها معاوضة- كون المحيل مملكا ماله) اى الشي ء الّذي له ف «ما» موصولة (فى ذمة غريمه) اى الشخص الثالث (بإزاء ما لغريمه) المطالب (عليه) اى على المحيل، فالمديون مطلوب للمشترى و طالب من الشخص الثالث، فيملك المديون ما على الثالث، بإزاء ما للمطالب (فماله) اى للمحيل على الثالث (معوض) فى هذه المعاوضة (و مال غريمه) المطالب (عوض) فالمحيل اخذ مال المطالب عوضا و اعطى ماله فى ذمة الثالث معوّضا.

(فاذا كان ماله على غريمه) المعوّض (سلما، كفى) كونه سلما (فى المنع عن تمليكه) اى تمليك ما للمحيل (بإزاء مال غريمه عليه) اى ما للمطالب (لانه) اعطاء ماله معوّضا (من بيع ما لم يقبض).

(و حينئذ) اى حين جعلنا ما للمحيل معوضا و ما للمطالب عوضا (فيتم الاستدلال بالرواية) على جواز بيع ما لم يقبض- كما ذكره الحدائق-.

ص: 305

نعم لو كان ما عليه سلما، دون ماله، امكن خروجه عن المسألة لان الظاهر هنا كون المسلم ثمنا و عوضا.

و الى هذا ينظر بقوله فى القواعد و التحرير تبعا للشرائع و لو كان المالان او المحال به قرضا، صحّ.

و لا وجه لاعتراض جامع المقاصد عليه بانه لا وجه لتخصيص المحال به

______________________________

(نعم لو كان ما عليه) اى على المحيل للمطالب (سلما دون ماله) على الثالث بان صار ما للمحيل عوضا، و ما للمطالب معوضا (امكن خروجه عن المسألة) اى مسئلة بيع ما لم يقبض، اذ لم يبع المحيل ما لم يقبضه، و انما اشترى بما لم يقبضه.

و انما امكن خروجه عن المسألة (لان الظاهر هنا) فيما كان ما عليه سلما دون ماله (كون المسلم) اى ما للمحيل (ثمنا و عوضا) و المحذور فى المعوّض لا فى العوض.

(و الى هذا) الّذي ذكرنا من ان المسلم حينئذ عوض- فلم يكن من بيع ما لم يقبض- (ينظر) العلامة (بقوله فى القواعد و التحرير تبعا للشرائع) حيث قال: (و لو كان المالان) و هما ما للمحيل على الثالث و ما للمطالب على المحيل (او المحال به) اى ما للمحيل على الثالث (قرضا) بان اقترض شخص من المحيل، ثم حوّل المحيل من اشترى منه سلما الى الثالث (صحّ) و ذلك لان مال المحيل على الثالث ليس معوضا حينئذ.

(و لا وجه لاعتراض جامع المقاصد عليه) اى على العلامة (بانه لا وجه لتخصيص المحال به

ص: 306

بالذكر، مع ان العكس كذلك، و استحسان تعبير الدروس بلفظ احدهما

ثم قال و ليس له ان يقول ان المحال به شبيه بالمبيع من حيث تخيّل كونه مقابلا بالآخر.

اذ ربما يقال ان شبهه بالثمن، اظهر لاقترانه بالباء، و كل ذلك ضعيف انتهى.

______________________________

بالذكر، مع ان العكس) و هو كون ما للمطالب على المحيل قرضا (كذلك) أيضا صحّ (و) كذلك لا وجه ل (استحسان) جامع المقاصد (تعبير الدروس) حيث عبر (بلفظ احدهما) قال الدروس «و لو كان المالان او احدهما قرضا صحّ».

(ثم قال) جامع المقاصد- فى تقوية اولوية كلام الدروس «احدهما» على تعبير العلامة «المحال به»- (و ليس له) اى للعلامة (ان يقول) انما خصصت «المحال به» بالذكر.

ل (ان المحال به شبيه بالمبيع من حيث تخيّل كونه مقابلا بالآخر) الّذي للمطالب على المحيل.

(اذ ربما يقال) فى ردّ كلام العلامة «ان المحال به» (ان شبهه) اى المحال به (بالثمن، اظهر لاقترانه بالباء) اذ يقول المحيل للمشترى «حولتك على الثالث بان تأخذ ما لى منه» و لذا يسمى ب «المحال به» (و كل ذلك) اى كون «المحال به اشبه» بالمبيع او اشبه بالثمن (ضعيف) بل يصحّ ان يكون «المحال به قرضا» كما يصحّ ان يكون «ما للمطالب على المحيل قرضا» كما ذكر الدروس (انتهى) كلام جامع المقاصد.

ص: 307

و فيه ما لا يخفى، فان الباء هنا ليس للعوض.

و ظهور الحوالة فى كون إنشاء التمليك من المحيل لا ينكر.

و احتمال كونه متملكا مال غريمه بمال نفسه كما فى المشترى المقدّم لقبوله على الايجاب بعيد.

و يدل على هذا أيضا قولهم: ان الحوالة بيع، فان ظاهره كون

______________________________

(و فيه ما لا يخفى، فان الباء هنا) فى قول المحيل (ليس للعوض) بل لايصال مادة «حول» الى متعلقه، فهو من قبيل الباء فى «ذهبت بزيد» لا من قبيل الباء فى «بعت الكتاب بدينار».

(و ظهور الحوالة فى كون إنشاء التمليك من المحيل) فهو بمنزلة البائع و ماله بمنزلة المعوض (لا ينكر).

(و احتمال كونه) اى المحيل (متملكا مال غريمه) اى مال المطالب المشترى (بمال نفسه) فمال المشترى معوض و مال المحيل عوض (كما فى المشترى المقدّم لقبوله على الايجاب) كان يقول المشترى اشتريت بدينارى هذا كتابك، فيقول البائع قبلت، و هنا يقول المحيل اشتريت بمالى على الثالث مالك ايها المطالب.

فهذا الاحتمال (بعيد) عن المتفاهم عرفا.

(و يدل على هذا) الّذي ذكرنا من ان المحيل كالبائع (أيضا قولهم:

ان الحوالة بيع).

و انما يدل على ما ذكرنا (فان ظاهره) اى ظاهر كلامهم هذا (كون

ص: 308

المحيل بايعا.

ثم ان المفروض فى المسألة المذكورة ما لو اذن المحيل المحال فى اكتياله لنفسه، بان يأتى بلفظ الاحالة- كما فى عبارة القواعد- او يقول له:

اكتل لنفسك- كما فى عبارتى المبسوط و الشرائع-.

اما لو وكله فى القبض عن الآذن ثم القبض لنفسه، فيكون قابضا مقبّضا مبنى على جواز تولى طرفى القبض،

______________________________

المحيل بايعا) لانه المنصرف من هذا الكلام.

(ثم ان المفروض فى المسألة المذكورة) اى فى مسئلة ما لو احال المديون المطالب الى الشخص الثالث- و الاختلاف فى انه هل هو من مسئلة البيع قبل القبض، أم لا؟- (ما لو اذن المحيل المحال فى اكتياله) ما يطلبه من الثالث (لنفسه، بان يأتى بلفظ الاحالة) بان يقول: احلتك الى الثالث (- كما فى عبارة القواعد- او يقول له: اكتل لنفسك) ما اطلبه من الثالث (- كما فى عبارتى المبسوط و الشرائع-) فهل هذا من البيع قبل القبض، أم لا؟

(اما لو وكله) اى وكل المحيل المطالب (فى القبض عن الآذن) و الآذن هو المحيل اى وكله المحيل بان يقبض المال من الثالث قبض وكالة عن المحيل فتكون يد المحال بمنزلة يد المحيل (ثم القبض لنفسه) اى لنفس المحال من باب طلبه من المحيل (فيكون) المحال (قابضا) لنفسه و (مقبّضا) عن المحيل، فكان المحيل هو قبض ثم قبضه للمحال- فالمحال وكيل عن المقبّض و اصيل فى القابض- فهو (مبنى على جواز تولى طرفى القبض)

ص: 309

و الاقرب صحته لعدم المانع.

الرابع: ذكر جماعة انه لو دفع الى من له عليه طعام، دراهم، و قال: اشتر بها لنفسك طعاما، لم يصح

لان مال الغير يمتنع شراء شي ء به لنفسه

و وجهه ان قضية المعاوضة انتقال كل عوض الى ملك من خرج عن ملكه العوض الآخر فلو انتقل الى غيره لم يكن عوضا.

______________________________

وكيلا و اصيلا، او اصيلا و وكيلا (و الاقرب صحته لعدم المانع) من ذلك، و لا تأتى هنا مسئلة بيع الشي ء قبل قبضه.

(الرابع) من التنبيهات (ذكر جماعة انه لو دفع) المديون (الى من له عليه) اى على المديون (طعام) و المراد دفع البائع سلفا الى المشترى (دراهم، و قال: اشتر بها لنفسك طعاما، لم يصحّ) ان اراد الدافع ان الطعام يخرج من كيس البائع الجديد الى كيس المشترى رأسا (لان مال الغير) اى دراهم المديون (يمتنع شراء شي ء به) اى بذلك المال (لنفسه) لانه يخرج الدراهم من كيس المديون الى كيس البائع الجديد، و الطعام يخرج من كيس البائع الجديد الى كيس المطالب و هذا باطل.

(و وجهه ان قضية المعاوضة) اى مقتضاها (انتقال كل عوض) من العوضين (الى ملك من خرج عن ملكه العوض الآخر).

فالخبز يخرج من ملك الخباز الى ملك المشترى، و الدرهم يخرج من ملك المشترى الى ملك الخباز، فكل من خرج من كيسه شي ء دخل فى كيسه شي ء آخر (فلو انتقل الى غيره) كما لو خرج الدرهم من كيس الثرى الى كيس الخباز، و خرج الخبز من كيس الخباز الى كيس الفقير (لم يكن عوضا)

ص: 310

و يمكن نقض هذا بالعوض المأخوذ بالمعاطات على القول بافادتها للاباحة فانه يجوز ان يشترى به شيئا لنفسه- على ما فى المسالك- من جواز جميع التصرفات باجماع القائلين بصحة المعاطات.

و أيضا فقد ذكر جماعة منهم العلامة فى المختلف و قطب الدين و الشهيد على ما حكى عنهما ان مال الغير المنتقل عنه بإزاء ما اشتراه عالما بكونه مغصوبا، باق على ملكه

______________________________

(و يمكن نقض هذا بالعوض المأخوذ بالمعاطات على القول بافادتها) اى المعاطاة (للاباحة) لا الملك.

و عليه فالمال باق على ملك مالكه الاول (فانه يجوز ان يشترى به شيئا لنفسه- على ما فى المسالك- من جواز جميع التصرفات باجماع القائلين بصحة المعاطات) فالمال خرج من كيس المالك الاول الى كيس المشترى الثانى، و الثمن خرج من كيس المشترى الثانى الى كيس المشترى الاول، لا الى كيس المالك الاول.

(و أيضا فقد ذكر جماعة منهم العلامة فى المختلف و قطب الدين، و الشهيد على ما حكى عنهما) انه لو غصب زيد من عمرو داره، ثم باعها بكتب لخالد، و كان خالد عالما بالغصب فانه يجوز لزيد البائع ان يبيع الكتب و يأخذ الثمن، فقد خرجت الكتب من كيس عمرو و دخل الثمن فى كيس خالد

ف (ان مال الغير) المشترى (المنتقل عنه) اى عن ذلك الغير انتقالا (بإزاء ما اشتراه) ذلك الغير (عالما) ذلك الغير (بكونه) اى بكون ما اشتراه (مغصوبا، باق على ملكه) اى ملك ذلك الغير- و هو المشترى- لان المعاملة

ص: 311

و يجوز لبائع ذلك المغصوب التصرف فيه بان يشترى به شيئا لنفسه و يملكه بمجرد الشراء.

قال فى المختلف بعد ما نقل عن الشيخ فى النهاية انه لو غصب مالا و اشترى به جارية كان الفرج له حلالا، و بعد ما نقل مذهب الشيخ فى ذلك فى غير النهاية.

و مذهب الحلّى ان كلام النهاية يحتمل امرين:

احدهما: اشتراء الجارية فى الذمة كما ذكره فى غير النهاية.

______________________________

باطلة (و) مع ذلك (يجوز لبائع ذلك المغصوب التصرف فيه) اى فيما انتقل إليه (بان يشترى به) اى بما انتقل إليه (شيئا لنفسه، و يملكه بمجرد الشراء) مع ان الشي ء خارج عن كيس المشترى لفرض بقائه على ملك المشترى

(قال فى المختلف بعد ما نقل عن الشيخ فى النهاية انه لو غصب مالا و اشترى به جارية) و كان البائع للجارية عالما بان الثمن مغصوب (كان الفرج له) اى للغاصب (حلالا، و بعد ما نقل مذهب الشيخ فى ذلك) اى فى ما لو كان الفرج له (فى غير النهاية).

(و) نقل (مذهب الحلى) قال فى المختلف: (ان كلام النهاية) بحلية الفرج (يحتمل امرين).

(احدهما: اشتراء الجارية فى الذمة) و انما دفع الثمن المغصوب وفاء (كما ذكره فى غير النهاية) فان بائع الجارية يطلب المشترى الثمن، و اعطاء المشترى اياه المال المغصوب لا يوجب ان يكون ذلك ثمنا، و لا ان يحرم الفرج الّذي اشتراه حلالا.

ص: 312

الثانى: ان يكون البائع عالما بغصب المال فان المشترى حينئذ يستبيح و طى الجارية، و عليه وزر المال، انتهى.

و قد تقدم فى فروع بيع الفضولى و فى فروع المعاطات نقل كلام القطب و الشهيد و غيرهما.

و يمكن توجيه ما ذكر فى المعاطات بدخول المال آنا مّا قبل التصرف فى ملك المتصرف كما يلزمهم القول بذلك

______________________________

(الثانى: ان يكون البائع) للجارية (عالما بغصب المال فان المشترى حينئذ يستبيح و طى الجارية، و عليه وزر المال، انتهى).

فان البائع مع علمه بعدم حلّية المال اذا اعطى الجارية للمشترى كان معنى ذلك انه اباح الجارية للمشترى، و الاباحة توجب الحلية و على البائع الّذي اخذ المال المغصوب و زره و ذنبه.

و كيف كان فالمال خرج من كيس المغصوب منه الى كيس المغصوب منه الى كيس البائع و الجارية خرجت من كيس البائع الى كيس المشترى.

اقول لا يخفى ان مثال الجارية، غير المثال الّذي ذكرناه مما ينطبق عليه قوله سابقا: ان مال الغير المنتقل عنه ... الخ.

(و قد تقدم فى فروع بيع الفضولى و فى فروع المعاطات نقل كلام القطب و الشهيد و غيرهما).

ثم ان المصنف اشار الى ردّ النقضين المذكورين بقوله: (و يمكن توجيه ما ذكر فى المعاطات بدخول المال آنا مّا قبل التصرف فى ملك المتصرف) ليصحّ بيعه، لانه لا بيع الا فى ملك (كما يلزمهم القول بذلك) اى

ص: 313

فى وطى الجارية المأخوذة بالمعاطات.

و توجيه الثانى بانه فى معنى تمليك ماله مجانا بغير عوض.

و كيف كان فالمعاوضة لا تعقل بدون قيام كل عوض مقام معوضه.

و اذا ثبت على غير ذلك فلا بد من توجيهه اما بانتقال احد العوضين الى غير مالكه قبل المعاوضة.

______________________________

بالملك الآنامائى (فى وطى الجارية المأخوذة بالمعاطات) اذ لا وطى الا فى الملك.

فاللازم ان نقول ان الجارية دخلت فى ملك المشترى آنا مّا قبل الوطي ليصح وطيها.

و على هذا الملك الآنامّائي فقد دخل العوض فى كيس من خرج من كيسه المعوض و لا يتم النقض المتقدم.

(و) يمكن (توجيه الثانى) و هى حلية الوطي للمشترى الغاصب للثمن (بانه) اى بيع مالك الجارية العالم بان الثمن مغصوب (فى معنى تمليك ماله مجانا بغير عوض) فلم يدخل العوض فى كيس من لم يخرج من كيسه المعوّض.

(و كيف كان فالمعاوضة لا تعقل بدون قيام كل عوض مقام معوضه).

لكنا قد ذكرنا سابقا معقولية ذلك بل معقولية ان تكون الاطراف أربعة، فيعطى زيد دارا لعمرو فى قبال ان يعطى خالد دكّانا لبكر.

(و اذا ثبت على غير ذلك) مما يوهم خلاف المعقول (فلا بد من توجيهه اما بانتقال احد العوضين الى غير مالكه قبل المعاوضة) فاذا اعطى الثرى

ص: 314

و اما بانتقال العوض الآخر إليه بعدها.

و من هنا يمكن ان يحمل قوله فيما نحن فيه: اشتر بدراهمى طعاما لنفسك، على إرادة كون اللام لمطلق النفع، لا للتمليك، بمعنى اشتر فى ملكى، و خذه لنفسك، كما ورد فى مورد بعض الاخبار السابقة: اشتر لنفسك طعاما و استوف حقك.

______________________________

درهما للخباز ليعطى به خبزا للفقير، نقول ينتقل الدرهم الى الفقير قبل اعطائه الخبز، فالدرهم خرج من كيس الفقير الى كيس الخباز، و الخبز خرج من كيس الخباز الى الفقير.

(و اما بانتقال العوض الآخر إليه) اى الى غير مالكه (بعدها) اى بعد المعاوضة، فينتقل الخبز الى الثرى ثم الثرى يعطى الخبز للفقير فالخبز خرج الى كيس الثرى من كيس الخباز، و الدرهم خرج من كيس الثرى الى كيس الخباز، و بعد انتهاء المعاملة دخل الخبز الى كيس الفقير الّذي لم يكن مالكا للدرهم.

(و من هنا يمكن ان يحمل قوله فيما نحن فيه: اشتر بدراهمى طعاما لنفسك، على إرادة كون اللام) فى «لنفسك» (لمطلق النفع) اى انك تنتفع بالطعام (لا للتمليك) فليس معناه ان الطعام يكون لك (بمعنى اشتر فى ملكى، و) بعد ان اصبح الطعام لى (خذه لنفسك) ملكا او إباحة لك (كما ورد فى مورد بعض الاخبار السابقة: اشتر لنفسك) اى لفائدتك (طعاما) لى (و استوف حقك) اى ملكه لنفسك بعد ان صار لى.

ص: 315

و يمكن ان يقال: انه اذا اشترى لنفسه بمال الغير وقع البيع فضولا كما لو باع الغير لنفسه.

فاذا قبضه، فاجاز المالك الشراء و القبض، تعين له.

و حيث كان استمراره بيد المشترى قبضا فقد قبض ماله على مالك الطعام، فافهم.

______________________________

(و يمكن ان يقال: انه اذا اشترى لنفسه بمال الغير وقع البيع فضولا) لبطلان الاذن، فان الاذن غير معقول، لان متعلق الاذن لا يعقل (كما لو باع الغير لنفسه) فهو فضولى أيضا.

فانه لا فرق بين ان يشترى بدينار زيد طعاما لنفسه، او ان يبيع طعام زيد بدرهم لنفسه.

(فاذا قبضه) اى قبض الفضول الطعام (فاجاز المالك الشراء و القبض تعين) ان يكون الطعام (له) اى للمالك.

(و حيث كان استمراره) اى استمرار الطعام (بيد المشترى) الّذي لم يكن بمالك للدينار (قبضا) لنفس المشترى- و هذا قبض ثان، غير القبض الاول الّذي كان وكالة عن المالك- (فقد قبض ما) اى الشي ء الّذي (له) اى للمشترى (على مالك الطعام) فلم يخرج الدينار من كيس مالكه الى كيس بائع الطعام، و الطعام من كيس البائع الى كيس المشترى الّذي لم يكن بمالك (فافهم).

فانه كيف يقال ان المعاملة فضولية، و هل هذا الا مثل الاكل من القفا و اللّه العالم.

ص: 316

مسئلة لو كان له طعام على غيره، فطالبه به فى غير مكان حدوثه فى ذمته فهنا مسائل ثلاث.
أحدها: ان يكون المال سلما

بان اسلفه طعاما فى العراق و طالبه بالمدينة مع عدم اشتراط تسليمه بالمدينة، فلا اشكال فى عدم وجوب ادائه فى ذلك البلد.

و اولى بعدم الوجوب ما لو طالبه بقيمة ذلك البلد.

______________________________

(مسألة: لو كان له طعام على غيره، فطالبه) اى طالب المشترى من البائع (به) اى بالطعام (فى غير مكان حدوثه) اى حدوث الطعام (فى ذمته) اى ذمة البائع (فهنا مسائل ثلاث).

(احدها: ان يكون المال سلما بان اسلفه) البائع (طعاما فى العراق و طالبه) المشترى (بالمدينة مع عدم اشتراط تسليمه بالمدينة) و الا فان كان الشرط تسليمه بالمدينة فلا اشكال فى انه يجب عليه ان يعمل حسب الشرط (فلا اشكال فى عدم وجوب ادائه) اى اداء البائع الطعام (فى ذلك البلد).

اذ الواجب الوفاء بالعقد، و ليس الاداء فى ذلك البلد من ضمن الوفاء بالعقد.

(و اولى بعدم الوجوب ما لو طالبه) فى نفس بلد المعاملة و لكن (بقيمة ذلك البلد) الآخر، مثلا: طالبه فى العراق بان يؤدّى إليه قيمة

ص: 317

و لو طالبه فى ذلك البلد بقيمته فى بلد وجوب التسليم و تراضيا على ذلك، قال الشيخ لم يجز لانه بيع الطعام قبل قبضه و هو حسن، بناء على إرادة بيع ما فى ذمته بالقيمة، او إرادة مطلق الاستبدال من البيع المنهى عنه.

اما لو جعلنا المنهى عنه عن خصوص البيع و لم يحتمل التراضي على خصوص كون القيمة ثمنا، بل احتمل كونه مثمنا و السلم ثمنا فلا وجه للتحريم

______________________________

طعام المدينة.

(و لو طالبه فى ذلك البلد) كالمدينة فى المثال (بقيمته فى بلد وجوب التسليم) كالعراق (و تراضيا على ذلك، قال الشيخ لم يجز، لانه بيع الطعام قبل قبضه) اذ باع المشترى ما يطلبه من الطعام، قبل ان يقبضه و باعه الى البائع (و هو حسن بناء على إرادة) المتبايعين (بيع ما فى ذمته بالقيمة، او) ارادا مطلق الاستبدال لا البيع، و قلنا، ب (إرادة مطلق الاستبدال من البيع المنهى عنه) حتى اذا ارادا الاستبدال من غير بيع شمله دليل النهى.

(اما لو جعلنا المنهى عنه عن خصوص البيع) و كان ما وقع التراضي عليه مطلق الاستبدال، لا البيع (و لم يحتمل التراضي على خصوص كون القيمة ثمنا، بل احتمل كونه مثمنا و السلم ثمنا) بان اشترى المشترى بما يطلب من الطعام شيئا من البائع (فلا وجه للتحريم).

اذ مطلق الاستبدال لم يكن محرما، و البيع قبل القبض حرام، اما الاشتراء قبل القبض فليس بحرام.

ص: 318

لكن الانصاف ظهور عنوان القيمة خصوصا اذا كان من النقدين فى الثمنية فيبنى الحكم على انصراف التراضي المذكور الى البيع، او القول بتحريم مطلق الاستبدال.

و اما اذا لم يرض المسلم إليه، ففى جواز اجباره على ذلك قولان المشهور- كما قيل- العدم، لان الواجب فى ذمته هو الطعام، لا القيمة.

______________________________

(لكن الانصاف ظهور عنوان القيمة خصوصا اذا كان من النقدين فى الثمنية).

فاذا تراضيا على استبدال الطعام بالنقدين، كان معنى ذلك ان المشترى باع الطعام قبل قبضه، الا اذا نصّا على ان البائع يبيع شيئا بالطعام المطلوب للمشترى.

و اذ كان النقد ظاهرا فى الثمنية (فيبنى الحكم) بانه هل يجوز التراضي بينهما بالقيمة أم لا؟ (على انصراف التراضي المذكور الى البيع او القول بتحريم مطلق الاستبدال) فان قلنا بتحريم مطلق الاستبدال حرم أيضا هذا كله اذا رضى المسلم إليه- اى البائع- بالاستبدال بالقيمة فى البلد الثانى، بقيمته بلد البيع.

(و اما اذا لم يرض المسلم إليه، ففى جواز اجباره على ذلك قولان المشهور- كما قيل- العدم) اى نسب الى المشهور قولهم بعدم الاجبار (لان الواجب فى ذمته) اى ذمة البائع (هو الطعام، لا القيمة) فكيف يجبر باعطاء القيمة.

ص: 319

و عن جماعة منهم العلامة فى التذكرة: الجواز، لان الطعام الّذي يلزم دفعه معدوم، فكان كما لو عدم الطعام فى بلد يلزمه التسليم فيه.

و توضيحه: ان الطعام قد حلّ، و التقصير من المسلم إليه حيث انه لو كان فى ذلك البلد امكنه اداء الواجب بتسليم المال الى المشترى ان حضر و الا دفعه الى وليه، و لو الحاكم او عزله.

و كيف كان فتعذر البراءة مستند الى غيبته فللغريم مطالبة قيمة بلد

______________________________

(و) لكن (عن جماعة منهم العلامة فى التذكرة: الجواز) اى جواز الاجبار (لان الطعام الّذي يلزم دفعه معدوم) فى هذا البلد الثانى الّذي هما فيه (فكان كما لو عدم الطعام فى بلد يلزمه التسليم فيه) اى البلد الاول فكما انه يجبر هنا على دفع القيمة كذلك فى البلد الثانى يجبر على دفع القيمة.

(و توضيحه) اى توضيح كلام العلامة (ان الطعام قد حل) وقته (و التقصير) فى عدم دفعه (من المسلم إليه) اى البائع (حيث انه لو كان فى ذلك البلد) اى بلد المعاملة (امكنه اداء الواجب بتسليم المال الى المشترى ان حضر) المشترى فى وقت التسليم (و الا) يحضر (دفعه) اى دفع البائع الطعام (الى وليه) اى ولى المشترى (و لو) الى (الحاكم) او عدول المؤمنين (او عزله).

(و كيف كان فتعذر البراءة) و هى براءة ذمة البائع (مستند الى غيبته) اى غيبة البائع عن بلد المعاملة- كالعراق فى المثال- (فللغريم) المشترى (مطالبة قيمة بلد

ص: 320

الاستحقاق حينئذ.

و قد يتوهم انه يلزم من ذلك جواز مطالبة الطعام و ان كان ازيد قيمة، كما سيجي ء القول بذلك فى القرض و لو كان الطعام فى بلد المطالبة مساويا فى القيمة لبلد الاستحقاق، فالظاهر وجوب الطعام عليه لعدم تعذر الحق و المفروض عدم سقوط المطالبة بالغيبة عن بلد الاستحقاق فيطالبه بنفس الحق.

______________________________

الاستحقاق) و هو العراق مثلا (حينئذ) اى حين تعذر البراءة من البائع

(و قد يتوهم انه يلزم من ذلك) اى من هذا التعليل الّذي ذكر لاجل حق المشترى فى مطالبة القيمة مما ذكرناه بقولنا «و توضيحه» (جواز مطالبة الطعام) فى البلد الثانى (و ان كان ازيد قيمة) لان التقصير من البائع كما تقدم تقريره- و (كما سيجي ء القول بذلك فى القرض).

فاذا اقترض منه منّا من الحنطة فى العراق الى اوّل رمضان و كانا فى المدينة، حق للمقرض ان يطالبه بالطعام فى المدينة و ان كان الطعام هناك اكثر قيمة من العراق (و لو كان الطعام فى بلد المطالبة مساويا فى القيمة لبلد الاستحقاق، فالظاهر وجوب الطعام عليه) اى على البائع (لعدم تعذر الحق) لوجود الطعام (و المفروض عدم سقوط) حق المشترى فى (المطالبة) و لم يسقط حقه (ب) سبب (الغيبة عن بلد الاستحقاق) اذ لا دليل على ان الغيبة تسقط الحق (فيطالبه) المشترى (بنفس الحق) الّذي هو الطعام.

ص: 321

الثانية: ان يكون ما عليه قرضا

و الظاهر عدم استحقاق المطالبة بالمثل مع اختلاف القيمة لانه انما يستحقها فى بلد القرض، فالزامه بالدفع فى غيره اضرار، خلافا للمحكى عن المختلف، و قواه جامع المقاصد هنا.

لكنه جزم بالمختار فى باب القرض.

اما مطالبته بقيمة بلد الاستحقاق فالظاهر جوازها وفاقا للفاضلين و حكى عن الشيخ و القاضى.

______________________________

(الثانية): من المسائل (ان يكون ما عليه قرضا) كما لو اقترض عليّ من محمّد منّا من الحنطة فى العراق، فطالبه به فى المدينة (و الظاهر عدم استحقاق المطالبة بالمثل مع اختلاف القيمة) فى البلدين (لانه) اى المقترض (انما يستحقها فى بلد القرض، فالزامه بالدفع فى غيره) اى غير بلد القرض (اضرار) بالمقترض فيدل «لا ضرر» على عدم حقه (خلافا للمحكى عن المختلف، و قواه جامع المقاصد هنا) فى باب السلف، حيث ذكر القرض استطراد او اختار ما اختاره المختلف.

(لكنه جزم بالمختار) و هو ما اخترناه «من عدم استحقاق المطالبة بالمثل مع اختلاف القيمة» (فى باب القرض) هذا.

(اما مطالبته) اى مطالبة المقرض المقترض (بقيمة بلد الاستحقاق) اى ان يأخذ قيمة القرض (فالظاهر جوازها).

مثلا: اقترض منه فى العراق منّا من الحنطة قيمته دينار، و الآن قيمته فى المدينة دينار و نصف، لكنه يطالبه بنفس الدينار الّذي هو قيمته فى المدينة دينار و نصف، لكنه يطالبه بنفس الدينار الّذي هو قيمة العراق (وفاقا للفاضلين، و حكى عن الشيخ و القاضى) أيضا.

ص: 322

و عن غاية المرام نفى الخلاف لما تقدم من ان الحق هو الطعام على ان يسلّم فى بلد الاستحقاق، و قد تعذر بتعذر قيده، لا بامتناع ذى الحق، فلا وجه لسقوطه.

غاية الامر الرجوع الى قيمته لاجل الاضرار.

و لذا لو لم يختلف القيمة، فالظاهر جواز مطالبته بالمثل، لعدم التضرر لكن مقتضى ملاحظة التضرر اناطة الحكم بعدم الضرر على المقترض او بمصلحته

______________________________

(و عن غاية المرام نفى الخلاف لما تقدم من ان الحق هو الطعام على ان يسلّم فى بلد الاستحقاق، و قد تعذر بتعذر قيده، لا بامتناع ذى الحق، فلا وجه لسقوطه) اى سقوط الطعام.

(غاية الامر) حيث كانت قيمة البلد الثانى اكثر (الرجوع الى قيمته) فى بلد الاستحقاق (لاجل) ان قيمة البلد الثانى توجب (الاضرار) بالمقترض فينفيها دليل: لا ضرر.

(و لذا) الّذي ذكرنا انه يرجع الى قيمة بلد الاستحقاق (لو لم يختلف القيمة) بان كانت القيمة فى بلد الاستحقاق مثل القيمة فى البلد الثانى (فالظاهر جواز مطالبته) اى مطالبة المقرض المقترض (بالمثل، لعدم التضرر) فدليل وجوب الوفاء يشمله.

(لكن مقتضى ملاحظة التضرر) حيث انه لو كان على المقترض ضرر فى التسليم فى بلد آخر، لم يجب عليه التسليم فى ذلك البلد (اناطة الحكم) اى وجوب دفع المقترض ما اقترضه فى بلد آخر (بعدم الضرر على المقترض او بمصلحته

ص: 323

و لو من غير جهة اختلاف القيمة، كما فعله العلامة فى القواعد و شارحه جامع المقاصد.

ثم انه اعترف فى المختلف بتعين قيمة بلد القرض مع تعذر المثل فى بلد المطالبة، و فيه تأمل، فتأمل.

و ظاهر بعض عدم جواز المطالبة لا بالمثل و لا بالقيمة، و كانه يتفرع

______________________________

و لو من غير جهة اختلاف القيمة).

كما لو هيّأ مال المقرض فى بلد القرض، فانه لو دفع مالا آخر فى البلد الثانى كان ضررا عليه من حيث بقاء ماله الاول (كما فعله العلامة فى القواعد و شارحه جامع المقاصد) حيث اوجبا تسليم القرض فى بلد آخر اذا لم يكن التسليم ضررا على المقترض او بمصلحته و لو من غير جهة اختلاف القيمة.

(ثم انه اعترف فى المختلف بتعين قيمة بلد القرض مع تعذر المثل فى بلد المطالبة، و فيه تأمل).

اذ مع وجوب دفع المثل فى البلد الثانى اذا لم يكن ضررا على المقترض و ان كان اكثر قيمة، فاللازم ان يدفع قيمة البلد الثانى و لو كانت اكثر من قيمة البلد الاول.

و لا وجه لفتواه بتعين قيمة بلد القرض (فتأمل) فانه اذا كان اكثر قيمة كان ضررا دائما، فاللازم تعين قيمة بلد القرض.

(و ظاهر بعض عدم جواز المطالبة) فى البلد الثانى (لا بالمثل و لا بالقيمة، و كانه) اى عدم جواز المطالبة لا بالمثل و لا بالقيمة (يتفرع

ص: 324

على ما عن الشهيد رحمه اللّه فى حواشيه من عدم جواز مطالبة المقترض المثل فى غير بلد القرض، حتى مع عدم تضرره، فيلزم من ذلك، عدم جواز المطالبة بالقيمة بطريق اولى.

و لعله لان مقتضى اعتبار بلد القرض ان ليس للمقرض الا مطالبة تسليم ماله فى بلد القرض.

و مجرد تعذره فى وقت من جهة توقفه على مضى زمان لا يوجب اشتغاله بالقيمة

______________________________

على ما عن الشهيد رحمه اللّه فى حواشيه من عدم جواز مطالبة) المقرض (المقترض) ب (المثل فى غير بلد القرض، حتى مع عدم تضرره) اى تضرر المقترض (فيلزم من ذلك) اى من عدم جواز مطالبته بالمثل (عدم جواز المطالبة بالقيمة بطريق اولى) اذ القيمة بدل المثل، فاذا لم يجز المثل لم يجز بدله.

(و لعله) اى لعل فتوى الشهيد بانه لا يجوز للمقرض مطالبة المقترض بالمثل فى غير بلد القرض (لان مقتضى اعتبار بلد القرض) فان المنصرف من القرض التسليم فى نفس بلد القرض (ان ليس للمقرض الا مطالبة تسليم ماله فى بلد القرض).

(و) ان قلت: هذا صحيح لكنه اذا تعذر انتقل الى القيمة.

قلت: (مجرد تعذره فى وقت) بان لم يوجد المثل- مثلا- (من جهة توقفه) اى توقف التسليم (على مضى زمان، لا يوجب اشتغاله بالقيمة) اذ الاصل عدم الانتقال الى القيمة.

ص: 325

كما لو اخر التسليم- اختيارا- فى بلد القرض، او احتاج تسليم المثل الى مضى زمان، فتأمل.

الثالثة: ان يكون الاستقرار من جهة الغصب،

فالمحكى عن الشيخ و القاضى انه لا يجوز مطالبته بالمثل فى غير بلد الغصب.

و لعله لظاهر قوله تعالى: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ، فان ما فى ذمته هو الطعام الموصوف بكونه فى ذلك البلد، فان مقدار مالية

______________________________

فحاله (كما لو اخر التسليم- اختيارا- فى بلد القرض، او احتاج تسليم المثل الى مضى زمان) فانه لا ينتقل بذلك الى القيمة (فتأمل).

حيث انه فرق بين التعذر و بين تأخير التسليم و نحوه، فلا يقاس احدهما بالآخر.

(الثالثة) من مسائل ما لو طالب الطعام فى غير مكان حدوثه (ان يكون الاستقرار) للطعام فى ذمة المديون (من جهة الغصب، ف) هل يحق للمغصوب منه المطالبة فى غير بلد الغصب؟ مثلا: غصب زيد طعاما من عمرو فى العراق، فهل يحق لعمرو ان يطالبه به فى المدينة أم لا؟ (المحكى عن الشيخ و القاضى انه لا يجوز مطالبته بالمثل فى غير بلد الغصب).

(و لعله) اى لعل وجه عدم الجواز (لظاهر قوله تعالى: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ).

وجه الدلالة ما ذكره بقوله: (فان ما فى ذمته) اى ذمة الغاصب (هو الطعام الموصوف بكونه فى ذلك البلد) فمقابلته بالمثل هو ان يطالبه بالطعام فى نفس ذلك البلد (فان مقدار مالية

ص: 326

الطعام يختلف باختلاف الاماكن، فان المالك لمقدار منه فى بلد قد يعد غنيا، و المالك لاضعافه فى غيره يعد فقيرا، فالمماثلة فى الصفات موجودة، لا فى المالية.

لكنه ينتقض بالمغصوب المختلف قيمته باختلاف الازمان، فان اللازم على هذا عدم جواز مطالبته بالمثل فى زمان غلائه، و حلّه ان المماثلة فى الجنس و الصفات هى المناط فى التماثل العرفى من دون ملاحظة المالية

______________________________

الطعام يختلف باختلاف الاماكن، فان المالك لمقدار منه) اى من ذلك الطعام (فى بلد يعدّ غنيا، و المالك لاضعافه فى غيره) اى فى بلد آخر (يعدّ فقيرا، فالمماثلة فى الصفات موجودة) فى البلد الثانى (لا فى المالية) و الحال ان ظاهر قوله تعالى «بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ» المماثلة من جميع الحيثيات.

(لكنه ينتقض) اذا اعتبرنا القيمة، فى المماثلة (بالمغصوب المختلف قيمته باختلاف الازمان، فان اللازم على هذا) الّذي ذكرتم من لزوم مماثلة القيمة أيضا بالإضافة الى مماثلة الصفة (عدم جواز مطالبته بالمثل فى زمان غلائه) حيث ان المثل فى الصفة ليس مثلا فى القيمة، اذا كان غالبا.

هذا جواب نقضّى (و) اما (حلّه) ف (ان المماثلة فى الجنس و الصفات هى المناط فى التماثل العرفى من دون ملاحظة المالية).

و عليه فاللازم ان يدفع الغاصب المثل الى المغصوب منه، و لو فى بلد آخر، و لو كان هناك اكثر قيمة من بلد الغصب.

كما انه يجب دفع المثل فى الزمان الثانى و ان كان اكثر قيمة من

ص: 327

و لو لا قاعدة نفى الضرر، و انصراف اطلاق العقد فى مسألتى القرض و السلم، لتعين ذلك فيهما أيضا.

و لو تعذر المثل فى بلد المطالبة لزم قيمة ذلك البلد، لان اللازم عليه حينئذ المثل فى هذا البلد لو تمكن.

______________________________

الزمان الاول.

اللهم الا اذا كانت الزيادة مفرطة جدّا، كما اذا غصب منه الشي ء فى حال ان قيمته عشرة، و الآن صارت قيمته الفا، فانه يحتمل شمول دليل:

لا ضرر، للمقام كما انه اذا صارت القيمة نازلة جدّا كعكس المثال فان دليل:

لا ضرر، يشمل المغصوب منه، و يوجب عدم شمول دليل ارجاع المثل للمقام فتأمل.

(و لو لا قاعدة نفى الضرر) من جانب (و انصراف اطلاق العقد) من جانب آخر (فى مسألتى القرض و السلم) حيث تقدم احتمال عدم وجوب الدفع اذا كان فى البلد الثانى اكثر قيمة (لتعين ذلك) اى لتعين وجوب الدفع فى البلد الثانى (فيهما) اى فى القرض و السلم (أيضا).

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 16، ص: 328

لكن حيث انه يوجب الضرر، و حيث ان العقد منصرف، لا نقول بوجوب الدفع فى البلد الثانى.

(و لو تعذر المثل) فى الغصب (فى بلد المطالبة) و هو بلد الغصب او البلد الثانى (لزم قيمة ذلك البلد، لان اللازم عليه) اى على الغاصب (حينئذ) اى حين الرد (المثل فى هذا البلد) سواء كان البلد الاول، او الثانى (لو تمكن) الغاصب من المثل.

ص: 328

فاذا تعذر قامت القيمة مقامه.

و فى المبسوط و عن القاضى قيمة بلد الغصب، و هو حسن بناء على حكمها فى المثل.

و المعتبر قيمة وقت الدفع لوجوب المثل حينئذ فتعين بدله مع تعذره

و يحتمل وقت التعذر، لانه وقت الانتقال الى القيمة.

و فى المسألة اقوال مذكورة فى باب الغصب ذكرناها مع مبانيها فى

______________________________

(فاذا تعذر) المثل (قامت القيمة مقامه).

(و) لكن (فى المبسوط و عن القاضى) اللازم (قيمة بلد الغصب، و هو حسن بناء على حكمها) اى حكم المطالبة (فى المثل).

فان قلنا: بانه يجب ان يكون المثل فى بلد الغصب، كذلك يلزم ان نقول بان القيمة أيضا قيمة بلد الغصب، اذ القيمة تابعة للمثل، لكنا ذكرنا عدم الفرق بين البلاد فى المثل.

(و المعتبر قيمة وقت الدفع لوجوب المثل حينئذ) اى حين الدفع، فاذا تعذر المثل انتقل الى القيمة (فتعين بدله) اى بدل المثل (مع تعذّره) اى تعذر المثل.

(و يحتمل) قيمة (وقت التعذر) سواء كانت ازيد من قيمة وقت الدفع او انقص (لانه) اى وقت التعذر (وقت الانتقال الى القيمة) فانه بمجرد ان تعذر المثل خوطب الغاصب بدفع القيمة.

(و فى المسألة) اى مسألة القيمة فى الغصب (اقوال مذكورة فى باب الغصب) من جملتها اعلى القيم (ذكرناها مع مبانيها فى

ص: 329

البيع الفاسد عند ذكر شروط العقد، فليراجع.

______________________________

البيع الفاسد عند ذكر شروط العقد، فليراجع) الى هناك و الله العالم بحقائق الاحكام.

هذا آخر ما يسر الله ايراده فى هذا الشرح، و الله سبحانه المسئول ان يتقبله بقبول حسن، و يجعله خالصا لوجهه الكريم، و ينفع به كما نفع باصله، سُبْحٰانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّٰا يَصِفُونَ وَ سَلٰامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ و صلّى اللّه على محمّد و آله الطّاهرين.

و كان الفراغ من ذلك فى 18 جمادى الاولى 1394 هجرية فى دولة الكويت.

محمد بن المهدى الحسينى الشيرازى

ص: 330

محتويات الكتاب

الموضوع الصفحة

مقدمة الكتاب 2

القول فى النقد و النسيئة 3

فى ان اطلاق العقد يقتضي النقد 5

فى جواز اشتراط تاجيل الثمن 13

فى ما لو باع بثمن حالا و بازيد منه مؤجلا 25

فى عدم وجوب دفع الثمن المؤجل قبل حلول الاجل 44

فى وجوب قبول الثمن اذا دفع عند حلول الاجل 55

فى عدم جواز تأجيل الثمن الحال بازيد منه 73

فى جواز بيع العين الشخصى المبتاع بثمن مؤجل 85

القول فى القبض 129

فى الاختلاف فى ماهية القبض 129

فى قبض المكيل و الموزون 159

فى عدم جواز بيع المكيل قبل كيله 161

القول فى وجوب القبض 184

فى وجوب تسليم المبيع و تفريغه من امواله 197

فى امتناع البائع من التسليم 207

ص: 331

الموضوع الصفحة

الكلام فى احكام القبض 211

فى ان انتقال الضمان ممن نقله الى القابض 211

فى ان تلف الثمن المعين قبل القبض كتلف المبيع المعين 235

فيما لو تلف بعض المبيع قبل قبضه 243

فى حرمة بيع المكيل و الموزون قبل قبضه الا تولية 258

فى تنبيهات المسألة 275

فى ما لو كان له طعام على غيره فطالبه فى غير مكان 317

محتويات الكتاب 331

الى هنا تمت اجزاء الكتاب الستة عشر من شرح المكاسب فعند ذلك نستودع القراء الاعزاء.

و تتمنى من الله الجليل ان يوفقنا و اياكم لمراضيه.

(الناشر)

ص: 332

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.