ايصال الطالب الي المكاسب المجلد 1

هویة الکتاب

سرشناسه : حسيني شيرازي، محمد، 1380 - 1305، شارح

عنوان و نام پديدآور : ايصال الطالب الي المكاسب: شرح واف بغرض الكتاب، تيعرض لحل مشكلاته و ابداآ مقاصد في ايجاز و توضيح/ محمد الحسيني الشيرازي

مشخصات نشر : تهران : موسسه كتابسراي اعلمي ، 1385.

مشخصات ظاهري : ج 16

شابك : 964-94017-6-8(دوره): ؛ 964-7860-59-5(ج. 1): ؛ 964-7860-58-7(ج. 2): ؛ 964-7860-57-9(ج. 3): ؛ 964-7860-56-0(ج. 4): ؛ 964-7860-54-4(ج. 6): ؛ 964-7860-53-6(ج. 7): ؛ 964-7860-55-2(ج. 8): ؛ 964-7860-52-8(ج. 9): ؛ 964-7860-51-X(ج. 10): ؛ 964-7860-50-1(ج. 11): ؛ 964-7860-49-8(ج. 12): ؛ 964-7860-45-X(ج. 13): ؛ 964-7860-47-1(ج. 15):

يادداشت : عربي

يادداشت : فهرست نويسي براساس اطلاعات فيپا

يادداشت : كتاب حاضر شرحي بر "المكاسب مرتضي بن محمد امين انصاري" است

عنوان ديگر : المكاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1281 - 1214ق. المكاسب -- نقد و تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

شناسه افزوده : انصاري، مرتضي بن محمدامين ، 1281 - 1214ق. المكاسب. شرح

رده بندي كنگره : BP190/1/الف8م702133 1385

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : م 85-16816

ص: 1

اشارة

ص: 2

مقدمة المؤلف

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على محمد و آله الطيبين الطاهرين و لعنة اللّه على اعدائهم اجمعين.

و بعد: يقول محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي: هذا كتاب (ايصال الطالب) في شرح كتاب (المكاسب) للعالم العامل التقي الزاهد آية اللّه الحاج الشيخ المرتضى الانصاري قدس اللّه سره و اجزل اجره، كتبته تبصرة للمبتدئين، و اللّه المسئول ان يوفقني للاتمام، و يجعله مبينا لمنهج الاسلام، و خالصا لوجهه الكريم، و هو المستعان.

كربلاء المقدسة محمد

ص: 3

في المكاسب المحرمة

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين، و لعنة اللّه على اعدائهم اجمعين الى يوم الدين «في المكاسب»

و ينبغي أوّلا التيمن بذكر بعض الاخبار الواردة على سبيل الضابطة للمكاسب

اشارة

من حيث الحل و الحرمة.

______________________________

(بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ) (الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين، و لعنة اللّه على اعدائهم اجمعين الى يوم الدين) الكلام في هذا الكتاب (في المكاسب) جمع مكسب نحو مطالب جمع مطلب، و هذا إما مصدر ميمي بمعنى الكسب و الاكتساب، او المراد به ما يكتسب به، الصادق على العوض و المعوض بل ما له شأنية الاكتساب و ان لم يدخل بعد في المعاوضة (و ينبغي أوّلا التيمن بذكر بعض الاخبار الواردة على سبيل الضابطة للمكاسب من حيث الحل و الحرمة) و المراد بالحل مقابل الحرمة فهو اعم من الواجب و المستحب و المكروه و المباح، و هذا هو المراد ب «حلال محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم حلال الى يوم القيامة» لا ان المراد قسم خاص من الاقسام الخمسة.

ثم ان المراد بالتيمن جعل الكتاب ميمونا و مباركا بافتتاحه بالاخبار، لانه يأتي في كل مورد من المسائل الجزئية الروايات الواردة في تلك المسألة فذكر هذه الروايات هنا لمجرد التيمن و البركة.

ص: 4

حديث تحف العقول في أنواع المكاسب

فنقول- مستعينا باللّه تعالى-: روى في الوسائل و الحدائق عن الحسن ابن علي بن شعبة في كتاب «تحف العقول» عن مولانا الصادق صلوات اللّه و سلامه عليه حيث سئل عن معايش العباد؟ فقال: جميع المعايش كلها من وجوه المعاملات فيما بينهم

______________________________

(فنقول مستعينا باللّه تعالى: روى في الوسائل و الحدائق عن الحسن ابن علي بن شعبة في كتاب تحف العقول) هذه الرواية الآتية بزيادة في الالفاظ، و كأن صاحب الوسائل و الحدائق هذباها، او اخذ الحدائق عن الوسائل، و الظاهر ان مثل هذا التهذيب جائز لانه من اقسام النقل بالمعنى، كما ان الظاهر ان الراوي عن الامام عليه السلام نقل الحديث بالمعنى، و لذا ورد في الفاظه الاضطراب نوعا ما، و قد اشكل جمع على هذه الرواية باشكالات لكن الجميع مخدوشة بعد مطابقة مضمونها لسائر الادلة. نعم يشكل العمل بها فيما لو فرض مورد عارضت العمومات نحو «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» و «تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ» و ما اشبه. و كيف كان فهي مروية (عن مولانا الصادق صلوات اللّه و سلامه عليه حيث) انه (سئل عن معايش العباد) و المراد ما يعيش به العباد سواء كان سببا قريبا للعيش كالمأكول و الملبوس، او السبب البعيد كالنكاح و الامارة و ما اشبه. و الظاهر ان السؤال عن المحلل و المحرم من اسباب العيش و وسائل الحياة (فقال) الصادق عليه السلام (: جميع المعايش كلها من وجوه المعاملات) و اضافة الوجوه الى المعاملة اما بيانية و اما باعتبار امكان ان تتصف معاملة واحدة بوجوه متعددة مثلا يتصف التسليط بمقابل بالبيع تارة، و الهبة المعوضة اخرى، و الصلح ثالثة و هكذا (فيما بينهم) اي

ص: 5

مما يكون لهم فيه المكاسب اربع جهات، و يكون فيها حلال من جهة و حرام من جهة.

فاول هذه الجهات الاربع: الولاية ثم التجارة ثم الصناعات ثم الاجارات

______________________________

بين العباد (مما يكون لهم فيه) اي في ذلك الجميع (المكاسب) في مقابل المعايش التي لا كسب لهم فيها كالتنفس و الاستفادة من ضياء الشمس و حرها و نحو ذلك (اربع جهات) اما سائر الجهات التي لم تذكر في هذه الرواية فالظاهر اندراجها في الجهات الاربع المذكورة، فلا يقال: كيف لم يذكر الامام عليه السلام بعض الجهات في هذه الرواية؟ كما لا يقال كيف عد المعايش في هذه الرواية أربعة و في رواية المحكم و المتشابه خمسة؟ (و يكون فيها) اي في تلك الجهات الاربع (حلال من جهة و حرام من جهة) بمعنى ان فردا من افراد تلك المعاملة حرام و فرد اخر حلال، او بمعنى ان الفرد الواحد ان اتصف بصفة كان حلالا و ان اتصف بصفة اخرى كان حراما.

(فاول هذه الجهات الاربع: الولاية) و هي بمعنى تولي الامور و ارتكابها و كون الولاية معاملة بمعناها اللغوي اذ ليست الولاية معاملة اصطلاحية، و كذلك الصناعة ليست معاملة اصطلاحية (ثم التجارة ثم الصناعات ثم الاجارات) و لعل افراد لفظ «الولاية و التجارة» بخلاف «الصناعات و الاجارات» للتفنن في العبارة و لا يخفى الفرق بين (الولاية) و (الاجارة) فان الاجارة تحتاج الى رضاية الطرفين، بخلاف (الولاية) فاذا امر الوالي العادل لزم قبول ولايته. فلا يقال ان (الولاية) قسم من اقسام الاجارة فكيف تعد في قبالها؟ ثم ان المواريث و الاخماس و الزكوات و ما اشبه ليست

ص: 6

و الفرض من اللّه تعالى على العباد في هذه المعاملات: الدخول في جهات الحلال و العمل بذلك و اجتناب جهات الحرام منها، فاحدى الجهتين من الولاية: ولاية ولاة العدل الذين امر اللّه بولايتهم على الناس. و الجهة الاخرى ولاية ولاة الجور.

فوجه الحلال من الولاية ولاية الوالي العادل و ولاية ولاته

______________________________

داخلة في الامور الاربع المذكورة لانها امور قهرية و الكلام في الحديث حول المكاسب كما عرفت (و الفرض من اللّه تعالى) اي الذي كتبه مباحا جائزا لا ان المراد بالفرض الواجب (على العباد في هذه المعاملات) الاربع (الدخول في جهات الحلال و العمل بذلك) الحلال (و اجتناب جهات الحرام منها) اي من هذه المعاملات و (الدخول) مقدمة (للعمل) مثلا (التولي) من قبل السلطان دخول اما العمل بمقتضى الرواية فهو عمل (فاحدى الجهتين) اي جهتي الحلال و الحرام (من الولاية ولاية ولاة العدل الذين امر اللّه بولايتهم على الناس) فان الولاية أولا و بالذات للّه سبحانه ثم جعلها للنبي و الائمة ثم لولاتهم، و هذه هي الولاية المحللة (و الجهة الاخرى) و هي الجهة المحرمة من الولاية (ولاية ولاة الجور) و حيث اجمل الامام عليه السلام جهتي الولاية شرع في التفصيل فقال:

(فوجه الحلال من الولاية ولاية الوالي العادل) اي النبي و الامام و لا يخفى ان المراد بالولاية هنا تصرفهم (ع) في الامور فان التصرف هو الذي يتصف بالحل و الحرمة، اما ولايتهم عليهم السلام من قبل اللّه تعالى فذلك امر قهري لا يتصف بالحلية و الحرمة (و ولاية ولاته) الذين ينصبهم

ص: 7

بجهة ما امر به الوالي العادل بلا زيادة او نقيصة، فالولاية له و العمل معه و معونته و تقويته حلال محلل.

و اما وجه الحرام من الولاية فولاية الوالي الجائر

______________________________

للامور (بجهة ما امر اللّه به الوالي العادل) «بجهة» متعلق بقوله «ولاية» و «الباء» بمعنى «في» اي تولي الولاة للامور انما يكون حلالا اذا كان توليا بالنسبة الى ما امر اللّه (بلا زيادة او نقيصة) اما اذا خان الولاة و ما اشبه كان ذلك من الولاية المحرمة، مثلا اذا امر الرسول صلى اللّه عليه و آله خالد بن الوليد بعدم محاربة من اظهر الاسلام فاذا حاربهم و قتلهم كان ذلك حراما و ان كان خالد في نفسه واليا من قبل الرسول صلى اللّه عليه و آله او اذا امر الامام عليه السلام ابن عباس بولاية البصرة فخان في بيت مال المسلمين كانت الخيانة محرمة و ان كان ابن عباس في نفسه واليا للامام عليه السلام (فالولاية له) اي للوالي العادل بان يقبل الانسان ان يكون متوليا للامور عن قبل الوالي العادل (و العمل معه) بان يعمل تحت حكومة الوالي العادل (و معونته) بان يعين الانسان الوالي العادل في جلب المال و الرجال من اجله (و تقويته) بان يعمل بما يقوى سلطان الوالي العادل- و الظاهر انه عطف تفسيري لمعونته- (حلال) اي ليس بحرام و ان كان في بعض الاحيان واجبا (محلل) من قبيل «ليل الليل» فهو تاكيد لقوله عليه السلام «حلال» و ان كان فرق بينهما فهو اعتباري.

(و اما وجه الحرام من الولاية فولاية الوالي الجائر) اي تولي الشخص الذي لم يأذن له اللّه سبحانه للامور، فان نفس التولي جوروان كان لم يجر

ص: 8

و ولاية ولاته فالعمل لهم و الكسب لهم بجهة الولاية معهم حرام، معذب فاعل ذلك على قليل من فعله او كثير، لان كل شي ء من جهة المعونة له معصية كبيرة من الكبائر. و ذلك ان في ولاية والي الجائر دروس الحق كله و احياء الباطل كله و اظهار الظلم و الجور و الفساد و ابطال الكتب

______________________________

في اعماله، مثلا قتال الكفار ليس بجور في نفسه، نعم لو تولاه غير النبي و الامام أو المأذون من قبلهما كان توليه لذلك جورا و ظلما لانه تصرف في حق الوالي العادل بلا اذنه (و ولاية ولاته) و المراد ان تقمصهم لهذا المنصب حرام و كذلك توليهم للامور بعد اصل التقمص (ف) كذلك يحرم (العمل لهم و الكسب لهم بجهة الولاية) اما العمل و الكسب لهم لا بجهة الولاية كما لو بنى لهم دارا لاجل السكنى او كتب لهم كتابا غير مربوط بولايتهم فحال ذلك حال العمل لغيرهم. اما الاعمال المرتبطة بالولاية (معهم) ف (حرام محرم معذب فاعل ذلك على قليل من فعله او كثير لان كل شي ء من جهة المعونة له معصية كبيرة من الكبائر) و ان كان هناك اختلاف بين اقسام الاعانة فبعضها محرمة من جهتين جهة ذاتية وجهة عرضية و بعضها محرمة من جهة عرضية (و ذلك) الحرام انما هو بسبب (ان في ولاية والي الجائر دروس الحق كله) لفظة «كل» باعتبار الانواع لا الافراد لوضوح ان بعض افراد الحق مما يمكن الاتيان به تحت لواء الجائر (و احياء الباطل كله) و التلازم واضح فان شرط الولاية العدالة و اذا انتفت العدالة قامت الهوى مقامها، و في اتباع الهوى احياء لكل انواع الباطل، و لا ادل على ذلك من التاريخ الذي يشهد بان ولاة الجور ارتكبوا كل حرام و تركوا كل واجب (و اظهار الظلم و الجور و الفساد و ابطال الكتب) بترك العمل

ص: 9

و قتل الأنبياء و هدم المساجد، و تبديل سنة اللّه و شرائعه، فلذلك حرم العمل معهم و معونتهم و الكسب معهم الا بجهة الضرورة نظير الضرورة الى الدم و الميتة.

و اما تفسير التجارات في جميع البيوع و وجوه الحلال من وجه التجارات التي يجوز للبائع أن يبيع مما لا يجوز له، و كذلك المشتري الذي يجوز له شراؤه مما لا يجوز

______________________________

بمحتوياتها و احكامها (و قتل الأنبياء و هدم المساجد) عنادا او لاجل اغراض باطلة (و تبديل سنة اللّه و شرائعه) الى قوانين و أنظمة وضعها البشر، او الى الفوضى و الاضطراب (فلذلك) الفساد المترتب على ولاية الجائر (حرم العمل معهم و معونتهم و الكسب معهم الا بجهة الضرورة) بان اضطر الانسان الى العمل معهم لتهديدهم بانه اذا لم يعمل معهم الحقوا به ضررا او لانه كان مضطرا لبقائه في العمل معهم كما لو انه مات جوعا اذا لم يعمل معهم او ما اشبه ذلك من انحاء الاضطرار المبيح لارتكاب الحرام. نعم لو دار الامر بين ارتكاب هذا الحرام او حرام اخف كان اللازم تقديم الحرام الاخف كما هو القاعدة في دوران الامر بين المحذورين. فالاضطرار هنا (نظير الضرورة الى الدم و الميتة) فكما يباحان عند الضرورة كذلك تباح الولاية عند الضرورة فقط.

(و اما تفسير التجارات في جميع) انواع (البيوع و وجوه الحلال) عطف على «التجارات» (من وجه التجارات التي يجوز للبائع أن يبيع مما لا يجوز له) متعلق «بتفسير» لتضمنه معنى التميز اي تميز ما يجوز مما لا يجوز (و كذلك المشتري الذي يجوز له شراؤه مما لا يجوز) اي تميز

ص: 10

فكل مأمور به مما هو غذاء للعباد و قوامهم به، في امورهم في وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره مما يأكلون و يشربون و يلبسون و ينكحون و يملكون و يستعملون من جميع المنافع التي لا يقيمهم غيرها و كل شي ء

______________________________

ما يجوز للمشتري شراؤه مما لا يجوز، و لعل ذكر المشتري من باب انه ربما يجوز للبائع بيع الشي ء بينما لا يجوز للمشتري اشتراؤه او بالعكس لاجتماع، الشرائط في احدهما. لكن الظاهر ان ذلك من باب التأكيد و يحتمل قراءة «المشترى» بصيغة المفعول، و المراد به المبيع (فكل ما هو مأمور به مما هو غذاء للعباد و قوامهم به في امورهم) المختلفة و شئونهم المتنوعة، و المراد بالمأمور به الاعم من الواجب (في وجوه الصلاح) المراد بالصلاح ما يقابل الفساد فيشمل ما لا يكون فيه الصلاح بالمعنى الاخص (الذي لا يقيمهم غيره) هذا بيان للصلاح، و ليس المراد عدم امكان القيام للناس الا بكل فرد بل المراد ان هذه المجموعة من الامور الصالحة هي التي تقيم الاجتماع. فمثلا المسكن و الملبس و المأكل و ما اشبه هي التي تقيم الناس حتى انه لو لا هذه الكليات لم يمكن للانسان القيام. و لعل الاتيان بهذا الوصف لافادة وجه تجويز اللّه سبحانه هذه الامور الصالحة دون غيرها (مما يأكلون و يشربون و يلبسون و ينكحون) ادخال النكاح في ضمن «التجارات» اما من جهة اخذ التجارة بالمعنى الاعم، فان النكاح أيضا تبديل البضع بالمال او من باب ادخال المثل في المثل لوحدتهما حكما، او المراد به النكاح بالنسبة. للاماء و الاول اقرب (و يملكون) بالتجارة (و يستعملون من جميع) انواع (المنافع التي لا يقيمهم غيرها و كل شي ء) عطف على قوله «فكل ما هو مأمور به»

ص: 11

يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات، فهذا كله حلال بيعه و شراؤه و امساكه و استعماله و هبته و عاريته.

و اما وجوه الحرام من البيع و الشراء فكل امر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه

______________________________

(يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات) و هذا اما عطف بيان لقوله أو لا «فكل ما هو» او المراد «بكل ما» الصنف الواجب و المراد بهذا غير الواجب. و المراد ب «جهة» وجود صلاح ما في الشي ء، لا ان المراد وجود الصلاح و الفساد، اذ ما يأتي منه الفساد لا يجوز تجارته و ان كان فيه جهة صلاح. و الحاصل ان ما ليس فيه الفساد قد يكون صالحا من كل الجهات، و قد يكون صالحا من بعض الجهات (فهذا كله) خبر لقوله «كل ما هو مأمور به» و يجوز دخول (الفاء) في الخبر- كما في كتاب المطول- (حلال بيعه و شراؤه و امساكه) ذكر الامساك، لان امساك بعض المحرمات- كالمغصوب- ليس بجائز (و استعماله و هبته و عاريته) و سائر انواع التقلب فيه غير التقلب المنهي عنه، مثل اتلافه مثلا، فانه غير جائز فيما اذا كان مالا معتدا به، او نحوه.

(و اما وجوه الحرام من البيع و الشراء ف) تفصيل الكلام فيه ان (كل امر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه) القيد اما لاخراج الفساد القليل كاستعمال بعض المضرات التي ليست اضرارها بحد الحرمة، و اما لبيان ان ما فيه الفساد اذا كان فيه جهة صلاح غير منهى عنه، لا يكون جهة صلاحه داخلا في هذه الكلية، مثلا يجوز استعمال الماء النجس في سقي

ص: 12

من جهة اكله او شربه او كسبه او نكاحه او ملكه او امساكه او هبته او عاريته، او شي ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد، نظير البيع بالربا او بيع الميتة او الدم او لحم الخنزير او لحوم السباع من صنوف سباع الوحش او الطير او جلودها

______________________________

الشجر، و لا يجوز استعماله في الادواء (من جهة اكله او شربه او كسبه) بان منع الشارع الاكتساب به كالاكتساب- بالغناء (و انكاحه) تذكير الضمير اما باعتبار المنكوح المحرم كالغلام او باعتبار عود الضمير الى «ما» (او ملكه) بان منع الشارع عن تملكه كالخنزير (او امساكه) كتحريم الشارع لامساك جارية الغير مثلا (او هبته او عاريته) كالملك المحجور، او المراد بيان امثلة للاستعمال (او شي ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد) المراد به وجود «فساد ما» فيه. لا ان المراد وجود فساد و وجود صلاح حتى يقال بالتعارض بين هذه الفقرة و الفقرة السابقة اي قوله «الصلاح من جهة من الجهات» اما ما فيه الصلاح و الفساد معا فاللازم ترجيح الاهم بنظر الشارع و اعمال قواعد التزاحم (نظير البيع بالربا او بيع الميتة او) بيع (الدم او) بيع (لحم الخنزير او لحوم السباع من) مختلف (صنوف سباع الوحش او الطير) لقد مثل الامام عليه السلام بما تكون حرمة البيع لأجل حرمة المبيع كالدم و لحم الخنزير، و ربما تكون حرمة البيع لاجل نفس البيع كالربا فان ذات المبيع ليس محرما (او جلودها) هذا ظاهر في حرمة بيع الجلود للسباع مطلقا، و ربما يقال بان المراد بيع الجلود فيما اذا لم يذك الحيوان بناء على ان الذين يحصلون على هذه الجلود خصوصا في زمن صدور الروايات هم الذين لا يعتقدون

ص: 13

او الخمر او شي ء من وجوه النجس. فهذا كله حرام محرم، لان ذلك كله منهي عن اكله و شربه و لبسه و ملكه و امساكه و التقلب فيه. فجميع تقلبه في ذلك حرام و كذلك كل مبيع ملهو به و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير اللّه عز و جل او يقوى به الكفر و الشرك من جميع وجوه المعاصي او باب يوهن به الحق

______________________________

بالتذكية و هذا ليس ببعيد. و قيل في وجه التحريم بمحامل اخر (او) بيع (الخمر او شي ء من وجوه النجس) كالبول و الغائط و المني و ما اشبه (فهذا كله حرام محرم) هذا خبر قوله «فكل امر يكون» (لان ذلك كله منهي عن اكله و شربه و لبسه و ملكه و امساكه و التقلب فيه) بالنقل و الانتقال و العارية و الصلح و الوديعة و ما اشبه و ما ليس فيه جهة حلال لا يجوز انحاء التصرف فيه (فجميع تقلبه في ذلك) الذي ذكرنا مما فيه الفساد (حرام) غير جائز. و الكلام و ان كان في البيع لكن ذكر غيره للمماثلة في الحرمة (و كذلك) يحرم البيع و الشراء بالنسبة الى (كل مبيع ملهو به) كالطنبور و المزمار و القانون و ما اشبه من سائر آلات اللهو (و كل) شي ء (منهي عنه مما يتقرب به لغير اللّه عز و جل) كالاصنام و الاوثان (او) الشي ء الذي (يقوى به الكفر و الشرك) و ان لم يكن بالذات محرما، و ذلك كبيع السلاح من اعداء الاسلام (من جميع وجوه المعاصي) لعله بيان لما سبق اي كل منهي عنه او مقرب لغير اللّه من جميع انحاء المعاصي فان كل معصية فانما هي تقرب الى الشيطان (أو) من (باب يوهن به الحق) و ان لم يكن حراما بالذات. و الحاصل ان كل شي ء محرم ذاتا، او

ص: 14

فهو حرام محرم بيعه و شراؤه و امساكه و ملكه و هبته و عاريته و جميع التقلب فيه الا في حال تدعو الضرورة فيه الى ذلك.

و اما تفسير الاجارات فاجارة الانسان نفسه او ما يملك او يلي امره من قرابته او دابته او ثوبه، فوجه الحلال من جهات الاجارات ان يوجر نفسه او داره او ارضه او شيئا يملكه فيما ينتفع به من وجوه المنافع

______________________________

عرضه عنوان حرام لانه باب يوهن به الحق (فهو حرام محرم بيعه و شراؤه و امساكه و ملكه و هبته و عاريته و جميع التقلب فيه) كل بالنسبة الى الوجه المحرم، اذ ربما لا يكون الامساك محرما و انما البيع محرم كالكلب الذي يجوز امساكه و لا يجوز بيعه، او بالعكس بان جاز بيعه و لم يجز امساكه كالعبد المسلم عند الكافر (الا في حال تدعو الضرورة فيه) اي في ذلك الحال (الى ذلك) التقلب و التصرف في ذلك الشي ء المحرم، فانه ما من شي ء حرمه اللّه الا و قد احله لمن اضطر إليه.

(و اما تفسير الاجارات فاجارة الانسان نفسه) ليعمل عملا (او ما يملك) كاجارة داره و اجارة عبده (اويلي امره) ولاية شرعية ثم بين بعض وجوه الولاية بقوله: (من قرابته) كاجارة ولده (او دابته او ثوبه) هذا بيان لكل الاجارات من غير تعرض للحلال او الحرام، ثم بين المحلل من المحرم بقوله: (فوجه الحلال من جهات الاجارات ان يوجر) الانسان (نفسه او داره او ارضه او شيئا يملكه) كدكّانه و دابته و سائر ممتلكاته (فيما ينتفع به من وجوه المنافع) المحللة كايجار الدار للسكنى، لا لبيع

ص: 15

او العمل بنفسه و ولده و مملوكه و اجيره من غير ان يكون وكيلا للوالي او واليا للوالي، فلا بأس ان يكون اجيرا يوجر نفسه او ولده او قرابته او ملكه او وكيله في اجارته، لانهم وكلاء

______________________________

الخمر مثلا (او العمل) بمجرد الاذن دون الاجارة بالصيغة (بنفسه و ولده و مملوكه و اجيره) فانه سواء آجر الانسان نفسه او عمل عملا للغير بدون اجراء صيغة الاجارة يكون في الحقيقة اجيرا لانه يبذل نفسه في مقابل اجرة (من غير ان يكون) هذا الانسان الموجر لنفسه (وكيلا للوالي) فانه اذا كان وكيلا للوالي لا يجوز له ان يوجر نفسه لغير الوالي لمنافاة حق الوالي مع حق الشخص الذي يستأجره (او واليا للوالي) بحيث يلزم عليه صرف نفسه في مصالح الوالي، و من المحتمل ان يكون الاستثناء باعتبار ان والي الوالي و وكيله عملهما محرم، فالمعنى ان وجه الحلال من وجوه الاجارة اجارة الانسان لنفسه لعمل محلل لا الاجارة للوالي الجائر فانها محرمة- و المراد بالاجارة للوالي الولاية من قبله- ثم وضح الامام عليه السلام ما ذكره من وجه الاجارة المحللة بقوله: (فلا بأس) للانسان (ان يكون اجيرا يوجر نفسه او) يكون يوجر (ولده او قرابته) إما المراد بالولد الصبي و بالقرابة اولاد الاولاد، او المراد بالقرابة كل قريب له سلطة عليه سلطة عرفية مع اذن ذلك القريب، و انما ذكر القريب لتعارف اذن الاقرباء بعضهم لبعض في اجارتهم (او) يوجر (ملكه) كداره (او) يوجر (وكيله في اجارته) كما لو و كلني زيد في ان اوجره فآجرته لعمرو، و انما يصح اجارة الانسان لولده و قرابته و ملكه- كالعبد- و وكيله (لانهم) اي هؤلاء الاربعة (و كلاء

ص: 16

الأجير من عنده ليس هم بولاة الوالي، نظير الحمال الذي يحمل شيئا معلوما بشي ء معلوم فيحمل ذلك الشي ء الذي يجوز له حمله بنفسه او بملكه او دابته او يوجر نفسه في عمل يعمل ذلك العمل حلالا، لمن كان من الناس، ملكا او سوقة او كافرا او مؤمنا فحلال اجارته، و حلال كسبه من هذه الوجوه.

فاما وجوه الحرام من وجوه الاجارة، نظير ان يؤاجر

______________________________

الأجير) الذي آجر نفسه بمن يتعلق به لعمل ما، مثلا: آجر زيد نفسه بمن يتعلق به لبناء دار عمرو، فاذا عمل بنفسه و ولده و عبده و وكيله في بناء الدار كان عملهم حلالا، لانهم وكلاء لزيد (من عنده) اي انه من عند نفسه فعمله حلال، و اذا حل عمل زيد حل عملهم. (ليس هم) اي هؤلاء الاربعة الاصناف (بولاة الوالي) حتى يكون عملهم حراما، و ذلك (نظير الحمال الذي) يوجر نفسه لان (يحمل شيئا معلوما) كمن من حنطة (بشي ء معلوم) كدرهم، (فيحمل ذلك الشي ء الذي يجوز له حمله) كالمن من الحنطة (بنفسه او بملكه) اي يحمله من يملك امره كولده و قرابته و عبده و وكيله (او دابته) فان كل ذلك حلال محلل له و لهم. (او يوجر نفسه في عمل يعمل ذلك العمل) كالخياطة، فان كل هذه الانحاء من الاجارة يكون (حلالا) محللا (لمن كان من الناس ملكا، او سوقة او كافرا او مؤمنا) فان العمل الشخصي للكافر و الجائر جائز في نفسه اذا لم يكن على وجه المعونة للكفر و الظلم، كأن يخيط الانسان ثوب الكافر او الجائر (فحلال اجارته و حلال كسبه من هذه الوجوه) التي ذكرناها.

(فاما وجوه الحرام من وجوه الاجارة) فهو: (نظير ان يؤاجر

ص: 17

نفسه على حمل ما يحرم اكله او شربه، او يؤاجر نفسه في صنعة ذلك الشي ء او حفظه، او يؤاجر نفسه في هدم المساجد ضرارا، او قتل النفس بغير حق، او عمل التصاوير و الاصنام و المزامير و البرابط و الخمر، و الخنازير و الميتة و الدم او شي ء من وجوه الفساد الذي كان محرما عليه من غير جهة الاجارة فيه.

و كل امر منهي عنه من جهة من الجهات فمحرم

______________________________

نفسه على حمل ما يحرم اكله) كلحم الخنزير (او شربه) كالخمر فيما اذا لم يكن الحمل لاجل الافناء و التلف، (او يؤاجر نفسه في صنعة ذلك الشي ء) كصنع الخمر، او ذبح الخنزير لاجل الاكل، او ما اشبه ذلك (او حفظه) لاجل الانتفاع به، اما حفظه لاجل الشهادة على مرتكبه ليعزر او ما اشبه ذلك فليس ذلك حراما (او يؤاجر نفسه في هدم المساجد ضرارا) مقابل هدم المسجد لاجل مصلحة المسجد توسعة و تعميرا او ما اشبه (او قتل النفس بغير حق) لا مثل قتل النفس حدا او قصاصا (او عمل التصاوير) المحرمة (و الاصنام و المزامير و البرابط) و سائر آلات اللهو (و) عمل (الخمر و) تولي شئون (الخنازير) رعيا او ذبحا او حفظا لاجل اكله او ما اشبه ذلك (و الميتة و الدم او) عمل (شي ء من وجوه الفساد الذي كان محرما عليه) بالذات (من غير جهة الاجارة فيه) كأن يوجر نفسه لمحاربة اهل الدين او للقيادة او الدياثة او لاصلاح آلات اللهو او ما اشبه ذلك.

(و) كذلك اجارة نفسه لتولي (كل امر منهي عنه من جهة من الجهات) كاجارة نفسه للسحر او القاء الفتنة بين الناس، او التجسس او ما اشبه ذلك. و قوله: «و كل» عطف تفسير لقوله «او شي ء» (فمحرم

ص: 18

على الانسان اجارة نفسه فيه اوله، او شي ء منه اوله.

الا لمنفعة من استأجرته، كالذي يستأجر له الاجير ليحمل الميتة ينحيها عن اذاه او اذى غيره و ما اشبه ذلك.

الى ان قال: و كل من آجر نفسه او

______________________________

على الانسان اجارة نفسه فيه) اي في ذلك الحرام بان يباشر الحرام (اوله) اي لاجل ذلك الحرام بان يهيئ المقدمات، مثلا- قد يوجر الانسان نفسه لحمل الخمر، و قد يوجر نفسه لتهيئة الحمالين لنقلها (او شي ء منه) اي اجارته لنفسه بان يعمل جزءا من اجزاء الحرام بنفسه (او له) بان يوجر نفسه لتهيئة مقدمات جزء من الحرام، فلا فرق في الحرمة بين ان يكون العمل للحرام بالمباشرة او بتهيئة المقدمات، كما لا فرق بين ان يكون العمل للحرام او مقدماته، عملا كاملا منتجا للمحرم، او لبعض المحرم.

(الا) اذا كان العمل المربوط بالحرام (لمنفعة من استأجرته) اي طلبت منه ان تكون اجيرا له، و المعنى: لمنفعة الموجر (كالذي يستأجر له الاجير ليحمل الميتة) لا للاكل و الاستعمال المحرم بل ل (ينحيها عن اذاه) فلا يتأذى بالميتة (او) ينحيها عن (اذى غيره) فلا يتأذى الغير برائحة الميتة المنتنة (و ما اشبه ذلك) كأن يؤجر نفسه لإراقة الخمر او كسر الاصنام او ما اشبه ذلك مما لا يكون العمل لاجل الحرام، بل لنفي الحرام، فانه جائز، بل أحيانا يكون مستحبا، لانه حينئذ من التعاون على الخير.

(الى ان قال) الامام عليه السلام: (و كل من آجر نفسه او

ص: 19

ما يملك او يلي امره من كافر او مؤمن او ملك او سوقة، على ما فسرنا مما يجوز الاجارة فيه فحلال محلل فعله و كسبه.

و اما تفسير الصناعات فكل ما يتعلم العباد او يعلمون غيرهم، من اصناف الصناعات مثل الكتابة و الحساب و النجارة و الصياغة و البناء و الحياكة و السراجة و القصارة و الخياطة و صنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثل الروحاني و انواع صنوف الآلات التي يحتاج إليها العباد، منها منافعهم

______________________________

ما يملك) كالدابة و الدار (او يلي امره) كالولد و القرابة (من كافر او مؤمن، او ملك او سوقة على ما فسرنا) و ذكرنا من اقسام الاجارة المحللة (مما يجوز الاجارة فيه فحلال محلل فعله) بنفسه (و كسبه) اي الثمن الذي حصله.

(و اما تفسير الصناعات) و بيان المحلل و المحرم منها: (فكل ما يتعلم العباد او يعلمون غيرهم، من اصناف الصناعات مثل الكتابة و الحساب و النجارة) للخشب (و الصياغة و البناء و الحياكة و السراجة و القصارة) اي تنظيف الثياب، و يقال للمنظف: القصار. (و الخياطة و صنعة صنوف التصاوير) سواء كانت مجسمة او غير مجسمة. (ما لم يكن مثل الروحاني) مثل: جمع مثال، و الروحاني- بضم الراء- منسوب الى الروح. و المراد تصوير ذوات الارواح. و هل المراد بالصورة المجسمة او الاعم؟ احتمالان (و) من (انواع صنوف الآلات التي يحتاج إليها العباد) كآلات الحياكة و النجارة و ما اشبه (منها) اي من تلك الصناعات و الآلات (منافعهم

ص: 20

و بها قوامهم و فيها بلغة جميع حوائجهم، فحلال فعله و تعليمه و العمل به و فيه لنفسه او لغيره.

و ان كانت تلك الصناعة و تلك الآلة قد يستعان بها على وجوه الفساد و وجوه المعاصي و تكون معونة على الحق و الباطل، فلا بأس بصناعته و تقلبه نظير الكتابة التي هي على وجه من وجوه الفساد تقوية و معونة لولاة الجور، و كذلك السكين و السيف و الرمح و القوس

______________________________

و بها قوامهم) اذ لو لا تلك لا يقوم الانسان في حضارة و مدنية. (و فيها بلغة) اي البلوغ الى (جميع حوائجهم) و قوله «فكل ما يتعلم» مبتدأ خبره قوله: (فحلال فعله) بان يصنع الانسان تلك الصناعات (و تعليمه) للغير (و العمل به) بالمباشرة في ذلك العمل (و فيه) اي في امر ذلك الشي ء مقدمة كانت او جزءا، فبناء الدار عمل بالدار، و تهيئة الجص و ما اشبه عمل في امر الدار، سواء كان العمل في الصناعة (لنفسه او لغيره).

ثم ان الصناعة او الآلة ان اتى منها الحلال المحض فلا اشكال (و) اما (ان كانت تلك الصناعة و تلك الآلة قد يستعان بها على وجوه الفساد و وجوه المعاصي) كالسلاح التي يستعان بها للحق تارة و للباطل اخرى (و تكون معونة) و سبب اعانة (على الحق) تارة (و) على (الباطل) اخرى (فلا بأس بصناعته و تقلبه) اي تقلب الانسان فيه (نظير الكتابة التي هي) تارة تستعمل للصلاح و اخرى (على وجه من وجوه الفساد) فانها حينئذ (تقوية و معونة لولاة الجور، و كذلك السكين و السيف و الرمح و القوس) و لا يخفى ان الكتابة مثال للصنعة، و السكين و غيرها مثال للآلة.

ص: 21

و غير ذلك من وجوه الآلات التي تصرف الى وجوه الصلاح و جهات الفساد و تكون آلة و معونة عليها، فلا بأس بتعليمه و تعلمه و اخذ الاجر عليه و العمل به و فيه، لمن كان له فيه جهات الصلاح من جميع الخلائق و محرم عليهم تصريفه الى جهات الفساد و المضار فليس على العالم و لا المعلم اثم و لا وزر لما فيه من الرجحان في منافع جهات صلاحهم و قوامهم و بقائهم

______________________________

(و غير ذلك من وجوه الآلات التي تصرف الى وجوه الصلاح) تارة (و جهات الفساد) اخرى (و تكون آلة و معونة عليها) اي على جهات الفساد (فلا بأس بتعليمه و تعلمه و اخذ الاجر عليه) بخلاف الحرام الذي لا يجوز للانسان اخذ الاجرة عليه، فان اللّه اذا حرم شيئا حرم اجرته و ثمنه (و العمل به) بان يعمله الانسان مباشرة (و فيه) بان يعمل الانسان في مقدماته و اجزائه- فلفظة «في» ظرفية توسعا- (لمن كان له فيه جهات الصلاح من جميع الخلائق) لا فرق في جواز عمله للعادل و الجائر كما لا فرق في من عمل العامل لاجله ان يكون عادلا او جائرا (و محرم عليهم تصريفه الى جهات الفساد و المضار) فتصريف الصنعة كالكتابة و تصريف الآلة كالسيف في الفساد حرام، اما اصل الكتابة و أصل صنع السيف و استعماله فليس بحرام. (فليس على العالم و لا المعلم) لغيره (اثم و لا وزر) عطف بيان للاثم في الصنع و استعمال الآلة (لما فيه من الرجحان في منافع جهات صلاحهم) المراد بالصلاح ضد الفساد فيشمل المباح (و قوامهم و بقائهم) لان الانسان يقوم بالصناعة و الآلة، و يبقى مستمرا في الحياة

ص: 22

و انما الاثم و الوزر على المتصرف بها في جهات الفساد و الحرام.

و ذلك انما حرم اللّه الصناعة التي هي حرام كلها التي يجي ء منها الفساد محضا، نظير البرابط و المزامير و الشطرنج و كل ملهو به و الصلبان و الاصنام و ما اشبه ذلك من صناعات الاشربة المحرمة.

و ما يكون منه و فيه الفساد محضا، و لا يكون منه و لا فيه شي ء من وجوه الصلاح

______________________________

السعيدة بهما (و انما الاثم و الوزر على المتصرف بها في جهات الفساد و الحرام).

(و ذلك) انما نقول بعدم الحرمة في الصناعة و الآلة المشتركة بين الحلال و الحرام لانه (انما حرم اللّه الصناعة التي هي حرام كلها التي يجي ء منها الفساد محضا نظير البرابط) جمع بربط: اسم لآلة لهو شبيهة بصدر البط و «بر» كلمة فارسية (و المزامير و الشطرنج) فان صنع هذه الآلات و تعليمها و تعلمها كلها حرام (و كل ملهو به) لهوا محرما من قبيل آلات الغناء و القمار، اما مطلق اللهو فليس بمحرم كما حقق في محله (و الصلبان): جمع صليب فانه شعار النصارى (و الأصنام و ما اشبه ذلك من صناعات الاشربة المحرمة) كالخمر و نحوها فان صنعها، و تعليم الصنع و تعلمه حرام، لانه يأتي منه الفساد محضا و ليس له وجه محلل.

(و) الحاصل (ما يكون منه و فيه الفساد محضا) المراد ما يأتي الفساد منه بالنتيجة بأن يكون سببا للفساد، او ان يكون في ذاته الفساد. مثلا الخمر في ذاتها الفساد، اما بيع السلاح لاهل الحرب فيأتي منه الفساد بالنتيجة (و لا يكون منه و لا فيه شي ء من وجوه الصلاح) بان لم يكن

ص: 23

فحرام تعليمه و تعلمه و العمل به و اخذ الاجرة عليه و جميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات كلها.

الا ان يكون صناعة قد تصرف الى جهة المنافع و ان كان قد يتصرف فيها و يتناول بها وجه من وجوه المعاصي، فلعلة ما فيه من الصلاح حل تعلمه و تعليمه و العمل به، و يحرم على من صرفه الى غير وجه الحق و الصلاح.

فهذا تفسير بيان وجوه اكتساب معايش العباد و تعلمهم في وجوه اكتسابهم

______________________________

مشتركا بين الصلاح و الفساد، اما اصلا كالصليب، او لامر عارض كبيع السلاح لاعداء الدين (فحرام تعليمه و تعلمه و العمل به و اخذ الاجرة عليه) بان يعمله للغير لقاء الاجر (و جميع) انحاء (التقلب فيه من جميع وجوه الحركات) المحرمة (كلها) اما مثل كسر الصليب او احراقه او ما اشبه فليس من الانتفاع المحرم حتى يشمله قوله عليه السلام «التقلب فيه».

(الا ان يكون) الصنع (صناعة قد تصرف الى جهة المنافع) المحللة (و ان كان قد يتصرف فيها) اي في تلك الصناعة (و يتناول بها وجه من وجوه المعاصي) فكل شأن من شئون ذلك الشي ء حلال الا صرفه في الحرام، و اشار عليه السلام الى علة الحلية بقوله: (فلعلة ما فيه من الصلاح حل تعلمه و تعليمه و العمل به. و يحرم) ذلك الشي ء صناعة او آلة (على من صرفه الى غير وجه الحق و الصلاح).

و هذا الحديث و ان لم يتعرض الى بعض وجوه المعايش كما عرفت الا انها تعرف بالمقايسة الى ما ذكر عليه السلام. ثم قال عليه السلام: (فهذا تفسير بيان وجوه اكتساب معايش العباد و تعلمهم في) مختلف (وجوه اكتسابهم) الى اخر

ص: 24

الحديث.

و حكاه غير واحد عن رسالة المحكم و المتشابه للسيد «قدس سره».

حديث فقه الرضا في أنواع المكاسب

و في الفقه المنسوب الى مولانا الرضا صلوات اللّه و سلامه عليه: اعلم رحمك اللّه، ان كل ما هو مأمور به على العباد و قوام لهم في امورهم من وجوه الصلاح، الذي لا يقيمهم غيره مما يأكلون و يشربون و يلبسون و ينكحون و يملكون و يستعملون. فهذا كله حلال بيعه و شراؤه و هبته و عاريته.

______________________________

(الحديث) و هو طويل من اراده فليرجع الى الاصل.

(و حكاه غير واحد عن رسالة المحكم و المتشابه للسيد «قدس سره») نقلا عن تفسير النعماني، و لكن هناك اختلاف في الجملة بين عبارة تحف العقول و بين عبارة المحكم و المتشابه.

(و في الفقه المنسوب الى مولانا الرضا صلوات اللّه و سلامه عليه) و قد تعرض لاحوال هذا الكتاب الحاج النوري «قدس سره» في خاتمة المستدرك، كما ان الوالد «رحمه اللّه» فصل حوله في رسالة مستقلة (: اعلم رحمك اللّه ان كل ما هو مأمور به على العباد) المراد بالامر الجواز، الشامل للاباحة في مقابل الحرام (و) كل ما فيه (قوام لهم في امورهم من وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره) اي لا يقيم حضارتهم. و الا فمن الممكن ان يعيش الانسان عيش الحيوان، (مما يأكلون و يشربون و يلبسون و ينكحون و يملكون و يستعملون) بسائر انحاء الاستعمال.

(فهذا كله حلال بيعه و شراؤه و هبته و عاريته) قد عرفت سابقا

ص: 25

و كل امر يكون فيه الفساد مما قد نهي عنه من جهة اكله و شربه و لبسه و نكاحه و امساكه بوجه الفساد، مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير و الربا و جميع الفواحش و لحوم السباع و الخمر و ما اشبه ذلك فحرام ضار للجسم.

حديث دعائم الإسلام في أنواع المكاسب

و عن دعائم الاسلام للقاضي نعمان المصري عن مولانا الصادق عليه السلام:

ان الحلال من البيوع كلما كان حلالا من المأكول و المشروب و غير ذلك

______________________________

ان هذه الامور من باب المثال، و المراد جميع انحاء التصرفات.

(و كل امر يكون فيه الفساد مما قد نهي عنه) لعل القيد من جهة اخراج ما فيه فساد جزئي مما لم ينه عنه، اذ الضرر اذا لم يكن بالغا لا ينهى عنه الشارع، كالاكل و الشرب الكثير الذي لا يوجب ضررا كثيرا (من جهة اكله و شربه و لبسه و نكاحه و امساكه بوجه الفساد) في مقابل الامساك لا بوجه الفساد، مثل حفظ كتب الضلال بقصد الرد عليها (مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير و الربا و جميع الفواحش): جمع فاحشة صفة لمقدر و هو «صنعة» او «معصية» او ما اشبه. و سمي بذلك لانه خارج عن الحق المعتدل، من فحش: اذا تعدى (و لحوم السباع و الخمر و ما اشبه ذلك فحرام) خبر قوله «و كل امر» (ضار للجسم) في الغالب و قد يكون الضرر للاجتماع او للروح او ما اشبه و انما ذكر «الجسم» لانه الغالب في اضرار المحرمات، خصها بالنسبة الى الامثلة المذكورة في الحديث.

(و عن دعائم الاسلام للقاضي نعمان المصري) المذكور احواله و احوال مؤلفه في تتمة المستدرك أيضا (عن مولانا الصادق عليه السلام: ان الحلال من البيوع كلما كان حلالا من المأكول و المشروب و غير ذلك) فاذا جاز اكله او

ص: 26

مما هو قوام للناس، و يباح لهم الانتفاع، و ما كان محرما اصله منهيا عنه لم يجز بيعه و لا شراؤه.

حديث نبوي كقاعدة كلية

و في النبوي المشهور: ان اللّه اذا حرم شيئا حرم شيئا حرم ثمنه.

«اذا عرفت» ما تلوناه و جعلته في بالك متدبرا لمدلولاته فنقول: قد جرت عادة غير واحد على تقسيم

______________________________

شربه و سائر استعمالاته جاز بيعه، و اذا لم تكن له منفعة محللة لم يجز بيعه (مما هو قوام للناس و يباح لهم الانتفاع) به (و ما كان محرما اصله) كالخمر و الخنزير (منهيا عنه لم يجز بيعه و لا شراؤه) و الظاهر ان البيع و الشراء من باب المثال و الا فالصلح و الاجارة و ما اشبه أيضا محكوم بالمنع.

(و في النبوي المشهور: ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه)، و المراد تحريم الشي ء بقول مطلق، لا التحريم من جهة دون جهة.

ثم ان من الفقهاء من لم يعتبر شيئا من هذه الاحاديث، لضعف السند في الجميع، و منهم من اعتبر الجميع لانجبار بعضها بالعمل و حجية سند البعض، و المراجع لتتمة المستدرك و لكتب الفقه الاستدلالية يعرف ان كلا من الامرين خارج عن الاعتدال، و انما ينبغي التوسط و لا اقل من التأييد كما هو شأن غالب كتب الاستدلال، و حيث ان تفصيل المقام خارج عن وظيفة هذا الشرح نكله إلى مظانه.

(اذا عرفت ما تلوناه و جعلته في بالك متدبرا لمدلولاته) التي هي عبارة عن جملة من القواعد الكلية، مما جمع جملة منها الفقيه اليزدي في حاشيته (فنقول: قد جرت عادة غير واحد) من الفقهاء (على تقسيم

ص: 27

المكاسب الى محرم. و مكروه. و مباح. مهملين للمستحب و الواجب بناء على عدم وجودهما في المكاسب، مع امكان التمثيل للمستحب بمثل الزراعة و الرعي مما ندب إليه الشرع. و للواجب بالصناعة الواجبة كفاية خصوصا اذا تعذر قيام الغير به فتأمل.

______________________________

المكاسب الى) ثلاثة اقسام: (محرم) كالربا (و مكروه) كبيع الاكفان (و مباح) كبيع الخبز مثلا، في حال كونهم (مهملين للمستحب و الواجب) فلم يذكروهما (بناء) منهم (على عدم وجودهما في المكاسب، مع امكان التمثيل للمستحب) من المكاسب (بمثل الزراعة و الرعي) للماشية (مما ندب إليه الشرع)، فالاكتساب بهما مستحب و ان كان الاتيان بهما لغير الاكتساب أيضا مستحبا (و) إمكان التمثيل (للواجب بالصناعة الواجبة كفاية) او عينا فيما اذا لم يكن قائم بها غيره فقول المصنف: (خصوصا اذا تعذر قيام الغير به)، بيان لتأكيد الوجوب، لا انه قسم من الواجب الكفائي فعلا (فتامل) لعله اشارة الى أن المستحب و الواجب في المثالين نفس العمل، لا الاكتساب، فالزراعة مستحبة، و الصناعة واجبة، و لو اتى بهما المكلف مجانا فليس هناك شي ء من الاكتساب مستحبا او واجبا.

ثم ان كون الاكتساب محرما لما كان محتملا لان يراد بالحرمة فيه حرمة النقل و الانتقال، و لان يراد بها حرمة اكل المال في مقابل الشي ء المحرم، اراد المصنف ان يبين ان المراد بالحرمة هو المعنى الاول، فقولهم:

الاكتساب محرم، معناه ان ينقل الانسان الشي ء المحرم نقله، و لذا قال:

ص: 28

و معنى حرمة الاكتساب: حرمة النقل و الانتقال بقصد ترتب الاثر.

و اما حرمة اكل المال في مقابلها فهو متفرع على فساد البيع، لانه مال الغير وقع في يده بلا سبب شرعي، و ان قلنا بعدم التحريم.

______________________________

(و معنى حرمة الاكتساب حرمة النقل) من الناقل (و الانتقال) الى المنقول إليه (بقصد ترتب الاثر) بان تصير الخمر- مثلا- ملكا للمشتري بعد ما كانت تحت حيازة البائع، فان الخمر و ان لم تكن ملكا في نظر الشارع، لكن مجرد اجراء البيع عليها بقصد ان تنتقل محرم (و اما حرمة اكل المال في مقابلها) اي في مقابل المعاملة المحرمة كأكل بائع الخمر ثمنها (فهو متفرع على فساد البيع) شرعا، و قوله «هو» راجع الى «اكل المال» (لانه مال الغير وقع في يده بلا سبب شرعي) فاذا قلنا حرم الاكتساب بالخمر كان معناه: حرم اجراء المعاملة على الخمر، و ليس معناه: حرم اكل ثمن الخمر، نعم اكل ثمن الخمر حرام لانه مال الغير و لا يجوز اكل مال الغير بدون رضاه.

ان قلت: المشتري راض بان يأكل البائع ماله. قلت: الرضا رضا معاملي فاذا بطلت المعاملة- شرعا- لم يكن رضى في البين، و الحاصل ان حرمة اكل الثمن لانه مال الغير (و ان قلنا بعدم التحريم) في الاكتساب، بان الغى الشارع المعاملة و لم يحرمها، كما لو قال الشارع: المعاملة على حشرات الارض ملغاة في نظري فان المعاملة عليها ليست محرمة حينئذ، و مع ذلك كان اكل الثمن حراما، لانه مال الغير لا يجوز اكله الا برضاه

ص: 29

لان ظاهر ادلة تحريم بيع مثل الخمر منصرف الى ما لو اراد ترتيب الآثار المحرمة.

اما لو قصد الاثر المحلل فلا دليل على تحريم المعاملة الا من حيث التشريع.

«و كيف كان» فالاكتساب المحرم انواع، نذكر كلا منها في طي مسائل:

النوع الأول الاكتساب بالاعيان النجسة عدا ما استثني

اشارة

«الاولى»: الاكتساب بالاعيان النجسة.

______________________________

و انما قلنا بان «معنى حرمة الاكتساب حرمة النقل» (لان ظاهر ادلة تحريم بيع مثل الخمر منصرف الى ما لو اراد ترتيب الآثار المحرمة) كما هو المتعارف في معنى «تحريم بيع الشي ء الفلاني».

و حيث بين المصنف «رحمه اللّه» معنى «تحريم الاكتساب» نبه على شي ء آخر و هو: انه لو لم يرد المتبايعان الاثر المحرم، كما لو باع الخمر بقصد شربها للاضطرار المبيح للشرب، او بقصد اسقاء الشجر او ما اشبه ذلك مما ليس بمحرم شرعا، فالمعاملة ليست محرمة ذاتا، و انما تحرم تشريعا، فقال:

(اما لو قصد) المكتسب بالخمر (الاثر المحلل فلا دليل على تحريم المعاملة الا من حيث التشريع) بمعنى انه يوقع المعاملة على شي ء لم يأذن الشارع في ايقاع المعاملة عليه، فالبطلان من حيث عدم الاذن لا من حيث النهي.

(و كيف كان) معنى «تحريم المعاملة» (ف) ليس ذلك بمهم و انما المهم صرف عنان الكلام الى بيان ان (الاكتساب المحرم انواع) و (نذكر كلا منها) اي من تلك الانواع (في طي مسائل):

المسألة (الاولى: الاكتساب بالاعيان النجسة) فان ذلك محرم

ص: 30

عدا ما استثنى،

و فيه مسائل ثمان:

«الأولى» تحرم المعاوضة على بول غير مأكول اللحم بلا خلاف ظاهر.
اشارة

لحرمته و نجاسته، و عدم الانتفاع به منفعة محللة مقصودة. فيما عدا بعض افراده كبول الابل الجلالة و الموطوءة

______________________________

(عدا ما استثني) كالاكتساب بالعبد الكافر و الكلب الصيود و ما اشبه (و فيه مسائل ثمان):

المسألة (الاولى: تحرم المعاوضة على بول غير مأكول اللحم) مثل المعاوضة على بول الهرة (بلا خلاف ظاهر) بين الفقهاء، (لحرمته) شربا (و نجاسته، و عدم الانتفاع به منفعة محللة مقصودة).

فهذه ادلة أربعة على عدم الجواز:

الاول: الاجماع.

الثاني: حرمة البول، فيشمله النبوي المتقدم «ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه».

الثالث: نجاسة البول، فيشمله قوله عليه السلام في رواية تحف العقول: «او شي ء من وجوه النجس».

الرابع: عدم الانتفاع به، و من المعلوم ان ما ليس فيه نفع حرام بيعه، لان بذل المال في مقابل ما ليس بمال لا يوجب انعقاد المعاملة.

و لا يخفى ان مقتضى الدليل الرابع عدم انعقاد البيع وضعا لا حرمة المعاملة تكليفا (فيما عدا بعض افراده) هذا استثناء من قوله: «و عدم الانتفاع» (كبول الابل الجلالة او الموطوءة) فانهما ينفعان بعض الامراض

ص: 31

فرعان:
«الاول»: ما عدا بول الابل من ابوال ما يوكل لحمه المحكوم بطهارتها عند المشهور

- ان قلنا بجواز شربها اختيارا كما عليه جماعة من القدماء و المتاخرين، بل عن المرتضى: دعوى الاجماع عليه- فالظاهر جواز بيعها.

______________________________

كما ذكر في الطب، فالدليل الرابع غير آت فى بول الابل الجلالة نعم الادلة الثلاثة السابقة جارية فيه.

(فرعان: «الاول»: ما عدا بول الابل من ابوال ما يؤكل لحمه) كبول الغنم و البقر و الغزال و ما اشبه (المحكوم بطهارتها عند المشهور) خلافا لغير المشهور، فانهم قالوا بنجاسة بعض الابوال كبول الحمار مثلا (ان قلنا بجواز شربها اختيارا، كما عليه جماعة من القدماء و المتاخرين، بل عن) السيد (المرتضى: دعوى الاجماع عليه)، و ذلك لعدم الدليل على تحريمه، فيشمله قوله عليه السلام: «كل شي ء حلال» بل قوله سبحانه «احل لكم ما في الارض جميعا» الى غيرهما من الادلة المذكورة في كتاب الاطعمة و الاشربة. (فالظاهر جواز بيعها) لشمول ادلة «أوفوا بالعقود» و «تجارة من تراض» و ما اشبه، لمثل هذه الابوال الطاهرة اذ لا اجماع على عدم جواز البيع، و لا حرمة، و لا نجاسة، و لا عدم انتفاع، فلا مخصص لادلة وجوب الوفاء بالعقد، و انما قال المصنف:

«فالظاهر» و لم يجزم بالحكم؟ لاحتمال ان تنفر طباع العامة يسقط ماليته فاذا لم تكن له مالية لم يصح البيع.

ص: 32

و ان قلنا بحرمة شربها- كما هو مذهب جماعة اخرى، لاستخباثها- ففي جواز بيعها قولان:

من عدم المنفعة المحللة المقصودة فيها.

و المنفعة النادرة لو جوزت المعاوضة لزم منه جواز المعاوضة على كل شي ء.

______________________________

(و ان قلنا بحرمة شربها، كما هو مذهب جماعة اخرى،) و ذلك (لاستخباثها) فان البول يعد عرفا من الخبائث، فيشمله قوله سبحانه:

«و يحرم عليهم الخبائث».

و قد اشكل على هذا الدليل، بان معنى الآية: ان الخبيث الواقعي يحرم عليهم و ان لم يستخبثه الطبع- كلبن الغزال او الشاة الموطوءة- لا ان المعنى ان ما يستخبثه الطبع يحرم عليهم، و ان لم يكن خبيثا واقعيا، و الا فالطبع يستخبث بعض الادوية. و على كل حال (ففي جواز بيعها قولان):

قول بالعدم (من) جهة (عدم المنفعة المحللة المقصودة فيها) فلا يصح ايقاع المعاملة عليها.

(و) ان قلت: للبول منفعة نادرة لانه قد يكون دواء و قد يضطر الانسان الى شربه.

قلت: ليس المعيار في المالية المنفعة النادرة، اذ (المنفعة النادرة لو جوزت المعاوضة لزم منه جواز المعاوضة على كل شي ء) لان كل شي ء له منفعة نادرة قطعا.

وجه الاستدلال: ان ما فيه منفعة نادرة لا يشمله دليل جواز المعاوضة

ص: 33

و التداوي بها لبعض الاوجاع لا يوجب قياسها على الادوية و العقاقير لانه يوجب قياس كل شي ء عليها للانتفاع به في بعض الاوقات.

و من ان المنفعة الظاهرة- و لو عند الضرورة المسوغة للشرب- كافية في جواز البيع.

______________________________

فقوله سبحانه: «تجارة عن تراض» و ما اشبه لا يشمل الا ما فيه منفعة متعارفة، فما ليس فيه نفع متعارف خارج عن الادلة.

(و) ان قلت: سلمنا ان الابوال لا نفع متعارف فيها لكنها قد يستشفى بها فتكون كسائر العقاقير الطبية.

قلت: (التداوي بها لبعض الاوجاع لا يوجب قياسها على الادوية و العقاقير): جمع «عقار» كشداد: الدواء (لانه) لو كانت المنفعة النادرة الدوائية توجب الالحاق بالادوية المتعارفة، كان (يوجب قياس كل شي ء عليها) اي على الادوية (للانتفاع به في بعض الاوقات) لكن من البديهي ان كل شي ء ليس يعد دواء، فليس كلما فيه نفع دوائي نادر يكون مثل سائر الادوية في جواز المعاملة، و الحاصل: ان «البول» ليس من الادوية، فلا يحكم بحكم الادوية في جواز البيع، و ان كان البول في نفسه طاهرا حلالا.

(و) في البول قول آخر بجواز البيع، و ذلك (من) جهة (ان المنفعة الظاهرة) عند الناس (- و لو عند الضرورة المسوغة للشرب- كافية في جواز البيع) فالبول له منفعة، و كل ما فيه منفعة جاز بيعه، اما الصغرى: فلان نفع البول رفع العطش- و لو عند الضرورة، و اما الكبرى:

ص: 34

و الفرق بينها و بين ذي المنفعة غير المقصودة حكم العرف بانه لا منفعة فيه. و سيجي ء الكلام في ضابطة المنفعة المسوغة للبيع.

نعم يمكن ان يقال: ان قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: «ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه» و كذلك الخبر المتقدم عن دعائم الاسلام يدل على ان ضابطة المنع: تحريم الشي ء اختيارا

______________________________

فلان ما فيه المنفعة داخل في عموم «تجارة عن تراض».

(و) ان قلت: فعلى هذا كل شي ء له منفعة ما فكيف تمنعون بيع بعض الاشياء بحجة انه لا نفع فيه؟.

قلت: (الفرق بينها) اي الابوال الطاهرة (و بين ذي المنفعة غير المقصودة حكم العرف) بان في الابوال نفع، فيشمله: «تجارة عن تراض» و (بانه) اي ذو المنفعة غير المقصودة (لا منفعة فيه) فلا تشمله الآية (و سيجي ء الكلام في ضابطة المنفعة المسوغة للبيع) حتى يعرف الفرق بين نفع مثل البول و نفع غيره، مما ليس بمقصود لدى العقلاء.

(نعم) لقائل ان يقول: سلمنا ان للابوال منفعة عند الضرورة، اما مثل هذه المنفعة لا تجوز البيع، اذ الظاهر من «تجارة عن تراض» كون الشي ء له منفعة في حال الاختيار، و الى هذا اشار المصنف «رحمه اللّه» بقوله: (يمكن ان يقال: ان قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم «ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه» و كذلك الخبر المتقدم عن دعائم الاسلام) بقوله عليه السلام: و ما كان محرما اصله ... (يدل على ان ضابطة المنع: تحريم الشي ء اختيارا) فكل شي ء حرام في حال الاختيار يصدق عليه «حرم شيئا» و «محرما اصله»

ص: 35

- و الا، فلا حرام و هو محلل عند الضرورة- و المفروض حرمة شرب الابوال اختيارا.

و المنافع الاخر غير الشرب لا يعبأ بها جدا، فلا ينتقض بالطين المحرم اكله، فان المنافع الاخر للطين اهم و اعم من منفعة الاكل المحرم، بل لا يعد الاكل من منافع الطين.

______________________________

لا يجوز المعاملة عليه (- و الا، فلا حرام الا و هو محلل عند الضرورة-) و اذا كان الميزان لجواز المعاملة هي حالة الضرورة لم يبق شي ء محرما، لان كل حرام حلال عند الضرورة، فلا يبقى مورد للروايتين (و المفروض حرمة شرب الابوال) الطاهرة (اختيارا).

(و) ان قلت: سلمنا حرمة شرب الابوال الطاهرة لكونها من الخبائث، لكن للابوال منافع اخر غير الشرب، لانها تصلح لصنع الطين بدل الماء او لانها ادوية لبعض الامراض، فليكن حال الابوال حال الطين الذي يجوز بيعه و ان لم يجز اكله.

قلت: (المنافع الاخر غير الشرب لا يعبأ بها جدا) فمن الذي يصنع الطين بالبول او يستعمل البول دواء؟! و منه يظهر الفرق بين البول و بين الطين. (فلا ينتقض بالطين المحرم اكله) مع انه يجوز بيعه، و انما لا ينتقض بالطين (فان المنافع الاخر للطين) كالتطيين به و صنعه فخارا او آجرا او حصبا و ما اشبه (اهم و اعم من منفعة الاكل) للطين (المحرم بل لا يعد الاكل من منافع الطين) اصلا. و الحاصل ان منفعة البول:

الشرب، فاذا حرمت هذه المنفعة لم يجز بيعه.

ص: 36

فالنبوي دال على انه اذا حرم اللّه شيئا- بقول مطلق- بان قال:

يحرم الشي ء الفلاني، حرم بيعه.

لان تحريم عينه اما راجع الى تحريم جميع منافعه او الى تحريم اهم منافعه التي تتبادر عند الاطلاق بحيث يكون غيره غير مقصود منه.

و على التقديرين يدخل

______________________________

(فالنبوي دال على انه اذا حرم اللّه شيئا- بقول مطلق-) في مقابل ما اذا حرم بعض منافعه، و ذلك مثل الطين الذي لم يحرمه اللّه بقول مطلق، و انما حرم اكله (بان قال) سبحانه: (يحرم الشي ء الفلاني) اما بهذه اللفظة او بسائر الالفاظ المؤدية لهذا المعنى (حرم بيعه) لأنه يتشكل قياس هكذا: الشي ء الفلاني حرام، و اذا حرم شي ء حرم ثمنه.

و انما كان حرمة الشي ء موجبة لحرمة البيع، لأن حرمة الشي ء اما بمعنى حرمة جميع منافعه، او حرمة المنافع المتعارفة، و كلاهما موجب لالحاق الشي ء بما لا منفعة له، و اذا لم تكن هناك منفعة جاء التحريم، و الى هذا اشار بقوله: (لان تحريم عينه) المستفاد من قوله «يحرم البول» مثلا (اما راجع الى تحريم جميع منافعه) حتى منفعة كونه دواء نادرا و منفعة جعله بدل الماء لصنع الطين (او) راجع (الى تحريم اهم منافعه التي تتبادر) تلك المنافع (عند الاطلاق) فاذا قال: حرم البول تبادر الى الذهن حرمة شربه (بحيث يكون غيره) اي غير اهم المنافع (غير مقصود منه) اي من الاطلاق.

(و على التقديرين) سواء حرم جميع المنافع او المنافع المهمة (يدخل

ص: 37

الشي ء لاجل ذلك فيما لا ينتفع به منفعة محللة مقصودة.

و الطين لم يحرم كذلك بل لم يحرم الا بعض منافعه غير المقصودة منه و هو الاكل، بخلاف الابوال فانها حرمت كذلك، فيكون التحريم راجعا الى شربها. و غيره من المنافع في حكم العدم.

و بالجملة فالانتفاع بالشي ء حال الضرورة منفعة محرمة

______________________________

الشي ء) كالبول في المثال (لاجل ذلك) التحريم (فيما لا ينتفع به منفعة محللة مقصودة).

اذا عرفت ذلك، عرفت الفرق بين حرمة شرب البول و بين حرمة اكل الطين، و ان الاول موجب لعدم المالية- لان الشرب اهم منافعه- و ليس الثاني كذلك، اذ الاكل ليس اهم منافع الطين (و) ذلك لان (الطين لم يحرم كذلك) اي لا جميع منافعه و لا اهم منافعه (بل لم يحرم الا بعض منافعه غير المقصودة منه، و هو الاكل). لا يخفى ان دخول «ال» على «غير» في مثل المقامات خطأ على رأي كثير من اهل الادب (بخلاف الابوال فانها حرمت كذلك) اي اهم منافعها الذي هو الشرب (فيكون التحريم) في قوله: يحرم البول- مثلا- (راجعا إلى شربها).

و اذا حرم الشرب حرم البيع (و غيره) اي غير الشرب (من المنافع) المترتبة على البول (في حكم العدم). و جواز البيع تابع لاهم المنافع، لا المنافع النادرة. و الا فكل شي ء له منفعة نادرة كما عرفت.

(و بالجملة فالانتفاع بالشي ء) كالبول (حال الضرورة منفعة محرمة

ص: 38

في حال الاختيار لا يوجب جواز بيعه.

و لا ينتقض أيضا بالادوية المحرمة في غير حال المرض لاجل الاضرار!

لان حلية هذه في حال المرض ليست لاجل الضرورة، بل لاجل تبدل عنوان الاضرار بعنوان النفع.

______________________________

في حال الاختيار) كالشرب (لا يوجب جواز بيعه). و لا يخفى ان ان المصنف بين تارة حرمة بيع البول لعدم الانتفاع، و تارة لكونه حراما تكليفا، و كان الاولى فصل احد الوجهين عن الآخر.

(و لا ينتقض) ما ذكرناه من عدم جواز بيع بول الحيوان الطاهر بعلة: انه لا منفعة شائعة له (أيضا) كما لم ينتقض بالطين، (بالادوية المحرمة في غير حال المرض لاجل الاضرار!) «لاجل» علة ل «المحرمة» و ذلك مثل «الافيون» مثلا فانه محرم في غير حال المرض، لاجل انه مضر.

وجه الانتقاض: انه لو حل ذلك الدواء في حال المرض، فجاز بيعه مطلقا لاجل تلك المنفعة النادرة، فليكن البول أيضا كذلك، يجوز بيعه مطلقا، لمنفعة النادرة. و الحاصل: المنفعة النادرة ان لم تفد في جواز البيع، فلما ذا يجوز بيع الدواء الضار، و ان افادت المنفعة النادرة في جواز البيع فلما ذا لم تجوزوا بيع البول مع ان له منفعة نادرة؟

و الجواب: وجود الفرق (لان حلية هذه) اي الادوية المحرمة (في حال المرض ليست لاجل الضرورة)، حتى يقال: اذا جاز بيع المضر لنفع نادر جاز بيع الخبيث لنفع نادر أيضا (بل لاجل تبدل عنوان الاضرار بعنوان النفع) فليس بضار في وقت المرض، بخلاف البول فانه خبيث،

ص: 39

و مما ذكرنا يظهر ان قوله- عليه السلام في رواية تحف العقول المتقدمة-: و كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات، يراد به جهة الصلاح الثابتة حال الاختيار، دون الضرورة.

و مما ذكرنا يظهر حرمة بيع لحوم السباع

______________________________

حتى في حال الاضطرار، و انما يحلله الاضطرار، لا تبدل حالة الخبيث الى حالة الطيب.

و ربما يقال: ان جهة الاضطرار جهة صلاح، فتشمله رواية تحف العقول التي اباحت ما فيه جهة من جهات الصلاح. و الجواب: ان المراد جهة الصلاح الثابتة، لا الاتفاقية، و الا فكل شي ء فيه جهة صلاح اتفاقية. و الى هذا الجواب اشار بقوله:

(و مما ذكرنا) من ان الاضطرار الى الشي ء المحرم، لا يوجب جواز بيعه، حيث قلنا: «و بالجملة ...» (يظهر ان قوله- عليه السلام في رواية تحف العقول المتقدمة-: و كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات) لا يراد بالجهة حتى الجهة الاضطرارية، و الا لم يكن وجه لتحريم شي ء اذ كل شي ء فيه جهة صلاح و لو في حال الاضطرار بل (يراد به جهة الصلاح الثابتة حال الاختيار، دون الضرورة). و الحاصل: ان رواية تحف العقول لا تشمل الابوال الخبيثة التي لها نفع في حال الاضطرار

(و مما ذكرنا) من ان المنافع الجزئية الاضطرارية لا تسوغ جواز البيع (يظهر حرمة بيع لحوم السباع) لانها لا منفعة لها الا الاكل، و هو محرم، اما سائر المنافع النادرة او الاضطرارية فلا توجب ان تكون ذات

ص: 40

دون شحومها. فان الأول من قبيل الابوال. و الثاني من قبيل الطين، في عدم حرمة جميع منافعها المقصودة منها. و لا ينافيه النبوي: «لعن اللّه اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها و اكلوا ثمنها» لان الظاهر ان الشحوم كانت محرمة الانتفاع على اليهود بجميع الانتفاعات، لا كتحريم شحوم غير مأكول اللحم علينا.

______________________________

منفعة بقول مطلق، حتى يصح بيعها، و قد عرفت ان المعيار في جواز البيع اما حلية جميع المنافع، او حلية المنافع الغالبة، (دون شحومها) فانه يجوز بيعها، (فان الاول) اي لحوم السباع (من قبيل الابوال. و الثاني) اي الشحوم (من قبيل الطين، في عدم حرمة جميع منافعها المقصودة منها) فان منفعة الشحم: الاسراج و الصابون و التطلية و ما اشبه، و هي منافع غالبة، و لا تتوقف على الطهارة او الحلية، و منفعة الاكل اما مساوية لتلك المنافع، او اقل منها، فلا يوجب تحريم الاكل تحريم البيع. (و لا ينافيه) اي لا ينافي ما ذكرنا من جواز بيع الشحوم- و ان حرم اكلها- (النبوي:

«لعن اللّه اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها و اكلوا ثمنها») وجه المنافاة: انه اذا حرم الشحم حرم بيعه، كما يستفاد من هذا النص، فكيف تقولون بحرمة اكل شحم السباع و مع ذلك يجوز بيعها؟ و الجواب: عدم المنافاة (لان الظاهران الشحوم كانت محرمة الانتفاع على اليهود بجميع الانتفاعات لا كتحريم شحوم غير مأكول اللحم علينا) فان تحريم الشحوم علينا من جهة الاكل لا مطلقا، و الاستظهار المذكور من جهة اطلاق قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم:

«حرمت عليهم الشحوم» اذ لم يقل «حرم عليهم اكل الشحوم».

ص: 41

هذا، و لكن الموجود من النبوي في باب الاطعمة عن الخلاف: «أن اللّه اذا حرم اكل شي ء حرم ثمنه».

و الجواب عنه: ضعفه و عدم الجابر له سندا و دلالة، لقصورها بلزوم تخصيص الاكثر.

«الثاني»- بول الابل يجوز بيعه اجماعا،

على ما في جامع المقاصد و عن إيضاح النافع.

______________________________

(هذا) بعض الكلام حول الاستدلال لجواز بيع شحوم السباع، و أنه لا دليل على تحريم بيعها (و لكن) يمكن الاستدلال للحرمة بالنبوي فان (الموجود من النبوي في باب الاطعمة عن الخلاف) لشيخ الطائفة: (ان اللّه اذا حرم اكل شي ء حرم ثمنه) فاذا حرم اكل شحوم السباع حرم ثمنها.

(و الجواب عنه) أولا- بان الظاهر: تحريم الثمن اذا كان البيع للاكل، اذ هذا هو المستفاد عرفا من مثل هذه العبارة. و ثانيا- (ضعفه و عدم الجابر له سندا) فلا حجية فيه (و) ضعفه (دلالة لقصورها بلزوم تخصيص الاكثر) اذ كثير من الاشياء يحرم اكله و لا يحرم ثمنه كالطين و نحوه فتأمل.

( «الثاني»- بول الابل يجوز بيعه اجماعا) اذا لم يكن جلالا و لا موطوءا، اذ لو كان الابل احدهما كان بوله نجسا، فيأتي فيه الكلام السابق في الابوال النجسة. (على ما في جامع المقاصد و عن إيضاح النافع) حيث ادعيا الاجماع على ذلك.

ص: 42

إما لجواز شربه اختيارا، كما يدل عليه قوله- عليه السلام في رواية الجعفري-: «ابوال الابل خير من ألبانها».

و إما لاجل الاجماع المنقول- لو قلنا بعدم جواز شربها الا الضرورة الاستشفاء- كما يدل عليه رواية سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن بول الابل و البقر و الغنم ينتفع به من الوجع هل يجوز ان يشرب؟

قال: «نعم لا بأس»

______________________________

ثم ان جواز بيع بول الابل (اما لجواز شربه اختيارا، كما يدل عليه) اي على جواز الشرب اختيارا (قوله- عليه السلام في رواية الجعفري-: ابوال الابل خير من ألبانها) فان ظاهر لفظة «خير» كون البول جائز الشرب كما يجوز شرب اللبن. و تتمة الحديث: «و يجعل اللّه الشفاء في البانها».

(و إما لاجل الاجماع المنقول) الذي عرفته من الجامع و الايضاح (- لو قلنا بعدم جواز شربها الا لضرورة الاستشفاء-) اذ حينئذ لا وجه للجواز إلا الاجماع فان المنفعة في حال الضرورة لا تسوغ البيع على ما عرفت سابقا، و الا فلكل شي ء منفعة نادرة في حال المرض و ما اشبه. (كما يدل عليه) اي على جواز الشرب للضرورة (رواية سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن بول الابل و البقر و الغنم ينتفع به من الوجع هل يجوز ان يشرب؟ قال: «نعم لا بأس») فان ظاهر الجواب كون الجواز خاصا بصورة المرض، الا ان يقال: لا ظهور في الجواب الا من جهة كونه جوابا لكلام الراوي، و مثل هذا الظهور لا يعبأ به في تقييد الكلام

ص: 43

و موثقة عمار عن بول البقر يشربه الرجل؟ قال: «ان كان محتاجا إليه يتداوى بشربه فلا بأس، و كذلك بول الابل و الغنم».

لكن الانصاف أنه لو قلنا بحرمة شربه اختيارا اشكل الحكم بالجواز ان لم يكن اجماعا، كما يظهر من مخالفة العلامة في النهاية و ابن سعيد في النزهة قال في النهاية: و كذلك البول- يعني يحرم بيعه- و ان كان طاهرا، للاستخباث كابوال البقر و الابل، و ان انتفع به في شربه للدواء، لأنه منفعة جزئية نادرة فلا يعتد به. انتهى.

______________________________

اذا كان هناك دليل من الخارج على الجواز مطلقا. (و موثقة عمار) حيث سأل الامام عليه السلام (عن بول البقر يشربه الرجل؟) ف (قال) عليه السلام: (ان كان محتاجا إليه يتداوى بشربه فلا بأس، و كذلك بول الابل و الغنم.) فان الموثقة دلت على عدم جواز الشرب في صورة عدم الضرورة.

(لكن الانصاف أنه لو قلنا بحرمة شربه اختيارا) كما يستفاد من الروايتين (اشكل الحكم بالجواز) اي بجواز البيع (ان لم يكن اجماعا) في البين كما قد عرفت ادعاء الجامع و الايضاح- و ليس في المقام اجماع (كما يظهر من مخالفة العلامة في النهاية و ابن سعيد في النزهة) و مع مخالفتهما في جواز الشرب كيف ينعقد الاجماع على الجواز؟ (قال في النهاية: و كذلك البول يعني يحرم بيعه- و ان كان طاهرا، للاستخباث كابوال البقر و الابل، و ان انتفع به في شربه للدواء، لأنه منفعة جزئية نادرة فلا يعتد به. انتهى) كلام النهاية.

ص: 44

اقول: بل لأن المنفعة المحللة للاضطرار- و ان كانت كلية- لا تسوغ البيع كما عرفت.

«الثانية»- يحرم بيع العذرة النجسة من كل حيوان على المشهور
اشارة

بل في التذكرة- كما عن الخلاف- الاجماع على تحريم بيع السرجين النجس.

و يدل عليه- مضافا الى ما تقدم من الاخبار- رواية يعقوب بن شعيب: «ثمن العذرة سحت».

______________________________

(اقول): تعليل العلامة عدم جواز البيع بقوله: «لأنه منفعة جزئية» ليس تاما، اذ ليس المناط في جواز البيع و عدمه ذلك (بل لان المنفعة المحللة للاضطرار- و ان كانت كلية- لا تسوغ البيع) اذ المناط في جواز البيع، اما جواز مطلق المنافع، او جواز المنفعة الغالبة، (كما عرفت) و ليس شي ء منهما موجودا في المقام. اما بول البقر و الغنم فقد ورد عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم- كما في قرب الاسناد- انه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال: «لا بأس ببول ما اكل لحمه». الا ان في طريقه ضعفا.

المسألة (الثانية-) من المسائل الثمان: (يحرم بيع العذرة النجسة من كل حيوان)- و يأتي الكلام في العذرة الطاهرة- (على المشهور) بين الفقهاء، (بل في التذكرة- كما عن الخلاف- الاجماع على تحريم بيع السرجين النجس)- و السرجين هو العذرة- (و يدل عليه مضافا الى ما تقدم من الاخبار) اي رواية تحف العقول و غيرها (رواية يعقوب بن شعيب) عن الصادق عليه السلام: (ثمن العذرة سحت) و السحت هو اشد انواع الحرام.

ص: 45

نعم في رواية محمد بن المضارب: «لا بأس ببيع العذرة».

و جمع الشيخ بينهما بحمل الاول على عذرة الانسان، و الثاني على عذرة البهائم.

و لعله لان الأول نص في عذرة الانسان، ظاهر في غيرها، بعكس الخبر الثاني. فيطرح ظاهر كل منهما بنص الآخر.

و يقرب هذا الجمع رواية سماعة قال: سأل

______________________________

(نعم في رواية محمد بن المضارب) عن الصادق عليه السلام (: لا بأس ببيع العذرة) مما ينافي الخبر السابق.

(و جمع الشيخ بينهما بحمل) الخبر (الأول على عذرة الانسان) فلا يجوز بيعها (و) حمل الخبر (الثاني على عذرة البهائم). و اطلاق العذرة على عذرة البهائم موجود في صحيحة ابن بزيع في ماء البئر: «او يسقط فيها شي ء من عذرة كالبعرة و نحوها».

(و لعله) اي لعل هذا الجمع من الشيخ (لان) الخبر (الأول نص في عذرة الانسان، ظاهر في غيرها)، من سائر العذرات (بعكس الخبر الثاني) اي خبر مضارب فانه نص في عذرة غير الانسان ظاهر في عذرة الانسان، فان لفظة «العذرة» و ان كانت فيهما معا، الا ان بقرينة الحكم بالجواز في احدهما و المنع في الآخر يتصرف في اللفظ، و هذا ما يسمونه بقرينة الحكم و الموضوع (فيطرح ظاهر كل منهما بنص الآخر) فيكون مفاد ما دل على الجواز عذرة غير الانسان فقط، و ما دل على المنع عذرة الانسان.

(و يقرب هذا الجمع) الذي ذكره الشيخ (رواية سماعة قال: سأل

ص: 46

رجل أبا عبد اللّه عليه السلام- و انا حاضر- عن بيع العذرة: فقال:

اني رجل ابيع العذرة فما تقول؟ قال: «حرام بيعها و ثمنها». و قال: «لا بأس ببيع العذرة» فان الجمع بين الحكمين في كلام واحد لمخاطب واحد يدل على ان تعارض الاولين ليس الا من حيث الدلالة، فلا يرجع فيه الى المرجحات السندية او الخارجية.

______________________________

رجل أبا عبد اللّه عليه السلام- و انا حاضر- عن بيع العذرة: فقال:

اني رجل أبيع العذرة فما تقول؟ قال) عليه السلام: (حرام بيعها و ثمنها.

و قال) عليه السلام أيضا (: لا بأس ببيع العذرة) اما وجه كون هذه الرواية مما يشهد بصحة جمع الشيخ (فان الجمع بين الحكمين): الحرمة، و عدم البأس (في كلام واحد لمخاطب واحد يدل على ان تعارض) الخبرين (الاولين) ليعقوب و محمد (ليس الا من حيث الدلالة) بان كان لكل منهما نص و ظهور، و يعارض نص كل منهما ظاهر الآخر. و انما كان رواية سماعة شاهدا لان التعارض لو كان بالنصوصية كان كلام الامام عليه السلام في خبر سماعة تناقضا صريحا، و مثله مثار اشكال الراوي. و اذا كان التعارض في الدلالة الموجب للجمع العرفي بينهما (فلا يرجع فيه) اي في التعارض الدلالي (الى المرجحات السندية) كالاعدل و الاوثق (او الخارجية) ككون احدهما مطابقا لمذهب العامة، و انما المرجع التراجيح الدلالية، و هذا ما صنعه الشيخ في الجمع المتقدم. لكن لا يخفى ان الظاهر كون رواية سماعة روايتين لتكرر لفظة «قال».

ص: 47

و به يدفع ما يقال، من ان العلاج في الخبرين المتنافيين على وجه التباين الكلي هو الرجوع إلى المرجحات الخارجية ثم التخيير او التوقف، لا الغاء ظهور كل منهما. و لهذا طعن على من جمع بين الامر و النهي بحمل الامر على الاباحة و النهي على الكراهة.

و احتمل السبزواري حمل خبر المنع على الكراهة. و فيه: ما لا يخفى من البعد.

______________________________

(و) كيف كان (به) اي بما ذكرناه من ان لكل من الخبرين نصا و ظاهرا، مما يوجب الجمع الدلالي- على ما صنعه الشيخ- (يدفع ما يقال، من ان العلاج في الخبرين المتنافيين) تنافيا (على وجه التباين الكلي هو الرجوع الى المرجحات الخارجية) اي الخارجة عن مقام الدلالة كالمرجحات السندية او المطابقة للشهرة او العامة و ما اشبه (ثم التخيير) اذا لم يكن المرجح موجودا (او التوقف) على الاختلاف في ان المرجع بعد فقد المرجحات التخيير في الأخذ باي الخبرين او التوقف و الارجاء حتى يلقى الامام عليه السلام (لا) ان المرجع ما صنعه الشيخ في الجمع بين خبر يعقوب و محمد من (الغاء ظهور كل منهما) بجمع تبرعي. (و لهذا) اي للذي ذكرنا من أن إلغاء ظهور كل منهما لا وجه له (طعن على من جمع بين الامر و النهي بحمل الامر على الاباحة و النهي على الكراهة) فانه جمع بالتصرف في كل من الخبرين بلا شاهد عرفي.

(و احتمل السبزواري)- صاحب الكفاية و الذخيرة- (حمل خبر المنع على الكراهة.) و ابقاء خبر «لا بأس» على ظاهره من الجواز (و فيه:

ما لا يخفى من البعد) اذ لفظة «السحت» انما تطلق على اشد انواع الحرام

ص: 48

و ابعد منه ما عن المجلسي، من احتمال حمل خبر المنع على بلاد لا ينتفع به، و الجواز على غيرها.

و نحوه حمل خبر المنع على التقية، لكونه مذهب اكثر العامة.

و الأظهر: ما ذكره الشيخ- رحمه اللّه- لو اريد التبرع بالحمل، لكونه اولى من الطرح، و الا فرواية الجواز لا يجوز الاخذ بها من وجوه لا تخفى.

______________________________

فكيف تحمل على الكراهة؟!.

(و ابعد منه) اي من جمع السبزواري (ما عن المجلسي من احتمال حمل خبر المنع على بلاد لا ينتفع به) اي بالعذرة- و ارجاع الضمير المذكر على ضرب من التأويل- في تلك البلاد (و) حمل خبر (الجواز على غيرها) اي غير تلك البلاد من البلاد التي ينتفع بها في تلك البلاد، و انما كان هذا الحمل بعيدا لانه جمع تبرعي.

(و نحوه) اي نحو الحمل المذكور في البعد (حمل خبر المنع على التقية لكونه) اي كون المنع عن بيع العذرة (مذهب اكثر العامة) وجه البعد: ان المرجح الدلالي اذا كان موجودا لا تصل النوبة الى المرجحات الخارجية، كما حقق في الاصول.

(و الأظهر) في الجمع بين الخبرين (ما ذكره الشيخ رحمه اللّه لو اريد التبرع بالحمل لكونه) علة «اريد» (اولى من الطرح) كما قالوا:

«الجمع مهما امكن اولى من الطرح» (و الا فرواية الجواز) التي رواها محمد بن المضارب (لا يجوز الاخذ بها من وجوه لا تخفى): كاعتضاد خبر المنع برواية تحف العقول و غيرها. و اعراض المشهور عن خبر الجواز.

ص: 49

«ثم» ان لفظ «العذرة» في الروايات ان قلنا: إنه ظاهر في عذرة الانسان- كما حكي التصريح به عن بعض اهل اللغة- فثبوت الحكم في غيرها بالأخبار العامة المتقدمة، و بالاجماع المتقدم على السرجين النجس.

و استشكل في الكفاية في الحكم- تبعا للمقدس الاردبيلي رحمه اللّه- ان لم يثبت الاجماع، و هو حسن

______________________________

و كون لفظ السحت دالا على إلغاء الشارع لمالية العذرة فليست العذرة مالا حتى يجوز بيعها الى غير ذلك. لكن لا يخفى ان لفظ «السحت» اطلق في بعض الروايات على المكروه نحو اجرة الحجام اذا اشترط، و غيره.

(ثم ان لفظ «العذرة» في الروايات ان قلنا: إنه ظاهر في عذرة الانسان- كما حكي التصريح به عن بعض اهل اللغة- فثبوت الحكم) بحرمة البيع (في غيرها) من سائر العذرات النجسة، انما يكون (بالأخبار العامة المتقدمة) كخبر تحف العقول و غيره (و بالاجماع المتقدم) عن التذكرة و الخلاف (على السرجين النجس) فانهما كافيان في اثبات حرمة البيع، و اذا لم يجز البيع لم يجز سائر انحاء الانتقال، كالصلح و الهبة و نحوهما، اذ هو المستفاد عرفا من البيع بالإضافة الى شمول لفظ «و جميع التقلب فيه» في رواية التحف- لسائر انواع الانتقال.

(و استشكل في الكفاية) للسبزواري (في الحكم) بحرمة بيع سائر العذرات النجسة (- تبعا للمقدس الاردبيلي رحمه اللّه-) حيث استشكل هو أيضا (ان لم يثبت الاجماع. و هو) اي الاشكال (حسن) اذ الروايات العامة ضعيفة السند، بل و الدلالة، لأنها دلت على جواز بيع ما فيه

ص: 50

الا ان الاجماع المنقول هو الجابر لضعف سند الأخبار العامة السابقة.

و ربما يستظهر من عبارة الاستبصار: القول بجواز بيع عذرة ما عدا الانسان. لحمله اخبار المنع على عذرة الانسان. و فيه نظر.

«فرع»- الاقوى: جواز بيع الارواث الطاهرة

التي ينتفع بها منفعة محللة مقصودة، و عن الخلاف نفي الخلاف فيه. و حكي أيضا عن

______________________________

وجه من وجوه الصلاح. و لا يخفى ما في العذرة من نفع في التسميد و ما اشبه (. الا ان الاجماع المنقول) في الخلاف و التذكرة (هو الجابر لضعف سند الأخبار العامة السابقة) فتأمل.

(و ربما يستظهر من عبارة الاستبصار: القول بجواز بيع عذرة ما عدا الانسان) فليس في المقام اجماع، و لا للروايات العامة دلالة- كما تقدم، لوجود وجه الصلاح فيها- (لحمله اخبار المنع على عذرة الانسان. و فيه نظر) اذ لا وجه لهذا الحمل بعد تصريح اهل اللغة بإطلاق العذرة على عذرة غير الانسان. ثم انه لو شك في الجواز كانت اصالة الجواز محكمة.

( «فرع»- الاقوى: جواز بيع الأرواث الطاهرة التي ينتفع بها منفعة محللة مقصودة) فليست نجسة، حتى تشملها اخبار المنع عن بيع وجوه النجس، و لا انها بدون نفع حلال، حتى لا يصح بيعها من جهة عدم المالية المعتبرة في صحة البيع، و لا ان المنافع المحللة غير مقصودة، حتى يقال بان ميزان جواز المعاملة كون المنفعة المحللة الموجودة فيها يلزم ان تكون مقصودة للناس، و الا كانت من قسم ما لا مالية له عرفا. (و عن الخلاف نفي الخلاف فيه.) اي في جواز البيع (و حكي أيضا عن) السيد

ص: 51

المرتضى- رحمه اللّه- الاجماع عليه. و عن المفيد و سلار: حرمة بيع العذرة و الابوال كلها الابوال الابل.

و لا اعرف مستندا لذلك الا دعوى: ان تحريم الخبائث في قوله تعالى «و يحرم عليهم الخبائث» يشمل تحريم بيعها. و قوله صلى اللّه عليه و آله «ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه». و ما تقدم من رواية دعائم الاسلام و غيرها.

و يرد على الاول: ان المراد

______________________________

(المرتضى- رحمه اللّه- الاجماع عليه) فاطلاقات ادلة جواز البيع، بالإضافة الى الاجماع كافية في الحكم بالجواز (و) لكن مع ذلك حكي (عن المفيد و سلار حرمة بيع العذرة و الابوال كلها إلا بول الابل) فاطلاق كلامهما شامل للعذرة الطاهرة، الا ان يقال بان المراد بالعذرة: النجسة.

(و لا اعرف مستندا لذلك) التحريم (الا دعوى: ان تحريم الخبائث في قوله تعالى «و يحرم عليهم الخبائث» يشمل تحريم بيعها) بدعوى ان الروث خبيث، و ان كل خبيث محرم كل شأنه حتى بيعه لغير الاكل.

(و قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: «ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه») فاذا حرم الروث حرم ثمنه، خصوصا على «رواية ان اللّه اذا حرم اكل شي ء حرم ثمنه». (و ما تقدم من رواية دعائم الاسلام) اي قوله «و ما كان محرما اصله لم يجز بيعه» (و غيرها) كالرضوي الذي يظهر منه جواز البيع فيما يجوز اكله.

(و يرد على الاول) اي الاستدلال بالآية (ان المراد) بالخبائث

ص: 52

- بقرينة مقابلته لقوله تعالى «يحل لهم الطيبات»-: الاكل لا مطلق الانتفاع.

و في النبوي و غيره، ما عرفت، من ان الموجب لحرمة الثمن حرمة عين الشي ء، بحيث يدل على تحريم جميع منافعه او المنافع المقصودة الغالبة و منفعة الروث ليست هي الاكل المحرم، فهو كالطين المحرم كما عرفت سابقا.

«الثالثة»:- تحرم المعاوضة على الدم
اشارة

______________________________

(بقرينة مقابلته لقوله تعالى «يحل لهم الطيبات»: الاكل لا مطلق الانتفاع) فالمراد: تحريم اكل الخبيث.

اقول: لكن الظاهر من الآية تحليل الطيب من كل شي ء، اكلا او شربا او لبسا او نكاحا او سكنى، و كذلك تحريم الخبيث من كل شي ء و كل شي ء تحليله و تحريمه بالنسبة الى الامر المربوط به، فتحليل المرأة الطيبة بمعنى نكاحها لا شي ء آخر، و هكذا تحليل استعمال الروث في الاحتراق و ما اشبه، لأنه طيب من هذه الجهة.

(و في النبوي و غيره: ما عرفت، من ان الموجب لحرمة الثمن حرمة عين الشي ء، بحيث يدل على تحريم جميع منافعه). الاولى في العبارة «بحيث يحرم جميع منافعه» (او المنافع المقصودة الغالبة، و) من المعلوم ان (منفعة الروث ليست هي الاكل المحرم، فهو كالطين المحرم كما عرفت سابقا) اذ منفعة الروث الاحراق و ما اشبه اما منفعة الاكل في حال المجاعة و ما اشبه فذلك منفعة نادرة كأكل الطين الذي لا يعد منفعة له عرفا.

( «الثالثة»):- من المسائل الثمان (تحرم المعاوضة على الدم)

ص: 53

بلا خلاف، بل عن النهاية، و شرح الارشاد لفخر الدين، و التنقيح: الاجماع عليه. و يدل عليه الاخبار السابقة.

«فرع»- و اما الدم الطاهر- اذا فرضت له منفعة محللة كالصبغ لو قلنا بجوازه ففي جواز بيعه وجهان

، اقواهما الجواز. لانها

______________________________

النجس (بلا خلاف، بل عن النهاية و شرح الارشاد لفخر الدين و التنقيح الاجماع عليه. و يدل عليه الاخبار السابقة) المتعرضة لحرمة المعاوضة على وجوه النجس كخبر تحف العقول و غيره. لكن ربما يقال بان الدم النجس اذا فرض له منفعة محللة متعارفة مقصودة، كالتزريق في هذه الازمنة، او لتسميده سمادا كيمياويا، فالاصل جواز البيع، لان ظاهر الادلة السابقة التحريم لعدم المنفعة المحللة، اذ زمان صدور تلك الروايات كانت منفعة الدم منحصرة في الشرب، كما كانت عادة اهل الجاهلية من انهم كانوا يشربون الدم.

( «فرع»- و اما الدم الطاهر) كدم الاسماك و الذبيحة بعد خروج الدم المتعارف (اذا فرضت له منفعة محللة كالصبغ لو قلنا بجوازه) اي جواز الصبغ بالدم الطاهر، بان لم يمنع الشارع عن الصبغ به، اذ لو منع الشارع لم تكن له منفعة محللة مقصودة، حتى يجوز بيعه تبعا لتلك المنفعة (ففي جواز بيعه وجهان): المنع، لان تلك المنفعة نادرة، و قد عرفت ان جواز البيع تابع للمنفعة الغالبة، او كان كل المنافع محللة، و المفروض ان المنفعة الغالبة هي الشرب لا الصبغ. و الجواز. و (اقواهما الجواز، لانها

ص: 54

عين طاهرة ينتفع بها منفعة محللة.

و اما مرفوعة الواسطي المتضمنة لمرور امير المؤمنين عليه السلام بالقصابين و نهيهم عن بيع سبعة: بيع الدم، و الغدد، و آذان الفؤاد، و الطحال، الى آخرها. فالظاهر: إرادة حرمة البيع للاكل. و لا شك في تحريمه، لما سيجي ء من ان قصد المنفعة المحرمة في المبيع موجب لحرمة البيع بل بطلانه.

______________________________

عين طاهرة ينتفع بها منفعة محللة).

ثم انه انما خصص هذا بالدم الطاهر، مع ان الدم النجس أيضا قد يفرض له مثل هذا النفع؟ لان الدم النجس ليس الصبغ نفعا له، لانه لا يرغب الناس في ذلك، فان بقاء المصبوغ نجسا ينافي اغراض الناس بطهارة حوائجهم، و غسله موجب لذهابه. هذا بالإضافة الى ما تقدم من ان الدم النجس من وجوه النجس المشمول للاخبار السابقة.

(و اما مرفوعة الواسطي المتضمنة لمرور امير المؤمنين عليه السلام بالقصابين و نهيهم عن بيع سبعة) اشياء في الذبيحة: (بيع الدم، و الغدد و آذان الفؤاد، و الطحال، الى آخرها) مما يدل على حرمة بيع الدم مطلقا طاهرا كان أم نجسا، للأكل او غيره. (فالظاهر)- بقرينة كون المتعارف اكل الدم-: (إرادة حرمة البيع للاكل. و لا شك في تحريمه) اي في حرمة البيع بقصد الاكل (لما سيجي ء من ان قصد المنفعة المحرمة في المبيع موجب لحرمة البيع) تكليفا (بل بطلانه) وضعا. مضافا الى امكان كون النهي بمعنى الفساد لما تقرر في محلله من ان ظاهر النهي عن المعاملة الفساد، فالمراد ان بيع الدم لاجل شربه باطل. و هذا غير ما نحن فيه، من جواز بيعه

ص: 55

و صرح في التذكرة بعدم جواز بيع الدم الطاهر، لاستخباثه. و لعله لعدم المنفعة الظاهرة فيه غير الاكل المحرم

«الرابعة»:- لا اشكال في حرمة بيع المني

، لنجاسته، و عدم الانتفاع به اذا وقع في خارج الرحم. و لو وقع فيه فكذلك لا ينتفع به المشتري

______________________________

للانتفاع به منفعة محللة مقصودة.

(و) مع ذلك فقد (صرح في التذكرة بعدم جواز بيع الدم الطاهر لاستخباثه) فانه خبيث و كل خبيث لا يجوز بيعه لقوله سبحانه: يحرم عليهم الخبائث. و هو اعم من تحريم الاكل و سائر انواع التقلب التي منها البيع (و لعله) اي تحريم العلامة لعلة انه خبيث (لعدم المنفعة الظاهرة فيه غير الاكل المحرم) لكنك قد عرفت وجود المنفعة. و معنى تحريم الخبائث هو: التحريم المناسب للمنفعة المقصودة من ذلك الخبيث كما تقدم. و على هذا فاللازم هو القول بجواز بيع الدم الطاهر اذا كانت له منفعة محللة مقصودة.

( «الرابعة»)- من المسائل الثمانية (لا اشكال في حرمة بيع المني لنجاسته،) فيشمله: «وجوه النجس» في رواية تحف العقول و غيره.

(و) ل (عدم الانتفاع به اذا وقع في خارج الرحم.) و كلما لا منفعة فيه لا يصح بيعه، لانه ليس بمال فلا تشمله ادلة جواز البيع المنصرفة الى بيع المال، الا اذا فرض له منفعة و لو وقع خارج الرحم، كما في الحال الحاضر حيث يؤخذ للتلقيح الاصطناعي. (و لو وقع) المني (فيه) اي في الرحم (فكذلك لا ينتفع به المشتري) للمني أيضا، اذ لو لم يصر ولدا، فواضح عدم انتفاع المشتري به، و لو صار ولدا فالحيوان ان كان

ص: 56

لان الولد نماء الام في الحيوانات عرفا، و للاب في الإنسان شرعا.

لكن الظاهر: ان حكمهم بتبعية الام متفرع على عدم تملك المني، و الا لكان بمنزلة البذر المملوك يتبعه الزرع. فالمتعين: التعليل بالنجاسة.

______________________________

ملكا للمشتري كان الولد نماء له، فكأن المشتري اعطى الثمن بلا مقابل، اذ الولد لمالك الام قهرا، سواء اعطى مالا في مقابل المني أم لم يعط، و ان كان ملكا لغير المشتري لم يحصل المشتري في مقابل ثمنه شيئا، و الى هذا اشار بقوله: (لأن الولد نماء الام في الحيوانات عرفا، و) نماء (للاب في الإنسان شرعا) فقد قال صلى اللّه عليه و آله و سلم: انت و مالك لابيك.

(لكن الظاهر: ان) الاستدلال المذكور غير تام، لانا نقول:

أولا- كانت الام ملكا للمشتري، فالثمن كان في مقابل الولد، دقة و عرفا فليس الثمن بلا مقابل، كما في كلام المستدل. و ثانيا- كانت الام ملكا لغير المشتري لكن المني اذا كان ملكا للمشتري تبعه الولد، و لا يتبع الولد حينئذ الام، اذ (حكمهم بتبعية) الولد في الحيوانات (الام متفرع على عدم تملك المني) فحيث ان المني ليس ملكا لاحد- على ما قالوا- كان الولد للام، و ان كان المني حقا لغير صاحب الام، (و الا) فلو قال بتملك المني اي إنه قابل للملكية (لكان) المني على هذا القول (بمنزلة البذر المملوك يتبعه الزرع) منتهى الأمر: يكون لمالك الام حق على مالك المني. (فالمتعين) في مقام الاستدلال لعدم جواز بيع المني: (التعليل بالنجاسة) فيكون المني

ص: 57

لكن قد منع بعض عن نجاسته اذا دخل من الباطن الى الباطن.

و قد ذكر العلامة- رحمه اللّه- من المحرمات بيع عسيب الفحل، و هو ماؤه قبل الاستقرار في الرحم، كما ان الملاقيح هو ماؤه بعد الاستقرار. كما في جامع المقاصد، و عن غيره.

و علل في الغنية بطلان بيع ما في اصلاب الفحول: بالجهالة

______________________________

من وجوه النجس المندرج في رواية التحف و غيرها. (لكن قد منع بعض عن نجاسته اذا دخل) المني (من الباطن) للذكر (الى الباطن) للانثى، اذ ظاهر ادلة النجاسات انها اذا خرجت كانت نجسة، فالدم و البول و الغائط و المني في الباطن ليست بنجسة، و على هذا فلا وجه للقول بعدم جواز بيعه

(و) مما يؤيد ما ذكرناه، من ان المني قبل الاستقرار في الرحم بان لم يقع فيه، او وقع و لم يستقر- يحرم بيعه، ما (قد ذكر) ه (العلامة رحمه اللّه-) فانه عد (من المحرمات بيع عسيب الفحل، و هو ماؤه قبل الاستقرار في الرحم) و كأنه لبعض الروايات، كموثق الجعفريات عن علي عليه السلام: «السحت ثمن اللقاح و عسب الفحل و جلود السباع» (كما ان الملاقيح هو) اسم (مائه) اي مني الفحل (بعد الاستقرار) في الرحم (كما في جامع المقاصد. و) نقل (عن غيره). و قول المصنف «كما ان» لتتميم الكلام و ليس فيه شاهد على ما تقدم من حكم المني كما لا يخفى.

(و علل في الغنية بطلان بيع ما في اصلاب الفحول: بالجهالة) لأن

ص: 58

و عدم القدرة على التسليم.

«الخامسة»- تحرم المعاوضة على الميتة و اجزائها التي تحلها الحياة من ذي النفس السائلة،
اشارة

على المعروف من مذهب الاصحاب. و في التذكرة- كما عن المنتهى و التنقيح- الاجماع عليه. و عن رهن الخلاف الاجماع على عدم ملكيتها

______________________________

الطرفين لا يعلمان مقداره و سائر خصوصياته (و عدم القدرة على التسليم) اذ من الممكن عدم افراغ الفحل.

اذن كان المتحصل من ادلة عدم جواز بيع المني: النجاسة، و الرواية و الجهالة، و عدم القدرة على التسليم، و عدم المالية، لأن الولد تابع للام. و في الجميع نظر. و مما تقدم تعرف حكم التلقيح الاصطناعي، باشتراء مني الفحل، كما هو متعارف في هذه الازمنة.

( «الخامسة»-) من المسائل الثمان: (تحرم المعاوضة على الميتة و اجزائها التي تحلها الحياة) بخلاف الأجزاء التي لا تحلها الحياة، فانه يجوز بيعها، لعدم مجي ء الأدلة المانعة فيها. (من ذي النفس السائلة) اي الدم الدافق- و قد ذكرنا حول تسمية الدم الدافق بالنفس السائلة، في شرح العروة فراجع- و انما اشترط هذا الشرط لأن ميت غير ذي النفس السائلة ليس بنجس، كميتة السمك، كما حقق في مبحث نجاسة الميتة. (على المعروف من مذهب الاصحاب. و في) كتاب (التذكرة- كما عن المنتهى و التنقيح- الاجماع عليه. و عن رهن الخلاف الاجماع على عدم ملكيتها) فاذا لم تكن الميتة ملكا لم يجز بيعها، لعدم المالية المقومة لجواز البيع، و لأنه لا بيع الا

ص: 59

و يدل عليه- مضافا الى ما تقدم من الاخبار- ما دل على ان الميتة لا ينتفع بها.

منضما الى اشتراط وجود المنفعة المباحة في المبيع، لئلا يدخل في عموم «النهي عن اكل المال بالباطل».

و خصوص عد «ثمن الميتة من السحت» في رواية السكوني.

______________________________

في ملك. (و يدل عليه) اي على عدم جواز بيع الميتة (- مضافا الى ما تقدم من الاخبار) الدالة على حرمة المعاملة على وجوه النجس كخبر تحف العقول و غيره (- ما دل على ان الميتة لا ينتفع بها) كصحيحة علي ابن المغيرة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: جعلت فداك، الميتة لا ينتفع بها بشي ء؟ قال عليه السلام: لا. و مثله غيره. فان معنى نفي الانتفاع- مطلقا لأنه نكرة في سياق النفي فيفيد العموم-: نفي مطلق الانتفاع الذي منه البيع و الشراء.

و يمكن الاستدلال بهذه الروايات بوجه آخر، و هو ان ننظر الى خبر منع الانتفاع (منضما الى) ما هو واضح من (اشتراط وجود المنفعة المباحة في المبيع) و انما نشترط هذا الشرط (لئلا يدخل) البيع (في عموم «النهي عن اكل المال بالباطل») اذ لو لم يكن نفع في المثمن، كان اعطاء الثمن بإزائه داخلا في عموم قوله سبحانه «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ»* فالرواية بضميمة الآية تدل على عدم جواز بيع الميتة.

(و) مما يدل أيضا على عدم جواز بيع الميتة (خصوص عد ثمن الميتة من السحت في رواية السكوني) فقد روى عن الصادق عليه السلام انه قال: «السحت ثمن الميتة» و من المعلوم ان السحت: اشد انواع الحرام.

ص: 60

نعم قد ورد بعض ما يظهر منه الجواز، مثل رواية الصيقل قال:

كتبوا الى الرجل: جعلنا اللّه فداك، انا نعمل السيوف، و ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها، و نحن مضطرون إليها، و انما غلافها من جاود الميتة، من البغال و الحمير الاهلية، لا يجوز في اعمالنا غيرها، أ فيحل لنا عملها و شراؤها، و بيعها، و مسها بايدينا، و ثيابنا، و نحن نصلي في ثيابنا، و نحن محتاجون الى جوابك في هذه المسألة يا سيدنا، لضرورتنا إليها؟ فكتب عليه السلام:

«اجعلوا ثوبا للصلاة». الحديث.

______________________________

(نعم قد ورد بعض ما يظهر منه الجواز) من الروايات (مثل رواية الصيقل قال: كتبوا الى الرجل) و المراد به الامام عليه السلام و لم يذكر اسمه الشريف تقية (جعلنا اللّه فداك، انا نعمل السيوف، و ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها، و نحن مضطرون إليها) اي الى تجارة السيوف (و انما غلافها من جلود الميتة، من البغال و الحمير الاهلية) مقابل الحمر الوحشية (لا يجوز) اي لا يصح (في اعمالنا غيرها، أ فيحل لنا عملها) اي عمل جلود الميتة غلافا، (و شراؤها، و بيعها، و مسها، بايدينا، و ثيابنا، و نحن نصلي في ثيابنا، و نحن محتاجون الى جوابك في هذه المسألة، يا سيدنا لضرورتنا إليها؟) و انما كانت المحتاج إليها جلود الميتة، لان البغال و الحمير غالبا لا تذبح، للانتفاع بانفسها في السفر و العمل، فاذا ماتت كشطوا جلودها و باعوها، و اهل السيوف كانوا محتاجين الى جلودها، دون سائر الجلود لأنها اقوى و امتن، (فكتب عليه السلام: «اجعلوا ثوبا للصلاة». الحديث.)

فانه يدل على جواز البيع و الشراء و الانتفاع، و الا لزم على الامام (ع)

ص: 61

و نحوها رواية اخرى بهذا المضمون. و لذا قال في الكفاية و الحدائق:

ان الحكم لا يخلو عن اشكال.

______________________________

ان يبين عدم الجواز، و اما جعل ثوب آخر للصلاة غير الثوب الذي يباشر الجلود، فلان الميتة لا تجوز الصلاة فيها، و الغالب ان الثوب المباشر للعمل في الميتة يتلوث باجزاء صغار من الميتة مما يمنع الصلاة فيه.

(و نحوها رواية اخرى بهذا المضمون. و لذا) اي لما ذكرناه من وجود هذه الرواية المشعرة بالجواز في مقابل رواية المنع السالفة (قال في الكفاية و الحدائق: ان الحكم لا يخلو عن اشكال). للتعارض في الروايات الواردة في بيع الميتة.

و قد اشكل المصنف «رحمه اللّه» في الاستدلال برواية الصيقل على جواز بيع الميتة من وجهين: الاول- انها لا تدل على جواز البيع، لاحتمال كون الثمن في مقابل السيف فقط.

الثاني- ان الامام عليه السلام لم يجوز البيع، و انما سكت عن الجواب و مثله لا يكون تقريرا لكلام السائل.

اقول: و قد يضاف على ذلك، بان السائل قال «انا مضطرون» فالتقرير- على تقديره- خاص بصورة الاضطرار، مضافا الى ان البيع لو كان حراما كان سائر انواع التقلب أيضا حراما- كما في خبر التحف و غيره- فكيف لم ينبه الامام عليه السلام على ذلك. على انه ورد في جملة من الروايات جواز الانتفاع بجلد الميتة، كرواية زرارة و سماعة و جامع البزنطي و مرسل الصدوق و غيرها. و الكلام في المقام طويل نكتفي منه بهذا القدر.

ص: 62

و يمكن ان يقال: ان مورد السؤال عمل السيوف و بيعها و شراؤها، لا خصوص الغلاف مستقلا، و لا في ضمن السيف، على ان يكون جزء من الثمن في مقابل عين الجلد، فغاية ما يدل عليه جواز الانتفاع بجلد الميتة، بجعله غمدا للسيف، و هو لا ينافي عدم جواز معاوضته بالمال، و لذا جوز جماعة- منهم الفاضلان في النافع و الارشاد، على ما حكي عنهما- الاستقاء بجلد الميتة لغير الصلاة و الشرب، مع عدم قولهم بجواز بيعه.

______________________________

و كيف كان فقد اشار الشيخ «رحمه اللّه» الى الاشكال الاول بقوله:

(و يمكن ان يقال) في رد الاستدلال برواية الصيقل: (ان مورد السؤال عمل السيوف و بيعها و شراؤها، لا خصوص الغلاف مستقلا، و لا في ضمن السيف) بان يكون البيع متعلقا بالاثنين (على ان يكون جزء من الثمن، في مقابل عين الجلد) اذن (فغاية ما يدل عليه) خبر الصيقل (جواز الانتفاع بجلد الميتة، بجعله غمدا للسيف، و هو لا ينافي عدم جواز معاوضته بالمال) فلا ينافي قوله عليه السلام: «السحت ثمن الميتة». و الحاصل:

ان البيع ليس بجائز لخبر السحت، و الانتفاع جائز لخبر الصيقل. (و لذا) اي لما ذكرنا من عدم المنافاة بين جواز الانتفاع و بين جواز البيع (جوز جماعة- منهم الفاضلان): المحقق و العلامة (في النافع و الارشاد- على ما حكي عنهما- الاستقاء بجلد الميتة لغير الصلاة و الشرب، مع عدم قولهم بجواز بيعه) ففككوا بين الانتفاع و بين البيع.

و اشار الشيخ «رحمه اللّه» الى الاشكال الثاني في الاستدلال برواية

ص: 63

مع ان الجواب لا ظهور فيه في الجواز الا من حيث التقرير، غير الظاهر في الرضا، خصوصا في المكاتبات المحتملة للتقية.

هذا، و لكن الانصاف انه اذا قلنا بجواز الانتفاع بجلد الميتة، منفعة مقصودة، كالاستقاء بها للبساتين و الزرع، اذا فرض عده مالا عرفا، فمجرد النجاسة لا تصلح علة لمنع البيع- لو لا الاجماع على حرمة بيع الميتة بقول مطلق.

______________________________

الصيقل بقوله: (مع ان الجواب) الصادر عن الامام عليه السلام (لا ظهور فيه في الجواز) للبيع (الا من حيث التقرير) حيث ان السائل سأل عن البيع، و الامام سكت عن الجواب و لم يردعه، (غير الظاهر في الرضا) لاحتمال ان يكون هناك مانع يمنع عن الجواب، (خصوصا في المكاتبات المحتملة للتقية) فان الكتاب يحتمل ان يقع بايدي المخالفين. و لذا يتقى فيه اكثر مما يتقى في الكلام الشفوي.

(هذا) حاصل الكلام في رواية الصيقل استدلالا وردا (و لكن الانصاف انه اذا قلنا بجواز الانتفاع بجلد الميتة) كما عرفت من المحقق و العلامة (منفعة مقصودة) للعقلاء في مقابل النفع النادر (كالاستقاء بها للبساتين و الزرع) و ملإ الأحواض ثم تطهيرها بالاتصال بالكر (اذا فرض عده) اي عد الجلد بسبب هذه المنافع (مالا عرفا) حتى لا يكون اكل المال بإزائه اكلا للمال بالباطل (فمجرد النجاسة لا تصلح علة لمنع البيع لو لا الاجماع على حرمة بيع الميتة بقول مطلق) اي سواء كانت ذات نفع محلل مقصود أم لا، و منه يعلم ان الاجماع في الجملة أيضا غير كاف

ص: 64

لان المانع حرمة الانتفاع في المنافع المقصودة، لا مجرد النجاسة.

و ان قلنا: ان مقتضى الأدلة حرمة الانتفاع بكل نجس، فان هذا كلام آخر سيجي ء ما فيه، بعد ذكر حكم النجاسات. لكنا نقول: اذا قام الدليل الخاص على جواز الانتفاع، منفعة مقصودة، بشي ء من النجاسات فلا مانع من صحة

______________________________

لاحتمال كون الاجماع من جهة عدم المنفعة، فاذا فرضت لها منفعة لم يشملها معقد الاجماع.

و انما قلنا: ان النجاسة لا تصلح مانعا عن البيع (لان المانع) عن البيع (حرمة الانتفاع في المنافع المقصودة لا مجرد النجاسة) هذا بناء على ان نقول بان النجاسة لا تمنع عن البيع، اذ لا دليل على منع النجاسة عن ذلك الا رواية التحف و ما اشبه، و هي ضعيفة سندا و دلالة، لاحتمال كون المراد حرمة البيع لاجل الانتفاع بها فيما يشترط بالطهارة.

(و) اما (ان قلنا: ان مقتضى الأدلة حرمة الانتفاع بكل نجس) حتى مثل الاستقاء للزرع (فان هذا كلام آخر) غير ما كنا نقوله سابقا، اذ الكلام في السابق كان حول حرمة بيع النجس، و حرمة بيع ما لا نفع فيه، اما ان النجس لا يجوز الانتفاع به مطلقا، فهذا كلام جديد (سيجي ء ما فيه، بعد ذكر حكم النجاسات) بانه لا دليل على هذه الكلية (لكنا نقول) في وجه جواز بيع جلود الميتة: انه (اذا قام الدليل الخاص على جواز الانتفاع، منفعة مقصودة) لا نادرة (بشي ء من النجاسات) كما لو فرضنا دلالة رواية الصيقل و غيرها بالنسبة الى الجلود (فلا مانع من صحة

ص: 65

بيعه، لان ما دل على المنع عن بيع النجس من النص و الاجماع، ظاهر في كون المانع حرمة الانتفاع، فان رواية تحف العقول المتقدمة، قد علل فيها المنع عن شي ء من وجوه النجس، بكونه منهيا عن اكله و شربه. الى آخر ما ذكر فيها. و مقتضى رواية دعائم الاسلام المتقدمة أيضا إناطة جواز البيع و عدمه بجواز الانتفاع و عدمه.

و أدخل ابن زهرة في الغنية النجاسات فيما لا يجوز بيعه من جهة عدم حل

______________________________

بيعه) اي بيع ذلك الشي ء النجس الذي له نفع محلل (لان ما دل على المنع عن بيع النجس من النص) المتقدم في رواية تحف العقول (و الاجماع ظاهر في كون المانع) من البيع، انما هو (حرمة الانتفاع) فاذا لم يحرم الانتفاع لم يحرم البيع (فان رواية تحف العقول المتقدمة، قد علل فيها المنع عن شي ء من وجوه النجس، بكونه منهيا عن اكله و شربه. الى آخر ما ذكر فيها) و معنى ذلك عرفا التحريم لعدم الانتفاع، فاذا كان انتفاع لم يكن تحريم (و مقتضى رواية دعائم الاسلام المتقدمة أيضا إناطة جواز البيع و عدمه بجواز الانتفاع و عدمه) حيث علق جواز بيع الشي ء بجواز استعماله. هذا مضافا الى ان الجلد اذا كان فيه وجه من وجوه الصلاح- و المفروض ان الاستقاء للبساتين صلاح- اندرج تحت الرواية منطوقا.

(و) الذي يؤيد ما ذكرناه من ان عدم جواز البيع لعدم جواز الانتفاع، ما يظهر من بعض العلماء، من انهم فهموا نفس ما ذكرناه، فقد (ادخل ابن زهرة في الغنية النجاسات فيما لا يجوز بيعه من جهة عدم حل

ص: 66

الانتفاع بها. و استدل أيضا على جواز بيع الزيت النجس، بان النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أذن في الاستصباح به تحت السماء، قال: و هذا يدل على جواز بيعه لذلك. انتهى.

فقد ظهر من اوّل كلامه و آخره: ان المانع من البيع منحصر في حرمة الانتفاع، و انه يجوز مع عدمها.

و مثل ما ذكرناه عن الغنية من الاستدلال كلام الشيخ في الخلاف في باب البيع، حيث ذكر النبوي الدال على اذن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم في الاستصباح، ثم قال: و هذا يدل

______________________________

الانتفاع بها) و كلامه هذا يدل على انه ان جاز الانتفاع بالنجاسة جاز بيعها (و استدل أيضا) في الغنية (على جواز بيع الزيت النجس، بان النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم اذن في الاستصباح به تحت السماء، قال) ابن زهرة: (و هذا) الاذن من النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم (يدل على جواز بيعه) اي الزيت النجس (لذلك) الاذن في الانتفاع (انتهى) كلام الغنية.

(فقد ظهر من اوّل كلامه و آخره: ان المانع من البيع منحصر في حرمة الانتفاع، و انه يجوز) البيع (مع عدمها) اي عدم حرمة الانتفاع.

(و مثل ما ذكرناه عن الغنية من الاستدلال كلام الشيخ في الخلاف في باب البيع) فانه يظهر منه ان عدم جواز البيع انما هو لعدم جواز الانتفاع و انه اذا جاز الانتفاع جاز البيع (حيث ذكر) الشيخ: (النبوي الدال على اذن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم في الاستصباح، ثم قال: و هذا يدل

ص: 67

على جواز بيعه. و عن فخر الدين في شرح الارشاد، و الفاضل المقداد في التنقيح الاستدلال على المنع عن بيع النجس بانه محرم الانتفاع، و كلما كان كذلك لا يجوز بيعه. نعم ذكر في التذكرة شرط الانتفاع و حليته، بعد اشتراط الطهارة. و استدل للطهارة بما دل على وجوب الاجتناب عن النجاسات و حرمة الميتة.

و الإنصاف امكان ارجاعه الى ما ذكرنا فتامل.

______________________________

على جواز بيعه، و) هكذا غيرهما من سائر العلماء ف (عن فخر الدين في شرح الارشاد و الفاضل المقداد في التنقيح، الاستدلال على المنع عن بيع النجس بانه محرم الانتفاع، و كلما كان كذلك) اي محرم الانتفاع (لا يجوز بيعه. نعم ذكر) العلامة (في التذكرة شرط الانتفاع و حليته) اي حلية الانتفاع (بعد اشتراط الطهارة) مما يدل على ان الشرط امران: الأول الطهارة. الثاني حلية الانتفاع. و مفهومه انه اذا كان حلالا لكنه لم يكن طاهرا لم يجز بيعه، فليس جواز البيع دائرا مدار الانتفاع، بل مدار الطهارة و الانتفاع معا. (و استدل للطهارة) اي اشتراطها في جواز البيع (بما دل على وجوب الاجتناب عن النجاسات و حرمة الميتة) فان الاجتناب معناه:

عدم البيع. و كذلك حرمة الميتة معناها: تحريم بيعها.

(و) لكن (الانصاف امكان ارجاعه) اي كلام العلامة (الى ما ذكرنا) من ان الشرط امر واحد، و هو جواز الانتفاع و عدمه، بان نقول: ان اشتراط العلامة للطهارة انما هو بسبب ان النجس غالبا لا نفع فيه، فالشرط الأول من قبيل الخاص في مقابل شرط الانتفاع، الذي هو اعم. فان كل نجس لا ينتفع به، و بعض ما لا ينتفع به ليس نجسا كالحشرات الصغار (فتامل) فان كون الشرط الأول من باب ذكر الخاص قبل العام

ص: 68

و يؤيده: انهم اطبقوا على بيع العبد الكافر، و كلب الصيد. و علله في التذكرة بحل الانتفاع به، و رد من منع عن بيعه لنجاسته، بان النجاسة غير مانعة. و تعدى الى كلب الحائط و الماشية و الزرع، لأن المقتضي و هو النفع موجود فيها.

و مما ذكرنا من قوة جواز بيع جلد الميتة لو لا الإجماع- اذا جوزنا الانتفاع به في الاستقاء- يظهر حكم جواز المعاوضة على لبن اليهودية المرضعة

______________________________

خلاف الظاهر.

(و يؤيده) اي يؤيد ما ذكرناه من ان النجس اذا كان مما ينتفع به جاز بيعه: (انهم) اي الفقهاء (اطبقوا) و اجمعوا (على) جواز (بيع العبد الكافر و كلب الصيد) مع انهما نجسان، و انما جاز البيع للانتفاع بهما (و علله) اي العلامة علل جواز بيعهما (في التذكرة بحل الانتفاع به) اي بكل من الكافر و الكلب (ورد) العلامة (من منع عن بيعه) اي بيع الكافر و الكلب (ل) سبب (نجاسته، بان النجاسة غير مانعة) عن البيع (و تعدى) العلامة من جواز بيع كلب الصيد (الى كلب الحائط) اي البستان (و الماشية) اي الاغنام (و الزرع) الذي لا حائط له كالحنطة و الشعير (لان المقتضي) لجواز البيع (و هو النفع موجود فيها) اي في الاقسام الثلاثة للكلب، و قوله «لان» علة للتعدي.

(و مما ذكرنا من قوة جواز بيع جلد الميتة لو لا الاجماع- اذا جوزنا الانتفاع به في الاستقاء- يظهر حكم جواز المعاوضة على لبن اليهودية المرضعة)

ص: 69

بان يجعل تمام الأجرة او بعضها في مقابل اللبن، فان نجاسته لا تمنع عن جواز المعاوضة عليه.

«فرعان»:
«الأول»- انه كما لا يجوز بيع الميتة منفردة، كذلك لا يجوز بيعها منضمة الى مذكى.

و لو باعها، فان كان المذكى ممتازا صح البيع فيه و بطل في الميتة كما سيجي ء في محله.

______________________________

و النصرانية و سائر الكافرات (بان يجعل تمام الاجرة او بعضها في مقابل اللبن) قبال من يقول بان الأجرة يلزم ان تجعل قبال خدمتها للولد لأن اللبن نجس فلا يصح ان يقابل بالمال (فان نجاسته) اي اللبن (لا تمنع عن جواز المعاوضة عليه) بعد ان جاز الانتفاع به.

و مما تقدم يظهر ان كل شي ء من وجوه النجس انما لا يجوز ان يقابل بالمال اذا كانت منافعها محرمة، اما اذا كانت لها منافع محللة مقصودة غير نادرة جازت المعاملة عليها.

(فرعان: الأول) في بيان أنه كما لا يجوز بيع الميتة منفردة لا يجوز بيعها منضمة، للعلم الاجمالي. و هذا الحكم جار في كل ما لا يجوز بيعه، و (انه كما لا يجوز بيع الميتة منفردة كذلك لا يجوز بيعها منضمة الى مذكى) و ذلك لما حقق في محله من تنجيز العلم الاجمالي لأطرافه، سواء في الشبهة الوجوبية او التحريمية (و لو باعها) اي الميتة مع المذكى (فان كان المذكى ممتازا صح البيع فيه) لاجتماع شرائط الصحة في ذلك (و بطل) البيع (في الميتة) اي لم ينعقد (كما سيجي ء في محله).

و لكن لا يخفى: ان صحة البيع في المذكى انما تكون اذا لم تكن على

ص: 70

و ان كان مشتبها بالميتة لم يجز بيعه أيضا، لأنه لا ينتفع به منفعة محلله، بناء على وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين. فهو في حكم الميتة من حيث الانتفاع. فأكل المال بإزائه اكل المال بالباطل، كما ان اكل كل من المشتبهين في حكم اكل الميتة.

و من هنا

______________________________

وجه التقييد، و الا بطل البيع فيه، اذ لم يقصد البائع بيع المذكى الا منضما، و قد بطل ما قصده.

(و ان كان) المذكى (مشتبها بالميتة) بان لم يعلم ايهما المذكى، فان امكن التمييز و باع المذكى صح، لان الشرط موجود، و الا (لم يجز بيعه أيضا لأنه لا ينتفع به) اي بالمذكى في حال كونه مشتبها (منفعة محلله، بناء على وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين) كما هو المشهور في اطراف العلم الإجمالي، اما بناء على جواز ارتكاب احد المشتبهين فالبيع للمذكى جائز، لامكان الانتفاع باحدهما. و كذلك يجوز مطلقا فيما اذا اضطر الى اكل الميتة او المشتبهة بها، لأن المخالفة الاحتمالية مقدمة على المخالفة القطعية (فهو) اي المذكى المشتبهة بالميتة (في حكم الميتة من حيث) عدم (الانتفاع) به حين اشتباهه بالميتة (فاكل المال بإزائه اكل المال بالباطل) فيشمله قوله سبحانه: و «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» (كما ان اكل كل من المشتبهين في حكم اكل الميتة) من حيث انه لو طابق الواقع كان معاقبا على فعله، من حيث اكل الميتة واقعا، اما لو لم يصادف الميتة فالارتكاب تجر.

(و من هنا) اي من القاعدة التي ذكرناها في عدم جواز بيع المشتبهة

ص: 71

يعلم انه لا فرق في المشتري بين الكافر المستحل للميتة و غيره. لكن في صحيحة الحلبي و حسنته: «اذا اختلط المذكى بالميتة بيع ممن يستحل الميتة» و حكي نحوهما عن كتاب علي بن جعفر.

و استوجه العمل بهذه الاخبار في الكفاية. و هو مشكل مع ان المروي عن امير المؤمنين عليه السلام «انه يرمى بهما».

______________________________

(يعلم انه لا فرق في المشتري بين الكافر المستحل للميتة و غيره) اذ لا يجوز للبائع ان يبيع ما لا مالية له في نظر الشرع، و ان كان له مالية في نظر العرف (لكن في صحيحة الحلبي و حسنته) المرويتين عن الصادق عليه السلام ( «اذا اختلط المذكى بالميتة بيع ممن يستحل الميتة» و حكي نحوهما عن كتاب علي بن جعفر) عليهما السلام.

(و استوجه) اي قال: الاوجه (العمل بهذه الأخبار) السبزواري (في الكفاية) لان القاعدة على تقدير تماميتها مخصصة بهذه الأخبار (و هو) اي العمل بهذه الأخبار (مشكل) لاعراض الأصحاب عنها- كما قيل- لكن الإعراض غير ثابت بعد عمل جمع كثير كالشيخ و ابن حمزة و غيرهما بهذه الأخبار (مع ان المروي عن امير المؤمنين عليه السلام «انه يرمي بهما») اي بالميتة و المذكى، و هي رواية الجعفريات بسند الأئمة عليهم السلام عن علي عليه السلام انه سئل عن شاة مسلوخة، و اخرى مذبوحة، عمي على الراعي او على صاحبها، فلا يدري الذكية من الميتة؟ قال: «يرمي بهما جميعا الى الكلاب».

و ربما اورد على ذلك بعدم التعارض بين هذه الرواية و تلك الروايات

ص: 72

و جوز بعضهم البيع بقصد المذكى. و فيه: ان القصد لا ينفع بعد فرض عدم جواز الانتفاع بالمذكى، لاجل الاشتباه.

نعم لو قلنا بعدم وجوب الاجتناب في الشهبة المحصورة، و جواز ارتكاب احدهما، جاز البيع بالقصد المذكور. لكن لا ينبغي القول به في المقام.

______________________________

لان هذه تدل على عدم الانتفاع بها فيما يشترط بالحلية و الطهارة، و تلك تدل على جواز البيع لمن يستحل فلا منافاة اصلا. مضافا الى الأخبار الكثيرة المذكورة في كتاب الطلاق، من الزام كل قوم بما التزموا به، و كذلك في باب العول و التعصيب و ما اشبه.

(و جوز بعضهم البيع بقصد) بيع (المذكى. و فيه:) عدم فائدة مثل هذا القصد، ل (ان القصد لا ينفع بعد فرض عدم جواز الانتفاع بالمذكى، لاجل الاشتباه). فالمذكى باشتباهه بالميتة سقط عن المالية، فكيف يجوز بيعه!

(نعم لو قلنا بعدم وجوب الاجتناب) عن جميع الأطراف (في الشبهة المحصورة و) قلنا ب (جواز ارتكاب احدهما، جاز البيع) لهما (بالقصد المذكور.) اي قصد المذكى (لكن لا ينبغي القول به) اي بجواز ارتكاب احدهما (في المقام) الذي كان مقتضى الأصل فيهما عدم الحل، حتى و لو قلنا بجواز ذلك، فيما اذا كان الأصل فيهما الحل.

توضيح المقام: ان الأصل في المشتبهين قد يكون الحل، كما اذا كان هناك إناءان طاهران، فتنجس احدهما. و قد يكون الأصل الحرمة، كما اذا كان هناك إناءان نجسان فتطهر احدهما. و القائل بجواز ارتكاب

ص: 73

لان الاصل في كل واحد من المشتبهين: عدم التذكية. غاية الأمر العلم الاجمالي بتذكية احدهما، و هو غير قادح في العمل بالأصلين.

و انما يصح القول بجواز ارتكاب احدهما في المشتبهين، اذا كان الاصل في كل منهما الحل، و علم اجمالا بوجود الحرام. فقد يقال هنا بجواز ارتكاب احدهما، اتكالا على أصالة الحل و عدم جواز ارتكاب الآخر بعد ذلك حذرا عن

______________________________

احد المشتبهين انما يقول بالجواز فيما كان الأصل الحل، لا فيما اذا كان الأصل عدم الحل. و إليه اشار بقوله: (لان الأصل في كل واحد من المشتبهين عدم التذكية) اذ التذكية امر طارئ، فالأصل عدمها. (غاية الأمر) وجود (العلم الإجمالي بتذكية احدهما، و هو) اي العلم الإجمالي (غير قادح في العمل بالاصلين): اصل عدم التذكية في هذا، و اصل عدم التذكية في ذاك. و انما لا يقدح العلم الاجمالي بالعمل بالاصلين، لأن الأصل لا يلزم من العمل بهما مخالفه قطعية، بخلاف ما اذا كان الأصل الطهارة و الحل، فان العمل بالاصلين موجب للمخالفة القطعية.

(و انما يصح القول بجواز ارتكاب احدهما) اي احد الطرفين (في المشتبهين، اذا كان الأصل في كل منهما الحل، و علم اجمالا بوجود الحرام) بان حرم احدهما المردد، بعد حلية كليهما، كما عرفت في مثال الإناءين الطاهرين، الذين تنجس احدهما المردد. (فقد يقال هنا بجواز ارتكاب احدهما) فقط (اتكالا على اصالة الحل) الجارية في كل واحد منهما (و عدم جواز ارتكاب الآخر بعد ذلك) اي بعد ارتكاب احدهما (حذرا عن

ص: 74

ارتكاب الحرام الواقعي. و ان كان هذا الكلام مخدوشا في هذا المقام أيضا لكن القول به ممكن هنا، بخلاف ما نحن فيه، لما ذكرنا فافهم.

و عن العلامة حمل الخبرين على جواز استنقاذ مال المستحل للميتة بذلك برضاه.

و فيه: ان المستحل قد يكون ممن لا يجوز الاستنقاذ منه

______________________________

ارتكاب الحرام الواقعي) لاحتمال ان يكون الثاني هو الحرام واقعا (و ان كان هذا الكلام) اي جواز ارتكاب احدهما (مخدوشا في هذا المقام) اي مقام كون الاصل فيهما الحل (أيضا) لعدم جريان هذا الكلام فيما كان الاصل فيهما الحرمة. (لكن القول به) اي بجواز ارتكاب احدهما (ممكن هنا) فيما كان الاصل فيهما الحل (بخلاف ما نحن فيه) الذي يكون الاصل فيهما الحرمة (لما ذكرنا) من عدم جريان الاصل المجوز للارتكاب (فافهم) فان القائل بجواز ارتكاب احد طرفي العلم، لا يفرق بين كون الاصل فيهما الحل او الحرمة، مضافا الى سقوط الاصل بالعلم الاجمالي مطلقا، سواء لزم المخالفة القطعية أم لا، على ان كون الاصل في الحيوان الحرمة محل مناقشة، و حيث ان البسط في هذه المباحث خارج عن وضع الشرح اعرضنا عنها فمن ارادها فليرجع الى مظانها في الاصول.

(و عن العلامة حمل الخبرين) الدالين على جواز بيعهما ممن يستحل (على جواز استنقاذ مال المستحل للميتة بذلك) البيع (برضاه) فالمعاملة صورية لا واقعية.

(و فيه: ان المستحل للميتة قد يكون ممن لا يجوز الاستنقاذ منه)

ص: 75

الا بالاسباب الشرعية، كالذمي.

و يمكن حملهما على صورة قصد البائع المسلم اجزائها التي لا تحلها الحياة من الصوف، و العظم، و الشعر، و نحوها. و تخصيص المشتري بالمستحل لان الداعي له على الاشتراء اللحم أيضا، و لا يوجب ذلك فساد البيع ما لم يقع العقد عليه.

______________________________

اي اخذ ماله (الا بالاسباب الشرعية، كالذمي) فتخصيص الخبرين بالحربي خلاف اطلاقهما، و لعل الذي حمل العلامة على ذلك أولوية الحمل من الطرح بعد ان رأى عدم امكان العمل بهما بظاهرهما.

(و يمكن حملهما) اي الخبرين (على صورة قصد البائع المسلم اجزائها التي لا تحلها الحياة) مما يجوز بيعها حتى للمسلم (من الصوف، و العظم، و الشعر، و نحوها) كالظلف (و) وجه (تخصيص المشتري بالمستحل لان الداعي له على الاشتراء اللحم أيضا) بخلاف غير المستحل فانه لا يقصد اللحم، فيكون قليل الرغبة في اشتراء المشتبه (و لا يوجب ذلك) القصد من المشتري المستحل، للحم أيضا (فساد البيع ما لم يقع العقد عليه) اذ العقد وقع بإزاء المذكى، و اجزاء الميتة التي لا تحلها الحياة.

ان قلت: انتم ذكرتم قبل فرع بيع المذكى: انه لو جاز الانتفاع بالميتة جاز بيعها، مع ان رواية البزنطي تدل على جواز الانتفاع و عدم جواز البيع، ثم جئتم بشاهد لذلك، بان المشتبه لا يجوز بيعه، لعدم امكان الانتفاع به، و الحاصل انكم ادرتم جواز البيع بجواز الانتفاع فاذا جاز الانتفاع و لو في الميتة جاز البيع، و اذا لم يجز الانتفاع و لو في المذكى كالمشتبه- لم يجز البيع، و الحال ان الرواية تدل على التفكيك بين الأمرين

ص: 76

و في مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي صاحب الرضا عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون له الغنم يقطع من ألياتها و هي احياء، أ يصلح ان ينتفع بها؟ قال عليه السلام: «نعم يذيبها و يسرج بها، و لا يأكلها.

و لا يبيعها» و استوجه في الكفاية العمل بها، تبعا لما حكاه الشهيد عن العلامة- رحمه اللّه- في بعض اقواله. و الرواية شاذة. ذكر الحلي بعد ايرادها انها من نوادر الأخبار، و الاجماع منعقد على تحريم الميتة و التصرف فيها على كل حال، الا اكلها للمضطر.

______________________________

لاجازتها الانتفاع بإليات الغنم الميتة، و منعها عن البيع.

قلت: الرواية شاذة و معارضة، فلا تقوم في مقابل القاعدة التي ذكرناها. و الى هذا الاشكال و الجواب اشار المصنف بقوله:

(و في مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي صاحب) الامام (الرضا عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون له الغنم يقطع من ألياتها و هي احياء) فان قطع ألية الغنم متعارف في الاماكن التي تكبر فيها الأليات بما لا يتمكن الغنم من حملها، الى هذا اليوم (أ يصلح ان ينتفع بها؟ قال (ع):

نعم يذيبها و يسرج بها، و لا يأكلها، و لا يبيعها» و استوجه) السبزواري (في الكفاية العمل بها) اي بهذه الرواية (تبعا لما حكاه الشهيد عن العلامة- رحمه اللّه- في بعض اقواله) فقال بأنه يجوز الانتفاع و لا يجوز البيع (و) لكن (الرواية شاذة) معرض عنها (ذكر الحلي بعد ايرادها انها من نوادر الأخبار، و الاجماع منعقد على تحريم الميتة، و التصرف فيها على كل حال) اي كل انواع التصرف (الا اكلها للمضطر) انتهى كلام الحلي. اذن فالرواية مطروحة.

ص: 77

اقول: مع انها معارضة بما دل على المنع من موردها معللا بقوله عليه السلام: «أ ما علمت انه يصيب الثوب و اليد و هو حرام!».

و مع الاغماض عن المرجحات، يرجع الى عموم ما دل على المنع من الانتفاع بالميتة مطلقا. مع ان الصحيحة

______________________________

(اقول: مع انها) اي الرواية (معارضة بما دل على المنع من موردها معللا) المنع (بقوله عليه السلام: أ ما علمت انه يصيب الثوب و اليد) فان الاسراج ملازم لتلوث اليد و الثوب (و هو حرام؟) إما لأنه استعمال للميتة، و اما لأنه نجس، و ذلك يوجب بطلان الصلاة. لكن الاحتمال الثاني اقوى، اذ لو كان المنع عن جهة كون التلوث استعمالا، كان المنع من جهة الاستعمال اولى من المنع من جهة التلوث.

لكن لا يخفى: ان الظاهر من هذه الرواية كون الحرمة ليست ذاتية و انما هي من جهة اللوازم. هذا، و لا يذهب عليك ان سوق كلام المصنف من قوله: «و في مستطرفات ...» ليس في مقام الاشكال و الجواب- كما سقنا الشرح- بل في مقام تأييد ما ذكره أولا، من عدم جواز بيع الميتة مطلقا، فكأنه قال: لا يجوز بيع الميتة، حتى في صورة الاشتباه بالمذكى، و حتى في صورة الانتفاع بها، و رواية جواز بيع المشتبه، كرواية جواز الإسراج، مطروحتان، او محمولتان على بعض المحامل.

(و) كيف كان (مع الاغماض عن المرجحات) لخبر المستطرف او المعارض له (يرجع الى عموم ما دل على المنع عن الانتفاع بالميتة مطلقا) كان فيها نفع أم لا. كخبر التحف و غيره (مع ان الصحيحة) للبزنطي

ص: 78

صريحة في المنع عن البيع، الا ان يحمل على إرادة البيع من غير الاعلام بالنجاسة.

«الثاني»- ان الميتة من غير ذي النفس السائلة يجوز المعاوضة عليها اذا كانت مما ينتفع بها،

او ببعض اجزائها كدهن السمك الميتة للاسراج و التدهين لوجود المقتضي و عدم المانع، لان أدلة عدم الانتفاع بالميتة مختصة بالنجسة و صرح بما ذكرنا جماعة. و الظاهر انه مما لا خلاف فيه.

______________________________

(صريحة في المنع عن البيع) فلا دليل على انه اذا جاز الانتفاع جاز البيع (الا ان يحمل) صحيح البزنطي (على إرادة البيع من غير الإعلام بالنجاسة) فيكون المنع عن البيع من جهة ايقاع الغير في الحرام، لا من جهة حرمة البيع بنفسه.

( «الثاني»-) من الفرعين (ان الميتة من غير ذي النفس السائلة يجوز المعاوضة عليها، اذا كانت مما ينتفع بها، او ببعض اجزائها) لشمول ادلة جواز البيع لها، و لا يشملها دليل المنع، اذ هو منحصر في النجس و فيما لا نفع له، و المفروض طهارتها و الانتفاع بها (كدهن السمك الميتة للاسراج و التدهين) و صنع الصابون و ما اشبه (لوجود المقتضي) للبيع و هو عمومات جواز البيع (و عدم المانع، لان أدلة عدم الانتفاع بالميتة مختصة بالنجسة) منها (و صرح بما ذكرنا جماعة. و الظاهر انه مما لا خلاف فيه) فما دل على ان ثمن الميتة سحت، منصرف عن ميتة الطاهر، او يراد به البيع لاجل الأكل، فيجوز بيع الميتة النجسة لغير الاكل كما احتملنا سابقا.

ص: 79

«السادسة»- يحرم التكسب بالكلب الهراش و الخنزير البريين اجماعا

على الظاهر المصرح به في المحكي عن جماعة، و كذلك اجزاؤهما.

«نعم» لو قلنا بجواز استعمال شعر الخنزير و جلده

______________________________

( «السادسة»-) من المسائل الثمان (يحرم التكسب بالكلب الهراش) الذي يتهارش مع امثاله، و لا نفع فيه (و الخنزير البريين) في مقابل الكلب و الخنزير البحريين (اجماعا، على الظاهر المصرح به في المحكي عن جماعة) و ذلك للنجاسة، و عدم الانتفاع، فيشملهما دليل حرمة المعاملة على شي ء من وجوه النجس. و ما دل على لزوم النفع المحلل المقصود في المثمن (و كذلك) يحرم التكسب ب (اجزائهما) كالعظم و ما اشبه.

و يدل على الحكم- بالإضافة الى المطلقات- خبر السكوني عن الصادق عليه السلام قال: «السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب». و خبر الجعفريات عن علي عليه السلام: «من السحت ثمن الكلب». و خبر معاوية عن الرضا عليه السلام، عن نصراني أسلم و عنده خمر و خنازير، و عليه دين هل يبيع خمره و خنازيره، فيقضي دينه؟ قال عليه السلام: «لا».

الى غيرها من الروايات. نعم كلب الماشية و نحوه مستثنى من هذا الحكم بالنص و الاجماع. كما ان الظاهر ان كلب الاجرام المتعارف في هذه الازمنة أيضا كذلك مستثنى من حكم مطلق الكلب، الوارد في الاحاديث المتقدمة.

( «نعم» لو قلنا بجواز استعمال شعر الخنزير و جلده) لما دل من النصوص على ذلك، كرواية زرارة عن الباقر عليه السلام قال: قلت له: ان رجلا من مواليك يعمل الحمائل بشعر الخنزير. قال عليه السلام

ص: 80

جاء فيه ما تقدم في جلد الميتة.

«السابعة»- يحرم التكسب بالخمر، و كل مسكر مائع، و الفقاع. اجماعا نصا و فتوى.

______________________________

«اذا فرغ فليغسل يده». و غيرها من سائر الروايات المذكورة في كتاب الاطعمة و الاشربة و غيره. (جاء فيه ما تقدم في جلد الميتة) من الاحتمالين احتمال الجواز للانتفاع. و احتمال المنع، لانه من وجوه النجس، و الاحاديث و ان كانت في شعر الخنزير و جلده، لكن لا يبعد تعديها الى الكلب، لفهم وحدة المناط. و اللّه العالم.

( «السابعة»-) من المسائل الثمان (يحرم التكسب بالخمر، و كل مسكر مائع) فان المسكر المائع نجس، فيشمله ما دل على حرمة المعاملة بالنجس. اما غير المائع من المسكر كالحشيشة، فان فرض لها منفعة محللة مقصودة كانت جائزة المعاملة، و الا لم تجز المعاملة عليها من جهة عدم النفع المدرج لها في قوله سبحانه «وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ».

(و الفقاع) الذي هو قسم من الخمر، و انما ذكر على حدة للنص به في الاخبار و ذلك لاستصغار الناس له. (اجماعا، نصا و فتوى). و لو قال نصا و فتوى اجماعا كان اوجه. و يدل على ذلك من النصوص الخاصة: خبر المدائني عن الصادق عليه السلام: «من اكل السحت ثمن الخمر». و خبر محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام أيضا: «ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال: ان الذي حرم شربها حرم ثمنها» و خبر القمي عن الباقر عليه السلام «حرم اللّه الخمر قليلها، و كثيرها، و بيعها، و شراءها

ص: 81

و في بعض الاخبار: يكون لي على الرجل دراهم، فيعطيني خمرا؟ قال عليه السلام: «خذها و افسدها». قال ابن ابي عمير: يعني اجعلها خلا و المراد به إما اخذ الخمر مجانا ثم تخليلها، او اخذها و تخليلها لصاحبها، ثم اخذ الخل وفاء عن الدراهم.

«الثامنة»- تحرم المعاوضة على الاعيان المتنجسة غير القابلة للطهارة

اذا توقف

______________________________

و الانتفاع بها» الى غير ذلك.

(و في بعض الاخبار)- و هو موثق ابن ابي عمير عن جميل عن الصادق عليه السلام- قال: (يكون لي على الرجل دراهم فيعطيني خمرا؟ قال عليه السلام: «خذها و افسدها». قال ابن ابي عمير: يعني اجعلها خلا. و) هذا الخبر لا يدل على جواز بيع الخمر، كما ربما يتوهم من ان معنى خذها بدل الدراهم هو بيع صاحب الخمر لها في مقابل دراهم الرجل التي بذمته اذ (المراد به اما اخذ الخمر مجانا ثم تخليلها) و اسقاط حقه عن صاحبها (او اخذها و تخليلها لصاحبها، ثم اخذ الخل وفاء عن الدراهم) و من الممكن ان يكون بيع الخمر محرما من جهة الشرب و نحوه، لا من جهة المنفعة المحللة المقصودة التي منها التخليل، فيكون الخبر تخصصا لا تخصيصا اما سائر المسكرات فالحكم فيها كالحكم في الخمر، لصدق الخمر عليها عرفا و شرعا، و ان كان لكل منهما اسم خاص.

( «الثامنة»-) من المسائل الثمان (تحرم المعاوضة على الاعيان المتنجسة غير القابلة للطهارة) كعصير التمر مثلا اذا تنجس (اذا توقف

ص: 82

منافعها المحللة المعتد بها على الطهارة، لما تقدم من النبوي: «ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه» و نحوه المتقدم عن دعائم الاسلام.

و اما التمسك بعموم قوله عليه السلام- في رواية تحف العقول- «او شي ء من وجوه النجس» ففيه نظر، لان الظاهر من «وجوه النجس» العنوانات النجسة، لان ظاهر «الوجه» هو «العنوان».

«نعم» يمكن الاستدلال على ذلك بالتعليل المذكور بعد ذلك و هو قوله عليه السلام: «لان ذلك كله محرم اكله و شربه و لبسه ..» الى آخر ما ذكر.

______________________________

منافعها المحللة المعتد بها على الطهارة) اما المنافع النادرة فلا توجب المالية المجوزة للبيع (لما تقدم من النبوي «ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه») فالعصير في المثال محرم فيحرم ثمنه (و نحوه) الخبر (المتقدم عن دعائم الاسلام).

(و اما التمسك) لحرمة المعاملة في المقام (بعموم قوله عليه السلام في رواية تحف العقول- «او شي ء من وجوه النجس» ففيه نظر. لان الظاهر من) لفظة ( «وجوه النجس»: العنوانات النجسة) كالخمر، و العذرة، و الدم، و ما اشبه (لان ظاهر «الوجه» هو «العنوان») فالمتنجس غير مشمول لهذه الرواية.

( «نعم» يمكن الاستدلال على ذلك) التحريم في المتنجس (بالتعليل المذكور) في رواية التحف (بعد ذلك) الكلام (و هو) اي التعليل (قوله عليه السلام «لان ذلك كله محرم اكله و شربه و لبسه .. الى آخر ما ذكر) فان العلة شاملة للمتنجس، و من المعلوم ان العلة تعمم و تخصص

ص: 83

«ثم» اعلم انه قيل بعدم جواز بيع المسوخ، من اجل نجاستها. و لما كان الاقوى طهارتها لم يحتج الى التكلم في جواز بيعها هنا. «نعم» لو قيل بحرمة البيع لا من حيث النجاسة، كان محل التعرض له: ما سيجي ء من ان «كل طاهر له منفعة محللة مقصودة يجوز بيعه». و سيجي ء ذلك في ذيل القسم الثاني

______________________________

لانها هي مدار الحكم عرفا،

«ثم» ان الاعيان المتنجسة القابلة للطهارة، او المتنجسة التي لا يتوقف الانتفاع بها على الطهارة، لا بأس بالمعاوضة عليها، لعدم الدليل على الحرمة و البطلان، فيشملها عموم «تجارة عن تراض» و «احل اللّه البيع» و ما اشبه. اما لو تعارف تبديل الاعيان النجسة الى الطاهرة، بالاستحالة، كالعذرة للإحراق و ما اشبه فهل يجوز بيعها أم لا؟ احتمالان. و ان قلنا:

ان حرمة بيع النجس لعدم الانتفاع، او لان الظاهر من ادلة الحرمة كونها لاجل الانتفاع المحرم، قوي جواز البيع، لاجل التبديل الى الطاهر الحلال.

( «ثم اعلم انه قيل بعدم جواز بيع المسوخ) كالقردة (من اجل نجاستها) فيشملها خبر تحف العقول و غيره (و لما كان الاقوى طهارتها) كما حقق في كتاب الطهارة- (لم يحتج الى التكلم في جواز بيعها هنا) في باب حرمة بيع الاعيان النجسة ( «نعم» لو قيل بحرمة البيع لا من حيث النجاسة) بل من حيث عدم النفع (كان محل التعرض له: ما سيجي ء من ان «كل طاهر له منفعة محللة مقصودة) للعقلاء بان لم تكن المنفعة نادرة (يجوز بيعه». و سيجي ء) الكلام في (ذلك في ذيل القسم الثاني

ص: 84

مما لا يجوز الاكتساب به لاجل عدم المنفعة فيه.

و اما المستثنى من الأعيان المتقدمة فهي أربعة، تذكر في مسائل اربع:

«الأولى»- يجوز بيع المملوك الكافر،

اصليا كان أم مرتدا مليا بلا خلاف ظاهر، بل ادعي عليه الاجماع، و ليس ببعيد كما يظهر للمتتبع في المواضع المناسبة لهذه المسألة، كاسترقاق الكفار، و شراء بعضهم من بعض. و بيع العبد الكافر اذا اسلم

______________________________

مما لا يجوز الاكتساب به لاجل عدم المنفعة فيه) و مثل الكلام في المسوخ الكلام في كل شي ء قيل بنجاسته و لم يتحقق ذلك كالحديد و ما اشبه.

هذا تمام الكلام في بيع الاعيان النجسة.

(و اما المستثنى من الاعيان المتقدمة) مما هي نجسة و مع ذلك يجوز بيعها (فهي أربعة، تذكر في مسائل اربع):

المسألة (الاولى-) في بيع المملوك الكافر (يجوز بيع المملوك الكافر، اصليا كان) الكافر كتابيا او غير كتابي (أم مرتدا مليا) بان دخل في ملة الاسلام بعد ان كان كافرا ثم ارتد، مقابل المرتد الفطري الذي انعقد و أحد ابويه مسلم، فجرت عليه فطرة الاسلام ثم ارتد (بلا خلاف ظاهر، بل ادعي عليه الاجماع، و ليس) الاجماع (ببعيد كما يظهر للمتتبع في المواضع المناسبة لهذه المسألة ك) مسألة (استرقاق الكفار) فانها تدل على التملك الموجب لصحة المعاملة، لشمول «تجارة عن تراض» و نحوه للمقام. و الكافر المرتد عن ملة داخل في العموم، فلا وجه لاستثنائه (و) مسألة (شراء بعضهم من بعض. و) مسألة (بيع العبد الكافر اذا اسلم

ص: 85

على مولاه الكافر. و عتق الكافرة و بيع المرتد. و ظهور كفر العبد المشترى على ظاهر الاسلام. و غير ذلك.

و كذا الفطري على الاقوى، بل الظاهر: انه لا خلاف فيه من هذه الجهة، و ان كان فيه كلام من حيث كونه في معرض التلف، لوجوب قتله و لم نجد من تأمل فيه من جهة نجاسته، عدا ما يظهر

______________________________

على مولاه الكافر. و) مسألة (عتق الكافرة) و من المعلوم انه «لا عتق الا في ملك» و اذا كان ملك شمله «احل اللّه البيع» و نحوه (و) مسألة (بيع) العبد (المرتد. و) مسألة (ظهور كفر العبد المشترى على ظاهر الاسلام) بان اشتراه المشتري ظانا انه مسلم فظهر انه كافر، هل له خيار الرد أم لا؟ (و غير ذلك) من المسائل المربوطة بالعبيد، الدالة على جواز بيعهم. بل و الاخبار الخاصة الكثيرة الدالة على اشتراء النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و الأئمة للعبيد الكافرين، كخبر ابراهيم بن عبد الحميد عن ابي الحسن عليه السلام في شراء الروميات، قال عليه السلام «اشترهن و بعهن» و غيره.

(و كذا) يجوز بيع العبد المرتد (الفطري، على الاقوى) لشمول العمومات له (بل الظاهر) من تتبع كلمات الفقهاء: (انه لا خلاف فيه من هذه الجهة) اي جهة كونه كافرا نجسا (و ان كان فيه كلام من حيث كونه في معرض التلف، لوجوب قتله) فكأنه ليس بمال، و ما ليس بمال لا يجوز بيعه، لان اكل الثمن في مقابله اكل للمال بالباطل. (و لم نجد من تأمل فيه) اي في بيع العبد الكافر (من جهة نجاسته، عدا ما يظهر

ص: 86

من بعض الأساطين في شرحه على القواعد، حيث احترز بقول العلامة:

«ما لا يقبل التطهير من النجاسات» عما يقبله و لو بالاسلام، كالمرتد، و لو عن فطرة، على اصح القولين. فبنى جواز بيع المرتد على قبول توبته، بل بنى جواز بيع مطلق الكافر على قبوله للطهر بالاسلام.

و انت خبير بان حكم الاصحاب بجواز بيع الكافر، نظير حكمهم بجواز بيع الكلب، لا من حيث قابليته للتطهير

______________________________

من بعض الأساطين)- و هو الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء- (في شرحه على القواعد، حيث احترز بقول العلامة: «ما لا يقبل التطهير من النجاسات» عما يقبله) اي يقبل التطهير (و لو بالاسلام، كالمرتد و لو عن فطرة على اصح القولين) من ان المرتد الفطري يقبل الطهارة اذا اسلم في قبال من يقول بانه لا يقبل الطهارة. (ف) قد (بنى) كاشف الغطاء (جواز بيع المرتد) الفطري (على قبول توبته) لان ظاهر كلامه: انه انما يجوز بيعه لقبول توبته الموجبة للطهارة، و المفهوم من ذلك: انه اذا قلنا بعدم قبول توبته لم يجز بيعه، لانه ليس بطاهر الآن و لا في معرض الطهارة. (بل بنى جواز بيع مطلق الكافر) و لو كان اصليا (على قبوله للطهارة بالاسلام) فالكافر- لو لا قبوله للطهر- لم يجز بيعه في نظر كاشف الغطاء.

(و انت خبير بان) هذا البناء منه- رحمه اللّه- في كمال الإشكال، لان (حكم الاصحاب بجواز بيع الكافر) تبعا للنص الخاص و الاطلاقات.

انما هو (نظير حكمهم بجواز بيع الكلب، لا من حيث قابليته للتطهير)

ص: 87

نظير الماء المتنجس. و ان اشتراطهم قبول التطهير انما هو فيما يتوقف الانتفاع به على طهارته ليتصف بالملكية. لا مثل الكلب و الكافر المملوكين مع النجاسة اجماعا.

و بالغ تلميذه في مفتاح الكرامة فقال: أما المرتد عن فطرة فالقول بجواز بيعه ضعيف جدا، لعدم قبول توبته. فلا يقبل التطهير

______________________________

بل من حيث ان العموم و النص الخاص دلا على جواز البيع، فليس (نظير الماء المتنجس) الذي يجوز بيعه لقابليته للتطهير بالاتصال بالعاصم (و) ب (ان اشتراطهم) اي الاصحاب (قبول التطهير) في بعض الاشياء في جواز بيعه (انما هو) اي هذا الاشتراط (فيما يتوقف الانتفاع به على طهارته) كالمتنجسات التي لا ينتفع بها في حال النجاسة، و انما يشترطون قبوله للطهارة (ليتصف بالملكية) اذ لو كان الشي ء نجسا غير قابل للتطهير و كان نفعه متوقفا على الطهارة لم يكن مالا، فلا يشمله عموم البيع، و انما يشمله عموم «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» (لا) ان اشتراطهم لقبول الطهارة في (مثل الكلب و الكافر المملوكين)- القيد بالملكية في قبال كلب الهراش و الكافر غير المملوك، فلا يجوز بيعهما، لعدم المالية- (مع النجاسة) قيد للملكية (اجماعا) اى انهما مملوكان اجماعا و ان كانا نجسين.

(و بالغ تلميذه) السيد العاملي (في مفتاح الكرامة فقال: أما المرتد عن فطرة فالقول بجواز بيعه ضعيف جدا، لعدم قبول توبته، فلا يقبل التطهير) فهو كأستاده يرى دوران جواز البيع مدار الطهارة الفعلية او

ص: 88

«ثم» ذكر جماعة ممن جوز بيعه- الى ان قال-: و لعل من جوز بيعه بنى على قبول توبته. انتهى. و تبعه على ذلك شيخنا المعاصر.

اقول: لا اشكال و لا خلاف في كون المملوك المرتد عن فطرة ملكا و مالا لمالكه، و يجوز له الانتفاع به بالاستخدام، ما لم يقتل. و انما استشكل من استشكل في جواز بيعه من حيث كونه في معرض القتل بل واجب الاتلاف شرعا.

فكأن الاجماع منعقد على عدم المنع من بيعه، من جهة عدم قابليته للطهارة بالتوبة.

______________________________

الممكنة. (ثم ذكر جماعة ممن جوز بيعه- الى ان قال-: و لعل من جوز بيعه بنى على قبول توبته) ليكون قابلا للطهارة (انتهى) كلامه رحمه اللّه- (و تبعه على ذلك شيخنا المعاصر) صاحب الجواهر قدس سره-.

(اقول: لا اشكال و لا خلاف في كون المملوك المرتد عن فطرة ملكا و مالا لمالكه، و يجوز له) اي لمالكه (الانتفاع به بالاستخدام، ما لم يقتل) فاذا قتل انتفى الموضوع (و انما استشكل من استشكل في جواز بيعه من حيث كونه في معرض القتل، بل واجب الاتلاف شرعا) فليس بمال حتى يقابل بالمال، و يكون اكل المال بإزائه اكلا للمال بالباطل.

لكن هذا الاشكال غير تام، لامكان ان لا يكون حاكم الشرع مبسوط اليد فلا يمكن اجراء الحد عليه، و وجوب الاتلاف شرعا لا يسقط ماليته العرفية التي هي الميزان لصحة المعاملة (فكأن الاجماع منعقد على عدم المنع من بيعه من جهة عدم قابليته للطهارة بالتوبة) و قوله: «من جهة» وجه

ص: 89

قال في الشرائع: و يصح رهن المرتد و ان كان عن فطرة.

و استشكل في المسالك من جهة وجوب اتلافه، و كونه في معرض التلف، ثم اختار الجواز لبقاء ماليته الى زمان القتل.

و قال في القواعد: و يصح رهن المرتد، و ان كان عن فطرة، على اشكال.

و ذكر في جامع المقاصد: ان منشأ الاشكال انه يجوز بيعه فيجوز رهنه بطريق اولى. و من ان مقصود البيع حاصل، و اما مقصود الرهن فقد لا يحصل

______________________________

قوله: «المنع».

و أليك جملة من عبائر الفقهاء الدالة على كون الكلام في بيعه من جهة وجوب قتله، لا من جهة عدم قابليته للطهارة:

(قال في الشرائع: و يصح رهن المرتد و ان كان عن فطرة).

(و استشكل) الشهيد الثاني (في المسالك من جهة وجوب اتلافه، و كونه في معرض التلف) و من المعلوم ان ما يلزم اتلافه لا يكون مالا.

(ثم اختار) الشهيد (الجواز) لبيعه (لبقاء ماليته الى زمان القتل) فهو مال يصح ان يقابل بالمال.

(و قال) العلامة (في القواعد: و يصح رهن المرتد و ان كان عن فطرة على اشكال) في صحة رهنه.

(و ذكر في جامع المقاصد: ان منشأ الإشكال) اما جواز رهنه فل (انه يجوز بيعه فيجوز رهنه بطريق اولى) لأن البيع دليل كونه مالا و كل مال يصح رهنه (و) اما عدم جواز رهنه ف (من) جهة (ان مقصود البيع حاصل، و اما مقصود الرهن فقد لا يحصل) اذ مقصود الإنسان بالبيع

ص: 90

بقتل الفطري حتما. و الآخر قد لا يتوب ثم اختار الجواز.

و قال في التذكرة: المرتد ان كان عن فطرة ففي جواز بيعه نظر، ينشأ من تضاد الحكمين و من بقاء الملك فان كسبه لمولاه.

اما عن غير فطرة فالوجه صحة بيعه، لعدم تحتم قتله ثم ذكر المحارب الذي لا يقبل توبته، لوقوعها بعد القدرة عليه.

و استدل على جواز بيعه بما يظهر منه جواز بيع المرتد

______________________________

انتقال المال إليه، و ذلك يحصل بمجرد البيع. و اما مقصوده بالرهن فكونه وثيقة، و هي قد تفوت في المرتد (ب) سبب (قتل) المرتد (الفطري حتما) لأنه محكوم عليه شرعا بالقتل (و) المرتد (الآخر) الذي هو الملي (قد لا يتوب) فيقتل، فتفوت وثيقة الرهن (ثم اختار) جامع المقاصد (الجواز).

(و قال) العلامة (في التذكرة: المرتد ان كان عن فطرة ففي جواز بيعه نظر، ينشأ من تضاد الحكمين) يعنى وجوب القتل و جواز البيع. فان وجوب القتل معناه انه لا مالية له، و جواز البيع معناه ان له مالية. (و من بقاء الملك) فتضاد الحكمين يقتضي عدم صحة بيعه، و بقاء الملك يقتضي صحة بيعه.

و استدل لبقاء الملك بقوله: (فان كسبه لمولاه) و لو لا الملك لم يكن وجه لكون كسبه لمولاه (اما) المرتد (عن غير فطرة) اي المرتد الملي (فالوجه صحة بيعه لعدم تحتم قتله) لامكان توبته (ثم ذكر) العلامة حكم بيع (المحارب الذي لا يقبل توبته لوقوعها) اي التوبة (بعد القدرة عليه) و انه هل يصح بيعه أم لا؟

(و استدل على جواز بيعه) اي المحارب (بما يظهر منه جواز بيع المرتد

ص: 91

عن فطرة، و جعله نظير المريض المأيوس عن برئه.

«نعم» منع في التحرير و الدروس عن بيع المرتد عن فطرة، و المحارب اذا وجب قتلة، للوجه المتقدم و عن التذكرة، بل في الدروس: ان بيع المرتد عن ملة أيضا مراعى بالتوبة.

و كيف كان- فالمتتبع يقطع بان اشتراط قابلية الطهارة انما هو فيما يتوقف الانتفاع المعتد به على طهارته و لذا

______________________________

عن فطرة، و) ذلك بان (جعله) اي المحارب (نظير المريض المأيوس عن برئه) فكما يجوز بيعه مع انه مشرف على التلف، كذلك يجوز بيع المحارب و المرتد عن فطرة، و ان اشرفا على التلف بجريان حكم القتل في حقهما.

(نعم منع) العلامة و الشهيد (في التحرير و الدروس عن بيع المرتد عن فطرة، و المحارب اذا وجب قتله) بان قبض عليه و لم يتب بعد (للوجه المتقدم) و هو تضاد الحكمين (و عن التذكرة بل في الدروس) أيضا (ان بيع المرتد عن ملة أيضا مراعى بالتوبة) فان تاب صح بيعه و الا لم يصح، لأنه ليس بمال حتى يبذل في مقابله المال، فيشمله قوله تعالى «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» و كلام التذكرة و الدروس يؤيد ما ذكره مفتاح الكرامة من المنع عنه.

(و كيف كان) الأمر سواء جاز بيع المرتد، أم لم يجز لأنه مشرف على التلف (فالمتتبع يقطع بان اشتراطه قابلية الطهارة) في المبيع (انما هو فيما يتوقف الانتفاع المعتد به على طهارته) لا انه يشترط الطهارة تعبدا (و لذا) اي للذي ذكرناه من عدم اشتراط الطهارة في العبد الكافر و المرتد

ص: 92

قسم في المبسوط المبيع الى آدمي و غيره، ثم اشترط الطهارة في غير الآدمي نعم استثنى الكلب الصيود.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 1، ص: 93

«الثانية»- يجوز المعاوضة على غير كلب الهراش في الجملة

، بلا خلاف ظاهر، الا ما عن ظاهر إطلاق العماني. و لعله- كاطلاق كثير من الاخبار بان «ثمن الكلب سحت»- محمول على الهراش، لتواتر الاخبار و استفاضة نقل الاجماع على جواز بيع ما عدا كلب الهراش في الجملة.

______________________________

(قسم) الشيخ (في المبسوط المبيع الى آدمي و غيره، ثم اشترط الطهارة في غير الآدمي) بمعنى انه لا يشترط الطهارة في الآدمي (نعم استثنى) الشيخ من شرط الطهارة في غير الآدمي (الكلب الصيود) بفتح الصاد و هو كلب الصيد.

( «الثانية»-) من المسائل الاربع المستثناة من اشتراط الطهارة في المبيع، الكلب في الجملة فانه يجوز بيعه و ان لم يكن طاهرا، فانه (يجوز المعاوضة على غير كلب الهراش) و هو الكلب الذي لا عمل له فيتهارش مع امثاله (في الجملة) لما سيأتي من الاختلاف في بعض أقسام الكلاب (بلا خلاف ظاهر الا ما عن ظاهر إطلاق العماني) ابن ابي عقيل فانه منع عن المعاوضة بالنسبة الى الكلب مطلقا (و لعله) اي العماني لم يرد مطلقا و انما اراد كلب الهراش (كاطلاق كثير من الاخبار بان «ثمن الكلب سحت») و هذا الاطلاق في الرواية (محمول على الهراش، لتواتر الاخبار و استفاضة نقل الاجماع على جواز بيع ما عدا كلب الهراش في الجملة) و ان كان اختلاف في بعض اقسام ما عدا الهراش، كما سيأتي.

ص: 93

«ثم» ان ما عدا كلب الهراش على اقسام: «احدها»- كلب الصيد السلوقي. و هو المتيقن من الأخبار و معاقد الاجماعات الدالة على الجواز.

«الثاني»- كلب الصيد غير السلوقي، و بيعه جائز على المعروف من غير ظاهر اطلاق المقنعة و النهاية.

و يدل عليه- قبل الاجماع المحكي عن الخلاف و المنتهى و الايضاح و غيرها الاخبار المستفيضة:

«منها»- قوله عليه السلام- في رواية القاسم بن الوليد-

______________________________

( «ثم» ان ما عدا كلب الهراش على اقسام «احدها» كلب الصيد السلوقي) نسبة الى «سلوق» لغلبة تعلم كلابها للصيد، فكلب الصيد غير السلوقي، و كلب سلوق غير الصائد محل اشكال او منع (و) استثناء هذا الكلب (هو المتيقن من الأخبار) الواردة في جواز بيع كلب الصيد (و معاقد الاجماعات الدالة على الجواز) لما سيأتي من ان المطلقات يقرب ان تقيد بالسلوقي لاحتمال الانصراف.

( «الثاني»-) من اقسام الكلب غير الهراش (كلب الصيد غير السلوقي، و بيعه جائز على المعروف من غير ظاهر اطلاق المقنعة) للمفيد (و النهاية).

(و يدل عليه) اي على جواز بيعه (قبل الاجماع المحكي عن الخلاف و المنتهى و الايضاح) و انما قال «قبل» لان الاخبار متقدمة على الاجماع زمانا و حجية (و غيرها) اي غير تلك الكتب (الاخبار المستفيضة):

( «منها» قوله عليه السلام- في رواية القاسم بن الوليد-

ص: 94

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد؟ قال:

«سحت، و اما الصيود فلا بأس به».

«و منها»- الصحيح عن ابن فضال عن ابي جميلة عن ليث قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكلب الصيود يباع؟ قال عليه السلام «نعم و يؤكل ثمنه».

«و منها»- رواية ابي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن كلب الصيد؟ قال: «لا بأس به و اما الآخر فلا يحل ثمنه».

«و منها»- ما عن دعائم الاسلام للقاضي نعمان المصري عن امير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «لا بأس بثمن كلب الصيد».

______________________________

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد؟

قال: «سحت و اما الصيود فلا بأس به»). صيود كصبور: صيغة مبالغة او صفة مشبهة.

( «و منها»- الصحيح عن ابن فضال عن ابي جميلة عن ليث قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكلب الصيود) هل (يباع؟ قال عليه السلام «نعم) اي يباع (و يؤكل ثمنه») و هذا تأكيد لجواز البيع اذ لو لم يجز البيع كان اكل الثمن بالباطل.

( «و منها» رواية ابي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن كلب الصيد؟ قال: «لا بأس به و اما الآخر) اي الكلب الاخر الذي لا يصيد (فلا يحل ثمنه»).

( «و منها»- ما عن دعائم الاسلام للقاضي نعمان المصري عن امير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «لا بأس بثمن كلب الصيد».

ص: 95

«و منها»- مفهوم رواية ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله و سلم-: «ثمن الخمر و مهر البغي، و ثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت».

«و منها»- مفهوم رواية عبد الرحمن بن ابي عبد اللّه عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: «ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت، و لا بأس بثمن الهرة».

«و مرسلة الصدوق» رحمه اللّه- و فيها: «ثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت».

«ثم» ان دعوى انصراف هذه الاخبار- كمعاقد الاجماعات المتقدمة- الى السلوقي

______________________________

( «و منها»- مفهوم رواية ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال:

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: «ثمن الخمر و مهر البغي) اي الزانية (و ثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت») فان مفهومه جواز ثمن الكلب الذي يصطاد.

( «و منها»- مفهوم رواية عبد الرحمن بن ابي عبد اللّه عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: «ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت و لا بأس بثمن الهرة») فان مفهومه جواز ثمن الكلب الذي يصيد.

(و مرسلة «الصدوق» رحمه اللّه- و فيها: «ثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت») الى غيرها من الروايات.

(ثم ان دعوى انصراف هذه الاخبار) المطلقة في مطلق كلب الصيد (ك) انصراف (معاقد الاجماعات المتقدمة إلى السلوقي) من كلب الصيد

ص: 96

ضعيفة، لمنع الانصراف، لعدم الغلبة المعتد بها على فرض تسليم كون مجرد غلبة الوجود من دون غلبة الاستعمال منشأ للانصراف.

مع انه لا يصح في مثل قوله: «ثمن الكلب الذي لا يصيد» او «ليس بكلب الصيد»

______________________________

خاصة (ضعيفة، لمنع الانصراف) المذكور (لعدم الغلبة) في الوجود (المعتد بها) في الانصراف (على فرض تسليم كون مجرد غلبة الوجود من دون غلبة الاستعمال منشأ للانصراف).

و الحاصل: ان الانصراف قد ينشأ من أنس اللفظ بالمعنى، حتى اذا اطلق اللفظ ينسبق ذلك المعنى الى الذهن، فلا يكون اللفظ الا ظاهرا في ذلك المعنى، و هذا هو الانصراف الذي يعتمد عليه. و قد ينشأ من غلبة استعمال اللفظ في المعنى، و قد ينشأ من غلبة بعض افراد المعنى. و ليس السلوقي اكثر افراد كلب الصيد، و لا ان استعماله في السلوقي اكثر من استعماله في غيره. فانا لو فرضنا ان الغالب في كلاب الصيد السلوقية كان لمدعى الانصراف وجه معتد به، اما و ليس الغالب السلوقية فلا وجه للانصراف، اذ لا غلبة للاستعمال، و لا غلبة للوجود، فمن أين جاء الانصراف؟!.

(مع انه) لو سلم الانصراف في المنطوقات عن «ثمن كلب الصيد» فانه لا يسلم الانصراف في المفهومات ف (لا يصح) الانصراف (في مثل قوله: «ثمن الكلب الذي لا يصيد» او) قوله عليه السلام: «ثمن الكلب الذي (ليس بكلب الصيد») مما يفهم منه حكم كلب الصيد

ص: 97

لأن مرجع التقييد الى إرادة ما يصح عنه سلب صفة الاصطياد.

و كيف كان فلا مجال لدعوى الانصراف بل يمكن ان يكون مراد المقنعة و النهاية من السلوقي مطلق الصيود، على ما شهد به بعض الفحول من اطلاقه عليه أحيانا.

و يؤيد بما عن المنتهى حيث انه بعد ما

______________________________

بالمفهوم (لأن مرجع التقييد) في الروايتين، اي تقييد «الكلب» بوصف انه «لا يصيد» (الى إرادة ما) اي الكلب الذي (يصح عنه سلب صفة الاصطياد). و من المعلوم: ان «كلاب الصيد غير السلوقية» لا يصح ان يسلب عنها صفة الاصطياد.

و الحاصل: ان الروايتين قسمتا الكلب الى قسمين: «ما يتصف بالاصطياد» و «ما يتصف بانه لا يصطاد» و من المعلوم ان كل «كلب صيد- و لو كان غير سلوقي-» داخل في القسم الأول. فالممنوع عنه هو القسم الثاني فقط.

(و كيف كان) الأمر، سواء قلنا باستفادة الاطلاق من جميع الروايات او من هاتين الروايتين فقط (فلا مجال لدعوى الانصراف) الى خصوص السلوقي (بل يمكن ان يكون مراد المقنعة و النهاية من السلوقي) الذي خصصنا جواز المعاملة به (مطلق الصيود، على ما شهد به) اي بانهما ارادا الاطلاق من لفظ «السلوقي» (بعض الفحول من اطلاقه) اي السلوقي (عليه) اي على مطلق الصيود (أحيانا) من ذكر الخاص و إرادة العام.

(و يؤيد) كلام بعض الفحول (بما عن المنتهى، حيث انه بعد ما

ص: 98

حكى التخصيص بالسلوقي عن الشيخين قال: و عنى بالسلوقي كلب الصيد لأن «سلوق» قرية باليمن، اكثر كلابها معلمة فنسب الكلب إليها.

و ان كان هذا الكلام من المنتهى يحتمل لأن يكون مسوقا لاخراج غير كلب الصيد من الكلاب السلوقية، و ان المراد بالسلوقي خصوص الصيود لا كل سلوقي لكن الوجه الأول اظهر فتدبر.

«الثالث» كلب الماشية و الحائط- و هو البستان- و الزرع.

______________________________

حكى التخصيص) للجواز (بالسلوقي عن الشيخين) متعلق ب «حكى» (قال) اي العلامة: (و عنى بالسلوقي كلب الصيد) ففسر السلوقي بمطلق كلب الصيد (لأن «سلوق» قرية باليمن، اكثر كلابها معلمة) للاصطياد (فنسب الكلب) المعلم (إليها. و ان كان هذا الكلام من المنتهى يحتمل) وجها اخر، فليس مراده اطلاق السلوقي على كل كلب معلم، بل يحتمل (لأن يكون) كلامه (مسوقا لاخراج غير كلب الصيد من الكلاب السلوقية، و ان المراد بالسلوقي خصوص الصيود) من كلاب «سلوق» (لا كل سلوقي) و لو لم يكن صيودا (لكن الوجه الأول) بان اراد العلامة اطلاق «السلوقي» على كل كلب صيود (اظهر) من الوجه الثاني (فتدبر) حتى تعرف انه لا وجه للاستظهار المذكور، بعد احتمال حمل اللفظ على كل واحد من المعنيين.

( «الثالث»)- من اقسام الكلب غير الهراش (كلب الماشية) اي قطيع الغنم (و) كلب (الحائط- و هو البستان- و) كلب (الزرع) كالحنطة و الشعير و ما اشبه.

ص: 99

و الاشهر بين القدماء- على ما قيل- المنع. و لعله استظهر ذلك من الاخبار الحاصرة لما يجوز بيعه في الصيود المشتهرة بين المحدثين، كالكليني و الصدوقين، و من تقدمهم. بل و اهل الفتوى، كالمفيد، و القاضي، و ابن زهرة، و ابن سعيد، و المختلف. بل ظاهر الخلاف و الغنية الاجماع عليه.

نعم المشهور بين الشيخ و من تأخر عنه الجواز وفاقا للمحكي عن ابن الجنيد، حيث قال: لا بأس بشراء الكلب الصائد و الحارس للماشية و الزرع ثم قال لا خير في الكلب فيما عدا الصيود و الحارس. و ظاهر الفقرة الاخيرة

______________________________

(و الاشهر بين القدماء- على ما قيل- المنع) عن بيع هذه الكلاب (و لعله استظهر ذلك) المنع عن بيع هذه الكلاب (من الاخبار الحاصرة لما يجوز بيعه في) الكلب (الصيود) فلا يجوز ما عداه، لما دل على ان «ثمن الكلب سحت» (المشتهرة) تلك الاخبار الحاصرة (بين المحدثين، كالكليني، و الصدوقين، و من تقدمهم. بل و) بين (اهل الفتوى، كالمفيد، و القاضي، و ابن زهرة، و ابن سعيد، و المختلف. بل ظاهر الخلاف و الغنية الاجماع عليه) اي على المنع عن بيع ما عدا كلب الصيد.

(نعم المشهور بين الشيخ و من تأخر عنه الجواز) لبيعه (وفاقا للمحكي عن ابن الجنيد، حيث قال: لا بأس بشراء الكلب الصائد و الحارس للماشية و الزرع. ثم قال) ابن الجنيد: (لا خير في الكلب فيما عدا الصيود و الحارس. و ظاهر الفقرة الاخيرة) و هو قوله: «و الحارس» مطلقا بلا

ص: 100

- لو لم تحمل على الأولى-: جواز بيع الكلاب الثلاثة و غيرها كحارس الدور و الخيام.

و حكي الجواز أيضا عن الشيخ، و القاضي في كتاب الاجارة، و عن سلار، و ابي الصلاح، و ابن حمزة، و ابن ادريس، و اكثر المتاخرين، كالعلامة، و ولده السعيد، و الشهيدين، و المحقق الثاني و ابن القطان في المعالم و الصيمري، و ابن فهد، و غيرهم من متأخري المتأخرين.

عدا قليل وافق المحقق كالسبزواري، و التقي المجلسي، و صاحب

______________________________

قيد (لو لم تحمل على) الفقرة (الأولى جواز بيع الكلاب الثلاثة و غيرها كحارس الدور و الخيام) لأنه قد اطلق لفظ «الحارس». اللهم الا ان يقال: ان اللام للعهد الذكري، فالمراد بالحارس حارس الماشية و الزرع فقط.

(و حكي الجواز) لبيع كلب غير الصيد من الكلاب المذكورة (أيضا عن الشيخ، و القاضي في كتاب الاجارة، و عن سلار، و ابي الصلاح، و ابن حمزة، و ابن ادريس، و اكثر المتأخرين، كالعلامة، و ولده السعيد، و الشهيدين، و المحقق الثاني) صاحب جامع المقاصد، (و ابن القطان) الشيخ شمس الدين الحلي يروى عن الفاضل المقداد (في) كتابه (المعالم) و اسم الكتاب معالم الدين في فقه آل يس، (و الصيمري، و ابن فهد، و غيرهم من متأخري المتأخرين).

(عدا قليل) من المتأخرين (وافق المحقق) في عدم الجواز لغير الصائد (كالسبزواري) صاحب الكفاية، (و التقي المجلسي، و صاحب

ص: 101

الحدائق، و العلامة الطباطبائي في مصابيحه، و فقيه عصره في شرح القواعد و هو الاوفق بالعمومات المتقدمة المانعة اذ لم نجد مخصصا لها سوى. ما ارسله في المبسوط من «انه روى ذلك- يعني جواز البيع- في كلب الماشية و الحائط». المنجبر قصور سنده و دلالته- لكون المنقول مضمون الرواية لا معناها و لا ترجمتها-.

______________________________

الحدائق، و العلامة الطباطبائي في مصابيحه، و فقيه عصره) صاحب كشف الغطاء (في شرح القواعد. و هو) اي المنع (الاوفق بالعمومات المتقدمة المانعة) عن بيع الكلب (اذ لم نجد مخصصا لها) اي لتلك العمومات (سوى) امور خمسة:

الأول:- المناط.

و الثاني: خبر تحف العقول «و كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات» و من المعلوم وجود الصلاح في هذه الكلاب.

و الثالث-: (ما ارسله) الشيخ (في المبسوط من «انه روى ذلك يعني جواز البيع- في كلب الماشية و الحائط». المنجبر قصور سنده)- لكونه مرسلة- (و) قصور (دلالته- لكون المنقول مضمون الرواية لا معناها و لا ترجمتها-) فمن المحتمل ان كانت الرواية بحيث لا يفهم منها جواز البيع، بل جواز الانتفاع و ما اشبه، و من المعلوم ان فهم الفقيه ليس بحجة و الا لزم حجية الافهام المتناقضة للفقهاء.

و الفرق بين المعنى و الترجمة: ان الأول: هو الاتيان بخلاصة المستفاد من اللفظ بنفس اللغة. و الثاني: الاتيان بالمعنى تحت اللفظي جملة جملة في لغة اخرى

ص: 102

باشتهاره بين المتأخرين.

بل ظهور الاتفاق المستفاد من قول الشيخ- في كتاب الاجارة-:

ان احدا لم يفرق بين بيع هذه الكلاب و اجارتها بعد ملاحظة الاتفاق على صحة اجارتها و من قوله في التذكرة: يجوز بيع هذه الكلاب عندنا و من

______________________________

(باشتهاره) اي «الجواز» و الظرف متعلق بقوله: «المنجبر» (بين المتأخرين) من الفقهاء فيشمله قوله عليه السلام «خذ بما اشتهر بين اصحابك» للتعليل المذكور و هو قوله عليه السلام «فان المجمع عليه لا ريب فيه».

و قد روى في المستدرك عن غوالي اللئالي في حديث عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم «استثنى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم كلاب الصيد، و كلاب الماشية، و كلاب الحرث، و اذن في اتخاذها» و عن تفسير ابي الفتوح عن ابي رافع عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم في حديث «انه رخص في اقتناء كلب الصيد، و كل كلب فيه منفعة مثل كلب الماشية، و كلب الحائط، و الزرع. رخصهم في اقتنائه».

و الرابع-: (بل ظهور الاتفاق المستفاد من قول الشيخ- في كتاب الاجارة-: ان احدا لم يفرق بين بيع هذه الكلاب و اجارتها) فان هذه الدعوى (بعد ملاحظة الاتفاق على صحة اجارتها) تفيد الاتفاق على صحة البيع، بقياس المساواة (و) ظهور الاتفاق المستفاد (من) العلامة رحمه اللّه- من (قوله في التذكرة: يجوز بيع هذه الكلاب عندنا) فان معنى «عندنا»: الاجماع عليه (و) ظهور الاتفاق المستفاد (من

ص: 103

المحكي عن الشهيد في الحواشي: ان احدا لم يفرق بين الكلاب الاربعة.

فتكون هذه الدعاوي قرينة على حمل كلام من اقتصر على كلب الصيد، على المثال لمطلق ما ينتفع به منفعة محللة مقصودة.

كما يظهر ذلك من عبارة ابن زهرة في الغنية، حيث اعتبر أولا في المبيع ان يكون مما ينتفع به منفعة محللة مقصودة ثم قال: و احترزنا بقولنا «ينتفع به منفعة محللة» عما يحرم الانتفاع به، و يدخل في ذلك النجس الا ما خرج بالدليل من الكلب المعلم للصيد، و الزيت النجس لفائدة

______________________________

المحكي عن الشهيد في الحواشي: ان احدا لم يفرق بين الكلاب الاربعة):

الصيد و الماشية و الحائط و الزرع.

(ف) ان قلت: كيف و قد نقلتم قبل ذلك مخالفة جماعة من الفقهاء؟

قلت: (يكون هذه الدعاوي) للاتفاق في كلام الشيخ، و العلامة و الشهيد (قرينة على حمل كلام من اقتصر على كلب الصيد، على المثال لمطلق ما ينتفع به منفعة محللة مقصودة) و ان كان غير كلب الصيد. و على هذا فيشمل كل كلب نافع، ككلب الخيام، و الدار، و الدائرة، و كلب الاجرام، و سائر الكلاب النافعة.

(كما يظهر ذلك) اي كون ذكر كلب الصيد للمثال (من عبارة ابن زهرة في الغنية، حيث اعتبر أولا في المبيع ان يكون مما ينتفع به منفعة محللة مقصودة ثم قال) ابن زهرة: (و احترزنا بقولنا «ينتفع به منفعة محللة» عما يحرم الانتفاع به، و يدخل في ذلك) المحرم الانتفاع (النجس الا ما خرج بالدليل من الكلب المعلم للصيد، و الزيت النجس لفائدة

ص: 104

الاستصباح تحت السماء.

و من المعلوم- بالاجماع و السيرة- جواز الانتفاع بهذه الكلاب منفعة محللة مقصودة اهم من منفعة الصيد، فيجوز بيعها لوجود القيد الذي اعتبره فيها.

و ان المنع من بيع النجس منوط بحرمة الانتفاع فينتفي بانتفائها.

و يؤيد ذلك كله: ما في التذكرة من ان المقتضي لجواز بيع كلب الصيد- اعني المنفعة- موجود في هذه الكلاب.

و عنه- رحمه اللّه- في موضع آخر

______________________________

الاستصباح تحت السماء) انتهى كلام ابن زهرة.

(و من المعلوم- بالاجماع و السيرة- جواز الانتفاع بهذه الكلاب منفعة محللة مقصودة اهم من منفعة الصيد) لان الحفظ و الحراسة و ما اشبه الكثير الابتلاء، اهم من منفعة صيد الغزال و نحوه لجماعة من الملوك و المترفين و من اشبههم (فيجوز بيعها) اي هذه الكلاب (لوجود القيد الذي اعتبره) ابن زهرة و القيد هو الانتفاع (فيها) اي في هذه الكلاب الثلاثة.

(و) يظهر من كلامه- رحمه اللّه- (أن المنع من بيع النجس منوط بحرمة الانتفاع فينتفي) المنع (بانتفائها) اي بانتفاء حرمة الانتفاع.

(و يؤيد ذلك) الذي ذكرناه من جواز بيع هذه الكلاب (كله:

ما في التذكرة من ان المقتضي لجواز بيع كلب الصيد- اعني المنفعة- موجود في هذه الكلاب) فقد فهم العلامة من «كلب الصيد» المثال، لا الخصوصية.

(و عنه) اي عن العلامة (- رحمه اللّه- في موضع آخر) الاستدلال

ص: 105

ان تقدير الدية لها تدل على مقابلتها بالمال و ان ضعف الاول برجوعه الى القياس و الثاني بان الدية لو لم تدل على عدم التملك، و الا لكان الواجب القيمة كائنة ما كانت لم تدل على التملك لاحتمال كون الدية من باب تعيين غرامة معينة لتفويت شي ء ينتفع به، لا لاتلاف مال كما في اتلاف الحر.

______________________________

بدليل آخر هو «خامس الادلة»- التي اشرنا إليها في صدر المبحث- و هو: (ان تقدير الدية لها تدل على مقابلتها بالمال) اذ لو لا كونها مالا لم تكن لها دية، فالدية تدل على المالية، و المالية توجب جواز البيع.

(و ان ضعف الاول) اي كون المقتضي موجودا في هذه الكلاب (برجوعه الى القياس) لقياس الكلاب الثلاثة بكلب الصيد، و لكن الانصاف انه من باب كشف المناط القطعي، لا القياس (و) ضعف (الثاني) اي انكشاف جواز البيع من جعل الدية لهذه الكلاب (بان الدية لو لم تدل على عدم التملك) فلا يصح بيعه، لأنه ليس بملك (و الا) فلو كان ملكا (لكان الواجب) جعل (القيمة) على من اتلف الكلب (كائنة ما كانت) القيمة، سواء كانت اكثر من الدية أم مساوية أم اقل (لم تدل) الدية- و هذا مربوط بقوله: «لو لم تدل» (على التملك) لهذه الكلاب (لاحتمال كون الدية من باب تعيين غرامة معينة لتفويت شي ء ينتفع به، لا) ان الدية انما هي (لاتلاف مال) حتى يستدل بالدية على كون الكلب مالا، ليصح بيعه (كما في اتلاف الحر) فان الدية انما هي للجناية، لا لان الحر مال.

ص: 106

و نحوهما في الضعف دعوى انجبار المرسلة بدعوى الاتفاق المتقدم عن الشيخ، و العلامة، و الشهيد- قدس سرهم- لوهنها- بعد الاغماض عن معارضتها بظاهر عبارتي الخلاف و الغنية، من الاجماع على عدم جواز بيع غير المعلم من الكلاب- بوجدان الخلاف العظيم من اهل الرواية و الفتوى.

نعم لو ادعي الاجماع امكن منع وهنها بمجرد الخلاف و لو من الكثير بناء على ما سلكه بعض متأخري المتأخرين في الاجماع، من كونه منوطا بحصول الكشف

______________________________

(و نحوهما) اي نحو دليلي العلامة: اي المناط و الدية (في الضعف دعوى انجبار المرسلة) اي مرسلة المبسوط (بدعوى الاتفاق المتقدم عن الشيخ، و العلامة، و الشهيد- قدس سرهم- لوهنها) اي ضعف دعوى الاتفاق (- بعد الاغماض عن معارضتها بظاهر عبارتي الخلاف و الغنية، من الاجماع على عدم جواز بيع غير المعلم من الكلاب-) فكيف يمكن دعوى الاجماع على الجواز بعد الاجماع على عدم الجواز (بوجدان الخلاف العظيم من اهل الرواية و الفتوى) كما تقدمت الاشارة الى ذلك. و قوله «بوجدان» متعلق بقوله «لوهنها».

(نعم لو ادعي الاجماع) على الجواز لم يكن مخالفة كثير من الفقهاء موهنة للاجماع، و هذا بخلاف دعوى «الاتفاق» فان مخالفة جماعة، تدل على انه لا اتفاق في المقام، و ذلك لانه لو ادعي الاجماع (امكن منع وهنها) اي وهن دعوى الاجماع (بمجرد الخلاف) فيقال: وجود الخلاف لا يوهن دعوى الاجماع (و لو من الكثير) من الفقهاء (بناء على ما سلكه بعض متأخري المتأخرين في الاجماع، من كونه منوطا بحصول الكشف) عن

ص: 107

من اتفاق جماعة و لو خالفهم اكثر منهم.

مع ان دعوى الاجماع ممن لم يصطلح الاجماع على مثل هذا الاتفاق لا يعبأ بها عند وجدان الخلاف.

و اما شهرة الفتوى بين المتأخرين فلا تجبر الرواية خصوصا

______________________________

رأي المعصوم عليه السلام (من اتفاق جماعة و لو خالفهم اكثر منهم) اما دعوى الاتفاق فيوهنها و لو مخالفة جزئية، اذن فلا اتفاق في المسألة على جواز بيع الكلاب الثلاثة.

(مع ان دعوى الاجماع ممن لم يصطلح الاجماع على مثل هذا الاتفاق) الذي يخالفه جماعة كثيرة (لا يعبأ بها) اي بدعوى الاجماع (عند وجدان الخلاف).

و الحاصل: ان دعوى الشيخ و العلامة و الشهيد الاتفاق على جواز البيع يرد عليه: أولا- انه لا اتفاق. و ثانيا- سلمنا ان مرادهم الاجماع- من لفظة الاتفاق- لكن الاجماع الذي يخالفه كثير ليس لديهم حجة، و انما مثل هذا الاجماع حجة عند من يرى الكشف، و هؤلاء المشايخ الثلاثة رحمهم اللّه- لا يرون الكشف.

(و) ان قلت: سلمنا عدم الاتفاق و عدم الاجماع، و لكن المشهور بين المتأخرين جواز بيع الكلاب المذكورة. و بهذه الشهرة تنجبر مرسلة المبسوط!

قلت: (اما شهرة الفتوى بين المتأخرين فلا تجبر الرواية خصوصا

ص: 108

مع مخالفة كثير من القدماء و مع كثرة العمومات الواردة في مقام الحاجة و خلو كتب الرواية المشهورة عنها حتى ان الشيخ لم يذكرها في جامعيه.

و اما حمل كلمات القدماء على المثال ففي غاية البعد.

و اما كلام ابن زهرة المتقدم فهو مختل على كل حال

______________________________

مع مخالفة كثير من القدماء) فان الشهرة انما تكون جابرة اذا كانت بين القدماء. و هي انما تكون جابرة اذا كشفت عن حجية السند و المقام ليس كذلك، اذ أوّلا- الشهرة حاصلة بين المتأخرين. و ثانيا- مع مخالفة كثير من القدماء لا تكشف الشهرة عن حجية السند، اذ لو كان السند حجة لم يخالف الرواية اولئك الكثرة من الذين افتوا بالحرمة (و) على هذا فالمرسلة ليست بحجة خصوصا (مع كثرة العمومات) الناهية عن بيع الكلاب (الواردة في مقام الحاجة) بدون اشارة الى استثناء للكلاب الثلاثة (و) خصوصا مع (خلو كتب الرواية المشهورة عنها) اي عن هذه المرسلة (حتى ان الشيخ) المرسل لها في المبسوط (لم يذكرها) اي المرسلة (في جامعيه) للاخبار اي التهذيب و الاستبصار.

(و اما حمل كلمات القدماء) في استثنائهم كلب الصيد (على المثال) حتى يقال بانها لا تضر بالشهرة (ففي غاية البعد) اذ بناء الفقهاء على ذكر الجزئيات، فكيف يستثنون عن الكلب المحرم البيع كلب الصيد فقط دون غيره؟

(و اما كلام ابن زهرة المتقدم) الذي استشهد به على انه اراد من «كلب الصيد» المثال، لا الخصوصية (فهو مختل على كل حال) سواء

ص: 109

لانه استثنى الكلب المعلم عما يحرم الانتفاع به، مع ان الاجماع على جواز الانتفاع بالكافر. فحمل كلب الصيد على المثال لا يصحح كلامه.

الا ان يريد كونه مثالا و لو للكافر أيضا كما ان استثناء الزيت من باب المثال لسائر الادهان المتنجسة.

______________________________

كان مراده بكلب الصيد خصوص الصيود، او الاعم منه و من الكلاب المعلمة- بان يكون قصده المثال- و ذلك لأنه- رحمه اللّه- منع الانتفاع بالنجس، و استثنى: الصيود فقط، مع ان «العبد الكافر» أيضا مستثنى اللهم الا ان يقال: ان مراده بكلب الصيد اعم من العبد الكافر أيضا، و الى هذا اشار المصنف بقوله: (لانه استثنى الكلب المعلم عما يحرم الانتفاع به) لكونه نجسا، و معناه: عدم جواز الانتفاع بالعبد الكافر أيضا لانه نجس (مع ان الاجماع) اي مع تحقق الاجماع (على جواز الانتفاع بالكافر) و لو قال المصنف «مع وجود الاجماع .. الخ» كان الكلام اقرب الى الفهم. و على كل حال (فحمل كلب الصيد) في كلام ابن زهرة (على المثال) ليشمل الكلاب الثلاثة (لا يصحح كلامه) اذ فيه يبقى نقص آخر، و هو عدم استثناء العبد الكافر، مع أنه مستثنى اجماعا.

(الا ان يريد) ابن زهرة (كونه) اي الكلب المعلم (مثالا و لو للكافر أيضا) و هذا بعيد جدا (كما ان استثناء الزيت من باب المثال لسائر الادهان المتنجسة) هذا تمثيل لارادة ابن زهرة من «المعلم» المثال، حتى بالنسبة الى الكافر، فان الكلب و الكافر من قبيل الزيت و سائر الادهان، فكما ان استثناء الزيت معناه الاعم من سائر الادهان المتنجسة، كذلك

ص: 110

هذا و لكن الحاصل ممن شهرة الجواز بين المتأخرين بضميمة أمارات الملك في هذه الكلاب يوجب الظن بالجواز حتى في غير هذه الكلاب مثل كلاب الدور و الخيام، فالمسألة لا تخلو عن اشكال و ان كان الاقوى بحسب الادلة و الاحوط في العمل هو المنع. فافهم.

«الثالثة»- الاقوى جواز المعاوضة على العصير العنبي اذا غلا و لم يذهب ثلثاه و ان كان نجسا

______________________________

استثناء الكلب المعلم معناه الاعم منه و من الكلاب الثلاثة و من الكافر.

(هذا) تمام الكلام في وجه عدم استثناء الثلاثة (و لكن الحاصل من شهرة الجواز بين المتأخرين) لبيع الكلاب الثلاثة (بضميمة أمارات الملك في هذه الكلاب) كالدية، و حق الاختصاص، و الانتفاع الذي هو معيار الملك، و ما اشبه (يوجب الظن بالجواز) للمعاملة (حتى في غير هذه الكلاب) الثلاثة (مثل كلاب الدور، و الخيام) و الاجرام. و على كل حال (فالمسألة لا تخلو عن اشكال) لما عرفت (و ان كان الاقوى بحسب الادلة) المتقدمة (و الاحوط في العمل) من باب «اخوك دينك فاحتط لدينك» (هو المنع) عن بيع هذه الكلاب (فافهم) لان الجواز قريب جدا، بعد اختلاف القدماء، و ذهاب المشهور من المتأخرين، و وجود رواية التحف، و المرسلة، و المناط. و اللّه العالم.

( «الثالثة»-) من المسائل الاربع المستثناة من بيع الاعيان النجسة (الاقوى جواز المعاوضة على العصير العنبي اذا غلا و لم يذهب ثلثاه) اما بعد ذهاب الثلثين فطاهر حلال (و ان كان نجسا) على خلاف في ذلك،

ص: 111

لعمومات البيع و التجارة الصادقة عليها بناء على انه مال قابل للانتفاع به بعد طهارته بالنقص، لأصالة بقاء ماليته و عدم خروجه عنها بالنجاسة.

غاية الامر انه مال معيوب قابل لزوال عيبه و لذا لو غصب عصيرا فأغلاه حتى حرم و نجس لم يكن في حكم التالف بل وجب عليه رده

______________________________

فمنهم من يقول بالحرمة فقط، و منهم من يقول بالحرمة و النجاسة، و انما تجوز المعاوضة عليه (لعمومات البيع و التجارة) كقوله سبحانه «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» و قوله تعالى «تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ» (الصادقة) تلك العمومات (عليها) اي على معاوضة العصير و ان غلا و لم يذهب ثلثاه (بناء على انه) اي العصير (مال قابل للانتفاع به بعد طهارته بالنقص) اي بنقص ثلثيه.

نعم لو قلنا: انه بالنجاسة يخرج عن المالية، و انما يرجع إليها بعد ذهاب الثلثين، لم يجز بيعه، اذ لا بيع إلا في ملك. و انما نقول بانه مال قبل ذهاب الثلثين (لاصالة بقاء ماليته و عدم خروجه عنها) اي عن المالية (بالنجاسة) الطارئة.

(غاية الامر انه مال معيوب) لكونه نجسا (قابل لزوال عيبه) لانه قابل للطهارة (و لذا) الذي ذكرنا من انه يبقى على ماليته بعد النجاسة (لو غصب عصيرا فأغلاه حتى حرم و نجس) و لم يذهب ثلثاه (لم يكن في حكم التالف) و لو سقط عن المالية كان اللازم القول برد بدله (بل وجب عليه) اي على الغاصب (رده) بنفسه لانه عين مال المغصوب منه

ص: 112

و وجب عليه غرامة الثلثين و اجرة العمل فيه حتى يذهب الثلثان، كما صرح به في التذكرة معللا لغرامة الاجرة بانه رده معيبا و يحتاج زوال العيب الى خسارة، و العيب من فعله فكانت الخسارة عليه.

نعم ناقشه في جامع المقاصد في الفرق بين هذا و بين ما لو غصبه عصيرا فصار خمرا، حيث حكم فيه بوجوب غرامة مثل العصير، لان المالية قد فاتت تحت يده فكان عليه ضمانها كما لو تلفت.

لكن لا يخفى

______________________________

(و وجب عليه غرامة الثلثين) الذين يذهبان لاجل طهارته و حليته (و اجرة العمل فيه حتى يذهب الثلثان) لانه نقصه بهذا المقدار (كما صرح به في التذكرة) في حال كون العلامة (معللا لغرامة الاجرة بانه رده معيبا و يحتاج زوال العيب الى خسارة) المالك (و العيب) الحاصل (من فعله) اي فعل الغاصب (فكانت الخسارة عليه) نعم لو لم يحتج ذهاب الثلثين الى اجرة، و لم تنقص قيمته بالثلثين الذاهبين، لم يكن عليه شي ء، و انما يؤدب للغصب.

(نعم ناقشه) اي العلامة (في جامع المقاصد في الفرق) الذي ذكره العلامة (بين هذا) الذي ذكره في العصير (و بين ما لو غصبه عصيرا فصار خمرا، حيث حكم) العلامة (فيه بوجوب غرامة مثل العصير لان المالية) للعصير بصيرورته خمرا (قد فاتت تحت يده) اي يد الغاصب (فكان عليه ضمانها) اي ضمان المالية (كما لو تلفت) المالية اطلاقا.

(لكن لا يخفى) عدم ورود اشكال جامع المقاصد على العلامة لوجود

ص: 113

الفرق الواضح بين العصير اذا غلا، و بينه اذا صار خمرا، فان العصير بعد الغليان مال عرفا و شرعا، و النجاسة انما تمنع من المالية اذا لم تقبل التطهير كالخمر فانه لا يزول نجاستها الا بزوال موضوعها، بخلاف العصير فانه تزول نجاسته بنقصه، نظير طهارة ماء البئر بالنزح.

و بالجملة فالنجاسة فيه و حرمة الشرب عرضية تعرضانه في حال متوسط بين حالتي طهارته، فحكمه حكم النجس بالعرض القابل للتطهير.

فلا يشمله قوله عليه السلام في رواية تحف العقول «او شي ء من وجوه

______________________________

(الفرق الواضح بين العصير اذا غلا، و بينه) اي العصير (اذا صار خمرا) و ذلك (فان العصير بعد الغليان مال عرفا و شرعا، و النجاسة انما تمنع من المالية اذا لم تقبل التطهير) كنجاسة الدهن مثلا اذا لم يصلح لشي ء آخر (كالخمر فانه لا تزول نجاستها الا بزوال موضوعها) اي انعدام الخمر حقيقة او بالانقلاب (بخلاف العصير فانه تزول نجاسته بنقصه نظير طهارة ماء البئر بالنزح) بناء على نجاسة البئر.

(و بالجملة) الفرق ان العصير يبقى عصيرا لكنه نجس قابل للطهارة بخلاف الخمر فانها نجسة غير قابلة للطهارة، الا اذا زالت خمريتها (فالنجاسة فيه) اي في العصير (و حرمة الشرب) قبل ذهاب الثلثين (عرضية تعرضانه في حال متوسط بين حالتي طهارته) قبل الغليان و بعد ذهاب الثلثين (فحكمه) اي العصير (حكم النجس بالعرض القابل للتطهير).

(ف) ان قلت: اذا سلمتم نجاسته شمله رواية تحف العقول و غيرها: قلت:

كلا (لا يشمله قوله عليه السلام في رواية تحف العقول «او شي ء من وجوه

ص: 114

النجس» و لا يدخل تحت قوله عليه السلام: «اذا حرم اللّه شيئا حرم ثمنه» لأن الظاهر منهما العنوانات النجسة و المحرمة بقول مطلق، لا ما تعرضانه في حال دون حال، فيقال: يحرم في حال كذا و ينجس في حال كذا.

و بما ذكرنا يظهر عدم شمول معقد اجماع التذكرة على «فساد بيع نجس العين» للعصير، لان المراد بالعين هي الحقيقة و العصير ليس كذلك.

______________________________

النجس» و لا يدخل تحت قوله عليه السلام «اذا حرم اللّه شيئا حرم ثمنه») و انما لا يشمله الحديثان (لان الظاهر منهما العنوانات النجسة و المحرمة) نجاسة و حرمة (بقول مطلق) بان يكون نجسا و حراما، ما دام يصدق عليه العنوان الخاص، كالعذرة مثلا نجس حرام ما دام عذرة، اما اذا استحالت رمادا خرجت عن اسم العذرة مثلا (لا ما تعرضانه) اي النجاسة و الحرمة (في حال دون حال) مع بقاء نفس العنوان (فيقال) العصير (يحرم في حال كذا و ينجس في حال كذا) كالغليان قبل ذهاب الثلثين، و لا ينجس و لا يحرم بعد الذهاب، او قبل الغليان.

(و بما ذكرنا) من ان المراد بالوجوه العنوانات النجسة لا في مثل العصير (يظهر عدم شمول معقد اجماع التذكرة «على فساد بيع نجس العين» للعصير) المراد بمعقد الاجماع «لفظ الجملة التي ادعى الاجماع عليها» فان الاجماع قد يكون بلا معقد، فيما اذا قال المدعي مثلا «على المسألة اجماع» و قد يكون له معقد كما لو قال «يحرم العصير اجماعا» و انما قلنا بعدم شمول اجماع التذكرة (لان المراد بالعين) في كلام العلامة حيث قال «نجس العين» (هي الحقيقة) النجسة (و العصير ليس كذلك) اي

ص: 115

و يمكن ان ينسب جواز بيع العصير الى كل من قيد الاعيان النجسة المحرم بيعها- بعدم قابليتها للتطهير.

و لم اجد مصرحا بالخلاف، عدا ما في مفتاح الكرامة من ان الظاهر المنع، للعمومات المتقدمة و خصوص بعض الاخبار، مثل قوله عليه السلام «و ان غلا فلا يحل بيعه» و رواية ابي كهمس «اذا بعته قبل ان يكون خمرا و هو حلال فلا بأس» و مرسل ابن الهيثم «اذا تغير عن حاله و غلا فلا

______________________________

ليس من الحقائق النجسة- مثل الدم و المني- و انما تعرض النجاسة عليه في حالة متوسطة بين حالتي الطهارة كما عرفت.

(و يمكن أن ينسب جواز بيع العصير الى كل من قيد الاعيان النجسة المحرم بيعها بعدم قابليتها للتطهير) فان المفهوم من هذا القيد انه لو كان الشي ء قابلا للتطهير جاز بيعه، و من المعلوم ان العصير قابل للتطهير بالتثليث فيجوز بيعه.

(و لم اجد مصرحا بالخلاف) بان لا يجوز بيع العصير (عدا ما في مفتاح الكرامة من ان الظاهر) من الأدلة (المنع، للعمومات المتقدمة) كخبر تحف العقول «او شي ء من وجوه النجس» و غيره (و خصوص بعض الاخبار مثل قوله عليه السلام «و ان غلا) العصير (فلا يحل بيعه» و رواية ابي كهمس «اذا بعته قبل ان يكون خمرا و هو حلال فلا بأس») المفهوم منه البأس في بيعه اذا صار خمرا، و ذلك يكون فيما اذا غلا و لم يذهب ثلثاه (و مرسل ابن الهيثم «اذا تغير) العصير (عن حاله و غلا فلا

ص: 116

خير فيه»، بناء على ان الخير المنفي يشمل البيع.

و في الجميع نظر، اما في العمومات فلما تقدم.

و اما الادلة الخاصة فهي مسوقة للنهي عن بيعه بعد الغليان- نظير بيع الدبس و الخل- من غير اعتبار اعلام المكلف.

______________________________

خير فيه»، بناء على ان الخير المنفي يشمل البيع) و قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية حيث سأله عن البختج قال عليه السلام «خمر لا تشربه» و من المعلوم عدم جواز بيع الخمر. و قوله عليه السلام في صحيح ابن الحجاج «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم الخمر من خمسة: العصير من الكرم ...»، الى غير ذلك.

اذن فالمتحصل ان الادلة على تحريم بيع العصير خمسة:

«الاول»- العمومات.

«الثاني»- انه ليس بمال.

«الثالث»- انه نجس و لا يجوز بيع النجس.

«الرابع»- الروايات الخاصة المانعة عن بيعه.

«الخامس»- ما دل على انه خمر بضميمة وضوح حرمة بيع الخمر (و في الجميع نظر، اما في العمومات فلما تقدم) من ان «وجوه النجس» و نحوه لا يشمل العصير، لانه ليس من وجوه النجس.

(و اما الادلة الخاصة) التي تقدم بعضها في كلام المصنف (فهي مسوقة للنهي عن بيعه بعد الغليان) بيعا مطلقا (نظير بيع الدبس و الخل من غير اعتبار اعلام المكلف).

ص: 117

و في الحقيقة هذا النهي كناية عن عدم جواز الانتفاع ما لم يذهب ثلثاه، فلا يشمل بيعه بقصد التطهير مع اعلام المشتري، نظير بيع الماء النجس.

______________________________

و هذا انما نقول به لانصراف الاخبار إليه، و يؤيّده ما دل على جواز اخذ الخمر و تخليله كما في رواية ابن ابي عمير كما يؤيده ما دل من رواية التحف و نحوها من ان ما فيه وجها من وجوه الصلاح جاز المعاملة عليه فلا يستشكل على المتن بان ما ذكرتموه تقييد للنص المطلق بدون دليل!.

(و في الحقيقة هذا النهي كناية عن عدم جواز الانتفاع ما لم يذهب ثلثاه) انتفاعا محرما في الشريعة (فلا يشمل بيعه بقصد التطهير مع اعلام المشتري نظير بيع الماء النجس) فانه لا يجوز بدون الاعلام.

هذا مضافا الى دعوى ضعف السند في الاخبار الثلاثة المذكورة في المتن. و ان الظاهر من خبرين منها الغليان بنفسه او قبل الثلثين. فخبر ابي كهمس هكذا «سأل رجل أبا عبد اللّه عن العصير فقال: لي كرم و انما اعصره كل سنة، و اجعله في الدنان، و ابيعه قبل ان يغلي. قال لا بأس. و ان غلا فلا يحل بيعه» و خبر ابن الهيثم هكذا «سألته عن العصير يطبخ بالنار حتى يغلي من ساعته أ يشربه صاحبه؟ فقال عليه السلام: اذا تغير عن حاله و غلا فلا خير فيه».

و اما كونه نجسا، فقد عرفت سابقا انه لا دليل على ان كل نجس لا يجوز بيعه، بالإضافة الى الاشكال في نجاسته، كما يظهر لمن راجع كتاب الطهارة.

و اما انه ليس بمال، ففيه انه خلاف العرف و الاستصحاب.

و اما رواية البختج ففيه اضطراب المتن، اذ رويت الرواية في النسخ

ص: 118

و بالجملة فلو لم يكن الا استصحاب ماليته و جواز بيعه كفى.

و لم اعثر على من تعرض للمسألة صريحا، عدا جماعة من المعاصرين.

نعم قال المحقق الثاني- في حاشية الارشاد في ذيل قول المصنف «و لا بأس ببيع ما عرض له التنجيس مع قبولها التطهير» بعد الاستشكال بلزوم عدم جواز بيع الاصباغ المتنجسة بعدم قبولها التطهير، و دفع ذلك بقبولها له بعد الجفاف- قال: و لو تنجس العصير و نحوه فهل

______________________________

الصحيحة بدون لفظة «الخمر».

و اما رواية ابن الحجاج، ففيها ان المستفاد منها كون الخمر تؤخذ من الكرم، لا ان ما يؤخذ من الكرم يكون خمرا.

(و بالجملة فلو لم يكن الا استصحاب ماليته و جواز بيعه كفى) في المقام لشمول ادلة البيع و التجارة له و قد عرفت وهن أدلة القائل بالمنع.

(و لم اعثر على من تعرض للمسألة صريحا، عدا جماعة من المعاصرين).

(نعم) تعرض لها الكركي- قدس سره- فقد (قال المحقق الثاني في حاشية الارشاد) للعلامة «رحمه اللّه» (في ذيل قول المصنف «و لا بأس ببيع ما عرض له التنجيس مع قبولها التطهير»- بعد الاستشكال) من المحقق الثاني (بلزوم) كلام العلامة (عدم جواز بيع الاصباغ المتنجسة ب) سبب (عدم قبولها التطهير، و) بعد (دفع ذلك) الاشكال (بقبولها) اي الاصباغ المتنجسة (له) اي للتطهير (بعد الجفاف) فلا يستشكل بالأصباغ على كلام العلامة (قال) المحقق الثاني، بعد ذلك الكلام، و تكرار لفظة «قال» في كلام الماتن لبعد «قال» الاول، عن «المقول»: (و لو تنجس العصير و نحوه فهل

ص: 119

يجوز بيعه على من يستحله؟ فيه اشكال. ثم ذكر ان الاقوى العدم لعموم «و لا تعاونوا على الاثم و العدوان» انتهى.

و الظاهر انه اراد بيع العصير للشرب من غير التثليث، كما يظهر من ذكر المشتري و الدليل، فلا يظهر منه حكم بيعه على من يطهره.

«الرابعة» يجوز المعاوضة على الدهن المتنجس،
اشارة

______________________________

يجوز بيعه على من يستحله؟ فيه اشكال) من جهة الاستحلال، فلا بأس و من جهة انه ليس بمال فلا يجوز. (ثم ذكر ان الاقوى العدم) اي عدم جواز البيع (لعموم: و لا تعاونوا على الاثم و العدوان) فان بيع العصير للمستحل تعاون له على شربه، و الشرب حرام حتى على المستحل، لان الناس مكلفون بالفروع و ان كانوا منحرفين في العقيدة. (انتهى) كلام المحقق.

(و) لكن كلام المحقق لا يدل على حرمة البيع لمن يريد التطهير، ليكون منافيا لما ذكرناه اذ (الظاهر انه اراد بيع العصير للشرب من غير التثليث كما يظهر) ذلك (من ذكر) المحقق الثاني (المشتري) المستحل (و) من ذكر (الدليل) اذ لا تعاون على الاثم اذا طهره ثم شربه (فلا يظهر منه) اي من المحقق الثاني (حكم بيعه على من يطهره) و انه حرام او حلال، بل ربما يقال بظهور تجويزه له، اذ تخصيص المنع بتلك الصورة دليل على عدم قوله بالتحريم في صورة البيع بقصد التطهير.

( «الرابعة»)- من المسائل الاربع المستثناة من بيع النجس و المتنجس مسألة بيع الدهن المتنجس، فانه (يجوز المعاوضة على الدهن المتنجس،

ص: 120

على المعروف من مذهب الاصحاب.

و جعل هذا من المستثنى عن بيع الاعيان النجسة، مبني على المنع من الانتفاع بالمتنجس الا ما خرج بالدليل او على المنع من بيع المتنجس و ان جاز الانتفاع به نفعا مقصودا محللا.

______________________________

على المعروف من مذهب الاصحاب) بل عن الخلاف: دعوى الاجماع عليه. و ما دل على المنع من بيعه كقول علي عليه السلام- في خبر الجعفريات-: «ان كان ذائبا فلا يؤكل، يسرج به و لا يباع» و قول الكاظم عليه السلام- في خبر اخيه- «لا تدهن به و لا تبعه من مسلم» لا بد ان يحمل على البيع بدون الإعلام، جمعا بينه و بين ما دل على جواز البيع مع الاعلام، مما سيأتي من الاخبار.

(و) لا يخفى ان (جعل هذا) الدهن (من المستثنى عن بيع الاعيان النجسة مبني) على كون المراد في «المستثنى منه» بالاعيان:

الاعم من النجس و المتنجس. فكأنه قيل: «و كل نجس او متنجس لا ينتفع به منفعة محللة مقصودة- و لو كان له نفع محلل مقصود- لا يجوز بيعه، الا ما خرج بالدليل» و من المعلوم ان الدهن المتنجس حينئذ داخل في المستثنى منه، و يحتاج اخراجه الى الدليل.

و الحاصل ان هذا الاستثناء مبنى (على المنع من الانتفاع بالمتنجس) بجميع انحاء الانتفاع، بيعا او غير بيع (الا ما خرج بالدليل) فاذا جاز الانتفاع بشي ء، جاز بيعه، للتلازم بين الجوازين. (او) مبني (على المنع من بيع المتنجس، و ان جاز الانتفاع به نفعا مقصودا محللا).

ص: 121

و الا كان الاستثناء منقطعا، من حيث ان المستثنى منه «ما ليس فيه منفعة محللة مقصودة من النجاسات و المتنجسات».

و قد تقدم ان المنع عن بيع النجس فضلا عن المتنجس، ليس الا من حيث حرمة المنفعة المقصودة، فاذا فرض حلها فلا مانع من البيع.

و يظهر من الشهيد الثاني في المسالك خلاف ذلك، و ان جواز بيع الدهن

______________________________

و الحاصل: قد نقول «الانتفاع لا يجوز الا في الدهن» و قد نقول «البيع لا يجوز الا في الدهن».

(و الا) يكن المستثنى منه احد الامرين، بل كان هكذا «كل ما ليس له منفعة محللة مقصودة لا يجوز بيعه، الا الدهن» (كان الاستثناء منقطعا) اذ الدهن «فيه منفعة محللة مقصودة» فلا وجه لاستثنائه من «ما ليس فيه نفع» (من حيث ان المستثنى منه «ما ليس فيه منفعة محللة مقصودة من النجاسات و المتنجسات») و الدهن المستثنى ذو منفعة محللة مقصودة.

هذا (و) لكن المصنف يرى الاستثناء منقطعا، اذ (قد تقدم ان المنع عن بيع النجس فضلا عن المتنجس ليس الا من حيث حرمة المنفعة المقصودة فاذا فرض حلها) اي حلية المنفعة المقصودة، كالاستصباح بالدهن او صنعه صابونا او ما اشبه (فلا مانع من البيع).

(و) لكن (يظهر من الشهيد الثاني في المسالك خلاف ذلك) و أن الاستثناء متصل، لانه يرى عدم جواز بيع النجس و المتنجس مطلقا- اي و ان جاز الانتفاع بهما منفعة مقصودة- (و ان جواز بيع الدهن) المتنجس

ص: 122

للنص لا لجواز الانتفاع به، و الا لاطرد الجواز في غير الدهن أيضا.

و اما حرمة الانتفاع بالمتنجس الا ما خرج بالدليل، فسيجي ء الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى.

و كيف كان- فلا اشكال في جواز بيع الدهن المذكور. و عن جماعة الاجماع عليه في الجملة.

______________________________

في نظر الشهيد- رحمه اللّه- (للنص) الخاص الوارد بالجواز (لا لجواز الانتفاع به، و الا) فلو كان جواز بيع الدهن لجواز الانتفاع به (لاطرد الجواز في غير الدهن أيضا) كالخل النجس لبعض الامراض و ما اشبه، و حيث لا يطرد الجواز يتبين ان الجواز في الدهن للنص، لا لجواز الانتفاع.

(و اما حرمة الانتفاع بالمتنجس الا ما خرج بالدليل) و هي الكلية الاولى (فسيجي ء الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى).

و الحاصل: ان في المقام كليتين- ان صحت احداهما كان استثناء بيع الدهن متصلا-: الاولى:- «حرمة الانتفاع بالمتنجس الا ما خرج».

الثانية:- «حرمة بيع المتنجس الا ما خرج» و قد سبق منع الكلية الثانية اذ لا دليل على حرمة بيع المتنجس مطلقا، و سيأتي منع الكلية الاولى، اذ لا دليل على حرمة الانتفاع بالمتنجس، اذن فاستثناء الدهن منقطع، خلافا للمسالك الذي يراه متصلا، لانه يتسلم بالكلية الثانية.

(و كيف كان) الامر، سواء كان الاستثناء متصلا او منقطعا (فلا اشكال في جواز بيع الدهن المذكور. و عن جماعة الاجماع عليه في الجملة) بشرط الاستصباح تحت السماء او مطلقا مما سيأتي تفصيل الكلام فيه.

ص: 123

و الاخبار به مستفيضة.

«منها»- الصحيح عن معاوية بن وهب عن ابي عبد اللّه عليه السلام «قال: قلت له: جرذ مات في سمن او زيت او عسل؟ قال عليه السلام:

اما السمن و العسل فيؤخذ الجرذ و ما حوله، و الزيت يستصبح به- و زاد في المحكي عن التهذيب- انه يبيع ذلك الزيت، و يبينه لمن اشتراه ليستصبح به».

و لعل الفرق بين الزيت و أخويه من جهة كونه مائعا غالبا، بخلاف السمن و العسل. و في رواية اسماعيل الآتية اشعار بذلك.

______________________________

(و الاخبار به) اي بالجواز (مستفيضة).

( «منها»- الصحيح عن معاوية بن وهب عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: جرذ) و هي الفارة الكبيرة (مات في سمن او زيت او عسل) فما حكمها؟ قال عليه السلام: (اما السمن و العسل فيؤخذ الجرذ و ما حوله) و الباقي طاهر حلال، لانهما جامدان فلا تؤثر النجاسة الا فيما حول الجرذ (و) اما (الزيت) ف (يستصبح به) لانه مائع فتؤثر النجاسة في جميعه فلا يجوز اكله، و انما يجوز الانتفاع به بسائر انحاء الانتفاع التي منها الاستصباح. (و زاد في) الحديث (المحكي عن التهذيب انه يبيع ذلك الزيت، و يبينه لمن اشتراه، ليستصبح به).

(و) الى ما شرحنا من وجه الفرق اشار الماتن بقوله: (لعل الفرق بين الزيت و اخويه من جهة كونه مائعا غالبا، بخلاف السمن و العسل) و بذلك يقيد اطلاق جواز استعمال السمن و العسل بالجامد، كما يقيد اطلاق نجاسة الزيت بالمائع. (و في رواية اسماعيل الآتية اشعار بذلك) اي بوجه

ص: 124

«و منها»- الصحيح عن سعيد الاعرج عن ابي عبد اللّه عليه السلام في الفارة و الدابة تقع في الطعام و الشراب فتموت فيه؟ قال عليه السلام:

ان كان سمنا او عسلا او زيتا، فانه ربما يكون بعض هذا، فان كان الشتاء فانزع ما حوله و كله، و ان كان الصيف فادفعه حتى يسرج به.

«و منها»- ما عن أبي بصير في الموثق عن الفارة تقع في السمن او في الزيت فتموت فيه؟ قال عليه السلام: ان كان جامدا فاطرحها و ما حولها و يؤكل ما بقي، و ان كان ذائبا فاسرج به و اعلمهم

______________________________

الفرق بين الزيت و اخويه.

( «و منها»- الصحيح عن سعيد الاعرج عن ابي عبد اللّه عليه السلام في الفارة و الدابة) التي تتنجس بالموت (تقع في الطعام و الشراب فتموت فيه) فما حكم ذلك؟ (قال عليه السلام: ان كان) الطعام (سمنا او عسلا او زيتا، فانه ربما يكون) الطعام الذي مات فيه الحيوان (بعض هذا) الاقسام الثلاثة (فان كان الشتاء فانزع ما حوله) اي ما حول الحيوان الميت (و كله، و ان كان الصيف فادفعه حتى يسرج به) لانه ذائب و الذائب يتنجس بالحيوان، و يعرف حكم سائر اقسام الطعام و الشراب من هذه القاعدة التي ضربها الامام عليه السلام، فلا يكون جواب الامام عليه السلام ناقصا، كما ربما يزعم.

( «و منها»- ما عن ابي بصير في الموثق عن الفارة تقع في السمن او في الزيت فتموت فيه) فما حكمه؟ (قال عليه السلام: ان كان جامدا فاطرحها و ما حولها و يؤكل ما بقي، و ان كان ذائبا فاسرج به و اعلمهم) اي

ص: 125

اذا بعته.

«و منها»- رواية اسماعيل بن عبد الخالق، قال: سأله سعيد الاعرج السمان- و انا حاضر- عن السمن و الزيت و العسل تقع فيه الفارة فتموت كيف يصنع به؟ قال عليه السلام: اما الزيت فلا تبعه، الا ان تبين له فيبتاع للسراج، و اما الاكل فلا. و اما السمن فان كان ذائبا فكذلك، و ان كان جامدا- و الفارة في اعلاه- فيوخذ ما تحتها و ما حولها ثم لا بأس به، و العسل كذلك ان كان جامدا.

اذا عرفت هذا

فالاشكال يقع في مواضع:
اشارة

______________________________

المشترين (اذا بعته) و سيأتي الكلام في وجوب الاعلام.

( «و منها»- رواية اسماعيل بن عبد الخالق قال سأله) اي الامام عليه السلام (سعيد الاعرج السمان- و انا حاضر- عن السمن و الزيت و العسل تقع فيه الفارة فتموت كيف يصنع به؟) اي بما مات فيه الفارة (قال عليه السلام: اما الزيت فلا تبعه، الا ان تبين له) اي للمشتري (فيبتاع للسراج، و اما الاكل فلا) لانه نجس (و اما السمن فان كان ذائبا فكذلك) حاله حال الزيت (و ان كان جامدا- و الفارة في اعلاه) اذ لو كانت الفارة في الوسط او الاخير، اشكل الحكم بالطهارة، لظهور ذلك في كون السمن وقت وقوع الفارة كان ذائبا (فيوخذ ما تحتها و ما حولها) من الدهن (ثم لا بأس به، و العسل كذلك) كالسمن الجامد (ان كان جامدا) هذه جملة من النصوص الواردة في المسألة.

(اذا عرفت هذا فالاشكال) في بيع الدهن المتنجس (يقع في مواضع).

ص: 126

الأول- ان صحة- بيع هذا الدهن هل هي مشروطة باشتراط الاستصباح به صريحا، او يكفي قصدهما لذلك،

او لا يشترط احدهما؟ ظاهر الحلي في السرائر الاول، فانه- بعد ذكر جواز الاستصباح بالادهان المتنجسة جمع- قال: و يجوز بيعها بهذا الشرط عندنا. و ظاهر المحكي عن الخلاف الثاني حيث قال: جاز بيعه لمن يستصبح به تحت السماء، دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم و قال ابو حنيفة: يجوز مطلقا. انتهى.

و نحوه- مجردا عن دعوى الاجماع-

______________________________

(الاول-) من تلك المواضع (ان صحة بيع هذا الدهن) هل هي (مشروطة باشتراط الاستصباح به صريحا،) في كلام البائع (او يكفي قصدهما) اي البائع و المشتري (لذلك) الشرط (او لا يشترط احدهما؟) فيجوز بيعه مطلقا (ظاهر) ابن ادريس (الحلي في السرائر الاول) بان يشترط الاستصباح صريحا (فانه بعد ذكر جواز الاستصباح بالادهان المتنجسة جمع) اعم من الزيت و السمن (قال: و يجوز بيعها بهذا الشرط عندنا. و ظاهر المحكي عن الخلاف الثاني) اي يكفي القصد في جواز البيع (حيث قال: جاز بيعه لمن يستصبح به تحت السماء) و ظاهره: انه لو علم البائع ان المشتري يستصبح به و لو اتفاقا- لا من باب القصد الحالي- جاز البيع، ثم قال الشيخ: (دليلنا اجماع الفرقة و اخبارهم. و قال ابو حنيفة: يجوز) البيع (مطلقا)، و لو لمن لا يستصبح به (انتهى) كلام الشيخ في الخلاف.

(و نحوه) اي نحو هذا الكلام (- مجردا عن دعوى الاجماع-

ص: 127

عبارة المبسوط. و زاد انه لا يجوز بيعه الا لذلك. و ظاهره كفاية القصد.

و هو ظاهر غيره ممن عبر بقوله: جاز بيعه للاستصباح، كما في الشرائع و القواعد و غيرهما.

«نعم» ذكر المحقق الثاني ما حاصله: ان التعليل راجع الى الجواز يعني يجوز- لاجل تحقق فائدة الاستصباح- بيعه.

و كيف كان فقد صرح جماعة بعدم اعتبار قصد الاستصباح.

______________________________

عبارة المبسوط. و زاد) الشيخ في المبسوط (انه لا يجوز بيعه) اي الدهن المتنجس (الا لذلك) الاستصباح (و ظاهره كفاية القصد) و ان لم يشترط لفظا (و هو) اي انه يكفي القصد (ظاهر غيره) اي غير الشيخ (ممن عبر بقوله جاز بيعه للاستصباح، كما في الشرائع و القواعد) للعلامة.

(و غيرهما).

( «نعم» ذكر المحقق الثاني ما حاصله: ان التعليل) في قولهم «للاستصباح» (راجع الى الجواز) لا الى البيع (يعني يجوز) البيع (لاجل تحقق فائدة الاستصباح) في (بيعه) لا ان المعنى ان البيع اذا كان للاستصباح جاز. و معنى كلام المحقق الثاني: انه يجوز بيعه و لو لغير الاستصباح. و ذلك لوجود هذه الفائدة المحللة فيه، و ان صرفه المشتري في غير هذه الفائدة، كما انه يجوز بيع التمر لوجود فائدة الاكل فيه، و ان صرفه المشتري في الخمر.

(و كيف كان) الامر سواء كان «الاستصباح» علة لجواز البيع، او شرطا للبيع (فقد صرح جماعة بعدم اعتبار قصد الاستصباح) حين البيع.

ص: 128

و يمكن ان يقال باعتبار قصد الاستصباح اذا كانت المنفعة المحللة منحصرة فيه، و كان من منافعه النادرة التي لا تلاحظ في ماليته، كما في دهن اللوز و البنفسج و شبههما.

و وجهه: ان مالية الشي ء انما هي باعتبار منافعها المحللة المقصودة منه، لا باعتبار مطلق الفوائد غير الملحوظة في ماليته.

______________________________

(و يمكن ان يقال) بالتفصيل بين الادهان، باشتراط قصد الاستصباح في بعضها دون بعض، بان نقول (باعتبار قصد الاستصباح اذا كانت المنفعة المحللة منحصرة فيه) اي في الاستصباح (و كان) الاستصباح (من منافعه النادرة التي لا تلاحظ في ماليته، كما في دهن اللوز و البنفسج و شبههما) حيث ان الاستصباح بهذه الادهان منفعة نادرة لا تلاحظ في ماليتها، فان مالية هذه الادهان في الشرب و التمريخ و التقطير و ما اشبه، لا الاستصباح الذي هو اتلاف لها في نظر العرف.

(و وجهه) اي وجه اعتبار قصد الاستصباح- في صحة البيع- في هذه الادهان دون سواها: ان مالية الشي ء بمنافعه الغالبة، لا النادرة. فاذا ورد نص بجواز بيع ما له منافع نادرة، لا بد من حمل ذلك النص على صورة قصد تلك المنافع النادرة، و ذلك بخلاف الادهان التي منفعتها الغالبة الاستصباح فانها مال سواء قصد الاستصباح أم لا.

و الى هذا اشار الماتن بقوله: (ان مالية الشي ء انما هي باعتبار منافعها المحللة المقصودة منه) كالسمن للاكل.

(لا باعتبار مطلق الفوائد غير الملحوظة في ماليته) كالسمن لالقاء

ص: 129

و لا باعتبار الفوائد الملحوظة المحرمة. فاذا فرض ان لا فائدة في الشي ء محللة ملحوظة في ماليته فلا يجوز بيعه، لا على الاطلاق، لان الاطلاق ينصرف الى كون الثمن بإزاء المنافع المقصودة منه، و المفروض حرمتها فيكون اكلا للمال بالباطل.

و لا على قصد الفائدة النادرة المحللة، لان قصد الفائدة النادرة لا يوجب كون الشي ء مالا.

______________________________

العقرب فيه لتحصيل دهن العقرب مثلا.

(و لا باعتبار الفوائد الملحوظة المحرمة) كالدهن للافساد و اخذ الخمر مثلا (فاذا فرض ان لا فائدة في الشي ء) فائدة (محللة ملحوظة) عند العرف (في ماليته، فلا يجوز بيعه، لا) بيعا (على الاطلاق) بان يقول «بعتك الشي ء الفلاني» بدون تقييده باشتراط المنافع النادرة (لان الاطلاق ينصرف الى كون الثمن بإزاء المنافع المقصودة منه، و المفروض حرمتها) اي حرمة تلك المنافع، فلا يصح بيع دهن البنفسج النجس- بدون الاشتراط- إذ إطلاق البيع منصرف الى شرب هذا الدهن و المفروض حرمة شرب الدهن النجس (فيكون اكلا للمال بالباطل) فيشمله قوله تعالى: «وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ».

(و لا) يجوز أيضا بيعه (على قصد الفائدة النادرة المحللة) كقصد الاستصباح في دهن البنفسج (لان قصد الفائدة النادرة لا يوجب كون الشي ء مالا) و بدون ان يكون الشي ء مالا، يكون اكل المال بإزائه اكلا بالباطل.

ص: 130

«ثم» اذا فرض ورود النص الخاص على جواز بيعه- كما فيما نحن فيه- فلا بد من حمله على إرادة صورة قصد الفائدة النادرة، لان اكل المال حينئذ ليس بالباطل بحكم الشارع، بخلاف صورة عدم القصد، لان المال في هذه الصورة مبذول في مقابل المطلق المنصرف الى الفوائد المحرمة فافهم.

و حينئذ فلو لم يعلم المتبايعان جواز الاستصباح بهذا الدهن، و تعاملا من غير قصد الى هذه الفائدة، كانت المعاملة باطلة، لان المال مبذول مع الاطلاق

______________________________

( «ثم» اذا فرض ورود النص الخاص على جواز بيعه- كما فيما نحن فيه-) اي الدهن المتنجس (فلا بد من حمله) اي حمل النص (على إرادة صورة قصد الفائدة النادرة، لان اكل المال حينئذ) اي حين هذا القصد (ليس بالباطل بحكم الشارع) اي بسبب ان الشارع حكم بجواز بيعه (بخلاف صورة عدم القصد، لان المال في هذه الصورة) اي صورة عدم القصد (مبذول في مقابل) المثمن (المطلق المنصرف الى الفوائد المحرمة) هذا كله وجه قصد الاستصباح (فافهم) اذ بعد حكم الشارع بجواز البيع مطلقا، من دون تقييده بالقصد المذكور، لم يكن وجه لهذا التقييد، و الاعلام في الروايات ليس معناه القصد، فلو باع و أعلم- بناء على وجوب الاعلام- و لم يقصد كفى، بحكم الشارع بجواز ذلك.

(و حينئذ) اي حين كان اللازم القصد الى الفائدة النادرة المحللة (فلو لم يعلم المتبايعان جواز الاستصباح بهذا الدهن، و تعاملا من غير قصد الى هذه الفائدة) او علما بجواز الاستصباح، و لكن تعاملا من غير قصد لها، (كانت المعاملة باطلة لان المال) اي الثمن (مبذول مع الاطلاق)

ص: 131

في مقابل الشي ء باعتبار الفوائد المحرمة.

«ثم» لو علمنا عدم التفات المتعاملين الى المنافع اصلا امكن صحتها، لانه مال واقعي شرعا، قابل لبذل المال بإزائه و لم يقصد به ما لا يصح بذل المال بإزائه من المنافع المحرمة.

و مرجع هذا في الحقيقة، الى انه لا يشترط الا عدم قصد المنافع المحرمة فافهم

______________________________

في المعاملة- بدون قصد الاستصباح- (في مقابل الشي ء باعتبار الفوائد المحرمة) فيشمله «ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه».

( «ثم») هناك صورة ثالثة غير صورة المعاملة بقصد الاستصباح، او صورة المعاملة بقصد مطلق المنافع، و هي: ما (لو علمنا عدم التفات المتعاملين الى المنافع اصلا) لا المتعارفة المحرمة الموجبة للحرمة، و لا النادرة المحللة الموجبة للحلية (امكن) ان يقال ب (صحتها) اي صحة المعاملة (لانه مال واقعي شرعا، قابل لبذل المال بإزائه) و انما قال «شرعا» لانه ليس بمال عرفا، اذ المالية العرفية انما هي لاجل المنافع الغالبة، و المفروض انها محرمة، و انما اعتبره الشارع مالا لاجل تلك الفائدة النادرة، فهو مال شرعا (و لم يقصد به) حين المعاملة (ما لا يصح بذل المال بإزائه من المنافع المحرمة) لتكون المعاملة حراما، حيث ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه.

(و مرجع هذا) الذي ذكرنا من صحة البيع اذا قصدا المنافع النادرة او لم يلتفتا الى المنافع اصلا (في الحقيقة، الى انه لا يشترط الا عدم قصد المنافع المحرمة) سواء قصدا المنفعة النادرة، او لم يقصدا شيئا اصلا (فافهم) فان الشارع اذا أجاز البيع، بدون ان يقيد الجواز بقصد خاص او بعدم

ص: 132

و اما فيما كان الاستصباح منفعة غالبة، بحيث كان مالية الدهن باعتباره، كالادهان المعدة للاسراج، فلا يعتبر في صحة بيعه قصده اصلا، لان الشارع قد قرر ماليته العرفية بتجويز الاستصباح به، و ان فرض حرمة سائر منافعه، بناء.

______________________________

قصد خاص، لم يكن وجه للاشتراط، لا لاشتراط قصد المنافع النادرة، و لا لاشتراط عدم القصد الى شي ء، بل يصح البيع و ان قصد المنافع المحرمة و القصد و اللاقصد لا يوجبان كون شي ء مالا، او عدم مال. و ان شئت قلت: ان اطلاق اجازة الشارع في البيع يوجب عدم التقييد للجواز بقصد خاص او نحوه.

(و) هذا كله فيما اذا كان الاستصباح منفعة نادرة للدهن، كدهن البنفسج (اما فيما كان الاستصباح منفعة غالبة، بحيث كان مالية الدهن باعتباره) اي باعتبار الاستصباح، بان كان الناس يشترونه للاستصباح (كالادهان المعدة للاسراج، فلا يعتبر في صحة بيعه قصده) اي قصد الاستصباح (اصلا) و ان قلنا باشتراط القصد فيما كان الاستصباح منفعته النادرة. و انما نقول بعدم اعتبار قصد الاستصباح فيما المقام (لان الشارع قد قرر ماليته العرفية بتجويز الاستصباح به و ان فرض حرمة سائر منافعه) و ماله منفعة عرفية قررها الشارع يجوز بيعه مطلقا- بدون قصد خاص

«ثم» ان ما قلنا من «حرمة سائر المنافع» انما هو (بناء) على ان الاصل حرمة جميع منافع النجس الا ما خرج بالدليل، فلا يجوز

ص: 133

على اضعف الوجهين من وجوب الاقتصار في الانتفاع بالنجس على مورد النص.

و كذا- اذا كان الاستصباح منفعة مقصودة مساوية لمنفعة الاكل المحرم كالالية و الزيت و عصارة السمسم، فلا يعتبر قصد المنفعة المحللة فضلا عن اشتراطه، اذ يكفي في ماليته وجود المنفعة المقصودة المحللة.

غاية الامر كون حرمة منفعته الاخرى المقصودة

______________________________

جعل الدهن النجس صابونا، او التمريخ به او تدهين السفينة و نحوها. و هذا الوجه ضعيف، اما بناء على ان الاصل حلية جميع المنافع الا ما خرج بالدليل، فيجوز جميع منافع الدهن الا الاكل. و هذا الوجه هو الاقوى، فحرمة سائر منافع الدهن- غير الاستصباح- انما هي بناء (على اضعف الوجهين من وجوب الاقتصار في الانتفاع بالنجس على مورد النص) كالاستصباح في باب الدهن.

(و كذا-) عطف على قوله «فيما كان الاستصباح منفعة غالبة» اي لا يلزم قصد شي ء فيما (اذا كان الاستصباح منفعة مقصودة) من الدهن (مساوية لمنفعة الاكل المحرم، كالالية و الزيت و عصارة السمسم، فلا يعتبر) في بيع هذه الادهان (قصد المنفعة المحللة) في صحة البيع (فضلا عن اشتراطه) اي اشتراط ان يستصبح به، عند البيع، اشتراطا لفظيا (اذ يكفي في ماليته) اي مالية مثل هذا الدهن (وجود المنفعة المقصودة المحللة) و المفروض وجود مثل هذه المنفعة.

(غاية الامر كون حرمة منفعته الاخرى) اي الاكل (المقصودة)

ص: 134

نقصا فيه يوجب الخيار للجاهل.

«نعم» يشترط عدم اشتراط المنفعة المحرمة، بان يقول: بعتك بشرط ان تأكله و الا فسد العقد بفساد الشرط، بل يمكن الفساد و ان لم نقل بافساد الشرط الفاسد، لان مرجع الاشتراط في هذا الفرض الى تعيين المنفعة المحرمة عليه، فيكون اكل الثمن اكلا بالباطل

______________________________

أيضا للعرف (نقصا فيه يوجب الخيار للجاهل) بوجود هذا النقص، اذ الذي يصح ان ينتفع به نفعين، اذا سقط احد نفعيه شرعا او عرفا كان ذلك نقصا فيه. بل النجاسة بنفسها نقص حتى في الدهن المعد للاستصباح، اذ العرف لا يرغب في مثله لابتلائه بنجاسة الآلة و ما باشره.

و الحاصل: يصح اطلاق البيع ( «نعم» يشترط) في صحة البيع (عدم اشتراط المنفعة المحرمة، بان يقول: بعتك) هذا الدهن النجس (بشرط ان تأكله و الا فسد العقد، ب) سبب (فساد الشرط) بناء على ان الشرط الفاسد مفسد (بل يمكن الفساد و ان لم نقل بافساد الشرط الفاسد) للعقد (لان مرجع الاشتراط في هذا الفرض) اي بيع النجس بشرط أكله- مثلا- (الى تعيين لمنفعة المحرمة عليه، فيكون اكل الثمن) بإزائه (اكلا) للمال (بالباطل). و هذا بخلاف سائر الشرائط الفاسدة كأن يشترط في ضمن البيع شرب المشتري للخمر مثلا فانه شرط فاسد، و لكنه لا يوجب اندراج المعاملة تحت كلية «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» اذ الثمن في مقابل المال، و انما الشرط الخارجي باطل. بخلاف المقام، فان الشرط يوجب كون المال بإزاء الشي ء المحرم استعماله، فيشمله

ص: 135

لان حقيقة النفع العائد الى المشتري بإزاء ثمنه هو النفع المحرم فافهم.

بل يمكن القول بالبطلان بمجرد القصد و ان لم يشترط في متن العقد.

و بالجملة- فكل بيع قصد فيه منفعة محرمة بحيث قصد اكل الثمن او بعضه بإزاء المنفعة المحرمة، كان باطلا، كما يومي الى ذلك

______________________________

«إن اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه» (لان حقيقة النفع العائد الى المشتري) و هو نفع الدهن المتنجس- و المراد بنفعه اكله، حسب الشرط- فالاكل للنجس هو الشي ء العائد الى المشتري (بإزاء ثمنه) و (هو النفع المحرم) الذي لا يكون المال بإزائه (فافهم) بان الشرط لا يوجب عدم النفع المحلل في الدهن، و اذا لم يكن الثمن بإزاء المحرم، بل بإزاء المحلل، فالكلام في صحة العقد او بطلانه هو الكلام في كل شرط فاسد، فان قلنا بان الشرط الفاسد مفسد، قلنا به في المقام، و الا كان مقتضى القاعدة صحة المعاملة و فساد الشرط فقط.

(بل يمكن القول بالبطلان) للمعاملة (بمجرد القصد) من البائع، لكون البيع واقعا بملاحظة النفع المحرم- بأن قصد بيع الدهن المتنجس للاكل- (و ان لم يشترط) الاكل- مثلا- (في متن العقد) و ذلك لما عرفت من ان القصد يوجب ان يكون الثمن المأخوذ، بإزاء الشي ء المحرم، فيشمله «ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه» و «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ».

(و بالجملة) هذا القصد مبطل للمعاملة (فكل بيع قصد فيه منفعة محرمة بحيث قصد اكل الثمن، او بعضه بإزاء المنفعة المحرمة، كان) ذلك البيع (باطلا كما يومي الى ذلك) اي بطلان البيع المقصود فيه المحرم

ص: 136

ما ورد في تحريم شراء الجارية المغنية و بيعها.

و صرح في التذكرة بان الجارية المغنية اذا بيعت باكثر مما يرغب فيها لو لا الغناء- فالوجه التحريم. انتهى.

«ثم» ان الاخبار المتقدمة خالية عن اعتبار قصد الاستصباح، لان موردها مما يكون الاستصباح فيه منفعة مقصودة منها

______________________________

- و ان كان للمبيع منفعة محللة- (ما ورد في تحريم شراء الجارية المغنية و بيعها) مع ان المنافع المحللة للجارية كثيرة.

لكن حيث ان قصد الحرام- سواء كان قصدا كليا او قصدا ضمنيا- يحرم البيع، (و) لذا (صرح) العلامة (في التذكرة بان الجارية المغنية اذا بيعت باكثر مما يرغب فيها- لو لا الغناء- فالوجه التحريم. انتهى) لان بعض الثمن صار بإزاء الشي ء المحرم فاذا كان القصد الضمني للحرام موجبا للبطلان، فاولى بالبطلان اذا كان كل القصد هو المحرم، كما لو اشترى الدهن النجس بقصد الأكل، و لكن لا يخفى ما في هذا الكلام، كما تعرفه من قوله: «فافهم» سابقا.

( «ثم» ان) ما ذكرناه الى هنا كان مقتضى القواعد الاولية و اما (الاخبار المتقدمة) فانها (خالية عن اعتبار قصد الاستصباح) و ذلك لا ينافي ما ذكرنا من اعتبار قصد الاستصباح، فيما كانت منفعته النادرة الاستصباح، كدهن البنفسج و نحوه، و ذلك (لان موردها) اي مورد الروايات (مما يكون الاستصباح فيه منفعة مقصودة منها) اي

ص: 137

كافية في ماليتها العرفية.

و ربما يتوهم من قوله- عليه السلام في رواية الاعرج المتقدمة- «تبينه لمن يشتريه فيبتاع للسراج» اعتبار القصد.

و يدفعه ان الابتياع للسراج انما جعل غاية للاعلام، بمعنى ان المسلم اذا اطلع على نجاسته فيشتريه للاسراج، نظير قوله عليه السلام- في رواية معاوية

______________________________

من تلك الموارد، و انما جاء بضمير المؤنث، لانه يعود الى «ما» و مصداقه جنس الدهن، الذي هو مورد الروايات- و يجوز في ضمير «من و ما» مراعاة اللفظ و المعنى- و قوله «مما» خبر «ان». و هي (كافية في ماليتها العرفية). و هذا خبر بعد خبر او صفة قوله «منفعة» و لو قال «كاف» حتى يكون خبر «ان» و يكون «مما» بيانا للمورد، كان احسن. اللهم الا ان يقال ان «كافية» خبر باعتبار مصداق «المورد» الذي هو جنس «الدهن» و الجنس يعامل معه معاملة المؤنث و المذكر- على السواء-.

(و ربما يتوهم من قوله- عليه السلام في رواية الاعرج المتقدمة- «تبينه لمن يشتريه فيبتاع للسراج» اعتبار القصد) و هذا ينافي ما ذكر من عدم اعتبار القصد فيما كانت المنفعة الغالبة او المساوية محللة.

(و يدفعه ان الابتياع للسراج انما جعل) في الرواية (غاية للاعلام بمعنى ان المسلم اذا اطلع على نجاسته فيشتريه للاسراج) فليس غاية للبيع، كما توهم المتوهم. و الحاصل ان المعنى: يعلمه كي يسرج به، لا ان المعنى:

يبيعه لان يسرج به، حتى يكون الاسراج غاية للبيع. و يفهم منه حينئذ لزوم القصد للاسراج حال البيع (نظير قوله عليه السلام- في رواية معاوية

ص: 138

ابن وهب- «يبينه لمن اشتراه ليستصبح به».

«الثاني»- ان ظاهر بعض الاخبار وجوب الاعلام، فهل يجب مطلقا أم لا؟

و هل وجوبه نفسي أم شرطى؟- بمعنى اعتبار اشتراطه في صحة البيع-

______________________________

ابن وهب- «يبينه لمن اشتراه ليستصبح به») فانه صريح في ان الاستصباح غاية للتنبيه، لا انه غاية للاشتراء و البيع.

( «الثاني»-) من موارد الاشكال في مسألة بيع الدهن المتنجس في انه هل يجب الاعلام أم لا (ان ظاهر بعض الاخبار) كخبر الاعرج و معاوية (وجوب الاعلام، فهل يجب) الاعلام (مطلقا) سواء علم البائع بان المشتري يستعمله في الاستصباح او لم يعلم (أم لا) يجب الاعلام مطلقا، بل انما يجب فيما اذا لم يعلم بان المشتري ما ذا يصنع به، اما اذا علم بانه يستعمله للانارة، فلا يجب الاعلام. و ان شئت قلت: هل يجب الاعلام مطلقا، أم لا يجب فيما اذا علم البائع بان المشتري لا يستعمله فيما يشترط بالطهارة؟

(و) على تقدير وجوب الاعلام- اما مطلقا او في الجملة- ف (هل وجوبه) اي وجوب الاعلام (نفسي) لا يرتبط بالمعاملة (أم شرطي) حتى انه لو لا الاعلام لم يصح البيع، كسائر الشروط المعتبرة في المعاملة (بمعنى اعتبار اشتراطه في صحة البيع) فلو لم يعلم فسد البيع.

و قد ظهر- بما ذكر- الفرق بين «الاول» و «الثاني» فان موضوع البحث في الاول اعتبار «شرط الاستصباح» او اعتبار «قصد الاستصباح»

ص: 139

الذي ينبغي ان يقال: انه لا اشكال في وجوب الإعلام ان قلنا باعتبار اشتراط الاستصباح في العقد او تواطئهما عليه من الخارج، لتوقف القصد على العلم بالنجاسة.

و اما اذا لم نقل باعتبار اشتراط الاستصباح في العقد، فالظاهر:

______________________________

من غير نظر الى «الاعلام بالنجاسة، و عدم الاعلام» و موضوع البحث في الثاني «وجوب الاعلام نفسيا، او شرطيا، و عدم وجوب الاعلام» سواء شرط الاستصباح او قصده أم لا.

(الذي ينبغي ان يقال:) انه ان قلنا في المبحث السابق «باشتراط الاستصباح»، لزم ان نقول هنا باشتراط «الاعلام» لان البيع متوقف على القصد، و القصد متوقف على الاعلام. و ان قلنا في المبحث السابق «بعدم اشتراط الاستصباح» لزم ان نقول بوجوب «الاعلام» وجوبا نفسيا، أي تعبديا. و الى هذا اشار بقوله: (انه لا اشكال في وجوب الاعلام ان قلنا باعتبار اشتراط الاستصباح في العقد او تواطئهما عليه) اي على الاستصباح (من الخارج) اي خارج العقد، و قوله «او» عطف على «الاعلام» اي وجوب احد الامرين من الاعلام و التواطؤ (لتوقف القصد) بناء على اعتبار اشتراط الاستصباح (على العلم بالنجاسة).

و ربما يورد على ذلك بعدم التلازم بين اشتراط الاستصباح، و بين الاعلام، لامكان ان يعلم البائع ان المشتري يستصبح به، فلا وجه لما ذكر في المتن من التلازم.

(و اما اذا لم نقل باعتبار اشتراط الاستصباح في العقد، فالظاهر:

ص: 140

وجوب الاعلام، وجوبا نفسيا قبل العقد او بعده، لبعض الاخبار المتقدمة.

و في قوله عليه السلام «يبينه لمن اشتراه ليستصبح به» اشارة الى وجوب الاعلام، لئلا يأكله، فان الغاية للاعلام ليس هو تحقق الاستصباح اذ لا ترتّب بينهما

______________________________

وجوب الاعلام، وجوبا نفسيا) لا وجوبا شرطيا (قبل العقد او بعده) و انما نقول بالوجوب (لبعض الاخبار المتقدمة) المشتملة على الامر بالاعلام و ليس المراد بالوجوب النفسي وجوبا مطلقا كسائر الواجبات النفسية، بل النفسي المشروط بإرادة البيع، مقابل الوجوب الشرطي اي الذي تتوقف صحة البيع عليه و على هذا فلو لم يعلم كان البيع صحيحا، و لكنه فعل محرما، حيث لم ينبه.

و اذا عرفت ما تقدم، نقول: ربما يقال: ما هي فائدة الاعلام؟ فان الاعلام ان كان لاجل ان يستصبح المشتري بالزيت، فلا ترتب بين الاعلام و بين الاستصباح، لامكان ان لا يستصبح المشتري به حتى بعد الاعلام، و ان كان الاعلام لانه واجب بالذات، فهذا بعيد من الاوامر و النواهي المتعلقة بالمركبات، و العقود و الايقاعات!

و الجواب: ان فائدة الاعلام هي عدم ايقاع البائع المشتري في الحرام بتركه اعلام المشتري، فاذا اوقع نفسه في الحرام فليس ذلك مربوطا بالبائع.

و الى هذا الجواب اشار المصنف بقوله: (و في قوله عليه السلام «يبينه لمن اشتراه ليستصبح به» اشارة الى وجوب الاعلام، لئلا يأكله) اكلا بسبب جهله بالنجاسة، فالاعلام يرفع عذر المشتري (فان الغاية للاعلام ليس هو تحقق الاستصباح) خارجا (اذ لا ترتب بينهما) اي بين الاعلام

ص: 141

شرعا، و لا عقلا، و لا عادة. بل الفائدة حصر الانتفاع فيه، بمعنى عدم الانتفاع به في غيره. ففيه اشارة الى وجوب اعلام الجاهل بما يعطي اذا كان الانتفاع الغالب به محرما، بحيث يعلم عادة وقوعه في الحرام لو لا الاعلام، فكأنه قال: اعلمه لئلا يقع في الحرام الواقعي بتركك الاعلام.

و يشير الى هذه القاعدة

______________________________

و بين الاستصباح، لا (شرعا، و لا عقلا، و لا عادة) كما هو واضح (بل الفائدة) في الاعلام (حصر) البائع بسبب اعلامه (الانتفاع فيه) اي في الاستصباح (بمعنى عدم الانتفاع به في غيره) فكأنه يقول للمشتري:

لا تنتفع بهذا الدهن في غير الاستصباح- و هذا التنبيه يرفع جهله- و هذه هي فائدة الاعلام. اما ما ذا يصنع المشتري بعد ذلك؟ فذلك ليس من تكليف البائع.

(ففيه) اي في هذا الحديث المفيد لهذا المعنى- اي رفع جهل المشتري- (اشارة الى وجوب اعلام الجاهل بما يعطي) اي اعلامه بان ما يعطي له المعطي لا يجوز بعض استعمالاته (اذا كان الانتفاع الغالب به) او الانتفاع الذي في معرض الجاهل (محرما، بحيث يعلم) المعطي (عادة وقوعه) اي المعطى له (في الحرام لو لا الاعلام، فكأنه) عليه السلام (قال: اعلمه) اذا بعته الدهن النجس (لئلا يقع في الحرام الواقعي ب) سبب (تركك الاعلام) اما اذا فعل هو المحرم بعد ذلك، فليس ذلك بسببك.

(و يشير الى هذه القاعدة) اي قاعدة اعلام الجاهل المعرض للوقوع

ص: 142

كثير من الاخبار المتفرقة، الدالة على حرمه تغرير الجاهل بالحكم او الموضوع في المحرمات، مثل ما دل على «أن من افتى بغير علم لحقه وزر من عمل بفتياه» فان اثبات الوزر للمباشر من جهة فعل القبيح الواقعي. و حمله على المفتي من حيث التسبيب و التغرير.

______________________________

في الحرام بترك الاعلام (كثير من الاخبار المتفرقة، الدالة على حرمة تغرير الجاهل) اي ايقاعه في الغرر و الضرر الشرعي (بالحكم او الموضوع في المحرمات) التي منها ترك الواجبات، كمن يبين للآخر ان البول ليس بنجس، او ان هذا الشي ء ليس ببول، بما يوجب وقوع السامع في النجاسة و بطلان الصلاة و ما اشبه، بسبب قول هذا القائل. (مثل ما دل على «من افتى بغير علم لحقه وزر من عمل بفتياه» فان اثبات الوزر للمباشر) لذلك العمل، انما هو (من جهة فعل القبيح الواقعي) و الا فليس قبيحا فعليا بالنسبة الى المباشر، اذا كان سؤاله من المفتى حسب الموازين الشرعية، بل الظاهر انه لو كان بدون ميزان، كان لكل من المفتي و المباشر الوزر، كما دل على ان «من سن سنة سيئة فله وزرها، و وزر من عمل بها، من غير ان ينقص من اوزارهم شي ء» و من المعلوم شمول اطلاقه لمن جاز له ان يعمل بتلك السنة، حسب الموازين الظاهرية، و لمن لم يجز له.

(و حمله) اي الوزر (على المفتي) انما هو (من حيث التسبيب و التغرير) و الظاهر عموم «من افتى» لكل مبين للحكم، و فهم الموضوع منه من باب وحدة المناط.

ص: 143

و مثل قوله عليه السلام: «ما من امام صلى بقوم فيكون في صلاتهم تقصير، الا كان عليه اوزارهم» و في رواية اخرى «فيكون في صلاته و صلاتهم تقصير، الا كان اثم ذلك عليه» و في رواية اخرى «لا يضمن الامام صلاتهم الا ان يصلي بهم جنبا».

و مثل رواية ابي بصير المتضمنة لكراهة ان يسقى البهمة او يطعم ما لا يحل للمسلم اكله او شربه. فان في كراهة ذلك في البهائم اشعارا بحرمته بالنسبة الى المكلف.

______________________________

(و مثل قوله عليه السلام: «ما من امام صلى بقوم فيكون في صلاتهم تقصير، الا كان عليه اوزارهم») و معناه: التقصير الناشئ من تقصير الامام، و الا فمن المسلم انه «لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ»، و احتمال ان يكون المراد: كون التقصير في صلاتهم من جهة ان الامام لم يرشدهم الى مسائل الصلاة بعيد. (و في رواية اخرى «فيكون في صلاته و صلاتهم تقصير، الا كان اثم ذلك عليه» و) لعل المبين لما ذكرناه ما ورد (في رواية اخرى «لا يضمن الامام صلاتهم الا ان يصلي بهم جنبا») و «الجنب» من باب المثال، و الا فلو صلا بهم من غير وضوء عمدا، او ما اشبه ذلك كان أيضا ضامنا. و معنى «اوزارهم»: الوزر الواقعي، لا الفعلي، اذ لا وزر فعليا لهم، فيما اذا لم يكونوا عالمين او مقصرين، كما حقق في محله.

(و مثل رواية ابي بصير المتضمنة لكراهة ان يسقى البهمة او يطعم ما لا يحل للمسلم اكله او شربه) كالخمر و الخنزير (فان في كراهة ذلك في البهائم اشعارا بحرمته بالنسبة الى المكلف).

ص: 144

و يؤيده ان أكل الحرام و شربه من القبيح، و لو في حق الجاهل، و لذا يكون الاحتياط فيه مطلوبا مع الشك، اذ لو كان للعلم دخل في قبحه لم يحسن الاحتياط.

و حينئذ فيكون اعطاء النجس للجاهل المذكور اغراء بالقبيح، و هو قبيح

______________________________

لكن لا يخفى ان القاعدة الاولية- في مقام الإطاعة و المعصية-:

عدم ارتكاب الشخص للمنهي عنه، و عدم ايقاع غيره في المنهي عنه. و بعد هذه القاعدة لا نحتاج الى التشبث بهذه الامور التي ذكرها المصنف، حتى يستشكل على الكل بما هو مذكور في الحواشي و التعليقات، الا ترى انه لو قال المولى: لا يدخل احد عبيدي داري. فادخل أحد عبيده عبد آخر داره عد عند العقلاء عاصيا مستحقا للعقاب.

(و يؤيده ان اكل الحرام و شربه) و سائر انحاء استعمالاته، كزواج المرأة المحرمة و ما اشبه. (من القبيح، و لو في حق الجاهل) المعذور (و لذا يكون الاحتياط فيه) اي في المشتبه (مطلوبا مع الشك) بدليل إطلاقات ادلة الاحتياط، نحو قوله عليه السلام: «اخوك دينك فاحتط لدينك» و ما اشبهه (اذ لو كان للعلم دخل في قبحه لم يحسن الاحتياط) مع الجهل و الشك.

(و حينئذ) اي حين اذ ثبت قبح الحرام الواقعي و ان كان الانسان معذورا في ارتكابه (فيكون اعطاء النجس) او تزويجه بالمحرم عليه أو اغرائه بالتصرف في ارض مغصوبة او موقوفة او ما اشبه ذلك (للجاهل المذكور) الذي لا يعلم بالحكم او الموضوع (إغراء بالقبيح، و هو قبيح

ص: 145

عقلا.

بل قد يقال بوجوب الإعلام، و ان لم يكن منه تسبيب، كما لو رأى نجسا في يده يريد أكله. و هو الذي صرح به العلامة- رحمه اللّه- في «اجوبة المسائل المهنائية» حيث سأله السيد المهنّأ: عمن رأى في ثوب المصلي نجاسة؟

فاجاب بانه يجب الإعلام، لوجوب النهي عن المنكر.

لكن اثبات هذا مشكل.

______________________________

عقلا) و كلما حكم به العقل حكم به الشرع، اذا كان في سلسلة العلل، كما حقق في الاصول.

(بل قد يقال بوجوب الاعلام، و ان لم يكن منه تسبيب) للغير الى ارتكاب الحرام الواقعي (كما لو رأى نجسا في يده يريد أكله) او ذات محرم عليه يريد تزويجها- مثلا- (و) هذا (هو الذي صرح به العلامة- رحمه اللّه- في «اجوبة المسائل المهنائية» حيث سأله السيد المهنّأ عمن رأى في ثوب المصلي نجاسة) فهل يجب اعلامه أم لا؟ (فاجاب) العلامة (بانه يجب الاعلام، لوجوب النهي عن المنكر) و كأن العلامة اراد بالمنكر: المنكر واقعا، و ان لم يكن الآتي به مكلفا فعلا، كمن يريد شرب الخمر بزعم انها ماء- مثلا-.

(لكن اثبات هذا مشكل) لأنه اذا كان جاهلا جهلا عذرا، لم يكن منكرا في حقه، فلا موضوع للنهي عن المنكر، لكن بناء على ما ذكرنا من انه طريق العقلاء في الاطاعة و المعصية، يكون الحكم على القاعدة، الا ما خرج بالدليل.

ص: 146

و الحاصل: ان هنا امورا أربعة:

«احدها»- ان يكون فعل الشخص علة تامة لوقوع الحرام في الخارج، كما اذا أكره غيره على المحرم.

و لا اشكال في حرمته، و كون وزر الحرام عليه، بل اشد لظلمه.

«و ثانيها»- ان يكون فعله سببا للحرام، كما قدم الى غيره محرما.

و مثله ما نحن فيه

______________________________

(و الحاصل: ان هنا) في مسألة الإعلام (امورا أربعة):

( «احدها»:- ان يكون فعل الشخص علة تامة لوقوع الحرام في الخارج، كما اذا أكره غيره على المحرم) و ان كان الشي ء الصادر من المكره يكون مباحا بالنسبة إليه، لانه من الاكراه المرفوع.

(و لا اشكال في حرمته، و كون وزر الحرام عليه) اي على المكره بالكسر- (بل) عليه (اشد) من وزر الحرام (لظلمه) فالاكراه على الحلال، ليس بجائز، فكيف بالاكراه على الحرام! و ذلك لان اصل اكراه الغير خلاف قاعدة «الناس مسلطون على انفسهم» المستفادة من قوله تعالى «النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» اما ما ذكره المصنف من قوله «و كون وزر الحرام عليه» محل مناقشة، اذ لا دليل على ذلك الا طريق الاطاعة و المعصية العقلائية. و هذا لا يدل على ازيد من الحرمة.

( «و ثانيها»- ان يكون فعله سببا للحرام) بدون الإلجاء و الاكراه (كمن قدم الى غيره محرما) كما لو قدم إليه لحما مشويا حراما، لكونه لم يذبح على الطريقة الشرعية- مثلا- (و مثله ما نحن فيه) من بيع الدهن

ص: 147

و قد ذكرنا ان الاقوى فيه: التحريم، لان استناد الفعل الى السبب اقوى، فنسبة فعل الحرام إليه اولى، و لذا يستقر الضمان على السبب، دون المباشر الجاهل. بل قيل: انه لا ضمان ابتداء الا عليه.

«الثالث»- ان يكون شرطا لصدور الحرام، و هذا يكون على وجهين:

احدهما: ان يكون من قبيل ايجاد الداعي على

______________________________

النجس بدون اعلام (و قد ذكرنا أن الاقوى فيه: التحريم. لان) ذلك خلاف طريق الاطاعة و المعصية، فالفاعل له يعد في العرف عاصيا، فيشمله الادلة المطلقة الدالة على النهي عن العصيان، كقوله تعالى «وَ مَنْ يَعْصِ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ»* و قوله «وَ لٰا تَتَوَلَّوْا» و ما اشبه.

اما الاستدلال لذلك بأن (استناد الفعل الى السبب اقوى، فنسبة فعل الحرام إليه اولى) ان اراد ما ذكرناه فهو، و الا فلا دليل على ان أقوائية السبب في غير مورد القتل و ما اشبه موجبة لحرمة عمل الفاعل للسبب. (و لذا يستقر الضمان على السبب، دون المباشر الجاهل.) و لا يخفى ان هذا انما يتم في باب الضمان، دون غيره، الا بالقاعدة التي ذكرناها. (بل قيل انه لا ضمان ابتداءً الا عليه) و بهذا يعرف ان ما يستشكل به على حرمة ايقاع الغير في الحرام الواقعي، من انه ليس بحرام فعلي على المرتكب و لا على السبب، لعدم الدليل على عدم جواز إيقاع الغير في ذلك، مردود.

( «الثالث» ان يكون) فعل الشخص (شرطا لصدور الحرام) الواقعي، عن الغير (و هذا) القسم (يكون على وجهين):

(احدهما: ان يكون من قبيل ايجاد الداعي) في الغير (على

ص: 148

المعصية، إما لحصول الرغبة فيها، كترغيب الشخص على المعصية، و إما لحصول العناد من الشخص، حتى يقع في المعصية، كسب آلهة الكفار، الموجب لا لقائهم في سبب الحق عنادا. او سبب آباء الناس، الموقع لهم في سبب أبيه و الظاهر: حرمة القسمين. و قد ورد في ذلك عدة من الاخبار.

______________________________

المعصية، إما لحصول الرغبة فيها) اي في المعصية (كترغيب الشخص على المعصية) سواء علم بانها معصية، كترغيبه في شرب الخمر. فانه بالإضافة الى ما تقدم «تعاون على الاثم و العدوان». او لم يعلم، كترغيبه في زواج ذات محرم عليه. (و إما لحصول العناد من الشخص، حتى يقع في المعصية، كسب آلهة الكفار، الموجب لا لقائهم في سبب الحق عنادا) و قد قال سبحانه: «وَ لٰا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ فَيَسُبُّوا اللّٰهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ» (او سب آباء الناس، الموقع لهم في سب أبيه) و لو كان اولئك الآباء يستحقون السب، (و الظاهر: حرمة القسمين):

الترغيب في المعصية، و اثارة الشخص على المعصية. (و قد ورد في ذلك عدة من الاخبار).

و لا يخفى: ان تحريم القسم الثاني انما هو فيما اذا لم يكن وقوع الغير في العصيان مما يتأتى من اتيان الشخص بما هو واجب عليه، او راجح بالنسبة إليه، كما يسبب- احيانا- وعظ الناس و ارشادهم في اثارة العصاة و الفساق، فقد كان الأنبياء و الائمة و الصالحون يرشدون، و ان وقع الفساق و الكفار بسببهم في العصيان و الطغيان.

ص: 149

و ثانيهما: ان يكون بايجاد شرط آخر غير الداعي، كبيع العنب من يعلم انه يجعله خمرا، و سيأتي الكلام فيه.

«الرابع»- ان يكون من قبيل عدم المانع. و هذا يكون- تارة- مع الحرمة الفعلية في حق الفاعل، كسكوت الشخص عن المنع من المنكر و لا اشكال في الحرمة بشرائط النهي عن المنكر. و- اخرى- مع عدم الحرمة الفعلية بالنسبة الى الفاعل، كسكوت العالم عن اعلام الجاهل- كما فيما نحن فيه-

______________________________

(و ثانيهما: ان يكون بايجاد شرط آخر غير الداعي كبيع العنب من يعلم انه يجعله خمرا، و سيأتي الكلام فيه) و من هذا القبيل: بيع ما يجعله آلة للتخمير و ما اشبه، كالدنان و الاخشاب لمن يعلمه صنما او صليبا او مزمارا. الى غيرها من الامثلة.

( «الرابع» ان يكون) فعل الشخص (من قبيل عدم المانع) عن الحرام بان تمكن من الوقوف ضد الحرام فلم يقف حتى صدر الحرام عن المرتكب. (و هذا يكون- تارة- مع الحرمة الفعلية في حق الفاعل، كسكوت الشخص عن المنع من المنكر) فلم يوجد مانعا عن المنكر.

(و لا اشكال في الحرمة) في هذا القسم (بشرائط النهي عن المنكر) و الا توجد الشرائط فلا اشكال في عدم الحرمة. (و) يكون تارة (- اخرى- مع عدم الحرمة الفعلية بالنسبة الى الفاعل) لذلك المحرم الواقعي، (كسكوت العالم عن اعلام الجاهل) القاصر (- كما فيما نحن فيه-) من ارتكاب الجاهل القاصر للمنكر الواقعي، كشربه للخمر بدون

ص: 150

فان صدور الحرام منه مشروط بعدم اعلامه، فهل يجب دفع الحرام بترك السكوت أم لا؟ فيه اشكال.

______________________________

علمه انه خمر، او زواجه من ذات محرم له، و ما اشبه ذلك (فان صدور الحرام منه مشروط بعدم اعلامه) اذ لو اعلمه لكف عن الحرام (فهل يجب دفع الحرام بترك السكوت أم لا) يجب؟ (فيه) اي في وجوب الاعلام (اشكال).

فقد يقال بان مقتضى القاعدة الاولية: عدم وجوب الاعلام، من جهة أصالة البراءة، و ليس المقام داخلا في ارشاد الجاهل، لان المراد بارشاد الجاهل: ارشاده الى الحكم، لا الى الموضوع، فان الواجب: بيان الاحكام لا بيان الموضوعات- مثلا- الواجب على الفقيه ان يقول للناس: ان البول نجس، و ليس بواجب عليه ان يبين لهم أن هذا بول او ليس ببول. كما ان المقام ليس داخلا في النهي عن المنكر انما هو فيما اذا كان الآتي به يأتي به و هو يعلم انه منكر، اما اذا لم يعلم بانه منكر فليس اتيانه منكرا حتى يجب اعلامه.

و قد يقال بوجوب الاعلام، لانه طريقة الاطاعة و المعصية، فاذا قال المولى: من ضرب ابني عاقبته بكذا و كذا، ثم ان العبيد رأوا ان احدهم يضرب ولده بزعم انه عدوه فسكتوا و لم يتكلموا، كانوا مستحقين للعقاب بنظر العرف.

و لوجوب تحصيل غرض المولى، كما فصل في مسألة «المقدمة» في الاصول. و لذا قالوا بحرمة تعجيز الانسان نفسه عن أوامر المولى، و ان

ص: 151

الا اذا علمنا من الخارج وجوب دفع ذلك لكونه فسادا، قد امر

______________________________

كان قبل توجه التكليف إليه، فاذا غل يده و رجله في مكان خال من الماء قبل الوقت، ليكون فاقد الطهورين حين دخول الوقت فلم يصل كان معاقبا.

و لانه داخل في ارشاد الجاهل، لان الارشاد المستفاد عرفا من «ينذروا قومهم» و قوله عليه السلام «و ما اخذ اللّه على العلماء ان لا يقاروا على كظة ظالم و لا سغب مظلوم» و ما اشبه، شامل للحكم و للموضوع.

بل يشمله قوله «هلا تعلمت» الا ترى ان الانسان لو تعلم «ان الكلب نجس» ثم لم يذهب ليتعلم «ما هو الكلب» كان عرفا مشمولا لقوله «هلا تعلمت».

و لانه من النهي عن المنكر، لان الظاهر من المنكر في لسان الادلة المنكر الواقعي، لا المنكر المعلوم لمرتكبه.

و الحاصل: ان الفرق بين الحكم و الموضوع ليس مما يستفاد من الأدلة لدى القائها على العرف، و ما ذكر لا ينافي ما ورد من قول الباقر عليه السلام «ما كان عليك لو سكت» في حين كان يغتسل من الجنابة، فقيل له:

«قد ابقيت لمحة في ظهرك» لعدم معلومية صحة كلام القائل، فلعله كان مشتبها، و انما مسحها الامام، لئلا يظن ان غسل الامام باطل. و كيف كان- فتفصيل هذا الموضوع خارج عن وظيفة الشرح.

(الا اذا علمنا من الخارج) اي من ادلة خاصة، غير مطلقات التكليف، و غير ادلة ارشاد الجاهل، و ادلة الامر بالمعروف و النهي عن المنكر (وجوب دفع ذلك) المنكر الواقعي (لكونه فسادا، قد امر

ص: 152

بدفعه كل من قدر عليه، كما لو اطلع على عدم إباحة دم من يريد الجاهل قتله، او عدم إباحة عرضه له، او لزم من سكوته ضرر مالي قد امرنا بدفعه عن كل أحد.

______________________________

بدفعه كل من قدر عليه) اي على دفعه، و العلم بوجوب الدفع يحصل إما من الاجماع، و إما من دليل خاص، و إما لكونه من مرتكزات المتشرعة، و من السيرة و ما اشبه (كما لو اطلع) العالم (على عدم إباحة دم من يريد الجاهل) بالموضوع (قتله) مثلما كان يظنه صيدا و الحال انه انسان محترم (او عدم إباحة عرضه له) اي للجاهل المريد للارتكاب، كان يظنها زوجته و الحال انها زوجة الغير (او لزم من سكوته ضرر مالي) كبير بحيث (قد امرنا بدفعه عن كل أحد).

و الحاصل: الدماء، و الفروج. و الاموال التي لها خطر. يجب الارشاد فيها. اما لو ظن انه صلى و لم يصل، او زعم ان هذا اليوم ليس من شهر رمضان و الحال انه منه. او كان يظن انه ليس بمستطيع، او ما اشبه ذلك، فلا دليل على لزوم ارشاده، بناء على ان الاصل عدم اللزوم، الا ما خرج بالدليل.

لكن الظاهر من طريقة العقلاء- في باب الاطاعة و المعصية-: لزوم الارشاد مطلقا، و ان الكل- حكما كان او موضوعا- من شأن الفقيه، كما كان الرسول صلى اللّه عليه و آله و سلم و الائمة عليهم السلام يتداخلون في ذلك كله، و قد امرنا بالأسوة بهم. و ما اشتهر بين جماعة من المتأخرين محل نظر. و لو لم نقل بهذا اشكل الامر حتى في الدماء و الفروج و الاموال فمن اين يتمكن المفصل ان يثبت الدليل على لزوم الارشاد في الثلاثة دون

ص: 153

فانه يجب الاعلام و الردع لو لم يرتدع بالاعلام، بل الواجب هو الردع و لو بدون الاعلام، ففي الحقيقة الاعلام بنفسه غير واجب.

و اما فيما تعلق بغير الثلاثة من حقوق اللّه فوجوب دفع مثل هذا الحرام مشكل، لان الظاهر من ادلة النهي عن المنكر وجوب الردع عن المعصية.

______________________________

غيرها؟ و التشبث بانا علمنا من الشارع، ليس باكثر من انه دعوى قطع، و من المعلوم ان دعوى القطع ليست من الأدلة.

و كيف كان- (فانه يجب الاعلام، و الردع لو لم يرتدع بالاعلام) بان يأخذ على يد مريد القتل- مثلا- (بل الواجب هو الردع و لو بدون الإعلام) لان المكروه عند الشارع فعل ذلك المحرم، فالواجب الحيلولة دون وقوعه، سواء بالقول أم بالفعل، (ففي الحقيقة الاعلام بنفسه غير واجب) و انما الواجب الحيلولة دون وقوع الحرام، الذي يتحقق بالاعلام تارة، و بالردع العملي اخرى.

(و اما فيما تعلق بغير الثلاثة من حقوق اللّه) «من» بيان «ما» و الثلاثة هي: الدماء، و الاموال، و الفروج. (فوجوب دفع مثل هذا الحرام مشكل، لان الظاهر من ادلة النهي عن المنكر وجوب الردع عن المعصية) الفعلية، و الآتي به بدون ان يعلم انه عصيان ليس بفاعل للمنكر حتى يشمله دليل النهي عن المنكر.

اقول: قد عرفت ما فيه، بل تمثيل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم ذلك بمن يخرق السفينة، دليل على ان المناط هو المنكر الواقعي.

ص: 154

فلا يدل على وجوب اعلام الجاهل بكون فعله معصية.

نعم وجب ذلك فيما اذا كان الجهل بالحكم، لكنه من حيث وجوب تبليغ التكاليف ليستمر التكليف الى آخر الابد، بتبليغ الشاهد الغائب. فالعالم- في الحقيقة- مبلغ عن اللّه ليتم الحجة على الجاهل و يتحقق فيه قابلية الاطاعة و المعصية.

______________________________

(فلا يدل) دليل النهي عن المنكر (على وجوب اعلام الجاهل بكون فعله معصية) «بكون» متعلق ب «الجاهل» اي الذي يجهل ان ما يأتي به عصيان للّه تعالى.

(نعم وجب ذلك) الاعلام (فيما اذا كان) سبب عصيان الجاهل هو (الجهل بالحكم) كأن لم يعلم ان الخمر حرام فليشربها فانه يجب اعلامه بحرمة الخمر (لكنه) اي اعلام الجاهل بالحكم (من حيث وجوب تبليغ التكاليف ليستمر التكليف الى آخر الابد بتبليغ الشاهد الغائب) كما امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في حجة الوداع، و كما يستفاد من قوله تعالى: و لينذروا قومهم. و من قوله عليه السلام: ليت السياط على رءوس أصحابي حتى يتفقهوا و قوله: ما اخذ اللّه على الجهال ان يتعلموا حتى اخذ على العلماء ان يعلموا.

الى غيرها (فالعالم- في الحقيقة- مبلغ عن اللّه) و ان كان في الظاهر مبلغا عن النبي و الامام. لكن هؤلاء حيث ينقلون أوامر اللّه تعالى، كان تبليغ الناس لاوامرهم عليهم السلام تبليغا عن اللّه تعالى (ليتم الحجة على الجاهل) و اتمامها واجب «لئلا يكون للناس على اللّه حجة بعد الرسل» (و يتحقق فيه) اي في الجاهل (قابلية الاطاعة و المعصية) اذ لو لا العلم و التعليم لم يكن عليه حجة، و لم يكن قابلا للطاعة، بل يشمله قوله سبحانه:

ص: 155

«ثم» ان بعضهم استدل على وجوب الإعلام بان النجاسة عيب خفي فيجب اظهارها.

و فيه- مع ان وجوب الاعلام، على القول به، ليس مختصا بالمعاوضات بل يشمل مثل الاباحة و الهبة من المجانيات- ان كون النجاسة عيبا ليس الا لكونه منكرا واقعيا و قبيحا، فان ثبت ذلك حرم الإلقاء فيه مع قطع النظر عن مسألة وجوب اظهار العيب

______________________________

«وَ مٰا كُنّٰا مُعَذِّبِينَ حَتّٰى نَبْعَثَ رَسُولًا».

( «ثم» ان بعضهم استدل على وجوب الإعلام) بنجاسة الدهن على من يريد ان يبيعه (بان النجاسة عيب خفي، فيجب اظهارها) و الا كان داخلا في الغش المحرم

(و فيه- مع ان وجوب الاعلام، على القول به، ليس مختصا بالمعاوضات، بل يشمل) وجوب الاعلام في (مثل الاباحة، و الهبة من المجانيات) و من المعلوم عدم وجوب اظهار العيب الخفي في الموهوب و المباح لعدم دليل على حرمة مثل هذا الإخفاء في المجانيات، فالدليل اخص من المدعى- (ان كون النجاسة عيبا ليس الا لكونه منكرا واقعيا و قبيحا) ارتكابها (فان ثبت ذلك) اي القبح حتى لمن لم يعلم بها، بان كان اكل الدهن النجس قبيحا و ان لم يعلم الاكل بانه نجس (حرم) على البائع (الالقاء) للمشتري (فيه) اي في هذا القبيح (مع قطع النظر عن مسألة وجوب اظهار العيب) فسواء وجب اظهار العيب الخفي- كما في البيع- أم لا- كما في الهبة- يجب اظهار النجاسة، لان ايقاع الغير في ارتكابها

ص: 156

و الا لم يكن عيبا. فتأمل.

«الثالث»- المشهور بين الاصحاب وجوب كون الاستصباح تحت السماء،

بل في السرائر: ان الاستصباح به تحت الظلال محظور بغير خلاف.

و في المبسوط: انه روى اصحابنا انه يستصبح به تحت السماء، دون السقف.

لكن الاخبار المتقدمة- على كثرتها و ورودها في مقام البيان- ساكنة عن هذا القيد و لا مقيد لها من الخارج عدا ما يدعى من «مرسلة الشيخ»

______________________________

قبيح (و الا) يثبت كون ارتكاب الجاهل هذا قبيحا (لم يكن عيبا) فلم يجب اظهاره (فتامل) اذ النجاسة لا شك في كونها عيبا لدى اهل الشرع و لا منافاة بين عدم جواز الالقاء فيها في باب المجانيات من جهة القبح، و عدم جواز الإلقاء فيها في باب المعاوضات، من جهة الغش و من جهة القبح.

( «الثالث»-) من موارد الاشكال في بيع الدهن المتنجس ان (المشهور بين الاصحاب وجوب كون الاستصباح تحت السماء، بل في السرائر) للحلي: (ان الاستصباح به تحت الظلال محظور) محرم (بغير خلاف). فالمسألة مما ادعي فيها الاجماع (و في المبسوط: انه روى اصحابنا انه يستصبح به تحت السماء، دون السقف). فالمسألة مروية أيضا.

(لكن الاخبار المتقدمة) في جواز بيع الدهن المتنجس (على كثرتها و ورودها في مقام البيان) لا الاهمال و الاجمال، بقرينة ذكر شرط الإعلام و ما اشبه (ساكتة عن هذا القيد) الذي هو الاستصباح تحت السماء (و لا مقيد لها) لتلك الاخبار (من الخارج عدا ما يدعى من «مرسلة الشيخ»

ص: 157

المنجبرة بالشهرة المحققة، و الاتفاق المحكي، لكن لو سلم الانجبار فغاية الامر دورانه بين تقييد المطلقات المتقدمة، او حمل الجملة الخبرية على الاستحباب او الارشاد، لئلا يتأثر السقف بدخان النجس الذي هو نجس، بناء على ما ذكره الشيخ من دلالة المرسلة على نجاسة الدخان النجس، اذ قد لا يخلو من اجزاء لطيفة دهنية تتصاعد بواسطة الحرارة، و لا ريب

______________________________

المنجبرة بالشهرة المحققة، و الاتفاق المحكي) في كلام السرائر، (لكن لو سلم الانجبار) بان صارت المرسلة حجة لا نتمكن مع ذلك من تقييد المطلقات بالمرسلة: «أو لا» لإباء المطلقات عن التقييد، لكثرتها و كونها في مقام البيان.» و ثانيا» لان المرسلة غايتها الدلالة على عدم تنجيس السقف بالدخان، و من المعلوم عدم حرمة تنجيس السقف. بل دخان النجس لا دليل على نجاسته، اذ الاستحالة سببت الطهارة، كما قال عليه السلام:

«لان الماء و النار قد طهراه» اذن لا بد من حمل المرسلة على الاستحباب (فغاية الامر دورانه بين تقييد المطلقات المتقدمة) الدالة على جواز بيع الدهن النجس و استعماله مطلقا- تحت السماء او السقف- (او حمل الجملة الخبرية) في المرسلة (على الاستحباب او الارشاد) فلا يكون مستحبا أيضا- فضلا عن الوجوب- (لئلا يتأثر السقف بدخان النجس الذي هو) اي ذاك الدخان (نجس) أيضا (بناء على ما ذكره الشيخ من دلالة المرسلة على نجاسة الدخان النجس، اذ قد لا يخلو) دخان النجس (من اجزاء لطيفة دهنية تتصاعد بواسطة الحرارة، و) حيث دار الامر بين تقييد المطلقات بالمرسلة، او حمل المرسلة على الاستحباب ف (لا ريب

ص: 158

ان مخالفة الظاهر في المرسلة، خصوصا بالحمل على الارشاد دون الاستحباب اولى.

خصوصا مع ابتناء التقييد إما على ما ذكره «الشيخ» من دلالة الرواية على نجاسة الدخان، المخالفة للمشهور، و إما على كون الحكم تعبدا محضا و هو في غاية البعد.

و لعله لذلك افتى في المبسوط بالكراهة مع روايته للمرسلة.

و الانصاف ان المسألة

______________________________

ان مخالفة الظاهر في المرسلة، خصوصا بالحمل على الارشاد) فان ظاهرها الوجوب، (دون الاستحباب) اما الارشاد فمعناه انه ليس بحكم شرعي اصلا، و انما هو ارشاد الى مصلحة خارجية (اولى) من حمل المطلقات على المرسلة.

(خصوصا مع ابتناء التقييد) للمطلقات (إما على ما ذكره «الشيخ» من دلالة الرواية على نجاسة الدخان) فكان الجمع بين المطلقات و المرسلة ينتج: انه لا تستصبح تحت السقف، لان الدخان نجس، فيتأثر السقف به (المخالفة للمشهور) فانهم لا يقولون بان دخان النجس نجس. (و إما على كون الحكم) بعدم الاستصباح تحت السقف (تعبدا محضا) لو لم نقل بنجاسة الدخان (و هو) اي كون الحكم تعبدا محضا (في غاية البعد) عن الظاهر. اذن فالحمل على الاستحباب او الارشاد اولى من حمل المطلقات على المرسلة.

(و لعله لذلك) الذي ذكرنا من بعد تقيد المطلقات بالمرسلة (افتى) الشيخ (في المبسوط بالكراهة) للاستصباح تحت السقف (مع روايته) بنفسه (للمرسلة).

(و الانصاف: ان المسألة) بتقييد المطلقات، او حمل المرسلة على

ص: 159

لا تخلو عن اشكال، من حيث ظاهر الروايات البعيدة عن التقييد، لإبائها في انفسها عنه، و اباء المقيد عنه.

و من حيث الشهرة المحققة و الاتفاق المنقول. و لو رجع الى أصالة البراءة حينئذ لم يكن الا بعيدا عن الاحتياط، و جرأة على مخالفة المشهور.

«ثم» ان العلامة في المختلف فصل بين ما اذا علم بتصاعد شي ء من اجزاء الدهن، و ما اذا لم يعلم. فوافق المشهور

______________________________

الاستحباب، او الارشاد (لا تخلو عن اشكال، من حيث ظاهر الروايات) المطلقة (البعيدة عن التقييد، لإبائها في انفسها عنه) اي عن التقييد، حيث انها في مقام البيان و لم تتعرض لهذا الشرط (و) من جهة (اباء المقيد) اي المرسلة (عنه). اي عن ان يكون تقييدا لتلك المطلقات، اذ ظاهرها: نجاسة السقف، و كل من نجاسة الدخان و حرمة نجاسة السقف محل اشكال.

(و من حيث الشهرة المحققة) على لزوم كون الاستصباح تحت السماء (و الاتفاق المنقول) في كلام السرائر- و هذا وجه التقييد- كما ان قوله «من حيث ظاهر ... الخ» وجه عدم التقييد (و لو رجع الى أصالة البراءة) عن وجوب الاستصباح تحت السماء (حينئذ) اي حين وجود الاشكال من الطرفين (لم يكن الا بعيدا على الاحتياط و جرأة على مخالفة المشهور) فالبراءة- اذن- ليست مخالفة للادلة.

(ثم ان العلامة في المختلف فصل بين ما اذا علم بتصاعد شي ء من اجزاء الدهن، و) بين (ما اذا لم يعلم. فوافق المشهور) في

ص: 160

في الاول، و هو مبني على ثبوت حرمة تنجيس السقف، و لم يدل عليه دليل.

و ان كان ظاهر كل من حكم بكون الاستصباح تحت السماء تعبدا- لا لنجاسة الدخان، معللا بطهارة دخان النجس- التسالم على حرمة التنجيس، و الا لكان الاولى تعليل التعبد به لا بطهارة الدخان، كما لا يخفى.

______________________________

حظر الاستصباح تحت السقف (في الاول) حينما يعلم بتصاعد شي ء من اجزاء الدهن، و اجاز في الثاني. (و هو) اي حظره فيما اذا علم بالتصاعد (مبني على ثبوت حرمة تنجيس السقف، و) الحال انه (لم يدل عليه) اي على تحريم التنجيس (دليل. و ان كان ظاهر كل من حكم بكون الاستصباح تحت السماء تعبدا) من الشارع بدون ان نفهم وجهه (لا لنجاسة الدخان) في حال كون من يقول بكون الاستصباح تحت السماء تعبدا (معللا بطهارة دخان النجس، التسالم على حرمة التنجيس) «التسالم» خبر قوله «و ان كان ظاهر» و قوله «معللا» حال عن «كل من» (و الا) فلو كان من يقول بالتعبد، لا يرى حرمة التنجيس (لكان الاولى تعليل التعبد به) اي بانه لا يحرم التنجيس (لا) تعليل التعبد (بطهارة الدخان- كما لا يخفى).

و الحاصل: قد يقول القائل «تحت السماء تعبد، لان الدخان طاهر» و قد يقول «تحت السماء تعبد، لانه لا يحرم التنجيس» و مفهوم الاول «انه لو قلنا بان الدخان نجس، لم يكن تعبدا» فهو يسلم اذن «حرمة التنجيس» و الا فلو قلنا «الدخان نجس» يكون «تحت السماء» أيضا تعبدا اذ لا دليل على حرمة تنجيس السقف.

ص: 161

«الرابع»- هل يجوز الانتفاع بهذا الدهن في غير الاستصباح،

بان يعمل صابونا، او يطلى به الأجرب، او السفن؟ قولان، مبنيان على ان «الاصل في المتنجس جواز الانتفاع الا ما خرج بالدليل» كالاكل و الشرب، و الاستصباح تحت الظل. او ان القاعدة فيه «المنع عن التصرف الا ما خرج بالدليل» كالاستصباح تحت السماء، و بيعه ليعمل صابونا على رواية ضعيفة تأتي.

______________________________

( «الرابع»-) من مواضع وقوع الاشكال في بيع الدهن المتنجس في انه (هل يجوز الانتفاع بهذا الدهن) المتنجس (في غير الاستصباح، بان يعمل صابونا، او يطلى به الأجرب، او) يطلى به (السفن؟) أم لا يجوز الا الاستصباح (قولان، مبنيان على ان «الاصل في المتنجس جواز الانتفاع الا ما خرج بالدليل» كالاكل و الشرب، و الاستصباح تحت الظل) اذن فالصابون و التطلية و غيرهما جائز (او ان القاعدة فيه) اي في المتنجس ( «المنع عن التصرف الا ما خرج بالدليل» كالاستصباح تحت السماء) الذي قام الدليل على جوازه (و) ك (بيعه ليعمل صابونا على رواية ضعيفة) اجازت ذلك كما (تأتي).

فان قلنا بان الاصل: الجواز، كان جميع استعمالات الدهن المتنجس في غير الاكل و ما اشبه مما خرج عن الجواز بالدليل- جائزا. و ان قلنا بان الاصل: الحرمة، كان جميع الاستعمالات محرما، الا ما خرج بالدليل كالاستصباح تحت السماء و نحوه.

ص: 162

و الذي صرح به في مفتاح الكرامة هو الثاني، و وافقه بعض مشايخنا المعاصرين و هو ظاهر جماعة من القدماء كالشيخين و السيدين و الحلي و غيرهم.

قال في الانتصار: و مما انفردت به الامامية، ان كل طعام عالجه اهل الكتاب و من ثبت كفرهم بدليل قاطع لا يجوز اكله و لا الانتفاع به.

و اختلف باقي الفقهاء في ذلك، و قد دللنا على ذلك في كتاب الطهارة.

حيث دللنا على ان سؤر الكفار نجس.

و قال في المبسوط- في الماء المضاف-: انه مباح التصرف

______________________________

(و الذي صرح به في مفتاح الكرامة هو الثاني) اى ان الاصل المنع (و وافقه بعض مشايخنا المعاصرين، و هو ظاهر جماعة من القدماء، كالشيخين) المفيد و الطوسي (و السيدين): المرتضى و ابن زهرة (و) ابن ادريس (الحلي، و غيرهم).

(قال) المرتضى (في الانتصار: و مما انفردت به الامامية، ان كل طعام عالجه اهل الكتاب و من ثبت كفرهم بدليل قاطع) لا من يتهم بالكفر و ليس بكافر شرعا (لا يجوز اكله و لا الانتفاع به) فان الظاهر من قوله- رحمه اللّه- «و لا الانتفاع به»: اصالة عدم الانتفاع الا ما خرج بالدليل. ثم قال السيد: (و اختلف باقي الفقهاء في ذلك، و قد دللنا على ذلك) الذي ذكرنا من عدم الجواز (في كتاب الطهارة، حيث دللنا على ان سؤر الكفار نجس).

(و قال) الشيخ (في المبسوط- في الماء المضاف-: انه مباح التصرف

ص: 163

فيه بانواع التصرف، ما لم تقع فيه نجاسة، فان وقعت فيه نجاسة لم يجز استعماله على حال. و قال- في حكم الماء المتغير بالنجاسة-: انه لا يجوز استعماله الا عند الضرورة للشرب لا غير.

و قال- في النهاية-: و ان كان ما حصل فيه الميتة مائعا، لم يجز استعماله، و وجب اهراقه، انتهى. و قريب منه عبارة المقنعة.

و قال في الخلاف- في حكم السمن و البذر و الشيرج و الزيت اذا وقعت فيه فارة-: انه جاز الاستصباح به و لا يجوز اكله و لا الانتفاع به بغير الاستصباح. و به قال الشافعي. و قال قوم من اصحاب الحديث: لا ينتفع به بحال لا باستصباح

______________________________

فيه بانواع التصرف، ما لم تقع فيه نجاسة، فان وقعت فيه نجاسة لم يجز استعماله على حال) من الاحوال. و وجه الاستدلال بهذه العبارة كالاستدلال بكلام السيد (و قال) الشيخ (- في حكم الماء المتغير بالنجاسة-: انه لا يجوز استعماله الا عند الضرورة للشرب لا غير) فالاصل عدم جواز الاستعمال.

(و قال) الشيخ (- في النهاية-: و ان كان ما حصل فيه الميتة مائعا لم يجز استعماله، و وجب اهراقه. انتهى). فان قوله: «لم يجز استعماله» ظاهر في ان الاصل: المنع. (و قريب منه عبارة المقنعة) للمفيد- رحمه اللّه-.

(و قال في الخلاف- في حكم السمن و) دهن (البذر و الشيرج و الزيت اذا وقعت فيه فارة-: انه جاز الاستصباح به و لا يجوز اكله و لا الانتفاع به بغير الاستصباح. و به قال الشافعي. و قال قوم من اصحاب الحديث) من العامة: (لا ينتفع به بحال) من الاحوال (لا باستصباح

ص: 164

و لا غيره. بل يراق كالخمر. و قال ابو حنيفة: يستصبح به و يباع لذلك مطلقا. و قال داود: ان كان المائع سمنا لم ينتفع به، و ان كان غيره من الادهان لم ينجس بموت الفارة فيه و يحل اكله و شربه.

دليلنا: اجماع الفرقة، و اخبارهم.

و في السرائر- في حكم الدهن المتنجس-: انه لا يجوز الادهان به، و لا استعماله في شي ء من الاشياء، عدا الاستصباح تحت السماء. و ادعى في موضع آخر: ان الاستصباح به تحت الظلال محظور، بغير خلاف.

______________________________

و لا) ب (غيره. بل يراق كالخمر. و قال ابو حنيفة: يستصبح به و يباع لذلك) الاستصباح (مطلقا) بيعا من دون تقييد. (و قال داود:

ان كان المائع سمنا لم ينتفع به، و ان كان غيره من الادهان لم ينجس بموت الفارة فيه و يحل اكله و شربه).

ثم قال الشيخ- رحمه اللّه- (دليلنا) على ما ذكرناه: (اجماع الفرقة، و اخبارهم).

(و) قال الحلي (في السرائر- في حكم الدهن المتنجس-: انه لا يجوز الادهان به، و لا استعماله في شي ء من الاشياء، عدا الاستصباح تحت السماء) و من المعلوم انه اذا لم يجز الادهان- و هو لا يتوقف على الطهارة- كان معناه: عدم جواز سائر الاستعمالات أيضا. (و ادعى) الحلي (في موضع آخر) من السرائر: (ان الاستصباح به تحت الظلال) و السقوف (محظور، بغير خلاف) مما يدل على حرمة الاستعمال و لو فيما لا يشترط بالطهارة.

ص: 165

و قال ابن زهرة- بعد ان اشترط في المبيع ان يكون مما ينتفع به منفعة محللة- قال: و شرطنا في المنفعة ان تكون مباحة، تحفظا من المنافع المحرمة، و يدخل في ذلك كل نجس لا يمكن تطهيره عدا ما استثني من بيع الكلب المعلم للصيد، و الزيت النجس للاستصباح به تحت السماء، و هو اجماع الطائفة.

ثم استدل على جواز بيع الزيت- بعد الاجماع- بان النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أذن في الاستصباح به تحت السماء. قال: و هذا يدل على جواز بيعه لذلك. انتهى.

______________________________

(و قال ابن زهرة- بعد ان اشترط في المبيع ان يكون مما ينتفع به منفعة محللة- قال: و) انما (شرطنا في المنفعة ان تكون مباحة، تحفظا من المنافع المحرمة، و يدخل في ذلك) اي فيما لا منافع محللة له (كل نجس لا يمكن تطهيره عدا ما استثني من بيع الكلب المعلم للصيد، و الزيت النجس للاستصباح به تحت السماء، و هو) اي الحكم في المستثنى منه و المستثنى (اجماع الطائفة).

(ثم استدل) ابن زهرة (على جواز بيع الزيت- بعد الاجماع- بان النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أذن في الاستصباح به تحت السماء. قال:

و هذا) الاذن (يدل على جواز بيعه لذلك) الاستصباح تحت السماء.

و هذا صريح في ان الاصل المنع الا ما خرج. هذا تمام الكلام قولا و دليلا لمن يرى ان الاصل المنع الا ما خرج.

ص: 166

و لكن الاقوى- وفاقا لاكثر المتاخرين- جواز الانتفاع الا ما خرج بالدليل.

و يدل عليه أصالة الجواز، و قاعدة «حل الانتفاع بما في الارض».

و لا حاكم عليها سوى ما يتخيل من بعض الآيات و الاخبار، و دعوى الجماعة المتقدمة الاجماع على المنع.

و الكل غير قابل لذلك.

اما الآيات «فمنها» قوله تعالى «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ»

______________________________

(و لكن الاقوى- وفاقا لاكثر المتأخرين- جواز الانتفاع الا ما خرج بالدليل).

(و يدل عليه) اي على اصل الجواز (أصالة الجواز) لان «كل شي ء لك حلال» «و رفع ما لا يعلمون» و ما اشبه. (و قاعدة «حل الانتفاع بما في الارض») المنصوص عليها في الآية و الرواية.

(و لا حاكم عليها) اي على كل واحدة من الأصالة و القاعدة (سوى ما يتخيل من) دلالة (بعض الآيات و الاخبار) الآتية (و) سوى (دعوى الجماعة المتقدمة الاجماع على المنع).

(و) لكن (الكل غير قابل لذلك) الحكومة على الاصل و القاعدة (اما الآيات) التي استدل بها على اصالة المنع ( «فمنها» قوله تعالى: «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ»). الخمر: كل مسكر. و الميسر: القمار. و الانصاب- جمع نصب-: الصنم. و الازلام: جمع زلم بمعنى سهام القمار. و معنى الرجس:

ص: 167

دل- بمقتضى التفريع- على وجوب اجتناب كل رجس.

«و فيه»: ان الظاهر من الرجس: ما كان كذلك في ذاته، لا ما عرض له ذلك. فيختص بالعناوين النجسة، و هي النجاسات العشر. مع انه لو عم المتنجس لزم ان يخرج عنه اكثر الافراد، فان اكثر المتنجسات لا يجب الاجتناب عنه.

______________________________

الخبيث. و معنى من عمل الشيطان: ان الشيطان هو الآمر بعملها. (دل بمقتضى التفريع) حيث ان المعنى وجوب الاجتناب عن المذكورات لكونها رجسا (على وجوب اجتناب كل رجس) و حيث ان النجس رجس كان اللازم الاجتناب عنه، و الاجتناب شامل لجميع انواع المعاملة و المزاولة. فتفيد الآية اصالة المنع عن استعمال كل نجس الا ما خرج بالدليل.

( «و فيه»: ان الظاهر من الرجس: ما كان كذلك) رجسا (في ذاته، لا ما عرض له ذلك) الرجسية، (فيختص) الرجس (بالعناوين النجسة، و هي النجاسات العشر) و لا يشمل المتنجسات لانها ليست برجس (مع انه) اي الرجس (لو عم المتنجس لزم ان يخرج عنه) اي عن وجوب الاجتناب عن الرجس (اكثر الافراد) المتنجسة، و انما نقول بلزوم خروج اكثر المتنجسات (فان اكثر المتنجسات لا يجب الاجتناب عنه) فالملبس و المسكن و المركب و المنكح و غيرها اذا تنجس نجاسة عرضية لم يجب الاجتناب عنها في الاستعمال المربوط بها، و حيث ان تخصيص الاكثر مستهجن، دار الامر بين ان نقول: ان المراد بالرجس: النجس، فلا تخصيص للاكثر، و بين ان نقول ان المراد بالرجس الاعم من النجس

ص: 168

مع ان وجوب الاجتناب ثابت فيما كان رجسا من عمل الشيطان، يعني من مبتدعاته، فيختص وجوب الاجتناب المطلق بما كان من عمل الشيطان، سواء كان نجسا كالخمر، او قذرا معنويا مثل الميسر.

و من المعلوم ان المائعات المتنجسة كالدهن و الطين و الصبغ

______________________________

و المتنجس فيلزم تخصيص الاكثر المستهجن، لكن الثاني خلاف البلاغة، بل خلاف كلام الحكيم فتعين الاول.

(مع) ان هنا اشكالا ثالثا في الاستدلال بالآية لحرمة جميع الانتفاعات الا ما خرج. و هو: أن الواجب اجتنابه هو الرجس الذي من عمل الشيطان و المراد ب «عمل الشيطان» اما مخترعه، فليس مثل الدهن المتنجس من مخترعات الشيطان، و اما ما يحدث باغوائه ككل معصية، و هذا يكون فيما كان الاستعمال رجسا كشرب المتنجس، اما الصبغ بالدهن المتنجس مثلا ففي كونه رجسا من اغواء الشيطان اوّل الكلام.

و الى هذا اشار المصنف- رحمه اللّه- بقوله: (ان وجوب الاجتناب ثابت فيما كان رجسا من عمل الشيطان) بان يجمع فيه الرجسية و كونه من عمل الشيطان (يعني من مبتدعاته)- على احد التفسيرين في معنى «عمل الشيطان» (فيختص وجوب الاجتناب المطلق) عن كل انتفاع (بما كان من عمل الشيطان، سواء كان نجسا كالخمر) التي ورد في الاحاديث ان الشيطان هو الذي اخترعها (او قذرا معنويا مثل الميسر).

(و) على هذا فلا تدل الآية على وجوب الاجتناب عن استعمال المتنجس، اذ (من المعلوم ان المائعات المتنجسة كالدهن و الطين و الصبغ

ص: 169

و الدبس اذا تنجست ليست من أعمال الشيطان.

و ان اريد من عمل الشيطان: عمل المكلف المتحقق في الخارج باغوائه ليكون المراد بالمذكورات: استعمالها على النحو الخاص، فالمعنى: ان الانتفاع بهذه المذكورات رجس من عمل الشيطان، كما يقال في سائر المعاصي:

انها من عمل الشيطان. فلا تدل أيضا على وجوب الاجتناب عن استعمال المتنجس الا اذا ثبت كون

______________________________

و الدبس اذا تنجست ليست من اعمال الشيطان) و مخترعاته، هذا بناء على كون المراد ب «عمل الشيطان» مخترعاته.

(و ان اريد من عمل الشيطان: عمل المكلف المتحقق في الخارج باغوائه) كنسبة الاعمال الحسنة الى اللّه سبحانه، لكونها تصدر حسب امره و ارادته، نحو قوله تعالى «وَ مٰا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ رَمىٰ» و امثال هذه الآية (ليكون المراد بالمذكورات) في الآية اي الخمر و الميسر و الانصاب و الازلام (استعمالها على النحو الخاص) اي شربا و لعبا و عبادة و اخراجا للحصص (فالمعنى): استعمال هذه الامور انما يصدر باغواء الشيطان، و (ان الانتفاع بهذه المذكورات رجس من عمل الشيطان، كما يقال في سائر المعاصي: انها من عمل الشيطان) اي انها صادرة باغوائه و على هذا فكل عمل صادر من اغواء الشيطان يجب الاجتناب عنه (فلا تدل أيضا على وجوب الاجتناب عن استعمال المتنجس). قوله: «فلا» جواب «و ان اريد». و قوله: «أيضا» اي كما لا تدل الآية- على المعنى الاول- على لزوم الاجتناب عن استعمال كل متنجس (الا اذا ثبت كون

ص: 170

الاستعمال رجسا، و هو اوّل الكلام. و كيف كان فالآية لا تدل على المطلوب

و من بعض ما ذكرنا يظهر ضعف الاستدلال على ذلك بقوله تعالى:

«و الرجز فاهجر» بناء على ان الرجز هو الرجس.

و اضعف من الكل: الاستدلال بآية تحريم الخبائث، بناء على ان كل متنجس خبيث. و التحريم المطلق يفيد عموم الانتفاع.

______________________________

الاستعمال رجسا، و هو) اي كون استعمال المتنجس رجسا (اوّل الكلام) فلا يمكن اثباته بهذه الآية، فانه من قبيل اثبات الموضوع بالحكم (و كيف كان) المعنى في الآية الكريمة (فالآية لا تدل على المطلوب) للقائل بان كل استعمال للمتنجس غير جائز.

(و من بعض ما ذكرنا) في رد الاستدلال بآية «الرجس» (يظهر ضعف الاستدلال على ذلك) اي اصالة عدم جواز الاستعمال الا ما خرج (بقوله تعالى: «وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ» بناء على ان الرجز هو الرجس) وجه الاستدلال: ان الرجز هو النجس الاعم من المتنجس. و هجره: ترك استعماله مطلقا. و الجواب: ان الظاهر من الرجز هو عين النجس، لا الاعم من المتنجس.

(و اضعف من الكل: الاستدلال) لاصالة عدم جواز الاستعمال (بآية تحريم الخبائث) اي قوله تعالى: «وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبٰائِثَ» (بناء على ان كل متنجس خبيث. و) على ان (التحريم المطلق) في قوله تعالى: «يحرم» (يفيد عموم الانتفاع). فالآية في معنى «يمنعهم من كل انواع استعمال المتنجس».

ص: 171

اذ لا يخفى ان المراد هنا: حرمة الاكل، بقرينة مقابلته بحلية الطيبات و اما الاخبار «فمنها»- ما تقدم في رواية تحف العقول، حيث علّل النهي عن بيع «وجوه النجس» بان «ذلك كله محرم اكله و شربه و امساكه و جميع التقلب فيه» فجميع التقلب في ذلك حرام.

«و فيه»-

______________________________

(اذ لا يخفى) ان الظاهر من الآية: يحرم عليهم استعمال كل خبيث حسب ما يلائمه من الاستعمال، مثلا الخبيث من النكاح بالنسبة الى النساء يحرم، و الخبيث بالنسبة الى اللبس يحرم، و هكذا. و لم يدل دليل على ان استعمال المتنجس في غير الاكل و الشرب من جملة الخبائث. و هذا الجواب اولى مما ذكره المصنف- رحمه اللّه- بقوله: (ان المراد هنا: حرمة الاكل، بقرينة مقابلته بحلية الطيبات) اذ ان حلية الطيبات أيضا انما هو بالنسبة الى كل شي ء لا الاكل فقط، و هذا من قبيل قوله سبحانه «الْخَبِيثٰاتُ لِلْخَبِيثِينَ. وَ الطَّيِّبٰاتُ لِلطَّيِّبِينَ» و كيف كان فالآية لا تدل على حرمة استعمال كل متنجس،

(و اما الاخبار) التي استدل بها لاصالة حرمة كل استعمال الا ما خرج بالدليل ( «فمنها»- ما تقدم في رواية تحف العقول، حيث علل النهي عن بيع «وجوه النجس» بان «ذلك كله محرم اكله و شربه و امساكه و جميع التقلب فيه» فجميع التقلب في ذلك حرام) و الاستدلال تارة بلفظة «وجوه النجس» و اخرى بالتعليل.

( «و فيه»-) على تقدير الاستدلال ب «وجوه النجس»-:

ص: 172

ما تقدم من ان المراد بوجوه النجس: عنواناته المعهودة. لان الوجه هو العنوان و الدهن ليس عنوانا للنجاسة.

و الملاقي للنجس، و ان كان عنوانا للنجاسة، لكنه ليس وجها من وجوه النجاسة في مقابلة غيره، و لذا لم يعدوه عنوانا في مقابل العناوين النجسة.

مع ما عرفت من لزوم تخصيص الاكثر، لو اريد به

______________________________

(ما تقدم من ان المراد بوجوه النجس عنواناته المعهودة) كالبول و المنى مما هو نجس بعنوان كونه بولا او منيا. و الدهن ليس بنجس بعنوان كونه دهنا (لان الوجه هو العنوان) الذي يتوجه به الانسان بواسطته الى المعنون و الموجه (و الدهن ليس عنوانا للنجاسة) فلم يقل الشارع: «الدهن نجس» كما قال: «البول نجس».

(و) ان قلت: الشارع قال «الملاقي للنجس نجس» كما يستفاد من الاخبار، فالدهن حيث يصدق عليه «الملاقي للنجس» يكون من العنوانات النجسة.

قلت: (الملاقي للنجس، و ان كان عنوانا للنجاسة، لكنه ليس وجها من وجوه النجاسة، في مقابلة غيره) من سائر النجاسات. بل الملاقي للنجس احد مصاديق المتأثر بسائر النجاسات. (و لذا) الذي ذكرناه من ان الملاقي للنجس فرع، لا انه اصل برأسه كسائر النجاسات، كان الفقهاء (لم يعدوه) اي الملاقي للنجس (عنوانا) مستقلا (في مقابل العناوين النجسة).

و على تقدير الاستدلال بالعلة يرد عليه ما اشار إليه بقوله:

(مع ما عرفت من لزوم تخصيص الاكثر، لو اريد به) اي بالتعليل

ص: 173

المنع عن استعمال كل متنجس.

«و منها»- ما دل على الأمر بإهراق المائعات الملاقية للنجاسة و إلقاء ما حول الجامد من الدهن و شبهه و طرحه. و قد تقدم بعضها في مسألة الدهن و بعضها الآخر متفرقة، مثل قوله: «يهريق المرق» و نحو ذلك.

______________________________

(المنع عن استعمال كل متنجس) فان اللباس، و الفراش، و المسكن، و المركب يجوز استعمالها قطعا فيما لا يشترط بالطهارة. ثم ان من المحتمل ان يكون قوله: «لو اريد به» اي «بوجوه النجس» فيكون اشكالان على «إرادة الاعم من المتنجس» من لفظة: «وجوه النجس».

( «منها»-) اي من الاخبار التي استدل بها على اصالة الاجتناب عن كل متنجس الا ما خرج (ما دل على الأمر باهراق المائعات الملاقية للنجاسة) كما في باب الوضوء، من الامر باهراق المشتبه بالبنجس بين الإناءين، و كما في باب الاطعمة و الاشربة من الامر باهراق المرق النجس و لو جاز الانتفاع بهذه الامور و لو في اطعام الصبي او الحيوان لم يكن وجه للامر باهراقها. و يتم الحكم في سائر المتنجسات بعدم القول بالفصل (و) كذا ما دل على (القاء ما حول الجامد من الدهن و شبهه و طرحه) و لو جاز الاستعمال في الطلي و الصابون و ما اشبه، لم يكن وجه لالقائه.

(و قد تقدم بعضها) اي بعض هذه الاخبار (في مسألة الدهن) المتنجس (و بعضها الآخر متفرقة، مثل قوله: «يهريق المرق») في باب الاطعمة (و نحو ذلك) كيهريقهما و يتيمم، في باب الإناءين المشتبهين في مسألة الوضوء.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 1، ص: 175

ص: 174

«و فيه» ان طرحها كناية عن عدم الانتفاع بها في الاكل. فان ما امر بطرحه من جامد الدهن و الزيت يجوز الاستصباح به اجماعا. فالمراد اطراحه من ظرف الدهن و ترك الباقي للأكل.

و اما الاجماعات ففي دلالتها على المدعى نظر، يظهر من ملاحظتها.

فان الظاهر من كلام السيد المتقدم ان مورد الاجماع هو نجاسة ما باشره اهل الكتاب، و اما حرمة الاكل

______________________________

( «و فيه» ان طرحها) اي المائعات و الجامدات المتنجسة (كناية) عرفا (عن عدم الانتفاع بها في الأكل) و ما اشبه مما يشترط بالطهارة (فان ما امر بطرحه من جامد الدهن و الزيت يجوز الاستصباح به اجماعا) قوله «فان» دليل على ان «الطرح» في الرواية «كناية» و ليس المراد:

الطرح حقيقة، لانه لو وجب الطرح، كيف جاز الاستصباح؟ (فالمراد اطراحه من ظرف الدهن و ترك الباقي للاكل) لا اطراحه اطلاقا. و قد تقدم شبه ذلك في مسألة المذكى المشتبه بالميتة، و ان الطرح في مقابل الاكل، لا في مقابل البيع ممن يستحل، و الذي يؤيد ذلك: جواز الانتفاع بالأجزاء التي لم تحلها الحياة من الميتة.

(و اما) استدلال القائل باصالة عدم جواز استعمال المتنجس الا ما خرج بالدليل، ب (الاجماعات) التي تقدمت حكايتها (ففي دلالتها على المدعى) لهذا القائل (نظر، يظهر) وجه النظر (من ملاحظتها) بدقة و امعان، (فان الظاهر من كلام السيد) المرتضى (المتقدم) صفة «كلام» (ان مورد الاجماع، هو نجاسة ما باشره اهل الكتاب، و اما حرمة الاكل

ص: 175

و الانتفاع، فهي من فروعها المتفرعة على النجاسة، لا ان معقد الاجماع حرمة الانتفاع بالنجس. فان خلاف باقي الفقهاء في اصل النجاسة في اهل الكتاب لا في اصل النجس.

و اما اجماع الخلاف فالظاهر ان معقده ما وقع الخلاف فيه بينه و بين من ذكر من المخالفين، اذ فرق بين دعوى الاجماع على محل النزاع بعد تحريره و بين دعواه ابتداء على الاحكام المذكورات في عنوان المسألة، فان الثاني

______________________________

و الانتفاع) فليس مصب الاجماع (فهي) اي الحرمة (من فروعها) اي فروع النجاسة (المتفرعة على النجاسة، لا ان معقد الاجماع حرمة الانتفاع بالنجس) مطلقا، و الذي يدل على ان الاجماع للنجاسة، لا لحرمة الانتفاع ما اشار إليه المصنف- رحمه اللّه- بقوله: (فان خلاف باقي الفقهاء) من العامة (في اصل النجاسة في اهل الكتاب) فان المشهور بين علماء العامة طهارة اهل الكتاب (لا) باقي الفقهاء يختلفون معنا (في اصل النجس) حتى يكون دعوى السيد للاجماع في قبالهم.

(و اما اجماع الخلاف) للشيخ الطوسي (فالظاهر ان معقده) و مصبه (ما وقع الخلاف فيه بينه و بين من ذكر من المخالفين) اي جواز الاستصباح، لان دعواه الاجماع منصب على «عدم جواز جميع الاستعمالات» (اذ فرق بين دعوى الاجماع على محل النزاع بعد تحريره) فان مثل هذا الاجماع ينصب على محل النزاع فقط (و بين دعواه ابتداء على الاحكام المذكورات في عنوان المسألة) كأن يقول: البيع، و الاستعمال، و الاكل لا يجوز بالنسبة الى النجس، اجماعا- مثلا- (فان الثاني) اي الاجماع

ص: 176

يشمل الاحكام كلها، و الاول لا يشمل الا الحكم الواقع مورد الخلاف، لانه الظاهر من قوله: «دليلنا اجماع الفرقة». فافهم و اغتنم.

و اما اجماع السيد في الغنية فهو في اصل مسألة «تحريم بيع النجاسات و «استثناء الكلب المعلم» و «الزيت المتنجس». لا فيما ذكره من ان حرمة بيع المتنجس من حيث دخوله فيما يحرم الانتفاع. نعم هو قائل بذلك.

و بالجملة، فلا ينكر ظهور كلام السيد في حرمة

______________________________

الذي ادعى ابتداء (يشمل الاحكام) المذكورة في العنوان (كلها، و الاول) اي دعوى الاجماع على محل النزاع بعد تحريره (لا يشمل الا الحكم الواقع مورد الخلاف لانه) اي الحكم الواقع مورد الخلاف فقط- لا كل حكم ذكر في المسألة- هو (الظاهر من قوله: «دليلنا اجماع الفرقة» فافهم) هذه النكتة (و اغتنم) لكن اورد المجاهد الشيرازي «1» على قوله «فالظاهر ان معقده» ما لا يخلو من وجه فراجع.

(و اما اجماع السيد) ابن زهرة (في الغنية فهو في اصل مسألة «تحريم بيع النجاسات» و) في مسألة ( «استثناء الكلب المعلم» و «الزيت المتنجس». لا) ان الاجماع (فيما ذكره من ان حرمة بيع المتنجس) انما هو (من حيث دخوله) اي المتنجس (فيما يحرم الانتفاع. نعم هو) السيد (قائل بذلك) اي بان المتنجس داخل فيما يحرم الانتفاع به، لكن لم يدع على هذه الفتوى الاجماع.

(و بالجملة، فلا ينكر ظهور كلام السيد) ابن زهرة (في حرمة

______________________________

(1) هو المرحوم الشيخ ميرزا محمد تقي رحمه اللّه.

ص: 177

الانتفاع بالنجس الذاتي و العرضي، لكن دعواه الاجماع على ذلك بعيدة عن مدلول كلامه جدا، و كذلك لا ينكر كون السيد و الشيخ قائلين بحرمة الانتفاع بالمتنجس، كما هو ظاهر المفيد، و صريح الحلي. لكن دعواهما الاجماع على ذلك ممنوعة عند المتأمل المنصف.

«ثم» على تقدير تسليم دعواهم الاجماعات فلا ريب في وهنها بما يظهر من اكثر المتأخرين، من قصر حرمة الانتفاع على امور خاصة.

______________________________

الانتفاع بالنجس الذاتي) اي اعيان النجاسات (و العرضي) اي المتنجسات (لكن دعواه الاجماع على ذلك) اي على تحريم الانتفاع بالمتنجسات (بعيدة عن مدلول كلامه جدا) و لو شك في ان مصب اجماعه كل ما ذكره سابقا، او خصوص حرمة الانتفاع بالذاتي، كان غير المتيقن محل منع، فلا يتحقق الاجماع الذي هو حجة- على تقدير حجية اجماعه- في الانتفاع بالمتنجسات. (و كذلك لا ينكر كون السيد) المرتضى (و الشيخ) الطوسي (قائلين بحرمة الانتفاع بالمتنجس، كما هو ظاهر المفيد، و صريح الحلي) في السرائر. (لكن دعواهما): السيد و الشيخ (الاجماع) الذي في كلامهما (على ذلك) اي تحريم الانتفاع (ممنوعة عند المتأمل المنصف) فلا اجماع في المسألة.

( «ثم» على تقدير تسليم دعواهم) اي السيدين و الشيخ (الاجماعات) على حرمة كل انتفاع بالمتنجس عدا ما استثني (فلا ريب في وهنها بما يظهر من اكثر المتأخرين، من قصر حرمة الانتفاع على امور خاصة). و ليس مثل هذا الاجماع كاشفا عن قول المعصوم، و لا موجبا للحدس القطعي،

ص: 178

قال في المعتبر- في احكام الماء القليل المتنجس-: «و كل ماء حكم بنجاسته لم يجز استعماله- الى ان قال-: «و نريد بالمنع عن استعماله:

الاستعمال في الطهارة، و ازالة الخبث، و الاكل و الشرب، دون غيره، مثل بل الطين، و سقي الدابة» انتهى.

اقول: ان بل الصبغ، و الحناء بذلك الماء داخل في الغير، فلا يحرم الانتفاع بهما.

و اما العلامة فقد قصر حرمة استعمال الماء المتنجس في التحرير و القواعد و الارشاد، على الطهارة و الاكل و الشرب،

______________________________

فلا حجية فيه.

(قال) المحقق (في المعتبر- في احكام الماء القليل المتنجس-: «و كل ماء حكم بنجاسته لم يجز استعماله- الى ان قال-: «و نريد بالمنع عن استعماله: الاستعمال في الطهارة)، كالوضوء و الغسل (و) في (ازالة الخبث، و) في (الاكل و الشرب، دون) استعماله في (غيره) اي غير ما ذكر (مثل بل الطين و سقي الدابة انتهى).

(اقول): ليس مراد المحقق اختصاص الجواز ببل الطين و سقي الدابة، بل (ان بل الصبغ، و الحناء بذلك الماء) و تبريد الجسد و بل الجص، و سائر انحاء الاستعمالات (داخل في الغير). اي في لفظة «الغير» التي ذكرها المحقق في كلامه. (فلا يحرم الانتفاع بهما) و بسائر الاستعمالات.

(و اما العلامة فقد قصر حرمة استعمال الماء المتنجس في التحرير و القواعد و الارشاد على الطهارة و الاكل و الشرب) و معناه الجواز في

ص: 179

و جوز في المنتهى الانتفاع بالعجين النجس في علف الدواب، محتجا بان المحرم على المكلف تناوله، و بانه انتفاع فيكون سائغا، للاصل.

و لا يخفى- ان كلا دليليه صريح في حصر التحريم في اكل العجين المتنجس و قال الشهيد- في قواعده-: النجاسة ما حرم استعماله في الصلاة و الأغذية. ثم ذكر ما يؤيد المطلوب.

و قال في الذكرى- في احكام النجاسة-: «تجب ازالة النجاسة عن الثوب و البدن. ثم ذكر المساجد و غيرها-

______________________________

غير هذه الثلاثة (و جوز) العلامة (في المنتهى الانتفاع بالعجين النجس في علف الدواب، محتجا) لذلك (بان المحرم على المكلف تناوله) اي تناول العجين النجس (و بانه) اي تعليف الدابة بالعجين النجس (انتفاع فيكون سائغا) جائزا، (للاصل) لان كل شي ء لك حلال.

(و لا يخفى. ان كلا دليليه) و هو قوله «بان المحرم الخ» و قوله «للأصل» (صريح في حصر التحريم في اكل العجين المتنجس) اما سائر استعمالاته فجائز حلال.

(و قال الشهيد) الاول (- في قواعده-: النجاسة ما حرم استعماله في الصلاة و) في (الأغذية. ثم ذكر ما يؤيد المطلوب) من جواز استعمال المتنجس في سائر الامور.

(و قال في الذكرى- في احكام النجاسة-: تجب ازالة النجاسة عن الثوب و البدن. ثم ذكر) ازالة النجاسة عن (المساجد و غيرها-

ص: 180

الى ان قال-: و عن كل مستعمل في اكل او شرب أو ضوء تحت ظل.

للنهي عن النجس، و للنص. انتهى.

و مراده- بالنهي عن النجس-: النهي عن اكله. و مراده- بالنص-: ما ورد من المنع عن الاستصباح بالدهن المتنجس تحت السقف.

فانظر الى صراحة كلامه في ان المحرم من الدهن المتنجس بعد الاكل و الشرب خصوص الاستضاءة تحت الظل للنص.

و هو المطابق لما حكاه المحقق الثاني في حاشية الارشاد عنه- قدس سره- في بعض فوائده من جواز الانتفاع بالدهن المتنجس، في جميع ما يتصور من فوائده.

______________________________

الى ان قال-: و عن كل مستعمل في اكل او شرب او ضوء تحت ظل) في مقابل الاستصباح تحت السماء الذي يجوز بالدهن المتنجس (للنهي عن النجس و للنص انتهى) كلام الشهيد في الذكرى.

(و مراده- بالنهي عن النجس-: النهي عن اكله. و مراده- بالنص-:

ما ورد من المنع عن الاستصباح بالدهن المتنجس تحت السقف). كما تقدم ذلك. (فانظر الى صراحة كلامه) اي كلام الذكرى (في ان المحرم من الدهن المتنجس بعد الاكل و الشرب خصوص الاستضاءة تحت الظل) و السقف (للنص) لا ان الاصل هو المنع، بل الاصل الجواز الا ما خرج بالنص.

(و هو) اي هذا التصريح هو (المطابق لما حكاه المحقق الثاني في حاشية الارشاد عنه- قدس سره- في بعض فوائده) اي فوائد الشهيد الاول (من جواز الانتفاع بالدهن المتنجس، في جميع ما يتصور من فوائده) كالتطلية، و صنع الصابون

ص: 181

و قال المحقق و الشهيد الثانيان في المسالك، و حاشية الارشاد- عند قول المحقق و العلامة قدس سرهما: «تجب ازالة النجاسة عن الاواني»-:

ان هذا اذا استعملت فيما يتوقف استعماله على الطهارة، كالاكل و الشرب.

و سيأتي عن المحقق الثاني في حاشية الارشاد في مسألة الانتفاع بالاصباغ المتنجسة ما يدل على عدم توقف جواز الانتفاع بها على الطهارة.

و في المسالك- في ذيل كلام المحقق قدس سره «و كل مائع نجس عدا الادهان»- قال: لا فرق في عدم جواز بيعها،

______________________________

و التمريخ، و ما اشبه.

(و قال المحقق و الشهيد الثانيان) المراد بالمحقق «الكركي» قدس سره (في المسالك، و حاشية الارشاد،- عند قول المحقق) الاول (و العلامة قدس سرهما: «تجب ازالة النجاسة عن الاواني»-: ان هذا اذا استعملت) الاواني (فيما يتوقف استعماله على الطهارة، كالاكل و الشرب) و مفهومه جواز استعمال الأواني النجسة فيما لا يتوقف على الاكل و الشرب، كالتعجين للدابة، و التبليل للطين، و ما اشبه ذلك.

(و سيأتي عن المحقق الثاني في حاشية الارشاد في مسألة الانتفاع بالاصباغ المتنجسة ما يدل على عدم توقف جواز الانتفاع بها على الطهارة) فيجوز استعمالها في جميع الامور عدا ما استثني مما يتوقف على الطهارة.

(و في المسالك- في ذيل كلام المحقق قدس سره «و كل مائع نجس عدا الادهان»- قال) صاحب المسالك: (لا فرق في عدم جواز بيعها

ص: 182

على القول بعدم قبولها للطهارة، بين صلاحيتها للانتفاع على بعض الوجوه و عدمه، و لا بين الاعلام بحالها و عدمه، على ما نص عليه الاصحاب.

و اما الادهان المتنجسة بنجاسة عارضية كالزيت تقع فيه الفارة، فيجوز بيعها لفائدة الاستصباح بها. و انما خرج هذا الفرد بالنص و الا فكان ينبغي مساواتها لغيرها من المائعات المتنجسة التي يمكن الانتفاع بها في بعض الوجوه.

______________________________

على القول بعدم قبولها للطهارة بين صلاحيتها للانتفاع على بعض الوجوه و عدمه) اي عدم صلوحها للانتفاع، و المراد ببعض الوجوه: مثل بل الطين، و التعجين لعلف الدابة و ما اشبه. (و لا بين الاعلام بحالها) لمن يشتريها (و عدمه) اي عدم الاعلام (على ما نص عليه الاصحاب) من عدم الجواز مطلقا.

و قوله: «على القول بعدم قبولها للطهارة» اشارة الى ما اختاره العلامة في بعض كتبه من امكان تطهير الدهن المتنجس بإلقائه في كر حار فانه بفوران الماء تتقلب اجزاء الدهن فيه فيطهر، لكن المشهور عدم امكان طهارته، لعدم العلم بوصول الماء الى الأجزاء النجسة.

(و اما الادهان المتنجسة بنجاسة عارضية، كالزيت تقع فيه الفارة، فيجوز بيعها لفائدة الاستصباح بها) اي بتلك الادهان (و انما خرج هذا الفرد) من «عدم جواز بيع ما لا يقبل الطهارة» (بالنص) الذي تقدم (و الا فكان ينبغي مساواتها) اي الادهان المتنجسة (لغيرها من المائعات المتنجسة التي يمكن الانتفاع بها في بعض الوجوه) و مع ذلك لا يجوز

ص: 183

و قد ألحق بعض الاصحاب ببيعها للاستصباح بيعها ليعمل صابونا، او يطلى بها الاجرب و نحو ذلك.

و يشكل بانه خروج عن مورد النص المخالف للاصل، فإن جاز لتحقق المنفعة فينبغي مثله في المائعات النجسة التي ينتفع بها، كالدبس يطعم النحل و نحوه. انتهى.

و لا يخفى ظهوره في جواز الانتفاع

______________________________

بيعها. إلى هنا كان كلام الشهيد تفسيرا لكلام المحقق، و فيه شاهد لما يريده المصنف من جواز الانتفاع بالمتنجس مطلقا.

(و قد ألحق بعض الاصحاب ب) جواز (بيعها) اي الادهان المتنجسة (للاستصباح بيعها ليعمل صابونا او يطلى بها الاجرب و نحو ذلك) من سائر المنافع المحللة.

(و يشكل) هذا الالحاق (بانه خروج عن مورد النص المخالف للاصل) فانه على تقدير كون الأصل في المتنجسات عدم جواز البيع يكون البيع للاستصباح خروجا عن الاصل، للنص، فاذا لم يكن نص في التطلية و التصبين و ما اشبه، كانت القاعدة عدم الجواز. (فان) قيل بانه (جاز) البيع لسائر الانتفاعات (لتحقق المنفعة) المحللة المقصودة (فينبغي مثله في المائعات النجسة التي ينتفع بها) في غير الاكل و الشرب و ما اشبه- مما لا يجوز- (كالدبس يطعم النحل) به (و نحوه. انتهى).

(و لا يخفى ظهوره) اي ظهور كلام الشهيد (في جواز الانتفاع

ص: 184

بالمتنجس، و كون المنع من بيعه- لاجل النص- يقتصر على مورده.

و كيف كان- فالمتتبع في كلام المتأخرين يقطع بما استظهرناه من كلماتهم.

و الذي اظن- و ان كان الظن لا يغني لغيري شيئا- ان كلمات القدماء ترجع الى ما ذكره المتأخرون، و ان المراد بالانتفاع في كلمات القدماء الانتفاعات الراجعة الى الاكل و الشرب و اطعام الغير و بيعه على نحو بيع ما يحل اكله.

«ثم» لو فرضنا مخالفة القدماء كفى موافقة المتأخرين في دفع الوهن عن

______________________________

بالمتنجس، و كون المنع من بيعه- لاجل النص- يقتصر على مورده).

(و كيف كان) الامر سواء كان كلام الشهيد- هنا- ظاهرا فيما ذكرناه أم لا (فالمتتبع في كلام المتأخرين يقطع بما استظهرناه من كلماتهم) من انهم يرون ان الاصل جواز الانتفاع الا ما خرج، خلافا للقدماء الذين كانوا يرون الاصل عدم جواز الانتفاع الا ما خرج.

(و الذي اظن- و ان كان الظن لا يغني لغيرى شيئا-) و انما يغنيني لان ظني سبب استظهاري و هو حجة علي لا على غيري (ان كلمات القدماء) أيضا (ترجع الى ما ذكره المتأخرون، و ان المراد بالانتفاع) المحرم (في كلمات القدماء) ليس مطلق الانتفاعات، حتى يقال بان الاصل عندهم عدم جواز الانتفاع الا ما خرج، و انما (الانتفاعات الراجعة الى الاكل و الشرب و اطعام الغير و بيعه على نحو بيع ما يحل اكله) من دون تنبيه و لا اعلام.

( «ثم» لو فرضنا محالفة القدماء) لما ذكرناه من اصالة الجواز المستفادة من القواعد الشرعية (كفى موافقة المتأخرين في دفع الوهن عن

ص: 185

الاصل و القاعدة السالمين عما يرد عليهما.

«ثم» على تقدير جواز غير الاستصباح من الانتفاعات فالظاهر جواز بيعه لهذه الانتفاعات، وفاقا للشهيد و المحقق الثانى «قدس سرهما» قال الثانى- في حاشية الارشاد في ذيل قول العلامة «الا الدهن للاستصباح»-:

ان في بعض الحواشي المنسوبة الى شيخنا الشهيد «ان الفائدة لا تنحصر في ذلك، اذ مع فرض فائدة اخرى للدهن لا تتوقف على طهارته يمكن بيعه لها

______________________________

الاصل) المقتضي للبراءة عن الحرمة (و القاعدة) المقتضية لحل ما في الارض امساكا و انتفاعا و تقلبا الا ما خرج (السالمين عما يرد عليهما) مما استدل به المانع، من الآيات و الاخبار و الاجماعات، التي تقدمت و تقدم الايراد على دلالتها. هذا تمام الكلام في جواز الانتفاع بالمتنجسات.

( «ثم» على تقدير جواز غير الاستصباح من الانتفاعات) كما اخترناه (فالظاهر جواز بيعه) اي المتنجس (لهذه الانتفاعات) اي ان يكون البيع لاجل هذه المنافع، لا البيع مطلقا، و لا البيع لاجل المنافع المحرمة (وفاقا للشهيد) الاول (و المحقق الثاني «قدس سرهما» قال الثاني) اي المحقق الكركي (- في حاشية الارشاد في ذيل قول العلامة «الا الدهن للاستصباح»-: ان في بعض الحواشي المنسوبة الى شيخنا الشهيد) الاول ( «ان الفائدة) في الدهن المتنجس (لا تنحصر في ذلك،) الاستصباح (اذ مع فرض فائدة اخرى للدهن) المتنجس بحيث (لا تتوقف) تلك الفائدة (على طهارته) اي طهارة الدهن (يمكن) اي يجوز (بيعه لها)

ص: 186

كاتخاذ الصابون منه. قال و هو مروي و مثله طلي الدواب» اقول: لا بأس بالمصير الى ما ذكره شيخنا، و قد ذكر ان به رواية. انتهى.

اقول: و الرواية اشارة الى ما عن الراوندي في كتاب النوادر باسناده عن ابي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام، و فيه «سئل عليه السلام عن الشحم يقع فيه شي ء له دم فيموت؟ قال عليه السلام: تبيعه لن يعمله صابونا» الخبر.

______________________________

اي لتلك الفائدة (كاتخاذ الصابون منه) اي من الدهن المتنجس (قال) الشهيد «رحمه اللّه» (و هو مروي) اي جواز اتخاذ الصابون من الدهن المتنجس (و مثله) اي مثل اتخاذ الصابون (طلي الدواب») ثم قال الكركي (اقول: لا بأس بالمصير الى ما ذكره شيخنا) الشهيد على القاعدة (و قد ذكر ان به رواية) و هي تؤيد القاعدة (انتهى) كلام الكركي.

(اقول: و الرواية اشارة الى ما عن الراوندي في كتاب النوادر باسناده عن ابي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام، و فيه) اي في هذا الحديث ( «سئل عليه السلام عن الشحم يقع فيه شي ء له دم فيموت) يعني ما حكمه؟ (قال عليه السلام: تبيعه لمن يعلمه صابونا») الى آخر (الخبر) و هذا صريح في جواز البيع لغير الاستصباح. و مثله ما عن الجعفريات باسناده الى علي عليه السلام «انه سئل عن الزيت يقع فيه شي ء له دم فيموت، قال عليه السلام: الزيت خاصة يبيعه لمن يعمله صابونا» و في خبر الدعائم عن علي عليه السلام- في خبر- في الزيت يعمله صابونا ان شاء.

ص: 187

بيع غير الدهن من المتنجسات

ثم لو قلنا بجواز البيع في الدهن لغير المنصوص من الانتفاعات المباحة فهل يجوز بيع غيره من المتنجسات المنتفع بها في المنافع المقصودة المحللة كالصبغ و الطين و نحوهما، أم يقتصر على المتنجس المنصوص- و هو الدهن- غاية الامر التعدي من حيث غاية البيع الى غير الاستصباح؟ اشكال:

من ظهور استثناء الدهن- في كلام المشهور- في عدم جواز بيع ما عداه

______________________________

( «ثم» لو قلنا بجواز البيع في الدهن) النجس (لغير المنصوص) كالاسراج و التصبين و غيرهما (من الانتفاعات المباحة) كالتطلية و التمريخ (فهل يجوز بيع غيره) اي غير الدهن (من المتنجسات المنتفع بها في المنافع المقصودة المحللة كالصبغ و الطين و نحوهما أم يقتصر) في جواز البيع (على المتنجس المنصوص و هو الدهن) المتنجس (غاية الامر) في التعدي عن مورد النص (التعدي من حيث غاية البيع الى غير الاستصباح) و التصبين (اشكال). هذا جواب «هل».

و الحاصل: ان النص ورد في جواز بيع الدهن المتنجس للاستصباح و التصبين، و هناك تعديان عن مورد النص: الاول- بيع الدهن المتنجس لسائر الامور كالتطلية و نحوها. الثاني- بيع غير الدهن من سائر المتنجسات لاجل منفعة محللة، كبيع الصبغ النجس لاجل التصبيغ، و بيع الطين النجس لاجل التطيين، و بيع الدبس النجس لاجل تطعيم النحل، فان قلنا بصحة التعدي الاول فهل يصح التعدي الثاني أم لا؟ احتمالان:

الاحتمال الاول- عدم جواز التعدي (من) جهة (ظهور استثناء الدهن- في كلام المشهور- في عدم جواز بيع ما عداه) فانهم قالوا:

ص: 188

بل عرفت من المسالك: نسبة عدم الفرق بين ماله منفعة محللة، و ما ليست له- الى نص الاصحاب.

و مما تقدم في مسألة جلد الميتة: من ان الظاهر من كلمات جماعة من القدماء و المتأخرين- كالشيخ في الخلاف، و ابن زهرة، و العلامة، و ولده، و الفاضل المقداد، و المحقق الثاني و غيرهم- دوران المنع عن بيع النجس مدار جواز الانتفاع به و عدمه، الا ما خرج بالنص، كأليات الميتة مثلا، او مطلق نجس العين على

______________________________

لا يجوز البيع الا في الدهن، فمعناه عدم جواز بيع غير الدهن (بل عرفت من المسالك: نسبة عدم الفرق بين ماله منفعة محللة، و ما ليست له) منفعة محللة (الى نص الاصحاب) فوجود المنفعة المحللة لا تجوز البيع في غير الدهن.

(و) الاحتمال الثاني- جواز التعدي (من) جهة (ما تقدم في مسألة جلد الميتة: من ان الظاهر من كلمات جماعة من القدماء و المتأخرين كالشيخ في الخلاف، و ابن زهرة، و العلامة، و ولده، و الفاضل المقداد و المحقق الثاني) الكركي (و غيرهم، دوران المنع عن بيع النجس مدار جواز الانتفاع به و عدمه) فاذا جاز الانتفاع جاز البيع، و اذا لم يجز الانتفاع لم يجز البيع. (الا ما خرج بالنص) اي انه يجوز البيع كلما جاز الانتفاع الا ما خرج بالنص، فانه و ان جاز الانتفاع لم يجز البيع في أشياء مخصوصة، و ذلك للنص بعدم جواز البيع (كأليات الميتة مثلا، او مطلق نجس العين) كالعذرة ينتفع بها في التسميد، و مع ذلك لا يجوز بيعها (على

ص: 189

ما سيأتي من الكلام فيه.

و هذا هو الذي يقتضيه استصحاب الحكم قبل التنجس و هي القاعدة المستفادة من قوله عليه السلام- في رواية تحف العقول-: «ان كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات، فذلك كله حلال» و ما تقدم من رواية دعائم الاسلام، من «حل بيع كل ما يباح الانتفاع به».

و اما قوله تعالى: «فَاجْتَنِبُوهُ» و قوله تعالى: «وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ»

______________________________

ما سيأتي من الكلام فيه) اي في مطلق نجس العين.

(و هذا) الاحتمال الثاني- اي جواز بيع كل ما يجوز الانتفاع به، الا ما خرج بالنص- (هو الذي يقتضيه استصحاب الحكم) اي الحكم بجواز البيع (قبل التنجس) فان الصبغ قبل ان يتنجس كان جائز البيع، فكذلك اذا تنجس، للاستصحاب، و من المعلوم ان الموضوع قبل النجاسة و بعدها واحد، فلا يمكن ان يقال: ان النجاسة اوجبت تغير الموضوع، فلا مجال للاستصحاب. (و هي) اي جواز بيع كل ما يجوز الانتفاع به الا ما خرج بالنص- و تأنيث الضمير باعتبار الخبر- (القاعدة المستفادة من قوله عليه السلام- في رواية تحف العقول-: «ان كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات، فذلك كله حلال») فان الصبغ- مثلا- فيه جهة صلاح فيجوز بيعه و امساكه و سائر انحاء التقلب فيه. (و ما تقدم من رواية دعائم الاسلام، من «حل بيع كل ما يباح الانتفاع به») بل و مطلقات «تجارة عن تراض» «و احل اللّه البيع» و غيرهما.

(و اما قوله تعالى: «فَاجْتَنِبُوهُ» و قوله تعالى: «وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ»)

ص: 190

فقد عرفت انهما لا تدلان على حرمة الانتفاع بالمتنجس فضلا عن حرمة البيع على تقدير جواز الانتفاع.

و من ذلك يظهر عدم صحة الاستدلال فيما نحن فيه بالنهي في رواية تحف العقول «عن بيع شي ء من وجوه النجس» بعد ملاحظة تعليل المنع فيها بحرمة الانتفاع.

و يمكن حمل كلام من اطلق المنع من بيع النجس الا الدهن لفائدة الاستصباح، على إرادة المائعات النجسة التي لا ينتفع بها في غير الاكل

______________________________

و سائر ما دل على هجر النجس من الروايات (فقد عرفت انهمالا تدلان على حرمة الانتفاع بالمتنجس) انتفاعا محللا مقصودا (فضلا عن) دلالتهما على (حرمة البيع، على تقدير جواز الانتفاع) فلا يرد على اصالة جواز البيع و قاعدة جواز البيع شي ء من الآيات المذكورة، لتكون رافعة للاصل، و مخصصة للقاعدة.

(و من ذلك) الذي ذكرنا من عدم دلالة الآية (يظهر عدم صحة الاستدلال فيما نحن فيه) لعدم جواز بيع المتنجس (بالنهي في رواية تحف العقول، عن بيع شي ء من وجوه النجس، بعد ملاحظة تعليل المنع فيها) اي في الرواية المذكورة (بحرمة الانتفاع) اذ نفس الرواية تدل على انه اذا لم يحرم الانتفاع جاز البيع، فهي لنا لا علينا.

(و يمكن حمل كلام من اطلق المنع عن بيع النجس الا الدهن لفائدة الاستصباح، على إرادة المائعات النجسة التي لا ينتفع بها في غير الاكل

ص: 191

و الشرب، منفعة محللة مقصودة من امثالها.

و يؤيده تعليل استثناء الدهن بفائدة الاستصباح نظير استثناء بول الابل للاستشفاء

______________________________

و الشرب منفعة محللة مقصودة من امثالها) «من» متعلق ب «مقصودة» اي ان المنفعة المقصودة من امثال هذه المائعات النجسة، لا ينتفع بتلك المنفعة من هذه المائعات.

و الحاصل: ان مرادهم عدم جواز البيع في المائعات النجسة لانها لا فائدة فيها، بخلاف الدهن فانه يجوز بيعه لان فيه فائدة و هي الاستصباح فاللام في قولهم «للاستصباح» للعلية. فليس هناك من يمنع عن بيع ما فيه الفائدة من المتنجسات، و حينئذ يصح ما ذكرناه من اصل جواز بيع كل ما فيه فائدة الا ما خرج بالدليل.

(و يؤيده) اي ما ذكرنا من ان مرادهم بالمستثنى منه ما لا فائدة فيه (تعليل) هؤلاء الفقهاء (استثناء الدهن) المتنجس (ب) قولهم: ل (فائدة الاستصباح) فالاستثناء منقطع، فكأنهم قالوا: لا يصح بيع النجس الذي لا فائدة فيه. اما بيع الدهن النجس فانه جائز لوجود الفائدة فيه- و هو الاستصباح-، و انما قال: «يؤيده» لاحتمال ان يكون «اللام» في قولهم «للاستصباح» للغاية، لا للعلية، بمعنى انه «يجوز بيع ينتهي الى الاستصباح» لا ان المعنى «يجوز البيع لان فيه فائدة محللة هي الاستصباح» فيكون استثناء الدهن- على العلية- (نظير استثناء) الفقهاء (بول الابل) و تعليلهم الاستثناء بقولهم (للاستشفاء) فان «اللام» هنا للعلية، لا للغاية

ص: 192

و ان احتمل ان يكون ذكر الاستصباح لبيان ما يشترط ان يكون غاية للبيع:

قال في جامع المقاصد- في شرح قول العلامة: «الا الدهن لتحقق فائدة الاستصباح به تحت السماء خاصة» قال: و ليس المراد ب «خاصة» بيان حصر الفائدة في الاستصباح كما هو الظاهر. و قد ذكر شيخنا الشهيد في حواشيه: ان في رواية جواز اتخاذ الصابون من الدهن المتنجس. و صرح مع ذلك

______________________________

فالمعنى انما جاز بيع بول الابل لان فيه منفعة هي الاستشفاء (و ان احتمل ان يكون ذكر الاستصباح) في قولهم «للاستصباح» (لبيان ما يشترط ان يكون غاية للبيع) فاللام للغاية، لا للعلية.

«ثم» ان المصنف «رحمه اللّه» ذكر كلام جامع المقاصد شاهدا على ان مرادهم ب «للاستصباح» العلة. لا الغاية، حتى يستدل بانهم انما يمنعون بيع ما لا فائدة فيه من المتنجسات، لا انهم يمنعون بيع كل متنجس مطلقا، الا ما خرج بالدليل.

(قال في جامع المقاصد- في شرح قول العلامة «الا الدهن لتحقق فائدة الاستصباح به تحت السماء خاصة» قال) المحقق الكركي: (و ليس المراد ب «خاصة») في كلام العلامة (بيان حصر الفائدة) للدهن (في الاستصباح، كما هو الظاهر) اي يظهر من كلامه انه يريد عدم جواز استفادة اخرى من الدهن النجس غير الاستصباح (و) كيف يريد العلامة الحصر و الحال انه (قد ذكر شيخنا الشهيد) الاول (في حواشيه: ان في رواية جواز اتخاذ الصابون من الدهن المتنجس) و هذا يدل على ان «خاصة» في كلام العلامة لا يراد به الاستصباح فقط (و صرح) الشهيد (مع ذلك)

ص: 193

بجواز الانتفاع به فيما يتصور من فوائده كطلي الدواب.

ان قيل: ان العبارة تقتضي حصر الفائدة، لان الاستثناء في سياق النفي يفيد الحصر، فان المعنى في العبارة: الا الدهن النجس لهذه الفائدة.

قلنا: ليس المراد ذلك، لان الفائدة بيان لوجه الاستثناء اي الا الدهن لتحقق فائدة الاستصباح، و هذا لا يستلزم الحصر.

______________________________

اي مع تجويزه اتخاذ الصابون علاوة على الاستصباح (بجواز الانتفاع به) اي بالدهن المتنجس (فيما يتصور من فوائده) المحللة (كطلي الدواب)

ف (ان قيل: ان العبارة) اي عبارة العلامة (تقتضي حصر الفائدة) للدهن المتنجس في الاستصباح (لان الاستثناء في سياق النفي يفيد الحصر) لان العلامة قال «و لا يجوز ... الا الدهن للاستصباح» و ظاهره: عدم استعمال الدهن في سائر الامور (فان المعنى في العبارة) للعلامة (الا الدهن النجس لهذه الفائدة) الخاصة اي الاستصباح.

(قلنا: ليس المراد) من لفظة «خاصة» (ذلك) الذي ذكرتم من انه اراد بالخاصة عدم جواز سائر استعمالات الدهن (لان الفائدة) اي قوله: «لفائدة الاستصباح» (بيان لوجه الاستثناء) فالمعنى: أنه إنما نستثني الدهن من عموم عدم الجواز، لوجود فائدة فيه، فاللام للعلة، لا للغاية (اي) لا يجوز (الا الدهن لتحقق فائدة الاستصباح) و ليس المعنى «الا الدهن المنتهي الى الاستصباح» حتى لا يصح انتهاء الدهن الى «الصابون» او «الطلي» (و هذا) المعنى الذي ذكرناه من ان «الفائدة» في كلام العلامة بيان لوجه الاستثناء (لا يستلزم الحصر) بحيث لا يصح

ص: 194

و يكفي في صحة ما قلنا تطرق الاحتمال في العبارة المقتضي لعدم الحصر.

انتهى.

و كيف كان فالحكم بعموم كلمات هؤلاء لكل مائع متنجس مثل الطين و الجص المائعين و الصبغ و شبه ذلك محل تامل.

و ما نسبه في المسالك- من عدم فرقهم في المنع عن بيع المتنجس بين ما يصلح للانتفاع به و ما لا يصلح- فلم يثبت

______________________________

استعمال الدهن في سائر المنافع المحللة، و اذا لم يكن حصرا جاز سائر الاستعمالات المحللة.

(و يكفي في صحة ما قلنا) من ان «اللام» للعلة، لا للغاية (تطرق الاحتمال) اي احتمال العلية (في العبارة) للعلامة (المقتضي) هذا التطرق (لعدم الحصر) اذ مع تطرق هذا الاحتمال، لا ظهور «للام» في الغاية حتى يكون حصرا. (انتهى) كلام جامع المقاصد.

(و كيف كان) سواء كان «اللام» في كلام العلامة للعلة او للغاية (فالحكم بعموم كلمات هؤلاء) العلماء، بمعنى عموم عدم تجويزهم بيع كل نجس فيه فائدة بعدم التعدي عن الدهن الى غير الدهن، كما تعدوا من الاستصباح بالدهن الى سائر فوائد الدهن (لكل مائع متنجس مثل الطين و الجص المائعين و الصبغ و شبه ذلك محل تأمل) بل لا يبعد تعديهم و اجازتهم للبيع في كل مائع متنجس اذا كانت له فائدة محللة مقصودة.

(و ما نسبه في المسالك) إليهم (- من عدم فرقهم في المنع عن بيع المتنجس بين ما يصلح للانتفاع به و ما لا يصلح) للانتفاع به (- فلم يثبت

ص: 195

صحته، مع ما عرفت من كثير من الاصحاب من اناطة الحكم في كلامهم مدار الانتفاع.

و لاجل ذلك استشكل المحقق الثاني- في حاشية الارشاد- فيما ذكره العلامة بقوله: «و لا بأس ببيع ما عرض له التنجيس مع قبول الطهارة» حيث قال: مقتضاه انه لو لم يكن قابلا للطهارة لم يجز بيعه و هو مشكل، اذ الاصباغ المتنجسة لا تقبل التطهير عند الاكثر، و الظاهر جواز بيعها، لان منافعها لا تتوقف على الطهارة.

______________________________

صحته) اي صحة كلام المسالك و نسبته الى العلماء (مع ما عرفت من كثير من الاصحاب من اناطة الحكم في كلامهم مدار الانتفاع) فاذا جاز الانتفاع جاز البيع و اذا لم يجز الانتفاع لم يجز البيع.

(و لاجل ذلك) الذي ذكرناه من انه مع الانتفاع يجوز العلماء البيع (استشكل المحقق الثاني- في حاشية الارشاد- فيما ذكره العلامة بقوله) مما يظهر منه انه لا يجوز البيع مع وجود الفائدة، فان العلامة قال: (و لا بأس ببيع ما عرض له التنجيس مع قبول الطهارة، حيث قال) المحقق:

(مقتضاه) اي مقتضى قول العلامة «مع قبول الطهارة» (انه لو لم يكن قابلا للطهارة لم يجز بيعه) ثم قال المحقق: (و هو مشكل، إذ الاصباغ المتنجسة لا تقبل التطهير عند الاكثر، و) مع ذلك ف (الظاهر جواز بيعها لان منافعها لا تتوقف على الطهارة) فيشمل بيعها عمومات البيع، و الاستصحاب و الاصل.

ص: 196

اللهم الا ان يقال: انها تؤل الى حالة يقبل معها التطهير، لكن بعد جفافها. بل ذلك هو المقصود منها فاندفع الاشكال.

اقول: لو لم يعلم من مذهب العلامة دوران المنع من بيع المتنجس مدار حرمة الانتفاع لم يرد على عبارته اشكال، لان المفروض حينئذ التزامه بجواز الانتفاع بالاصباغ مع عدم جواز بيعها

______________________________

(اللهم الا ان يقال): ان جواز بيعها ل (انها تول الى حالة يقبل معها التطهير، لكن بعد جفافها) لانها حينئذ يصبح اجساما جامدة قابلة لنفوذ الماء فيها كسائر الجوامد (بل ذلك) الجفاف (هو المقصود منها) فهي اجسام يتأتى منها المقصود في حال طهارتها (فاندفع الاشكال) المذكور على العلامة، اذ كلام العلامة كان فيما لا يقبل التطهير، و الاصباغ النجسة قابلة للتطهير.

(اقول: لو لم يعلم من مذهب العلامة دوران المنع من بيع المتنجس مدار حرمة الانتفاع) بان يجوز البيع كلما يجوز الانتفاع و لا يجوز البيع كلما لا يجوز الانتفاع او لم يكن فيه نفع (لم يرد على عبارته اشكال) و هو الذي ذكره المحق الثاني (لان المفروض حينئذ) اي حين عدم العلم بمذهب العلامة- و انه هل يقول بالتلازم بين الانتفاع و البيع، أم لا (التزامه) اي العلامة «رحمه اللّه» (بجواز الانتفاع بالاصباغ) النجسة (مع عدم جواز بيعها) اما لو علمنا من مذهب العلامة انه يقول بالتلازم بين جواز الانتفاع و بين جواز البيع، اشكل عليه بما ذكره المحقق، من انه كيف

ص: 197

الا ان يرجع الاشكال الى حكم العلامة، و انه مشكل على مختار المحقق الثاني لا الى كلامه، و ان الحكم مشكل على مذهب المتكلم

______________________________

يمنع عن بيعها- للنجاسة- مع انه يجوز الانتفاع بها (الا ان يرجع الاشكال) اي اشكال المحقق على العلامة (الى حكم العلامة) فكأن المحقق يقول:

كيف يحكم العلامة بجواز الانتفاع، ثم يحكم بعدم جواز البيع (و انه) اي حكم العلامة بعدم جواز البيع مع جواز الانتفاع (مشكل على مختار المحقق الثاني) الذي يرى التلازم بين جواز البيع و جواز الانتفاع (لا) ان اشكال المحقق يرجع (الى كلامه) اي كلام العلامة (و ان الحكم) بعدم التلازم (مشكل على مذهب المتكلم) الذي هو العلامة «رحمه اللّه».

و الحاصل: انه قد نعلم ان العلامة «يرى التلازم بين جواز الانتفاع و بين جواز البيع» ثم يقول العلامة «و لا يجوز بيع الدهن، مع انه يجوز الانتفاع به» و على هذا يرد اشكال المحقق على العلامة بانه تناقض بين الرأيين فاشكال المحقق حينئذ: «ان حكم العلامة بعدم جواز بيع الأصباغ النجسة مشكل بناء على مذهب نفس العلامة».

و قد لا نعلم ان العلاقة هل «يرى التلازم بين جواز البيع و جواز الانتفاع أم لا»، ثم نرى ان العلامة يقول «بجواز الانتفاع بالاصباغ النجسة، و مع ذلك يقول بعدم جواز بيعها» و على هذا يرد اشكال المحقق على العلامة بانه كيف لا يرى التلازم؟ و على هذا فالاشكال على العلامة ليس اشكالا بانه تناقض في رأييه، و انما الاشكال عليه بانه كيف لا يرى التلازم- و عدم رؤية العلامة التلازم مخالف لما يراه المحقق الثاني من التلازم-

ص: 198

فافهم. «ثم» ان ما دفع به الاشكال من جعل الاصباغ قابلة للطهارة انما ينفع في خصوص الاصباغ. و اما مثل بيع الصابون المتنجس فلا يندفع الاشكال عنه بما ذكره. و قد تقدم منه سابقا جواز بيع الدهن المتنجس ليعمل صابونا، بناء على انه من فوائده المحللة، مع ان ما ذكره

______________________________

(فافهم) فانه كيف يمكن ان يستشكل المحقق على العلامة، مما يراه المحقق، كما هو مقتضى كلام المصنف حيث قال «الا ان يرجع الاشكال».

و حاصل «فافهم»: ان المحقق يريد الاشكال على العلامة بمناقضة رأيي العلامة، لا انه يريد الاشكال على العلامة و مناقضة رأي العلامة لرأي المحقق، اذ لا يرد اشكال على رأي احد بانه مخالف لرأي شخص آخر.

( «ثم» ان ما دفع به) المحقق (الاشكال) الوارد على كلام العلامة (من جعل) المحقق (الاصباغ) النجسة (قابلة للطهارة) بعد الجفاف (انما ينفع) هذا الدفع للاشكال (في خصوص الاصباغ) فانه يجوز بيعها لانها قابلة للطهارة (و اما مثل بيع الصابون المتنجس فلا يندفع الاشكال عنه بما ذكره) المحقق لانه غير قابل للطهارة. اقول: لكن جماعة من الفقهاء يرون امكان تطهير الصابون (و) كيف يستشكل المحقق في الصابون- حسب كلامه- و الحال انه (قد تقدم منه سابقا جواز بيع الدهن المتنجس ليعمل صابونا بناء) من المحقق (على انه) اي صنع الصابون (من فوائده) اي فوائد الدهن المتنجس (المحللة) فكيف يجتمع كلامه في الاصباغ مع كلامه في الصابون و كأن الشيخ «رحمه اللّه» اراد ايراد التناقض على المحقق كما اورد المحقق على العلامة (مع ان ما ذكره) المحقق

ص: 199

- من قبول الصبغ التطهير بعد الجفاف- محل نظر، لان المقصود من قبوله الطهارة قبولها قبل الانتفاع، و هو مفقود في الاصباغ، لان الانتفاع بها- و هو الصبغ- قبل الطهارة، و اما ما يبقى منها بعد الجفاف- و هو اللون- فهي نفس المنفعة، لا الانتفاع. مع أنه لا يقبل التطهير، و انما القابل هو الثوب.

بقي الكلام في حكم نجس العين من حيث اصالة حل الانتفاع به في غير ما ثبت حرمته،

______________________________

(من قبول الصبغ التطهير بعد الجفاف محل نظر، لان المقصود من قبوله الطهارة) في كلام العلامة، الموجب ذلك القبول لجواز البيع (قبولها) اي قبوله للطهارة (قبل الانتفاع، و هو) اي القبول قبل الانتفاع (مفقود في الاصباغ) النجسة (لان الانتفاع بها- و هو الصبغ-) انما يكون (قبل الطهارة) لان الانتفاع انما هو في حال الميعان لا حال الجفاف (و اما ما يبقى منها) اي من الاصباغ (بعد الجفاف- و هو اللون- فهي نفس المنفعة، لا الانتفاع).

و الحاصل: ان الصبغ حال كونه يمكن ان ينتفع به ليس قابلا للطهارة و حال كونه قابلا للطهارة ليس مما ينتفع به (مع انه) اي الصبغ بعد الجفاف أيضا (لا يقبل التطهير، و انما القابل) للتطهير (هو الثوب) و الباب و ما اشبه، المصبوغ بالصبغ النجس.

«ثم» ان الكلام الى هنا كان في جواز الانتفاع و جواز البيع بالنسبة الى المتنجس و (بقي الكلام في حكم نجس العين) كالدم و ما اشبه (من حيث اصالة حل الانتفاع به) اي بنجس العين (في غير ما ثبت حرمته

ص: 200

او اصالة العكس.

فاعلم: ان ظاهر الاكثر أصالة حرمة الانتفاع بنجس العين.

بل ظاهر فخر الدين في شرح الارشاد، و الفاضل المقداد: الاجماع على ذلك. حيث استدلا على عدم جواز بيع الاعيان النجسة بانها محرمة الانتفاع و كل ما هو كذلك لا يجوز بيعه. قالا: اما الصغرى فاجماعية. و يظهر من الحدائق- في مسألة الانتفاع بالدهن المتنجس في غير الاستصباح- نسبة ذلك الى الاصحاب.

و يدل عليه ظواهر الكتاب و السنة.

______________________________

أو اصالة العكس) و ان الاصل حرمة الانتفاع بنجس العين الا ما خرج بالدليل.

(فاعلم: ان ظاهر الاكثر أصالة حرمة الانتفاع بنجس العين).

الا ما خرج كالكلب و الكافر حيث يجوز الانتفاع بهما للنص (بل ظاهر فخر الدين في شرح الارشاد، و الفاضل المقداد: الاجماع على ذلك) اي على عدم جواز الانتفاع الا ما خرج (حيث استدلا على عدم جواز بيع الاعيان النجسة بانها محرمة الانتفاع، و كل ما هو كذلك) محرم الانتفاع (لا يجوز بيعه، قالا) اي الفخر و المقداد (اما الصغرى) اي «انها محرمة الانتفاع» (فاجماعية، و يظهر من الحدائق في مسألة الانتفاع بالدهن المتنجس في غير الاستصباح) كالتصبين و التطلية (نسبة ذلك) اي نسبة حرمة الانتفاع بنجس العين (الى الاصحاب).

(و يدل عليه) اي عدم جواز الانتفاع بنجس العين (ظواهر الكتاب و السنة)

ص: 201

مثل قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ» بناء على ما ذكره الشيخ و العلامة من إرادة جميع الانتفاعات.

و قوله تعالى: «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ» الدال على وجوب اجتناب كل رجس و هو نجس العين.

______________________________

قبل الاجماع المذكور (مثل قوله تعالى «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ) وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ مٰا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّٰهِ بِهِ» الى آخر الآية (بناء على ما ذكره الشيخ و العلامة من إرادة جميع الانتفاعات) من لفظ «حرم» لا خصوص الانتفاع المناسب، اي الاكل و الشرب.

(و قوله تعالى: «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ») فان قوله فاجتنبوه هو (الدال على وجوب اجتناب كل رجس و هو) اي الرجس (نجس العين) و الاجتناب المطلق شامل لجميع أنحاء الاستعمال.

«فائدة» الازلام: هي سهام القمار. و قد اختلفوا في تفصيل ذلك و من المحتمل أنها كانت مختلفة بالذات- و حاصل ما ذكره جمع: انهم في الجاهلية كانوا يعمدون الى الجزور فيجزّءونه اجزاء، ثم يجتمعون عليه فيخرجون السهام التي كانت مكتوبة عليها هذه الاسماء، كل اسم على سهم و الاسماء هي:

«قذ» و «توأم» و «رقيب» ثم «حلس» و «نافس» ثم «مسبل» و «المعلى» و «الرغد» ثم «سفيح» و «منيح» و ذى الثلاثة تهمل و لكل مما عداها نصيب حين عدت باول ثم اوّل

ص: 202

و قوله تعالى: «وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ» بناء على ان هجره لا يحصل الا بالاجتناب عنه مطلقا.

و تعليله عليه السلام- في رواية تحف العقول- حرمة بيع وجوه النجس بحرمة الاكل و الشرب و الإمساك و جميع التقلبات فيه.

و يدل عليه أيضا كلما دل من الاخبار و الاجماع

______________________________

فاذا خرج باسم رجل احدى الثلاثة الاخيرة: «الرغد، و السفيح، و المنيح» لم يكن له نصيب من الجزور. و كان عليه ان يدفع ثمن الجزور و اذا خرجت سائر الاسماء السبعة كان له من الجزور بعدد الاسماء. فللاسم الاول جزء، و للاسم الثاني جزءان، و هكذا للاسم السابع سبعة اجزاء، فالمجموع ثمانية و عشرون جزء.

(و قوله تعالى «وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ» و الرجز هو النجس، سواء كان نجسا ظاهريا كالدم. أم معنويا كالصنم، و هكذا «الرجس» في الآية المتقدمة. (بناء على ان هجره لا يحصل الا بالاجتناب عنه مطلقا) بجميع انحاء الاستعمال، حتى فيما لا يشترط بالطهارة كالتسميد و نحوه.

(و) مثل (تعليله عليه السلام في رواية تحف العقول حرمة بيع وجوه النجس بحرمة الاكل و الشرب و الامساك و جميع التقلبات فيه) فان الظاهر من العلة حرمة جميع انحاء الاستعمال حتى ما لا يتوقف على الطهارة.

(و يدل عليه) اي على تحريم جميع انواع استعمال نجس العين (أيضا) بالإضافة الى الآيات و رواية التحف (كلما دل من الاخبار و الاجماع

ص: 203

على عدم جواز بيع نجس العين، بناء على ان المنع من بيعه لا يكون الا مع حرمة الانتفاع به.

هذا و لكن التأمل يقضي بعدم جواز الاعتماد- في مقابلة اصالة الاباحة- على شي ء مما ذكر.

أما آيات التحريم و الاجتناب و الهجر، فلظهورها في الانتفاعات المقصودة في كل نجس بحسبه، و هي في مثل الميتة الاكل، و في الخمر الشرب و في الميسر اللعب به، و في الانصاب و الازلام مما يليق بحالهما.

______________________________

على عدم جواز بيع نجس العين، بناء على ان المنع من بيعه لا يكون الا مع حرمة الانتفاع به) اذ لو لا الحرمة لم يكن وجه لمنع البيع.

(هذا) تمام وجه الاستدلال على كون الاصل في نجس العين حرمة الانتفاع الا ما خرج بالدليل.

(و لكن التأمل يقضي بعدم جواز الاعتماد- في مقابلة اصالة الاباحة) و عمومات الحل (على شي ء مما ذكر) اذ لا دلالة للآيات و الاخبار و الاجماع على المدعى.

(أما آيات التحريم و الاجتناب و الهجر، ف) انها لا تدل على عدم جواز الانتفاع فيما لا يشترط بالطهارة (لظهورها في الانتفاعات المقصودة) المناسبة (في كل نجس بحسبه، و هي) اي الانتفاعات المقصودة (في مثل الميتة الاكل، و في الخمر الشرب، و في الميسر اللعب به، و في الانصاب) العبادة (و) في (الازلام) المقامرة من (مما يليق بحالهما) نظير قوله تعالى «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ» المراد بها المباشرة، فان المستفاد عرفا من

ص: 204

و اما رواية تحف العقول، فالمراد ب «الإمساك و التقلب فيه» ما يرجع الى الاكل و الشرب و الا فسيجي ء الاتفاق على جواز امساك نجس العين لبعض الفوائد.

و ما دل من الإجماع و الأخبار على حرمة بيع نجس العين قد يدعى اختصاصه بغير ما يحل الانتفاع المحلل المعتد به، او بمنع استلزامه لحرمة الانتفاع بناء على ان نجاسة العين

______________________________

نسبة التحريم و التحليل الى شي ء من الاعيان إرادة المنفعة المقصودة منها.

(و اما رواية تحف العقول، فالمراد ب «الامساك و التقلب فيه») اي في النجس (ما يرجع الى الاكل و الشرب) فانه هو الظاهر منه عرفا لا كل امساك و تقلب (و الا فسيجي ء الاتفاق) من الفقهاء (على جواز امساك نجس العين لبعض الفوائد) كالتسميد و نحوه، و الظهور المتقدم هو الذي سبب هذا الاتفاق، فلا يقال: الاتفاق المذكور قرينة على التخصيص بالنسبة الى ذلك الشي ء المتفق عليه.

(و ما دل من الاجماع و الأخبار على حرمة بيع نجس العين) الذي استدل به لكشفه عن عدم جواز الانتفاع، و الا لم يكن وجه لحرمة البيع (قد يدعى اختصاصه) اي اجماع و الاخبار و الضمير راجع الى «الدليل» (بغير ما يحل الانتفاع المحلل المعتد به) فالذي يجوز الانتفاع به انتفاعا محللا معتدا به يجوز بيعه (او ب) ان يدعي (منع استلزامه) اي المنع من بيع نجس العين (لحرمة الانتفاع) فمن الممكن جواز الانتفاع مع حرمة البيع (بناء على ان نجاسة العين) تمنع عن البيع بنفسها، لا بسبب ان

ص: 205

مانع مستقل عن جواز البيع، من غير حاجة الى ارجاعها الى عدم المنفعة المحللة.

و اما توهم الاجماع فمدفوع، بظهور كلمات كثير منهم في جواز الانتفاع في الجملة:-

قال في المبسوط: ان سرجين ما لا يؤكل لحمه و عذرة الانسان و خرء الكلاب لا يجوز بيعها، و يجوز الانتفاع بها في الزروع و الكروم

______________________________

النجاسة توجب عدم المنفعة، و عدم المنفعة سبب للمنع عن البيع، و إليه اشار بقوله: (مانع مستقل عن جواز البيع) و قوله «مانع» بالتذكير، بتأويل «الوصف» (من غير حاجة الى ارجاعها) اي نجاسة العين (الى عدم المنفعة المحللة) حتى يقال بالتلازم بين جواز البيع و جواز الانتفاع، فاذا لم يجز بيع نجس العين- بالاخبار و الاجماع- فلازم ذلك عدم جواز الانتفاع به!

(و اما توهم الاجماع) في نفس المسألة: اي الاجماع على عدم جواز الانتفاع بنجس العين- كما تقدم في كلام الفخر و المقداد- (فمدفوع، بظهور كلمات كثير منهم في جواز الانتفاع في الجملة) بدون ان يكون دليل خاص على الجواز، فالقول بان الاصل المنع الا ما خرج بالدليل، لا ينطبق على ما ذكروه من الاستثناء بدون وجود دليل، و ذلك يكشف عن انهم لا يسلمون اصالة منع استعمال نجس العين.

(قال) الشيخ (في المبسوط: ان سرجين ما لا يؤكل لحمه و عذرة الانسان و خرء الكلاب لا يجوز بيعها، و يجوز الانتفاع بها في الزروع و الكروم

ص: 206

و اصول الشجر، بلا خلاف. انتهى.

و قال العلامة في التذكرة: يجوز اقتناء الاعيان النجسة لفائدة.

و نحوها في القواعد.

و قرره على ذلك في جامع المقاصد، و زاد عليه قوله: لكن هذه لا تصيرها مالا، بحيث يقابل بالمال.

و قال في باب الاطعمة و الاشربة من المختلف: ان شعر الخنزير يجوز استعماله مطلقا، مستدلا بان نجاسته لا تمنع الانتفاع به، لما فيه من المنفعة الخالية عن ضرر عاجل و آجل.

______________________________

و اصول الشجر، بلا خلاف. انتهى) كلام المبسوط.

(و قال العلامة في التذكرة: يجوز اقتناء الاعيان النجسة لفائدة).

فانه يدل على جواز الاقتناء، و جواز الاستفادة المحللة (و نحوها) اي نحو عبارة العلامة في التذكرة عبارته (في القواعد).

(و قرره على ذلك) اي جواز اقتناء الاعيان النجسة لفائدة (في جامع المقاصد، و زاد عليه قوله: لكن هذه) الفائدة التي تقتنى عين النجاسة لاجلها (لا تصيرها) اي الاعيان النجسة (مالا، بحيث يقابل بالمال) و المراد: عدم المالية الشرعية و ان كانت فيها فائدة.

(و قال في باب الاطعمة و الاشربة من المختلف: ان شعر الخنزير يجوز استعماله مطلقا) اي جميع انحاء الاستعمالات غير المشروطة بالطهارة، في قبال من جعله حبلا فقط للاستقاء للبساتين (مستدلا بان نجاسته لا تمنع الانتفاع به، لما فيه من المنفعة الخالية عن ضرر عاجل و آجل). و قوله

ص: 207

و قال الشهيد في قواعده: النجاسة ما حرم استعماله في الصلاة و الاغذية الاستقذار و للتوصل بها الى الفرار. ثم ذكر: ان قيد الاغذية لبيان مورد الحكم. و فيه تنبيه على الاشربة. كما ان في الصلاة تنبيها على الطواف. انتهى.

و هو كالنص في جواز الانتفاع بالنجس في غير هذه الامور.

و قال الشهيد الثاني في الروضة،- عند قول المصنف- في عداد ما لا يجوز بيعه من النجاسات- «و الدم» قال:

______________________________

«لما» متعلق ب «الانتفاع».

(و قال الشهيد) الاول (في قواعده: النجاسة ما حرم استعماله في الصلاة و) في (الاغذية للاستقذار) هذا علة حرمة النجاسة في الاغذية (و للتوصل بها) اي بحرمة الاستعمال (الى الفرار) عن الصلاة في النجاسة و هذا علة حرمة النجاسة في الصلاة. (ثم ذكر) الشهيد: (ان قيد الاغذية) اي ذكر الاغذية فقط (لبيان مورد) من موارد (الحكم) لا للاختصاص. (و فيه) اي في ذكر الاغذية (تنبيه على) حرمة الاستعمال في (الاشربة) أيضا (كما ان في) ذكر (الصلاة) فقط (تنبيها على الطواف) لا ان في الاغذية و الصلاة خصوصية. (انتهى) كلام الشهيد (و هو كالنص في جواز الانتفاع بالنجس في غير هذه الامور) لانه لم يجوز هذه الامور فقط، المفهوم منه جواز سائر الامور.

(و قال الشهيد الثاني في الروضة،- عند قول المصنف في عداد ما لا يجوز بيعه من النجاسات-: «و الدم» قال) الشهيد الثاني:

ص: 208

و ان فرض له نفع حكمي، كالصبغ. «و ابوال و ارواث ما لا يوكل لحمه»:

و ان فرض لهما نفع. فان الظاهر: ان المراد بالنفع المفروض للدم و الابوال و الارواث، هو النفع المحلل.

و الا لم يحسن ذكر هذا القيد في خصوص هذه الاشياء دون سائر النجاسات، و لا

______________________________

(و ان فرض له نفع حكمي، كالصبغ. «و ابوال و ارواث ما لا يوكل لحمه»: و ان فرض لهما نفع). قد جعلنا عبارة اللمعة بين القوسين، و عبارة شرح اللمعة هي من «ان فرض»- الى- «نفع» و كأنه اراد ب «الحكمى» ما يئول الى النفع، في قبال ماله نفع فعلي، كاللحم الذي يؤكل بدون تعمل (فان الظاهر) من عبارة الشهيد الثاني: (ان المراد بالنفع المفروض للدم و الابوال و الارواث، هو النفع المحلل) فيدل كلامه على جواز الانتفاع بالنجاسات نفعا محللا، منتهى الامر لا يجوز بيعها.

(و الا) يكن مراده النفع المحلل، بان اراد الشهيد حرمة كل نفع كان مقتضى القاعدة- أولا- ان يذكر قيد «ان فرض له نفع» في سائر النجاسات، لان المنافع المحرمة موجودة في كل نجاسة.- و ثانيا- لم يكن وجه لذكر خصوص «الصبغ» من المنافع المحرمة، بل «الشرب» أيضا من المنافع المحرمة للدم. و الى هذا اشار المصنف- رحمه اللّه- بقوله: و الا (لم يحسن ذكر هذا القيد) اي قيد «و ان فرض له نفع» و «ان فرض لهما نفع» (في خصوص هذه الاشياء): الدم و البول و الروث (دون سائر النجاسات) اذ سائر النجاسات أيضا لها منافع محرمة (و لا) يحسن

ص: 209

ذكر خصوص الصبغ للدم، مع ان الاكل هي المنفعة المتعارفة، المنصرف إليها الاطلاق في قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ» و المسوق لها الكلام في قوله تعالى: «أَوْ دَماً مَسْفُوحاً».

و ما ذكرنا هو ظاهر المحقق الثاني، حيث حكى عن الشهيد انه حكى عن العلامة جواز الاستصباح بدهن الميتة، ثم قال: و هو بعيد، لعموم النهي عن الانتفاع بالميتة. فان عدوله عن التعليل بعموم المنع عن الانتفاع بالنجس

______________________________

أيضا (ذكر خصوص الصبغ للدم) من منافعه المحرمة (مع ان الاكل) اولى بالذكر، لانه (هي المنفعة المتعارفة، المنصرف إليها الاطلاق في قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ» و المسوق لها الكلام في قوله تعالى «أَوْ دَماً مَسْفُوحاً») فكيف يترك الشهيد المنفعة المحرمة الغالبة- و هي الاكل- و يذكر المنفعة النادرة- و هي الصبغ- فليس ذلك الا لان الشهيد يريد بيان النفع المحلل، فيدل كلامه على جواز الانتفاع بعين النجاسة منفعة محللة مقصودة.

(و ما ذكرنا) من جواز الانتفاع بالاعيان النجسة الا ما خرج بالدليل (هو ظاهر المحقق الثاني، حيث حكى عن الشهيد انه حكى عن العلامة جواز الاستصباح بدهن الميتة، ثم قال) المحقق الثاني: (و هو) اي جواز الاستصباح بدهن الميتة (بعيد، لعموم النهي عن الانتفاع بالميتة) فكيف يجوز الاستصباح بدهنه؟ و انما قلنا: ان ظاهر المحقق جواز الانتفاع بالاعيان النجسة (فان عدوله) اي المحقق (عن التعليل لعموم المنع عن الانتفاع بالنجس) اي انه لم يعلل «عدم جواز الاستصباح» بانه «لا يجوز الانتفاع

ص: 210

الى ذكر خصوص الميتة يدل على عدم العموم في النجس.

و كيف كان فلا يبقى- بملاحظة ما ذكرنا- وثوق بنقل الاجماع المتقدم عن شرح الارشاد و التنقيح، الجابر لرواية تحف العقول الناهية عن جميع التقلب في النجس، مع احتمال ان يراد من جميع التقلب: جميع انواع التعاطي لا الاستعمالات. و يراد من امساكه: امساكه للوجه المحرم.

______________________________

بالنجس» بل علله «بعدم الانتفاع بالميتة» (الى ذكر خصوص الميتة يدل على عدم العموم في النجس) اي انه لا يقول بعموم «عدم جواز الانتفاع بكل نجس» و الا لكان اللازم ان يقول «لعموم النهي عن الانتفاع بالنجس».

(و كيف كان) سواء كانت عبارة المحقق دالة أم لا (فلا يبقى بملاحظة ما ذكرنا-) من أقوال العلماء (وثوق بنقل الاجماع المتقدم عن شرح الارشاد و التنقيح، الجابر) هذا النقل (لرواية تحف العقول الناهية عن جميع) انواع (التقلب في النجس مع) انه على تقدير تمامية الجبر لا دلالة للرواية على حرمة استعمال النجس فيما لا يتوقف على الطهارة، ل (احتمال ان يراد من جميع التقلب: جميع انواع التعاطي) أكلا و شربا و استعمالا في الصلاة و الطواف بجميع انواع هذه الامور (لا) ان المراد بجميع انواع التقلب (الاستعمالات) حتى يشمل الاستعمال فيما لا يشترط بالطهارة أيضا كالاستصباح و التسميد و التدهين و التطلية و التصبيغ و غيرها.

(و يراد من امساكه) الذي ذكر في رواية تحف العقول و نهى عنه هو:

(امساكه للوجه المحرم) كان يحفظ الدم لان يشربه، لا ان يحفظه لان يزرق

ص: 211

و لعله للاحاطة بما ذكرنا اختار بعض الاساطين في شرحه على القواعد جواز الانتفاع بالنجس كالمتنجس، لكن مع تفصيل لا يرجع الى مخالفة في محل الكلام، فقال: «و يجوز الانتفاع بالاعيان النجسة و المتنجسة في غير ما ورد النص بمنعه، كالميتة النجسة التي لا يجوز الانتفاع بها فيما يسمى استعمالا عرفا للاخبار و الاجماع. و كذا الاستصباح بالدهن المتنجس تحت الظلال.

و ما دل على المنع من الانتفاع بالنجس و المتنجس

______________________________

به مريضا، او يجعله سمادا او صبغا مثلا، بل لعل ما ذكره المصنف رحمه اللّه- هو الظاهر من الرواية و لو بقرينة اجازة الشارع لاستعمال بعض النجاسات.

(و لعله للاحاطة بما ذكرنا) من عدم الدليل على عدم جواز استعمال النجس لا نصا و لا اجماعا (اختار بعض الاساطين) و هو كاشف الغطاء رحمه اللّه- (في شرحه على القواعد: جواز الانتفاع بالنجس ك) جواز الانتفاع ب (المتنجس، لكن مع تفصيل لا يرجع الى مخالفة في محل الكلام) الذي هو جواز الانتفاع بالنجس (فقال: «و يجوز الانتفاع بالاعيان النجسة و المتنجسة في غير ما ورد النص بمنعه) ثم مثل بما ورد المنع عنه بقوله: (كالميتة النجسة) لا مثل ميتة السمك (التي لا يجوز الانتفاع بها فيما يسمى استعمالا عرفا) و انما نقول بعدم الجواز في الميتة (للاخبار و الاجماع. و كذا) لا يجوز (الاستصباح بالدهن المتنجس تحت الظلال) اي السقف (و ما دل على المنع عن الانتفاع بالنجس و المتنجس

ص: 212

مخصوص او منزل على الانتفاع الدال على عدم الاكتراث بالدين و عدم المبالاة، و اما من استعمله ليغسله فغير مشمول للادلة و يبقى على حكم الاصل». انتهى.

و التقييد ب «ما يسمى استعمالا» في كلامه- رحمه اللّه-

______________________________

مخصوص) بالدليل (او منزل) بحسب القاعدة (على الانتفاع الدال على عدم الاكتراث بالدين و عدم المبالاة) بالشريعة (و اما من استعمله ليغسله) بعد تمام حاجته لئلا يبتلي بالنجاسة (فغير مشمول للادلة) المانعة (و يبقى على حكم الاصل») و هو الجواز. (انتهى). كلام كاشف الغطاء.

و قد عرفت انه- رحمه اللّه- لا يفرق في جواز الاستعمال بين النجس و المتنجس، و انما يفصل فيما لا يجوز بين استعمال يدل على عدم المبالاة بالدين فلا يجوزه، و بين استعمال مع التحفظ فيجوزه، مثلا استعمال الميتة في التسميد، و الزيت النجس في الاستصباح تحت الظلال، لا يجوز بالنص المانع عن استعمال الميتة، و عن الاستصباح تحت الظلال. لكن لا بد ان نقول: ان النص الدال على عدم الجواز، اما منصرف- و مخصوص- او منزل بالقرائن الخارجية، الى من يستعمل الميتة ثم لا يغسل يده و لباسه اللذين تلوثا بالميتة، و من يستصبح تحت السقف ثم لا يغسل السقف، و الا كان ذلك الاستعمال جائزا، و من المعلوم ان هذا التفصيل الذي ذكره كاشف الغطاء لا يرجع الى تفصيل في محل كلامنا، و هو جواز استعمال النجس كالمتنجس فيما لا يشترط بالطهارة.

(و التقييد ب «ما يسمى استعمالا» في كلامه- رحمه اللّه-) المتقدم

ص: 213

لعله لإخراج مثل الايقاد بالميتة، و سد ساقية الماء بها، و اطعامها لجوارح الطير. و مراده: سلب الاستعمال المضاف الى الميتة عن هذه الامور، لان استعمال كل شي ء: اعماله في العمل المقصود منه عرفا. فان ايقاد الباب و السرير لا يسمى استعمالا لهما.

لكن يشكل بان المنهي عنه في النصوص الانتفاع بالميتة، الشامل لغير الاستعمال المعهود المتعارف في الشي ء، و لذا

______________________________

(لعله لاخراج مثل الايقاد بالميتة و سد ساقية الماء بها، و اطعامها لجوارح الطير) فانها جائزة مطلقا، لان الشارع نهى عن الاستعمال، و الاستعمال منصرف عرفا الى الاستعمالات المتعارفة، كالاكل و نحوه، لا مثل هذه الاستعمالات. (و مراده: سلب الاستعمال المضاف الى الميتة) اي «استعمال الميتة» (عن هذه الامور) اي الايقاد و سد الساقية و اطعام جوارح الطير (لان استعمال كل شي ء) معناه عرفا (اعماله في العمل المقصود منه) اي من ذلك الشي ء (عرفا) فالنهي منصب على الاستعمالات المتعارفة (فان ايقاد الباب و السرير) كما (لا يسمى استعمالا لهما) اي للباب و السرير.

كذلك: ايقاد الميتة لا يسمى استعمالا لها، فالدليل الناهي عن ذلك محمول على الاستعمالات المتعارفة لا مثل الايقاد و نحوه.

(لكن يشكل) ما ذكره كاشف الغطاء من جواز مثل هذه الاستعمالات (بان المنهي عنه في النصوص) ليس لفظ «الاستعمال» حتى يقال: ان الايقاد- مثلا- ليس استعمالا، بل (الانتفاع بالميتة الشامل) لفظ الانتفاع (لغير الاستعمال المعهود المتعارف في الشي ء. و لذا) الذي ذكرناه من

ص: 214

قيد هو- رحمه اللّه- الانتفاع بما يسمى استعمالا.

نعم يمكن ان يقال: ان مثل هذه الاستعمالات لا تعد انتفاعا، تنزيلا لها منزلة المعدوم. و لذا يقال للشي ء: انه مما لا ينتفع به، مع قابليته للامور المذكورة. فالمنهي عنه هو الانتفاع بالميتة بالمنافع المقصودة التي تعد غرضا من تلك الميتة لو لا كونها ميتة، و ان كانت قد تملك لخصوص هذه الامور، كما قد يشترى اللحم لاطعام الطيور و السباع

______________________________

ان الموجود في النص «الانتفاع» (قيد هو- رحمه اللّه- الانتفاع بما يسمى استعمالا) ليتمكن من تقسيم الاستعمال الى متعارف و غير متعارف، و لم يتلفظ بلفظ «الانتفاع» المجرد ليشمل ما يريد اخراجه من مثل الايقاد و نحوه.

(نعم يمكن ان يقال: ان مثل هذه الاستعمالات) كايقاد الميتة و نحوه (لا تعد انتفاعا) فكلام كاشف الغطاء صحيح لا اشكال فيه، و انما لا يسمى انتفاعا (تنزيلا لها) اي لهذه الانتفاعات (منزلة المعدوم. و لذا) اي لان مثل هذه الانتفاعات لا تعد عرفا انتفاعا (يقال للشي ء: انه مما لا ينتفع به، مع قابليته للامور المذكورة) مثلا يقال للثوب الخلق: انه مما لا ينتفع به مع انه صالح للايقاد. و يقال للحم العفن انه لا ينتفع به مع انه صالح لاطعام الطير (فالمنهي عنه هو الانتفاع بالميتة بالمنافع المقصودة التي تعد غرضا) و غاية (من تلك الميتة لو لا كونها ميتة) مثلا الغرض و الغاية من لحم الغنم الاكل، لو لا كونها ميتة، فالمنهي عنه هو الاكل، لا التسميد و الاحراق و ما اشبه (و ان كانت) الميتة (قد تملك لخصوص هذه الامور كما قد يشترى اللحم لاطعام الطيور و السباع) خصوصا لمن كانت عنده

ص: 215

لكنها اغراض شخصية، كما قد يشترى الجلاب لاطفاء النار، و الباب للايقاد و التسخين به.

قال العلامة- في النهاية، في بيان ان الانتفاع ببول غير المأكول في الشرب للدواء، منفعة جزئية لا يعتد بها- قال: «اذ كل شي ء من المحرمات لا تخلو عن منفعة، كالخمر للتخليل، و العذرة للتسميد، و الميتة لأكل جوارح الطير، و لم يعتبرها الشارع» انتهى.

«ثم»

______________________________

حديقة الحيوانات (لكنها اغراض شخصية) لا نوعية، و بسبب هذه الاغراض لا يسمى الانتفاعات المذكورة انتفاعا عرفا (كما قد يشترى الجلاب لاطفاء النار، و) يشترى (الباب للايقاد و التسخين به) فلا يسبب ذلك تسمية الاطفاء و الايقاد انتفاعا بالجلاب و الباب.

و يشهد لعدم تسمية ذلك انتفاعا ما ذكره العلامة- رحمه اللّه- فقد (قال العلامة- في النهاية، في بيان ان الانتفاع ببول غير المأكول في الشرب للدواء، منفعة جزئية لا يعتد بها- قال: «اذ كل شي ء من المحرمات لا تخلو عن منفعة، كالخمر للتخليل، و العذرة للتسميد، و الميتة لا كل جوارح الطير، و) هذه المنافع الجزئية (لم يعتبرها الشارع») منفعة. فالنهي عن الانتفاع بالميتة لا يشمل هذه الامور (انتهى) كلام العلامة- رحمه اللّه-.

( «ثم») ان هذه الفوائد الجزئية، لا تسمى منافع- ادعاء و تنزيلا للفساد منزلة المعدوم- لا أنها مع كونها فائدة عرفية كان الدليل منصرفا عنها، حتى يقال: لا انصراف للدليل، بعد كونه نكرة في سياق

ص: 216

ان الانتفاع المنفي في الميتة و ان كان مطلقا في حيز النفي، الا ان اختصاصها بما ادعيناه من الاغراض المقصودة من الشي ء، دون الفوائد المترتبة عليه، من دون ان تعد مقاصد، ليس من جهة انصرافها الى المقاصد، حتى يمنع انصراف المطلق في حيز النفي، بل من جهة التسامح و الادعاء العرفي تنزيلا للموجود منزلة المعدوم.

______________________________

النفي، لانه قال: و جميع التقلب فيه حرام. ف (ان الانتفاع المنفي في الميتة و ان كان مطلقا في حيز النفي) و المطلق في حيز النفي يقتضي العموم فلازمه شمول المنع حتى عن الانتفاع بمثل الايقاد (الا ان اختصاصها) اي اختصاص «المنفعة المنفية» (بما ادعيناه) من المنافع الغالبة (من الاغراض المقصودة من الشي ء) غالبا (دون الفوائد المترتبة عليه) أحيانا (من دون ان تعد) تلك الفوائد النادرة (مقاصد) عقلائية (ليس من جهة انصرافها) اي المنافع المنفية (الى المقاصد، حتى يمنع انصراف المطلق في حيز النفي) و حتى يقال: المنافع المنفية شاملة حتى للمنافع النادرة (بل من جهة التسامح) العرفي الموجب لعدم الظهور للفظ المنافع الا في المنافع المقصودة (و الادعاء العرفي) بان هذه الفوائد النادرة ليست فوائد (تنزيلا للموجود منزلة المعدوم).

و فرق بين الانصراف مع قبول ان الفرد المنصرف عنه من افراد اللفظ، و بين ان يقال: الفرد ليس بفرد، و لذا لا يشمله اللفظ. مثلا اذا قال المولى «جئني بالماء» و هو عند دجلة، كان لفظ الماء منصرفا الى ماء دجلة، مع قبول كون ماء الفرات فردا لهذا المطلق المذكور في كلام المولى. أما عدم شمول لفظ الماء في كلامه لقطرة من الماء فمن جهة

ص: 217

فانه يقال للميتة- مع وجود تلك الفوائد فيها-: انها مما لا ينتفع به.

و مما ذكرنا ظهر الحال في البول و العذرة و المني، فانها مما لا ينتفع بها، و ان استفيد منها بعض الفوائد كالتسميد و الإحراق، كما هو سيرة بعض الجصاصين من العرب، كما يدل عليه وقوع السؤال في بعض الروايات عن الجص يوقد عليه العذرة و عظام الموتى و يجصص به المسجد؟ فقال الامام عليه السلام: «ان الماء و النار قد طهراه»

______________________________

ادعاء ان القطرة ليست بماء. و الحاصل: انه ربما يقول العرف: انه فرد و لكنه منصرف عنه، و قد يقول: انه ليس بفرد ادعاء (فانه يقال للميتة- مع وجود تلك الفوائد فيها- انها مما لا ينتفع به) تنزيلا لهذه المنافع منزلة المعدوم.

(و مما ذكرنا) في الميتة من جواز استعمالها فيما لا تعد منفعة لها (ظهر الحال في البول و العذرة و المني، فانها مما لا ينتفع بها و ان استفيد منها بعض الفوائد) النادرة (كالتسميد و الإحراق) فاذا نهي الشارع عن الانتفاع بها لم يشمل الانتفاع الذي لا يعد نفعا- عرفا- كالتسميد في العذرة و الاحراق (كما هو) اي الاحراق (سيرة بعض الجصاصين من العرب، كما يدل عليه) اي على السيرة- بتأويل «الاعتياد»- (وقوع السؤال في بعض الروايات عن الجص يوقد عليه العذرة و عظام الموتى) حتى يصبح التراب حصبا بالطبخ (و يجصص به المسجد) هل يجوز ذلك؟ (فقال الامام عليه السلام: «ان الماء و النار قد طهراه») فالنار مطهرة للعذرة و العظم بالاستحالة- فيما كان العظم نجسا ذاتا كعظم الكلب، او عرضا بمباشرته

ص: 218

بل في الرواية اشعار بالتقرير فتفطن.

و اما ما ذكره من تنزيل ما دل على المنع عن الانتفاع بالنجس على ما يؤذن بعدم الاكتراث بالدين و عدم المبالاة الا من استعمله ليغسله، فهو تنزيل بعيد.

«نعم» يمكن ان ينزل على الانتفاع به

______________________________

للميتة- و الماء مطهر للجص الذي تلوث بالنجس. و المراد بالماء ماء الإناء الذي يلقى فيه الجص، و هذا بناء على مطهرية الماء القليل، او عدم الفرق في التطهير بين الوارد و المورود، و في الحديث كلام طويل مذكور في محله (بل في الرواية) المذكورة (اشعار بالتقرير) من الامام عليه السلام لاستعمال العذرة في الاحراق (فتفطن) لانه ربما يقال: لا تقرير اذ مصب السؤال شي ء آخر. إن قلت: فاذا كان الاحراق و التسميد من المنافع النادرة في العذرة فما هي المنفعة الغالبة المنهي عنها؟ قلت: كونها بمنزلة سائر الاشياء المباحة في البيع و الشراء و الانتفاع بمختلف انحاء الانتفاعات الممكنة هو المنهي عنه.

(و اما ما ذكره) كاشف الغطاء (من تنزيل ما دل على المنع عن الانتفاع بالنجس على ما يؤذن بعدم الاكتراث بالدين و عدم المبالاة) قوله «عدم المبالاة» عطف تفسيري ل «عدم الاكتراث» (الا من استعمله ليغسله، فهو تنزيل بعيد) اذ الرواية في بيان مقام الحكم لا في مقام بيان شي ء آخر خارج عن الحكم.

( «نعم» يمكن ان ينزل) المنع عن الانتفاع بالنجس (على الانتفاع به

ص: 219

على وجه الانتفاع بالطاهر، بان يستعمله على وجه يوجب تلويث بدنه و ثيابه و سائر آلات الانتفاع- كالصبغ بالدم- و ان بنى على غسل الجميع عند الحاجة الى ما يشترط فيه الطهارة.

و في بعض الروايات اشارة الى ذلك، ففي الكافي- بسنده عن الوشاء- قال قلت لابي الحسن عليه السلام: «جعلت فداك، ان اهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها؟ فقال: حرام

______________________________

على وجه الانتفاع بالطاهر) فكأن الحديث قال: لا ينتفع بالنجس انتفاعا مطلقا كالانتفاع بالطاهر (بان يستعمله) اي النجس (على وجه يوجب تلويث بدنه و ثيابه و سائر آلات الانتفاع- كالصبغ بالدم- و ان بنى) المستعمل (على غسل الجميع) اي جميع ما تلوث (عند الحاجة الى ما يشترط فيه الطهارة) كالصلاة و الطواف، و على هذا يكون النهي تعبديا، او احتياطا لاجل ان من يستعمل النجس كالطاهر، لا بدّ ان يبتلي بالنجاسة في أكله او صلاته، او ما اشبه.

(و في بعض الروايات اشارة الى ذلك) الذي ذكرنا من ان النهي يراد به الاستعمال للنجس كالطاهر (ففي الكافي- بسنده عن الوشاء- قال قلت لابي الحسن عليه السلام) و ابو الحسن- بلا قيد- منصرف الى «موسى بن جعفر. عليه السلام» و اذا قيد ب «الثاني» كان المراد «الرضا عليه السلام» و اذا قيد ب «الثالث» كان المراد «الهادي عليه السلام»: (جعلت فداك، ان اهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها؟ فقال: حرام)

ص: 220

هي ميتة. فقلت: جعلت فداك، يستصبح بها؟ فقال: أ ما علمت انه يصيب اليد و الثوب و هو حرام» بحملها على حرمة الاستعمال على وجه يوجب تلويث البدن و الثياب.

و اما حمل الحرام على النجس كما في كلام بعض، فلا شاهد عليه. و الرواية في نجس العين فلا ينتقض

______________________________

الظاهر ان مراده عليه السلام حرمة اكلها (هي ميتة. فقلت: جعلت فداك، يستصبح بها؟) اي بتلك الأليات (فقال: أ ما علمت انه يصيب اليد و الثوب و هو حرام) فقد بين الامام عليه السلام ان الحرام اصابة اليد و الثوب، لا ان الحرام اصل استعمال الميتة، و المفهوم منه عدم الحرمة اذا لم يصب اليد و الثوب، و ذلك (بحملها) اي الرواية (على حرمة الاستعمال على وجه يوجب تلويث البدن و الثياب) و هذا ما ذكرناه من احتمال ان الشارع حرم استعمال الميتة، استعمالا كاستعمال الطاهر، لا انه حرم اصل الاستعمال.

(و اما حمل الحرام) في الرواية (على النجس كما في كلام بعض) و هو صاحب الحدائق- رحمه اللّه- (فلا شاهد عليه) اذ اطلاق الحرام على النجس مجاز يحتاج الى القرينة و هي مفقودة في المقام (و الرواية) المذكورة واردة (في نجس العين) لان الألية المقطوعة ميتة، و الميتة نجسة العين، و فرق بين نجس العين و بين المتنجس، فمن الممكن ان يجوز استعمال الدهن المتنجس في الاستصباح، و لا يجوز استعمال الدهن النجس عينا في الاستصباح (فلا ينتقض) المنع عن الاستصباح بالألية في هذه الرواية

ص: 221

بجواز الاستصباح بالدهن المتنجس، لاحتمال كون مزاولة نجس العين مبغوضا للشارع، كما يشير إليه قوله تعالى: «وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ».

«ثم» ان منفعة النجس المحللة- للاصل او للنص- قد تجعله مالا عرفا، الا انه منع الشرع عن بيعه، كجلد الميتة اذا قلنا بجواز الاستقاء به لغير الوضوء- كما هو مذهب جماعة- مع القول بعدم جواز بيعه،

______________________________

(بجواز الاستصباح بالدهن المتنجس، لاحتمال كون مزاولة نجس العين مبغوضا للشارع، كما يشير إليه) اي الى كونه مبغوضا (قوله تعالى: «وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ») بخلاف مزاولة المتنجس، بالإضافة الى ما عرفت من ان الحرام التلوث، و ذلك موجود في إذابة الألية و توابع الإذابة، بخلاف الاستصباح بالدهن المتنجس، فمعرضيته للتلويث اقل، بل معدوم الا نادرا، و لذا ورد في بعض الاحاديث: «جواز الاستصباح بالألية النجسة» و لا منافاة، فان الجواز ناظر الى اصل الاستصباح، و المنع ناظر الى التلويث و اصابة اليد و الثوب.

( «ثم» ان منفعة النجس) اي نجس العين (المحللة للاصل) اي اذا قلنا بأن الاصل جواز كل انتفاع الا ما خرج بالدليل (او للنص) اي اذا قلنا: ان الاصل عدم جواز كل انتفاع الا ما خرج بالدليل (قد تجعله ما لا عرفا، الا انه منع الشرع عن بيعه، كجلد الميتة اذا قلنا بجواز الاستقاء به لغير الوضوء- كما هو) اي جواز الاستقاء لغير الوضوء، و لغير ما يشترط بالطهارة، كسقي الزرع، و تبليل الجص و الطين، و رش الارض، و ما اشبه ذلك (مذهب جماعة) من الفقهاء (مع القول بعدم جواز بيعه،

ص: 222

لظاهر الاجماعات المحكية. و شعر الخنزير، اذا جوزنا استعماله اختيارا. او الكلاب الثلاثة اذا منعنا عن بيعها.

فمثل هذه اموال لا تجوز المعاوضة عليها، و لا يبعد جواز هبتها لعدم المانع، مع وجود المقتضي. فتامل.

و قد لا تجعله مالا عرفا لعدم ثبوت المنفعة المقصودة منه

______________________________

لظاهر الاجماعات المحكية)، المصرحة بعدم جواز بيع الميتة (و) ك (شعر الخنزير، اذا جوزنا استعماله اختيارا) في الخياطة و ما اشبه مما لا يشترط بالطهارة (او الكلاب الثلاثة): للحائط و الماشية و الزرع (اذا منعنا عن بيعها) كما هو مذهب جماعة.

و الحاصل: اذا كان هناك نجس العين يجوز الانتفاع به و لا يجوز بيعه و صار لجواز الانتفاع به مالا، لا بدّ ان يكون المنع لنص خاص، و الا فاطلاقات حلية البيع بعد كونه مالا لا بد ان يشمله.

(فمثل هذه) المذكورات (اموال) لكن (لا تجوز المعاوضة عليها) للدليل الخاص (و لا يبعد جواز هبتها) و لو هبة معوضة (لعدم المانع) اذ لم يقم دليل على عدم جواز الهبة، و انما قام الدليل على عدم جواز البيع (مع وجود المقتضي) لانها مال، فيشمله دليل الهبة (فتأمل) فان المستفاد من ادلة المنع عن بيعها إرادة الانتقال باي وجه كان لا خصوص البيع، و لذا فالهبة و الصلح و ما اشبه لا تجري بالنسبة إليه.

(و قد لا تجعله) المنفعة المحللة (مالا عرفا) عطف على قوله «قد تجعله» (لعدم ثبوت المنفعة المقصودة منه) اي من هذا الشي ء النجس

ص: 223

له، و ان تترتب عليه الفوائد، كالميتة التي يجوز اطعامها لجوارح الطير و الايقاد بها و العذرة للتسميد. فان الظاهر انها لا تعد اموالا عرفا- كما اعترف به في جامع المقاصد في شرح قول العلامة: «و يجوز اقتناء الاعيان النجسة لفائدة».

و الظاهر ثبوت حق الاختصاص في هذه الامور، الناشئ

______________________________

(له) اي لهذا الشي ء النجس، و «منه» متعلق ب «مقصودة» و «له» متعلق ب «ثبوت» اي لم يثبت له المنفعة المقصودة منه (و ان تترتب عليه الفوائد) النادرة «ان» وصلية. و ذلك (كالميتة التي يجوز اطعامها لجوارح الطير و الايقاد بها) للتسخين او الاصطلاء او احراق شي ء (و العذرة للتسميد) او احراق الجص و ما اشبه (فان) هذه المنافع النادرة لا تجعل الميتة و العذرة مالا اذ (الظاهر انها) بسبب هذه المنافع النادرة (لا تعد اموالا عرفا- كما اعترف به) اي بعدم كونها بسبب هذه المنافع اموالا عرفية (في جامع المقاصد في شرح قول العلامة: «و يجوز اقتناء الاعيان النجسة لفائدة») فاذا لم تكن مالا كان عدم صحة بيعها لاجل عدم الفائدة، لا لاجل النص على المنع، فتحصل ان ما لا يجوز بيعه من الاعيان النجسة، قد لا يجوز لاجل المانع، اي الدليل الدال على عدم جواز البيع، و قد لا يجوز لاجل عدم المقتضي، اي لكونه ليس بمال عرفا.

(و الظاهر) من ادلة الحقوق، مثل قوله عليه السلام «لا يزوى حق امرئ مسلم» بضميمة ان هذه الاشياء حقوق عرفية (ثبوت حق الاختصاص في هذه الامور) التي لا يجوز بيعها، مع وجود فائدة ما فيها (الناشئ)

ص: 224

إما عن الحيازة و إما عن كون اصلها مالا للمالك، كما لو مات حيوان له او فسد لحم اشتراه للأكل، على وجه خرج عن المالية.

و الظاهر جواز المصالحة على هذا الحق بلا عوض، بناء على صحة هذا الصلح، بل و مع العوض بناء على انه لا يعد ثمنا لنفس العين حتى يكون سحتا بمقتضى الاخبار.

______________________________

هذا الحق (إما عن الحيازة) كما لو حاز بدن سبع ميت في الصحراء (و اما عن كون اصلها مالا للمالك، كما لو مات حيوان له او فسد لحم اشتراه للاكل) و كان فساده (على وجه خرج عن المالية) او لانه تغوط او ما اشبه ذلك. و القول بانه لا وجه لكون هذه الامور متعلقة لحق المالك- نظرا الى انه حين الملك لم يكن حق حتى يستصحب، و بعد الخروج عن الملك لم يحدث حق جديد- مردود، بان الحق كان موجودا فيستصحب مضافا الى ان الحق عرفي و موجود الآن فيشمله ادلة الحق.

(و الظاهر) من اطلاق ادلة الصلح (جواز المصالحة على هذا الحق بلا عوض) لئلا يعوض بالمال ليتأتى فيه الاشكال السابق و هو انه لا خصوصية للبيع، اذ المناط المستفاد من النص المانع من البيع عدم وقوع النجس في مقابل المال شرعا (بناء على صحة هذا الصلح) مقابل احتمال عدم صحة هذا الصلح، من جهة ان المنع عن البيع معناه عدم تصحيح الشارع اجراء جميع انواع التعامل عليه، و لو كان التعامل بنحو الصلح. (بل و) تجوز المصالحة (مع العوض) أيضا (بناء على انه) اي العوض (لا يعد ثمنا لنفس العين حتى يكون سحتا بمقتضى الاخبار) حتى يشمله قوله عليه السلام

ص: 225

قال في التذكرة: و تصح الوصية بما يحل الانتفاع به من النجاسات كالكلب المعلم، و الزيت النجس لاشعاله تحت السماء، و الزبل للانتفاع باشعاله و التسميد به، و جلد الميتة ان سوغنا الانتفاع به، و الخمر المحترمة لثبوت الاختصاص فيها، و انتقالها من يد الى يد بالارث و غيره. انتهى.

و الظاهر ان مراده بغير الارث: الصلح الناقل.

______________________________

«ثمن الميتة سحت»، بل العوض في مقابل تنازل ذي الحق عن حقه، فالمال مقابل العمل، لا مقابل الشي ء النجس.

و يدل على صحة الصلح على هذه الامور باعتبار كونها متعلقة لحق المالك ما ذكره العلامة- رحمه اللّه- فقد (قال في التذكرة: و تصح الوصية بما يحل الانتفاع به من النجاسات، كالكلب المعلم) للصيد (و الزيت النجس لاشعاله تحت السماء، و الزبل) النجس (للانتفاع باشعاله، و) ب (التسميد به) للاشجار و الزروع (و جلد الميتة، ان سوغنا الانتفاع به، و الخمر المحترمة) لانها تصبح بعلاج او دون علاج خلا، فان النهي عن الخمر منصرف عن مثل هذه الخمر، مضافا الى قوله: «خذه و افسده» الدال على انه محترم، لاجل وقوع الإفساد- اي التخليل- عليه، و انما جوز التذكرة الوصية بهذه الامور (لثبوت الاختصاص فيها و) صحة (انتقالها من يد الى يد بالارث و غيره. انتهى) كلام العلامة- رحمه اللّه-.

(و الظاهر ان مراده بغير الارث: الصلح الناقل). مضافا الى ان الوصية و الصلح و الارث من واد واحد (و اما) من احتمل أن مراد العلامة ب «غيره» الانتقال بان يعرض ذو الحق الاول عنه ثم يأخذه انسان

ص: 226

و أما اليد الحادثة بعد اعراض اليد الاولى فليس انتقالا.

لكن الانصاف ان الحكم مشكل. نعم لو بذل ما لا على ان يرفع يده عنها ليحوزها الباذل كان حسنا، كما لو بذل الرجل المال على ان يرفع اليد عما في تصرفه من الامكنة المشتركة، كمكانه من المسجد و المدرسة و السوق.

______________________________

آخر. ففيه ان (اليد الحادثة بعد اعراض اليد الاولى) لا يسمى نقلا من اليد الاولى (فليس انتقالا) الى اليد الثانية، فلا يصدق عليه «الانتقال» المذكور في كلام العلامة- رحمه اللّه-.

(و لكن الانصاف ان الحكم) بجواز الصلح سواء في قبال العين او قبال العمل (مشكل) لان المناط الموجود في البيع موجود في الصلح أيضا، فما دل على عدم جواز البيع يدل على عدم جواز الصلح مع العوض (نعم لو بذل ما لا على ان يرفع) ذو الحق (يده عنها ليحوزها الباذل كان حسنا) الا ان يقال: ان المناط موجود في هذا أيضا، و انما قلنا بجواز مثل هذا البذل لانه (كما لو بدل الرجل المال على ان يرفع اليد عما في تصرفه من الامكنة المشتركة، كمكانه من المسجد و المدرسة و السوق) مما له حق الاختصاص بسبب السبق فانه و ان لم يجز بيعه و شراؤه، لكن يجوز دفع المال إليه بهذا العنوان. اللهم الا ان يقال: ان قوله عليه السلام «ثمن الميتة سحت» شامل لجميع اقسام الثمن المأخوذ في مقابل الميتة، بخلاف مثل حق السبق في الموارد المذكورة، فانه لم يدل دليل على الحرمة الا الاطلاقات، و هي منصرفة عن مثل اعطاء المال في مقابل رفع اليد.

ص: 227

و ذكر بعض الاساطين- بعد اثبات حق الاختصاص- ان دفع شي ء من المال لافتكاكه يشك في دخوله تحت الاكتساب المحظور، فيبقى على أصالة الجواز.

«ثم» انه يشترط في الاختصاص بالحيازة قصد الحائز للانتفاع، و لذا ذكروا: انه لو علم كون حيازة الشخص للماء و الكلاء لمجرد العبث لم يحصل له حق.

______________________________

(و) مما يؤيد جواز اعطاء المال في مقابل رفع ذى الحق يده عن عين النجس ما (ذكره بعض الاساطين) و هو كاشف الغطاء (- بعد اثبات حق الاختصاص-) من (ان دفع شي ء من المال لافتكاكه) اي فكه من يد ذي الحق، بمعنى ان يرفع يده عنه (يشك في دخوله تحت الاكتساب المحظور، فيبقى على أصالة الجواز) لقاعدة الحل، و لاصالة البراءة.

( «ثم» انه يشترط في الاختصاص بالحيازة قصد الحائز للانتفاع) و انما ذكر الاختصاص الناشئ من الحيازة، دون الاختصاص الناشئ من سبق الملك، اذ أن الحق موجود في صورة سبق الملك، و انما سقوطه يحتاج الى شي ء جديد، بخلاف الحق الناشئ من الحيازة، فان وجوده يحتاج الى شي ء جديد. (و لذا) الذي يشترط القصد (ذكروا: انه لو علم كون حيازة الشخص للماء و الكلاء لمجرد العبث) و قد انتهى عبثه. اذ لو بقي عبثه لم يحق للغير حيازته، كما لو قطع الحشيش و اخذ يعبث به (لم يحصل له حق) و يدل على عدم حصول الحق بذلك عدم صدق «من سبق الى ما لم يسبق إليه احد كان احق به» فالمباح يبقى على اباحته الاصلية الموجبة لجواز ان

ص: 228

و حينئذ فيشكل الامر فيما تعارف في بعض البلاد من جمع العذرات حتى اذا صارت من الكثرة بحيث ينتفع بها في البساتين و الزرع بذل له مال فاخذت منه. فان الظاهر بل المقطوع انه لم يحزها للانتفاع بها و انما حازها لاخذ المال عليها، و من المعلوم ان اخذ المال فرع ثبوت الاختصاص المتوقف على قصد الانتفاع المعلوم انتفاؤه في المقام. و كذا لو سبق الى مكان من الامكنة المذكورة من غير قصد الانتفاع منها بالسكنى.

______________________________

يحوزه كل احد.

(و حينئذ) اي حين اشتراط قصد الحيازة في حصول الحق (فيشكل الامر فيما تعارف في بعض البلاد من جمع العذرات) في مكان خاص (حتى اذا صارت من الكثرة بحيث ينتفع بها في البساتين و الزرع بذل له) اي لذلك المجموع، او لذلك الجامع (مال فاخذت) تلك العذرات (منه) و انما اشكلنا على اخذ المال في هذه الصورة (فان الظاهر بل المقطوع انه لم يحزها للانتفاع بها) في تسميد بستانه او نحوه (و انما حازها لاخذ المال عليها، و من المعلوم ان اخذ المال فرع ثبوت الاختصاص المتوقف) ذلك الاختصاص (على قصد الانتفاع المعلوم انتفاؤه) اي انتفاء قصد الانتفاع (في المقام) الذي يجمعه لاخذ المال في مقابله، لكن ربما يقال: ان قصده الحيازة كاف في صيرورته في حيازته، فاذا صار حقه جاز اخذ المال لرفع يده منه. (و كذا) يشكل الامر (لو سبق الى مكان من الامكنة المذكورة من غير قصد الانتفاع منها بالسكنى) فانه لا يحدث بذلك حق له حتى يجوز له ان يأخذ المال في مقابل رفع يده

ص: 229

«نعم» لو جمعها في مكانه المملوك فبذل له المال على ان يتصرف في ذلك المكان بالدخول لاخذها، كان حسنا، كما انه لو قلنا بكفاية مجرد قصد الحيازة في الاختصاص- و ان لم يقصد الانتفاع بعينه و قلنا بجواز المعاوضة على حق الاختصاص- كان اسهل.

______________________________

منه اللهم الا ان يقال ان معنى «من سبق» شامل لمثل هذا السبق أيضا.

( «نعم») في مسألة جمع العذرات (لو جمعها في مكانه المملوك فبذل) الباذل (له المال) لا في مقابل حقه المتعلق بتلك العذرات، بل (على ان يتصرف في ذلك المكان) اذ لا يجوز لاحد ان يتصرف في مال غيره الا باذنه (بالدخول لاخذها) اي تلك العذرات (كان) عمله ذلك (حسنا) لانه اخذ للمال في مقابل التصرف في ملكه الذي لا اشكال فيه (كما انه لو قلنا بكفاية مجرد قصد الحيازة في الاختصاص) لذلك الشي ء الذي حازه بالذي حاز (و ان لم يقصد) الحائز (الانتفاع بعينه) اي بعين ما حازه (و قلنا بجواز المعاوضة على حق الاختصاص كان) امر المعاملات التي تجرى على العذرات (اسهل) من حيث الجواز.

«ثم» انه بما يستشكل بانه اي فرق بين ان يجعل الثمن في مقابل العذرة او الكلب، او ان يجعل في مقابل حق الاختصاص، او حق الدخول في مكان زيد، الذي جمع فيه العذرة فان نتيجة الكل واحدة. و هي:

كون الثمن في مقابل الحصول على العذرة.

و الجواب: ان اهمية بقاء كليات الاحكام على حالها، و ان سبب انطباق كلي على شي ء لا ينطبق عليه كلي آخر بمكان من الخطورة شرعا

ص: 230

..........

______________________________

و عرفا، فلا مانع من ان يكون جزئي خاص على وجهين، وجه محرم لانه داخل تحت كلي خاص، و وجه محلل لانه داخل تحت كلي آخر، مثلا يجوز ايجار المشتري لدار اشتراها ببيع الشرط للمالك الاول، بينما انه لا يجوز ايجاز الراهن من المرتهن، مع ان بيع الشرط و الرهن قد يؤديان الى نتيجة واحدة.

هذا مضافا الى ان الحكم يختلف في انطباق احد الكليين عن الحكم في صورة انطباق الكلي الآخر، ففي المثال: الدخول في محل زيد لا يحتاج الى معرفة كمية العذرة و خصوصياتها، بينما يحتاج الى ذلك لو كانت العذرة مالا يراد بيعها، و في بيع الشرط يترتب اثر البيع، بينما لا يترتب هذا الأثر في الرهن، و هكذا.

«ثم» انه قد ذكرنا في اوّل الكتاب ان الاكتساب المحرم على انواع و قد انتهى النوع الاول منها، و هو: الاكتساب بالانواع النجسة و المتنجسة و فروع ذلك.

ص: 231

(النوع الثاني) مما يحرم التكسب به: ما يحرم لتحريم ما يقصد به، و هو على اقسام:

«الأول»- ما لا يقصد من وجوده على نحوه الخاص الا الحرام،

اشارة

و هي امور:

«منها»- هياكل العبادة المبتدعة كالصليب و الصنم.

بلا خلاف ظاهر بل الظاهر الاجماع عليه.

و يدل عليه مواضع من رواية تحف العقول

______________________________

(النوع الثاني- مما يحرم التكسب به- ما يحرم) الاكتساب به (لتحريم ما يقصد به، و هو على اقسام):

( «الاول»-) من تلك الاقسام (ما لا يقصد من وجوده على نحوه الخاص الا الحرام، و هي امور): و تأنيث ضمير «هي» باعتبار خبره.

( «منها»-) اي من تلك الامور (هياكل العبادة المبتدعة) هياكل جمع «هيكل» و هو: التمثال و ما اشبه، و اضافة الهيكل الى العبادة باعتبار تعلق العبادة بذلك الهيكل- و يكفي في الاضافة ادنى ملابسة- و «المبتدعة» اما صفة الهياكل، او صفة العبادة (كالصليب و الصنم بلا خلاف ظاهر) في كون الاكتساب بهياكل العبادة المبتدعة محرم (بل الظاهر) من تتبع اقوال الفقهاء (الاجماع عليه).

(و يدل عليه) اي على تحريمه (مواضع من رواية تحف العقول

ص: 232

المتقدمة، مثل قوله عليه السلام «و كل امر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه». و قوله عليه السلام «او شي ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد» و قوله عليه السلام «و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير اللّه». و قوله عليه السلام «انما حرم اللّه الصناعة التي هي حرام كلها، مما يجي ء منها الفساد محضا، نظير المزامير و البرابط، و كل ملهو به، و الصلبان و الاصنام- الى ان قال عليه السلام- فحرام تعليمه و تعلمه و العمل به و اخذ الاجرة عليه و جميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات».

هذا كله مضافا الى ان اكل المال

______________________________

المتقدمة، مثل قوله عليه السلام «و كل امر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه») و اي فساد اعظم من فساد عبادة غير اللّه سبحانه.

(و قوله عليه السلام «او شي ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد») و قد تقدم ان المراد به تأتي وجه من وجوه الفساد منه، لا ان له وجه صلاح و وجه فساد.

(و قوله عليه السلام «و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير اللّه») و من المعلوم التقرب بالصليب و الصنم يكون لغير اللّه تعالى. (و قوله عليه السلام «انما حرم اللّه الصناعة التي هي حرام كلها مما يجي ء منها الفساد محضا، نظير المزامير و البرابط، و كل ملهو به) اى سائر آلات اللهو (و الصلبان و الاصنام الى ان قال عليه السلام- فحرام تعليمه و تعلمه و العمل به و اخذ الاجرة عليه و جميع التقلب فيه) كالاقتناء و ما اشبه (من جميع وجوه الحركات») المربوطة بذلك الشي ء، لا مثل كسره و احراقه و ما اشبه مما هو تخلص منه.

(هذا كله) ادلة خاصة على التحريم (مضافا الى ان اكل المال

ص: 233

في مقابل هذه الاشياء اكل له بالباطل. و الى قوله صلى اللّه عليه و آله «ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه».

بناء على ان تحريم هذه الامور تحريم لمنافعها الغالبة بل الدائمة.

______________________________

في مقابل هذه الاشياء اكل له بالباطل) لان الشارع لم يمض مالية هذه الاشياء، كما لم يمض مالية الخمر، و كل ما يكون اكل المال في إزاءه اكلا بالباطل، فيشمله قوله تعالى «وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ»، (و الى قوله صلى اللّه عليه و آله «ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه») فحيث ان اللّه حرم الصليب و الصنم حرم ثمنهما.

«ثم» ان هيكل الصليب قد يكون نفعه الغالب او الدائم- الذي يسبب كونه مالا- هو العبادة. و هذا لا اشكال في حرمته و حرمة ثمنه.

و قد يكون نفعه مشتركا بين المحلل و المحرم، بان كان الهيكل مشتركا بين الحرام و الحلال، كالآجر الذي يصنع على هيكل الصليب، و الازرار التي تصنع على هيئة الاصنام، و ما اشبه. و هذا هو الذي اختار جمع جوازه بقصد المحلل. و الى هذا التقسيم اشار المصنف- رحمه اللّه- بقوله: «ان كون هذه الهياكل محرمة ليحرم ثمنها» (بناء على ان تحريم هذه الامور) المستفاد من النص و الاجماع، معناه (تحريم لمنافعها الغالبة بل الدائمة) التي هي العبادة.

و انما قال: «بناء» لانه اذا لم يحرم الا بعض منافعها لم يشملها قوله عليه السلام: «اذا حرم شيئا». و الحاصل ان قوله «بناء» انما سيق لبيان تحقق الموضوع، اي ان موضوع تحريم الثمن حرمة الشي ء،

ص: 234

فان الصليب من حيث انه خشب بهذه الهيئة لا ينتفع به الا في الحرام و ليس بهذه الهيئة مما ينتفع به في المحلل و المحرم. و لو فرض ذلك كان منفعة نادرة لا يقدح في تحريم العين بقول مطلق الذي هو المناط في تحريم الثمن.

«نعم» لو فرض هيئة خاصة مشتركة بين هيكل العبادة و آلة

______________________________

و حرمة الشي ء فيما اذا كان منافعه الغالبة او الدائمة حراما، و الصليب كذلك فهو حرام فثمنه حرام (فان الصليب من حيث انه خشب بهذه الهيئة) الخاصة (لا ينتفع به الا في الحرام) و لذا يكون صنعه و سائر انحاء التقلب فيه حراما (و ليس بهذه الهيئة) الخاصة (مما ينتفع به في المحلل و المحرم) حتى يشمله قوله عليه السلام «وجه من وجوه الصلاح» و حتى لا يصدق عليه «حرم شيئا» بقول مطلق (و لو فرض ذلك) اي الانتفاع به في المحلل كسد الساقية، و جعله درجا لتناول شي ء في الرف مثلا (كان) ذلك الوجه المحلل (منفعة نادرة لا يقدح) و لا يضر ذلك النفع المحلل النادر (في تحريم العين بقول مطلق) بحيث يقال: «انه حرام» بدون ان يقيد الحرمة بشي ء، كما ربما يقيد. مثلا يقال «استعمال السلاح في محاربة المسلمين حرام» (الذي) وصف «للتحريم بقول مطلق» (هو المناط في تحريم الثمن) لما عرفت من ان حرمة الثمن متوقف على حرمة العين، و حرمة العين انما تكون اذا صدق «انه حرام» بقول مطلق، بدون التقييد.

( «نعم» لو فرض هيئة خاصة مشتركة بين هيكل العبادة و آلة

ص: 235

اخرى لعمل محلل بحيث لا تعد منفعة نادرة، فالاقوى جواز البيع بقصد تلك المنفعة المحللة، كما اعترف به في المسالك.

فما ذكره بعض الاساطين من ان ظاهر الاجماع و الاخبار: انه لا فرق بين قصد الجهة المحللة و غيرها. فلعله محمول على الجهة المحللة التي لا دخل للهيئة فيها» او النادرة التي مما للهيئة دخل فيه «نعم» ذكر أيضا- وفاقا لظاهر غيره، بل الاكثر- انه لا فرق بين قصد المادة و الهيئة.

______________________________

اخرى لعمل محلل) كالمطرقة ذات رأسين التي تشبه الصليب (بحيث لا تعد) تلك المنفعة الاخرى المحللة (منفعة نادرة، فالاقوى جواز البيع بقصد تلك المنفعة المحللة) لشمول ادلة الجواز له (كما اعترف به في المسالك).

(فما ذكره بعض الاساطين) اي كاشف الغطاء- رحمه اللّه- (من ان ظاهر الاجماع و الاخبار: انه لا فرق بين قصد الجهة المحللة و غيرها، فلعله محمول على الجهة المحللة التي لا دخل للهيئة فيها) كما لو اشترى الصليب بقصد ان يجعله في السقف للبناء عليه فان هيئة الصليب لا دخل لها في البناء (او) الجهة (النادرة التي مما للهيئة دخل فيه) كجعل الصليب درجا مما هيأته تسبب يسر الصعود و ليس مراد كاشف الغطاء ما ذكرناه من الهيئة التي لها منفعتان بالاشتراك ( «نعم» ذكر) بعض الاساطين (أيضا وفاقا لظاهر غيره بل الاكثر انه لا فرق بين قصد المادة و الهيئة) فقد يبيع الصنم بقصد الذهب الموجود فيه، بلا ان يقصد هيأته، و قد يبيع الصنم بقصد هيأته بدون قصد المادة، كما انه قد يقصدهما معا.

ص: 236

اقول: ان اراد بقصد المادة: كونها هي الباعثة على بذل المال بإزاء ذلك الشي ء و ان كان عنوان المبيع المبذول بإزائه الثمن هو ذلك الشي ء فما استظهره من الاجماع و الاخبار حسن، لان بذل المال بإزاء هذا الجسم المتشكل بالشكل الخاص- من حيث كونه ما لا عرفا- بذل للمال على الباطل.

و ان اراد بقصد المادة: كون المبيع هي المادة، سواء

______________________________

(اقول): لا نسلم عدم الفرق بين قصد المادة و قصد الهيئة، بل قصد المادة في بعض الاحيان يكون سببا لصحة البيع، فإنه (ان اراد) كاشف الغطاء (بقصد المادة) الموجب للبطلان كما يوجب بطلان البيع قصد الهيئة: (كونها) اي المادة (هي الباعثة على بذل المال بإزاء ذلك الشي ء) كما نرى ذلك بالوجدان في ان الوثني الثري يشتري الصنم من الذهب، و الفقير يشتري الصنم من الخشب، فبذل مال الثري انما هو بإزاء الذهب (و ان كان عنوان المبيع المبذول بإزائه الثمن هو ذلك الشي ء) اي الصنم فهو يبذل عشرة دنانير- مثلا- في مقابل الصنم لكن الباعث له على بذل هذا المقدار من المال هو كونه ذهبا (فما استظهره) كاشف الغطاء رحمه اللّه- (من الاجماع و الاخبار) على البطلان و عدم الفرق بين قصد المادة و قصد الهيئة (حسن، لان بذل المال بإزاء هذا الجسم المتشكل بالشكل الخاص- من حيث كونه مالا عرفا- بذل للمال على الباطل) فان المشترى هو الصنم.

(و ان اراد بقصد المادة: كون المبيع هي المادة) فقط، (سواء

ص: 237

تعلق البيع بها بالخصوص- كأن يقول: بعتك خشب هذا الصنم- او في ضمن مجموع مركب- كما لو وزن له وزنة حطب فقال: بعتك فظهر فيه.

صنم او صليب- فالحكم ببطلان البيع في الاول، و في مقدار الصنم في الثاني مشكل، لمنع شمول الادلة لمثل هذا الفرد، لان المتيقن من الادلة المتقدمة:

حرمة المعاوضة على هذه الأمور نظير المعاوضة على غيره من الاموال العرفية و هو ملاحظة مطلق ما يتقوم به مالية الشي ء من المادة و الهيئة و الاوصاف.

______________________________

تعلق البيع بها بالخصوص- كأن يقول بعتك خشب هذا الصنم- او) تعلق البيع بها (في ضمن مجموع مركب- كما لو وزن له وزنة حطب فقال بعتك) هذه الوزنة (فظهر فيه صنم او صليب- فالحكم ببطلان البيع في الاول) اي بيع خشب الصنم (و في مقدار الصنم في الثاني) فيما باعه وزن حطب فظهر فيه صنم مثلا (مشكل، لمنع شمول الادلة) الدالة على حرمة بيع الصليب و الصنم (لمثل هذا الفرد) من البيع و هو ما لو باع الخشب لا الهيكل (لان المتيقن من الادلة المتقدمة: حرمة المعاوضة على هذه الأمور) الصليب و الصنم و المزامير و ما اشبه، معاوضة (نظير المعاوضة على غيره من الاموال العرفية، و هو) الضمير راجع الى النظير (ملاحظة مطلق ما يتقوم به مالية الشي ء من المادة و الهيئة و الاوصاف).

و لكن ربما يقال بعدم الفرق في شمول المطلقات بين قصد المادة او قصد الهيكل او قصدهما معا، فان القصد لا يغير من الواقع شيئا، ألا ترى انه لو نهى المولى عن بيع الدار ثم باع العبد مواد الدار، لم يكن معذورا عند العرف، و ما ذكره- رحمه اللّه- من انه «المتيقن» محل

ص: 238

و الحاصل ان الملحوظ في البيع قد يكون مادة الشي ء من غير مدخلية الشكل. الا ترى انه لو باعه وزنة نحاس فظهر فيها آنية مكسورة لم يكن له خيار العيب لان المبيع هي المادة.

و دعوى-: ان المال هي المادة بشرط عدم الهيئة- مدفوعة بما صرح به من انه لو اتلف الغاصب لهذه الامور ضمن موادها.

______________________________

تأمل، اذ لا اجمال حتى يؤخذ بالقدر المتيقن.

(و) كيف كان ف (الحاصل) مما ذكره الماتن (ان الملحوظ في البيع قد يكون مادة الشي ء من غير مدخلية الشكل) في بذل الثمن و الرغبة و القصد من جانب البائع و المشتري (الا ترى انه لو باعه وزنة نحاس فظهر فيها) اي في تلك الوزنة (آنية مكسورة لم يكن له خيار العيب) اذ المبيع مادة النحاس، لا الشكل حتى يكون الكسر موجبا لخيار العيب، بخلاف ما اذا باعه الآنية بالمادة و الشكل، فان الكسر في الهيكل كالمغشوش في المادة موجبان لخيار العيب (لان المبيع) في الاول (هي المادة) فقط و في الثاني المادة و الصورة.

(و دعوى-: ان المال) في مثل الصنم و الصليب (هي المادة بشرط عدم الهيئة) فوجود الهيئة يسقط مالية الصنم، حتى انه لا يجوز بذل المال بإزاء المادة المتلبسة بالهيئة (- مدفوعة بما صرح به) في كلام الفقهاء (من انه لو اتلف الغاصب لهذه الامور) التي لا يجوز بيعها كالصنم و الصليب و المزمار (ضمن موادها) و لو كان المال هو المادة بدون الهيئة كان اتلاف المادة في ضمن الهيئة غير موجب للضمان. و هذا التصريح منهم

ص: 239

و حمله على الإتلاف تدريجا تمحل.

و في محكي التذكرة: انه اذا كان لمكسورها قيمة و باعها صحيحة ليكسر و كان المشتري ممن يوثق بديانته فانه يجوز بيعها على الاقوى. انتهى.

و اختار ذلك صاحب الكفاية، و صاحب

______________________________

دليله «من اتلف مال الغير فهو له ضامن».

اللهم الا ان يقال: ان ذلك اوّل الكلام، فان عدم اعتبار مالية هذه الاشياء يدل على عدم شمول «من اتلف». و يؤيده ان المسلمين كانوا يكسرون الاصنام و يتلفونها، و كذلك آلات اللهو بدون ان يعطوا ثمن المواد فتأمل.

هذا مضافا الى ان كون المادة مالا لا تصحح البيع بعد النهي عن بيع الصنم المطلق لما قصد بيع المجموع او المادة فقط. (و حمله) اي حمل كلامهم في الضمان (على الاتلاف تدريجا) بمعنى انهم انما صرحوا بالضمان في صورة الاتلاف فيما اتلف الهيئة أولا حتى صار مالا ثم اتلف المادة، حتى يكون الغاصب متلفا للمال (تمحل) اي تكلف بدون وجه.

(و) يدل على جواز بيع هذه الامور بقصد المادة ما (في محكي التذكرة: انه اذا كان لمكسورها) اي مكسور آلات العبادة كالصنم و الصليب و نحوها (قيمة و باعها) في حال كونها (صحيحة) لكن (ليكسر) و ينتفع بموادها فقط (و كان المشتري ممن يوثق بديانته) و انه يكسرها (فانه يجوز بيعها على الاقوى. انتهى) كلام التذكرة.

(و اختار ذلك) الذي اختاره العلامة (صاحب الكفاية، و صاحب

ص: 240

الحدائق، و صاحب الرياض، نافيا عنه الريب.

و لعل التقييد- في كلام العلامة بكون المشتري ممن يوثق بديانته- لئلا يدخل في باب المساعدة على المحرم، فان دفع ما يقصد منه المعصية غالبا مع عدم وثوق بالمدفوع إليه، تقوية لوجه من وجوه المعاصي، فيكون باطلا كما في رواية تحف العقول-.

لكن فيه- مضافا الى التأمل في بطلان البيع لمجرد الاعانة على الاثم

______________________________

الحدائق، و صاحب الرياض، نافيا عنه الريب) فان فهم هؤلاء الفقهاء دليل على ان الظاهر من ادلة عدم جواز بيعها عدم جواز البيع مادة و هيئة لا عدم جواز البيع بقصد المادة فقط.

(و) ان قلت: ان كان المناط «قصد المادة و عدم قصدها» فما هو تأثير الوثاقة بدين المشتري الذي ذكره العلامة؟ قلت: (لعل التقييد في كلام العلامة بكون المشتري ممن يوثق بديانته لئلا يدخل) البيع بدون الوثاقة (في باب المساعدة على المحرم) فيما اذا لم يكسره المشتري (فان دفع ما يقصد منه المعصية غالبا مع عدم وثوق بالمدفوع إليه تقوية لوجه من وجوه المعاصي فيكون) البيع (باطلا، كما) صرح بذلك (في رواية تحف العقول) فالوثوق المذكور في كلامه طريقي لا موضوعي.

(لكن فيه) اي في تقييد العلامة (- مضافا الى التأمل في بطلان البيع لمجرد الاعانة على الاثم) فان في كثير من البيوع إعانة على الاثم، مع واسطة الفاعل المختار، و ليس ذلك محرما، فان النهي بأمر خارج عن المعاملة كالنهي عن البيع وقت النداء لا يوجب بطلانا، و خبر تحف العقول و ان

ص: 241

-: انه يمكن الاستغناء عن هذا القيد بكسره قبل ان يقبضه اياه، فان الهيئة غير محترمة في مثل هذه الامور- كما صرحوا به في باب الغصب- بل قد يقال بوجوب اتلافها فورا. و لا يبعد ان يثبت، لوجوب حسم مادة الفساد.

و في جامع المقاصد- بعد حكمه بالمنع عن بيع هذه الاشياء و ان امكن الانتفاع على حالها في غير المحرم

______________________________

دل على البطلان لكنه ضعيف غير مجبور في هذه الفقرة، فأصالة جواز البيع محكمة-: (انه يمكن الاستغناء عن هذا القيد) اي قيد وثوق البائع بكسر المشتري (بكسره) اي البائع للصنم الذي يبيعه- مثلا- (قبل ان يقبضه اياه) او يجبره على كسره او يكون هناك من يكسر او يجبر على الكسر من باب إتلاف مادة الفساد، الواجب شرعا، و لا يمكن ان يقال: كيف يكسره البائع و يتصرف في مال غيره بعد البيع؟ (فان الهيئة غير محترمة في مثل هذه الامور- كما صرحوا به في باب الغصب-) و التصرف في المادة الملازم للكسر جائز شرعا (بل قد يقال بوجوب اتلافها) اي الهيئة (فورا) فهو واجب و ليس بمجرد جواز (و لا يبعد ان يثبت) وجوب الكسر فورا (لوجوب حسم) و قطع (مادة الفساد) المستفاد من كسره- صلى اللّه عليه و آله- اصنام اهل مكة و الطائف و غيرهما بمجرد قدرته على ذلك.

(و) مثل كلام العلامة الدال على جواز البيع بقصد المادة ما (في جامع المقاصد) فانه- (بعد حكمه بالمنع عن بيع هذه الاشياء) كالصنم و الصليب (و ان امكن الانتفاع على حالها) و هيأتها (في غير المحرم)

ص: 242

منفعة لا تقصد منها- قال: و لا اثر لكون رضاضها الباقي بعد كسرها مما ينتفع به في المحلل، و يعد مالا، لان بذل المال في مقابلها- و هي على هيأتها- بذل له في المحرم الذي لا يعد ما لا عند الشارع. نعم لو باع رضاضها الباقي بعد كسرها- قبل ان يكسرها- و كان المشتري موثوقا به و انه يكسرها، امكن القول بصحة البيع. و مثله باقي الامور المحرمة كاواني النقدين و الصنم. انتهى.

______________________________

كجعلها الواحا للسقوف او درجا للصعود و ما اشبه (منفعة) محللة (لا تقصد منها) غالبا، فان المقصود من هيكل الصنم العبادة- عند اهله- لا جعله لوحا او درجا (- قال: و لا اثر لكون رضاضها) و اجزائها (الباقي بعد كسرها مما ينتفع به في المحلل و يعد مالا) أي لا اثر لذلك في جواز بيعها فعلا مع الهيئة، و انما قلنا «لا اثر» (لان بذل المال في مقابلها- و هي على هيأتها- بذل له في المحرم الذي لا يعد ما لا عند الشارع) اذ للهيكل قسط من الثمن (نعم لو باع رضاضها الباقي بعد كسرها- قبل ان يكسرها-) بان كان البيع قبل الكسر، لكن المبيع الرضاض و المادة فقط (و كان المشتري موثوقا به) دينا (و انه يكسرها، امكن القول بصحة البيع) لان المبيع المادة، و الدليل الدال على حرمة بيعها منصرف الى بيع المادة و الهيئة معا، كما هو متعارف عند اهلها (و مثله باقي الامور المحرمة) من جهة الهيئة (كاواني النقدين) الذهب و الفضة (و الصنم). و غيرها.

( «و منها»-) اي من الامور التي لا يقصد من وجوده على نحوه

ص: 243

«و منها»- آلات القمار بانواعه،

بلا خلاف ظاهرا.

و يدل عليه جميع ما تقدم في هياكل العبادة. و يقوى هنا أيضا جواز بيع المادة قبل تغيير الهيئة.

و في المسالك: انه لو كان لمكسورها قيمة و باعها صحيحة ليكسر و كان المشتري ممن يوثق بديانته ففي جواز بيعها وجهان

______________________________

الخاص الا الحرام، و هذا عطف على اوّل المسألة (آلات القمار بانواعه) اي بمختلف انواع القمار من النرد و الشطرنج و غيرهما، فانه يحرم التكسب به لتحريم ما يقصد به (بلا خلاف ظاهرا) اي حسب ما استظهرناه من كتبهم و كلامهم.

(و يدل عليه) اي على التحريم هنا (جميع ما تقدم في هياكل العبادة) من فقرات رواية التحف و النبوي بل و قوله تعالى «رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ» الى غير ذلك (و يقوى هنا) في آلات القمار (أيضا) مثل هياكل العبادة (جواز بيع المادة قبل تغيير الهيئة) لما ذكرناه هناك من الادلة فان النهي منصرف الى بيع المادة و الهيئة لا المادة فقط.

(و في المسالك) تأييد ما ذكرناه من جواز البيع، فانه قال: (انه لو كان لمكسورها) اي مكسور آلات القمار (قيمة و باعها صحيحة ليكسر) اما باشتراط الكسر في ضمن البيع او كون البيع لهذه الغاية (و كان المشتري ممن يوثق بديانته) و انه يكسرها بعد الاشتراء (ففي جواز بيعها وجهان) من اطلاق ادلة المنع. و من انصراف الادلة الى صورة البيع المتعارف و هي

ص: 244

و قوى في التذكرة الجواز مع زوال الصفة و هو حسن. و الاكثر اطلقوا المنع. انتهى.

اقول: ان اراد بزوال الصفة زوال الهيئة فلا ينبغي الاشكال في الجواز، و لا ينبغي جعله محلا للخلاف بين العلامة و بين الاكثر.

«ثم» ان المراد بالقمار: مطلق المراهنة بعوض. فكل ما اعد لها بحيث لا يقصد منه

______________________________

بيع المادة مع الهيئة (و قوى في التذكرة الجواز مع زوال الصفة) اي بشرط زوال الصفة (و هو) اي ما ذكره العلامة (حسن. و الاكثر اطلقوا المنع. انتهى) كلام المسالك.

(اقول): الظاهر ان العلامة اراد بزوال الصفة بيعها بشرط زوال الصفة لا البيع بعد زوال الصفة، لانه (ان اراد بزوال الصفة زوال الهيئة فلا ينبغي الاشكال في الجواز) اذ اتصاف المادة في وقت من الاوقات بصفة محرمة لا يوجب استصحاب الحرمة الى ما بعد زوال الصفة (و لا ينبغي جعله) اي الجواز بالشرط المذكور (محلا للخلاف بين العلامة و بين الاكثر) اذ الكل يقولون بالجواز بعد زوال الصفة، و بعض المعلقين قال: لعله اراد بزوال الصفة عدم مقامرة الناس به و تركهم له بحيث خرج عن كونه آلة القمار و ان كانت الهيئة باقية فتدبر.

( «ثم» ان المراد بالقمار: مطلق المراهنة بعوض ف) المراد بآلة القمار التي هي موضوع الكلام و انه لا يجوز اجراء المعاملة عليها (كل ما اعد لها) اي للمقامرة (بحيث لا يقصد منه) الضمير يرجع الى «ما»

ص: 245

على ما فيه من الخصوصيات غيرها حرمت المعاوضة عليه.

و أما المراهنة بغير عوض فسيجي ء انها ليست بقمار على الظاهر.

«نعم» لو قلنا بحرمتها لحق الآلة المعدة لها حكم آلات القمار، مثل ما يعملونه شبه الكرة يسمى عندنا التوبة و الصولجان.

«و منها»- آلات اللهو على اختلاف اصنافها

بلا خلاف، لجميع ما تقدم في المسألة السابقة

______________________________

(على ما فيه من الخصوصيات) بخلاف مادته المجردة (غيرها) اي غير المقامرة، فان ما يكون كذلك (حرمت المعاوضة عليه).

(و اما المراهنة بغير عوض) فهل الآلة المعدة لذلك حرام أم لا (فسيجي ء انها) اي المراهنة بغير عوض (ليس بقمار على الظاهر) الذي يستفاد من ادلة تحريم القمار. و على هذا فليست آلتها كآلة القمار في تحريم البيع.

( «نعم» لو قلنا بحرمتها) اي بحرمة المراهنة بغير عوض (لحق الآلة المعدة لها حكم آلات القمار، مثل ما يعملونه شبه الكرة يسمى عندنا التوبة و الصولجان) يضرب بالصولجان على التوبة- و هي جسم مدور شبه الكرة- فمن لم يتمكن من ارجاعها بان انفلتت تلك الكرة من صولجانه عد خاسرا. و الظاهر ان ذلك ليس من آلات القمار. و لا عمله يسمى قمارا. و سيأتي تفصيل الكلام فيه.

( «و منها»-) اي مما لا يقصد من وجوده على النحو الخاص الا الحرام (آلات اللهو على اختلاف اصنافها) كالقانون و المزمار و ما اشبه (بلا خلاف) في حرمة بيعها (لجميع ما تقدم في المسألة السابقة)

ص: 246

و الكلام في بيع المادة كما تقدم.

و حيث ان المراد بآلات اللهو ما اعد له توقف على تعيين معنى اللهو و حرمة مطلق اللهو، الا ان المتقين منه: ما كان من جنس المزامير و آلات الاغاني و من جنس الطبول، و سيأتي معنى اللهو و حكمه.

«و منها»- أواني الذهب و الفضة،

اذا قلنا بتحريم اقتنائها

______________________________

من الادلة، كرواية تحف العقول، و النبوي و غيرهما، بل و النبوي المروي عن تفسير ابي الفتوح قال صلى اللّه عليه و آله: «ان اللّه بعثنى هدى و رحمة للعالمين، و امرنى أن امحو المزامير و المعازف و الاوتار و الاوثان- الى ان قال صلى اللّه عليه و آله-: ان آلات المزامير شراؤها و بيعها و ثمنها و التجارة بها حرام». (و الكلام في بيع المادة كما تقدم) في مسألة هياكل العبادة.

(و حيث ان المراد بآلات اللهو ما اعد له) اي للهو (توقف) تنقيح الكلام في هذه المسألة (على تعيين معنى اللهو) ليعرف ما هي آلته المضافة إليه (و) كذلك توقف عليه الاستدلال على (حرمة مطلق اللهو) اذ لو كان بعض اقسام اللهو غير حرام لم تكن آلة تلك الاقسام محرمة (الا ان المتيقن منه) اي من المحرم من آلة اللهو (ما كان من جنس المزامير و آلات الاغاني و من جنس الطبول، و سيأتي معنى اللهو و حكمه) و هل انه مطلقا حرام اوان الحرام بعض اقسامه.

( «و منها»-) اي مما لا يقصد من وجوده على نحوه الخاص الا الحرام (أواني الذهب و الفضة، اذا قلنا بتحريم اقتنائها) و اما من لا يقول

ص: 247

او قصد المعاوضة على مجموع الهيئة و المادة، لا المادة فقط.

«و منها»- الدراهم الخارجة المعمولة لاجل غش الناس،

اذا لم يفرض على هيأتها الخاصة منفعة محللة معتد بها، مثل التزيين او الدفع الى الظالم الذي يريد مقدارا من المال كالعشار و نحوه، بناء على جواز ذلك و عدم وجوب اتلاف مثل هذه الدراهم- و لو بكسرها- من باب دفع مادة الفساد.

______________________________

بحرمة الاقتناء، و انما المحرم استعمالها فلا يقول بحرمة المعاوضة عليها، لان لها منفعة محللة مقصودة (او) قلنا بحرمة الاقتناء و (قصد) المتبايعان (المعاوضة على مجموع الهيئة و المادة، لا المادة فقط) و الا جاز ذلك لما تقدم في مسألة هياكل العبادة.

( «و منها»-) اي مما لا يقصد من وجوده على نحوه الخاص الا الحرام (الدراهم الخارجة) عن الدراهم المتعارفة (المعمولة لاجل غش الناس) اما الدراهم التي فيها الغش مما اعتبرها المعتبر مغشوشة بمعنى خلط الفضة بغيرها فليست من هذا الباب، و لذا قيدها المصنف «رحمه اللّه» بقوله:

المعمولة الخ (اذا لم يفرض لها على هيأتها الخاصة منفعة محللة معتد بها) بما يجعلها ما لا عرفا (مثل التزيين) بهذا النوع من الدراهم (او الدفع الى الظالم الذي يريد مقدارا من المال كالعشار و نحوه) من سائر الظلمة، (بناء على جواز ذلك) اي الدفع الى العشار، و ذلك لاحتمال ان لا يجوز حيث ان الواجب كسرها (و عدم وجوب اتلاف مثل هذه الدراهم) عطف على «جواز» (و لو) كان الاتلاف (بكسرها من باب دفع مادة الفساد) المستفاد من قوله سبحانه «ان اللّه لا يحب الفساد» و «لا يصلح

ص: 248

كما يدل عليه قوله- عليه السلام، في رواية الجعفي، مشيرا الى درهم-: «اكسر هذا، فانه لا يحل بيعه، و لا انفاقه» و في رواية موسى بن بكر «قطعه نصفين، ثم قال: ألقه في البالوعة، حتى لا يباع بشي ء فيه غش». و تمام الكلام فيه في باب الصرف إن شاء اللّه.

و لو وقعت المعاوضة عليها جهلا فتبين الحال لمن صارت إليه، فان وقع عنوان المعاوضة على

______________________________

عمل المفسدين»، و ما اشبه. اذا قلنا باستفادة دفع مادة الفساد من هذه النصوص.

(كما يدل عليه قوله- عليه السلام- في رواية) المفضل بن عمر (الجعفي- مشيرا الى درهم-: «اكسر هذا، فانه لا يحل بيعه، و لا انفاقه») الظاهر منه عدم الانفاق حتى للظلمة. (و في رواية موسى بن بكر) قال: كنا عند ابي الحسن عليه السلام فاذا دنانير مصبوبة بين يديه فنظر الى دينار فاخذه بيده ثم (قطعه نصفين، ثم قال) لي: ( «القه في البالوعة حتى لا يباع بشي ء فيه غش») و رواية دعائم الاسلام في الستوق يقطع و لا يحل ان ينفق. (و تمام الكلام فيه في باب الصرف إن شاء اللّه) تعالى.

«ثم» ان الكلام في الغش يقع تارة في صورة العلم بالغش، و قد تقدم الكلام فيه.

(و) اخرى في صورة الجهل بالغش ف (لو وقعت المعاوضة عليها) اي على الدراهم المغشوشة (جهلا) بالغش (فتبين الحال) بعد ذلك (لمن صارت) تلك الدراهم (إليه، فان وقع عنوان المعاوضة على)

ص: 249

الدرهم المنصرف اطلاقه الى المسكوك بسكة السلطان، بطل البيع.

و ان وقعت المعاوضة على شخصه من دون عنوان، فالظاهر صحة البيع مع خيار العيب ان كانت المادة مغشوشة. و ان كان الغش مجرد تفاوت السكة

______________________________

كلي (الدرهم المنصرف اطلاقه الى المسكوك بسكة السلطان) ثم اعطى الغش من باب الوفاء كان اللازم تبديل هذا الدرهم المعطى بفرد آخر ينطبق عليه الكلي، و البيع حينئذ صحيح، فهو مثل ان يبيعه فرسا كليا ثم يعطيه حمارا من باب الوفاء، فان الوفاء غير تام لا ان البيع غير تام، و ان وقعت المعاوضة على الشخص الخارجي لكن بعنوان الدرهم المنصرف الى السلطاني (بطل البيع) لانه من قبيل تخلف الاشارة و الوصف، كما لو اشار الى حمار و قال: بعتك هذا الفرس، فانه يبطل البيع، و ليس من قبيل بيع الكلي المتقدم. و هذا الفرد هو مراد المصنف كما في تعليقة المجاهد الشيرازي. فما ذكره السيد الطباطبائي من الاشكال على المتن ليس في محله.

(و ان وقعت المعاوضة على شخصه) اي شخص هذا الدرهم الموجود (من دون عنوان) كونه الدرهم المنصرف الى السلطاني- كالقسم الثاني- (فالظاهر صحة البيع، مع خيار العيب ان كانت المادة مغشوشة) لان الغش عيب و لا منافاة بين عدم الانصراف- الى السلطاني- من جهة الهيئة، و الانصراف- الى المادة الصحيحة- من جهة المادة فيأتي فيه خيار العيب (و ان كان الغش مجرد تفاوت السكة) كما كان ذلك متعارفا في القديم، حيث كانت سكك الدراهم و الدنانير مختلفة، كالليرة الحميدية و الرشادية

ص: 250

فهو خيار التدليس فتامل.

______________________________

و ما اشبه (ف) الظاهر ان الخيار الذي للمشتري (هو خيار التدليس) لان تفاوت السكة ليس عيبا و انما يكون الغش تدليسا. (فتامل) لاحتمال انه لا خيار له اصلا اذن ليس في البين تدليس بعد كون المبيع شخصيا فان البائع لم يظهر للمشتري الا نفس الواقع و زعم المشتري ان المبيع من قسم خاص لا يوجب خيار التدليس فان التدليس انما هو فيما اذا اظهر البائع خلاف الواقع.

فتحصل: انه قد يبيع الكلي و يعطي الفرد المخالف من باب الوفاء و قد يبيع الشخص، و الثاني على قسمين، لانه اما ان يبيع المعنون و يخالف العنوان و اما ان يبيع بدون عنوان لكن الانصراف يوجب مادة خالصة او سكة كذائية.

فالاول- من قبيل بيع الفرس الكلي و اعطاء الحمار، فانه لا بد من تبديل ما اعطاه.

و الثاني- من قبيل ان يقول: بعتك هذا الفرس. مشيرا الى حمار، فانه يبطل البيع لتخلف الوصف و الاشارة تخلفا يوجب اختلاف الحقيقة.

و الثالث- من قبيل ان يقول بعتك هذا الفرس. فيظهر معيبا فان له خيار العيب.

و الرابع- من قبيل ان يقول: بعتك هذا الفرس. و كان المنصرف من الفرس العراقي ثم ظهر غير العراقي، و يكون حينئذ من باب التدليس و انما كان هذا من باب خيار التدليس لانه لا نقص في المبيع من جهة اختلاف السكة بخلاف الصورة الثالثة فان الغش نقص.

ص: 251

..........

______________________________

و حيث يمكن ان يرد على المصنف سؤال الفرق بين «اختلاف السكة» الذي ذكر- قدس سره- صحة العاملة مع خيار التدليس. و بين «آلات العبادة كالصنم و نحوه» الذي ذكر- قدس سره- بطلان المعاملة- حتى في صورة الجهل-؟.

و حاصل الاشكال: ان الصورة الملغاة شرعا كالصنم، او غير المقصودة للمشتري كالدرهم المخالف سكته ان لم نعتبرها، بان قلنا المال بإزاء المادة، فيلزم صحة المعاملة في الموردين لفرض ان ذات الصنم كذات الدرهم- اي مادتهما- لها مالية عرفية يصح ان تقابل بالثمن. و ان اعتبرنا الصورة كان اللازم بطلان المعاملة في الموردين، فكيف قلتم بصحة المعاملة في الدرهم دون الصنم؟

اجاب عن ذلك بما حاصله الفرق بين الموردين، فان صورة الدرهم لا تقابل بالمال، و انما المال يكون في قبال فضة الدرهم- كما كان سابقا كذلك- فالبيع للمادة، و الثمن في قبال المادة، و لذا يصح البيع، منتهى الامر تدارك اختلاف السكة بخيار التدليس، بخلاف صورة الصنم فان لها دخلا في المالية، لوضوح ان ذات الذهب ارخص من الذهب الموجود في ضمن الصنم- فان لصورة الصنم مالية عند اهله- و لذا كان الثمن في قبال المادة المقيدة بالصورة. و حيث ان الشارع الغى مالية «المادة المقيدة بهذه الصورة» كان البيع باطلا. و ليس الثمن بإزاء جزءين: المادة و الهيئة، حتى يقال بصحة البيع بالنسبة الى احد الجزءين من قبيل خيار تبعض الصفقة. و الى هذا الجواب اشار بقوله:

ص: 252

و هذا بخلاف ما تقدم من الآلات، فان البيع الواقع عليها لا يمكن تصحيحه بامضائه من جهة المادة فقط و استرداد ما قابل الهيئة من الثمن المدفوع، كما لو جمع بين الخل و الخمر، لان كل جزء من الخل و الخمر مال لا بد ان يقابل في المعاوضة بجزء من المال، ففساد المعاملة باعتباره يوجب فساد مقابله من المال لا غير، بخلاف المادة و الهيئة، فان الهيئة من قبيل القيد للمادة

______________________________

(و هذا) الذي ذكرناه في صورة اختلاف السكة من صحة البيع مع خيار التدليس (بخلاف ما تقدم من) بطلان بيع (الآلات) للعبادة (فان البيع الواقع عليها) اي على آلات العبادة (لا يمكن تصحيحه) اي تصحيح ذلك البيع (بامضائه من جهة المادة فقط و استرداد) المشتري (ما قابل الهيئة من الثمن المدفوع) الى البائع، حتى يكون حال الصنم المبيوع (كما لو جمع بين الخل و الخمر) في البيع اي ليس حال المادة و الهيئة في الصنم حال الخل و الخمر فيما لو باعهما صفقة واحدة، فلا يمكن ان نقول ببطلان البيع بالنسبة الى الصورة و صحة البيع بالنسبة المادة، كما نقول في بيع الخل و الخمر ببطلان البيع بالنسبة الى الخمر و صحته بالنسبة الى الخل، و انما ليس حال الصنم حال الخل و الخمر (لان كل جزء من الخل و الخمر) اي الخل الذي هو جزء من المبيع و الخمر التي هي جزء أيضا (مال) عرفي (لا بد ان يقابل في المعاوضة بجزء من المال، ففساد المعاملة باعتباره) اي باعتبار احد الجزءين- كالخمر- (يوجب فساد مقابله من المال) اي الثمن (لا غير) فلا يوجب فساد المعاملة بالنسبة الى الجزء الآخر (بخلاف المادة و الهيئة) في الصنم (فان الهيئة من قبيل القيد للمادة

ص: 253

جزء عقلي لا خارجي يقابل بمال على حدة، ففساد المعاملة باعتباره فساد لمعاملة المادة حقيقة.

و هذا الكلام مطرد في كل قيد فاسد بذل الثمن الخاص لداعي وجوده.

______________________________

جزء عقلي لا خارجي) و المراد كونه عقليا في عدم كونه شيئا ملموسا، فليس مثل الخمر التي هي جزء خارجي ملموس، فلا ينافي كونه جزء عقليا و قبوله للانفكاك عن المادة عقلا، فتنبه- فلا (تقابل) الهيئة (بمال على حدة، ففساد المعاملة باعتباره) اي باعتبار هذا الجزء- اي الهيئة- (فساد لمعاملة المادة حقيقة) اذ المادة المقيدة كانت في مقابل الثمن، بخلاف الخل و الخمر فان الخل المصاحب للخمر كان في مقابل الثمن فاذا فسد احد الجزءين لا يوجب فساد الجزء الآخر.

(و هذا الكلام) الذي ذكرناه في الصنم من ان المعاملة فاسدة لان الثمن في قبال المادة المقيدة، فاذا فسد القيد افسد المعاملة (مطرد في كل قيد فاسد بذل الثمن الخاص) اي الثمن للمادة المقيدة، في قبال ما اذا بذل الثمن للمادة فقط (لداعي وجوده) اي وجود ذلك القيد.

فتحصل الفرق بين «اختلاف السكة» و بين «الصنم» بان السكة لا تقابل بالمال بخلاف هيئة الصنم، كما ظهر الفرق بين «هيئة الصنم» و بين «الخل و الخمر» فالهيئة قيد، و الخمر جزء.

و حيث تداخل هذان المبحثان «الهيئة و السكة» و «الخل و الخمر» اشكل فهم مراد المصنف على بعض المعلقين و اللّه العالم.

ص: 254

القسم الثاني ما يقصد منه المتعاملان المنفعة المحرمة.

اشارة

و هو تارة على وجه يرجع الى بذل المال في مقابل المنفعة المحرمة، كالمعاوضة على العنب مع التزامهما ان لا يتصرف فيه الا بالتخمير. و اخرى على وجه يكون الحرام هو الداعي الى المعاوضة لا غير، كالمعاوضة على العنب مع قصدهما تخميره.

و الاول- اما ان يكون الحرام مقصودا لا غير، كبيع العنب على ان

______________________________

(القسم الثاني) مما يحرم التكسب به لتحريم ما يقصد منه.

(ما يقصد منه المتعاملان المنفعة المحرمة) و ان كان له نفع محلل متعارف يجوز بيعه لاجل ذلك النفع.

(و هو تارة على وجه يرجع الى بذل المال في مقابل المنفعة المحرمة، كالمعاوضة على العنب مع التزامهما ان لا يتصرف فيه الا بالتخمير) بان يجعله خمرا (و) تارة (اخرى على وجه يكون الحرام هو الداعي الى المعاوضة لا غير) الحرام (كالمعاوضة على العنب مع قصدهما تخميره) بدون ان يشترطا ذلك في المعاوضة.

(و الاول) الذي هو بذل المال في مقابل المنفعة المحرمة على قسمين لانه (اما ان يكون الحرام مقصودا لا غير) الحرام (كبيع العنب على ان

ص: 255

يعمله خمرا و نحو ذلك. و اما ان يكون الحرام مقصودا مع الحلال، بحيث يكون بذل المال بإزائهما كبيع الجارية المغنية بثمن لوحظ فيه وقوع بعضه بإزاء صفة التغني.

فهنا مسائل ثلاث:-
«الأولى»- بيع العنب على ان يعمل خمرا،

و الخشب على ان يعمل صنما، او آلة لهو، او قمار، او اجارة المساكن ليباع او يحرز فيها الخمر و كذا اجارة السفن و الحمولة لحملها.

و لا اشكال في فساد المعاملة فضلا عن حرمته. و لا خلاف فيه

______________________________

يعمله خمرا و نحو ذلك). كبيع الخشب على ان يعمله صنما (و اما ان يكون الحرام مقصودا مع الحلال، بحيث يكون بذل المال) من المشتري (بإزائهما) معا (كبيع الجارية المغنية بثمن لوحظ فيه) اي في ذلك الثمن (وقوع بعضه بإزاء صفة التغني. فهنا مسائل ثلاث:-) المعاوضة بشرط الحرام فقط. المعاوضة فيما كان الثمن بإزاء الحرام و الحلال معا. المعاوضة على ان يكون الداعي هو الحرام.

المسألة ( «الاولى»- بيع العنب على ان يعمل خمرا، و الخشب على ان يعمل صنما، او آلة لهو، او قمار، او اجارة المساكن ليباع او يحرز) و يحفظ (فيها الخمر، و كذا اجارة السفن و الحمولة) كالدواب و السيارات (لحملها) اي الخمر.

(و لا اشكال في فساد المعاملة) وضعا (فضلا عن حرمته) اي التعامل تكليفا (و لا خلاف فيه) اي فساد المعاملة و الحرمة

ص: 256

و يدل عليه- مضافا الى كونها اعانة على الاثم، و الى ان الالزام و الالتزام بصرف المبيع في المنفعة المحرمة الساقطة في نظر الشارع اكل و ايكال للمال بالباطل- خبر جابر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر؟ قال- عليه السلام-: «حرام اجرته». فانه اما مقيد بما اذا استأجره لذلك او يدل عليه بالفحوى.

______________________________

(و يدل عليه- مضافا الى كونها) اي المعاملة لاجل التخمير و سائر المعاملات التي من هذا القبيل (اعانة على الاثم) فيشمله قوله سبحانه «وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ» (و) مضافا (الى ان الالزام و الالتزام بصرف المبيع في المنفعة المحرمة الساقطة) تلك المنفعة (في نظر الشارع اكل) من البائع (و ايكال) من المشتري (للمال بالباطل) فيشمله قوله سبحانه «وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» (- خبر جابر) فاعل لقوله «يدل» (قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر؟

قال- عليه السلام-: «حرام اجرته») و من المعلوم ان حرمة الاجرة تكليفا مستلزمة للحرمة الوضعية- في مثل المقام- (فانه) اي هذا الحديث (اما مقيد بما اذا استأجره لذلك) اي لبيع الخمر (او يدل) الحديث (عليه) اي على التحريم اذا استأجر بيته لبيع الخمر (بالفحوى) اي بالاولوية، فانه اذا كان مطلق الايجار المنتهي الى بيع الخمر فيه حراما كان التحريم آكد في ما اذا استأجره بهذا الشرط.

و القول بالتحريم مطلقا و لو بدون الاشتراط- الذي يفهم من قول

ص: 257

بناء على ما سيجي ء من حرمة العقد مع من يعلم انه يصرف المعقود عليه في الحرام.

«نعم» في مصححة ابن اذينة «قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن الرجل يؤاجر سفينته او دابته لمن يحمل فيها او عليها الخمر و الخنازير؟

قال عليه السلام: لا بأس».

لكنها محمولة على ما اذا اتفق الحمل من دون

______________________________

المصنف: بالفحوي- انما هو (بناء على ما سيجي ء من حرمة العقد مع من يعلم انه يصرف المعقود عليه في الحرام) فعلى هذا البناء نقول بإطلاق الحديث، و اذا لم نقل بهذا الاطلاق فنقيد حديث جابر بصورة الشرط.

( «نعم» في مصححة ابن اذينة) اي الرواية التي صححها بعض و ان لم يحقق المصنف من صحتها بنفسه ( «قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن الرجل يؤاجر سفينته او دابته لمن يحمل فيها) اي في السفينة (او عليها) اي على الدابة (الخمر و الخنازير؟ قال عليه السلام: لا بأس»).

فلكل واحد من الخبر و المصححة فردان: الاول- ما اذا شرط المحرم. الثاني- ما اذا اتفق المحرم. فيحمل الخبر على صورة الشرط.

و المصححة على صورة الاتفاق. و يطرح ظاهر كل من الخبرين بنص الخبر الاخر.

و الى هذا الجمع اشار بقوله: (لكنها) اي المصححة (محمولة على ما اذا اتفق الحمل) اي حمل الخمر في السفينة او على الدابة (من دون

ص: 258

ان يؤخذ ركنا او شرطا في العقد، بناء على ان خبر «جابر» نص فيما نحن فيه، و ظاهر في هذا، عكس الصحيحة، فيطرح ظاهر كل بنص الآخر فتأمل.

مع انه لو سلم التعارض كفى العمومات المتقدمة.

و قد يستدل أيضا فيما نحن فيه

______________________________

ان يؤخذ) الحمل (ركنا او شرطا في العقد) بان يقول: آجرتك لحمل الخمر، او آجرتك بشرط ان تحمل الخمر (بناء على ان خبر «جابر» نص فيما نحن فيه) و هو اخذ المحرم شرطا او ركنا (و ظاهر في هذا) اي ما اذا اتفق المحرم بدون الشرطية و الركنية للعقد (عكس الصحيحة) فهي نص في الاتفاق ظاهر في الاشتراط (فيطرح ظاهر كل) واحد من الخبرين (بنص) الخبر (. الآخر) فيختص خبر جابر بصورة الشرط و خبر ابن اذينة بصورة الاتفاق. و يتحصل من مجموع الخبرين: انه لو آجر داره بشرط بيع الخمر فيها بطل العقد. و لو آجر داره فاتفق بيع الخمر فيها صح العقد. و كذلك بالنسبة الى السفينة و الدابة و غيرهما. (فتامل) فان ما ذكر من الجمع ليس جمعا عرفيا، بل يرى العرف التعارض بين الخبرين، فيلزم اعمال المرجحات، فان النص و الظهور امران عرفيان، لا انهما يحصلان بتعمل العقل و تشقيق في الفكر.

(مع انه لو سلم) عدم الجمع العرفي بين الخبرين و (التعارض) بينهما (كفى العمومات المتقدمة) دليلا على الحرمة، كخبر تحف العقول، و آية الاثم، و آية الاكل بالباطل.

(و قد يستدل أيضا فيما نحن فيه) من بيع العنب لمن يعمله خمرا

ص: 259

بالاخبار المسئول فيها عن جواز بيع الخشب ممن يتخذه صلبانا او صنما، مثل مكاتبة ابن اذينة «عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا؟

فقال عليه السلام: لا».

و رواية عمرو بن الحريث «عن التوت ابيعه ممن يصنع الصليب او الصنم؟ قال: لا»

و فيه: ان حمل تلك الاخبار على صورة اشتراط البائع المسلم على المشتري او تواطئهما على التزام صرف المبيع في الصنم و الصليب بعيد في الغاية، و الفرق بين مؤاجرة البيت لبيع الخمر فيه و بيع الخشب على ان يعمل صليبا او صنما لا يكاد يخفى!

______________________________

(بالاخبار المسئول فيها عن جواز بيع الخشب ممن يتخذه صلبانا او صنما، مثل مكاتبة ابن اذينة «عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا؟) يعني هل يجوز هذا البيع؟ (فقال عليه السلام: لا») فانه يدل على التحريم و يؤيد خبر جابر المتقدم اذ موضوع الكلام فيهما من واد واحد.

(و رواية عمرو بن الحريث «عن التوث) اي خشب شجرته (ابيعه ممن يصنع الصليب او الصنم؟ قال عليه السلام: لا»).

(و فيه) اي في الاستدلال لما نحن فيه باخبار ابن اذينة و ابن حريث، نظر وجه النظر: (ان حمل تلك الاخبار) لابن اذينة و ابن حريث (على صورة اشتراط البائع المسلم على المشتري او) على صورة (تواطئهما) و تبانيهما (على التزام صرف المبيع في الصنم و الصليب بعيد في الغاية، و) عليه فهذا الحمل خلاف الظاهر، فلا ربط لهذه الاخبار بما نحن فيه بظهور (الفرق بين مؤاجرة البيت لبيع الخمر فيه و) بين (بيع الخشب على ان يعمل صليبا او صنما) فان الفارق بينهما (لا يكاد يخفى) بعد التأمل

ص: 260

فإن بيع الخمر في مكان و صيرورته دكانا لذلك منفعة عرفية تقع الاجارة عليها من المسلم كثيرا ما كما يوجرون البيوت لسائر المحرمات، بخلاف جعل العنب خمرا و الخشب صليبا فانه لا غرض للمسلم في ذلك غالبا يقصده في بيع عنبه او خشبه فلا يحمل عليه موارد السؤال.

«نعم» لو قيل في المسألة الآتية بحرمة بيع الخشب لمن يعلم انه يعمله صنما لظاهر هذه الاخبار، صح الاستدلال بفحواها على ما نحن فيه

______________________________

(فان بيع الخمر في مكان و صيرورته) اي ذلك المكان (دكانا لذلك) البيع (منفعة عرفية تقع الاجارة عليها من المسلم كثيرا ما) اذ الانسان يريد اجارة ماله، سواء جلس فيه الخمار او البزاز (كما يوجرون البيوت لسائر المحرمات) كالفواحش و ما اشبه (بخلاف) بيع العنب و الخشب ل (جعل العنب خمرا و الخشب صليبا فانه لا غرض للمسلم في ذلك) الشرط (غالبا) بحيث (يقصده) اي ذلك الشرط (في بيع عنبه او خشبه) فان الداعي بيع المال مطلقا، لا بيع المال لصنع الصنم و الخمر (فلا يحمل عليه) اي على هذا الشرط (موارد السؤال) في كلام الرواة، حتى يقال: ان الاخبار الناهية تحمل على هذه الصورة. و على هذا فاخبار بيع الخشب لمن يصنع صليبا او صنما غير مربوطة بما نحن فيه الذي هو ايجار المحل لصنع الخمر.

( «نعم» لو قيل في المسألة الآتية) المذكورة في طي المسألة الثالثة (بحرمة بيع الخشب لمن يعلم انه يعمله صنما، لظاهر هذه الاخبار) كمكاتبة ابن اذينة و خبر عمرو بن الحريث (صح الاستدلال بفحواها) اي بما يستفاد منها (على ما نحن فيه) من ان بيع العنب لمن يعمله خمرا فيه اشكال أيضا

ص: 261

لكن ظاهر هذه الاخبار معارض بمثله او باصرح منه كما سيجي ء.

«ثم» إنه يلحق بما ذكر من بيع العنب و الخشب على ان يعملا خمرا او صليبا، بيع كل ذي منفعة محللة على ان يصرف في الحرام، لان حصر الانتفاع بالبيع في الحرام يوجب كون اكل الثمن بإزائه اكلا للمال بالباطل

«ثم» انه لا فرق بين ذكر الشرط المذكور في متن العقد و بين التواطي عليه خارج العقد

______________________________

اذ كلتا المسألتين حينئذ تكونان من واد واحد، فانه لا فرق بين بيع العنب لمن يعلم انه يعمله خمرا، و بيع الخشب لمن يعلم انه يصنعه صليبا. (لكن ظاهر هذه الاخبار) الدالة على حرمة بيع الخشب لمن يعلم البائع انه يعمله صنما او صليبا (معارض بمثله او باصرح منه كما سيجي ء) إنشاء اللّه تعالى فلا يمكن الاستدلال بها للتحريم في موردها فكيف يمكن ان يستدل بها للتحريم في مورد آخر مشابه لها و هو بيع العنب لمن يعلم انه يصنعه خمرا.

( «ثم» انه يلحق بما ذكر من بيع العنب و الخشب على ان يعملا خمرا او صليبا، بيع كل ذي منفعة محللة على ان يصرف في الحرام) كبيع الارض على ان يبنى عليها كنيسة، و بيع الورق على ان يطبع فيه كتب الضلال، و بيع الفلزات على ان يصنع منها آلات اللهو (لان حصر الانتفاع بالبيع في الحرام يوجب كون اكل الثمن بإزائه اكلا للمال بالباطل) فيشمله قوله سبحانه «وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» و عليه فالمسألة لا تختص بالموارد المذكورة في الروايات السابقة.

( «ثم انه لا فرق بين ذكر الشرط المذكور في متن العقد) كأن يقول:

بعتك على ان تعمله خمرا (و بين التواطي عليه خارج العقد) كأن يتقاولا

ص: 262

و وقوع العقد عليه. و لو كان فرق فانما هو في لزوم الشرط و عدمه. لا فيما هو مناط الحكم هنا.

و من ذلك يظهر انه لا يبنى فساد هذا العقد على كون الشرط الفاسد مفسدا، بل الاظهر فساده و ان لم نقل بإفساد الشرط الفاسد.

لما عرفت من رجوعه في الحقيقة الى اكل المال في مقابل المنفعة المحرمة. و قد تقدم الحكم

______________________________

على ذلك ثم بيعه بناء على المقاولة السابقة (و وقوع العقد عليه) عطف على التواطي (و لو كان فرق) بين الشرط صريحا في العقد و بين التواطي خارجا. (فانما هو في لزوم الشرط) اذا كان في ضمن العقد (و عدمه) اذا كان خارج العقد و لكن (لا) فرق بين الشرط الداخل و الخارج (فيما هو مناط الحكم) بالبطلان للعقد و التحريم (هنا) اي فيما نحن فيه، اذ المناط هو كون اكل المال بالباطل، اذا شرط في العقد او بني العقد عليه.

(و من ذلك) الذي ذكرنا من بطلان مثل هذه المعاملة لاجل انه من اكل المال بالباطل اذا شرط هذا الشرط او بني عليه (يظهر انه لا يبنى فساد هذا العقد) اي بيع الخشب لصنع الصنم و نحوه (على كون الشرط الفاسد مفسدا، بل الاظهر فساده) اي هذا العقد (و ان لم نقل بافساد الشرط الفاسد).

و انما قلنا بالفساد هنا و ان لم نقل بافساد الشرط الفاسد (لما عرفت من رجوعه) اي هذا الشرط- سواء كان داخلا او خارجا- (في الحقيقة الى اكل المال في مقابل المنفعة المحرمة) فهو اكل للمال بالباطل (و قد تقدم الحكم

ص: 263

بفساد المعاوضة على آلات المحرم، مع كون موادها اموالا مشتملة على منافع محللة.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 1، ص: 264

مع ان الجزء اقبل للتفكيك بينه و بين الجزء الآخر، من الشرط و المشروط، و سيجي ء أيضا في المسألة الآتية ما يؤيد هذا أيضا إن شاء اللّه تعالى.

«المسألة الثانية»- تحرم المعاوضة على الجارية المغنية،

______________________________

بفساد المعاوضة على آلات المحرم) كالقمار و سائر آلات اللهو (مع كون موادها) كالخشب و الفلز و ما اشبه (اموالا مشتملة على منافع محللة) فاذا قلنا بالتحريم للمعاملة هناك كان التحريم هنا اولى لاطراد علة التحريم في المقامين.

و وجه الاولوية ما اشار إليه بقوله: (مع ان الجزء اقبل للتفكيك بينه و بين الجزء الآخر من الشرط و المشروط) فالمادة و الهيئة مع قبولهما للتفكيك اذا بطل بيعهما في مثل الصنم و نحوه، كان البطلان اولى فيما اذا باعه الخشب بشرط ان يصنعه صنما، اذ المادة ليست عدما عند عدم الهيئة الخاصة، و المشروط عدم عند عدم شرطه (و سيجي ء أيضا في المسألة الآتية) اي المسألة الثالثة (ما يؤيد هذا) الذي ذكرناه من بطلان بيع الخشب ليعمل صنما و العنب ليعمل خمرا (أيضا إن شاء اللّه تعالى) هذا تمام الكلام في المسألة الاولى من المسائل الثلاث.

( «المسألة الثانية»-) فيما كان الحرام و الحلال كلاهما مقصودا بالثمن، و هذا أيضا حرام فانه (تحرم المعاوضة على الجارية المغنية، و)

ص: 264

و كل عين مشتملة على صفة يقصد منها الحرام اذا قصد منها ذلك و قصد اعتبارها في البيع على وجه يكون دخيلا في زيادة الثمن، كالعبد الماهر في القمار او اللهو او السرقة اذا لوحظ فيه هذه الصفة، و بذل بإزائها شي ء من الثمن، لا ما كان على وجه الداعي.

و يدل عليه: ان بذل شي ء من الثمن بملاحظة الصفة المحرمة، اكل للمال بالباطل.

______________________________

على (كل عين مشتملة على صفة يقصد منها الحرام اذا قصد منها) اي من المعاوضة (ذلك) الحرام أيضا و لو في ضمن الحلال (و قصد اعتبارها في البيع على وجه يكون دخيلا في زيادة الثمن) في مقابل ما اذا كان الوصف الحرام داعيا، لا كونه دخيلا، كما اذا كانت الجواري كلها بقيمة واحدة، فاشترى المغنية لانها تشتمل على صفة الغناء، فان الثمن لم يقع بإزاء الحرام اصلا (كالعبد الماهر في القمار او اللهو او السرقة اذا) اشتراه و (لوحظ فيه هذه الصفة، و بذل بإزائها شي ء من الثمن) كما لو كان العبد غير المقامر عشرة و هذا خمسة عشر (لا ما كان) الوصف الذي فيه (على وجه الداعي) للاشتراء دون ان يقع في قبال ذلك الوصف شي ء من الثمن كما تقدم في مثال الجارية فان البيع ليس حراما و باطلا.

(و يدل عليه) اي على بطلان البيع اذا كان شي ء من الثمن في مقابل الوصف المحرم: (ان بذل شي ء من الثمن بملاحظة الصفة المحرمة، اكل للمال بالباطل) فتشمله آية «لا تأكلوا» و النبوي «ان اللّه اذا حرم شيئا».

ص: 265

و التفكيك بين القيد و المقيد، بصحة العقد في المقيد، و بطلانه في القيد بما قابله من الثمن غير معروف عرفا. لان القيد امر معنوي لا يوزع عليه شي ء من المال، و ان كان يبذل المال بملاحظة وجوده.

و غير واقع شرعا، على ما اشتهر من ان الثمن لا يوزع على الشروط.

فتعين بطلان العقد رأسا.

______________________________

(و) ان قلت: من الممكن ان نقول بان البيع صحيح بالنسبة الى الجارية، و باطل بالنسبة الى الزائد على قيمتها الاصلية، فاذا كانت قيمتها عشرين و اشتراها بثلاثين لاجل غنائها، كان البيع باطلا بالنسبة الى العشرة الزائدة فقط!

قلت: (التفكيك بين القيد و المقيد بصحة العقد في المقيد) كذات الجارية في المثال (و بطلانه في القيد) كصفة الغناء (بما قابله من الثمن) كالعشرة الزائدة في المثال (غير معروف عرفا). و ميزان صحة العقود هو العرف، لان الشارع حلل العقود العرفية الا ما خرج بالدليل، و انما كان غير معروف عرفا (لان القيد امر معنوي لا يوزع عليه شي ء من المال) فلا يقال عرفا: ان عشرين في قبال ذات الجارية، و عشرة في قبال صفة الغناء. (و ان كان يبذل المال بملاحظة وجوده) اي وجود القيد. «ان» وصلية.

(و غير واقع شرعا) عطف على «غير معروف» (على ما اشتهر) بين الفقهاء (من ان الثمن لا يوزع على الشروط).

و على ما ذكرنا من عدم صحة التفكيك (فتعين بطلان العقد رأسا.

ص: 266

و قد ورد النص بان ثمن الجارية المغنية سحت، و انه قد يكون للرجل الجارية تلهيه؟ و ما ثمنها الا كثمن الكلب.

«نعم» لو لم تلاحظ الصفة اصلا في كمية الثمن فلا اشكال في الصحة.

و لو لوحظت من حيث انها صفة كمال قد تصرف الى المحلل فيزيد لاجلها الثمن، فان كانت المنفعة المحللة لتلك الصفة مما يعتد بها فلا اشكال في الجواز، و ان كانت نادرة بالنسبة الى المنفعة المحرمة ففي إلحاقها بالعين

______________________________

و قد ورد النص) شاهدا على البطلان راسا (بان ثمن الجارية المغنية سحت و انه قد يكون للرجل الجارية تلهيه: و ما ثمنها الا كثمن الكلب) كما تأتي هذه الاخبار في باب الغناء إن شاء اللّه تعالى.

( «نعم» لو لم تلاحظ الصفة) كالغناء في المثال (اصلا في كمية الثمن) بان كان الثمن قدرا محدودا سواء كان ذا صفة محرمة أم لا (فلا اشكال في الصحة) اذ لم تقع المعاملة الا على الذات، و ادلة حرمة ثمن الجارية المغنية منصرفة الى المتعارف من كون الثمن بإزاء الموصوف و الوصف معا.

(و لو لوحظت) الصفة في زيادة الثمن، لكن (من حيث انها صفة كمال قد تصرف) هذه الصفة (الى المحلل فيزيد لاجلها الثمن) كما لو قلنا بان الغناء يحل في مثل القرآن و المواعظ، كما هو رأي بعض العلماء على ما سيجي ء- (فان كانت المنفعة المحللة لتلك الصفة) كمنفعة قراءة القرآن (مما يعتد بها) عرفا (فلا اشكال في الجواز، و ان كانت نادرة بالنسبة الى المنفعة المحرمة ففي إلحاقها) اي هذه الصفة (بالعين) على ما تقدم من ان «العين» اذا كانت ذات منافع محرمة و محللة- كالدم الذي

ص: 267

في عدم جواز بذل المال، الا لما اشتمل على منفعة محللة غير نادرة بالنسبة الى المحرمة. و عدمه لان المقابل بالمبذول هو الموصوف و لا ضير في زيادة ثمنه بملاحظة منفعة نادرة؟

وجهان: اقواهما: الثاني، اذ لا يعد اكلا للمال بالباطل، و النص بأن ثمن المغنية سحت

______________________________

له منفعة الشرب و منفعة الصبغ، و قد تقدم هناك ان منفعة الصبغ اذا كانت نادرة، فهل يصح بيع الدم بملاحظة هذه المنفعة النادرة أم لا؟

كما تقدم عدم صحة البيع هناك، لان المنفعة النادرة لا توجب كون الشي ء مالا عرفا، فهل الصفة في مقامنا هنا كالعين (في عدم جواز بذل المال الا لما اشتمل على منفعة محللة غير نادرة بالنسبة الى) المنفعة (المحرمة) فيبطل البيع (و عدمه) اي عدم الالحاق- عطف على قوله «ففي إلحاقها» (لان) الشي ء (المقابل بالثمن) ا (لمبذول هو الموصوف) اي ذات الجارية- في المثال- (و لا ضمير في زيادة ثمنه بملاحظة منفعة نادرة؟) بخلاف العين اذا كانت منفعتها المحللة نادرة فان الموصوف لا تكون له قيمة، بسبب هذه المنفعة المحللة النادرة- اذ المنفعة النادرة كالمعدومة عرفا-.

(وجهان: اقواهما: الثاني) اي الجواز و الصحة (اذ لا يعد) الثمن الذي بذل بإزاء العين المشتملة على صفة تصرف في الحرام كثيرا، و في الحلال قليلا (اكلا للمال بالباطل) حتى يشمله العموم.

(و النص) الخاص في المورد (بان ثمن المغنية سحت) لا يشمل المقام أيضا

ص: 268

مبني على الغالب.

«المسألة الثالثة»- يحرم بيع العنب ممن يعمله خمرا بقصد ان يعمله.

و كذا بيع الخشب بقصد ان يعمله صنما او صليبا.

لان فيه اعانة على الاثم و العدوان. و لا اشكال و لا خلاف في ذلك.

اما لو لم يقصد ذلك، فالاكثر على عدم التحريم، للاخبار المستفيضة:

«منها» خبر ابن اذينة: «قال: كتبت الى ابي عبد اللّه عليه السلام

______________________________

لانه (مبني على الغالب) من كون جزء الثمن في مقابل الغناء الذي يقصد منه المحرم و الباطل، و عليه فعمومات احل اللّه البيع و نحوه شاملة للمقام.

( «المسألة الثالثة»-) في ما لو كان الحرام داعيا، لا انه شرط الحرام في ضمن المعاوضة (يحرم بيع العنب ممن يعمله خمرا) بيعا (بقصد ان يعمله. و كذا بيع الخشب بقصد ان يعلمه) المشتري او المشتري من المشتري او ما اشبه (صنما او صليبا) و هكذا سائر المعاوضات بقصد الانتهاء الى الحرام.

(لان فيه اعانة على الاثم و العدوان) و قد قال سبحانه «وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ» و القول بان وساطة الفاعل المختار يخرج البيع عن كونه اعانة، خلاف المعلوم لدى العرف من صدق الاعانة. (و لا اشكال و لا خلاف في ذلك) التحريم تكليفا و البطلان وضعا.

(اما لو لم يقصد ذلك) العمل خمرا او صنما، و انما يعلم ان المشتري يعمله حراما (ف) في جواز البيع و عدمه خلاف (الاكثر على عدم التحريم، للاخبار المستفيضة) الدالة على عدم الحرمة.

( «منها» خبر ابن اذينة: «قال: كتبت الى ابي عبد اللّه عليه السلام

ص: 269

أسأله عن رجل له كرم ا يبيع العنب و التمر ممن يعلم انه يجعله خمرا او مسكرا؟ فقال عليه السلام: انما باعه حلالا في الإبان الذي يحل شربه او اكله فلا بأس ببيعه».

و رواية ابي كهمس «قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام- الى ان قال- هو ذا نحن نبيع تمرنا ممن نعلم انه يصنعه خمرا».

______________________________

أسأله عن رجل له كرم) هو شجر العنب (أ يبيع العنب و التمر ممن يعلم انه يجعله خمرا او مسكرا؟) لعل المسكر اعم من الخمر، و من الممكن ان يتخذ من العنب المسكر بدون ان يسمى خمرا، او ان المسكر بالنسبة الى التمر. و لعل العطف للبيان، و في بعض النسخ «سكرا» بدل «مسكرا» و المعنى واحد (فقال عليه السلام: انما باعه حلالا في الإبان الذي يحل شربه او اكله فلا بأس ببيعه) و مثله مصححة ابن اذينة السابق بناء على عدم الفرق بين الايجار و البيع.

(و رواية ابي كهمس «قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام- الى ان قال- هو ذا نحن نبيع تمرنا ممن نعلم انه يصنعه خمرا»).

من الممكن ان يكون «هو ذا» ضمير و اشارة، اي ان الامر كما تقول، مثل «كذلك».

و من الممكن ان يكون- كما ذكره صاحب الجواهر قال- رحمه اللّه- قيل: «هو ذا»- بفتح الهاء و سكون الواو-: كلمة مفردة، تستعمل للتأكيد و التحقيق و الاستمرار و التتابع و الاتصال، مرادفة كلمة «همى» في الفارسية. لا ان المراد منه الضمير و اسم الاشارة.

ص: 270

الى غير ذلك مما هو دونهما في الظهور.

و قد تعارض تلك بمكاتبة ابن اذينة «عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا؟ قال- عليه السلام-: لا» و رواية عمرو بن حريث «عن التوت ابيعه ممن يصنع الصليب او الصنم؟ قال عليه السلام: لا».

و قد يجمع بينها و بين الاخبار المجوزة بحمل المانعة على صورة اشتراط جعل

______________________________

(الى غير ذلك مما هو دونهما في الظهور) كصحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام عن بيع عصير العنب ممن يجعله خمرا؟ فقال عليه السلام لا بأس به يبيعه حلالا فيجعله حراما ابعده اللّه و اسحقه. و صحيح رفاعة قال سئل ابو عبد اللّه عليه السلام و انما حاضر عن بيع العصير ممن يخمره؟

فقال عليه السلام: حلال، ألسنا نبيع تمرنا ممن يجعله شرابا خبيثا. الى غيرهما.

(و قد تعارض تلك) الاخبار الدالة على الجواز (بمكاتبة ابن اذينة «عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا؟ قال- عليه السلام-:

لا» و) نحوها (رواية عمرو بن حريث «عن التوت ابيعه ممن يصنع الصليب او الصنم؟ قال عليه السلام: لا») فان كون المسألتين من واد واحد يوجب التعارض بينهما، و الا فبيع العنب غير بيع الخشب. خصوصا و العلة و هي «الاعانة على الاثم» في بيع الخشب، و العلة و هي «في الإبان الذي يحل» في بيع العنب، مطردة في الموضعين.

(و قد يجمع بينها) اي بين الاخبار المانعة (و بين الاخبار المجوزة) في مسألة بيع العنب (بحمل) الاخبار (المانعة على صورة اشتراط جعل

ص: 271

الخشب صليبا او صنما او تواطئهما عليه.

و فيه: ان هذا في غاية البعد، اذ لا داعي للمسلم على اشتراط صناعة الخشب صنما في متن بيعه او في خارجه ثم يجي ء و يسأل الامام- عليه السلام- عن جواز فعل هذا في المستقبل و حرمته.

و هل يحتمل ان يريد الراوي بقوله: «أبيع التوت ممن يصنع الصنم و الصليب»: ابيعه مشترطا عليه و ملزما في متن العقد او قبله ان لا يتصرف فيه الا بجعله صنما؟!

______________________________

الخشب صليبا او صنما او تواطئهما عليه) فذلك يوجب الحرمة، بخلاف الاخبار المجوزة، فانها فيما اذا وقعت المعاوضة بدون الاشتراط و التواطؤ

(و فيه) اي في هذا الجمع (ان هذا) الحمل (في غاية البعد، اذ لا داعي للمسلم على اشتراط صناعة الخشب صنما في ثمن بيعه او في خارجه) متواطئا عليه (ثم يجي ء و يسأل الامام- عليه السلام- عن جواز فعل هذا في المستقبل و حرمته) عطف على «جواز» بالإضافة الى ان هذا حمل تبرعي، كما تقدم، اذ ليس الطرفان نصا و ظاهرا- كما سبق في المسألة الاولى.

(و هل يحتمل ان يريد الراوي بقوله: «ابيع التوت ممن يصنع الصنم و الصليب»: ابيعه مشترطا عليه و ملزما في متن العقد او قبله) على سبيل التواطؤ (ان لا يتصرف فيه الا بجعله صنما؟) كلا انه لا يحتمل ذلك، و لذا كان حمل اخبار المنع على صورة الاشتراط خلاف الظاهر و بعيدا جدا في نفسه.

ص: 272

فالأولى حمل الاخبار المانعة على الكراهة، لشهادة غير واحد من الاخبار عليها، كما افتى بها جماعة.

و يشهد لها رواية رفاعة «عن بيع العصير ممن يصنعه حمرا؟

قال: بيعه ممن يطبخه او يصنعه خلا احب الي، و لا ارى به بأسا» و غيرها.

او التزام الحرمة في بيع الخشب ممن يعمله صليبا او صنما، لظاهر تلك الاخبار. و العمل في مسألة بيع العنب و شبهها على الاخبار المجوزة

______________________________

(فالأولى حمل الاخبار المانعة على الكراهة) لانها مشتملة على النهي و النهي اذا كانت هناك قرينة على الجواز يحمل على الكراهة (لشهادة غير واحد من الاخبار عليها) اي على كراهة البيع كذلك (كما افتى بها) اي بالكراهة (جماعة).

(و يشهد لها رواية رفاعة) و في بعض الحواشي انها رواية الحلبي لا رفاعة ( «عن بيع العصير ممن يصنعه خمرا؟ قال: بيعه ممن يطبخه) اي يصنعه دبسا (او يصنعه خلا احب الي، و لا ارى به) اي ببيعه ممن يصنعه خمرا (بأسا») فهذا يدل على كراهة البيع ممن يصرف المبيع في الحرام (و غيرها) من بعض الروايات الاخر.

(او التزام الحرمة في بيع الخشب ممن يعمله صليبا او صنما، لظاهر تلك الاخبار) المانعة. (و العمل في مسألة بيع العنب و شبهها على الاخبار المجوزة) لعدم جواز التعدي من مورد كل خبر الى غيره حتى يلزم الاشكال

ص: 273

و هذا الجمع قول فصل لو لم يكن قولا بالفصل.

و كيف كان فقد يستدل على حرمة البيع ممن يعلم انه يصرف المبيع في الحرام بعموم النهي عن التعاون على الاثم و العدوان.

و قد يستشكل في صدق الاعانة بل يمنع حيث لم يقع القصد الى وقوع الفعل من المعان، بناء على ان الإعانة هي فعل بعض مقدمات فعل الغير بقصد حصوله منه، لا مطلقا.

______________________________

(و هذا الجمع قول فصل) اي صحيح متين لانه من المحتمل اهتمام الشارع بالمنع عن مقدمات عبادة غير اللّه، قال اللّه تعالى «إِنَّ اللّٰهَ لٰا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِكَ لِمَنْ يَشٰاءُ»* (لو لم يكن قولا بالفصل) و مخالفا للاجماع، لان الفقهاء بين مجوز مطلقا، و مانع مطلقا، اما الجواز في بعض دون بعض فذلك خلاف اجماعهم.

(و كيف كان) الجمع بين الطائفتين (فقد يستدل على حرمة البيع ممن يعلم انه يصرف المبيع في الحرام بعموم النهي عن التعاون على الاثم و العدوان) في قوله سبحانه «وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ».

(و قد يستشكل) هذا الاستدلال (في صدق الاعانة بل يمنع) الصدق راسا (حيث لم يقع القصد) من البائع (الى وقوع الفعل) المحرم (من المعان) الفاعل للمعصية، و هذا الاستشكال انما هو (بناء على ان الاعانة هي فعل بعض مقدمات فعل الغير بقصد حصوله منه) اي حصول ذلك الفعل المحرم من فاعل المعصية (لا مطلقا) و لو كان فعل بعض المقدمات بدون قصد وقوع المعصية.

ص: 274

و اوّل من اشار الى هذا، المحقق الثاني في حاشية الارشاد في هذه المسألة حيث انه- بعد حكاية القول بالمنع مستندا الى الاخبار المانعة- قال:

و يؤيده قوله تعالى «وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ» و يشكل بلزوم عدم جواز بيع شي ء مما يعلم عادة التوصل به الى محرم- لو تم هذا الاستدلال- فيمنع معاملة اكثر الناس.

و الجواب عن الآية: المنع من كون محل النزاع

______________________________

(و اوّل من اشار الى هذا) الاشكال هو (المحقق الثاني في حاشية الارشاد في هذه المسألة، حيث انه- بعد حكاية القول بالمنع) عن البيع ممن يعلم انه يفعل بالمبيع الشي ء المحرم (مستندا) في المنع (الى الاخبار المانعة) التي تقدمت جملة منها- (قال: و يؤيده قوله تعالى «وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ») و انما جعله مؤيدا لان الآية ان دلت فانما تدل بالإطلاق لا بالنص و الخصوص، قال (و يشكل) هذا التأييد (بلزوم) اي لانه يلزم منه (عدم جواز بيع شي ء مما يعلم عادة التوصل به الى محرم- لو تم هذا الاستدلال-) و هذا شي ء بديهي البطلان و الا (ف) يلزم منه ان (يمنع معاملة اكثر الناس) لان اكثر الناس الفاعلين للمحرمات انما يتوصلون الى فعلهم المحرم بسبب مقدمات، من افعال الغير، مثلا التاجر و الحاج و المسافر كلهم يعاونون الظلمة. بل بيع اللحم و الخبز و ما اشبه اعانة للعصاة، باعتبار انهم يتقوون بالمآكل و المشارب على معصية اللّه تعالى.

ثم قال المحقق الثاني: (و الجواب) عن الاستدلال ب (الآية: المنع من كون محل النزاع) و هو بيع الشي ء لمن يعلم البائع انه يصرفه في الحرام

ص: 275

معاونة، مع ان الاصل الاباحة، و انما تظهر المعاونة مع بيعه مع ذلك القصد. انتهى.

و وافقه- في اعتبار القصد في مفهوم الاعانة- جماعة من متأخري المتأخرين، كصاحب الكفاية و غيره.

هذا و ربما زاد بعض المعاصرين على اعتبار القصد، اعتبار وقوع المعان عليه في تحقق مفهوم الاعانة في الخارج.

و تخيل انه لو فعل فعلا بقصد تحقق الاثم

______________________________

(معاونة) على الاثم (مع ان) الامر لو وصل الى الشك في صدق الاعانة ف (الاصل الاباحة) لقاعدة كل شي ء مطلق، و كل شي ء حلال (و انما تظهر المعاونة مع بيعه) اي بيع الشي ء ممن يعمل به المحرم (مع ذلك القصد) بان يقصد البائع اعانته على الحرام كأن يبيعه التمر بقصد ان يعمله خمرا (انتهى) كلام المحقق.

(و وافقه- في اعتبار القصد في مفهوم الاعانة- جماعة من متأخري المتأخرين، كصاحب الكفاية و غيره) فليست الاعانة على الاثم فعل بعض المقدمات فقط، بل فعل بعض المقدمات بقصد وقوع الحرام.

(هذا و ربما زاد بعض المعاصرين)- و هو النراقي في العوائد- قيدا ثالثا في صدق الاعانة (على اعتبار القصد) و فعل بعض المقدمات و هو (اعتبار وقوع المعان عليه) اي المعصية (في تحقق مفهوم الاعانة في الخارج).

(و) قد (تخيل) هذا المعاصر (انه لو فعل فعلا بقصد تحقق الاثم

ص: 276

الفلاني من الغير فلم يتحقق منه لم يحرم، من جهة صدق الاعانة، بل من جهة قصدها، بناء على ما حرره من حرمة الاشتغال بمقدمات الحرام بقصد تحققه و انه لو تحقق الفعل كان حراما من جهة القصد الى المحرم، و من جهة الاعانة.

و فيه تامل، فان حقيقة الاعانة على الشي ء هو الفعل بقصد حصول الشي ء، سواء حصل أم لا

______________________________

الفلاني من الغير فلم يتحقق منه لم يحرم) فعل هذا الآتي بالمقدمة (من جهة صدق الاعانة) لان الحرام لم يقع في الخارج، حتى يصدق الاعانة على الاثم، على من فعل مقدمته (بل) حرم فعله (من جهة قصدها) اي قصد الاعانة (بناء على ما حرره) هذا المعاصر (من حرمة الاشتغال بمقدمات الحرام بقصد تحققه) و ان لم يتحقق في الخارج (و انه لو تحقق الفعل) المحرم في الخارج (كان) فعل المقدمة (حراما من جهة القصد الى المحرم و من جهة) صدق (الاعانة) على الاثم.

(و فيه) اي فيما ذكره النراقي من اعتبار وقوع الفعل خارجا ليتصف فعل مقدماته باسم «الاعانة على الاثم» (تأمل، فان حقيقة الاعانة على الشي ء) سواء كان ذلك الشي ء اثما او غير اثم (هو الفعل) لبعض مقدماته (بقصد حصول الشي ء، سواء حصل) ذو المقدمة في الخارج (أم لا) فالذي يريد بناء داره فيأتي غيره بالآجر و الجص يصدق على فعل الغير انه اعانه على بناء الدار، سواء بنى ذلك الشخص الدار أم انصرف عنها و لم يبنها. و ليس الشرط في صدق الاعانة تحقق الدار في الخارج. و كذلك من اراد الزنا فجائه غيره بالمومسة صدق انه اعان على الاثم سواء صدر الزنا

ص: 277

و من اشتغل ببعض مقدمات الحرام الصادر عن الغير بقصد التوصل إليه فهو داخل في الاعانة على الإثم، و لو تحقق الحرام لم يتعدد العقاب.

و ما ابعد ما بين ما ذكره المعاصر، و بين ما يظهر من الاكثر من عدم اعتبار القصد!

فعن المبسوط: الاستدلال على وجوب بذل الطعام لمن يخاف تلفه بقوله- صلى اللّه عليه و آله-: «من اعان على قتل مسلم و لو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه: آيس من رحمة اللّه».

______________________________

من ذلك الشخص أم لا (و من اشتغل ببعض مقدمات الحرام المصادر عن الغير بقصد التوصل إليه فهو داخل في الاعانة على الاثم و لو تحقق الحرام لم يتعدد العقاب) كما قاله النراقي بانه حرام من جهة «القصد» و من جهة «الاعانة» و انما نقول بعدم التعدد للاصل و عدم دليل على التعدد، اذ ليس في المقام الا «الاعانة» الصادقة، سواء حصل الحرام أم لا.

(و ما ابعد ما بين ما ذكره) هذا (المعاصر، و بين ما يظهر من الاكثر من عدم اعتبار القصد)!

فالاقوال ثلاثة: «الاتيان بالمقدمة بدون اعتبار القصد» و «الاتيان بالمقدمة مع القصد» و «الاتيان بالمقدمة مع القصد و التحقق في الخارج».

(فعن المبسوط: الاستدلال على وجوب بذل الطعام لمن يخاف تلفه بقوله- صلى اللّه عليه و آله-: «من اعان على قتل مسلم و لو بشطر كلمة جاء يوم القيامة) في حال كونه (مكتوبا بين عينيه: آيس من رحمة اللّه») و من المعلوم ان عدم بذل الطعام ليس بقصد التلف، و انما يقع التلف من عدم البذل بنفسه، فليست «الاعانة» في هذا الحديث مقرونة بالقصد الى المحرم، و انما تحققت الاعانة لوقوع التلف بسبب عدم البذل.

ص: 278

و قد استدل في التذكرة- على حرمة بيع السلاح من اعداء الدين- بان فيه اعانة على الظلم.

و استدل المحقق الثاني- على حرمة بيع العصير المتنجس ممن يستحله- بان فيه اعانة على الاثم.

و قد استدل المحقق الاردبيلي- على ما حكى عنه من القول بالحرمة في مسألتنا- بان فيه اعانة على الاثم.

و قد قرره على ذلك في الحدائق، فقال: انه جيد في حد ذاته، لو سلم من المعارضة بأخبار الجواز.

______________________________

(و قد استدل) العلامة (في التذكرة على حرمة بيع السلاح من اعداء الدين بأن فيه إعانة على الظلم) مع ان البائع لا يقصد الاعانة على الظلم، و انما يريد المال، لكن حيث يقع الظلم في الخارج، يكون بيع السلاح- و لو بدون قصد البائع- اعانة.

(و استدل المحقق الثاني على حرمة بيع العصير المتنجس ممن يستحله بان فيه اعانة على الاثم) و ان لم يقصد البائع شرب المستحل له، لكن مجرد ان البيع مقدمة من مقدمات الشرب كان اعانة على الاثم و حراما.

(و قد استدل المحقق الاردبيلي- على ما حكى عنه: من القول بالحرمة في مسألتنا) اي مسألة بيع العنب من يعمله خمرا (- بان فيه اعانة على الاثم).

(و قد قرره) اي الاردبيلي (على ذلك) و انه اعانة على الاثم (في الحدائق، فقال: انه جيد في حد ذاته، لو سلم من المعارضة باخبار الجواز)

ص: 279

و في الرياض- بعد ذكر الاخبار السابقة الدالة على الجواز- قال:

و هذه النصوص و ان كثرت و اشتهرت و ظهرت دلالتها، بل ربما كان بعضها صريحا، لكن في مقابلتها للاصول و النصوص المعتضدة بالعقول اشكال. انتهى.

و الظاهر ان مراده بالاصول: قاعدة «حرمة الاعانة على الاثم»

______________________________

الدالة على جواز بيع العنب ممن يعمله خمرا، فالاخبار حيث كانت اخص لزم تقييد الآية بها.

(و في الرياض- بعد ذكر الاخبار السابقة الدالة على الجواز) لبيع العنب ممن يعمله خمرا- (قال: و هذه النصوص و ان كثرت و اشتهرت و ظهرت دلالتها، بل ربما كان بعضها صريحا، لكن في مقابلتها للاصول) اي اصل حرمة الاعانة على الاثم (و النصوص) الدالة على حرمة بيع الخشب لمن يعمله صنما (المعتضدة بالعقول) فان العقل يستقبح اعانة الانسان غيره على فعل القبيح (اشكال. انتهى) كلام الرياض.

(و الظاهر ان مراده بالاصول: قاعدة «حرمة الاعانة على الاثم») فترى الرياض انه يرى ان هذا اعانة، و لو كان بدون قصد البائع للحرام، و قوله «الاصول» المراد به «الجنس» لا «الجمع» فان كل واحد من الجنس و الجمع يأتي بمعنى الآخر، مثلا نقول «المفسرون» و نريد «صاحب مجمع البيان» يعني هذا الجنس، في مقابل جنس «المحدثين» و قد يؤتى بالجنس و يراد به الجمع، لان المراد به الحقيقة السارية في الافراد،

ص: 280

و من العقول: حكم العقل بوجوب التوصل الى دفع المنكر مهما امكن.

و يؤيد ما ذكروه- من صدق الاعانة بدون القصد- اطلاقها في غير واحد من الاخبار:

ففي النبوي- المروي في الكافي عن ابي عبد اللّه عليه السلام-:

«من اكل الطين فمات فقد أعان على نفسه».

و في العلوي- الوارد في الطين، المروي أيضا في الكافي عن ابي عبد اللّه عليه السلام-: «فان اكلته و مت فقد اعنت على نفسك».

______________________________

لا صرف الحقيقة الصادقة و لو في ضمن فرد (و من العقول: حكم العقل بوجوب التوصل الى دفع المنكر مهما امكن) و لو كان لعدم بيع شي ء لفاعل المنكر.

(و يؤيد ما ذكروه) اي هؤلاء العلماء (من صدق الاعانة بدون القصد) من الآتي بالمقدمة لفعل غيره المنكر (اطلاقها) اي الاعانة (في غير واحد من الاخبار) و عدم تقييدها بالقصد.

(ففي النبوي- المروي في الكافي عن ابي عبد اللّه عليه السلام) الذي رواه عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم-: (من اكل الطين فمات فقد اعان على نفسه») فاطلاقه شامل لمن قصد الموت بأكله الطين أم لا، بل المتعارف عدم القصد.

(و في العلوي) أي الخبر المروي عن امير المؤمنين عليه السلام (- الوارد في الطين المروي أيضا في الكافي عن ابي عبد اللّه عليه السلام-: «فان اكلته) اي الطين (و مت فقد اعنت على نفسك») اي قتل نفسك.

ص: 281

و يدل عليه غير واحد مما ورد في اعوان الظلمة، و سيأتي.

و حكي انه سئل بعض الاكابر و قيل له: اني رجل خياط اخيط للسلطان ثيابه فهل تراني داخلا بذلك في اعوان الظلمة؟ فقال له: المعين لهم من يبيعك الأبر و الخيوط، و أما انت فمن الظلمة انفسهم.

و قال المحقق الاردبيلي- في آيات احكامه في الكلام على الآية-: الظاهر أن المراد بالاعانة على المعاصي مع القصد او على الوجه الذي يصدق انها اعانة

______________________________

(و يدل عليه) اي على صدق الاعانة و لو بدون القصد الى حصول الاثم من الغير (غير واحد مما ورد) من الاخبار (في اعوان الظلمة).

(و حكي انه سئل بعض الاكابر) و هو عبد اللّه بن المبارك، و الاستشهاد بكلامه من جهة انه أحد العرف، فاذا فهم شيئا من لفظ «الاعانة» كان فهمه دليلا على ان هذا المعنى هو المتفاهم عرفا من اللفظ المذكور (و قيل له: اني رجل خياط اخيط للسلطان ثيابه فهل تراني داخلا بذلك) التخييط (في اعوان الظلمة؟ فقال له) ابن المبارك: (المعين لهم) اي للظلمة (من يبيعك الأبر و الخيوط، و أما انت فمن الظلمة انفسهم) مع ان بائع الابر و الخيوط لم يقصد ظلم السلطان و كأنه اراد بكون الخياط ظالما انه جزء من الهيئة الظالمة عرفا.

(و قال المحقق الاردبيلي- في آيات احكامه في) مبحث (الكلام على الآية-) اي آية «وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ»: (الظاهر ان المراد بالاعانة على المعاصي) الاتيان بالمقدمة (مع القصد) لصدور الحرام عن الغير (او على الوجه الذي يصدق انها اعانة) و ان لم يقصد

ص: 282

مثل ان يطلب الظالم العصى من شخص لضرب مظلوم فيعطيه اياها، او يطلب القلم لكتابة ظلم فيعطيه اياه و نحو ذلك مما يعد معونة عرفا، فلا تصدق على التاجر الذي يتجر لتحصيل غرضه، انه معاون للظالم العاشر في اخذ العشور، و لا على الحاج الذي يؤخذ منه المال ظلما و غير ذلك مما لا يحصى، فلا يعلم صدقها على بيع العنب ممن يعمله خمرا، او الخشب من يعمله صنما، و لذا ورد في الروايات الصحيحة جوازه، و عليه الاكثر و نحو ذلك مما لا يخفى انتهى

______________________________

(مثل ان يطلب الظالم العصى من شخص لضرب مظلوم فيعطيه اياها) عصى مؤنثة سماعا، و لذا جاء بضمير المؤنث لها (او يطلب القلم لكتابة ظلم فيعطيه اياه و نحو ذلك) كأن يبني له سجنا او يبيعه سيفا و هو يريد قتل بري ء او ما اشبه (مما يعد معونة عرفا) و ان لم يقصد الآتي بالمقدمة الاعانة، و على هذا (فلا تصدق) الاعانة على الاثم (على التاجر الذي يتجر لتحصيل غرضه) اذا اعطى العشر جبرا للظالم، فانه عرفا لا يقال له: (انه معاون للظالم العاشر في اخذ العشور، و لا على الحاج الذي يؤخذ منه المال ظلما) بعنوان الرسوم للحج، او بعنوان آخر من الحكومة، او من القبائل القاطنة في الطريق (و غير ذلك مما لا يحصى) مما لا قصد للدافع، و لا صدق عرفي عليه (فلا يعلم صدقها) اي الاعانة على الاثم (على بيع العنب ممن يعمله خمرا، او الخشب ممّن يعلمه صنما، و لذا) الذي ذكرنا من عدم صدق الاعانة على الموارد المذكورة (ورد في الروايات الصحيحة جوازه، و عليه الاكثر و نحو ذلك) من سائر الامثلة، فان كلها جائز (مما لا يخفى انتهى

ص: 283

كلامه رفع مقامه.

و لقد دقق النظر حيث لم يعلق صدق الاعانة على القصد، و لا اطلق القول بصدقها بدونه، بل علقه بالقصد، و بالصدق العرفي و ان لم يكن قصد.

لكن اقول: لا شك في انه اذا لم يكن مقصود الفاعل من الفعل وصول الغير الى مقصده و لا الى مقدمة من مقدماته، بل يترتب عليه الوصول من دون قصد الفاعل، فلا يسمى اعانة

______________________________

كلامه رفع مقامه).

(و لقد دقق) الاردبيلي (النظر حيث لم يعلق صدق الاعانة) على الاثم (على القصد) فقط (و لا اطلق القول بصدقها بدونه) اي لم يقل بان مجرد تحصيل المقدمة اعانة، كما لم يقل: انه بالقصد يصدق الاعانة بل علق الاعانة على احد الامرين، من القصد او الصدق العرفي (بل علقه) اي صدق الاعانة على الاثم (بالقصد) تارة (و بالصدق العرفي و ان لم يكن قصد) تارة اخرى.

(لكن اقول:) ان كلام الاردبيلي فيه مواقع للنظر اذ انه فرق بين اعطاء العصى للظالم و بين بيع العنب ممن يعلم انه يصنعه خمرا مع أن الحكم في الموضعين واحد فاللازم القول بصدق الاعانة فيهما، او القول بعدم صدق الاعانة فيها. اذ (لا شك في انه اذا لم يكن مقصود الفاعل من الفعل وصول الغير الى مقصده و لا) وصوله (الى مقدمة من مقدماته) اي مقدمات المقصد (بل يترتب عليه الوصول من دون قصد الفاعل فلا يسمى اعانة

ص: 284

كما في تجارة التاجر بالنسبة الى اخذ العشور، و مسير الحاج بالنسبة الى اخذ المال ظلما.

و كذلك لا اشكال فيما اذا قصد الفاعل بفعله و دعاه إليه وصول الغير الى مطلبه الخاص، فانه يقال: انه اعانه على ذلك المطلب. فان كان عدوانا مع علم المعين به صدق الاعانة على العدوان.

و انما الاشكال فيما اذا قصد الفاعل بفعله وصول الغير الى مقدمة مشتركة بين المعصية و غيرها، مع العلم بصرف الغير اياها الى المعصية، كما اذا باعه العنب،

______________________________

كما في تجارة التاجر بالنسبة الى اخذ العشور، و مسير الحاج بالنسبة الى اخذ المال ظلما) فان التاجر و الحاج لا يقصدان وصول الظالم الى ظلمه بالتجارة و الحج، و لذا لا يسمى فعلهما اعانة على الاثم.

(و كذلك لا اشكال فيما اذا قصد الفاعل بفعله و دعاه إليه) اي الى الفعل (وصول الغير الى مطلبه الخاص، فانه يقال: انه اعانه على ذلك المطلب فان كان) المطلب (عدوانا مع علم المعين به) اي بذلك العدوان (صدق الاعانة على العدوان) كما لو اراد زيد شرب الخمر، فاعطاه القارورة مع علمه بانها خمر و انه يريد شربها.

(و انما الاشكال فيما اذا قصد الفاعل بفعله وصول الغير الى مقدمة مشتركة بين المعصية و غيرها، مع العلم بصرف الغير اياها) اي هذه المقدمة (الى المعصية، كما اذا باعه العنب) مع علمه بانه يصرفه في الخمر

ص: 285

فإن مقصود البائع تملك المشتري له و انتفاعه به، فهي اعانة له بالنسبة الى اصل تملك العنب، و لذا لو فرض ورود النهي عن معاونة هذا المشتري الخاص في جميع اموره او في خصوص تملك العنب حرم بيع العنب عليه مطلقا.

فمسألة بيع العنب ممن يعلم انه يجعله خمرا نظير اعطاء السيف او العصى لمن يريد قتلا او ضربا، حيث ان الغرض من الإعطاء هو ثبوته بيده و التمكن منه، كما ان الغرض من بيع العنب تملكه له. فكل من البيع و الاعطاء بالنسبة الى اصل تملك الشخص و استقراره

______________________________

(فان مقصود البائع تملك المشتري له و انتفاعه به، فهي اعانة له بالنسبة الى اصل تملك العنب) فيقال: ان البائع اعان المشتري في تملك العنب (و لذا) الذي يصدق انه اعانه له في تملك العنب (لو فرض ورود النهي عن معاونة هذا المشتري الخاص في جميع اموره او في خصوص تملك العنب حرم بيع العنب عليه مطلقا) سواء اكله او اختمره، لان المفروض حرمة اعانته مطلقا، لا حرمة اعانته في خصوص فعل الحرام.

اذن (فمسألة بيع العنب ممن يعلم انه يجعله خمرا نظير اعطاء السيف او العصى لمن يريد قتلا او ضربا) اذ كل واحد منهما مقدمة مشتركة لفعل محرم و لفعل محلل، و لم يقصد البائع و المعطي الحرام (حيث ان الغرض من الإعطاء هو ثبوته بيده و التمكن منه) اي من السيف او العصى- و هذا بنفسه ليس حراما، بل قابلا لان يصرف في كل من المحرم و غير المحرم (كما ان الغرض من بيع العنب تملكه له) اي تملك المشتري للعنب (فكل من البيع و الاعطاء بالنسبة الى اصل تملك الشخص) للعنب (و استقراره

ص: 286

في يده اعانة.

الا ان الاشكال في ان العلم بصرف ما حصل باعانة البائع و المعطي في الحرام هل يوجب صدق الاعانة على الحرام أم لا؟

فحاصل محل الكلام هو: ان الاعانة على شرط الحرام مع العلم بصرفه في الحرام هل هي إعانة على الحرام أم لا؟

فظهر الفرق بين بيع العنب و بين تجارة التاجر و مسير الحاج

______________________________

في يده) للعصى و السيف (اعانة) بالنسبة الى الملك للعنب، و استقرار العصى في اليد.

(الا ان الاشكال في ان العلم بصرف ما حصل) عند المشتري، و الظالم (باعانة البائع) للعنب (و المعطي) للعصى (في الحرام) متعلق «بصرف» (هل يوجب صدق الاعانة على الحرام أم لا؟) فان اوجب كان اللازم القول بالحرمة فيهما، و ان لم يوجب كان اللازم القول بعدم الحرمة فيهما، فتفصيل الاردبيلي بالقول بالحرمة في مسألة اعطاء العصى، و القول بعدم الحرمة في بيع العنب لا وجه له.

(فحاصل محل الكلام هو: ان الاعانة على شرط الحرام) الذي هو تملك المشتري، و استقرار العصى في يد الظالم (مع العلم) من البائع و المعطي (بصرفه في الحرام هل هي اعانة على الحرام أم لا؟).

اذا عرفت هذا (فظهر) لك (الفرق بين بيع العنب) و انه محتمل لكونه حراما و لكونه غير حرام (و بين تجارة التاجر و مسير الحاج) و انهما

ص: 287

و ان الفرق بين اعطاء السوط للظالم و بين بيع العنب لا وجه له. و ان اعطاء السوط اذا كان اعانة- كما اعترف به فيما تقدم من آيات الاحكام- كان بيع العنب كذلك- كما اعترف به في شرح الارشاد- فاذا بنينا على ان شرط الحرام حرام مع فعله توصلا الى الحرام- كما جزم به بعض- دخل ما نحن فيه في الاعانة على المحرم، فيكون بيع العنب اعانة على تملك العنب المحرم مع قصد التوصل به الى التخمير و ان لم يكن اعانة على نفس

______________________________

ليسا بحرام، و ان استلزم ذلك اعطاء العشور و نحوه (و) ظهر (ان الفرق) الذي ذكره الاردبيلي (بين اعطاء السوط للظالم) و انه حرام قطعا (و بين بيع العنب) و انه ليس بحرام قطعا (لا وجه له. و ان اعطاء السوط اذا كان اعانة) محرمة (- كما اعترف به فيما تقدم من آيات الاحكام- كان بيع العنب كذلك) اعانة على الاثم (- كما اعترف به في شرح الارشاد- فاذا بنينا على) ان «الشراء» شرط الحرام، و شرط الحرام حرام، كان البيع اعانة على «الشراء» المحرم، فيكون اعانة على الحرام، بان قلنا (ان شرط الحرام حرام مع فعله) اي اتيان ذلك الشرط- كالشراء في مثالنا- (توصلا الى الحرام) فان المشتري يشتري العنب للتوصل الى الخمر المحرمة (- كما جزم به) اي بكون شرط الحرام حراما (بعض- دخل ما نحن فيه) اي مسألة بيع العنب لمن يعمله خمرا (في الاعانة على المحرم، فيكون بيع العنب اعانة) من البائع (على تملك) المشتري (العنب المحرم) ذلك التملك (مع قصد) المشتري (التوصل به الى التخمير) فالبيع حرام لانه اعانة على الاشتراء- المحرم- (و ان لم يكن) البيع (اعانة على نفس

ص: 288

التخمير او على شرب الخمر.

و ان شئت قلت: ان شراء العنب للتخمير حرام، كغرس العنب لاجل ذلك. فالبائع انما يعين على الشراء المحرم. «نعم» لو لم يعلم ان الشراء لاجل التخمير لم يحرم، و ان علم انه سيخمر العنب بإرادة جديدة منه. و كذا الكلام في بائع الطعام على من يرتكب المعاصي، فانه لو علم ارادته من الطعام المبيع التقوي به عند التملك على المعصية، حرم البيع منه. و اما العلم بانه يحصل من هذا الطعام قوة على المعصية يتوصل بها إليها فلا يوجب التحريم.

______________________________

التخمير او) اعانة (على شرب الخمر).

(و ان شئت قلت) في بيان حرمة بيع العنب لمن يعمله خمرا: (ان شراء) المشتري (العنب للتخمير حرام) لان الشراء شرط الحرام، و شرط الحرام حرام (كغرس العنب لاجل ذلك) التخمير (فالبائع انما يعين) المشتري (على الشراء المحرم. نعم لو لم يعلم) البائع (ان الشراء لاجل التخمير لم يحرم، و ان علم) البائع (انه) اي المشتري (سيخمر العنب بإرادة جديدة منه) تحصل له بعد البيع (و كذا الكلام في بائع الطعام على من يرتكب المعاصي، فانه لو علم ارادته من الطعام المبيع التقوي به عند التملك) لذلك الطعام (على المعصية) كأن يأكل الطعام فتقوى يده على القتل، او رجله على الذهاب الى دار البغية مثلا (حرم البيع منه) لصدق الاعانة على الاثم حينئذ (و اما العلم) من البائع (بانه يحصل من هذا الطعام قوة على المعصية يتوصل بها) بتلك القوة (إليها) اي الى المعصية (فلا يوجب التحريم) لانه لا تصدق الاعانة على الاثم.

ص: 289

هذا و لكن الحكم بحرمة الإتيان بشرط الحرام توصلا إليه قد يمنع، الا من حيث صدق التجري، و البيع ليس اعانة عليه، و ان كان اعانة على الشراء، الا انه في نفسه ليس تجريا، فان التجري يحصل بالفعل المتلبس بالقصد.

و توهم-

______________________________

(هذا) تمام الكلام في وجه حرمة بيع العنب ممن يعمله خمرا من جهة ان البيع اعانة على الشراء، الذي هو شرط الحرام (لكن الحكم بحرمة الإتيان بشرط الحرام) اي كون الاشتراء الذي هو شرط للحرام الذي هو التخمير حراما، حتى يكون البيع اعانة على الحرام (توصلا إليه) اي الى الحرام (قد يمنع، إلا من حيث صدق التجري) فشراء الخمار العنب لاجل التخمير تجر فقط، لا انه حرام (و البيع ليس اعانة عليه) اي على التجري (و ان كان) البيع (اعانة على الشراء)- «ان» وصلية- و ذلك لان التجري من المشتري انما يحصل بامرين: الاشتراء و قصد التخمير و من المعلوم ان البيع اعانة على الاشتراء فقط، و ليس اعانة على قصد المشتري، فالبيع اعانة على جزء من جزئي التجري (الا انه) اي الاشتراء (في نفسه ليس تجريا، فان التجري) انما (يحصل بالفعل) اي بالعمل كالاشتراء في المثال- (المتلبس بالقصد) و من المعلوم ان البيع ليس اعانة الا على الفعل فقط، دون القصد.

(و توهم) ان الفعل جزء من جزئي التجري- فالفعل مقدمة داخلية- و الاعانة على الجزء اعانة على الكل، فاعانة البائع للمشتري على الاشتراء الذي هو جزء من التجري، لازمه كونه اعانة على التجري،

ص: 290

ان الفعل مقدمة له فتحرم الاعانة- مدفوع بانه لم يوجد قصد الى التجري حتى تحرم، و الا لزم التسلسل.

______________________________

ف (ان الفعل مقدمة) داخلية (له) اي للتجري (فتحرم الاعانة) على الفعل (- مدفوع بانه لم يوجد قصد الى التجري حتى تحرم) الاعانة (و الا لزم التسلسل).

قال المجاهد الشيرازي- في شرح هذه العبارة ما لفظه-: حاصل الدفع ان المفروض في المقام عدم كفاية مجرد المقدمة في التحريم ما لم يصدق عنوان التجري على المقدمة، و الا لكان الشراء حراما باعتبار كونه مقدمة للتخمير، و لم يحتج الى صدق عنوان التجري عليه، فمقدمة الشراء للتجري لا ينفع في تحريمه، الا مع صدق عنوان التجري عليه، بان يأتي به بقصد التجري، و ذلك مستلزم للتسلسل، اذ ننقل الكلام حينئذ الى هذا الشراء بقصد التجري الذي هو مقدمة للتجري، فيقال: ان ذات الفعل فيه أيضا مقدمة للفعل بقصد التجري، فيحتاج الى قصد ثالث، فيحصل تجر ثالث و ينقل الكلام حينئذ الى كون ذات الفعل مقدمة لفعله بقصد التجري فتحتاج الى قصد رابع، فيحصل تجر رابع، و ينقل الكلام حينئذ الى مقدمية ذات الفعل لهذا التجري الرابع، فيحتاج الى قصد خامس و هكذا الى ما لا نهاية له، مضافا الى جريان الكلام في كل مرتبة، من ان البيع ليس اعانة على الشراء بقصد التجري، بل على ذات الشراء انتهى.

و ربما يقرر التسلسل بانه اذا كان القصد الى التجري تجريا- و المفروض

ص: 291

فافهم. «نعم» لو ورد النهي بالخصوص عن بعض شروط الحرام كالغرس للخمر دخل الاعانة عليه في الاعانة على الاثم.

كما انه لو استدللنا بفحوى ما دل على «لعن الغارس» على حرمة التملك للتخمير، حرم الاعانة عليه أيضا بالبيع.

______________________________

توقف التجري على القصد فلا بد ان يقصد القصد (فافهم) فانه فرق بين المقدمة الداخلية و المقدمة الخارجية، فقصد التوصل الى التجري لا يعتبر في حرمة المقدمة الداخلية، و انما يعتبر في حرمة المقدمة الخارجية.

فتحصل: ان شرط الحرام- و هو الشراء- ليس حراما حتى تحرم مقدمته التي هي البيع، لان البيع حينئذ ليس اعانة على الحرام.

( «نعم» لو ورد النهي بالخصوص) و النص، لا كالشراء الذي لم يرد عنه نهي بالخصوص (عن بعض شروط الحرام كالغرس للخمر) اي لشجرها، الذي لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم غارسها (دخل الاعانة عليه) اي على ذلك الشرط (في الاعانة على الاثم) فسقي الماء لشجرها و نحو ذلك اعانة على الاثم الذي هو الغرس.

(كما انه لو استدللنا بفحوى) و اولوية (ما دل على لعن الغارس على حرمة التملك) من المشتري (للتخمير) لان الغرس الذي هو مقدمة ابعد اذا كان حراما كان التملك الذي هو مقدمة اقرب حراما بطريق اولى (حرم الاعانة عليه) اي على الشراء (أيضا) كحرمة الاعانة على الغرس (بالبيع) متعلق ب «الإعانة».

ص: 292

فتحصل مما ذكرناه: ان قصد الغير لفعل الحرام معتبر قطعا في حرمة فعل المعين. و ان محل الكلام هي الاعانة على شرط الحرام بقصد تحقق الشرط دون المشروط، و انها هل تعد اعانة على المشروط فتحرم، أم لا فلا تحرم ما لم يثبت حرمة الشرط من غير جهة التجري، و ان مجرد بيع العنب ممن يعلم انه سيجعله خمرا و من دون العلم

______________________________

(فتحصل مما ذكرناه) من الدليل على ان الاعانة على الاثم لا تصدق مع عدم قصد الغير للحرام (ان قصد الغير لفعل الحرام معتبر قطعا في حرمة فعل المعين) فاذا قصد مشتري العنب التخمير حرم بيعه و اذا لم يقصده لم يحرم البيع منه، و ان تجدد له بعد ذلك إرادة التخمير (و ان محل الكلام) في كونه حراما أم لا (هي الاعانة على شرط الحرام) كالبيع الذي هو اعانة على التملك- و التملك شرط للتخمير الحرام- (بقصد) المعين (تحقق الشرط) فقط، كقصد البائع تملك المشتري فقط (دون) قصد المعين تحقق (المشروط) اي التخمير، فانه لو قصد البائع الاعانة على تملك المشتري ليحصل التخمير في الخارج حرم البيع (و انها) اي الاعانة على التملك بدون قصد البائع حصول التخمير، و لكن مع علمه بانه سيخمره (هل تعد اعانة على المشروط) الذي هو التخمير (فتحرم) الاعانة التي هي البيع (أم لا) تعد اعانة (فلا تحرم ما لم يثبت حرمة الشرط) كالغرس الذي ثبت حرمته (من غير جهة التجري) «من» متعلق ب «لا تحرم» (و ان مجرد بيع العنب ممن يعلم انه سيجعله خمرا) في المستقبل (و من دون العلم) للبائع

ص: 293

بقصده ذلك من الشراء ليس محرما اصلا، لا من جهة الشرط و لا من جهة المشروط.

و من ذلك يعلم ما فيما تقدم عن حاشية الارشاد، من انه لو كان بيع العنب ممن يعمله خمرا اعانة لزم المنع عن معاملة اكثر الناس.

«ثم» ان محل الكلام فيما

______________________________

(بقصده) اي المشتري (ذلك) التخمير، قصدا فعليا حال المبايعة (من الشراء) متعلق «بقصده» (ليس محرما اصلا، لا من جهة الشرط) لان الشراء الّذي هو شرط للحرام ليس بحرام اذا لم يقارنه القصد الفعلي الى التخمير (و لا من جهة المشروط) لانه ليس اعانة على التخمير.

و الحاصل، ان المتحصل مما تقدم هذه الامور الاربعة التي ذكرها المصنف بقوله «ان، و ان، و انها، و ان».

(و من ذلك) الذي ذكرناه، من ان الاشتراء للعنب اذا كان بقصد التخمير كان البيع اعانة، بخلاف ما اذا كان اشتراء الطعام من المشتري ليس بقصد التقوى على العصيان لم يكن البيع اعانة، (يعلم ما) اي الاشكال الذي يرد (فيما تقدم عن حاشية الارشاد، من انه لو كان بيع العنب من يعمله خمرا اعانة لزم المنع عن معاملة اكثر الناس) اذ لا تلازم بين الامرين لامكان كون بيع العنب اعانة على الاثم حيث يقصد المشتري التخمير، و لا يكون بيع الطعام اعانة على الاثم حيث لا يقصد المشتري التقوي به على العصيان.

( «ثم» ان محل الكلام) في الاعانة على الاثم (فيما) اي في الاعانة

ص: 294

يعد شرطا للمعصية الصادرة عن الغير. فما تقدم من المبسوط من حرمة ترك بذل الطعام لخائف التلف مستندا الى قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم «من اعان على قتل مسلم الخ» محل تامل، الا ان يريد الفحوى. و لذا استدل في المختلف بعد حكاية ذلك عن الشيخ، بوجوب حفظ النفس مع القدرة و عدم الضرر.

______________________________

التي (يعد شرطا للمعصية الصادرة عن الغير) بان يكون الامر الصادر عن الغير معصية و يكون ما يصدر عن المعين مقدمة لتلك المعصية، و عليه فالموت الذي يحصل للجائع بسبب عدم الطعام ليس معصية للميت حتى يكون عدم بذل الطعام له اعانة على المعصية (فما تقدم من المبسوط من حرمة ترك بذل الطعام لخائف التلف) في حال كون صاحب المبسوط (مستندا) لذلك (الى قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم «من اعان على قتل مسلم الخ» محل تامل) قوله «محل» خبر «فما» (الا ان يريد الفحوى) و الاولوية فان «عدم بذل الطعام» اقوى في كونه سببا لموت المسلم من «الكلمة» التي تسبب قتله (و لذا) اي للتأمل في استدلال المبسوط (استدل في المختلف بعد حكاية ذلك) الاستدلال (عن الشيخ ب) دليل آخر، غير دليل الاعانة، و هو (وجوب حفظ النفس مع القدرة) من الحافظ (و عدم الضرر) على الحافظ، فان توجه ضرر إليه، كما انه لو حفظ من يموت جوعا باعطائه طعامه مات المعطي بنفسه جوعا، لانحصار طعامه في ما يكفي احدهما- مثلا-.

ص: 295

«ثم» انه يمكن التفصيل في شروط الحرام المعان عليها بين ما تنحصر فائدته و منفعته عرفا في المشروط المحرم كحصول العصا في يد الظالم المستعير لها من غيره لضرب احد، فان ملكه للانتفاع بها في هذا الزمان تنحصر فائدته عرفا في الضرب. و كذا من استعار كأسا ليشرب الخمر فيها. و بين ما لم يكن كذلك كتمليك الخمار للعنب، فان منفعة التمليك و فائدته غير منحصرة- عرفا- في الخمر، حتى عند الخمار.

______________________________

( «ثم» انه يمكن التفصيل في شروط الحرام المعان عليها)- بخلاف ما ذكرنا سابقا من اطلاق عدم حرمة الاعانة على شرط الحرام- (بين ما) اي الشرط الذي (تنحصر فائدته و منفعته عرفا في المشروط المحرم) فان الاعانة على مثل هذا الشرط حرام (كحصول العصى في يد الظالم) الذي هو شرط في ضرب المظلوم (المستعير لها) اي للعصى (من غيره لضرب احد) من المظلومين (فان ملكه) اي واجدية الظالم (للانتفاع بها) اي بالعصى (في هذا الزمان) الذي فيه دولة الباطل- او المراد: في زمان إرادة الظالم ضرب مظلوم حاضر عنده- (تنحصر فائدته عرفا في الضرب) المحرم (و كذا من استعار كأسا) من غيره (ليشرب الخمر فيها) اي في تلك الكأس فان فائدة الكأس في حال إرادة المستعير شرب الخمر تنحصر في المحرم- عرفا- و لذا يحرم اعطاؤهما العصى و الكأس، لانه يصدق عليه الاعانة على الاثم فعلا (و بين ما لم يكن كذلك) بان لا تنحصر الفائدة في الحرام فعلا (كتمليك) البائع (الخمار للعنب، فان منفعة التمليك و فائدته غير منحصرة- عرفا- في الخمر» حتى عند الخمار) فان

ص: 296

فيعد الاول- عرفا- اعانة على المشروط المحرم، بخلاف الثاني.

و لعل من جعل بيع السلاح من اعداء الدين حال قيام الحرب من المساعدة على المحرم، و جوز بيع العنب ممن يعمله خمرا- كالفاضلين في الشرائع و التذكرة و غيرهما- نظر الى ذلك.

و كذلك المحقق الثاني، حيث منع من بيع العصير المتنجس على مستحله مستندا الى كونه من الاعانة على الاثم، و منع من كون بيع العنب ممن يعلم انه يجعله خمرا من الاعانة

______________________________

الخمار يتمكن من اكل العنب او تثليثه (فيعد الاول) اي اعطاء العصى و الكاس، للضارب و الشارب (عرفا اعانة على المشروط المحرم، بخلاف الثاني) الذي هو بيع العنب ممن يجعله خمرا.

(و لعل من جعل بيع السلاح من اعداء الدين حال قيام الحرب من المساعدة على المحرم) فافتى بحرمته (و جوز بيع العنب ممن يعمله خمرا) مع ان الذي يظهر ابتداء تساويهما في الحكم (- كالفاضلين): المحقق و العلامة (في الشرائع و التذكرة و غيرهما- نظر الى ذلك) التفصيل الذي ذكرنا من صدق الاعانة في بيع السلاح- كاعطاء العصى- و عدم الصدق في بيع العنب.

(و كذلك) لعله نظر الى التفصيل الذي ذكرنا (المحقق الثاني، حيث منع من بيع العصير المتنجس على مستحله) كالسنة و الكفار (مستندا الى كونه) اي البيع من المستحل (من الاعانة على الاثم، و منع من كون بيع العنب ممن يعلم انه يجعله خمرا من الاعانة) على الاثم، و انما قلنا: ان

ص: 297

فان تملك المستحل للعصير منحصر فائدته عرفا عنده في الانتفاع به حال النجاسة، بخلاف تملك العنب.

و كيف كان- فلو ثبت تميز موارد الاعانة من العرف فهو، و الا فالظاهر مدخلية قصد المعين. «نعم» يمكن الاستدلال على حرمة بيع الشي ء ممن يعلم انه يصرف المبيع في الحرام، بان دفع المنكر كرفعه واجب، و لا يتم الا بترك البيع

______________________________

نظر المحقق الى الوجه الذي ذكرناه في التفصيل بين الضارب و الشارب (فان تملك المستحل للعصير منحصر فائدته عرفا عنده) اي عند المستحل (في الانتفاع به حال النجاسة بخلاف تملك العنب) فلا تنحصر فائدته في التخمير حتى عند الخمار.

(و كيف كان فلو ثبت تميز موارد الاعانة) و ان ايها من الاعانة على الاثم و ايها ليس من الاعانة على الاثم (من العرف) الذي هو المخاطب بقوله «لا تعاونوا على الاثم» و فهمه حجة في المصاديق (فهو) المطلوب المتبع و الميزان في الحرمة و عدمها (و الا فالظاهر) من العرف (مدخلية قصد المعين) في كون فعله اعانة و مقدمة للحرام، فان باعه العنب ليخمره صدق عرفا انه اعانه على الاثم، و ان باعه العنب و لم يقصد ذلك- و ان علم بانه سيخمره- لم يصدق انه اعانه على الاثم ( «نعم» يمكن الاستدلال على حرمة بيع الشي ء ممن يعلم) اي البائع (انه يصرف المبيع في الحرام، بان دفع المنكر) بالصد عن وقوعه (كرفعه) اذا كان موجودا (واجب و لا يتم) دفع المنكر (الا بترك البيع) فان البائع من ناحيته صد المنكر

ص: 298

فيجب. و إليه اشار المحقق الاردبيلي رحمه اللّه- حيث استدل على حرمة بيع العنب في المسألة بعد عموم النهي عن الاعانة- بادلة النهي عن المنكر.

و يشهد بهذا ما ورد من «انه لو لا ان بني امية وجدوا من يكتب و يجبي لهم الفي ء، و يقاتل عنهم، و يشهد جماعتهم، لما سلبوا حقنا» دل على مذمة الناس في فعل ما لو تركوه لم تتحقق المعصية من بني امية، فدل على ثبوت الذم لكل ما لو ترك لم تتحقق المعصية من الغير.

______________________________

و ان امكن ان يوجد من ناحية شخص آخر (فيجب) عدم البيع، و عليه فيحرم البيع، لان ترك كل واجب حرام.

(و إليه) أي الى هذا الاستدلال (اشار المحقق الاردبيلي رحمه اللّه- حيث استدل على حرمة بيع العنب في المسألة) التي نحن فيها (بعد) الاستدلال ب (عموم النهي عن الاعانة) على الاثم و العدوان (- بادلة النهي عن المنكر) فان قوله سبحانه «كٰانُوا لٰا يَتَنٰاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ» يشمل مثل المقام.

(و يشهد بهذا) الاستدلال (ما ورد) عن ابي حمزة عن الصادق عليه السلام (من «أنه لو لا ان بني امية وجدوا من يكتب و يجبي لهم الفي ء، و يقاتل عنهم، و يشهد جماعتهم، لما سلبوا حقنا) نص الرواية ما ذكرنا و لعل المصنف وجد كما نقل في مكان آخر، او اراد النقل بالمعنى، لا بالالفاظ (دل) هذا الحديث (على مذمة الناس في فعل ما لو تركوه لم تتحقق المعصية من بني امية، فدل على ثبوت الذم لكل ما لو ترك لم تتحقق المعصية من الغير) فان تحقق المعصية من بني امية كان متوقفا على فعل الناس، فذم الامام- عليه السلام- الناس، و كذا تحقق المعصية من مشتري العنب

ص: 299

و هذا و ان دل بظاهره على حرمة بيع العنب و لو ممن يعلم انه سيجعله خمرا مع عدم قصد ذلك حين الشراء، الا انه لم يقم دليل على وجوب تعجيز من يعلم انه سيهم بالمعصية، و انما الثابت من النقل و العقل القاضي بوجوب اللطف وجوب ردع من هم بها و اشرف عليها بحيث لو لا الردع لفعلها او استمر عليها.

______________________________

يتوقف على بيع العنب منه، فالبيع المذكور مذموم.

(و هذا) الحديث (و ان دل بظاهره على حرمة بيع العنب و لو ممن يعلم انه سيجعله خمرا مع عدم قصد ذلك) التخمير منه (حين الشراء) لان الحديث يدل على لزوم ترك كل فعل يؤدي الى عصيان الغير (الا انه) ظهور بدوي لا يمكن الالتزام به، لانه (لم يقم دليل على وجوب تعجيز من يعلم) من حاله (انه سيهم بالمعصية) «يعلم» بالبناء للمجهول. و اما ان الحديث لا يدل على ذلك، فلان بني امية كانوا يهتمون بسلب الخلافة الذي هو من اعظم المعاصي و كانوا مشتغلين به، فغاية ما يدل هو ان اعانتهم حرام، و اين هذا من تعجيز من يتأتى منه المعصية بعدا، حتى في صورة عدم قصده الآن للعصيان. (و انما الثابت من النقل): ادلة النهي عن المنكر. (و العقل): الدال على الحيلولة دون وقوع القبيح (القاضي بوجوب اللطف) هذا بيان لدليل العقل و لعل المراد به ان كونه سبحانه «لطيفا» بمعنى تقريبه الناس الى الطاعة و تبعيدهم عن المعصية يقتضي ان يأمر بدفع المنكر، كما امر برفع المنكر (وجوب ردع من هم بها) اي بالمعصية (و اشرف عليها بحيث لو لا الردع لفعلها او استمر عليها) بعد الفعل،

ص: 300

«ثم» ان الاستدلال المذكور انما يحسن مع علم البائع بانه لو لم يبعه لم تحصل المعصية، لانه حينئذ قادر على الردع، اما لو لم يعلم ذلك او علم بانه تحصل منه المعصية بفعل الغير فلا يتحقق الارتداع بترك البيع، كمن يعلم عدم الانتهاء بنهيه عن المنكر.

______________________________

و لذا لم يحبس الامام امير المؤمنين عليه السلام ابن ملجم قبل قيامه بالجريمة فدليل النهي عن المنكر و دليل اللطف انما يدلان على الرفع للمنكر لا الدفع له.

( «ثم» ان الاستدلال المذكور) لحرمة بيع العنب ممن يعمله خمرا، بادلة دفع المنكر (انما يحسن) الاستدلال به للمقام (مع علم البائع بانه لو لم يبعه لم يحصل المعصية) في الخارج (لانه) اي البائع (حينئذ) اي حين علمه بانه لو لم يبع لم تحصل المعصية (قادر على الردع) بعدم البيع فيتحقق مفهوم الردع حينئذ بتركه البيع (اما لو لم يعلم ذلك) اي بأنه لو لم يبعه لم تحصل المعصية (او علم بانه تحصل منه المعصية بفعل الغير) اي ان سائر البائعين يبيعونه العنب فيصنع خمرا (فلا يتحقق الارتداع) من المشتري (بترك) البائع (البيع) له، فهو (كمن يعلم عدم الانتهاء) لفاعل المنكر (بنهيه عن المنكر) و الحاصل ان عدم البيع لو كان من جهة الارتداع- خارجا- فانه انما يتحقق اذا حصل الارتداع، اما اذا علم البائع بانه لا يحصل الارتداع، او لم يعلم هل يحصل الارتداع أم لا، فلا دليل على حرمة البيع.

(و) ان قلت: سواء علم البائع حصول الارتداع أم علم عدم حصول الارتداع أم شك في ذلك، فان تكليفه ان لا يبيع العنب لهذا المشتري.

ص: 301

و توهم ان البيع حرام على كل احد فلا يسوغ لهذا الشخص فعله معتذرا بانه لو تركه لفعله غيره- مدفوع بان ذلك فيما كان محرما على كل واحد على سبيل الاستقلال، فلا يجوز لواحد منهم الاعتذار بان هذا الفعل واقع لا محالة و لو من غيري، فلا ينفع تركي له، اما اذا وجب على جماعة شي ء واحد كحمل ثقيل مثلا بحيث يراد منهم الاجتماع عليه، فاذا علم واحد من حال الباقي عدم القيام به و الاتفاق معه في ايجاد الفعل

______________________________

قلت: (توهم ان البيع حرام على كل احد فلا يسوغ لهذا الشخص) البائع (فعله) اي البيع للمشتري (- معتذرا) في بيعه (بانه لو تركه) اي البيع (لفعله غيره-) فما الفائدة في ترك هذا البائع للبيع؟ (مدفوع بان ذلك) التحريم على هذا البائع، سواء حصل الارتداع أم لا (فيما كان) البيع (محرما على كل واحد على سبيل الاستقلال ف) حينئذ (لا يجوز لواحد منهم الاعتذار بان هذا الفعل) المحرم، كالتخمير في المثال (واقع لا محالة، و لو من غيري فلا ينفع تركي له) لان الحرمة على كل احد لا تلائم هذا الاعتذار، فهو حينئذ من قبيل ان يسرق زيد مال عمرو معتذرا بانه لو لم يسرقه لسرقه غيره، فان هذا العذر غير صحيح، لحرمة السرقة على كل احد، سواء سرق غيره أم لا. (اما اذا وجب على جماعة شي ء واحد كحمل) شي ء (ثقيل مثلا) مما لا يحمل الا بالاجتماع (بحيث يراد منهم الاجتماع عليه فاذا علم واحد) منهم (من حال الباقي عدم القيام به) اي بحمل هذا الثقيل (و) عدم (الاتفاق معه في ايجاد الفعل) في الخارج

ص: 302

كان قيامه بنفسه بذلك الفعل لغوا فلا يجب.

و ما نحن فيه من هذا القبيل، فان عدم تحقق المعصية من مشتري العنب موقوف على تحقق ترك البيع من كل بائع، فترك المجموع للبيع سبب واحد لترك المعصية، كما ان بيع واحد منهم على البدل شرط لتحققها، فاذا علم واحد منهم عدم اجتماع الباقي معه في تحصيل السبب- و المفروض ان قيامه منفردا لغو- سقط وجوبه.

______________________________

(كان قيامه بنفسه بذلك الفعل) بان يأخذ طرفا من الثقيل اعتباطا (لغوا) لا فائدة فيه لانه لا يحمل بهذا الواحد (فلا يجب) عليه القيام وحده.

(و ما نحن فيه) من عدم بيع العنب من هذا البائع الخاص، مع علمه بان غيره يبيعه للمشتري المخمر (من هذا القبيل)، اي قبيل حمل الثقيل، لا قبيل «السرقة» المحرمة على كل احد (فان) الواجب (عدم تحقق المعصية من مشتري العنب) و هذا الواجب (موقوف على تحقق ترك البيع من كل بائع) بان لا يبيعه احد (فترك المجموع للبيع سبب واحد لترك المعصية) في الخارج (كما ان بيع واحد منهم على البدل شرط لتحققها) فان ايا منهم باعه قام المشتري بالتخمير المحرم (فاذا علم واحد منهم عدم اجتماع الباقي معه في تحصيل السبب) لترك المعصية، اي انهم لا يساعدونه في ايجاد سبب ترك التخمير (- و المفروض ان قيامه) اي هذا البائع (منفردا) بترك البيع (لغو-) لانه يحصل السبب من شخص آخر (سقط وجوبه) هذا جواب «اذا».

ص: 303

و اما ما تقدم من الخبر في أتباع بني امية، فالذم فيه انما هو على اعانتهم بالامور المذكورة في الرواية.

و سيأتي تحريم كون الرجل من اعوان الظلمة، حتى في المباحات التي لا دخل لها برياستهم، فضلا عن مثل جباية الصدقات و حضور الجماعات و شبههما مما هو من اعظم المحرمات.

و قد تلخص مما ذكرنا: ان فعل ما هو من قبيل الشرط لتحقق المعصية من الغير من دون قصد توصل الغير به

______________________________

(و اما ما تقدم من الخبر في أتباع بني امية، فالذم فيه) ليس لاجل انه لو لم يعنهم هؤلاء لم يتحقق الظلم، حتى يدل على وجوب دفع المنكر بل الذم (انما هو على اعانتهم بالامور المذكورة في الرواية) من جباية الصدقة و حضور الجماعة و ما اشبه.

(و سيأتي تحريم كون الرجل من اعوان الظلمة حتى في المباحات التي لا دخل لها برياستهم فضلا عن) اعانتهم في (مثل جباية الصدقات و حضور الجماعات و شبههما مما هو من اعظم المحرمات) اذن فالقول بحرمة بيع العنب ممن يعمله خمرا، لقاعدة النهي عن المنكر، او قاعدة اللطف، او خصوص الرواية في اعوان بني امية، غير تام.

(و قد تلخص مما ذكرنا) من اوّل المبحث الى هنا: (ان فعل ما هو من قبيل الشرط لتحقق المعصية من الغير) «الفعل» كالبيع» و «الشرط» الشراء، و «المعصية من الغير» التخمير للعنب من المشتري (من دون قصد) البائع- في المثال- (توصل الغير) اي المشتري (به)

ص: 304

الى المعصية غير محرم، لعدم كونها- في العرف- اعانة مطلقا، او على التفصيل الذي احتملناه اخيرا.

و اما ترك هذا الفعل، فان كان سببا- يعني علة تامة- لعدم المعصية من الغير، كما اذا انحصر العنب عنده، وجب، لوجوب الردع عن المعصية عقلا و نقلا.

و اما لو لم يكن سببا بل كان السبب تركه منضما الى ترك غيره

______________________________

اي بهذا البيع (الى المعصية) كالتخمير (غير محرم لعدم كونها) اي الفعل، و تأنيث الضمير باعتبار «الاعانة» (- في العرف-) الذي هو المحكم في تشخيص موضوع «الاعانة» (اعانة) على الاثم (مطلقا) مقابل التفصيل الذي نذكره (او على التفصيل الذي احتملناه اخيرا) بقولنا «ثم انه يمكن التفصيل في شروط الحرام المعان عليها بين ما تنحصر الخ».

(و اما) الاستدلال لحرمة البيع من جهة «دفع المنكر» الذي تقدم الكلام فيه فحاصل ما اخترناه: ان (ترك هذا الفعل، فان كان سببا يعني علة تامة- لعدم المعصية من الغير) كالمشتري- في مثال العنب- (كما اذا انحصر العنب عنده وجب) ترك الفعل (لوجوب الردع عن المعصية عقلا) لقبح الاتيان بشي ء يوجب وقوع الغير في العصيان، كقبح الاتيان بشي ء يوجب مرض الغير او فقره او ما اشبه (و نقلا) لشمول ادلة النهي عن المنكر له بالمناط.

(و اما لو لم يكن سببا بل كان السبب) لترك الغير للعصيان (تركه) اي ترك هذا البائع لبيع العنب- مثلا- (منضما الى ترك غيره) بان كان

ص: 305

فان علم او ظن او احتمل قيام الغير بالترك وجب قيامه به أيضا.

و ان علم او ظن عدم قيام الغير سقط عنه وجوب الترك، لان تركه بنفسه ليس برادع حتى يجب.

«نعم» هو جزء للرادع المركب من مجموع تروك ارباب العنب، لكن يسقط وجوب الجزء اذا علم بعدم تحقق الكل في الخارج.

______________________________

السبب عدم بيع احد العنب لهذا المشتري (فان علم او ظن او احتمل قيام الغير بالترك) لبيع العنب له (وجب قيامه به) اي بالترك (أيضا).

(و ان علم او ظن عدم قيام الغير) بالترك، فان المشتري يشتري من غيره العنب (سقط عنه) اي عن هذا البائع (وجوب الترك) فلم يجب عدم البيع بل جاز له ان يبيع منه (لان تركه) اي هذا البائع (بنفسه) اي فقط (ليس برادع) للمنكر في الخارج (حتى يجب) هذا الترك.

(نعم هو) اي ترك هذا البائع لبيع العنب (جزء للرادع المركب) ذلك الرادع (من مجموع تروك) فانه انما يرتدع اذا لم يبعه احد من (ارباب العنب، لكن يسقط وجوب الجزء)- اي ترك هذا البائع الخاص لبيع الخمار العنب- (اذا علم بعدم تحقق الكل في الخارج) بان يقوم فرد آخر ببيعه للعنب لهذا الخمار.

و لا يخفى انه ربما يرد على المصنف أنه ذكر تارة عدم وجوب الترك اذا احتمل قيام الغير به. و تارة وجوبه و ان احتمل قيام الغير به. و مقتضى القاعدة: انه مع احتمال ترك الغير يحرم البيع لمناط وجوب النهي عن المنكر

ص: 306

فعلم مما ذكرناه في هذا المقام: ان فعل ما هو شرط للحرام الصادر من الغير يقع على وجوه:-

«احدها» ان يقع من الفاعل قصدا منه لتوصل الغير به الى الحرام.

و هذا لا اشكال في حرمته، لكونه اعانة.

«الثاني» ان يقع منه من دون قصد لحصول الحرام،

______________________________

مع احتمال التأثير. و معه لا مجال للبراءة، كما لا مجال للبراءة من النهي عن المنكر مع احتمال التأثير.

اقول: و ربما يصحح كلام الشيخ بتقييد بعضه ببعض، فيتحصل من مجموع كلامه، انه مع العلم بترك الغير او الظن بتركه، او الشك فيه يحرم البيع، و مع العلم ببيع الغير او الظن ببيعه، لا يحرم البيع له، و قد اطال المعلقون الكلام في المسألة اضربنا عنها مشيا مع ما بنيناه من توضيح المتن.

(فعلم مما ذكرناه في هذا المقام: ان فعل ما هو شرط للحرام) كالشراء الذي هو شرط التخمير (الصادر) ذلك الفعل كالبيع (من الغير يقع على وجوه:-).

( «احدها» ان يقع) الفعل كالبيع (من الفاعل قصدا منه لتوصل الغير) اي المشتري (به) اي بهذا الفعل (الى الحرام) كأن يبيعه بقصد ان يخمره.

(و هذا) القسم (لا اشكال في حرمته، لكونه اعانة) على الاثم.

( «الثاني» ان يقع منه) الفعل (من دون قصد لحصول الحرام،

ص: 307

و لا لحصول ما هو مقدمة له، مثل تجارة التاجر بالنسبة الى معصية العاشر فانه لم يقصد بها تسلط العاشر عليه الذي هو شرط لأخذ العشر. و هذا لا اشكال في عدم حرمته.

«الثالث» ان يقع منه بقصد حصول ما هو من مقدمات حصول الحرام عن الغير، لا لحصول نفس الحرام منه.

و هذا قد يكون من دون قصد الغير

______________________________

و لا لحصول ما هو مقدمة له) بان لا يقصد بالبيع الوصول الى التخمير و لا الوصول الى التملك الذي هو مقدمة للتخمير (مثل تجارة التاجر بالنسبة الى معصية العاشر) الآخذ للعشور. فان التاجر لا يقصد وصول العاشر الى العشور، و لا الى مقدمة اخذه للعشور.

و قد مثل المصنف لمقدمة اخذ العشور بقوله (فانه) اي التاجر (لم يقصد بها تسلط العاشر عليه) اي على نفسه (الذي) صفة التسلط (هو شرط لاخذ العشر) و انما اراد التاجر التجارة فقط.

(و هذا) القسم (لا اشكال في عدم حرمته) لعدم صدق «الاعانة على الاثم» عليه.

( «الثالث» ان يقع منه) الفعل (بقصد حصول ما هو من مقدمات حصول الحرام عن الغير) الذي هو المشتري- مثلا- (لا لحصول نفس الحرام منه) كما لو قصد البائع تملك الخمار- و التملك شرط الحرام- اذ لو لا التملك لم يتمكن الخمار من التخمير.

(و هذا) القسم (قد يكون من دون قصد الغير) الذي هو المشتري

ص: 308

التوصل بذلك الشرط الى الحرام، كبيع العنب من الخمار المقصود منه تملكه للعنب الذي هو شرط لتخميره، لا نفس التخمير، مع عدم قصد الغير أيضا التخمير حال الشراء. و هذا أيضا لا اشكال في عدم حرمته.

و قد يكون مع قصد الغير التوصل به الى الحرام- اعني التخمير- حال شراء العنب. و هذا أيضا على وجهين:

احدهما: ان يكون ترك هذا الفعل من الفاعل علة تامة لعدم تحقق الحرام من الغير

______________________________

(التوصل بذلك الشرط) اي الاشتراء (الى الحرام) و ذلك (كبيع العنب من الخمار المقصود منه) اي من البيع (تملكه للعنب) التملك (الذي هو شرط لتخميره، لا) المقصود منه- اي من البائع- (نفس التخمير مع عدم قصد الغير) الذي هو المشتري (أيضا) كعدم قصد البائع (التخمير حال الشراء. و هذا) القسم (أيضا) كالقسم الثاني (لا اشكال في عدم حرمته) لانه ليس اعانة على الاثم.

(و قد يكون) القسم الثالث (مع قصد الغير) اي المشتري (التوصل به الى الحرام اعني التخمير حال شراء العنب. و هذا) النوع الثاني من القسم الثالث (أيضا) كنفس القسم الثالث (على وجهين):

(احدهما: ان يكون ترك هذا الفعل من الفاعل علة تامة لعدم تحقق الحرام من الغير) لانحصار العنب مثلا عند هذا البائع، فاذا لم يبعه العنب لم يتمكن من التخمير- اصلا- لا ما اذا كان تمكن من التخمير باشتراء الحنطة او التمر او ما اشبه من غيره، او كان عنده مقدار من

ص: 309

و الأقوى- هنا- وجوب الترك و حرمة الفعل.

و الثاني: ان لا يكون كذلك، بل يعلم عادة او يظن بحصول الحرام من الغير. من غير تأثير لترك ذلك الفعل: و الظاهر عدم وجوب الترك حينئذ بناء على ما ذكرنا من اعتبار قصد الحرام في صدق الاعانة عليه مطلقا

______________________________

العنب اذا بعته له خمر عنب البائع، و اذا لم تبعه خمر عنب نفسه.

(و الاقوى هنا وجوب الترك) اي ترك بيع العنب له (و حرمة الفعل) و اطلاق قوله عليه السلام: «هو ذا نبيع تمرنا ممن يصنعه خمرا» منصرف الى المتعارف الذي هو وجود من يبيعه التمر، لو لم يبعه الامام عليه السلام.

(و الثاني ان لا يكون كذلك) اي لا يكون ترك الفعل من الفاعل علة تامة (بل يعلم) البائع (عادة) اي علما عاديا (او يظن بحصول الحرام من الغير) اي المشتري لانه يشتري العنب من بائع آخر (من غير تأثير) في عدم الحرام (لترك) البائع (ذلك الفعل) اي تركه للبيع لا يؤثر في عدم تخمير المشتري. (و الظاهر عدم وجوب الترك حينئذ) اي حين علم او ظن ان المشتري سيفعل الحرام سواء بائعه أم لم يبعه.

و انما قلنا بالحرمة في الصور المذكورة (بناء) على ان الحرمة تتوقف على احد شيئين: إما قصد الحرام، او صدق الاعانة، و ان لم يقصد الحرام. فكلما تحقق احد الامرين كان البيع حراما و الا كان حلالا و الى هذا اشار بقوله: بناء (على ما ذكرنا من اعتبار قصد الحرام في صدق الاعانة عليه) اي على الحرام (مطلقا) مقابل التفصيل

ص: 310

او على ما احتملنا من التفصيل.

«ثم» كل مورد حكم فيه بحرمة البيع من هذه الموارد الخمسة فالظاهر عدم فساد البيع، لتعلق النهي بما هو خارج عن المعاملة- اعني الإعانة على الاثم، او المسامحة في الردع عنه.

و يحتمل الفساد، لاشعار قوله

______________________________

(او) بناء (على ما احتملنا من التفصيل) عند قولنا «ثم انه يمكن التفصيل في شروط الحرام».

(ثم) اذا عرفت الكلام في الحكم التكليفي في البيع، ننقل الكلام الى الحكم الوضعي و انه اذا حرم البيع فهل يفسد أم لا؟ فنقول: (كل مورد حكم فيه بحرمة البيع من هذه الموارد الخمسة فالظاهر عدم فساد البيع) بل يصح البيع و إن كان البائع فعل حراما (لتعلق النهي بما هو خارج عن المعاملة) و الامر الخارج (- اعني الاعانة على الاثم-) في بعض الصور (او المسامحة) من البائع (في الردع عنه) اي عن الاثم، في صورة اخرى.

توضيحه: ان النهي قد يتعلق بنفس المعاملة، كأن يقول الشارع «لا تبع بيعا ربويا» و مثل هذا النهي موجب للفساد، لظهوره في كونه ارشادا الى الفساد. و قد يتعلق النهي بكلي خارجي عن المعاملة، لكنه انطبق على المعاملة كالنهي عن الاعانة او النهي عن المنكر، مما انطبق هذا الكلي في المقام على المعاملة، و حيث ان الحرمة لا تلازم الفساد، فلا يدل مثل هذا النهي على الفساد، فتكون المعاملة صحيحة و لكنها موجبة للعقاب (و يحتمل الفساد لاشعار قوله

ص: 311

عليه السلام- في رواية تحف العقول المتقدمة، بعد قوله: و كل مبيع ملهو به-: و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير اللّه او يقوى به الكفر و الشرك في جميع وجوه المعاصي او باب يوهن به الحق فهو حرام محرم بيعه و شراؤه و امساكه» بناء على ان التحريم مسوق لبيان الفساد في تلك الرواية، كما لا يخفى.

لكن في الدلالة تأمل،

______________________________

عليه السلام- في رواية تحف العقول المتقدمة، بعد قوله: و كل مبيع ملهو به-: و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير اللّه) فان الاعانة على الاثم مما يتقرب به الى الشيطان (او يقوى به الكفر و الشرك في جميع وجوه المعاصي) لان كل معصية يقوى بها الشرك و الكفر لمسانختها لهما (او باب يوهن به الحق) فان كل معصية باب يوهن به الحق (فهو حرام محرم بيعه و شراؤه و امساكه) فان هذه الفقرات الثلاث في الرواية دالة على فساد مثل بيع العنب لمن يعمله خمرا (بناء على ان التحريم) في الرواية (مسوق لبيان الفساد في تلك الرواية) اذ الظاهر هو سوق الرواية لبيان البيوع الصحيحة و الفاسدة فليس المقصود منها مجرد الحكم التكليفي (كما لا يخفى).

(لكن) مع ذلك (في الدلالة) للرواية على ما نحن فيه (تأمل) بمعنى ان الرواية لا تشمل بيع العنب لمن يعمله خمرا- و ان سلمنا انها على تقدير الشمول دالة على الفساد-.

و وجه التأمل: ان الظاهر من قوله عليه السلام «ما يتقرب به لغير

ص: 312

و لو تمت لثبت الفساد مع قصد المشتري خاصة للحرام، لان الفساد لا يتبعض.

______________________________

اللّه» ما يعبد به غير اللّه كالصنم، و الظاهر من قوله عليه السلام «او يقوى به الكفر و الشرك» قوة من جنس دين الامرين لا من جنس العصيان المناسب لهما، و الظاهر من قوله عليه السلام «باب يوهن به الحق»: وهن الدين و المذهب لا كل معصية.

هذا و لكن الانصاف الصدق في الجملة، و ان لم يسلم الصدق في كل مكان (و لو تمت) الدلالة (لثبت الفساد مع قصد المشتري خاصة للحرام) لا مطلقا سواء قصد المشتري أم لا، بان لم يكن وقت الاشتراء قصده التخمير ثم قصد ذلك، و انما نقول بان البيع في هذه الصورة فاسدة (لان الفساد لا يتبعض) فان قصد المشتري للحرام يوجب فساد اشتراءه و اذا فسد الشراء فسد البيع، اذ لا يمكن ان تكون معاملة نصفها فاسد و نصفها صحيح، حتى يقال: ان الفساد من ناحية المشتري فقط- لقصده الحرام- دون ناحية البائع، لانه لم يقصد الحرام.

فتحصل انه- أولا- لا نقول بشمول فقرات الرواية، لمثل بيع العنب، و هذا ما اشار إليه بقوله «لكن في الدلالة تأمل». و ثانيا- لو قلنا بشمول الرواية لما نحن فيه لا نقول بالفساد مطلقا، و انما نقول بالفساد في صورة قصد المشتري حين الاشتراء التخمير.

و ربما قيل في معنى قوله «و لو تمت الخ» معنى آخر، و لكن ما ذكرناه اقرب الى ظاهر العبارة.

ص: 313

القسم الثالث ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا»

بمعنى ان من شأنه ان يقصد منه الحرام.

و تحريم هذا مقصور على النص، اذ لا يدخل ذلك تحت الإعانة خصوصا مع عدم العلم بصرف الغير له في الحرام، كبيع السلاح من اعداء الدين مع عدم قصد تقويتهم، بل و عدم العلم

______________________________

(القسم الثالث) مما يحرم التكسب به لتحريم ما يقصد به- الذي ذكرنا في اوّل النوع الثاني- انه على اقسام-.

(ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا، بمعنى ان من شأنه ان يقصد منه الحرام) كبيع السلاح من اعداء الدين، فانه حرام لتحريم ما يقصد الاعداء من السلاح شأنا، فان السلاح له شأن قتل المسلمين.

(و تحريم هذا) القسم (مقصور على النص، اذ لا يدخل ذلك تحت) عنوان (الاعانة) على الاثم (خصوصا مع عدم العلم بصرف الغير) اي اعداء الدين (له) اي للسلاح (في الحرام) و ذلك (كبيع السلاح من اعداء الدين مع عدم قصد تقويتهم) بهذا السلاح (بل و عدم العلم

ص: 314

باستعمالهم لهذا المبيع الخاص في حرب المسلمين، الا ان المعروف بين الاصحاب حرمته، بل لا خلاف فيها

و الاخبار بها مستفيضة:

«منها»- رواية الحضرمي «قال: دخلنا على ابي عبد اللّه عليه السلام، فقال له حكم السراج: ما تقول فيمن يحمل الى الشام من السروج و اداتها؟

قال عليه السلام: لا بأس، انتم اليوم بمنزلة اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم، انتم في هدنة فاذا كانت المباينة

______________________________

باستعمالهم لهذا المبيع الخاص في حرب المسلمين) فانه- و ان لم يصدق عليه الاعانة على الاثم- حرام للادلة الخاصة، (الا ان المعروف بين الاصحاب حرمته بل لا خلاف فيها) لدى الفقهاء و ان اختلفوا في انه حرام مطلقا، او في حال الحرب، او في حال المباينة، او غير ذلك من الاقوال المتعددة في المسألة.

(و الاخبار بها) اي بالحرمة (مستفيضة):

( «منها»- رواية الحضرمي «قال: دخلنا على ابي عبد اللّه (ع) فقال له حكم السراج: ما تقول فيمن يحمل الى الشام من السروج و اداتها) و المراد بيعه الى أهل السنة النواصب لان الشام كان في ذلك الوقت مركز الخلافة المنحرفة (قال عليه السلام: لا بأس) اي ببيع السلاح لهم (انتم اليوم بمنزلة اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم) اي الذين كانوا في هدنة حال عدم تشريع الحرب عليهم (انتم في هدنة) حيث لم يؤمروا في ذلك الوقت بمحاربة الخلفاء الجائرين (فاذا كانت المباينة) اي المحاربة

ص: 315

حرم عليكم ان تحملوا إليهم السلاح و السروج».

«و منها»- رواية هند السراج «قال: قلت لابي جعفر عليه السلام اصلحك اللّه اني كنت احمل السلاح الى اهل الشام فابيعه منهم، فلما عرفني اللّه هذا الامر ضقت بذلك، فقلت: لا احمل الى اعداء اللّه؟ فقال عليه السلام احمل إليهم و بعهم، فان اللّه يدفع بهم عدونا و عدوكم، يعني الروم، فاذا كان الحرب بيننا فلا تحملوا إليهم، فمن حمل الى عدونا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشرك»

______________________________

الموجبة للبينونة و الانفصال بين الجانبين (حرم عليكم ان تحملوا إليهم السلاح و السروج») و المراد بذلك المثال و الا فكل ادوات الحرب حرام، كما سيأتي تفصيله إن شاء اللّه.

( «و منها»- رواية هند السراج «قال: قلت لابي جعفر عليه السلام اصلحك اللّه اني كنت احمل السلاح الى اهل الشام فابيعه منهم فلما عرفني اللّه هذا الامر) اي ولايتكم اهل البيت و صرت من الشيعة (ضقت بذلك) الحمل للسلاح إليهم، كانه كان في توسعة ثم ضاق عليه الامر (فقلت لا احمل) اي السلاح (الى اعداء اللّه؟ فقال عليه السلام: احمل إليهم و بعهم فان اللّه يدفع بهم) اي باهل الشام (عدونا و عدوكم، يعني الروم) المسيحيين (فاذا كان الحرب بيننا) و بين اهل الشام (فلا تحملوا إليهم) السلاح (فمن حمل الى عدونا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشرك») و المراد بالشرك في هذا الخبر، و بالكافر في الخبر الآتي، الكفر و الشرك في العمل، لا في الاعتقاد، فان العمل بالحرام عمل الكافر و المشرك، و لذا

ص: 316

و صريح الروايتين: اختصاص الحكم بصورة قيام الحرب بينهم و بين المسلمين، بمعنى وجود المباينة، في مقابل الهدنة، و بهما تقيد المطلقات جوازا و منعا، مع امكان دعوى ظهور بعضها في ذلك.

مثل مكاتبة الصيقل «اشتري السيوف و ابيعها من السلطان، أ جائز لي بيعها؟ فكتب: لا بأس به».

و رواية علي بن جعفر عليه السلام عن اخيه

______________________________

يصح اطلاق الكفر و الشرك عليه، و ان كان صحيح الاعتقاد، و على هذا يحمل كلما ورد من اطلاق الكفر و الشرك على اتيان المحرمات.

(و صريح الروايتين اختصاص الحكم) بتحريم بيع السلاح (بصورة قيام الحرب بينهم و بين المسلمين) المراد ب «بينهم» بين الكفار و اهل الخلاف (بمعنى وجود المباينة في مقابل الهدنة) فان الروايتين تدلان على جواز البيع لهم في صورة الهدنة (و بهما) اي بهاتين الروايتين (تقيد المطلقات جوازا و منعا) اي ما دل على منع بيع السلاح لهم مطلقا، و ما دل على جواز بيع السلاح لهم مطلقا (مع امكان دعوى ظهور بعضها) اي بعض الاخبار المطلقة (في ذلك) التقييد.

(مثل مكاتبة الصيقل «اشتري السيوف و ابيعها من السلطان أ جائز لي بيعها؟ فكتب: لا بأس به») فانها من مطلقات الجواز، بالإضافة الى امكان تنزيلها بصورة السؤال، التي هي في حال الهدنة.

(و رواية علي بن جعفر عليه السلام عن اخيه) موسى عليه السلام

ص: 317

قال «سألته عن حمل المسلمين الى المشركين التجارة؟ قال: اذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس».

و مثله ما في وصية النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام «يا علي كفر باللّه العظيم من هذه الامة عشرة أصناف، و عد- صلى اللّه عليه و آله و سلم- منها: بائع السلاح من اهل الحرب.

فما عن حواشي الشهيد- من «ان المنقول ان بيع السلاح حرام مطلقا في حال الحرب

______________________________

(قال: «سألته عن حمل المسلمين الى المشركين التجارة؟ قال: اذا لم يحملوا) اي المشركون (سلاحا فلا بأس به») و هذا الخبر هو بنفسه مقيد، و عدم حملهم السلاح كناية عن حال الهدنة.

(و مثله ما في وصية النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام «يا علي كفر باللّه العظيم من هذه الامة عشرة اصناف) اي أقسام (و عد صلى اللّه عليه و آله و سلم منها) اي من اولئك العشرة: (بائع السلاح من اهل الحرب) فانها من مطلقات المنع، لكن لا يبعد ظهورها في حال قيام الحرب.

و قد تقدم ان المراد بالكفر في مثل هذه الاحاديث الكفر في العمل لا الكفر في العقيدة.

و اذ قد عرفت جواز البيع حال الهدنة بتلك الاخبار المتقدمة.

(فما عن حواشي الشهيد-) الاول (من) «ان المنقول في الروايات عن اهل البيت عليهم السلام (ان بيع السلاح حرام مطلقا في حال الحرب

ص: 318

و الصلح و الهدنة، لان فيه تقوية الكافر على المسلم، فلا يجوز على كل حال» شبه الاجتهاد في مقابل النص، مع ضعف دليله، كما لا يخفى.

«ثم» ان ظاهر الروايات شمول الحكم لما اذا لم يقصد البائع المعونة و المساعدة اصلا، بل صريح مورد السؤال في روايتي الحكم و الهند: هو صورة عدم قصد ذلك.

______________________________

و الصلح و الهدنة) الصلح اذا تصالح الطرفان على شي ء، و الهدنة اذا اوقفا الحرب لتعب او ما اشبه بدون التباني على شروط (لان فيه) اي في بيع السلاح لهم (تقوية الكافر على المسلم، فلا يجوز على كل حال») حربا او صلحا او هدنة (- شبه الاجتهاد في مقابل النص) و انما لم يقل «اجتهاد» تأدبا (مع ضعف دليله) الذي ذكره بقوله «لان فيه» اذ لا دليل على ان مطلق تقوية الكافر حرام، بالإضافة الى انه ليس تقوية الكافر على المسلم.

بل ربما كان تقوية الكافر للمسلم، كما اذا اراد الكافر بالسلاح اخماد نائرة كافر آخر عدو للمسلمين و للكفار معا. كما في تقوية اهل الشام في زمان الامام عليه السلام حيث ان بالسلاح كانوا يحاربون الروم الذين هم اعداء للمؤمن و المخالف (كما لا يخفى).

و في المسألة اقوال اخر جميعها مع ما تقدم ثمانية على ما ذكره السيد الطباطبائي.

( «ثم» ان ظاهر الروايات شمول الحكم) بالتحريم (لما اذا لم يقصد البائع المعونة و المساعدة) لهم (اصلا بل صريح مورد السؤال في روايتي الحكم و الهند: هو صورة عدم قصد ذلك) اي اعانه الكفار و مساعدتهم.

ص: 319

فالقول باختصاص حرمة البيع بصورة قصد المساعدة- كما يظهر من بعض العبائر- ضعيف جدا.

و كذلك ظاهرها: الشمول لما اذا لم يعلم باستعمال اهل الحرب للمبيع في الحرب، بل يكفي مظنة ذلك بحسب غلبة ذلك مع قيام الحرب، بحيث يصدق حصول التقوي لهم بالبيع، و حينئذ فالحكم مخالف للاصول صير إليه للاخبار المذكورة و عموم رواية تحف العقول المتقدمة.

______________________________

(فالقول باختصاص حرمة البيع بصورة قصد المساعدة) و الاعانة للكفار (- كما يظهر من بعض العبائر-) نسبه صاحب الجواهر الى بعض، و في حاشية السيد الطباطبائي يمكن استظهاره من عبارة الشرائع (ضعيف جدا).

(و كذلك ظاهرها) اي ظاهر الاخبار (الشمول لما اذا لم يعلم) البائع (باستعمال اهل الحرب للمبيع) من السلاح (في الحرب، بل يكفي مظنة ذلك) الاستعمال (بحسب غلبة ذلك) الظن باستعمالهم في حرب المسلمين (مع قيام الحرب، بحيث يصدق حصول التقوي لهم بالبيع، و حينئذ) اي حين اذ شمل الروايات صورة عدم العلم باستعمال اهل الحرب للسلاح في محاربة المسلمين (فالحكم مخالف للاصول) اذ الاصل و القاعدة جواز كل شي ء الا ما خرج بالدليل (صير إليه) اي الى هذا الحكم المخالف (للاخبار المذكورة) في بيع السلاح بالخصوص (و عموم رواية تحف العقول المتقدمة) فانه داخل في قوله عليه السلام «او يقوى به الكفر» و قوله عليه السلام «او باب يوهن به الحق».

ص: 320

فيقتصر فيه على مورد الدليل، و هو السلاح، دون ما لا يصدق عليه ذلك، كالمجن و الدرع و المغفر و سائر ما يكن. وفاقا للنهاية و ظاهر السرائر و اكثر كتب العلامة و الشهيدين و المحقق الثاني، للاصل.

و ما استدل به في التذكرة- من رواية محمد بن قيس «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفئتين من اهل الباطل تلتقيان ابيعهما السلاح؟

قال عليه السلام: بعهما ما يكنهما الدرع و الخفين و نحوهما»-.

لكن يمكن ان يقال:

______________________________

و حيث ان الحكم مخالف للاصل (فيقتصر فيه على مورد الدليل و هو السلاح دون ما لا يصدق عليه ذلك) اي السلاح (كالمجن و الدرع و المغفر و سائر ما يكن) و يحفظ به (وفاقا) في الجواز (للنهاية و ظاهر السرائر و اكثر كتب العلامة و الشهيدين و المحقق الثاني، للاصل) المستفاد من عمومات حل البيع، و البراءة، و غيرهما.

(و) ل (ما استدل به في التذكرة:- من رواية محمد بن قيس «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفئتين من اهل الباطل تلتقيان ابيعهما السلاح؟ قال عليه السلام: بعهما ما يكنهما) اي يحفظهما (الدرع و الخفين و نحوهما) كالسرج و المجنة و نحوهما بناء على ان بيع السلاح لاهل الباطل حرام مطلقا، سواء كان لمحاربة بعضهم مع بعض او بعضهم مع المسلمين، فتجويز الامام للاشياء الحافظة بالنسبة الى الفئتين من اهل الباطل يدل على تجويزه بالنسبة الى من يحارب المسلمين أيضا.

(لكن يمكن ان يقال) بان المحرم مطلق شامل للسلاح الوقائي

ص: 321

إن ظاهر رواية تحف العقول: اناطة الحكم على تقوي الكفر و وهن الحق و ظاهر قوله عليه السلام في رواية هند «من حمل الى عدونا سلاحا يستعينون به علينا»: ان الحكم منوط بالاستعانة، و الكل موجود فيما يكن أيضا- كما لا يخفى.

مضافا الى فحوى رواية «الحكم» المانعة عن بيع السروج.

و حملها على «السيوف السريجية» لا يناسبه صدر الرواية، مع كون الراوي سراجا.

______________________________

أيضا ف (ان ظاهر رواية تحف العقول اناطة الحكم) بالحرمة (على تقوي الكفر و وهن الحق) و ذلك كما يحصل بالسلاح الجارح كذلك يحصل بآلات الوقاية.

(و ظاهر قوله عليه السلام في رواية هند «من حمل الى عدونا سلاحا يستعينون به علينا»: ان الحكم) بالتحريم (منوط بالاستعانة، و الكل) من تقوي الكفر و وهن الحق و الاستعانة (موجود فيما يكن) و يحفظ (أيضا) كما انه موجود في السلاح الجارح (- كما لا يخفى).

(مضافا الى فحوى رواية الحكم المانعة عن بيع السروج) مع العلم ان السرج ليس آلة حرب- عرفا- بل هو اخف من آلة الوقاية، فاذا حرم بيعه حرم بيع آلة الوقاية بطريق اولى.

(و حملها) اي السروج المذكورة في رواية الحكم (على السيوف السريجية لا يناسبه صدر الرواية) اي قوله: و اداتها. فان السرج له اداة دون السيف (مع كون الراوي سراجا) فالمناسبة بين عمله و سؤاله تقتضي

ص: 322

و اما رواية محمد بن قيس، فلا دلالة لها على المطلوب، لان مدلولها بمقتضى ان التفصيل قاطع للشركة- الجواز فيما يكن، و التحريم في غيره، مع كون الفئتين من اهل الباطل.

فلا بد من حملها على فريقين محقوني الدماء، اذ لو كان كلاهما، او أحدهما مهدور الدم لم يكن وجه للمنع من بيع السلاح على صاحبه.

______________________________

أن يكون السؤال عن السرج لا السيف، بالإضافة الى ان في ذيل الرواية «السلاح و السروج» فقرينة المقابلة تقتضي ان يراد بالسروج غير السلاح.

(و اما رواية محمد بن قيس، فلا دلالة لها على المطلوب) اعني جواز بيع آلة الوقاية لاهل الحرب (لان مدلولها) اي الرواية (بمقتضى ان التفصيل) بين ما يكون و بين غيره (قاطع للشركة) في الحكم، و ان يكون حكم السلاح و حكم آلة الوقاية واحدا (الجواز) اي جواز البيع (فيما يكن) و يحفظ (و التحريم في غيره) من اقسام السلاح، و قوله «الجواز» خبر «ان» (مع كون الفئتين من اهل الباطل) يعني ان التفصيل إنما هو فيما اذا كان الفئتان من اهل الباطل، فلا ربط بما نحن فيه مما كان احد الفئتين من اهل الحق.

(فلا بد من حملها) اي الرواية (على فريقين محقوني الدماء اذ لو كان كلاهما او احدهما مهدور الدم لم يكن وجه للمنع من بيع السلاح على) كليهما في صورة كون كليهما مهدور الدم، او على (صاحبه) الذي ليس بمهدور الدم، فاطلاق تفصيل الامام بانه يجوز فيما يكن، و لا يجوز في غيره، لا يلائم الا كون كليهما محقوني الدم، فموضوع الرواية غير

ص: 323

فالمقصود من بيع ما يكن منهما: تحفظ كل منهما عن صاحبه و تترسه بما يكن، و هذا غير مقصود فيما نحن فيه، بل تحفظ اعداء الدين من بأس المسلمين خلاف مقصود الشارع، فالتعدي عن مورد الرواية الى ما نحن فيه يشبه القياس مع الفارق.

و لعله لما ذكر قيد الشهيد- فيما حكى عن حواشيه على القواعد- اطلاق العلامة «جواز بيع ما يكن» بصورة الهدنة و عدم قيام الحرب.

«ثم» ان مقتضى الاقتصار على مورد النص عدم التعدي الى غير

______________________________

ما نحن فيه، و لا يمكن الاستدلال بها على ما نحن فيه.

(فالمقصود) في الرواية (من بيع ما يكن منهما) اي من الفئتين (تحفظ كل منهما عن صاحبه و تترسه بما يكن، و هذا) اي حفظ طرف المحاربة ببيعه ما يكن به (غير مقصود فيما نحن فيه) اذ حفظ اهل الباطل الذين حقن دمهم مقصود للشارع، فيجوز بيع الترس لهم بخلاف حفظ اهل الحرب (بل تحفظ اعداء الدين من بأس المسلمين خلاف مقصود الشارع فالتعدي عن مورد الرواية) و هما الفئتان من اهل الباطل المحقون دمائهم (الى ما نحن فيه يشبه القياس مع الفارق).

(و لعله لما ذكر) من الفرق بين ما نحن فيه و بين مورد رواية محمد ابن قيس (قيد الشهيد- فيما حكي عن حواشيه على القواعد- اطلاق العلامة «جواز بيع ما يكن» بصورة الهدنة و عدم قيام الحرب) قوله «بصورة» متعلق ب «قيد».

( «ثم» ان مقتضى الاقتصار على مورد النص) الذي هو «اعداء الدين» اذ حكم النص بحرمة بيع السلاح منهم (عدم التعدي الى غير

ص: 324

اعداء الدين كقطاع الطريق، الا ان المستفاد من رواية تحف العقول: اناطة الحكم بتقوى الباطل و وهن الحق، فلعله يشمل ذلك، و فيه تأمل.

«ثم» ان النهي في هذه الاخبار لا يدل على الفساد، فلا مستند له سوى ظاهر خبر تحف العقول، الوارد في بيان المكاسب الصحيحة و الفاسدة و اللّه العالم.

______________________________

اعداء الدين كقطاع الطريق) فيجوز بيع السلاح لهم لاصالة الجواز (الا ان المستفاد من رواية تحف العقول اناطة الحكم) بحرمة البيع (بتقوى الباطل و وهن الحق) و من الواضح ان بيع السلاح من قاطع الطريق تقو للباطل و وهن للحق (فلعله) اي ما في حديث تحف العقول (يشمل ذلك) اي بيع السلاح من قاطع الطريق.

(و فيه تأمل) لما عرفت سابقا من ان الظاهر من الحديث تقوي الباطل المخالف للمذهب و الدين و وهن الحق الذي هو الدين و المذهب لا تقوية العصيان و العدوان، لكن لا يبعد صدق الاعانة على الاثم و شمول ادلة الفساد، كقوله تعالى «وَ اللّٰهُ لٰا يُحِبُّ الْفَسٰادَ» لمثل هذا البيع.

( «ثم» ان النهي) عن بيع السلاح من اعداء الدين (في هذه الاخبار) المتقدمة (لا يدل على الفساد) للمعاملة اذا خالف و باع (فلا مستند له) اي للفساد (سوى ظاهر خبر تحف العقول الوارد) هذا الخبر (في بيان المكاسب الصحيحة و الفاسدة) فالنهي في الخبر دال على الفساد (و اللّه العالم).

«ثم» ان الظاهر اطلاق التحريم لغير البيع من سائر المعاوضات،

ص: 325

..........

______________________________

كما ان الظاهر: ان مثل الهبة و العارية أيضا كذلك.

و لو باع في وقت الهدنة ثم قامت الحرب، لم يعطهم ما باع، لانهم حينئذ مهدورو الدم و المال، فلا يجب الوفاء بالنسبة إليهم.

و الظاهر: ان بيع غير السلاح لاهل الحرب اذا كان سببا في تقويهم أيضا محظور، فلا يجوز ان يبيعهم الطعام و نحوه.

ثم الظاهر: ان اللازم الحيلولة دون اشترائهم السلاح، و لو ممن كان مثلهم، من باب الردع عن المنكر، و وجوب تضعيف الكفر، المستفاد من قوله سبحانه «وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ».

و هل يجوز بيع السلاح لهم في حال الحرب ليسلم إليهم حال الهدنة؟

فيه احتمالان: من أنه من مصاديق بيع السلاح لاهل الحرب فيحرم. و من العلة المستفادة من النص و الفتوى فلا يحرم. و لعل الثاني هو الاقرب.

و من باعهم السلاح كذلك و هو عالم بالحكم و الموضوع يعزر حسب ما يراه الحاكم الشرعي صلاحا، اما مصادرة ثمنه فلا يبعد جوازه، لانه مال اهل الحرب و لم ينتقل الى احد بوجه صحيح، الا ان نقول بصحة المعاملة و تحريمها تكليفا فقط.

و لو علمنا ان المشتري للسلاح في حال الحرب لا يريد استعماله في الحرب، و انما يريد التجارة به مما لا يقوى به اهل الحرب، او شرطنا عليه عدم استعماله مع المسلمين، و علمنا انه يفي بالشرط، فهل يجوز أم لا؟ احتمالان: من اطلاق النص. و من العلة المنتفية في المقام.

و الظاهر ان اشتراء الطعام و نحوه منهم اذا كان في ذلك تقوية لهم

ص: 326

..........

______________________________

غير جائز أيضا، لا بادلة تحريم بيع السلاح، بل لرواية تحف العقول و غيرها.

و هل بيع السلاح من المسلم الذي يوافقهم في محاربة المسلمين و يقف في صفهم جائز أم لا؟ الظاهر العدم، لإطلاق رواية تحف العقول.

كما ان البيع لمسلم يبيع منهم أيضا محظور، بل لا يبعد شمول ادلة حرمة بيع السلاح لاهل الحرب للمقام بالمناط.

و الظاهر: ان البيع لهم بدون التسليم ليس مشمولا لهذه الروايات، لان المراد منها تقويتهم باعطائهم السلاح.

و في المقام فروع اخر نكتفي منها بهذا القدر، و لو كان ما ذكرناه أيضا خارجا عن الشرح، و اللّه المستعان.

ص: 327

النوع الثالث مما يحرم الاكتساب به: ما لا منفعة فيه محللة معتدا بها عند العقلاء.

و التحريم في هذا القسم ليس الا من حيث فساد المعاملة و عدم تملك الثمن، و ليس كالاكتساب بالخمر و الخنزير.

و الدليل على الفساد في هذا القسم-

______________________________

(النوع الثالث- مما يحرم الاكتساب به: ما لا منفعة فيه محللة معتدا بها عند العقلاء) و ان كان فيه منفعة نادرة جزئية، فان المنفعة النادرة الجزئية لا تكون سببا للمالية العرفية الموجبة للدخول في عموم «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» و «تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» و «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و ما اشبه.

(و التحريم في هذا القسم ليس الا من حيث فساد المعاملة و عدم تملك الثمن) لان الشارع لم يمض هذه المعاملة (و ليس) التحريم (كالاكتساب بالخمر و الخنزير) الذي هو حرام تكليفا بالإضافة الى فساده وضعا.

(و الدليل على الفساد في هذا القسم) امور:

الاول- انه اكل للمال بالباطل.

الثاني- انه ليس بمال، فلا يشمله تعريف المصباح من ان البيع مبادلة مال بمال.

الثالث- انه سفهي، و المعاملات السفهية غير جائزة.

الرابع- خبر تحف العقول «و كل شي ء فيه الصلاح من جهة من

ص: 328

على ما صرح به في الايضاح:- كون اكل المال بإزائه أكلا بالباطل.

و فيه تأمل، لان منافع كثير من الاشياء التي ذكروها في المقام يقابل عرفا- بمال، و لو قليلا، بحيث لا يكون بذل مقدار قليل من المال بإزائه سفها.

فالعمدة: ما يستفاد من الفتاوى و النصوص، من عدم اعتناء الشارع بالمنافع النادرة، و كونها في نظره كالمعدومة.

______________________________

الجهات» و المراد الجهة الشائعة، و الا لم يخل شي ء من نفع ما.

و الى هذه الامور اشار المصنف- رحمه اللّه- بقوله: الدليل عليه (على ما صرح به في الايضاح: كون اكل المال بإزائه) اي بإزاء ما لا منفعة فيه معتدا بها (اكلا بالباطل) فيشمله قوله تعالى «وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ».

(و فيه تأمل، لان منافع كثير من الاشياء التي ذكروها في المقام) مثالا لما لا منفعة فيه (يقابل- عرفا- بمال. و لو قليلا، بحيث لا يكون بذل مقدار قليل من المال بإزائه سفها) حتى يشمله ما دل على تحريم اكل المال بالباطل.

ان قلت: فليكن ما ذكروه من الامثلة غير صحيحة!

قلت: انهم ارادوا بالكلية ما هذه الامثلة مصاديقها، فالكلية غير تامة.

و اذا لم يصح هذا الدليل (فالعمدة) في دليل بطلان هذه المعاملة (ما يستفاد من الفتاوى و النصوص، من عدم اعتناء الشارع بالمنافع النادرة و كونها) اي المنافع النادرة (في نظره كالمعدومة) التي لا تقابل بالمال.

ص: 329

قال في المبسوط: «ان الحيوان الطاهر على ضربين: ضرب ينتفع به، و الآخر لا ينتفع به- الى ان قال-: و ان كان مما لا ينتفع به فلا يجوز بيعه، بلا خلاف، مثل الاسد و الذئب و سائر الحشرات مثل الحيات و العقارب و الفأر و الخنافس و الجعلان و الحداء و الرحمة و النسر و بغاث الطير و كذلك الغربان» انتهى.

______________________________

اما النص فكما في رواية تحف العقول من النهي عن بيع جلود السباع المحمول على الجلود التي لا ينتفع بها، اذ لا اشكال في الجلود التي هي محل المنفعة كما في النصوص و الفتاوى.

و اما الفتاوى فقد (قال في المبسوط: «ان الحيوان الطاهر على ضربين: ضرب ينتفع به، و الآخر لا ينتفع به- الى ان قال-: و ان كان مما لا ينتفع به فلا يجوز بيعه، بلا خلاف. مثل الاسد و الذئب و سائر الحشرات) التي تتخذ جحور الارض مأوى لها (مثل الحيات و العقارب و الفأر و الخنافس و الجعلان و) كذلك (الحداء) و هو قسم من الطير (و الرخمة و النسر) و هما قسمان من الطير (و بغاث الطير) اي صغارها التي لا ينتفع بها (كذلك الغربان») جمع غراب (انتهى).

اقول: حيث عرفت ان الميزان عدم الانتفاع، لا ان هناك دليلا خاصا، فالظاهر الجواز في كثير من المذكورات في الوقت الحاضر، لاعتياد الانتفاع بها منافع محللة مقصودة لحديقة الحيوانات، و للادوية المتعارفة التي يتخذ منها للاحتياج إليها حال الضرورة. و ما ورد من «انه لا شفاء في الحرام» انما يراد به الاستشفاء مع عدم الضرورة، او امكان دواء غيره،

ص: 330

و ظاهر الغنية: الاجماع على ذلك أيضا.

و يشعر به عبارة التذكرة، حيث استدل على ذلك بخسة تلك الاشياء و عدم نظر الشارع الى مثلها في التقويم، و لا يثبت يد لاحد عليها.

قال: «و لا اعتبار بما ورد في الخواص من منافعها، لأنها لا تعد مع ذلك مالا، و كذلك عند الشافعي» انتهى.

______________________________

و الا فالنص و الفتوى متطابقان على الجواز، كما في كتاب الاطعمة و الاشربة.

(و ظاهر الغنية: الاجماع على ذلك) الذي ذكره المبسوط (أيضا).

(و يشعر به) اي بالاجماع (عبارة التذكرة، حيث استدل على ذلك) اي عدم الجواز (بخسة تلك الاشياء) المذكورة مثالا لعدم الانتفاع بها (و عدم نظر الشارع الى مثلها في التقويم) اي جعل القيمة لها (و لا يثبت يد لاحد عليها) كي اذا اثبت احد يده عليها كانت له فيشمله قوله عليه السلام «على اليد ما اخذت»، و انما نكشف عدم نظر الشارع الى مثلها من قوله تعالى «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ»* و موضوع المال عرفي، فاذا لم ير العرف شيئا مالا، لم تشمله الآية، مما يدل على ان الشارع لم ينظر إليه نظر القيمة، و الا لم يخصص النهي ب «اموالكم».

(قال) التذكرة: ( «و لا اعتبار بما ورد في الخواص) اي خواص الاشياء المذكورة في الطب (من منافعها لأنها) اي هذه الاشياء (لا تعد مع ذلك) الذي ورد في الخواص من منافعها (مالا، و كذلك) الحكم (عند الشافعي) انتهى» كلام العلامة.

ص: 331

و ظاهره اتفاقنا عليه. و ما ذكره من عدم جواز بيع ما لا يعد مالا، مما لا اشكال فيه، و انما الكلام فيما عدوه من هذا.

قال في محكي إيضاح النافع- و نعم ما قال- «جرت عادة الاصحاب بعنوان هذا الباب و ذكر اشياء معينة على سبيل المثال، فان كان ذلك لان عدم النفع مفروض فيها فلا نزاع، و ان كان لان ما مثل به لا يصح بيعه لانه محكوم بعدم الانتفاع، فالمنع متوجه

______________________________

(و ظاهره) حيث اردف الشافعي (اتفاقنا) نحن معاشر الشيعة (عليه. و) كيف كان ف (ما ذكره) العلامة (من عدم جواز بيع ما لا يعد مالا مما لا اشكال فيه) لما عرفت من انه اذا لم يكن مالا لا يقابل بالمال، و لا يشمله دليل «لا تاكلوا اموالكم» و ما اشبه. (و انما الكلام فيما عدوه من هذا) الباب من الامثلة المتقدمة، اذ قد عرفت كون بعضها مالا عرفا.

(قال في محكي إيضاح النافع- و نعم ما قال- «جرت عادة الاصحاب بعنوان هذا الباب) بما لا مالية له (و ذكر اشياء معينة على سبيل المثال) كالامثلة التي عرفتها في كلام المبسوط (فان كان ذلك) اي ذكر تلك الامثلة (لان عدم النفع مفروض فيها) اي انهم يريدون ان يقولوا «على فرض عدم النفع في هذه الامثلة لا يصح بيعها» (فلا نزاع) اذ الفرض ممكن حتى فيما له مالية قطعية (و ان كان) ذكر تلك الامثلة (لان ما مثل به لا يصح بيعه لانه محكوم بعدم الانتفاع) و يريدون بيان انه لا نفع في هذه الاشياء- حقيقة- (فالمنع) من عدم النفع بما مثلوا (متوجه

ص: 332

في اشياء كثيرة» انتهى.

و بالجملة- فكون الحيوان من المسوخ او السباع او الحشرات لا دليل على كونه كالنجاسة مانعا، فالمتعين فيما اشتمل منها على منفعة مقصودة للعقلاء جواز البيع.

فكلما جازت الوصية به لكونه مقصودا بالانتفاع للعقلاء، فينبغي جواز بيعه، الا ما دل الدليل على المنع فيه تعبدا.

______________________________

في اشياء كثيرة») من امثلتهم (انتهى) كلام الايضاح.

(و بالجملة فكون الحيوان من المسوخ) كالقرد (او السباع) كالاسد (او الحشرات) كالجعل (لا دليل على كونه كالنجاسة مانعا) من البيع (فالمتعين فيما اشتمل منها) اي من هذه الحيوانات (على منفعة مقصودة للعقلاء) بحيث يكون ما لا عرفا (جواز البيع) سواء كان ذلك في جميع الازمنة و الامكنة او بعضها، مثلا اذا كانت الحية ذات نفع في بلاد الغرب لاستعمالهم لها في الدواء، و غير ذات نفع في الشرق لعدم استعمالهم، جاز بيعها هناك، لان لها منفعة محللة مقصودة هناك، و هكذا اذا كان للشي ء نفع في زمان دون زمان.

و الظاهر التلازم بين جواز الوصية و جواز البيع (فكلما جازت الوصية به لكونه مقصودا بالانتفاع للعقلاء) اذ لا تصح الوصية بما لا منفعة له اطلاقا (فينبغي جواز بيعه الا ما دل الدليل على المنع فيه تعبدا) و عليه فالاصل الجواز الا ما خرج، لا المنع الا ما خرج.

ص: 333

و قد صرح في التذكرة بجواز الوصية بمثل الفيل و الاسد و غيرهما من المسوخ و المؤذيات، و ان منعنا من بيعها.

و ظاهر هذا الكلام: ان المنع من بيعها على القول به للتعبد، لا لعدم المالية.

«ثم» ان ما تقدم منه- قدس سره- من انه لا اعتبار بما ورد في الخواص من منافعها، لانها لا تعد ما لا مع ذلك، يشكل بأنه اذا اطلع العرف على خاصية في احدى الحشرات معلومة بالتجربة او غيرها

______________________________

(و قد صرح في التذكرة بجواز الوصية ب) اعطاء (مثل الفيل و الاسد و غيرهما من المسوخ و المؤذيات، و ان منعنا من بيعها).

(و ظاهر هذا الكلام) من التذكرة (ان المنع من بيعها على القول به) اي بالمنع (للتعبد، لا لعدم المالية) اذ لو كان لعدم المالية لم تصح الوصية بها أيضا، و قد فرض- رحمه اللّه- صحة الوصية بها، و عليه فكلام التذكرة مؤيد لما ذكرناه من أصالة جواز البيع الا ما خرج، و التلازم بين الوصية و البيع.

( «ثم» ان ما تقدم منه) اي من العلامة (قدس سره من انه لا اعتبار بما ورد في الخواص من منافعها، لأنها لا تعد ما لا مع ذلك) اي مع وجود ما ورد من الخواص لها (يشكل ب) أن عدم كونه ما لا إنما هو لعدم اطلاع العرف، فاذا اطلع العرف كان مالا، كسائر الادوية، فلما ذا اطلق عدم جواز البيع ف (أنه اذا اطلع العرف على خاصية في احدى الحشرات معلومة بالتجربة او غيرها) كالموازين التي يعرف بها خواص الاشياء، كاللون، و الرائحة، و ما اشبه، من الموازين المذكورة في الكتب الطبية

ص: 334

فاي فرق بينها و بين نبات من الادوية علم فيه تلك الخاصية.

فعدم جواز بيعها و اخذ المال في مقابله بملاحظة تلك الخاصية يحتاج الى دليل، لانه حينئذ ليس اكلا للمال بالباطل.

و يؤيد ذلك ما تقدم في رواية التحف من «ان كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك حلال بيعه الخ».

و قد اجاد في الدروس حيث قال: «ما لا نفع فيه مقصود للعقلاء كالحشار

______________________________

(فاي فرق) في المالية و جواز التعامل (بينها) اي بين احدى الحشرات (و بين نبات من الادوية علم فيه تلك الخاصية) حتى تقولوا بجواز بيع ذلك الدواء، دون هذه الحشرة.

و على هذا (فعدم جواز بيعها) اي تلك الحشرة (و) عدم جواز (اخذ المال في مقابله) اخذا (بملاحظة تلك الخاصية يحتاج الى دليل) فاذا كان هناك دليل خاص على عدم الجواز نقول به و الا قلنا بجواز بيعه (لانه حينئذ) اي حين وجود الخاصية المذكورة (ليس اكلا للمال بالباطل).

(و يؤيد ذلك) الذي ذكرنا من الجواز حينئذ (ما تقدم في رواية التحف من «ان كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك حلال بيعه الخ») بل مطلقات «البيع» و «الحل» شاملة له اذ حاله حينئذ حال سائر الاشياء.

(و قد اجاد في الدروس حيث قال) في ميزان ما لا يجوز بيعه:

( «ما لا نفع فيه مقصود للعقلاء) «مقصود» صفة «نفع» (كالحشار)

ص: 335

و فضلات الانسان».

و عن التنقيح: «ما لا نفع فيه بوجه من الوجوه كالخنافس و الديدان».

و مما ذكرنا يظهر النظر فيما ذكره في التذكرة: من الاشكال في جواز بيع العلق الذي ينتفع به لامتصاص الدم، و ديدان القز التي يصاد بها السمك ثم استقرب المنع، قال: لندور الانتفاع، فيشبه ما لا منفعة فيه، اذ كل شي ء فله نفع ما. انتهى.

______________________________

جمع حشرة، و قد ذكروا ان هذا الجمع لم يثبت في اللغة، و انما الجمع حشرات (و فضلات الانسان»).

(و عن التنقيح) في ميزان ما لا يجوز بيعه قال: ( «ما لا نفع فيه بوجه من الوجوه كالخنافس و الديدان») و يفهم منهما جواز بيع ما فيه نفع مقصود للعقلاء.

(و مما ذكرنا) من انه اذا كان هناك نفع مقصود للعقلاء جاز البيع (يظهر النظر فيما ذكره في التذكرة من الاشكال في جواز بيع العلق الذي ينتفع به لامتصاص الدم، و ديدان القز) بعد موتها، اما قبل الموت فلا اشكال في انها مال لاخراجها القز (التي يصاد بها السمك) فان السمك يتطلبها كأنها تجد فيها لذة (ثم استقرب) العلامة (المنع) اي قال:

الاقرب المنع من بيع العلق و دود القز (قال) في وجه المنع: (لندور الانتفاع فيشبه ما لا منفعة فيه اذ) لو لوحظ النفع النادر كان اللازم جواز بيع كل شي ء (اذ كل شي ء فله نفع ما انتهى) كلام العلامة.

ص: 336

اقول: لا مانع من التزام جواز بيع كل ماله نفع ما. و لو فرض الشك في صدق المال على مثل هذه الاشياء، المستلزم للشك في صدق البيع، امكن الحكم بصحة المعاوضة عليها، لعمومات التجارة، و الصلح، و العقود. و الهبة المعوضة و غيرها. و عدم المانع، لانه ليس الا اكل المال بالباطل، و المفروض عدم تحققه هنا.

فالعمدة في المسألة: الاجماع على عدم الاعتناء بالمنافع النادرة.

______________________________

(اقول: لا مانع من التزام جواز بيع كل ماله نفع ما) لعموم ادلة البيع (و لو فرض الشك في صدق المال على مثل هذه الاشياء) النادر نفعها (المستلزم للشك في صدق البيع) إذ البيع لا يصدق الا بعد المالية (امكن الحكم بصحة المعاوضة عليها، لعمومات التجارة، و الصلح، و العقود) في قوله سبحانه «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (و الهبة المعوضة و غيرها) لان هذه المعاوضات لا تحتاج الى صدق المال، و ليست كالبيع مما نص على لزوم المالية في طرفيه، كما قال في المصباح: انه مبادلة مال بمال. (و عدم المانع) عطف على قوله «لعمومات» اي المقتضي لسائر المعاوضات موجود و المانع مفقود (لانه) اي المانع (ليس الا اكل المال بالباطل، و المفروض عدم تحققه هنا) لوجود منفعة نادرة، مما يسبب ان لا يسمى اكلا للمال بالباطل.

(فالعمدة في المسألة) و انه لا يجوز بيع ماله منافع نادرة (الاجماع على عدم الاعتناء) في مورد البيع (بالمنافع النادرة). لكن يرد عليه ان الاجماع محتمل الاستناد، و مثله ليس بحجة و ان قلنا بحجية الاجماع الحدسي.

ص: 337

و هو الظاهر من التأمل في الأخبار أيضا، مثل ما دل على تحريم بيع ما يحرم منفعته الغالبة مع اشتماله على منفعة نادرة محللة، مثل قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم «لعن اللّه اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها و اكلوا ثمنها» بناء على ان للشحوم منفعة نادرة محللة على اليهود. لان ظاهر تحريمها عليهم تحريم اكلها او سائر

______________________________

(و هو) اي عدم الاعتناء بالمنافع النادرة في المالية، و جواز البيع هو (الظاهر من التأمل في الاخبار أيضا، مثل ما دل على تحريم بيع ما يحرم منفعته الغالبة مع) وضوح (اشتماله) اي اشتمال ذلك المحرم البيع (على منفعة نادرة محللة، مثل قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم «لعن اللّه اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها و اكلوا ثمنها»).

الا ان يقال: ان الظاهر كون بيعهم و اكل ثمنها بقصد المنفعة المتعارفة المحرمة. و في المقام أيضا كذلك، فانه اذا بيع ما له منفعة محللة نادرة بقصد تلك المنفعة حرم البيع، و الا كان حلالا.

«ثم» ان الاستدلال بهذا الخبر لما نحن فيه (بناء على ان للشحوم منفعة نادرة محللة على اليهود) اذ لو لا المنفعة النادرة المحللة عليهم، كصنعها صابونا، لم يكن وجه للاستدلال بهذا الخبر لمقامنا، الذي فرض فيه منفعة نادرة محللة.

و انما نقول: ان تحريم الشحوم على اليهود لم يكن تحريم جميع منافعها ليكون دليلا لنا- (لان ظاهر تحريمها عليهم تحريم اكلها او سائر

ص: 338

منافعها المتعارفة.

فلولا ان النادر في نظر الشارع كالمعدوم لم يكن وجه للمنع، كما لم يمنع الشارع عن بيع ما له منفعة محللة مساوية للمحرمة في التعارف و الاعتداد الا ان يقال: المنع فيها تعبد للنجاسة، لا من حيث عدم المنفعة المتعارفة، فتأمل!

______________________________

منافعها المتعارفة) فللشحوم منافع نادرة محللة، و مع ذلك استحقوا اللعن باكل ثمنها و بيعها، فيدل على ان كل شي ء حرم منافعها الغالبة لم يجز بيعه و اكل ثمنه.

(فلولا ان النادر في نظر الشارع كالمعدوم) فلا يقابل بالمال (لم يكن وجه للمنع) من الشارع لبيع الشحوم على اليهود (كما لم يمنع الشارع عن بيع ماله منفعة محللة مساوية للمحرمة) اي للمنفعة المحرمة (في التعارف و الاعتداد) اي كان التساوي بين المنفعتين في العرف و العادة.

(الا ان يقال: المنع فيها) اي في الشحوم (تعبد للنجاسة، لا من حيث عدم المنفعة المتعارفة) فالشارع انما حرم عليهم بيع الشحوم لانها نجسة، و النجس لا يجوز بيعه بالدليل الخاص، فلا يمكن ان يستدل بهذا الحديث لما نحن فيه، الذي هو عدم جواز البيع لعدم المنفعة (فتأمل) حيث ان الظاهر من الحديث كون المنع عن بيع الشحوم لحرمة الاكل، لا للنجاسة، فانه خلاف ظاهر قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم «حرمت عليهم الشحوم».

ص: 339

و اوضح من ذلك قوله عليه السلام- في رواية تحف العقول، في ضابط ما يكتسب به-: «و كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك كله حلال بيعه و شراؤه» اذ لا يراد منه مجرد المنفعة، و الا لعم الاشياء كلها.

و قوله- عليه السلام في آخره-: «انما حرم اللّه الصناعة التي يجي ء منها الفساد محضا، نظير كذا و كذا» الى آخر ما ذكر.

فان كثيرا من الامثلة المذكورة هناك لها منافع محللة، فان الاشربة المحرمة

______________________________

(و اوضح من ذلك) الاستدلال بحديث «لعن اللّه» لعدم ايجاب المنافع النادرة المحللة صحة البيع (قوله عليه السلام- في رواية تحف العقول في ضابط ما يكتسب به- «و كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك كله حلال بيعه و شراؤه») حيث ان الظاهر من قوله «جهة من الجهات» الجهات المتعارفة (اذ لا يراد منه مجرد المنفعة، و الا لعم الاشياء كلها) اذ كل الاشياء لها منفعة محللة نادرة.

(و) كذا يستدل ب (قوله- عليه السلام- في آخره-: «انما حرم اللّه الصناعة التي يجي ء منها الفساد محضا، نظير كذا و كذا- الى آخر ما ذكرنا، فان) المراد كون المنافع المتعارفة يجي ء منها الفساد محضا، لا انه ليس فيه و لو منفعة محللة نادرة.

و يشهد لهذا ان (كثيرا من الامثلة المذكورة هناك) في رواية تحف العقول (لها منافع محللة) نادرة (فان الاشربة المحرمة) كالخمر و نحوها

ص: 340

كثيرا ما ينتفع بها في معالجة الدواب، بل المرضى. فجعلها مما يجي ء منه الفساد محضا، باعتبار عدم الاعتناء بهذه المصالح، لندرتها.

الا ان الاشكال في تعيين المنفعة النادرة و تميزها عن غيرها. فالواجب الرجوع- في مقام الشك- الى ادلة التجارة و نحوها مما ذكرنا.

و منه يظهر: ان الأقوى جواز بيع السباع، بناء على وقوع التذكية عليها.

______________________________

(كثيرا ما ينتفع بها في معالجة الدواب بل المرضى) و ذلك جائز بالنص و الفتوى (فجعلها) في الحديث (مما يجي ء منه الفساد محضا) انما هو (باعتبار عدم الاعتناء بهذه المصالح لندرتها) فالحديث يدل على حرمة البيع فيما منافعه المتعارفة محرمة، و ان كانت لها منافع محللة نادرة.

(الا ان الاشكال في تعيين المنفعة النادرة و تميزها عن غيرها) بعد تنقيح ان المنفعة النادرة لا توجب مالية تبيح البيع (فالواجب الرجوع- في مقام الشك-) في ان المنفعة الموجودة نادرة أم لا (الى ادلة التجارة و نحوها مما ذكرنا) كادلة الهبة و الصلح و ما اشبه لادلة البيع، لان البيع يتوقف على كون الشي ء مالا- حتى يصدق مبادلة مال بمال- فاذا شك في المالية لا يكون دليل البيع مرجعا فانه من الرجوع الى العام في الشبهات المصداقية، و بعبارة اخرى اثبات الموضوع بالحكم.

(و منه) اي مما ذكرنا من صحة بيع ماله مالية عرفية (يظهر ان الاقوى جواز بيع السباع) خلافا لمن ذكر انه لا يجوز بيع السباع (بناء على وقوع التذكية عليها) كما هو المشهور بل عن السرائر دعوى الاجماع عليه.

ص: 341

للانتفاع المبين بجلودها، و قد نص في الرواية على بعضها.

______________________________

و انما بنينا جواز البيع على وقوع التذكية (للانتفاع المبين) الواضح (بجلودها) بخلاف ما لو قلنا بعدم وقوع التذكية فان الجلد حينئذ نجس و حرام استعماله.

(و قد نص في الرواية على بعضها) كالسمور و النمر و الثعالب، بل في بعضها الاطلاق.

قال الراوي: «اني رجل سراج ابيع جلود النمر. فقال عليه السلام مدبوغة هي؟ قال: نعم. قال عليه السلام: ليس به بأس» فان تجويز البيع و نحوه دال على قبول التذكية. و الدبغ كناية عن التذكية.

و موثقة سماعة: «سألته عن لحوم السباع و جلودها؟ فقال عليه السلام اما لحوم السباع و السباع من الطير- فانا نكرهه، و اما الجلود فاركبوا عليها و لا تلبسوا شيئا منها تصلون فيه».

و موثقته الاخرى: «سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال (ع) اذا رميت و سميت فانتفع بجلده».

و في الصحيح «عن الفهود و سباع الطير هل يلتمس منها التجارة؟

قال عليه السلام: نعم».

و في المروي عن قرب الاسناد «عن جلود السباع و بيعها و ركوبها أ يصلح ذلك؟ قال عليه السلام: لا بأس ما لم يسجد عليه».

ص: 342

و كذا شحومها و عظامها.

و اما لحومها فالمصرح به في التذكرة: عدم الجواز، معللا بندور المنفعة المحللة المقصودة منه، كالطعام الكلاب المحترمة و جوارح الطير.

و يظهر أيضا: جواز بيع الهرة، و هو المنصوص في غير واحد من الروايات. و نسبه في موضوع من التذكرة الى علمائنا. بخلاف القرد، لان المصلحة المقصودة منه- و هو حفظ المتاع- نادر.

______________________________

(و كذا شحومها) تطلية و تصبينا و ما اشبه (و عظامها) استعمالا في المشط و المكحلة و غيرهما.

(و اما لحومها) بعد التذكية (فالمصرح به في التذكرة: عدم الجواز معللا بندور المنفعة المحللة المقصودة منه، كاطعام الكلاب المحترمة) كالصيد و الحائط و الماشية و نحوها (و جوارح الطير) التي ينتفع بها. بل مطلق الطيور كالبلابل و مطلق الدواجن كالدجاج و غيرهما.

لكن لا يخفى ان المنفعة لو كانت متعارفة لا بأس لو صدق انه مال فيشمله دليل البيع.

(و) مما ذكرنا من جواز بيع ماله مالية عرفية (يظهر أيضا جواز بيع الهرة، و هو المنصوص في غير واحد من الروايات) كقوله عليه السلام في الصحيح «لا بأس ببيع الهرة» (و نسبه في موضع من التذكرة الى علمائنا) فانها مال عرفا و ينتفع بها في صيد الفار و ما اشبه (بخلاف القرد، لان المصلحة المقصودة منه- و هو حفظ المتاع- نادر) و بالمنع رواية ضعيفة، الا ان مقتضى القاعدة جواز البيع، خصوصا و للقرد فوائد

ص: 343

«ثم» اعلم ان عدم المنفعة المعتد بها يستند تارة الى خسة الشي ء كما ذكر من الامثلة في عبارة المبسوط- و اخرى الى قلته، كجزء يسير من المال لا يبذل في مقابله مال، كحبة حنطة.

و الفرق: ان الاول لا يملك و لا يدخل تحت اليد- كما عرفت من التذكرة- بخلاف الثاني فانه يملك، و لو غصبه غاصب كان عليه مثله ان كان مثليا. خلافا للتذكرة فلم يوجب شيئا كغير المثلي.

______________________________

كثيرة، كما يعلم ذلك اهل الخبرة، و الرواية مع ضعفها منزلة على صورة عدم الانتفاع، او الاشتراء للهو و ما اشبه مما لا يعد ما لا شرعا.

( «ثم» اعلم ان عدم المنفعة المعتد بها) الموجب لعدم جواز البيع (يستند تارة الى خسة الشي ء- كما ذكره من الامثلة في عبارة المبسوط-) المتقدمة و «من» بيان «ما» في «كما» (و) تارة (اخرى) يستند (الى قلته، كجزء يسير من المال) بحيث (لا يبذل في مقابله مال، كحبة حنطة) فانها ليست بمنزلة الخنافس، و انما اسقط ماليتها قلتها.

(و الفرق ان الاول) اي الشي ء الخسيس (لا يملك و لا يدخل تحت اليد) فلا يصدق عليه «على اليد ما اخذت» (- كما عرفت من التذكرة بخلاف الثاني) كحبة الحنطة (فانه يملك، و لو غصبه غاصب كان عليه مثله ان كان مثليا) بخلاف ما لو كان قيميا فانه لا قيمة على الغاصب اذ المفروض انه لا قيمة له (خلافا للتذكرة فلم يوجب) بغصب مثل حبا الحنطة (شيئا كغير المثلي) الذي لا يوجب غصبه شيئا- كما عرفت-.

ص: 344

و ضعفه بعض، بان اللازم حينئذ عدم الغرامة فيما لو غصب صبرة تدريجا.

و يمكن ان يلتزم فيه بما يلتزم في غير المثلي، فافهم.

______________________________

(و ضعفه) اي كلام العلامة (بعض بان اللازم حينئذ) اي حين عدم الضمان في مثل الحنطة (عدم الغرامة فيما لو غصب صبرة تدريجا) الصبرة: ما جمع من الحنطة و الشعير و ما اشبه، و المراد الغصب مع الاتلاف تدريجا، و الا فلو اجتمعت عنده كان مالا للمالك.

(و يمكن ان) يجاب عن قبل العلامة بانه (يلتزم فيه) اي في المثلي (بما يلتزم في غير المثلي) اي القيمي الذي تقدم انه لا يوجب الضمان، إذ الضمان بمثله خلاف فرض انه ليس بمثلي، و الضمان بقيمته خلاف فرض انه ليس بمال يقابل بالمال (فافهم) لامكان الفرق بين حبة من الحنطة، و بين صبرة تدريجا، فيحكم بالضمان اذا صارت الحبات بمقدار يكون لها قيمة كما في القيمي.

هذا و لا يخفي ان الظاهر: الضمان في كلا المثلي و القيمي. لقاعدة «على اليد ما اخذت» و لفظة «ما» اعم من المال. و لا يضر عدم القيمة للجزء الصغير من القيمي، اذ العوض لا بدّ ان يكون بقدر المعوض و صالحا للعوضية، لا ان يسمى ما لا عرفا.

هذا مضافا الى ان القيمي يعوض بشي ء آخر اذا فقدت القيمة لصغره، او لانه لم يمكن القيمة، كما لو اتلف شاة زيد في صحراء لا قيمة عند المتلف، و انما عنده شاة شبيهة بها، و لا يريدون الذهاب الى مكان توجد فيه القيمة و النقود- كما اخترنا ذلك في مبحث المثلي و القيمي-.

ص: 345

«ثم» ان منع حق الاختصاص في القسم الاول مشكل، مع عموم قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: «من سبق الى ما لم يسبق إليه احد من المسلمين فهو احق به» مع عد اخذه- قهرا- ظلما عرفا.

______________________________

( «ثم» ان منع حق الاختصاص في القسم الاول) الذي ذكره صاحب التذكرة بانه لا يد لاحد عليها (مشكل) بل اللازم ان نقول بوجود حق الاختصاص (مع عموم قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم «من سبق الى ما لم يسبق إليه احد من المسلمين فهو احق به») كما عن المهذب لابن فهد روايته، فالحق ثابت و يتفرع على الحق الضمان (مع عد اخذه قهرا، ظلما عرفا) فيندرج في موضوع الغصب. و عليه فلا فرق بين غصب احد حب حنطة غيره او خنافسه التي وضع يدا عليها و يريدها، و ان لم تكن الخنافس ما لا اذ اليد و الغصب لا يدوران مدار المال.

*** الى هنا ينتهي الجزء الاول من شرحنا على المكاسب المحرمة لشيخ العلماء العلامة الانصاري- قدس سره- و قد انتهينا بذلك عن ثلاثة انواع مما كان يحرم التكسب به. و سنبدأ بحول اللّه و قوته في الجزء التالي بالنوع الرابع، و هو ما كان عملا محرما في نفسه. و نستمد التوفيق منه تعالى و هو المستعان.

كربلاء المقدسة محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي

ص: 346

(دليل الكتاب)

اشارة

الصفحة الموضوع 5 حديث تحف العقول في أنواع المكاسب

25 حديث فقه الرضا في انواع المكاسب

26 حديث دعائم الاسلام في انواع المكاسب

27 حديث نبوي كقاعدة كلية

28 تقسيم المكاسب الثلاثي و اشكال المصنف عليه

29 معنى حرمة الاكتساب

30 و الاكتساب المحرم على انواع:

النوع الاول

30 الاكتساب بالأعيان النجسة.

31 و فيه مسائل ثمان:

31 (المسألة الأولى)- تحرم المعاوضة على بول غير مأكول اللحم، بلا خلاف ظاهر.

32 فرعان: الاول- في الابوال الطاهرة ما عدا بول الابل

ص: 347

42 الثاني- في بول الابل

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 1، ص: 348

45 (المسألة الثانية)- يحرم بيع العذرة النجسة على المشهور

51 «فرع»- الاقوى جواز بيع الأرواث الطاهرة

53 (المسألة الثالثة)- تحرم المعاوضة على الدم النجس بلا خلاف

54 «فرع»- اما الدم الطاهر ففيه وجهان: اقواهما: الجواز

56 (المسألة الرابعة)- لا اشكال في حرمة بيع المني

59 (المسألة الخامسة)- تحرم المعاوضة على الميتة و أجزاؤها التي تحلها الحياة من ذي النفس السائلة، على المعروف من مذهب الاصحاب

70 «فرعان»: الاول- كما لا يجوز بيع الميتة منفردة كذلك لا يجوز بيعها منضمة الى المذكى.

79 الثاني- تجوز المعاوضة على ميتة غير ذي النفس السائلة

80 (المسألة السادسة)- يحرم التكسب بالكلب الهراش و الخنزير البريين إجماعا.

81 (المسألة السابعة)- يحرم التكسب بالخمر و كل مسكر مائع و الفقاع اجماعا نصا و فتوى.

82 (المسألة الثامنة)- تحرم المعاوضة على الاعيان المتنجسة غير القابلة للطهارة.

85 و يستثنى من الاعيان النجسة المحرم بيعها اشياء أربعة تذكر طي مسائل اربع:

ص: 348

85 المسألة الاولى- يجوز بيع المملوك الكافر.

93 المسألة الثانية- تجوز المعاوضة على غير كلب الهراش في الجملة، و هو على اقسام:

94 القسم الاول: كلب الصيد السلوقي- و هو المتيقن من الاخبار و معاقد الاجماعات الدالة على الجواز.

94 القسم الثاني: كلب الصيد غير السلوقي. و بيعه جائز على المعروف بين الاصحاب.

99 القسم الثالث: كلب الماشية و الحائط و الزرع، و الاشهر هو المنع لكن المشهور عن الشيخ و من تأخر عنه الجواز

*** 111 المسألة الثالثة- الاقوى جواز المعاوضة على العصير العني اذا غلى و لم يذهب ثلثاه.

120 المسألة الرابعة- تجوز المعاوضة على الدهن المتنجس

126 لكن يقع الاشكال في مواضع:

127 الموضع الاول: هل صحة هذا البيع مشروطة باشتراط الاستصباح به؟

139 الموضع الثاني: هل يحب اعلام المشتري؟

157 الموضع الثالث: هل يجب كون الاستصباح تحت السماء؟

162 الموضع الرابع: هل يجوز الانتفاع بهذا الدهن في غير الاستصباح؟

و يتطرق الكلام عن استعمال مطلق المتنجسات.

ص: 349

186 «ثم» على تقدير جواز الانتفاع بالدهن المذكور هل يجوز بيعه لذلك؟

188 و هل يجوز بيع غير الدهن من المتنجسات المنتفع بها؟

200 الكلام في حكم نجس العين: هل الاصل الاولي فيه هي الحلية الا ما خرج بالدليل او العكس؟

201 ظاهر الاكثر: أصالة حرمة الانتفاع بنجس العين و الادلة على ذلك.

204 الخدشة في هذه الادلة

212 صريح الشيخ الكبير: أصالة جواز الانتفاع بنجس العين و تقوية ذلك

222 ثم ان جواز الانتفاع بنجس العين يجعله مالا عرفا، لكنه ممنوع من البيع شرعا

225 و الظاهر جواز المصالحة عليها

***

النوع الثاني

ما يحرم التكسب به لتحريم ما يقصد به، و هو على اقسام:

232 (القسم الاول)- ما لا يقصد من وجوده الخاص الا الحرام و هي امور:

232 أ: هياكل العبادة المبتدعة.

ص: 350

244 ب: آلات القمار.

246 ج: آلات اللهو.

247 د: اواني الذهب و الفضة.

248 ه: الدراهم و الدنانير المغشوشة.

255 (القسم الثاني)- ما يقصد منه المتعاملان المنفعة المحرمة.

256 و هنا ثلاث مسائل:

256 المسألة الاولى- بيع العنب على ان يعمل خمرا. و الخشب على ان يعمل صنما او صليبا و ما اشبه

264 المسألة الثانية- تحرم المعاوضة على الجارية المغنية.

269 المسألة الثالثة- بيع العنب ممن يعمله خمرا، و يتطرق الكلام الى مطلق بيع الشي ء ممن يعلم انه يصرفه في الحرام.

314 (القسم الثالث)- ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا كبيع السلاح من اعداء الدين و ما اشبه

النوع الثالث

328 مما يحرم التكسب به:- الاكتساب بما لا منفعة فيه محللة معتدا بها عند العقلاء كالخنافس و الديدان و الحشرات.

341 جواز بيع جلود السباع.

344 عدم مالية الشي ء اما لخسته او لقلته

346 و لا يبعد ثبوت حق الاختصاص في القسم الأول

ص: 351

قريبا جدا يصدر الجزء الثانى بعونه تبارك و تعالى

ص: 352

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.